رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير بقلم انفاس قطر
رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فضاءات الياس والامل كاملة من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فضاءات الياس والامل كاملة من الفصل الاول للاخير
رواية فضاءات الياس والامل كاملة بقلم وعد
مضى لي سنوات وأنا أكتبها أخذت من روحي الكثير
صغيرة مدللة ترفض الخروج وتعتصم بالخزائن المغلقة
فكرتها ليست جديدة لكنها ستكون جديدة
الرواية الجديدة في جانب منها ستكمل أحداثا مبتورة في روايتي الأولى (بعد الغياب)
تخص عائلة سعود فقط
سنعرف ماذا حدث لخالد والجازي ومزنة ومحمد
والشخصية التي دخلت في ختام الرواية
متعب ابن خالة سعود
سنتعرف على أسرته كاملة وأعمامه وأبناء أعمامه
الشخصيات الرئيسية في مجملها ستكون جديدة وشخصياتها متنوعة مختلفة الأعمار.. تماما كما أحبهم!
ولا يلزم أبدا لمن لم يقرأ بعد الغياب أن يكون قد قرأها حتى يقرأ معنا الرواية الجديدة
سيكون الأمر وكأنه يقرأ رواية جديدة
.
فضاءات اليأس والأمل
كتبتها برفق وشفافية
جعلت شخصياتها تتدفق بالحياة
ستشعرون بهم معكم
أخواتكم وإخوانكم وأمهاتكم وآبائكم وأولادكم
لا أستطيع أن أعدكم بشيء ، ولا أنها ستكون أفضل ..إلا أني أعدكم أنها ستكون رواية متفجرة بالحياة لأقصى حدودها
ستشعرون أنهم شخصيات حقيقية مثقلة بهموم الحياة وبمشاعر البشر المعقدة
لكن رجائي كما سبق وقلت لكم في مقدمة بين الأمس واليوم
هأنا أعود.. عدنا.. والعود أحمد
لا أعلم إن كنت أعود بشيء أفضل أو أسوأ..ولكن بالتأكيد أعود بكل الحب والمودة التي لا حدود لها
أعود لكم بخليط فكري وعاطفي عاصف...أعود لكم بـ "فضاءات اليأس والأمل"
ابنتي الرابعة التي أخذت من روحي وتفكيري الكثير
فضاءات اليأس والأمل/ الجزء الأول
كلنا في هذه الحياة مشروع (قـــائـــــــم) أو (مــــؤجــــل) لحقيقة واحدة
حقيقة اسمها "الــــــــحــــــــــرمـ� �ــــــــان"
تبهت كل حقائق الحياة
وتبقى حقيقة الحرمان ماثلة
أمواجا متتالية تغمرنا موجة بعد موجة
ونحن نحاول رفع رؤوسنا خارج الموجة
لتنتفس فقط..
أقصى أمانينا : أنفاس يتيمة.. ننفثها خارج بحر الحرمان
حينا نمد رؤوسنا لنتنفس أنفاسا مسلوبة من قسوة الحياة..
وأحيانا تخنق الأمواج مابقي من أنفاسنا الذابلة!!
ويختلف كل عــــابـــر لهذه الحياة في (يأس) حرمانه الذي يناوشه (الأمل)
وبونٌ شاسعٌ بين أطياف المحرومين ويأسهم وآمالهم..
تفرقهم الأشكال وأنماط الحرمان
و.. تجمعهم الــــوجـــيــعـــة!!
.
.
همس يائس بعمق سنواته الـــســـتــيـــن التي مضت..
ذلك الهمس العميق الذي تتذوق فيه استيطان الوجع.. واتساعه..
ذلك الهمس الذي تحكي نبراته امتدادات الحرقة المتطاولة..
ذلك الهمس المشبع باليأس دون بارقة أمل..
كان يقف منتصبا، يتوكأ على عكازه..
وينظر إلى ولده الجالس في صدر المجلس بنظرات غضب.. وشـــفــقة.. لا يعلم كيف اجتمعا..
غاضب منه حتى حدود السماء، ومشفق عليه حتى أقصى الأقاصي..
إنـــــه ولده الوحيد بين ثلاث بنات .. الأمل والامتداد العذب..و.... الحــــزن..
الحزن المقيم وهو يرى كيف غيرته السنوات الخمس الماضية..
" يا أبيك.. مايصير.. مايصير.. إلى متى؟؟
خمس سنين وأنت ماسك بنت الناس"
السنوات تمر.. تطحن ما أمامها.. ولابد أن تغير البشر.. هكذا ديدنها..
فكل يوم يمر عليك لا يتركك أبدا كما كنت بالأمس..
فكيف بمن هو مثل ولده؟!!
قضى سنواته الأخيرة في صراع نفسي ومجتمعي وأسري
يجد نفسه مجبرا على أن يقاومه على كل المستويات..
ويجب في كل يوم يمر أن يكون أقسى وأعند..
لكي يستطيع مواجهة اليوم التالي الذي يعلم أنه سيكون أشدُّ حدة ومرارة..
فكل يوم تزيد فيه خبراتك أو قدراتك الدفاعية أو حرقتك وقهرك..
تجابهك الحياة بتغيير استراتيجيتها لتقلب الطاولة عليك
ويبدو أن هذا الــــيـــوم هو واحد من تلك الأيام الأكثر حدة ومرارة!!
رد على والده: " بنت الناس؟؟!! يبه أنا ما أتذكر أني مسكت بنت أي ناس!!"
كانت نبرته الغريبة نبرة دهشة مصطنعة مغلفة بالصرامة..
هو يتلفت حوله باصطناع تمثيلي كأنه يبحث عن شيء ما..
ثم يرفع رأسه ومعه حاجبيه لوالده الذي يقف فوق رأسه مستندا على عصاه
كان ينظر إلى عيني والده المغمورتين في التجاعيد.. ويراهما تشتعلان ببريق غضب أثقله اليأس من عناده.
نبرة غضب تصدر من أعمق نقطة في صدر الشيخ.. مجللة بهذا اليأس العتيد.. يتكلم وهو يعلم أي إذن صماء يلقي عليها غضب حديثه..
يتكلم وهو يعلم أنه لا فائدة من الكلام إلا مزيدا من الحرقة لكليهما..
تعب.. تعب من هذا الموضوع الذي يلوكه منذ خمس سنوات مضت حتى الآن:
خويلد تراني ما أنا بخويك.. تهيبل عليّ يا الهبيل
حـــيـنــــها.. وقف خالد متنهدا تنهيدة بعمق بهذا اليأس المسفوح الذي أغرق روحه واستوطن كل خلاياه في بعدها..
تلك الظالمة المظلومة التي لا تعرف أنصاف الحلول.. هزّ رأسه وكأنه ينفض يأسه وذكراها التي لا تزول.. ذكراها التي وسمت روحه وسما غائرا يصعب إزالته أو حتى الوصول إليه..
وقف..ليُجلس والده باحترام فطري لابد أن يغلب عليه مهما تصاعد غضبه.. الذي كان متصاعدا منذ صباح هذا اليوم السيء..
ووقف وتناول الدلة من "المقهوي" ليقهوي والده بنفسه...
وهو يهتف بنبرة تجبر بات يتقنها حتى الإجادة.. حتى الإجادة:
ودامني هبيل.. خلوا الهبيل منكم.. قدام يحوشكم شيء من هباله..
تنهد أبو خالد بحرقة، أخذت السنوات منه الكثير..ماعاد في العمر كما مضى..
وهذا الشاب هو السند الوحيد الذي خرج به من الدنيا..هو كل مابقي من الأحلام التي أهلكها مرور السنوات الغادرة دون بارقة أمل..
كان يعلم منذ مراهقته أنه حين يغضب يصبح غير قابل للتفاهم.. مخلوق انفعالي مثقل بالكبرياء..
تمر به عشرات الحوادث.. وعشرات الذكريات..
كان سيقتل سعود ابن عمه ليلة ملكته من دانة شقيقته..
وكان سيقتل سعد ليعيد دانة لسعود..
وقبل أيام تلاسن مع زوج شقيقته غالية لأنه ظن أنها جاءت غاضبة منه..
وكانا سيتعاركان، لولا أن غالية خرجت لهما وقالت إنه لا شيء بينها وبين زوجها..
اعتاد على عصبيته وتهوره وغضبه.. وتقبلها كجزء من شخصيته عجز عن معالجته..
ولكن شتان بين عصبيته المراهقة الطائشة قبلا وعصبيته المتجبرة البالغة أقصى حدود التجبر الآن...
لا شيء يشبه هذا الغضب الذي كاد يغير شخصيته كاملة، إن لم يكن غيرها فعلا.. لا شيء..
خمس سنوات مرت منذ عقد قرانهما، وغضبه لا يخف ولا ينزاح ولا ينجلي..
كلما أمعنت في رفضه.. زاد في غضبه..
وهي تزداد عنادا.. ليزداد غضبا فوق غضب..
حتى بات الغضب والعصبية صفاته الملاصقة له..
هل من الممكن أن يلون الغضب وجه إنسان ما ؟؟ يرسم ملامحه؟؟ ويزفره مع أنفاسه؟؟
إن كان ذلك يصح..؟؟ فهذا وجه خالد!!
تنهد الشيخ بألم، بعمق سنوات شيخوخته وهو يهتف مثقلا بمرارة التمزق بين ابنه وأبناء شقيقه المتوفي:
أعوذ بالله منك يا ابليس.. تعوذ من الشيطان..
والله يا فعايلك مايسويها عاقل.. احشم عيال عمك... احشم سعود رجّال أختك ومحمد رفيقك اللي أنت وهو شيء(ن) واحد..
خمس سنين وأنت معلق البنت ولا أنت براضي تطلقها..
وهم حاشمين أنك ولد عمهم.. وإلا كان اطلبوا الطلاق في المحكمة..
يا أبيك العرس مهوب غصيبة.. خل البنت توفق.. وأنت بتلقى لك بدل البنت ألف..
انتفض خالد بعنف وانتفضت الدلة الساخنة في يده.. وكادت الدلة تسلخ جلد يده والقهوة تتناثر عليه..
تدارك نفسه.. وناول الدلة للمقهوي.. وأنزل يده في ماء الفناجين أمامه.. ليبرد الحرق..
ولكن..لا حريق كحريق الجوف!!
لا حريق كحريق الجوف!!
عيناه ترمشان بسرعة لتكشفا عن بريق مخيف لابد أن يحضر كلما حضر هذا الموضوع.. بريق تخالطت فيه القسوة والألم :
نعم يبه؟؟ نعم؟؟ توفق؟؟
الجازي مالها توفيق غيري..
خمس سنين وأنا ارتجيها نحدد موعد عرسنا اللي شابت رموشي وأنا أتناه.. وأنت تقول توفق..
اللي بيفكر في الجازي لو في حلمه بس.. خليت أحلامه كوابيس..
ينفث أبو خالد يأسه وقهره وهو يشد خالد جواره بحنوه الأبوي ويربت على ذراعه المشدودة العروق..
ككل جسده الذي يشعر بتسارع نبضاته وانشداد كل عروقه وشرايينه.. كما لو كان جسده يوشك على الانفجار لشدة الضغط:
يا أبيك لو هي بتوافق كان وافقت ذا السنين كلها ..
تملكتوا أول ماخلصت الجازي ثانوي..
وهذي هي تخرجت من سنة..وتوظفت.. واللي في رأسها في رأسها..
خالد يضع يده الحرة فوق كف والده الساكنة على ذراعه.. وعيناه كما لو كانت تنظران لشيء غير مرئي، ويزفر بحزم بالغ .. حزم من يحادث نفسه:
مصير رأسها ينكسر.. والحب اللي في رأسها ينطحن..
(اهربي أيتها الشاردة.. اهربي لأبعد مجرة
اجفلي مني أيتها "الجفول"
في ختام الأمر ستهربين لتجدي نفسك تسقطين في حضني.. كشهاب سقط من السماء لتستقبله أحضان الأرض
يا نجمتي المتباعدة..
أيتها الجازية.. يا نجمتي المتلألئة في سماءٍ.. لا نجوم فيها سواك
همنجواي قال ذات مساء مجنون ملائكي .. مساء لابد يشبهك في ملائكيته ويشبهني في جنوني:
(الحب هو المرض الوحيد الذي لا يريد المريض الشفاء منه)
وأنا ( بـــكِ ) مريض.. مريض حتى أقصى ذرة في أقصى خلاياي
لا أريد أن أشفى منك.. لا أريد..
فهل العلاج إجباري يا ناس؟!!!!)
صـــــمـــــت..
يشعر بنفسه مستنزفا خاليا من الطاقة.. هذه هي المواجهة الثانية في هذا اليوم وعن نفس الموضوع..
ومواجهة الصباح كانت أحد وأقسى.. وأكثر ألما..
أكثر ألما بكثير!! بـــكـــــثـــــيـــر!!
************************
(هـــــــــــــي) مصدر ألمه.... وقسوته.. ضحيته.... و....جلادته!!
أثقلتها سنوات الأسر الاجباري.. وحرمانها القسري من حريتها.. هذا السجن الذي باتت جدرانه تتهاوى عليها لتكتم أنفاسها:
" دانة تكفين.. فديت عينش
كلمي أخيش الزفت يعطيني تصريح أسافر
أبي أروح ذا الدورة تكفين.. محمد وافق يوديني"
تقف دانة بشموخها الشفاف لتهمس بمرح شفاف مماثل: تكفين؟َ!.. وعقبه أخي الزفت!!..
انطقي.. يازينه حر الدوحة..
قال دورة؟؟.. وفي جنيف؟؟.. نعنبو وش ذا الحظ!!
الجازي تهمس بمرح هو للموت أقرب..مرح يشعرك بالرغبة في البكاء:
باموت.. أبي أشوف شيء غير حر الدوحة ذا الصيفية..
من يوم حط اسمه في السيستم مع اسمي وهو مثل اللي حكم علي بسجن مؤبد..
خمس سنين ماطلعت من الدوحة إلا للعمرة مرة وحدة وعقب طلايب
حتى الحج ما رضى يخليني أحج معش أنتي وسعود وأمي السنة اللي فاتت..
تخيلين القهر!!
تتنهد الدانة بحزن.. كم بات هذا الموضوع يحزنها ويشجيها من أجل هذين المجنونين/ المغبونين/ الظالمين/ المظلومين قبل أي شيء..
وفي مرتبة لاحقة تخشى على نفسها وحياتها من هذا الموضوع
وهي تخشى أن يزعزع الوضع بينها وبين سعود..
تعلم أن سعود ساكت عن الموضوع على مضض.. وهو ينتظر فقط إشارة من الجازي..
التي كلما فاتحها في الموضوع رجته بشدة أن لا يطلب من خالد أن يطلقها..
بعد المرة الوحيدة التي طلب منه ذلك قبل خمس سنوات..
وأشعلها خالد حربا حقيقية جعلتها ترجو سعود أن يتوقف عن طلب الطلاق لها من خالد.
تعلم حالة الجنون التي تصيب خالد من هذا الموضوع.. لذا تريده أن يمل ويطلق من نفسه..
لم تكن الجازي تريد أي مشاكل مع بيت عمها الوحيد..
أما مشكلة الدانة فهي أنها لا تستطيع أن تلوم أحدا سوى شقيقها ولا أحد سواه..
تحاول التغصب بابتسامة لتجدها تقف ببلعومها وترفض الارتسام: يقول ما تحجين إلا معاه.. يخاف عليش.. يبيش تحت عينه
تحاول الجازي أن تهمس بذات المرح الميت: تدرين.. المفروض يدخلوني موسوعة جينس..
أطول ملكة في التاريخ.. ذا الشهر بكمل 5 سنين..
تجيبها الدانة بنبرة مرح ميتة مشابهة: لا.. الهنوف بنت عم عيال خالتش تطوف عليش.. كملت ثمان سنين متملكة..
تهز الجازي كتفيها: لا... الهنوف حالة خاصة.. لا تقارنينها بأحد.. وبعدين تركي يستاهل تنتظره بدل السنة عشرين..
تراجعت دانة وهمست بعتب حقيقي موجوع: يعني ولد خالتش يستاهل.. بس أخي لا..؟!!
الجازي انتفضت بوجل.. أخر ما تريده أن تجرح الدانة الغالية على قلبها..
همست بيأس وهي تغالب بكاء لا تريده.. بكاء ترفض سكب دموعه: تكفين يا الغالية لا تزعلين مني..
موجوعة.. مــــــوجـــــوعـــــــــ ـــــة
وأخيش هذا ما يبي يفهم إنه لو انطبقت السماء على الأرض مستحيل يجمعنا بيت..
دانة تهمس بأمل.. تعلم أنه لا معنى له ولا نتيجة.. كما لو كنت تعيد أسطوانة مشروخة ستقول ذات الكلام.. لتتلقى ذات الجواب:
زين وأنتي ليه ما تجربين الحياة معه؟؟..
ابتسمت الجازي ابتسامة أقرب للبكاء وهي تتحسس خدها كما لو أن الألم عاد يصرخ فيها من جديد.. كأن صفعاته كانت بالأمس فقط:
لا... تكفين..
عطاني كف طيح لي ضرسين واحنا مالنا شهر متملكين..
ويوم طحت على الأرض شوتني برجله كني كورة كسر ضلع في قفصي الصدري. و كان بيكسر الحوض عندي..
أمنتش با الله.. وش الحياة اللي تغري بالتجربة مع أخيش؟!!
أنهت الجازي عبارتها واستدارت لتنظر عبر النافذة..
عيناها تتبعان عصفورا صغيرا وقف ليستريح على حاجز النافذة محتجا على حرارة هذا الصيف.. تنهدت من أقصى جوفها..
(قد يكون ذلك السبب هو السبب بداية ونهاية.. لكن مع كل هذا... كم من التعقيدات باتت بيننا ياخالد ؟!!
كم تزايدت التراكمات بيننا حتى ماعدت قادرة على التنفس؟؟..
لماذا تحكم عليّ بسجن تكون أنت سجاني فيه؟
ماهو الذنب الذي أذنبته حتى تكون أنت عقوبتي؟
خمس سنوات مرت علي متطاولة لا تنقضي وإحساس الظلم يخنقني..
إحساسي كسجين لا ذنب له.. وسجّانه يعلم أنه لا ذنب له.. ومع ذلك يصر السجّان أن يبقى السجين في أسره..
خمس سنوات من أجمل أيام عمري مضت ماشعرت فيها يوما بمتعة أو جنون شبابي..
لم أشعر سوى بهم يكتم على صدري.. هم السجين المسلوب الحرية..
إحساسي بكوني لك يقيدني في كل شيء..
لكني لا أريد أن أكون لك.. وأكره كونك قيدا لي..
فحررني.. أرجوك حررني!!!)
تتنهد دانة وهي تقف لتمسح على شعر الجازي الحريري الأسود المسترسل إلى خصرها..
شعرها ماعاد قــصــــيــــرا ولا أشــــــقـــــــــر.. كـــــمـــــــا كـــــــان!!
"الكشة المحترقة" كما وصفها خالد حين رآها قبل سنوات ست.. اخــــــتـــــفــــــــــ ـــــت..
اختفت تحت وطأة نضج مصفى مرير كان هــــــــــــــــــو من أشعل النار تحته:
خالد يحبش.. عطيه فرصة..
الجازي استدارت لدانة لتنظر في عينيها وتسأل بشكل مباشر: دانة أنتي متأكدة إن خالد يحبني؟
الدانة تراجعت بوجل وهي تحاول أن تزيح نظرها عن نظرة الجازي السابرة
(كم كبرتِ يا صغيرتي؟ كم كبرتِ!!)
بصقت الكلمة كحد موس تشعر به يمزق حبالها الصوتية:
ما أدري يا الجازي.. هو يقول إنه يحبش.. مافيه رجّال يحرص على مرة بذا الشكل إلا إذا كان يحبها..
وخالد تغير كثير.. عن وقت ملكتكم قبل 5 سنين.. هذاك الوقت توه عمره 23 سنة وطيش شباب.. والغيرة أعمت بصيرته..
الحين خالد رجال البيت الله يحفظه.. خلاص إبي رمى حمول البيت كلها عليه..
الجازي بضحكة قصيرة مبتورة مثقلة بالألم: خالد بيشيب وهو لا عصب يضيع مفتاح لسانه ويده..
دانة تتنهد: زين أنا ومزنة خواته الكبار يمكن تقولين حاشمنا .. أسألي غالية لو عمره مد يده عليها.. خالد أحرص علينا من أنفسنا..
الجازي بسخرية مرة.. شديدة المرارة.. مغموسة بحزن غريب لا يستحضره الا خالد وذكرى خالد: مافيه داعي نسأل غالية.. خلنا نسأل رجّالها.. خل نسأل حضرة الرائد.. أخر الضحايا..
****************************
" ياغالية.. واللي يرحم والديش هذي مهيب حالة "
( هذا جزا اللي يأخذ له بزر
الله يأخذ عدوك ياسعود من يوم حديتني على بنات عمك
ياربي على الحظ.. كنت أبي أختها الكبيرة
عيت المقرودة مني ولزقوا الصغيرة في رقبتي..
بيني وبينها فرق 11 سنة.. مهوب شوي ياناس)
غالية بهمس غاضب عاتب مستفز حزين يجمع كل المتناقضات كمشاعرها العصية على التفسير والتأويل :
" وش فيك؟؟ كلامي مهوب عاجبك أكيد؟! أكيد مهوب عاجبك
أكيد كلامهم أحلى من كلامي!!
إيييه.. هم يقولون اللي يعجبك.. وأنا.. كلامي سم على قلبك"
يتنهد وضيق حاد يتسلق قلبه ليغرس راياته السوداء في أعماقه..
ثلاث سنوات مضت منذ تزوجا.. كانت هي ذلك الوقت في العشرين بينما هو كان يخطو نحو عامه الحادي والثلاثين..
في العامين الأولين من زواجهما كانت غالية أشبه بنسمة تعطر صحراء حياته..
وهو كلما قابل سعود يكاد يقفز ليقبل أنفه ليشكره أن دله على هذه الجوهرة التي أنارت حياته بنورها..
أما خلال العام الأخير فيود أن يلكم سعود كلما رآه لأنه يذكره بمن تحيل حياته جحيما بشكوكها..
وهاهو الآن في الرابعة والثلاثين وهي في الثالثة والعشرين يفترض فيها نضجا أعجزه البحث عنه وهي تخنقه بغيرتها..
ماعاد يحتمل غيرتها المرضية عليه.. بعد أن نفذت كل وسائله في اقناعها أن شكوكها لا محل لها ولا مصداقية..
(متى ستنضجين ياصغيرة؟؟
متى سأشعر معكِ بالراحة التي بت أحلم فيها كباقي متزوجي العالم؟!
حتى متى وأنا أشعر أني مراقب.. وتحت المجهر... ولابد أن أبرر كل تصرف عفوي لا يحتاج حتى لتبرير؟!!)
يتنهد بيأس: لا بارك الله في محرّاك الشر اللي خرب علينا حياتنا..
خاطري أدري من اللي قلّب في دفاتري القديمة المنسية .. وقلبش علي كذا؟؟
غالية تجلس لتبكي.. يصعب عليه أن يتفهم ألمها..ألم أنثوي يصعب تفسيره:
لا مهيب منسية.. لا تكذب علي.. أدري إنك عادك تكلم نسوان.. أبو طبيع مايجوز عن طبعه
يتنهد بعمق وهو يحاول السيطرة على أعصابه: غالية ياحبيبتي أنتي.. اتقي الله تبهتيني
أنا لي ثمان سنين تايب لرب العالمين.. يعني قبل ما نتزوج بخمس سنين..
وبعدين أنتي شايفة إنه واحد متدين مصلي مثلي وفي سني وإلا مركزي ممكن يغازل؟؟ أو يكون له علاقات مع نسوان؟
وخلي أختش تسأل سعود ..
هذا هو معي 24 ساعة ورفيق عمري ويعرفني أكثر من نفسي.. هو بيقول لها... إذا ماتصدقين أبو ولدش.. وكلمته ماعاد لها قيمة عندش..
غالية تمسح دموعها: لا جابر.. لا ..ما أبي حد يعرف بمشاكلنا..
جابر بعتب عميق: وش عقبه؟؟ وش عقبه؟!
غالية ترفع وجهها المحمر لتهمس بدفاع عفوي: والله ماقلت لخالد شيء..
هو السكني شافني داخلة عليهم.. قال لي والله إن في وجهش علوم..
وطلع يبي يستفسر منك.. بس أنت اللي هبيت في وجهه..
يزفر جابر بغضب: جايني ينافخ.. وش تبيني أظن.. قلت أكيد إنش اشتكيتي له من خرابيطش اللي في رأسش..
والله لولا حشمة عمي أبو خالد.. يا أخيش الموذي ذا مايفكه من يدي شيء..
أبي أعرف وش مهندس الكمبيوتر ذا اللي مافي راسه عقل؟!!..
غالية بذات الدفاع: خالد مايرضى علي أنا وخواتي بأدنى شيء..
حينها همس جابر بنبرة خاصة: بس يرضاها على بنت عمه..
اندفعت غالية بغضب، فخالد خط أحمر عند شقيقاته: جابر لو سمحت.. لا تتدخل بين خالد ومرته....
حينها اقترب جابر منها بخطوة واثقة سريعة.. ليتنزع عضدها بحدة: وأنتي لا تدخلين حد بيننا.. تراني ماني بعاجز أربيش يا بنت هادي..
بس أنا عادني مطول بالي عليش.. وترا بالي مهوب بطويل.. وأظني إنش دارية..
غالية تخلص عضدها من كماشة كفه.. لتتأخر إلى سريرها وتجلس على طرفه ..وهي تراقبه بعينٍ فاض دمعها البلوري..
يزفر أنفاسه.. ثم يتناول غترته ليلبسها أمام المرآة.. وعيناها ضارعتان له..
ضارعتان لكل مافيه.. حتى لانعقادة الغضب بين حاجبيه!!
"أعشقك يا جابر..أعشقك إن كان مصطلح العشق يعبر عما يمزق قلبي نحوك..
لم يخطر ببالي أي رجل من قبلك حتى ولو بتفكير طارئ أو مراهق..
عشرون عاما مرت قبل أن أكون لك..
كنت فيها براءة مجسدة في كل شيء..
حتى تفتحت مشاعري وأنوثتي على يديك..
فهل استكثرت علي أن تكون لي وحدي؟!..
لا تحرمني إحساسي بالأمان إلى جوارك..
ارحمني يا أبو سعود.. ارحمني..
رفقا بالقوارير.. فأنا أكاد أن أنكسر.. أكــــــاد..
أشعر بلحظة انكساري أقرب من تصوري!!)
أخرجها صوت جابر الصارم من قوقعتها: غالية .. بكرة بأوديش الجامعة تسوين إعادة قيد..
خلاص.. قد خلصي ذا الفصل الواحد اللي باقي لش..
هذا سعود قد عمره سنتين.. وأمي بتحطه في عيونها.. ولو أني عارف إن سعود حجة..
لأنه أنتي ما اعتذرتي وأنتي حامل .. اعتذرتي وسعود قد عمره سنة..
همست غالية بدفاع مرتبك وهي تشعر كما لو كانت حُصرت في الزاوية:
عادي.. لأني ولدت في بداية إجازة الصيف ماكان فيه سبب أعتذر..
بس الحين كنت أبي أهتم في سعودي شوي.. وما أبي أرجع الجامعة الحين.. باقي لي فصل يحق لي الاعتذار..
هتف جابر بنبرة مقصودة: يعني ماطرأ على بالش تعتذرين إلا لما بديتي تشكين فيني..
تبين تسوين لي رقابة فول تايم..
ثم أردف بحزم شديد الصرامة: لا يكثر حكيش.. بكرة نروح وتسوين إعادة قيد..
بنت عمش اللي دخلتي معها الجامعة تخرجت من سنة..
يا بنت الحلال القي لش شيء تنشغلين فيه.. قربتي تستخفين من خبالش..
انهمرت غالية بغضب عاتب: إيه قل كذا.. تبيني ألهى منك.. عشان تفرغ لرفيقاتك... والسوالف على كل حزة..
غالية قالت كلمتها وتراجعت بعنف.. تعلم أن جابر يتماسك حتى لا يمد يده عليها
لأنه يعلم أنه ما أن يكسر حاجز الصفعة الأولى فقد تليها آخريات.. فهي استنزفت حلمه وصبره حتى أخر قطرة..
(ولكن ألم يستنفذ هو أيضا صبري وهو يعبث بمشاعري وكرامتي..
وهو يعلم أني عاجزة عن التصرف لأنه يقيدني بحبي له!!)
جابر همس بغضب حارق محرق مكتوم وهو يعتصر قبضته اليمين بكفه اليسار:
بكرة بأوديش الجامعة.. وعقبه بأحجز روحي في المعسكر أسبوعين..
ما أني بطايق شوفتش قدامي.. خلني أرتاح منش قدام تخبلين بي..
حتى فرحتي بترقيتي لرائد ماخليتني أستانس فيها.. الله ينكد عليش مثل منتي منكدة علي..
شعرت بقلبها بغوص ربما تحت قدميها وهي تشهق بعنف:
(أسبوعين يا الظالم!! لا وأنت زعلان علي.. يعني حتى تلفون منت مكلمني.. أعرف قلبك.. أسود..
وإلا بتلقاها فرصة تريح مني وتكلم غيري!!)
كم هي مؤذية هذه الأفكار..مؤذية.. مؤذية وهي تملئ الروح بسوادها وتجعلها تبتلع كل كلماتها..
وهي تراه يغادرها رغم أنه كان قد دخل للتو ليرتاح قبل صلاة العصر..
******************************
" الهنوف..هنّو.. هنّو.. يالمعصقلة.. ياعود المشخاط
تراني عاجزة أطلع الدرج.. خبرش حن يا التنافيخ مافينا حق مشوارين
كفاية علي من السيارة للبيت..
هنووووووف وصمخ قطاوة!!"
صوت مرح باسم يرتفع مناديا (الهنوف) من صالة البيت السفلية ليصل إلى الصالة العلوية..
الهنوف تطل بحذر من الطابق الأعلى وهي تغطي وجهها بجلالها وتهمس بخفوت مبحوح: هلا مهاوي...متعب بيدخل؟؟
غردت مها بمرحها الفطري الذي يخفي خلفه حقائق مؤلمة: متعب ماصدق يرميني عند بابكم.. تبينه يدخل وراي؟؟..
أنا سامعته يكسر الئلة وراي عند باب السيارة!!
أنزلت الهنوف جلالها الأبيض على كتفيها لتتناثر خصلات غرتها الطويلة على وجهها.. ويظهر محياها المتورد العذب الحزين على الدوام..
تبدو كموناليزا جديدة تنافس موناليزا دافنشي التي مافتئت تفتن الناظرين منذ قرون بنظرة عينيها الحزينة التي ماعرفوا لها تفسيرا..
نزلت بهدوء رقيق ساكن.. وهي تنقل خطواتها بين الدرجات برقة بالغة.. كما لو كانت تخشى أن تخدش درجات السلم بخطواتها عليه: يا كثر ما تعذربين في ولد عمي المسكين..
مها بتمثيل : إيه عشان هو ولد عمش وأنا ولا شيء.. وقفي جنبه..
الهنوف تصل مها لتطوق كتفيها وتلصق خدها بخدها في سلام رقيق: ياشينش يا الدبة لا تغليتي.. ما يلبق عليش..
ضحكت مها بمرحها الخاص : يا أختي خليت التغلي لش أنتي وأختي الجازي ياشعب المجاعة..
قد التغلي بيشق ثيابه منكم.. الواحد يتغلى شهر شهرين.. يشق ثيابه ويقول تغلوا سنة.. مهوب سنين..
(يا الله ... يارب !!
هل من الممكن أن يمر في حياتي يوم
لا أتذكر هذه المأساة التي توجت مآسي حياتي المتراكمة
ألا يشعرون حتى بذرات مما أشعر به؟!
أ لا يكفون عن طعني كحائط بهذه الذكرى الجارحة لإنسانيتي قبل أنوثتي؟؟)
همست الهنوف بثقة مغلفة بإبتسامة عذبة تخفي خلفها ألما ماعاد في الروح له مساحة أو مدى:
ماعليه الجازي تتغلى لأنه يحق لها.. تدري إنها غالية.. وخالد ماشاء الله عليه مايستحي يجاهر بغلاها حتى في المجالس..
بس ولد خالتش تملك.. ونسى إنه عنده مرة..
حاولت مها أن تبتسم.. (حاولت!!!) وهي من كانت توزع ابتسامات تكفي لإغراق العالم :
الحين صار ولد خالتي.. ماكنه بولد عمش..
تدرين تركي من يوم تملكتوا.. وهو في دراسة.. ماجستير.. ثم دكتوراة..
وأنتي عارفة زين بظروف ملكتكم..
هزت الهنوف كتفيها بعدم اهتمام ، والحزن يغمر ملامحها.. الملامح التي ماعرفت غير الحزن حتى رسم حدود وجهها وتفاصيله:
ماعاد يهمني يا مها.. والله ماعاد يهمني..
أنا كنت أدور لتركي معاذير لين أنا تخرجت قبل ثلاث سنين..
كنت أقول مايبي يغربني وأنا أول في مدرسة وعقبه جامعة..
وانا أسمع خالتي أم متعب كل يوم تقول جعل يسقى لا تخرجتي ورحتي مع تركي يتطمن قلبي عليه..
مالقيت من ذا السالفة كلها إلا الإحساس بالحرج يذبحني أول.. ثم أني رخيصة أول وتالي..
مها تنتفض بجزع: الغلا كله لش يا بنت علي.. والله يا ترّوك ذا المفروض يحب يده قومة وقعدة اللي ربي خلاش من نصيبه..
تنهدت الهنوف بعمق.. سحبت أنفاسها وزفرتها.. وتفكيرها يطوف بها من القريب.. للبعيد..
بعيدا عن مها... وعن تركي.. وعن الجميع.. إلى الذكريات الموجعة التي لا تفارقها..
فمع وجعها تبهت كل الرؤى والخيالات والأحزان
فوجعها.. وجع مقيم.. وروحها ..روح أثقلتها اليتم..
(كم مضى يا هنوف كم مضى
عشر سنوات.. عشر سنوات
وأنتِ يتيمة.. يــــــتـــــيـــــــــمـ ــــــــة!!
ما أقسى هذه الكلمة.. والأقسى هو الإحساس بها!!
عشر سنوات.. وأنتِ ترتجين بعضا من الحنان الذي يفيض عن الكل ليُلقى إليك كالفضلة
تبحثين عن الحنان الذي حُرمتِ منه.. في قلوب أثقلها الحنان لغيرك )
صوت مها المرح يعيدها لواقعٍ أكثر مرارة.. يعيدها من بقايا ذكرى تتمنى أن تغلق عليها بين جفنيها ، فلا ترى في الحياة شيئا سواها
ذكرى أخر سعادة حقيقية شعرت بها (معهم ) ..أولئك الراحلون:
إلا هنّو.. بعلش المبجل يقولون مهوب راجع ذا الصيفية.. بيرجع عالكريسمس.. ليش بيتأخر؟؟ مهوب ناقش وخلص؟؟
همست الهنوف بمرارة متأففة: تدرين مها.. ترا والله العظيم يا أخر شيء شاغل بالي: متى يرجع سي السيد..
مها ترقص حاجبيها: قال مهوب شاغل بالي قال..
عبست الهنوف.. وقطبت جبينها الأزهر.. ليكتسي وجهها عذوبته الحزينة التي يصعب تفسيرها بالكلمات (حتى ذكراه ماعادت تستجلب إلا كثيرا من المرارة)..
"ومتى كانت ذكراه مصدر فرح ياهنوف؟؟ متى؟؟"
هـــــــــــــو.. وكـــل مايتعلق به.. بل حتى بأهل والدها كلهم.. يستجلب كثيرا من الحرقة التي تتسرب لكل حنايها..
ورغم حبها الكبير لعمها أبي متعب.. إلا أنها عاجزة عن مسامحته عن انتزاعه لها من حضن جدتها أم والدتها..
يتيمة للتو.. محض طفلة في الخامسة عشرة.. تجتر مرارة الخسارة الفادحة التي لا يمكن حتى تصورها.. فكيف باستيعابها؟!!
فقدت والديها وشقيقها الوحيد معهم..
فإذا بها بعد ذلك بشهرين تفقد الملاذ الوحيد الذي كانت تجد بعضا من السلوى في حضنه..
كانت في ذلك الحين ما زالت تقفز برعب صارخة كل ليلة.. لا يهديها سوى أحضان جدتها..
التي تشدها بقوة إلى حضنها وهي تكتف ذراعيها حتى لا تضرب وجهها أو تمزق ملابسها أو تخدش كتفيها وهي تحرثها بأظافرها الجازعة.. كما كانت تفعل كل ليلة بعد وفاة أهلها..
فانتزعها عمها أبو متعب من بين أحضانها..
والعذر جاهز.. (الرجولة الثمينة التي كانت أثمن من وجع طفولتي)
(شوفتنا ما تتربى في بيت غريب!!!)
لم يفد بكاءها ولا صراخها الهستيري الذي ملأ جنبات بيت أبي متعب..
ولا حتى يأسها وانكماشها بعد ذلك وهي ترتجف كالملسوعة المحمومة في حضن أم متعب التي كانت تمسح وجهها وتهمس بجزع:
حسبي الله ونعم الوكيل.. البنية بتموت يأبو متعب رجعها لجدتها.. تكفى يا أبو متعب..
اتق الله في ذا البزر ..توها مافاقت من وجيعة موت أمها وأبيها..
أبو متعب يشيح بوجهه حتى لا يرى أحد لمعة دمعة تحاول الفرار من جبروت ادعاء التجلد..
(ضربتين في الرأس توجع.. والله العظيم توجع.. طالب راح.. وعقبه بسنة يروح علي..
قصيتوا أيديّ يا أخواني.. وش رجّال ماله إيدين.. وش فايدته في الدنيا؟
إن كنت متطمن على عيال طالب والبيت لاصق في البيت.. وهم تحت عيني..ومعهم الجليلة بنت طالب اللي بألف رجّال..
فأنا ما أقدر أخلي شوفتي في بيت مافيه إلا شباب ولا حد منهم بحلال عليها.. خمس شباب ما معهم إلا ذا العجوز.. خايف عليها.. خايف عليها!)
يتنهد بذات التجلد: خلاص قد لها عند جدتها شهرين.. كفاية!!
(أ قلت شهرين ياعمي؟؟.. أ شهرين تكفي في نظرك لأنسى خسارة كل شيء في الحياة؟! كل شيء..
أحد عشر عاما مرت منذ وفاة عمي طالب.. وعشر سنوات منذ وفاة والدي.. وأعلم أنك مازلت تبكي الاثنين بحرقة..
فلماذا يكفيني شهرين وأنت الرجل لم تكفك السنوات؟!!
ارتحلوا الأحبة يا عماه..ارتحلوا..
وأخبروني المعزون في تعزية بليدة أن كل الراحلين سواء.. حتى أردد برتابة قاتلة
" كل شيء يولد صغيرا ويكبر.. إلا الحزن يولد كبيرا ويصغر"
كانوا يكذبون علي..
إلا حزنهم يا عمي.. إلا حزنهم.. لا يصغر..
بل يولد كبيرا ويكبر.. ويكبر.. حتى يخنق الروح
والروح تتلجلج بيأس (ربي رحمهما كما ربياني صغيرا)
ففي كل زاوية لذكراهم : وجع..
وفي كل تفاصيل الحياة لذكراهم : بقايا!!
حتى لو لم نعرفهم.. نصنع لهم في الذاكرة : ذكرى..
ذكرى لماضٍ حلمنا أن نعيش معهم فيه..
علها تكون وقودا لمستقبل نكره أننا نعيشه بدونهم!!
فكيف وأنا أعرفهم.. أعرفهم يا عماه..
وكل ماعرفت من ذكريات سعيدة معهم وحدهم
بعدهم فقدت أي إحساس بسعادة حقيقية..
موجوعة ياعمي.. موجوعة.. ووجعي لا تكفيه القرون لأنسى
إن كنت أنت فقدت شقيقا.. فأنا فقدت كل شيء.. كل شيء.. كـــــل شيء!!
ولم يكن هناك وقت للخسارة حتى أستوعبها
الخسارة جاءت معا.. فاجعة زلزلت كياني..
فقدت أمي وأبي وشقيقي.. ماعاد لي روح ياعمي.. ماعاد لي روح !!
الروح ذهبت مع الراحلين الذين رحلوا وتركوني..
الروح ذهبت معهم!!
أنا محض جسد يروح ويجيء...ينتظر اللحظة التي سيسكن فيها حتى يلتحق بروحه الراحلة...
****************************
الشمس تشرق من فوق السحاب.. تكتسي ندف القطن الأبيض بانصهارات الذهب المحمر..
مشهد من المشاهد التي ترسخ في الذاكرة..
ولكنه كان لاه عن المشهد بأفكاره.. بخياله.. وتنهداته التي لم تتجاوز شفتيه المزمومتين بقوة وهو يسند رأسه لنافذة الطائرة ..
(ثمان سنوات من الغياب..
كنت أعود فيها للدوحة في كل مرة زائرا عجلا.. يعلم أن حياته لن تستقر به.. وأنه كالضيف الذي لن يطيل البقاء..
ولكني هذه المرة أعود للاستقرار.. أفكر في كل ما ينتظرني لأجدني مثقلا بالهموم..
عملي.. وحياتي... وهـــــــــــــــــــي!!)
أخرجه من صومعته الفكرية همس حازم لا يخلو من نبرة مرح ما:
" صدق هلك مايدرون إنك راجع؟!"
التفت للجالس جواره.. ناظرا له بنظرته الحادة الباردة والذكية.. لتقابل نظرة توزايها في الحدة والبرود والذكاء
وليهتف له برزانة تلقائية مغلفة بنبرته الحازمة : لا.. بأسويها لهم مفاجأة..
يبتسم رفيقه برزانة أكبر تبدو كما لو كان خُلق بها: مابعد حد قال لك إن حن يا البدوان مانحب المفاجأت .. تصير عندنا فاجعات..
يا أخي كان قلت لأمك على الأقل.. لا تنفجع العجوز..
تركي ارتعش ارتعاشه لم تتجاوز داخله وهو يهتف بجزع مغلف بالحزم:
بسم الله على قلبها.. حرام عليك.. قد لي شهور أخطط لذا المفاجأة عشانها.. تقول أفجعها..
ينظر له من تحت أهدابه ويهمس بخبث مدروس:
متأكد إنه عشانها بس..؟؟ ماتبي تفاجئ حد غيرها.. وخصوصا إن هذي رجعتك النهائية..؟؟
ابتسم تركي بثقل: ياشينك يا أبو حمد لا سويت روحك فاهم..
ابتسم رفيقه بما هو أبعد من التفهم، ليهمس بحزم: المشكلة يا تركي إنك فاهم.. إني أكثر من فاهم.. مع أنك ماقلت لي شيء..
بس ملكة ثمان سنين.. هذي اسمها مسخرة وقلة حيا وقلة سنع طال عمرك..
وأنا لو من أبو متعب أقول لك أعرس.. وإلا طلق بنت الناس..
تركي غضب.. غضب فعلا.. يكره أن يتدخل أي أحد في خصوصياته
ومع ذلك هتف بثقة غامرة: فُرات لو سمحت .. شيء ماتعرفه ولا تعرف ظروفه لا تتكلم فيك..
فُرات هز كتفيه بثقة مهيمنة: دام قلت فُرات بذا الطريقة.. فأنت زعلت..
ولو أنت زعلت.. زعلك مايهمني.. كلمة الحق أقولها لو على قطع رقبتي..
البنية يتيمة وفي ذمتكم.. ماتبيها.. طلقها خلها تشوف نصيبها..
تركي صمت.. عشرات الأفكار تستغرقه.. وهم غريب يراوده منذ سنوات...
يستحيل أن يطلقها.. ماذا سيقول الناس عن بنت عمه بعد هذه الملكة الطويلة..
لكنه لا يستطيع أن ينكر على نفسه أنه كان هو المخطئ منذ البداية..
حين سمح لوالده بابتزازه عاطفيا حتى يوافق على عقد قران كان غير مقتنع به لا وقتا ولا ظروفا..ولا حتى شريكة!
ولكنه أصبح واقعا لا يستطيع الفكاك منه.. والهنوف تصبح حقيقة أزلية لا يستطيع الفرار منها
أفكاره وذكرياته تطوف بباله قبل أن ينتزعه فُرات منه بهمس مرح:
ولا تزعل يا أبو عبدالمحسن.. بأراضيك وأزوجك بنتي..
تركي لا مزاج له ليرضى.. لكنه يستحيل ألا يرد على فُرات وهو يعلم أنه يحاول .. هتف بثقة باسمة:
والله يا أبو حمد نسبك ينشرى لو أن بنتك أكبر شوي..
ضحك فُرات ضحكة قصيرة ثقيلة: وليه صدقت أني بأزوج بنتي اللي عمرها 18 سنة من شيبة مثلك..
ابتسم تركي: وليه يعني.. كل الفرق بيني وبين بنتك بس 14 سنة..
ثم أردف بتذكر باسم: غريبة قد لك نص ساعة ما قمت تتطمن على بنتك لا حد يأكلها..
ابتسم فُرات: اللي ماخذ عقلك.. توني جاي من عندها الحين.. وأنت كنت في عالم ثاني..
جزاك لو أني خليت الشمحوطة أم كراعين قاعدة جنبك .. بدل ما أقومها جنب بنتي..
عشان أقعد أنا جنبك وأنت شكلك يضحك وأنت ساحب روحك ولاصق في الدريشة كن المزيونة بتأكلك..
تركي بذات الابتسامة الهادئة: يا أخي المزيونة على قولتك ماخذها راحته في القعدة زيادة عن اللزوم.. والمقاعد فل ماقدرت اغير مكاني..
ثم أردف وهو يتذكر بنت فُرات: إلا أبو حمد... ليش ماخليت بنتك عند جدها وأخيها؟؟
مايصير كل ماصار عندك شغل لو حتى أسبوع تسحبها معك..
فُرات تنهد بعمق وزفر هما يرافقه منذ سنوات: ما أرتاح يا أخيك.. ما أرتاح..
وبعدين حمد الكبير وحمد الصغير كل واحد منهم له جوه الخاص ولاهي عن الدنيا فيه.. أخاف عليها..
ابتسم تركي وهو يعرف غرابة الاثنين: تدري يا أبو حمد.. أما أبيك وولدك بصراحة مالهم حل..
حالتهم غريبة.. بس في نفس الوقت ما تقدر إلا يعجبونك اثنينهم..
ضحك فُرات برزانته المعتادة: لأنه شر البلية مايضحك!!
تركي هتف بتساؤل: زين حامد مهوب في البيت؟؟ أعرف إنه ساكن في بيتك..
ابتسم فُرات: حامد هذا عم العازة.. الحمدات عندي كلهم مافيهم فود.. وحامد ذا أولهم..
أنا أصلا ما أدري متى هو في الدوحة ..ومتى هو طلع منها..مخلي البيت فندق.. تبيني أخلي بنتي عنده؟؟
تركي بثقة: حرام عليك والله إن حامد رجّال نادر وينشد فيه الظهر.. أنت ماحد عاجبك.؟؟.
فُرات بذات الابتسامة: اسكت بس لأنه قلبي متروس على حامد.. هذا أصلا مهوب عمي.. ولدي.. أنا اللي مربيه..
بس هو مهوب راضي يريح بالي.. ويخلي خباله.. ويداوم في شغله نفس العالم والناس ..ويعرس.. ويستقر.
تركي ضحك: انت مهوب قعدت وراه لين خلص جامعته واشتغل.. وش تبي فيه بعد؟؟
شغله هو اللي عطاه تفرغ وممنونين بعد يعطونه تفرغ.. لأن اللي مثل حامد الحين هم صفوة المجتمع..
أظني إن واسطته الحين أكبر من واسطتك..
ابتسم فُرات: في هذي ماكذبت..
ثم أردف بذات الابتسامة الرصينة: تدري يمكن أني أغار منه.. بنتي تحبه أكثر مني.. وعلومها كلها عنده..
ابتسم تركي : يا أخي هيبتك تروع.. وحامد فرفوشي ويعطيها على كيفها..
ثم أردف بتساؤل : إلا أقول مهوب حرام عليك يا أبو حمد.. البنية ملبسها نقاب وفي أمريكا..وهي أساسا توها بزر..
فُرات بثقة لا تردد فيها: الستر ما يتجزأ.. والبنت لازم تعرف كذا..
توها صغيرة.. ولو رخيت لها في شيء.. بتقول أنت اللي رخيت.. وش معنى هنا وإلا هناك..
ثم تنهد بعمق: وما أبي حد يقول فُرات ماعرف يربي بنته عشان أمها ميتة.. وإلا حد يقول عشان أمها أمريكية..
مع إن أمها الله يرحمها ياتركي..عمري ماشفت أستر منها..
تدري إني تزوجتها وأنا حتى وجهها ما شفته.. حتى كفوفها ماشفتها..
الله يرحمها.. عمري ماشفت مثل فهمها في الدين..
سبحان الله كانت تأكل كتب الفقه والتوحيد والتفسير أكل.. كنها حاسة إن عمرها قصير..
تركي بتساؤل: تزوجتها في أمريكا؟؟
ابتسم فُرات: لا في قطر..
تركي بابتسامة مغلفة بالفضول: خاطري أعرف أشلون هلك وافقوا وخلوك على كيفك وأنت عبارة بزر..
عمرك 18 سنة ويخلونك تعرس.. لا .. وتأخذ أمريكية أكبر منك بكم سنة..!!!
ابتسم فُرات ابتسامة مغلفة بالحنين والتقديرالعظيمين: يمكن لو كان إبي غير إبي.. اللي هو أصلا غير عن كل الناس.. يمكن كان مستحيل أتزوجها..
بس إبي وقف في وجه جدي وأمي.. وقال هو مقتنع فيها ويبي حد يسافر معه لدراسته..
خلها تحصنه.. وهو رايح أساسا لأمريكا.. هي أكثر من بيفيده..
ومع أنها ماتت في علاجها في أمريكا.. بس رجعتها ودفنتها في قطر
كنت وقتها عادني ادرس الدكتوراه ماخلصت.. في أخر مراحل دراستي..
الله يرحمها ماتت وعمر حمد ثمان سنين ومي ست سنين..
رغما عنه.. تنهد والذكرى المؤلمة تعود له.. كان يوم زيارة عادي
(سبحان الله .. لو كنت داري والله ما أعرض عيالي لذا الموقف)
مازال فُرات عاجزا عن مسامحة نفسه لأن طفليه شهدا احتضار أمهما..
لم يعرف ماذا يفعل؟؟ أين الأولوية؟؟
أيبكي حرقته عليها وهو يرجوها ألا تتركه؟؟
أو أن يلقنها الشهادة؟؟ أو يخرج طفليه للخارج؟؟
وجد نفسه يشد على كفها بقوة وهو يدفن صرخات قلبه في جوفه
يلقنها الشهادة ..وعيناه تسترقان بألم العيون الأربعة المتوسعة بجزع وهما يشهدان موقفا أكبر بكثير من سنواتهما الضئيلة.. و.............
كان سيسترسل أكثر في أفكاره.. لولا صوت تركي الذي اقتحم تراكماته وهو يربت على ذراعه: الله يرحمها ويجعل مثواها الجنة..
ومع أن تركي كان به فضول ليعرف تفاصيل زواج فُرات الغريب ..
لكنه تردد في السؤال، لأنه رأى فيه فضولا غير مناسب لا لشخصيته ولا لشخصية فُرات..
لذا غير السؤال لاتجاه آخر وهو يهتف بنبرة خاصة:
إلا فُرات ليش ما تزوجت عقب المرحومة..؟؟ أو حتى تتزوج الحين..
ترا كل الفرق بيني وبينك 7 سنين وهذا أنا مابعد تزوجت حتى..
تنهد فُرات وهو يبتسم : وحتى لو كان عمري 39 ..ترا عندي ولد عمره 20 .. هو اللي المفروض أزوجه
أصلا لو طاعني كان زوجته أول ما خلص ثانوية قبل ثلاث سنين..دام حامد ماطاعني وعرس..
بس حمد يقول لي شكلك يبه عايش في زمن غير الزمن.. وش ذا العرس وأنا عادني أخذ مصروفي منك..
مع أنه صار له زمان ماخذ مني لا مصروف ولا غيره.. معتمد على نفسه..
تركي ابتسم: أصلا اللي يشوف ولدك معك.. يحسبه أخيك ويقول الفرق بينكم بسيط بعد.. حرام تدفن عمرك بالحيا..
ضحك فُرات: ماتخلون التنظال.. يا أخي لو أنا مبين أصغر على قولتك..
فلأنه ربي رحمني من النسوان وغثاهم.. قربهم يجيب الهم ويشيب بالواحد.. ويكبر الواحد عشرين سنة فوق عمره..
تركي مازال مبتسما: لا.. صدق صدق ليش ما تزوجت..؟؟
فُرات بثقة: ماراح يعجبك رأيي وأنا بصراحة أتحاشى أقوله..
تركي بثقة مشابهة : وأنت لو قلت لي رأيك.. بأروح أنشره..؟؟
فُرات بثقة وصراحة كما لو كان يقرر حقيقة لا نقاش فيها ولا جدال:
بصراحة النسوان العرب بدون تحديد مايدخلون مزاجي بنص ريال حتى..
سطحيات وانفعاليات وهذارات.. ولو كان عندها شوي ذكاء تبي تحط رأسها برأسك وتعوفك بحياتك..
وماعاد أقدر أتزوج أمريكية مرة ثانية.. لا مركزي ولا سني ولا ظروفي تسمح لي بتهور مثل ذا.. عشان كذا حياة العزوبية أفضل..
تركي بصدمة: بصراحة ما تخيلت إن هذا ممكن يكون تفكيرك..
أنت ولد السوق.. اللي معاك دكتوراه في الاقتصاد.. واللي تقابل في شغلك أرقى أنواع النساء وأذكاهم..
ابتسم فُرات بثقة: ولأني قابلت في شغلي مئات المئات من النسوان اللي المفروض هم صفوة التفكير والتعامل كونت هالفكرة..
مهما حاولت المرأة العربية تنحي مشاعرها عن شغلها ما تقدر..
العاطفة لاعبة بحسبتها.. وأي نقد لشغلها مثلا ، تعتبره نقد شخصي لها.. وأي صد لمشاعرها تعتبره مقابل لإلغاء الشغل
بينما لو كنت تعامل مع أمريكية أو أوربية أو حتى صينية.. كأنك تتعامل مع رجّال.. الشغل شغل..
تركي بثقة أكبر: بصراحة كلام غير مقنع.. بنتك مرة عربية.. وأمك قبلها.. هل هم ينسحب عليهم نفس رأيك..؟؟
فُرات بثقة راسخة : بنتي ربي رحمها بالعرق الأمريكي اللي فيها..
أما أمي الله يرحمها مع غلاها اللي ماله حد.. ماحد وصل أبي لحالته اللي أنت تشوفها إلا هي.. عوفته حياته..
تخيل حتى اسمي ماكانت راضية تناديني فيه.. عشان أبي أصر يسميني فُرات..
كانت تقول اسم الخبلان ذا خله لك أنت وأبيك.. تخيل أني بزر وتدعيني أبوحمد..
ما ألوم أبي صراحة وعذره معه..
ضحك تركي: اتق الله تكذب على أمك.. أبيك بنفسه يقول لي إنه كذا من قبل مايتزوج حتى..
رد عليه فُرات بابتسامة واثقة: بس أمي دعمت الحالة عنده بدل ما تنتشله منها..
حتى يوم جاتها مضاعفات بعد ولادتي.. واضطروا يستاصلون رحمها..
اتهمت إبي إنه السبب.. لأن ربي يعاقبه إنه مهوب كفو يكون أب..وكفاية عليه واحد هذا كنه عرف يربيه..
المرة عندنا أهون شيء عليها تتهم الرجل إنه السبب في كل شيء يصيبها..
يعني ماحتى شالت لأبي جميل انه ما أعرس عليها.. مع أنه كان حقه... شباب في أول عمره.. وزوجته شالت الرحم.. لكن هو قرر يعيش حياة الحرمان ولا يجرحها..
لكن هي كانت تجرحه قايمة قاعدة..
هتف تركي باستغراب: لا حالتك مستعصية صراحة.. يعني على أني تقريبا أعرفك عمري كله.. بس عمرنا ما تكلمنا في ذا الموضوع..
هز فُرات كتفيه بذات الثقة الباسمة: ماجات مناسبة عدا أني أتحاشى أقول رأيي.. خبرك حرية التعبير عندنا عليها حظر شوي..
همس تركي بمرح: يعني أقول إنك متعقد ..و أمك سبب عقدتك..
فُرات ضحك: لا والله يافرويد زمانك.. لكن هذي قناعات تشكلت في عقلي من يوم بديت أعرف إنه في جنس اسمه الحريم..
يعني اللي يقول رأيه عندكم.. لازم يكون متعقد.. وتطلعون عليه عقدكم..
ثم أردف بنبرة مقصودة: لو بتقول أنا متعقد من النسوان العرب.. باقول إنك أنت متعقد من النسوان كلهم..
وماشاء الله الدلائل كلها مبينة عليك..
تركي بثقة باسمة: لا متعقد ولا شيء.. بس الظروف ماجات على الكيف..
************************
" ياحيا الله أم سعيد.. أبطيتي علي ياقلبي!!"
دانة تشد رباط شعرها لينتثر شعرها على كتفيها وهي تميل لتقبل جبين سعود وتهمس بإرهاق:
السموحة حبيبي..
أمي صافية بتصوم بكرة.. قعدت لين قست ضغطها وسكرها وعطيتها أبرتها وهذا أنا جيت..
ثم أردفت بحزن عميق عميييييق: وإذا رزقنا ربي بسعيد قول أم سعيد..
سعود شدها من كفها ليجلسها جواره واحتضن كفها بين كفيه وهو يهمس بحنان:
الله كريم حبيبتي.. يرزقنا برزق من عنده..
حينها.. وبشكل مفاجئ دون أي مقدمات.. انفجرت بالبكاء.. كما لو أن البكاء كان مخبأ تحت رداءها.. ينتظر أن تخلعه لينساب غامرا المكان
شدت كفها من بين كفيه لتدفن وجهها بين كفيها وكلماتها تتناثر بين شهقاتها:
ظنك ربي يعاقبني عشان أول واحد؟؟.. لأني ماقدرت أحافظ عليه..
سعود تنهد بعمق وهو يشد كفيها من وجهها ويشدها ليحتضنها بحنان متعاظم:
حبيبتي دانة ما تتعبين من ذا الموال؟!!.. ياقلبي أنتي.. الله يقسم الارزاق .. والله بيرزقنا من عنده..
وأنتي اللي صار لش سنتين منتي براضية تقطين مانع الحمل..
تزايدت شهقاتها وهي تدفن وجهها في عنقه: تعبت يا سعود تعبت.. خمس مرات سقطت..
قلبي ذاب وأنا أتشفق عليه.. وعقبه يروح.. ماني بمستحملة..
لو سقطت بعد والله لأموت..
تنهد بيأس وهو يشدها بقوة أكبر ليتركها تفرغ انفعالها كله.. فهذا الموال من البكاء لا يحصل إلا إن كان أحد قد ذكرها بشيء ما..
وكم هي كثيرة تلك الأشياء التي باتت تجرحها!!
أقل كلمة ستشعرها بالحزن.. لكنها لن تبكي حتى ترى سعود.. وحينها سيتفجر حزنها كله.. تشعر بالأسى عليه ربما أكثر من نفسها..
فهي تبكي وتشتكي له.. ولكن هو مطلقا لا يشتكي ولا حتى يقول كلمة..
ولكنها هي من تموت حين ترى كيف يتدفق بالحنان الموجع على بنات مها شقيقته..وعلى سعود ابن شقيقتها غالية.. الذي اسماه جابر عليه..
تشعر أنه يذوب لهم ومعهم.. ليذوب قلبها وهي تعلم أنها عاجزة عن إهدائه فرحة مماثلة..
حين هدئت.. رفعت رأسها وهي تمسح احمرار وجهها وتهمس باختناق وهي تقف:
سامحني حبيبي.. غثيتك بدون سبب..
سعود شد كفها ليعيدها جواره وهو يهتف بحزم حان: قولي لي وش اللي ضايقش؟؟.. ما تبكين كذا كون شيء ضايقش..
دانة بسكون: مافيه شيء.. بس يوم قلت لي أم سعيد.. تذكرت اللي أنا أصلا ما أنساه..
سعود بنبرة خاصة: كل يوم أقول لش أم سعيد.. وش معنى ذا المرة؟؟
أمي قالت لش شيء؟؟
دانة انتفضت بجزع وانكار: لا.. لا.. ماحد قال لي شيء..
سعود بصرامة: زين احلفي ..
دانة بيأس: سعود تكفى.. لا تنبشني.. خذ اللي أقوله وخلاص..
صمت.. وهو يعاود شدها لصدره.. لتطوق خصره بذراعيها بيأس عميق..
يشم رائحة حزنها تتسرب عبر أنفاسها التي تلامس روحه بحزن بات يشبه نظرة عينيها..
قد يكون يتمنى بكل وجع الكون أن يكون أبا.. ولكنه يتمنى ذلك أضعافا مضاعفا من أجلها هي..
يعلم أن الأمومة للمرأة حاجة مضنية لا نقاش فيها..
يشعر أن روحها تذوي.. وأن شيئا في روحها كان يموت مع كل طفل تفقده..
في حملها الأخير قبل عامين.. كان يدعو في كل صلاة أن يحفظ لها هذا الحمل.. فهو رأى حالة الاكتئاب التي انغمست فيها في المرات السابقة..
لن يحتمل أن يراها هكذا مرة أخرى .. شعر أن روحه هو أيضا كانت تذوي من أجلها..
" يارب بس طفل واحد..
طفل واحد ما نبي غيره.."
ولكنها فقدته.. وهذه المرة كان حزنها سوداويا لأقصى مدى.. كان يشعر بالحزن يتسرب عبر مسامات جسدها..
وكأن جسدها وروحها وقلبها ماعادوا يحتملون أي مزيد..
ماعادوا يحتملون أي مزيد!!
**************************
" وش تعشيتي في بيت هلي؟!"
تنهدت بعمق (أنت ما تنسى النكد وتحسبه خفة دم أنت ووجهك!!)
ابتسمت باستظراف مصطنع: تبي بالمختصر والا المفصل تعوبي؟؟
متعب بتفجع: ليه فيها مفصل بعد ؟!!.. حرام عليش مها.. راعي صحتش شوي.. وزنش وصل رقم قياسي..
مها بابتسامة تريد أن تبصقها في وجهه مع العشاء الذي لم تتناول منه شيئا حتى:
أدري كم وصل.. ماتقصر حبيبي وأنت كل يوم توقفني على الميزان بالغصب وتراقب وزني..
هل هناك امتهان إنساني أكثر من هذا؟؟
لطالما اعتبرت المرأة أن وقفتها على الميزان شيئا شديد الخصوصية لا يحق لأحد اقتحامه..
وليته توقف عند الميزان فقط..
ولكنه بات يمتهن كثيرا من أنوثتها وشخصيتها.. وهو يكسر مجاديفها بكل معنى الكلمة..
في البداية كان من رفض أن تباعد بين كل حمل وآخر وتستخدم أي مانع للحمل.. مع أنه يعرف قابليتها للسمنة..
وحين أنجبت ثلاث بنات لايباعد بينهن سوى أقل من سنة ..كان هو من قال لها توقفي لعدة سنوات حتى تنزلي وزنك لسابق عهده..
"لأنش لو حملتي وأنتي وزنش كذا.. والله ماعاد حتى تقدرين تحركين!!
تبين اللي يشلش ويحطش.. وانا لو أجيب الدفاع المدني كله معي ماقدرنا نشيلش"
هكذا بصقها في وجهها قبل عام ونصف دون أدنى مراعاة لمشاعرها..
جعلها تخجل من نفسها.. وشكلها.. وتعقيدات بالغة الغرابة تغلفها.. وتقيد علاقتها به..
وكل هذا في داخلها.. لا تشتكي أبدا لأحد.. ولا تقف للتساؤل على أعتابه..
تغلف نفسها بقشرة رقيقة من مرح شفيف وابتسامة دافئة.. علهما يخفيان ضبابية روحها المكلومة من الألم..
همست بمرح وهي تدير ظهرها له لتخفي دمعة انسابت على خدها دون استئذان:
حبيبي.. تدري.. جوعانة... بأمر بناتي أشوفهم وعقب بأروح للمطبخ.. أجيب لك شيء معي؟؟..
متعب همس بضيق حقيقي وهو يلقي بغترته على طرف الأريكة:
ومطبخ بعد؟؟.. لا مها.. روحي ما أبي شيء.. بأصلي وتري وقيامي وأقرأ وردي وأنام..
خرجت لتحبس نفسها في غرفة بناتها لتبكي كالعادة.. وتتركه خلفها يتنهد بحرقة كالعادة أيضا:
وين راحت مها اللي يوم شفتها ليلة عرسنا في فستانها المجنون..حسيت ألف فرس يتسابقون في قلبي؟!
وين الفتنة اللي كانت تذوبني .. وأخاف أسكر عيني تروح مني لمحة حسن من محاسنها؟!
أعوذ بالله ماعاد أشوف قدامي إلا فيل..
يا الله إنها قادرة تمر من الباب..
*****************************
" أخبار حبيبتي الليلة؟؟"
نظرت له بولع غامر شفاف.. وهي تدقق في تفاصيله التي تعشقها..انعقادة حاحبيه..عارضيه السوداوين .. شعره الأسود الناعم الكثيف الذي يتجاوز طوله أسفل عنقه في لفات لولبية: دامك طيب فأنا طيبة..
لينظر لها بدفء عميق: ودامش طيبة أنا طيب..
ثم أردف بمرح وهو يجلس جوارها ليطوق كتفيها بذراعيه: صدق صدق بثينة حبيبتي كنتي الليلة تبين تنامين عند هلش وتخليني..؟؟ ..
ابتسمت بثينة برقة: شأسوي .. أميرة متوترة عشان بكرة تسجيلها في الجامعة..
خبرك توتر طالبة جامعية جديدة.. وهذي دلوعتنا ما أقدر أشوفها كذا وأخليها.. كان ودي أنام عندها..
يضحك باستنكار مرح : نعم؟؟ أنتو يا بيت طالب عندكم دلع؟؟؟.. ما أصدق إن مصطلح الدلع مر عليكم..
مربيتكم الجليلة على العجين ماتلخبطونه.. أشك إنها في البيت كانت تلبسكم لبس عسكري..
وحاطة لكل واحد منكم جدول بالساعة والدقيقة..اللي مايلتزم فيه ياسواد عيشته..
ضحكت بثينة: حرام عليك محمد.. الجليلة اللي حلفت علي ما أمسي..
قالت لي: أنا ما أنا بحالفة عليش يوم عرستي إنش ما تمسين عندنا إلا كن محمد مسافر برا الدوحة..
محمد بمرحه التلقائي: ياحبيبتي.. يا مرتي يامسكينة....
أتخيل شكلش والجليلة تصيح عليش وأنتي تنافضين ولاصقة في الطوفة.. وتقولين والله ما أعيدها.. والله ما أعيدها..
بس لا تعلقيني من أرجيلي وتضربيني..
بثينة ضحكت: حرام عليك محمد.. الجليلة ماعمرها مامدت يدها على حد منا..
محمد يقاطعها ضاحكا: مافيه داعي تضرب.. كفاية نظرة عينها وإلا نبرة صوتها.. عشان تخلي الواحد يسويها في ثيابه من الخوف..
كفاية اسمها يروع. وأنا أتخيل كليب وجساس والمهلهل يتحاربون فوق رأسي.. أما عمي طالب الله يرحمه غريب على ذا الاسم..
ثم أردف بتذكر باسم : أول مرة شفتها وسمعتها يوم عرسنا وهي تناظرني مع إن عيونها يا الله أني أشوفها من نقابها وصوتها كان واطي..
وهي تقول لي: ( الله الله في بثينة.. تراك خذت قطعة من جوفي.. وتراها يتيمة.. أبيك تكون أمها وأبيها..)
وأنا كان ودي حزتها أشلش وأحطش فوق رأسي قدامها.. تنفيذا للأوامر الصادرة بدون تفكير..
أجل لو شفت عينها كاملة وإلا صوتها عالي.. وش أسوي.. كان ما أهج من الدوحة..
بثينة مازالت تضحك برقة.. فمع محمد لا تعرف سوى الابتسامة..
(الله لا يحرمني من اللي عمره ماكدر خاطري.. ليتني بس أقدر أفرحك لو ربع منت مفرحني وماليء حياتي سعادة) :
تدري محمد، الحكي معك ضايع.. ما أدري الجليلة ومش مسوية لك .. تقول ماكلة حلالك..
ضحك محمد: قبل أربع سنين يوم قال لي ولد خالتي متعب:
وش رأيك تكلم أبي وتخطب منه بنت عمي طالب.. توها تخرجت من الجامعة..
و قبل اختها الكبيرة معية من كل الخطاطيب لين تتخرج.. اخطبها قبل يسبقك أحد.. تراها ما تتفوت.. أدب وتربية وسنع..
نطيت في حضنه.. وقلت يا الله ذا الساعة ذا الساعة.. قم نحاكي أبيك..
استانست لأني عارف بنات عمه طالب لا أم ولا أب.. قلت أحمدك يارب ماعندي عمة تنكد علي..
افرح يامحمدين ..ماعندكش حماية يامحمدين..
طلعت لي الجليلة عن عشر عمات..
بثينة بعتب مصطنع: كذا محمد؟! تعايرني عشاني يتيمة؟!
لو كان زوجها رجلا آخر غير محمد.. لربما قد تتحسس من هكذا قول..
ربما تكون الجليلة حاولت جاهدة ألا يشعروا بإحساس اليتم..وهي تاخذ دور الأم والأب بكل امتداداته..
ولكن إحساس اليتم بقي إحساسا مرا لابد أن يطفو كل حين..
ثم مع محمد وحنانه وحتى أبوته تراجع هذا الإحساس لأبعد زاوية منسية في روحها..
محمد انتفض بجزع رجولي حميم ..وهو يشدد احتضانه لكتفيها.. ليدفنها في منتصف قفصه الصدري:
آسف حبيبتي.. آسف.. الله يقطعني أنا ومزحي الثقيل..
لا تزعلين من حمودي حبيبش..
ضحكت بثينة بعذوبة وهي تستمع لدقات قلبه التي تشعر بها كتغريدات عذبة تحت أذنها:
يانظر عيني أنت .. أزعل من الدنيا كلها ولا أزعل عليك..
محمد ضحك ضحكة شريرة مصطنعة : تدرين خفت تزعلين.. وألجم لساني عن عمتي الجليلة..
عاد أنا لو يمر يوم ما أعلق على الجليلة ممكن يجيني شيء..
مهيب هي عمتي؟!!
*************************
تنظر له بولع أمومي لا يخلو من فخر عميق.. فهي من صنعت شخصية هذا الشاب الاستثنائي:
" مساعد نظر عيني.. لا تنسى تروح بكرة تجيب إيجار المحلات"
مساعد بابتسامة مرحة: من عيوني.. تأمرين شيء ثاني طال عمرش وحضرة جانبش..؟؟
ابتسمت: تمسخر طال عمرك أنت؟!!
ضحك مساعد وهو يجلس جوارها: حاشا وكلا يا بنت طالب.. أنا أستجري.. ما أنا بكفو أتمسخر على سمو الأميرة الجليلة بنت طالب..
ابتسمت الجليلة بعذوبة.. ابتسامة فترت عن مبسمٍ خرافي الحسن: شين ملاغة تالي الليل..
مساعد بذات المرح: الحمدالله ملاغتي على كل حزة..
ثم أردف بنبرة حانية لا تخلو من التقصد: ها مستعدة لبكرة؟؟
الجليلة بثقة متحكمة غير مصطنعة: وليه ما أكون مستعدة؟؟
مساعد بتلقائية: ما أدري.. دراسة الجامعة تشكل مرحلة جديدة في عمر الواحد..
لازم يكون قبلها إحساس حتى لو بسيط من التوتر..
ابتسمت الجليلة بثقة: التوتر للبزران اللي مثل أميرة.. بس أنا مايلبق علي.. فما فيه داعي أدعي توتر ماني بحاسة فيه..
ضحك مساعد: أنا أصلا الغبي اللي أسال ذا السؤال ..أكيد يامرغريت تاتشر.. الله يعين الجامعة عليش..
الجليلة بتلقائية واثقة: أنت عارف أني دراسة الجامعة كلها ما لي خاطر فيها.. بس عشان خاطر أميرة بأدخل معها ..
حينها نظر لها مساعد بشكل مباشر وهمس بنبرة مقصودة: جليلة .. ترا أميرة بذا الطريقة والله ماتقدر تعيش في الدنيا وأنتي مسوية عليها حماية بذا الطريقة..
أميرة مستحيل تطلع من البيت من غيرش.. ومالها صديقات غيرش..
كملتي الثانوية عشانها يوم شفتيها سنتين ورا بعض وهي ترسب في أول ثانوي.. والحين بتدخلين الجامعة عشانها..
أنا ما أقول لا تدخلين الجامعة.. لأنه حرام ما تدخلينها.. نسبتش أحسن من نسبة أميرة بواجد مافيه حتى مقارنة..
وثقافتش وإطلاعش أحسن من كثير من خريجين الجامعة..
بس تدخلين الجامعة عشانش مهوب عشانها..
الجليلة بثقة لا تخلو من نبرة حزن شفاف وهي تشد شعرها الكثيف ليسترسل بجوار عنقها الطويل منحدرا إلى حجرها : أنت عارف أني أبيها تكون قوية.. والدنيا مايعيش فيها إلا قوي..
بس هي كبرت ماعرفت لها أم غيري..أمي ماتت وعمرها أربع سنين.. وحتى أبي مات وهي صغيرة..
فصرت أمها وأبيها.. وأنت تدري زين إني حاولت أدمجها مع صديقات من سنها.. بس هي اللي ما ترضى..
حتى البندري بنت عمي عبدالمحسن.. مع أنهم متقاربين في العمر.. والبيت جنب البيت.. بس ما توالفت معها..
مساعد بثقة : لا تزعلين جليلة.. بس أنتي السبب.. أميرة متعلقة فيش تعلق مرضي.. وأنتي منتي براضية تفكين منها شوي..
الجليلة بغضب تحكمت في نبرته حتى لا تعلو طبقة صوتها الرصينة: يعني يا أما أسمع شورك وأعرس.. وإلا أكون اللي جنيت على أميرة..؟؟
تنهد مساعد: الجليلة لا تعصبين واللي يرحم والديش.. ياقلبي رفضش للزواج ماله مبرر..
أول تحججين إنه حن صغار ومستحيل تخلينا..
هذي بثينة لها أربع سنين متزوجة.. وأنا الفصل الجاي تخرج.. ولو تبيني أتزوج تزوجت..
وأميرة خلصت ثانوية وهذي هي بتدخل الجامعة.. وأزهليها.. أميرة في عيوني..
الجليلة شبابش بيروح حرام عليش.. شوفي حالش..
الجليلة بثقة: لا معصبة ولا شيء .. بس مالي عازة في ذا العاهات اللي يخطبون..
خلاص أنا وحدة كبرت.. وش لي بالعرس؟!
وأنت رجّال منت بقاعد تحرس البيت .. تبيني أخلي أميرة بروحها في البيت؟؟.. مهوب حولي ياولد طالب..
ضحك مساعد وهو يقرص خدها بحنان: أما عاد كبرتي على العرس وحلوة كذا وعمرش 32 ...!!
تكفين دوري لي وحدة كبيرة مثلش.. تكفين.. وأنا راضي بها وأحب يدي مقلوبة..
قولي إن السالفة أميرة وبس... خلاص ولا يهمش.. ترا الخطاطيب مأذيني عليها..بأزوجها وأزحلقها من طريقش..
تراها تبيعتي وعمرها 20 ..يعني ماعاد هي ببزر..
الجليلة بحزم: ياويلك يا مساعد تقرب حد.. وإلا تعطي حد كلمة.. ماعندنا عرس لين تخلص أميرة جامعتها..
مثلها مثل بثينة..
مساعد بحزم مشابه: أظني الشور عندي يابنت طالب..
ولو جيتي للصدق ترى أميرة هذي بقرة ومهيب وجه دراسة.. لولاش وراها ودرستي معها وأنتي تغزين الشرح في حلقها وتأكلينها الدروس أكل.. وإلا كان أساسا مافلحت..
المفروض إنها الحين تروح ثالثة جامعة.. خليها تعرس و توفق..
لوماكنتي وراها في الثانوية ماكان فلحت.. لكن الجامعة خلاص.. لو هي مالها رغبة في الدراسة.. خلاص والله مايمشي حالها..
الجليلة بحزم مثقل بالغيظ: مساعد لا تخليني أوريك وجهي الثاني..
ضحك مساعد: وأنا بعد لا تحديني أطلع وجهي الثاني.. تراني تربيتش يا بنت طالب..
وجهي الثاني عاده أعسر من وجهش.. وأظني أنش دارية..
بأطول بالي عليش شوي بعد.. ونشوف أخرتها معش..
تنهدت الجليلة، لتزفر خليط متناقض من المشاعر.. فخر مصفى وغيظ ملتبس.. من هذا الأخ..
الذي بقدر ماهي فخورة به.. بقدر ماهي متوجسة من قوة شخصيته..
بينها وبينه عشر سنوات..
هي من ربته ليكون قوي الشخصية..صارم القرارات..
منذ وفاة والدها كانت لا تفعل شيئا أو تخرج لمكان حتى تستأذنه..
مع أنه كان في الحادية عشرة في حينها.. لكنها أرادت أن تغرس فيه حس المسؤولية والرجولة المبكرة..
وهي تعلم شقيقتيها كيف يحترمنه إلى حد التقديس..وتكون كلمته مسموعة عندهما..
كانت سعيدة جدا به.. وهي تراه مازال في الرابعة عشرة.. ومع ذلك قهوته معدة في مجلسه..
وعمه وأبناء عمه سعيدون به أيضا.. وهم يتقهون عنده كل عصر حتى لا يشعر أن مجلس والده هُجر بعد وفاته..
ثم بعد ذلك عزائمه (وكرايمه) التي لا تنتهي.. جعلتها أكثر سعادة به..
ولكنها كانت في داخلها تتساءل بحزن: أ لم أنتزعه من طفولته؟؟ أ لم أحرمه أن يعيش سنه؟؟ وأنا أجعله يكبر في تصرفاته لعشرين عاما؟
ثم تزفر بعدها بحزن سوداوي لا قرار له: سامحني يامساعد.. بس الطفولة كانت ترف.. ماسمحت لنا ظروفنا إني أخليك تعيشها..
كنت أبيك سند.. في دنيا تخوف.. وحن بنات بدون أم ولا أب..
ويمكن كنت أبيك تكون صورة لشهاب اللي كان في عيني أكمل رجّال..
بس يا أختك طالبتك لا تكون مثل قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده رماني
تكفى يامساعد.. تكفى ياقلب أختك.. كله ولا أميرة..كله ولا أميرة!!
لا تقهرني على بنتي..
(كم مضى من السنوات.. وأنا أنسى نفسي في خضم انشغالي بكم
ماعاد لي حياة سواكم..
نسيت أو ربما تناسيت أني يتيمة حتى لا تشعروا أنتم باليتم..
رحيل أمي وأنا في السادسة عشرة نحر روحي نحرا
الجزع اخترم روحي.......
وكأن كل هذا الألم لا يكفي
ليرتحل والدي بعدها بسنوات قليلة.. وأنا مازلت في الحادية والعشرين
كنتُ الكبرى.. وأنتم عصافير لم ينبت ريشها..
نسيت صباي وشبابي كما نسيت مراهقتي قبلها
كل شيء نسيته من أجلكم...
القلب مازال متخما بالأسى..
فهل حينما يعود ذلك الــغــائــــب الذي أطال الغياب سأشعر بالسلام؟؟)
*************************
قبل ذلك بساعات ...صباح اليوم..
"أنت صدق متلاغي مع نسيبك قبل كم يوم؟ أنت صاحي؟!!
ترا جابر آل جبران من خيرة الرياجيل..
وعزّ الله مهوب غثيث"
كان الاثنان في كتارا، يتناولان فطورهما كعادتهما الصباحية التي تتكرر كثيرا أن يفطرا معا حينما يجدان وقتا لذلك، فرغم كل الخلافات والحساسية، بقيا روحين متآلفتين..
تناول خالد رشفة من قهوته، وهتف بثقة لا تخلو من الغضب:
أختي داخلة علي وجهها أحمر وشكلها باكية، يحمد ربه لاغيته بس، ماخليته يجمع ضروسه من القاع..
والله لولا إن غالية طلعت وحلفت إنه ماقال لها شيء، وإلا والله يا ممساه إنه في مستشفى حمد..
حينها اهتز فنجان القهوة في يد محمد، أعاده للصحن، وهتف بثقة مشابهة لا تخلو أيضا من الغضب ومن كثير من العتب: زين واللي أخته عارف إنه لها خمس سنين تبكي ومغبونة، وغبنها كنه رمح في كبده، وش يسوي؟!
شعر خالد بالطعنة من قريب، شهق من قوتها، شعر بها نسفت روحه نسفا، شعر أن خلاياه تتناثر آلما.. وهو يمد يده عبر الطاولة بينهما ليمسك معصم محمد بقوة، ويهتف برجاء عميق موجوع: طالبك يا محمد ما تذبحني.. أنت بالذات طالبك.. ما اقواها منك يا أخيك.. أيني داخل على الله ثم عليك.. ما تكمل.. ولا تقول كلمة..
صمت محمد بحسرة، وقهر عظيم يلتهم روحه، ربط يديه ولسانه بهذا الرجاء الأخوي العنيف الذي استفز به أخوته ومروؤته، حتى موضوع سفرة جنيف الذي كان يريد أن يفاتحه فيه اليوم وجد لسانه مربوطا عنه، والاثنان يبقيان صامتين دون أن يمدا أيديهما إلى بقية القهوة أو الفطور..
وكل واحد منهما ينظر للآخر بنظرات مثقلة بالمعاني، يتمنى محمد فقط لو أن الجازي تطلب منه أن يطلقها من خالد، يريدها أن تمنحه الغطاء المناسب لكي يستطيع مجابهة خالد ومعزة خالد ومحبة خالد التي لم ولن يؤثر فيها شيء..
ولكن مادامت الجازي ترفض أن يطلب هو وسعود لها الطلاق من خالد، سيبقى مجبرا على التراجع عن المواجهة..
الحزن والحسرة والقهر في داخل خالد كانت أكثر تجذرا وعمقا، يشعر أن كل مافيه يذوي وهو يضطر أن يجابه محمد : (طالبش يا الجازي، طالبش..كله ولا محمد، كله ولا محمد.. لا تخليني أقهر أخي ورفيق عمري!)
******************************
" يمه الله يهداش.. وش ذا الكلام اللي قلتيه لدانة؟؟
يعني المسكينة مهملة رجّالها وملزمة ماتروح لين تتأكد إن ضغطش نزل
تقومين تغثينها بذا الكلام اللي ماله داعي"
أم سعود بغضب حقيقي: أص ولا كلمة.. أص.. أنتي بالذات ما أبي اسمع صوتش..
وبكرة ما أنا بطالعة من حجرتي.. ولا أبي أشوف وجهش
ولا وجه حد من أخوانش.. فكوني في شركم.. ماحد رافع ضغطي غيركم..
وقومي فارقيني.. ما أبيش تمسين عندي..
الجازي بمهادنة باسمة رقيقة وهي تقترب لتحتضن ذراع والدتها وتقبل أعلى عضدها:
أفا ياصفوي.. أفا ..حتى الجويزي.. أخر العنقود.. سكر معقود.. تقلبين عليها؟!!..
أم سعود انتزعت عضدها بقسوة وهي تبعد الجازي عنها.. تنهدت الجازي بعمق..
يبدو أن غضب والدتها هذه الليلة غير قابل للحل السريع..
وخصوصا أنها ختمته بجرح دانة بقسوة.. رغم أنها تعلم محبتها الكبيرة لها..
الجازي همست بحنان: يمه الله يهداش.. العصبية مهيب زينة لش.. أنتي مرة معش ضغط وسكر..
وش اللي مضايقش جعلني فدا عينش؟؟
أم سعود بذات الغضب المتزايد: إلا قولي وش اللي مهوب مضايقني.. كل شيء مضايقني..
أنا عجوز مريضة رجلي والقبر.. ولا حد من عيالي مريحني..
ضحكت الجازي برقة: يمه الله يهداش وش فيش قلبتي مود هندي.. وش عجوز ورجلي والقبر..؟؟
توش يمه صغنونة وعمرش أول الخمسين..
أم سعود بغضب: أنا ماقلت لش أنتي أص.. أجل خلاص ما أنا بعجوز .. بس أنتو بتموتوني ناقصة عمر..
الجازي تتنهد.. يبدو أن كل محاولاتها لإخراج والدتها من المزاج السيء لا تفلح..
لذا همست برقة مهادنة مرة أخرى وهي تميل لتقبل كف والدتها هذه المرة:
جعلني فداش يأم سعود.. علميني وش فيش؟؟.. أنا الجويزي.. الصندوق اللي مفتاحه ضايع..
انتزعت أم سعود كفها حتى لا تقبلها الجازي في دلالة على غضب حقيقي غير معتاد من شخصيتها اللطيفة وهي تهتف بذات النبرة الغاضبة:
خلينا نبدأ فيش يالبصل المعقود.. خمس سنين متملكة؟!!..
نعنبو دارش.. سنانينش بزرانهم وراهم..
وأنتي تغلين على ذا المسكين لين طلعتي روحه وروحي معه..
زين وضربش؟!..الرجّال رجّال صدق.. دمه حار.. ولا له إلا الظاهر.. زين أنه ما ذبحش..
ويوم درا بغلطه.. تعذر بدل المرة ألف.. ماعاد إلا يحب أرجيلش عشان ترضين..
بس أنتي يا بنت بطني غرش الغلا.. جزاش لو أنه يطلقش ويحذفش مثل النعال ويأخذ شيختش.. علش تعرفين إن الله حق..
وإلا تدرين.. يخليش معلقة أحسن.. ويأخذ اللي تسواش.. عشان تأدبين ..
وأنا اللي بأخطب له بعد.. وأنتي خلش عند أمش لين تموتين..
الجازي وقف قلبها في منتصف حلقها من تهديدات أمها وهي مازالت لم تنتهِ بعد (معقولة يمه شايلة في خاطرش عليّ لذا الدرجة؟!)
الجازي لم تفتح فمها بكلمة.. ووالدتها لم تفسح لها مجالا أصلا وهي مازالت تنهمر بذات الغضب:
وإلا أختش.. الشيخة مها.. أقص يدي من عند منكبي كن مابينها وبين رجالها الشيطان الرجيم..
ومع كذا كل ما سألتها.. يأمش وش بينش وبين رجالش؟؟ هو مضايقش بشيء؟؟
تبوسم الخبل.. وتقول يوه يمه لا تفاولين علي أنا وتعوبي...
جعل تعوبها يتوطى في بطنها رايح جاي.. عشان تعرف أشلون تجحد على أمها..
الجازي مصدومة.. بل إحساسها يتجاوز الصدمة إلى الذهول الحقيقي (معقول فيه شيء بين مها ومتعب؟؟!!!! الاثنين سمن على عسل)
ومازالت أمها تنهمر بذات الغضب المثقل بالحرقة: تحسبني ما أدري إنها تدس دموعها على كلن..
بس تدسها علي بعد؟؟ أنا.. أنا أمها مبعدتني منها..
وأقول لها يأمش فكي المانع.. جيبي عيالش عادش صغيرة.. كني أحاكي الطوفة.. ماعاد لي أمر على أحد..
مثلها مثل الدانة اللي أقول لها فكي المانع.. تقول لي مهوب الحين..
نعنبو دارهم قد لهم سبع سنين معرسين.. ما تقدر تجيب لولدي عيال.. زوجته..
أنا ما أدري ذا البنات الوحدة منهم إذا خذت الرجّال تحسب إنها ملكته.. وإنه لها بلحالها..
الشرع حلل له أربع.. وكل وحدة لها قدرها وبيتها وخيرها..
يعني ربي ما يهنيني بشوفة ضنا عيالي..
وكله كوم ومحيميد الخبش كوم.. اللي قد له أربع سنين معرس
وإذا جيت بأحاكيه في سالفة العيال.. قعد يشرق ويغرب ويهذر وينكت عشان ينسيني السالفة...
أسكت عشان ما أحزنه..
بس خلاص.. قلبي احترق.. أبي أشوف عيال عيالي.. وابي اشوف بناتي مبسوطين..
وماحد منكم بمريح بالي.. كني عدوتكم.. ما كني بأمكم..
ارحموني الله يرحمكم برحمته.. اتقوا الله فيني.. خافوا ربكم..
الجازي ابتلعت غصاتها وهي ترى والدتها تنهي انهمارها المحرق كبركان نفث كل حممه ثم استكان..
وهي تراها تتمدد على سريرها كما لو أن جسدها خلا تماما من الطاقة..
(معقولة يمه.. شايلة ذا كله في صدرش وساكتة.. معقولة؟؟!!)
كانت تنظر لجسد والدتها الممدد وتتمنى لو تنكب على قدميها لتقبلها، كيف تتركها تنام وهي غاضبة هكذا؟ كيف؟
بقيت بجوار والدتها وهي تقرر أن تنام الليلة هنا على أريكة في غرفة والدتها،
كانت ليلة طويلة لم يغمض لها فيها جفن، وهي تشعر أن كل مافي روحها يتمزق، وأفكارها الحزينة تدور بين والدتها، وأخوتها ...... وخــــالــــــد..
***************************
" هنوف يا بنيتي .. وش مقومش ذا الحزة؟"
الهنوف تميل بإرهاق لتقبل رأس أم متعب بعد أن صبحتها بالخير:
بطني يوجعني.. وكنت أبي أشوف عندش بنادول..
أم متعب بحنانها الأمومي المعتاد: بتلاقين في شنطتي حقت علاجي..
الهنوف بخجل: عمي مهوب داخل..؟؟
أم متعب بسكينة: لا يأمش.. تعرفينه بيقعد في المسجد يسبح ويهلل لين تشرق الشمس..
الهنوف توجهت لغرفة عمها التي تأخذ جناحا كبيرا من الطابق السفلي من البيت، وأحضرت المسكن، ثم همست لأم متعب بمودة: تبين أقعد يمه أقهويش..؟؟
أم متعب بنبرتها الحانية: جعلني ما أخلا منش يأمش.. اكلي حبوبش وتريحي..
جعلش بعد ذا البطة اللي أخنزت من الرقاد..
ابتسمت الهنوف: البندري مارقدت إلا عقب ما صلت الفجر.. حرام توها ما ارتاحت من امتحانات الثانوية العامة.. تبي تعوض نوم شوي..
ضحكت أم متعب: تعوض نوم؟!.. هذي تعوض هل الدوحة كلهم نوم من عندها.. المحتاج يجيها وتغنيه..
ضحكت الهنوف برقتها المتفردة وهي تقف لتغادر: ماشاء الله شكلش مروقة اليوم.. خلني أروح أخذ من البندري شوي نوم..
وأخليش تستقبلين شيبتش بدون عزول..
كانت الهنوف على وشك المغادرة إلى غرفتها.. لولا الطرقات القوية التي ارتفعت على الباب الداخلي..
ثم الصوت الجهوري الذي لم تتوقع سماعه.. بل لم تتمنَ سماعه مطلقا يأتي من خلف الباب:
+
يا أهل البيت.. يا أهل البيت..
كانت الهنوف على وشك المغادرة إلى غرفتها.. لولا الطرقات القوية التي ارتفعت على الباب الداخلي..
ثم الصوت الجهوري الذي لم تتوقع سماعه.. بل لم تتمنَ سماعه مطلقا يأتي من خلف الباب:
يا أهل البيت.. يا أهل البيت..
نفضت رأسها بعنف، ورعشة هائلة تغتال كل خلاياها.. خـــــليـــة خــــليـــــة..
قدماها تميدان..توشك أن تخذلها.. وريقها يجف.. تشعر أن حنجرتها تشققت أخاديد غائرة من الجفاف..
(لا .. لا ياربي أرجوك.. مهوب هـــــــو.. مهوب هــــــو)
كانت تريد أن تهرب قبل أن يدخل.. تريد أن تهرب..لأبعد مجرة لو استطاعت.. وكانت على وشك الهرب..
لولا اليد التي تخشبت كقيد فولاذي على معصمها وثبتتها في مكانها.. والصوت الضعيف المهزوز المختنق الذي تلا تخشب اليد: هو صدق الصوت اللي سمعته يا هنوف؟ وإلا أنا أتحلم؟؟
تنهدت الهنوف بوجع عميق.. عـــمـــيـــق وهي تنزل جلالها على وجهها وتشد على كف أم متعب بحنو..
وتهمس بتلقائية مصطنعة أثقلها التعب.. أثقلها حتى النخاع:
إيه يمه.. هذا تركي..
أم متعب زاد صوتها في بحته وهو تحاول الوقوف ولا تستطيع.. الكلمات جفت على شفتيها..
حينها وجدت الهنوف نفسها مجبرة أن تهتف بصوت عال بقدر ما أسعفتها حنجرتها المشققة جفافا وتوترا: تفضل يأبو عبدالمحسن..ادخل..
استغرب تركي.. غريبة!! من ذا الصوت الحلو صوته؟؟ ماعندنا غير البندري مكينة خربانة..
تنهد بضيق لا يعرف له سببا يقينيا: أكيد الهنوف..
ثمان سنين مرتي حتى صوتها مابعد سمعته.. ويوم رجعت رجعتي النهائية.. أسمعه.. يا ترى هذي رسالة لي؟؟
حينما دخل ، حاولت أم متعب الجالسة على طرف الأريكة المزدوجة أن تقف وهي تتسند على ذراع الهنوف الواقفة جوارها.. ولكنها لم تستطع أن تقف..
وتركي منذ دخل وصورة والدته تلتهم المشهد.. لم يرَ شيئا سواها.. وكل الخيالات بجوارها تبهت..
قطع المسافة بينهما في ثوان.. وهو يميل عليها ليقبل رأسها بلهفة..
ثم يجثو على ركبتيه على الأرض ليقبل كفيها ثم يحتضنها بحنو أثقله الشوق: اشتحنت لش جعلني فداش..
أم متعب لم تستطع منع نفسها من البكاء: الحمدالله على سلامتك يأمك.. ماحد ذاب قلبه من الشحنة غيري..
ليه ماعلمتني بجيتك يأمك؟؟
ابتسم تركي وهو يقف ليجلس جوارها ويعيد احتضان كتفيها وتقبيل رأسها: حبيت أسويها لش مفاجأة.. جعلني فدا دموعش اللي ماحد يستاهلها..
طالبش ما تبكين ياعيون تركي.. إذا شفت دموعش أغتث..
أم تركي تمسح دموعها وتحاول أن تتماسك من الصدمة: وأنا أشهد أنها أحلى مفاجأة!
تركي بتساؤل رزين لا يخلو من لؤم وهو يتلفت حوله: يمه كان عندش أحد يوم دخلت..؟؟
أم متعب بعفوية: ايه.. سلم على بنت عمك..
تركي بنبرة أقرب للسخرية وهو يتلفت حوله: يمه أي بنت عم؟!.. ما أشوف إلا الكراسي.. تبين أسلم عليها حاضر..
أم متعب باستغراب: وين راحت ؟؟ أنت دخلت وهي جنبي..
تركي بسكون: أكيد طلعت..
ثم أردف في داخله: أصلا لو شفتها بيكون تحقق رابع المستحيلات.. 8 سنين متملكين.. عمري ماشفت زولها حتى بالصدفة..
أجي في الإجازات بالشهر والشهرين.. عمري ماصدفتها.. نعنبو شكلها حابسة نفسها في غرفتها!!
وكان محقا في ذلك.. فالهنوف حرصت منذ عقد قرانها ألا تتصادف معه مطلقا.. ومع أنهما في بيت واحد..
إلا أن جناحه هو ومتعب كان في الطابق السفلي وبابه يفتح لخارج البيت.. وليس له باب من داخل البيت.. وكان عمها عبدالمحسن هو من قام بهذا الترتيب قبل أن يحضرها من بيت جدتها.. حفاظا على خصوصيتها داخل البيت..
وبعد زواج متعب واستقلاله ببيت... بقي الجناح لتركي فقط.. الذي كان يقضي أكثر شهور العام في دراسته..
ولم يكن يتعبها أن تحرص ألا تصادفه في الأيام التي سيقضيها في الدوحة..
رغم أنها صادفته رغما عنها في مرات عابرة كثيرة لم ينتبه هو لها إطلاقا!!
***********************
" صباح الخير على أجمل أم خالد في التاريخ والبشرية"
ترفع أم خالد رأسها لمن انحنت عليها لتقبل رأسها وتهمس لها بحنان: هلا والله بالغالية..اقعدي يا أمش تريقي فديتش..
ابتسمت مزنة وهي تنهي قبلة رأس والدتها لتميل على كفها وتقبله وهي تهمس : وش حلاته إن الوحدة تكون البنت الوحيدة في البيت..
الغلا والدلع كله يسير لها..
أكملت جملتها وهي تسكب لها فنجان قهوة على عجالة وهي مازالت واقفة..
أم خالد بذات الحنان العذب: اقعدي يأمش.. تقهوي على راحتش..
جعل ربي يستر عليش ويكتب لش في كل خطوة سلامة..
تهمس مزنة باستعجال رغم أنها جلست جوار والدتها وقبلت كتفها أيضا: لا يمه ما أقدر أتاخر على خالد ياكلني.. ويسمعني موال على الصبح..
صار له خمس دقايق ينتظرني في السيارة..
أم خالد بحزم حان: خله ينطق ويتناش.. أنتي أخته الكبيرة..
ضحكت مزنة برقة: إذا قلت له كذا.. قال ذليتو أبو طوايفي.. ما يسوى علي سابقتني بعشر شهور..وبعدين يمه ولدش ذا صاير يخوف... أحسه أكبر مني بعشر سنين..
مزنة أنهت فنجانها ونهضت لتقف.. لولا أن أمها استوقفتها وهي تهمس برجاء:
فكرتي في الموضوع اللي قلت لش البارحة..؟؟
همست مزنة بنبرة لا تخلو من الحزن: يمه هذا حتى شهادة إعدادي ماعنده.. ترضينها علي وأنا معي ماجستير؟!..
أشلون أتفاهم معه؟؟
أم خالد بحزن: يأمش قعدتي تعيين من الخطاطيب ذا السنين كلها... والحين........
صمتت أم خالد بحرقة.. لتكمل مزنة بسخرية موجوعة: والحين أحمد ربي لأنه جاني واحد أنا أول بخته حتى لو ماكان بيننا أي توافق
لأن وحدة مثلي قربت على الثلاثين تقول فاتها قطار الزواج في عرفكم..
يمه الدنيا تغيرت.. والبنات صاروا يعدون الثلاثين ما تزوجوا..وأنتي عارفة أنه جاني ويجيني خطاطيب أحسن منه..
و يمه.. لو الوحدة مالقت الزوج اللي يناسبها، الأحسن تقعد في بيت أهلها..
أنهت مزنة عبارتها وتنهدت بعمق وهي تحمل حقيبتها وتخرج .. وجع عميق يسكن في وسط روحها:
(تكون هذي حوبتك يا محمد عشان رفضتك قبل 6 سنين؟!
يا ترى دعيت علي؟؟
قلت: يارب ما تتوفقين في رجّال عقب ما رفضتيني؟؟
ليش ألاقي نفسي كاشة من كل واحد يخطبني؟؟
وأصلي استخارة وألاقي نفسي تنصرف عنه
واعيد الاستخارة مرات كثيرة.. وكل مرة ألاقي نفسي جافلة أكثر..
ليش؟؟ ليش؟؟)
**********************
" ماصدق عيوني.. حضرة الدكتور بشحمه ولحمه"
وقف تركي بشوق وهو يملأ عينيه من رؤية أصغر أشقائه.. أخر العنقود، الذي خرج من إحدى غرف البيت في الطابق السفلي، وهو يسرع بحماس وصدمة متوجها لتركي الذي هتف له بحنو مرح: أنت أول غسلت عيونك يا حزام المعفن عشان تشوفني..
ضحك حزام بمحبة عميقة وهو يقبل أنف تركي ويحتضنه: والله إني غسلت عيوني وفرشت أسناني وبدلت ملابسي كلها..وعقب ذا كله تسبحت فوق ملابسي بعد، تبي الهنوف تذبحني أطلع بدون ما أسوي ذا كله...
احتضنه تركي مرة أخرى، وهو يلتفت لأمه ويهتف بمحبة أعمق: يمه سكروا عليه في صندوق، عمره 14 وقده بيغدي طولي، عقب سنة وإلا سنتين بصير أنا عند ركبته..
ضحكت أم متعب بسعادة وهي تراهما أمامها سعيدين: يا أمك اذكر الله، العين حق، هذا حشاشة الشيبان..
تركي باستنكار مرح: هذا حشاشة؟! متأكدة؟!! شكله يمه كان باقي تجيبين ولدين وإلا ثلاثة قررتي تجيبنهم كلهم في حزام، وتختصرين..
يضحك حزام وهو يشد تركي ليجلس ويجلس جواره: أنت جاي من أمريكا عشان تنظل فيني؟!، كفاية عليّ متعب ماوراه غيري.. شكلك معطيه وكالة عنك هنا..
تركي يجلس وهو يربت على فخذ حزام ويهتف بمودة: أشلونك يا أخيك وإلا يا أبيك، علومك ؟ وعلوم المدرسة؟؟ بشر من نتايجك..
يبتسم حزام بمرح: أبشرك مابعد طلعت..
يضحك تركي: أفا.. وش العلم؟!
يحك حزام رأسه ويهتف بنبرة مقصودة: كنك بتعطيني هدية نجاح تستاهل ..أبشر بالعلم الغانم..
يهتف تركي بذات المودة العميقة الأقرب إلى محبة أب لابنه : أبشر بالهدية اللي تبيها، بس بيض وجهي..
يهتف حزام باحترام ومحبة وهو يقف: وجهك أبيض يا أبو عبدالمحسن..
ثم أردف برجولة غامرة مبكرة صميمية: يمه أنا بروح مع السواق سوق الغنم، أجيب خروف تسوون غدا تركي..
تركي برفض: طالبك تفكني ما أبي إلا الطيحة، باسلم على إبي والبندري وأرقد لين صلاة الظهر، ولا لي خلق غدا..
حزام بإصرار: أجل عشاء والله ما تقول شيء.. وإلا تبي إبيك وإلا متعب وإلا مساعد يسبقوني على كرامتك؟!
**************************
" وش ذا النهار الحلو اللي أتصبح فيه بصوت الغالية؟؟"
الدانة بصوت مرهق: صباحك خير ياقلب أختك..
خالد بقلق: الدانة وش فيش جعلني الأول؟!.. صوتش مهوب زين..
حاولت الدانة أن تدفع في صوتها بعض المرح لتفشل في ذلك فشلا ذريعا.. وخرج صوتها مختنقا بكل شيء وبالا شيء:
مافيني شيء وجعل يومي أنا قبل يومك..
أنا متصلة أبي أجرب غلاي عندك..
ابتسم خالد بمودة حقيقية: أنتي بالذات ما تجربين غلاش.. لأنش تعرفينه زين..
سكتت الدانة لثوان ثم همست برجاء حازم: طلبتك..
شعر خالد بطعنة غريبة في صدره وكأن روحه تنبئه بشيء.. تنهد بصعوبة.. عانى ليجمع نفسه ويهتف بحزم:
عطيتش اللي تبين ..إلا لو شيء يخص الجازي.. لازم أعرفه.. ما أعطي على العمياني
الدانة بيأس: عطها تصريح سفر.. عندها دورة في جنيف ومحمد بيروح معها..
خالد بصرامة بالغة متجبرة: آســــــف.. وأنتي عارفة زين رأيي في ذا الموضوع.. ما كان فيه داعي تفتحينه من أساسه..
حينها انفجرت الدانة بغضب حازم عارم: أنت يا خالد صدقت إن هذا حب؟!!.. أو تبي تقنعني إنك تحبها وتسوي فيها كذا؟!!
فعايلك تقول إنك واحد تكره وتبي تنتقم منها عشان رفضها لك.. الأصيل ما يسوي في بنت عمه كذا..
هتف خالد لها بغضب أكثر حزما: انتهت المكالمة يادكتورة.. البزارين سنونهم سوست
وأنتي تهذرين في شيء ماتعرفين كوعش من بوعش فيه..
أقفل خالد هاتفه وألقاه أمامه بقوة.. ليعود يعمل في البرنامج الذي قاطعه اتصال دانة..
يداه تعملان بشكل آلي محترف.. ولكن عقله في مكان آخر.. آخر
( حتى أنتِ يادانة.. حتى أنتِ!!
من بقى لي؟!!
من بقى لي؟!!
كل الناس أصبحوا أعدائي يا الجازي
العالم كله معكِ ضدي
وأنا وحيد.. وحيد
ليس معي سوى حبك.. وحتى حبك تستكثرينه علي!!
تريدين أن تخرجي خارج حدود مكان لستُ فيه؟!.
لا.. لن أسمح لك..
لا أريدك أن تخرجي خارج حدودي..
فأنا لا أستطيع تنفس هواء لا تتنفسينه معي!!
ظالم أنا؟؟
أ ظالم أنا؟؟
تستحقين ظلمي.. فأنتِ أول من ظلم برفضكِ لي طيلة هذه السنوات
خمس سنوات مرت.. وأنت تمعنين في رفضي مرة بعد مرة.. دون شفقة على قلبي الذي أضناه هواك..
ألا تعرفين السماح ، ألا تعرفينه؟!!
لقد أضناني الندم و مامررت به من عذاب غيابك كفّر كل أخطائي..)
*****************************
" هنوف هنوف.. قومي يالدبة.. الظهر بيأذن وأنتي نايمة"
تشعر بالصداع يفتت خلايا دماغها (أي نوم عقب شوفة أخيش؟) همست بصوت مرهق:
بندورة تكفين تعبانة وأساسا ما أصلي.. خليني أرقد شوي..
البندري بحماس طفولي: تكفين قومي شوفي وش جاب لي تركي.. من الصبح وأنا أتحرقص أبي أوريش
ألم صاف تشعر به.. اخترقها من أقصاها لأقصاها
تنظر لإبتسامة البندري.. بهجتها.. سعادتها الطفولية.. وجذلها الشقي
رغما عنها تشعر بضيق عميق !! غيرة رقيقة شفافة تشبهها في حزنها الشفاف.. لا تحسدها أبدا ولكن في داخلها تمنت أن يتذكرها ولو مرة مثلما يتذكر البندري كل مرة.. والبندري لها والدها وأمها ومتعب.. لكن هي ليس لها سواه..
لم تكن تريد أن ترى شيئا .. كانت تريد أن تدفن رأسها في المخدة حتى لا ترى شيئا..
مازالت تذكر ألم المرة الماضية وهي ترى هداياه لها..
وتشعر بنفسها نكرة.. ككل مرة.. ككل مرة
لم تكن تحلم أبدا أن يحضر لها هدية..وإن كانت تمنت ذلك كثيرا طوال سنوات مضت..رغبة في اهتمامه وليس في الهدية.. حتى فقدت هذه الرغبة تماما تماما..لم تعد تريد أي شيء منه.. ولكنها لم تستطع منع نفسها من الألم العميق غير المفهوم..
لم يتذكرها بأي شيء.. ولن يتذكرها.. فهي لا شيء.. لا شيء!!
ولكنها لم ترد أن تكسر بخاطر البندري.. أجبرت نفسها على القيام من أجل البندري..
جلست على السرير وهي تزيح خصلات شعرها عن وجهها لتهمس البندري بقلق:
هنوف عيونش منتفخة.. شي يوجعش؟؟
(مايوجعني غير........
والله ما أدري وش يوجعني؟؟
عنه جا وإلا بالطقاق..
ليه أبكي ما أدري!!)
(لماذا حضوره أثار كل هذا الحزن المر في داخلي؟!
وأثار مرارة الخذلان والتجاهل والألم بهذه الصورة الوحشية؟)
همست الهنوف بخفوت: مافيني شيء.. يا الله وريني..
البندري كانت تعرض هداياها بحماسة..
كالعادة، ذوقه رفيع جدا.. أنيق.. ومتغطرس.. وبارد مثله تماما..
كل هدية تراها تزيدها ألما غريبا عميقا.. تشعر نفسها بعيدة وغريبة ولا وجود لها في حياة الرجل الوحيد الذي تنتمي له..
ثم ختمت البندري العرض وهي ترفع حقيبة قماشية كبيرة مغلقة تشبه حقائب الرياضيين
وهي تهمس بحماس أكبر: وهذي هداياش.. شكلها أكبر وأكثر من هداياي.. يا الله وريني..
كفاية من صبح بطني يمغصني أبي أشوفها.. وأنا أنهر نفسي وأقول عن اللقافة..
انتفض جسد الهنوف بعنف وهي تهمس بصدمة كاسحة: لي أنا..؟؟
تضحك البندري: لا لجدتي.. خلصيني..
(لماذا تذكرتني هذه المرة؟ ؟لماذا؟ تذكركِ لي أكثر قسوة من تجاهلك)
شعرت أنها تختنق أكثر وأكثر وألم عميق يغزو كل خلية في خلاياها ومع ذلك همست بحزم:
بندري لو سمحتي.. رجعي الشنطة له..
اتسعت عينا البندري وهمست بصدمة: أنتي صاحية وإلا مجنونة؟!.. تبين تركي
يذبحني.. وش أرجعها له؟!!..
الهنوف بحزم حقيقي: بندري والله لو مارجعتيها له.. إني عمري كله ما أكلمش..
البندري بحزن: زين ليه هنوف؟؟ حرام والله.. بتكسرين بخاطر تركي!!
(كسر بخاطري واجد... مهتمة من خاطره
مابقى في خاطري شي ما انكسر ملايين المرات
خاطري فتات منثور لا يمكن جمعه ولا بأي طريقة!!)
هتفت الهنوف بصرامة مبتورة موجوعة: بندري.. نفذي بس.. لا تخليني أروح أقطها على خالتي أم متعب..
هذاك الوقت بتفشليني وتفشلين تركي..
البندري بقلة حيلة: زين ..ولو قال ليه رجعتيها؟!..
الهنوف بنبرة مقصودة: قولي له تقول لك الهنوف: كـــثــــر الله خيرك... جـــــاها منك ما كفاها وزود!!
**************************
" فُرات.. وين مي؟؟
ماشفتها من يوم جيتوا"
فُرات يكتم غضبه الذي اشتعل مع عبارة والده (مامرت أبي لين الحين)
يبحث لها عن عذر لا يجده لها وهو يهتف باحترام:
يمكن عادها راقدة.. تدري ما جينا إلا الفجر..
يهمس أبو فُرات ببساطة ..بنبرته الشديدة العمق المتناهية في السكينة: براحتها.. هذا أنا موجود وين بأروح..
اليوم بكرة والا بعده.. مصيرها تتذكر وتجي تسلم على جدها.. ما ألومها.. تلاقيها خايفة مني..
فُرات بعتب: يبه ليه تقول كذا؟.. بتجي تسلم عليك الحين ورجلها فوق رقبتها..
ابتسم أبو فُرات ذات ابتسامته الساكنة المغرقة في العمق:
أنت ليه سويتها سالفة؟!.. أنا عارف إنها ماقصدت تتأخر في السلام..
بس أكيد عندها سببها.. حتى لو كان السبب إنها ما تبي تسلم علي.. أنا مقدر وسامح
و أنا بس مشتاق لها عشان كذا أنشد منها..
ابتسم فُرات بمودة شاسعة وهو يعاود تقبيل رأس والده:
يبه أنا مخي مهوب أوبن مثلك...
إذا مهيب نايمة.. تلاقي حامد عندها وهو اللي لهاها منك.. أنا طالع عندي شغل وبكلمها تجيك الحين..
أبو فُرات صمت قليلا ثم همس بسكون: زين..جبت الأغراض اللي وصيتك عليها؟..
ابتسم فُرات بمودة عظيمة: جبتها كلها.. مانسيت ولا شيء.. بس قل لي أنت كليت علاجك اليوم؟؟
همس أبوفرات بذات السكون: كليته.. حتى لو نسيته.. الصبي اللي أنت حاطه فوق رأسي ما يخليني أنسى..
ثم أردف برجاء عميق: فُرات يأبيك.. ترى ذا الصبي موترني.. وهو قاعد حارسني طول اليوم..
ماعليه خله يعطيني علاجي وعقب يروح.. أنت عارف أني لي طقوسي الخاصة.. وجوي الخاص... وما أحب حد يكون فوق رأسي..
ابتسم فُرات بمودة صافية عميقة.. فإحساسه بوالده عميق عميق: أبشر.. من عيوني.. أنت لو تطلب عيوني ما تغلى عليك يا أبو فُرات.. جعل عمرك طويل لفُرات وعياله..
ثم أردف بشجن عميق موجوع : ليتك بس تطلب مني شيء يستاهل.. والله يبه إني ودي لو أجيب الدنيا وأحطها كلها في يدك..مع أن الدنيا كلها ما تسوى تراب أرجيلك عندي..
أبو فُرات شد على كف فُرات بحنو: ما أبي إلا سلامتك يا أبيك.. وإن الله يحسن خاتمتي ويجعل يومي قبل يومك..
****************************
" الجويزي.. وعمى.. وينش من تلفونش؟؟"
الجازي تهمس بخفوت لأنها في مكان عملها: كنت في اجتماع وتوني خلصته وكان تلفوني على الصامت..
آمري يا أم ريم...
مها بقلق: أدق على أمي ما ترد علي.. وسواقكم الجديد رقمه مهوب عندي..
كلميه خليه يجيني بأروح لأمي..
الجازي بتردد: مها لا تروحين لأمي بتغسل شراعش..
مها بصدمة وجزع: أفا.. ليه وش فيها أم سعود علي؟!..
الجازي تنهدت: كم سالفة دخلت في بعض.. لا طلعت من شغلي كلمتش..
مها باختناق: تبيني أدري إن أمي زعلانة علي.. وأنتظرش لين تحنين علي وتعلميني..
لا والله يا بنت سعيد.. لا أبو الشغل..
والله لو ماقلتي لي الحين لأروح لأمي الحين وأفهم منها..
الجازي تنهدت بعمق وهي تخفض صوتها أكثر : أمي زعلانة علينا كلنا.. وتقول ماحد من عيالها مريحها..
أنا عشان سالفة ملكتي.. وتقول بتزوج خالد عشان تأدبني..
ومحمد وسعود عشان سالفة العيال..
وأنتي تقول إنش بينش وبين رجالش شيء وأنش داسة عليها..
ولا تقولين لي ما بيني وبين متعب شيء.. لأني مالي دخل.. هذا كلام أمش ولولا أني شفتها متأكدة ماكان صدقت فيكم ياكناري الحب..
سحبت مها أنفاسا مسمومة وهي تهمس بتثاقل: خلاص.. أرسلي لي السواق أروح لها.. متعب الحين في الشغل..
الجازي برجاء: مها تكفين خليها لين تروق.. تراها البارحة هبت في دانة وهبت فيني.. والصبح هبت في سعود يوم جاء يتطمن عليها قبل يروح دوامه..
تكفين لا تروحين الحين.. بروحها ضغطها مرتفع..
مها اختنقت تماما بعبراتها: ما أقدر الجازي أدري إن في خاطرها عليّ ولا أروح أراضيها..
تنهدت الجازي للمرة الألف اليوم ربما: خلاص عقب المغرب.. تكون قد أفطرت وروقت شوي...
**********************
" مي يا المزعجة.. قومي فارقيني خليني أرقد.. وراي تدريب"
مي برجاء وهي تعاود هز كتفه للمرة الثانية: تكفى حامد.. قوم معي أبي أسلم على جدي.. إبي توه كلمني وغسل شراعي..
جلس حامد وهو يمسح وجهه لتظهر تفاصيل وجهه الحادة الجذابة الأكثر شبها بفُرات ويهمس بمرح: وش حامد ذي.. أصغر عيالش.. قولي عمي حامد..
وبعدين لا يكون إخي حمد يأكل أوادم على غفلة..
تنهدت مي وهي تهتف باستعجال : تكفى ياعمي حامد باشا.. قدني مستحية من جدي.. أمش بس أسلم عليه وعقب ارجع ارقد..
حامد تنهد ليهتف بحزم: مي ترا عيب عليش.. والله حمد بيحزن لو درا أنش خايفة تسلمين عليه..
مي بيأس: أنا ماني بخايفة بس مستحية.. مالي وجه عقب سواد وجهي معه المرة اللي فاتت..
أنا حتى سافرت بدون ما أسلم عليه من كثر ما أنا مستحية..
تنهد حامد بألم: صدقيني مهوب متذكر... أصلا لا جاته الحالة ينسى وش صار له حزتها..
مي بألم مشابه: بس أنا متذكرة.. وهو بعد متذكر.. ما أدري وش اللي صار لي.. يمكن لأنه أول مرة تجيه الحالة وأنا معه بروحي.. كل مرة يكون حد منكم موجود.. بس ذا المرة كنت بروحي وارتعت..
بدل ما أساعده.. طقيت وخليته.. وقعدت أبكي.. لولا الصبي كان قريب وسمع الصوت.. ما أعرف وش كان صار له.. وكله ذنبي.. كله ذنبي..
حامد قام عن سريره ليفرد جسده بطوله الفارع.. مد يده بحنو وبعثر شعرها: حمد مهوب مشره عليش يا الخبل..
اختنقت مي بعبراتها: بس أنا مشرهة على نفسي.. يا أخي جدي من كثر ماهو عذب ورقيق تخاف أدنى شيء يجرحه..
ضحك حامد: مهوب عيب عليش شيبه بدوي تقولين عليه عذب رقيق.. هذي فيها قص رقاب..
ابتسمت مي: أصلا جدي مافيه شيء من طبايع الشيبان.. وخصوصا شيبان البدو المقفلين..
حامد ضحك : تفلسفت علينا الأميركية وش عاد بيسكتها..
ضحكت مي: أش قدام اشتكيك لخالي أوباما.. وأقول أنك تسيء معاملتي!
ضحك حامد: أنتي بعدي عني خالتش هيلاري كلينتون.. وكل شيء سهالات.. ويا الله قدامي لجدش.. سلمي عشان أرجع أنام شوي قدام التدريب..
وفي الليل طالبيني في برنامج المجلس..
مي بحماس وهي تمسح دموعها وتنتقل من مزاج لمزاج مختلف تماما:
على الطاري ترا رفيقاتي بيموتون يبون منك صورة موقعة..
حامد بمرح: لا دخيلش.. بعدي عني سوالف البنات.. كفاية اللي جايني منهم..
مي بذات الحماس: زين في برنامج المجلس لا تخلي خالد جاسم يستفزك مثل المرة اللي فاتت..
ابتسم حامد بذات مرحه الدافئ: خالد جاسم هذا حبيب الكل.. واستفزازاته هي ملح البرنامج كله..
صحيح كنت بأخنقه المرة اللي فاتت.. بس ربي ستر..
**************************
" عسى ما شر يا أبو سعود
كلمتك الصبح أبي نتفق على عشاء ترقيتك.. تقول أنك في شغل في الدوحة
أرب سميي الذيب مهوب تعبان؟؟"
ابتسم جابر وهو ينظر لسعود بمودة حقيقية... فما بينهما عميق وجليل وعظيم ..صداقة ممتدة راسخة وأخوة صادقة : أول شيء العشاء انا حلفت عليك ما يستوي...وخلصنا... وثاني شيء سميك الذيب طيب وبخير.. بس مودي أم سعود للجامعة
عشان تسوي إعادة قيد..
سعود باستبشار: اول شيء العشاء حلفت قدامك وخلصنا.. وثاني شيء الله يبشرك بالخير.. خل أم سعيد عندي يقر قلبها شوي
حارقها قلبها على ذا الفصل اللي باقي عليها..
تقول إنها هي اللي تدرس بدالها..
تنهد جابر: الله يكمل أم سعيد بعقلها.. ليتها تعطي أختها شوي..
سعود بنبرة مقصودة: عادها مجننتك على الموضوع نفسه..؟؟
يتنهد جابر بضجر يائس: ليه عندنا شيء غيره؟؟ حياتنا كلها صارت ذا الموضوع وتبعات ذا الموضوع...
سعود ابتسم: زين غريبة قد لك ساعتين معي.. ماصيحت خطك عشرين مرة عشان تشوف معك خط ثاني وإلا لا..
جابر بهم: متلاغي أنا وإياها .. ومتهاوشين هوشة وش كبر.. مهيب داقة ولله الحمد!!
سعود بجزع راق: جابر تبيني أقول لأم سعيد تكلمها وتعقلها..تراني حاضر..
جابر برفض قاطع: لا طالبك يا سعود.. هي أساسا ما تبي حد يتدخل بيننا..
وأنا بصراحة متشاينها.. أقول مرتي تشك أني أغازل.. والله عيب في حقي...رجال في أخلاقي و عمري ومكانتي!!
لا حول ولا قوة إلا بالله.. غلطة عمري ذا الموضوع.. طيش شباب بأقعد أتحاسب عليه طول عمري..
أنت بالذات يا سعود عارف إن السالفة ما تعدت التلفونات وأني من ثمان سنين يشهد ربي علي ما كلمت بنت..
سعود بمساندة: يا بن الحلال دامها مهيب ماسكة عليك شيء.. بتعرف إنها كانت غلطانة وبتعقل..
جابر بضيق عميق: المشكلة إنها ماسكة علي شيء كبير..كبييييير...من الصبح أدور له تفسير ومالقيت..
****************************
كانت تجلس على سجادتها بعد صلاة العصر، وللتو أنهت أذكار المساء حين سمعت الطرقات الخافتة على الباب..
وقفت لتخلع جلال صلاتها وتضعه داخل سجادتها وتطويها وتضعه على المقعد وهي تهتف بصوت حان عال: ادخلي يا الجازي..
أطلت الجازي بابتسامتها الشفافة: أشلون عرفتيني؟
ترد الدانة بابتسامة مشابهة: سعود في الزام.. ومها في بيتها.. وأمي صافية ما تطلع فوق.. يعني من؟؟
وعلى العموم مافيه حد يدق كأنه خايف إلا أنتي.. مها وسعود يدقون الباب كنهم مدرعات حربية..
دخلت الجازي وهي تهمس بمرح يخفي خلفه توتر ما: يعني أستانس أني الرقيقة اللي في البيت؟!!
تضحك الدانة: ماحولش رقة.. حتى لو شكلش رقيق..
تقدمت الجازي أكثر وهي تهمس بحزمها الرقيق: أعرف اليوم الأثنين وأنه لازم تكونين المغرب في بيت هلش عشان تفطرين مع أمش.. عشان كذا قلت ألحق عليش قبل تروحين
صمتت قليلا ثم همست بذات الحزم الرقيق :أمس طلبت منش طلب.. يا ترى لين الحين ماقدرتي تجيبين لي الرد؟؟
تنهدت الدانة ثم جلست على الأريكة وشدت الجازي لتجلس جوارها، حينها همست الجازي بحزن عميق غريب: السالفة فيها
قعدة؟!!
الدانة لم تعرف كيف تبدأ ، وكأنها تبحث عن سكين رقيقة حادة لكي تذبح بها آمال هذه الصبية المشروعة... التي لم تطالب بالكثير.. بل طالبت بحق مشروع لها.. كل السكاكين والكلمات بدت حادة مؤلمة إلى درجة القتل الفعلي..
فأعفتها الجازي من صعوبة خروج الكلمات التي توقفت على شفتيها، وهي تهز كتفيها بأسى: ما وافق.. صح؟؟
ردت عليها الدانة بأسى مشابه: أنتي عارفة رأيه في الموضوع..
ثم أردفت وهي تقول شيئا لا تريد قوله، فهي لا تريد مشاكل بين زوجها وشقيقها، لكنها وجدت أن ضميرها الحي يجبرها على قوله: أنا بعلم سعود.. خله يتصرف معه..
حينها انتفضت الجازي بجزع، وذاكرتها تستعيد ذهابها للعمرة قبل عامين، الذي كاد يؤدي إلى نشوب كارثة حقيقة بين سعود وخالد..
فخالد حين يتعلق الأمر بها يتحول لمقاتل شرس متجبر...مستعد للقتال حتى أخر رمق: لا تكفين يا دانة، سعود متحفز وناطر إشارة بس.. بيتذابحون بسبتي..
ثم أكملت بحزن عميق: خلاص بأعتذر عن الدورة، ثم أردفت بحزن لا حدود له: قولي لخالد يخاف من ربه فيني، ترا اللي يسويه فيني ما يرضي رب العالمين..
انتفضت دانة بعنف وهي تضم الجازي إلى صدرها: بتزين يا حبيبتي .. بتزين..
حزن عميق يخترم روح الجازي، أي حياة هذه الحياة؟! أي حياة؟!! تشعر أنها سجينة حقيقية، تشعر بقهر عظيم يتصاعد في روحها، ومرارة حارقة تتسرب عبر كل خلية من خلاياها..
إلى متى ستبقى سجينة خالد؟ إلى متى ستبقى مهتمة بالجميع على حساب نفسها؟ تعلم أنها لو رفعت قضية في المحكمة ستحصل على الطلاق من الجلسة الأولى..
لكنها مازال لديها أمل بحل الموضوع وديا حفاظا على مشاعر كل من تحرص على مشاعرهم أكثر من مشاعرها..
*******************************
" يأبيش حرقتي قلبي..
ممكن أعرف ليه ذا البكا كله؟؟"
مازالت على نفس الوضعية منذ أكثر من خمس دقائق .. تدفن وجهها في حضن جدها الجالس على الأريكة بينما هي جالسة عند قدميه على الأرض.. وتبكي..
لم تنتبه حتى لخروج حامد.. الذي أدخلها وخرج من فوره..
لأنه رأى أن وجوده لا داعي له مادامت احتضنت جدها وبدأت بالبكاء في وصلة غبية من حساسية البنات كما يراها..
مي بين شهقاتها: مالي وجه عقب اللي صار قبل ما أسافر.. أكيد إنك زعلان علي الحين..
ابتسم أبو فُرات وهو يرفعها من عضديها ليجلسها جواره ويحتضن كتفيها ويهمس لها بحنانه العميق الغريب:
أنا كنت خايف أنش أنتي تكونين زعلانة مني.. لأني خوفتش مني..
رحتي بدون ما تسلمين علي.. ورجعتي ما بغيتي تسلمين علي..
مي انكبت تقبل كفه وهي تبللها بدموعها: تكفى ما تقول كذا يبه.. أنا دارية أني غلطانة.. بس لا سمعتها منك تهون علي نفسي..
أبو فُرات تنهد بعمق: اسمعيني يأبيش.. لا تعتبين على نفسش في شيء.. لو تكررت مرة ثانية وجاتني الحالة وأنتي موجودة..
أنا أصلا ما أبيش تقعدين عندي.. اطلعي ووخلي اللي موجود من العيال يجيني..
أنا أصلا ما يهون علي تشوفيني كذا..
مي انخرطت في البكاء مرة ثانية: طالبتك يبه ما تبعدني عنك.. والله العظيم المرة الجاية بأعرف اتصرف...
يبه البيت مافيه إلا وأنت.. كلهم لاهين برا البيت.. تبي تبعدني منك؟؟
تكفى يبه ماتقول كذا.. أوعدك أعرف أتصرف..
أبو فُرات بحزم: مي قلت كلام تنفذينه وخلاص.. لا تزعليني منش..
*****************************
سعود وجابر مازالا في حوارهما الذي تفجر بشكل مفاجئ ..
سعود متفجر تماما بالغضب: والمسكينة صار لها عارفة ذا كله سنة كاملة وماعلمتك..؟؟
جابر يتنهد بضيق: ما قالت لي إلا اليوم الصبح عقب مارجعنا من الجامعة.. تلاغينا على سبة الموضوع..
سعود يهتف بغضب مختنق بالحزن: وأنت ماسك للمسكينة.. عشانها بزر.. عشانها بزر..
يا أخي لو أبي عاده حي ومسوي سواتك.. مهوب بعيد تصلبه أمي..
أم سعيد اللي هي أختها الكبيرة واللي كل شوي تقول لي الله يكملها بعقلها.. والله لو صار معي اللي صار معك
إنها ماتقعد عندي دقيقة وحدة.. وغالية المسكينة لها سنة صابرة.. ياكبر صبرها!!
جابر بضيق: صابرة على ويش؟؟ على شيء مالي ذنب فيه..
سعود بغضب: هي مالها إلا الظاهر.. وأنا ألف مرة نهيتك من ذا الطريق..
سبحان الله.. صحيح أبي مات وعمري 12 سنة.. بس قال لي شيء عمري في حياتي مانسيته..
قال لي ياولدي (على كل خينة بينة) لا تغلط وتحسب الغلطة مستورة..الغلط مصيره ينكشف..
جابر بضيق أعظم: سعود الله يهداك .. هذي سوالف مضى لها 8 سنين.. وقبل أتزوج.. وشيدريني إنها بترجع تخرب علي حياتي..
سعود بضيق: أنا بروحي اليوم متضايق من يوم طلعت من البيت.. وأنت كملتها علي..
قم معي الحين نروح نسلم على تركي.. واصل اليوم الفجر..وعقب نتكلم..
تنهد جابر ثم هتف بحزم: توكل أنت.. أنا عندي حجز أسبوعين..
سعود باستغراب: ليه أسبوعين؟؟ لا عندنا مناورات ولا تدريبات..
ثم أردف بغضب: إيه يا الدجاجة.. طاق من مشاكلك مع مرتك..
جابر بنبرة غضب مقصودة: سعود مافيه داعي لذا الكلام.. مايدري بالوجيعة إلا راعيها..
فيه ناس قبل كم سنة طقوا من الدوحة بكبرها عشان مشاكلهم مع نسوانهم..
سعود علم أنه يعنيه بالكلام حين التحق بقوات اليونيفيل في لبنان.. وماتبعه من مشاكل وصلت لتطليقه لدانة.. ومع ذلك هتف بكل حزم:
ذاك زمان.. وذا زمان..
وإذا غرنا الجهل أول.. المفروض يغرنا الحِلم الحين!!
************************
" هيه الجويزي.. أمي اشفيها ساكتة من يوم جيت؟؟"
تهمس الجازي برجاء خافت : تكفين مهوي.. دامها ساكتة خلها ساكتة..
مها بألم: قلبي موجعني.. أشلون تقولين إنها زعلانة علي.. وما أراضيها..
الجازي برجاء أشد: دامها لاهية مع بناتش خليها فيهم.. تكفين .. لو تشوفين أشلون قلبت البارحة علي .. ماتقولين هذي أمي..
مها تنظر بألم شاسع لأمها التي كانت تضع ابنتها الصغرى في حضنها، وتطعم الوسطى بينما الكبرى تعبث بطرف برقع جدتها التي تبدو عيناها سارحتين في ملكوت آخر:
ياقلبي يمه وش اللي في خاطرش؟!.. ليتني أدري..
الجازي بنبرة مقصودة: في خاطرها تدري وش بينش وبين ولد خالتنا الموقر؟
مها شدت نفسا وهمست بحزم: أنتو ليه تفاولون علي أنا ومتعب.. ما بيننا شيء وأنتي عارفة ذا الشيء..
الجازي بذات النبرة المقصودة: أنا كنت أقول كذا.. بس دام أمي تقول بينكم شيء.. مستحيل تقول كذا من عندها.
مها أدارت وجهها عن الجازي.. فغضب
والدتها عليها سلب منها مهارتها التمثيلية المعتادة فبالها مشغول مع أمها..
وليست على استعداد للتغطية على متعب الليلة.. لذا صمتت..
الجازي صمتت قليلا .. تشعر ان هناك ألما غريبا يشيع من بين جوانح مها الليلة ثم همست بمودة: مهوي من يوم جيتي ماذقتي شيء..
حتى الفطور ما قعدتي معنا عليه.. بس أنا وأمي.. تبين أسوي لش شيء..
مها بسخرية مرة: هامتش كرشي يعني.. تبين تحافظين عليها؟؟
الجازي باستغراب: أنا ما أنا بمستغربة كلامش، متعودة أنش تعلقين على روحش.. بس مستغربة ذا النبرة..
مها بذات السخرية المرة: زين وهذا صحيح.. ذا الشحوم مهيب راضية تروح.. تقولين مصمغة بلزقة عنزروت.. قربت أسوي زلازل لا قدني أمشي..
الجازي بعتب: تدرين مها أني ما أحبش تكلمين على نفسش.. صحيح مليانة شويتين.. بس احمدي ربش.. غيرش حالتهم حالة..
أنتي تبين شوي ريجيم ورياضة.. بس شوي..
صمتت قليلا.. ثم أردفت بتردد: ولو جيتي للحق مها.. ترا اللي أنتي محتاجته أكثر من الرياضة تهتمين بنفسش شوي..
قصة جديدة.. ميكب.. تغيرين ستايلش في اللبس.. مهوب أنا اللي أعلمش..
هزت مها كتفيها بذات السخرية المرة: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!.. وش يفيد اللبس والمكياج والكشخة في شحومي؟!
الجازي بغضب خافت: تدرين والله أنش استخفيتي على ذا الكلام.. لكل وزن لبسه.. وأنتي حلوة وتجننين.. وتدويرة وجهش يحفون الناس وراها.....
قاطعتها مها بصرامة: الجازي أظني أني الكبيرة.. وسكري الموضوع..
(قولي لي لمن أكشح.. لأبو لسان سم..
عوفني الدنيا بكبرها!!)
قاطعهما ارتفاع صوت والدتهما وهي تهمس بنبرة أقرب للإرهاق: قوموا البسوا وكلموا السواق
خلونا نروح لخالتكم نورة نبارك لها برجعة تركي..
**********************************
" غريبة أنك هنا ذا الحزة !! منت ب رايح لعشاء تركي؟!"
التفت مساعد الجالس في صالة البيت السفلية.. إلى الجليلة التي تتبعها أميرة قادمتان في المطبخ وأميرة تحمل بين يديها صينية فيها كوبان من الكرك..
وهتف بمودة مرحة وهو يتناول أحد الكوبين: تركي سلمت عليه العصر .. وتو الناس على العشاء.. عقب ما أصلي العشاء بأرجع عليهم من المسجد دايركت..
ثم أردف: وترا عشاء تركي عندي بكرة.. حلفت عليه قبل يحلف علي.. حاول يتخلص مني.. وأنت حزام واحد.. بس نشبت له
الجليلة تجلس على الأريكة وأميرة تجلس جوارها وتهمس بمودة: أبشر يا أبو طالب بالعشاء اللي يبيض وجهك.. يستاهل تركي راجع بالدكتوراه...
ثم أردفت بمودة شفافة :يا حليله حزام يذكرني فيك وأنت في عمره.. نفس حركاتك وطريقة كلامك..
مساعد بذات المودة: حزام نادر جعل ربي يبارك فيه ويطول في عمر عمي لين يشوف عيال عياله..
ثم أكمل ضاحكا: ويطلع له شنب قدام يموت علينا..
الجليلة تبتسم: توه بزر.. وش معجله على الشنب؟!.. صحيح طويل ماشاء الله.. بس أي حد يشوفه يدري إنه بزر..
مساعد مازال يضحك: بيموت يبي شنب، ومتعب 24 ساعة مستلمه يعلق عليه.. قهره.. ما يسميه إلا الكوع ..
الجليلة بذات الإبتسامة: متعب الله يهداه شيّب وهو ماخلا النشبة في حلق خلق الله، أنا تغطيت عنه وهو ما يناديني إلا قرون العنز..
حينها ضحكت أميرة ضحكة قصيرة خافتة، التفت مساعد بابتسامة لها: أخيرا سمعنا حسش..
همست أميرة بمودة بصوتها الخافت على الدوام: زين إني ضحكت بعد، موب كفاية زطيت الكرك حقي وأنا ساكتة أتبوسم..
يبتسم مساعد بمودة: من قال زطيت حقش؟! أنا زطيت حق جليلة، أعرف أنها ما تحب الكرك ورحمتها منه وأنتي كل شوي تشربينها معش كرك يا المدمنة..
أميرة بمودة حقيقية وهي تلفت للجليلة: ما يهناني أشرب أو أكل شيء ما تذوقه معي جيلو..
مساعد بنبرة مقصودة: لو أن الله يفك لجليلة من نشبتش في حلقها في كل شيء، كان كدينا خير..
الجليلة تنهر مساعد وهي تنظر لوجه أميرة المستاء: مـــســاعــد!!
يضحك مساعد: يمه منش ما قلت شيء.. وإلا دلوعتش ممنوع اللمس.. أمزح أمزح.. هذي أميرة أصلا الظل حقش.. كيف الظل ينفك من صاحبه..إلا كان تحوّل جليلة لبيتر بان اللي ظله طاق منه..
حينها ابتسمت أميرة وحركت يديها لتغيضه: ماعلي منك.. قول اللي تبي تقوله.. متعودة على قطاتك السم.. جليلة ماني ب فاكة منها.. حد يفك من أمه وأبيه وأخته وصديقته والعالم كله؟! خبل أنت.. ولا عليك شرهة..
***************************
"جعلني ما أبكيش أنا كان جيتش أسلم عليش بنفسي"
كان تركي يهمس بذلك بتقدير ومودة وشوق وهو يقبل رأس خالته أم سعود...
همست أم سعود بصوت مرهق وهي تشده لتحضنه بحنو وتجلسه جوارها: أنا جاية أسلم على أختي الكبيرة.. وأبارك لها بجيتك.. وإلا الحق لي تجيني...
تركي يميل ليقبل رأسها مرة أخرى: لش الحق كله... بس والله توني جاي الفجر.. مالحقت.. سعود جاي عقب شوي.. كنت اقول لا جاء جيتش أنا وإياه.. لأنه محمد سلم مستعجل وراح عنده شغل يبي يخلصه عشان يرجع للعشاء..
أم سعود بمودة حقيقية: جعلني ما أذوق حزنك ما أشك في قدري عندك.. لكن حن العجايز نحب نتغلى..
ثم أردفت وهي تتحسس كتفيه وعضديه: كنك ضاعف يا أمك..أنت ما تأكل..؟؟
ضحك تركي: ذا كله وضاعف يا خالتي؟!..
أم متعب تشارك في الحديث بمودة واهتمام: أي والله قوليه يا صافية... أقول له ضاعف يقول مهوب حولي..
أم سعود توجه الحديث لأختها: إذا أعرس متن غصبا.. إلا متى الموعد ان شاء الله؟..
خلاص تركي رجع.. والتأخير ماله معنى..
تركي يقاطع الحديث حتى لا يتجه لاتجاه لا يريده: أكيد سعود جاء... لازم أروح المجلس..
.
.
البنات كن انتقلن للمجلس الداخلي حين أخبرتهن أم متعب أن تركي سيدخل ليسلم على خالته.. مها والجازي والهنوف والبندري..
مها بطريقتها المعتادة العريقة في نثر التعليقات مهما كان قلبها مغمورا بالحزن: إلا الشيخة الهنوف كان فيه وحدة توها من يومين تقول ما يهمني جاء ولا راح، واليوم حاطة مكياج كنها رايحة عرس..وش عندها ظنش؟!
الهنوف بمرح مصطنع: يمه منش!! أنتي ماعندش حد غيري توجهين عليه أبراج مراقبتش.. يا أختي هذي جوجو كاشخة كنها رايحة عرس..حولي عليها شوي..
لم يكن عند الهنوف شيء تقوله غير ذلك.. ماذا تقول؟! أنها بالغت في وضع الزينة على وجهها حتى لا تظهر آثار البكاء على وجهها؟!..
فطبيعة بشرتها الصافية الطفولية ستفضحها، وتفضح آثار البكاء الطويلة الذي لم يتوقف إلا قبل وصولهن بقليل.. وهي لا تريد أن يشعر أحد بشيء، يكفيها توترها من انتظار ردة فعل تركي حين يعلم أنها أعادت هداياه له..
مها بذات المرح وهي تنظر لأختها الجازي: والله أنش صادقة.. إلا أختي المبجلة حد قايل لش أنتي بتعينين عمتش أم خالد عند خالتي..وشو له ذا الكشخة كلها؟؟
الجازي بثقة: عشان نفسي.. مثل ما الهنوف كاشخة عشان نفسها.. يا أختي ترا الحياة فيها شيء غير ذا الرّجال.. وترا لا درينا عن خالد ولا عن تركي..
مها تضحك: وخروا عن أختي.. من كثر ما خلّلت صارت ترد نيابة عنها وعن كل المخللات.. بكرة بتسوي جمعية المتملكات المخللات وتصير المتحدثة الرسمية..
الجازي تضحك: ما أظن في العالم كله حد مخلل كثري أنا والهنوف.. ثم أردفت بحنان: بس الهنوف خلاص شكلها بتخليني العضو الوحيد في الجمعية..
هذا تركي رجع وخذ الدكتوراه، وأكيد عرسهم قريب..
ثم أكملت بحماس: هنوف يا ويلش تحددون العرس وما أكون أول وحدة تعلميني..عشان ألحق أسوي لي فستان وأحجز مكياج وشعر لي ولأم لسانين أختي المبجلة........... هييييه هنّو هنّو أنا أكلمش..
كانت الهنوف تسبح بتفكيرها في ملكوت آخر.. حزينة يائسة متوترة.. مثقلة بالمتناقضات.. ولا تعرف ماذا تخبئ لها الحياة وهي تعلم أن تركي يعود عودته النهائية..
حياة رتيبة عاشتها طيلة السنوات الماضية.. تعيش مع أشباح حزنها ومع ذكرياتها أكثر مما تعيش الواقع..
لم تعرف سعادة حقيقية طيلة السنوات العشر الماضية..وهي تطوف بيت عمها كطيف محبب رقيق.. كنسمة عذبة لا تثقل على أحد..
لا يمكنهم الاستغناء عنها ولا عن وجودها بينهم، لكنها تشعر أنها لا تنتمي إلى هذا المكان، وأن انتمائها هو لمن رحلوا وتركوها.
تعيش معهم في ذكرياتها... وتجتر لحظات السعادة التي كانت معهم.. لا حياة حقيقية لها إلا مع الذكريات الحزينة التي تغذيها باستعادتها مئات المرات..
فماذا سيحدث الآن؟ ماذا سيحدث؟!
********************
جدل خافت يحتدم بين قطبين متناحرين وهما يحاولان التحكم في درجة صوتيهما...
(يبه الله يهداك.. قال قوه.. قال توه
توني واصل وأنت حاد علي سكاكينك!!)
يهتف أبو متعب بغضبه المكتوم حتى لا يصل صوته إلى متعب وسعود الجالسين يتحاوران في زاوية مجلس أبي متعب وحزام الصغير المشغول بإعداد القهوة مع المقهوي استعدادا لقدوم ضيوف عشائه لتركي بعد قليل:
أنا ذا الحين أحد السكاكين.. فلا تحدني أجربها..
تركي بمهادنة مدروسة: يبه مايصير إلا اللي يرضيك.. أنا صار لي 8 سنين غايب عن الدوحة
أبي أرتب ظروفي وأشوف ظروف شغلي.. وعقب يصير اللي تبيه..
أبو متعب بحزم بالغ: أبي اعرف وش ترتيبه.. أنت أساسا رايح بعثة من الجامعة اللي كنت فيها معيد وبترجع لها دكتور..
وأنت متوظف عندهم من أكثر من 10 سنين.. وش شغله ذا اللي تبي تشوف ترتيبه..
والبيت خذ الطابق اللي فوق كله لك ورتبه مثل ما تبي..
وأنا ماقلت لك أعرس الليلة.. قلت لك خل نحدد لنا موعد عرس..حتى لو على عطلة الربيع ولو أني متباعدها واجد..
تركي بذات النبرة المهادنة: يبه مايصير كذا خبط لزق.. عطني بس كم يوم لين أشوف وضعي ونحدد موعد..
بس أقول لك إنه لو بنحدد موعد بيكون عقب سنة إن شاء الله الصيف الجاي إن شاء الله.. لأنه في رأسي مشاريع واجد تبي ترتيب.. والعرس بيلخبط جدولي كله..
حينها انفجر أبو متعب في غضب عارم جعله يقفز واقفا ويصرخ بنبرة عالية: أص ولا كلمة..سنة يا اللي ما تستحي على وجهك!!!ســـنـــة!!!
أنا أصلا غلطان اللي قعدت أتسمع لمريسك ذا السنين كلها..
المفروض إنك شال مرتك معك من يوم خلصت مدرستها ودرست معك جامعتها هناك..
خليتني أقهر ذا البنية اليتيمة وأنت معلقها كل ذا السنين..
تركي يقف معه ويحاول شده ليجلسه وهو يهتف باحترام ملغوم مغلف بنبرة مقصودة تماما: وأنت يبه ماقهرتها يوم غصبتها علي..؟؟
كانت القشة التي قصمت البعير.. لأنه جعله يشعر بالذنب الذي يخنقه أساسا..
قد يكون لم يجبرها ظاهريا..ولكنه يعلم أنه أجبرها داخليا.. وهو لا يترك لها الخيار..
محض طفلة في السابعة عشرة..
اليتم كسر الكثير في روحها.. وهي تشعر بنفسها عالة على بيت عمها.. متسولة لمشاعرهم..
وبعد وفاة جدتها انكسرت نفسها أكثر..
فإذا به يقول لها : يابنتي تراش كبرتي.. وعيال خالش أذوني يبيونش.. وانا يا أبيش ما أبي أجبرش على شيء.. بس أنا ما أرخصش لأحد..
كان توافقين على ولد عمش.. ملكة بس لين تخلصين مدرستش.. تراه أفرح ماعلى عمش الشيبة؟؟
حينها توترت.. (متعب لا.. ما أبي متعب) فهل كان هذا هو الولع غير المفهوم للمراهقين بمن لا يلتفت لهم؟!
هل تمنت في داخلها ذلك المهيب.. المتباعد .. القليل الكلام.. المشغول على الدوام بعمله ؟؟
بينما متعب كان دائما يتباسط معها في الحديث وهو يعاملها مثلما يعامل أختا..
وذلك التركي المتباعد لا تتذكر أنه وجه لها خطابا أو حتى نظر لها نظرة بشكل مباشر.. أو أشعرها أنه يعرف بوجودها في البيت أساسا..
لم تعلم أن عمها عرض الموضوع على متعب أولا.. ولكن متعب رفضه بشكل قاطع لأنه يريد ابنة خالته.. ولأنه بالفعل كان يرى الهنوف أختا صغرى..
ليجد تركي نفسه متورطا بها وهو يقول برجاء :
يبه ما أقول ما أبيها.. مافيها عذروب بنت علي.. بس توها بزر وفي المدرسة، وباقي عليها ذا السنة والسنة الجاية.. وأنا رجال وراي بعثة..
وش معجلك عليها؟؟ خلها تدرس براحتها.. وعقب تقرر هي اللي تبيه.. مايصير تقرر عنها ذا الحين..
لأنه أي قرار ذا الحين عبارة أنك فرضته عليها.. لأنها بزر..
ليجيبه والده بحزم: عيال خالها أذوني.. يقولون جدتهم وصتهم عليها قبل تموت.. وأنا تعبت من حنتهم وهم ما يستحون.. خلني أخلص من ذا الموال..
عيال خالها مافيهم قصور.. بس ماحد منهم كمل تعليمه.. وأنا ما أنا ب حاذف بنت علي ذا الحذفة..
وش أنت راد في البنية يوم أنك ما تبيها..؟؟
تنهد تركي بعمق وهو يقول بحزم: يبه ما أبيها واللي يرحم والديك.. وهي عادها بزر حرام نغصبها..
حينها قرر أبو متعب اللجوء للمهادنة: تكفى يا أبيك.. مالي حشمة عندك.. تكفى لا تخلي حد يطول لسانه على بنية أخي..
طالبك يأبيك.. ملكة بس.. والعرس بكيفك.. مابه عجلة..
حينما يفكر كيف ابتزه والده ليوافق.. يكره ضعفه الذي أجبره على مهادنة والده.. رغم أنه لم يكن يوما ضعيفا..
شعر أن رجاءات والده كانت كمخدر خدر تفكيره (أنا أخلي ابي يترجاني كذا.. لا العرس ولا أبوه اللي بيخلي أبو متعب يتذلل كذا!!)
+
.
.
انفجر والده بغضب أكبر وهو يشد يده منه ويصرخ به ويشير لسعود ومتعب الواقفان بتحفز منذ سمعا الصراخ أن يتقدما : دامني غصبتها على قولتك.. تطلقها ذا الساعة .. طلقها وذولا سعود ومتعب شهود..
خلصنا من ذا السالفة.. ثمان سنين وأنا أحايل فيك تعرس وأنت تمنن.. على ويش تمنن؟؟.. بنت علي هي المنة عليك..
طـــلــقــــها.. يا الله طلقها ذا الساعة.. والله ماتكمل عدتها إلا هي عند اللي يسواك ويسوى طوايفك يا الرخمة..
قبل ما ندخل في بارت اليوم أيضا فيه طلب تكرر عن علاقات الأسر
مع أني ما تعودت على طريقة التعريف
أحب ترك القارئ يتعرف على الشخصية بنفسه
بس طلباتكم أوامر
عندنا حاليا 6 عوائل / من ظهر منهم تحديدا.. اللي ماظهر مارح اذكره.. أخليه للأحداث.. الترتيب حسب العمر..
عائلة سعود: أم سعود صافية..سعود زوج دانة، محمد زوج بثينة، مها زوجة متعب، الجازي متملكة خالد
عائلة عمهم هادي: العم هادي، زوجته أم خالد وضحى..دانة زوجة سعود.. مزنة.. خالد متملك الجازي.. غالية زوجة جابر..
عائلة جابر: جابر زوج غالية...
عائلة عبدالمحسن: عبدالمحسن أبو متعب، أم متعب نورة أخت أم سعود.. متعب زوج مها.. تركي متملك الهنوف .. البندري.. حزام.. وبنت عمهم الهنوف أبوها علي متوفي
عائلة طالب: متوفي.. الجليلة.. بثينة زوجة محمد.. مساعد.. أميرة.. وفيه شهاب اللي ماعرفنا علاقته فيهم..
عائلة فرات: حمد أبو فرات.. فرات.. حامد عم فرات.. حمد ومي عيال فرات..
.
بارت اليوم حماسي مليان أحداث وأحداثه كلها تدور في ليلة وحدة تحديدا في كم ساعة من الليل..
استمتعوا فيه..
وأنتظر آرائكم وتعليقاتكم وتحليلاتكم
.
استلموا الجزء الثالث
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
فضاءات اليأس والأمل/ الجزء الثالث
انفجر والده بغضب أكبروهو يشد يده منه وهو يصرخ به ويشير لسعود ومتعب الواقفان بتحفز منذ سمعا الصراخ أن يتقدما : دامني غصبتها على قولتك.. تطلقها ذا الساعة .. طلقها وذولا سعود ومتعب شهود..
خلصنا من ذا السالفة.. ثمان سنين وأنا أحايل فيك تعرس وأنت تمنن.. على ويش تمنن.. بنت علي هي المنة عليك..
طــلـــقـــها.. يا الله طلقها ذا الساعة.. والله ماتكمل عدتها إلا هي عند اللي يسواك ويسوى طوايفك يا الرخمة..
متعب وسعود اقتربا بسرعة قبل أن يتهور أحد منهما وهما متفاجئان من هذا الانفجار غير الطبيعي لأبي متعب..
يشد سعود أبا متعب لزاوية بعيدة من المجلس وهو يحاول تهدئته..
بينما متعب شدَّ شقيقه خارجا ليركبا سيارة متعب.. متعب حرك سيارته بعيدا عن البيت و لم يتكلم مطلقا.. وكل ماكان حاضرا هو صوت أنفاس تركي المتطايرة..
حين هدأت أنفاسه وهو مازال صامتا كان متعب من تكلم بسكون مقصود: ممكن أعرف ليه ذا كله؟؟
تركي شدَّ غترته ليضعها في حضنه وهو يمرر أنامله في شعره بحركة لا شعورية ويهمس بإرهاق:
اسأل إبيك لا تسألني.. نقاش عادي حوله لحرب..
أنا توني واصل الفجر وهو متجهز لي..
متعب ببساطة: ماتبيها.. طلقها ..ليش تطول السالفة أكثر من كذا؟؟
التفت تركي عليه بحدة: ومن قال لك ما أبيها؟؟
متعب بذات البساطة: مهوب على متعب يا دكتور تركي.. أدري أنك ما تبيها.. ولا أنت مقتنع بالسالفة كلها..
تنهد تركي بعمق: أنا من البداية كنت غلطان.. بس الغلط ما ينحل بغلط..
ثقافة ولد العم.. اللي صار مثل القيد اللي تنحبس فيه البنت.. شيء كنت رافضه طول عمري..
ولقيت نفسي متورط فيه.. حن ماعطينا الهنوف فرصة للاختيار مع أنها يتيمة ولازم هي اللي تقرر..
متعب بنبرة أقرب للغضب: وأبي ما غصبها.. هي اختارت باقتناعها..
تركي بذات السكون: بزر عمرها 17 سنة أي قناعات تكونت عندها.. بس الغلط كله غلطي
لأني أنا وقتها عمري 24 يعني أنا الرجّال الناضج والفاهم.. كان المفروض طلبت من إبي يأجل الموضوع
لين تكبر الهنوف ويكون لها ذاك الوقت حق الاختيار..
متعب بنبرة أقرب للسخرية: وهذي هي كبرت ونضجت.. وزادت على النضوج بعد شويتين.. وهي تنتظر حضرة جنابك..
تبي تظلمها مرتين يعني؟؟
يزفر تركي بحرارة: الهنوف أبيها ومستحيل أتزوج غيرها عقب ذا السنين كلها..
لكن مشكلة تخصني أنا بأحلها بنفسي..
وتكفى كلم سعود شوف أخبار أبي..عساه هدا.. وخلنا نرجع أطيب خاطره..
***************************
" حرم حضرة الرائد عندنا.. يا بختنا يا بختنا..
ولو أني ما أبيش..
أبي حبيب خالته وبس"
غالية لم ترد على مزنة حتى.. وكأنها في مشهد لا تنتمي له إلا بجسدها.. تنظر لها وهي تلاعب سعود.. وتدغدغه..وصوت ضحكاته يتعالى..
يدخل خالد.. ليشتبك معهم في المشهد... الاثنان يتشادان سعود الصغير بمرح.. وضحكاته تتعالى بهستيرية طفولية..
وهي غارقة في همها الخاص الذي التهم روحها في سرمديته التي لا انقضاء لها ولا حدود..
قد يبدو الموضوع للبعض بسيطا.. وماذا إن كان يهاتف فتيات وهو في النهاية لها..
ولكنها يستحيل أن تقبل هذا المنطق الملتوي الخالي من الكرامة والإحساس..
بينها وبينه طفل.. ومشاعر حب تعلم أنها تختنق بها وإن كان هو لا يشعر بمثلها..
وما علمته عنه نحر روحها العاشقة.. نحرها.. ومازالت تقاوم من أجله..
ولكنه لا يساعدها مطلقا بإنكاره للموضوع.. تريده أن يعترف ويعتذر ويعدها إلا يعود لذلك الفعل..
مثقلة بالجرح..والشكوك.. والهواجس..التي تلتهمها..
لم يخرجها من ضجيج صمتها.. إلا مخدة صغيرة ضربتها بشكل مباشر.. تلاها صوت خالد المرح:
يا أم سعود.. سعود يستنجد فيش وأنتي لا حياة لمن تنادي..
الحقي ولدش قدام أكله أنا وأختي .. لأنه حن جياع.. وماتعشينا.. وولدش ينفع تصبيرة لين أروح لعشاء تركي ..
عيون أخرى تراقب المشهد ذاته.. ولكن بمشاعر مختلفة تماما..
تنظر لخالد ومزنة في مرحهما الصاخب مع سعود..
تراهما كيف يتدفقان حنانا أموميا /أبويا صافيا.. أ لم يحن الآوان لينعما بهذه النعمة؟!
(يا الله لا تحرمني شوفة عيالهم..
وشوفة عيال دانة قبلهم..)
نحرتها الدمعة التي رأتها تلتمع في عيني دانة الليلة وهي تضم سعود الصغير إلى صدرها..
تعلم أن ابنتاها غالية ودانة تخبئان الليلة حزنا لا مزيد عليه..
لأن الاثنتين حاولتا التغصب بابتسامة لم تفارق شفتيهما إلى روحيهما التي سبرتها هي بنظرة الأم..
كعادتها مؤخرا باتت تلتزم الصمت أكثر بكثير مما تتكلم.. تشعر أن مشاكل أبنائها باتت أكبر من الكلام..
اعتادت أن تسمع وتراقب وتلاحظ وتشعر..
وما تراه وتسمعه وتشعر به كثير.. كثير.. كـــثـــيـــــر....
************************
" وش فيه إبيك؟!! يوم سلمت عليه أحس يطلع من رأسه دخان.. مو عوايده!"
يتنهد تركي: ليت الله فك لنا منك ومن توقعاتك.. تقول لي وإحنا في الطيارة لو أنا من أبو متعب قلت لك أعرس أو طلق..
هذا هو قال لي اعرس أو طلق.. وزعلان عليّ
فرات بثقة: وهذا هو الحق والواجب والمفروض.. اعرس أو طلق.. بسيطة..
تركي بحزم لا يخلو من غضب: فُرات أعتقد أنك لازم تكون أكثر واحد فاهمني.. أنا غايب عن قطر لي 8 سنين.. 8 سنين!! .. عمر يا ناس!!.. أبي أرتب وضعي.. أشوف شغلي في الجامعة وشغلي معك..
فُرات يسند ظهره للخلف ويهتف بذات الثقة التي لا تتزحزح: شغلنا سوا.. ازهله.. أنت عارف أني مرتب كل شيء.. لا تأخذه عذر..
كان تركي على وشك الرد لولا صوت حزام الذي قاطعهم باحترام وهو يوجه خطابه لفرات: فنجالك يا أبو حمد..
هز فرات فنجانه وهو يهتف بمودة: شكّرت يا أبو عبدالمحسن.. جعلك على القوة، تراني جيت العشاء عشانك.. يوم قال لي تركي إنك اللي مسويه..
يهتف حزام بسعادة كبيرة وعيناه تلمعان بطفولة تختلط بالرجولة: كبّر الله قدرك مثل ما كبرت قدري..
يغادرهما حزام، ويهمس فُرات لتركي بإعجاب: لو أن حزام أكبر شويتين، كان خطبته لبنتي..
يبتسم تركي لأن فرات تناسى موضوعه ويهمس بابتسامة: أنت أصلا تبي تخلل بنتك عندك، أنا شيبة عليها وأخي بزر!!.. ترى عندنا أخ رابع مناسب لها في العمر..
يبتسم فُرات برزانة: وش ذا الأخ اللي داسينه؟!.. أنت ومتعب شيبان سنونكم طايحة، وحزام بزر ماخط شنبه..
يشير تركي بعينيه إلى حيث يجلس مساعد بجوار والده.. المكان المفضل لكليهما، فبينهما حديث لا يفتر، وكأنهما صديقان حميمان أكثر
من كونهما عما وابن أخيه، ويهتف بنبرة مقصودة: هذاك أخينا الرابع جنب أبي.. وأظني إنك تعرفه زين..
حينها هتف فُرات بنبرة حازمة لا تخلو من غضب: تركي تراني ما أدلل على بنتي، والسالفة كلها مزح معك لأنك رفيقي، وبنتي توها بزر.. وسكر الموضوع لا أزعل صدق..
ابتسم تركي وأكمل بذات النبرة المقصودة: أجل لا تشغل روحك بعرسي وأنت ما تداني طاري العرس حولك ولا حول بنتك..
****************************
" مي يا حبيبة قلبي أنا ترا بصلي العشاء وأنام.. بأصلي الفجر في الرِّيس.. ولا عليش أمر قولي للخدامات يجهزون فطور لي و للعمال أخذه معي" (الريس: مكان لسباقات الإبل وتدريبها)
مي بمودة وهي تنظر لشقيقها: أبشر من عيوني.. ثم أردفت وهي تنظر حولها : إلا حمودي.. ماشفت الأيباد حقي..
ينظر لها من تحت أهدابه ويهمس باستنكار ساخر: نعم ؟!تسأليني أنا عن أيبادش؟؟
أنا حتى أشلون يشغلونه ما أعرف..
مي بحماس وهي تقفز بجواره: حمودي..اشرايك أسوي لك انستغرام؟؟ والله بيعجبك..
حمد يسند ظهره للخلف ويهمس بنبرة مرحة: أنتي عارفتني أنا شرق والتكنولوجيا غرب، فكفي شرش عنش..
وبعدين ألف مرة قايل لش لا تقولين حمودي ذي قصيت لسانش..
مي بتأفف مرح: حامد يقول لا عاد تقولين حامد حاف.. وأنت لا عاد تقولين حمودي.. وش ذا العقد اللي عندكم؟!
وبعدين أنت طول يوم طافش من البيت.. ما نشوفك إلا تزمر..
تكون مفكرني من رعيان أبلك؟!!
حمد بذات المرح: والله رعيان أبلي على قولتش فوق رأسي.. على الأقل منهم فايدة.. أنتي وش فايدتش؟؟
أكل ومرعى وقلة صنعة..
هزت مي كتفيها بدلال: لا والله.. وش تبيني أسوي يا الشيخ؟!.. أنقع روحي في الشحانية والريس.. وأرجع آخر النهار حالتي حالة..مغبر معفر ريحتي معاطن أبل، عشان يكون لي فايدة؟!!
أمنتك بالله حمد أنت تحس نفسك عايش عمرك على الهبال اللي أنت فيه؟؟
حمد بابتسامة: المهم أنا مبسوط ومرتاح... أنتي وش حارقش؟!
ابتسمت برقة: أشتاق لك يالزفت..
ضحك وهو يضرب مؤخرة رأسها بحنو: الله الغني عن شوقش اللي تاليه زفت..
مي احتضنت عضده وهي تقبل رأس كتفه وتهمس برجاء: حمود فديتك.. خاطري أطلع أنا وإياك نتمشى مثل باقي مخاليق ربي اللي معطلين..
من يوم خلص الفصل وعطلنا أنا وإياك من 3 أسابيع.. وأنت طافش عند أبلك.. وأنا محبوسة في البيت..
حمد باستنكار مرح: توش راجعة من ديرة الخوال اليوم الفجر..
مي جلست وهي تتأفف: إبيك موديني معه وهو عنده شغل.. لا والوقت الفاضي عنده يجي عنده تركي آل حزام.. أنا محبوسة داخل وهم يهذرون بالساعات..
ياني كرهته ذا التركي المليغ!!.
حينها قرص حمد خدها وهو يهتف بمودة: وش رأيش تروحين معي لأبوظبي ، مدخل بكرتين وقعود في السباق..
مي بتأفف أكبر: لا مشكور.. خلك في حلالك أحسن.. توديني عشان أقعد محبوسة في الأوتيل.. يعني من حبس لحبس.. وأصلا أبي مستحيل يوافق..
ثم زفرت بحرقة: بنت بروحي في بيت مافيه الا رياجيل وكلهم مشغولين.. لكن مالي إلا جدي.. مع أنه ما يحب الطلعة.. بس بيطلع عشاني.. على الأقل الطلعة معه تونس..
ابتسم حمد: عادي عندش تطلعين مع جدي؟؟ .. شكله واجد يلفت الانتباه وهو برا للي مايعرفه ولا بعد شافه..
ضحكت مي وهي تنظر لحمد نظرة تقييم مرحة وتهمس بنبرة مقصودة: شوفوا من اللي يحكي بس إنه شكل جدي يلفت الانتباه؟!!!
**************************
في مجلس أبي متعب بعد انصراف ضيوف العشاء ومن تبقى يتوزعون في ثنائيات
تركي وفرات
متعب وسعود
مساعد وعمه
خالد ومحمد الذي كان يهمس لخالد من قرب وهو يتكئان على نفس المركأ بينهما: عمي وش فيه سرى بدري عقب العشاء على طول.. عسى موب تعبان؟؟
خالد بقلق: والله يا محمد له كم يوم موب عاجبني.. أحسه تعبان..
اعتدل محمد في جلسته وهو يهمس بقلق مشابه مغلف بالجزع: أفا.. وش فيه.. شيء يوجعه؟
خالد بذات القلق: أسأله فيك شيء يقول لا... أقول له نروح المستشفى نسوي فحص شامل.. يقول لا.. حاولت فيه معيي..
محمد باهتمام حقيقي وقلق: أنا بكرة بجيكم عقب العصر أحاكيه أربه يطيعني..
خالد يتنهد: أي والله يا أخيك مسوي خير.. والله إني عجزت فيه ولا فاد..
.
.
في زاوية متعب وسعود، يهمس سعود لمتعب باهتمام وخفوت: وش قال لك تركي يوم خذته برا؟؟
يزفر متعب: يقول مافيه شيء.. وإن أبي اللي مستعجل عليه..
سعود باستغراب: عقب 8 سنين مستعجل عليه!!.. بصراحة تركي مسخها.. مسخها جدا ..
ثم أردف بوجع عميق لا يخلو من الحسرة والحزم وهو ينظر ناحية خالد: واللي مسخها أكثر منه خالد..
متعب بمؤازرة حقيقية: ماعليه يا أخيك.. ب تزين الأمور..
سعود بغضب خافت يحاول التحكم فيه: كيف تزين وهو معيي يطلق.. وهي معية تخلينا نرفع قضية..؟!!
ثم أردف بألم متجذر: والله لولا خاطر عمي هادي إني قد تصرفت من سنين.. إحنا ماعرفنا لنا إب غيره.. مات إبي وعمري 12 ومحمد 8 والبنات أصغر منا..
ماحسينا باليتم وعمي هادي موجود.. بدانا على عياله..
ووالله ثم والله ما كان علي من شيء لو أن الجازي تطلب بس.. بس الجازي ماعرفت لها إب غيري وغير عمي هادي.. موب هاين عليها تجرحه بأقل شيء.. وتوقف ولده في المحكمة..
وولده على غلاه وإنه مثل أخي.. لكنه ما حشم تقديرنا له ولعمي.. خمس سنين وهو معلق أختي كذا..
بأموت من القهر يا متعب.. بأموت.. ولا عاد فيني صبر أكثر! حاس إني بانفجر وإلا بتضربني جلطة..
يسكت متعب بألم لأنه يستشعر ويشعر بكم الألم المهول داخل سعود.. الحرقة والقهر تلتهمانه حتى أقصاه..
كثيرا ما تناقشا في هذه القضية ويعلم أبعادها المرعبة المحرقة داخل سعود الذي يكتم غضبه الكاسح.. وداخل الجازي أيضا من كلام مها الكثير له عن الموضوع..
ويعلم جيدا كم باتت هذه القضية مؤلمة للجميع وتحتاج وقفة حازمة لحلها..!!
********************************
"غالية.. واللي يرحم والديش..
قومي فارقيني ارقدي في غرفتش.. وراي دوام"
تهمس غالية بتأفف وهي تتمدد بجوار مزنة المتمددة في سريرها استعدادا للنوم: وش دوامه؟؟ البنات وعطلوا.. وأنتو بس مداومين حق ريوق الضحى والهذرة..
مزنة بتأفف مشابه: زين يا أختي حتى لو هذرة على قولتش.. وراي قومة الصبح..
وأصلا عقب الصلاة ما أرجع أنام..
غالية تبتسم: ما ترجعين ترقدين عشان تستشورين الكشة.. وتصبغين الفرة (الفرة= الوجه لكن تقال للسخرية فقط)
حينها اعتدلت مزنة المتمددة على سريرها وهي تسند رأسها لكفها اليمين وابتسمت:
يا أختي أنتي عارفة أني أسبح وأهلل لشروق الشمس..ماحد عنده كشة غيرش يأم كشة.. ما يتروع جابر لا قام الصبح وشاف كشتش طايرة في العجة..
ابتسمت غالية بمرح: أفا عليش.. ما أرقد إلا مستشوره شعري.. تبين الرجّال يطفش ويخليني..
ضحكت مزنة: تذكرين يومش في المدرسة ومناشبة الجازي بنت عمي على شعرها..
غالية حينها تنهدت بيأس عميق: الله يذكرها تيك الأيام بخير.. أكبر همي وش أسوي شعري الصبح وأنا رايحة المدرسة..
حينها اعتدلت مزنة بجزع: غالية حبيبتي ليش ذا النبرة.. أنتي فيه شيء بينش وبين رجالش..؟؟
من يوم جيتي قبل كم يوم وشكلش زعلانة وطلع خالد لجابر يلاغيه.. وأنا قلبي ناغزني..
وش فيش ياقلبي؟؟
غالية استدارات لتولي مزنة ظهرها حتى لا ترى دمعة تعلقت على أهدابها وهي تهمس بمرح بمصطنع: مافيه شيء يا أبلة مزنة.. بتفاولين
علي أنا وأبو سعود..
خليني أرقد.. قبل لا يقوم سعودي الصبح بدري ويجنني..
حينها كانت مزنة من تنهدت بألم مثقل بالعتب: تخبين علي ياغالية؟؟
مسحت غالية دموعها وهي مازالت تولي مزنة ظهرها: والله ما أقصد أدس عليش شيء..
أحيانا يا مزنة يصير بين الرجال ومرته أشياء لازم تقعد بينهم..
حينها كانت مزنة من سكتت وألم روحها يتزايد
(الحين أختي الصغيرة صارت تعطيني دروس؟!!
بيني وبينها 6 سنين ..مهوب شوي
لكن لأنها المتزوجة.. خلاص صارت هي اللي تعطي النصايح
وأنا الغشيم اللي ماتفهم شيء في الحياة!!)
*****************************
"أميرة حبيبة قلبي .. ليه ما نمتي لين الحين؟! أنتي مو خلصتي قيامش وانسدحتي قبل أكثر من ساعة"
تهمس أميرة بنبرة صوتها الهادئة: انتظرش تخلصين قيامش.. طولتي وأنتي تكلمين صيتة وعقب طولتي في صلاة القيام..
وأنتي تعرفين مارح أنام لين أسولف معش شوي..
كانت أميرة تتمدد على الفراش وهي تستند لكفها وتنظر للجليلة..
كانت الغرفة غرفة الجليلة ولكنها غرفة نومهما المشتركة..
مع أن أميرة لها غرفتها المستقلة، لكنها ترفض النوم فيها، تستخدمها طوال اليوم إلا في وقت النوم، يستحيل أن تنام إلا بقرب الجليلة وهي تنظر لوجهها حتى تنام..
همست الجليلة وهي تجلس على طرف السرير بقرب أميرة وتهمس بحنان: دقايق أفرش أسناني وألبس بيجامتي وأجيش يا الدلوعة.. أكيد إنش تعبانة من فرفرتنا في الجامعة اليوم..
أميرة بتردد وهي تهمس بما يشغل بالها: ظنش بنجح يا جيلو؟!
الجليلة بثقة: وليه ما تنجحين؟!.. تنجحين وتتفوقين بعد، ترا دراسة الجامعة غير المدرسة، ناس كثير ماكانوا شاطرين في المدرسة، وتفوقوا في الجامعة..
تنهدت أميرة وصمتت وهي ترى الجليلة تقف ثم تفتح دولابها وتتناول بيجامتها متجهة للحمام وغرفة التبديل..
تشعر بتوتر عارم من المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها.. اليوم كان تسجيلها وبعد شهرين ونصف ستبدأ دراسة الجامعة فعليا..
المدرسة بيئة محمية مغلقة، لكن الجامعة مكان مفتوح وقاعات متباعدة، وبنات مختلفات في كل مقرر.. ولسن كبنات الصف اللاتي كانت تراهن كل يوم..وتشعر بالأمان معهن:
(يا الله لا أريد ان أخذل جليلة
أريد ان أنجح من أجلها..
الجليلة تعبت كثيرا معي..
تعبت في تدريسي.. تعبت في تربيتي
تعبت في الاهتمام بكل تفاصيلي
كنتُ دائما في رأس قائمة أولوياتها
كنتُ دائما المقدمة على رغباتها واحتياجاتها
يا الله أريد أن أفرحها!!
أرجوك يارب.. أرجوك)
*********************
"صلحت الأمور بين الأميرة وجدها؟"
ترفع مي عينيها عن هاتفها وهي تجلس في الصالة العلوية حيث تابعت من أجل عمها حامد حلقة المجلس كاملة التي انتهت قبل أقل من ساعة..
وها هي تنظر له الآن وهو يدخل في كامل أناقته التي كانت في أوجها من أجل الظهور عبر الشاشة..
وتهمس بعذوبة: الأميرة تصالحت مع الكنغ العود جعل ربي ما يخليها منه..
ثم أردفت بابتسامة: أخبارك أنت يا البرنس مع حلقة اليوم؟
يجلس حامد وهو يخلع غترته بعناية ويضعها جواره ويهتف بتلقائية: كانت ممتازة وأظني أنش شفتيها.. لازم أسألش أنتي كيف الحلقة؟
همست مي بمودة رقيقة: كانت روعة .. وكنت روعة..
هتف حامد بمودة: تعشيتي وإلا تعشين معي؟؟
مي بذات المودة الرقيقة: تعشيت فديتك..
حامد يتلفت حوله ويهمس بنبرة مرحة: زين.. وين إبيش رجل وول ستريت المهم وأخيش الخريش؟؟
مي بدفاع مرح: يعني إبي وإخي كخة وأنت الواو..
ثم أردفت بمودة: أبي رجع من عشاء عند رفيقه تركي آل حزام وفي مكتبه الحين عنده شغل.. وحميّد نام من بدري يقول يبي يصلي الفجر في الريس..
حامد يعدل ياقة ثوبه بحركة تمثيلية: احمدي ربش يا أبيش على وجودي في حياتش.. وإلا لو على فُرات وحميد.. كان حالتش حالة..
تضحك مي: حميّد ماعليه كنه إياك.. بس إبي يوقف الحكي دونه..
حامد يضحك: يا ويش فرات سوا وأنا ما سويته..؟؟
مي بلؤم: طلعني بكرة أي مكان وأشوف إذا ممكن أسمح لك تقارن نفسك بفُرات..
حامد بلؤم مشابه: الله الغني.. ما أبي المقارنة.. عندي تدريب ولا أقدر أشتغل بيبي ستر لجنابش..
مي بتأفف: تكفى حامد.. تكفى.. بأموت من الزهق..
يتناول حامد غترته ويتوجه لغرفته ويهتف بمودة حازمة: ما أقدر يا أبيش والله ما أقدر.. مشغول.. إن شاء الله أخلص البطولة أبشري..
مي ألقت بهاتفها جوارها.. وهي تشعر بغصة تخنقها.. تقتلها الوحدة.. تقتلها فعلا!
وهؤلاء الأجلاف لا يشعرون بها ولا بوحدتها التي تستولي على روحها شيئا فشيئا..
*******************************
" ليه ما أمسيتي يا الغالية؟؟"
نظرت له لتشيح بنظرها وتهمس بنبرة مموهة لا يُعلم أ ضيق أم غضب أم حزن:
وأنت ليه ما أمسيت؟؟
جلس جوارها ليتناول كفها ويقبلها ويهمس بحنو واحترام: تبيني أمسي وأنا داري إن أم سعود في خاطرها على سعود؟!.. اللي مهوب حولي..
تنهدت أم سعود بنبرة مقصودة: أم سعود في خاطرها على سعود من زمان..
هتف سعود بجزع حزين مثقل بالألم: يمه والله العظيم حرام عليش توجعين قلبي كذا.. تدرين إن رضاش عندي بالدنيا..
بس اللي تطلبينه مني مستحيل..
وإذا لسعود غلا عندش.. طالبش ماتغثين دانة.. أنا كلي لش.. قولي اللي تبينه لي.. أجعيني أنا باللي تبينه.. بس طالبش الحكي ما يوصلها..طالبش..
تنهدت أم سعود بألم لا تريد أن تجرحه أو تجرح زوجته.. لكن فيها ما يكفيها من الألم:
زين ماتبي تطيعني وتعرس، قل لمرتك تفك المانع.. ماتدري وين رزق رب العالمين..
انبسطت أسارير سعود وهو يميل ليقبل رأس والدته هاتفا بحزم حان: ابشري.. المهم رضاش علينا..
*********************************
يتنهد بعمق وهو يخطو لداخل غرفته.. قد يكون حل المشكلة جزئيا مع والده.. وهو يقنعه أن يمهله عدة أيام..
لكن مافي رأسه في رأسه.. لا يريد الزواج قبل عام على الأقل.. انتظروا لثمانية أعوام.. فهل سيضر عام إضافي؟!!
هناك عمله في الجامعة.. وهناك مشروعه الكبير مع فُرات.. ويحتاج منه لتفرغ كامل..
وعلى المستوى الإنساني الطبيعي الذي لا يستطيع قوله لوالده.. يريد أن يتحاور مع الهنوف.. يريد أن يتأكد من رأيها.. مادام رأيه لم يعد مهما...
وزواجه بها هو شيء أشبه بالواجب.. بل هو واجب حقيقي..
لا يريد أن يقهرها وهي يتيمة وفي ذمتهم..
دخـــــــــل..
ليجد شيئا يقبع على سريره، فجّر غضبه المهيأ أساسا للانفجار..
انتزع الحقيبة بعنف بيد... ويده الثانية تمسك بهاتفه ليصرخ فيه بعد لحظات: بندري تعالي غرفتي الحين..
أقل من دقيقة، كانت البندري تدخل وهي تجر خطواتها بتوتر..
حين رأت وجهه المتفجر بالغضب والحقيبة بيده، صرخت دون مقدمات:
والله العظيم عطيتها إياها .. صاحت عليّ وقالت رجعيها.. تقول جاها منك ماكفاها ماتبي زود.
تركي بصدمة وعيناه تتسعان: نعم وش قالت؟؟ الهانم وش قالت؟؟
البندري انكمشت على نفسها : اللي سمعته.. وتكفى تركي.. لا تدخلني بينك وبين مرتك..
اثنينكم أخواني واثنينتكم أكبر مني بواجد.. ماني بحملكم..
تركي شد نفسا عميقا وهو يتقدم خطوة للأمام ، ويفتح يد البندري ويضع حامل الحقيبة فيها ويهتف بحزم بالغ:
رجعي الشنطة للشيخة الهنوف.. ولو مارضت تأخذها .. لا تقولين لها شيء.. دقي عليّ وعطيني إياها.. واطلعي من عندها..
البندري برجاء عميق: تكفى تركي.. تكفى لا تدخلني بينكم.. طالبتك..
تركي صرخ فيها بالنبرة التي ترعبها وتخافها: أقول يا الله خلصيني.. وياويلش ما تنفذين..
البندري حملت الحقيبة وهي تهمهم بتأفف: لا حول ولا قوة إلا بالله..
أنا وش خلاني الصغيرة في بيت الوحوش ذا.. كل واحد لسانه وش طوله عليّ
لم تمر دقيقتين حتى كان هاتف تركي يرن.. كان يعلم ذلك وكان ينتظر الاتصال.. وهو فعلا كان يريد أن يكلم الهنوف..
فهناك الكثير من الأمور المعلقة بينهما التي يجب أن يتناقشا فيها كناضجين دون وسيط..
ولكنه كان يريد أن يأجل هذا الحوار حتى يرتب أوضاعه ويقف على أرض صلبة..
كان الصوت العذب الذي سمعه اليوم صباحا ينسكب في أذنه يمارس عليه سحرا من نوع غريب: نعم؟؟ من يبيني؟؟
شد نفسا عميقا وهو ينفض رأسه كأنه يريد نفض سحر صوتها الرقيق بصورة غير معقولة، وهتف بحزم: أنا تركي.. ولا تسكرين.. أظني فيه شيء تنتاقش فيه..
فاجأه برود صوتها وحزمه الذي بدا غريبا في تآلفه مع رقة صوتها وضعفه وهو يصنع خليطا مستحيلا لا يمكن أن يجتمع بهذه الطريقة إلا لها وحدها: وليش أسكر؟!.. إذا عندك شيء تبي تقوله.. تأكد إنه عندي أشياء..
لا يعلم لماذا صُعق بحزم ردها ويقينه وصلابته.. كان يتوقع توقعا يقينيا لا شك فيه..أنه سيعاني لجعلها تتكلم.. وأنه سيعاني أكثر ليفهم جملها المرتبكة والخجولة.. بل والبليدة الغبية..
ولكنه أرجأ أفكاره لاحقا وهو يهمس بحزم: ممكن أعرف ليش ما تبين هديتش..؟!
لا يعلم لما اشتم في جوابها خليط من السخرية والمرارة صعقه وفاجأه للمرة الألف: مالها مناسبة.. ومافيه سبب يخليني أقبلها..
هتف بحزم: ما أعتقد أنه لازم يكون فيه مناسبة عشان واحد يهدي زوجته..
شعرت هي بصداع مفاجئ (يا الوقح.. قال زوجتك قال؟؟) ومع ذلك همست بحزم ساخر فهي لن تسمح له أن يثنيها عما تريد قوله:
تصدق؟!!.. كنت ناسية إني متزوجة..
تركي مازال مصدوما فعلا منها .. مصدوم فعلا.. لم يتوقع ولو واحد في المليون أن ترد بهذه الطريقة ولا بهذه الثقة..ولكنه لم يسمح لصدمته الكاسحة أن تأثر عليه وهتف بنبرة غضب: نعم؟؟ ناسية إنش متزوجة!!.. وأنا ويش يا البرنسيسة؟!.. صفر على الشمال..
همست بنبرة حشدت فيها كل عدم الاهتمام باحتراف رغم أن عينيها بدأتا تغيمان:
محشوم.. ياولد عمي.. أنا اللي صفر على الشمال.. مثل ما كنت طول عمري..
حينها انتفض تركي بجزع رجولي صميم: أفا عليش يا الهنوف.. ليش تقولين كذا؟؟
لا تنكر أنها شعرت بألم مجهول وهي تسمع هذه النبرة الحانية المثقلة بالرجولة .. ولكن كل هذا لم يثنيها عما تريد وهي تهمس باختناق لم تستطع منعه:
تركي لو سمحت.. كفاية عليّ ذل السنين اللي فاتت..
تكفى كان لبنت عمك حشمة.. تكفى..
طـــلـــقـــنــــي..
تركي مصدوم... مـــــصـــــــدوم بكل معنى الكلمة.. صدمته بدون أي مقدمات.. بل هو مصعوق.. وهو يجلس على سريره بعينين متسعتين خائر القوى..
قد يكون بالغ في تأجيل الزواج كثيرا.. كثـــيرا.. لكن الطلاق لم يخطر له ببال.. يستحيل أن يطعن ابنة عمه هكذا طعنة..
كان على وشك الرد ، لولا أن الهاتف أُغلق فور انتهاء الهنوف من كلمتها..
تركي أعاد الاتصال عدة مرات.. لكن دون رد.. حتى كان الرد دخول البندري الغاضب عليه:
تركي أنت وش قايل للهنوف؟؟ البنية ذبحت روحها من البكا..
تركي غاضب.. غاضب فعلا: الحين أنا اللي قلت !!..
عطيني رقم بنت عمش اللي ماتستحي.. وأنتي خلاص مالش شغل..
وياويلش حد يدري بشيء..
البندري بغضب: يا ويلش وياويلش.. ماعندك غير تهددني.. والله المفروض رقمها عندك..
ثمان سنين متملكين.. ماعمره طرا عليك ترسل لها على الأقل مسج تهنئة بالعيد؟!!
ما ألومها المسكينة ما تداني طاريك..
تقلبت عينا تركي من شدة الغضب: أنا ما تداني طاريي!!.. ليه إن شاء الله..؟؟
البندري غاضبة بالفعل.. قد تكون صغيرة.. ولكنها ليست صغيرة لدرجة أن لا تلاحظ أسى الهنوف عند ذكر تركي..
وإحساسها المر بالمهانة وهي قطعة أثاث مركونة في حياة تركي.. المشغول بكل شيء عداها..
كانت تراقب عيني الهنوف الغائمتين.. وارتجاف شفتيها في كل مناسبة يتصل فيها تركي بهم..
كان يطلب الجميع ليهنئهم ويطمئن عليهم.. حتى مها زوجة متعب..
بينما هي لم يخطئ مرة واحدة ويطلبها.. قد تكون المهاتفة بعد عقد القران وقبل الزواج ليست من عاداتهم المستساغة والمقبولة..
لكن في وضع تركي والهنوف كان الوضع سيكون مختلفا.. فهي لا أحد لها سواه.. ولا تنتمي لأحد سواه..
ولكنه لم يشعرها يوما بهذا القرب.. بل أشعرها بالبعد كل البعد..
كل هذه الأفكار صرخت بها البندري بكل غضب.. ليصرخ فيها تركي بغضب حازم:
أنتي مالش دخل بيني وبين مرتي ياقليلة الأدب.. أكلمها .. ما أكلمها.. مهوب شغلش..
البندري حينها انفجرت بالبكاء: مالي دخل.. أنت اللي مالك دخل.. أنت متى عرفتها عشان يكون لك دخل؟!!
الحين صارت مرتك يابو مرة.. ثمان سنين وأنت حاذفها ما تدري شي عنها..
تركي، تعرف وش كان تخصص الهنوف في الجامعة؟؟ تعرف وينها تشتغل الحين؟؟ تعرف أي شيء عنها؟؟
تدري إن أكثر صديقاتها المقربات منها كلهم تزوجوا.. اللي حامل واللي عندها عيال.. وهي مثل المكسورة بينهم..
المعيوفة اللي عافها حضرة جناب الدكتور.. وهو مايسوى حتى ظفرها..
حينها ماعاد قادرا على الاحتمال (من كثر ما تكرهني مكرهة أختي فيني بعد!!)
هتف تركي بغضب مكتوم وكل مافيه يرتعش من الغضب الذي يحاول السيطرة عليه: مارح أقول إلا إنش بزر وماعليش مردود.. الشرهة على الكبيرة اللي معبية رأسش علي..
ماحتى حشمت غيبتي.. ولا أني رجّالها وأخيش الكبير..
البندري تتماسك وهي تتناول هاتف تركي لتنقره عدة مرات وهي تقول بصوت مبحوح:
الهنوف عمرها ماجابت طاريك إلا بالزينة..
لكن أنا لي عيون أشوف بها..
هذا رقم الهنوف.. وياليت يكون عندك كلام زين تقوله.. لو ماعندك مافيه داعي تغثها..
تنهد تركي بعمق وهو يقرر أن ينتظر حتى يهدأ.. لأنه يعلم أن أي نقاش وهو بهكذا وضع.. سيكون جريمة في حق نفسه وحق الهنوف..
توضأ وصلى قيامه وقرأ ورده.. كان غضبه قد سكن تماما.. لكن بداخله كم كبير من الحرقة لم يستطع تفسيره...
"يعني وش تبي يا أخي أنت؟؟ تبيها تقدسك وهي ماشافت منك خير؟؟"
" بس ماشافت مني شر.. عشان حتى أختي الصغيرة تعبيها علي بذا الطريقة!! "
" وبعدين مهوب أنت اللي تقول تبي تعرف رأيها..
هذي هي قالت رأيها..
قالت طلقني..
ليش مستوجع كذا من طلبها؟؟
ليش حاس بالحرقة تأكل قلبك؟؟"
تنهد بعمق وهو يسند ظهره لسريره ويتناول هاتفه بثقة ليتصل بها.. مرة مرتين ثلاث وبدون رد..توقع أنها لم ترد لأنها لم تعرف الرقم..
لذا أرسل لها :
" أنا تركي..
ردي علي خلينا نتفاهم مثل ما الناس المتحضرين يتفاهمون"
وصله الرد سريعا:
" أدري أنك تركي..
والرقم عندي من زمان..
كل مرة تجي من السفر.. أحاول أتشجع عشان أكلمك
بس كل مرة سحاي يمنعني"
" وليش تكلميني؟؟"
" عشان أقول لك طلقني"
" وليش ماطلبتي من إبي ذا الطلب؟؟"
" استحيت.. ترددت ..
وهذا احنا فيها.. طلقني!!
تنهد تركي وهو يشعر أنه ماعاد به أنفاس ليشدها أو يزفرها (لا إله إلا الله.. المشاكل منتظرتني في الدوحة عشان تنط لي)
قرر أن يتركها الليلة لترتاح.. فهو مرهق جدا من كل هذا الشد .. ويشعر أنه سينهار من التعب.. ولديه موعد مهم في الجامعة صباحا.. ويريد أن ينام..
خشي أن تكون مكالمته لها سببا لأرق هو في غني عنه..
***************************
" وينش حبيبتي صار لي نص ساعة راجع.. ومالقيتش في الغرفة.. أدق تلفون ما تردين"
أشرق وجه بثينة لرؤيته جالسا على الأريكة ويضع مصحفه أمامه.. وهي تدخل غرفة نومها تحمل سجادتها ومصحفها في يدها.. همست بهيام: يا مرحبا والله إني صادقة..
كنت أقرأ وردي وأصلي قيامي في المجلس اللي تحت..
تعرف إني أحب أصلي في كل غرف البيت..
ابتسم محمد: حرما يا حجة بُسينة..
ردت الابتسامة: جمعا يا حج محمدين..
ثم أردفت وهي تميل لتقبل خده ثم تجلس جواره: علومه تركي ولد عمي؟؟ عساه طيب؟
محمد بتلقائية مرحة: أووه تقصدين تركي ولد خالتي.. طيب.. وعزمته.. حلف وحلفت.. وقلت له خلاص خلها براحتك لين ترتاح..
بثينة بمودة عميقة: شفت مساعد فديته؟؟
ضحك محمد: الحج مساعد قاعد ملزق جنب عمه كالعادة.. يا أختي يكون يرسم على بنت عمه.. ويضبط العلاقات؟؟.. هناك قصة غرام بينه وبين عمه ليست طبيعية البتة..
ضحكت بثينة: حرام عليك.. أنت عارف زين إنه مساعد وعمي ربع من عاد مساعد بزر..
ثم أردفت بمودة: وياحظه أصلا إذا خذ البندري.. تجنن.. مافيه أطيب منها.. ومخها كبير.. بس بعد عادها بزر.. يبيها.. يصبر لين تتخرج..
يمسك محمد بأناملها مقبلا وهو يهمس بمرح: أقول لش أنتي وأخيش منتو بـ خالين.. الذيب ما يهرول عبث..
همست بثينة بمرح مشابه: هذا أنت تموت في عمك هادي..هل كنت تخطط على بناته يعني؟!!
شعر محمد بالارتباك الذي لم يظهر عليه وهو يهتف بثقة: على طاري عمي لازم أمره بكرة عقب العصر.. تعبان شوي..
بثينة بمؤازرة: مايشوف شر عمي أبو خالد..
وقف محمد وهو يشدها معه ليوقفها، قبل جبينها وهو يغادرها متجها للحمام ويهتف : ترا بكرة نبي نطلع بدري الصبح، أبي أوصلش دوامش بدري كن ماعندش مانع.. عشان أبي أمر أمي شوي قبل دوامي..
بثينة بنبرتها الهائمة على الدوام التي لا تكون إلا لمحمد: أبد يا عمري.. ماعندي مانع.. وخلاص بأرسل لرفيقتي بقول لها أني بأخذ مناوبتها الصبح.. دامني رايحة بدري..
*****************************
كانت البندري تقف أمام باب غرفة الهنوف بعد ساعة من خروجها منها.. كانت تريد أن تفرغ طاقة البكاء لديها، وتسمح للهنوف بتفريغ طاقتها..
وكأنها تخشى خدش حزن الهنوف الرقيق كرقتها..
وكانت تخشى بشدة أن تجدها ما تزال تبكي..لأنها حينها تعلم أنها لن تستطيع السيطرة على نفسها..
مع أن البندري عندها أخت أكبر منها، ولكنها لم تشعر أن لها أختا فعلا غير الهنوف، الهنوف وحدها من تعرف كل شيء عنها، ماذا تحب؟ ماذا تكره؟
كانت الهنوف من تستذكر معها دروسها، وتعرف كل صديقاتها ومعلماتها.. الهنوف هي من تتسوق معها ...وتذهب معها لتفصيل مراييل المدرسة وتساعدها في تجليد كتبها وعمل مشاريعها المدرسية.. الهنوف لها بصمة في كل تفاصيل حياتها منذ كانت البندري في الثامنة من عمرها..
كانت الهنوف من أخبرتها عن مرحلة البلوغ
وهيئتها لها، ودعمتها مع أمها بقوة وحنان حين حدثت بالفعل قبل 4 أعوام.. رغم أن الهنوف لم تخظَ بدعم مماثل.. فبلوغها كان بعد وفاة والدتها..
كانت الهنوف معها دائما وفي كل الوقت، لا تعرف للحياة شكلا لم تشاركها فيه الهنوف، الهنوف هي الإنسان الأثمن عندها بعد والدها ووالدتها..
كان حزن الهنوف الذي يسربل الهنوف ويرسم حدود كل تصرفاتها يعذب البندري، ولكنها نادرا ما رأتها تبكي أمامها، وإن كانت تعلم أنها تبكي كثيرا وراءها، فالهنوف لم تتوقف ليلة واحدة عن البكاء على أهلها..
لذا كان انفجار الهنوف أمامها الليلة وبسبب شيء قاله تركي لها.. جعلها تنفجر بالغضب على تركي، لأول مرة في حياتها تنفجر بالغضب أساسا بهذه الطريقة..
تنهدت البندري وكل هذه الأفكار تغزوها.. ودخلت بهدوء شديد..
لكنها فوجئت أن الهنوف كانت تمسك بهاتفها وتقرأ وردها عبر الهاتف بسكون شديد، وصوتها العذب يرتفع بتلاوة خاشعة..
جلست البندري على طرف السرير تنتظر الهنوف وتستمع لتلاوتها بخشوع، حين انتهت الهنوف.. وضعت هاتفها على الطاولة أمامها، وهمست للبندري بابتسامة باهتة : تبين شيء حبيبتي؟؟
وقفت البندري واقتربت لتجلس جوارها على الأريكة وهمست بتردد: كنت أبي أتطمن عليش بس..
الهنوف بذات الابتسامة الباهتة: مافيني شيء يا حبيبتي...
البندري بذات التردد: تركي وش قال لش؟.. أنا أعرف أنش تبكين واجد من وراي، بس نادرا ما شفتش تبكين قدامي..
الهنوف ربتت على يد البندري: مضغوطة بس.. وفيه أمور كثيرة معلقة بيني وبين تركي..
كانت البندري سترد، لولا ارتفاع صوت هاتف الهنوف بالرنين، همست الهنوف بدهشة: غريبة!! من بيدق ذا الحزة؟!
كانت البندري تعرف من المتصل.. لكنها وفوجئت أن اسم تركي كان يتصدر شاشة هاتف الهنوف القابع على الطاولة أمامهما (غريبة، رقمه مسيف باسمه عندها أصلا!!) الهنوف نظرت للاسم بصدمة ولكنها لم ترد.
عاود الهاتف الرنين بذات الاسم، حينها أخذته البندري ووضعته على فخذ الهنوف، وخرجت.. رن مرة ثالثة دون رد..
تصاعد توتر غير مفهوم في داخل الهنوف، توتر مغمور بالحزن والحسرة والخذلان، كل المتناقضات التي يثيرها تركي في داخلها..
(ماذا يريد؟
ألم يكفه كل ما فعله بي؟!
كان يعذبني ببعده.. وتجاهله..
فإذا به يعذبني أكثر بقربه ومحاولة تواصله)
وصلتها رسالة ، تنبأت ممن الرسالة، شعرت بريقها يجف.. وكأن الرسالة تقتحم خصوصيتها عنوة:
" أنا تركي..
ردي علي خلينا نتفاهم مثل ما الناس المتحضرين يتفاهمون"
(قال أنا تركي؟!
أعرف أنك تركي الزفت.. يا زفت..
يا اللي ماتعرف من التحضر إلا اسمه
حتى لو يكون عندك عشرين دكتوراه..
مقفل.. وجفس.. وماعندك مشاعر)
كانت هذه الأفكار الحارقة تلتهم تفكيرها وغضبها يتصاعد وهي تطبع على هاتفها بسرعة:
" أدري أنك تركي..
والرقم عندي من زمان..
كل مرة تجي من السفر.. أحاول أتشجع عشان أكلمك
بس كل مرة سحاي يمنعني"
جاءها رده البارد كبرودته، تمنت أن يكون أمامها حتى تنشب أظافرها في صفحة وجهه وتصنع خطوطا طولية:
" وليش تكلميني؟؟"
(أنا بقول لك الحين ليش أبي أكلمك)
" عشان أقول لك طلقني"
مازال البارد باردا:
" وليش ماطلبتي من إبي ذا الطلب؟؟"
(مخلوق ذا طبيعي مثل البشر؟ وإلا قالب ثلج ؟!)
كانت تضغط على الأزرار بقوة وغيظ:
" استحيت.. ترددت ..
وهذا احنا فيها.. طلقني!!"
انتظرت رده.. ولكن الرد لم يأتِ..
رمت الهاتف جوارها، وعادت إلى موال طويل من البكاء، لم يكن لتركي هذه المرة دور فيه.. فهي تبكي من كانوا أهم من تركي وأقرب!
*******************************
" أبومتعب.. كلمت تركي في موضوع تحديد العرس؟"
يخلع أبو متعب غترته عن رأسه ليظهر شعره الأبيض متآلفا مع لحيته البيضاء الطويلة في عناق فضي يشي بمرور سنوات حزن متطاولة..
يتنهد وهو يضع غترته جواره: ولدش علومه علوم يا نورة..
أم متعب بهتت، والكلمات تخرج متناثرة من بين شفتيها: لا تقول أنه مايبي يعرس؟!
يهتف أبو متعب بثورة وهو يحاول أن يخفض صوته: يخسي ويعقب..
ثم أردف بصوت أكثر انخفاضا: لكنه يقول خل العرس عقب سنة..
أم متعب بصدمة: نعم؟ سنة!! صاحي ذا وإلا مجنون؟!
أبو متعب بغضب مكتوم: مجنون جعل عدونا ما يصحى.. يحسب إني بأسكت على قهر بنت علي.. يكفي السنين اللي مضت.. والله ماعاد أخليه يقهرها زود..
تهمس أم متعب بغضب ناتج عن صدمتها: زين وش سببه أنه يبي العرس عقب سنة؟ من صغر سنينه! شيبة كبر جدي..
لا هوب من صغر سنة ولا من قل فلوسه.. ليه ما يعرس؟!..
يتنهد أبو متعب: يقول شغل وترتيب أمور وما أعرف ويش.. ويوم شافني عصبت.. قال نتفاهم بعدين..
أم متعب بذات الغضب: وبتخليه على كيفه يا عبدالمحسن؟؟ والله مهيب زينة في حقنا وفي حق بنيتنا اليتيمة اللي في ذمتنا.. ملكة ثمان سنين.. وين قد صارت ذي؟!
تنهد أبو متعب وهو يسند ظهره للخلف ويهمس بنبرة مقصودة: ماعليه يانورة.. ماعليه.. دواه عندي!
***********************
هل البشر هم من يتغيرون؟؟ أم الظروف؟؟
تتذكر بأطياف الوجع المتشعبة وبكثير من الحرقة.. كيف كانت تنتظره بكل لهفة الكون في شهور زواجهم الأولى..
وكيف باتت أقصى أمانيها في أشهرهم الأخيرة أن تنام قبل أن يأتي..
حتى لو لم يتكلم.. رؤية تأففه الواضح في نظرات عينيه يكفيها عن سم كلامه..
كيف من الممكن أن يُشنق كل الحب الذي كانت تشعر نحوه وكأنه لم يكن..
وكل ما بات بينهما هؤلاء الصغيرات الثلاث في زواج بارد لا رغبة لديها حتى إحيائه..
كل ما تريده أن تتقوقع على ذاتها لتحميها من التمزق.. لا تريد منه أي شيء.. تريده أن يتركها بسلام فقط..
حتى لو أراد أن يتزوج لا مانع لديها.. ليتزوج ويرحمها من رؤيته وكلامه..
حين تصل المرأة إلى هذه المرحلة.. مرحلة الاستعداد للتخلي عن نصفها الآخر لأخرى.. يكون زواجهما قد وصل إلى طريق مسدود..
كل ما بينهما بات يشعرها بالألم... رغم أنه يكبرها بسبع سنوات.. إلا أنها باتت تشعر أنها هي من تفوقه سنا بكثير... شكلا وحزنا..
في الوقت الذي يزداد هو فيه وسامة وعوده انشدادا وعضلاته بروزا.. مع اهتمامه بأناقته وأكله ورياضته..
تجد نفسا تزداد سمنة وقهرا وانكفاء..
سمعت صوت الباب يُفتح..
أغمضت عينيها وهي تدير ظهرها للباب ليصبح وجهها ناحية الحائط..
خطواته الواثقة.. ثم تأففه الواضح.. قضى وقتا ما..
تعلم روتينه ككف يدها.. سيستغرق حوالي ساعة قبل أن يلقي جوارها بثقل جسده الرياضي الغارق في فخامة عطره..
استحمام سريع.. ثم سيستمع لموجز الأخبار.. ثم يصلي قيامه ويقرأ ورده..
انتهت الساعة وهي مازالت لم تنم..
رائحة عطره سبقته كالعادة لتنذر بوصوله المتحكم..
"مجنون مهووس .. يعاني من لوثة ..
وإلا أي متخلف يستحم بالعطر هكذا وهو يريد أن ينام!!
يريد أن يخنقني بالرائحة حتى أموت ويرتاح ربما"
طرقاته المستحوذة الواثقة على كتفها.. كرهت أن تستدير ولكنها مجبرة.. همست بصوت حاولت جعله ناعسا بفشل: هلا متعب.. تبي شيء؟؟
أجابها ببرود : أدري منتي بنايمة.. تهربين مني أنتي؟؟
وإلا هذا السنع اللي خالتي علمتش إياه يا بنت سعيد؟؟
يعني ما تقولين أنتظررجالي أشوف يبي شيء؟؟.. تعشى.. تسمم؟؟ مات؟؟
اعتدلت جالسة.. تتمنى لو يخاطبها يوما دون لهجته العامرة بالنغزات.. حاولت الاتشاح ببرود مشابه: آمرني وش تبي؟؟
نظر لها في بيجامتها القطنية التي رآها فيها عشرات المرات.. والتي بهت لونها من كثرة الغسيل.. وزفر بسخرية:
حتى لو أبي شيء.. شوفتش بذا البجامة سدت نفسي عن كل شيء..
ثم أردف بحزم أقرب للغضب: نعنبو دارش مقصر أنا عليش بشيء؟!!
أعطيش مصروف ولا راتب موظف.. مستخسرة تشترين لش شيء عدل تلبسينه قدامي..
محسستني كني ماخذ عجوز عمرها 50 سنة..
لم ترد عليه.. وهي تعود للتمدد وتوليه ظهرها.. مرهقة من كل هذا وغضب والدتها أرهقها أكثر..
اعتادت على غمزه حينا وتصريحه حينا آخر..
ماعادت تشعر بأي رغبة للتأنق له كما كانت تفعل سابقا..
سابقا حينما كانت تتأنق.. أما أنه لا يهتم.. أو يجد تأنقها سببا ليؤنبها على سمنتها وكيف أن الملابس ماعادت تليق بها..
تريد أن تبتعد بذاتها عن كل هذا.. لولا وجود الصغيرات بينهما أو كانت لتتركه بدون تردد..
فالبيت بحكم القانون لها لأن بناتها في حضانتها..
وهي لديها شهادتها وتقديرها كان مرتفعا وتستطيع أن تعمل إن أرادت.. عدا أن القانون أيضا يلزمه بالصرف عليها..
ولديها شقيقان تعلم يقينا أنها لو اشتكت لهما من زوجها فهما مستعدان لتقطيعه إربا حتى لو كان ابن خالتهما..
فكرت في كل شيء كما لو كانت ستقع.. بل الأمر تجاوز عندها التفكير إلى التأكد من بعض النقاط القانونية لضمان حضانة بناتها..
كثيرا ما راودتها هذه الأفكار وهي تغريها حتى تتخلى عن هذا البارد مسموم اللسان.. وهي لم تكن مطلقا بالضعيفة..
ولكن وجود الصغيرات هو ما يربط يديها..
باتت تكره بالفعل وجوده في حياتها.. تسلطه على روحها وجسدها.. وتكره ما تعلم أنه سيحدث بعد دقائق..
لأنها تعلم بما أنه أيقظها .. فهو يريد شيئا.. باتت تحتقر نفسها وتحتقره وتحتقر علاقتهما الباردة التي لا تتجاوز حدود الجسد..
إن كان يراها بدينة وقبيحة ولا ترضيه.. فماذا يريد منها؟؟
+
لم يخب ظنها.. فهي باتت تعرف تفكيره وردات فعله.. شعرت بأنفاسه دافئة على أذنها: يهون عليش يا أم ريم تخلين أبو ريم ينام زعلان ما راضيتيه..
حينها اعتدلت جالسة.. وصــــفـــعـــتـــه بها..
صفعة نارية ..بقلب بارد..
صـــدمــــة عـــمـــــره كــــلـــه!!
باتت تكره بالفعل وجوده في حياتها.. تسلطه على روحها وجسدها.. وتكره ما تعلم أنه سيحدث بعد دقائق..
لأنها تعلم بما أنه أيقظها .. فهو يريد شيئا.. باتت تحتقر نفسها وتحتقره وتحتقر علاقتهما الباردة التي لا تتجاوز حدود الجسد..
إن كان يراها بدينة وقبيحة ولا ترضيه.. فماذا يريد منها؟؟
لم يخب ظنها.. فهي باتت تعرف تفكيره وردات فعله.. شعرت بأنفاسه دافئة على أذنها: يهون عليش يا أم ريم تخلين أبو ريم ينام زعلان ما راضيتيه..
حينها اعتدلت جالسة.. وصــــفـــعـــتـــه بها..
صفعة نارية ..بقلب بارد..
صـــدمــــة عـــمـــــره كــــلـــه!!
لم يخطر لمتعب حتى في أشد كوابيسه جموحا وسودواية ما ستقوله مها وهي تعتدل أكثر في جلستها وتهمس بحزم بالغ :
متعب أنا ما أني بطايقتك.. أرجاك تعرس وتفكني منك..
قفز واقفا خارج حدود السرير كله كما لو كانت لسعته حية.. كان يرتعش بعنف.. جسده كله يرتعش..
كان يصر عينيه وهو ينظر نحوها.. كما لو كان يريد أن يتأكد أن هذه الكلمات صدرت منها هي.. من مها..
يهز رأسه.. ويعود للنظر إليها بينما تتحاشى النظر إليه..
لم يتخيل أبدا أن مها تكرهه لهذا الدرجة.. لدرجة أنها تريده أن يتزوج عليها..
هي كانت بالمثل.. ترتعش جالسة على السرير وهي تنظر لكفيها المتشابكين في حضنها.. تغمض عينيها وتفتحها..
لا تصدق أنها قالتها أخيرا..
(أ حقا قلتها؟؟ أ حقا؟؟)
كانت في داخلها تشعر براحة ما.. أنها تشجعت أخيرا لتطالبه أن يعفيها من ثقل قربه..
هو مازال ينظر لها بصدمة..الأرض تحته غير ثابتة.. حاول اقناع نفسه أنها ربما تمزح..
لكن شكلها وطريقة قولها لكلماتها أبعد ما تكون عن المزح..
(بايعتني لذا الدرجة يأم البنات؟؟
ليه يا مها؟؟ ليه؟؟
والله أني أحبش وأموت فيش
وأنتي تدرين..
ليه تذبحيني كذا؟؟)
يشعر بالصداع يفتت خلايا مخه.. يشعر بالألم يمزق حنايا روحه.. والارتعاش يأبى أن يفارق جسده.. يرتعش كمصاب بحمى شديدة...
قد يكون يكره الكثير من الأشياء في مها.. ولكن مها ذاتها يعشقها.. يذوب لها عشقا..
لم يعرف الحب إلا لها ومعها..
لم يستطع حتى يسألها لماذا وكيف؟؟
الحرقة غمرت روحه حتى فاضت..
أي تبرير لن يشفع لها حتى .. يستحيل أن يقبل منها تبريرا حتى..
حتى لو قالتها بساعة غضب وعن غير قصد..
لا يستطيع أن يقبل منها أي تبرير في لحظات الفجيعة هذه..
أي مبرر سيشفع لها في بيعها لزوجها وشريك روحها ووالد بناتها ؟!
هناك آلاف الخطوات تتم لحل أي مشكلة بين زوجين قبل التخلي عنه وكأنه سقط المتاع..
وكأنه حجر عثرة يسد طريقها..
كيف لم تفكر في بناتهما؟ في عشرتهما؟ في كل الأشياء التي جمعتهما طيلة السنوات الماضة؟
كانت كل هذه الأفكار تلتهمه وتهرس تفكيره بوحشية في دوائرها..
ولكنه لم يقل أي كلمة.. اعتصم بصمت مر.. وهو يرتدي ملابسه ويغادر..
هــــي.. توقعت أن يقول أي شيء.. لم تتوقع أبدا منه ردة الصمت المطبق هذه..
لا تنكر أنها شعرت بالألم.. ولكن إحساسها بالسعادة كان أكبر..
أخيرا..آلمته كما آلمها..
جرحته.. كما جرحها..
منذ زمن وهي تريد أن تقول له ذلك.. ربما كان غضب والدتها هو ماحررها لتتكلم...
مادامت أمها شعرت بشيء.. فلماذا تخفي؟
كانت طيلة الفترة الماضية تُظهر للجميع أنها تعيش الحياة الزوجية المثالية السعيدة مع متعب الذي تصوره للجميع أنه الرجل الأفضل في الكون..
كانت تتصرف كامرأة أصيلة وكما يُفترض..
كانت لا تريد أن تظلمه وكانت تريد أن تمنحه فرصة..
فمتعب رجل كريم اليد والخلق، ووالد رائع عاشق لبناته شديد الحنان عليهن والعناية بهن وبكل تفاصيلهن، لكنه الزوج الأسوأ..
وكثرت الفرص، وضاعت الفرص، وحزن عميق يتجذر في روحها..
الليلة كان شعور والدتها محفزا لها..
منحها دفعة أن تدافع عن ذاتها من امتهان متعب لها.
**********************
يتثاءب وهو ينظر للساعة.. يفتح عينا ويغلق أخرى.. وهو ينظر لهذا الغارق في الصمت أمامه..
" متعب الله يهداك.. صرعتني وأنت تصحيني من النوم وتقول لي قوم وتعال المجلس.. وأنا وراي بكرة موعد مهم في الجامعة..
حسبت عندك سالفة..
وصار لنا ساعتين وأنت ساكت..
الفجر بيأذن يأخيك "
يشعر لفرط الألم الذي اخترقه أن الكلمات تهرب منه: يعني إذا أخيك متضايق .. مستكثر تقعد معه شوي؟!
تركي يتنهد: زين خل أخي يفضفض.. ويقول لي وش مضايقه؟!!
متعب بحزم موجوع: فيه أحيانا أشياء ما نقدر نقولها..
تركي بحزم بالغ: ودام فيه أشياء ماتقدر تقولها.. ليش جايني ومفزعني من نومي؟!
تدري زين يا متعب أني على يمناك لا احتجتني..
ومع أنك أخي الكبير بس يا أخي عليك أحيانا حركات تقهر..
يعني فيه مشكلة بينك وبين مرتك ما يستاهل علامات الكآبة اللي على وجهك..
منت بعارف تسنع مرتك.. ترا عندها أخ يسنع قبيلة.. جعل عمر أبو سعيد طويل..
متعب بغضب: تلايط.. وياويلك تدخل سعود في مشاكلي مع مرتي
سعود ذا رفيق عمري.. أموت ولا أشتكي من أخته له..
تركي بذات الحزم الواثق الذي لا يتذبذب: زين وش اللي مزعلك من مرتك؟!!
متعب يقف بحزم: الشرهة علي اللي حبيتك تقعد معي شوي..
إذا أنت مارضيت حد يتدخل بينك وبين مرتك وهي مابعد صارت في بيتك
تبيني أدخل حد بيني وبين أم بناتي..؟؟
متعب غادر المجلس ليترك تركي خلفه.. غير قادر على فهم سبب كل هذا..
لماذا جاء ؟؟ ولماذا رحل ؟؟
وإن كان لا يريد أن يتكلم لماذا طلبه؟؟
زفر وهو يشد خصلات شعره.. تلفت حوله باحثا عن غترته..
(ماعاد على الفجر الا أقل من ساعة بأتوضا وأروح للمسجد..
كأني ناقص هم أخي متعب فوق همي... توني واصل الفجر أمس..
ولين فجر اليوم شنقتني الحكايا اللي رسمت من صدري لوحة لشخابيطها
يا الله الفرج من عندك!!
الضيقة كلت صدري ومتعب كملها علي..
في عيونه حزن عمري في حياتي ماشفته فيه
وش مضايقك يا سنايدي ؟! وش مضايقك؟)
***************************
أذن الفجر وصلت وهو مازال لم يعد.. نظرت لساعتها (دوامه بعد ساعتين)..
لم تنم.. ولكنها غير مهتمة.. غارقة في التبلد.. ماعاد هذا المِتعب المُتعِب يهمها بشيء.. ولا لأجل شيء..
(خله برا.. لو يفكني من شره وينساني يكون أحسن)
مضت ساعة أخرى مازالت لم تنم.. مازالت غير مهتمة.. معتصمة بسريرها..
حين سمعت صوت الباب.. أدارت ظهرها للباب.. ادعت النوم..
خشيت أن يظن أنها تنتظره أو قلقت عليه.. أرادت أن يعلم أن كل ما بينهما من ملامح الاهتمام الخاص قد انقطع..
حزن شفاف غزا روحه العتيدة..
(ماحتى اهتمت تشوف أنا رحت في أي داهية..
رجالها طول الليل برا وهي اللي مزعلته وحتى ماهان عليه ترسل له مسج تطمن عليه..
معقولة الوضع بيني وبينها ينفجر كذا وبدون مقدمات؟!!
يعني عمرها ما بينت لي أنها متضايقة مني لهالدرجة أو عايفتني..
توصل لدرجة تطلب مني أتزوج عليها؟!!.
وش ذا المرة الخبلة؟!.. وإلا خلني أقول الكارهة..
مافيه مرة تقول لرجالها أعرس عليّ حتى لو هي تكرهه كره العمى..
متى طلعت ذا الكراهية؟؟ متى؟؟
معقولة تكرهني ذا كله وساكتة؟!.. معقولة مهيب طايقتني وهي كل ليلة ما تنام إلا في حضني؟!
أشلون تسمحين لنفسك إنه تحولين علاقتنا السامية إلى مجرد علاقة أجساد؟!
ليه تحسسيني أني حقير وقذر وأنش أحقر مني وأقذر؟؟ ليه؟؟
وأنا اللي صابر.. واللي مصبرني حبها.. وأقول يا الله مسيرها تهتم في نفسها شوي
تسوي ريجيم تكشخ وتلبس.. أثر الشيخة بايعة.. ومخططة تزوجني تفتك مني..)
كان يهذي بهذه الكلمات المتقاطعة غير المتناسقة.. لم يكن حتى يعرف ما يهذي به
مجروح.. مـــجــــــــروح... وجرحه غائر تماما حتى أقصى روحه، يشعر أن روحه نكّلت بها سكين صدئة وحرثتها حتى فار دمها متناثرا في كل الجنبات..
أن تظن أنك تمثل لشخص ما كل شيء..
لتكتشف فجأة أنك لا شيء.. لا شـــــيء..
هذا ما كان يشعر به ...أنه لا شيء عند مها.. لا شــــيء!! وهو من كان يظن إنه كل شيء بالنسبة لها.. لأنها كل شيء بالنسبة له..
كان وقت دوامه قد حان...فتح دولابه ..ونظر بنظرات تائهة فيه..
كان يلبس بآلية أول لباس وجده.. لم يعلم حتى ماذا يلبس.. اعتاد أنها لجواره وهو يلبس ملابسه التي تكون هي من أخرجتها له..
وتكون هي من تزرر بدلته.. وتتأكد من لمعان الأزرة وهي تدعكها بطرف كمها في حركة بريئة..
حركة ما فتأت تفتنه وتذيب قلبه منذ أول يوم لهما معا حتى آخر مرة فعلتها بالأمس..
ليتناول حينها كفها دون أن يشعر أو بكل شعوره.. ليطبع في باطنها قبلة دافئة وهو يهمس: الله لا يحرمني منش..
بالأمس فقط كانت معه كما هي كل يوم.. ما الذي تغير؟؟
إنه عامهما السادس معا.. ماعاد يعرف للحياة لون ليست هي فيه وتشاركه فيه..
تغضبه كثير من الأشياء منها.. منها عدم اهتمامه بنفسها وسمنتها الزائدة التي تقلقه عليها..
في حملها الأخير حذرته طبيبتها من تزايد الكوليسترول معها.. وأنها تخشى من انسداد الشرايين عندها لأن قابليتها ذلك عالية جدا..
يعلم أنها تتضايق من تشديده عليها في قضية الوزن، ولكن إذا كانت هي لا تعرف مصلحتها فهو يعرفها..
لا ينكر أن سمنتها تضايقه على المستوى الشكلي وخصوصا أنها اتخذت هذه السمنة ذريعة لكي يكون تأنقها في مستوياته الدنيا..
فمهما كان يبقى رجل عينه عاشقة لرؤية الجمال، ويعلم أنها جميلة .. بل جميلة جدا.. فلماذا تدفن كل هذا الجمال بين أكوام الشحوم؟!
يزفر بحرقة تكاد تحرق جوفه.. ماعـــاد كل هذا يهمه.. ماعاد يهمه!
هو راض بها كيفما كانت.. وكيفما كان شكلها أو وزنها.. المهم أن يعودوا كما كانوا بالأمس..
فهذه المصيبة التي خاتلته بها البارحة قلبت كيانه، يشعر أنه مشتت ولا قدرة له للتفكير حتى..
"أكيد فيه شيء مضايقها.. خله تريح ذا اليومين وعقب نتكلم.."
*****************************
لأول مرة يدخل لداخل البيت دون أن يستأذن في الدخول ..
(شكلك استخفيت ياتركي.. ماعمرك سويتها!!)
(عادي كل اللي في البيت حلالي: أمي وأختي............... ومرتي!!)
(قول إن هذا مقصدك.. تبي تشوفها.. ماقدرت تمسي من الحرة البارحة)
(وش اللي تغير يا تركي؟!..
سنين مرت ما شغلت بالك كثر ذا اليومين..!!
.
يمكن لأني كل مرة أرجع الدوحة عارف أني راجع لأمريكا
ماكنت أقدر أفكر فيها وأنا مشغول بأشياء ثانية..
بس الحين خلاص أنا راجع عشان استقر..
وهي أول خطوة في الاستقرار!!)
(وليش ماتقول إنه جرح غرورك تفكيرها بالطلاق؟)
(إيه.. أشلون تتجرأ تقول إنها تبي الطلاق مني عقب ملكة ثمان سنين؟؟
أشلون؟؟
أشــــــــــــــلــــــــ ـون؟؟)
كان هذا هو تفكيره وهو يدخل لصالة البيت حيث تضع والدته الفطور عادة..
لم يجد أحدا.. فقط الفطور المرتب على الأرض كعادتهم العتيدة التي لم يغيرها مرور السنوات..
تنهد بعمق (والله أني دعيت ربي في صلاة الفجر إني أشوفها..
بس تو الناس.. من اللي بيقوم الساعة 6 ونص إلا شيبة مثلك؟!)
ولكن يبدو أن دعائه كان من قلب صادق.. وأنه دعا الله بحرقة حتى يستجاب دعاءه كما تمنى..
لأنه فوجئ بمن تدخل من ناحية المطبخ الخارجي وجلالها على وجهها وهي تهتف بعفوية:
يمه مالقيت الترامس اللي قلتي لي عليها.. يمكن أرسلتي فيها قهوة لأحد من قصرانا؟؟
كانت تقول جملتها وهي على وشك رفع غطاء وجهها.. لولا أنها فوجئت بمكن يجلس متصدرا المكان..
كان تركي متأثرا لعدة أسباب .. مناداتها لأمه بأمها.. وكونها مستيقظة في هذا الوقت المبكر... واهتمامها بأمور البيت وهي تعفي والدته من ذلك..
وتأثر موجوع من ناحية اخرى.. هل تجبر نفسها على ذلك حتى تشعر بقبولهم ورضاهم.. لأنه يعلم أن البندري يستحيل أن تفعل ذلك؟؟
هل تشعر أنها لابد أن تقدم شيئا غير مطلوب منها؟؟
لا يعلم لِمَ حز هذا الشيء في أعماقة بغرابة جارحة..
الهنوف حين رأته.. شهقت بعنف شهقة كتمتها في داخلها وهي تريد التراجع والعودة للمطبخ..
لولا أنه سبقها ووقف وهو يهتف بحزم: لا تطقين مني يا الجبانة!!
الهنوف كانت تشعر أنها ستذوب في مكانها وهي تحتمي بظلفة الباب .. وتراه يتقدم منها وتحاول أن تهمس بحزم تاه منها حزم النبرات لتخرج كلماتها مختنقة:
تكفى لا تحرجني.. أشلون منظرنا لو جات أمك وإلا عمي الحين..
كان يسمع صوتها المبحوح الرقيق بضعفه وكماله عن قرب لأول مرة.. ويمارس عليه ذات السحر غير المفهوم..
ترك تركي مساحة فاصلة بينهما وهو يتمنى لو كان يستطيع أن يسبر قماش الغطاء الذي تغطي به وجهها ليرى ملامحها المختبئة خلفها..
هو لا يجهل ملامح وجهها فهو بقي يرى وجهها حتى عقد قرانهما تقريبا.. حينها اختفت تماما من أمامه.. أو ربما يجهلها..
يعصر مخيلته ليتذكر شكلها فيجد فراغا أبيض.. فراغا أبيض بالكامل.. فهو لا يتذكر أنه نظر لها نظرة مباشرة تعرف فيها على ملامحها.. مجرد تفاصيل باهتة تمر أمامه..
نفض كل هذه الأفكار وهو يهتف بحزم قارص: ياحرام!! يا الله إن صوتش طالع.. وأنتي البارحة صوتش وش طوله..
الهنوف صمتت لم تستطع أن ترد حتى وهي تسب خجلها الذي خنق الرد في حنجرتها..
(يمه!! ليه حاسته طويل كذا؟!.. هو اللي طال وإلا أنا اللي قصرت؟!)
تركي حينها هتف بحزم لا يخلو من دفء: الهنوف أنا شاريش.. ومن شرا لا تبيعه..
ردت الهنوف بمرارة مسمومة: مبين شاري يا ولد عمي.. مبين!!
لم تترك له مجالا ليرد حتى.. وهي تنسحب من فورها لتعود للمطبخ .. وتتركه يعاني من التشويش والفوضى التي لم يعتد عليها..
*********************************
منذ البارحة وبالها مشغول به.. وهواجسها تأخذها إليه بلا توقف ولا هوادة..
(يكون متضايق؟!.. أكيد متضايق.. متى ربي يفرجها عليه)
لم يخرجها من من هموم تفكيرها إلا ملمس شفتي مساعد على جبينها: صباح الخير يا الغالية.. اللي ماخذ عقل الجليلة يتهنى به..
انتفضت الجليلة بخفة وهي تنظر لمساعد الذي جلس أمامها يسكب لنفسه فنجانا من القهوة وهمست بشجن عميق: شهاب اللي ماخذ عقلي.. من غيره؟!!
نبي نروح نزوره فديت قلبك..
ابتسم مساعد: أنتي تأمرين أمر واحنا ننفذ..
ثم أردف بحزم: بس أميرة ماتروح معنا ذا المرة..
الجليلة بحزم مشابه: ما أقدر أخلي أميرة..
مساعد بحزم أشد: تقعد في بيت عمي مع البندري والهنوف.. وش بيجيها؟؟
أو تجي بثينة عندها ومحمد بيمسي عندهم في مجلس الرياجيل..
المرة اللي فاتت أصريتي إنها تروح غصبا عني وأنا ماني براضي..
وشفتي شهاب وش سوى فينا..
عصب علينا.. وقال ليه تجيبونها معكم.. أنا مهوب قايل لكم لا عاد تجيبونها.. وإلا تبون تعصوني وتبينون إني مالي كلمة عليكم..
وسوى لنا سالفة طويلة عريضة..
حينها زفرت الجليلة بمرارة: كان يبي يقول.. ليه تجونني أساسا؟!!
ماكان يبي يشوفنا..
تنهد مساعد وهو يربت على كتفها.. فهو يعلم ولعها بشهاب: لا تلومينه..
زفرت الجليلة بحرقة أكبر: بألومه عمري كله.. عمري كله يا مساعد ولا يكفي..
ثم أردفت بمرارة مغمومسة بحرقة لا مدى لها ولا حدود: 17 سنة وقلبي يحترق.. وتقول لا تلومينه!!
شهاب هو أول من حسسني باليتم قبل ما أصير يتيمة صدق..
جرح غيابه مابرى ولا راح يبرى لين يرجع لبيته..
*******************************
" وش علومك ؟"
يهمس متعب بإرهاق شديد وهو يسند محموله إلى كتفه: علومي تسرك.. هذا أنا في الدوام..
تركي باهتمام لا يخلو من الضيق: أنت لحقت ترقد قبل تداوم؟؟
متعب بذات النبرة المرهقة: بخلص دوامي وأرجع وأنام..
حينها همس تركي بنبرة مقصودة: زين وغير الدوام وقلة النوم.. وش علومك يا أخيك؟؟
كان متعب مستنزفا من كل شيء.. روحه مثقلة.. وآثار قنبلة مها مازالت تعيث في خلاياه خرابا: لا قد عندي شيء أبي أقوله.. تأكد أنك أول واحد بقول له..
تنهد تركي بمساندة صادقة : أنا بخليك الحين.. لازم ألحق موعدي في الجامعة.. وطالبك ما تضايق.. بيعني في السوق واشتريك يا ولد أمي وأبي..
********************************
كانت على وشك النزول لعملها في الصحة المدرسية.. لولا اليد الدافئة التي أوقفتها وهي تمسك كفها بحنو.. التفتت له بعذوبة وهيام:
تبي شيء حبيبي؟؟
تنهد سعود بعمق: ودي أطلب منش طلب وخايف ترديني..
الدانة بجزع: أردك؟!! لو تطلب روحي ماتغلى عليك..
شد سعود له نفسا مبتورا.. ثم هتف بحزم: أبيش تقطين المانع..
رفت رموشها بسرعة كما لو كانت عاجزة عن استقبال الخبر.. شدت لها أنفاسا بدت شديدة الصعوبة في شهيقها و زفيرها:
عطني شوي وقت ياسعود.. تكفى..
سعود بذات الحزم: لا.. حبيبتي .. سامحيني... وأنتي قلتي منتي برادتني..
ثم أردف بمحبة عميقة عميقة: عشاني حبيبتي.. عشاني..
الدانة فتحت الباب وهي تهمس بنبرة ميتة: إن شاء الله ياسعود.. إن شاء الله..
ثم أردفت بنبرة غائرة كما لو كانت تخرج من بئر:
لكن يا سعود لو ربي ماكتب لي حمل سليم ذا المرة.. فيه تغيرات كبيرة في حياتنا لازم تصير..
********************************
" يا الله صبحها بالخير أم حضرة الرائد سعود"
كانت نبرته المرحة التي تخفي قلقه على والدته تتصاعد وهو يميل على رأسها مقبلا، ثم يجلس جوارها مقبلا كتفها: أقهويش يا صفوي؟! دقيتي أبرتش وإلا أدقش؟؟
همست أم سعود بإرهاق، فهي مازالت تعاني من ارتفاع ضغطها الناتج عن ضغط اليومين الماضيين: دقتني دانة قبل تروح دوامها.. إلا غريبة يا أمك جايني ذا الحزة!! عاد الساعة 6 ونص..
حينها همس بقلق: يمه جيتش البارحة منتي ب زينة.. ماقدرت أروح الدوام لين أتطمن عليش..
أم سعود بمودة: زينة يا أمك كان ضغطي مرتفع شوي..واليوم زينة..
محمد بهم: وش اللي رافع ضغطش جعلني فدا أرجيلش؟!..
حينها همست بنبرة مقصودة: اللي داري بالشيء لا ينشد منه..
حينها تنهد محمد بألم: يمه وش يرضيش؟!.. علميني..
أم سعود بألم: يا أمك أبي أشوف عيالك.. قد لك أربع سنين معرس.. يا أمك عادي .. ترا الناس يقعدون عشر سنين ماجاهم عيال.. بس يسعون ويعالجون ويراجعون الدكاترة ويفحصون..
لك أنت ومرتك لا تحركتوا ولا عالجتوا ولا فحصتوا.. وش عادكم تتنون؟؟
تنهد محمد مرة أخرى وهو يتناول كفها ليقبلها ويهمس بنبرته المحبة العميقة:
ما يصير إلا اللي يرضيش يا صفوي.. بس طالبش ما تضايقين..
ثم أردف بمرح شفاف: إلا كنش تبين أروح دوامي متضايق وأنكد على القسم اللي ربي بلاهم أني أصير مديرهم؟!!
حينها ابتسمت أم سعود، فمحمد قادر على تبديل مزاجها من النقيض إلى النقيض: لا با الله يا أمك ما نبي نأخذ ذنبهم، شين تقفيلتك لا قفلت.. روح لشغلك.. والله الله في موظفينك.. جعل ربي يحفظك ويخليك لي..
ثم أردفت برجاء: وروح راجع أنت ومرتك فديتك.. جعل ربي يفرحني بعيالكم..
*************************
" ياهلا والله ومرحبا بالدكتور تركي.. نورت جامعة قطر"
تركي بثقته العفوية: منورة بوجودكم..
رئيس القسم يتنهد بعمق: جاي على وقتك.. فيه كم دكتور مخلصين عقودهم ذا الفصل.. وعندنا نقص في الدكاترة..
فيه كم مادة منزلينها لفصل الخريف الجاي بدون أسماء دكاترة..
بأرسل لك تفاصيلها على إيميلك..
تركي بذات الثقة: خير إن شاء الله.. أبي أعرف بالضبط المواد اللي بتسند لي وتوصيفها.. عشان أحضر لها هالصيفية..
رئيس القسم ينظر لساعته ويبتسم: إن شاء الله .. والحين تفضل امش معاي إذا عندك وقت.
عندنا حفل تكريم صغير لطلبتنا في الماجستير.. يعني نوع من التشجيع لهم.. بنكرم الطلاب اللي تميزوا في أبحاثهم خلال السنة..
تركي وقف وهو يهتف بحزم: يسعدني بصراحة أحضر.. ولو أني بصراحة مهوب عاجبني إن دراسة الماجستير خليتوها مختلطة..
رئيس القسم يبتسم: صعب إنه أحنا نخلي ماجستير للبنات وثاني للشباب.. لأنه أصلا عددهم قليل جدا.. فالدراسة كلها تكون هنا في جامعة البنين وفي الفترة المسائية..
وبعدين كلهم كبار والبنات بزاوية والشباب بزاوية.. يعني شنو مصدر اعتراضك؟؟
ابتسم تركي: هي قناعات لو بنتكلم فيها بنطول شوي.. أنا ما أقول أني رافض الفكرة لأني عارف إنها ضرورة.. لكن هي مهوب عاجبتني كرأي شخصي..
ثم أردف بذوق: وخلنا نمشي شكلي أخرتك..
ابتسم رئيس القسم: لا تو الناس.. والمكان أصلا قريب..
بعد المشي لفترة قصيرة.. دخل الاثنان القاعة التي أُعدت للحفل..
والتي قُسم الحضور فيها لأربعة أقسام : قسم للأساتذة .. وقسم للطلبة.. وقسم للطالبات.. وقسم رابع لمن أراد الحضور من أهل الطلبة..
وكان عدد الأهالي قليل جدا لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.. لأنه أساسا حفل تكريم صغير للأبحاث فقط.. ليس للخريجين.. وهو على مستوى كلية الإدارة والاقتصاد فقط وليس لكل الجامعة..
تركي رأى بين الأهل الحضور.. شخصا فجّر وجوده استغرابه لأبعد حد.. بل إحساسه تجاوز الاستغراب للصدمة الحقيقية..
تركي رأى بين الأهل الحضور.. شخصا فجّر وجوده استغرابه لأبعد حد.. بل إحساسه تجاوز الاستغراب للصدمة الحقيقية..
كـــــــــــــــــــان .......هذا الشخص.. هـــــو.... والـــــــده !!
كان تركي يريد التوجه لوالده ليعرف سبب تواجده في المكان..
لكن غالبية الأساتذة وقفوا للسلام على تركي.. وحالوا بينهما..
ثم بدأ الحفل ليجد نفسه مجبرا على الجلوس مع الأساتذة (يمكن جاي مع حد من شيبانه.. بيخلص الحفل الحين وأشوف السبب)
في مكان آخر من ذات الحفل.. في زاوية الطالبات
( ضيّ الحقيني..آه يا بطني.. بيقتلني!!)
تهمس ضي بقلق بنبرة مكتومة خافتة: الهنوف.. وش فيش؟؟ بطنش يوجعش؟؟
الهنوف تشعر بالفعل بتصاعد الألم في بطنها (بالطقاق وش علي منه.. عمي معي!!) ولكنها وجدت نفسها تهمس باختناق رغما عنها:
بيذبحني.. بيذبحني..
ضي بقلق: من هو ذا اللي بيذبحش؟؟
الهنوف تهمس وهي تشير بعينيها لتركي الذي مازال يسلم على الأساتذة: تركي ولد عمي..
ضي باستغراب: تركي؟؟ ولد عمش؟؟ وش دخله؟؟
ثم أردفت كمن اكتشف اكتشافا جديدا بحماسة: تقصدين رجالش يا الخايسة..؟؟!!
وينه؟؟ وينه؟؟؟
تمد ضي رأسها: ذاك!!.. ذاك!!.. المزيون!!.. آه يا رأسي..!!
خسارة في خشتش.. وأنتي من يوم عرفتش تسبينه..
الهنوف بعفوية: ياعل عينش البط.. متى لحقتي تقزينه؟؟
ضي ترقص حاجبيها: مهوب أنتي اللي مادة لسانش تبين الطلاق.. وش عليش منه.. هذا عبارة مشروع حر مع وقف التنفيذ..
وبصراحة خوش مشروع جاهز للاستحواذ والتملك..
تنهدت الهنوف بضيق من نفسها (ليه حسيت بالضيق من ضي؟)
تبقى المرأة هي المخلوق الأكثر بعدا عن التفسير.. تشعر أنها لا تريده.. وفي ذات الوقت تشعر أنه ملك لها وحدها ملكية غير قابلة للنقاش..
هذه ثمان سنوات متطاولة.. لم يغب فيها عن بالها ولو ليلة واحدة..
ومع كل هذا أردفت بعدم اهتمام لا تعلم هل هو حقيقي أو مصطنع:
اشبعي فيه.. المهم ما يفضحني في الحفل اليوم..
ضي باستغراب: يفضحش ليه؟؟ هو مهوب داري إنه قد لش سنة في الماجستير..
الهنوف بذات التوتر الذي لا تعرف له سببا: أكيد يدري..
بس يمكن يزعل عشان جاية لحفل التكريم .. وبدون ما أستأذنه وهو موجود في الدوحة.. لا وشايفته اليوم الصبح بعد
تدرين ضي يمكن اللي موترني إني ما أعرف شخصيته أشلون.. يعني هل ممكن يكون ذا الشيء عادي عنده؟!. وإلا يكون مقفل؟!!
ضي بمرح: أنا وش جابني معش؟؟ أنا وحدة بكالوريوس عفنت ما تخرجت.. خاف يسحبش رجالش وينولني معش كفين وأنا مالي ذنب..
الهنوف بتوتر: خلاص اسكتي.. الحفل بدأ.. أكيد بينادون اسمي الحين.. يا الله سترك..
بدأ الحفل.. المكرمون ثلاثة طلاب.. طالبتان وطالب واحد..
تم تكريم الطالب وإحدى الطالبتين.. وتبقت الاخيرة التي بدأ عريف الحفل حديثه عنها بقوله:
الطالبة الأخيرة في تكريم اليوم هي من أكثر طالباتنا تميزا وأبحاثها كانت دائما مثار جدل بيننا نحن أساتذتها..
وكل بحث جزئي لها يشكل مشروع جاد لرسالة ماجستير متميزة..
ومن أبحاثها المتميزة المقدمة خلال العام الدراسي بفصليه الخريف والربيع............
الأستاذ بدأ بتعداد أسماء الأبحاث التي وصل عددها لسبعة أبحاث بدت لخبرة تركي البحثية مشاريع متميزة جدا
وهو يمد نظره بفضول طبيعي.. ليرى من هي صاحبة هذه الأبحاث..
لتكون صدمته البالغة في الاسم الذي سمعه :
الهنوف علي متعب آل حزام
تفجر دماغه بكل معنى الكلمة.. وهو يكتم شهقة الغضب العارم والصدمة الكاسحة في داخله
(يعني تدرس ماجستير ومختلط وبدون ما يطري على جنابها تعطي اللوح اللي اسمه زوجها خبر..
لا وأبي مرتز معها.. ولا حتى عطاني خبر بأي شيء!!)
يشعر بصداع حقيقي وهو لا يكاد يركز في الخيال الأسود الذي ارتقى الدرجات لتستلم شهادتها وتعود أدراجها..
غلف أعصابه في برود قتله.. وهو يدعي جمودا عجز عن احتماله.. بالكاد احتمل حتى انتهى حفل التكريم..
ليقفز مع انتهاء الحفل ويقف بجوار والده.. الذي كان يهمس للهنوف بفخر عميق: بيضتي وجهي يا أبيش.. بيضتي وجهي..
الهنوف جفت الكلمات على شفتيها وحلقها يتشقق جفافا كذلك.. وهي ترى من يقف خلف عمها ليكون الرد رده بغيظ مكتوم أقرب للسخرية:
إيه صحيح بيضت الوجه.. وأنا أشهد..
التفت والده نحوه بعفوية وهو يهتف بنبرة مغرقة في الحنين: شفت بنت علي.. غلبت العرب كلهم.. ليت علي حيّ بس.. ليته حي!
تركي يقاوم نفسه حتى لا ينفجر وهو يهتف بحزم: يا الله أخذوني معكم.. أنا جايبني سواق البيت.. وقلت له يرجع البيت.. على أساس واحد من ربعي بيرجعني..
والده بذات العفوية: وسيارتك وينها؟؟
تركي مازال يقاوم انفجاره: وديتها اليوم الصبح المعرض.. بأبيعها وبأشتري لي سيارة جديدة..
الهنوف تهمس في داخلها (تكفى ياعمي طالبتك. لا تخليه يروح معنا) وجدت نفسها تقول باختناق خافت:
يبه خلاص أنتو روحوا.. بأرجع مع رفيقتي..
حينها التفت لها تركي بحدة: نعم؟؟ عيدي اللي قلتيه.. تفضلي قدامي يا بنت علي
ثم أردف بصوت خافت لم يسمعه سواها: تبين تهربين كعادتش؟؟
لا والله ما أنولش إياها ياحرمنا المصون.. توش شايفتني اليوم الصبح ماطرا عليش تبلغيني بشيء مثل ذا؟!
الاثنان خرجا من الكلية متوجهان للمواقف والهنوف تتبعهما وهي تتمنى لو تهرب..
لا تعرف ماذا ستكون ردة فعل تركي.. وهي اكتفت تماما من الشد العارم من لحظة وصوله فجر أمس.. حتى هذه الساعة.
تركي ركب مكان السائق.. ووالده جواره.. والهنوف ركبت في المقعد الخلفي خلف عمها مباشرة..
وهي ترتعش بكل معنى الكلمة.. وتنتظر الانفجار الذي شعرت به قادما لا محالة وهي ترى من مكانها بوضوح احمرار وجه تركي واحتقانه..
ليأتي الانفجار بأسرع مما توقعت وحممه تتدفق لتغمر السيارة:
ممكن أعرف الشيخة أشلون مسجلة ماجستير وأنا حتى خبر ماعندي..
أنتو وش شايفيني.. كيس شعير..؟؟
وأنت يبه أشلون توافق وأنا ما أعرف.. يعني اللي هي تبيه تسويه لها بدون حتى ما تردون لي الشور..
أنت داري أني مستحيل أردها من الدراسة حتى لو عندي تحفظات..هذا حقها..
بس لازم تستأذني أول.. هذا أبسط حقوقي عليكم أنت وهي.. أنتو وش شايفيني أنت وإياها؟! طرطور؟!!!
كان تركي ينهمر وينهمر بغضبه الذي بدا لا حدود له..
بينما الهنوف شعرت بمرارة أثقلتها بحزن شفاف (يعني حتى دراستي مايعرف عنها شيء.. وهو متى اهتم فيني عشان يهتم في دراستي؟!)
بينما أبو متعب شعر بسعادة غريبة (يعني كبدك منفقعة من الموضوع؟!!.. زين يا ولدي.. أبشر)
أبو متعب هتف بنبرة مقصودة أقرب للبرود:
والله يا ولدي.. مابعد نشدتني عن دراستها عشان أقول لك..
وأظني ياسنايدي إن الهنوف في بيتي وتحت شوري.. وأنا اللي رخصت لها تدرس..
وأنت مالك شور عليها.. لا صارت عندك وفي بيتك.. احكم وتحكم..
حـــــيـــــنـــــــهـــا ...
كــــانت الصدمة الكاسحة للمتواجدين في السيارة.. النبرة الحازمة المتجبرة الغارقة في الثقة المقيتة:
خــــــلاص نتزوج أخر العطلة الصيفية.. بعد عيد الفطر على طول..
الهنوف شهقت بعنف
(لا.. لا .. هذا من جده؟!!.. أبيه يطلقني وهو يقول عرس عقب شهرين..
.
.
خلش من الهياط.. أنتي دارية زين إنش ماتبين الطلاق..
والسالفة كلها كرامة وأنتي وصلتي لتركي اللي تبين توصلينه له
.
لا لا أنا أبي الطلاق صدق..
.
ما أبيه.. بس ما أبي أعرس قريب كذا)
أبو متعب بذات الابتسامة المتلاعبة : والله صاحبة الشان موجودة وتسمع.. الهنوف وش رايش يا أبيش؟؟
الهنوف باختناق: يبه أنا ما أبيــــــ
قاطعها تركي بغضب وهو يخشى أن تُسمع والده جنون الطلاق.. فيجبره والده على ذلك، ويعلم أن والده محشو عليه لأقصى حد وقد يفعلها:
وشو اللي ما تبينه.. صار لنا ثمان سنين متملكين.. يعني خللنا.. وأنا خلاص رجعت رجعتي النهائية.. ليش التأجيل؟
تفكير تركي بدأ يتجه لاتجاه آخر وبشكل مفاجئ تماما:
(بدلا من تأجيل الزواج حتى أنتهي من تخطيط مشاريعي.. لأتزوج قبل أن أبدأ بأي شيء..
سأجن إن بقيت معي في ذات البيت وذات الكلية وهي لم تصبح زوجتي فعليا بعد.. )
هاهي أنهت سنة وتبقى عليها سنة.. لتكملها وهي معه بعد إتمام زواجهما..
أبو متعب هتف حينها بغضب حقيقي: أص ولا كلمة أنت ...
مهوب توك تقول لي البارحة العرس عقب سنة.. والحين تقول عقب شهرين..
خلها تقول رأيها.. وترا الرأي رأيها موب رأيك.. أنت تنطم..
ألم متزايد في روحها (وسنة بعد يا تركي من كثر منت عايفني!!) همست حينها الهنوف بذات الألم الذي بدأ يتعمق.. وكأنه بقي في روحها مكان لمزيد من الحزن:
على قولة أبو عبدالمحسن.. سنة يبه.. أكون خلصت دراستي..
تركي غاضب.. غاضب بالفعل (الله يهداك يبه يعني لازم تسمعها) :
آسف.. قلت بعد عيد الفطر.. وانتهينا..
حينها انفجرت الهنوف بالبكاء بشكل مفاجئ..
لا تعلم هل لأنها عجزت عن الاحتمال.. أو لأنها أرادت أن تؤلمه.. أو لأنها أرادت الضغط على عمها بدموعها وهي توجه حوارها لعمها دون تركي:
يبه طالبتك.. طالبتك ما تخليه يجبرني..
ثمان سنين وهو ناسيني ولا عمره اهتم فيني..
جاي الحين يقول عرس عقب شهرين.. ليه حليت في عينه ذا الحين؟؟..
طالبتك يبه ما أبي أتزوج قريب.. أبي أخلص الماجستير أول.. قل له عقب سنة.. ما يبي ينتظر خلاص يطلقني..
أنا عارفة إنه أصلا ما يبيني.. و........
قاطعها رد تركي الحازم المرعب في حزمه ونبرته رغم أن شيئا في روحه ذاب من شهقات بكائها:
أص ولا كلمة..
زين يا بنت علي.. ســنــة .. سنة..
بس دواش عندي.. ويا ويلش أسمع طاري الطلاق عندش..
والله لأقص لسانش..
أبو متعب بغضب عارم: لا.. اللي طالت وشمخت.. تهددها وأنا أسمع بعد يا الخاسي.. يا اللي ما تستحي ولا تنتخي..
تركي ماعاد يشعر بشيء من شدة الغضب وهو يوقف السيارة ويهتف بغضبه الناري:
يبه طالبك ما تقول شيء.. ترا شياطيني متركزين..
وهذا بأنزل منكم وأخذ تاكسي..
سوق ببنتك وروح لبيتك.. وأنا في اللي ما يحفظني..
أبو متعب بجزع وهو يرى تركي يفتح الباب وينزل فعلا: ارجع يا الخبل.. والله ما أخليك تروح مكان وأنت كذا...
خلاص أنا اللي بأسوق.. تعال اركب مكاني..
الهنوف انتفضت بعنف وهي ترى تركي يركب أمامها وقريب منها لهذه الدرجة.. حاولت ابتلاع ريقها.. ولكن حلقها كان جافا تماما..
(دايما يقولون رايق.. ومخه كبير.. يمه.. يمه.. يروع.. هذا أشلون ينتعاشر؟َ)
حتى أبو متعب كان متفاجئا (وش فيه الصبي؟؟ صحيح إنه طول عمره عنيد واللي في رأسه في رأسه..
الموضوع الوحيد اللي قدرت أمشي عليه شوري فيه.. هو ملكته من الهنوف..
بس عمري ماشفته معصب كذا.. وطول عمره يمسك أعصابه!!)
يتنهد تركي بعمق وهو يعدل نظارته الشمسية ثم يتحسس جانبي رأسه الذي يشعر أنهما سيتفجران من قوة النبض..
(بتخبلين بي وأنا ماصار لي يومين في الدوحة!!)
لا يعلم بالتحديد ما الذي حدث به... قد يكون
وافق على الهنوف في البداية كإحساس بالواجب ومن أجل والده..
لكنه كان يشعر منذ عقد قرانه بأنها ملك له.. شيء له وحده.. ليس له شريك فيه..
والمؤذي أنه يشعر بملكيته لها كشيء مادي لا حياة فيه.. مثلها مثل أي قطعة أثاث..
فتفكيره العقلاني فيها هي بالذات لم يكن فيه للمشاعر جانب كبير.. رغم أنه مع أهله كان متدفقا بالمشاعر..
كان يعلم أنها محمية في بيت والده.. كأي من ممتلكات البيت..
وستنتظره عام بعد عام.. ولو أنها لم تكن تريده ستقول لوالده.. وهو كان على استعداد لتحريرها..
كان هذه تفكيره في الأعوام الأولى.. ولكن الأعوام مرت وهي لم تطلب تحريرها منه ،إذن هي تريده.. وستنتظره مهما غاب..
بعد مرور كل هذه السنوات ارتبط كل شيء في حياته بها.. ولم يعد يتخيل له زوجة سواها...
فحياتيهما تقاطعت معها.. وارتبطت ارتباطا مصيريا.. فمصيرهما واحد..
قد تكون في نظره بليدة وأقرب للغباء.. فمن ترضى أن تسير حياتها كالبهيمة دون رأي.. هي لابد هكذا..
(خلها غبية.. وتريحني وتريح رأسي!!)
وربما كانت رؤيته لها كشخصية ضعيفة من الأسباب التي جعلته يحرص عليها بشدة..
لأنه خشي أن تتزوج سواه فيؤذيها أو يجرحها.. وهي تبقى ابنة عمه اليتيمة وعليه حمايتها..
ليتفاجئ بسيل عارم من الاختلاف بعد عودته.. فجّر صدمات كاسحة متتالية في روحه..
وجدها تفكر في الطلاق.. وهذا الأمر جرحه.. أن تشعر أنك مرفوض.. ومن شخص تراه ملكا لك..وترى حياتك كلها معه..
ثم لقاءتهما وحواراتهما المبتورة كشفت له عن شخصية أبعد ما تكون عن الضعف أو الغباء.. بل أقرب ما تكون للتجبر... تجبر غريب مغلف برقة غير معقولة...
ثم جاءت قضية دراستها لتفجر مابقي من احتماله..وتعزز اختلافها الكلي عن الصورة الباردة البليدة التي رسمها لها.. وأن الهنوف بصورتها المرسومة في باله.. هي شخصية مختلفة تماما عن الهنوف الحقيقية التي تعرّف عليها بعد عودته..
لا يستطيع احتمال كل هذه الصدمات.. لتكن له وفي بيته.. ليكتشف هذه المخلوقة التي صدمته على مهله..
لكن حتى مخططه هذا لم يكتمل..
"ســــنـــــة؟؟.. ســــــــنـــــــــــــــ ة؟؟؟ يا طولها طولاه....
أبيها تجي عندي اليوم قبل بكرة..
وهم يقولون سنة؟؟
.
أما إنك غريب!!
صار لها مرتك ثمان سنين ولا طرا عليك طاري العرس وش معنى ذا الحين؟؟
.
والله ذاك وقت وهذا وقت
هذاك الوقت أكثر وقتي في أمريكا
بس أنا الحين مستقر هنا..
وشكلها مهيب ناوية ترحمني
خلال يومين شفتها مرتين وتمشكلت معها 3 مرات..
الله يستر من تواليها!! )
****************************
"دانة.. دانة.. دكتورة دانة.. أم سعيد.. حرم حضرة الرائد.. دانــــــــــــة!!"
استفاقت من غيبوبتها لتهمس بنبرة من استيقظ من نومه: نعم تهاني؟؟ تناديني..
تهاني بمرحها المعتاد: أناديج بس؟!.. أنا انبح صوتي.. أتوقع الصحة المدرسية كلها سمعت صوتي..
دانة تبتسم ابتسامة باهتة: آمري تدللي دكتورة تهاني..
تهاني بنبرة جدية: قولي لي وش فيج؟؟
دانة بحزن: مافيه شيء ما تعرفينه..
تهاني بذات النبرة الجدية: بس اليوم أنتي مو طبيعية أبدا..
دانة تتنهد: سعود يبيني أقط المانع..
تهاني ببساطة: إذا مقتنعة قطيه.. مو مقتنعة قولي لا... سعود يعشق الأرض اللي تمشين عليها.. ما أظن عنده خلاف.. مارح يجبرج..
ثم أردفت بنبرتها العملية: مع إني بعد أشوف إنه تقطين المانع.. لأنه أنتي صار لج سنتين وأنتي تتعالجين عشان تقطين المانع في ختام رحلة العلاج.. وأنتي ختمتي أبوها وأمها..
صار لازم تشوفين نتيجة العلاج..
دانة بحزن عميق مغموس بالحسرة والتوتر: ما أقدر تهاني.. ما أقدر..
خايفة.. بموت من الخوف.. ما عاد أتحمل فكرة الحمل... لأني عارفة إني بسقط.. مارح أتحمل أفقد طفل سادس.. بموت.. بموت..
وفي نفس الوقت صعب أرد سعود.. أعرف أمي صافية قاعدة تضغط عليه بقوة.. وهو ما يبي يزعلها ولا يزعلني.. ومتقطع بيننا..
*****************************
" مزنة .. شفتي ملف الأنشطة؟"
مزنة ترفع رأسها عن كتاب كانت تقرأ فيه وتهمس بهدوء واثق لزميلتها رفعة: ثالث رف من يسار..
ضحكت رفعة: حو.. مخ وإلا كمبيوتر؟؟
مزنة ضحكت: اذكري الله مالت على عدوش..
رفعة بمرح: ماشاء الله بارك الله لك وعليك.. عاد مو حرام ذا المخ كله مضيعته بين القراطيس؟!!
مزنة بمرح مشابه: قرطسوا مخش اللي أصلا هو كله متقرطس.. وش تبيني أسوي يعني في مخي؟؟ تخصصي لحد الحين مافيه دكتوراه عندنا في قطر.. وإلا كان شغلت مخي هناك بدل ما أنا مضيعته عليكم..
رفعة بنبرة مقصودة: فيه أشياء أجمل وأسهل من الدكتوراه ممكن الواحد يضيع مخه فيها..
مزنة بنفس النبرة المقصودة: ذا الأشياء خليتها لش..
رفعة تهمس بمودة وهي تجلس في المقعد المقابل لمزنة: مزنة يا حبيبة قلبي..أنا وأنتي الحين صديقات من خمس سنين.. وأحس كأننا صديقات العمر كله..
العام عرضت عليش أخ زوجي، مارضيتي مع أنه مافيه عيب أبد..
السنة ذي عرضت عليش ولد أختي.. وبعد مارضيتي مع أنه مافيه عيب أبد..
مزنة تنهدت: رفعة حبيبتي أنتي تسألين عن شيء أنتي عارفته زين.. حماش صليت استخارة وما ارتحت له.. وولد أختش أصغر مني بسنة.. يا أختي موب متقبلة أخذ واحد أصغر مني..
رفعة بعتب: أنتي مخش شمال..وإذا أصغر منش بسنة يا أختي هو راضي ويحب يده.. ويسجد سجدة شكر يشكر ربي خلاش نصيبه..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: يا خوفي آخرتها تطيحين طيحة في واحد يطلع عيونش..
وقولي رفعة قالت..
رفس النعمة شين يا مزينة..
همست مزنة بثقتها المعتادة: أنا مارح أتزوج إلا واحد أصلي استخارة ونفسي ترتاح له..
لو يذبحني عقب أنا راضية دام ربي هداني له..
*********************
"يا حيا الله أبو سعيد.. وش ذا العصرية المباركة.. اقرب يا ولد صب قهوة لأبو سعيد"
يهز محمد فنجانه وهو يشير للمقهوي أن يأخذه: شكّرت يبه..
أبو خالد بمودة: وأشلونك يا أبيك؟ واشلون شغلك وهلك؟؟ الوالدة؟ وخواتك؟ وبنت طالب وش علومها؟؟.. الله الله فيها تراها بنية يتيمة ومن عرب(ن) أجواد.. رحمة الله على طالب.. وفك الله عوق شهاب..
محمد بمودة: كلهم طيبين.. واللهم آمين يرحم عمي ويفك عوق نسيبي..
أبو خالد بمودة أعمق: بصلي أنا وإياك المغرب.. ثم نروح نسلم على البنات.. وكلم مها أبي أعينها عندهم.. قد لي كم يوم ما شفتهم..
محمد بذات المودة: أبشر.. إن شاء الله..
ثم أردف محمد بنبرة اهتمام غلفها بالتلقائية: وأنت اشلونك يبه ؟ كيف صحتك؟ وأحوالك؟
أبو خالد بتلقائية: طيب يا أبيك.. السكر متعبني شوي.. طالع نازل.. بس غيره كل شيء زين..
محمد بذات نبرته المغلفة بالاهتمام: زين واشرايك نروح أنا وأنت لتايلند نسوي فحص شامل مثل ذا العالم اللي يروحون..
أبوخالد باستنكار وهو يصر عينه في محمد بنظرة مقصودة: وين حن غادين؟ مالنا عازة..
محمد برجاء: طالبك يبه.. عشاني أنا.. أبي حد يخاويني..
أبوخالد بنبرة مقصودة: خل خالد يخاويك.. أنا شيبه.. وش بتنفعك خوتي؟؟.. ما مني فايدة..
محمد برجاء أشد: قلت طالبك يبه.. ترد طلبتي..
أبوخالد حينها هتف بحزم غاضب: أنت تحسبني بزر يا محمد تلعب علي.. أنا داري إن خالد مشتكي لك مني وأمشيها بكيفي..
تراني أوديكم البحر أنت وإياه.. وأردكم هالكين..
خلاص قم قم.. ما أبيك تروح معي للبنات بأروح بروحي..
محمد يتنهد: أفا عليك يبه.. والله إني أحاتيك بس.. نبي نتطمن عليك... وش فيها؟
أبو خالد بذات الحزم الغاضب: مافيني شيء عشان تطمنون علي.. بتمرضوني غصبا؟!!
******************************
" مساعد فديتك، حجزت؟؟ "
مساعد ينتزع غترته عن رأسه ويضعها على الطاولة التي تجلس الجليلة على أريكة مقابلها..
ليتمدد على الأريكة واضعا رأسه على فخذ الجليلة، وقدماه تتجاوزان حافة الأريكة بطوله الفارع لتتدلى خارجها، ويهتف بإرهاق: مابغيت ألقى حجز..
حجزنا مع رجعة الموظفين المصريين لإجازتهم الصيفية، لقيت حجز يوم الجمعة الساعة 4 العصر..
تمرر الجليلة أناملها في كثافة شعره بحنو: الله لا يهينك فديتك.. بس أرجاك لا تقول لأحد شيء، ما أبي يوصل خبر لأميرة لين وقت السفر..
مساعد يتنهد بجدية: الله يعينا على أميرة هنا، وعلى شهاب هناك
الجليلة بعتب: تدري فديتك أني ما أحبك تكلم على شهاب بذا الطريقة..
مساعد يعتدل جالسا، لينظر نظرة مباشرة للجليلة ويهتف بحزن غريب: أنا ما عرفت شهاب إلا من سوالفش عنه، لكن شهاب اللي تقولين لي عنه، ما أشوفه لا قابلته.. كأنهم شخصين مختلفين..
الجليلة تتتهد بحزن أعمق وأشد غرابة: اليوم الصبح تقول لا تلومينه.. والحين أنا أقول لا تلومه يا مساعد، لا تلومه، نعنبو لايمه..
************************
"يبه أقدر أخذ من وقتك شوي؟!"
رفع فرات رأسه عن أوراقه التي كان مستغرقا فيها وهتف بحنو لمي التي كانت تطل عبر الباب بعد أن طرقته طرقاتها الرقيقة: طبعا يا أبيش.. الوقت كله لش.. الدنيا والشغل وكل شيء يجي عقبش يا أبيش..
دخلت مي بخطوات مترددة إلى داخل مكتب والدها الشاسع المليء بعشرات الأشياء التي لا تشبه أحدا إلا فرات في غرابة وتآلف تجمعها..
مكتبة ضخمة فيها آلاف الكتب.. جهازين رياضين احترافيين.. كمبيوترين وثلاث طابعات مختلفة..
والأغرب.. الأغــــــرب لوحة رسم غير مكتملة في زاوية أُعدت بالكامل لكي تكون مرسما احترافيا مُصغرا..
استدارت مي خلف المكتب لتطوق عنق والدها من الخلف وتقبل أعلى رأسه وهي تهمس بعذوبة: صح يا فُرات أنا معطلة؟!
همس فرات بمحبة: صح يا عيون فرات..
استدارت مي لتجلس على حافة المكتب وهي تهمس بذات العذوبة: والمعطل مفروض وش يسوي؟؟
استمر معها فرات في لعبتها الرقيقة: ينبسط في إجازته أو يستغلها في أشياء كانت مؤجلة..
تبتسم مي: واذا ماعنده شيء مؤجل..
فُرات بحنان: بدل ذا اللفة كلها.. قولي وش تبين؟
مي بتأفف: زهقانة يبه والله زهقانة..يعني لا خالة ولا عمة ولا بنات أعمام ولا أخوال..وأنت ما ترضى أطلع مع صديقاتي.. وهذولا العتاوية الاثنين حامد وحمد محد منهم راضي يعرس يصير عندنا بنت في البيت.. والله بأموت من الزهق..
و قبل نسافر لواشنطن طلعني جدي مرة.. والحين أنت على طول مشغول.. وحامد وحمد ماحد منهم راضي يطلعني مكان..وأستحي أقول لجدي يطلعني كل مرة...
ثم أردفت بفيض عميق من المشاعر: مع أنه جدي فديته يحسسني إني أميرة وأنا معه، بس أعرف أنه مايحب الطلعة ويضغط على نفسه عشاني..
فرات بذات الحنان: طيب انا مافهمت وش تبين؟ تبين أحجز أسافر أنا وإياش مكان؟!.
مي بحزن: ما أقول لا.. بس أعرف أنك مشغول.. ومانبي نخلي جدي وحمد
ثم أردفت مرح رقيق: بس على الأقل عندي أربع شباب حلوين في البيت، ما ابي إلا كل أسبوع يطلعني واحد منكم..
أنت وجدي مقدور عليكم.. تطيعوني..
بس حامد وحمد كلاب.. مهما أحن يعطوني الطرشاء.. تكفى كلمهم..
فرات بثقة ودودة: ابشري أوريش الشغل فيهم اثنينهم.. وبسافر أنا وإياش وحمد وإبي سفرة سبيشل قريب..بعد اسبوعين ثلاثة..
بس أخلص بعض الشغلات.. عشان أكون متفرغ للسفرة وبس
والحين دقي على حمد بنطلع نتعشى برا..
مي تنظر للساعة وتهمس بتردد: موب متأخر شوي.. حمد يرقد بدري
فرات بثقة وهو يجمع أوراقه: لا متأخر ولا شيء.. تو الساعة 8 ونص..
كانت مي تتصل بشقيقها حمد بينما كان فرات يجمع أوراقه وهو يسترق النظر لها بحنان وهي تهاتف حمد بحماسة..
قلبه يُعتصر من أجلها، محض طفلة وحيدة تعبر ممرات هذا القصر الضخم بوحشة، من أجلها قبل أي شيء وهو يحاول تزويج حامد منذ خمس سنوات، وتزويج حمد منذ تخرجه من الثانوية، يريد أن يحضر لها أختا تؤنس وحشتها.. ولكن الاثنين عنيدان كما هو عنيد..
كثيرا ما فاجأها في غرفتها وهي تبكي، وتخفي دموعها عنه..
يعرف أنها تغرق في وحدة عميقة، وكل من في البيت لاه في مشاغله عنها، يخاف عليها من كل شيء، لذا يرفض أن تخرج مع صديقاتها اللاتي لا يعرف أهلهن وإن عرفهم فهي معرفة محدودة بالرجال..
تعب في تربيتها كثيرا، يخشى أن يخدش أي شيء عوالمها المثالية ، كانت رقيقة ومهذبة ومحبة .. و محض طفلة!!
يشعر بالحزن عليها وهو يستشعر حزنها الرقيق ..
كان مستغرقا في التفكير، حين دخل حمد وهو يهتف بمرح: يقولون أبوحمد عازمنا..
خرجت مي لتجهز نفسها للخروج بينما فرات انتهى من ترتيب أوراقه ووضعها في الملف وهو يهتف بحزم لا يخلو من رنة غضب:
إيه عازمكم، أبي أعلمك السنع يومك ما تعرفه..كن عليك قاصر فلوس تعزم أختك وتطلعها.. ترا الفلوس عندها.. ما تبي إلا خوتك!
حمد يضحك: أفا يا أبو حمد، الدلوعة حاشيتك علينا؟!!
فرات تنهد وهو يجلس على الأريكة ويشير لحمد أن يجلس جواره: حمد يا أبيك أنا ما طردتك من هوايتك الغريبة، مع أنه أنا موب راعي حلال وطول عمري وأنا رجّال بيزنس وعلم..
وأعرف أنك في جانب كبير من اهتمامك بالحلال تبي ترضي جدك اللي يوم شفته حزين أنه بيبيع حلاله لأنه ما عاد يقدر ينتبه له، فأنت قلت له خلاص ازهله..
وأنا سكتت عشانك وعشان إبي، بس أنت الله يهداك طلعت لي بسالفة الريس فوق الحلال، ولهيت عن دراستك وأختك..
أختك من لها غيرك؟!!
تنهد حمد.. يكره فتح هذا الموضوع الذي يُعد من مواضيع والده المفضلة: يبه جعلني فداك، أنا ماعاد باقي لي إلا سنة وحدة في الجامعة وأتخرج ومتفوق في دراستي..
والحلال مالهاني من الدراسة.. ومي قد ما أقدر أطلعها وأقعد معها، بس ذا الأيام والله لاهي أجهز لسباق أبوظبي..وهي كلت كبدي بالحنة!
حينها هتف فرات بأمر واثق: تزوج وجيب لها أخت، ونفكك أنا وهي من الحنة..
ضحك حمد ثم هتف بنبرة واثقة مقصودة: طيب بدل ما أنت ناشب في حلقي عشان أجيب لها أخت، جيب لها أنت أم..
هتف فرات بغضب: تلايط يا قليل الحيا..
حمد بثقة شفافة تبدو متوارثة: والله حلال ربي مافيه قلة حيا.. يبه أنت لمتى مصر إنك ما تزوج؟! حرام يبه توك شباب، بعض اللي في سنك توه يتزوج للمرة الأولى..
فرات ينظر لابنه من تحت أهدابه ويهمس بثقة: ماعليك مردود..
دخلت مي بحماس وهي ترتدي عباءتها ونقابها بيدها: يالله أنا جاهزة!
فرات بابتسامة واثقة: كلموا حامد إذا موجود في البيت.. مع أني ما أظنه موجود.. خله يطلع يتعشى معنا
"موجود.. موجود.. تبون تطلعون من دوني يا الخونة؟!"
دخل حامد عليهم وهو مازال بلبس الفريق: عطوني بس خمس دقايق.. شاور سريع وألبس وأجيكم، أنتو روحوا وبألحقكم بسيارتي..ميت جوع.. وبخسر فرات الليلة.. باطلب المنيو كله..
فرات بحزم: أنا بعد مابعد بدلت.. بنطلع كلنا معا.. حلاتها نكون بسيارة وحدة..
حينها مال حمد على أذن حامد وهتف بمرح: إبي شكله ناوي يخنقنا مضبوط..الله يستر من ذا العشاء..بيطلعه من بطوننا..
هتف فرات بشبح ابتسامة وهو يخرج متجها لغرفته: سامعكم وماني مسامحكم على الحش..
حامد يخرج وراءه ويهتف بمرح: ولدك اللي يحش فيك.. أنا وش ذنبي؟!
*************************
" حزام... وين إبي؟"
يرد حزام باحترام وهو يضع هاتفه جانبا: راح داخل البيت..
تركي يجلس جواره ويهتف باهتمام: زين متعب جاء؟؟
رد حزام باستغراب عميق: جاء ولا جاء..
تركي باستغراب أعمق: كيف جاء ولا جاء؟
حزام بذات النبرة المستغربة: جاء.. وقعد ساعة وهو ساكت ما نطق بكلمة... كنه حزين أو متضايق.. حتى أني تمنيت يقول أي شيء... حتى لو يقول لي الكوع..
ما تقول ذا أخي متعب.. حتى قهوة ما شرب..
حزام أنهى عبارته وهو يقول بنبرته الرجولية الطفولية اللطيفة: دامك جيت المجلس.. أنا بروح داخل.. ماكنت أبي أخلي المجلس خالي..
تركي يتنهد بعمق وهو يشير لحزام أن يغادر.. بينما تفكيره في مكان آخر..
حال متعب يقلقه.. لا يعقل أن يكون كل هذا بسبب خلاف بين متعب وزوجته، فهل هناك ما يخفيه عنه؟!!
كان تركي غارقا في أفكاره حتى شعر باليد التي تربت على ذراعه.. والنبرة الباسمة التي اقتحمت أفكاره: سلمنا ولا حد حولنا..
ينظر تركي لمساعد وهو يجلس جواره.. ويهتف بمودة: السموحة يا أخيك ما انتبهت.. وعليك السلام..
مساعد يتلفت حوله ويهتف باستفسار: وين عمي؟؟ أبيه في موضوع..
تركي بتلقائية: دخل داخل.. وما أظني عاده بيرجع أكيد بينام.. تبيني أقول له شيء.. وإلا اروح ادعيه؟؟
مساعد باهتمام: لا أبد خله يرتاح.. بس ولا عليك أمر ..قل له إني حجزت بروح لمصر أزور شهاب أنا والجليلة ..
بس طالبك يا تركي قل لعمي لا يعلم النسوان.. يوصل الخبر لأميرة تفضحنا.. خله لين يوم السفر .. باقي كم يوم على السفر.. ومانبيها تسوي لنا فيلم هندي طول ذا الأيام..
خل الفيلم يوم السفر..
تركي بابتسامة: أبشر إن شاء الله
ثم أردف بشجن عميق: وسلم لي على شهاب كثير السلام... وقل له أني بزوره في أقرب فرصة..إن شاء الله خلال إجازة الصيف ذي بزوره..
*************************
"مساء الخير على أحلى أخت في الدوحة"
الجازي قفزت باحترام وهي تتطاول على أطراف أصابعها لتقبل أنف سعود الذي دخل لتوه من الخارج.. وتهمس باحترام جليل ومودة عميقة: ومساء الورد على أغلى أخ في العالم كله..
يجلس سعود على الأريكة في صالة البيت حيث كانت الجازي تجلس.. ويشير للمكان جواره حتى تجلس الجازي بقربه...
تهتف الجازي بذات المودة وهي تقف أمام طاولة القهوة وتتناول الدلة: خلني أقهويك أول..
سعود بمودة مشابهة: لا يا أخيش.. ما أبي قهوة ذا الحزة... بكرة دوامي بدري..
تعالي اقعدي جنبي.. بسولف معش شوي بس..
الجازي تجلس جواره.. وسعود يربت على كفها وهو يهتف بنبرته الحانية: قاصرش شيء يا أخيش؟ تبين شيء؟؟
الجازي بمودتها العميقة لسعود: دامك طيب وبخير موب قاصرني شيء..
سعود بنبرة مقصودة: أكيد؟
اشتمت الجازي في نبرة سعود مداخلات تعلمها جيدا وتحدثا فيها سابقا كثيرا.. ومع ذلك تنهدت وهي تهمس: أكيد جعلني قبلك.. أنت اللي تبي شيء فديتك؟
تنهد سعود بحزم: أنتي عارفة وش اللي أنا أبيه من زمان...
يا اخيش قد خلينا نخلص موضوعك.. أنا ما أبي أقرر نيابة عنش.. وإلا كان تصرفت من زمان وانتي عارفة
الجازي تنهدت بألم: سعود ظنك إني ما أبي أخلص.. أنا أكثر وحدة تبي تخلص.. لأن هذي حياتي أنا.. بس.....
سعود بغضب يحاول كتمه: بس ويش.. الجازي أنتي عداش العيب.. حشمتي عمش.. وولد عمش وبنات عمش.. وحشمتي الدوحة كلها فوقهم..
ثم خفف من نبرته أكثر وهو يهتف بمؤازرة: الجازي أنتي الحين صغيرة.. بس السنوات تمر بسرعة وعمرش بيروح.. يكفي ماراح منه يا أخيش..
خلاص أنتي مالش دخل.. كل شيء بيكون في
وجهي أنا.. أنا اللي باتصرف من الألف إلى الياء.. لين أجيب لش ورقتش..
تستعيد الجازي مظهر عمها الذي جاءهم بعد المغرب ليسلم عليهم.. حنانه الأبوي العذب .. وضعفه البادي وشيخوخته التي أنهكته... بدا لها هشا ورقيقا بصورة تمزق الروح..
همست الجازي بحسرة عميقة تمزقها رغما عنها: عشاني يا سعود.. نأجل شوي بس شوي.. عشان عمي هادي.. موب عشان أي حد..
سعود يعود للغضب المكتوم: قلت لش خلاص الموضوع عليّ.. عمي عليّ أنا.. ازهليه.. أعرف أتفاهم معه..
تتنهد الجازي برجاء: والله يا سعود إني ودي أتطلق اليوم قبل بكرة.. بس عط خالد شوي وقت.. إن شاء الله بيطلق من نفسه.. عندي أمل..
*********************************
- " يووووه منور.. من جدش؟ ما تبين تحضرين عرس ولد الدكتورة جواهر؟"
.................................................. ..........
- "وإذا حامل وفي الثامن... الدكتورة جواهر عين السيح مثل ماتسمينها حامل في التاسع وفطوم حامل في السابع... يعني كلكم ورامين.. عشان ماحد يصير أرشق مني"
.................................................. ......
- "لا موب تحاولين.. بتروحين معنا.. أنا وفطوم اتفقنا خلاص"
.................................................. ....
- "معقولة ما تعرفين العروس؟!.. بلى تعرفينها.. بس يمكن ماربطتي"
................................................. ....
- "بلى هي إياها.. ديمة نفسها.. بنت خالة زوج الدكتورة جواهر"
.................................................. ...
- "أوكيه.. قولي لسالم وردي علي.. إذا قال لش شيء...يا ويله.. بسلط عليه أخي محيميد وش خايف عليش منه قد ذا ثالث حمل؟؟"
كانت تتكلم مع صديقتها منيرة.. وهي تنظر لمن دخل.. غترته على كتفه.. كتفاه متهدلان على غير عادته في وقفته الرياضية المعتدة..
جلس على الأريكة وهو يضع غترته جواره بإرهاق..
أنهت المكالمة.. وهي تنظر له.. لكنه لم ينظر نحوها أبدا..
مها قامت متوجهة لغرفة بناتها وهي تهمس له بسكون: بكرة أبي أروح لعرس ولد دكتورتنا مع منيرة وفاطمة.. العرس اللي قد قلت لك عنه قبل فترة.. فاطمة بتمر علي أروح معها..
هتف لها بسكون وهو ينظر ليديه المتشابكتين: اللي تبينه سويه..
تجاوزته وهي تشعر أنه غير طبيعي بالمرة.. فمتعب طاقته عالية على الدوام.. ودائما تشع في المكان.. لكنها تشعر به مستنزفا تماما وخاليا من الطاقة..
"كيفه.. ماعلي منه.. بالطقاق.. المهم إنه فاكني منه.. ومن شره"
******************************
عدة أيام عبرت بأطيافها... فضاءاتها.. يأسها وآمالها..
.
.
.
"يمه.. عمي جابر.. عاده بيبطي بعد؟!"
تنظر لها بحنو بالغ.. وكأنها ترتشف طفولة ملامحها.. وتستشف في تلك الملامح ملامح الراحل الذي لم تشبع روحها من احتضانه بعد..
رحل شابا صغيرا.. وترك في روحها ثقبا هائلا من الفقد والفجيعة.. وترك خلفه هذه الصبية.. التي أصبحت بسنواتها العشر سلوى جدتها ورفيقتها..ومصدر سعادتها وصمودها في الحياة..
باتت الحياة كلها على أطراف ابتسامة صغيرتها.. وسعادتها هي سعادتها..
" أسبوع يا أمش بعد ويجي!!"
تأففت الصغيرة: هو راح ..وخالتي غالية خذت سعودي بعد.. وراحت لأهلها..أنا وش أسوي وأنا معطلة ماعندي شيء أسويه؟!.. حتى عمتي ضي دورت لها.. ما أدري وين راحت..
أم جابر بحنانها الفياض دائما و الذي يتركز معظمه بين يدي هذه الصغيرة: ضي راحت الجامعة.. أنتي وش تبين أنا بسويه لش؟؟
الصغيرة بذات التأفف: عمتي أصلا خلصت الفصل.. وش موديها الجامعة؟! وليه ماعلمتني إنها بتروح؟
ضحكت الجدة، فكل ما تقوله صغيرتها جميل وفاتن: نعنبو.. أنتي أمها وإلا أنا؟؟!!.
تضحك ضحكتها الطفولية المجلجلة: جدة.. انتي أم خاش باش.. ثم أردفت وهي تحتضن جدتها: بس أحسن جدة..
همست جدتها بزعل مصطنع: كم مرة قلت لش.. ما أحب تقولين لي يا جدة.. أنا أمش..
حينها تأخرت الصغيرة بحزن : ليه أنا عندي أم غيرش؟!.. عايشة يتيمة الأب والأم وأمي حية..
أم جابر تحتضن حفيدتها بقوة وتهمس بوجع عميق:
جعل يومي قبل يومش.. أمش لاهية وعندها ظروفها..
يعني أنا ما أنفع أم؟؟ هذا أنا أم متفرغة لش 24 ساعة..
تهمس الصغيرة التي كبرها الهم.. كبرها كثيرا: أنا من غيرش ولا شيء يمه..
أم جابر تمسح دمعة خائنة لا تريد أن تراها الصغيرة: دقي تلفون على جدش جبران.. كنه موجود طلعت أنا وإياش وهو.. رحنا فيلاجيو وإلا حياة بلازا.. اللي تبينه..
الصغيرة قفزت بحماس مصطنع حتى لا تُحزن جدتها: صدق يمه!!
أم جابر بحنان: صدق الصدق.. دقي عليه وعطيني عباتي..
قد تكون أم جابر وشقيقها الأكبر منها جبران عجوزان ما عاد لهما أدنى رغبة في الخروج، فهما لا يرغبان إلا أن يقضيا وقتهما في الصلاة والذكر وأن يركنا للسكون..
ولكن هذه الصغيرة الآسرة.. تعيدهما إلى الصبا.. وهما مستعدان لمعانقة السحاب، والركض في أروقة الملاهي والمجمعات.. إن كان ذلك سيسعدها ويجعلهما يريان ابتسامتها الأثيرة الثمينة..
***************************
" الجليلة تكفين لا تخليني.. لو خليتني بأموت!!"
الجليلة تضع ملابسها في الحقيبة.. لتمد يمدها لمن تجلس جوار الحقيبة على السرير.. وجهها متفجر بالاحمرار.. وتمسح خدها بحنو:
أميرة قلبي أنتي.. يومين بس وأرجع..
أميرة انفجرت حينها في البكاء: لو ماشفتش ساعتين أستخف.. وأنتي تقولين يومين...
الجليلة تنهدت وهي تشعر بالصداع من أميرة.. فهي أخفت خبر السفر حتى اليوم تلافيا لما تعلم أنه سيحدث، وهاهو يحدث الآن..
تنهدت بحنان مصفى: ياحبيبتي بتقعدين تنبسطين مع البندري والهنوف لين أرجع.. حتى لو تبين بثينة كلمت رجالها يخليها عندش بعد..
أميرة مازالت متفجرة بالبكاء بهستيرية: ما أبي حد منهم.. أبيش أنتي وبس..
ثم أردفت ببكاء أشد وهي تقف لتمسك بمعصم الجليلة برجاء: كله من شهاب الزفت عشانه ما يبيني.. خلاص خلوني في الأوتيل وأنتو تزورونه..
أنا بعد ما أبي أشوف وجهه.. أكرهه.. من زين الشوفة.. المجرم... الــــ.................
أسكتتها صفعة حادة ألقت بها على السرير..
صرخت أميرة بهول: تضربيني عشانه؟َ
الجليلة تتفجر من الغضب: وأقص لسانش بعد.. كله ولا شهاب.. كله ولا شهاب.. الدنيا كلها عندي كوم وشهاب كوم ثاني..
أميرة قفزت عن السرير كالملسوعة.. وهي تتعثر في خطواتها هاربة من المكان
بينما الجليلة جلست بجوار حقيبنتها وهي تنظر لكفها التي ضربت أميرة بأسى..
(سامحيني ياقلبي.. عمري مامديت يدي عليش
بس وصلتيني آخري.. معقولة تقولين كذا على شهاب؟!
شهاب هو اللي سماش أميرة..
من يوم شافش مولودة بين ايدين أمي
قال هذي مايكون لها اسم غير أميرة..
كان غلاش عنده غير..غـــيــــر..
كان يقول لإبي:
ترا مالي شغل .. ترا أميرة لازم تدعيني بابا
وأنت كيفك.. خلها تدعيك طالب
يا الله.. أول اسم نطقتيه كان اسمه.. قلتي آب...
يقولش لا.. قولي بابا.. تقولين آب..
يضحك ويقول زين قولي بابا آب..
وعقبه تقولين ما أبي أشوفه..
ليه يا أميرة.. ليه؟؟؟ "
******************************
تنظر لهاتفها للمرة الألف ربما.. تعتصره بين كفيها..
(أضناني الاشتياق لك.. لنبرات صوتك التي تبعث الحياة في قحط أوصالي..
يبدو أنني يجب ألا ألوم صديقاتك.. من التي تستطيع مقاومة سحر همساتك؟؟
من تسمع صوتك ولا تقع في غرامه؟؟
ودفء نبراته كفيل بتفكيك مفاصل عظامي
أف أيها النذل الحقير المتباعد.. هأنا يقتلني الشوق لك!
وأنا أعلم أنك هناك لاه في منح همساتك لسواي
أيها الحقير..
أكرهك.. أكرهك..)
" يا أم سعود التلفون بينكسر في يدش!!
ترا التلفون مسكين ماله ذنب"
انتفضت غالية بخفة وهي تنظر لمزنة التي كانت تطعم سعود الصغير وعلى شفتيها ابتسامة متلاعبة..
مزنة اتسعت ابتسامتها أكثر : أحمد ربي أنه ماعطاني من عاطفيتكم الزايدة ياعيال هادي..
الله لا يبلانا بحالكم.. أنتي ودانة وخالد كلكم خبلان.. ماتعرفون التوسط في مشاعركم ولا تعرفون كيف تسوون عليها كنترول.. مفضوحين..
همست غالية كأنها تحادث نفسها: مشتاقة له الزفت.. أسبوع حتى صوته ما سمعته.. عمرها ماصارت حتى واحنا زعلانين مع بعض..
حتى لو راح دورة لازم يكلمني على الأقل مرتين في اليوم..
وش ذا القسوة عندك يا أبو سعود..؟!
همست مزنة ببساطة بنبرتها المعتادة المنطقية الهادئة الرزينة دائما وأبدا: كلميه.. هذا تلفونش بينكسر في يدش.. وخلش من شغل الكرامة ولعب البزارين الفاضي..
غالية بغضب: وليه هو ما يكلمني؟؟ وإلا ما يتنازل..
مزنة بذات الابتسامة الرائقة: خلش أحسن منه.. مهما كان هذا أبو سعود..
وإلا سعود ما يستاهل تراضين إبيه عشان خاطره.. (قالتها وهي تدير وجه سعود الصغير وتغمره بقبلاتها)
غالية وقفت وهي تهتف بحزم: بأروح أكلمه.. بس يا ويلش يامزّون يهب فيني وإلا يفشلني..
ضحكت مزنة: لا تحطينها في راسي.. تبين تكلمينه وإلا بلاها..
أنتي أصلا مثل اللي يبي حد يدزه شوي وأغصبني وأتغيصب..
ثم أردفت بنبرة مقصودة باسمة: وحتى لو هب فيش أو فشلش على الأقل سمعتي صوته بدل ما وجهش يقطع الخميرة من البيت..
**********************************
في مجلسه الضخم يجتمعون ثلاثتهم..
هــــو بحضوره الكاسح في ثقته دائما وأبدا
ووالده المختلف الشديد الاختلاف المسترخي في جلسته ينظر لابنه وشقيقه..
وثالثهم بشبابه المتوقد ..
فُرات يبدو غاضبا ويحاول كتمان غضبه: يبه أنت ماتقول لأخيك الخبل.. كن مالحد شور عليه..
حامد بصرامة: فُرات لو سمحت لا تدخل حمد بيننا.. حمد اللي هو أخي الكبير ما يفرض علي قرارات مثل منت تسوي..
ترا أنا اللي عمك فلا تقلب الأدوار..
فُرات بصرامة أكبر : طوّل لسانك بعد علي يا اللي ما تستحي... يا أخي احشم أني أكبر منك ب12 سنة على الأقل..
حينها كان صوته العميق من قاطع جدلهم الدائر بحدة منذ أكثر من نصف ساعة وهو يهتف بصرامة خاصة فيه.. هادئة نبرتها مرتوية:
والله اللي أشوفه إنه أنا اللي ماحد بحاشمني.. ماكني بقاعد بينكم وأنتو كنكم ديكة...
الاثنان مالا ليقبلا رأسه ، وفُرات يهتف باحترام: محشوم يبه..
بينما حامد يهتف بأنفاس متطايرة: يعني عاجبك نشبة ولدك في حلقي إلا يزوجني.. كنه عجوز وأنا ولدها وحيدها..
قفز فُرات بغضب كاسح وهو يمد يده أمام وجه حامد: شكلي ماعرفت أربيك.. وتبي لك تربية من جديد..
حامد ينزل يد فُرات بحدة: فُرات ما أسمح لك ترفع يدك في وجهي .. وترا حمد هو اللي رباني.. لا تمنن علي.. ترا مالك منّة عليّ يا ولد أخي..
حمد وقف بحدة وهو يشد الاثنين ويجلسهما.. بينما بقي هو واقفا وهتف بحزم: أص أنت وإياه.. الحين أنا اللي بأحكي .. وماحد منكم يفتح ثمه لين أسأله..
الحين أنت يا حامد ليش ما تبي تعرس؟؟
حامد يشد له نفسا عميقا : حمد أنت عارف زين السبب وقد علمتك إياه كم مرة..
أنا الحين عمري 27.. وترا عمري كلاعب كورة مهوب طويل..
يعني على الثلاثين مقرر أعتزل.. عشان أبي أعتزل وأنا في عز شهرتي ومهارتي إن شاء الله..
خلوني أتفرغ للكورة الحين.. ولا اعتزلت تزوجت.. أصلا وضعي الحين مهوب مستقر.. معسكرات تدريب.. ومباريات.. وتدريبات.. ليه أظلم بنت الناس معي؟!
حينها انفجر فُرات بغضب : لا افضحنا في الناس أحسن..
هتف أبوفرات بغضب أكبر: أنا ماقلت لك تلايط.. أنا سألتك عشان تنط تحكي؟!.. وأنت اليوم منت بخالي.. عمري ماشفتك معصب مثل اليوم..
وتهدد حامد بالعرس بذا الطريقة..
فُرات بنبرة قهر وغضب: خل إخيك حبيبك يعلمك..
هتف حامد ببرود وثقة: فُرات لا تحاول تحسسني بذنب ماراح أحس فيه..
أنا ماغلطت عشان أخاف.. وخايف ربي قبل الناس..
ومالي ذنب في بنات الناس إذا أهلهم ماعرفوا يربونهم..
أبو فُرات حين سمع (بنات الناس) تكهرب جسده بعنف.. وهو يتخلى عن سمت هدوئه المعتاد وينتزع حامد من عضده ليوقفه بحدة ويهتف بغضب كاسح:
السالفة فيها بنات ناس يا حويمد الزفت!!!
أبو فُرات حين سمع (بنات الناس) تكهرب جسده بعنف.. وهو يتخلى عن سمت هدوئه المعتاد وينتزع حامد من عضده ليوقفه بحدة ويهتف بغضب كاسح:
السالفة فيها بنات ناس يا حويمد الزفت!!!
حامد خلص عضده برفق وهو يقبل رأس شقيقه ويهتف باحترام ومودة: لا تعصب جعلني فداك.. العصبية مهيب زينة لك
ولا يروح بالك بعيد.. ولدك الشيخ فُرات لو ماولعها حريقة ما يستانس..
السالفة كلها إنه فيه بنية كانت مأذيتني اتصالات .. وأنا غسلت شراعها..
البنية راحت كلت لها كم حبة بندول تبي تتدلع على أهلها
وأهلها لقوها مغمى عليها ودوها للمستشفى.. وأختها قالت لهم أنها هددت تنتحر لأن حامد آل سطام يصدها..
أم البنت كلمتني معصبة عليّ وتسبني أني كنت بأذبح بنتها وإني كان مفروض تواصلت معهم أبلغهم..
وإبيها كلمني يشكرني إني ما استغليت تعلق البنت فيني..
بس طبعا لأن الدوحة صغيرة والسالفة طلعت من المستشفى وتنطورت الأخبار هنا وهنا.. فتو ولدك أبو الفضايح درا بها..
وإلا السالفة صار لها شهر ونص.. شهرين..
فُرات بغضب مكتوم: وعاد لك وجه تحكي وأنت ما حتى علمتني؟!!
هتف حامد بشهامة حقيقية : لا.. اشرايك أفضح بنت الناس عندك؟!.. والله يافُرات لو بأعلمك بكل سالفة بتألف كتاب..
فُرات تنهد بحزم حان: حامد ليه شاب كذا ؟! تراني مستوجع منك..
متى ماكنت أشيل حمولك؟!.. ومتى كنت أدور للفضايح؟
ومتى ما غلاك بغلا عيالي وأكثر؟!.. أنت ولدي الكبير..
والله أني أبي مصلحتك.. الزواج استقرار وستر وتحصين..
ابتسم حامد بمودة وهو يميل ليقبل كتف فُرات: قل ذا الكلام لنفسك أول..
وإلا باب النجار مخلع... تعطي نصايح قبل تنصح روحك..
وتكفى فُرات.. تدري زين إني ذراعي ما تلوى.. إذا بغيت العرس علمتك..
ولا تخاف.. ماحد بخاطب لي غيرك أنت وحمد.. وأنتو الي تخيرون النسب اللي يرضيكم..
صمت فَرات على مضض.. بداخله قلق كبير يتزايد على حامد..
شاب ووسيم ومشهور!!!!
صفات كلها كالضوء الجاذب للفراشات!!
***************************
مُــــجــــتــــمــــعـــ ـات..
مساء أنثوي بامتياز..
يتفرقن في الجلسة بين قابعات على المقاعد وجالسات على الأرائك التي سحبوها للأرض..
جمعتهن هموم يتكلمن في كل شيء عداها.. ويدعين انشغالهن بهموم أقلهن هما..
تلك الغائبة المدللة المعتكفة في غرفتها منذ سفر الجليلة.. اعتراضا على سفر الجليلة..
" بثون.. اطلعي لاختش الدلوعة خليها تنزل.. تعبنا نتناها.."
بثينة بتأفف: تعبتني يا الجازي والله.. حتى الأكل بالزور.. نعنبو لو تعرس جليلة وش تسوي؟؟.. كان ما تستخف علينا!!
ملكة الهموم هذه الليلة كانت أكثرهن مرحا.. وكأن قلبها كلما ازداد هما ازدادت ابتسامتها اتساعا في علاقة طردية موجعة:
يا بنت الحلال الجليلة مهيب معرسة.. قاعدة على قلب مساعد ومرته المستقبلية... خلي الدلوعة ترقد وتامن..
بثينة بغضب مصطنع وابتسامة شاسعة: وليه إن شاء الله شيخة مهاوي.. وش ناقص أختي عشان ماتعرس.. ناقصها يد وإلا رجل؟!!
ضحكت مها: يا أختي بثون هانم أختش مافيها نقص، النقص يخاف يمر جنبها من بعيد..
فيها زود من كل شيء.. زود جمال وزود عقل وزود أخلاق وزود ثقافة وزود سنع وزود ذكاء..
الرجال مايستحمل المرة اللي كذا.. تجلطه من أول ليلة..
الهنوف بمرح: لا لا ... مها اليوم مبدعة وش هالتحف اللي تقولينها؟!!
مها ترقص حاجبيها: يجي مني أحيان ترا.. بس ماتعطوني مجال حسبي على إبليسكم..
تنهدت الهنوف: تصدقون والله مني متشفقة على أنه الجليلة تتزوج فوق ما تتخيلون...
حرام والله السنين بتفوت وعقب ماحد بيندم غيرها..
مها بمرح: دام كاسرة خاطرش كذا تشاركي أنتي وإياها في تركي، عادي حب لأخيك ماتحب لنفسك.. وتركي ترا أكبر منها بكم شهر..
حينها همست الهنوف بمرح مشابه: وليه ما تشاركين أنتي وإياها في متعب تراه أكبر منها بسنتين؟!..
رغما عنها انطفئت ابتسامتها وهي تتذكر الوضع المتوتر بينها وبين متعب منذ عدة أيام، وهي تتمنى لو يتزوج متعب فعلا..
فهي لا تحب حياة الشد والتحفز هذه..
(ليته يتزوج ويريحني صدق!!)
(بس مهوب الجليلة.. الجليلة لا لا.. الجليلة لا..!!)
ضحكت الجازي: أمنتكم الله شوفو وجه أختي.. تقولون صدقت السالفة..
الهنوف تشاركها مرحها: وش رأيكم نعرض الفكرة على جليلة إذا رجعت من السفر؟!!
صراحة لايقين على بعض متعب والجليلة..
بثينة بدفاع مرح: يووووه وشفيكم على حماتي يا المعصقلات، كليتوها بقشورها جعل عين ولد عمي ما تشوف غيرها..
مهوب كفاية كل وحدة خللت وهي متزوجة مع وقف التنفيذ..
الجازي بمرح: نعنبو قاعدين فوق رأسش؟!!.. تحديني أخلي بيتنا وأجي أسكن عند إخي محمد حبيبي عشان أطلع عينش..
ابتسمت الهنوف مرح مشابه: وأنا بعد أجي أسكن عند بنت عمي حبيبتي..
وخصوصا عقب رجعة حضرة الدكتور المبجل صرت أستحي من قعدة البيت..
بثينة تضحك: الخلا أنتي وإياها.. لأشوف ظل وحدة منكم عند بيتي كسرت كراعها..
استمرت الأحاديث بينهن لوقت طويل.. لينظرن حولهن بدهشة..
وتجد مها أن بناتها قد نمن على الكنبات فتهتف بصدمة: يووووه تأخرت واجد.. أشلون نروح مع السواق ذا الحزة؟
وأنا واعدة أمي أرجع الجازي بعد..
بثينة بمودة عذبة: محمد هنا في المجلس.. دقايق أكلمه وهو بيوصلكم.. أصلا ماراح يرضى تروحون ذا الحزة مع سواق..
مها والجازي غادرتا فعلا مع شقيقهما.. بينما الهنوف تنظر لساعتها بتوتر: أبي أروح للبيت بس خايفة.. الحوش مظلم.. والوقت متأخر
أخاف ينط في وجهي قطو.. والله لاستخف..
بثينة بابتسامة: خلي محمد يجي ويوقف لي وأنا بأوصلش..
الهنوف بخجل ورفض: لا والله ما تفضحيني في رجالش..
ابتسمت بثينة: أجل امسي عندنا.. محمد يمسي في المجلس الخارجي.. أنا وأميرة بس اللي في البيت..
تنهدت الهنوف موافقة: خلاص دقيقة خلني أتصل.. أبلغ البندري عشان يصير عندهم خبر..
أكيد عمي الحين راقد...
الهنوف اتصلت بالبندري.. الهاتف لم يكمل رنته حتى ردت البندري باستعجال وهي تهمس بخفوت : وينش يا الدبة؟ رجالش حشرنا
صدعني يوم جاء قبل شوي ولقاني في الصالة وقلت له إني مستوحشة أقعد فوق بروحي لانش عادش في بيت عمي..
ولع حريقة (اشلون تطول لذا الحزة؟ وطالعة بإذن من؟).. كنت توني بأدق عليش اتصلتي..
الهنوف تنهدت (ياشين الملاغة وادعاء الاهتمام) همست بحزم: خلاص قولي له يهجد شياطينه.. أنا بامسي في بيت عمي طالب مع البنات..
فاجأها صوت مختلف تماما مشبع بالبرود: لا شياطيني ما يبون يهجدون الليلة.. وممسى عندش مافيه..
ما تستحين على وجهش تبين تمسين في بيت فيه رجال غريب؟!!
الهنوف تكتم غيظها: محمد يمسي في المجلس
وأنت عارف ذا الشيء..
تركي ابتعد بالهاتف الذي انتزعه من البندري قليلا حتى لا تسمع مايقول.. وهو يهمس بذات البرود:
يا ســـلام... وتقولين اسمه كذا (محمد) كنه واحد من الربع؟!!!
دقيقتين وألقاش منزرعة قدامي.. وإلا والله لأجي واسحبش..
الهنوف بغضب مكتوم حتى لا تسمعها بثينة: عيب عليك.. وش ذا الأسلوب؟؟
تركي تبدد بروده وهو يهتف بغضب: أنتي خليتي فيها أسلوب!! الساعة صارت وحدة وانتي ما رجعتي البيت.. وتبيني أحاكيش بإسلوب بعد؟!!
الهنوف تنهدت.. تعلم أن هذا الحوار عقيم.. وأنها إن لم تعد سيأتي بنفسه.. همست ببرود: خلاص خل البندري تنتنظرني عند الباب الفاصل..
حينها همس بنبرة سخرية: خايفة؟!!
أجابته ببرود: إيه خايفة.. ولا الخوف مهوب مسموح لي مثل أشياء كثيرة انحرمت منها؟!!..
رد عليها بنفاذ صبر: لاحول ولا قوة الا بالله.. وش ذا اللسان اللي عندش؟!.. خلصي أنا اللي بانتظرش عند الباب الفاصل..
الهنوف بصدمة خجولة: البندري تنتظرني أو ماراح أجي..
تركي بتأفف: أنا والبندري نتناش خلصينا بس..
**************************
" تو الناس يا مدام"
زفرت بتأفف .. ضيق.. اخـــتـــنــــاق
وهي ترى متعب يجلس في صالة البيت السفلية مقابلا لباب البيت الداخلي.. حاجباه معقودان... ويطفو في الجو رائحة احتراق..
يجلس في جلابية البيت التي تكشف عن أعلى عضديه المثقلين بتناسق العضلات..
كم باتت تكره تكوينه الجسدي المثالي المشدود الذي يذكرها بترهل جسدها بصورة تبعث على السخرية المرة..
" أصلا هو واحد أهم شيء عنده الشكل.. والعقل مافيه!!"
دخلت ومعها خادمتيها..كانت هي وكل واحدة منهما تحمل واحدة من الصغيرات النائمات.. ألقت سلاما باردا.. وصعدت لتضع الصغيرات في أسرتهن..
غادرتا الخادمتان وهي مشغولة بتحصين الصغيرات.. حين انتهت والتفتت وجدته يقف مستندا على حاجز الباب الواصل بين صالة غرفتهما وغرفة البنات وعلى أهداب نظرته المرهقة تتوقف الكلمات التي لم يقلها..
لم تقل شيئا وهي تتجاوزه لتغادر.. أمسك عضدها بسكون ورفق وكأنه حذر من لمسها.. وهو يهتف بذات السكون:
صار لي كم يوم مخليش ترتاحين وتفكرين..
الحين أظني بيننا كلام...
خلصت نفسها من عضده وهي تهمس ببرود لم يعتاده منها: مابيننا كلام..
هتف بألم لا يخلو من الحزم: كيف ما بيننا كلام واحنا بيننا حياة كاملة احنا شريكين فيها؟؟
همست بذات البرود وهي تشد على نطق كل حرف بطريقة مقصودة:
قلت لك بكل صراحة.. إني ماني بطايقتك.. وأبيك تعرس وتريحني من القيام بواجب ثقيل على قلبي..
يسمعها للمرة الثانية ومع ذلك ألمه أشد من المرة الأولى بملايين المرات.. نسفت روحه نسفا.. في المرة الأولى لم تكن تنظر في عينيه كالآن..
في المرة الأولى حاول أن يبحث لها عن عذر لم يجده.. ولكن الآن حتى محاولة البحث عن عذر ليست أكثر من سراب يقتله البحث عنه ليجده اختفى..
أجابها ببرود يتمزق خلف متاريسه.. يتمزق بكل معنى الكلمة: وتوش تكتشفين إنش منتي بطايقتني عقب 3 بنات..؟؟
همست ببرودها الذي يقتله مرة بعد مرة: تقدر تقول كذا؟؟
تسيره الصدمة لا التفكير.. يشعر بدوار حقيقي وهو يجلس على المقعد بعد أن خشي أن تخونه قدماه: من جدش مها؟.. وإلا هذا مقلب ثقيل؟.. كلامش ما يدخل العقل..
مها هزت كتفيها وهي تتجاوزه لتجلس على الأريكة مقابلا له .. وتهمس ببرود قاس:
وش اللي فيه مايدخل العقل عشان أعيده؟!
يا أخي ما أحبك وما أبيك.. وما أبي قربك .. وأدري أنك رجال مهما كان محتاج لك مرة.. لكن أنا خلاص ما أقدر أقوم بذا المهمة.. ارحمني منها خلاص
وش تبيني أقول زيادة؟؟
مع أنه جلس لكن الدوار يزداد.. كما لو كان يقف على أرض تميد به.. مازال عاجزا عن الاستيعاب.. قبل أيام قليلة كان كل شيء في حياته يسير بوتيرته المعتادة.. ما الذي فجّر الأوضاع؟
همس لها بنبرة يائسة حزينة أقرب ماتكون للرجاء: مها يا عمري أنتي..زين وش اللي مضايقش مني؟؟.. والله بغيره.. جربيني..
مها تدرين زين وش كثر أحبش.. أنا ما أتخيل حياة من دونش..
مها تتنهد بألم بدد برودها: صار لنا سنة نحاول.. وتوعدني تتغير وما توجعني بالحكي،
لكن نرجع كل مرة لنفس الشيء، خلاص أنا ماعاد أقدر أتحمل.. والله ماعاد أقدر..
متعب وقف وتوجه للأريكة وجلس جوارها وهو يشد يدها ويمسك بها بين يديه الاثنتين:
مها حبيبتي والله ما أقصد أوجعش ، بس والله من زود محبة وغلا.. أبي لش الأحسن..
يمكن أسلوبي خطأ.. مستعد أغيره بعد.. بس إنش تطرديني خارج حياتش وتبيني أتزوج.. هذا موب حل..
أنا أحبش يامها.. أحبش صدق..
مها بحزن وهي تشد يدها من بين يديه: ومحبتك آجعتني أكثر من كراهيتك، خلاص فكني الله يرحم شيبانك..
حينها هتف متعب بغضب مرهق تماما: وعادي عندش أحط فوق رأسش ضرة؟ صاحية أنتي؟؟
مها تنظر له بشكل مباشر لتتخلى عن نبرة الحزن وتهمس ببرود مرعب: وأكثر من عادي بعد..
مصدوم تماما منها.. كما لو كان يتحاور مع مخلوقة لا يعرفها : زين أنا ما أهمش..وكلت أمري لله..
بس ما همش بناتش تجيبين لهم مرت أب؟!.. ما اهتميتي في مشاعرهم؟!! ليش تربكين حياتهم بحساباتش الأنانية..
هم ذا الحين صغار بس بكرة يكبرون.. ومستحيل يكون وجود مرت أب مصدر سعادة لهم..
أجابته بذات البرود: ماعليهم شر.. أنا في بيتي وهي في بيتها..وش بيجيهم منها؟
يكاد يجن منها ومن كل ما تقوله ويبدو له جنونا حقيقيا: وأنتي شنو جنسش؟؟ عادي يوم عندش ويوم عندها.. بدل ما يكون رجالش وأبو بناتش لش بروحش..
هذه المرة تأكدت أن تنحر مابقي من آماله.. تنحرها من الوريد إلى الوريد:
ومن اللي قال لك أبي ليلة لي وليلة لها؟!!..
أنا متنازلة عن ليلتي لها..
أنــــت كــــلــــك لــــــها..
أصلا لولا بناتي وإلا كان طلبت الطلاق.. بس بناتي ربطوا يدي..
أبيك تدخل البيت وتطلع حلال.. وما أبي أحرم بناتي من وجود إبيهم في كل تفاصيل حياتهم..
حـــيــــنـــها..
وقـــــف.. ودون أن ينظر لها.. هتف بنبرة ميتة: ولا عليش أمر.. انقلي أغراضي بكرة لغرفة الضيوف اللي تحت..
قال عبارته.. وغادر المكان كاملا نازلا للأسفل..
كانت مها مستغربة تماما منه .. ومن ردة فعله..
للمرة الثانية يفاجئها..
توقعت منه أي ردة فعل إلا الصمت للمرة الثانية.. مع أنها حاولت فعليا استفزازه.. حتى تقضي على نقطة لعينة ضئيلة من الإحساس بالذنب كانت في داخلها..
كانت تريد استخراج عباراته القاسية الممتهنة التي جعلتها تقرر هذا القرار.. حتى لا تندم أبدا على قرار كان يجب اتخاذه منذ زمن طويل..
ولكنه صمت.. وترك تلك النقطة اللعينة في داخلها..
وحتى تقضي عليها.. بدأت ذاكرتها تستعيد الكثير من الذكريات المرة..
وإن كان تكرم وسكت هذه المرة ...فحياتي معه في السنوات الأخيرة كانت سلسلة من الضربات القاضية، ضربة تلو ضربة وهو يحولني من أنثى متدفقة بالجمال والحياة، إلى شبح أنثى..
أسندت ظهرها إلى الخلف.. وهي تطوي قدميها تحتها.. وذاكرتها تستعيد بمرارة عشرات الحكايات والضربات الموجعة..
.
.
حفل تخرج الجازي قبل عام.. والذي أصرت الدانة أن تقيمه حفلا كبيرا تتحمل هي كامل تكاليفه..
محبة للجازي.. وإحساس بالذنب من خنق شقيقها لفرحة هذه الصغيرة
وهي تتمنى أن تستجلب بعض السعادة لروحها الغارقة في الضيم..
وما لا يعلمه أحد أن خالد أصر أن يدفع هو كامل تكاليف الحفل وزيادة ..بعد شجار عنيف مع دانة التي كانت رافضة تماما..
لينتهي الأمر بقذفه للظرف في حجرها وخروجه وهو يهدد إن حاولت أن ترجعه أن يكون آخر ما بينهما..
(أظني إنها مرتي..
لا صرت في حاجة فلوسش يا بنت أبي.. جعل ربي ياخذ عمري قدامها)
لتنتفض الدانة بعنف وهي تقفز خلفه وتقبل رأسه وتشده لحضنها، وهي مازالت ترتعش: طالبتك ما تقول كذا.. تبي تذبحني ناقصة عمر..
تدري بي ما أداني ذا الكلام..
حينها ابتسم ابتسامته العابقة بسحره الخاص.. الابتسامة التي ما فتئت تفتنها من صغره:
زين دام طاح الحطب.. امشي معي لغرفتي.. بأعطيش هدية تخرج الجازي عطيها إياها عقب حفلتها بكرة..
توترت الدانة.. ولكنها لم تبين له شيئا.. لم ترد أن تخدش سعادته التي بدت متألقة في بريق عينيه الغاليتين..
وما لم يعلمه خالد أن الهدية مازالت تقبع في غلافها الفاخر داخل دولاب مهجور من خزائن دانة بعد أن رفضت الجازي مجرد مد يدها للكيس..
وهي تزفر حريقا مؤلما: يعني دانة تبين تخربين ليلتي على أخرها؟!!.. والله كنت مبسوطة ومستانسة..
الدانة بألم: لذا الدرجة الجازي.. حتى هديته بتنكد عليش؟؟
مازالت الجازي تزفر حرائقها اليائسة: رجعيها له.. ما أبي منه إلا شيء واحد.. أنتي عارفته.. أبيه يطلقني.. هذي بتكون هدية عمري كله..
تراجعت دانة بألم وانكسار.. لملمت أذيال الحرقة وهي تضم قلبها على حرقة شقيقها الذي أتلفت اللهفة خلاياه..
لم تعلم حتى ماهي الهدية .. كل ما تعلمه هو ماجاء في البطاقة التي تدفق فيها خطه الأنيق:
ألف مبروك ياقلبي..
كنت أتمنى أن أقولها بنفسي وأنا ألبسكِ هديتي بيدي..
كل مافيني أذابه الحنين..أذابه الحنين!
أ لم تكتفِ من القسوة بعد؟!
قرأت نزف شقيقها عدة مرات وهي تنزف حزنها معه
قبل أن تعيد البطاقة لداخل الكيس لتقبع في برودة متطاولة بعيدة عن عيني صاحبتها..
برودة استمرت لعام كامل.. ولا تعلم كم سيكتب عليها أن تبقى حبيسة برودة الأدراج المغلقة!!
ولكن نزف الدانة أبي إلا أن يستمر وكأن حزن شقيقها لابد أن يحاصرها..
كانت تخلع ساعتها ومجوهراتها حين وصلتها الرسالة القصيرة المشحوذة كرهافة مشاعره المعقدة:
"قولي إنها عجبتها.. أرجوش.."
رغما عنها بكت.. كثير كل هذا على قلبه.. أربع سنوات وقلبه ينزف.. تخشى أن تجف عروقه من دمها..
أرادت أن تريحه برد قد يكون منطقيا:
أظني عجبتها.. بس ما بينت..
دقيقتان عبرتا.. ليفاجئها برسالة أنهت ما بقي من تجلدها:
قولي لها.. هذي هي تخرجت
أربع سنين ماكفتها تنسى وتسامح
القلب ماعاد فيه صبر ياقلب أخيش..
والله ماعاد فيه صبر..
حينها سال كل الكبت.. خالد بالذات لا تحتمل حزنه..
وكان دخول سعود لحظتها هو أخر خطوط التماسك..
انهارت وهي تتمسك بساقيه ليرفعها بجزعه الرجولي المتدفق دافنا جذعها في حناياه بكل قوة..
حــــزن
حــــزن
حــــزن
تلك الليلة أشبعت الجميع بالحزن وخصوصا من استدعت ذاكرتها تلك الليلة..
كانت تعود من الحفلة..
وهي تخلع عباءتها ، صدمتها نبرته القاتلة المستنكرة:
من جدش لابسة كذا قدام العالم؟!!
التفتت مها نحوه باستغراب: ليه وش فيها؟!!
بذات الاستنكار وهو يقف ليدور حولها: ما تعرفين تلبسين لبس يخبي زوايدش شوي..؟؟
لابسة ضيق تحسبين روحش غصن البان..؟!!
طلي في المراية شوفي أشلون شكلش يفشل ... شحومش نافصة من كل زاوية..
لم ترد عليه.. هي أيضا كانت سعيدة الليلة.. الجميع أطرى على قصة شعرها الجديدة التي ناسبت دائرية وجهها..
كانت تظنه سينتبه للقصة.. لكن ذهنه كان مع شيء آخر..
وليلتها السعيدة انتهت بحزن أشد وحشية مما انتهت به سعادة أختها..
لم ترد.. لأنها تعلم أنها إن سمحت لانطباقة شفتيها بالانفراج.. سيكون هذا الانفراج صرخات بكاء يستحيل أن تُخرجها حتى لا تشمته فيها..
زمت شفتيها بقسوة.. وهي تتوجه لدولابها وتفتحه..و تشد بيجامتها بعنف كاد يمزقها..
لتتفاجئ بمن يسد طريق الحمام عليها.. وهو يدخل كفيه بين خصلات شعرها ويهمس بنبرة رجولية ثقيلة: القصة والصبغة تجنن عليش يا روحي..
حينها انفجرت.. انفجرت: أنت وش جنسك؟؟.. تبي تجرح وتداوي في نفس الدقيقة..
حرام عليك.. حرام عليك..
تعرف أن موضوع جسمي يضايقني.. ومع كذا لازم كل ليلة تطربني فيه..
أرجوك متعب، احشم إني أم بناتك..
أنا ماني بمستحملة لا تصريح ولا تلميح للموضوع..
ولا تقرب مني ولا تكلمني..باروح لغرفة لبناتي..
ولا تلحقني.. لو لحقتني باقط روحي من الدريشة عشان أريحك..
ينظر لظهرها المرتعش بصدمة: يمه اشفيها ذي؟؟ شبت من أقل كلمة
يعني لو كنت أبي مصلحتها وما أبي حد يتمسخر عليها تركبني الغلط؟!!..
.
.
.
ذات الحكاية تتكرر وتكررت سابقا بظروف وأشكال وحوارات مختلفة
ووجعها هو ذاته الذي لا يتغير.
تعبت وهي تحاول أن تبين له ضيقها من الموضوع، لكنه لا يتراجع أبدا..
يعتقد أنه سيؤلمني.. ماعاد هناك امتداد أكثر للوجع..
لا يهمني شكلي.. لست سطحية ليكون هذا محور اهتمامي
ولكن ما أهمني ويهمني حتى تعبت هو نظرتك الجارحة لي..
كلماتك المسمومة..
تعبت.. وآن لي أن أرتاح.. تزوج أخرى تلقي عليها سموم كلماتك وقربك المريض..
ماعدت أريد منك أي شيء..
يكفيني زهراتي الصغيرات عن الدنيا بأسرها!!
**************************
طرقاته ترتفع على باب صالة البيت ومعه ندائه الجهوري " ياهل البيت.. ياهل البيت"
تفتح بثينة له الباب وهي تهمس برقة: تعال حبيبي مافيه حد..
ينزل محمد الأكياس من يده وهو يشير بعينيه مع ابتسامته الدائمة: الدلوعة عادها معتكفة؟؟
ابتسمت بثينة: عادها.. الله يعيني عليها لين ترجع الجليلة..
تخيل بنات عمي وخواتك جايين يبون يوسعون خاطرها.. مارضت حتى تنزل لهم..
ابتسم محمد: عاد أختش هذي غير نمونة.. مهوب لازم فطمتوها من زمان.. كنكم طولتم شوي؟!!
بثينة تضحك: حرام عليك محمد.. لا الكبيرة عاتقها ولا الصغيرة..
محمد بذات الابتسامة الدافئة التي تذيب حشاها: أصلا أنتي ياحبيبتي الوحيدة الطبيعية في عايلة غريبي الأطوار ذولا..
الجليلة القائد العسكري المرعب.. ومساعد حضرة العقيد اللي تقول عمره خمسين سنة..
أما أميرة البيبي اللي عمرها سنتين وتبي الجليلة تعطيها مرضاعتها..
بثينة ابتسمت بدفء تعلم أنه يحترم عائلتها كثيرا بل يعز كل أفرادها..
ولكنها عادته في التعليق.. حتى أشقائه لكل واحد منهم لقب.. هو حتى على نفسه يكثر التعليقات..
محمد بذات الابتسامة: زين أنتي قفلي الببيان زين.. أنا بأمسي في المجلس وتلفوني عندي إذا بغيتو شي دقي علي..
بثينة باهتمام: حبيبي نام هنا في مجلس النسوان..
محمد برفض قاطع: لا حبيبتي مايصير... ما أقدر أنام داخل البيت..
**********************************
قبل ذلك بساعات..
تنهدت للمرة الألف ربما وهي تضغط زر الاتصال ثم تعاود كف يدها..
تقتنصها المرارة والشوق وإحساس الخذلان والغيرة
(بأتصل..
بس والله لا ألقاه مشغول أو معك خط..
مايكفيني شرب دمك ياجابر)
نقرت زر الاتصال بارتعاش لا تعرف له سببا.. تخشى من كل ما سيلي المكالمة .. بل تخشى تفاصيل المكالمة.. بل وحتى تخشى رنات الهاتف التي طالت طالت كثيرا..
قبل أن يأتيها صوته الناعس الفاخر العاتب: هلا بأم سعود.. حياها الله .. زين عادها متذكرة أبو سعود..
شعرت بتدافع الدم إلى قلبها.. ونبضاته تتدافع بإرهاق عال وضغط الدم يرهق أنفاسها الخارجة بصعوبة من رئتيها:
صحيتك من النوم؟؟ مهوب عوايدك تنام عقب صلاة العشاء على طول..
نحرتها أجابته العفوية: إذا كثرت همومك ياعبدي انسدح... وش تبيني أسوي يعني؟!.
صمتت لم تستطع أن تقول شيئا وعبرة مرة تقف في منتصف حنجرتها..
كان من أكمل وهو يقول بحزم حنون: أشلونش؟ وأشلون سعودي فديت قلبه؟.. مشتاق له شوق ذا الجني.. في كل مكان تتخايل لي عويناته..
حينها همست باختناق عذب: بس سعود اللي مشتاق له؟!!
ابتسم: لا تسألين عن شيء أنتي عارفته ومتأكدة منه
همست بذات الاختناق: لا ماني بعارفة ولا متاكدة من شيء.. كل شيء في حياتنا تشوش من يوم............
صمتت وهي تختنق..
استحثها بحزم: كملي.. من يوم بديتي تشكين فيني بالردى اللي مهوب صوبي ولا أنا صوبه..
همست بألم: وهو صدق شك بس يا جابر..؟؟
جابر بغضب: دام اللي في رأسش في رأسش.. ليه متصلة علي.. عشان تغثيني؟؟
أجابته بعفوية مثقلة بالعذوبة: لأني اشتقت لك.. وماعاد فيني صبر.. ولو ماسمعت صوتك كنت استخفيت..
تنهد بيأس وعبارتها العفوية تملأ روحه بقيح الألم: ياغالية ياحبيبتي.. ليه ما تبين تعلميني من هي قليلة الأصل اللي تبي تخرب حياتنا..
أنا مستعد أواجهها أو أكلمها قدامش.. حرام عليش غالية هذي ماعاد هي ب حياة.. أنا قربت انفجر.. صدقيني صبري وصل أخره..
همست بذات الاختناق المر: ما أقدر يا جابر.. والله ما أقدر..
حينها هتف لها بقسوة: خلاص دام ذا الحيوانة أهم عليش من حياتش وأبو ولدش.. خلاص اقلبي وجهش..
ولا عاد تكلميني..
كلها أسبوع واحد وأرجع لسجنش وقتها اخنقيني مثل ماتبين..
*******************************
بعد أسبوع.. وكم من العودات كانت تنتظر نهاية هذا الأسبوع..
.
.
.
"أميرة يا حبيبتي الحين أنتي ليه تبكين كذا؟!"
أميرة تنتحب: أسبوع يا جليلة أسبوع.. قلتي لي يومين وأرجع لش.. كنتي تكذبين علي..
تتنتهد الجليلة وهي تجلس على طرف السرير.. بجوار من تدفن وجهها في مخدتها وتنتحب، تمسح على شعرها وتهمس بحنو:
يا عمري أنتي والله ما قدرنا نشوف شهاب إلا عقب أربع أيام من وصولنا.. يادوب شفته مرتين بس.. والله عشانش رجعت أسرع ما قدرت..
حينها همست بثينة التي كانت تجلس في الناحية الأخرى من السرير همسا مترددا:
اشلونه شهاب؟؟ ليه ما قدرتوا تشوفونه إلا عقب 4 أيام؟؟ عسى مافيه شيء؟
الجليلة بنبرة عميقة من المودة : شهاب طيب.. كان يستعد لمناقشة رسالته الدكتوراه وعشان كذا ماقدرنا نشوفه..
شهقت بثينة بصدمة حقيقية: دكتوراه؟!!.. والدكتوراه اللي خذها قبل كم سنة؟؟
الجليلة هزت كتفيها بحزن: دكتوراه ثانية.. وش بيسوي ياقلب أخته خليه يقصر الوقت عليه لا يستخف..
ثم أردفت بسعادة قاصرة مغمورة في حزن غريب: سبحان الله يمكن ربي يبي يفرحني أحضر مناقشته.. لأنه ماحضرت مناقشته الأولى.. ولولا إنه جايين بالصدفة في ذا
الوقت.. وإلا كان فاتتني بعد..
أنا حتى ما كنت أعرف إنه سجل دكتوراه ثانية..
ثم أردفت بحماس وهي تهز أميرة وتهمس لبثينة: تعالوا خلوني أوريكم صوره في المناقشة.. وفيديو المناقشة... ماكان راضي أني أصور.. بس ماعلي منه..
شيء من الخيال وقفته ورزته وهيبته وكلامه وقدرته على النقاش والمحاججة.. ماخلا حد من لجنة المناقشة يقدر يفتح ثمه حتى... مسحهم مسح..
**************************
"يا أهل البيت.. يا أهل البيت.. يا الفهدات وينكم؟؟"
تخرج من غرفتها وهي تعدل برقعها على وجهها بعد أنهت وضوءها لصلاة الظهر وتبقى على الآذان نصف ساعة..
كانت توشك على صلاة سنة الوضوء، حين سمعت صوته الغالي يتعالى مناديا..فخرجت له..
وهي تهمس بعتب: منت تبي الفهدات ولا غيرهم.. أبطيت علينا يا أبو سعود..
جابر ينحني على رأسها مقبلا وهو يهمس بمودة واحترام حقيقين: جعلني فدا فهدة العودة اللي دارية بغلاها وتحب تغلى.. ظروف شغلي جعلني فداش
أم جابر حينها همست بمودة وهي تقبل خده: لا عاد تفدى بي..
أدري تلعب على فهدة العودة.. لكن دواك فهدة الصغيرة..
جابر ضحك: يا الله سترك.. ما أعرف سميتش ذي ليه ماخذت من طبوعش الزينة..
" إيه عادك مخليني ذا كله... وتسبني!!"
كان صوت فهدة الصغيرة يتعالى بحماس.. وهي خارجة تركض من غرفتها التي تجاور غرفة جدتها..
هتف جابر بمودة عميقة عميقة وهو يفتح ذراعيه لها : تعالي حبي خشم أبيش جابر.. وعقب اقطعي أذانيه.. كله حلالش..
فهدة ارتمت في حضنه ليرفعها عاليا: اشتحنت لش يا الدبة..
فهدة الصغيرة بعتب كعتب جدتها: اشتحنت لي وأنت مهملني أسبوعين..لا ومع بداية عطلتي؟!
جابر جلس وأجلسها على فخذها وهو يهمس لها بمحبة: تدللي وش تبين؟؟
فهدة تسند رأسها لكتفه وتهمس: أول شيء روح جيب خالتي غالية وسعودي.. عشاني مشتاقة له.. وعقب بوريك الشغل..
جابر يلتفت لوالدته بحدة غاضبة: غالية ماجاتكم من يوم رحت؟؟
أم جابر بهدوء: يا أمك توها كانت هنا البارحة الأولة.. غير تعرف فهدة متعلقة في سعود..
ثم أردفت بهمس بنبرة مقصودة: مرتك ذهب يا جابر.. اعرف قيمة الذهب يا أمك..
جابر تنهد وهو يقف ويوقف فهدة معه ويهمس لها: يا الله أروح أنا وإياش نجيب سعود وأمه..
****************************
" يوه فديتك يبه..
أحلى طلعة طلعتها من زمـــــان
مستانسة حدي"
يهتف أبو فرات بأسلوبه الرقيق الراقي وهو يرتشف الشاي بهدوء: أنا اللي استانست معش يا أبيش.. اختيارش دايما موفق للمكان..
وأنتي يا أبيش من يوم عطلتي من الجامعة وأنتي ماتطلعين إلا نادر..
ثم أردف باهتمام: إلا ماقلتي لي كم ساعة سجلتي الفصل الجاي؟؟
وضعت الشوكة في طبقها وهي تهمس بحماس: 16 ساعة.. وتراك وعدتني تساعدني في مشروع أو مشروعين الفصل الجاي
المشروع اللي سويته معي الفصل الماضي سوا ضجة في الجامعة كلها..
قاطعها مبتسما بمحبة: وخذتي عليه المركز الأول.. كم مرة علمتيني؟!!
ضحكت مي: أكيد لازم كل شوي أقول لك...أنت تتخيل إنه بنت في سنة أولى تفوز حتى على طلاب سنة رابعة..
ولولا أنت بعد رب العالمين.. ماكان خذت المركز الأول..
ابتسم جدها بحنو عظيم: ترا كل اللي ساعدتش فيه مجرد لمسات في المراجعة النهائية.. عقب ماخلصتي أنتي كل شيء..
مي بفخر ومودة: من جدك يبه تسميها مجرد لمسات؟.. هذي موب مجرد لمسات... هذي لمسة حمد آل سطام الخاصة.. أشهر وأحسن رسّام في قطر..
ابتسم أبو فرات : تراش قاعدة تنفخين في جدش على فاضي.. تراه شيبه بدوي راعي حلال ربي فتنه في الرسم على غير سنع.. بدل ما يقول يا الله حسن الخاتمة..
مي تبتسم بحنو: وأنت مارسمت إلا بداوتك.. بيوت الشعر والصحاري وعيون الماء..
ثم أردفت بمرح: لا رسمت أرواح ولا مزهريات وصحون فاكهة..
أبوفرات بنبرته السماوية العميقة والغريبة: الله يبعدنا عن مايغضب رب العالمين.. والله يا بنتي لو عليّ.. حتى وقت الرسم.. ودي إنه في عبادة وفي ذكر..
بس الرسم في دمي.. وأخفف عن نفسي إن هذا من الترويح المشروع عن النفس..
ولا جيتي للحق.. اللي يرسم أحسن مني فرات.. بس فرات ماعنده وقت يروّح حتى عن نفسه.. هالك روحه في الشغل..
مي ضحكت بخفوت: خله يكمل لوحته اللي صار لها سنين معلقة..
يروح يرسم غيرها.. وهي متروكة في صدر مرسمه.. لا هو اللي كملها... ولا هو اللي نزلها من مكانها..
هتف أبوفرات بسكون عميق: تعرفين هذي اللوحة تمثل إيش؟؟
مي حينها همست بحماس شديد تحاول كتمه: تدري يبه؟! تدري؟!... لأنها ملامح اللوحة موب مبينة كلش.. وفرات يقول إنها ما تمثل شيء معين..
حينها استند أبو فرات للخلف وكأنه ينظر لشيء غير مرئي.. وهتف بذات النبرة السماوية التي تخصه وحده:
يرسم بيتنا القديم!
****************************
" خالد فديتك تقدر تجيني في شغلي.. سعود في الزام.. والسواق عنده شغل"
لم ترد أن تقول إنه ذهب لإحضار الجازي التي ستخرج مبكرة من عملها اليوم..
فهي تعلم أن مجرد ذكر اسم الجازي أمامه.. قد يفجر في داخله ردات فعل عسيرة على التوقع..
يرد خالد بشهامة ومحبة: أجي لمندوبش يا بنت هادي.. مسافة الطريق..
أنا أصلا موب بعيد.. كنت أخلص صفقة كمبيوترات في موقع قريب منش..
دانة بمحبة عميقة: جعلني ما أخلا منك يا نظر عيني.. يا الله أنا أنتظرك..
بعد ربع ساعة كان خالد يصل لدانة التي استوت جالسة جواره وهي تهمس باهتمام: يعني خلاص عزمت على البيزنس الخاص؟!
يبتسم خالد: يعني كنش ماتدرين.. كل شيء شاورتش فيه..
ثم أردف بحزم لا يخلو من حزن: خليني ألقى شيء ألهى فيه.. شغلي الصبح.. العصر وش أسوي؟؟
وبعدين المدير اللي حطيته.. مهندس إبراهيم.. تعرفينه.. كان معي في الشغل وخلص عقده..
أعرفه من خمس سنين.. مارح ألقى أحسن منه.. فقررت أستغل الوقت والظروف..
وخصوصا أن المستقبل للاستثمار في قطاع التكنولوجيا..
دانة تبتسم: بس تكون واعي لشغلك.. تقدر موظفينك..وتعطي الناس حقوقهم ..وما تثق في حد مية بالمية..
خالد يرد الابتسامة بابتسامة: لا توصين حريص.. تربيتش يا أم سعيد..
وهذا احنا قربنا من بيتش..
كان خالد حينها يكاد يدخل مع بوابة البيت ليتواجه مع سيارة البيت، التي رأى فيها الخادمة بجوار السائق..
حــــيـــــنـــــها...
تثاقلت أنفاسه.. تثاقلت كثيرا.. وهو يترك السائق يدخل قبله..
يشعر بها قريبة.. قــــــريـــبـــة.. وأنفاسه تتثاقل أكثر وأكثر..
تصاعد التوتر في داخل دانة وهي ترى سيارة البيت تقف.. والخادمة تنزل منها لتتوجه للباب الخلفي وتفتحه.. لتتناول حقيبة اللابتوب من الجازي..وتدخل البيت..
همس خالد بتثاقل تكاد أنفاسه فيه تذهب حسرات وهو يستعد لفتح بابه لينزل دون تفكير:
الجازي.. صح؟؟
تهمس دانة برجاء عميق وهي تمسك بمعصم خالد وتشده إليها بقوة لتمنعه في النزول:
منت بصاحي..خالد تكفى ما تنزل.. طالبتك يا أختك!!
+
خالد يستعيد سيطرته على تصرفاته الظاهرة وليس على مافي داخله.. فداخله يذوب يذوب بكل معنى الكلمة..
آخر مرة رأى (زولها فقط) كانت قبل أكثر من عامين.. استوى من الشوق.. استوى تماما..
هذا لو كان قد بقي فيه ما يستوي.. وكل مافيه بات رمادا من حرائق الشوق..
هتف بحزمه الظاهري/ ذوبانه الداخلي: أنا اللي طالبش يا أخيش..أنا أكون موب صاحي لو مانزلت..
قالها وهو يخلص يدها من معصمه برفق..
وينزل من سيارته بحزم في خطوات سريعة متوجها للسيارة الأخرى..
همس خالد بتثاقل تكاد أنفاسه فيه تذهب حسرات وهو يستعد لفتح بابه لينزل دون تفكير: الجازي.. صح؟؟
تهمس دانة برجاء عميق وهي تمسك بمعصم خالد وتشده إليها بقوة لتمنعه في النزول: منت بصاحي.. خالد تكفى ما تنزل.. طالبتك يا أختك!!
خالد يستعيد سيطرته على تصرفاته الظاهرة وليس على ما في داخله.. فداخله يذوب يذوب بكل معنى الكلمة..
آخر مرة رأى (زولها فقط) كانت قبل أكثر من عامين.. استوى من الشوق.. استوى تماما..
هذا لو كان قد بقي فيه ما يستوي.. وكل مافيه بات رمادا من حرائق الشوق..
هتف بحزمه الظاهري/ ذوبانه الداخلي: أنا اللي طالبش يا أخيش..أنا أكون موب صاحي لو مانزلت..
قالها وهو يخلص يدها من معصمه برفق..
وينزل من سيارته بحزم في خطوات سريعة متوجها للسيارة الأخرى..
في حـــيــنــــها..
كانت الجازي مشغولة في هاتفها من قبل أن تصل إلى البيت..
لذا لم تنتبه إلى سيارة خالد إطلاقا ، ولذا أيضا تأخرت قليلا في النزول من السيارة..
وكانت تستعد للنزول حين فوجئت بالجسد الضخم الذي سد عليها فرجة الباب بالكامل
رفعت عينيها بجزع لترى من هذا..
ليتحول الجزع إلى رعب حقيقي صِرف.. مختلط بخجل عميق.. محاط بأسى أعمق.. وحرقة أعمق وأعمق..
عيناها تعلقت بعينيه دون أن تستطيع أن ترمش أو تغلق عينيها لجزء من الثانية..
وهي تهمس باختناق مصدوم بصوت شديد الخفوت لم يستطع تجاوز حنجرتها حتى يسمعه سواها :
خــــــــالـــــــــــد..
وهــــــــو..
لأول مرة يكون بهذا القرب الحميم منها بعد ست سنوات عِجاف، بعد محاولتها الطفولية الاختباء خلفه خوفا من شقيقها محمد قبل ست سنوات كاملة..
المحاولة التي أذابت قلبه وهو مازال في أول طريق العشق.. فكيف وهو الآن في آخر الطريق.. وماعاد لعشقه لها مقياس ولا نهايات؟!!
حينما يتذكر تلك الذكرى الأثيرة يشعر أن عضديه يحترقان مكان لمستها الأبدية، حينما وضعت كفيها عليهما وهي تختبئ خلفه من محمد..
أما تلك الذكرى المقيتة.. ذكرى ضربه لها قبل خمس سنوات.. فلا يعتبرها لمسة ولا بأي نوع.. فهو كان فاقدا لعقله تماما..
لا يتذكر حتى ما الذي فعله بها.. كان يسيره غضبه الأسود المدمر..
لـــكــنـــه الآن يقف أمامها بكامل وعيه..
وفي ذات الوقت يشعر كما لو كان دائخا بغير وعي.
كان يشرب بولع نظرات عينيها الجزعتين التي تطل عليه عبر فتحات نقابها، كان يتنفس قربها بكل عطش الكون، فروحه أجدبت انتظارا لقربها الذي شحت به عليه..
وإن كان هو عجز عن الكلام.. فهي عجزت كذلك..
وهو إن كان عاشقا أخرسه العشق.. فهي أخرسها الخجل..
لكن الموقف كله كان محرجا.. محرجا جدا..وهي لا تعلم ما الذي جاء به في هذا الوقت تحديدا.. ودفعه لهذا التصرف الذي بدا غريبا..
وهو يسد عليها طريق النزول دون أن يتزحزح أو يتكلم..
لذا دفعت كل الجرأة الممكنة في عروقها وهي تهمس باختناق خجول بنبرة صوت أعلى هذه المرة ليسمعها: خالد تكفى وخر.. تكفى بأنزل..
يــــا الله!! يــــــــا الله!!
لأول مرة يسمع صوتها منذ أصبحت زوجته.. لا يعلم كيف تصاعد عشقها في روحه هكذا وهو لم يراها ولم يسمع لها صوتا حتى..
وكأن حبها لعنة مرصودة حبست روحه في مجراتها..
سماع اسمه منها.. أصابه في مقتل.. وكأنه قد بقي في روحه مكان ليس فيه مقتل منها..
فروحه ممتلئة بالثقوب النازفة..
خالد حينها همس بنبرة سماوية لم تكن لتكون إلا لها.. لـــــها وحــــدها:
الجازي تـــكــفين..قولي اسمي بعد.. تــــكــــفـــيــن..
شيء ما اهتز في روحها .. نبرته أثيرية..واسمها بهذه النبرة أشبه بالسحر الخالص..
كانت تشعر بدقات قلبها تصم الآذان وألم متزايد يتصاعد في معدتها: نعم؟؟
خالد مازال محلقا: الجازي حبيبتي.. قولي اسمي بعد..
الجازي ترتعش وكلماته تبعثرها كذرات رمل في يوم هائج ، كانت تذوب توترا وخجلا:
خالد اشفيك؟؟..تكفى وخر خلني أنزل.. تراك تحرجني كذا..
حينها همس بنبرة من استعاد وعيه بعد غيبوبة طويلة:
وش فيني؟؟ تسأليني وش فيني؟؟
تخيلي القاتل يسأل المقتول وش فيك؟
ذبحتيني في اليوم ألف مرة وتسأليني وش فيك؟؟
الجازي أنا أموت في غيابش.. أنتي وش القلب اللي عندش؟؟ حجر؟؟
نعم غلطت.. مليون مرة غلطت..الله يأخذه من يوم ذاك اليوم.. وليته الله خذني أنا يومها..
ليتني مارجعت من السفر.. ليتني سويت حادث على الطريق..
خلاص الجازي سامحيني..
وش تبين أنا حاضر؟؟.. لو مديت عليش يد أو حتى رفعت صوتي عليش.. اتركيني.. وعد حر ما يجيش مني أدنى شيء يضايقش..
خمس سنين وأنتي تعذبيني وتستمعين بعذابي..
خمس سنين كلت من روحي أكل.. وأنا أنتظر رضاش السامي عشان يجمعنا بيت..
الجازي تختنق بعنف (هذا وش فيه قلب دراما كوين؟)
كانت تختنق خجلا وتوترا .. ونبضها يصم أذانها.. والكلمات تحجرت بين شفتيها..
ولكنها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى..
فرصة لم تتح لها سابقا، أن تطالبه بحريتها بنفسها..
لذا حاولت أن تهمس بحزم قدر ما سمح لها خجلها الفطري، فهي لم تعد الجازي الطفلة:
خالد أنت اللي عذبت نفسك وعذبتني معك..
حررني وحرر روحك.. أنا مستحيل اجتمع معك في بيت لو تنطبق السماء على الأرض..
طلقني ياخالد.. طـــلـــقـــنـــي!
حـــيـــنـــهـــا صُعقت الجازي بردة فعله التي لم تتوقعها أبدا.. أبـــــدا!!
في أثناء ذلك الحوار بين خالد والجازي..
كانت دانة ماتزال في السيارة.. فقدماها عاجزتان عن التحرك.. لهولها من تصرف خالد الجريء..وخوفها من تبعاته..
كانت ترى خالد يتوجه لسيارة البيت.. وتراه وقف في فرجة الباب المفتوح..
كانت ترى رأسه يتجاوز طول باب السيارة المرتفعة وهو يحني نظراته لمن تجلس في المقعد ولا تراها دانة لأن السيارة كانت مغيمة الشبابيك بالسواد..
رأت دانة أن الحوار طال نوعا ما.. فهي توقعت أن هذا اللقاء لن يستغرق دقيقة..
لذا قررت النزول والتدخل قبل أن يراهما أحد آخر..
**********************************
"الله يهداك... ليه ماعلمتني بموعد جيتك.. كان رتبت مكاني وانتظرتك في البيت"
كانت هذه عبارة غالية العاتبة.. وهي تدخل غرفتها.. وجابر خلفها.. بعد أن تركت سعود في عهدة الفهدتين..
جابر بغضب: وأنتي أساسا ليه تقعدين الأسبوعين كلها عند هلش.. ماكفاش أسبوع وأنتِ مهملة أمي وفهدة وأنتي عارفة وش كثر متعلقين في سعود؟؟
الغالية بضعف: والله كنت أجيهم كل يومين..و كنت أبي خالي جبران يأخذ راحته.. يدخل ويطلع براحته..
وبعدين ضايق خاطري.. ضايق جدا..كنت أبي أمي ومزنة..
تنهد جابر وهو يشد غالية ليحتضنها ويهمس في إذنها بحنو غامر ونبرة مقصودة: ضيقتش من نفسش.. ودواها عندش..
غاصت أكثر في حضنه وهي تهمس بحزن: ماتحرق النار غير واطيها..
*********************
"أنا أشك أنه في يوم من الأيام بتأكلون ذا البزر أنتي وجدتش"
نظرت فهدة الصغيرة لعمتها ضي وهمست بمرح وهي تلاعب سعود الصغير: وبناكل ولدش المعفن اللي بتجيبنه بعد.. عندش مانع؟!
ضي ضحكت: ولدي بحط عليه اثنين بودي جارد.. واحد لش وواحد لجدتش..
هتفت فهدة الكبيرة بغضب: أنتي يا مضيعة المذهب، كم مرة قلت لش لا عاد تجيبين طاري العرس.. تخربين فهدة..
قامت ضي بجوار والدتها لتقبل رأسها وتهمس بمرحها المعتاد: لا حول ولا قوة إلا بالله .. بنتش النتفة ذي فهيدة تخرب بلد.. وبعدين أنا جبت طاري عرس؟! أنا جبت طاري عرس ياناس؟!!
تبهتين بنتش المزيونة..
يعني قايمة عليّ عشان قلت ولدي!!.. وهي أول من قال ولا قلتي لها شيء... صدق.. لا حبتك عيني ما ضامك الدهر..
ثم أردفت بنبرة حزن مصطنعة وهي تمسح دموعا خيالية: بأروح لخالي جبران.. ماحد يحبني في البيت غيره..
فهدة الصغيرة تضحك: صدق الرازق في السماء والحاسد في الأرض مثل ماتقول أمي فهدة... ولا تروحين لجدي جبران.. معزوم عند رجال..
حينها انفجرت ضي بالضحك: نعنبو أنتي شايخة على البيت كله.. ماحد يتحرك إلا مستأذن جناب حضرتش..ومعطيش خط سيره..
فهدة ترقص حاجبيها بحركاتها الطفولية: ترا ما حاسبتش أنش رحتي ذاك اليوم الجامعة ماعلمتيني..
ضي تقوم من مكانها لتدغدغ فهدة وسعود كلاهما وهي تنقل قبلاتها الحانية بين الاثنين:
يا الله تعالي وريني اشلون بتحاسبيني يا سيدة ملعقة؟!!
**********************************
هتف أبوفرات بسكون عميق: تعرفين هذي اللوحة تمثل إيش؟؟
مي حينها همست بحماس شديد تحاول كتمه: تدري يبه؟! تدري؟!... لأنها ملامح اللوحة موب مبينة كلش.. وفرات يقول إنها ما تمثل شيء معين..
حينها استند أبو فرات للخلف وكأنه ينظر لشيء غير مرئي.. وهتف بذات النبرة السماوية التي تخصه وحده:
يرسم بيتنا القديم!
همست مي باستغراب: بيتنا القديم؟؟
هتف أبو فرات بعمق: تذكرينه؟؟
ابتسمت مي: مو كثير.. أتذكره أيام الإجازات اللي كنا نرجع فيها من أمريكا.. لأنه من يوم استقرينا في الدوحة وإحنا في بيتنا هذا..
والبيت أعرف إنه انهدم.. يعني ماعاد موجود.. فأكيد لو إبي يبي يرسمه.. فهو يرسمه من الذاكرة.. أو من صورة لو عنده صورة له..
أبو فرات بثقة: مو لو يرسمه.. هو يرسمه..
مي بذات الابتسامة: وليش متاكد كذا ؟؟ هو قال لك؟؟
ابتسم أبو فرات: مستحيل يقول لي.. بس أنا عرفت بنفسي.. ولا تقولين له شيء..
ثم أردف بحنو: خلاص يا أبيش نمشي؟؟
أعرف إنه ماقعدنا إلا شوي بس السموحة يا أبيش.. أنا واعد حمد أمره عند الحلال.. فيه بَكْرة مريضة ولا عرفوا وش علتها.. لازم أمرهم..
مي بمودة: إيه فديتك.. نمشي..عادي.. ماقصرت جعلني ما أبكيك
ثم أردفت بمرح: وحمد مسوي فيها راعي حلال.. وهو ما يمر يومين ما يدعيك تجيه تسنعهم..
أبوفرات بمودة عميقة: جعلني ما أبكيه.. والله إنه في المكان أكثر مني ومهتم أكثر مني يوم إني عندها..
بس مهوب من كثر سنينه.. توه صغير وتنقصه معرفة أشياء كثيرة.. هذا هو يتعلمها مني..
مي بمرح ومودة: أجل بتسهر معي وتعوضني..
أبوفرات بتلقائية: ودي يا أبيش.. غير عندي لوحات مشروع الفندق الجديد.. وجننوني يبونها عشان رسامينهم يبدون نسخ عنها.. وباقي لوحتين أبي أخلصها..
ابتسمت مي: خلاص أجل بجي عندك المرسم.. والله ما أقول شيء.. بس بتفرج عليك وأنت ترسم كالعادة..
ابتسم أبوفرات وأشار برأسه موافقا.. ثم استدار قليلا كي يشير للنادل أن يحضر الفاتورة..
حينها شهقت مي بخفوت: يــــــووه يبه.. كريمة الكيك وسخت شعرك..
اعتدل أبو فرات وهو يتناول منديلا ويهتف بمودة: عادي يا أبيش لا رجعت البيت تسبحت..
قالها وهو يمسح طرف جديلته من بقايا الكريمة.. ومن ثم يشد جديلتيه الاثنتين للأمام حتى يتأكد من ترتيب غترته على رأسه..
كان أبو فرات مازال يحتفظ بكثير من ملامح وسامته القديمة ولكن كان أكثر ما يلفت الانتباه إليه شعره الكثيف الطويل الناعم الذي بات بياضه أكثر من سواده..
والذي كان يضفره على الدوام في ضفيرتين غليظتين ترتاحان على صدره وتصلان حتى خصره.. متآلفتان مع لحيته الفضية الناعمة المشذبة..
دفع الفاتورة..خرجا..
وعيون الجالسين في المقهى تراقب أبوفرات بفضول مختلط بالإعجاب..
أو فضول مختلط بالاستغراب!!
أو فضول مختلط بالاستهجان !!
************************************
"تــــــركي..
أشلون أختك؟"
ينظر تركي لوالدته التي تجلس مقابلة له وبينهما طاولة عليها ترامس القهوة والشاي..
وتشكل حاجزا مناسبا لتبادل النظرات العامرة بآلاف المعاني: الحرقة والشوق والغضب والعتب..
أسند تركي ظهره للخلف وهمس بنبرة مقصودة.. مقصودة تماما: البندري في غرفتها.. وأظني إنش أكثر حد عارف اشلونها..هذي هي في حضنش أربع وعشرين ساعة..
أم متعب بنبرة غضب عاتبة: تستخف دمك عليّ يا تركي!!
حينها همس تركي بنبرة عتب عميقة.. موجوعة موجوعة: أسبوعين يمه!!.. أسبوعين!!
أسبوعين من يوم رجعت وأنتي تدورين وتلفين...وتدورين وتلفين ..عشان تنشدين منها بس...
والله يمه إنها ما تستاهل قسوة قلبش عليها...
يعني يمه أنتي حنونة على الكل.. البعيد والقريب...
تجين عند صيتة.. اللي محتاجة حنانش ووقفتش معها أكثر حد في العالم كله.. وتقسين عليها!!!!
ثم أردف بحنين عميق وشفقة أعمق: والله إن صيتة خسارة في ذا العالم كله... شايلة على كتفها حمل يهد جبال بروحها...
ولا حد واقف معها ولا حد فاهمها...
ثم أردف بحرقة وغضب كبيرين: إذا جاء يوم وانهارت وارتحتوا كلكم.. والله ما أسامحكم .. والله ما أسامحكم..
تنهد تركي بحسرة.. وهو يتذكر شقيقته التي تصغره والتي تركها خلفه.. تودعه بدموعها.. وحسرتها .. ووحدتها.. وأحمالها الثقيلة..
فوحده كان نافذتها.. وصديقها.. ومن يفهمها..
فبينهما علاقة فريدة من المحبة والأخوة والصداقة والتفاهم.. بناها تقاربهما في العمر.. وسنوات الغربة...وعمق المعاناة..
وهاهو يتركها ويعود وقلبه يتمزق أشلاء عليها..
ولا يعلم حتى متى ستسمر معاناتها التي أثقلت روحها بكل حزن العالم وسعادته في آن معا..
*****************************
كانت تختنق خجلا وتوترا ..ولكنها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى..
فرصة لم تتح لها سابقا، أن تطالبه بحريتها بنفسها..
لذا حاولت أن تهمس بحزم قدر ما سمح لها خجلها الفطري، فهي لم تعد الجازي الطفلة:
خالد أنت اللي عذبت نفسك وعذبتني معك..
حررني وحرر روحك.. أنا مستحيل اجتمع معك في بيت لو تنطبق السماء على الأرض..
طلقني ياخالد.. طـــلـــقـــنـــي!
حـــيـــنـــهـــا صُعقت الجازي بردة فعله التي لم تتوقعها أبدا..
أمسك خالد بيد الجازي الساكنة في حجرها...
وألصق باطن كفها على صدره من الناحية اليسار.. مكان قلبه تماما، وهو يضغط على يدها ويهتف بحزم متجبر لا تراجع فيه:
انزعي ذا بيدش، واذبحيني وصيري أرملة، أقرب لش من الطلاق!
الجازي صُعقت تماما من تصرفه، وكفها تحترق تحت ملمس كفه، وهي ترتجف بعنف وتحاول شد يدها..
بينما هو لم يعرف أي جريمة ارتكبها في حق نفسه حتى أرتكبها..
فهو في اللمستين اللتين أحرقتا جوفه لم يكن قد لمسها بصورة فعلية، شد شعرها مرة، واحتمت هي خلفه مرة..
وكانت هي من لمسته، لمسة لم تمثل لها أي شيء إلا رغبتها الطفولية في الاحتماء..
ولكن كلتا اللمستين فعلت في روحه الشفافة ما يشبه الأعاصير الاستوائية شدة وقوة ودمارا وتخريبا، وهو لم يكن عاشقا فعليا في ذلك الوقت..
فكيف وهو يلمسها الآن فعليا للمرة الأولى بعد أن أصبح العاشق الأزلي الأبدي الذي ليس لعشقه حدود؟!!
كيف وهو يتعرف الآن إحساس نعومة يدها وليونتها تحت يده، ويشعر بها دافئة صغيرة محتمية تثير فيه عشرات الرغبات المتضادة؟!!
كانت الجازي توشك على البكاء وهي تشد يدها وتهمس باختناق: خالد تكفى فكني..
لكنه كان في عالم آخر، كان في عالم أغلق على نفسه فيه مع إحساسه الثوري المذهل العنيف الشفاف بلمس جزء من جسدها، حلاله الذي حُرم منه قسرا..
لم يعده إلى وعيه إلا اقتحام صوت آخر للمشهد، يهمس بخفوت وغضب مكتوم: أنت استخفيت يا خالد، هد يد البنية.
لم يركز حتى أن هذا صوت الدانة حتى شعر بيدها تقتحم عناق يديهما وتحاول رفع يده عن يد الجازي بقوة دون أن تفلح..
حــــــيـــنـــها .. وفي تكرار لتصرفاته الصادمة.. صدم الاثنتين بردة فعله..
خـــــــالــــــد علم يقينا أن هذه اللحظة التاريخية التي ستبقى أجمل لحظات عمره حتى اليوم، ستنتهي الآن..
ولكنه لن ينهيها إلا كما يريد وبالطريقة التي ترضيه، لأنه علم أن هذه اللحظة قد لا تتكرر أبدا..
لذا تناول كف الجازي عن قلبه ونقلها إلى شفتيه، وهو يقبل باطن كفها بتروي ويصدر عن أعماقه صوت أشبه ما يكون بأنين موجوع..
الجازي تخشبت كتمثال حقيقي وهي تشعر بأنفاسه تحرق باطن يدها..
بينما الدانة التي صُعقت تماما لم تستطع ان تفعل شيئا إلا أن تنزل عينيها خجلا واحتراما للموقف الذي بات أكبر منهم جميعا...
خالد أطال في قبلته.. أطـــــــال وهو يتنفس خطوط يدها بأنينه الموجوع.. كان يأنّ بكل وجع العالم وشوقه ولهفته..
لم يوقظه من غيوبته إلا انفجار الجازي في بكاء حقيقي مدوي..
حينها أفلت يدها رغما عنه.. ودون أن يقول كلمة..
وتوجه إلى سيارته، وركب فيها دون أن يتحرك..
فجسده كله كان يرتعش، ودقات قلبه أشبه بطبول حرب مجنونة، وأنفاسه تتصاعد بعنف، شعر أنه قد يغمى عليه..
وأيقن حينها بعظم جريمته في حق نفسه، فهو بالكاد كان قادرا على الصبر وهو لم يعرف رائحة جسدها ولا دفئه..
فكيف ورائحتها الآن احتلت كل خلية كانت قد احتلتها سابقا في احتلال استبدادي جديد تمارسه الجازي عليه مرة بعد مرة..
بينما الجازي حين أفلت يدها وغادرهما نزلت من مكانها، وارتمت على صدر دانة وهي تبكي بحرقة وتهتف: تكفين خليه يطلقني.. طالبتش يا دانة.. طالبتش!
**************************
" خالد اشفيك فديتك؟؟...
من يوم دخلت من برا.. وشكلك موب عاجبني..حتى غداء.. ماتغديت"
يحاول خالد الاعتدال ليجلس.. فيجد نفسه منهكا..
لا يعرف كيف وصل إلى البيت.. وكيف قاد سيارته.. وكيف أنه الان في سريره..
سيرته قوة شخصيته التي صقلتها مرارة السنوات الماضية..
مع أنه مازال يعاني من آثار زلزال الجازي الارتدادي.. ويبدو أنه سيعاني طويلا منه..
رائحتها سكنت جوفه.. وملمس بشرتها يبدو أنه كُــتب عليه أن يعذب كل خيالاته في صحوه ومنامه..
وكل مؤشراته الحيوية تتخبط وتبدي اعتراضها بعنف على السلب القسري والسريع للأكسجين الذي دخل لخلاياه بعد سنوات طويلة من الاختناق..ثم سلبوه في ذات اللحظة..
هتف بإرهاق وهو مازال ممدا: مرهق شوي من الشغل.. ولا كان لي نفس أتغدى ..
بروح المسجد أصلي العصر.. وعقب لا رجعت باكل أي شيء..
مزنة تضع يدها على جبينه.. وتهمس باهتمام بالغ: وجهك موب زين.. بس ما معك حرارة..
ثم أردفت بحنان: زين قم توضأ ماعاد باقي على أذان العصر شيء.. وأنا برتب لك الغداء.. حتى أنا ما تغديت.. بنتغدى سوا..
مع إنهاء مزنة عبارتها رن هاتفها: هلا دانة..
...............................
إيه.. أنا عنده أصلا..
....................................
كان منسدح .. يمكن تلفونه علي الصامت..
................................
روعتوني... وش صاير؟؟
خالد اعتدل جالسا.. وهو يشير لمزنة أن تعطيه هاتفها وهتف فيه بثقة حازمة رغم إرهاقه:
دانة مافيني شيء..والله طيب..
ثم أردف بعد تردد بذات الحزم الواثق: هي إشلونها؟.. أكيد زعلانة علي.. وقالت لش عشرين مرة خله يطلقني..
.........................................
ماعليه يا أم سعيد جعلني فداش لا صليت.. اتصلت لش..
مزنة تناولت هاتفها وهمست بحزم: خالد وش صاير بينك وبين الجازي؟!
خالد بصرامة وهو يقف رغم إرهاقه البادي: ماصار شيء..
مزنة بعتب مختلط بحزمها الرقيق: تراني أختك مثل دانة.. وأمرك يهمني..
خالد تنهد: شفت الجازي..
مزنة بقلق: صار شيء بينكم؟؟
خالد يجلس على المقعد القريب من الحمام بينما مزنة تقف قريبا منه ويهتف بتلقائية عميقة وهو يتنهد من أقصى أعماقه :
شـــــفـــــــتـــهــــــ ــا..
مزنة تنظر له باستغراب وتهمس باستغراب: وبس..
خالد يتنهد : وبس
حينها همست مزنة بدهشة: طيب وشفتها.. وش اللي صار يخليك تعبان؟؟
ويخلي دانة متروعة عليك؟؟
وقف خالد متوجها للحمام وهو يهتف بحزم لا يخلو من غضب: وعادش تقولين لي ليه أعلم دانة وما اعلمش؟!!
هي تفهمني... أنتي مارح تفهميني لو مهما قلت..
مزنة تستعد لمغادرة غرفته وهي تهمس بحزم: أنتو يا عيال هادي الخبوش خلكم ورا مشاعركم لين توديكم في داهية..
ما أعرف وش ذا البلوة اللي ربي بلا وضحى وهادي بها؟!!
يعني مافيه حد صاحي في عيالهم إلا أنا..
اللهم لا عتراض!!
.
.
.
على الجبهة الأخرى
كانت دانة تهمس للجازي بإرهاق: يقول بيصلي العصر ويكلمني..
الجازي تذهب وتعود كرقاص ساعة قلق.. وهي تنظر في ساعتها: خلاص مابقي على العصر شيء..
أنا بعد بصلي.. ثم برجع لش..
أردفت بحزم مختلط بقلقها: دانة تكفين .. لازم تخلصين الموضوع..
دانة بذات النبرة المرهقة: والله يا الجازي إني خمس سنين أحاول فيه.. اللي أقدر أوعدش به.. إني بقول له وش قلتي لي بالحرف..
تنهدت دانة: خالد مايقول لي ( لا ) لو مهما طلبت منه.. ومعي مافيه أسمح منه.. لكن إذا كان الموضوع يخصش ما يتفاهم كلش..
الجازي بحزم وهي تغادر: موب لازم يفهم ولا يتفاهم.. وصلي له كلامي.. وخلاص قده بصره..
دانة توضأت وصلت العصر.. وانتهت من أذكارها.. ومازال خالد لم يتصل.. لذلك اتصلت به..
رد عليها بإرهاق: قلت يمكن تنسوني..
دانة همست بحزن: لو عليّ ودي أنسى.. لكن عندي كلام أمانة لازم أوصله..
يهتف خالد بحزم بنبرته المرهقة وهو يعتدل على مقعد سيارته: وإذا ما أبي أسمع هل أنا مجبور؟!!
تنهدت الدانة: الأحسن تسمعه مني موب من غيري..
خالد بذات نبرته الحازمة: دانة أنا ما سويت شيء حرام ولا عيب.. الجازي مرتي.. وش فيها لو مسكت يدها أو حبيتها.. مو قضية الشرق الأوسط
دانة تحاول حشد أكبر قدر من الصرامة في صوتها: القضية مو إنك مسكت يدها أو حبيتها.. القضية إنك كسرت حاجز كان في نفس الجازي..
حاجز كان مانعها من فكرة المحكمة..
تفجر دماغ خالد من الصدمة الكاسحة وهو يهتف بحروف مبعثرة مصدومة: نعم؟؟ المحكمة؟؟
همست دانة بألم عميق من أجل خالد رغم أنها متيقنة أن هذا هو الحل الوحيد:
الجازي تقول عندك فرصة أربع شهور تهيء نفسك .. وتبلغ سعود ومحمد وإبي إنك أنت اللي تبي تطلق من نفسك..
ولو خلصت الأربع شهور وأنت ماطلقتها.. بتخلعك في المحكمة.. وأنت عارف إنها رح تكسب القضية من الجلسة الأولى..
وإن قرارها هذا مافيه تراجع أبدا..
*************************
"يمه وينه خالي جبران؟.. أدق عليه جواله مسكر.. ولا صلى معي العصر في المسجد
ورحت قسمه مالقيته.. مالقيت إلا صبيه ينظف ويقول إنه طلع ما يدري وينه"
تضحك ضي وهي تشير إلى فهدة الصغيرة بحركة تمثيلية تشبه حركة تقديم كبار الشخصيات وتهتف كذلك بنبرة تمثيلية مرحة :
إسال سمو الأميرة فهدة الصغرى أطال الله بقائها.. ما يتحرك خالي جبران إلا معطيها خط سيره بالتفصيل.. يمكن بعد تلقاها حاطة برنامج تتبع في جواله..
فهدة الصغيرة تقفز بجوار عمها جابر وتهمس بطفولتها الشقية: جدي جبران تغدى عند رجال بيته قريب..
ويقول عقب الغدا بيروح لحلاله ولا هوب راجع إلا عقب المغرب..
هتف جابر بقلق وهو يسأل أمه: لا يكون هو اللي يسوق؟؟!!
أم جابر بتلقائية: ما ظنتي .. سواقه معه..
جابر بذات القلق: قبل أروح الحجز.. عينته راجع البيت يسوق سيارته..
ويوم عاتبته.. قال رايح مكان قريب.. مايحتاج السواق.. ونبهت على السواق مايخليه يسوق كلش.. ولو لزم يسوق.. إنه يكلمني..
أم جابر بذات التلقائية: دامه ما كلمك معناته ماطلب يسوق..
جابر يتنفس الصعداء وهو يعدل جلسته بين الفهدتين ويهتف لضي بمودة:
صبي لي قهوة يا أخيش.. رأسي آجعني وتروعت يوم مالقيت خالي..
ضي تبتسم: أقهوي مندوبك يا حضرة الرائد..
هتف جابر باهتمام وهو يتناول الفنجان من يدها: عسى روحات الجامعة جابت فايدة.. نزلوا لش المادة اللي تبينها؟!
ترد ضي بابتسامتها المعتادة: أبشرك.. إن شاء الله الفصل الجاي خريجة..
ضحك جابر: وأخيرا... مابغيتي! بذبح حوار على تخرجش!!
*************************
بعد 3 أشهر..
مضت سريعة حينا.. بطيئة حينا في فضاءات عامرة من اليأس والأمل..
.
.
قــــلــــوب شتى..
تجمعها قاعة دراسية.. بين أطياف الأحلام.. و رؤوس أثقلتها الأفكار أو.... الفـــــراغ..
الجليلة بتأفف حازم: ثلاث أسابيع من يوم بدت الدراسة ومابغوا يلاقون دكتور يدرسنا
ماصدقت لما لقيت إيميل يقول إن اليوم أول محاضرة..
كنت مفكرة أحذفها خلاص..
حينها همست ضي بمرح: بس ماحذفتيها عشان خاطر أميرة ماتبين نصاب محاضراتها يقل..
لأنش عارفة إنها بتحذفها معش بدون نقاش..
أميرة بمرح شفاف: أنا أبي أعرف من يوم بدينا الفصل وأنتي حاطه دوبش دوبي ليه؟؟..
ضي بذات المرح: خاطري أدري الجليلة عادها تعطيش مرضاعة؟!..
وإلا تدرين خلني أتأكد بنفسي.. أكيد مرضاعتش في شنطتش..
قالتها وهي تشد حقيبة أميرة فعلا.. أميرة ضربت يدها.. بينما الجليلة كانت مبتسمة بشفافية.. كانت سعيدة من اندماج أميرة مع ضي..
فأميرة نادرا ما تنفتح في علاقتها مع أي أحد، وهي مكتفية بالجليلة عن تكوين أي صداقات..
وكانوا يعرفون ضي كواحدة من بنات جماعتهم القريبين جدا.. وهي صديقة الهنوف المقربة..
وبدأت علاقتهم تقوى بها أكثر منذ دخلوا معها في ذات التخصص رغم أنها توشك على الانتهاء.. بعد سبع سنوات قضتها في البكالوريوس..
وكانت هي من ساعدتهم في كل شيء وكانت مرشدة لهم في كل مراحل التسجيل وفي معرفة أماكن القاعات..
ضي بذات نبرتها المرحة: احمدوا ربكم.. ترا لولاي ماكان جابوا لكم دكتور..
لأنه أنا اللي طالبة تخرج وعفنت في الجامعة.. والمفروض خذت المادة ذي من زمان.. فهم يبون يخلصون مني بأي طريقة..
رئيس القسم حالف يستقيل لو شافني الفصل الجاي.. يقول تخلصين فصل الخريف ذا يعني تخلصين..
الجليلة ابتسمت: عدال على ذا الدكتور اللي جايبنه.. أكيد مثل قِلته.. اللي جايبنه يسدون فيه نقص..
ضي تضحك: إن شاء الله يجيبون واحد تخصصه تربية رياضية وإلا متخرج من صحاري الواق واق.. المهم أتخرج..
قطع حديثهم طرقات قوية على الباب المفتوح..
قصد منها صاحبها جلب الانتباه..
بالفعل جلب الانتباه لأقصى حد.. أقصى حد!
الجليلة ابتسمت: عدال على ذا الدكتور اللي جايبنه.. أكيد مثل قِلته.. اللي جايبنه يسدون فيه نقص..
ضي تضحك: إن شاء الله يجيبون واحد تخصصه تربية رياضية وإلا متخرج من صحاري الواق واق.. المهم أتخرج..
قطع حديثهم طرقات قوية على الباب المفتوح..
قصد منها صاحبها جلب الانتباه..
بالفعل جلب الانتباه لأقصى حد.. أقصى حد!
شهقت ضي شهقة مكتومة وهي تنظر لمن دخل من باب القاعة في تلك اللحظة وهمست بصدمة حقيقية :
ما أقدر أصدق عيوني.. فُرات آل سطام... معقولة؟؟
نظرت أميرة للدكتور الأنيق البالغ أقصى حدود الأناقة في استقامة ثوبه الأبيض..
الذي دخل بخطوات واثقة متحكمة كما لو كان يتحرك في أملاكه الخاصة وهي تهمس بخفوت:
الدكتور ذا من آل سطام جماعتنا وإلا غيرهم؟؟.. وش عرفش فيه يا الجنية..؟؟
ضي بخفوت لا يخلو من مرحها المعتاد: إيه يا أختي من جماعتنا اللي يشلعون القلب..
كفاية حامد آل سطام فيهم فديت عينه...آه ياكبدي!
أميرة تضحك بخفوت على ردة فعل ضي الكوميدية: زين ماعلمتيني كيف عرفتيه؟
ضي تضرب أميرة بخفة على ذراعها وتهمس بنبرة تعالي مصطنعة وبصوت خافت:
يا أختي أنا مخ اقتصادي جبار.. أفلفل الملحق الاقتصادي من كل الجرايد كل يوم..
ويمكن أكثر وجه شفته هو وجه دكتور فرات..
الغريبة إنه رجل أعمال مشهور.. بس ما عمره درّس في الجامعة.. وش جابه يدرسنا؟!!
الجليلة لم تشترك أبدا في الحوار.. فهي كثيرا ما تنأى بنفسها عن الانغماس في أحاديثهم المراهقة التي لا تشدها ولا تستهويها..
رغم أنها في أحيان كثيرة تحرص على مد باب الحوار.. حتى تبقي الحوار بين ضي وبين أميرة.. من أجل أميرة..
في أحيان أخرى أكثر تشعر أنها لا تنتمي لهذا المكان.. كما لو كانت تتواجد في المكان الخطأ في الزمن الخطأ..
وفي أحيان ثالثة أكثر وأكثر لا تستطيع أن تنكر أنها باتت تشعر بمتعة حقيقية في الدراسة.. فدراسة الإدارة راقت لها تماما رغم أنها دخلتها بناء على رغبة أميرة
فالجليلة ثقافتها العامة شاسعة جدا.. وبدأت توجه كثيرا من ثقافتها لفلسفات الإدارة والاقتصاد..
قاطع اللغط في القاعة الذي بدأ مع دخول الدكتور.. نبرته الجهورية القوية الشديدة والصارمة والتي أوقفت الدماء في عروقهن وهو يصرخ : بس.. ولا كلمة..
اللي باسمع منها همسة وحدة بأطردها برا القاعة..
أنتو جايين هنا عشان تتعلمون مني أنا وبس.. فكل وحدة منكم تطوي لسانها الطويل داخل حلقها وتسكت
إذا خلصت شرح فتحت لكم باب الاسئلة مع أني عارف أن ماعندكم أسئلة منهجية..
فلا تكثرون هذرة علي.. لأنكم أساسا متأخرين في المنهج..
ولا وحدة منكم تقاطعني.. إلا لو عندها سؤال حقيقي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
الجليلة تتبادل النظرات الممتعضة مع ضي وأميرة : بسم الله ..وش ذا الدكتور المنفس من أولها؟!
فُرات بدأ يشرح لهم مفردات المقرر على جهاز العرض.. وهو يسبُّ تركي في داخله الذي ورطه في هذه المحاضرة..
وهو يرجوه أن يدرس هذه المجموعة فقط كأستاذ زائر.. لأن المجموعة فيها طالبات تخرج ولم يجدوا لها أستاذ..
وفُرات سبق أن درس هذه المادة لطلاب الجامعة في أمريكا إبان المرحلة الأخيرة من دراسته الدكتوراه..
وتركي طلب منه ذلك كخدمة شخصية، لأنه وعد رئيسه أن يجد له أستاذا مؤهلا للمادة..
فُرات حينها زفر بتأفف: يا بن الحلال أنا في أمريكا مادرست إلا فصل واحد..
فرد عليه تركي برجاء: يا ابن الحلال المهم أنك سبق ودرستها..
وهي مجموعة وحدة بس.. عندهم محاضرتين في الأسبوع الاثنين والاربعاء
يعني مالي قدر عندك تردني وأنا متمدح عند رئيسي..
فُرات ببرود: تمدح بعيد عني.. أنا يأبوي ماني بناقص غثا بنات يصدعوني..
بنتي يا الله قادر عليها.. عشان تجيب لي 40 بنت في عمر بنتي..
فحاصرة تركي بعتبه: أفا يابوحمد يعني مالي خاطر عندك.. والمجموعة كلها 23 طالبة..
فُرات بتأفف: الله يصلحك قول آمين.. عطني توصيف المادة لا بارك الله فيك من رفيق..
انتهت المحاضرة على خير.. بالطبع قرأ فُرات اسماء الحضور..وسجل حضورهم.. انتبه لأسماء معينة منها بنات معارف وجماعة..
لكن كان أكثر مالفت انتباهه وجود شقيقتين في المجموعة وهما بنات عم تركي.. وتساءل في نفسه هل يعرف تركي عن وجودهما في المقرر؟!
بعد أن خرجن البنات للخارج..
ضي هتفت بمرح وهي تضغط جانبي رأسها بحركة تمثيلية ثم تهف على نفسها:
يا بري حالي برياه!!.. زين المنطوق والشخصية والرزة.. يا الله ابعت لي من عندك واحد مثله..
حينها هتفت الجليلة بابتسامة حازمة: بصراحة ماشفت فيه إلا غرور يفقع الكبد والمرارة..
أشين مافي الرجال النفخة بدون سبب.. شايف حاله ذا الفرات ما أدري على شنو..
ضي تضع يدها على قلبها: إذا هذا مايغتر.. أجل من الي يغتر.. أنتي ووجهش؟!!!
الجليلة بذات الحزم الباسم: إيه أنا ووجهي.. أقله مهوب كل شوي قايلة وفي أمريكا وفي أمريكا..
نعنبو ماحد راح أمريكا غيره وإلا ماحد يعرف للاقتصاد غيرهم.. بس ماعليه شرهة الإمبريالي..
حينها انفجرت ضي بضحك مكتوم حتى لا يبدو شكلها محرجا أمام الطالبات:
إمبريالي مرة وحدة!!.. ياكبرها!!
بس لا تلومينه القلب يتبع هواه.. دكتورنا المبجل مرته أمريكية..
ابتسمت الجليلة بعذوبة: أجل ستين إمبريالي ونص..الإمبريالية وصلت لوسط بيته.
ثم همست ضي بتماسك مرح: إلا جليلة خانوم الإمبريالية ذي شنهي..؟؟
شكلها طبخة إيطالية...؟؟ فيها لحم وإلا لا؟؟.. لأني ميتة جوع ومستعدة أكل خروف بروحي..
امشوا قدامي مجمع المطاعم.. عازمتكم..
****************************
الإمبريالية: اسم يطلق على سياسة توسيع السيطرة أو السلطة على دول خارج الحدود الإقليمية.. وتكون هذه السيطرة بإيجاد مناطق سيطرة عسكرية أو اقتصادية داخل تلك الدول.. أو بالسيطرة عليها عن طريق السياسية أو الاقتصاد.
وهي اليوم تطلق غالبا على السياسة الأمريكية والمناصرين لسياستها.
********************************
مكان آخر في ذات الجامعة
في مــواقـــفها.. في سيارة مغادرة.. تكاد تشتعل فيها نار حرب مستعرة..
فور أن ركبت جواره تناولت هاتفه وهي تفتش فيه بطريقة محمومة... كان ينظر لها بطرف عينه وهو يشعر أنه سينفجر..سينفجر فعلا..
(أنا الغلطان من يوم سمحت لها تفتش في تلفوني عشان ترتاح
حسبتها بتفتش مرة مرتين ثلاث.. وننتهي من ذا الهم
لكن هي اعتبرت ان تفتيش تلفوني صار حق لها... ومشكلتنا كل مالها تزيد)
تناول الهاتف من يدها بحدة وهو يعيده لجيبه.. غالية همست بغضب:
ليش تأخذه مني؟؟ فيه شيء ما تبيني أشوفه؟؟
جابر هتف ببرود: صار لش أكثر من شهرين وأنتي تفتشينه قدام عيني...
وقبلها سنة تفتشينه من وراي ..وأنا داري وساكت.. ولا فكرت أحط عليه رمز سري..
لقيتي شيء خلال ذا الشهور كلها؟؟
غالية لم تجب عليه وهي تدير وجهها لناحية زجاج النافذة..
هتف بذات البرود: مالقيتي ولا شيء.. ولا راح تلاقين..
أنتي ياغالية ماشفتي أشلون أنا حريص أني أريح بالش.. مع أنه مستحيل رجّال يسمح لمرته تفتش في تلفونه.. لا وقدامه بعد..
وأنا عمري في حياتي ما سمحت لنفسي إني أمسك تلفونش حتى.. ولا عمري رح أسويها..
فخلاص غالية لين هنا وبس.. لو مهما أنا سويت عشانش مستحيل ينشال اللي في رأسش..
عشان كذا تلفوني ما تلمسينه..وياويلش أشوفه في يدش.. ومن اليوم بأحط له رمز سري..
أنتي منكدة علي بدون سبب.. خلش تلاقين سبب..
غالية تصاعد القهر في روحها.. ستموت من شكوكها..
والمشكلة أنها لا تجد لها شيئا لتشك به..
مضى أكثر من عام وهي تراقبه بدقة لا تجد عليه أدنى ممسك..
ولكن حتى لو لم تجد لها شيئا الآن.. فما وصلها من ماضيه كفيل بإثارة شكوكها لألف عام..
كلما استعادت تلك الذكرى قبل حوالي عام ونصف..
تشعر أنها ستتقيا.. تحترق.. تتفجر.. تتناثر أشلاء من الغيرة والغبن..
*******************************
مازلنا داخل حدود الجامعة.. وفي داخل مبنى كلية الإدارة والاقتصاد هذه المرة..
ألقى ملفه على مكتب تركي بتأفف: تدري يا تركي الزفت.. والله لأطلع ذا المحاضرتين من عينك
كل أسبوع بأطلع عينك مرتين.. كل ما طلعوا البنات عيني..
تركي يبتسم: البنات جننوك؟؟
فُرات باستنكار واثق: جننوني؟؟!! ما بعد جابتها أمها..المجموعة كلها باين عليها الغباء المريع مثل ما كنت متوقع تماما..
لا فيهم مجموعة قرفان منهم ومخنوق..
رايحين عرس حسبي الله على أبليسهم..
عقولهم أول مافيها شيء حق الدراسة.. وأكيد عقب الديكور مابقى فيها حتى نتفة للدراسة..
اللي في رووسهم حق التفاهة والكشخة والمكياج والاستعراض الماسخ..
والوحدة منهم لا حكت بمياعتها.. ودك تلتها كفين.. تقول انعدلي يا بنت لا تطيحين على جنبش..
لا وعادك تقول لي ليش قلبك مليان على نسوان العرب.. هذي عينة منهم..
لا وهذي مفترض العينة الأرقى.. طالبات جامعة..
أنا ما اتحمل العربيات سيدات أعمال.. كيف أتحملهم بزارين؟!
يا الله الصبر من عندك!!
تركي مازال يضحك: لا والله قلبك متروس.. ومتروس
فُرات هتف بثقة: اسمعني تركي.. أنا وافقت استلم المجموعة عشان خاطرك..
وأنا مهوب اللي يعجزني أي شيء..
بس أنا قلت لك من أول ما استلمتها.. أنه يا ليت تدورون دكتور ثاني..
أنا مشاغلي كثير.. ومالي خلق تدريس.. أنت عارف وش كثر عندي مشاريع تبي تركيز..
يعني على الأقل يستلمهم مني بعد امتحان الميد تيرم.. وكذا أكون كفيت ووفيت..
تركي بثقة: ورئيس القسم يدور.. وسوا اتصالات مع بعض الدكاترة .. وتقريبا اتفق مع واحد.. بس يبي له وقت لين يخلص اجراءاته..
استحملنا شوي.. وتحمل بناتنا شوي..
فُرات بتأفف: مهوب لو معطيني مجموعة عند الشباب كان أحسن..؟؟
تركي بنبرة مقصودة: أفا يأبو حمد.. ومسوي روحك الرجل الحديدي..
وأخرتها منت بمستحمل شوي بنات في سن بنتك.. خليتهم يطلعونك من طورك ومن محاضرة وحدة..
فُرات ينظر له من تحت أهدابه بطريقته المعتادة حين لايعجبه الكلام ويهتف برده المعتاد : ماعليك مردود..
*********************************
" خلصت محاضراتي وقاعدة أنتظرش..
يا دوب أقعد معش شوي..
وانتي بعد تأخرتي علي"
تتنهد الهنوف: وش أسوي ضي؟؟ كان عندي شغل في الدوام لازم أخلصه.. وجاية دايركت من الدوام..
ومثل ما تعرفين ماعاد عندي محاضرات ولا مقررات... اشتغل على الرسالة خلاص..
ومو ضروري أجي للجامعة إلا إذا أبي أقابل المشرف.. أو أبي المكتبة..
ضي ترقص حاجبيها: وليه أساسا تجين الجامعة؟!!.. الجامعة بكبرها تجي لعندش وتحت أمرش.. يا حرم الدكتور...
الهنوف تتأفف: يا ثقل طينتش.. ما أدري متى ربي بيشفيش؟؟
ضي بابتسامة: إلا ما أدري متى ربي بيشفيش أنتي؟
ثم أردفت بجدية بدت غريبة على مرح ضي: ترا يا الخبلة دكتور تركي يجنن.. يــــجـــــنــــن!!
بنات الكلية كلهم مستخفين عليه..
أصغر دكتور في الكلية..ووجه جديد.. وجنتل وشكله يهوس..
الهنوف بغضب مكتوم: أنتي ما تستحين تتغزلين في رجالي قدامي..
ضي ضحكت: أيوه كذا.. خلش كذا.. مابغيتي.. قهرتيني..
إذا قعدتي مسوية فيها السفيرة عزيزة.. ونافخة ريشش على ذا المسكين.. ترا ماحد بيتندم غيرش..
الهنوف تتأفف بقوة: ضي لو سمحتي.. تركي لا عاد تجيبين سيرته.. لا بالزينة ولا بالشينة..
ضي التي لا تعرف الزعل إطلاقا ضحكت وأردفت: المسكين عنده بنات عم غيرش يطيحون الطير من السما.. غير حظه الأقشر رماه عليش..
حينها ابتسمت الهنوف رغما عنها: إيه الحين صاروا جيلو وأميرة أقرب لش مني يالخاينة.. لدرجة أنش تبين تزوجينهم رجالي..
ضي بمودة عميقة: مافيه حد أقرب منش يا الخبل..
ثم أردفت بإبتسامة: مع إنه جيلو وأميرة يستاهلون يصيرون أقرب منش..
الهنوف ضربت كتف ضي مازحة: أنتي أساسا ليش قعدتي تنتظريني؟؟ عشان تغثيني؟!!
ضي تضحك: أجل خلني أروح قبل تتصل السيدة ملعقة وتفتح معي تحقيق ليه تأخرت؟
حينها هتفت الهنوف بمودة عميقة: فديتها فهدة... واحشتني الكلبة.. أمانة خلوها تنام عندنا ذا الويكند ..
عمي عبدالمحسن ميت شوق لها.. خلها ترد قلبه شوي..
ضحكت ضي: حلاوة عمش عبدالمحسن .. توه ماخذها أمس ما بغى يردها..
لو تشوفين شكل أمي وخالي جبران.. قاعدين متقابلين يكشون ذبان..
أخرتها خالي جبران راح بنفسه يجيبها ماعاد تحمل غيابها..
ومابغى عمش وعمتش يخلونها ترجع..
تنهدت الهنوف بحزن: الاثنين ميتين شوق لصيتة ميتين ميتين.. شوفة بنيتها ترد قلوبهم شوي..
تنهدت ضي: هم عادهم مصممين إنهم مايروحون يزورونها..
الهنوف بألم عميق: نذروا إنهم ما يزورونها.. وإذا تبي تشوفهم هي اللي لازم تنزل الدوحة .. تشوفهم وترجع..
ضي بمؤازرة: الشيبان والعجايز ذولا غريبين.. مفروض يوقفون معها موب ضدها..
الهنوف بذات الألم: محطمتني صيتة.. مسكينة ما تدري وين تلقي وجهها.. الله يكتب أجرها ويقوي عزايمها..
******************************
قبل ذلك بقليل..
يخرج من الجامعة بعد انتهاء محاضرته.. ليرى سيارة البيت تدخل إلى الجامعة
يشعر بقهر متعاظم في روحه...
مرت ثلاثة أشهر منذ عودته إلى الدوحة.. منذ قهرته.. منذ بدأت تثير جنونه..
يبدو كما لو كان جنونه قد تراكم في أعماقه لقرون.. ينتظر فتيلا ليشعله.. وكانت هي الفتيل..
وأي فتيل؟!! أي فتيل؟!!
مضت ثــــلاثة أشهر منذ بدأ جنونه اللذيذ بها..
كم تبدو تلك الفترة له الآن طويلة لا تكاد تنقضي..
لا يعلم أي فوضى حواس أحدثتها في كيانه..
هذه الثلاثة شهور صنعت بينهما تراكمات أعمق بكثير من الأعوام الثمانية التي مضت..
وكم هو نادم لأنها تركها تفلت طيلة تل السنوات!!
كم هو نادم!!
لا يمر يوم أو يومين لا يراها داخلة أو خارجة.. للجامعة.. لعملها.. لبيت عمها طالب..
لواجب اجتماعي ما.. مع والدته لشراء أغراض البيت..
عدا عن مواقف متكررة مبتورة مؤلمة تحصل بينهما..
وفي رمضان الذي انتهى قريبا..
رآها بشكل متكرر في المطبخ الخارجي وهو يحضر لنقل أواني الفطور إلى المجلس..
وفي كل مرة يراها تكون إمّا ملتفة بسوادها.. أو بجلالها كمومياء باردة تقف صامتة في الزاوية..
يود لو يحرقها بحرارة زفراته التي ينفثها في أعماقه حين يراها..
ويمنعه وجود أمه أحيانا والبندري أحيانا أخرى من توجيه خطاب مباشر لها.. عدا التحيات الباردة المختصرة..
" كيف حالك؟؟"
"بخير"
" مبارك عليك الشهر"
"عيدك مبارك"
هكذا كل مادار بينهما من الحوار..
جمل مبتورة.. مراوغة.. شاردة.. محملة بتأويلات اللا تأويلات..
وفي كل مرة ترد بها عليه.. يشعر أن ردودها مغموسة بحزن غير مفهوم..
يتساءل كثيرا.. ما دمت أراها كثيرا هكذا منذ رجعت إلى الدوحة.. كشيء مفترض لشخصين يسكنان ذات البيت..
فكيف لم أرها طيلة السنوات الماضية؟؟..
لتعود له ذكريات السنوات الماضية.. كفلاشات خاطفة..
كانت دائما متواجدة في المشهد.. ولكن هو الذي لم يكن يبصرها..
كما لو كنت تشاهد صورا لمجموعة من المشاهير... ومهما كان معهم في الصور من بشر .. لن تنتبه إلا لهم.. لن يشغل بالك الحشود الصامتة خلفهم..
هــــكــــذا كــــانــــت... شبح باهت على أطراف حياته..
أتتسائل الآن ياتركي لماذا هذا الحزن الجليل يسربلها؟؟
يكاد يجن وصورة وجيعة الهنوف تتكامل في مخيلته.. صورة الحرمان الكامل..
يتيمة.. وحيدة.. منبوذة من المخلوق الوحيد الذي كان لابد أن يحتويها..
يلكم مقود السيارة بقوة .. أي مخلوق سادي أنا؟؟ هل استمتعت بقهرها وأنا أبقيها مربوطة إلى دوامتي لثمان سنوات؟!
يا الله كم هي طويلة هذه السنوات!!.. أيام وليال متتالية لا تنقضي...
ماذا فعلتِ في كل تلك الليالي؟؟
هل بكيتِ ياعذوبتي المصفاة؟؟ هل شنقتني على مشانق دموعكِ؟؟
هل أشبعتني سبابا أستحقه؟؟ هل نفضتِ رأسك في كل مرة تذكرتني فيها كأنك تريدين التخلص من قذارة التصقت بخيالك؟
لا ألومـــكِ..
أكاد اختنق من نفسي.. بت أكره نفسي من بعد أن أعدت اكتشافكِ كمعجزة اختبأت تحت ردائي لسنوات..
أعلم أني غبي وأحمق.. وإلا أيّ رجل تكونين له ويتجاهلكِ وكأنكِ غير موجودة؟؟
أ يعقل؟؟ أنتِ غير موجودة؟؟ !!
كيف و كل حضور بشر هذا الكون ووجودهم لا يوازي لمحة من حضورك ووجودك..
حين أراك تقفين في منفاك الاختياري في زاوية المكان.. يُهيأ لي أن بؤرة الزمان والمكان تحولت إلى تلك الزاوية التي لابد ستجن فرحا لأنها احتوت وقفتكِ في ثناياها..
لماذا تبدين متباعدة.. شاردة.. وحزينة.. حزينة جدا!!
تباعدك يشعرني ببرودة تمزق أوصالي بقسوة طعنات جليدية
وشرودك يأسر كل تفكيري ليحبسه في أعلى برج لا يصله سواك..
أما حزنك.. وآه من حزنك.. حزنك قد يقتلني يوما لفرط ما يطعن في فؤادي الذي أضناه هذا الحزن فوق بعادك..
ألا يصلك بعضا مما أشعر ياهنوف قلبي؟!.. البعض فقط؟!
لأنكِ لن تحتملي الكل.. صدقيني لن تحتمليه!
فهذا الكل الذي أحمله لك بات يضنيني..
أشعر أني سأنفجر لفرط ما بتت (أحــبــــــكِ)
نعم.. أحـــبـــكِ..
هل تستغربين ذلك؟؟
ربما يكون ذلك انتقامه عز وجل لكِ..
أخبريني بماذا دعوتِ الله؟؟
هل دعيتِ عليّ من قلبكِ المحترق؟
هل قلتِ إلهي عذبه بتجاهله لي طيلة تلك السنوات؟!!
أجعله يذكرني في كل دقيقة.. في كل ثانية..
لأكن أقرب له من أنفاسه.. نبضات قلبه.. دفق دمائه.. خلايا جسده..
لأن هذا ما حدث ويحدث.. وهو لم يحدث فجأة.. لكن كل موقف صغير بيننا.. خلال الأشهر الماضية كان يستجلب نحوكِ مشاعرا بعمق قرون..
الآن.. ماعاد لحبكِ عمر ولا مدى ولا حدود.. قبل حدود البشرية ربما..
أشعر أن الأيام التي تفصلني عنك لا تريد أن تتزحزح..
ليست محض تسعة أشهر.. تبدو لي كما لو كانت 900 عام لثقلها على روحي..
وكل يوم يزيد حبكِ في حناياي... يشعرني بتطاول أيام بعدكِ أكثر..
ليس لي سوى ذكرياتي الهزيلة أجترها مرارا وتكرارا علها تصبر قلبي ..لأجدها تؤججه وتزيده احتراقا ..
.
.
تعود ذاكرته المثقلة بالشجن للوراء.. ذكرياته الأثيرة معها..
يتذكر قبل 3 أشهر حين انفجر فيها انفجاره المدوي في حفل تكريمها..
كان الصداع سيفجر رأسه وهو يراها تنزل أمامه وتمشي بخطوات يائسة..
وهي تسحب قدميها بثقل متجهة للداخل..
هتف لوالده باستعجال وهو يقفز خلفها: يبه بأكلم الهنوف بعد أذنك..
الأذن الذي لم ينتظره حتى، وهو يقفز قبل أن يسمع رد والده..
ليلحق بها وهي تكاد تصعد الدرج.. أوقفها صوته الحازم ينادي اسمها..
"الــــهـــــنــــــــو� �"
توقفت وهي تشيح بنظرها عنه.. مابقي في الروح مكان للحزن الذي لم ولا تعرف سواه..
همست بنبرة صادرة من العمق تماما.. حملت رائحة الحزن حتى الاختناق:
تكفى يا أبو عبدالمحسن.. اعتقني.. الله يعتقك من نار جهنم..
رائحة الحزن في صوتها قلبت كيانه.. سماوية.. أثيرية.. تجتاز الحواجز والمتاريس..
ونظرة عينيها الذابلتين الساحرتين المحمرتين -التي يراها لأول مرة بوضوح تطل عبر فتحات السواد الذي يحمي وجهها من نهم عينيه- أسرته أسرا أبديا علم أنه لا فكاك له منه
صوته مثقل بحزم اعتاده ولا يريده:
الهنوف أبي أعرف ليش تبين تأجلين زواجنا ذا كله؟!
الهنوف أنا صحيح شاريش.. لكن لو أنتي ما تبيني.. صدقيني باحترم قرارش..
ماحد بقاهرش على شيء وأنا رأسي يشم الهوا..
صوتها مازال مغرقا بالحزن الذي اكتسى هذه المرة خليطا غريبا من الحزم والسخرية:
ماقصرت ياولد عمي ماقصرت على حس الرجولة المتأخر ذا!!
عقب ثمان سنين جاي تسألني عن رأيي..
الحين طرا عليك تحترم قراري؟!!
لا ياولد عمي.. أنت في رأسك موال...
من يوم شفتك جايب لي هدايا وأنت عمرك ماتذكرتني بشيء..
دريت إنك تخطط لشيء...
وعقب سالفة السنة اللي قالها عمي.. قوى إحساسي..
والحين تأكدت..
أنت ياولد عمي المبجل تبي تخلص مني .. وتبي تحطها في رأسي إني أنا اللي ما أبيك..
صحيح النفس عافتك.. ومافيه وحدة ترضى عليها كرامتها تحرص على واحد ناسيها ذا السنين كلها..
لكن أنا ياولد عمي ما أبي أتزوج حد غيرك.. لأنه أنت لو طلقتني مستحيل حد يطل في وجهي..
ولد عمها ماسكها 8 سنين وعقبه يطلقها.. وشو شايف عليها؟؟
وأنت بتلاقي ألف من يزوجك..
أنت وقتها تنبسط.. وأنا أكمل حياة التعاسة اللي ماعرفت غيرها..
لا يا أبو عبدالمحسن لا.. بتتزوجني عقب سنة.. وتعيش تعيس معي مثل ما أنا بأكون تعيسة معك..
استغرقه الذهول وهو يسمع سيلها الحزين الحازم الساخر... ومع ذلك تركها تكمل للنهاية..
أرادها أن تفرغ كبت السنين حتى تصفو الرؤية عندها..
ولكنها لم تسمح له أن يقول شيئا وهي تكمل مسيرتها للأعلى بخطواتها الذابلة..
وهو يستند على حاجز الدرج بإنهاك..
كان يشعر بإحساس غريب اجتاح فؤاده الخالي حينها .. الذي أصبح ممتلئا حتى أقصى حدود المجرة الآن..
أوعدتني بالتعاسة؟؟ لا بأس.. أريد تعاستك التي ستهدينها لي؟؟ أريدها؟؟
كوني لي.. وأتعسيني..
بقربكِ حتى التعاسة ستزهر..
أريدكِ أيتها الصغيرة.. أريدكِ..
ماذا فعلتِ بهذا القلب البارد كصاحبه؟!..
ماعاد له من البرود إلا ذكراه..
أشعلتِ كل مافيه.. كل مافيه.. حتى كاد يستحيل رمادا..
لا صبر لي ياصغيرتي.. لا صبر لي!!
أعيش على ذكرى لمسة أطراف أناملكِ اليتيمة.. هل تصدقين لو قلت لكِ أني شعرت أن أناملي ستحترق.. بل احترقت وهي تحضى بلمستكِ الأزلية..
لا أعلم هل قصدت أن أتلمس أناملكِ؟!!.. أو كانت عفوية؟!!
لا تصدقيني.. فمعكِ ماعاد للعفوية حضور.. كل شيء أفعله أقصده..
وأخطط له كمحارب أنهتكه الهزائم وكل أمنيته أن يحقق نصرا واحدا..
فإذا بكل خطة تنسف من أساسها لتكوني وحدك المنتصرة.. وأنا الخاسر الوحيد..
.
.
كان يوم عيد الفطر قبل حوالي 5 أسابيع..
تهاني العيد وبهجاته..صباحه الباكر المنعش..
تعلقت البندري بعنقه وهي تهمس بطفولتها العذبة: عيدك مبارك ووينها عيديتي..
ابتسم وهو يطبع قبلته الحانية على خدها: اصبري على رزقش.. لا تخافين مانسيت عيديتش.. ماني ببايع عمري..
مع أنه متعب توه يقول لي لا تعطي البندري شيء.. يقول أنش خذتي كل اللي في بوكه حتى الفكة عيديات البزارين..
البندري بدلالها الطفولي: ياسلام...
ليش يحط نفسه حاتم الطائي؟؟ وإلا يستعرض قدام أم البنات؟!!
الأخ لاهي يزط حلويات قلت له أبي عيديتي.. قط بوكه علي.. وقال اخذي اللي تبين..
أنا خذت اللي أبي بس.. شفت أشلون قنوعة..
ابتسم تركي: كم خذتي منه يا القنوعة؟؟
البندري أشارت بيديها بالرقم.. وهي تبتسم بذات الخبث الغارق في عذوبتها الخاصة..
تركي بصدمة باسمة: يالمجرمة.. قصبتي الرجّال..
البندري بتأفف: هذا كله عشان ما تعطيني عيديتي؟!
ابتسم تركي: والله متعب عايدش عن عشر سنين قدام.. نيابة عنه وعني وعن إبي ..
وهـــــــــــــــــــــــ ــي في زاويتها البعيدة..
غارقة في بياض جلالها الواسع.. تود أن تنهض لتقوم.. ورؤية تدلل البندري على تركي يثير حرقة مرة في قلبها..
ليس غيرة على تركي.. بل ذكريات مرة اخترمت روحها.. ذكرياتها الأبدية مع الراحلين..
(لو كان أخي مازال حيا الآن.. هل كنت سأتدلل عليه مثلها؟!
ربما أكثر... أكثر..
رحمة الله عليه.. كانت طلباتي كالأوامر عنده)
تغتالها ذكرياتها الشاردة مع الراحلين...
كان يكفي أن تهمس بالشيء لتجده.. والدتها لم تنجب سواها هي ومتعب الذي يكبرها بعشر سنوات لمشاكل عندها في الحمل..
تكاد لا تتذكر لها مكانا سوى عنق أخيها متعب حتى كبرت وهو يحملها من مكان لمكان..
تأخرت في المشي.. لأنه لم يكن يسمح لقدميها أن تلمس الأرض إلا لماما..
وما تبقى من الوقت تتجاذبها يدي والدتها أو والدها..
(هل كنتم تعلمون أن وقتكم معي قصير هكذا؟؟
لماذا لم أكن معكم في الحادث؟؟ لماذا تركتموني عند جدتي؟؟
هل كنتم تعلمون أنكم راحلون.. وأردتم أن ترحلوا بدوني..؟!
ماذا تركتم لي من بعدكم.. ماذا تركتم..؟!
الحرقة التي التهمت صدري.. الحزن الذي ماعدت أعرف سواه... أشباح الذكريات التي تطاردني في نومي وفي صحوي..؟؟
إحساسي المستقر في أعماقي أني سأبقى نكرة.. متطفلة على حياة بيت عمي..؟؟
حتى هذا البائس الذي يستمتع بقهري كما قهرني طيلة السنوات الماضية.. ظننت للحظات طفولية أنه سيكون ميناء غربتي التي لا تنتهي..
ولكن يبدو أن غربتي لا ميناء لها سوى عند رب العباد حين تستقر روحي في مثواها الأخير..
كل عيد بعدكم لا نكهة له.. ولا معنى.. حتى الأعياد ارتحلت معكم
العيد عيد الله ومعايدة الأحباب..... عزي لعين ماتعايد حبايبها
فكيف والعين لن تراهم حتى؟!!
هــــــــــــو..
يدعي انشغاله مع البندري.. بينما من تشغله تلك المتباعدة في زوايتها المقيتة.. منذ أن سمع همسها الشجي الحزين كما هو على الدوام حين هتف لها بحزمه المعتاد:
عيدش مبارك..
لترد عليه : وعيدك مبارك..جعلك تعوده العام وكل عام..
(أتقصدينها حقا؟؟..
عيد الفطر القادم.. سيكون عيدي الأجمل..
لأنه سيكون عيدي الأول معك..
بل حياتي معك ستكون عيد متصل لا ينتهي..)
بينما هي غارقة في ذكرياتها منذ ألقى عليها معايدته الباردة.. شعرت أن برودتها لاسعة..
(ومتى لم يكن هذا البارد باردا؟؟)
(ليته يسكت فقط.. وينسى أني موجودة حتى!!)
أخرجها من شرودها طرقات حانية على كتفها (الهنوف يأمش مدي يدش اخذي عيديتش من تركي)
انتفضت بجزع وهي تصرخ في داخلها (وش عيديته هو وجهه؟)
زادت رعشتها التي لا تعرف لها سببا وهي تراه يقف قريبا منها ويمدها بظرف مغلق..
وهو يهتف بنبرة أقرب للسخرية: ترا يدي اجعتني وأنا مادها..
اضطرت أن تقف لأنها رأت أن في جلوسها قلة تهذيب..
كانت ترتدي كعبا عاليا تجاوز طولها كتفه بقليل.. كان هو من استشعر طولها الجديد بولعه الجديد القديم..
فهو يكاد يحفظ طولها لكثرة ما تمعن فيها
(وش عندي غير ذا الزول أتمقل فيه.. دام حتى شوفة وجهها شاحة فيها)
همست بارتباكها الخجول: مافيه داعي يأبو عبدالمحسن.. خيرك سابق!!
آلمته كل كلمة في عبارتها القصيرة ..
بدءا من (مافيه داعي) مرورا ب (أبو عبدالمحسن) وانتهاء بـ(خيرك سابق)..
كم طعنة في عبارتك القصيرة ياصغيرتي؟!.. كم طعنة؟!.. تشفي وابتعاد وتذكير بظلمي لك..
أم متعب بإصرار: الهنوف عيب عليش.. رجالش ذا مهوب غريب.. اخذي عيديتش.. حالش حال البندري..
شعرت أنه سُكب فوق رأسها ماء متجمد خجلا وارتباكا وكلمة (رجالش) تبعث فيها أحاسيس مرة من الخجل والخذلان واليأس..
مدت يدها وهي تهمس بخفوت لأن أم متعب انشغلت بمكالمة معايدة: بأخذها قدام أمك لكن تراني بارجعها..
همس لها بخفوت حازم: رجعيها عشان تمنين ألف مرة أنش مارجعتيها..
حينها لامست أطراف أنامله الدافئة أطرافها الباردة وهي تأخذ الظرف منه..
انتفضت بجزع والظرف يسقط من يدها.. شعرت أن صوت دقات قلبها يكاد يصم أذنها..
(يمكن يكون يسمع صوت دقات قلبي من علوها..
الله يأخذ عدوك يا تركي أنت وعيديتك..)
انحنت لتأخذ الظرف وانحنى معها.. حينها كفت يدها بسرعة لتترك الظرف له..
هل كنتِ تعلمين ياصغيرتي أنني كنت خططت للقبض على يدكِ كاملة في لحظة الانحناء تلك؟!!
لم أكن لأهتم لوجود أمي أو البندري..
فتفكيري نسفته أطراف أناملك وهي تحرضني للمزيد..
أردت أن أعرف من لمجرد أطراف أناملها هذا الإحساس فكيف بيدها كاملة؟!
.
.
يعود بالذاكرة أكثر وأكثر ..
إلى مواقفهما المبتورة التي تؤرقه.. وتغذي شجنه.. وتؤجج مشاعره..
يعود إلى تلك الليلة التي اتخذ فيها وجودها المتأخر في بيت عمها طالب عذرا لكي يراها..
بعد أن أرهقته محاولاته لرؤيتها بعد موقفهما يوم تكريمها..
أراد أن يفهم ماذا حدث له ذلك اليوم..
وصورة عينيها المحمرتين وهي تقف على اول عتبات الدرج تحتل كل تفاصيل تفكيره.. ولا تترك له أي منفذ..
أراد أن يراها بأي شكل..
وكان يحاول باستماتة طيلة الأيام الماضية دون فائدة.. وكأنها تتقصد تركه معلقا ملهوفا..
كان يعسكر بالساعات في صالة البيت...
يتعمد أن يدخل البيت دون إذن..
ولكن كل محاولاته البائسة تبوء بالفشل..
حتى دخل إلى البيت تلك الليلة دون أن يخطر له أبدا أنه قد يراها..
ولكنه أراد إحضار هاتف حزام الذي نساه في المجلس..
فوجئ بالبندري في الصالة تنتظر عودة الهنوف..
وفـــجــــأة.. وجد الحجة والغطاء المناسب!!
(اللهم لك الحمد ياربي... اللهم لك الحمد
وأخيرا سأراها..
تلك الآسرة طويلة اللسان..)
كان يقف عند الباب الفاصل بين بيتهم وبيت عمهم وبجواره البندري..
يشعر بهذا الإحساس الغريب لأول مرة.. شعور لهفة مريب شهي بهي جعل دقات قلبه تتصاعد بعنف..
وآلام لذيذة تنزل من حجابه الحاجز إلى معدته..
لا يعرف لها سببا..
"وش فيك يا تركي؟؟.. اركد..
اركد..
تراك شيبه عمرك 32.. منت ببزر أبو 18.."
كان يتمنى لو استطاع رؤيتها دون وجود هذه العزول الصغيرة...
لكنه كان مضطرا لذلك..
خشي أن تراه وحده فتعود أدراجها..
وهو سيموت إن لم يراها.. ولا يعلم لماذا تلتهمه اللهفة.. لا يفهم حتى سببها
لابد أن يراها ليفهم.. ليرتاح..
وأهون الشرين أن يراها ولو بوجود البندري..
رأى زولها من بعيد يتهادى.. فشعر أن دقات قلبه تتصاعد أكثر مع اقترابها..
حين وصلت انفجر بها: تمشين على بيض أنتي؟؟
لم يجد شيئا آخر يقوله.. ماذا يقول؟
ماذا يستطيع أن يقول ولا يظهره بمظهر المراهق ؟!!
هل يخبرها إنه شعر أن خطواتها كانت تمر فوق شغاف قلبه؟
أن كل خطوة تخطوها كانت كسهم ينغرز في روحه؟!!
وأنه لا يفهم ماذا حدث ويحدث له؟!!
وأنه يشعر بالقهر والظلم والغبن لهذه المشاعر التي تهدي كبريائه العتيد إليها دون أدنى مقاومة منه؟؟
تنهدت الهنوف وغيظها يتصاعد منه.. وخجلها يخنقها ومع ذلك همست بنبرة مقصودة:
ليه وراي موعد مع سيادة الوزير؟؟
تركي بذات النبرة الغاضبة: وعادش مخْمِلة ولسانش طويل ؟!
(مخملة: من ارتبكت شيئا خاطئا.. الخمل: خطأ يُنتقد عليه الشخص.. غالبا حينما تُنتقص العادات والتقاليد والأخلاق الرفيعة المعتادة)
الهنوف بغضب: وش الخمل اللي أنا غديت فيه؟!!
تراني كنت في بيت عمي ومع بناته.. وإذا أنا احترمتك وكبرت قدرك.. ورجعت عشان كلمتك..
مفروض منك تحترمني..
كان سيرد عليها لولا صوت البندري التي نسيا وجودها.. قاطع جدلهما الدائر والشرارات المتبادلة بينهما بقوة: ترانا عند باب البيت....
عادكم مطولين في الهدة؟!!.. أنا أبي أروح أنام..
تركي تنهد بغضب كتمه في داخله.. وهو يود لو يخنق البندري ويوجه كلامه للهنوف بنبرته الحازمة المعتادة:
طيب ممكن يا مدام تتعطفين وتتكرمين وما تطلعين مكان إلا مبلغتني..
الهنوف فتحت باب البيت المؤدي للصالة الرئيسية وهي تهمس بحزم:
آسفة يا أبو عبدالمحسن..
أستأذنك عقب سنة..
الحين مالحد شور عليّ إلا عمي عبدالمحسن.. وانا ما أطلع مكان أصلا إلا مستأذنته..
أنهت الهنوف عبارتها وأغلقت الباب وراءها..
بينما البندري تكتم ضحكتها وهي تقبل أنف تركي وتهمس بمرح:
تصبح على خير يا أبو عبدالمحسن..
وهي ترص على أحرف كلمة (أبو عبدالمحسن).. وتغادره متجهة لداخل البيت
بقي تركي واقفا لدقائق مذهولا.. قبل أن يتوجه لغرفته ببابها المفتوح على الخارج..
لم يكن غاضبا أبدا..أبدأ..
بل مأخوذ بمجامعه..
مأخوذ كله..
يومها اكتشف أن ما يشعر به لا يمكن أن يكون إلا حبا..
ليس غبيا ليعرف أنه بات مصداقا لقول أحمد شوقي:
(يا ويح قلبكَ بالسهم المصيب رُمي!!)
يومها بدأ يعرف معنى لذة الألم ولهفة العاشق ونجوى المحب وشجن الغرام..
يومها بدأ يعرف..
لكنه اليوم.. يستطيع أن يألف ملايين الكتب فيها.. ولن تكفي!!
.
.
.
ذكريات كثيرة تغتاله..
بعضها لا معنى له حتى.. ولكنها عنده متخمة بالمعاني حد التشظي اللا متناهي..
ولكن أجمل ذكرياته حتى اليوم هو ما سيحدث له هذه الليلة..
.
.
الأرق التهمها هذه الليلة.. كليالي كثيرة.. لاتنام حتى يفتت التعب جسدها فتنام كجثة لا تريد حتى أن تحلم..
فحتى الأحلام مؤلمة.. مؤلمة.. لا بارقة أمل فيها..
يقف مستندا على حاجز الباب.. وأنفاسه تتصاعد رغما عنه..
(ماذا فعلتِ بي ياصغيرة؟!...
بحضوركِ أكون عاجزا حتى من السيطرة على محض أنفاس تتمرد في جلال حضرتك)
يرى ظهرها وهي تمد يدها للرف العلوي من دواليب المطبخ الداخلي..
ترتدي جلالها البغيض على قلبه.. الطويل الذي يكاد يصل للأرض..
ولكنه يعلم أنه على رأسها فقط وأن وجهها مكشوف..
+
أحانت اللحظة التي سأصطاد فيها ملامحها التي أضناني السهر شوقا لرؤيتها؟!
لكنه فوجئ بها تنزل الصحن على الطاولة أمامها ثم تنزل جلالها على وجهها..
وتستدير له وهي تهمس بحزم:
أنت تتصيدني يا تركي؟؟
يرى ظهرها وهي تمد يدها للرف العلوي من دواليب المطبخ الداخلي..
ترتدي جلالها البغيض على قلبه.. الطويل الذي يكاد يصل للأرض..
ولكنه يعلم أنه على رأسها فقط وأن وجهها مكشوف..
أحانت اللحظة التي سأصطاد فيها ملامحها التي أضناني السهر شوقا لرؤيتها؟!
لكنه فوجئ بها تنزل الصحن على الطاولة أمامها ثم تنزل جلالها على وجهها..
وتستدير له وهي تهمس بحزم:
أنت تتصيدني يا تركي؟؟
رغم أنه أطلق في داخله سيلا طويلا من الشتائم المقهورة
(أشلون عرفت أني موجود؟!!)..
إلا أنه كان محلقا لأنه يسمعها لأول مرة تناديه باسمه المجرد..
(تـــــــركــــي)
هل لأسمي هكذا جلال وجمال؟!!
كيف تحول اسمي لأيقونة جمال بمجرد أن نفثته سحرا خالصا من بين شفتيها؟!
أجابها ببروده المدروس الاحترافي: يمكن صدفة؟؟
أجابته ببرود مشابه: ياكثر صدفك ذا الأيام!!
تجاهل تعليقها وهو يسألها بشكل مباشر: أشلون عرفتي إني موجود؟؟
أجابته بذات مباشرته وبنبرة أقرب للسخرية: الجيران شموا ريحة عطرك.. أشلون اللي مابينك وبينه خمس أمتار..
أجابها بعمق مؤلم يخفيه خلف بروده: ليه حاس كأنها 500 كيلو؟!!
هي أيضا لم تعلق على ماقال بل هتفت بطريقة حازمة:
تركي ترا عيب عليك اللي تسويه.. وأنت تحاول تتصيدني في كل مكان..
عندك شيء تبي تقوله.. رقمي عندك..
أجابها بثقل: يعني كأنش بتردين علي؟!!..تدرين أني حاولت كم مرة.. بس أنتي تغلين..
قلت خلها براحتها تتغلى..
والحين ماعندي شيء أبي أقوله.. بس فيه شيء أبي أشوفه..
تصاعدت دقات قلبها رغما عنها.. خوفا ربما..
ومع ذلك همست بحزم: لو سمحت تركي وخر عن الباب.. بأطلع..
همس بابتسامة متلاعبة: وليه ما تكملين اللي جاية تسوينه؟؟.. شكلش كنتي تبين تسوين لش أكل...
وتدرين اسمي من بين شفايفش له طعم ثاني.. أبو عبدالمحسن دمها ثقيل على قلبي..
همست الهنوف بذات الحزم الذي تشعر أنه قد يغمى عليها خلفه:
زين يا أبو عبدالمحسن.. وخر من طريقي قدام أشتكيك لعمي ..
أجابها ببرود مغلف بالحزم: تراني ماني ببزر تهدديني بإبي.. وتراني أقرب لش منه..
عادي قولي له اللي تبين.. واشتكيني كثر ما تبين..
ثم أردف بنبرة مقصودة: وتبين تطلعين؟!!.. قدمي مقابل واطلعي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
امتقع لونها (يا الـــخــســيــــس!)
لم تتكلم.. وإن بدا ارتعاشها واضحا..
هتف تركي بنبرة باسمة أقرب للضحك: ما أدري وين وداش تفكيرش؟؟.. بس شكله راح بــــعـــيــــــد..
كل اللي أبيه.. أنش توعديني ما تتغطين عني..
أنا رجّالش ومعش في البيت وتتغطين عني!!!.. تشوفينه شيء منطقي؟؟..
حينها استعادت سيطرتها على نفسها بالكامل: آسفة.. واسمح لي..
رجّالي عطلة الصيف الجاية.. الحين ما لك عندي شيء.. لا شوفة ولا غيرها..
حينها فاجأها أنه ابتعد عن الباب ليتيح لها الخروج ودون أن يتكلم..
(غريبة.. وش عنده الأخ؟!)
غادرت الهنوف.. ليعود هو للمطبخ ويسحب أحد المقاعد ويجلس..
منهك أنا ياصغيرتي.. منهك!!
لأطول مرة أتحاور معكِ وأكون خلال الحوار معكِ في ذات المكان لوحدنا..
أرهقتني هذه السعادة البائسة المبتورة..
عاجز عن احتمال كل هذا!!..
كنت أخشى أن ينفجر قلبي فلا أجد إلا أشلاء متناثرة يرهقني جمعها من تحت قدميكِ وأنتِ تقفين عليه..
هاهنا.. حيث كنتِ تقفين تماما...
*****************************
يمد سمرة كفه إلى بطنها وهو يمسح عليه بحنان ويهمس بحنان أشد:
مافيه سعيدان وإلا سعيدانة في الطريق..؟؟
مدت يدها بحنو لتمسح على رأسه المستند لميناء صدرها وتهمس باختناق: الله كريم..
اعتدل جالسا وهو يهمس بنبرته الواثقة المعتادة:
صار لش 3 شهور من يوم خليتي الحبوب.. شفقان على حملش ما تتخيلين أشلون..
عندي إحساس إن ربي مهوب مخيبنا ذا المرة..
صمتت والألم يمزق روحها تمزيقا..
تعيث بروحها مناجل الوجع بوحشية..
في داخلها غابات سوداء ومتاهات من الخوف والجزع واليأس..
(لن أحتمل فقدان طفلي مرة أخرى.. لن أحتمل..
سأموت هذه المرة.. أعلم أني سأموت
اليأس تحكم من روحي وأعشوشب حتى أقاصيها)
تناول سعود كفها نافثا في باطنها أنفاسه الوالهة .. ليفلتها برقة وهو يهتف بذات الوله:
يا الله حبيبتي أنا طالع الدوام.. تبين شيء؟!!
همست دانة بحزن: أكره طلعتك للدوام ذا الحزة..
رد بحزم وهو يعتدل أمام المرأة ويلبس قبعته العسكرية: هي بس مرة كل أسبوعين..
ثم أردف وهو يعود ليميل على رأسها مقبلا ويهتف بحنان: وبليز نامي.. وراش دوام..
وضعت كفها على خده وهي تهمس بحنان: تدري أني ماراح أنام.. أول ماتوصل دق علي..
أشار لها بيده وهو يخرج ويغلق الباب وراءه..
لتسمح حينها لسيل دموعها بالانسكاب بصمت..
(سامحني يا سعود.. سامحني..!!
أدري أني ما أقدر أعطيك الفرحة اللي تتمناها
بس أنا ما أقدر أتخيلك مع وحدة غيري..
مــا أقدر..
أموت من مجرد الفكرة.. أشلون لا صار صحيح..)
(أعلم أنني أنانية.. ولكن متى كان الحب غير أناني؟!
الحب هو الأنانية بحد ذاتها..
وأنت تعلم ياسعود أن حبي لك ليس كأي حب..
أنا وُلدت وأنا أحبك.. يبدو لي أن أمي أرضعتني حبك بدل الحليب..
فكل خلية في جسدي نمت وهي تشهق باسمك..
أيام عمري كلها مضت وحبك يبني في داخلي قلاع وسراديب وقصور
حتى استولى على كل ذرة في جسدي وروحي..
أرجوك..ابحث لي عن عذر..
ابحث لي عن عذر)
******************************
ذات المشكلة.. ذات القرب.. لكن ببعد آخر..
تعلم أنه الليلة غير طبيعي ..
منذ أن عاد من الخارج.. وهي تشعر بهم غريب يكتم على روحه الشفافة المرحة على الدوام...
همست بثينة وهي تجلس جواره وتضع كفها على فخذه: حبيبي وش فيك من يوم جيت وأنا حاستك متضايق؟
شفاف هذا الرجل لدرجة الصفاء المذهل.. همس بثقل: تدرين إن عمري عدا الثلاثين..
ابتسمت بثينة بولع: أدري.. العمر كله وأنت جنبي..
شد محمد نفسا عميقا: تذكرين رفيقي جبر اللي تزوج عقبي بأسبوع..
اليوم ماشاء الله جاء له ثالث ولد..
حـــــــــــيـــــنــــــ ـــــها..
سمعت صوت شيء ينكسر في روحها.. شيء اسمه (الاحساس المطلق بالأمان)
محمد منذ تزوجها لم يفتح معها هذا الموضوع أبدا
همست بارتباك وهي تقف: مبروك.. لازم أكلم مرته أبارك لها..
شد يدها ليعيدها إلى مكانها جواره.. وهو يهتف بشفافيته المؤلمة:
بثينة أنا عمري مافتحت ذا الموضوع معش.. كنت أقول تو الناس..
بس أربع سنين مرت وأنا مستغرب انش أنتي مافتحتي الموضوع ابد..
ما تتمنين يكون عندنا أطفال؟؟
همست باختناق: أكيد أتمنى..
هتف بحزم: إذن ..خلاص بكرة نسوي الفحوص..
لم يستطع أن يخبرها أنه سبق له أن قام بالفحوص وقبل 3 سنوات..
لأنه كان يخشى أن يكون العيب منه.. لأنه سبق أن تعرض لحادثي سيارة اثنين..
كان لا يريد أن يظلمها بأي صورة..
ومنذ ثلاث سنوات وهو يعلم أنه لا عيب فيه.. وكان يعلم هذا طيلة السنوات الماضية..
ولكنه حرص على ألا يجرحها بأقل شيء قد يؤذي مشاعرها الثمينة..
وهو يرى أنها تبدو غير مستعجلة على وجود أطفال.. فأراد أن يمنحها المساحة التي تريدها.. وأن تكون مستعدة له وراغبة..
همست بارتباك متألم: زين خلنا نأجلها شوي لين أستعد نفسيا...
رفع حاجبيه باستغراب: تستعدين نفسيا ؟؟ ليه حن بنروح نحارب؟؟
لم يقاوم انهمار دموعها: تكفى محمد بس كم يوم..
انتفض بجزع وهو يحتضنها بقوة وحنان: خلاص.. بلاها ياقلبي.. كله ولا دموعش
أبد متى مابغيتي فحصنا..
أغرقت صدره بدموعها.. كانت دموعها تنهمر بغزارة، وحزن مدمر يستولي على كل مكامن روحها..
ومحمد عاجز عن فهم سبب هذه الدموع..
توقع أنها ستفرح..ردة فعلها كانت غريبة وغير متوقعة أبدا..
(يا ليتك يامحمد بتنسى الموضوع صدق.. يا ليتك!!..)
******************************
جبهة ثالثة.. أحــــد.. وأهـــــدأ..
"أنت قلت للسواق إنك أنت اللي بتودي ريم بكرة للروضة.. موب أنا؟؟"
رفع متعب الجالس في صالة البيت السفلية عينيه عن هاتفه وهو يهتف لها بهدوء:
إيه أنا بوديها..
مها جلست على مقعد قريب/بعيد وهتفت بهدوء مشابه: بس بكرة دوامك الساعة خمس الصبح.. كيف أنت اللي بتوديها؟؟
هتف بذات الهدوء الساكن: تغير دوامي.. خليته كل يوم الساعة 7 ونص..
قدمت على تغيير الدوام صار لي شهر عشان كل يوم أنا اللي أوديها..
وتوهم ردوا علي اليوم بالموافقة..
مافيه داعي كل يوم تسحبين النوري وغلاوي من أسرتهم وتخربين عليهم نومتهم..
عشان يروحون معش توصلين ريم.. خلش عند البنات وخلهم نايمين..
أنا بوديها كل يوم إن شاء الله.. وأنتي جيبيها..
مازال السكون الغريب المفعم بالجمود حاضرا بينهما.. ومها تهمس : زين أحط لك العشاء..
وقف متعب منتصبا وهتف بحزم : لا بأطلع أمشي لي ساعة زمان أنا وجابر..
مها بتلقائية: سعود موب ماشي معكم الليلة؟؟
متعب بذات الحزم: لا... سعود عنده زام الليلة..
أنهى عبارته وخرج.. بينما مها غادرت المكان متجهة للأعلى..
لأول مرة منذ عامين تعيش مها هذا السكون اللذيذ الهادئ..
وراحة البال المطلقة..
ثلاثة أشهر مرت منذ قرر متعب الاستقلال بنفسه في غرفة الضيوف بالأسفل..
ومن يومها لم يصعد ولو لمرة واحدة إلى الأعلى..
والحوار بينهما يتحول لحوار رسمي لا يتجاوز شؤون البنات والحوارات العامة في أضيق حدودها..
لا تنكر أنها في البداية شعرت بشيء من الذنب.. طمرته بتذكرها لعشرات المواقف القاسية التي عاشتها مع متعب وسلاطة لسانه..
ولا تنكر أنها عانت كثيرا حتى تعتاد على النوم وحيدة.. بعد أن اعتادت على النوم على وقع أنفاسه.. وصلابة عضده..
حتى قررت أن تنام في غرفة بناتها بشكل نهائي..
ولا تنكر أنها تشتاق للأحاديث التي كانت لا تنقطع بينهما.. وهي تغرق الآن في الصمت بين جدران البيت..
فــهــما.. بعيدا عن تعليقاته المرة على وزنها من حين لآخر..
كانا يتحاوران في كل شيء وفي أي شيء..
وكانت تعرف عنه كل تفاصيل يومه.. كما يعرف كل تفاصيل يومها..
وكان -الهاتف الصامت منذ ثلاثة أشهر- لا يفتر بينهما..
ولا تنكر أنها تشتاق لحكايات مغامراته اليومية في العمل.. اليوم انقذوا قطة تعلقت بعمود نور.. أو طفلا تعلق بشجرة.. أو أطفئوا حريقا كبيرا..
ولا تنكر أنها تقلق عليه من عمليات الإنقاذ كما كانت دائما وسابقا دون أن يتغير شيء من ذلك..
ولا تنكر أنها لا تنام حتى تسمع صوت سيارته تدخل البيت.. وهو يغلق الباب الإلكتروني خلفه.. وتطمئن أنه عاد..
لا تنكر شيئا من ذلك.. ولا تخدع نفسها فيه.. فهي دوما كانت صريحة مع ذاتها..
لكنها مستعدة تماما لتحمل كل ذلك والتعامل معه..
مقابل راحة البال التي تشعر بها الآن..
وهي تعيش في سلام بعيدا عن سموم كلماته..
وهي لا تتحفز من مقارنة نفسها به..
ولا تشعر بالانكسار من رؤية جسده الرياضي المثالي المشدود..
ولا تشعر بالاحتقار لذاتها.. وهي تسلمه جسدا تعرف أنه يمتهنه بكلماته الجارحة..
ولا تتلفت حولها وهي تقف على الميزان خوفا من اقتحامه تلك اللحظة..
ولا تحتار وتتألم وتتوتر وهي تختار لباسا يخفي سمنتها خوفا من قسوة تعليقاته..
هي تعيش مرحلتها المريحة الساكنة التي لا تريد تبديلها بأي شيء...
أخذها من أفكارها رسالة وصلتها من أختها الجازي..
"إذا متعب موب عندش دقي علي"
مها اتصلت على الجازي وهي تهتف بقلق و باستعجال: فيكم شيء ؟؟ أمي فيها شيء؟؟
الجازي باستنكار: فالش ما قبلناه.. يعني ما أدق عليش إلا فيه مصيبة..
مها تتنفس الصعداء: توني كنت عندكم من ساعة.. تروعت..
الجازي تتأفف: أنتي صار لش كم شهر وأنتي فوق الريح..
وعايشة العسل مع سي متعب.. ماعاد تحسين بالطبقة الكادحة اللي تعاني مثلنا..
مها ضحكت: حسبي على ابليسش يا الحسود.. خذي سي خالد وعيشي بعض العسل اللي أنا عايشته..
الجازي ضحكت: عسل ومع خالد؟!!!.. يا أختي قولي بصل.. وإلا عظمين مكسورة..
وإلا يهديني صباحيتي طقم أسنان جديد..
مها تضحك معها: لا مروقة الأخت.. مع هذي الكوميديا السوداء..
اخلصي علي.. بأروح أطل على بناتي لا يقومون وأنا موب عندهم..
حينها انحدر صوت الجازي من النبرة الضاحكة إلى نبرة مشبعة بالتوتر : متوترة مهاوي..
مها تتنهد: زين أنا ملاحظة إنش متوترة صار لش كم يوم.. وأكيد عشان نفس الموضوع
الجازي بقهر: مها مر 3 شهور..3 شهور.. وهو ماتحرك..
ولا سعود ولا محمد ولا عمي هادي.. ولا حتى دانة.. ماحد منهم كلمني.. ولا قال لي شيء..
ولا إنه خالد كلمهم في أي شيء..
يعني اشلون؟؟ .. ما يبي يطلق؟؟
يبي يحدني أسحبه المحكمة؟؟
مها ببساطة لا تخلو من نبرة غضب وهي تتوجه لغرفة بناتها:
أنتي مفروض ساحبته المحكمة من خمس سنين..
ليش أصلا انتظرتي لين الحين.. هذا اللي أنا موب فاهمته مهما قلتي من مبررات..
واحد كاسر لش ضلعين وكاسر بضمش الشين.. مالش شهر متملكته.. (البضم: الفم)
وش قعدش على ذمته خمس سنين؟؟ .. لا وأخوانش وإبيه نفسه معيين تقعدين على ذمته..
الجازي تتنهد بحسرة: إنتي اكثر وحدة فاهمة الرعب اللي جاني من طلب الطلاق عقب اللي سواه خالد يوم طلب منه سعود يطلقني..
وعقبها استحيت.. وحشمت عمي وحشمت دانة..
وإلا خالد نفسه.. مايستاهل شعرة حشيمة..
تنهدت مها وهي تطل على بناتها وتهمس بخفوت:
خلاص إذن عطيه أسبوع بعد.. لو ماشفتي تحرك منه..
بلغي سعود إنش تبين الطلاق
وخلينا نخلص من ذا الموضوع..
سعود يبي منش إشارة وأنتي عارفة..
الجازي أغلقت من مها.. وهي تعود للتمدد على سريرها..
وحسرتها التي لا تتزحزح تمتد في أعماقها أكثر وأكثر..
حرقتها على أسرها الإجباري المفروض عليه وهي مقيدة إلى رجل ترفضه جملة وتفصيلا
وترفض أن تكون زوجة له مهما حدث..
وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد شهر واحد من عقد قرآنها على خالد..
صيف 2009..
***************************
"هلكت روحك.. وهلكتني معك.. كم كيلو صرنا الحين؟؟"
متعب يهرول وهو ينظر لساعته: 8 كيلو.. باقي 2..
جابر يلهث: ذبحتني أنت وسعود وحبكم للرشاقة.. أنا شيبه ما أبي إلا الطيحة..
متعب يضحك: يا الشيبه ترا كلنا من عمر واحد مولودين نفس السنة..
جابر يضحك: غير أني أبين أكبر منكم.. أنت وسعود..
متعب بمرح: نبيك تصير رياضي ويصير شكلك أصغر..
جابر برأسه موال منذ عدة أيام.. لذا هتف لمتعب بحزم:
متعب أبي أنشدك عن شيء.. تعرف حنا عساكر مالنا معرفة بتقنيات التحقيق
لو أنا عندي جوال بس مافيه شريحة.. هل ممكن إني أعرف من صاحب الجوال اللي استخدمه؟؟
ضحك متعب: وأنا دفاع مدني.. وش عرفني بسوالف التحقيق..
لكن بسأل لك رفيق لي في الشرطة.. يشتغل في وحدة الجرائم الإلكترونية من يوم سووها قبل كم سنة..
أتوقع ممكن يفيدنا إذا الموضوع مهم لك..
جابر بنبرة مقصودة: أي بالله يهمني جدا .. جدا..
****************************
"الحمدالله إني أنا وحميّد ربي نجانا من دمائكم الملكية الزرقاء"
كان حامد يهتف بعبارته المرحة وهو يدخل إلى المرسم ويرى كل من حمد الكبير ومي مشغولان كل واحد منهما أمام لوحته..
أبوفرات بهدوئه العذب دون أن يتوقف عن الرسم: أول شيء سلّم مثل الأوادم..
ثم تعال حب خشمي مثل ماهو مفروض من الأخ الصغير..
ثم عقب صيح كنك مفلوج مثل المصاديع اللي مثلك وشرواك..
حامد يحك رأسه ويهتف بمرح وهو يميل ليقبل أنف أبي فرات: مهوب كنك فجرت جبهتي يا أبوفرات؟!!
مي تضحك: هو أصلا بقى عندك جبهة... تم سحقها بالكامل..
حامد يضحك: أخي الكبير يطالب باحترامه المفترض.. وأنا بعد أطالبش تحترميني احترامي المفترض
أبوفرات المستغرق في لوحته يهتف بنبرة مقصودة: ماشافت قدوة حسنة فيك ..هذي هي تسوي سواتك..
حامد حينها انفجر ضاحكا: أفا يا حمد افا.. ترا الجبهة طارت من الذبة الأولة..
ماعاد به جبهة تستقبل قصفك الثاني..
حامد يستدير ليجلس على أريكة في زاوية المرسم ويتنهد:
شكلك زعلان علي.. أعرفك
والله إني ما سويت شيء..
فُرات وش هو مفتن علي عندك؟!!
حينها وضع أبوفرات الفراشي ولوحة الألوان على الطاولة الطويلة بجانب لوحته..
وهتف بذات النبرة المقصودة:
ما سويت شيء!!
والكرت الأحمر اللي خذته في مباراة اليوم..؟؟
حامد بصدمة: ماخبرتك تشوف مبارياتي!!
أبو فرات يتوجه للمغسلة في طرف المرسم ليغسل يديه.. بينما مي من ردت بمرح:
ما يشوفها بس يسمعها..
حامد بدهشة: يسمعها؟!!
أبوفرات يجفف يديه وهو يتجه صوب حامد ويهتف بغضب مكتوم:
إيه اسمعها في الإذاعة.. عندك مانع؟!!
ولا هذا بموضوعنا.. موضوعنا الكرت الأحمر..
أنت ما تستحي على وجهك.. ترا الرياضة مفترض إنها أخلاق رياضية وتهذيب..
أنت منت بداخل تكفخ اللاعبين..
حينها وقف حامد بحدة: يعني وش تبيني أسوى؟!!.. قطعت عليه وخذت الكورة منه..
طوّل لسانه علي بكلام بذيء..
عطيته كف يستاهله.. عشان يعرف يثمن الكلمة..
أبوفرات يصل إلى حامد.. ويجلسه ويجلس جواره..
بينما مي اقتربت وجلست على مقعد مقابل لهما.. في الوقت الذي كان أبوفرات يهمس بحزم:
حامد أنت منت ب بزر.. ولا عادك في عمر تربية أوجهك..
بس السالفة ذي صارت كم مرة.. وأنا ماقلت لك ولا شيء في المرات الماضية..
بس بكرة ب يشيع بين اللاعبين: لا بغيت تطرد حامد آل سطام.. عطه شتيمة تحت الحزام..
وتصير ذي نقطة ضعف لك.. ونقطة ضعف لفريقك عقب.. خصوصا إنك هدّافهم..
أكبر العيب إنك تخذل فريقك اللي حطوا ثقتهم فيك.. لأنك ما تقدر تمسك أعصابك..
حامد يتنهد وهو ينزل رأسه بين كفيه: حمد أنت عارفني..
مافيه شيء يحدني أستخدم يدي مهما كان قوي.. بس هذا لا كنت برا الملعب..
لكن في الملعب ما أقدر أمسك أعصابي.. ما أقدر
لأنه أنا أصلا أكون متحفز في اللعب وأعصابي مشدودة.. يجي واحد ويقول لي..
يا...... وإلا يا ولد يا ......
تقفل معي وماعاد أشوف..
أبو فرات يتنهد وهو يقف: حامد ترا أنا ما أوجهك مثل ماقلت لك..
أنا أحذرك من العواقب.. وأنت بصرك..
لأني مارح أفتح ذا الموضوع معك مرة ثانية..
**************************
"صباح الخير يا الأميرات"
الجليلة وأميرة تردان على مساعد التحية وهو ينضم لهما على طاولة الفطور ويهتف بمرح:
شفتوا إني خوش أخ.. هذا أنا قايم بدري عشانكم..
محاضرتي الثالثة..
بس أنتو أولى..
الجليلة بمودة عميقة: جعلني ما أخلا من زولك قول آمين..وجعل ربي يفرحني بتخرجك ذا الفصل..
بينما أميرة ردت بمرح: أنت يومك تمنن علينا.. ترا السواق برا.. ولا عنده شغل.. يكش ذبان..
مساعد يضحك: على كثر منتي لازقة في الجليلة.. ماتعلمتي منها زين منطوقها..
أميرة بمرح: يا الله يارب مع ذا الصباح الباكر.. ترزق مساعد ولد أم شهاب..
ب مرة لسانها متبري منها.. يشوفني عندها ملاك منزل من السماء..
مساعد بمرح شبيه: ويا الله يا كريم مع ذا الصباح.. إنك ترزق أميرة بنت أم شهاب
برجّال يهاجر بها للبرازيل.. ولا تشوف الجليلة إلا كل عشر سنين مرة..
الجليلة تقاطع عراكهما وهي تهمس بحزم لطيف: أصبحوا وافلحوا.. خلونا نروح محاضرتنا..
عندنا الأولى دكتورنا المنفس.. لا ندخل وراه طردنا شر الطردة الأمبريالي..
مساعد يقف وهو يعدل غترته.. بينما الجليلة وأميرة تناولتا عباءتيهما المرتبة على المقاعد:
صدق يدرسكم فُرات آل سطام رفيق تركي؟؟
الجليلة بتلقائية: الله الله.. الحظ الأقشر ياروح أختك.. اللي حدنا عليه..
ضحك مساعد وهو يخرج لسيارته وهما تتبعانه: عاد موب لذا الدرجة.. ترا فُرات رجال والنعم..
ابتسمت الجليلة وهي تجلس بجوار مساعد وأميرة تركب خلفها: الله والنعم اللي يستاهلها الأمبريالي..زوج الإمبريالية..
مساعد يتأكد من ترتيب غترته في المرأة الأمامية ومن ثم يحرك سيارته وهو يهتف بتلقائية: بس فرات مهوب متزوج..
حينها أطلت أميرة برأسها بين مقعديهما وهي تهتف بمرح: صحيح دكتور فرات موب متزوج؟؟ ومرته الأميركية وينها؟
مساعد بغيظ مكتوم: ماتت الله يرحمها.. وارجعي ورا لا أعطيش كوع في وجهش..
ألف مرة قايل لش لا تسوين ذا الحركة..
*********************************
"يا أبيش لا تأخريني.. عندي محاضرة أولى الساعة 8"
مي تهمس باهتمام واستغراب: غريبة يبه وافقت تدرس على كثرة مشاغلك..!!
فُرات يتنهد: هذي مصايب الأصدقاء ومجايبهم يا أبيش.. هذا الخير اللي بعينه من تركي..
ضحكت مي: أنا من زمان ما أطيق ذا التركي.. بس أنت ربي مولعك فيه..
فُرات بعتب: تركي عبارة عمش.. احشميه من حشمتي..
مي تراجعت بخجل: والله يبه أمزح..
يبتسم فرات لها بحنان عظيم: أدري يا أبيش... ويا الله خلصيني.. أبي أمشي..
مي بمودة: خلاص فديتك أنت روح.. بخلي حمد يوديني.. محاضرتي عادها الساعة عشر..
وحميد راح الشحانية عقب الفجر وأكيد إنه على رجوع..
فُرات بإصرار: يا أبيش جامعتش على طريقي..
مي بإصرار مشابه: وجامعة حمد جنب جامعتي.. ما بيننا إلا الشارع.. هذا هو في تكساس وأنا في فيرجينيا.. وأنا وهو جيران..
فُرات يغادرها وهو يهتف بإبتسامة خبيثة: أجل خلني أوصل بدري استقعد للبنات اللي بيتاخرون..
وأنتي شوفي حمد بيوديش.. وإلا قولي لجدش..
************************************
"يـــمـــه.. أنا بأروح أمريكا أسبوع وأرجع إن شاء الله!"
انتفضت يدها بعنف.. وجف ريقها.. وقلبها يكاد يتوقف عن النبض..
وهي تهمس بصوت مبحوح: صيتة فيها شيء؟؟
تركي بذات النبرة العاتبة التي لابد أن تحضر كلما تذكر خذلان الجميع لشقيقته:
تهمش؟؟ تعالي معي.. بأجل السفر لين أخلص لش الفيزا..
أم متعب أزاحت وجهها جانبا حتى لا يقرأ ارتجافة أجفانها ولمعة الدموع في عينيها..
وهمست بجبروت كاذب يختنق: أنا حلفت ما أجيها..هي تقدر تجيني.. لو أنها تبي..
وش حدني وأنا عجوز أركب الطيارة أروح لها.. والحق لي؟!!
وأخر مرة أنا اللي جايتها..
تركي بعتب: يمه.. أخر مرة كانت قبل أربع سنين.. قبل أربع سنين
أربع سنين ماشافت حد منكم.. إلا أنا ومتعب ..
حتى فهدة صار لي سنتين أحايل فيها أوديها .. ومعية.. عبيتوا رأس البنية بأفكاركم..
وإنه أمها تقدر تجي.. ولا جات..
وصيتة كبدها متقطعة عليها.. بتموت من الشحنة لها..
أم متعب بذات الجبروت المُدعى: لأنه تقدر تجي.. رجّالها ألف مرة قال لها إنها تقدر تجينا..
وهو موجود في مكانها.. بس هي مارضت..
لأنها ما تبي تجي..
يقف تركي بحزم وهو يهتف بمرارة حازمة: طيارتي عقب يومين..
إن ربي هداش وغيرتي رأيش
وحنيتي على بنيتش.. اللي بتموت تشوفش.. ترا أنا جاهز أخلص لش كل شيء..
****************************
" يـــمـــه... تركي كلمني اليوم بعد.. يقول لي أحايل فهدة.. أربها تروح معه
أسبوع واحد ويرجعون"
فهدة الكبيرة تتنهد بيأس: والله يا أمك إني حاولت فيها..
صيتة كلمتني البارحة تبكي.. وتفدا بي أقنعها تجيها..
وعيت.. مافي إذنها ماي..
حينها التفت جابر إلى غالية التي كانت تجلس مقابلة له وهتف بحزم:
أم سعود ولا عليش أمر.. ادعي لي فهدة..
غالية قامت لتنادي فهدة.. وعادت بها بعد أقل من دقيقة.. كان يبدو عليها آثار بكاء تخفيها..
جابر حين رأى وجهها هتف بجزع: وش فيش يا أبيش؟؟ أنتي تبكين؟؟
فهدة همست بإدعاء مكشوف وهي تحاول التحدث بنبرة ضخمة حتى تخفي أثر البكاء في صوتها : خالتي غالية قومتني من النوم.. مافيني شيء..
شعر أن داخله يذوي وهو يرى احمرار عينيها ويعلم أنها كانت تبكي... ويعلم لماذا تبكي...
لذا هتف لها بحنو: تعالي جنبي يا أبيش..
حين جلست جواره واحتضنها.. انفجرت في بكاء طفولي حاد.. ونشيجها يعلو بهستيرية
فجع جابر وغالية والجدة وهم يحيطون بها وهي تنتحب في حضن جابر..
جابر يكاد يبكي معها وهو يهتف باختناق: يا أبيش ليه تبكين؟؟
تبين أمش؟؟ روحي مع خالش تركي هذا هو بيسافر.. وإلا بأوديش لها.. أنا حاضر..
حينها قفزت وهي تركض لغرفتها وتنتحب بصوت عالي متقطع: ما أبي أروح.. ما أبي أروح..
فهدة الكبيرة زمت شفتيها بقوة وهي تتبع فهدة الصغيرة.. ولكنها لم تتبعها إلى غرفتها.. بل توجهت إلى غرفتها هي...
وتركت خلفها جابر وغالية وهي تهمس له بمؤازرة وتربت على كتفه:
ماعليه فديتك.. لا تضايق.. أنا بروح لها عقب شوي تكون هدت..
وبأخذها ونطلع سوا .. أمشيها شوي..
تنهد جابر بحزن: الله الله فيها.. تراها تكتم واجد.. وهي في النهاية ترا بزر مشتحنة لأمها وتكابر..
غالية نهضت وهي تهمس بعذوبة: أبشر .. فهدة مثل أختي الصغيرة وأعز..
ثم أردفت باهتمام: أنا بروح لسعود أصحيه عشان ألبسه يروح معنا.. تبي شيء فديتك؟؟
جابر بتذكر: إيه أبي التلفون اللي عندش..
غالية باستغراب: أي تلفون؟؟
جابر بحزم: التلفون اللي سمعتيني التسجيلات فيه.. أبيه..
غالية صُعقت وكانت على وشك الرد.. لولا خروج فهدة الكبيرة من غرفتها.. وهي تقترب منهم..
ثم تمد جابر بجواز سفر.. وتهمس بحزم بالغ: هذا جواز فهدة.. عندها أصلا فيزا مدتها خمس سنين ما بعد انتهت..
احجز لها تروح مع تركي..
ثم التفتت لغالية وهمست بذات الحزم: غالية يا أمش.. جهزوا شنطة فهدة أنتي وضي.. وما أبيها تدري بشيء..
أنا بأطلع بكرة أنا وإياها مع جبران..
ذاك الوقت رتبوا شنطتها.. وإذا محتاجة شيء اشتروه لها الليلة..
واشتروا لها كم لبسة جديدة.. وأحسن لبس جديد للمطار...
ولاحد يقول لها شيء.. لين وقت السفر..
صـــيــف الــــدوحة قــبل خــمــســة أعـــوام..
كان الوقت بعد منتصف الليل..
الجو حار و الرطوبة خــــانـــقــة..
ويشعر أن بداخله ماهو أكثر اختناقا..
يشعر كما لو أن الرطوبة تتمدد داخل روحه شديدة اللزوجة والمرارة ..
ويشعر كما لو أن روحه ستُزهق..
رغم أنه بداخل سيارته وجهاز التكييف يعمل بكفاءة عالية..
كان قد أنزل سالم في بيته قبل دقيقتين..
ولا يعلم لماذا يشعر بهذا الانقباض المرعب.. يشعر أن أنفاسه التي يسحبها لداخل صدره
أشبه ما تكون بأمواس حادة تشرّح صدره تشريحا في شهيقه و زفيره..
ربما تذكر الحادث سيء الذكر الذي حصل لهم قبل أكثر من عام..
وخصوصا أنهم هم نفسهم الأربعة كانوا فيه..
فهاهو يعود من السعودية على طريق البر..
ويعود سريعا من أجل أن يُعيد سالم.. الذي اتصلت به زوجته وأخبرته أنها ستلد..
بينما محمد وجبر بقيا خلفهما.. وسيعودان حسب مخططهم دون تغيير.. بعد غد..
"أعوذ بالله من ضيقة الصدر
يا الله وش ذا الضيقة اللي عمري ما حسيت بها
يا الله سترك!!"
كان متوجها لمنزل أبناء عمه.. لأن محمد أوصاه أن يوصل بعض الأغراض
وينزلها في المجلس الخارجي..
وهو سيخبر المقهوي عنها في الصباح..
أوقف سيارته بداخل باحة البيت قريبا من المجلس..
والضيقة في داخله تزداد وتزداد.. وتتوسع.. يشعر أنه يختنق فعليا..
وأنفاسه تعلو وتهبط بصوت ملحوظ..
دخل إلى المجلس عبر بابه الداخلي المفتوح على باحة البيت..
لأن باب المجلس الخارجي كان مغلقا.. أغلقه المقهوي لأن محمد وسعود ليسا هنا والوقت متأخر..
حين دخل إلى المجلس انشرح خاطره بعض الشيء..
ابتسم وهو يتذكر الذكرى التي باتت الذكرى الأجمل في حياته حتى الآن..
قبل شهر من الآن:
والشيخ يقول: خالد بن هادي آل جرّاح
هل توافق على الجازي بنت سعيد آل جرّاح........ ؟!!
وهو يهتف بمرح وسعادة محلقين: إي بالله موافق وموافق وموافق..
ومن يومها أصبح اسمه عند الشباب محمد وسالم وجبر: خالد إي بالله موافق..
الاسم الذي لم يرافقه إلا لشهر واحد فقط.. فـــقـــط!
تنهد بعمق وهو ينظر للمجلس: هانت يا الجازي.. باقي على عرسنا شهرين..
يا الله الصبر من عندك!!
وضع الأغراض في المقلط قريبا من الباب المطل على باحة البيت..
وإحساس الضيقة يعود له بشكل أعنف وأعنف.. أزال غترته عن رأسه ووضعها على كتفه.. وحرر أعلى عنقه من جيب الثوب الذي شعر أنه يخنقه..
توجه للمغاسل وغسل وجهه عله يتحسن.. لكن احساس الاختناق لا يزول..
أدخل رأسه كاملا تحت المغسلة .. وهو يتعوذ من الشيطان.. رفع رأسه من تحت المغسلة
وتناول بعض المناديل الورقية .. وهو ينظر إلى انعكاس وجهه في المرآة وهو يجففه..
كان أعلاه مبتلا بالكامل وهو يتوجه لخارج المجلس..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
تسند على الباب قليلا قبل أن يخرج.. تسند محاولا استنشاق أكبر قدر من الهواء..
عله يبعد هذا الاختناق الغريب عن رئتيه..
"وش ذا البلا اللي جاني؟؟
يمكن لازم أروح المستشفى؟!!"
تعوذ بالله من الشيطان للمرة الألف وهو يستجمع طاقته ليخرج..
وأغلق الباب وهو يخرج للباحة متوجها لسيارته..
فور خروجه من الباب..
استغرب وجود سيارة بالغة الفخامة.. لا يوجد منها في كل قطر.. إلا عدد محدود جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. تقف للتو في الباحة..
وينزل منها شاب مفتول العضلات غاية في الأناقة والوسامة..
ويفتح الباب المجاور له لتنزل منه صبية تغطي وجهها بشيلتها في طبقتين اثنتين ويظهر أسفل عباءتها ذيل فستان السهرة الطويل..
عرفها بقلبه.. عـــــرفــــــها!! عـــــــرفـــــها!!
شعر أن قلبه يتوقف.. وأنفاسه تتوقف..وعقله يتوقف..
وهو يركض نحوها مترنحا يحاول سحب الهواء من رئتيه المتيبستين ممسكا بقلبه ..
ليسمعها تقول بصوتها الذي يستحيل أن يخفى عليه..
صوتها الذي سكن روحه وخلاياه..
صوتها الذي باتت أقصى أحلامه أن يسمعه يهمس قريبا منه وفي إذنيه:
(في حفظ الله ياقلبي ..جعلني ما أخلا )
*********************************
الــيــــوم...
الجازي أغلقت من مها.. وهي تعود للتمدد على سريرها..
وحسرتها التي لا تتزحزح تمتد في أعماقها أكثر وأكثر..
حرقتها على أسرها الإجباري المفروض عليه وهي مقيدة إلى رجل ترفضه جملة وتفصيلا..
وترفض أن تكون زوجة له مهما حدث..
وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد شهر واحد من عقد قرآنها على خالد..
صيف 2009..
.
.
"غالية... أكيد خالتي وضحى بتروح معنا؟؟
سعود مشدد علي... إذا خالتي وضحى مارح تروح.. إني مارح أروح
وهو أساسا مابغى يوافق..
يقول مكان العرس بعيد.. وهو في الزام ومحمد مسافر.."
غالية ترد بمرح: والله قالت بتروح معنا..
أصلا روضة تقول بترسل لنا سيارتها هي اللي تودينا.. وترجعنا..
الجازي بخجل: يا فضحي.. سياراتنا موجودة..
ليش ترسل سيارتهم؟؟
غالية بمرح: لأنه يا أم كشة صفراء... العرس في بيت المعرس ... وإحنا ما ندله..
وهي ملزمة لازم نجي..
الجازي بدلال: ذابحتش ذا الكشة الصفراء..
أصلا وش طيح إخيش على بوزه إلا كشتي الصفراء
من يوم شافها وهو ما يمسي الليل..
غالية تضحك: إي بالله صادقة.. يحلم كوابيس..
كل ليلة أسمع صياحه وهو نايم..
نقومه نرش عليه ماي.. ونقرأ عليه..
وهو يصيح مرعوب: الكشة الصفراء جاتني.. الكشة الصفراء جاتني..
الجازي حينها خفتت ابتسامتها وهمست بتوتر خجول:
غالية.. هو عادي أحضر عرس.. وأنا عرسي عقب شهرين؟؟
غالية تضحك: جاتنا حركات العجايز..
لو فيها شيء كان خالتي صافية ما خلتش تروحين..
ويا الله فارقي..خليني أخلص كشتي أنا..
أنتي ماشاء الله كشتش حرير.. دقيقتين وتخلصين..
لكن أنا أبي ساعتين وأنا أكويها بمكوى الملابس لين ربي يهداها وتهبط..
.
.
بعد ذلك بساعات..
(في حفظ الله ياقلبي ..جعلني ما أخلا )
جن جنونه تماما.. والصورة المرعبة تتشكل أمام ناظريه... بأقصى تجلياتها..وأبشعها..
كان مسمى الجنون لا يصف الحالة التي كان فيها.. ولا بأي شكل من الأشكال..
كان مغبونا مطعونا في كل ما يؤمن به في هذه الحياة..
كان يرى حياته كلها تنهار أمام ناظريه..
ماعاد للحياة كلها قيمة ولا معنى..
ترجم هذا الجنون واليأس والحسرة إلى تصرف سريع وهو يشد الجازي بعنف ويهزها بكل قوته لتسقط الشيلة عن رأسها.. أعاد شدها بعنف.. وهو يرفعها للأعلى..
وعيناها تتوسعان برعب وهي تصرخ بكل رعب العالم وهي ترى وجهه الأسود المتفجر بالغضب ..
وعينيه المحمرتين إلى درجة أنها شعرت أن العروق في عينيه على وشك التفجر لشدة احمرارها:
خالد وش فيك؟ وش فيك؟؟
كان جوابه على سؤالها: أقوى صفعة يمكن تصورها أو تخيلها أو حتى احتمالها..
شعرت أن هناك مطرقة حديدية هوت على صفحة خدها اليسار كاملة بكل قوة..
وشعرت بطعم وسيلان الدم في فمها غزيرا.. وهي تبتلع أحد أسنانها..ويسقط الثاني خارجا..
لتسقط بعدها بعنف على الأرض القاسية وهي تشعر بألم كاسح في كل جسدها جراء الارتطام..
وحين سقطت ركلها بكل قوته وقهره في جنبها..
شعرت أن قنبلة انفجرت في جنبها وهي تسمع صوت تكسر أضلاعها بوضوح..
وتشعر بألم لا يمكن وصفه.. في رأسها وجنبها..
وكان على وشك أن يركلها الثانية والثالثة.. فهو فقد عقله تماما.. تــمــامــا..
لولا الجسد الذي انكب فوق الجازي يحميها منه.. لتقع الركلة الثانية في هذا الجسد
وصاحبته تأن بعنف..
وتصرخ بصوت عال: خـــــالــــد بــــــس..بــــــــــس
"صوت غالية.. وش جاب غالية هنا؟؟"
حينها صرخ بكل فجيعته: الحيوانة معها.. الثنتين رايحين مع بعض معه..
وكان على وشك رفع غالية عنها ليشبعها بالصفعات هي أيضا..
لولا الصوت الذي أعاده لوعيه بالكامل..
كان صوت والدته.. تشده بقوة وهي تضرب ظهره بعنف وتصرخ:
خــــــــــالد بـــــس بـــــــس..أنت استخفيت يا الصديع..بـــس...
"وش جاب أمي بعد؟!!"
خالد التفت لوالدته بجزع ..وهو يصرخ بكل وحشية العالم ووجعه: يمه هذا من هو؟؟
كان يصرخ وهو يشير للشاب الواقف المذهول المرعوب الذي كان ينوي قتله حين ينتهي من الجازي وغالية معها..
الشاب كان هو من أجاب وهو ينكمش في خوف: أنا سواق مدام رودا..
ما زال يصرخ بكل حرقة العالم وقهره..وهو ينظر ليديه التي صفعت الجازي:
زين ليه تركب معه قدام ليه؟؟ .. ليه؟؟.. ليه؟؟
أمه بدأت تبكي وهو تنكب على الفتاتين اللتين تتلويان على الأرض وتتحسسهما..
كانت الجازي تأن بعنف والدماء تسيل من فمها بغزارة ..وإصابتها تبدو بليغة..
بينما غالية وقفت على قدميها وهي تمسك بجنبها وتصرخ في خالد بغضب عارم:
من قال لك راكبة جنبه؟؟
هي راكبة معنا ورا.. بس السواق حوّل يفتح الباب للجازي ..ثم فتح الباب اللي قدام عشان الخدامة تبي تعطيه هدية الجازي من العروس..
خالد انتبه حينها للخادمة الضئيلة الحجم التي مازالت تجلس في المقعد الأمامي.. لم تنزل..
كانت عاجزة عن التحرك والرعب يثبتها في مكانها.. وعيناها دامعتان متسعتان من الجزع..
حـــيـــنــــها..
حــــــــيـــــــــنـــــ ـــهــا...
انطفأ شيء في روحه.. انطفأ تماما...
وماعاد للكلام أي معنى.. فقدت كل كلمات الكون معناها..
وهو يحاول الانحناء لرفع الجازي.. بروحه التي نُسفت ودُمرت تماما.. وعلى يديه!!
حاول رفعها دون أن ينظر إليها..
كيف ينظر إليها وهو يعلم أن وجهها اكتسى ألوان وحشيته وجسدها تخضب بضرباته
ليخبراه أي هدية أهداها لها بمناسبة زواجهما القريب؟!!
أي هدية كانت هدية طهرها وطفولتها وعذوبتها؟!!
أحقا أنا فعلت ذلك بالجازي؟؟ الجازي!!
أ حقا تجرأت يداي أن تؤلمها وتدميها؟!
الجازي.. الــــــجـــــازي..
حلمي الذي أرهقني الوصول إليه.. حبي الفتي الذي رسمت معه مستقبلي..وكل حياتي..
نبض قلبي.. الدماء الساربة في شراييني.. أنفاسي التي تبقيني على قيد الحياة..
الـــــــجــــازي...
ولكن أمه نهرته بقوة وقسوة: إياك تلمسها .. جسمها كله كسور
والله لو أنت منت بولدي إن أدعي عليك
كلّم الإسعاف لا بارك الله فيك من ولد..
كانت يده ترتعش وهو يتصل بالإسعاف.. ويشعر برغبة عارمة أن يبكي.. ويمنع نفسه من ذلك..
رغم أن كل مافيه كان يبكي..وينهار..
كان مازال عاجزا أن ينظر نحوها.. وهو يراها مكومة وكلهم متجمعين حولها..
يشعر أن كل ماداخله ينهار.. ينهار.. وهو يتقوقع على ذاته حتى لا ينهار فعليا..
وهو يراهم حولها دون أن يستطيع التدخل..
الكل له حق في لمسها وتقديم الدعم والمساندة إلا هو..
فقد هذا الحق..
وكيف يكون له الحق.. وهو من كانت أول لمسة يلمسها فيها بعد زواجهم هي أن يمزق جسدها بعنفه ووحشيته..
رأى أم سعود تخرج من البيت راكضة وتنكب على بنتها.. ليغشى عليها فوقها وهي ترى وجه ابنتها المتورم..
كان قد أنهى الاتصال..
ليجد أن أم سعود استفاقت من غشوتها.. لتهاجمه بعنف.. وهي تصرخ بكل وجيعتها:
طلقها يا الخسيس.. طلقها..
والله ما تمسي على ذمتك..
طـــلـــقــــها.. أقول لك طلقها..
خالد خلص نفسه من براثن أم سعود.. وترك المشهد كاملا..
وتوجه إلى سيارته.. ليجلس فيها.. انتظارا للإسعاف..
وابتعادا عن المشهد الذي شعر أنه ينحر كل مافيه
ينحر رجولته.. ومروؤته.. وحبه..
وحـــبــيــبــتــه!!
تذكر أنه يجب ن يتصل بسعود ومحمد ووالده.. رفع الهاتف واتصل..
وهو يهتف لكل واحد منهم بذات العبارة...عبارة واحدة بنبرة ميتة:
"تعال أنا ذبحت الجازي!"
***********************************
"حظه يفلق الصخر... الشرطة خذته قبل أوصل المستشفى"
كان سعود يهذي ويركل كل ممرات المستشفى بحسرة وغضب عارمين..
بينما محمد المكلوم الذي يشعر بحرقة أعظم يحاول تهدئته:
يعني وش كنت بتسوي.. احنا في المستشفى؟؟
سعود يصرخ بغضب المتفجر.. الوحشي.. يكاد يموت من الحرقة والحسرة والغضب:
كان ذبحته.. ولا عليّ وين حن..
ما تشوف وش مسوي بالجويزي؟
أصدر سعود أنينا متحسرا من أقصاه.. كان يتقيأ حسرته:
وجهها ما ينشاف.. وضلوعها مكسرة..
و الله لو هي مسوية اللي هو ظن إنها مسويته
إني ما أسمح له يمد عليها يده حتى لو هي مرته وفي بيته.. وكيف وهي أختي وبنتي وفي بيتي..
وكيف وهي ما سوت شيء.. ماسوت شيء؟!!
أزاح محمد وجهه عن سعود.. حتى لا يرى دمعته التي خرت على خده..
كان يحاول أن يكون صمام الأمان وعائلته كلها متفجرة بالغضب والوجع والحسرة..
رغم أن وجعه كان أشد.. فخالد أقرب إليه من روحه..
وهذه شقيقته الصغرى.. فراشة البيت الملونة المحلقة..
التي نحر روحه نحرا رؤيتها مكسورة الأجنحة... منطفئة الألوان..
كان الشقيقان يطلان عليها عبر الزجاج وهي ترقد في العناية المركزة..
التي قرر الأطباء تركها فيها حتى يتأكدوا أن كسر الأضلاع لم يؤثر على شيء من أعضائها الداخلية..
كانا ينظران إليها.. ورؤيتها مسجاة والشاش يحيط بوجهها.. بهذا المنظر المستباح...يمزق روحيهما بكل مصطلحات الألم والقهر والفجيعة..
كيف تجازوتهما يديه.. ليفعل بها كل ذلك؟!
كيف يفعل ذلك بها من ائتمناه عليها؟
من اختاراه أن يكون لها سكنا وأمنا؟!
من ظنا أنه سيكون لها سندا وملجأ؟؟
كان ألمهما يتزايد في كل لحظة..
وهما يستعيدان تفاصيل الفجيعة وامتدادها..
وغير بعيد عنهم.. كانت مها تنتحب في حضن والدتها التي تهدأها بسكون ميت:
يا أمش اختش مافيها شيء.. اتقي الله في اللي في بطنش..
بينما مها لا تتوقف عن النحيب وهي تنشج: كانت بتموت يمه.. كان بيذبحها..
لو أن غالية ماقطت روحها عليها.. كانت بتموت..
وفي زاوية ثالثة: كانت عائلة هادي كاملة.. المكلومة من الجانبين..
هادي وأم خالد ودانة ومزنة وغالية.. التي رفضت الخضوع لأي نوع من العلاج.. حتى تطمأن على الجازي..
رغم أنها هي الأخرى تشعر بألم متفجر في جنبها..
كلهم يشعرون بالذنب يخنقهم.. فهذا ابنهم.. لا يستطيعون التملص من مصيبته التي لا علاج لها.. ولا تبرير..
لا تـــبـــريــــــر..
لا يستطيعون الوقوف معه لا فعليا ولا حتى معنويا..
كان أبو خالد يجلس وروحه مثقلة بوجع ماعاد يحتمله..
كان قد عاد للتو من مركز الشرطة.. حيث يُحتجز خالد الذي سلم نفسه فور وصوله إلى المستشفى مع الإسعاف...
معترفا إنه من قام بضربها في لحظة غضب دون ذنب منها..
وأنه يتحمل كافة المسؤولية..
كان العم هادي يريد من خالد أن يطلقها على الفور.. يستحيل أن يتركها على ذمته بعد مافعله بها..
لكن ما صدمه صدمة كاسحة.. هو أن خالد سبقه قبل أن ينطق بكلمة وهو يهتف بنبرة تجبر غريبة..
لم يسمعها منه سابقا.. نبرة تجبر عميقة حازمة:
اسمعني يبه زين.. أنت وعيال إخيك..
لا يطري عليكم إني باطلق الجازي..
والله ثم والله ثم والله.. لو تسلخون جلدي عن لحمي ثم تمخلسون لحمي عن عظامي إني ما أطلقها..
أدري إني غلطت.. وغلطتي مالها دوا..
بس أنا ماعاد أقدر أصلح اللي فات..
تبون أنسجن سنة سنتين عشر.. موافق وأستاهل.. بس في الأخير بأطلع واتزوجها..
وش تبون مني.. وش تحكمون علي.. أنا مستعد وحاضر.. إلا الطلاق..
لو يطلع عمي سعيد من قبره.. ويقول طلق بنتي.. قلت له: معصي..
*****************************
" يمه والله إني موب عارفة وش أقول؟؟ الحكي كله وقف في حلقي.."
ربتت أم سعود على يد دانة التي تجلس مجاورة لها بعد انتقال الجازي إلى غرفة عادية
بعد يوم قضته في العناية.. وتأكدوا فيه إن الأعضاء الداخلية لم تتأثر..
وأنها تستطيع بعد أيام قليلة مغادرة المستشفى.. بعد تحديد موعد لها لزراعة ضرسين جديدين
بينما كسر الأضلاع يجبر لوحده..
وكل ما يستطيعون عمله لها هو المسكنات ومجموعة من النصائح للتعامل مع الآلام المنتشرة في سائر جسدها..
لكنها مازالت لم تفق من آثار التخدير والمسكنات من وقت الحادثة..
أم سعود همست بحزم: دانة يا أمش.. أنتي مالش دخل في خالد ولا في اللي هو سواه
لكن اللي أبيه منش بس.. تقولين له يطلق بنتي..
يا امش اللي ذا أوله ينعاف تاليه..
وأنا ماني ب بايعة بنتي..
دانة تنهدت بألم.. بالتأكيد يستحيل أن توافق أن تبقى الجازي على ذمة خالد..
لكن والدها نقل لها خبر إصرار خالد على رفض الطلاق..
والآن خالد في التوقيف.. ولا تعرف ما ستسفر عنه الأيام القادمة..
لذا كانت تتنظر أن تكلمه بنفسها.. فهي تعرف تأثيرها الكبير على خالد..
وأنه يستحيل أن يرفض لها طلبا..
لذا همست بثقة لأم سعود: أبشري يمه.. لش وجهي إن يطلقها..
اللي يلحق الجازي يلحقني وأكثر..
الاثنتان قفزتا.. وهما تسمعان همهمة صادرة عن الجازي..
دانة نادت سعود الذي كان يقف خارجا يجري مكالمة..
والذي كان قد مضى له أكثر من خمس ساعات منذ خروج الجازي من العناية..
وهو يقف بجوار سريرها دون أن يجلس حتى لدقيقة واحدة انتظارا لاستفاقتها..
أحاطوا بسريرها.. وكان سعود قريبا جدا منها وهو ينحني عليها بحنو.. ويهمس بألم كبير:
الجازي .. قومي يا أخيش حاكيني..
كانت أم سعود ودانة مستغربتان بعض الشيء من تأثر سعود الظاهر في كل تفاصيله..
فكلاهما تعلم أن سعود محب ورقيق القلب.. ولكنه اعتاد على كتم مشاعره داخله...
لم يعلما أن حادثة الجازي.. فجرت كل ادعاء الجمود الذي كان يحاول التسربل به دوما..
هاهو كاد يفقد شقيقته الصغرى.. ابنته.. دون أن يخبرها كم من مشاعر الحب يحملها لها في داخله..
علم أن الحياة أقصر وأحقر من ترك حواجز غبية بيننا وبين من نحبهم..
دون أن نشعرهم كم هم ثمينون.. وكم الحياة قاسية دون وجودهم!!
إن كانت تلك الحادثة الفاصلة..قد أحدثت تغييرا ملحوظا في شخصية سعود..
فهي أحدثت تغييرا جذريا في شخصية خالد..
فسعود كان ومازال سعود المحب بحس المسؤولية العالي ..
ولكنه أصبح أكثر أريحية في التعبير عن مافي داخله..
ولكن خالد تحول لشخص آخر مختلف..مختلف..
ستكشف عنه سنوات الحرمان واليأس الخمس القادمة..
سعود مازال يهمس للجازي بكل حنو الكون: الجازي تسمعيني..
الجازي حينما فتحت عينيها ورأت وجه سعود قريبا.. تعلقت بعنقه وهي تنفجر ببكاء ضعيف..
وحين احتضنها سعود آنت بقوة من شدة الألم..
وهي تهمس باكية: ذبحني يا سعود.. ذبحني
تكفى ما أبيه.. ما ابيه..
سعود كاد يجن من بكائها وألمها.. وخصوصا وهي تفتح عينيها ويلاحظ كدمة دموية قوية في طرف عينها اليسار..
صرخ بغضب متفجر: الحيوان بغى يودي عينها بعد..
قالها وهو يخلص الجازي برفق وكل مافيه ينتفض.. ينتفض بعنف.. وليس بين عينيه إلا مكان توقيف خالد..
لكن الجازي أمسكت معصمه بضعف وهي تهمس برجاء من بين دموعها:
سعود طالبتك ما تروح مكان..
سعود يصرخ بغضب يكتسح كل مافيه.. ويحاول كتمه:
فـــــكــــيـــنـــي..
والله ما يمسي الليلة وهو فيه عظم سالم..
إن قد يحس باللي حسيتي به وأعبر..
والله مايردني منه إنه في التوقيف ولا غيره..
الدانة كانت تقف في الزاوية: تشعر بحرقة تلتهمها حتى النخاع..
وهي ترى علائم معركة مدمرة سيدور رحاها بين أقرب شخصين إلى قلبها..
كانت دموعها تنهمر بغزارة.. لا تعرف كيف يفترض أن تشعر..
والجازي أمامها بإصاباتها البليغة.. وشقيقها في التوقيف.. وزوجها يهدده..
ولا تعرف ماذا ستحمل لهم الأيام المقبلة.. وما تأثير ذلك على حياتهم كلهم؟!!
همست الجازي بذات الضعف: استغفر يا أختك.. استغفر.. طالبتك يا سعود.. عشان عمي هادي ودانة..
خلاص هذا أنا طيبة مافيني شيء..
وخالد أكيد إنه فهم المشهد اللي شافه قدامه غلط..
طالبتك.. أنا متنازلة عن كل شيء... طلعوه من التوقيف
ثم أردفت بذات الضعف بين دموعها: خله يطلقني وبس..
ما أبي أي شيء ثاني..
*******************************
" خالد أنت من جدك؟؟
ما صدقت يوم كلمتني وقلت لي إنك هنا في المستشفى..
وش جابك هنا؟؟
موب مفترض إنك في المحكمة؟!!!"
كانا يقفان في الممر خارج غرفة الجازي.. وخالد يبدو على ملامحه أنه لم ينم إطلاقا منذ وقت الحادثة قبل ثلاثة أيام..
ومع ذلك كان يقف منتصبا بكتفين مرفوعين..
وهو يهتف ببرود غريب غارق في الجمود والتجبر.. نبرة غريبة على إذن دانة:
وليش أروح المحكمة أصلا؟؟
همست دانة باستغراب عميق: ليش تروح المحكمة؟!!
سعود وإبي ومحمد ينتظرونك هناك عشان تطلق..
اشلون تخليهم هناك وتجي هنا؟!!
هتف خالد بذات النبرة المتجبرة التي لم تعتدها دانة منه أبدا.. ونشرت استغرابا عميقا في روحها:
أنا ماخليتهم.. لأنه أنا أصلا مارحت هناك.. وماحد قال لهم يروحون..
اتسعت عينا دانة وهي تهمس باستغراب أعظم: أنتم موب متفقين؟؟
ليهتف خالد بتجبر أعظم: هم اللي اتفقوا.. أنا ماعندي حد أطلقه
إذا سعود يبي يطلقش
وإلا إبي يطلق أمي... كيفهم...
لكن أنا ماحد ب جابرني أطلق مرتي..
دانة تكاد تجن منه: خالد أنت واعي وش تقول؟؟
خالد يتحرك باتجاه غرفة الجازي.. وهو يهتف بحزم: ولا بعد كنت واعي مثل اليوم؟؟
دانة أمسكت ذراعه بقوة: أنت وين رايح؟؟
خلص خالد يدها منه وهو يهتف بثقة: من اللي داخل؟؟؟ .. قولي لهم خالد يبي يدخل..
دانة بذهول: مستحيل تكون صاحي..
ثم أردفت بحزم: لو سمحت خالد.. احترم نفسك..واحترم أختك.. وروح..
خالد تجاوزها وهو يقول بذات الحزم المرعب: وش دخل احترامش في الموضوع؟؟
وشكلش ما تبين تشوفين الدرب لي
أنا داخل داخل..
دانة تجاوزته بسرعة وهي تحاول منع دخوله..تعالى صوتهما عند الباب
فهمست أم سعود من الداخل: دانة وش فيش؟؟ و من اللي معش؟؟
فكان الرد رد خالد الحازم: عمتي أم سعود أنا خالد.. وتراني بأدخل..
الجازي حين سمعت اسمه.. تعالى في داخلها إحساس غريب من المرارة والخوف والكراهية
وهي تغطي وجهها بالجلال الأبيض الخفيف الذي كان على رأسها..
خالد دخل.. كان ينظر إلى كل الغرفة إلا إلى السرير..
لم يستطع أن يصوب نظره نحوه.. وهو يعلم أن ضحيته ترقد عليه..
كانت مها تقف في الزاوية ببطنها المتضخم وتعجبها من جرأة خالد ووقاحته..
بينما أم سعود كانت تجلس على مقعدها بالقرب من سرير الجازي..
وصعقت من دخول خالد.. وكيف تجرأ أن يحضر إليهم بعد كل مافعله..
وصعقت أكثر من تصرفه.. وهو يجثو على ركبتيه أمامها.. ويضع رأسه في حضنها..
ويهتف بحزم: رقبتي حق لش وحق للجازي...
ثم أردف وهو يرفع رأسه وهو مازال على نفس الوضعية على ركبتيه
وهو يضع عينيه في عيني أم سعود ويهتف بكل ثقة الكون وحزمه:
وأنا غلطت.. والسموحة منش يمه ومن الجازي.. وحاضر باللي تبونه مني..
أنا يمه شفت شيء طيّر عقلي.. دوري لي لو أدنى عذر..
أنا شفت الجازي تحوّل من سيارة رجال غريب.. عقب نص الليل.. وتقول له يا قلبي وهو واقف جنبها..
تبين يقعد في رأسي عقل عقب ذا؟!!
وعلي الطلاق بالثلاث الحارمة كني مديت يدي على الجازي عقبها..
وإلا حتى رفعت عليها صوتي.. تحرم علي كني مديت عليها إصبع..
طالبش يمه طلبة.. وقفي جنبي..
كلهم صفوا عليّ حتى أمي وإبي وخواتي..
والله إن الجازي أغلى عليّ من نسمتي..
وإنهم لا يخيروني بين العالم كله وبينها.. ماتخيرت شيء عليها..
ثم انحدر صوته بألم عميق : يمه يبون ينحروني نحر الشاه.. ويسمونه طلاق..
لم يكن الرد رد أم سعود.. بل رد سعود ذاته وهو يقتحم عليهم الغرفة..
ويهتف بغضبه المتفجر... وهو ينتزع خالد الجاثي على الأرض ويرفعه:
أنت يا المرة قاعد هنا عند النسوان... ومخلينا ننتظرك في المحكمة..
احذف يمين الطلاق ذا الحين احذفه .. هذي الجازي تسمعك..
خالد لطم يد سعود بقوة وعنف.. وهو يرد بعنف مشابه:
طلاق ماني ب مطلق..
مالحد منكم حق يفصل بيني وبين مرتي..
سعود يعاود شد خالد من جيبه بقوة.. وهو يهتف بذات الغضب:
أقول لك طلقها برضاك قدام تطلقها غصبا عنها..
خالد يلطم يد سعود للمرة الثانية وعيناه تتقلبان من شدة احتكام غضبه :
اغصبني كن فيك خير.. طلاق ماني ب مطلق.. لو يطير من رأسك طير..
أم سعود تقفز لتقف بينهما لأنها عرفت أن حركة سعود الثالثة لن تكون مجرد شد جيبه..
وأنه كان يتحفز لضربه.. بينما سعود هتف بغضب أشد وأشد:
كنه يجهلك يا البزر.. إنه مثبت في التحقيقات إنك ضاربها ومكسرها..
من جلسة وحدة في المحكمة .. تقدر تخلعك..
فاحشم بنت عمك.. كنك تعرف الحشيمة وإلا مرت عليك.. وطلقها..
وكفاية الفضايح اللي أنت سويتها لنا..
حينها تأخر خالد قليلا وهو يشد وقفته ويهتف بحزم مختلط بغضبه الشديد:
فضايحي أنا المسؤول عنها..
وكنكم تبون فضايح جديدة.؟؟
أبــشــــروا.. ترا نفسي طويل على الفضايح..
ومستعد لمليون فضيحة..
وطلاق ماني ب مطلق.. وأعلى مافي خيلك اركبه..
ولا تجربني يا سعود.. مع إنك قد جربتني.. وتدري زين إني فاسخ... (فاسخ :مجنون)
بنتذابح قبل أطلق.. وخل أختك وأختي يترملون..
قاطع عراكهما الدموي المحتدم بكاء الجازي وهي تصرخ من بين شهقاتها بقدر ما أسعفها ضعفها:
سعود تكفى خلاص ما أبي الطلاق..
أنا اللي ما أبي الطلاق..
تكفى ياسعود خلاص..
تكفى طالبتك..
*****************************
اللـــيـــلــة..
ليلة من ليالي الخريف الدافئة أواخر سبتمبر 2014..
ونسمات هواء عليلة تهب من الشباك المفتوح
حيث تجلس الجازي بالقرب منه..
تمسح دموعا خائنة لا تستطيع منعها..
كلما تذكرت تلك الأيام.. وهي تمد يدها لجنبها..
جبرت العظام..
ولكن كسر روحها غير قابل للجبر.. عاجزة عن تجاوز الذكرى..
وهي تتذكر تلك الليلة المرعبة التي أحدثت فيها هي الأخرى تغييرا كبيرا..
من أبرز علاماته الواضحة إنها باتت تكره حضور حفلات الزفاف
ولا تحضر إلا مجبرة لقرابة العريس أو العروس منها..
كل أجواء الأعراس والاستعداد لها.. تعيد لها ذكريات تلك الليلة المريرة المرعبة
وخالد يستبيح جسدها وكرامتها.. وصباها.. وينقلها من محض صبية في الثامنة عشرة
إلى روحٍ هرمة مثقلة بالألم وقسوة الذكريات..
ويحرمها أن تعيش صباها بجنونه وأحلامه وإشراقه..
أما أبرز علامته المخفية.. فقد ملأت روحها بقيح الوجع.. وهي تشعر أنها معطوبة الداخل.. غير قابلة للإصلاح..
" ما الذي فعلته حتى أستحق منه أن يعاملني كالبهيمة؟؟
حتى البهيمة لا يليق تعذيبها بهذه الصورة
لأنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها..
ما الذي فعلته لأستحق عليه الصفع والركل ؟
كان يستطيع أن يتوقف لدقيقة واحدة.. دقيقة واحدة فقط حتى يفهم
كان يستطيع أن يسألني.. يستفسر مني..
أ لست من كان يجب أن تكون شريكة حياته وأم أولاده؟!!
لكن حتى السؤال استكثره علي..
لم أستحق منه أن يتعامل معي كمخلوق بشري قابل للأخذ والعطاء
تعامل معي كحشرة لا تستطيع الكلام ولا تستحق إلا السحق"
رغما عنها سألت دموعها أكثر وأكثر..
لا تعلم حتى متى ستبقى عاجزة عن تجاوز كل هذا...
حتى متى ستبقى حرقتها وقهرها وإحساسها بالمرارة والظلم ؟!!
تنهدت وهي تتعوذ بالله من الشيطان ..
وتقوم لتقرا وردها وتصلي قيامها.. فهما القادران على مسح إحساس الضيق المتجذر الذي تشعر به..
حين انتهت.. تمددت في فراشها لتنام..
قضت وقتا طويلا وهي تفكر قبل أن يأخذ النوم بأجفانها وتغفو..
في وقت ما قبل صلاة الفجر.. رن هاتفها.. كانت مستغرقة في النوم..
وأيقظها الرنين المتكرر الشديد الإصرار..
ردت دون أن ترى الاسم أو الرقم وهي تهمس بصوت ناعس مثقل بالنوم:
ألو.. من..
لتتفاجئ بالاسم الذي جعل النوم كله يهرب والأدرينالين يرتفع لحدوده القصوى..
وصاحبه يهتف به كل ثقة وجبروت:
خــــــــالــــــــــــد.. ..
في وقت ما قبل صلاة الفجر.. رن هاتفها.. كانت مستغرقة في النوم..
وأيقظها الرنين المتكرر الشديد الإصرار..
ردت دون أن ترى الاسم أو الرقم وهي تهمس بصوت ناعس مثقل بالنوم:
ألو.. من..
لتتفاجئ بالاسم الذي جعل النوم كله يهرب والأدرينالين يرتفع لحدوده القصوى..
وصاحبه يهتف به كل ثقة وجبروت:
خــــــــالــــــــــــد.. ..
الجازي شهقت وهي تعتدل جالسة.. كحت والكلمات تجف على شفتيها.. وصوتها يخرج مبحوحا:
خالد.. فيه شيء؟؟
تنهد تنهيدة بحجم الكون وبداخله حرقة تتمدد.. صوتها.. يا صوتها.. قريب بعيد:
فيه أشياء يا بنت سعيد..موب شيء.. أشياء كثيرة..
والليلة لازم تسمعينها كلها..
الجازي رغم استغرابها من اتصاله.. لكنها ردت بحرقة:
أنا أبي أسمع شيء واحد بس.. أنت عارفه..
خالد بحزم موجوع: لا.. بتسمعين كل الأشياء اللي أبي أقولها.. كـــلـــها..
خمس سنين وأنا ساكت..
وأول هذي الأشياء.. تعرفين يا الجازي كم صار لرقمش مخزن عندي؟؟
الجازي بخجل وصدمة: ليه هو رقمي مخزن عندك؟؟
خالد ينزف هذه الليلة.. ينزف فعلا: له خمس سنين عندي..
تتخيلين كم مرة في هالخمس سنين طبعت لش رسالة ومسحتها؟!
كم مرة كنت على وشك أتصل لش ونهرت نفسي؟!!
كم مرة رقدت وأخر شيء أشوفه رقم تلفونش؟!!
تعرفين وش كثر ذا الشيء كان يذبح ويعذب.. لما القمع لنفسك يجي من نفسك؟!!
الجازي صمتت لوهلة.. ثم ردت بحزم خجول موجوع:
خالد الكلام ذا كله مأخوذ خيره.. ولا منه فايدة..
احنا بيننا وضع غير قابل للحل.. وحله الوحيد الطلاق..
رد عليها خالد بنبرته الحازمة التي باتت نبرته المعتاد ولكنها مع الجازي وللجازي اكتست بعدا شفافا بغرابة:
أنا قلت لش اسمعيني.. وأنا اللي متصل.. خلني أخلص كلامي.. وعقب أنا مستعد اسمعش للصبح..
ثم أردف كما لو كان يتوقف بين العبارات وهو يهمس بحرقة وبصوت خافت: مستعد اسمعش العمر كله..
عادت نبرة صوته لترتفع قليلا : الجازي.. تذكرين يوم كنتي في المستشفى قبل خمس سنين؟؟ جعل ما تنذكر..
تذكرين إنه طلعنا أنا وسعود من عندكم؟؟
ترا سعود كسر يدي في مواقف المستشفى.. ما أدري لو دريتي أو لا..
بس الأكيد إنش تذكرين إن إخيش ماكان فيه ولا خدش..
مع إني كان أقدر أكسر يده ورجله..
الجازي.. أنا لي خمس سنين.. مامديت أصبعي على حد..
أنا نذرت إنه عقبش ما أمد يدي على حد.. وإن أي شيء يجيني هو كفارة لش..
بس أنا صرت أخوف.. ماحد يستجري يفكر يمد يده علي..ولساني يكفي من يدي..
حوطت قلبي بالقسوة عشان أحميه.. لأن قلبي عقبش مافيه ذرة سالمة..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
رغم الجازي تأثرت من كلامه.. فهي مهما يكن صبية ذات قلب رقيق..
لكن كل مايقوله لا يغير شيئا في ذاتها.. همست بألم: والله يا خالد اللي تقوله كله مايفيد..
خالد أكمل حرقته وانهماره: الجازي.. هل تظنين إني ما أدري عظم جريمتي اللي ارتكبتها في حقش؟؟
الجازي.. أنا عشانش أنتي بس.. خذت سنتين عقب الحادث أراجع دكتور نفسي
أبي لا رجعتي لي اكون قادر احتويش مثل ماهو مفروض ولازم
الجازي.. أنا أكثر حد عارف وفاهم وموجوع.. وعارف إنش من خمس سنين لين اليوم لين قدام
ما نسيتي ولارح تنسين وحشيتي وجريمتي في حقش..
أنا كنت أبي أعالج جرحي اللي تسببت به يدي.. بيدي..
كنت أبيش تسمحين لي أعالج روحش وروحي إلا مارح تتعافى إلا لما تتعافى روحش.
ومن ناحية ثانية ..تظنين الجازي.. لو أنا طلقتش من أول ما طلبتي الطلاق..
إن ذا الشيء كان في صالحش؟؟..
" ضربها وكسرها ثم طلقها!!!!!"
تظنين إنه حد في العالم كله بيصدق إنش بريئة.. وإني ضربتش ذا الضرب المتوحش بدون ذنب؟!!!
تظنين إنه كان هين عليّ أتحمل الإهانة والمسبات وزعل أمي وإبي وهلي كلهم وأخوانش اللي ماعرفت لي أخوان غيرهم؟!!
أمي هجرتني من السلام سنة كاملة تبيني أطلقش..
وأنا أموت كل يوم وأنا أحب أرجيلها وهي ما تلتفت لي..
تحملت ذا كله وأكثر..
لاني كنت أبي أكفر عن ذنبي في حقش..
لأنه ما أبي ابن أمه... في يوم من الأيام يجي و يقول بنت سعيد وش شاف ولد عمها عليها؟؟
وش اللي حده يسوي فيها ذا كله.. ثم يطلقها؟؟
خمس سنين مرت.. وأنا في كل مجلس أتفاخر بش..
وأفتخر إنش مرتي.. أبي العالم كله ينسى سالفة الضرب.. ويعرف إنش رايتش بيضا..
وإنه أنا الغلطان.. وإنه أنتي الجوهرة اللي حلم أي رجال إنها تكون في بيته..
لأن هذا ذنبي وغلطتي في حقش اللي لازم أحاول أصلحها بأي طريقة..
لو أنا طلقتش ذيك الأيام.. وعقب رحتي وتزوجتي..
تنهد بحرقة مرة : تدرين حتى مجرد إني أقول الفكرة يذبحني..
أكمل انهماره : زين ورحتي وتزوجتي؟!!.. تظنين إنه ذاك الزوج بيقدر يعالج تشوهات روحش اللي أنا تسببت بها بوحشيتي؟!!
بتظلين دايما قدامه مكسورة.. هذا إذا ماعايرش بي.. واللي أنا سويته فيش.. في أقل موقف يصير بينكم..
والله أعرف مالش أي ذنب ..وإنه ذنبي وجريمتي أنا..
أردف بحرقة أعمق : والله أعرف إنه ذنبي.. بس هذا اللي بيصير..
بغيتش تتممين زواجنا وأنا عارف إنه إتمام الزواج تعذيب لي قبل مايكون تعذيب لش..
لأني عارف إنش مارح تصفين لي.. ولا تسامحيني مهما كان..
وإني رح أشوف في عيونش جريمتي.. وإني رح أشوف في عيونش الكره والحقد..
وإن ذا الشيء رح ينحرني من الوريد للوريد..
بس كنت مقرر أتحمل كل شيء..
لأني أحبش وأبيش ولأن تطليقي لش ذاك الوقت استكمال لجريمتي في حقش..
ولا قلت لأحد شيء.. ولا قلت لأحد مبرراتي.. ولا أفكاري..
لأنه أبي العالم كله يعرف إني حريص عليش لأني حريص عليش أنتي بذاتش وموب عشان أي سبب ثاني..
مابغيت أنه حتى لو هو حد من هلي..يقول لو بينه وبين نفسه إنه واحد من أسباب تمسكي فيش عشان ماحد يتكلم عنش..
أنا ما أدعي أني شهم ولا أنه أسبابي فيها شهامة.. لأنه أنا أكبر أناني ونذل...
الجازي.. والله أنا ماكنت أبي أفرض نفسي عليش بهذي الصورة الأنانية البشعة..
بس خمس سنين مرت ولا رحتي المحكمة... كان باقي عندي أمل غبي..
عشت ذا الخمس سنين عليه.. إنه في خاطرش شيء لي.. أي شيء..
هذا الأمل خلاني أتجبر.. كنت أبي أوصلش آخرش.. يا ترجعين لي.. يا فعلا تبينين إنه تبين تقطعين اللي بيننا..
كانت الجازي متأثرة جدا بكلامه الذي لم يخطر أبدا ببالها.. وهي تؤمن أن في كل ماقاله جانب كبير من المنطقية..
وأنه يعري نفسه وروحه أمامها.. لكن كل هذا الحديث ليس له أي معنى..
فما فعله بها لن يكون له أبدا أي تبرير... ويستحيل أن يكون نقطة بداية لحياة بين زوجين..
همست بوجع عميق.. وجع خمس سنوات من الحسرة والقهر والقيد : خالد أنا عارفة إنك ما تكذب ومتأكدة إنك صادق ..
بس وش غرضك من ذا الحكي كله؟؟..
هل تظن يا خالد إنه ممكن عقب ذا السنين كلها اللي أنا مت فيها ألف مرة..
وأنا أفز من فراشي مرعوبة.. لا تذكرت تيك الليلة..
إنه ممكن أوافق أكون أنا وإياك في بيت واحد؟!!
خالد تنهد بكل وجيعته التي تحز عميقا في روحه المدمرة:
ومن قال لش إني مكلمش عشان أبي أقنعش إنه نجتمع في بيت واحد؟!!
الجازي باستغراب: أجل ليه مكلمني؟!!
خالد يشعر أنه يتقيأ روحه.. يتقيأها فعليا بكل معنى الكلمة:
عشان أقول
الـــجـــازي.. أنــتــي طـــالـــــق...
**********************************
الصباح الباكر..
"يبه.. أبيك تروح معي.."
أبوخالد باستغراب: وين مع ذا الصبح؟
خالد لم يكن ينظر نحوه ولا نحو والدته ولا مزنة.. أهله المجتمعون كلهم على سفرة الإفطار..
كان ينظر إلى شيء غير مرئي..
منذ أن ألقى يمين الطلاق على الجازي قبل
ساعات..
وهو يشعر أن روحه غادرته..
وأن جسده يتحرك دون روح..
حين اتصل بها قبل الفجر كان يظن أنه سيكون أقوى.. وأن هذا القرار الذي كان يؤجله منذ ثلاثة أشهر قد حان وقته..
منذ أبلغته دانة قبل أشهرٍ ثلاثة أن الجازي تهدد بالمحكمة.. انهار شيء ثمين في روحه..
شيء كان يخبره أن الجازي في داخلها تريده..
وأنها تريد فقط أن تعاقبه.. وهو كان راض بالعقاب مهما طال..
لأنها لو لم تكن تريده.. كانت ستخلعه في المحكمة... وحتى حينها كان سيصر عليها
حتى يعلم العالم كله أنها من رفضته ولفظته.. وأنها وحدها هي المرغوبة..
ومرت السنوات.. وهو يظن أنها حينما تتقبل فكرة أن تعاقبه بنفسها وفي بيتهما..
ستأتي فرصته أن يداوي جراحها بنفسه..
كان مستعدا لكل شيء من أجلها.. كان يريد أن يمحي ماحدث قبل خمس سنوات من ذاكرتها بأي طريقة كانت..
وكان رفضها للمحكمة يحي هذا الأمل في روحه..
لأنها مادامت لم تتوجه للمحكمة.. فذلك يعني أنها في قرارتها تريده..
لأنها تترك الأمر بيده.. وهي تعلم أنه لن يتخلى عنها مادام القرار قراره..
لكن منذ ثلاثة أشهر.. كل هذه الآمال انهارت..
في كل يوم وفي كل ليلة من هذه الأشهر.. حاول عشرات المرات أن يقوم بما قام به هذا الفجر المشؤوم..
ليجد عزائمه تنهار في اللحظة الأخيرة..
العزائم التي نجحت في الصمود هذا الفجر..
أراد قبل أن يفعلها.. وقبل أن يفصل بينهما فصلا نهائيا.. أن يخبرها كل شيء..
آلامه.. وأفكاره.. ووجعه.. وأسبابه..
قد يكون في ذلك أي عزاء لها.. أي علاج لروحها مهما كان ضئيلا.. مادامت لن تسمح له أبدا أن يكون علاج هذه الروح..
مادامت سترتحل بروحها وروحه معها...
هتف خالد بحزم: أبي أكتب ورقة الجازي.. وأبيك شاهد..
وبنكلم محمد يجينا هناك.. شاهد ثاني..
ثلاثة أزواج من العيون توسعت بصدمة.. أم خالد سقط فنجان قهوتها من يدها...
والذي لحسن حظها لم يبق فيه إلا قطرات..
ومزنة تهمس بصدمة كاسحة: بتطلق الجازي؟؟
هتف خالد بذات الحزم الذي يحمي مابقي فيه من التفتت والانحلال رغم صعوبة الكلمة عليه:
أنا طلقتها خلاص..
أنا رايح بس أكتب ورقتها..
أبو خالد بصدمة مشابهة: طلقتها؟؟
خالد وقف وفنجان قهوته البارد مازال لم يُمس وهو يهتف بحزمه المعتاد:
موب ذا اللي تبونه كلكم؟!!
كلكم من خمس سنين لين الحين.. وأنتم تبوني أطلقها..
ماحد وقف معي.. ولا حد حاول مجرد محاولة إنه يفهمني..
يا ناس..حتى المجرمين والقتلة لهم فرصة ثانية في الحياة..بعد انتهاء عقوبتهم..
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول :كل ابن آدم خطّاء.. وخير الخطائين التوابون..
وقال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له..
وأنا مجرم وقضيت عقوبتي كاملة وزيادة..
أبي فرصتي الثانية.. ماحد عطاني إياها..
وتبت وتبت وتبت.. ولاحد قبل توبتي..
اللي ذبح مئة نفس الله عز وجل قبل توبته.. وأدخله جنته..
واستقبلته ملائكته..
وانتم حتى ما تبون تشيلون صورتي من إطار المجرم المخطي..
عجزت وأنا واقف ببرواز صورة التايب اللي يستحق فرصة .. أترجاكم تحطون صورتي فيه...
كلكم رفضتوني وعاقبتوني..
ثم أردف بحزم أشد:
طلقتها.. ارتاحوا كلكم..
احكموا على المجرم اللي خلص عقوبته.. بعقوبة العمر كله..
*****************************
"الساعة صارت 8 ودقيقتين.. مارح ندخل.. مارح أخلي الأمبريالي يطردني"
أميرة برجاء: جيلو إحنا عند الباب... مستحيل يطردنا عشان دقيقتين..
موب لذا الدرجة..
الجليلة هزت كتفيها: أنا مارح أدخل.. تبين روحي أنتي.. أنا بنتظرش على الكراسي القريبة وأحضّر لمحاضرتي الجاية..
الجليلة استغربت أن أميرة فعلتها وقررت أن تدخل.. كانت صدمة سعيدة جدا للجليلة..
فهي كانت متأكدة مئة بالمئة أن أميرة ستتخذ نفس قرارها..
وأنها يستحيل أن تدخل مادامت الجليلة لن تدخل..
لذا كان اتخاذها لهذا القرار مصدر سعادة حقيقية للجليلة..
الجليلة توجهت للمقاعد القريبة... بينما أميرة توجهت إلى المحاضرة
لتعود عليها بعد دقيقة وهي تتأفف.. ابتسمت الجليلة: طردش؟!!
أميرة بذات التأفف: زين البنات ماشافوني.. فتحت الباب شوي...
أشر لي بيده لا تدخلين.. كنه يهش ذبانة..
الجليلة بسخرية: يحسب روحه تمثال الحرية الأمبريالي..
الجليلة وأميرة بقيا على ذات المقاعد في انتظار محاضرتهم في قاعة قريبة.. وفي انتظار ضي..
بعد انتهاء المحاضرة.. حينما خرجت ضي.. اتصلت بهما فورا..
لتسمع الرنين قريبا وتوجهت لهما..
سلمت وهي تهمس بمرح: تدرون ماحد غاب غيركم..
أنا جيت المحاضرة 8 إلا عشر لقيت القاعة شبه مكتملة..
الجليلة بثقة: مسوي رعب للمساكين.. دخل في عقولهم..
أميرة بمرح: واحنا ترا كان مفترض تلقينا في القاعة 7 ونص..
لولا حادث على الطريق كان مسكر الشارع..
الجليلة تسأل ضي باهتمام: عسى كتبتي كل شيء عشان أنقل منش..
ضي بتأفف: أكرهكم يا الدوافير.. تحسسوني بالنقص..
ثم أردفت بمرح: وأنا كاملة والكامل وجه الله
وهم في حوارهم.. خرج فرات من القاعة.. بخطواته الواثقة المعتادة دون أن ينظر يمنة او يسرة..
همست الجليلة بتأفف: يا صبر الأرض عليك...
همست أميرة بمرح: والله إنه يجنن بس أنتي أصلا ما فيه رجال يستحق التقدير في عينش إلا شهاب...
الجليلة باستنكار: هذا تقارنينه بشهاب؟!!.. بسم الله على أخي منه...
حينها همست ضي بحماسة: صار عندي فضول اشوف شهاب.. من قد ما الجليلة الحديدية تهذري به..
همست أميرة بتلقائية : شكلا: شهاب توب التوب... بس اللي داخل الشكل: الله لا يحطش في طريقه...
الجليلة نهرت أميرة : أميرة!!
أميرة انكمشت قليلا..
بينما ضي بلطافتها المعتادة تبعثر التكهرب الحاصل: حظكم عندكم اخ حلو يمشي سوقكم... أخواني جابر وصقر الله يرحمه.. هم سبب عنوستي...
الخطاطيب حسبي على ابليسهم يحسبوني أشبههم...
أميرة ابتسمت: وأنتي صدق ما تشبهينهم؟؟؟
ضي تضحك: أقول تلايطي..
ثم أردفت وهي توجه السؤال للجليلة:
إلا جيلو ... من أكبر أنتي والا شهاب؟!!
ردت الجليلة بحنين عظيم: شهاب أكبر مني بست سنين..
***************************
"وش فيش يا أمش مارحتي دوامش اليوم؟؟"
الجازي تمسح وجهها المرهق... فهي لم تنم إطلاقا من بعد مكالمة خالد..
همست لأمها بسكون: مرهقة يمه... جاتني مكالمة قبل الفجر.. طيرت نومي
أم سعود برعب: حد فيه شيء..؟؟
همست الجازي بسكون غريب: خالد طلقني...
عاجزة عن تحديد مشاعرها... هي بالتأكيد سعيدة جدا... لكن هذا الفرح المفاجئ كثير عليها...
هذا الإحساس بالحرية بعد سجن خمس سنوات كان غريبا عليها..
منقيا للروح حد الألم الفعلي..
مثل إحساس من اعتاد على وجود جبس في قدميه الاثنتين لمدة خمس سنوات...
ثم تحرر منه ..
يحتاج وقتا للتأقلم مع هذا الإحساس بالخفة.. والحرية..
همست أم سعود بجمود:
مستانسة الحين؟؟
الجازي بحياد: أكيد مستانسة...
خمس سنين وهو كاتم على نفسي...يمه.. خمس سنين..
لكن حتى إحساس السعادة أحتاج وقت لين أتعود عليه.. عقب ماحرمني منه
حينها همست أم سعود بحياد مشابه:
خالد ربيته مع أخوانش وغلاه مثل غلاهم..
من صغره وهو حنون ونفّاع ونشمي بس لا عصب مايفكر...
وكنت أخاف عليه من ذا الطبع..
قبل خمس سنين يوم جانا في المستشفى ..
وحط رأسه في حضني..
وايديه على ركبتي.. كنت أحس برجفة ايديه..
حسيت بوجيعته وقهره
ونذرت يومها في نفسي إن قد تاخذينه..
موب لأني مرخصتش مثل ما أنا دارية أنه جاء في بالش وأحزنش مني وضايقش
لكن لأني شفتش مكسورة.. وشفته مكسور ونادم
ودريت إن كسرتش مايداويها إلا هو
وكسرته ما يداويها إلا أنتي
لكن الحين خلص الحكي كله..
ومثل ما دفعت كفارة حلفي إنه ماطلقش قبل خمس سنين
الحين بادفع كفارة إنه طلقش..
****************************
كانت في مكتبها تنهي بعض الأعمال الروتينية حين تعالى رنين هاتفها...
نظرت للهاتف.. وتأففت..
و في نفس الوقت ابتسمت... هذه المطاردة الحثيثة من تركي تشبع شيئا ما في روحها..
رغم أنها لا تعرف سبب تركي لهذه المطاردة...
(لو إني موب عارفتك يا تركي البارد
كان قلت إنك معجب فيني
وإلا تحبني!!)
(تركي يحبني؟!!
تخيلاتش شاسعة
تركي واجد عليه يحب روحه )
تركت الهاتف يرن حتى اتقطع كعادتها معه كلما اتصل..
في البداية.. قبل ٣ أشهر..
كان يتصل بشكل متكرر.. على مرات متقاربة
وحين رأى أنها لا ترد
توقف عن محاولات الاتصال..
عدا مرات متباعدة جدا.. لم ترد عليها أيضا..
مثل هذه المكالمة..
وحينما لا ترد.. فهو لا يعاود محاولة الاتصال مباشرة لمرتين متتاليتين أبدا
لكن ما فاجأها هذه المرة إصراره..
وهو يعيد الاتصال ثلاث مرات..
خشيت ان يكون هناك أمر جلل دفع (سموه) إلى تكرار الاتصال لذا ردت وهي تهمس بقلق:
فيه شيء يا أبو عبدالمحسن؟؟
كان رده البارد الحازم: أنتي اللي فيه شيء؟؟ عشان أدق مرة ومرتين وثلاث..
ليت تتعطفين بالرد..
وخصوصا إنها موب أول مرة تتجاهلين اتصالاتي..
الهنوف شدت نفسا عميقا.. وهي تهتف بحزم رقيق: ماعليه..
السموحة من سموك... تبي شيء؟!!
تركي حينها هتف بغضب: تدرين إنش قليلة أدب..
الهنوف اتسعت عيناها بصدمة : نعم!! أنا قليلة أدب ؟؟
كان رده عليها.. أنه أغلق الخط في وجهها..
الهنوف بقيت مصدومة لدقيقة.. لم يخرجها من صدمتها إلا وصول رسالة منه..
(أنا مسافر بكرة واشنطن
رايح لصيتة..
أعطيش خبر...
عشان تعرفين إنه فيه ناس يعرفون الأصول..
وكيف يتعاملون مع شريك حياتهم)
الهنوف اتسعت عيناها بغضب حقيقي.. احتارت هل تتصل أو تكتب..
خشيت إن اتصلت إن يحضر خجلها اللعين.. ويخنقها عن الرد.. لذا كتبت له:
(شريك حياتهم؟؟!!
نكتة ذي؟!!
نعم يا أبو عبدالمحسن؟؟
من متى واحنا شركاء حياة؟؟
عقب ما حضرتك قررت إنه فعلا عندك زوجة من ٣ شهور بس
عقب ماكنت ناسي وجودها ثمان سنين؟!)
حين وصل ردها إلى تركي الذي كان في وقتها في مكتبه في الجامعة..
لم يعرف هل يبتسم أو يتضايق..
مازالت شخصية الهنوف مجهولة بالنسبة له..
رغم تسلطها على روحه..رغم ذوبانه غراما لها..
لكن في كثير من الأحيان هذه الحدة دليل مشاعر عميقة
فهل حدتها اعجاب؟ حب؟ نفور؟ كراهية؟؟
أرسل لها:
(أنا أبي أعرف.. أنتي ليه تكرهيني كذا؟؟
معقولة مافي قلبش اي مشاعر ود لي؟!)
ولكنها لم ترد عليه.. لم ترد عليه
واتسعت ابتسامته..
**********************
"يمه ما أبي أطلع.."
"أفا.. جدش جبران عازمنا...
تفشلينه؟!!"
التفت فهدة الصغيرة حينها للشيخ الجالس على الأريكة بالقرب منه عكازه..
بمحياه السمح اللطيف وبلحيته البيضاء..وتجاعيده الغائرة الحنونة..
وهمست له بنبرة غير متحمسة: يبه موب تعب عليك؟!!
الجد جبران ابتسم ابتسامة حنونة تخلو من بعض الأسنان: لا بالله مهوب تعب..
تبين نتسابق للسيارة عشان تدرين إني ماني ب تعبان؟!!
فهدة الصغيرة ليس لها أي رغبة أن تخرج..
تود لو أنهم يتركونها لتبكي كما تشاء في خفية عن أعينهم التي تحاصرها طوال النهار والليل..
منذ انفجارها بالأمس.. وهم يخنقونها باهتمامهم ومشاعرهم.. وبالأمس خرجت مع الجدة والجد..
والآن يريدونها أن تخرج مرة أخرى..
وكلما تذكرت أن خالها تركي سيسافر في الغد دون أن يحاول الالحاح عليها مرة أخرى..
تشعر برغبة عارمة أن تبكي بلا توقف..
همست باختناقها الطفولي.. بوعيها الذي بات أكبر من عمرها بكثير:
يا الله يبه .. بنطلع..
أبي أروح لسوق واقف.. أنا وإياكم..
.
.
فور خروجهم..
تدافعت المجنونتان..
اللتان كانتا تنتظران وتراقبان من مكانهما في أعلى الدرج..
كأنهما كاسحتا ألغام..
وكل واحدة منهما تحمل شنطة زهرية طفولية لطيفة الشكل..
أحدها متوسطة الحجم للشحن.. والأخرى صغيرة تحملها في اليد..
وهما تهجمان على غرفة فهدة..
كانتا قد اتفقتا أن تشتريا لها معظم الأشياء التي ستوضع في الحقيبة..
حتى تسعد مع والدتها بملابسها وأغراضها الجديدة..
وحتى لا تفقد فهدة شيئا من أغراضها القديمة من غرفتها وتشك بشيء
وكانت حقيبتها شبه جاهزة وقد سبق ورتبتاها في الأعلى منذ البارحة حين ذهبتا للسوق مع خروج فهدة مع الجد والجدة..
وهما تركضان ركضا لتعودا قبلها..
لكنها أرادتا التأكد من كل شيء ..ومن أشياء قد تكون تحتاجها ولم يشترياها..
لم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق ..
وكان كل شيء جاهزا ..
وهاهما تجلسان على السرير..
وغالية تهمس بحماس ومرح: كن حن في فيلم بوليسي.. وإلا مخابرات وحن ندسدس ذا الشنطة المبروكة..
ثم أردفت بقلق: ظنش فهدة وش بتسوي لا جاء خالها بكرة يبي يوديها معه المطار؟؟
ضي ضحكت: ماعليش منها.. اغصبني واتغيصب
أنا بعلمش وش هي بتسوي..
بتسوي فيلم هندي.. وبتصيح وتفقع رووسنا بالصياح..
وبتقول ما أبي أروح..
ويمكن تسكر على روحها الباب..
ويمكن تقول والله لا أشتكي عليكم في الشرطة وإنكم تبون تخطفوني..
بس في الأخير بتسافر...وهي حاطة روحها مغصوبة..
وقولي ضي قالت..
السيدة ملعقة ذي خبز يدي.. أنا اللي مربيتها وخابزتها وعاجنتها..
.
.
والغريب والمثير والمضحك
أن هذا ماحدث تماما..
حينما حضر خالها تركي لأخذها
وهي تفتعل فضيحة عالمية
وتتهمهم جميعهم بخداعها.. وتهدد أن تبلغ أمن المطار أن تركي قد اختطفها..
ومع ذلك.. ستسكت من أجل خالها تركي.. لكنها حين تصل إلى واشنطن ستطلب اللجوء..
.
.
وختاما..
انتهت أنها تجلس مع حزام الذي جاء مودعا لهم في المطار
بينما تركي ذهب لتخليص بعض الأمور..
حزام يهتف لها بمرح: عدال كنش أميرة على ذا الكشخة..
وين المصورين موب في استقبالنا؟!
فهدة بتأفف: خالي حزام ترا كبدي حامضة عليك أنت وأختك..
حزام يضحك: الحمدالله والشكر كبدش حامضة ٢٤ ساعة..
ماقد شفتش تمارسين الطفولة البشرية المعتادة...
عجوز ملكعة..
فهدة تنظر له بنصف عين: خليت الطفولة البشرية لك..
وأنت الطول طول نخلة والعقل عقل صخلة..
مازال حزام يضحك: موب ذابحش الا ذا الطول يا سيدة ملعقة...
فهدة تزفر بذات التأفف للمرة الألف: حيني ملعقة ..ما ني ب كوع..
ضحك حزام ضحكات مجلجلة: أخس يا النفسية.. ماحد يحاكيها
ثم ربت حزام على كتفها وهو يهمس بحنو:
يا الخبل تراش رايحة لأمش اللي لش سنتين ماشفتيها..
وش له منفسة ألف؟؟
حينها انحدر صوتها بضعف مرير وعبراتها تخنقها: بس أمي ما تبيني يا خالي...
*************************
"صحيح خالد طلقش؟!"
الجازي بسكون: مها تدرين إنش سألتي ذا السؤال عشرين مرة في التلفون؟
ثم عشرين مرة عقب ما جيتينا..
مها باستغراب: ماهقيت إنه ممكن يطلق إلا غصبا عنه.. ومو أي غصب
توقعت تدخل قوات لخويا.. مع الحرس الأميري (لخويا: الأمن الداخلي في قطر)
ويمكن يحتاجون معاونة القوات الجوية.. وإنزال من القوات الخاصة..
وعقب ذا كله يمكن يطلق ويمكن لا...
الجازي بذات السكون: مها ترا الموقف ما يتحمل خفة دمش..
مها مازالت مستغربة: ومن قال أمزح... أحكي من جد جدي..
واللي أنا مستغربته أكثر.. ليه حاستش موب مبسوطة؟؟
الجازي تنهدت بصدق: والله مبسوطة مها.. مبسوطة..
بس إحساس غريب غريب...
الانتقال من ظلمة الحبس الشديدة إلى نور الحرية الواسع.. نقلة واسعة تحتاج خطوات واسعة تحتاج طيران..
وأنا كنت مقيدة سنين... أحتاج وقت أتعود إني خلاص أتحرك دون قيد..
سعود يقول لي بنروح عمرة الأسبوع الجاي.. تدرين وش أول كلمة جات على لساني: قلت لخالد؟؟
تتخيلين اشلون سعود زعل.. قلت له: ياروح أختك لا تزعل.. عطني وقت أتعود..
مها إحساس غريب.. مهما أوصف غرابته ما أقدر..
أنا كنت عارفة إني رح أتطلق رح أتطلق... لأنه مستحيل أي علاقة زوجية صحية تجمعني مع خالد..
لكن طريقة خالد في الطلاق والكلام اللي قاله لي.. سيناريو مختلف عن كل سيناريو رسمته في عقلي...
شتتني.. لكنه أسعدني أكثر...
ماكنت أبي الطلاق يجيب مشاكل ولا يجي عن طريق محاكم..
والحمدالله صار مثل ما تمنيت... فليه ما أكون سعيدة؟!!
أنا أشعر إني ولدت من جديد اليوم...
******************************
"فهدة حبيبتي.. من يوم احنا في المطار.. والحين في الطيارة وأنتي ماكلتي شيء..
ليه يا أبيش؟؟"
فهدة تنظر لخالها تركي وتحاول أن تهمس بثقة: والله يا خالي ماني مشتهية..
وبعدين كلت في البيت قبل أطلع..
ابتسم تركي بحنو بالغ: متى كلتي وأنتي ساعتين منقعتني في السيارة..
وصوت صياحش واصلني وأنتي تهددين تسلميني للانتربول وحقوق الطفل والأمم المتحدة
همست فهدة بخجل شديد: والله إني كنت أمزح يا خالي...
بس ماكنت أبي أروح.. وأنتو أجبرتوني بالغصب..
تركي مال عليها ليقبل رأسها بحنان بالغ وهو يهمس لها بخفوت: يا أبيش..
ترا عندش أم.. لو يوزعون حنانها على أمهات العالم كلهم كفاهم وزود..
لا تسمحين لأحد يوقف بينش وبين أمش..
ولا يشوه صورتها قدامش..
ولا يحاول يقنعش إنه فيه أحد أغلى منش عندها..
****************************
اليوم التالي..
الأربعاء
بعد منتصف الليل في واشنطن..
الصباح في الدوحة..
.
.
بانتظار استاذهم الجديد غريب الأطوار..
الممتلئ ثقة وغرورا واستبدادا وثقافة ووسامة.. يبدو كما لو كان لا يعرف التوسط في أي شيء..
الجليلة بابتسامة: باقي دقيقتين.. على بداية المحاضرة..
لو تأخر الأمبريالي.. بنسكر الباب من دونه..
ومثل ماطردنا بنطرده..
أميرة تبتسم: حرام عليش يا جيلو.. كن ذا المسكين يسير فوق رأسش..
ضي تنظر من تحت أهدابها لأميرة وتهمس باستنكار مرح: البنت ذي مهيب عاجبتني
على طول صافة مع ذا الامبريالي...
جعله يخسف درجاتها..
مع انتهاءها من عبارتها..
دخل فُرات بثقته المعادة وهو يبدأ شرح الدرس دون تأخير..
وفي منتصف المحاضرة.. كان يشرح عن قضية معينة:
ويمكن هذي القضية ترجع لما يمكن تسميته " بتأليه السلعة" أكيد تعرفون هذي النظرية الشهيرة..
ثم زفر بسخرية: صدق أني متأمل خير فيكم.. قال تعرفون تأليه السلعة.. زين تكون مرت عليكم أصلا..
" أكيد نعرف هذي النظرية.. يعني مهيب النظرية المعضلة اللي تبي لها تيك المعرفة"
صوت بلغ أقصى حدود الأنوثة ناضج بارتواء..
واضح وقوي لا ميوعة به.. بالغ الثقة...
وبه نبرة سخرية لم تخفَ على أذنه الخبيرة..
وصل ربما لجميع من في القاعة للهدوء الشديد في القاعة.
استدار بثقة وهو يهتف بحزمه المرعب: من العبقرية اللي أخيرا سمعتني صوتها عقب ثلاث محاضرات من الصمت؟؟..
تدرون كنت أشك أنكم على قيد الحياة أصلا..
كنت أظن أني داخل مقبرة وألقي المحاضرة على مجموعة جثث..
ثم أردف بنبرة الحزم ذاتها التي تخللها نبرته الساخرة الباردة: شنو.؟؟. خايفة؟؟..
وإلا الكلمة طلعت منش بالغلط..؟؟
الصوت ذاته بذات الحزم وصاحبته ترفع يدها: وليش أخاف؟!..
والكلمة أنا قاصدتها.. من اللي ما يعرف هالنظرية الابتدائية..
نظرية مثل ذي يعرفونها طلاب الابتدائي.. أشلون حن طلبة الجامعة..
نظر نحوها .. كانت تجلس في الوسط بين زميلاتها.. منقبة .. تفاصيلها غير واضحة أبدا..
لم يسمح لها أن تحرجه ...علم أن مقصدها أن النظرية التي تفتخر بمعرفتك لها هي نظرية للجهلة وليست مقياس معرفة..
هتف بذات البرود القاسي الجاف والمتعجرف:
أها طلبة الابتدائي..!!!
يا الله يا بنات.. غير زميلتكم نيوتن القرن الحادي والعشرين..
من اللي يعرف هالنظرية اللي المفروض أنتو طالبات الجامعة تعرفونها؟؟
لم ترتفع يد واحدة.. بدأ يختار بعشوائية عدد من الطالبات كن يهمسن باختناق "ما نعرف"..
حتى أجابت إحداهن بارتباك وصوتها المبحوح بالكاد يخرج: يعني السلعة تصير كأنها آلهة..
أجاب بذات البرود الخشن المرعب: عفية عليش يا بنتي..
طيب اعتبروا السلعة آلهة هذا شيء واضح من مسمى النظرية..
لكن أنا أبي فلسفتها.. صاحبها.. تأثيرها في الأقتصاد..
حينها همست باختناق وكتفاها كما لو كانا يرتجفان: ما أدري دكتور..
أعاد عبارتها بحزم: ما أدري يا دكتور!!..
ثم أردف بنبرة أقرب للسخرية : زين من اللي يدري؟؟.. أينشتاين؟؟
حينها عاد لصاحبة الصوت بالسؤال...............
ردت عليه بثقة: اسمح لي دكتور.. مع احترامي الشديد لكني مارح أجاوب..
صُعق من ردها عليه.. ولكنه جلس خلف الطاولة بهدوء شديد:
وليه ما تبين تجاوبين؟؟ توش تقولين تعرفينها.. وإلا طارت مع الربكة..؟!!
بذات الثقة اللي أثارت غيظه بشدة: أسلوب حضرتك فيه نوع من الإهانة لي واستخفاف بعقلي..
حينها تنهد فُرات.. فهي معها حق.. (أنا بروحي جاي حاد عليهم سكاكيني وهم مساكين ما وحدة منهم تفتح حلقها بكلمة)
هتف بثقته العملية: طيب...يا الله قولي لي وش تعرفين عن النظرية..
ولو جاوبتي جواب كامل يرضيني لش عندي بونص 5 درجات..
القاعة بأكملها شهقت (5 درجات) وفُرات يكتم ضحكته..
لأنه يعلم لأنها مهما أجابت فأجابتها لن ترضيه..
بثقة بالغة في نفسها ومعلوماتها انهمرت دون تردد أو تلعثم:
أول ظهور لهذه النظرية كان عند كارل ماركس الفيلسوف الألماني صاحب نظرية الماركسية
في كتابه الشهير "رأس المال" اللي انتقد فيه الاقتصاد السياسي سنة 1867..
وشرح إن البشر يتحولون لعبيد للسلعة فيخدمونها بدلا من أن تخدمهم.. وتحكم علاقاتهم مع الآخرين..
وهذا راجع طبعا لأن كارل ماركس بنظريته في الاشتراكية كان يعادي النظام الرأسمالي..
و في 2012.. تطورت من هذه النظرية نظرية جديدة اسمها نرجسية السلعة..
طورها مجموعة من علماء النفس وقالوا: إن أخلاقيات المستهلك اللي يصر على معرفة ظروف التصنيع وإنسانيتها..
يكون فيها نوع من الادعاء لأنهم يتصرفون تجاه هذي السلعة وكأنهم ما يعرفون أصول التصنيع مع أنهم يعرفونها..
مثلا من المعروف إن شركات الجينز الشهيرة تصنع منتجاتها في سيرلانكا وبنغلادش..
في ظروف عمل صعبة جدا تؤدي لإصابات خطيرة للعاملين.. لأن تعتيق الجينز يحتاج لحكه برمل الزجاج..
ومع ذلك ستجد من هؤلاء المدعين من يشتري هذه المنتجات في تأكيد لنرجسية السلعة وعدم القدرة على رفضها..
فُرات كان مبهورا .. مبهورا فعلا بها.. معرفتها القوية وثقتها البالغة وطريقتها الرزينة في الكلام..
بل حتى نوعية المعلومات المقدمة.. ليست من مكان واحد..
بل هي تدل على متانة في المصادر.. وتنوع فيها..
وعلى ثقافة حقيقية ليست وليدة الساعة..
صمتت حين انتهت.. مع أنه كان عندها المزيد لتقوله.. وهو كان يتمنى لو أنها أكملت..
لكنها رأت أن هذا يكفي..
و حينها لم يجد فُرات إلا أن يبتسم بإعجاب وهو يقول لصاحبة الإجابة:
عفية يا بنتي.. تستاهلين بونص 10 درجات مهوب بس 5..
بس أنا ما أقدر أعطيش أكثر من خمسة..
الاسم لو سمحتي عشان أرصد لش الدرجة..
الصـــــوت بــــثــــقـــــة:
أميرة طالب متعب آل حزام
*****************************
"شفت غلاك.. لزمت استقبلك في البيت بنفسي"
كانت صيتة تفتح الباب لتركي وهي تشعر أن قلبها يرقص.. يتراقص من سعادته المبتورة..
رغم أنها لم تراه من ثلاثة أشهر فقط..
لكنها تشعر كما لو كانت ثلاث سنوات ثقيلة.. في سلسلة طويلة من تثاقل الأيام عليها..
+
اتسعت ابتسامة تركي وهو يرى وجهها الرقيق العذب الحاني.. وابتسامتها الشفافة
التي يستطيع أن يعد عدد مرات رؤيته لها.. خلال السنوات التسع الأخيرة..
تركي احتضنها بقوة وحنان وشوق.. هو يهتف بمرح ونبرة مقصودة:
جاية تستقبليني ..
وإلا تستقبلين مفاجأتي لش؟؟
قالها وهو يتحرك جانبا ..ليظهر الجسد الضئيل الذي كان يختفي خلفه..
و حينها لم يجد فُرات إلا أن يبتسم بإعجاب وهو يقول لصاحبة الإجابة:
عفية يا بنتي.. تستاهلين بونص 10 درجات مهوب بس 5..
بس أنا ما أقدر أعطيش أكثر من خمسة..
الاسم لو سمحتي عشان أرصد لش الدرجة..
الصـــــوت بــــثــــقـــــة:
أميرة طالب متعب آل حزام
.
.
الجليلة بتأفف حازم : تراكم كلتوا كبدي عشان ذا الإمبريالي المتخلف..
أميرة وضي يتقاذفان الكلام: تكذبين على الدكتور.. وتقولين أنش أميرة عشان يسجل البونص لها..
أصلا حتى شرعا ما يجوز.. وأنتي مصلية ومتدينة وعارفة ربش...
ابتسمت الجليلة: فهمي للموضوع من ناحية ثانية تماما.. لأنه هذا مجرد بونص.. يعني هدية..
شيء زيادة عن حقي في المقرر.. والهدية من حقي أعطيها اللي أبي..
يعني لو كان الإمبريالي عطاني فرضا قلم هدية لما جاوبت.. وأنا خذت القلم وعطيته أميرة.. كنتو بتسوون نفس الفلم؟!!
أميرة برجاء: تكفين جليلة أنا أصلا ما أبي ذا البونص.. أسألي شيخ أكيد أنه حرام..
توترت الجليلة بشدة.. هي فكرت في هذه الدرجات كهدية تهديها لأختها..
لأنها تعلم أن أختها ستحتاجها بالفعل.. وخصوصا أنها رسبت في كل الاختبارات التشخيصية في كل المقررات..
في دلالة واضحة على ماسيحدث في الامتحانات النصفية القريبة.. وفجّر قلقها على أختها..
ولم يخطر ببالها أبدا أبدا أنه قد يكون فيها مجرد شبهة حرام..
تنهدت بحزم وضيق كبيرين: خلاص انتهى الموضوع.. وش تبوني أسوي؟؟..
أروح أقول له أنه أنا الجليلة يعني.. وجاوبت باسم أختي..
عيب وغلط وفضيحة.. وأساسا ما أعرف كيف سويتها..
بس أميرة وترتني بدرجاتها في الاختبارات التشخيصية.. وكان موجعني إني ما أقدر أساعدها بشيء..
فجاني ذا البونص من السماء.. والله ما أعرف كيف سويتها!!
همست ضي بقلق: الخوف أنه البنات الملاقيف يروحون يقولون له.. خصوصا إنش صرتي معروفة في القسم.. بين البنات والدكاترة..
تنهدت الجليلة بثقتها المعتادة: ما أعتقد.. يعني وش ذا الملقوفة قليلة الحيا ..اللي بتسويها..
في وقت حوار الاثنتين.. كانت أميرة تفكر بشيء مختلف.. همست بتوتر كبير:
تدرون بنات وش اللي أنا خايفة منه فعلا.. وكاسر ظهري..
بنات إحنا باقي لنا تقريبا شهرين ونص ثلاثة لين نخلص الفصل..
وأنا الحين عند دكتور فُرات العبقرية اللي جاوبت السؤال اللي ماحد عرفه..
تخيلوا المحاضرة الجاية وإلا اللي عقبها.. يقول : يا أميرة آل حزام وش رايش في القضية الفلانية أو القضية الفلانية؟؟
شهقت: يمه يمه.. الفضيحة اللي بجلاجل جاية جايه..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ضي بصدمة مما تقوله أميرة: أي والله إنش صادقة.. أساسا هذا اللي رح يصير فعلا.. كيف ماخطر ببالنا..
أميرة أمسكت كف الجليلة برجاء: جليلة خلينا نحذف المقرر قبل ما يخلص الحذف النهائي..
الجليلة بحزم وإصرار: مارح نحذف أي مقرر.. ولا أرح أهرب من نتيجة أفعالي
خطأ أنا سويته بقلة إدراكي وانعدام مسؤوليتي أنا رح أتحمل نتيجته..
وأنتي مالش ذنب فيه أصلا عشان تحذفين المقرر..
الذنب ذنبي بروحي..
ورح أصلح غلطتي إذا جا وقت تصحيحها..
.
.
" أهلا دكتور فُرات.. إيه النهار النادي دا.. موش عوايدك تشرفنا"
ابتسم فُرات ابتسامته اللبقة وهو يمد يده لزميله الذي كان منكبا على أوراق الطلاب يصححها:
يا مرحبا دكتور رفعت..كنت جاي مار السكرتارية عشان كشوفي عندهم..
ولا لقيت ولا وحدة من السكرتيرات..
وأنا مستعجل.. لازم أروح..
دكتور رفعت بابتسامة لبقة مشابهة: أنا لسه مطول هنا.. عاوزني أقول لهم أي حاجة لما يرجعوا؟؟
ابتسم فُرات بثقة: لا تسلم ..كنت أبي أسجل بونص لطالبة.. بصراحة أبهرتني في محاضرة اليوم تستاهل..
وأبي أخذ كشوفي وأسجل لها البونص قبل أنسى..
دكتور رفعت بابتسامة: طيب لو أنت عاوز هأخذ الكشف لما السكرتيرة ترجع.. أسجل لها البونص بنفسي..
فُرات بلباقة: ما أبي أكلف عليك أو أثقل عليك..
دكتور رفعت يبتسم: أبدا دكتور فُرات.. دي حاجة مش مستاهلة
ابتسم فرات وهو يخرج ورقة من ملفه.. مسجل عليها اسم أميرة الكامل وأعطاها للدكتور رفعت الذي هتف باستغراب وهو يقرأ الاسم: أنته متأكد إن الاسم أميرة مش الجليلة؟؟
فُرات استغرب: إيه أميرة.. متأكد..
الزميل بشك: إتاكد مرة تانية.. أصل أنا بدرسهم.. ولسه مصحح امتحان تشخيصي..
عشان أقيس فهمهم.. وأعرف مستواهم بالضبط قبل امتحانات الميد تيرم
الجليلة جابت27 من 25 وأميرة جابت 8 ..
عدا إن البت أميرة عمري ما سمعتش صوتها خالص.. بس اللي بتناقش وعندها ثقافة عالية جدا جدا هي البت جليلة..
حتى دكتور ناصر أمس كنا بنتناقش عن الطلبة الكويسين وهو بيشكر في جليلة أوي ويقول مامرش عليه طالبة زيها..
انته لسه ليك أسبوع ونص بس بتدرسهم.. احنا لينا أكثر من شهر بندرسهم..
فرات ابتسم: لحظة لحظة...كيف الطالبة جابت عندك 27 من 25 ؟؟
دكتور رفعت بابتسامة وهو يستخرج ملفا من درجه المغلق ويبحث فيه:
دنا لولا مخافة ربنا.. كنت قولت لها.. تقعد في البيت.. وأنا أديها الامتياز من دلوقتي..
خد شوف ورقتها.. هل تصدق إن دي ورقة طالبة في سنة أولى؟!!..
ودا كمان مش اختبار درجات.. دا اختبار لمجرد المراجعة..
فرات تناول الورقة المكتوب في أعلاها اسم الجليلة طالب آل حزام..
خط منمق أنيق واضح الأحرف بزوايا ناعمة غير حادة.. وتبدو الورقة كما لو كانت منسقة بالمسطرة لشدة انضباط الأسطر..
استغرب فُرات كثيرا ...من عنده وقت وأعصاب أن يكتب بهذه الأناقة والتنسيق وانهمار المعلومات وهو تحت ضغط وقت قصير؟؟
قرأ إجاباتها على عجالة وبتعجب كبير.. يستحيل أن تكون هذه كتابة طالب مبتدئ.. تبدو له كتابة متخصص له باع طويل في الحقل..
وله نصيب كبير من الثقافة العامة التي بدت واضحة في الاستشهادات.. تماما كما كان في جواب المسماة أميرة اليوم..
لكن فرات كان متأكدا أن من أجابت لابد أنها أميرة.. لأنه غير مقتنع أبدا أن هناك طالبة قد تجرؤ أن تفعل ذلك معه.. بل هو أمر مستحيل في تصوره..
ومع ذلك هتف للدكتور رفعت بثقة: المحاضرة الجاية رح أتاكد
وأنت على كل حال أرجوك تسجل البونص باسم أميرة..
***********************************
"شفت غلاك.. لزمت استقبلك في البيت بنفسي"
كانت صيتة تفتح الباب لتركي وهي تشعر أن قلبها يرقص.. يتراقص من سعادته المبتورة..
رغم أنها لم تراه من ثلاثة أشهر فقط..
لكنها تشعر كما لو كانت ثلاث سنوات ثقيلة.. في سلسلة طويلة من تثاقل الأيام عليها..
اتسعت ابتسامة تركي وهو يرى وجهها الرقيق العذب الحاني.. وابتسامتها الشفافة
التي يستطيع أن يعد عدد مرات رؤيته لها.. خلال السنوات التسع الأخيرة..
تركي احتضنها بقوة وحنان وشوق.. هو يهتف بمرح ونبرة مقصودة:
جاية تستقبليني ..
وإلا تستقبلين مفاجأتي لش؟؟
قالها وهو يتحرك جانبا ..ليظهر الجسد الضئيل الذي كان يختفي خلفه..
صيتة حين رأت فهدة المتوترة تبرز من خلف خالها..
شهقت بعنف وهي تشعر أن قدميها تميدان..
كانت يائسة تماما أنها قد تراها بعد مرور عامين لم
تراها فيها.. رغم محاولاتها المتكررة أن تقنعها بالحضور.. ولكن فهدة كانت ترفض بإصرار..
وكانت آخر محاولاتها بالأمس.. وهي تحاول محاولتها الأخيرة أن تقنعها أن تأتي مع خالها
ولكنها رفضت بإصرار كبير..
لتغلق صيتة الهاتف وتنفجر بالبكاء..
تكاد تموت شوقا لها.. روحها تذوي شوقا ولهفة..
تشتاق لرائحتها.. وعبقها .. وأناملها الصغيرة..وخصلات شعرها الناعمة..
تكاد تموت لتضفر شعرها لها ولو لمرة.. وهي تتنفس رائحته قبل أن تضع الرباط في أسفل الضفيرة كما اعتادت أن تفعل معها في سنواتهما معا..
شعرها يطول.. ويقصونه.. دون أن يستشيرها أحد..دون أن يخبرها أحد..
كانت تتفاجأ به حين تراها في صورة.. تعبت وهي تطلبها والكل مشغول ويعدها أن يرسلها قريبا..
وكأنها فقدت حقها أن تكون أما لها.. لأنها لا تستطيع أن تكون جوارها..
لم تستطع أن تقف وهي تراها هنا.. معها.. قريبة منها هكذا..
بعد عامين من الغياب ذوت روحها فيها عطشا وجزعا..
من أخبرنا أن الطفل يحتاج لأمه ليشعر بالأمان.. لماذا لم يخبرنا أيضا أن الأم تحتاج أطفالها لتشعر بالأمان؟!!
روحها مثقلة بالجزع.. كانت في ليال كثيرة لا تنام الليل قلقا على صغيرتها..
وهي تترجى ضي حينا وغالية حينا أن يطلا عليها في غرفتها.. وتخبرهم أنها تخاف وأنها تبكي في نومها..
وأنها لا تسكت حتى تحتضنها وتعود للنوم وهي تدفن وجهها في منتصف صدرها..
فكانوا يخبرونها أنها ترفض أن يحتضنها أحد أو ينام معها أحد.. رغم أن الجدة وضي تلحان عليها بذلك.. ولكنها كانت ترفض بعناد..
كان ذلك يشعرها ذلك بحزن مدمر.. ففهدة في سنواتهما معا كانت لا يأتيها النوم إلا في حضنها..
ولا تجلس إلا قريبا منها وهي تحتضنها بين الفينة والفينة وتتنفس عنق أمها حينا وشعرها حينا آخر..
كانت تشعر أن طفولة ابنتها تتسرب من بين يديها..
وأنها تكبر في العمر.. تكبر كثيرا.. بعيدا عنها.. رغما عنهما كليهما..
كانت أجمل لحظات العمر تفر منهما.. دون أن يمسكا بها..
لم ترافقها في يومها المدرسي الأول في الصف الأول..
بل رفضت أن يرافقها أحد.. وذهبت وحيدة.. وقالت إنها لا تحتاج لأحد..
لم تعلم أن جدتيها قد أوصيتا عليها كل معلمات المدرسة.. وأنهما كانتا تراقبانها معا من شباك غرفة المديرة المطل على الساحة..
وبعد ذلك من شباك غرفة الصف..
وقد اصطادتهما عدة مرات عند الصف.. لتغضب منهما بشدة.. وتقول إنها لن تحضر للمدرسة إذا كان سيحضران عند الصف..
ولم تعلم أنهما بعد امساكهما بالجرم المشهود كانتا تتناوبان على الحضور بعيدا عن الصف.. لكي يكونا قريبا منهما..
لم ترافقها في تكريمها وهي تحصل على المرتبة الأولى على طالبات الصف في كل الأعوام الأربعة المنصرمة..
المرتبة التي لم يكن لها دور فيها.. بل تناوبت ضي والهنوف على تدريسها فيها..
وفهدة تتشتت بين البيتين.. وإن كانت إقامتها الرسمية والأطول عند فهدة الكبيرة..
كانت حياة ابنتها بالكامل ترتسم بعيدا عنها.. في شدة حاجة ابنتها لها..
كانت تشعر أنها ستموت لو بلغت ابنتها وهي ليست بقربها لتهدئ روعها..
كانت تشعر بالرعب أن تبلغ وأن تعرف مثل هذا الخبر كتحصيل حاصل..
وهو شيء خاص بين كل أم وابنتها فقط..
كانت موجوعة من كل شيء.. ومثقلة بالحسرة..
وليس بيدها أي شيء..
وهي تخشى أن يقسى قلب ابنتها عليها أكثر..
بل تخشى كخشية الموت أن ابنتها قد تكرهها لو استمر الحال على ماهو عليه..
تركي أسند صيتة المنهارة وهو يشعر بالصدمة..
ولكنها بركت على ركبتيها وهي تشد فهدة بقوة إلى حضنها وتنفجر ببكاء عنيف..
وهي تقبل كل ماتطاله شفتيها من جسد فهدة بلهفة وهستيرية.. وهي تأن بحسرة وشوق وتبكي من عمق روحها المكلومة بالفقد والوجع والمسؤوليات..
ولكن جسد فهدة الصغيرة بقي متخشبا للحظات وهي تكابر قليلا..
ولكنها ختاما انفجرت في بكاء جنائزي.. وهي تحتضن أمها وتشهق:
أنتي ما تحبيني .. أنتي ما تحبيني..
أنتي ما تبيني.. تبين عبود وبس...
رجعتيني الدوحة عشانه..طردتيني عشانه..
تعالى نشيج صيتة مع بكاء فهدة .. وتركي وجد نفسه متورطا مع الاثنتين..
وهو يجلس جوارهما على الأرض ويحتضن الاثنتين..
ويهتف : وينك يا سند تجي تعاوني على مرتك وبنتها؟!!
*****************************
"أقدر ادخل؟"
كانت طرقاتها الهادئة ترتفع على الباب.. ثم أطلت برأسها بحذر..
هتف لها بحزم محايد: تعالي يا أم سعيد ... ادخلي...
دانة دخلت بحذر وكأنها تمشي على زجاج...
كانت عاجزة عن تصويب نظرها نحوها..
تشعر أنها ستنهار لو رأت في وجهه ما تتوقع رؤيته..
كانت تفهمه.. وتفهم مشاعره.. وتعرف أن عشقه للجازي تجاوز الحدود..
كما عشقها لشقيق الجازي تجاوز الحدود قبله..
كانت تشعر بذنب لا تعرف له سببا..
(هل لفرط ما أحببت سعود.. فاض هذا الحب على أقرب أخوتي لي؟!)
همست بسكون وهي تجلس جواره على السرير حيث كان يجلس... ودون أن تنظر إليه:
خالد... أنت عارف زين إنه هذا الشيء كان لازم يصير مهما أجلته.. و....
قاطعها خالد بصرامة موجوعة: دانة تكفين.. الكلام اللي بتقولينه إذا كلام ( ماعليه.. وتطبطين علي)
ترا ماعندي استعداد اسمعه.. ولا رح يكون مصدر مساندة من أي نوع..
عدا إني موب محتاج مساندة أساسا..
همست دانة بألم عميق: ما أقدر أخليك وأنا عارفة إنك متضايق وموجوع..
تنهد خالد بذات الحزم الذي تتمزق روحه خلفه.. تتمزق بكل معنى الكلمة:
دانة أنا خذت القرار وأنا مقتنع فيه... وعندي استعداد كامل أتحمل تبعاته النفسية مهما كانت قوية علي..
يعني أنا تحملت خمس سنين صراع معكم كلكم ومع نفسي فوقكم
مارح أتحمل الصراع مع نفسي بروحها؟!!
*************************************
" وحــــدوووه... خالي جبران... فهدة الكبرى!!"
أم جابر ردت على ضي بغضب: وصمخ.. ما تعرفين تحكين بصوت واطي يا المفلوجة؟!! وشو له الصياح؟! خرقتي أذني..
ضي تضحك: أم جويبر.. ترا عجزت وأنا أحكي بأدب وصوت واطي كني عصفورة ولا حد حولي..
حينها ابتسم الجد جبران: أنتي عصفورة يا أبيش؟؟ ما خبرت الغزلان تصير عصافير..
ضي بانهيار تمثيلي وهي تضع يدها على قلبها: ويلوموني في حبك يا جبران المزيون.. نعنبو لايمي..
أنا بعرف أشلون أنت وأمي طالعين من بطن واحد؟!!
شكل جدتي الله يرحمها عطتك كل جينات الرقة والعذوبة..يوم جات أمي إلا قد الجينات بح..
فهدة الكبيرة بذات الغضب: وأنا شكلي خلصت العقل والركادة على جابر وصقر.. ويوم جيت عندش إلا قدها بح..
ضي تضحك كعادتها: فهدة الكبرى.. هونيها.. ترا حفيدتش فهدة الصغرى عادها راقدة..
صحيح عصر عندنا بس الساعة عادها عشر الصبح في واشنطن..
وتوني مراسلة صيتة..
فهدة وخالها.. ما وصلوا إلا متأخر..
فكيها أنتي وأخيش .. وتصبروا فيني أنا وسعودي لين ترجع سمو الأميرة..
الله يعينكم ... العوض ولا الحريمة..
الجد جبران بشفافيته الرقيقة: إي والله إن لها فقدة.. لو أنها الحين هنا.. كان تستن حولنا كنها فرس.. ومونستنا بسوالفها..
ضي باستنكار مرح: فهدة السحلية فرس؟؟؟ بتنتحر كل الخيل اللي العالم..
حينها ابتسم الجد جبران بخبث مرح: وتوني قايل إنش غزال.. ظنش بتنتحر كل الغزلان اللي العالم؟!!
***************************************
"عادها نايمة؟!"
ردت بحنو وشجن عميقين : إيه فديتها هي أصلا أبطت لين نامت..
ثم أردفت بألم عميق عميق: تعبتني لين نامت من البكاء والعتب والزعل..
شايلة في خاطرها عليّ كثير يا تركي كثير..
تركي بمودة ومساندة: ماعليش .. هذي بزر تزعل بسرعة وترضى بسرعة..
همست بحزن متجذر: الله يصلح الحال ياقلب أختك.. الله يصلح الحال
ثم أردفت باهتمام حنون :أنت اللي ما نمت إلا ساعتين..
رد عليها تركي بحنان: أنتي اللي شكلش ما نمتي كلش..وأنتي مسوية ذا الوليمة كلها عشان نفرين..
كان الاثنان يجلسان على طاولة الإفطار الذي اجتهدت صيتة في إعداده احتفاء بهما..
وهي تهمس بحنان: بس مو أي نفرين.. أغلى نفرين في العالم كله..
زين ما جبت واشنطن كلها وفوقها البيت الأبيض لكم..
ثم همست صيتة بحنين: تركي...أشلون إبي وأمي والبندري ومتعب وبناته؟؟.. أبيك تعلمني كل شيء بالتفصيل لا ارتحت..
تركي بمودة: كلهم طيبين ويسلمون عليش..
صيتة همست بذات الحنين : وحزام؟؟ يا حبيبي يا حزام.. ليه ما جبته معك؟؟
ثم أردفت بألم عميق: أخر مرة شفته من أربع سنين مع أمي وإبي يوم جاو يأخذون فهدة..
تركي بمودة: ولايهمش المرة الجاية أجيبه معي..
همست صيتة بمودة مشابهة: والهنوف اشلونها؟!!
اتسعت ابتسامة تركي تلقائيا.. رغما عنه اسمها يبعث في روحه أسراب من السعادة والشجن:
طيبة.. تكتب رسالتها الماجستير الحين..
صيتة حينها ابتسمت واحدة من ابتساماتها النادرة: هنا ابتسامة غريبة يا تركي..
أنا بقوم أكلم سند أشوف وش أخبارهم.. وراجعة لك..
شكله فيه علوم.. ولازم تعلمني بها كلها..
حين قامت صيتة نظر تركي في ساعته.. الساعة العاشرة والنصف..
"يعني خمس ونص العصر في الدوحة..
يا ترى وش تسوين الحين يا هنوفي؟؟
تدرين إني مشتاق وذابحني الشوق يا الظالمة
من يوم طارت الطيارة وأنا أحس قلبي خليته في الدوحة حرفيا"
فكّر.. هل يتصل؟ أو يرسل لها رسالة؟؟
بدت فكرة الاتصال هي الأقرب له..
فهو يكاد يموت شوقا.. والرسالة لن تبل ريق شوقه..
لذا اتصل دون تردد.. مرة مرتين ثلاث دون رد.. كعادتها العتيدة في الجفا...
تنهد تركي" ليس في قلبها كقلبي"
أعاد تناول هاتفه والاتصال لكن هذه المرة بالبندري... يعلم أنها لاريب معها في هذا الوقت..
جاءه صوت البندري المرح: غريبة توك مكلمني من ساعة.. ذا كله شوق لي..
ابتسم تركي: قبل ساعة المكالمة لش.. الحين المكالمة للهنوف.. عطيني إياها..
البندري باستغراب: وليش مادقيت على تلفونها؟؟
تركي بصرامة: تحقيق هو؟؟ قلت عطيني إياها يعني عطيني إياها..
زفرت البندري بتأفف: ما أسرع ما قلبت.. توك وش زينك..
كانت تقولها وهي تخرج من غرفتها متوجهة لغرفة الهنوف
التي كانت قد أطلت عليها قبل دقائق ووجدتها تعمل على رسالتها... لذلك تركتها حتى لا تزعجها..
تركي بذات الصرامة: لأنش ماتبين الوجه الزين.. لازم تخلين الواحد يقلب عشان تستوعبين..
البندري طرقت الباب ودخلت..
وهي تهمس بعذوبة مرحة: أسفة ازعجتش بس رجالش حشرنا يبيش..
الهنوف جف ريقها لا تعلم لماذا: تركي؟؟
فهاتفها كان على الصامت ولم تعرف إنه اتصل بها أساسا...
ضحكت البندري: ليه عندش رجال غيره؟؟
البندري ناولت الهنوف الهاتف.. وخرجت وأغلقت الباب خلفها..
الهنوف حشدت كل ثقتها بنفسها وهي تهمس: ألو.. حياك الله يا أبو عبدالمحسن...
تنهد تركي من أقصاه تنهيدة لم تتجاوز دواخله
(حسبي على غربلة أخر العمر..
والله إني دكتور وشيبه
ولاني ب على طور إنه حد يلعب بحسبتي
ذابت عظامي من الـــ ألو .. عاد حن في أولها )
ولكن كعادته أن مايشعر لا يظهره وهو يهتف ببروده وحزمه المعتاد ويخفي خلفه رجاء عميق عميق:
هنوف واللي يرحم والديش..وجعل عظامهم الجنة..هم ومتعب
قولي لي تركي.. بلاها أبوعبدالمحسن..
شهقت الهنوف شهقة خافتة.. وهي تشعر أنه أمسكها من يدها التي تؤلمها.. أهلها الراحلين.. همست بتردد: اشلون صيتة؟؟
ابتسم تركي وهو يشعر أن انتصاره قريب: قولي لي اشلون صيتة يا تركي؟!
همست الهنوف بغيظ: ترا المهم السؤال وصلك.. ودك تجاوب أو بصرك
ولكن الهنوف تذكرت أنه ربط طلبه بالدعاء لأهلها بالرحمة.. فأردفت بحزن: أشلون صيتة يا تركي؟؟
ثم أكملت بذات الغيظ: عشان هلي موب عشانك.. يا تـــــــركــــــي..
شعر تركي أن اسمه من بين شفتيها ينزل على روحه كالماء البارد على روحه العطشى..
(جعل يسقى الصيف الجاي.. يا الله صبرني!)
رد عليها بلطف مغلف بحزمه اللعين المعتاد: صيتة طيبة وتوها تنشد منش..
الهنوف ابتسمت وهي تستشعر نبرته الغريبة: ووش قلت لها؟؟
هتف حينها بنبرة مقصودة خبيثة: قلت لها الصدق...
إني من يوم رجعت من أمريكا.. وأنتي تطارديني وتتصيديني في كل مكان..
لدرجة إني صرت أقفل غرفة نومي علي..
أخاف ألاقيش ناطة عليّ فيها..
الهنوف شهقت بعنف: من جدك قلت لها كذا؟!!
(ياعمري على براءتها) هتف بذات النبرة: وأكثر بعد.. تدرين بي ما أخبي شيء على صيتة.. أنا وهي شيء واحد..
لا .. وعادني ماقلت لها على محاصرتش لي في المطبخ..
وعلى مطاردتي بالمكالمات..
وإنش كنتي تبين تمسكين يدي يوم العيد قدام أمي وأختي..
الهنوف حينها همست بغضب: تركي ترا المزح ذا بايخ.. وما يليق بك
تركي يشعر أنه سينفجر من الضحك وهو يستشعر خروج دخان حرائق عبر سماعة الهاتف..
ولكنه رد بحزم: الأبيخ منه تدرين وش هو؟!!
إنه مفروض ذا كله يصير وصار لولا التعنت اللي موب مفهوم اللي تمارسينه عليّ
الهنوف ترا أنتي مرتي يا بنت...مرتي.. تفهمين؟!!
الهنوف شعرت أن الاحمرار وصل لأطراف أذنيها وهي تنهي المكالمة وتغلق الخط في وجهه
لينفجر تركي بالضحك فعليا وصيتة تقبل عليه تحمل كأسين من العصير..
وتهمس بنبرة مقصودة: سامعة مرتي والهنوف
تطورات يا دكتور تركي.. تطورات!!
******************************************
"ليش متضايق جعل يومي قبل يومك؟"
شد على يدها بحنو: بسم الله على قلبش ياقلب محمد..
ثم أردف بتنهيدة عميقة: صحيح طلاق الجازي أسعدني جدا..
موضوع صار له خمس سنين يأكل من روحي أكل...
وصحيح أنا ماقدرت أتجاوز الموضوع ولا أسامح خالد مع إني حاولت
عشان كذا طمرت الموضوع في نفسي..
لاني ما أبي أخسر خالد.. ولأنه ألف مرة قال لي وش كثر هو نادم..
بس.. بس خالد يحبها..
وأردف بألم حقيقي: يحبها صدق ومن أقصاه.. ما أعرف متى بيتجاوز الموضوع.. أو اشلون ممكن يتجاوز الموضوع؟؟
حينها همست بثينة ببساطة: مثل ما أنت تجاوزت الموضوع..
شعر محمد كما لو أنه ضُرب بمطرقة على رأسه.. انتفض جسده بعنف وهو يستدير بشكل عنيف نحوها: وش تقصدين؟؟
ابتسمت بثينة بذات البساطة الراقية: مثل ما أنت تجاوزت حبك لمزنة هو رح يتجاوز حبه للجازي..
ومثل ما أنت كملت حياتك بعيد عنها.. هو رح يكمل حياته بعيد عنها..
محمد مصدوم.. مصدوم فعلا ومع ذلك أجابها بصدق: هذي سوالف بزران ومضت..
وإذا جيتي للصدق ..ماكان في قلبي مشاعر حقيقية لها.. هي اللي كانت موجودة قدامي...
كانت مشاعر مراهقين
لكن أنتي وش عرفش؟؟
بثينة ببساطتها التلقائية الصميمة العجيبة: أنت ناسي إنه أختك مها مرت متعب ولد عمي..
عشرين مليون مرة سمعتها تقول إنك بتأخذ مزنة وأنك تموت عليها..
قبل ما أنت تخطبني..
محمد بدهشة: ولا عمرش قلتي لي.. ولا حتى حسيتش تتحسسين من بنات عمي..
ضحكت بثينة برقة: ماقلت لك.. لأنه ماجات مناسبة أصلا..
وأتحسس منهم ليه؟؟.. هم بنات عمك.. لكن أنا زوجتك..
وليه أحاسبك أو أحاسبهم على شيء صار قبل ما أنا أصير زوجتك..
شايفني ردية عقل لذا الدرجة؟؟
محمد همس بتأثر وهو يحتضنها بقوة: أنتي العقل كله.. أنتي نعمة من رب العالمين..
الله لا يحرمني منش..
ثم أبعدها قليلا وهو يهمس بمرح: مع أنه مفترض أزعل أنش مافي قلبش ذرة غيرة علي..
بثينة قبلت كتفه وهي تهمس بمحبة عميقة: أغار لا قد فيه شيء يستاهل إني أغار..
وأغار لو كنت حسستني أنت في بالك حد غيري..
غير كذا اسمه ردا عقل ونكد..
وأردفت بمرح: وأنا الحمدلله لا ردية عقل ولا نكدية..
***************************
"متعب.. ممكن اقضي ذا الاسبوع عند هلي؟!"
كانت مها تستشعر حاجة الجازي لها في هذه الفترة الفاصلة من حياتها..وأرادت أن تكون قربها..
همست بعبارتها وهي تقف على باب غرفة التمارين.. التي تأخذ لها غرفة كاملة واسعة في الأسفل..
والتي جهزها متعب تجهيزا احترافيا قبل عامين من أجل مها.. حتى لا تضطر أن تذهب إلى النادي.. وتكون قريبة من بناتها
وفي الختام لم يستخدمها أحد سواه.. ولم تستخدمها حتى لمرة واحدة..
كان مستغرقا في تمارينه العنيفة وحين رأها تقف عند الباب.. توقف عن التمرين..
ورد عليها ببساطة: اللي ودش..
وأنا نفس العادة بأمر ريم عشان أوديها المدرسة...
شعرت بضيق غير مفهوم يتصاعد في روحها... سابقا حينما كانت تخبره أنها تريد أن تنام عند اهلها..
كان يجب أن تلح كثيرا حتى يوافق.. وختاما كان يوافق.. لم يرفض ولو لمرة واحدة...
لكن بعد تأفف طويل أنه لا يستطيع أن يحتمل البيت من غيرها..
وأنه البيت من غيرها قبر..
هذه المرة وافق حتى بدون أن يسألها عن أسبابها..
همست بسكون غير معبر عن مابداخلها:
مافيه داعي .. أنا بوديها.. نورة وغلا اصلا بيكونون
نايمين وأمي موجودة عندهم..
يعني مارح اضطر أقومهم ..
هتف بحزم: بمر بوديها نفس العادة..
وعطيني نص ساعة أخلص تماريني وأسبح وأوديش..
أنهى عبارته وعاد إلى تمارينه.. وكأنه يعطيها إشارة إلى انتهاء حوارهما القصير المختزل...
********************
"ما توقعت إن خالد ممكن يسويها ويطلق مرته
كان في كل مجلس يهذري بها
لدرجة إني كنت أنقد عليه.. واستغرب منه في نفس الوقت
وأقول خالد ثقيل وكلمته موزونة..
وش معنى عند بنت عمه تخبط مكينته؟ "
غالية بحزن: طلقها يا جابر..
حزينة منه جدا..
ثم أردفت وهي تجلس جوار جابر وتكمل بذات الحزن: يوم صارت السالفة.. مع إنه ضربني معها.. وأبطيت وأنا جنبي يوجعني..
بس خالد عمره مامد يده علي... حتى واحنا صغار.. مع إني كنت شيطانة..
خالد مشكلته عصبيته الله يهداه..
ياه ليت الزمن يرجع يا جابر ليته يرجع..
كان أغير شيئين بس في حياتي.. بس شيئين..
جابر بفضول: وش هي؟؟
غالية تتنهد بحزنها وتهمس بالشيئين الذين لولا حصولهما لم تكن تتعذب هي وزوجها وشقيقها ومن كانت زوجته:
كان مارحنا نحضر العرس المبارك ذيك الليلة جعلها ما تنعاد..
وكان ماخذيت التلفون الملعون ذاك اليوم جعله ما ينعاد...
***********************************
" صار لي عشر دقايق أنتظرك..
ذا كله تستأذن بنت هادي.."
كان متعب يهتف بعبارته المرحة وسعود يركب جواره.. وكلاهما يرتدي لباس الرياضة حتى يتوجها للمشي على الكورنيش..
سعود يبتسم برزانة: بنت هادي تأمر على رقبتي أمر.. ولا أشاورها فيها حتى..
ضحك متعب: لا مسيطرة بنت هادي على الوضع تمام..
ثم أردف بنبرة مقصودة: غريبة مهيب في بيت أهلها.. تأزر إخيها
مثل ما مها عندكم تأزر أختها..؟!!
سعود هتف بتلقائية: بلى عند أهلها.. هي تظن إنها بتأزره..
بس أنا متأكد إنه ما يبي مؤازرة..
متعب بثقة تلقائية : سعود أنا عارف إنك شايل في خاطرك على خالد جدا...
بس ترا موضوع الطلاق مثل ماهو صعب على المرة تراه صعب على الرجال..
وأكيد إن خالد محتاج حد يتكلم معه ويفضفض ويحسسه إن الحياة لازم تمشي.. وماتوقف عند اثنين ما توفقوا مع بعض..
سعود نظر أمامه وهتف بعمق: أنت فهمتني غلط.. خالد ما يبي مؤازرة..
لأن اللي هو فيه واللي هو حاسه الحين.. أكبر من أي مؤازرة..
ما يبي يكون الحين إلا بروحه..
متعب ببساطة: زين دامك عارف إنه هالكثر متمسك فيها ويغليها.. كان رحمتوه؟
سعود بثقة ورفض قاطع: مستحيل.. شيء انبنى على غلط.. لازم هدمه!! والحمدالله إنه انهدم.
ثم أردف بذات الثقة لكن بنبرة مقصودة: زين بدل منت شاغل نفسك ببنت هادي.. وبنت سعيد الصغيرة..
خلنا فيك أنت وبنت سعيد الكبيرة..
وش اللي بينك وبين مها وداسه عليّ يا متعب؟؟
وش اللي بينك وبين أختي وداسه علي يا رفيق عمري؟؟
************************************
"جليلة تكفين ما أبي أحضر المحاضرة خلاص"
جليلة بحزم: موب ذا دكتور فرات اللي صاجتنا فيه... يهبل ومحاضرته تهبل ..
أميرة بتوتر: هذا قبل اللي صار اخر محاضرة..
الجليلة بذات الحزم وهي تتوجه نحو المحاضرة التي ستبدأ بعد دقائق:
أنتي مالش دخل في شيء.. ولارح يجيش شيء..
انا اللي سويت المشكلة كلها وأنا اللي بحلها..
بدأت المحاضرة وفرات يشرح مفردات المقرر باقتدار.. فما لا يستطيع أحد أن ينكره..
إن شرحه كان أكثر من ممتاز .. لأن الاقتصاد عنده ليس مجرد نظريات ولكنه ممارسة نابعة من كونه رجل أعمال ناجح..
كانت أميرة غير منتبهة للشرح.. تشعر بالألم في بطنها.. وتبدو رجفة أناملها واضحة..
بينما الجليلة كانت منتبهة تماما وتسجل المعلومات وفي نفس الوقت كانت ترتب بعض السيناريوهات في عقلها..
رأت ارتعاش أختها الواضح.. شدت على يدها بقوة وحنان وهي تهمس لها : لا تخافين يا الخبل..
فرات انتبه للصوت كان صادرا ممن أجابت المرة الماضية.. وكانت تجلس في نفس المكان تماما..
تذكر حديثه مع دكتور رفعت قبل أيام.. مع أنه كان قد نسي الموضوع تماما.. لكنه عاد وتذكره نتيجة للهمس الصادر..
ولكنه على كل حال كان متأكدا مئة بالمئة أن من أجابت أميرة... ويستحيل أن تجرؤ أي طالبة على خداعه..
فرفع صوته وهو يشير للجليلة بتقدير: يبدو أن ابنتنا صاحبة الجواب الفريد عندها مداخلة...
وش رأيش يا بنتي في الموضوع المطروح وخصوصا إنه فيه ارتباط بينه وبين الموضوع اللي تكلمتي عنه المحاضرة الماضية؟؟
أميرة شعرت أنها ستبكي وهي تشد على يد الجليلة بيد .. وتقرص ضي في ذراعها بيدها الأخرى..
بينما الجليلة شدت على يد أميرة بتطمين.. وهي لا تشعر بأدنى توتر..
فما يهمها في هذا المقام.. هي أختها فقط..
وهذا الإمبريالي هو آخر ما يهمها.. لكنها يجب أن تصلح خطأها.. وليست هي من تهرب من نتائج أفعالها..
ولكنها قررت أن تجيبه أولا على سؤاله.. حتى لا يبدو وكأنها تهرب من الجواب..
ومن ناحية أخرى قد يكون جوابها شافعا لها عنده حين تخبره بحقيقة ماحدث المرة الماضية..
هتفت بذات الثقة التي أثارت إعجابه المرة الماضية.. وهي تنهمر بمعلوماتها الصحيحة والدقيقة والمتينة:
ارتباط النظريات الاقتصادية بنظريات علم النفس.. من الحقول المعرفية اللي تزايد الاهتمام بها في العقود الأخيرة في محاولة للعب على أوتار المستهلك أو المستثمر وجذبه لعالم الاستثمار أو الاستهلاك بطريقة تدرس أدق خصائصه النفسية..
وأكبر دليل فوز عالم نفس شهير مثل الأمريكي الاسرائيلي دانيال كانمان بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002.. عن نظريته في الاحتمالات وكيف أن إصدار القرار الاقتصادي له مقاييس عقلية نفسية تحتاج إلى الإلمام بالجوانب النفسية..
وكان هذا نتيجة لبروز علم الاقتصاد السلوكي كحقل جديد مشترك بين الاقتصاد وعلم النفس
في السنوات الأخيرة وتزايد الاهتمام به بشكل كبير..
الأمر اللي خلا كثير من الشركات الضخمة تعين في قسم التسويق فيها مختصين في المجالات النفسية عشان يدرسون إعلانات الشركة ومنتجاتها من جانب نفسي وتأثيرها على المتلقين..
(غير معقول.. غير مــــعـــــقول!!)
هكذا كان يهتف فرات في نفسه.. معقول هذي بنت عمرها 18 أو 19 سنة.. معقول.. ؟!!
والقضية ليست في المعلومات.. فالمعلومات مهما كانت دقيقة هي متوافرة في أكثر من مكان.. وخصوصا عبر الشبكة العنكبوتية الحصول على المعلومات سهل..
لكن غير المعقول والذي لا أستطيع تصوره هو هذا الجبروت الطاغي المتبدي في ثقتها بنفسها وطريقتها في الكلام..
ولست أنا من يخفى عليه هذا الجبروت.. وأنا من يتعامل من كبار سيدات الأعمال..
هذا الجبروت الذي يبدو متأصلا فيها.. وفي نفس الوقت .. مغلف برقيها وأدبها البالغ دون ادعاء أو تبجح..
كيف؟؟ كيف؟؟ هذه محض طفلة؟
حين أنهت الجليلة جوابها.. هتف فُرات بتقدير كبير:
تستاهلين يا أميرة بونص ثاني..
بس ما أقدر أعطيش..
لأنه على ذا الحال لو بتجاوبين كل محاضرة جواب مثل هذا يستاهل بونص
بنجي على وقت الامتحانات وأنتي مجمعة درجات أكثر من مجموع الامتحان..
والحين خلونا نرجع لموضوع محاضرتنا من النقطة اللي توقفت عندها زميلتكم أميرة..
لكن فاجأه أن من يسميها أميرة همست بكل ثقتها المعتادة : دكتور أنا أبي أقول لك شيء إذا سمحت لي..
وأتمنى إنك تتفهم مبرراتي مع إني أعترف من البداية وقبل أقول أي شيء إني غلطانة
واللي سويته فيه سوء تقدير كبير للعواقب.. لكن يشهد الله إن سوء النية كان غير موجود..
.
.
.
بعد ذلك بساعات..
في منزلهم...
الاثنتان جالستان في صالة البيت السفلية
وأميرة تمسك برأسها وهي تهمس للجليلة:
يمه يا جيلو يمه!!
والله عادني أرجف من الصبح ما وقفت الرجفة..
كانت الجليلة على وشك أن تجيبها: لولا الطرقات التي ارتفعت على باب الصالة الرئيسية المفتوح على باحة البيت..
جليلة باستغراب حازم: غريبة من بيجينا ذا الحزة؟ ظنش الهنوف جاية تسهر معنا؟
أميرة بذات الاستغراب: ما أظن... هنّو عندها دوام بكرة.. ويعدين بالعادة تدق قبل تجي عشان تتأكد إنه مساعد موب موجود...
الجليلة توجهت لتفتح الباب وهي تهمس بتلقائية : أجل يمكن وحدة من خدامات بيت عمي.. تلاقين خالتي أم متعب مرسلتها بشيء كالعادة..
لتكون الصدمة الكاسحة التي كانت أقوى من زلزال قوته 9 درجات على مقياس ريختر..
في الظهر العريض الذي رأت صاحبه واقفا يولي ظهره للباب..
وهو يرتدي قميصا رسميا أبيض اللون وبنطلونا من الجينز الفاتح...وكلاهما يبدوان جديدان جدا...
عرفته قبل أن يستدير حتى...
عرفته قبل أن تولد..
عرفته في خيبات العمر المتتالية..
عرفته فيما بقي من الأحلام..
عرفته في ليالي الحرقة والسهد واليتم المتطاولة..
عرفته وهي مراهقة يتيمة الأم.. مفجوعة بالفقد..
ثم صبية يتيمة الأم والأب..تحملت أثقالا تفوق عمرها..
عرفته من عدد الأيام التي كانت تحسبها يوما يوما..وتشعر بها لا تريد الانقضاء
وهي تمر على روحها ثقيلة كجبل يجثم على أنفاسها..
سبعة عشر عاما وخمسة أشهر و تسعة أيام..
+
صرخت صرخة فجعت أميرة بها..
الجليلة التي لم تسمعها يوما ترتفع طبقة صوتها.. تصرخ!!
قفزت أميرة إلى جوارها والجليلة تصرخ صرخات متتالية باسم واحد :
شـــــــهـــــــــاب
سعود بثقة ورفض قاطع: مستحيل.. شيء انبنى على غلط.. لازم هدمه!! والحمدالله إنه انهدم.
ثم أردف بذات الثقة لكن بنبرة مقصودة: زين بدل منت شاغل نفسك ببنت هادي.. وبنت سعيد الصغيرة..
خلنا فيك أنت وبنت سعيد الكبيرة..
وش اللي بينك وبين مها وداسه عليّ يا متعب؟؟
وش اللي بينك وبين أختي وداسه علي يا رفيق عمري؟؟
متعب توتر ولكنه هتف بثقة: وأنت ليه تفاول علي أنا وأم ريم؟؟
سعود بنبرة مقصودة: متعب ترا أنا حاسس إنه فيه شيء بينكم يمكن من شهرين..شهرين ونص.. بس كنت أقول يمكن مشكلة عابرة
نفس ما يحصل بين كل زوجين..
بس أنتو طولتوا؟؟
حينها هتف متعب بثقة وهو ينظر للطريق أمامه: وممكن أعرف وش الشيء اللي خلاك تستوحي إنه بيننا خلاف أصلا .. لأنه فعلا مافيه شيء بيننا..
سعود ببساطة: ماعاد شفتك ترفع عينك فيها.. حتى لا مرت قدامك تنزل عينك
وأنت قبل عينك تتابعها متابع وين ما راحت.. ماتقدر تصد منها..
وتقول لي ما بينكم خلاف!!!
أشهد إن به خلاف كايد يا متعب!!
متعب صمت لم يعلق على ماقاله سعود..
بينما سعود أردف بحزم : شوف يا متعب أنا مارح أجبرك تقول لي
ولا رح أحرج أختي وأسالها..
بس تأكد إنك أنت ومها أخواني.. وإنه مصلحتكم واستقراركم وبناتكم أهم شيء عندي..
وتأكد إنك لا بغيتني أتدخل بشيء.. إني دايما موجود
**********************************
"والحين خلونا نرجع لموضوع محاضرتنا من النقطة اللي توقفت عندها زميلتكم أميرة.."
لكن فاجأه أن من يسميها أميرة همست بكل ثقتها المعتادة : دكتور أنا أبي أقول لك شيء إذا سمحت لي..
وأتمنى إنك تتفهم مبرراتي مع إني أعترف من البداية وقبل أقول أي شيء إني غلطانة
واللي سويته فيه سوء تقدير كبير للعواقب.. لكن يشهد الله إن سوء النية كان غير موجود..
فرات لم يرتح لهذه المقدمة التي فاجأته.. ومع ذلك قال بحزم: تفضلي يا بنتي تكلمي..
الجليلة أكملت كلامها بذات الثقة التي بدت له غريبة.. كانت هي تتحدث وهو يتساءل>>
ماهذه الثقة الغريبة عند طفلة في عمر ابنتي؟! وكيف تقول إنها مخطئة ولا يهتز صوتها؟!!
فهو من خبرته في المرأة.. المرأة حينما تتوتر أو تشعر أنها على خطأ أو تخشى الخطأ..
فأن نغمة الصوت تتغير .. أو تنخفض.. أو تتقطع..أو يحدث فيها نوع من التكرار..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
بينما نغمة الجليلة على ذات المستوى من الثقة غير المدعاة :
أول شيء أنا أعتذر منكم دكتور ومن زميلاتي في المحاضرة..
المرة اللي فاتت لما جاوبت مع حضرتكم وأنتم قلتم بونص
أنا اعتبرت أنه البونص بمثابة هدية.. والهدية ممكن أعطيها للي أبيه.. وهذا طبعا اعتبار خاطئ جدا مني..
لكن في وقته كنت أظن أنه غير خاطئ..
عشان كذا قلت لحضرتكم اسم أختي لما سألتوني عن اسمي
لكن هي رفضت هالهدية رفض قاطع..
فأنا أعتذر لكم..
وأرجوكم إنكم تعتبرون إجابتي مجرد مشاركة بدون بونص.. أو درجة..
وأعتذر مرة ثانية إذا كان تبريري للموضوع له جوانب خاطئة.. وأأكد لكم إنه كان غير مقصود..
وكان فيه سوء تقدير كبير مني..
مع وصولها لمنتصف الحديث كان فرات قد بدأ يغلي في داخله.. يغلي كقدر من الماء على مرجل..
(أنا تلعب علي بزر في سن بنتي!! أنــــــا !!) ومع ذلك هتف لها بهدوء كبير وثقة بالغة متحكمة:
وأنتي من؟؟ وأختش من؟؟ خليني أفهم من اللي جاوبت.. ومن اللي خذت البونص بدون ماتجاوب؟؟
الجليلة همست بذات الثقة التي لا تهتز : أنا الجليلة طالب..
وأختي أميرة...
وأكرر اعتذاري لكم.. و الخطأ كله خطئي بروحي..
لكن أأكد لكم للمرة الثانية إنه كان بحسن نية..
وأرجوكم إنك تتفهمونه.. وأوعدك ما يتكرر أي تصرف يضايقكم مني..
حينها هتف فُرات بصرامة بالغة: بصراحة هذا هو العذر اللي أقبح من ذنب
يعني زود على الكذب والتدليس والغش اللي سويتيه
جاية تعتذرين بكل ذا الوقاحة؟!!!
حينها هتفت الجليلة بثقة دون أن تهتز فيها شعرة: يعني أفهم إن حضرتكم كنتم تفضلون إني ماأعتذر؟!!
(وقـــــــحــــــة !!)
هذا ماهتف به فرات في داخله.. رغم أن الجليلة كانت أبعد ما تكون عن الوقاحة .. بل تكلمت بكل الأدب والرقي والثقة ..
فرات حينها وقف بكل هدوء وهتف بكل الصرامة المرعبة:
اعتذارش غير مقبول إطلاقا..
لكن أنا مارح أصعد الموقف.. ولا أوصله للإدارة
لكن تصرفش رح يكون له عواقب..
مارح تكون الحين.. بتكون عقب..
و تفضلي اطلعي برا المحاضرة..
الجليلة صُعقت.. صُعقت تماما... فالموقف لا يستلزم هذا التصرف المتطرف..
وطردها من القاعة أمام زميلاتها..
فهي تعرف جيدا أنه لا يدفع أستاذ إلى طرد طالب من قلب القاعة الصفية إلا في حاله التطاول أو إساءة الأدب مع الأستاذ أو الزملاء..
وهذا الأمر لم يصدر منها أبدا..
ومع ذلك وقفت بكل هدوء ولباقة لتغادر..
أميرة وقفت ..تريد أن تغادر معها..
لكن فرات نهرها بقسوة: اقعدي انتي.. أنا ما طردتش
أنا طردت بس اللي انتحلت شخصيتش..
أكيد إنش أميرة الحقيقية صاحبة الهدية..
ولعلمش البونص بيقعد باسمش...
لكن كل طالبات الشعبة عدا الجليلة لهم نفس البونص..
أميرة جلست في مكانها برعب..وهي تنظر لضي..
بينما الجليلة مرت من أمامه بكل ثقة وهدوء ووقار واحتشام.. دون أن تنظر ناحيته..
والحقيقة.. إنه حين قرر طردها كان نوعا من العقاب لجرأتها عليه ولكذبها غير المقبول..
وكان كان يريدها أن تعتذر أكثر.. وأن ترجوه حتى لا يطردها..
وهذا ما توقعه.. كان يريد قرصها قليلا.. لتتأدب على مافعلته!
لكنها قلبت توقعاته للمرة الثانية .. وغــــــادرت !!
************************************
" جليلة يا حياتي لا تتضايقين.. أنا أكثر حد انطرد في جامعة قطر من المحاضرات
وهذا أنا وش حليلي.. "
الجليلة بثقة باسمة: ضي أنتي ليه متأزمة كذا؟؟
ترا أنا ماني ب متضايقة أبدا..
أكيد إنه شيء محرج جدا لوحدة مثلي وفي عمري إنها تنطرد من المحاضرة
وعلى خطأ اعتذرت منه..
لكن الإمبريالي كان حقه يقبل الاعتذار أو يرفضه وخصوصا إني غلطت غلط كبير جدا..
ولكن هو رفض اعتذاري.. وحب يمارس فوق الرفض بعض الإحساس المرضي بالسلطة
وهذا شيء متوقع من إمبريالي مثله..
أميرة بحزن متوتر وهي تشير ليديها: والله عادني أرجف من المحاضرة.. جليلة خلاص الحين مالش عذر
لازم نحذف المقرر..
الجليلة ترتشف القليل من الشاي أمامها وهم يجلسون ثلاثتهم في مجمع المطاعم.. وتهمس بثقة:
مارح نحذف شيء..
خلاص أنا غلطت وخذت عقابي على الخطأ..
وانتهينا..
مو كل موقف ما يصير وفق رغباتنا نهرب منه..
وبقدر حجم أخطائنا يكون عقابنا ولازم نتقبله.. ونكمل..
واحنا رح نكمل..
وخصوصا إنه مقرر الامبريالي سهل .. وانتي الآن عندش فيه بونص خمس درجات
ثم أردفت الجليلة بابتسامة : وتباركتي على كل طالبات الشعبة بعد..
ضي بمرح: إي والله يوم قال لكم كلكم بونص.. غدا ودي أقوم أرزف بالسيف وأسوي عرضة
غير ماكان حولي سيف..
************************************
" تركي.. أكيد مساعد قال لك
واشتكى لك مني..
وأنت استحيت تكلمني..
وأنا حرصا عليك أبي أوضح لك الموقف اللي صار
وأرجوك تسمع القصة كاملة من ناحيتي"
تركي ينقل الهاتف من إذنه اليسار إلى اليمين وهو يهتف بقلق:
حبة حبة فرات
وش دخل مساعد؟؟
أنا مافهمت شيء..
فرات باستغراب عميق: مساعد ماقال لك شيء؟؟
تركي بذات القلق: فرات أرجوك تراك وترتني
قل لي وش السالفة كلها بالتفصيل ؟؟
والله مساعد ماكلمني ولا قال لي شيء
حينها حكا فرات الحكاية كاملة لتركي..
وفور انتهاءه من الحكي، رد تركي بحرج:
السموحة منك يا فرات..
أنا ما أعرف كيف بدر منهم هذا التصرف غير المسؤول وامسحها في وجهي..
تنهد فرات بحزم: أنا بس مابغيتك تاخذ على خاطرك مني أنت ومساعد...
وإلا هم طالباتي وبناتي.. ومثلهم مثل مي..
ولو بنتي سوت نفس التصرف كنت طردتها من المحاضرة..
تركي بغضب مكتوم: لا فرات لا ..إذا الأمر مقبول من أميرة لأنها بزر..
موب مقبول من الجليلة الكبيرة العاقلة اللي عمرها من عمري..
حــــــيــــنـــــــهــــ ا..
شعر فرات كما لو أنه سُكب فوق رأسه ماء مثلجا...
وبدأ له كل ماكان غير مفهوم.. مفهوما..
ثقتها.. ثقافتها.. رزانتها.. و.... جــــبــــروتها!
وكل ماكان مقبولا بات غير مقبول..
وهو يشعر بالحرج من طرد سيدة في عمرها مع أنها اعتذرت بكل ذوق ولباقة
على تصرف يراه الآن رغم عدم تقبله له ورفضه القاطع له.. تصرفا لا يحتاج لكل هذا الشد والعصبية..
كان يستطيع تأنيبها بذوق وسحب البونص.. وإنهاء الموضوع ..
لكنها استفزته إلى اقصاه.. إلى أقـــــــصـــــــاه!!
*************************************
لتكون الصدمة الكاسحة التي كانت أقوى من زلزال قوته 9 درجات على مقياس ريختر..
في الظهر العريض الذي رأت صاحبه واقفا يولي ظهره للباب..
وهو يرتدي قميصا رسميا أبيض اللون وبنطلونا من الجينز الفاتح...وكلاهما يبدوان جديدان جدا...
عرفته قبل أن يستدير حتى...
عرفته قبل أن تولد..
عرفته في خيبات العمر المتتالية..
عرفته فيما بقي من الأحلام..
عرفته في ليالي الحرقة والسهد واليتم المتطاولة..
عرفته وهي مراهقة يتيمة الأم.. مفجوعة بالفقد..
ثم صبية يتيمة الأم والأب..تحملت أثقالا تفوق عمرها..
عرفته من عدد الأيام التي كانت تحسبها يوما يوما..وتشعر بها لا تريد الانقضاء
وهي تمر على روحها ثقيلة كجبل يجثم على أنفاسها..
سبعة عشر عاما وخمسة أشهر و تسعة أيام..
صرخت صرخة فجعت أميرة بها..
الجليلة التي لم تسمعها يوما ترتفع طبقة صوتها.. تصرخ!!
قفزت أميرة إلى جوارها والجليلة تصرخ صرخات متتالية باسم واحد :
شـــــــهـــــــــاب
شهاب استدار بعنف نتيجة لصرخاتها.. وهو يهتف بنصف ابتسامة: تراني بغيتها مفاجأة موب فيلم رعب؟؟
الجليلة تعلقت بعنقه وهي تنفجر بالنحيب الهستيري..
كانت تشهق دون أن تفلت عنقه وهي تطيل في احتضانه..
أميرة وقفت كالصنم مصدومة.. وليس لأنها رأت شهاب هنا في الدوحة وأمام بيتهم.. مع أن هذا الأمر معجزة حقيقية..
بل لأن الجليلة كانت تبكي..
"الجــــليـــــلة تبكي!!!!"
فرؤية شهاب الصادمة التي كانت صادمة بكل المقاييس كانت أخف عليها من رؤية الجليلة تبكي .. بل وتبكي بهذه الطريقة الجنائزية..
لم يسبق لها أن رأت الجليلة تبكي إطلاقا حتى في وفاة والدهما قبل أحد عشر عاما
فهي حينها كانت في التاسعة.. وتتذكر جيدا..
كانت الجليلة تأن أنينا متواصلا.. دون بكاء..
وكأنها تكتم البكاء داخلها..
لذا رؤيتها تنتحب بصوت عال كانت صدمة لها وهي تقف جامدة تشاهد المشهد أمامها..
وشهاب يحتضن الجليلة بقوة وهو يهمس لها بحنو عميق غريب مختلط بنبرة من الجمود والحزم:
بس يا أخيش.. بس..
أنا كنت عارف إنش أكثر حد بيستانس..وكنت أبي أسويها لش مفاجأة .. لا تخليني أتندم..
الجليلة تقبل خده وجبينه وكتفه ..بعد أن أغرقت وجهه بدموعها وهي تهمس بين شهقاتها:
والله إنها أحلى مفاجأة في عمري كله..
الحمدالله على السلامة يا قلبي..
الحمدالله حمدا كثيرا اللي نورت بيتك عقب ذا الغيبة اللي مابغت تنقضي..
لازم أسجد سجدة شكر..
ذاب قلبي يا شهاب وأنا أنتظرك.. ذاب..
قالتها وهي تفلت شهاب وتسجد فعلا سجدة خرت فيها لله تعالى تشكره بعمق تشكره من أقصى روحها..
تشكره من أقصى وجيعتها..
تبثه شكرا لو ركعت فيه طوال عمرها.. كان قليلا في حق شكر رب العالمين
الذي أعاد لها شهاب... قبل أعوام من موعد عودته المنتظر
أنه عز وجل مسح على روحها بجميل نعمته وجليلها..
شهاب أمامها هنا.. وفي الدوحة..
أ يعقل ذلك؟ّ!! أيعقل؟!!
يا الله ما أكبر كرمك! وما ألطفك!!
كانت الجليلة تسجد سجدتها بينما شهقاتها الأشبه بالأنين الموجوع مازالت ترتفع..
بينما شهاب نظر لأميرة وهتف بذات نبرته الحانية الجامدة الحازمة: وانتي ما تبين تسلمين على أخيش؟؟
أميرة التي كان كل بالها مع الجليلة انتفضت بخفة وهي تهمس بخجل: السموحة فديتك
ثم أردفت بذات بخجل: الحمدالله على سلامتك..
وهي تتطاول على أطراف أصابع قدميها حتى تقبل جبينه..
الطريقة المعتادة لسلامها عليه في المرات القليلة التي رأته فيها في السنوات الماضية..
وهي تشعر حتى أنه لا يريدها أن تقبله.. ولا أن تقترب منه.. وأنه يريدها بعيدة عن محيطه كله..
ولكن الجليلة كانت من تقول لها كل مرة: حبي رأس إخيش..
لذا صُعقت أنها احتضنها بقوة وهو يقبل رأسها ويهتف بحنين متجذر غريب:
كبرتي يا أبيش كبرتي..
كبرتي وأنا بعيد..
بـــعـــيــد جدا..
************************************
" من كنت تكلم وشكلك معصب؟"
تركي تنهد: رفيقي فرات آل سطام..
كان تركي لا يريدها أن تسأله لماذا هو غاضب.. حتى لا يضطر لإخبارها بما حدث..
لأن الجليلة هي أقرب صديقات صيتة وبينهما علاقة قوية جدا..
ولايريد أن يحرج الجليلة حين تخبرها صيتة أنه بات يعرف ماحدث..
لذا سألها باهتمام: وين فهدة؟
همست صيتة بحنان: تكلم جدتها وضي وإبي جبران...مشتاقين لها..
ثم جلست جوار تركي وهي تهمس بقلق: تركي أنا صار لي معكم ثلاث أيام وأنا تاركة عبودي
وأروح لهم بس زيارة..
الحين سند عنده شغل مهم في السفارة .. جايهم وفود ولازم يكون معهم طول اليوم..
هو يقول لي عادي إنه بيرجع في الليل متأخر عنده..
بس أنا خايفة على عبودي.. ولا أبيه يقعد لو دقيقة ماعنده أحد..
ووفي نفس الوقت ماقعدت مع فهدة.. ولا أبي أوديها طول اليوم المستشفى .. أعرف إنها ماتحب..
وما أعرف وش أسوي..؟؟
تركي بمودة: أنا اللي بروح عند عبود وأنام عنده.. لين قدنا بنرجع.. لا تشغلين بالش..
تفرغي لفهدة بس..
مسكينة باقي أربع أيام ونرجع.. خليها تشبع من حضنش..
تنهدت صيتة بهم كبير: وهل بتصير هذي حياتنا كذا؟؟ بنتي تكبر يا تركي بعيد عني...
تنهد تركي.. ثم هتف بحزم:
صيتة لو أنش مارجعتي فهدة.. وخليتيها عندش وحاولتي تضبطين جدولش بينها وبين عبود.. كان انحلت الأمور..
صيتة بحزن عميق: إذا أنت تقول كذا يا تركي وأنت عارف أسبابي ومبرراتي..
عبود تتدهور حالته إذا ماشافني.. أو انشغلت عنه..
هالأيام وضعه مو زين.. بس أنا ضاغطة على نفسي عشان فهدة.. وأمره كل يوم عشان يشوفني..
وفي نفس الوقت تركي أنا خايفة على بنتي.. وخفت عليها..
قبل أربع سنين يوم خليت فهدة ترجع مع هلي عشان تستقر في الدوحة لأنه أنا خايفة عليها.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها..
ولا أقدر أخذها معي..
وطبيعة عمل سند مالها وقت محدد عشان أضمن إنه موجود عندها...
وصارت في عمر المدرسة.. ولازم لها استقرار..
أنا بديت مصلحتها يا تركي على حاجتي لها.. وإلا أنت عارف زين أني أموت ألف مرة وهي بعيد عني..
فلا تزودها عليّ يا قلب أختك...
تركي باهتمام كبير ونبرة مقصودة: وعلاقتش أنتي وسند بتظل كذا؟؟..
أنتو مو عايشين مع بعض يا صيتة..
أنتم تقريبا ما تتقابلون... وأشك إنكم أصلا تقابلتم بروحكم من يوم تزوجتوا..
تنهدت صيتة بحزم: أرجوك تركي.. اتركني أنا وسند على جنب..
تركي بثقة: لما خطبش سند أول مرة مني.. أنا رفضت من نفسي.. حتى ما قلت لش..
بس هو خطب بدل المرة عشرين..
وكان عنده إصرار عجيب عليش.. رغم إني قلت له ألف مرة صيتة ما تنفع لك ياسند..
صيتة بذات الحزم: إذن خله يتحمل نتيجة قراراته الخاطئة..
تركي بحزم مشابه: والقرار الخاطئ ذا قراركم مع بعض..
لأنش وافقتي عليه مع إني قلت لش يا صيتة ترا سند مابعد تزوج قبل ورجال عنده منصب وخير..
وإذا أنتي مارح تقدرين تكونين له الزوجة الحقيقية لا توافقين عليه..
خليه يشوف نصيبه..
وفعلا رفضتيه بدل المرة عشر
بس عقب وافقتي عليه..
موب عشانه.. عشان عبودي بس..
*************************************
"أنتي من جدش تاركة بيتش وجاية عندي..
يعني إني بموت إنه تطلقت وإلا شنو؟؟ "
مها تبتسم: يا أختي أبي لي حجة أقعد عندكم..
الجازي بضيق: يا اختي شوفي لش سبب بعيد عني..
يعني هي حلوة في حقي إنه تقولين لمتعب بأروح أقعد عند أختي لأنها تطلقت
ليه شايفتني أشق ثيابي؟!
مها بذات الابتسامة: عشتو.. تنافخ.. يا أختي ترا باشمهندس الكمبيوترات اللي طلقش موب أنا..
عمل كذا الحسبة الخوارزمية في دماغه.. وبوووووم طلاق مع انتهاء الشهر الثالث من المهلة..
حينها الجازي ابتسمت: مروقة الأخت.. وش عندها؟؟
مها تتمدد على سرير الجازي وتهمس بمرح: دوم مروقة.. قالوا لش مثلكم يا المعصقلات النفسية 24 عشرين خار زيتها.. وقافلة..
وأنتم معرسين منفسين .. وأنتم مطلقين منفسين..
الجازي تنهدت: والله موب منفسة.. أنا بس أمر بمرحلة انتقالية انتم موب راضين تفهمونها.. عطوني وقتي بس..
كانت مها سترد لولا رنين هاتفها.. ردت بهدوء: هلا متعب..
فاجئها بقوله الحازم: إذا عندش حد.. روحي بروحش.. أبي أكلمش..
مها خرجت من عند الجازي التي استغربت من خروجها..
بينما مها توجهت لغرفة أمها التي تعلم أنها فارغة الآن وهي تهمس لمتعب: انا بروحي.. آمرني..
تنهد متعب تنهيدة عميقة...طيلة الأشهر الماضية كان صعبا عليه تجاوز قنبلتها التي فجرتها في روحه قبل ثلاثة أشهر...
لم يستطع تجاوز أن زوجته وحبيبته وأم بناته كان من أبسط ما يكون عليها أن تتخلى عنه بهذه الصورة المهينة..
وكأنه حذاء قديم ضاق عليها.. فقررت أن تخلعه من قدمها لتقدمه لأخرى..
كان مجروحا جدا منها.. لدرجة أنه كان يحاول جاهدا ألا ينظر نحوها حتى..
لأن النظر نحوها يثير في داخله تلك الذكرى المقيتة..
حين ينظر الآن إلى أعوامهما الأخيرة معا.. وينظر بصفاء لما حدث..
يرى عظم جريمته في حقها.. وهو يمتهن أنوثتها ويكسر مجاديفها..
يعلم أنه أخطأ كثيرا في حقها وهو يتجاوز حدوده في التدخل بأمورها الخاصة
وهو يحاول إجبارها إن تتخذ نمطا صحيا في الحياة..
وحين يراها ترفض اتباع هذا النمط.. يظن إن السخرية من سمنتها ستجعلها تتحرك لكي تلحق ما بقي..
كان يرى أن هذه السخرية لا بأس فيها لأن مها بطبيعتها مرحة..
لكنه الآن وبعد انفجار مها فيه..
بات يعرف كم كان كلامه مؤذيا لها إلى درجة أنه دفعها أن تؤذيه..
بات يعرف خطئه تماما.. ومستعد لعدم العودة له..
ربما كان يفكر أنه لن يفاتحها في موضوع حل المشكلة بينهما الآن
فهو مازال عاتبا عليها..
وفي نفس الوقت لا يرى عندها أدنى رغبة في حل الموضوع المعلق بينهما وهي تبدو مرتاحة وسعيدة..
لذا كان يريد الانتظار قليلا.. رغم أن ثلاثة أشهر من الحرمان أهلكته نفسيا وجسديا..
وهو يشعر بنفسه منبوذ ومقيد حتى في بيته.. لا يستطيع احتضان زوجته ولا الدخول إلى غرفتهما المشتركة..
ولا حتى الصعود إلى الطابق العلوي ورؤية بناته في غرفهم...
ولكن انتباه سعود أعطاه الغطاء المناسب للإقدام..
هتف متعب بحزم: مها ترا سعود لاحظ إنه فيه شيء بيننا..
اتسعت عينا مها بصدمة: سعود!!
أكمل متعب بذات الحزم: وحتى لو ما لاحظ سعود.. أكثر من 3 شهور مرت.. أظني إنها كفاية نفكر ونتخذ قرار في حياتنا..
مها بحزم مشابه: أظني اتخذنا وخلصنا..
متعب بحزم غاضب: ما أتخذنا.. انتي قلتي كلام غبي وغير معقول وبس
وانا حبيت أعطيش وقت تفكرين بدون ضغط مني..
مها بحزم: القرار اللي عندك إنه غبي.. وغير معقول أنا فكرت فيه سنة قبل أقوله..
متعب بذات الغضب: ويعني إنش فكرتي فيه سنة إنه قرار صائب؟!!
مها تنهدت بحزن: متعب واللي يرحم والديك..
لا تضغط علي..
أنا خلاص موب متقبلة قربك ولا بأي صورة..
كنك تبيني أجبر نفسي .. جبرت نفسي!!
حينها هتف متعب بحزم مغمور بحزن غريب.. لم يتخيل أبدا أن ما بينه وبين مها قد يصل لهذا الوضع.. إن تصف ان علاقتها معه لا يمكن أن تستمر الا باجبار نفسها:
لا بالله لا تجبرين نفسش..
من عافنا عفناه لو كان غالي..
بس عقب... لا تزعلين من شيء..
لأنه أي شيء بسويه أنتي اللي حديتيني عليه..
************************
"زين بدل منت ناشب لي انا وسند..
خلنا فيك أنت والهنوف..
وانت من يوم جيت كل ما سألتك تهربت"
ابتسم تركي.. فهمست صيتة بعذوبة:
انت ماتشوف كيف وجهك يشرق وابتسامتك تشق لا جاء طاريها..
ابتسم تركي بشفافية مرحة: ليش مفضوح انا كذا؟؟
صيتة بذات العذوبة: أنت عارف أني اقراك بدون ما تحكي.. فكيف لاصارت عيونك تحكي وابتسامتك تحكي..
قل لي وش علومك مع الهنوف؟
تركي ببساطة عميقة كأنه يقرر حقيقة لا جدال فيها:
أحـــبـــهـــــا
صيتة كحت وعيناها تتوسعان بصدمة لطيفة: تحبها تحبها؟؟ والا تستلطفها ؟؟
تركي ابتسم لمنظر صيتة : أحبها
قالها بروية وهو يرص على كل حرف كأنه يتذوقه
ضحكت صيتة... وأشرق وجه تركي بسعادة: يبي لي اكتبها في التاريخ
صيتة ضحكت
كم لي ماشفت ضحكتش يا صيوت جعلني فدا وجهش الزين ..
مازالت صيتة تضحك: صدق انه ذي عقوبة ربي لك..
ثمان سنين وأنا أقول لك اتق الله في ذا البنت..
عاد ربي بيعاقبك
حينها هتف تركي بنبرة مقصودة: إذا ربي بيعاقبني على اللي سويته في الهنوف ثمان سنين وهي مابعد صارت مرتي فعليا
فربي اكيد بيعاقبش عقاب أكبر على اللي انتي مسويته في سند وأنتم فعلا متزوجين من ست سنين..
صيتة بتأفف: تركي طالبتك..
مابيني وبين سند شيء..
واحنا أساسا متراضين على كل شيء
وهما في حوارهما دخلت عليهما فهدة مشرقة الوجه..
واشرق وجه صيتة حين رأتها وهي تهمس بحنان: تعالي جنبي يا أمش..
ابتسم تركي بمشاكسة حنونة: إلا تعالي جنب خالش..
فهدة فعلا استجابت لتركي وهي تجلس جواره .. وتركي يحتضنها ويقبلها..
صيتة شعرت بحزن غريب يخترم روحها أنها توجهت لتركي وليس لها..
و اكتمل الحزن عليها وهي تسمع الحوار بين تركي وفهدة:
أنا يا أبيش بروح اقعد عند عبودي شوي..
وأخليش أنتي وأمش تستانسون
همست فهدة بجمود غريب.. غريب: عادي يا خالي..
خلها تروح لعبود
وأنا بقعد معك...
وش يفرق يوم وإلا يومين تقعد عندي
كلها كم يوم ونرجع الدوحة
وأنتو جبتوني عشان تشوفني..
وهذا هي شافتني..
خلاص..
أنا بس مشتاقة لعمي سند.. ماشفته إلا شوي في المستشفى..
إذا يقدر يمرنا شوي ذا اليومين.. ماعليه..
*****************************
"كذا تفجعني يا أخيك؟!!
الجليلة كلمتني قالت تعال لك عندي مفاجأة..!!
ما توقعت حتى واحد في المليار إنه ممكن تكون ذا المفاجأة"
مازالت دقات قلب مساعد غير منضبطة بعد المفاجأة الهائلة التي وجدها تنتظره في صالة البيت وهو يدخل مسرعا.. مترقبا لمفاجأة الجليلة..
ليجد الصدمة الهائلة أمامه الصدمة التي لم يتخيلها أبدا..
شهاب أمامه جالسا على الأريكة بجواره الجليلة..
بينما أميرة تجلس على مقعد بعيد عنهما مغلفة بالجمود..
كان لقاءهما مفعما بالمشاعر القوية وهو يحتضن شهاب بقوة ويقبل كتفه ورأسه ويده
ولكن كان بينهما نوع من الحاجز غير المفهوم .. جمود.. رسمية..غربة.. عتب.. تساؤل!!
ابتسم شهاب نصف الابتسامة الثقيلة إياها التي يبدو إنها ستكون أحد سماته:
حبيت أسويها لكم مفاجأة.. ولا بغيت أشغلكم بترتيبات مالها داعي..
مساعد بحزم ودود: كيف مالها داعي؟؟.. كان جيتك في مصر رجعت أنا وإياك...
وخليت متعب يرتب لك استقبال كبير هنا..
رد شهاب بحزم بالغ: ماله داعي أشغلكم وانا أعرف زين أسنع روحي..
كان الجو يحوم فيه جو كثيف غريب من الرسمية.. الكل كان يبدو متكلفا نوعا ما.. عدا شخص واحد فقط..
الــــجـــلـــيــلـــة..
التي كانت تجلس جوار شهاب.. ومازال وجهها محمرا..
وهي تنظر له بسعادة عميقة مغلفة بالشجن والحزن..
وهي تميل بين الفينة والفينة لتحتضن ذراعه وتقبل كتفه..
ليميل شهاب عليها ويحتضن رأسها ويقبله..
مساعد بذات الثقة الودودة هتف: طيب قلنا.. كيف طلعت؟؟ واشلون جيت؟؟
عطنا علومك كلها..
***********************************
" يا الله يا تركي..
أنا لازم أمشي..
باروح المستشفى .. عشان صيتة تجيكم..
أنا جيت عشان فهدة.. ولا حتى قعدت معها.. نامت على طول"
هتف تركي بمودة وهو ينظر لشاب يقاربه في العمر أو أكبر قليلا..
يبدو على وجهه الوسيم علائم إرهاق بالغ.. وهو يرخي عن عنقه ربطة العنق المتسقة مع طقم رمادي رسمي بالغ الفخامة:
أنت الله يعينك بعد..
بين شغلك والمستشفى..
وشكلك مرهق حدك..
خلني أنا بكفيك أنا بأروح المستشفى..
وأنت نام هنا..
هتف سند بإرهاق: تدري تركي..
ما أعرف متى أخر مرة نمت 4 ساعات متواصلة..
وجعلني ما أبكيك ..
صيتة قالت لي إنك عرضت تنام عند عبودي
وأنا قلت لها تقول لك.. إني حلفت..
عبودي مايعرف إلا أنا وصيتة..
أي حد غيرنا يرتاع ويتأزم..
تركي هتف بحزم يخفي خلفه ألمه العميق: وأنت ياسند حياتكم أنت وصيتة بتقعد على ذا المنوال..
لازم يكون فيه حل للوضع اللي أنتم عايشين فيه
سواء مع عبود..
أو في حياتكم مع بعض..
تنهد سند بألم: أنا حياتي كلها عبود..
وأنا و صيتة وجامعنا عبود..
لو صار له أي شيء..
علاقتنا بتنهار.. وبتنهار حياتي عقبها...
+
ثم أردف سند بألم وحنين مغلفان بهيام غريب وذاكرته تعود للخلف سبع سنوات:
تذكر يا تركي أول مرة خطبت صيتة قبل سبع سنين..
أبي أعلمك بشيء مابعد قلته لك... صار وقتها..
واشنطن قبل سبع سنوات....
كان يدخل إلى المستشفى بعد يوم عمل مرهق في السفارة..
كعادته كل يوم .. لزيارة ابن شقيقه ذي الأربع سنوات..
عمر الشقاوة واكتشاف الحياة الذي قضاه على سرير مستشفى ما عرف غيره منذ ولادته..
وهو أسير أعمدته الأربعة ..
لم يعرف كيف إحساس أن يركض ويلعب ويحلق في سماء طفولته..
لم يعرف ضحكات الطفولة.. واكتشافاتها.. ومناغاتها..
كان عبدالله الصغير يعاني من عدة مشاكل صحية متلازمة.. بين ضمور العضلات.. وتشوه في العمود الفقري.. وقصور في الجهاز الهضمي..
صاحبه مشاكل صحية أخرى و تأخر ذهني كان يزداد مع مرور السنوات..
كان سند يشعر بسعادة عميقة.. حين يلمح إشراق وجهه الصغير حين يراه...
لم يكن يتكلم.. ولكنه كان يشعر بعمق محبته له..
كان يكفيه حين يشد على أنامله الهزيلة.. فيرد عليه بشد باهت بالكاد يشعر به لضعف عضلاته...
قبل جبينه .. ثم جلس جواره وهو يشد على يده..
ويلقي التحية على أخيه الأكبر وزوجته...
ويسألهم عن أحوال عبدالله اليوم.. وأحوالهم ..
بعد حوالي ساعة كان يهم بالمغادرة.. فهمست أم عبدالله بمودة: سند يا أختك.. أبيك تأخذ ملف صيتة توصله لهم..
نسته عندي يوم جات تزورنا اليوم..
بنتها أشغلتها وسجت منه. وهو ملف شغلها كله..
سند بتلقائية : من صيتة ذي؟؟
إيه إيه.. أخت تركي ال حزام..
مابعد جيته في بيته.. لأنه نتقابل في مجلس الشباب القطريين..
بكلمه.. أتوصف منه المكان
.
.
بعد قليل كان سند قريبا من بيت تركي القريب جدا من المستشفى
كان مجمعا سكنيا عبارة عن فلل صغيرة.. كل فلة مستقلة بحديقة..
وكان سبب اختيار تركي لهذا المكان تحديدا..
أنه كان مكان جيد لفهدة وصيتة.. تستطيع فهدة اللعب في الحديقة..
وتوجد حضانة جيدة..
وقريب جدا من مركز تدريب صيتة بحيث تستطيع الذهاب مشيا..
سند كان قد اتصل بتركي.. وأخبره عن أنه يريد توصيل الملف..
فأخبره تركي أن البيت خال..
وأخبره بالرقم السري الذي يفتح الباب..
وطلب منه أن يضع الملف قرب المنضدة جوار الباب..
حين فتح سند الباب بهدوء.. وجد أمامه أجمل صدمة حدثت في حياته كلها..
فوجئ بالملاك النائم على مقعد في الصالة وبين يديها ينام ملاك آخر..
كانت ترفل في غلالة بيضاء .. وشعرها الأسود يعفو على كتفيها..
على ملامحها المسترخية يرتسم حزن عميق غير مفهوم..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
انصدم سند بقوة وهو يشعر بالحرج والذنب..
فترك الملف وانسحب بخفة..
ولكنه بالتأكيد كان قد ترك شيئا من روحه خلفه..
إحساس عذب أصاب روحه في مقتل..
كانت جميلة ورقيقة لا ريب..
ولكن هناك الكثير أجمل منها بكثير..
لم يكن جمالها سببا بالتأكيد..
شيء عميق في روحها عانق شيئا غافيا في عمق روحه..
بعد هذه الحادثة بأسبوع كانت أول خطبة..
كانت المرة الأولى التي يخطب سند صيتة..
وتلتها مرات ومرات..
كان في كل مقابلة مع تركي.. يلمح له ويصرح بالخطة..
وحينا يرده تركي بنفسي.. لأنه يعرف أنها لن توافق..
وحينا يسألها إبرارا لذمته.. فترفض هي!
.
.
الـــــيـــــوم..
ضحك تركي: تعلمني الحين وهي قد لها ست سنين مرتك!!
ليه ماعلمتني وقتها؟!!
ابتسم سند: انحرجت..
بس الموضوع قعد في خاطري.. حاس إني مذنب..
وخفت أقول لك وقتها.. داري إنك بتزعل علي جدا..
مع إني مالي ذنب أنت قلت لي البيت فاضي..
ثم أردف بمرح: يا أخي اعتبرها الشوفة الشرعية اللي ما تعرفونها يا البدوان..
عاد صوته لينحدر بهيام غريب يحاول كتمه.. فيفضحه :
تدري وش خفت منه بعد حزتها؟؟ ..خفت إنك ماترضى تزوجني..
وأنا روحي تعلقت فيها من حزتها.
تركي هتف بنبرة مقصودة: ليه أنتم متزوجين الحين؟!!
سند بحزم بالغ مختلط بالحرج: يعني تركي موب عشانك الوحيد اللي عارف الشرط اللي بيننا .. تحرجني..
تركي بغضب: أنت عارف إن شرطها باطل..
ووقتها لما هي قالت لي شرطها.. أنا ماكنت موافق أبدا..
بس أنت اللي وافقت..
تنهد سند: أنت عارف إني كنت مستعد أسوي أي شيء عشان توافق بس...
أنا قبل كنت أبيها لي أنا بس..
وعقب صرت أبيها لي أنا وعبود..
وأنا و هو من غير صيتة ما نقدر نعيش..
تركي أنا لو ما تزوجت صيتة.. كان مت..
*****************************
" يبه حمد... يبه حمد.. يـــــبـــــه حـــــمــــد!!"
أبوفرات يطل من غرفة خلط الألوان داخل مرسمه ويهتف بحنو وهو يشير بيده:
شوي وجايش يا أبيش..
مي كانت تستدير داخل المرسم.. تنظر للوحات المكتمل منها وغير المكتمل.. وتوقفت قليلا عند لوحة معلقة في صدر المرسم.. يشارك بها جدها في المعارض.. لكنه يرفض بيعها..
لوحة قديمة ربما قبل أن تولد.. تصور بيتا قديما على طريقة البيوت القطرية القديمة..
الليوان المفتوح الذي يحتوي غرفا متعددة تطل كلها على الحوش المفتوح.. وشبابيك وأبواب الخشب المعتقة بمسامير الحديد في طراز هندسي..
والسدرة تنتصب شامخة في طرف الحوش .. وبئر الماء في وسط البيت..
كانت تفاصيل الرسم دقيقة جدا.. إلى درجة أن الناظر قد يشك هل هي لوحة مرسومة أو صورة
تم تصويرها لبيت من ذاك العصر..
لون الطين.. الحجارة ... الأخشاب.. تراب الحوش وحجارتها.. زرقة السماء..
خرج لها جدها.. وهي مازالت تتأملها.. ابتسم بحنو وهتف: ما تملين من كثر ما تدققين فيها؟!!
همست مي بانبهار: ماشاء الله يبه.. خاطري أرسم نفسها..
ابتسم جدها بلطف: أنتي ارسمي أبراج الكورنيش.. كل واحد يرسم زمنه..
مي همست بمودة ورجاء: يبه أقدر أخذها أسبوع واحد بس.. أعرضها في معرض الجامعة..
هتف الجد بتلقائية واثقة: جيبي لي تأكيد موقع من الجامعة بالمحافظة عليها وتأمينها.. وخذيها..
قفزت مي بحماس: أبشر أبشر جعلني فداك..
قالتها وهي تقبل رأس جدها وكتفه بذات الحماس...
"أنتي 24 ساعة لازقة في إخي كذا.. ما تخلينه يتنفس"
أشرق وجه مي وهي ترى حامد وحمد كلاهما يدخلان معا وتهتف بمرح:
غريبة اثنينتكم موجودين في البيت ذا الحزة.. لا وداخلين علينا المرسم..
ابتسم حمد: أنتي وجدي عايشين في المرسم.. لو ماجيناكم هنا.. مارح نشوفكم..
قالها وهو يميل على رأس جده يقبله.. ثم يقبل يده..
وحامد يفعل بالمثل..
والجد حمد يربت على أكتافهم وهو يهمس بعمق: كبّر الله قدركم..
ثم هتف بأمر لطيف: دامكم كلكم موجودين أجل نتعشى كلنا سوا..
مي روحي ادعي إبيش يجينا..
مي ذهبت تنادي والدها.. بينما حمد انشغل مع جده يستشيره في أمور تخص الحلال..
في الوقت الذي كان حامد يدور في المرسم ينظر إلى اللوحات..
وباله مشغول.. مشغول جدا..
****************************
كان الجو يحوم فيه جو كثيف غريب من الرسمية.. الكل كان يبدو متكلفا نوعا ما.. عدا شخص واحد فقط..
الــــجـــلـــيــلـــة..
التي كانت تجلس جوار شهاب.. ومازال وجهها محمرا..
وهي تنظر له بسعادة عميقة مغلفة بالشجن والحزن..
وهي تميل بين الفينة والفينة لتحتضن ذراعه وتقبل كتفه..
ليميل شهاب عليها ويحتضن رأسها ويقبله..
مساعد بذات الثقة الودودة هتف: طيب قلنا.. كيف طلعت؟؟ واشلون جيت؟؟
عطنا علومك كلها..
اعتدل شهاب جالسا.. وهتف بثقة لا تخلو من جموده المعتاد الغريب:
أنا خلصت ثلاث أرباع المدة.. وكنت متأمل إني رح أطلع..
حسن سيرة وسلوك..
وكنت عارف إني رح أطلع من يوم جيتوني المرة اللي فاتت..
بس مابغيت أقول لكم وأنا ماني ب عارف متى بالضبط موعد طلعتي وأشغلكم معي..
قبل أسبوع تقريبا طلعت..
السفارة رتبت لي كل شيء ماقصروا معي أبد.. وتأخرت شوي أصدق شهاداتي كلها..
عشان أبي أدور لي شغل أول ما أرتب أموري..
حينها همست أميرة بدهشة: من جدك تبي تشتغل؟ من اللي بيشغلك؟!!
شهاب لم يرد عليها وهو ينظر لها متعجبا بحاجب مرفوع.. لكن الرد كان رد الجليلة الحازم:
وليه ما يشتغل؟؟ كم واحد في قطر عنده شهادتين دكتوراه في تخصصين مختلفة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ؟؟؟
أميرة بحرج: أنا ماقصدت كذا..
هتف شهاب بثقة عارمة: جليلة اتركيها.. هي بس مهيب فاهمة..أنا بشرح لها..
أميرة تظن إني مافيه حد بيشغلني لأني محكوم سابق ومتهم بجريمة قتل..
ثم أردف بحنو غريب فيه حزم وجمود خليط غير متجانس يشبه شهاب تماما:
يا أبيش.. اللي يرفضونه في الوظائف.. اللي جريمته مخلة بالأمانة أو الشرف..
وأنا كنت محكوم في بلد ثانية.. في بلدي ماعلي شيء.. وجريمتي لا تخل بالأمانة ولا الشرف.. بل العكس..
أنا دافعت عن شرف مرة ضعيفة أم أيتام..
حينها همست الجليلة بوجع عميق وحسرة أعمق.. حسرة عمرها كله.. كـــلـــــه:
أنت دافعت عنها بس ماقتلته..
هي اللي قتلته..
هي اللي قتلته..
تنهد شهاب بحزم يخفي خلفه حسرة شبابه الذي مضى كله وهو مسلوب الحرية في جريمة لم يرتكبها فعلا..
سبعة عشر عاما تمثل مرحلة الشباب كاملة سُلبت من عمره:
خلاص هذا حكي مايفيد يا أخيش..
ولو رجع الزمن فيني.. سويت نفس الشيء..
وتصرفت نفس التصرف..
********************************
" وش عنده مساعد مكلم ذا الحزة..
و يقول بجيكم.. وأبيكم موجودين أنت ومتعب وحزام؟!!
المجلس مجلسه.. وش حاجة الاستئذان؟؟"
متعب يرد على والده باحترام: ما أدري جعلني فدا خشمك
ثم أردف بابتسامة مرحة: يمكن جاي يخطب البندري..
ابتسم أبو متعب بمودة واعزاز: والله إنها الساعة المباركة.. لا خذ ولدي بنتي
لكن ما ظنتي ذا موضوعه..
لأنه لو ذا موضوعه ماطلب حزام.. ولا جا والوقت قده متأخر كذا
حينها ابتسم حزام: ليه مهيب أختي أنا بعد؟!!
متعب بمرح: ليه حتى البزارين لهم لسان؟!!
ضحك حزام: لو الله يفك لي منك كان خير..
حــــــيــــــنـــــــها..
دخل مساعد.. وبجواره شخص آخر يوازيه في الطول..
كان شهاب يرتدي ثوبا من ثياب مساعد..
كان الاثنان متقاربان في الطول والعرض.. وحتى الشبه كان بينهما شبه كبير
إلا أن وسامة شهاب كانت أكثر حدة..
وإن كانت هدأت وتعمقت مع شعرات الشيب التي غزت عارضيه..
حزام لم يعرف الشخص الثاني أصلا وهو يهتف برجولته الطريفة: يا هلا يا هلا
يا حيا الله ضيفنا.. اقلطوا اقلطوا..
متعب فغر فاه مدهوشا وهو يرى من يرافق مساعد..
فهو كان يزور شهاب من وقت لآخر غالبا مع شقيقه تركي.. وفي بعض الأحيان مع سعود..
لكن رؤيته هنا... دون سابق إنذار كانت صدمة كاسحة.. صدمة كاسحة بكل معنى الكلمة..
وإن كانت صدمة كاسحة على متعب..
لنا أن نتخيل تأثيرها على أبي متعب..
الذي حينما رأى مساعدا يدخل ومعه رجل غريب وقف مرحبا..
لكن حينما اقتربا وعرف من هذا الرجل الغريب..
شعر أن قدميه تميدان.. وهو يتسند على ذراع متعب حتى لا ينهار..
كان ينظر إلى شهاب بحسرة وحنين ولهفة..
وكأنه يرى وجه شقيقه طالب الراحل..
وكأن طالب يعود من تحت الثرى..
طالب رحل قبل أحد عشر عاما.. وهو يطوي حرقة شهاب في روحه..
رحل موجوعا مطعونا مقهورا.. وهو ينعى شباب ابنه المظلوم..
وينعى زوجته التي ماتت بعد سجن شهاب بعام واحد..وهي مازالت في بداية الأربعينات..
رآها تذوي أمامه شيئا فشيئا دون أن يكون بيده شيء..
رأها تذوي وهي تتحسر وتعد ما بقي من أيام سجن شهاب..
كانت تقول له :
25 عاما يا طالب.. 25 عام!!!
كم يوم وليلة فيها؟؟
كنتُ أحلم بيوم عودته القريبة حتى أخطب له..
كنتُ كل يوم أفكر في ترتيب زواجه.. وأسماء أولاده
كنت كل يوم أرسم حكاياتي مع أحفادي
وأتخيل ملامحهم.. الأولاد يشبهون شهاب.. والبنات يشبهون الجليلة..
أتخيل شجاراتهم.. وخطواتهم الأولى.. وصخبهم يملأ البيت...
كان قد بقي أسبوع واحد فقط على عودته يا طالب؟؟
هل تتخيل؟ أسبوع واحد؟؟
فصلت ملابسه.. وبخرت غرفته.. بل إني حتى بدأت ألمح لمن أريد أن أخطب له عندهم..
أسبوع واحد ويعود شهاب يا طالب..
فإذا بي أتفاجأ أن عودته ستتأخر..
ستتأخر 25 عاما فقط يا طالب .. فقط 25 عاما!!!
حياته كلها ستتوقف 25 عاما..
زواجه سيتأخر 25 عاما.
أحفادي هل أراهم بعد 25 عاما؟
هل سأعيش حتى أراهم حتى يا طالب؟!
كانت تقضي الليل تأن.. طوال الليل تان..
وطالب يحتضنها.. وهي تسكب وجيعتها بين أضلاعه..
ويشعر أنه يفقدها.. دون أن يكون بيده شيء..
شعر بروحها تتسرب شيئا شيئا من بين أصابعه وأصابعها..
حتى جاء صباح.. صباح تمنى لو أنه لم يأتِ أبدا..
كان صباح الفجيعة..
كانت قد صلت الفجر..
وحين عاد من المسجد..
رآها تبتسم... استغرب ابتسامتها التي لم يراها منذ زمن.. فابتسم تلقائيا..
وهتف بحنو: دوم ذا الابتسامة يا أم شهاب..
همست بشفافية: خاطري منشرح.. ظنك إنهم عرفوا إن شهاب بريء وبيطلعونه؟؟ ظنك كذا؟؟
شعر حينها طالب بحزن عميق: إن شاء الله .. إن شاء الله..
همست بذات الشفافية: مع إن خاطري منشرح.. لكن جسمي تعبان.. ودي انسدح..
كني أبطيت ماقمت... قومني أصلي الضحى
همس لها طالب بمودة: أنا بسبح وأهلل لين شروق الشمس..
لا أشرقت الشمس.. قومتش نصلي أنا وإياش الضحى...
قبل شروق الشمس بدقائق.. سمع حشرجتها وهي تناديه..
قفز إلى جوارها مرعوبا..
همست بصوت مختنق: عيالي يا طالب بناتي.. عيالي..
طالب مازال مرعوبا وهو يهتف بكل هذا الرعب: وش فيهم العيال؟؟
صوتها يضعف ويزداد حشرجة: أمانتك أمانتك..
شهق طالب برعب متزايد خنقه حتى النخاع: يا بنت الحلال تعوذي من ابليس.. مافيش إلا العافية..
بقوم أكلم الإسعاف..
شدت أم شهاب على يده لتمنعه من القيام وهمست بضعف : وص البنات ومساعد ما يسجون شهاب.. تكفى يا طالب.. قل لهم ما يسجون منه أبد..
طالب عرف أنها فعلا تحتضر.. عرف أن مابقي من روحها الذاوية آن له أن يرتحل..
ويومها شعر أن روحه بدأت تذوي وتتسرب أيضا..
هتف لها بنبرة ميتة.. فهو كان يموت أيضا: ازهليهم كلهم ..
حينها ابتسمت ومدت يدها بضعف لتضعها على خده:
قضيت معك 23 سنة ما أبدلها بشيء.. كنت فيها لي أخ وزوج وحبيب.. لو كنت أقدر أبدل شيء فيها
شيء واحد.. ماخليت شهاب يروح مصر..
لكن ما اعترض على كتبة رب العالمين..
كانت تتمدد على جنبها اليمين ووجهها للقبلة..
كانت دوما مستعدة وفي الانتظار .. لم تجزع.. فهي مقبلة على من هو أرحم بالإنسان من أمه وأبيه.. همست بضعفها بما بقي من أنفاسها الذابلة:
أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله..
رحلت بين ذراعيه باسمة.. وآخر ما ذكرته كان شهاب..
هذه الحكاية حكاها طالب لعبدالمحسن عشرات مرات.. خلال السنوات الخمس التي عاشها بعدها..
وفي كل مرة كان يشعر عبدالمحسن أن طالب بات أضعف وأضعف..
ومثلما كانت آخر وصايا أم شهاب هو شهاب..
كانت آخر وصايا طالب هو شهاب أيضا..
لذا حرص أبومتعب أن يزوره هو أبنائه متعب وتركي بشكل دوري.. وأن توضع مستحقاته المالية في حساب خاص به هنا
وحساب آخر تتصرف به السفارة هناك..
كان يصرف منه على دراسته..
واليوم هاهو يراه هنا .. بعد سبعة عشر عاما من الغياب..
بعد رحيل طالب وزوجته..
ورحيل علي وزوجته وابنه..
اختلف الكثير في هذه الأعوام.. وكثر الراحلون!!
وهو باق هنا يتجرع الغصات غصة غصة..
يتجرع غياب أشقائه.. وحسرتهم.. ويتلمس أولادهم.. ووصيتهم..
واليوم ها هو يرى وصية طالب أمامه..
شعر أن دقات قلبه تتسارع.. وأن جسده يوشك على الانهيار..
متعب أسنده بقوة.. بينما شهاب أسرع نحوه.. وهو يسنده من الناحية الثانية..
حينها تعلق أبو متعب بعنق شهاب وهو يحتضنه بقوة..
فرد عليه شهاب بحضن أقوى..
أقوى من احتضانه لأشقائه وأعمق.. وأحد..
يتشاركان وجعا يعلمانه جيدا.. وجع الراحلين.. وفي القلب لهم حرقة لا تنقضي..
إحساس مستشري بالمرارة والخذلان والحسرة.. أنهم لا يشاركونهم هذه اللحظة المنتظرة..
كان أبو متعب يهتف بتأثر بالغ: الحمدالله على سلامتك يا أبيك الحمدالله على سلامتك
وشهاب يهتف وهو مازال يحتضنه بنبرة مودة عميقة خالية تماما من الجمود الذي غلفه مع الجميع.. واختفى مع عمه وحده... نبرة فيها ألم عميق:
اشتقت لك يبه.. فقدتك.. فقدتك..
حينها هتف متعب بتأثر: عطونا فرصة حن نسلم بعد..
حينها أفلت شهاب عمه برفق وهو يجلسه على المقعد أولا..
ثم يحتضن متعب بقوة لا تخلو من جموده الذي عاوده..وهما يتبادلان التحية العميقة في مودتها
ثم هتف متعب بذات المودة العميقة: ترا غداك بكرة عندي.. و..
وكان على وشك أن يحلف لولا أن مساعد قاطعه بمودة وحزم:
فديتك خلاص غداه بكرة في مجلسه.. رتبنا له..
وعقب كم يوم بنسوي عشاء كبير في فندق..بس ننتظر تركي يرجع عشان يحضر..
حينها هتف متعب بإصرار: أجل عشاه بكرة عندي هنا في مجلسنا..
كانا الاثنان يتجادلان بينما شهاب كان لاهيا عنهما وهو يجلس جوار عمه..
ويمسك بكفه بقوة.. والعم يهتف بنبرة مرهقة مستنزفة:
ليه ماعلمتني يا أبيك.. كان جيتك هناك..
شهاب بمودة عميقة: مافيه داعي يبه أعنيك.. وبغيت أسويها لك مفاجأة..
أبو متعب بحنين موجوع: جعل عظام طالب الجنة.. راح ما بين عيونه إلا تنيان طلعتك (تنيان: انتظار)..
عاود شهاب الجمود الذي يغلف روحه به ليحميها ربما.. مع أن الوجع العميق تسرب رغما عنه من بين كلماته وهي تنحدر بوجع شيئا فشيئا:
رحمة الله عليه.. رحمة الله عليه وعلى أمي.. وعلى عمي علي.. وعلى خالتي أم متعب.. وعلى رفيق عمري متعب..
راحوا كلهم يبه.. راحوا.. ما حضرت حد منهم.. ولا صليت عليه..
أبو متعب مسح دمعة انحدرت رغما عنه وهو يهتف باختناق:
بكرة بأروح أنا إياك المقبرة.. أوريك قبورهم.. وندعي لهم كلهم..
هتف شهاب بحزم موجوع: زين إنك قلته.. كنت أبي أقول لمساعد يوديني..
ثم أردف بحزم واثق وهو يتذكر شيئا هاما: يبه أبي أكلم الهنوف..
أبو متعب باستغراب: الهنوف بنت علي؟؟
شهاب بذات الثقة: إيه طال عمرك..
رغم استغراب العم أبي متعب من طلب شهاب إلا أنه أخذ هاتفه واتصل بالهنوف..
في وقتها كانت الهنوف في غرفتها تعمل على رسالتها كالعادة..
رن هاتفها.. همست في داخلها بتأفف
(لا يكون تركي الزفت مرة ثانية.. بانتحر.. وإلا بأرسل له قاتل مأجور لواشنطن يغتاله)
رفعت الهاتف فوجئت أنه عمها (غريبة عمي مانام لين الحين)
ردت باحترام ومودة عميقين: لبيك يبه.. تبي شيء؟؟
هتف العم أبوعبدالمحسن بمحبة: لبيش أنا يا أبيش..
هنا ولد عمش شهاب يبي يكلمش..
الهنوف احتاجت وقتا لتركب الصورة ومع ذلك كانت الصورة مستحيلة
شهاب مسجون في مصر ولن يخرج قريبا.. وعمي هنا في الدوحة.. كيف يكلمني؟؟
مازالت لم تستوعب والصوت الغريب الفخم العميق يقتحم أفكارها الملتبسة:
مساش الله بالخير يا بنت علي!!
الهنوف ردت بخجل وذوق: الحمدالله على السلامة يا أبو طالب.. نورت الدوحة..
وقرت عيوننا جميعا جميع برجعتك..
شهاب بحزم: الله يسلمش.. ويبارك فيش..
ثم أردف بحزم أشد: اسمعيني يا بنت علي.. وذا عمي يسمع بعد..
عمي إبينا كلنا.. وماحد يضام عنده..
وتركي والنعم شيخ الرياجيل..
بس أنا بغيتش تعرفين زين إني رجعت خلاص الدوحة..
وأول حد أكلمه هو أنتي.. أبيش تعرفين زين إني هنا مثل متعب بن علي الله يرحمه..
والله ثم والله لو أدري إنه نمتي ليلة حزينة أو مضيومة أو مضايقش تركي ولا تعلميني..
ثم أدري بنفسي.. إن يصير شيء ما يرضي حد..
الهنوف اختنقت تماما.. وشعرت بعبراتها تقفز إلى حلقها.. وذكرى شقيقها متعب تعود لها عبر شهاب بقوة..
همست باختناقها: جعلني ما أبكيك يا أبو طالب.. وجعلك دوم في الوجود..
لم تستطع أن تكمل وهي تغلق الهاتف.. وتنفجر بالبكاء..
حين انتهى الاتصال.. هتف العم أبو عبدالمحسن بعتب: ظنك إنه بنت علي بتضام وهي عندي..؟؟
حينها شد شهاب يد عمه بقوة ثم مال ليقبل رأسه وهو يهتف بحزم:
يبه ذا شيء وكاد.. مستحيل تضام عندك..
بس تركي ولدك.. ويمكن تستحي تشتكي لك منه..
وأنا وأنت واحد..
والهنوف هي اللي بقت من ريحة متعب.. مثلها مثل خواتي هم اللي بقوا من ريحة هلي..
****************************
قبل ذلك بقليل..
كانت الهنوف في نفس المكان.. وتؤدي نفس العمل.. مشغولة برسالتها..
فرن هاتفها.. كان في تلك المرة تركي هو المتصل..
نظرت للاسم.. ثم كتمت صوت الرنين.. ووضعته على الطاولة وعادت للعمل..
كانت تشعر بمتعة لطيفة وهي تعذبه هذا التعذيب اللطيف..
(قال أنا أعذبه؟!
هذا أصلا إحساس ماعنده..
إحساس صفر..
أساسا ليش يكلمني ما أعرف..)
رن المرة الثانية وكتمته.. مع أنها بدأت تتوتر.. لأنه بالعادة لا يرن لمرتين متتاليتين إلا إذا كان مصرا فعلا على مكالمتها..
ثوان مرت.. ليصلها رسالة منه:
(أنا أبي أعرف أنتي مخش متركب شمال..
يعني لازم هذي الطريقة الملتوية للتواصل..
لازم أرسل مسج.. أقول لش فيه لو سمحتي ردي.. عشان تردين..
شوفي أنا برن الحين..
لو مارديتي.. ماني ب داق على البندري..
بدق على أمي وأقول لها تعطيني إياش)
تنهدت الهنوف بعمق وتأففت (يا ثقل طينتك يا ولد عمي!!)
مع انتهاءها من التأفف كان تلفونها يرن للمرة الثالثة..
ردت بهدوء : هلا أبو عبدالمحسن..
في حينها كان تركي يجلس بجوار عبودي الذي كان نائما.. كان يقوم بدوره اليوم في البقاء عنده..
لانشغال سند في السفارة.. وذهاب صيتة مع فهدة للألعاب.. ثم للتسوق لأنها تريد أن تشتري لها بعض الأشياء..
لا يعلم أي سحر يفعله بها صوته.. همساتها.. حتى الحرف الواحد منها يفعل به الأفاعيل..
كان غاضبا منها لتعمدها تجاهله.. وكان قد قرر أنه لابد أن يعاتبها على ذلك..
لكنه ما آن سمع همساتها.. تبخر كل الغضب..
وهو يهتف بابتسامة ونبرة مقصودة: وش اتفقنا عليه أخر مرة؟؟
حينها همست بعذوبة ماكرة: ما أتذكر..
ابتسم تركي: طيب موب مشكلة.. أنتي أخبارش؟؟
ابتسمت: أنت متصل تسأل عن أخباري؟؟
بذات النبرة الباسمة المتبادلة هتف: أي نعم.. متصل أسال عن أخبارش بس..
إذا عندش شيء غير الأخبار تقولينه تراه يسعدني..
الهنوف بتوجس: مثل أيش غير الأخبار؟؟
تركي بمكر: مثل أحبك وأموت عليك واشتقت لك.. والدوحة خالية من غيرك..
مثل الكلام ذا..
حينها هتفت الهنوف بغضب: تركي عيب عليك..
تركي يكتم انفجاره في الضحك: زين قولي علومش لتركي..
تنهدت بغيظ: يعني وش علومي على ذا الرسالة الزفت.. والمشرف منشف رأسه في بعض النقاط.. ويبيها بكرة.. وأنا ماعرفت بالضبط وش هو يبي..
تركي بمودة: طيب قولي وش هي النقاط.. خلينا نتناقش فيها.. يمكن أعرف أنا وش يبي..
الهنوف بخجل: لا مافيه داعي..
تركي بإصرار: أنا مصر.. الرسائل الجامعية بالذات.. لازم تناقشين فيها أكثر من متخصص.. عشان تفتحين أكبر عدد ممكن من الأبواب..
الهنوف بذات الخجل: يعني مو تعب عليك..أخاف نطول..
(يا قلبي قلباه.. تقول تعب علي.. ودي تكلميني للصبح.. حتى لو بس تقرين علي الرسالة قراية)
هتف تركي بحزم: خلصيني يا الله وش ملاحظاته المطلوبة..
وبالفعل أخبرته الهنوف عن النقاط التي طلبها المشرف.. وأخبرها تركي ماذا يريد مشرفها تماما.. وبالتفصيل.. وأضاف لها بعض النقاط المهمة التي يجب أن تبحث فيها أيضا حتى تدعم الفصل الذي تعمل عليه..
كان حوارا جميلا طويلا.. أنعش قلب تركي المتيم... وأفاد الهنوف في عملها..
حين انتهيا.. همست الهنوف بامتنان: ما تتخيل كيف ساعدتني..ورح أقول للمشرف عن النقاط الذي ضفتها.. وإنك أنت اللي قلت لي عنها.. عشان يكون عنده خبر..
جد شكرا تركي.. شكرا..
رد عليها تركي بابتسامة ونبرة مق
صودة: شكرا تركي حاف..
الهنوف باستغراب: توك المكالمة اللي فاتت تقول لا عاد تقولين أبو عبدالمحسن..
الحين أقول تركي.. موب عاجبك.. وش تبي أنت بالضبط؟؟
تركي بذات النبرة المقصودة المغلفة بالخبث: شكرا تركي حبيبي..
شكرا تركي قلبي..
وش ذا الجفاف العاطفي اللي عايشين فيه؟؟
الهنوف شعرت بالصداع المفاجئ وكأنها ضُربت على رأسها ..
وهي تهتف من بين أسنانها: أنا أبي أعرف وش ذا الدكتور الوقح؟؟
حينها هتف تركي بخفوت ونبرة مقصودة تماما: وليه ما تقولين الدكتور المتيم؟!!
الهنوف شهقت وهي تغلق الهاتف وترميه بعيدا كأنه جمرة تلسع يدها..
وأصوات أنفاسها تتعالى بقوة..
وهي تذهب وتأتي في الغرفة.. ثم تقف في الزاوية وهي تكتف نفسها..
(وش تهدف له من ذا الحركات يا تركي الزفت؟!!
وش قصدك من ذا الأكاذيب؟؟)
احتاجت وقتا حتى تتماسك.. وتهدأ أعصابها.. قبل أن تعود لرسالتها وتبدأ بالعمل وفقا لنصائح تركي (الزفت)
في حينها رن هاتفها مرة أخرى ..
(لا يكون تركي الزفت مرة ثانية.. بانتحر.. وإلا بأرسل له قاتل مأجور لواشنطن يغتاله)
رفعت الهاتف فوجئت أنه عمها (غريبة عمي مانام لين الحين)
*****************************
" كلكم سويتوا مفاجأت دوري أنا أسوي مفاجأة
بدق على تركي ثم سعود ثم جابر وأخليك تكلمهم كلهم"
رد شهاب على متعب بحزم: تركي دق عليه بأكلمه..
الوقت عنده مناسب..
بس سعود وجابر.. الوقت متأخر.. يمكن قدهم نايمين..
بس أرسل لهم مسجات اعزمهم على غدا بكرة..
في حينها كان تركي مازال يعيش لحظات مابعد الهنوف.. على شفتيه ابتسامة حالمة وقلبه يكاد يشق أسوار قفصه الصدري خارجا..
وهو يهمس لنفسه كعادته كلما سمع صوتها
(وش ذا البلا اللي ربي صابني فيه؟؟
صيوت صادقة..
هذي عقوبة ربي لي...
على الثمان السنين اللي أنا معلقها فيها..
وهذي هي بتصير تسع سنين..
لكن هي اللي معلقتني..
أنا الحين 3 شهور ما تحملتها..
كيف هي تحملت؟؟
وكيف أنا بأتحمل؟!!)
رن هاتفه ليأخذه من أفكاره.. نظر للهاتف.. وهتف بابتسامة:
يا حيا الله أبو البنات الجميلات..
متعب ضحك: لا تسبع فيني.. ترا ماني مزوج بناتي الجميلات من عيالك القرود..
رد عليه تركي بابتسامة: من هنا لين نخطب بناتك العجايز..
متعب بمرح: خلك من القرقرة بتحفى أنت وعيالك على باب بيتي.. الحين أبيك تكلم رأس الجاهة اللي بيجون معك لا جيت تخطب بناتي..
استغرب تركي.. الوقت بات متأخرا في الدوحة.. من هذا الذي مع متعب في هذا الوقت المتأخر..
انسكب في إذنه عبر السماعة صوت ليس غريبا..
هتف تركي باحترام: يا هلا والله ومرحبا..
شهاب بمودته الجامدة: يا حيا الله أبو عبدالمحسن..
أشلونك وأشلون بنت عبدالمحسن.. وسند.. أخباركم كلكم؟؟
استغراب تركي اتسع.. من هذا اللي يسأل عن أخته ويعرفهم كلهم.. ثم فجأة لمع في ذاكرته الصوت الذي سمعه من فترة قريبة.. ولكنه لم يسمعه أبدا عبر الهاتف..
سمعه وهو يزوره قبل شهرين في سجنه في مصر..
هتف تركي بصدمة كاسحة: شـــــــهــــــــاب؟؟
شهاب؟؟ في الدوحة أنت؟؟ كيف؟؟
ابتسم شهاب نصف ابتسامته المعتادة: الله الله.. شهاب بشحمه ولحمه في الدوحة
ابشرك طلعت حسن سيرة وسلوك في ثلاث أرباع المدة..
حينها انفجر تركي بسعادة: يا الله والله إنها أحلى مفاجأة..
الحمدالله على السعادة.. الحمدالله على السلامة.. نورت الدوحة
الحمدالله على رجعتك لبيتك وهلك..
بعد انتهاء السلامات المعتادة.. هتف شهاب بحزم: تركي أبي أعلمك شيء..
تراني كلمت الهنوف...
تصاعد في نفس تركي استغراب وضيق وهو يهتف بنبرة محايدة:
كلمتها؟؟ فيه شيء؟؟
شهاب بذات الحزم: أبد مافيه شيء.. سلمت عليها..
وبغيتها تعرف إن لها أخ مكان متعب بن علي الله يرحمه..
أنت عارف قرب متعب الله يرحمه مني..
وهي أختي وأنت أخي.. وإن شاء الله ما يصير بينكم إلا كل خير..
بس إن صار يوم وضايقتها.. ترا الكلام بيكون معي أنا!!
تصاعد ضيق أعظم مغلف باستغراب في نفس تركي (هذا وش فيه طالع من السجن هداد!!)
ولكنه كتم ما يشعر به داخله وهتف باحترام:
أنت إخينا الكبير كلنا يا أبو طالب
وإن شاء الله الهنوف ما يجيها مني أدنى شيء يضايقها..
حينها هتف شهاب بحزم بالغ بما جعله يفعل كل ذلك..
وهو أمر مستغرب أن يجعل لهذا الأمر أولوية وهو للتو يعود للدوحة من ساعات فقط بعد غياب سنوات طويلة.. ولديه عشرات الأمور التي يجب أن تكون أولوية:
أشلون ما يجيها منك أدنى شيء يضايقها وأنت معلقها ثمان سنين يا ولد عمي؟؟!!!
*********************************
اليوم التالي..
" اسمعي دانة .. عندي كم شغلة بخلصها..
ثم بجي أخذش من الدوام
بس اسمحي لي..
ما أقدر أوصلش بيتش.. اعذريني..
بوديش بيتنا.. وعقب خلي سواق البيت يوديش لا جاب مزنة"
همست دانة بألم: خالد أنت قلت إنك بتتجاوز ذا كله..
خالد بحزمه الطبيعي الذي يخفي ألما غير طبيعي بالمرة:
قلت بتجاوز .. بس مابعد تجاوزت..
دانة أنا مالي إلا كل يوم.. من طلقت
أبي لي وقت.. عطوني وقتي..
مايصير الكل يضغط علي كذا..
ترا مشاعر الواحد موب ضغطة زر.. يضغط الزر ينسى كل اللي فات..
تتنهد دانة وهي تتذكر الوضع غير المعقول.. سواء وضع الجازي أو خالد..
الاثنان يحتاجان وقتا لبدء مرحلتهما الجديدة..
والاثنان يجابههما الكل بالضغط عليهما..
همست لخالد بمودة: زين فديتك أنا بعد بكرة بروح العمرة... تبي شيء توصي شيء..
شعر بأنفاسه ثقيلة ثقيلة وهو يهتف بحزم: بتودون الجازي
تسجد سجدة شكر لرب العالمين اللي خلصها من المتوحش؟؟
شعرت دانة بألمها يتزايد وكأن مافيها ليس كافيا.. مشاكلها وتوترها.. ومعاناتها:
خالد يا أختك ذا الحكي كله ماله داعي..
اتفقنا إنه أنت وهي رح تبدون صفحة جديدة..
هتف حينها بوجع عميق عجز عن احتماله وجع جعل قلب دانة يذوي تماما:
الصفحة عيت تنقلب يا أخيش.. عيت..
واقف عندها.. والوقت واقف.. والثواني واقفة..
مافيه شيء يمر..
بموت يا دانة بموت.. حاس إني أختنق بكل معنى الكلمة..
*************************************
الظهر...غدا مساعد لشقيقه شهاب..
كان المجلس الضخم مزدحما على أخره..
كان سعود يجلس بجوار شهاب.. ليحلف عليه أن يكون غداه عنده في الغد.. بينما شهاب كان مصرا على الرفض..
في ذلك الوقت كان جابر ومتعب متجاورين ويتحدثان مع بعضهما..
همس متعب لجابر باهتمام وبصوت خافت: وش صار على موضوع التلفون اللي قلت تبي تعرف صاحبه؟؟
جابر تذكر شجاره مع غالية ورفضها القاطع أن تعطيه الهاتف.. فهتف لمتعب بحزم: بعدين بعطيك إياه.. الحين مهوب عندي..
حينها هتف متعب بنبرة مقصودة: عطني إياه لا جيتك في مجلسك بكرة..
جابر بأريحية: يا حياك الله.. أجل تعشى عندي بكرة..
متعب بذات النبرة المقصودة: إذا جيتك وعطيتني طلبتي اللي أنا جاي لها.. تقهويت وتعشيت بعد..
"تعال تعشى عندي بكرة.. مع متعب"
كان سعود يستوي جالسا بجوار جابر في سيارته، فالاثنان جاءا معا.. والآن جابر سيعيد سعود إلى بيته..
هتف سعود بابتسامة: غريبة وش ذا الدعوة الرسمية؟؟
هز جابر كتفيه بتلقائية: وش دراني عن متعب؟؟.. كلمني برسمية إنه يبي يجيني بكرة..
وله عندي طلبة.. فقلت له تعشى عندي.. قال إني لا جاوبته فيها تقهوى وتعشى..
ارتعش سعود رعشة خفيفة لم تظهر أبدا عليه.. بدا له الأمر غير مريح (طلبة عند جابر.. وعشى وقهوة!!!)
كتم سعود كل مايفكر فيه.. وإن بدأ ذهنه يعمل بسرعة لربط بعض الاحتمالات والعلامات والإشارات...
فهو يعلم بوجود خلاف بين مها ومتعب..
ويعلم أن جابر عنده شقيقة ليست صغيرة في العمر بل عمرها يقارب الخمسة والعشرين عاما..
وكان الربط في ذهنه غير مريح أبدا..أبدا..
ولكن كان في باله شيء واحد.. كان متأكدا منه تماما..
يعرف متعب أكثر من نفسه.. يستحيل أن يفعل متعب شيئا كالذي خطر بباله دون أن يكون هو أول من يبلغه..
يستحيل أن يكون متعب يفكر بالزواج على شقيقته..
وإن كان يفكر فسيكون هو أول من يبلغه..
ومتعب رفيق عمره والعلاقة بينهما أكثر رسوخا من أي شيء..
ركن سعود أفكاره جانبا وهتف بحزم: إن شاء الله بتعشى معكم..بس ماني مطول معكم
أنت داري إني بعد بكرة رايح العمرة إن شاء الله
بعد دقائق كان سعود يدخل إلى البيت وتظهر على وجهه علائم الغضب والتفكير..
حين دخل إلى البيت..
كن سيدات البيت الأربع يجلسن في الصالة السفلية.. والدته وزوجته وشقيقتيه..
دخل وسلّم.. وهو يميل ليقبل رأس والدته.. ويدها..
ثم يشير لمها وهو يهتف بحزم: مها الحقيني غرفتي..
تفاجأت مها وابتلعت ريقها الجاف وهي تهمس بتوتر: إن شاء الله فديتك..
ثم مالت على إذن أختها الجازي وهمست بقلق مرح: هذي الدعوة المريبة ماصارت إلا مرتين
يوم خطبني متعب.. ويوم كان سعود يبي يخطب فاطمة..
وهذي الثالثة الله يستر.. من هي خطبته ذا المرة؟؟
ووقفت مها لتصعد خلف سعود وهي متوترة والأعين تتابعها..
ودانة تشير للجازي بإشارة (وش فيه؟) والجازي ترد بهز كتفيها دلالة الجهل..
مها تشعر في داخلها أن الأمر مرتبط بها وبمتعب.. فليس هناك موضوع معلق غيره..
خصوصا أن متعب أخبرها سابقا أن سعود يعرف أن بينهما شيئا..
مها طرقت باب غرفة سعود ودخلت..
كان يجلس على الأريكة مقابلا للباب.. مازال يجلس بثوبه بعد أن خلع غترته..
ومع ذلك كان شكله أبعد مايكون عن التلقائية والارتياح..
كان جالسا شابكا يديه أمامه.. وعلى وجهه علامات تفكير عميق..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ابتلعت مها ريقها للمرة الثانية.. شعرت أن شكله لا يبشر بالخير..
مع انعقاد ناظريه..
سعود حين انتبه لدخولها هتف لها بحزم: مها تعالي اقعدي..
جلست مها وهي تهتف بتوتر: سعود تراك خضيت بطني.. وش فيه فديتك؟؟
دخل سعود في الموضوع بمباشرته المعروفة الحازمة دون أي مقدمات:
وش بينش وبين متعب؟؟ قولي لي الصدق ولا تدسين شيء؟؟
مها لا تريد أن تتكلم.. وفي ذات الوقت لا تريد أن تكذب على سعود ..
لذا همست بحزم قدر ماسمح لها توترها.. فمازالت في حضرة سعود تشعر كما لو كانت في حضرة والدها:
بيني وبينه خلاف غير قابل للحل..
وهو اللي غلطان عليّ.. غلطان جدا.. وما أقدر أتقبله مرة ثانية..
فــ فـــ فطلبت منه يتزوج..
حينها قفز سعود واقفا.. ومها انكمشت قليلا.. وسعود يصرخ بحزم:
نعم.. عيدي... وش قلتي له؟؟
مها باختناق: اللي سمعته..
سعود يحاول التحكم بغضبه الذي تفجر: ويوم إنه غلط عليش الغلط الكبير اللي خلاش ما عاد تتقبلينه
ما وراش أخ تعرفين زين إنه بيسنع لش الرجّال؟!!
ليه ما علمتيني؟؟
أنتي منتي بأختي.. وهو ولد خالتي ورفيقي..
تشكين إني ماكنت أقدر أحل الموضوع مهما كان غير قابل للحل في نظرش؟!!
مها تنهدت وهي تقف مقابلا لسعود: أرجوك سعود.. موضوع خاص بيني وبين متعب
وحاولنا نحله بيننا ولا انحل..
سعود مازال يحاول كتم غضبه وهو يهتف بنبرة مقصودة: يعني أنتي شايفة إن الحل إنه يتزوج؟؟
مها بإصرار واثق: نعم.. النفس طابت منه..
ولولا بناتي كنت طلبت الطلاق..
سعود بصدمة: طلاق!!
مها بذات الإصرار الواثق: إيه طلاق.. عشان تعرف إن النفس طابت منه صدق
بس مثل ما قلت لك أنا بس عشان بناتي.. أبي يعيشون مع إبيهم..
ومتعب من حقه يكون عنده مرة تقوم بواجباته..
صمت سعود لثوان وهو ينظر لها بتركيز ثم أردف بثقة: أنا مارح أسكت.. لكن مارح أتدخل الحين..
لأنه مافيه مشكلة بين زوجين يكون هذا حلها..
ثم أكمل بنبرة مقصودة: وعلى العموم.. متعب خلاص سمع نصيحتش الثمينة العبقرية لحل مشاكلكم الزوجية..
حـــــيــــنــــها..
حــــيـــــنــــــــــها..
شعرت مها كما لو كانت ضُربت على رأسها وهي تدعي عدم الفهم: وش تقصد؟؟
سعود بذات النبرة المقصودة: متعب خطب.. وأتوقع ملكته وزواجه قريب..
مها جلست.. أو بمعنى أصح انهارت جالسة .. شعرت أن قدميها لا تحملانها..
شعرت بإحساس أشبه بانقلاب المعدة.. وألم مفاجئ قوي يتصاعد من معدتها إلى حجابها الحاجز..
شعرت أنها تريد أن تتقيأ.. وأن الشاي الذي شربته قبل قليل بدأ يطفو في سقف حلقها..
وأن الرؤية أمامها باتت غائمة.. وهي لا تستطيع أن تبصر سعود جيدا..
(ياربي .. وش اللي صار لي؟؟)
لا تفهم حتى ردة فعلها الغريبة!!
وإن كان سيخطب.. أو خطب.. أو تزوج..
ماهي المشكلة؟؟
لماذا تشعر كما لو أن جسدها قد شُطر شطرين.. لماذا تشعر بهذا الصداع الذي يفجر دماغها؟
أ ليس هذا ما أرادته؟؟
(موب أنتي الي قلتي له تزوج.. وماني بطايقتك..
أساسا أنا كنت مستغربة إنه ماخطب حزتها)
سعود بذات النبرة المقصودة: وش فيش؟؟ كنش تضايقتي؟؟
مها تختنق تختنق.. وتشعر أنها ستتقيأ بين لحظة وأخرى وتمنع نفسها..
ومع ذلك همست بحزم قدر ما استطاعت: لا أبد.. كيف أتضايق وأنا أصلا اللي طلبت منه..
وأبركها من ساعة.. جعل ربي يوفقه..
ثم سألت وهي تشيح بوجهها: ومن هي اللي خطبها؟؟ أعرفها؟
سعود بحزم لا يخلو من نبرته المقصودة: ايه تعرفينها.. وحدة من بنات الجماعة.. وأهلها أجواد..
وعمرها جدا مناسب.. أتوقع أصغر منش بسنتين...
وإن شاء الله أنتي وإياها تصيرون خوش ضراير..
همست مها بنبرة ميتة لا تفهمها: طيب من هي؟؟
سعود بحزم: مارح أقول لش الحين.. ولا أبيش تقولين الخبر لأحد.. لين تسمعينه من متعب نفسه..
لم يكن سعود متأكدا مما قاله أبدا..
لكنه أراد أن يقرصها حتى يرى ردة فعلها..
ومايراه في ردة فعلها.. كشف له الكثير.. الــكـــثــيــر..
طبيعة المرأة العصية على الفهم في كثير من الأحيان..
تشعر أنها لا تريده.. لكنها لاترضى أبدا أن تشاركها أخرى فيه..
حتى وإن بدت الفكرة لها بشكلها النظري مقبولة.. وهي من طلبتها وأصرت عليها..
ولكنها حال التطبيق بدت لها بشعة ومرعبة وجارحة.. ومؤلمة.. مؤلمة جدا..
سعود مازال يظن أن متعب يستحيل أن يفعلها دون أن يخبره.. دون أن يسعى معه لحل المشكلة بينه وبين زوجته..
يستحيل أن يكون زواجه على شقيقته.. هو الحل الأول..
لكن كلام جابر عن موعده مع متعب..
فتح له هذا الاحتمال حتى ولو بنسبة قليلة..
لذا وضع كل الاحتمالات في ذهنه..
*************************************
" حبيبتي بثينة ما تبين تجين؟؟ أجي أخذك؟؟"
أجابته بمودة: لا محمد فديتك.. مالحقت أقعد مع شهاب... البارحة تأخر في المجلس.. واليوم غداه في مجلسنا.. وعشاه في مجلس عمي..
أبي أقعد معه شوي بس شوي..
محمد بحماس ومودة: إن شاء الله بواجهه على الغداء أسلم عليه وأعزمه..
بس علميني وش صار البارحة؟؟.. سألتش البارحة.. قلتي لي بعدين أعلمك..
بثينة جلست وهي تهتف بمرح ومودة وتأثر: والله فيلم هندي يا محمد.. فيلم هندي..
البارحة لما كلمتني الجليلة وقالت لي تعالي..
أنت تذكر اللي صار.. أنا استغربت اتصالها والوقت متأخر.. وارتعت وخفت حد منهم فيه شيء.. وجننتك أسرع أسرع.. وقلبي يرقع..
دخلت البيت أركض أركض.. وحالتي حالة.. ونفسي طاير..وسحبت نقابي أتنفس.. وطارت كشتي..
دخلت لقيت أخواني كلهم قاعدين ..وسبحان الله ما انتبهت إنه معهم حد..
بعدين عصبت عليهم.. قلت أنتو مسوين فيني مقلب...
عقب وقف شهاب..
يوم شفت واحد فيهم وقف ودققت من اللي وقف.. فـــــــــورا..أغمي عليّ
محمد قاطعها قلقا ضاحكا: من جدش؟؟ أُغمي عليش؟!
بثينة بابتسامة وشجن: إي والله أغمي علي.. والمشكلة كنت واقفة عند الباب لا حولي حد يمسكني ولا كرسي أطيح عليه نفس الأفلام..
محمد حينها هتف بقلق: فيه شيء يوجعش؟؟
بثينة بذات النبرة الباسمة المثقلة بالشجن: لا فديتك والله مافيني شيء..
المهم أنا طحت عليهم.. طلعت عليهم المفاجأة أكثر من بيع السوق... ابتلشوا فيني..
حد يشيليني.. وحد يرشني بالماي..
وعقب وعيت وأنا في حضن شهاب ساندني وجالس جنبي على الأرض.. أنا شفت نفسي في حضنه..
دفنت نفسي في صدره.. وبكيت بكاء ما بكيته عمري كله..
يا عمري ابتلش فيني.. وكل شوي يقول لي بس يا أخيش..بس..
وشوي يعصب على الجليلة: ويقول ليش ماعلمتيها قبل.. ليش تروعينها؟؟
وشوي يرجع لي: ويقول لي محمد مسوي لش شيء؟؟
محمد ضحك: ياذا ال محمد المسكين.. اخوانش يسوون فيش مقلب.. تحطونها فيني؟!!
بثينة ضحكت: لأنه يقول على ذا البكاء كله أكيد محمد مسوي لش شيء..
ثم انحدر صوتها بحزن وحنين عميق: تدري محمد أنا كنت أعرف إني كنت رح أتأثر برجعته..
بس ماكنت متوقعة إني بنهار كذا..
يوم دخلت وشفته قدامي.. تذكرت إبي رحمة الله عليه.. مات ماعلي لسانه إلا شهاب..
وأنا واجد كنت مرتبطة بإبي.. يوم مات عمري15 سنة وكنت واجد متعلقة فيه.. أميرة ومساعد متعلقين في الجليلة..
والجليلة لاهية فينا وفي البيت.. ماعندها وقت تحك رأسها..
فكانت علاقتي فيه وعلاقته بي غير عن علاقتنا فيهم.. وكنت عارفة وش كثر ينتظر شوفة شهاب.. يوم شفته قدامي انهرت..
تمنيت إبي موجود ويشوفه ويفرح بشوفته..
يوم حضني حسيت بريحة إبي فيه والله حسيت فيها يا محمد.. نفس الريحة..
هتف محمد بتأثر: أفا يا بثينة.. وأنا ماكنت أب وأخ وزوج؟!!
مسحت بثينة دموعها التي حمدت الله أن محمد لا يراها: أنت الدنيا كلها...
بس وجود أخ وأب عزوة وسند ..أرض قوية الواحد يحس نفسه واقف عليها..
******************************
"البنات يدقون علي يبوني أجيهم داخل
أنا بروح لهم.. عاد فيه حد من الرياجيل بيجي؟!!"
مساعد ينظر لساعته ويهتف بحزم: إذا بتروح شوي وترجع.. ماعليه..
فيه رياجيل واجد مكلميني يقولون بيجون..
شهاب يتنهد بجمود: ماعليه شوي وأرجع عليك.. بس أسمح خاطر البنات شوي..
المشكلة معظم ذا الرياجيل اللي جايين ماعرفهم أو ما أتذكرهم..
حتى رجال أختك بثينة كم مرة يذكرني إنه رجالها.. ويحلف ويعزم
وأنا ما أتذكره كلش..
أخر مرة شفته يمكن عمره 12 سنة..
ثم أردف باهتمام: هو أشلونه مع بثينة؟؟
مساعد بتلقائية: محمد رجال والنعم.. باقي يحطها فوق رأسه..
شهاب بحزمه الغريب: خله لين أقعد معه.. عشان أعرفه زين.. وأبخسه.. (أبخسه=أعرفه حق المعرفة)
مساعد باستغراب: ليش تقول كذا؟؟
تنهد شهاب بثقة بالغة: مساعد يا أخيك.. لما تقضي 17 سنة في السجن.. يكون عندك وقت طويل.. طويل تدرس الناس من ملامحهم .. كلامهم.. ردات فعلهم..
الناس كانت تقضي محكومياتها سنة سنتين خمس.. ويطلعون وأنا جالس..
أنا صرت أعرف البريء من المجرم من أول يومين يقضيهم معنا في السجن...
أنا ما أقول محمد نفسه فيه شيء... أقول لك بس إني مابعد قعدت معه ولا عرفته..
*****************************
"مها اشفيش؟؟.. من يوم تكلمتي مع سعود وأنتي سكتم بكتم
حتى بناتش يحاكونش ماتردين عليهم"
كانت الجازي تهز مها بعنف وهي تكلمها حتى ترد عليها.. مها استفاقت وهمست بعدم انتباه:
بناتي؟!! يحاكوني؟!
وينهم؟!
الجازي باستغراب: اللي ماخذ عقلش!! بناتش خذتهم دانة..
قاعدين معها في الصالة اللي تحت..
مها وش فيش؟؟ سعود وش قال لش؟؟
مها تنهدت ثم همست بحزم: قال شيء بيني وبينه.. موب لازم أنتي تعرفينه..
الجازي بدهشة وعتب: مها تدسين علي؟؟
مها بغضب: لا حول ولا قوة إلا بالله... يا أختي أنتي لو قلتي لي سر.. تبيني أروح أقوله؟؟
الجازي بدهشة أعظم: منتي ب صاحية.. وش فيش تنافخين؟!
مها بتأفف: الجويزي ترا موب طايقة روحي.. فلا تخليني أنفس عليش!!
الجازي باستغراب متزايد: ليه يعني أنتي الحين موب منفسة ونص.. باقي تأكليني بقشوري...
مها حينها وقفت وهي تهمس بذات التأفف: بروح لبناتي أحسن من تحقيق الانتربول ذا...
الجازي شيعتها بأنظارها بذات الاستغراب.. ثم تنهدت وهي تراها تغادر وتغلق باب الغرفة ورآها..
(هذي الحين جاية عشان تأزرني..
وهي تبي حد يأزرها!!)
تناولت هاتفها وهي مازالت تطلق تنهيداتها.. كي ترسل رسالة مؤجلة من وقت طلاقها قبل أيام
(غالية .. أنا بعد بكرة رايحة عمرة سيري علي بكرة)
(مابغيتي يا حيوانة..
كم يوم أطارد وراش لين حنيتي علي)
(تعرفين زين أسبابي!!)
(أسبابش بليها واشربي ماها..
لا جيتش تفاهمنا)
بينما مها التي غادرت متوجهة إلى بناتها .. لم تتوجه لهم.. بل جلست في الصالة العلوية
تشعر أن جسدها خال من الطاقة..
قنبلة سعود التي فجرها فيها استنزفت طاقتها للحد الأقصى
تحمد الله أنها كانت في بيت أهلها..
لو كان سعود قال لها وهي في بيتها عند متعب.. لا تعرف كيف ستكون ردة فعلها؟
كان مظهرها ليكون غبيا ومحرجا أمامه..
ثــــــــم...
فجأة لمعت الفكرة في رأسها..
( يا النذل..
عشان كذا يوم قلت له بأروح بيت هلي
كنه العيد عنده..
أثره ناوي.. وأنا عطيته الفرصة باردة مبردة
يا من يمسكني رقبتك يا متعب
أدقها دق!!)
حتى هي عاجزة عن فهم نفسها.. عاجزة عن فهم هذه الفوضى والتناقض والغرابة..
(مها.. أنتي خبلة وإلا معش لوثة في مخش؟!!
موب أنتي اللي قلتي له
أرجاك روح أعرس موب طايقتك
وعدتيها عليه كم مرة..
ورفضتي أي حل ثاني
وش ذا الخبال اللي جاش يوم دريتي إنه بيعرس خلاص؟!!
ليه حاسة بنار تأكل كل شيء فيني؟!!
متعب مع وحدة ثانية!!
وحدة ثانية!!)
******************************
"شهاب فديتك خلني أصب لك فنجال بعد"
شهاب ابتسم بجموده المعتاد: حي ذا العين من قهوتنا.. شكرت يا أخيش.. أحس بطني صار كنه قربة من القهوة..
وأنتم مابقى قدوع ولا حلويات ولا فطاير ماحطيتوها.. وأنا عاد وراي عشاء في مجلس عمي..
تعالي اقعدي جنبي بس..
بثينة توجهت لتجلس في المكان الخالي جوار شهاب الذي كانت الجليلة تجلس جواره من الناحية الأخرى وتبتسم بمودة عميقة:
والله إنك ماذقت شيء فديتك..
في الوقت الذي قاطعتها بثينة بقلق: يمكن اللي سويناه موب عاجبك.. عادي.. قل لي وش مشتهي وأسوي لك..
في حين همست الجليلة بشجن مؤلم: شهاب تراني أعرف طبخات أمي كلها وبنفس طريقتها..
إذا مشتهي شيء كانت تسويه رحمة الله عليها..طالبتك تقول لي..
حينها اعترى ملامحه جمود مؤلم وهو يهتف: والله ما أبي شيء.. أبي اقعد معكم شوي وأروح للرياجيل..
مساعد يقول لي فيه رياجيل مكلمينه يبون يسلمون علي.. وقدهم على وصول..
بثينة بتأفف: ترا ماقعدت معك شهاب.. كل خمس دقايق داعينك للمجلس..
حينها ربت شهاب على خدها.. وهتف بحنوه الغريب الجامد بنبرة مثقلة بالشجن: ماعليه يا أخيش.. قدامنا عمر أوعدكم أعوضكم فيه..
ثم التفت لمن تجلس في زاويتها البعيدة صامتة وهتف بذات الحنو: أميرة ليه قاعدة بعيد.. اقربي..
هتفت بخجل مغلف بنبرة غريبة: مالي مكان..
الجليلة وقفت وهي تهتف بحزم: تعالي اقعدي مكاني.. أنا رايحة المطبخ.. أرتب فوالة للمجلس..
أميرة وقفت بتردد وشهاب يشير للمكان الخالي جواره الذي تركته الجليلة للتو..
جلست أميرة فيه وهي تشعر بعدم الارتياح المختلط بالخجل..
شهاب احتضن كتفيها بحنو بالغ وهتف في إذنها بنبرة مقصودة :
ترا غلا الجليلة وبثينة غلا خوات..
لكن غلاش أنتي غير..
أنتي غلاش غلا أخت وبنت.. لا تنسين ذا الشيء أبدا..
.
.
مع مغادرة الجليلة كان هاتفها يرن..
التقطت الهاتف وهي تهمس فيه بمودة عميقة: يا حيا الله الشعب الأمريكي العتيد..
جاءها صوت صيتة كعادته عذبا حنونا بمسحة حزن لا تخفى:
الحمدالله على سلامة أبوطالب..قرت عينش يا جيلو.. قرت عينش..
ما تمنيت شيء كثر إني أكون جنبش ذا اللحظة..
ابتسمت الجليلة وهي تدخل المطبخ: بشوفة نبيش.. والله يسلمش
وأنا والله تمنيت تكونين جنبي.. وتحسين بسعادتي ..
وأخيرا ياصيتة شهاب في الدوحة.. تتخيلين..
عقب ذا السنين كلها رجع لبيته وهله..
وعقبال ما نشوفش هنا حولنا وحوالينا..
صيتة انحدر صوتها بألم: الله كريم... تتحسن حالة عبود ونقدر نرجع..
الجليلة بذات المودة: إن شاء الله بيتحسن وترجعون..
أخبارش مع فهدة؟؟
أمس أكلمش وأنتو في السوق.. وشكلها موب راضية..وتتلحطم...
تنهدت صيتة: شخصيتها صعبة جدا يا جيلو.. ورأسها قوي.. وأنا ما أقدر أمارس دور التربية..ولا فيه وقت أمارسه..
كلها كم يوم يا دوب أستمتع بوجودها جنبي.. هذا إذا خلتني أستمتع أصلا وهي تبعدني وتقط علي كلام كل كلمة أكبر من الثانية..
ولا ألومها.. ألوم نفسي بس..
هي مجرد طفلة انحرمت من أمها..
ثم أردفت بوجع عميق: وبكرة بيرجعون.. وقاعدة أحاول أغلف أعصابي بالصبر قد ما أقدر..
أحس ماعاد فيني طاقة أتحمل..
وإني ممكن انجلط بكرة ..
*********************************
واشنطن قبل ست سنوات ونصف..
"غزيّل.. غزيّل.. يا الله.. وش تسوين في الحمام ذا كله؟!"
كانت صيتة تطرق باب حمام غرفة عبدالله في المستشفى.. الذي دخلت فيه أم عبدالله من عشر دقائق..
جاءها صوتها المكتوم من خلف الباب: شوي صيوت جايتش..
حينها عادت إلى عبدالله وابنتها التي تلعب قريبا من سريره.. أزالت الغطاء عن قدميه.. وهي تفحصها..
تنهدت بألم.. كانت حالته لا تتحسن.. مع كل الإمكانيات المتوفرة.. بات أقصى أمنياتهم ألا تتدهور حالته فقط..
كانت صيتة في مراحل تدريبها الأخيرة على المعالجة الفيزيائية.. في تخصص الأطفال بالذات.. لذلك ماتراه في عبدالله كان جارحا لها بعمق..
كانت تتفهم وضعه جيدا.. وترا أن فرص التحسن شبه معدومة..
كانت مازالت تتحسس قدميه وتثنيها قليلا حين خرجت غزيّل.. أعادت الغطاء على قدميه بسرعة.. همست غزيّل التي كان وجهها مازال محمرا:
أدري إن وضع أرجيله مهوب زين كلش.. مافيه داعي تدسين علي!!
صيتة بصدمة وهي تنظر لوجه غزيّل: غزيّل أنتي كنتي مسكرة على روحش في الحمام تبكين؟؟
غزيل تخفي وجهها وتهمس: لا ما أبكي يا بنت الحلال..
صيتة شدتها وجلست وأجلستها جوارها وهمست لها بحنان: غزيّل إذا ما بكيتي عندي.. عند من بتبكين..؟؟
احنا صديقات من أيام المدرسة.. أعرفش وأنتي دقماء وقبل يصير عندش شعر.. (دقماء: بدون أسنان)
حينها انفجرت غزيّل في البكاء مرة أخرى.. وكأنها تحتاج هذه الدعوة.. كانت تهذي بين شهقاتها:
أنا ماعندي خوات... وأخواني في قطر..
وأبوعبدالله ماعنده إلا سند..
ولا نقدر نرجع الدوحة مع وضع عبود..
وتقولين لي الحين إنش مع نهاية ذا الفصل بتخلصين وترجعين الدوحة..
وماكان مهون علي ذا السنتين إلا إنتي..
وأحاتي عبود.. ومضغوطة من كل صوب..
صيتة شعرت بحزن غزيل يتسرب لها.. همست لها بمؤازرة: غزيّل يا حبيبتي..
والله بجي أزورش..
غزيل بحزن عميق: بترجعين وتنشغلين ولا ألومش..
ثم أردفت بحزن أعمق واعمق: تعبت يا صيتة تعبت..ودي أرجع ديرتي..
ودي أخذ ولدي ونرجع.. مهما كان الواحد في ديرته غير.. تعبت من الوحدة والغربة..
صيتة كأنها تكلم نفسها : ماحد يقدر يهرب من ضغوطاته ولا أحزانه..
وراه في كل ديرة ومكان بيروحه..
هذا أنا جيت هنا مع تركي.. أحسب إني بالدراسة وتغيير المكان بقدر أتجاوز صدمة موت صقر قدامي..وبنتي في يدي عمرها سنة..
ولا قدرت.. ولا أظني في يوم بقدر.. حسرته بتقعد في روحي لين أجتمع أنا وإياه..
***************************
"غريبة توش جايبة البنات معش أمس
وجبتيهم اليوم بعد.."
تبتسم دانة وهي تعدل جلسة غلا أصغر بنات مها على قدميها: مها تعبانة شوي ورأسها يوجعها وماطلعت من غرفتها..
والبنات ضايقين.. قلت بطلعهم.. هم اللي قالوا يبون يجونكم..
مزنة تطعم نورة الوسطى بين البنات وهي تهمس بحنو: إي والله مسوية خير.. تسوين جو في بيتنا ..
إبي الحين إذا جاء بيتسانس عليهم.. ورويم بتطلع اللي وراه من السوالف والقصص..
حينها همست دانة بقلق: إبي أخبار صحته الحين؟؟
مزنة بقلق مشابه: موب زين يا دانة.. وهو مصر إنه مافيه شيء..
ثم أردفت برجاء: أنتي عنده غير.. حاولي فيه يروح المستشفى أنا وخالد نشف لساننا معه..
دانة بذات القلق: وقالش إني ماطلبت منه وألحيت.. أنا حتى موعد سويت له.. وانتظرت في المستشفى أحسب إنه بيجيني..
تخيلي ما جاء..
"يه يه يه.. وش ذا الزين اللي عندنا في البيت؟!!
أميرات متعب عندنا"
البنات حين رأين خالد ركضن له.. حتى صغراهن ذات العامين تهادت إليها بسمنتها اللطيفة..
حملها خالد وهو يغمر وجهها بالقبلات ويهتف لدانة بمرح:
يا دكتورة قولي لمها تخف على غلاوي... كسرت ظهري..
دانة تضحك: والله قلت لها.. تقول المتن عليها يهبل..
خالد يقرص خدها ويهتف بمودة: أما يجنن يجنن..
وين خداماتهم بوديهم البقالة؟؟
دانة برفض: توك تقول خلي مها تخف عليهم.. أنت خف عليهم.. موب معقول كل مرة لازم توديهم..
خالد يسحبهم معه.. ويشير للخادمتين أن تتبعاه.. ويهتف برفض: موب شغلش.. موب حبتين ذا الحلاوة اللي بتذبحهم..
حين خرج خالد... مزنة التفتت لدانة وهمست بخفوت: تسأليني عن إبيش... وأنا بسألش عن خالد..
أشلون خالد؟؟
تنهدت دانة بحزن: خالد رجّال.. والحياة لازم تمشي..
******************************
اليوم التالي..
" غريبة جاية الجامعة بدون الجليلة..
بنكتبها في التاريخ"
أميرة بتأفف: حتى أمس جيت بروحي..الجليلة لاصقة في شهاب..
اليوم مصر إنه يروح الكبرة يشتري الخضرة وثم يشتري ميرة البيت كلها بنفسه..
وهو أساسا مايدل شيء.. ولا يعرف وش يشتري.. راحت معه الجليلة عشان تدله الأماكن.. ويتشرون سوا..
زين إنه عاده متذكر كيف يسوق؟؟
حينها أشرق وجه ضي: إيه ماباركت لش فيس تو فيس.. باركت لكم بالتلفون بس..
الحمدالله على سلامة أخيكم..
قرت عينكم..
أميرة ابتسمت بتلقائية: الله يبارك فيش..
ضي بنبرة مقصودة: ليه أحسش موب مبسوطة.. وتتلحطمين..
أميرة بحزن: الجليلة لهت عني مرة وحدة.. تخيلي يومين ما حتى قعدت معها نص ساعة
مشغولة بشهاب بس..
وصار لها يومين ماحضرت المحاضرات..
تخيلي مساعد يوصلني.. عشان تقعد مع شهاب..
الاثنين قايمين من فجر.. ومن صلاة الفجر وروسهم في روس بعض..
وش يقولون ذا كله ما أعرف.. الكلام بينهم ما يوقف.. وبثينة معهم على الخط..
وأنا أستحي أقعد معهم.. موب متعودة على شهاب وأستحي منه..
مع إنه والله لطيف ويحبني.. بس أنا ما تعودت عليه..
أحسه شخص غريب.. وحتى شخصيته غريبة غير مفهومة..
حنون وجامد في نفس الوقت.. وفيه شيء يخوف..
ابتسمت ضي: ما عليش.. الدم يحن... كلها كم يوم وتصيرين تهذرين به نفس الجليلة..
ويا أختي أحسن عشان تفكين من الجليلة شوي..
ثم أردفت وهي تنظر لساعتها: غريبة باقي دقيقة وتبدأ المحاضرة والإمبريالي ماوصل..
مع انتهاء عبارتها كان فرات يدخل إلى القاعة ملقيا التحية.. وأميرة تهمس لضي بمرح خافت: يضبطون عليه الساعة..
ضي بخفوت باسم: عطيه عين.. ابطحيه في القاعة الحين..
فُرات حين دخل.. فورا توجهت عينه إلى حيث تجلس الجليلة.. كان مكانها فارغا..
توقع أنها قد تكون غيرت مكانها..
ولكن حين نادى أسماء الحضور كانت متغيبة مع أن أختها حاضرة..
هتف بسخرية في داخله
(وش متوقع منها؟
عــــربـــيــــة!!
عاطفية.. وعقلها ناقص..
وخذت الموضوع بشكل شخصي..
كلهم سواء مهما كانت ثقافتها أو اطلاعها
مهما تحسن الظن في وحدة
التجربة تثبت لك إنها نفس الطينة الرديئة)
***************************
(لف يمين فديتك..
فديتك يمين..
تعدينا اللفة خلاص..
عادي فديتك.. فيه دخلة ثانية..
قدام شوي)
شهاب يركز النظر أمامه ويهتف بحزم لا يخلو من حزن:
كل شيء تغير علي يا أخيش.. الدوحة كلها تغيرت
عــــمـــــر.. 17 سنة مرت..
ابتسمت الجليلة: بس الكبرة في مكانها.. أنت اللي مضيع..
وصلا للمكان بعد عدة توجيهات من الجليلة.. كان شهاب يوقف السيارة وهو يهتف للجليلة بحزم: جليلة أنا ما أبي أكون مستعجل في رسم تصورات معينة..
أنا توني مالي يومين في قطر..
بس اللي لاحظته إنه تعلق أميرة فيش مهوب طبيعي... ومساعد أكد لي ذا الكلام بعد..
وقال فعلا إنها متعلقة فيش تعلق مرضي..
تنهدت الجليلة بمودة: ماعليه شهاب فديتك لا تشغل بالك الحين.. بنتكلم بعدين فيه..
الحين احنا عندنا مهمة ندلك الكبرة..
ونتشرى ميرة البيت..
كان شهاب ينزل من السيارة وهو يهتف: موب بعدين إذا رجعنا البيت تكلمنا..
ثم أردف بحنين عميق موجوع وهو ينظر حوله: أخر مرة جيت هنا..
كنت جايب أمي.. المكان موجود.. وأمي راحت.. راحت..
***********************************
"صيتة الله يهداش..
وش ذا البكاء كله؟!!
قطعتي قلبي.."
صيتة مازالت تنتحب بشفافية وهي تنظر لتركي وجواره فهدة التي تشيح نظرها عن والدتها بجمود..
ومن ثم تنقل نظرها إلى حقائبهم المرتبة بجوار الباب كأنها أعمدة مشانق تشنق روحها..
تشعر أنها ستموت فعليا وهي ترى فهدة تغادرها.. وهي مازالت لم تشبع حتى من تنفس رائحتها..
تركي يقوم من مكانه ليجلس جوارها ويحتضن كتفيها لتستدير وتدفن وجهها في صدره وهي مازالت تنتحب بخفوت..
تركي احتضنها وهمس في إذنها بحنو: صيتة تعالي لنا لو أسبوع وارجعي..
صيتة همست في إذنه بخفوت وروحها تشعر كما لو كانت أرض معركة محترقة:
وعبود يا تركي.. عبود.. وصية غزيل لي وهي تموت..
أنت داري إنها حلفتني ما أطلع من ديرة هو فيها.. ولا أخليه بروحه..
ثم أنّت أنينا موجوعا.. أنينا يسلب روحها سلبا: كسرت ظهري يا أختك بوصيتها..
كسرت ظهري!!
وين ألقي وجهي؟؟ وين ألقيه؟؟
************************************
"يا حيا الله الشباب..
وش ذا الساعة المباركة؟!"
سعود يبتسم: اللي يشوف ذا الترحيب يقول إنك مستغرب منا.. توك شايفنا البارحة..
جابر يضحك: وش أسوي بمتعب حسسني فيه شيء رسمي.. عشان كذا أرحب فيكم بشكل رسمي..
سعود نقل بصره إلى متعب.. كان يحاول دراسة ملامحه.. ويستشف منه الأمر الذي دفعه لهذا الأمر المريب..
وكان متعب معقود الناظرين..وهو يهتف لجابر بحزم:
وأنا فعلا جايك بشكل رسمي..
وأتمنى إنك ما تردني..
**************************
مضت ساعة منذ وصولها..
وهي تجلس على ذات المقعد .. مغلفة بالجمود..
وتمسح بين الحين والآخر دمعات تحاول كتمها بشدة..
رغم أن وجهها المتفجر بالاحمرار لا يمكن إخفائه ولا كتمه..
كانت تمسح دموعها بسرعة وتظن أنه لا ينتبه لها..
لأنها تراه منشغل بكتاب يقرأه.. ولا تعلم أنه اتخذ الكتاب ذريعة لمراقبتها..
كان الألم بداخله يتسع.. ويتسع..ويــــتـــــســــع..
حزنها ينحره من الوريد إلى الوريد..
يتمنى لو كان بيده وسيلة يستطيع بها أن يخفف عنها ولو قليلا..
طلب منها أن تعود مع تركي وفهدة.. وإنه سيأخذ إجازة وسيتفرغ لعبود بشكل كامل..
ولكنها رفضت..
يشعر أنه أناني وزوجة شقيقه الراحلة أنانية.. وهما يقيدان حياة هذه المسكينة بهم ولهم..
حياتها كلها أصبحت تدور حولهم.. رغما عنها..
فقدت كل شيء تحبه تنفيذا لوصية الراحلة.. وفاء بأمانة تنوء بها ظهور الجبال وهاهي تحملها صامتة.. دون أن تشتكي أو تتذمر..
كانت في داخلها مطمئنة أن الله لن يخذلها لأنها قامت بهذا اليتيم المريض وحافظت على وصية صديقتها الأخيرة وهي تموت..
ولكنها كانت تخشى من خذلان البشر..
والكل خذلها.. حتى أقرب البشر.. أمها وأبوها..
تذوي اشتياقا لهم.. والكل يجابهها بالقسوة.. وكأنهم يريدون معاقبتها على ذنب لم ترتكبه..
يعاقبونها على أنها كانت أكثر وفاء مما يلزم في رأيهم..
يريدون منها أن تخون الأمانة والوصية..
وهي لا تستطيع لا تستطيع..
كيف تستطيع التعايش مع الحياة لو فعلتها.. كيف تعود لهم وهو هناك (أمانتها) خلفها؟؟
هـــــو..
في زاويته وينظر لها في زاويتها .. كانا قريبان.. بـــعــيــــدان..
بينهما سرير عبدالله كأنه المحيط.. ضخامة وابتعادا ومسافةً..
كان سيموت كي يحتضنها.. يحتضنها فقط..
ولكنه من تجارب سابقة.. يعرف أنها لن تقبل..
ست سنوات مضت من زواجهما.. لم يتقابلا فيها إلا داخل هذه الغرفة
إن كان هو في البيت أو العمل.. فهي ستكون في المستشفى..
وهي لن تعود للبيت إلا إن كان هو في المستشفى..
علاقتهما يعجز عن وصفها... بالتأكيد صديقان عزيزان..
ولكنهما صديقان بينهما الكثير من الحواجز..
فحتى الصديق يستطيع احتضان صديقه او الإمساك بيده..
لكنه لا يستطيع.. ولا يجرؤ.. بعد محاولاته التي صدتها في عامهما الأول..
وهو يخشى من كل شيء قد يضايقها.. أو يحزنها..
يعلم أنها وافقت على الزواج منه مجبرة بعد وفاة شقيقه وزوجته في حادث السيارة إياه قبل ست سنوات..
حينها كانت من قالت لتركي: قل لسند إني موافقة عليه..
في ذلك اليوم كانت هي من بقيت عند عبود الصغير.. بينما غزيّل وزوجها كانا متوجهان للسفارة لتجديد جوازات السفر..
تذكر ذلك اليوم وتفاصيله مؤلم له ولها..
هو فقد شقيقه الوحيد.. وهي فقدت حياتها كلها..
ينظر الآن إليها.. ويعلم مقدار الحزن والفجيعة والفقد في داخلها.. وابنتها تغادرها..
بعد عامين لم تراها فيهما..
ولا تعلم متى ستراها مرة أخرى..
يعلم أنها تحمل في داخلها من الحزن والوجع ما يكفي الكون بأسره..
يود لو استطاع أن يقف على ركبتيه أمامها وهي جالسة في زاويتها تلك..
ليغمر وجهها بقبلاته.. ويخبرها كم هي عظيمة!! ونادرة!!
وكم هو يحبها!!
وكم هو سعيد لأن الله استجاب دعواته أن تكون من نصيبه!!
يريد أن يخفف عنها.. ويجعلها تسكب بعض وجيعتها بين أضلاعه..
ولكن التمنيات أكبر من الاحتمالات والمتوقع..
+
مضت ساعة أخرى.. وهما جالسان وصامتان..
والأفكار والأحزان واليأس والأمل تعصف بكليهما..
حـــــيـــنـــــها..
وقف سند متوجها لها..
"يا حيا الله الشباب..
وش ذا الساعة المباركة؟!"
سعود يبتسم: اللي يشوف ذا الترحيب يقول إنك مستغرب منا.. توك شايفنا البارحة..
(مستغرب هنا ليست بمعنى مندهش بل معناها رأيتنا بعد غربة)
جابر يضحك: وش أسوي بمتعب حسسني فيه شيء رسمي.. عشان كذا أرحب فيكم بشكل رسمي..
سعود نقل بصره إلى متعب.. كان يحاول دراسة ملامحه.. ويستشف منه الأمر الذي دفعه لهذا الأمر المريب..
وكان متعب معقود الناظرين..وهو يهتف لجابر بحزم:
وأنا فعلا جايك بشكل رسمي..
وأتمنى إنك ما تردني..
جابر بمرح لا يخلو من التوتر: متعب تراك لعبت في أعصابي.. من أمس أفكر وش اللي أنت تبيه مني..
متعب تنهد ثم هتف بحزم: أنا أعرف إنك ترفض رفض قاطع تكلم حضرة اللواء في أي موضوع يخص شغله السابق..
بس ماعليه ذا المرة عشاني.. كلمه.. تكفى يا جابر..
والله إن الموضوع بسيط جدا بالنسبة له..
تغير وجه جابر تغيرا كبيرا وهو يهتف بحرج وحزم:
متعب أنت وسعود أقرب لي من أخواني..
ولو تبون روحي عطيتكم إياه بدون ما أفكر..
لكن أنت عارف إنه خالي جبران مايحب حد يذكره بشغله قبل أبد..
خصوصا إنه متقاعد من أكثر من ١٠ سنين..
متعب برجاء أخوي حازم: جابر طالبك تكلمه لي.. حضرة اللواء جبران من أكبر القادة السابقين..
وقائدنا الحالي موقف ترقيتي صار له 6 شهور.. وهو من تلاميذ حضرة اللواء..
أنا ما أطلب شيء مخالف ولا ضد القانون.. أنا أطالب بحقي..
أعرف إنه تلفون من حضرة اللواء.. بيخليه غصبا عنه يمشي ترقيتي..
هو موقفها عناد بس..
لكن لا كلمه حضرة اللواء بينحرج..و مارح يرده..
والله إني ماكلمتك.. إلا عقب ماجربت كل الطرق الأخرى.. ولا شيء فاد..
كان سعود يستمع للحوار الدائر وهو يتنفس الصعداء... نفس عميق من الراحة تصاعد في داخله..
أن متعب يستحيل أن يخذل شقيقته أو يخذله..
وأن كل ماخطر بباله لم يكن له نصيب من الصواب..
وأن متعب هو متعب كما يعرفه حق المعرفة..
وبعد الراحة تلك قرر سعود مساندة متعب كما يُفترض منه وهو يهتف بحزم:
جابر إذا مستحي تكلم حضرة اللواء.. كلمناه..
بس حن ما نبي نتعدى عليك..
لأنه نعرف إنك ماتحب حد يكلمه بشكل مباشر..
ترا كل السالفة تلفون.. متعب ماطلب شيء كايد..
تنهد جابر بحزم: أنا مستحيل أفرض على خالي يكلم من ومن اللي يكلمه..
خصوصا واحد في عمره ومكانته..
أنا بس حانّكم وحانّه.. (حانّكم: مشفق عليكم، حانّه: مشفق عليه)
على العموم هو على وصول عشان يتعشى معنا..
كلموه بنفسكم.. أنا مارح أتدخل.. كني ما أعرف شيء..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
******************************
مضت ساعة أخرى.. وهما جالسان وصامتان..
والأفكار والأحزان واليأس والأمل تعصف بكليهما..
حـــــيـــنـــــها..
وقف سند متوجها لها..
صيتة لم تنتبه له حتى شعرت بجلوسه أمامها على ركبة واحدة.. صيتة تأخرت بحرج وهي تمسح وجهها..
وكأنها تمسح غلالة حزنها.. بقايا أشجانها.. انكسارات روحها..
ملوحة دمعها.. خطوط دموعها التي شقت لها طرقات.. وبنت مدنا ومجاهل على صفحة وجهها الندي..
همست بحرج: السموحة سند..
والله مو قصدي أسفهك (=أتجاهلك) وأنا ساكتة ذا كله
أنا آسفة..
سند مد كفيه ليثبت كفيها على مسندي الكرسي..
واقترب منها رويدا رويدا حتى ألصق خده بخدها... كان يرتعش رغما عنه..
قربها يسكره.. رائحتها تسكره.. شعوره بذبذبات جسدها قريبة كهذا يسكره...
قرّب شفتيه من إذنها وهمس في داخل إذنها بخفوت حتى لا تتبين انقطاع أنفاسه الناتج عن ارتفاع دقات قلبه وصخبها:
أبي أعرف أنتي ليه شايفة لكل الناس حق عليش؟؟
ليش تعتذرين عن ذنب ما سويتيه؟؟
وليش إذا أنتي حزينة ومتضايقة ما تسمحين لي أكون جنبش وأشيل معش؟؟
ليه تبعديني كذا؟ ليه؟!
صيتة دفعت مقعدها للخلف.. وخلصت يديها من يديه.. لتبعد مدى خدها عن خده..
لتتسع المسافة بينهما... دون أن تعلق أو تتكلم..
حينها شعر سند ببرودة لاسعة تحتاجه.. كأنه ضربته عاصفة جليدية بشكل مفاجئ..
وهو من كان يشعر بحرارة لاهبة لذيذة تشوي جوفه وتنعشه في ذات الوقت
انتقل من النقيض إلى النقيض دون مقدمات.. اُنتزع من عوالم سماوية.. لتُدك عظامه دكا..
وهو من كان للتو يتنفس عبقها من قرب.. وكل مافيه يستحثه للمزيد ...
كان يتمنى بكل وجع روحه أن لا تخذله وتبتعد.. تمنى أن تروي بعض ضما روحه العطشة..
فقط ببقائها هكذا قريبة.. لا يطالبها بأي شيء أكثر من الثبات على وضعهما الحالي..
خده بخدها.. يتنفسها من قرب..
ولكنها ابتعدت.. قذفت به من سماواته.. لقسوة أرضها..
لم يعتب أبدا عليها... فهي لو لم تفعل ذلك لن تكون صيتة التي يعرفها.
تنهد سند بكل ذلك اليأس الذي يبدو أن لا بارقة أمل فيه..
وهو يقف ويجلس على مقعد قريب منها ويهتف بحزم رغم أن داخله ينهار:
صيتة أنا بحجز لش ترجعين الدوحة.. على أقرب رحلة...
تنهدت صيتة بحزم رغم أن ما بداخلها ينهار أيضا:
لا تحجز.. بتروح التذكرة عليك خسارة
عبود مارح أخليه وراي
ولا رح أركب طيارة إلا هو قدامي فيها...
سند أنا خسرت كل شيء عشان عبود...
وخسرت كل معاركي في الحياة عشانه..
مارح أخسر معركتي الأخيرة اللي أخوضها الحين عشانه..
عبود بيتحسن قريب إن شاء الله.. ونرجع أنا وإياه لقطر..
لم يفت سند الموجوع أنها قالت (أنا وإياه)
هـــــــو لم يكن له وجود في الصورة..
تبدو كل مفارق الطرق بينهما: فـــــــراق
في واشنطن.. في الدوحة..
في وجود عبود.. في عدم وجوده..
لا تكتمل الصورة بهما معا!!
***************************
"فهدة حبيبتي..
ترا مافيها شيء إذا بكيتي..
ترا حتى أنا أبكي أحيان.. البكاء موب عيب ولا حرام"
فهدة بجمود شرس تخفي خلفه بحيرتان من الدمع تتأهبان للانسكاب:
تبي أنت تبكي كيفك.. أنا ما أبي..
تركي بحنان عميق: زين بأبكي أنا وإياش..
تنهدت فهدة وعبراتها تخنقها : خالي عمري ماشفتك تبكي.. وأحس إنك ماتعرف تبكي...
ابتسم تركي بحنان: جربيني.. يمكن تعلمت..
حينها هتفت بحزن عميق: ظنك أمي زعلانة علي؟!!
تركي بمودة عميقة: أمش ماتزعل من أحد.. عشان تزعل منش..
أردفت بحزن أعمق: بس أنا زعلانة عليها.. أنا والله أحبها وأحب عمي سند.. وأحب عبودي.. وكنت مبسوطة معهم.. ليه رجعتني؟؟ ليه؟؟
تركي بألم: حبيبتي فهدة يعني ما تذكرين اللي صار؟؟ ترا ماعاد باقي إلا يأخذونش منا..
كل يوم ناطين عند صيتة في المستشفى وإلا عندي في البيت..
أمش كانت مرعوبة ماتنام الليل ...بتموت من الخوف عليش..
فهدة بعناد وصوتها تتغرغر: كان خلتهم يأخذوني أحسن..
وش ذا الحياة البيض؟؟ الحياة الزفت؟؟
ثم أدارت وجهها للنافذة وهي تخفي وجهها فيها..حزنها اخترم روح تركي..
وهو يمنحها المساحة التي تحتاجها دون أن يحرجها..
كيف تحتمل هذه الصغيرة كل هذا الحزن؟؟
وكيف يُكتب عليه أن يكون دائما في قلب المعمعة قديما وحاليا
تنهد تركي بوجع.. وهو يستعيد ماحدث قبل 4 سنوات..
وكان سببا رئيسيا في استعجال صيتة في إرجاع فهدة إلى الدوحة..
أعاده من تفكيره الذي استغرق وقتا طويلا صوت فهدة تهمس بعد أن تماسكت..
كي تظهر نفسها بمظهر عدم المهتمة: خالي بدل منت تبيني أبكي.. وتبكي معي
ليه ما تبكي مع الهنوف؟؟ موب هي
زوجتك؟؟
اسم الهنوف أشعل كل مجسات الاستشعار في جسده وعقله وتفكيره وروحه وهو يهتف بدهشة: وليه أبكي مع الهنوف؟؟
فهدة بعدم الاهتمام الذي تقصد به إظهار نفسها قوية: لأنها 24 ساعة تبكي..
تركي استدار بجسده كاملا لفهدة وهو يهتف بجزع: كيف 24 ساعة تبكي؟!!
فهدة بذات عدم الاهتمام: كيف (كيف تبكي؟).. تبكي: تصيح وتطلع دموع وتدس وجهها في المخدة.. يعني تبكي مثل أي حد يبكي..
جزع تركي يتزايد: مو كأنش تبالغين شوي..؟!!
كان تركي يعلم يقينا أن الهنوف تتسربل حزنا يكسيها من رأسها لقدميها..
وأنها لابد ستبكي من وقت لآخر.. لكنه لم يتخيل أن هذا الحزن يُترجم إلى بكاء صريح ومتكرر ومستمر..
لا يعلم بدت له الهنوف أقوى من أن تبكي بالصورة التي وصفتها فهدة..
تركي أردف بذات الجزع: وأنتي متى شفتيها تبكي؟؟
فهدة بتلقائية: كل مادخلت غرفتها
خصوصا في الليل..
هي طبعا تدس وجهها عني..
وتسوي روحها ما تبكي...
نفس ما أمي تسوي بالضبط..
زفر تركي أنفاسا ثقيلة.. مؤلمة..
(أنت عارف إنها طول عمرها حزينة
وحزنها موجعك
وش اللي تغير؟)
(بس إنها تبكي.. وأنا معها في نفس البيت
ولا في يدي شيء أسويه
أجعني ذا الاحساس ..
اجعني جدا
ذبحني!!
يا الله !! يا الله !!
وش بيقرب ذا الثمان شهور وأسبوع اللي بقت؟ وش بيقربها؟؟)
*****************************
" يا الله علميني وش سالفتش أنتي وأميرة؟؟ "
تنهدت الجليلة بمودة: يا أختك مافيه سالفة.. أمي ماتت عمرها أربع سنين.. ولا قدامها غيري.. تعلقت فيني..
شهاب ينظر لها نظرة مباشرة: الجليلة .. أمي ماتت الله يرحمها عمر بثينة عشر سنين وعمر مساعد ست سنين.. وربيتهم كلهم.. والنعم وتسلم يمينش على التربية..
وش معنى أميرة؟؟
ابتسمت الجليلة: وترا أميرة والنعم بعد.. صحيح متعلقة فيني.. بس تراها سنعة وراعية بيت.. ومنطوقها زين..
ماعليك من قطاتها عليك.. تراها شوي غيرة عليّ..
وأنا بسنعها..
شهاب بصرامة ومباشرة: الجليلة أنتي لمتى تلفين وتدورين؟؟ علميني وش السالفة..
تنهدت الجليلة بحزم: بس توعدني وعد السالفة ذي ما تقولها قدام أميرة ولا بثينة..
شهاب بذات الصرامة : الجليلة ماتشرطين علي أقول لمن وما أقول لمن..
حينها هتفت الجليلة بصرامة مشابهة: لو ماوعدتني مارح أقول لك شيء..
شهاب بحزم: مارح أوعدش وأنا ما أعرف وش طبيعة السالفة..يمكن لازم أقولها لهم..
تنهدت الجليلة بحزن: يعني ما تثق فيني؟!!..
أنا أقول لك لا تقول لهم.. لأنهم أصلا يعرفون السالفة..
بس أنا ماصدقت إنهم نسوا السالفة أصلا أو تناسوها.. وما أبيهم يتذكرون..
شهاب بقلق متفجر: جليلة تراش روعتيني..
خلاص والله ما أقول لأحد.. علميني بس!
********************************
في مجلس جابر بعد العشاء الذي كان مبكرا لأن سعود يريد المغادرة..
يجلسون أربعتهم..
الجد جبران وجابر ومتعب وسعود..
متعب تنحنح وهو يشعر بالحرج.. (فحضرة اللواء جبران) أشبه بالأسطورة في مجال عمله في الدفاع المدني..
وهذا سبب لتردده وتوتره.. والسبب الثاني أن حضرة اللواء لا يحب أن يذكره أحد بعمله السابق..
لذلك كان محرجا جدا من مفاتحته..
سعود شعر بحرج متعب.. فمال عليه وهمس في إذنه: تبيني أكلمه؟
متعب برفض: لا بأكلمه بنفسي..
تنحنح للمرة الثانية.. وهتف باحترام بالغ: حضرة اللواء..
التفت له الجد جبران وهتف بمودة بنبرته اللطيفة المعتادة: أنت داري يا أبيك إني ماعادني ب لواء.. ذاك زمان مضى..
قل لي يبه جبران وإلا أبو جابر.. أحب ما عليّ تدعيني باسم ولدي ذا اللي مارزقني ربي من العيال غيره...
قالها وهو يشير لجابر الذي ظهر التأثر على وجهه مثل كل مرة يسمعه يقول هذا الكلام..
الجد جبران يقيم عند جابر منذ تقاعده تقريبا..
بعد أن طلب من أخته وأبنائها أن يسكنوا معه في بيته الكبير..
لكن صقر وجابر رفضا ذلك..
فكيف يتركون بيتهم؟!
وطلبوا منه أن يحضر هو للسكن معهم... فهو واحد وهم جماعة..
ولكنه كان يرفض ذلك دوما..
فرجل في مكانته كان سيل الضيوف لا ينقطع عن مجلسه...
ولكن بعد تقاعده وانعزاله عن معظم علاقاته السابقة...
حلف عليه الشابان أن ينتقل للسكن معهما بعد أن بنيا له ملحقه الذي يسكن فيه الآن...
كان الملحق أشبه بفيلا صغيرة أرضية في طرف ساحة البيت الواسعة..
لا يسكن معه فيها إلا عامل يخدمه ..
لأنه حتى سائقه كان يقيم مع بقية العمال في غرفهم الملحقة بالمجلس..
ولو كانت ظروفه الصحية والنفسية كما كانت سابقا لم يكن ليوافق إطلاقا أن يترك بيته..
الذي تركه الان مسكنا لمجموعة من العوائل المحتاجة لا تستطيع دفع اجار للسكن..
متعب هتف باحترام بالغ: تدري إني قد حاولت كم مرة ولا قدرت
ما يطلع من لساني إلا حضرة اللواء..
الجد جبران حينها ابتسم وهتف بنبرته الوادعة الودودة: زين وش أنت تبي من حضرة اللواء..؟؟
منت ب خالي.. علمني يا أبيك..
متعب تنهد بارتياح لأنه اختصر عليه الطريق..وهتف بحزم:
حضرة اللواء.. ترا جابر وسعود كلهم خذوا رتبتهم... وأنا معهم ودفعتهم..
ولحد الحين ماخذتها مع إني استكملت كل المتطلبات من ٦ شهور.. يرضيك ذا؟؟.. موقفين ترفيعي عناد..
والله إني مابقى باب مادقيته ولا تظلم مارفعته.. والقائد معند يرفعني..
الجد جبران حينها تغير وجهه.. وهتف بحزم وصرامة بالغين..
قلب شخصيته اللطيفة ١٨٠ درجة وهو يهتف بنبرة عسكرية صرفة.. نبرة من اعتاد أن
يأمر فيُطاع:
جابر هات جوالي ودق لي على قائد الدفاع المدني الحين...
***********************************
" الجازي..
كذا أهون عليش؟!!
صار لي أكثر من أسبوع أبي اجيش
وتعتذرين مني"
تنهدت الجازي وهي تعدل جلستها وتحتصن الكوشية الصغيرة..
والاثنتان تجلسان في المجلس الداخلي..
بينما مها ودانة فهمتا أنهما يحب ان تتركاهما لوحدها..
لذا جلستا معهما قليلا.. ثم انسحبتا..
فعلاقة الجازي وغالية علاقة مختلفة.. الاثنتان من عمر واحد..
قضتا كل سنوات الدراسة معا من الروضة حتى دخلتا نفس التخصص في الجامعة..
وبينهما علاقة قوية خليط من كل شيء زمالة وصداقة وأخوة..
همست الجازي بمودة: غالية أنتي تعرفين إنه أنتي مكانتش عندي غير..
غالية بعتب: وعشاني غير... حتى مقابلة ترفضين تقابليني؟!!
ترا حتى لو خالد أخي.. أنتي أختي ورفيقتي..
وأنتي عارفة إني معش في أي شيء تبينه.
هل كنتي تظنين إني باعاتبش مثلا؟
لأنه أنا لحد الحين موب فاهمة ليه كنتي ترفضين تقابليني.
الجازي تنهدت : شوفتش غالية بترجع لذاكرتي ذكرى ذيك الليلة اللي كنا فيها سوا..
وأنا في داخلي كثير من الفوضى..
وموب واقفة على أرض ثابتة..
واحساسي بالحرية عقب سنوات القيد خلاني موب متوازنة...
غالية تصرّ عينيها: كلام كله موب مفهوم...
الجازي أنزلت ناظرها قليلا وهي تعبث بأناملها ...كانت تدير دبلتها الماسية التي مازالت في بنصر يدها اليمين..
والتي عجزت أن تزيلها من يدها طيلة السنوات الماضية وهي مازالت على ذمة خالد..
وعجزت أن تزيلها من يدها بعد طلاقها لطول ما ألفت وجودها في يدها...
ولكنها الآن وختاما.. دفعتها قليلا خارج بنصرها بعد أن أدارتها عدة مرات.. عانت قليلا حتى تُخرجها..
شعرت بألم في إصبعها.. وألم غير مفسر في قلبها..
البدايات الجديدة دوما مربكة..
وتجاوز عنق الزجاجة دوما مؤلم...
نظرت إلى الدبلة وهي في كفها أخيرا...
وحول بنصرها حلقة حمراء تركت أثرا واضحا عميقا..
فتحت يد غالية ووضعت الدبلة فيها وهمست بحياد : رجعيها لخالد...
غالية فتحت يد الجازي وأعادت الدبلة إلى باطن يدها وأغلقت يدها عليها وهمست بحزم:
لو أنتي تبين ترجعينها كنتي عطيتها دانة..
وحتى لو تبين ترجعينها فعلا.. موب أنا اللي أرجعها..
الجازي مافيه داعي توجعين خالد..
ترا فيه من الوجع اللي مكفيه..
يعني تظنين لما ترجعين دبلته له.. إنه بيستانس فيها؟؟
هو خسرش أنتي...
وأنتي عنده أثمن من كل ألماس الدنيا..
وش يفيد ترجعينها له إلا تذكرينه بخسارته اللي مالها تعويض...
حينها تأففت الجازي: يمكن عشان كذا ماكنت أبي أشوفش..
همست غالية بابتسامة: ويمكن عشان كذا صرتي تبين تشوفيني الحين..
ابتسمت الجازي وهي تضع الدبلة أمامها على الطاولة: أنا رايحة العمرة بكرة.. واستحيت أروح ما واجهتش..
خفت تزعلين..
غالية همست حينها بحزم: زين دام دعيتيني وماتبيني أزعل.. الحين قولي كل شيء..
ترا يا الجازي خلاص الموضوع كله انتهى..
وأي ترسبات باقية منه لازم تنتهي..
وأنتي بكرة رايحة عمرة عشان تبدين صفحة جديدة..
تنهدت الجازي: غالية أنا ما أبيش تزعلين.. بس أنا فعلا مبسوطة إني أخيرا حرة..
وأقدر أبدأ حياة جديدة.. بعد خمس سنين من تقييد أخيش لي..
بس أخيش حتى في طلاقه قيدني..
تدرين لو أنه طلقني بدون ما يكلمني.. كان......
غالية قاطعتها بصدمة: خالد كلمش؟؟ كيف ومتى؟؟
هزت الجازي كتفيها بسكون: أجل كيف طلقني؟؟ خالد كلمني وسمعني كلمة الطلاق بنفسه..
كانت مكالمة طويلة ومرهقة واستنزفت أعصابي ومشاعري..
حينها غالية قفزت واقتربت من الجازي أكثر وهي تهتف باهتمام : ولا علمتيني حتى؟!!
الجازي بشرود: انحرجت.. ماعلمت إلا أمي..
غالية تحثها على التحدث: طيب وش اللي صار؟؟
تنهدت الجازي بذات السكون الغريب: تدرين غالية.. اللي صدمني وخلاني لحد الحين أعاني من عدم توازن..
إنه أنا خلال السنوات الماضية رسمت للطلاق عشرات السيناريوهات.. في كل السيناريوهات كان خالد معند وبينشف ريقي..
لكن السيناريو الي حدث كان صادم جدا
يعني تخيلي تكونين شادة الحبل بأقصى قوتك لأنه الطرف الثاني شاده بكل قوته
ثم فجأة يفك الحبل...
الطبيعي والمنطقي إنك بتطيحين طيحة قوية.. بتترك إصابات قوية..
أجعني ياغالية بكلامه كله.. ثم صدمني إنه يطلقني وأنا أسمع.. لأنه توقعت إنه بيرسل ورقتي وخلاص..
غالية باستفسار: طيب وش كلامه اللي أجعش..؟؟
تنهدت الجازي بذات السكون المستمر: مبرراته .. تفسيره للموضوع.. وأشياء ثانية ما أقدر أقولها..
****************************
" وسويت اللي في رأسك يا متعب!!"
متعب يرد على سعود بابتسامة شاسعة: جعلني ما أخلا من حضرة اللواء اللي مكني من رقبة القائد..
أتخيل وجهه وهو يقول له بطريقة الأمر.. (قرار ترفيع متعب يطلع بكرة يعني بكرة)
سعود بابتسامة مشابهة وهو يحرك سيارته باتجاه بيت متعب: ترا قائدك يقدر يرفض... حضرة اللواء ماله أي سلطة..
هذا احترام وتقدير بس..
مازالت ابتسامة متعب في حدودها القصوى.. سعادة لم يعرفها منذ أكثر من ٣ أشهر:
أنت داري إنه ما يقدر يرفض... هذا حضرة اللواء موب أي حد..
سعود بمودة عميقة: مبروك الترفيع مقدما...
متعب بمودة مشابهة: الله يبارك فيك
حينها هتف سعود بنبرة مقصودة وهو يقف في باحة بيت متعب: ممكن أطلب منك طلب.
متعب بمودة : تدلل يا أخيك.. تامر ما تطلب..
سعود بحزم : أبيك تخلي مها عندنا في البيت لين نرجع...
متعب بصدمة ورفض قاطع: انتو كلكم رايحين عمرة بكرة.. مرتي تقعد في بيت مافيه حد ليه؟؟
سعود بإصرار: بخلي محمد يجي عندها...
متعب بإصرار مشابه: السموحة منك.. مرتي بترجع بيتها
ثم أردف بصدمة وكأنه ضُرب على رأسه: مها قالت لك شيء ؟؟
قالت لك إنها ماتبي ترجع البيت؟؟
سعود كما نصره أمامها... لابد أن ينصر شقيقته أمامه.. هتف بحزم: متعب .. أختي ماقالت لي أبدا وش سبب خلافكم..
بس قالت إنها تحملت كثير وماعاد فيها تحمل...
عشان كذا خلها في البيت لين أرجع وأحل الموضوع..
متعب أنزل رأسه وهتف بضيق: سعود صار لي اسبوع من مها وبناتي ما أقدر أتحمل البيت من غيرهم أكثر من كذا ...
سعود بصرامة: ماعليه تحمل شوي بعد.. اللي صبرك الأسبوع ذا ..يصبرك اللي بيجي..
عشان تعرف إنك يوم تغلط على مرتك.. مو كل غلط بينبلع..
ثم أردف بنبرة مقصودة: خل أختي في بيت أهلها لين يرجعون أهلها..
متعب صمت.. يعلم أنه أخطأ كثيرا عليها..
ولا يريد أن يتناقش مع سعود في تفاصيل خلافهم.. مادامت لم تخبر سعود بشيء..
لا يريد أن يتدخل أحد في مشاكلهم..
ولكنه قبل أن ينزل من السيارة هتف لسعود بحزم: قل لها إني مستعد أراضيها باللي هي تبيه..
لكن اللي هي تفكر فيه عمره ماكان حل لمشكلتنا...
سعود يعلم تماما ماذا يقصد (اللي هي تفكر فيه) وكان في باله خطة بعيدة المدى لتأديب الاثنين..
لذا هتف بحزم: متعب إذا لي معزة عندك.. ما تكلمها حتى تلفون لين أرجع..
حتى لو هي اتصلت أو أرسلت لك لا ترد عليها..
متعب بصدمة: سعود ترا موب لذا الدرجة.. هذي مرتي وأم بناتي.. يمكن يحتاجون شيء.. كيف ما أكلمهم ولا أرد عليها؟؟
سعود بذات الحزم: محمد عندها.. أي شيء تبيه بتقول له..
وحرك سيارته مغادرا بينما متعب دخل بيته الخالي... وهو يتنهد بعمق ويزفر بتأفف بعد أن أفسد سعود فرحته بخبر ترقيته القريبة...
.
.
بعد دقائق كان سعود يدخل بيته..
مر والدته أولا وجلس معها قليلا.. ليخبرها بعض تفاصيل ذهابهم للعمرة في الغد..
ثم صعد متوجها لغرفة مها وبناتها...
وجدها تحصن بناتها النائمات بأذكار ماقبل النوم..
جلس على طرف صامتا حتى انتهت..
ثم أشار لها أن تتبعه للصالة..
مها زفرت بضيق كبير.. باتت تكره دعوات سعود هذه..
جاءت وجلست وهي صامتة..
هتف سعود بابتسامة: ترا السلام لله..
مها همست بإرهاق: السموحة يا أختك.. السلام عليكم..
واشلونك فديتك؟؟
هتف سعود بمودة: وعليكم السلام.. و طيب.. أنتي أشلونش؟؟
مها بمودة عميقة رغم ارهاقها الواضح: لا قدك طيب أنا طيبة..
هتف سعود بحنان: احنا بكرة رايحين عمرة مثل منتي عارفة.. 3 أيام إن شاء الله ونرجع..
اقعدي في البيت لين أرجع..
مها بصدمة: ليه أقعد في بيتكم؟!. برجع بيتي خلاص..
سعود بصرامة: قلت تقعدين في البيت لين أرجع.. تقعدين.. منتي متحملة 3 أيام؟!!
مها باستغراب: وليه أقعد بروحي في بيت مافيه حد؟!!
سعود بذات الصرامة: محمد بيجي عندش أو أنتي روحي عنده..
مها بذات الاستغراب: طيب ليه؟؟ أنا أبي أرجع بيتي.. وش له ذا الشحططة؟!!
سعود بنبرة مقصودة: لا رجعت من العمرة.. دريتي ليه ذا الشحططة..
حينها اتسعت عينا مها بصدمة كاسحة وهي تهتف بأحرف متقطعة: يبي يحط مرته الجديدة في بيتي؟!!
سعود كان سينفجر من الضحك.. لا يعرف من أين خطرت لها هذه الفكرة الخنفشارية..
لكنه حافظ على مظهره البالغ الجدية وهو يهتف بهذه الجدية البالغة:
مها نشفتي ريقي يا أخيش..
انتظريني لين أرجع.. وخلاص..
سعود وقف ليتوجه لغرفته ثم التفت لها واستدرك بحزم: ولو سمحتي لا تتواصلين مع متعب لين أرجع..
مها بصدمة: سعود لا تزعل مني.. بس تراك زودتها.. حتى زوجي تفرض عليّ أكلمه وإلا ما أكلمه..
سعود بعتب مقصود: ماعاد لي كلمة يعني ولا خاطر؟!!
تنهدت مها.. وقهر عظيم يتصاعد في روحها: إن شاء الله سعود.. اللي تبيه يصير..
ثم أردفت بغيظ: تبيه يحط مرته الجديدة في بيتي وأنا ساكتة ومنطمة.. حاضر .. اللي تامر فيه..
.
.
كانت ليلة طويلة ومرهقة على سعود وهو يدخل ختاما إلى غرفته..
ليشرق وجهه وهو يرى من تجلس على السرير تقرأ كتابا..
مازال تأثيرها هو ذاته عليه حين رآها لأول مرة بعد زواجهما تنام غاضبة منه في غلالة من حرير بنفسجي ..
أسرته يومها وقبلها أسرا أبديا لا فكاك منه..
بل تأثيرها الآن أعمق.. أعــــــــمــــــق بكثير..
وكأن السنوات في مرورها عليهما تحفر لها في روحه سراديب لا نهاية لامتداداتها..
ابتسم وهو يراها تضع الكتاب جوارها.. وتقف مبتسمة لترحب به.. وهي تهمس برقة: طولت وإحنا ورا سفر..
ابتسم وهو يميل ليقبلها بتروي ثم يهتف بتقدير وابتسامة: أعرف وواثق إن وراي مرة سنعة رتبت كل شيء..
قالها وهو يشير بناظريه للحقائب المرتبة الجاهزة.. ثم يتناول كفيها ليقبلها وهو ينفث ولهه في باطنها: ولا يحرمني منها..
دانة تبتسم: إيه إلعب علي إنك خليتني أرتب كل شيء.. وأنت سهران مع ربعك..
سعود يجلس على طرف السرير وهو يخلع غترته ويضعها جواره ويهتف بإرهاق ومودة:
أصلا حتى لو أنا موجود أنتي اللي بتسوين كل شيء..
شايخة علي ّ يا بنت هادي..
ما عاد أعرف أحط خيط في إبرة من
دونش..
دانة تناولت غترته وعقاله لتعلقهما وهي تهتف بمودة: عسى انبسطتم في العشاء؟!!
سعود بذات المودة: جدا... جعل خير أبو سعود وأم سعود واجد..
دانة ضحكت: الله يسلم طباخ المجلس..أم سعود مادرت عنكم.. من مغرب وهي عند الجازي.. وتوه جاها جابر وخذها..
سعود باستغراب: نعنبو وش قالوا ذا كله؟؟
دانة هزت كتفيها : ما أعرف .. كانوا بروحهم..
سعود هتف باهتمام: زين شيكتي على كل شيء.. وإن أمي والجازي جاهزين.. عشان نقوم الصبح نطلع المطار دايركت؟!!
دانة بثقة: كل شيء جاهز فديتك.. لا تشغل بالك.. وتوكل على الله يا أبوسعيد..
*****************************
اليوم التالي..
"أهلا دكتور فرات..
ازيك؟؟"
فرات رفع عينيه عن أوراقه وهو يهتف بمودة واحترام لزميله الذي دخل الآن الى مكتبهم المشترك:
مرحبا دكتور رفعت
اشلونك انت؟؟
رفعت بتقدير: أنا كويس ربنا يكرمك
ثم أردف باهتمام: بيقولوا حضرتك مش مطول معانا؟؟
ليه كده؟!
فُرات بتلقائية واثقة: إيه.. إن شاء الله.. بس أخلص امتحان المنتصف عقب اسبوعين مع البنات..
واسلمهم لدكتور حسني.. هو توه وصل..ويخلص اجراءاته..
رفعت بمودة: نتمنى نشوفك ما تقطعناش..
فرات بتقدير: حياك الله أي وقت في مجلسي أو شركتي..
لكن الجامعة خلاص ما أقدر أجي عقب..
رفعت بتذكر: إلا حصل إيه مع موضوع جليلة وأميرة ؟؟
فرات بثقة رغم تصاعد الضيق في داخله من تذكر موقفها السابق:
مثل ما حضرتك قلت..
جليلة اللي جاوبت..
رفعت بابتسامة: قلت لك إنك أكيد سمعت الاسم غلط.. هي جليلة مافيش غيرها..
البت دي أتوقع لها مستقبل كبير.. لو كملت كده..
فرات بنبرة ثقة مغلفة بالسخرية: إيه.. إن شاء الله..
هتف رفعت باستغراب: أنا مستغرب أنها ماحضرتشي ولا محاضرة الاسبوع ده..
مش عوايدها خالص.. أول مرة تغيب..
بصراحة من غيرها المحاضرة تبقى ميتة
خالصة..
ثم أردف بتساؤل: هي حضرت محاضرتك؟؟
رد فرات بثقة وأفكار غريبة تناوشه: حتى أنا ماحضرت محاضرتي..
حينها شعر بضيق ما..
كان يتمنى أن غيابها كان عن محاضرته هو فقط
فذلك يعني أنها تأثرت تأثرا ما بسببه هو.. هـــــــــو فقط!
لكن حينما تتغيب عن كل المحاضرات..
فهذا الأمر يعني أنه ليس بسببه..
وهذا الأمر جرح غروره بطريقة غير مفهومة..
****************************
كان يقف عند باب الصالة السفلية من الخارج وهو عائد من المطار بعد أن أوصل فهدة إلى بيت جابر..
كان يريد أن يأتي بها هنا أولا معه كي تسلم على والده..
لكنه الجد جبران أحرجه بالاتصال والسؤال عنها وأنهم في انتظارها..
لذلك أعادها أولا لبيتهم.
كان على وشك طرق الباب للاستئذان.. لكنه انتعش قلبه بالأمل أن تكون مكافأة مــا تنتظره في الصالة..
لذا دخل مباشرة دون استئذان.. دون أن يفتح الباب كاملا..
لم ينتبهوا لدخوله.. فهو مازال قرب في فرجة الباب الموارب..
كان الكل متواجد والداه.. البندري.. حزام.. وهـــــــي..
ترتدي أكثر شيء يكرهه في العالم.. جلالها على وجهها..
كان أول صوت سمعه هو صوتها يهتف بحنو وصرامة: حزام وين كتابك الرياضيات؟؟
ليه داسه مني؟؟
صار لي كم يوم أدور له؟؟
حزام يضحك: دامش دارية إني داسه منش.. تدورينه ليه؟؟ وش ذا اللقافة؟؟
الهنوف تبتسم ابتسامة شاسعة: شوف والله لو ماتطلعه اليوم.. إن تشوف شيء ما يسرك..
ولا تقول إني ماحذرتك..
لأول مرة يسمع صوتها باسما.. فيه لمحة سعادة..
نبرات صوتها المبتهجة هزت أوتار قلبه وترا وترا..
أهذا تأثير ذلك الطفل الكوع الزرافة المسمى (حزام) ؟!!
يود أن يحتضنه ويقبله ..وفي ذات الوقت يريد أن يصفعه..
يحتضنه ويقبله لأنه أسعدها..
لأنه سمح له أن يسمع صوتها أخيرا سعيدا بعد أن أرهقته بحزنها..
ويصفعه لأن له هذا التأثير عليها.. التأثير الذي تمنى ألا يكون لأحد سواه..
تركي شعر أن وقوفه هكذا طال.. لذا تنحنح كي ينبههم لوجوده..
*******************************
"ماشاء الله ذا كله شوق لي؟!! توك واصل من المطار جايني"
تركي يسلم على فُرات وهو يهتف بمودة باسمة: شفت غلاك..
فٌرات يشير للمقهوي أن يقترب حتى يصب القهوة وهو يهتف لتركي بمودة ونبرة مقصودة:
منت بخالي.. أشغلتني وأنت تقول تبيني ضروري..
ابتسم تركي وهتف بنبرة مقصودة: شكلك ذا الأيام مشغول جدا؟!!
هتف فُرات بثقة: إي والله جدا.. قاعدين نصب أساسات المشروع الجديد..
وعندي اجتماعات ما تخلص ما أرجع البيت إلا آخر الليل
ويادوب أروح أعطي المحاضرتين اللي أنت ورطتني فيها..
حتى لو أنت ما كلمتني إنك تبيني ضروري وكنت مابعد طلعت من البيت
وإلا ماكان قدرت أواجهك..
+
تركي بذات الابتسامة المريبة: توقعت كذا..
بس أحسن عشان أخذ البشارة..
فُرات باستغراب:
بــــشــــارة ويـــــــش؟؟
تنهد تركي بوجع.. وهو يستعيد ماحدث قبل 4 سنوات..
وكان سببا رئيسيا في استعجال صيتة في إرجاع فهدة إلى الدوحة..
واشنطن قبل أربع سنوات..
كانت صيتة لا تترك فهدة إطلاقا.. والوقت الذي تقضيه في المستشفى كانت تحضرها معها..
وكانت تدرسها بنفسها.. علمتها الأحرف والكتابة والقراءة والقرآن..
كانتا تقومان بالكثير من الأنشطة معا.. ترسمان وتلونان وتلعبان..
وكانت لا ترى ضرورة لذهابها للمدرسة لأنها متفرغة لتدريسها..
وكانت تتبع في ذلك نظام كثير من الأمريكيين الذي يمارسون مايسمى
Home Schooling
ويعلمون أولادهم في البيت.. وهو نظام شائع جدا للتعليم في أمريكا..
وهناك حاليا أكثر من مليونين طفل أمريكي يتعلمون في المنزل.. وأعدادهم في تزايد عاما بعد عام..
ويتبعون في ذلك أساليب مدروسة تماما للتعليم اعتمادا على التعليم الفردي واللا مدرسية وتكثيف الأنشطة..
وكان في بال صيتة إلى جوار ذلك أنها ستدرس فهدة المناهج القطرية العام المقبل..
وتعيدها لقطر مع تركي في فترة امتحانات الدور الثاني حتى تمتحن وتعود معه بعد نهاية الصيف..
ولكن ما أفسد كل مخططاتها أن كان هناك من أبلغ مؤسسة الرعاية الاجتماعية الأمريكية
أن في المستشفى طفلة في عمر التمدرس ولكنها لا تذهب للمدرسة.. لا تعيش ظروفا طبيعية..
فهي شبه محجوزة في المستشفى.. ولا تمارس
حقوقها المشروعة كطفلة.. كاللعب والاختلاط مع الأطفال الآخرين..
ففوجئت صيتة بل صُعقت بزيارتهم لها في المستشفى..
في البدء كانت الزيارة ودية...
لكنها بعد ذلك بدأت تأخذ صور أكثر جرأة.. وبدأوا يستجوبون فهدة: هل أنتِ سعيدة؟
هل يحسنون معاملتك؟ هل تأكلين طعاما جيدا؟ هل تلعبين مع الأطفال الآخرين؟
هل تذهبين للحديقة والألعاب؟؟
بعدها حاولت صيتة أن تتركها في البيت وترتب لها من يرافقها في الوقت الذي يكون سند في العمل وهي في المستشفى..
ولكن كانت صيتة تعاني من رعب حقيقي وابنتها مع امرأة لا تثق فيها..
فكانت في معظم الأوقات تتصل بتركي وترجوه أن يذهب إلى البيت.. ليطمئن على فهدة..
فيضطر لترك محاضراته والذهاب لفهدة..
وفي إحدى المرات اكتشف أن جليستها تركتها وحيدة وخرجت لتحضر بعض الأشياء..
وجليسة أخرى أخذتها معها لمقابلة صديقها..
رغم أن صيتة كانت تختارهم بعناية شديدة عربيات مسلمات أو مسلمات من جنسيات أخرى..
حينها توقفت صيتة عن إحضار أي أحد.. وعادت لإحضارها معها للمستشفى..
فعادت زيارات الرعاية الاجتماعية تتكثف من جديد.. وبدأت فهدة تخاف كثيرا منهم ومن صرامتهم وأسئلتهم..
وتبكي حينما تراهم..
وهم يظنون أنها تبكي خائفة من أهلها..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
حينها اتصلت صيتة بوالديها ورجتهما أن يحضرا فورا..
كانت تعيش في رعب حقيقي أنها قريبا ستفقد حضانة ابنتها.. وخصوصا أن والدها متوفي..
وهم مقيمون في أمريكا..
فقانون الرعاية الاجتماعية في أمريكا صارم جدا.. وكان اسم CPS أو DDS
كفيل بإثارة الرعب في قلوب كثير من الآباء والأمهات.. وخصوصا من كانوا من خلفيات مهاجرة..
خشية انتزاع أطفالهم وتحويلهم لمؤسسات الرعاية ومن بعدها لعائلات التبني..
صيتة أعادت فهدة وهي تظن في داخلها أن حالة عبدالله ستتحسن وأن الوضع سيستمر أشهر فقط..
أو سنة واحدة كأقصى .. وتستطيع العودة به وستعود إلى أهلها وابنتها..
ولكن حالة عبدالله باتت تتأخر أكثر وأكثر..
وأخبرها الأطباء أن محاولة نقله في طائرة في رحلة طويلة كهذه هي عملية إعدام مباشر مقصودة للطفل.. وأنها من تتحمل مسؤوليتها وحدها..
حينها صــــمـــتـــت..
وكتمت في داخلها ثقبا اخترق قلبها بشكل مباشر بلا رحمة..
وفي كل يوم يمر كان يجاوره ثقوب وثقوب.. تتراص في قلبها المدمر..
وتكاد لا تجد لها مكانا لامتلاء ساحات قلبها بالثقوب..
أحد هذه الثقوب وأكبرها ماحدث في وداع والدتها لها..أخر مرة رأتها فيها..
.
.
"اسمعيني زين يا صيتة..
قلتي لنا العام مشتاقة لكم تعالوا..
قلنا إن شاء الله وتم..
قلتي ذا السنة تعالوا أخذوا بنتي..
قلنا إن شاء الله وتم..
لكن ترا ذي أخر سنة بجيش.. تبينا تعالي أنتي"
حينها همست صيتة بصدمة ورعب وهي تجلس جوار والدتها على الأريكة: ولو ماتحسن عبود وطوّل أكثر من سنة..
ما أشوفكم؟!!
أم متعب بصرامة : خليه عند عمه أسبوع وإلا إسبوعين.. وش بيجيه؟؟
حينها انكبت صيتة على كف والدتها تقبلها وهي تهتف برجاء موجوع عميق:
يمه طالبتش لا تحديني على أقصاي..
والله ماعاد وراي شيء تحدوني عليه..
لا تحرموني منكم وأنا محرومة من كل شيء..
محرومة من ديرتي ومن بنتي ومن هلي ومن شغلي.. حتى اتخاذ قرار أنا محرومة منه...
يمه شوفتش لا دخلتي علي ترد لي روحي.. والله إن روحي ترجع لي لا شفتش..
إن شاء الله عبود بيتحسن وبأرجع.. بس أنا ماني متأكدة..
طالبتش ما تحرميني منش..
أحب رجلش يمه..
قالتها وهي تريد الانكباب على قدمها لتقبلها..
أم متعب جزعت وهي تمنعها وتقف وترفعها لتحتضنها بقوة وتهمس في إذنها:
قلت لش يا أمش...
تبينا تعالي...
ترا والله ثم والله ماعاد أعقب ذا السنة..
حينها تصلب جسد صيتة وهي تهمس بانهيار:
يمه طالبتش استغفري.. استغفري.. طالبتش..
أم متعب أبعدتها قليلا وهمست بجمود وهي تشيح بوجهها حتى لا ترى وجه صيتة فتضعف: أنا حلفت وانتهينا..
************************************
لأول مرة يسمع صوتها باسما.. فيه لمحة سعادة..
نبرات صوتها المبتهجة هزت أوتار قلبه وترا وترا..
أهذا تأثير ذلك الطفل الكوع الزرافة المسمى (حزام) ؟!!
يود أن يحتضنه ويقبله ..وفي ذات الوقت يريد أن يصفعه..
يحتضنه ويقبله لأنه أسعدها..
لأنه سمح له أن يسمع صوتها أخيرا سعيدا بعد أن أرهقته بحزنها..
ويصفعه لأن له هذا التأثير عليها.. التأثير الذي تمنى ألا يكون لأحد سواه..
تركي شعر أن وقوفه هكذا طال.. لذا تنحنح كي ينبههم لوجوده..
كان حزام أول من قفز مرحبا.. وهو يرحب به بمرح: يا حيا الله دكتورنا المتشنقط
(الشنقيط: البنطلون، المتشنقط من يلبس بنطلونا )
ابتسم تركي وهو يتلقى سلامه بالأنف على عادة السلام الرجالي:
أنت اصلا لا جيت تلبس شنقيط منت معين شيء قد طول سيقانك..
الهنوف حين سمعت صوته.. قررت الانسحاب من فورها لغرفتها في خضم انشغالهم به ومعه وانشغاله معهم..
هو كان في باله نفس التفكير قبل أن يدخل... ويعرف تماما أن هذا ما ستفعله..
بات يعرف حتى طريقتها في التهرب منه... وهو يرسم خططه الحربية الفاشلة لاقتناصها..
كان لا يعرف أي طريقة يستطيع أن يستبقيها بها حتى ينهي السلام على والديه على الأقل..
لذا ارتجل أول شيء خطر بباله وهتف بشكل مباشر وصوت عالي وابتسامة تمثيلية وهو مازال في سلامه مع حزام:
الهنوف ترا يمكن كتاب حزام الرياضيات عندي في السيارة... يمكن نساه معي يوم وصلته المدرسة قبل أسافر..
حزام هاك مفتاحي دور كتابك..
اتسعت عينا حزام بصدمة... صحيح أن تركي كان هو من يوصله معظم الأيام وهو متوجه للجامعة..
لكنه لم يترك كتابه في سيارته لأنه أخفى الكتاب بنفسه... حتى لا تكتشف الهنوف أنه لم يحل كثير من الواجبات.. وأن المعلم ترك له كثير من الملاحظات ...
لأنها ستجبره أن يحلها كلها في وقت واحد .. ولن تطلق سراحه حتى يحل كل شيء..
بينما هو كان يريد حلها على فترات..
ومع ذلك اضطر أن يأخذ مفتاح سيارة تركي.. وأن يذهب ليبحث فيها عن كتاب غير موجود فيها..
ما يهم تركي أنه نجح في توجيه الانظار للهنوف ومنعها من التحرك.. حتى أنهى سلامه على والديه والبندري..
وأصبح أمامها.. وأخــــيـــــــرا..
أمــــامــــــها..
أمام تاريخه.. ومستقبله.. فوضى مشاعره..
آسرته الأبدية..
(هل أنتِ حقا تقفين أمامي الآن؟
أتنفس عبقك المخفي المنتشر في الجو
هل تعلمين كم اشتقت يا صغيرة؟!!
هل تعلمين؟!!
لا لا تعلمين..
لا تعلمين.. فقلبك خالي..
ليس فيه مافي قلبي من التضخم..
التضخم من كل شيء..
فرط الحب.. وفرط الشوق.. وفرط اللهفة..
فمعك لا أعرف التوسط ولا الحدود..
فوحدك تكسرين كل مناطق الوسط.. وتتجاوزين كل الحدود)
ان كان سابقا يراها الجمهور في خلفية الصورة..
فهاهو الله عز وجل يعذبه على ذلك..
وهو يراها الان وحدها بؤرة الصورة... وكل ماحولها باهت لا لون له ولا قيمة..
وحدها بؤرة كل شيء.. ومستقره..
حتى وهي تقف أمامه كمومياء مغطاة بالبياض من رأسها حتى قدميها..
كانت تشع كشمس كونية.. تستجلب معها كل وعي العالم وانتباهه..
وقف أمامها كتلميذ وجل في حضرة أستاذه ذو الهيبة والسلطة
وقف أمامها وهو يتنفس بعمق.. يتنفس حضورها.. وجودها.. قربها
أهلكه الشوق قبل السفر وبعد السفر..
موبوء بالشوق.. مسكون باللهفة.. مرصود بهذا العطش الأزلي لكل مافيها..
وقف أمامها مثخن بجراح معاركه الخاسرة في حضرتها..
وقف أمامها وفي داخله ألف رغبة وألف وجع وملايين الأشواق..
وقف أمامها ليهديها أكبر صدمة في حياتها..
وقف أمامها وهتف بكل ثقة الكون الباردة المقيتة: اشلونش الهنوف؟؟
وهو يــــمــــد يده لها بالسلام..
*************************************
" أخبارش سيدة ملعقة الأميركية؟وحشتينا
لو تاخرتي يوم واحد عقب.. كان جدش جبران وجدتش فهدة الكبرى
سوو غزو لأمريكا"
همست فهدة بخمول وهي تجلس بقرب الجد جبران: جعلني ما أخلا منهم..
قامت ضي لتجلس جوارها من الناحية الثانية وهي تهمس بقلق: أنتي فيش شي؟؟
هزت فهدة رأسها رفضا...
حينها مدت ضي يدها لجبين فهدة وهي تتحسه بقلق: شكلش يعطي إنش مسخنة.. بس منتي ب حارة..
حينها انتفض الجد جبران بقلق وهو يتحسس جبينها أيضا: قومي يا أبيش أوديش المستشفى.
وجدتها كذلك تقوم من مكانها وهي تتحسسها بقلق: وش فيش يا أمش؟!!
وجهش أصلا مهوب زين من يوم دخلتي..
كان الثلاثة كلهم يحيطون بها وهم يبدون قلقهم عليها.. بينما هي تهز رأسها أنها لا شيء فيها..
وتهمس بذات الخمول: والله مافيني شيء..
حينما ضايقوها باهتمامهم الخانق.. انفجرت بالبكاء وهي تدفن وجهها في حضن الجد جبران..
الجد انتفض بجزع وهو يحتضنها ويمسح على شعرها:
وش قومش يا أبيش؟؟ وش قومش؟؟
ثم تنهد وأردف بحنان لأنه فهم سبب بكائها ..وهو يهمس في إذنها بخفوت : أنتي مشتحنة لأمش؟؟
هزت رأسها وهي تخفي وجهها في حضنه..
همس لها في إذنها بحنو وحمية: أبيش يا فهدة.. تبكين وجدش جبران حي؟!
ابشري بها إن قد تجيش دام خشمي يشم الهوا..
*********************************
"تقبل الله طاعتش يمه ... عسى ما تعبتي؟؟"
أم سعود ببهجة رغم ارهاقها: من يجي هنا يا أمك ويتعب؟!
الواحد يجي هنا ينسى تعبه..
التفت سعود لدانة وهو يهتف بعتب: ليه تخلين الجازي بروحها؟؟
كان علمتيني قعدت معها...
دانة بنبرة مرهقة تخفي ورائها ما تعلمه ولا يعلمونه:
عيت فديتك..
قالت تبي تقعد في الحرم شوي ..
وبتجي عقب ساعة..
كرتها معها...
.
.
.
كانت تلوذ بأحد أعمدة المسجد بعد أن صلت المغرب وأطالت في الدعاء..
ودموعها تنسكب بغزارة..
سكبت بين يديه سبحانه كل الكبت الذي في داخلها من خمس سنوات مضت حتى الآن...
بكت حرقتها.. ويأسها..
بكت سنوات شبابها المسلوبة..
بكت هذه الفوضى التي تعصف بها..
بكت التمزق الذي تشعر به..
أرادت أن تبكي كل شيء.. وتلفظه خارج روحها.. بعيدا عنها..
أرادت بدايتها الجديدة المأمولة..
أرادت عبر فيض دموعها أن تشكر الله .. وأن تخبره جل في علاه كم تحبه!!..
وكم تشعر بالاطمئنان هنا في رحابه.. وهي تشعر بمسحه على وجع قلبها.. مداوته لألم روحها..
وأنه وحده من يعلم حقيقة ماتعانيه.. وأنها أمامه كما هي.. بكل مشاعرها.. كماهي..
بينما الكل أراد أن يفرض عليها مشاعره أو رؤيته أو قناعاته..
أرادوا وضعها داخل قوالبهم الجاهزة..
أرادوا قولبة حزنها ومشاعرها وتناقضاتها.. وهي محض إنسان..إنسان..
لا يخضع للتكييف ولا للمعايير المحددة كإنسان آلي..
لا يريدون الاقتناع أنها سعيدة وغير سعيدة.. لأن الشعورين في عرفهم لا يجتمعان..
ولكنهما في داخلها اجتمعا..
في عرفهم يجب أن تكون أبيض أو أسود... بينما هي رمادية!
يريدونها أن تخوض المعمعة إما خاسرة أو رابحة.. بينما هي تريد أن تركن إلى الحياد..
لا يعلمون أن هذا الحياد يحمي مابقي من روحها الممزقة.. حتى تداويها..
لا يعلمون أنها لا تريد خوض المعارك.. ولا رفع رايات الانتصار..
تريد حيادها فقط.. مساحتها الرمادية الخاصة..
لا يعلمون أنها سعيدة بحريتها.. ولكنها في ذات الوقت حزينة لطلاقها..
لأن هذه هي الطبيعة البشرية المتناقضة..
هي محض صبية في الثالثة والعشرين تحمل لقب مطلقة..
بينما هو أقرب ما يكون إلى لقب (سجينة سابقة) أنهت محكوميتها ظلما..
فهل من قضى خمس سنوات في السجن ظلما.. ثم خرج منه.. سيكون مكتمل السعادة والبهجة؟!!
(كلهم عاجزون عن فهم هذه التناقضات في روحي يا الله
وحدك تعرف الخفايا..
وحدك تمسح على روحي ووجعي
اللهم اجبر كسر روحي.. وقوني.. وأمدني بالجبر والقوة
لأخوض قابل الحياة)
لا يعلمون أن خالد كما كان ظلمها في أسرها خمس سنوات في سجنه.. ظلمها وهو يطلق سراحها..
لأن كل شيء سار كما يريده هو..
ثقب قلبها برصاصة الطلاق التي أسمعها إياها.. بعد فيض طويل من البوح..
كان هو سيده ..
أراد أن يخبرها كم هو شهم ونبيل.. وكم يحبها!!
دون أن يسمح لها أن تخبره كم هو متجبر وقاس وأناني!!
ثقب قلبها بقسوة ومضى دون أن يلتفت..
دون أن يسمح لها بتدوين انتصاراتها الصغيرة.. دون أن يسمح لها بإعلان بهجتها وسعادتها..
لذلك كان الحياد ضروريا..
تحتاج لمرحلتها الانتقالية الرمادية التي ستقذف فيها كل شيء خلفها..
" سأعود أقوى!"
كنت تهمس بذلك لنفسها وهي تفتح حقيبتها.. وتخرج منها دبلة ماسية يتربع اسم خالد محفورا في داخلها..
وتضعها بجوار العمود..
وتهمس بحزم: أتمنى يلقاها واحد محتاج..
ويكون ثمنها تخفيف لبعض ذنوبك في حقي ياخالد..
أنهت مهمتها.. ووقفت بحزم وهي تتوجه للفندق وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد خروجها من المستشفى بإسبوع..
.
.
" تعالي يأمش"
دخلت الجازي إلى غرفة أمها وهي تحمل بمعاونة العاملة المنزلية بعض الأكياس التي تحمل اسم محل مجوهرات شهير..
العاملة تركت الأكياس وغادرت.. بينما الجازي جلست جوار والدتها وهي تأن بخفة من ألم صدرها..
وتهمس بضعف: يمه رجعي الأغراض ذي لخالتي أم خالد..
والدتها تنهدت بألم عميق وهي تقبل جبين الجازي.. ثم تتناول أصغر الأكياس حجما...
لتخرج منه العلبة الصغيرة التي تتربع داخله.. وتخرج منها الدبلة..
وتمسك بيد الجازي اليمنى.. الجازي جزعت وهي تهمس بوجع عميق: لا يمه طالبتش.. تكفين
أم خالد تنهدت وهي تدخل الدبلة في بنصرها اليمين وتهمس بأمر حان:
إذا لي خاطر عندش يا أمش.. ما تحطينها من يدش دامش على ذمته...
يا أمش تراه خاتم لا يأكل ولا يشرب..
تلبسونه ياذا الجيل.. يعني إني مخطوبة وإلا متزوجة..
وأنتي يا أمش عادش على ذمته..
عشاني خليه في يدش..
شعرت الجازي يومها بملمس الدبلة كما لو كان شريط من النار يحرق يدها..
ولكنها بقيت في يدها لخمس سنوات.. لا تخلعها إلا نادرا..
ومازالت حتى اليوم تجهل السبب الذي دفع والدتها لأن تطلب منها ذلك الطلب..
لأنها شعرت أن والدتها كان عندها سببا أخفته عليها..
وماعاد يهمها هذا السبب.. لأنها تحررت منهما كليهما من الدبلة ومن السبب..
**********************************
قبل ذلك .. بعد صلاة العصر في الدوحة
الهنوف ذهلت تماما..
الهنوف ذهلت تماما..
هل هذا مجنون؟ بالتأكيد هذا مجنون..
تصرفه كان تصرفا مرفوضا في عاداتهم وتقاليدهم..
كانت الهنوف تذوي خجلا وهي ترى يده المدودة
وكل العيون المصدومة مسلطة عليها..
ووالده وصل غضبه للذروة يتهدده في سره
( استخف من عقب ديار الأميركان.. والله لأوريه الشغل ذا الفاسخ!!)
بينما والدته والبندري اعتراهما خجل من تصرفه الجريء..
هــــــــــو ليس لديه ما يخسره..
فهو سيموت إن لم يحصل على أي شيء منها..
يعلم أنه لن يحصل على كلام ناعم عبر الهاتف.. وهي تهاتفه كأنها تهاتف زميل عمل..
وليس أي زميل.. بل بغيض على قلبها أيضا..
ويعلم أنه قد يموت مئات المرات قبل أن يرى وجهها..
لذلك قرر المغامرة.. سيمد يده..
كان عنده أمل ضعيف أنها لن تحرجه وتترك يده معلقة في الهواء
كان أملا أشبه بأمل أنه قد تخضر صحراء الربع الخالي في دقيقتين اثنتين..
فسلامها عليه مستحيل مثل استحاله أن تخضر تلك الصحراء القاحلة الشاسعة في دقيقتين..
وسلامها عليه سيفعل في روحه ذلك المستحيل.. فروحه الأشبه بتلك الصحراء في بعدها وابتعادها عنه..
ستخضر وتزهر في تلك الثوان التي ستلامس يده يدها..
أما توقعه الأعظم الذي رغم أنه هو الأكبر إلا أنه كان يتمنى ألا يحصل
وهو أنها سترفض أن تمد يدها.. أو ستغادر المكان..
وحينها سيكون مكسبه الوحيد أنها لاريب ستشعر بالذنب لما فعلته بها..
وهذا سيحسن من تعاملها معه..
كل هذا التفكير كان يدور في أعشار الثانية والأعاصير تعصف بهما كليهما..
خــــــــــتــــــــــــا مــــا..
مدت الهنوف يدها..
نــــــعــــــم... مدت يدها!!
فالموقف كان أكبر منها.. وتهذيبها منعها أن تحرج زوجها أمام أهله بهذه الصورة..
لذا قالت لنفسها: يا بنت الحلال هو سلام والسلام
وقدام أمه وإبيه.. يعني مارح يتجاوز حدوده.. ومهوب ماكلش.. ويادوب عطيه أطراف أصابعك.. يسلم وينقلع..
الله يقلعه هو وسلامه.. كنه موذيني.. وهو متجاهلني وهو منتبه لي..
ولكن ماكانت تفكر به..
غير ما كان يشعر به..
أمران مختلفان تماما... تــــماما..
هو كان متأكدا بنسبة تكاد تصل إلى مليون في المئة أنها لن تمد يدها..
لكنها صعقته.. صعقته صاعقة كونية أنها مدت يدها..
"هل تتخيلون أنني كنت أحلم أن ألمس أطراف أناملها فقط
أطرافها فقط..
فإذا بها تعطيني يدها كاملة!!
هل تتخيلون أن من هو مثلي يشعر أنه عطش منذ قرون متطاولة
وكان سيكتفي بقطرات من ماء إجاج.. بل سيسجد شكرا إن حصل عليها
فإذا بهم يمنحونه الماء الأعذب في الكون
ويقولون هاك!!
هل حقا مدت يدها لي؟ هل حقا فعلتها؟؟"
تركي أطبق على يدها المدودة كاملة بكفه..
شعر حينها برمح اخترقه من أقصاه إلى أقصاه وهو يشهق شهقة حاول جاهدا أن يكتمها ولكنها سمعتها..
"أحقا هذه يدها في كفي؟!"
(نعم يدها!! يدها!!..
يدها الصغيرة الغضة الناعمة الآسرة في كفي
يا الله .. ما أبشع هذا الحرمان!!)
تخشبت يدها في كفه.. وهي تحاول انتزاعها..
كانت ستسلم عليه بأطراف أصابعها..
فإذا بكفه تلتهم كفها وتخفيها كاملة في طياتها
أطبق على يدها إطباقا..
وكأن حياته كلها تتعلق بهذه اليد.. وأنها حين تنتزعها ستنزع روحه معها..
حاول أن يتكلم حتى لا يبدو منظره سخيفا.. وحتى يكون مبررا لاستبقاء يدها في يده..
كان يذوي وهو يشعر بمسامات بشرتها تذوب بين أنامله وهو يهتف بحزم يشعر أنه سيغمى عليه خلفه:
اشلونش الهنوف؟؟
أخبار الرسالة؟؟
وأخبار الشغل؟؟
كانت تجيبه باختناق وهي تحاول شد يدها محاولة عدم لفت انتباه البقية الذين اشتعلت أعينهم كرادارات مراقبة..
واستشعروا كل ماحدث أمامهم استشعروه تماما لفرط ماكان واضحا وجليا:
كل شيء زين ..
تسلم..
ماشي..
كانت تجيبه والكلمات تتعثر بين شفتيها.. وتكاد تموت خجلا ووجلا..
وهي تحاول جذب هذه اليد التي يبدو أنه لا يفكر بإطلاق إسرها أبدا..
شعرت أن يدها بدأت تتعرق... وكل ما تفكر فيه أن تستعيد يدها...
بينما ذلك المتيم.. يشعر أن أطراف روحه هي على أطراف أناملها..
كانت كل مشاعره متوهجة للحد الأقصى..
وهو يختبر تأثير قربها الأول..
(أ يعقل أن يكون لملامسة أي إنسان مهما كانت محبتنا له هذا التأثير ؟!!
أشعر أن روحي تتسع..
وأن يدها تبعث الحياة في كل خلية من خلايا روحي
أشعر أنني أكبر وأعظم وأسعد مخلوق في تاريخ البشرية)
ختاما كان أبو متعب من أنهى هذه الفوضى غير المعقولة وهو يهتف بحزم:
تركي إلى متى ذا السلام؟؟
قد فك يد البنية
ماعاد بذا السلام..
حينها أفلت تركي يدها رغما عنه.. أفلتها وهو يشعر أنه يفلت روحه ليسمح لها أن تنتزع من بين جوانبه..
لتهرب الهنوف من فورها راكضة للأعلى والبندري تتبعها..
ووالدته تغادر أيضا لأنها شعرت أن والده سيعاتبه على تصرفه..
وبالفعل فور مغادرتهم.. انفجر أبو متعب غاضبا:
أنت مافي وجهك سحا يا قليل الحيا..
تركي جلس لأنه شعر أن جسده خال من الطاقة تماما
(يا الله !! يا الله يا يدها!!
من يمسكني إياها بكبرها!!)
كان أبو متعب منهمر بغضبه وتأنيبه ليتفاجئ برد تركي المغموس بالبرود الذي يخفي خلفه ذوبانه:
يبه.. أنا سويت شيء حرام في الشرع؟؟
صُعق أبو متعب من رده: عادك مع شينك قوات عينك..
أعاد تركي السؤال بكل برود حازم:
يبه هل أنا سويت شيء حرام في الشرع؟؟
أبو متعب بحزم غاضب: لا غير أنت داري إنه منقود..
تركي وقف وهو يهتف بثقة: إذن ماصار شيء تعاتبني عليه... ولا تحرق أعصابك عشانه
مرتي وسلمت عليهم قدامكم
وش الكفر اللي سويته؟؟
واسمح لي طال عمرك.. لازم أروح لفرات الحين..
**********************************
شهاب بقلق: جليلة تراش روعتيني..
خلاص والله ما أقول لأحد علميني!
تنهدت الجليلة بضيق كبير جدا وهي تتذكر ماحدث قبل 16 عاما..
بعد وفاة والدتها.. وفي عزائها تحديدا..
كانت الجليلة بحد ذاتها محض طفلة في السادسة عشر..
وجدت نفسها وحيدة في مواجهة كل شيء..
وغياب والدتها بعد غياب شهاب بعام واحد ترك هوة عميقة في روحها بحجم الكون..
وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن كل شيء.. وهي من كانت مازالت طالبة في الصف الأول الثانوي..
قد تكون سابقة لعمرها.. وكانت من صغرها رفيقة لأمها في كل شيء...
ولكنها ختاما كانت طفلة بدون أمها.. وبين يديها ثلاثة أطفال هي المسؤولة عنهم..
تركت حتى دراستها من أجلهم.. رغم أنها كانت متفوقة جدا..
يومها ..كانت في خضم عزاء والدتها...
وكانت تمنع نفسها من الانهيار.. وهي تقوم بواجب الجميع..
البيت مزدحم بالمعزيات اللاتي لا يسألن الا عن ابنتها الكبيرة ليقدمن لها واجب العزاء..
في اليوم الثاني من العزاء..بعد صلاة العصر كان البيت مزدحما عن أخره..
طلبت الجليلة من بثينة أن تأخذ أميرة للصالة العلوية وأن تنتبه لها جيدا وأن تشغل لها التلفزيون و تبقى معها ولا تتركها تغيب عن عينيها أبدا...
قبل صلاة العشاء بقليل...
ذهبت صيتة بطعام لبثينة وأميرة.. فوجئت أن أميرة غير موجودة مع بثينة...
سألت بثينة عنها فقالت إنها ذهبت لجليلة منذ زمن طويل..
صيتة نزلت للأسفل... نادت الجليلة بخفة وهي تهمس لها: أميرة جاتش؟؟
الجليلة بصدمة حقيقية: لا ماشفتها من عصر..
الفتاتان بدأتا تبحثان في كل البيت..
لم تكونا تريدان إثارة قلق أحد قبل أن تتأكدا إن كانت في البيت أم لا..
وكانت بثينة التي استشعرت الذنب تبكي وهي تتبعهما: والله قالت لي بروح جليلة...
حسبتها جاتش..
بحثتا في كل البيت دون أن تجداها..
تبقى مكان واحد كانت جليلة لا تريد دخوله.. تشعر أنها ستموت لو دخلته..
غرفة والدتها..
ولكنها كانت مضطرة أن تفعلها.. فهي المكان الوحيد المتبقي..
فتحت الباب ودخلت وهي تدفع نفسها دفعا.. كان جناح والديها يبدأ بصالة كبيرة..
كانت الصالة غارقة من الظلام...
ومازالت رائحة أمها تعج في المكان..
كانت الجليلة توشك على الانهيار ولكنها قوّت نفسها من أجل بثينة وأميرة..
أشعلت الاضاءة وهي تبحث في أرجاء المكان مع أنها متأكدة أنها غير موجودة..
ثم دفعت نفسها دفعا إلى داخل الغرفة.. فتحت الباب وكانت الغرفة معتمة تماما.. أشعلت الإضاءة..
ورائحة أمها تصبح أقوى وأقوى..
والجليلة تشعر أنها ستموت فعليا من الوجع.. وهي تحاول ألا تقع عينيها على أي شيء من أغراض أمها..
ولا تعرف أين الأولية ؟
حزنها المرير الغض الذي مزّق روحها
أم قلقها على أختها التي لا تعلم أين اختفت..
همست بقلق وهي تحاول جاهدة ألا تركز في شيء في الغرفة: مهيب هنا بعد... وين بتروح ياربي؟؟
همست صيتة التي كانت في الخامسة عشرة في حينه بذات نبرة القلق:.. خلينا ندور في الحمام..
الجليلة ترفض الفكرة في ذاتها لأنها مرعوبة منها.. وتدعو الله ألا تكون هناك..
فالجناح كاملا كان يغرق في الظلام وكذلك الحمام..
ومع ذلك دفعت نفسها أيضا دفعا نحوه..
حاولت فتحه كان قويا بعض الشيء..
فتحته وأشعلت الإضاءة..
لتجد الصدمة المرعبة بكل المقاييس أمامها..
كانت أميرة ممددة على البلاط ..فاقدة للوعي..
فالصغيرة حين خرجت من عند بثينة مرت غرفة أمها ودخلت..
لأن لها يومان لم ترَ أمها...
وكانت تسأل عنها وتبكي تريدها..
كانت تظن أن أمها في غرفتها مريضة كما تكرر كثيرا في الفترة الماضية..
وهي تصاحبها وتنزوي في حضنها طوال اليوم..
حين دخلت الغرفة كان الوقت مازال عصرا..
وهناك نور يتسرب عبر النوافذ..
لم تجدها في الصالة ولا في الغرفة وهي تدخل وتغلق الباب خلفها حتى لا يمنعها أحد..
لأنها اليومين الماضية كانت تحاول أن تدخل ويمنعونها ..
ثم دخلت الحمام الذي انغلق عليها... وهي تنادي أمها.
ولنا أن نتصور أن الطفلة ذات الأعوام الأربعة بقيت تصرخ وتبكي حتى حل الظلام عليها...
لتزداد صرخاتها وجزعها ورعبها والمكان حولها يغرق في ظلام دامس..
ليرحمها الله أن تفقد الوعي بعد ثلاث ساعات متواصلة من البكاء الهستيري وطرق الباب حتى تمزقت أناملها الصغيرة وتجرحت وأدمت..وتورمت يديها.. إلى درجة أن اثنين من أظافرها سقطا بعد ذلك..
ولم يسمعها أحد.. فكل الأبواب كانت مغلقة.. وكتمت صرخاتها.. خصوصا أن صوتها قد بح وخفت بعد نصف ساعة من الصراخ بكل قوتها..
جليلة حين رأتها قفز قلبها في حلقها.. وانكبت عليها ترفعها..وهي تنشج بصوت مسموع..
كان جسد أميرة متخشبا تماما..
لا ينثني أي عضو فيها.. ولم تستطع رفعها..
حينها عاونتها صيتة لتحملاها معا وتضعانها على السرير..
بثينة بدأت تنتحب بهستيرية: كله مني كله مني... أنا خليتها تروح..
كان لازم أروح معها..
جليلة وصيتة وضعتا أميرة على السرير..
همست جليلة لبثينة بحزم بين دموعها وهي تحاول إيقاظ أميرة: أنتي مالش ذنب في شيء..
هي اللي دخلت هنا بروحها.. وهذا شيء ربي كتبه..
وإن كانت الجليلة أرادت بالفعل أن تنزع من داخل بثينة أي إحساس بالذنب لكنه بقي مع بثينة وقتا طويلا.. طويلا..
بينما الجليلة لم تستطع أبدا نزعه من نفسها.. كانت تشعر أن الذنب ذنبها وحدها.. وأنها كان يحب ألا تترك أميرة لحظة واحدة..
الصغيرة لم تستيقظ ولم تتحرك.. وجسدها مازال متصلبا..
اتصلت الجليلة بوالدها وأخبرته.. ورجته أن يتصل بالإسعاف فورا..
بقيت أميرة في المستشفى لشهر كامل معها الجليلة ووالدها..
تتابعها فيه طبيبة نفسية إلى جانب العلاج الطبي والفيريائي..
بينما بثينة ومساعد بقيا عند أم متعب وفي رعاية صيتة..
خلال هذه الأسابيع في المستشفى كان وضع أميرة سيئا جدا... ودموع الجليلة لا تتوقف على حالها..
في البدء كانت الصغيرة لا تتكلم أبدا ولا تتحرك..
فقط عيناها مفتوحتان..
بعدها بأسبوع كلما فتحت عيناها كانت تصرخ بهستيرية ورعب... دون أن تتكلم او تتحرك..
بعدها بعدة أيام..كانت كلما فتحت عيناها تقفز من السرير صارخة تبحث عن الجليلة حتى تختبئ في حضنها وتخفي وجهها فيه.. دون أن تتكلم..
المرحلة الأخيرة عادت للكلام.. لكنها كانت ملتصقة بالجليلة.. التصاقا جنينيا..
كانت تشعر بالرعب الحقيقي بعيدا عن الجليلة.. وتكره أن تتذكر ماحدث لها.. وترفض الحديث عنه..
ومرت سنوات طويلة وهي لا تدخل الحمام وحدها..
وترفض إغلاق بابه..
وترفض إطفاء الأنوار حتى وهي نائمة..
وتبكي كثيرا.. وتقفز من نومها مرعوبة تصرخ بهستيرية..
وكانت الجليلة تفعل كل شيء معها بالتدريج.. بتأني كبير..
و حاولت الجليلة أن تحل كل شيء بعيدا عن ارتباط أميرة بها.. لأن هذا الارتباط هو مايعطي أميرة القوة لمجابهة مخاوفها..
فهي الآن ماعادت تخاف الظلام.. ولا البقاء وحيدة.. ولا إغلاق الحمام..
لا تخاف إلا من شيء واحد.. هــــــــو فقدان الجليلة..
لأن تلك الحادثة ارتبطت في ذهنها ودواخلها بفقدان أمها وعدم وجود الجليلة لتحميها من الرعب الذي عاشته والذي يفوق سنوات عمرها بكثير.. بكثير..
والذي مازالت ترفض الحديث عنه أو مجرد تذكره..
.
.
.
" وليش ماعلمتوني زين..
إبي جاء زارني عقب وفاة امي
ليه ماعلمني؟؟ ليه؟؟"
تنهدت الجليلة وهي تربت على كتف شهاب بشجن وحزن ومؤازرة كل المشاعر المتناقضة:
شهاب اللي فيك مكفيك..
وش له نزودها عليك..
ثم أردفت بحزن أعمق: بعدين شهاب أنت حتى ما كنت طايق تشوفنا.. عشان نعلمك علومنا..
شهاب عاوده جموده الغريب: لا تلوميني يا أخيش.. كنت أكره نفسي لا جيتوا تزوروني..
أكره تشوفوني في ذا المنظر..
وعقب ما مات إبي وأمي.. حسيت بالقهر يأكلني إنكم أيتام وبروحكم.. وأخيكم الكبير اللي مفروض يكون جنبكم مسجون يدافع عن غيركم..
ثم أردف شهاب بوجع: جليلة لا تشرهين..أنا ارتكبت ذنوب كثيرة في حق الناس اللي أحبهم.. بس غصبا عني.. ياجليلة.. غصبا عني..
أنتي الحين تشرهين علي إني ماكنت أبيكم تجوني..
تدرين وش سويت في أعز رفيق لي يوم جاني؟؟
بلغه إبيه باللي صار.. جاني فورا من أمريكا.. وقبل يجيني إبي وعمي..
كان أول حد جا يزورني.. قبل حتى يجوني هلي.. عادني في التحقيقات وجايب معه اثنين محامين.. تدرين وش سويت فيه؟!!
الجليلة بتساؤل واستغراب وتوجس من طريقته في الكلام: وش سويت؟؟
شهاب بحزم مغموس بالوجع: طردته.. وحلفت عليه ماعاد يوريني وجهه..
************************************
ابتسم تركي وهتف بنبرة مقصودة: شكلك ذا الأيام مشغول جدا؟!!
هتف فُرات بثقة: إي والله جدا.. قاعدين نصب أساسات المشروع الجديد..
وعندي اجتماعات ما تخلص ما أرجع البيت إلا آخر الليل
ويادوب أروح أعطي المحاضرتين اللي أنت ورطتني فيها..
حتى لو أنت ما كلمتني إنك تبيني ضروري وكنت مابعد طلعت من البيت
وإلا ماكان قدرت أواجهك..
تركي بذات الابتسامة المريبة: توقعت كذا..
بس أحسن عشان أخذ البشارة..
فُرات باستغراب:
بــــشــــارة ويـــــــش؟؟
تركي حينها أشرق وجهه واتسعت ابتسامته: أنا كنت متوقع إنك دريت.. بس يوم شفتك كل يوم تكلمني طبيعي ولا كنك دريت بشيء.. توقعت إنك مادريت.. وكنت أتمنى إنك مادريت.. عشان أشوف وجهك لا بشرتك..
يا الله يدك على البشارة يا أبو حمد..
اردف وابتسامته تتسع: شهاب طلع ..وقده في الدوحة من حوالي 4 أيام..
حــــيـــنـــــــها..
همس فُرات بهدوء شديد.. شــــديـــــد.. شــــــــديــــــــــــد.. .
بالكاد تخرج الكلمات من فمه لشدة هدوءه: ممكن تعيد.. وش قلت؟؟
فرات كان خالي الذهن تماما..
حين قال له تركي بشارة.. توقع كثير من الأشياء على رأسها أن دكتور حسني سيستلم المجموعة منه بدءا من المحاضرة القادمة مثلا..
ولكن بشارة مثل هذه لا تستدعي أن تركي بالكاد يسلم على أهله ثم يحضر له مباشرة دون أن يبدل ملابس السفر حتى..
فهو مازال يرتدي البنطلون والقميص التي حضر بها من المطار..
لـــــكــــــــن..
نعم.. نعم.. نــــــــــعــــــــم!!
بشارة مثل هذه تستحق أن يحضر له قبل أن يذهب إلى أهله حتى..
بل كيف هان عليه أن يذهب إلى أهله أولا؟!!
بل كيف هان عليه أن ينتظر أربعة أيام حتى يخبره؟!!
بل كيف هان عليه هو فرات أن ينشغل بأي شيء وشهاب في الدوحة؟!!
وكيف هان على شهاب نفسه يكون في الدوحة من 4 أيام ولا يتواصل معه؟!!
أ ليس هذا وعدهما؟!! أ ليس هذا الوعد؟!!
شهاب في الدوحة..
شهاب في الدوحة..
أ يعقل شهاب في الدوحة؟!! وأخـــــيــــــــرا!!
منذ زمن طويل طويل طويل لم يشعر أنه غير قادر على السيطرة على مشاعره مثل الآن
هتف لتركي بذات الهدوء الملغوم الذي يخفي تحته نارا تستعر: قوم وصلني ..
وحسابك معي بعدين..
ابتسم تركي: بوصلك بس ما أني بداخل معك.. بروح أتسبح وأبدل.. ثم بجيكم..
والحساب يوم الحساب..
أنا أبي بشارتي وبس.. لك أكثر من عشر سنين توعدني فيها..
وشوفة تعابير وجهك تستاهل العنا..
أكمل عبارته ثم تناول هاتفه واتصل برقم عنده.. بعد التحيات المعتادة السريعة هتف بمودة:
مساعد فيه رجال بيجي يسلم على شهاب.. خله ينتظره في المجلس..
وبعدين شهاب عاده ماطلع رقم؟؟
..........................
صار معه تلفون.. ممتاز.. أرسل لي رقمه..
********************************
القاهرة قبل 17 عاما..
في قسم بوليس العجوزة بالدقي/ الجيزة..
صيف عام 1997..
" فرات واللي يرحم والديك ترا مهيب ناقصتك!!"
فرات متفجر بالغضب تماما.. يتآكل غضبا.. يحترق:
أكيد مهيب ناقصتني.. دام هي ودتك في داهية..
وكنت تلومني إني ما أحب نسوان العرب!! نعنبو لايمي عقب اليوم.. نعنبو لايمي..
في كل مكان وفي كل ديرة..
في الخليج وإلا في مصر وإلا في العراق وإلا في أي بلد عربي هم سبب كل المصايب والبلاوي
ليت الله يحصدهم ويخلص العالم منهم.. كان حن الحين في خير..
1
شهاب متفجر بالغضب كذلك. فما فيه يكفيه.. ولا يحتاج لوما من أحد:
أنت جاي من أمريكا وأنا لي سنتين ماشفتك قاعد فيها عند مرتك الأمريكية.. عشان يوم أشوفك تطلع عقدك عليّ..
كفاية فرات صارت لك 3 أيام وأنت مأكل كبدي وأنا كبدي أصلا محترقة..
اتسعت عينا فرات بصدمة: لا منت ب صاحي.. عادك مع شينك قوات عينك..
أنت داري إن المحامين يقولون موقفك ضعيف جدا..
ويمكن ينحكم عليك إعدام في جريمة أنت ماسويتها..
شهاب بعناد متحسر: ما أبيك ولا أبي محامينك.. أنا ما سويت شيء غلط وربي مارح يخذلني..
أنا دافعت عن أرملة أم أيتام..
فُرات بسخرية موجوعة.. فهو يكاد يموت قهرا بكل معنى الكلمة:
وهي قتلته ولبستك أنت الجريمة.. اشرب الحين.. اشرب..
شهاب بدفاع: هي أبدا ما لبستني الجريمة.. لدرجة انها اعترفت إنها اللي قتلته..مع إني قلت لها ماتقول..
بس هله يبون يطلعون ولدهم شهيد عشان سمعتهم على حسابي..
.
.
قبل ذلك بأسبوع..
كان شهاب قد أنهى فصله الصيفي.. بنجاح.. وأنهى تصديق أوراقه للعودة إلى الدوحة في غضون أسبوع..
كان شهاب طالبا متفوقا في جامعة قطر في تخصص القانون..
وتبقى عليه مادتين فقط للتخرج..
ولم يتم طرحها في الفصل الصيفي..
فقرر أخذها خارج قطر.. حتى لا يتأجل تخرجه للعام المقبل..
حاولت والدته إقناعه ألا يذهب.. ولماذا الاستعجال..
وما المشكلة لو تعطل تخرجه لفصل إضافي؟؟
حاولت إقناعه بكل الطرق..
ولكنه كان مصرا ..
وذهــــــــب..
ذهـــــــــــــــــــــــ ـــب...
كان يسكن في شقة صغيرة في منطقة المهندسين..
وكان بواب العمارة التي سكنها قد توفي قبل عدة أشهر..
وكانت زوجته تقوم بعمله.. بعد أن رجت صاحب العمارة ألا يطردها..
فهي لديها طفلين صغيرين ليس لهما سواها..
فتركها على شرط أن تدبر نفسها في غضون أشهر.. لأن عمل البواب لا يقوم به إلا رجل..
كان شهاب في تلك الليلة قد نام مبكرا.. كعادته..
حتى يلحق بصلاة الفجر مع الجماعة..
وكان عادة يذهب قبل الآذان ويصل مع المؤذن أو قبله في أحيان كثيرة..
وكان يخرج من باب العمارة الخلفي.. باب الخدمات لأنه الأقرب للمسجد..
بينما الباب الأمامي يستغرق أكثر من عشر دقائق اضافية ليدور حول العمارات المتراصة..
باب الخدمات يقع في مستوى أقل من الباب الرئيسي.. ولا يوجد فيه إلا مخازن السكان والخدمات وسكن البواب...
كان شهاب ينزل الدرج المؤدي إلى باب الخدمات.. مازال يغلق أزرار كميه بعد الوضوء..
وماء الوضوء مازال يتقاطر من وجهه...
حينها انتفض بقوة.. سمع اسمه..
متأكد إنه سمع من يناديه..
كان أحدهم يستنجد وينادي باسمه تحديدا..
كان صوت امرأة تصرخ:
الحقني ياسي شهاب..
ياسي شهاب..
كانت تعلم يائسة أن لا أحد ينزل في هذا الوقت المبكر وقبل الآذان إلا شهاب.. وأنه هو من يستخدم باب الخدمات القريب منها..
كانت تصرخ باسمه... وهي تدعو الله أن يرسله لها أو يرسل لها سواه..
كانت تدعو الله من قلبها.. من عمق قلبها..
شهاب توقف للتأكد من أين يأتي الصوت..
كان يأتي من خلف باب سكن البواب المغلق..
اقترب من الباب .. فازداد الصوت علوا..
وتأكد أن المرأة بالداخل تستنجد به تحديدا..
تدفق دم الحمية في عروق شهاب حارا وهو يرفس الباب بقدمه فيخلعه..
ليتفاجأ بالمنظر البشع أمامه..
كان أحد سكان العمارة يحاول الاعتداء عليها..
ومازالت تدافع عن نفسها بشراسة.. وبجوارها صغيراها يبكيان..
كانا طفلين بعمر السنة والسنتين..
شهاب انتزعه من فوقها بقوة..
وهو يصفعه عدة صفعات بكل قوته ثم ألقاه أرضا هو يستدير ليعطيهما ظهره..
وهو يقول للمرأة بأنفاسه المتطايرة وغضبه الذي مازال محتدما:
البسي ملابسش يا أختي..
الحين بكلم الشرطة يجون يأخذونه..
لفت المرأة نفسها بملاءة..
في الوقت الذي استغل الرجل الملقى أرضا أن شهاب أعطاه ظهره...
وتناول سكينه التي كان يهدد المرأة بها..
وكان على وشك طعن شهاب..
فانتبهت المرأة له..وتناولت شمعدانا حديديا بالقرب منها..
وضربت به المعتدي على رأسه..
لتكون إصابة مباشرة وقاتلة..
شهاب نظر بذهول للرجل الغارق في دمه.. وهو يجس نبضه ليجده فارق الحياة فعلا..
توقف للحظات مذهولا.. ثم هتف للمرأة بحزم:
اسمعيني يا أختي.. الناس بيطلعون للصلاة الان..
خلينا نتفق ..
أنا اللي قتلته.. الحين بأمسح بصماتك من الشمعدان وأحط بصماتي..
انتي عيالك صغار وماعندهم حد غيرك..
إذا شهدتي معي إني كنت أدافع عنك..
مارح أخذ إلا سنة أو سنتين بالكثير..
بس أنتي عيالك ذا السنة وإلا ذا السنتين وين بيروحون...
.
.
.
فرات مازال متفجرا بكل الغضب: واحنا وش نستفيد من اعترافها..
مرة غبية..غبية.. حتى كلامها كله جاء متناقض..
وعرفوا أنها تكذب عشان تحميك..
وزادت الطين بلة.. ورطتك أكثر..
وعقب اعترفت أنها اللي قتلته.. وورطتك أكثر وأكثر..ولا عاد فاد..
بصماتك أنت اللي على سلاح الجريمة..
وقالوا إنك أنت وإياها اللي استدرجتوه..
يعني حتى تضحيتك عشانها وعشان عيالها مالها قيمة..
رح تنسجن على كل حال..
شهاب بحزم وإصرار: عندي.. التضحية لها كل القيمة ولا أنا بندمان أبدا..
فرات مازال غضبه يسيره: أنت منت ب راضي تفهمني.. أنا لو في مكانك سويت نفسك بالضبط.. مستحيل أتجاهل مرة تستنجد.. كيف لو هي تستنجد فيني أنا..
بس الغلط اللي أنت سويته... ذا الفيلم البايخ.. كان خليت الأمور تمشي صح.. هي دافعت عن نفسها.. وقتلته.. أمر بسيط ومنطقي..
ليه تمسح بصماتها وتحط بصماتك؟؟
شهاب جلس وجسده كله ينهار وهو يهتف بإرهاق: فرات اعتقني الله يعتقك..
تراني والله ما عاد فيني أتحمل.. وصلت أخري يا أخيك..
واللي فيني مكفيني.. لا تأكل كبدي وهي محترقة..
فرات بذات الغضب المدمر الذي لا يتزحزح:
وش تبيني أسوي؟!!
انتظر لين أشوفك معلق على حبل المشنقة؟!!
ثم أردف بغضب أكبر و مرارة أكبر واكبر:
كله منك.. ومن تعاملك مع الأمور..
كل تصرفاتك غلط.. وردات فعلك غلط..
كل شيء سويته وتسويه غلط..
حينها وقف شهاب كان بالفعل فيه مايكفيه.. وكان لا يريد أن يراه أحد وفي هذا الموقف..
وكان في حينها متيقنا أنه سيخرج قريبا.. وآخر ما يحتاجه هو تأنيب هذا اللي لم يتوقف عن تأنيبه من ثلاثة أيام حتى اليوم..
هتف بحزم غاضب: وأنا ما طلبت منك تجي وتتحمل معي نتيجة أغلاطي..
أنا أتحمل أغلاطي بروحي..
اطلع من عندي يافرات..اطلع .. ماعاد أبي أشوف وجهك إلا في الدوحة..
فكني من شرك يا ولد آل سطام..
فرات بإصرار: أنا ماني بطالع من ذا الديرة إلا رجلي على رجلك..
إذا أنت مجنون ما تعرف مصلحتك أنا أعرفها..
حينها هتف شهاب بغضب كبير: أنت تفهم وإلا ماتفهم...
انا ما أبيك.. وماني محتاجك.. ولا رح أحتاجك في يوم..
ومهوب كل شيء لازم يمشي على كيفك..
والحين والله ثم والله إن تطلع من عندي على المطار.. ولا لك شغل فيني..
ووالله ثم والله ماعاد تشوف وجهي إلا في الدوحة..
والله لا تفجرني إني ماعاد أعرفك عمري كله..
فرات كان مصدوم.. مصدوما.. لا يتفهم حتى ردة فعل شهاب الغريبة: طالبك يا أخيك تستغفر.. أنت تبي تذبحني..
شهاب كان غاضبا من كل شيء.. كان مقهورا..وكانت حمية الشباب وحماسهم ونزقهم تأخذه إلى أبعد حد..
كان يشعر بالحرقة والظلم والضياع.. ونفّس عن غضبه في وجه أول وجه قريب منه يراه في محنته:
كلها سنة وإلا سنتين..ونتواجه..
ارجع فيها عند مرتك وديرتها..
وحتى لو صارت عشرين سنة.. ما أبي أشوف وجهك عندي..
حلفت ماعاد نتواجه ولا تشوفني إلا في الدوحة..
والله إن تطلع الحين.. اطلع أقول لك.. برا يا الله..
فرات بغضب: ماني ب طالع ولا رايح مكان.. اطعم لك عشرة مساكين عن حلفك وإلا صوم ثلاث أيام..
أنا قاعد لين أشوف آخر سالفتك يا سوبرمان.. يا نصير النساء..
حينها انفجر شهاب انفجر تماما: أنت جاي تبي تطلع عقدك علي؟؟.. تبي تخلي ذا المرة المسكينة اللي أنا أنقذتها مثال لصورتك المريضة عن المرأة العربية وبس
وتبي تقعد تنظّر فوق رأسي نظرياتك المريضة.. يا أخي أنا ماني بطايقك.. ولا طايق أفكارك المريضة..
اطلع برا.. فكني من شرك.. ما أبي أشوف وجهك.. برا.. برا..
حينها أشاح فرات بوجهه.. وانسحب دون أن يودعه.. وهتف بحزم:
أنا طالع المطار ..
ووالله ماعاد تشوف وجهي إلا في الدوحة على حلوفتك..
بس المحامين بيقعدون معك لين ينحكم في قضيتك..
كلاهما جرح الآخر جرحا غائرا.. تماما..
وغـــــــــادر..
كان جرحا ماكنا.. ترك أثرا عميقا في نفس كل منهما..
وكانت تلك المرة هي المرة الأخيرة التي يرى فيها شهاب فرات..
وهو يغادره مُهانا مطرودا..
ولم يعرف بعدها أي شيء عنه.. فهو لم يسأل عنه أبدا في استمرار غريب لردات فعله الغريبة في السجن... وتصرفاته الاغرب مع الجميع..
تصرفاته الجامدة غير المفهومة وهو يبعد الجميع عنه..
ولكن فُرات كان يسأل تركي عنه دائما ..
وكان دائما يقول له: اليوم اللي تبشرني فيه بطلعة شهاب..
لك فيه أكبر بشارة ممكن تتخيلها..
وبالتأكيد حين بشره تركي.. لم يكن يريد هذه البشارة..
لكنه أراد بالفعل أن يسعد فُرات وهو يعلم جيدا كم انتظر هذا الخبر..
كم انتظره طويلا!!
*******************************
" غريبة إني ما أعرف ذا الصديق!!"
ابتسم شهاب: ليه أنتي تعرفين أساسا أحد من ربعي؟؟.. وإلا قد علمتش باسم واحد منهم؟؟
ابتسمت الجليلة: لا والله عمرك ماقلت.. بس تقول: طالع مع ربعي وبس.. وإلا طالع مع رفيقي وبس..
بس ذا الرفيق اللي ترك أمريكا عشان يجي لك ويجيب لك محامين..
لازم أعرفه..
شهاب بابتسامة بشجن وحزن: ودي أنشد منه وينه وإلا وين راح.. بس مستحي.. مالي وجه..
ما طاوعني لساني أنشد منه..
ومن يوم جيت وأنا أفكر فيه..
ورحت لبيتهم القديم.. ماعاد عينته.. أو مادليته.. ما أعرف..
وأقول لو هو في الدوحة كان جاني.. مستحيل يدري إني هنا ولا يجي..والجماعة كلهم دارين إني هنا.. أكيد إنه عنده خبر..
وأرجع أقول يمكن إنه نساني.. هذي 17 سنة مرت.. وإلا عاده زعلان علي؟؟
وأقول يمكن إنه عاده في أمريكا ما رجع؟؟
قاطعه رنين هاتفه.. تناوله وهو يهتف بمودة حازمة: هلا مساعد
.................
في البيت داخل..
.................
إن شاء الله بأروح الحين..
شهاب أنهى الاتصال .. والتفت لجليلة وهتف بمودته الجامدة:
أنا رايح المجلس.. بيجي رجال يبي يسلم علي..
وعادنا ما خلصنا كلام في موضوع أميرة..
بس لازم تداومين.. بكرة
بكرة الأحد اسبوع جديد.. وانتي غبتي بما يكفي
حينها ابتسمت الجليلة: أبشر..
اصلا لازم أروح... عقب اسبوعين امتحان الامبريالي.. أبي ألحق اخذ المحاضرات..
شهاب يستعد للخروج وهو يبتسم: من الإمبريالي ذا؟؟..
الجليلة تستعد كذلك للصعود لأعلى وهي تبتسم: بعلمك بعدين..
**********************************
"خالد ... ممكن أدخل وإلا بزعجك؟؟"
خالد بمودة: تعالي غلوي..
أنا اصلا جاي بس ببدل واطلع أركض..
موب بس رجالش اللي رياضي ويركض..
كان بالفعل يرتدي لباسه الرياضي ويبدو مستعدا للخروج
ضحكت غالية: لو على رجالي عاجز ووده ينبطح وبس..
غير ربي بلاه برجال اختك ورجال بنت عمك..
غالية جلست جوار خالد الذي كان ينهي استعداده بلبس حذائه الرياضي وعقد خيوطه..
مدت كفها لتربت على فخذه بحنان: أنت زين فديتك؟؟ عسى منت متضايق؟؟ ولا عاد في خاطرك شيء؟؟
حينها تنهد خالد بغضب قلب حاله بشكل مفاجئ ونبرته الحازمة المتجبرة تحضر بكل قوة:
أنا أبي أعرف أنتو شايفيني بزر عمره خمس سنين.. أمه راحت وخلته؟
ولازم تطبطون عليه..
ياناس أنا رجال.. رجال.. أنهيت مرحلة من حياتي باقتناع تام مني..
وانتهينا.. انتهينا..
ولا عاد حد يفتح معي أي موضوع يخص طلاقي بأي شكل من الأشكال..
غالية انكمشت قليلا وهمست باختناق: كنت أبي أتطمن عليك بس..
ثم اردفت بحنان: حالك مهوب عاجبني فديتك..
حتى وزنك نازل... وش له تركض؟!!
خالد اغتصب ابتسامة وهو يقف ثم يميل ليقبل رأسها ويهتف بحنو مازال مطعما بنبرته الغاضبة:
مانقصت حتى كيلو واحد..
ولا تشغلين بالش يا أخيش.. مافيني إلا العافية..
خالد أنهى عبارته وتركها جالسة في غرفته ونزل ليركض..
خرج خارج المنزل.. وركض بسرعة حتى تجاوز منزلهم بشارعين..
بعدها توقف وهو يستند إلى جدار مسجد..
زفر بقوة وهو يشد بقبضته على أعلى صدره من اليسار..
كان يشعر بتصاعد الألم في قفصه الصدري..
وهو عاجز عن سحب أنفاسه وأضلاعه تنطبق على رئتيه بعنف..
وكأن المكان حوله خال تماما من الهواء..
. مع انه أواخر أكتوبر والجو كان منعشا ..
لكن تبدو له الدوحة كلها وكأنها خلت من الأكسجين..
وأن كل ما فيه يستنجد من الاختناق ولا يستطيع أن يفعل شيئا..
كان يحسب للطائرة حتى غادرت.. وهو يدعو الله ألا يخذله..
أن يمده بالقوة... أن يمنحه العزيمة لبدء طريقه من جديد..
فور تيقنه بمغادرتها هذا الصباح هاجمه هذا الإحساس المفاجئ المر بالاختناق..
الإحساس أنه يتنفس داخل صندوق أغلق عليه...
وأن رئتيه تيبستا من قلة الهواء..
تنهد بعمق.. وشعر أن حتى التنهيدة تؤلمه..
(إذا ماكنت قادر أنسى..لازم أتعود!)
عاود شد جسده.. ليحاول أن يعود للركض..
ولكنه لم يستطع أن يكمل جولته..
فالركض مع العجز عن التنفس الذي يشعر به كان تعذيبا حقيقيا.. نفسيا وجسديا..
لذا قرر أن يعود للبيت ليرتاح.. وأن يقرأ ورده و يصلي قيامه كي ينام مبكرا..
************************************
"أبوفرات تدري وين ولدك المزيون
بنته المزيونة تدق عليه ما يرد
موب عوايده أبد يسفهني"
حين دخلت غرفة جدها كان يقرأ في مصحفه.. لذا هتفت بتراجع وخجل: آسفة يبه قاطعتك؟؟
هتف أبو فرات بحنان وهو يضع مصحفه في مكانه: تعالي أنا أصلا خلصت..
وفرات أكيد مشغول جدا وإلا في اجتماع عشان كذا مارد على بنته المزيونة..
الله يعينه ذا الأيام.. يا الله أشوفه خمس دقايق في اليوم..
ثم تنهد بحزن: ما أعرف لمتى وهو هالك نفسه في الشغل كذا؟!
حينها زفرت مي بضيق وهي تجلس جواره: كنت أبي أشوف لو هو بيتعشى معنا.. حمد وحامد موجودين في البيت.. قلت نتعشى سوا...
ابتسم الجد وهو وهو يحتضن كتفيها ويقبل قمة رأسها: ماعليه إبيش دايما موجود حزة العشاء..
بس الاثنين ذولا دايما واحد منهم غير موجود.. خصوصا حامد..
" وأنا كل مادخلت عليكم إلا لازم أسمع اسمي..
ما تخافون الله من كثر ما تغتابوني.."
أبوفرات ابتسم بمودة وهو يتلقى حامد الذي قبل رأسه ويده: وأنت ماتخاف الله من كثر ما تنصت..
ضحك حامد: بابك مفتوح وصوتك عالي..الصوت هو اللي جاني..
ثم أردف بمودة عميقة وهو يجلس جوار حمد الكبير من الناحية الأخرى ويمسك بيده ويشد عليها:
اشلونك جعلني فداك..
ابتسم أبوفرات بشفافيته المعتادة: أنا طيب يا أبيك.. أنت اللي اشلونك.. وأخبار تدريباتك؟؟
حامد بمودة: كل شيء زين .. وعندي سفرة قريبة.. عندنا بطولة برا..
ثم أردف بتذكر: ترا مساعد ولد طالب آل حزام كلمني.. يعزم على عشاء كبير على سلامة أخيه عقب بكرة..
وطلب رقمك أنت وفرات.. قلت أنا بقول لهم..
حينها استدار أبوفرات نحو حامد وهو يهتف بصدمة وعيناه تتسعان: من إخيه؟؟ شهاب؟؟ متى طلع؟؟ وفُرات درى إنه رجع؟؟ فُرات درى؟؟
حامد هز كتفيه: ما أعرف.. أنا أصلا تغديت عندهم قبل كم يوم.. بس لهيت ونسيت أقول لكم..
حينها ابتسم أبوفرات ابتسامة واسعة: تبي لك بشارة أكبر من رأسك؟؟.. دق على فرات وعلمه إن شهاب طلع..
حينها ضحك حامد وهو يتصل بفرات عدة مرات دون رد: ماحد يعيف البشارة بس ليه بيعطيني بشارة؟؟
ثم أردف بنبرة مقصودة: مع إنه عندي خبر ثاني أظن بيعطيني بشارة عليه بعد..
********************************
قبل ذلك.. الوقت قبل المغرب..
لا يعلم أي عواصف كانت تهب عاتية عنيفة في روحه..
وهو يجلس صامتا بجوار تركي في سيارته..
بعد أن وضع هاتفه على الصامت.. وطلب من سكرتيره إلغاء كل أعماله واجتماعاته..
لم يكن يريد أي مقاطعة لما هو مقبل عليه..
لما انتظره سبعة عشر عاما عاما بعام..
لما يستحق منه أن يعايشه بكل التركيز والتفاصيل..
(وأخيرا يا شهاب في الدوحة عقب 17 سنة.. وأخيرا!!)
نزل من سيارة تركي دون أن يتكلم.. وهو يحث الخطا إلى المجلس الذي لم يدخله سابقا
وإن كان دخل المجلس المجاور له كثيرا..
كان دوما ينظر له في كل مرة يزور تركي مشغولا به ويترقب.. إلى درجة أنه سأل تركي ذات مرة: ليه مجلسكم أنتو وعمكم موب واحد؟؟
كيف أخين جنب بعض وكل واحد له مجلس..
كان يتمنى بكل لهفة الكون اللحظة التي سيدخل فيها ذلك المجلس الآخر.. اللحظة التي تأخرت كثيرا.. كثيرا..
وكان يظن أنه سيبقى لثمان سنوات متطاولة أخرى حتى يدخله..
ارتبط ذلك المجلس في ذهنه بعودة شهاب..
وهاهو شهاب يعود..
لا يعلم أي عواصف كانت تهب عاتية عنيفة في روحه..
وهو يجلس صامتا بجوار تركي في سيارته..
بعد أن وضع هاتفه على الصامت.. وطلب من سكرتيره إلغاء كل أعماله واجتماعاته..
لم يكن يريد أي مقاطعة لما هو مقبل عليه..
لما انتظره سبعة عشر عاما عاما بعام..
لما يستحق منه أن يعايشه بكل التركيز والتفاصيل..
(وأخيرا يا شهاب في الدوحة عقب 17 سنة.. وأخيرا!!)
نزل من سيارة تركي دون أن يتكلم.. وهو يحث الخطا إلى المجلس الذي لم يدخله سابقا
وإن كان دخل المجلس المجاور له كثيرا..
كان دوما ينظر له في كل مرة يزور تركي مشغولا به ويترقب.. إلى درجة أنه سأل تركي ذات مرة: ليه مجلسكم أنتو وعمكم موب واحد؟؟
كيف أخين جنب بعض وكل واحد له مجلس..
كان يتمنى بكل لهفة الكون اللحظة التي سيدخل فيها ذلك المجلس الآخر.. اللحظة التي تأخرت كثيرا.. كثيرا..
وكان يظن أنه سيبقى لثمان سنوات متطاولة أخرى حتى يدخله..
ارتبط ذلك المجلس في ذهنه بعودة شهاب..
وهاهو شهاب يعود..
وهاهو يخطو خطواته الأولى إلى داخل المجلس..
كانت صداقته مع شهاب تمتد لمراحل الدراسة الأولى..
لدخولهما الصف الأول معا.. رغم أن شهابا يصغر فُرات بعام واحد..
لكنه دخل المدرسة سابقا لعمره..
من يومها والاثنين يتزايد ترابطهما رغم الاختلافات بينهما..
كانا كثيرا ما يتشاجران.. نتيجة لاختلافهما في الرأي.. وخصوصا لقناعات فرات الغريبة عن المرأة العربية..
حاول شهاب جاهدا أن يمنع فرات من الزواج بامرأة أميركية..
رغم أن شهاب لم يكن عنده رفض لشخصية (أسماء) زوجة فرات الأميركية المسلمة المتدينة..
ولكنه رغم صغر سنه كان يرفض هذا الاختلاف الجذري والمكاني والثقافي بين شخصين سيجتمعان طيلة العمر وسيكون بينهما أطفال..
وحاول كثيرا اقناع فرات بهذا.. لكن قناعات فرات كانت راسخة..
سافر بعدها فرات ليدرس في أمريكا مع زوجته.. وترك فجوة فقد كبيرة في روح شهاب..
لكن التواصل لم ينقطع بينهما أبدا.. لا يستطيع أحد منهما أن يقدم على خطوة دون أن يستشير الآخر.. والاتصالات والرسائل البريدية الطويلة لا تتوقف بينهما..
قبل 17 عاما...
حينما اتصل أبوفرات بفرات وأخبره بما حدث صديقه.. كان فُرات حينها قد تخرج.. ويجهز العدة للعودة للدوحة..
ترك كل شيء دون تردد.. كل شيء حرفيا.. زوجته.. أولاده.. استعدادته للعودة.. عمله.. ففرات من وقتها كان قد بدأ أعماله الخاصة..
شهاب حينها كان أولويته الوحيدة.. لم يكن يفكر إلا في شهاب وحده..
وحين غادر فرات القاهرة مدحورا منكوبا موبوءا بالحسرة مسكونا بالفقد.. كان قد ترك جزءا كبيرا من روحه وراءه..
شطر روحه تركها خلفه..
احتاج زمنا طويلا كي يشعر بالتوازن في حياةٍ.. شهاب ليس فيها..
كتب له عشرات الرسائل الورقية التي لم تصله..
اتصل عشرات الاتصالات بذات الرقم التي لم يكن يرد عليه فيه إلا طالب والد شهاب..
وهو يهتف له بوجع ينحر روحه: الله كريم يا ولدي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفك