رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير بقلم انفاس قطر
رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية فضاءات الياس والامل pdf كاملة من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فضاءات الياس والامل كاملة من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فضاءات الياس والامل كاملة من الفصل الاول للاخير
رواية فضاءات الياس والامل كاملة بقلم وعد
مضى لي سنوات وأنا أكتبها أخذت من روحي الكثير
صغيرة مدللة ترفض الخروج وتعتصم بالخزائن المغلقة
فكرتها ليست جديدة لكنها ستكون جديدة
الرواية الجديدة في جانب منها ستكمل أحداثا مبتورة في روايتي الأولى (بعد الغياب)
تخص عائلة سعود فقط
سنعرف ماذا حدث لخالد والجازي ومزنة ومحمد
والشخصية التي دخلت في ختام الرواية
متعب ابن خالة سعود
سنتعرف على أسرته كاملة وأعمامه وأبناء أعمامه
الشخصيات الرئيسية في مجملها ستكون جديدة وشخصياتها متنوعة مختلفة الأعمار.. تماما كما أحبهم!
ولا يلزم أبدا لمن لم يقرأ بعد الغياب أن يكون قد قرأها حتى يقرأ معنا الرواية الجديدة
سيكون الأمر وكأنه يقرأ رواية جديدة
.
فضاءات اليأس والأمل
كتبتها برفق وشفافية
جعلت شخصياتها تتدفق بالحياة
ستشعرون بهم معكم
أخواتكم وإخوانكم وأمهاتكم وآبائكم وأولادكم
لا أستطيع أن أعدكم بشيء ، ولا أنها ستكون أفضل ..إلا أني أعدكم أنها ستكون رواية متفجرة بالحياة لأقصى حدودها
ستشعرون أنهم شخصيات حقيقية مثقلة بهموم الحياة وبمشاعر البشر المعقدة
لكن رجائي كما سبق وقلت لكم في مقدمة بين الأمس واليوم
هأنا أعود.. عدنا.. والعود أحمد
لا أعلم إن كنت أعود بشيء أفضل أو أسوأ..ولكن بالتأكيد أعود بكل الحب والمودة التي لا حدود لها
أعود لكم بخليط فكري وعاطفي عاصف...أعود لكم بـ "فضاءات اليأس والأمل"
ابنتي الرابعة التي أخذت من روحي وتفكيري الكثير
فضاءات اليأس والأمل/ الجزء الأول
كلنا في هذه الحياة مشروع (قـــائـــــــم) أو (مــــؤجــــل) لحقيقة واحدة
حقيقة اسمها "الــــــــحــــــــــرمـ� �ــــــــان"
تبهت كل حقائق الحياة
وتبقى حقيقة الحرمان ماثلة
أمواجا متتالية تغمرنا موجة بعد موجة
ونحن نحاول رفع رؤوسنا خارج الموجة
لتنتفس فقط..
أقصى أمانينا : أنفاس يتيمة.. ننفثها خارج بحر الحرمان
حينا نمد رؤوسنا لنتنفس أنفاسا مسلوبة من قسوة الحياة..
وأحيانا تخنق الأمواج مابقي من أنفاسنا الذابلة!!
ويختلف كل عــــابـــر لهذه الحياة في (يأس) حرمانه الذي يناوشه (الأمل)
وبونٌ شاسعٌ بين أطياف المحرومين ويأسهم وآمالهم..
تفرقهم الأشكال وأنماط الحرمان
و.. تجمعهم الــــوجـــيــعـــة!!
.
.
همس يائس بعمق سنواته الـــســـتــيـــن التي مضت..
ذلك الهمس العميق الذي تتذوق فيه استيطان الوجع.. واتساعه..
ذلك الهمس الذي تحكي نبراته امتدادات الحرقة المتطاولة..
ذلك الهمس المشبع باليأس دون بارقة أمل..
كان يقف منتصبا، يتوكأ على عكازه..
وينظر إلى ولده الجالس في صدر المجلس بنظرات غضب.. وشـــفــقة.. لا يعلم كيف اجتمعا..
غاضب منه حتى حدود السماء، ومشفق عليه حتى أقصى الأقاصي..
إنـــــه ولده الوحيد بين ثلاث بنات .. الأمل والامتداد العذب..و.... الحــــزن..
الحزن المقيم وهو يرى كيف غيرته السنوات الخمس الماضية..
" يا أبيك.. مايصير.. مايصير.. إلى متى؟؟
خمس سنين وأنت ماسك بنت الناس"
السنوات تمر.. تطحن ما أمامها.. ولابد أن تغير البشر.. هكذا ديدنها..
فكل يوم يمر عليك لا يتركك أبدا كما كنت بالأمس..
فكيف بمن هو مثل ولده؟!!
قضى سنواته الأخيرة في صراع نفسي ومجتمعي وأسري
يجد نفسه مجبرا على أن يقاومه على كل المستويات..
ويجب في كل يوم يمر أن يكون أقسى وأعند..
لكي يستطيع مواجهة اليوم التالي الذي يعلم أنه سيكون أشدُّ حدة ومرارة..
فكل يوم تزيد فيه خبراتك أو قدراتك الدفاعية أو حرقتك وقهرك..
تجابهك الحياة بتغيير استراتيجيتها لتقلب الطاولة عليك
ويبدو أن هذا الــــيـــوم هو واحد من تلك الأيام الأكثر حدة ومرارة!!
رد على والده: " بنت الناس؟؟!! يبه أنا ما أتذكر أني مسكت بنت أي ناس!!"
كانت نبرته الغريبة نبرة دهشة مصطنعة مغلفة بالصرامة..
هو يتلفت حوله باصطناع تمثيلي كأنه يبحث عن شيء ما..
ثم يرفع رأسه ومعه حاجبيه لوالده الذي يقف فوق رأسه مستندا على عصاه
كان ينظر إلى عيني والده المغمورتين في التجاعيد.. ويراهما تشتعلان ببريق غضب أثقله اليأس من عناده.
نبرة غضب تصدر من أعمق نقطة في صدر الشيخ.. مجللة بهذا اليأس العتيد.. يتكلم وهو يعلم أي إذن صماء يلقي عليها غضب حديثه..
يتكلم وهو يعلم أنه لا فائدة من الكلام إلا مزيدا من الحرقة لكليهما..
تعب.. تعب من هذا الموضوع الذي يلوكه منذ خمس سنوات مضت حتى الآن:
خويلد تراني ما أنا بخويك.. تهيبل عليّ يا الهبيل
حـــيـنــــها.. وقف خالد متنهدا تنهيدة بعمق بهذا اليأس المسفوح الذي أغرق روحه واستوطن كل خلاياه في بعدها..
تلك الظالمة المظلومة التي لا تعرف أنصاف الحلول.. هزّ رأسه وكأنه ينفض يأسه وذكراها التي لا تزول.. ذكراها التي وسمت روحه وسما غائرا يصعب إزالته أو حتى الوصول إليه..
وقف..ليُجلس والده باحترام فطري لابد أن يغلب عليه مهما تصاعد غضبه.. الذي كان متصاعدا منذ صباح هذا اليوم السيء..
ووقف وتناول الدلة من "المقهوي" ليقهوي والده بنفسه...
وهو يهتف بنبرة تجبر بات يتقنها حتى الإجادة.. حتى الإجادة:
ودامني هبيل.. خلوا الهبيل منكم.. قدام يحوشكم شيء من هباله..
تنهد أبو خالد بحرقة، أخذت السنوات منه الكثير..ماعاد في العمر كما مضى..
وهذا الشاب هو السند الوحيد الذي خرج به من الدنيا..هو كل مابقي من الأحلام التي أهلكها مرور السنوات الغادرة دون بارقة أمل..
كان يعلم منذ مراهقته أنه حين يغضب يصبح غير قابل للتفاهم.. مخلوق انفعالي مثقل بالكبرياء..
تمر به عشرات الحوادث.. وعشرات الذكريات..
كان سيقتل سعود ابن عمه ليلة ملكته من دانة شقيقته..
وكان سيقتل سعد ليعيد دانة لسعود..
وقبل أيام تلاسن مع زوج شقيقته غالية لأنه ظن أنها جاءت غاضبة منه..
وكانا سيتعاركان، لولا أن غالية خرجت لهما وقالت إنه لا شيء بينها وبين زوجها..
اعتاد على عصبيته وتهوره وغضبه.. وتقبلها كجزء من شخصيته عجز عن معالجته..
ولكن شتان بين عصبيته المراهقة الطائشة قبلا وعصبيته المتجبرة البالغة أقصى حدود التجبر الآن...
لا شيء يشبه هذا الغضب الذي كاد يغير شخصيته كاملة، إن لم يكن غيرها فعلا.. لا شيء..
خمس سنوات مرت منذ عقد قرانهما، وغضبه لا يخف ولا ينزاح ولا ينجلي..
كلما أمعنت في رفضه.. زاد في غضبه..
وهي تزداد عنادا.. ليزداد غضبا فوق غضب..
حتى بات الغضب والعصبية صفاته الملاصقة له..
هل من الممكن أن يلون الغضب وجه إنسان ما ؟؟ يرسم ملامحه؟؟ ويزفره مع أنفاسه؟؟
إن كان ذلك يصح..؟؟ فهذا وجه خالد!!
تنهد الشيخ بألم، بعمق سنوات شيخوخته وهو يهتف مثقلا بمرارة التمزق بين ابنه وأبناء شقيقه المتوفي:
أعوذ بالله منك يا ابليس.. تعوذ من الشيطان..
والله يا فعايلك مايسويها عاقل.. احشم عيال عمك... احشم سعود رجّال أختك ومحمد رفيقك اللي أنت وهو شيء(ن) واحد..
خمس سنين وأنت معلق البنت ولا أنت براضي تطلقها..
وهم حاشمين أنك ولد عمهم.. وإلا كان اطلبوا الطلاق في المحكمة..
يا أبيك العرس مهوب غصيبة.. خل البنت توفق.. وأنت بتلقى لك بدل البنت ألف..
انتفض خالد بعنف وانتفضت الدلة الساخنة في يده.. وكادت الدلة تسلخ جلد يده والقهوة تتناثر عليه..
تدارك نفسه.. وناول الدلة للمقهوي.. وأنزل يده في ماء الفناجين أمامه.. ليبرد الحرق..
ولكن..لا حريق كحريق الجوف!!
لا حريق كحريق الجوف!!
عيناه ترمشان بسرعة لتكشفا عن بريق مخيف لابد أن يحضر كلما حضر هذا الموضوع.. بريق تخالطت فيه القسوة والألم :
نعم يبه؟؟ نعم؟؟ توفق؟؟
الجازي مالها توفيق غيري..
خمس سنين وأنا ارتجيها نحدد موعد عرسنا اللي شابت رموشي وأنا أتناه.. وأنت تقول توفق..
اللي بيفكر في الجازي لو في حلمه بس.. خليت أحلامه كوابيس..
ينفث أبو خالد يأسه وقهره وهو يشد خالد جواره بحنوه الأبوي ويربت على ذراعه المشدودة العروق..
ككل جسده الذي يشعر بتسارع نبضاته وانشداد كل عروقه وشرايينه.. كما لو كان جسده يوشك على الانفجار لشدة الضغط:
يا أبيك لو هي بتوافق كان وافقت ذا السنين كلها ..
تملكتوا أول ماخلصت الجازي ثانوي..
وهذي هي تخرجت من سنة..وتوظفت.. واللي في رأسها في رأسها..
خالد يضع يده الحرة فوق كف والده الساكنة على ذراعه.. وعيناه كما لو كانت تنظران لشيء غير مرئي، ويزفر بحزم بالغ .. حزم من يحادث نفسه:
مصير رأسها ينكسر.. والحب اللي في رأسها ينطحن..
(اهربي أيتها الشاردة.. اهربي لأبعد مجرة
اجفلي مني أيتها "الجفول"
في ختام الأمر ستهربين لتجدي نفسك تسقطين في حضني.. كشهاب سقط من السماء لتستقبله أحضان الأرض
يا نجمتي المتباعدة..
أيتها الجازية.. يا نجمتي المتلألئة في سماءٍ.. لا نجوم فيها سواك
همنجواي قال ذات مساء مجنون ملائكي .. مساء لابد يشبهك في ملائكيته ويشبهني في جنوني:
(الحب هو المرض الوحيد الذي لا يريد المريض الشفاء منه)
وأنا ( بـــكِ ) مريض.. مريض حتى أقصى ذرة في أقصى خلاياي
لا أريد أن أشفى منك.. لا أريد..
فهل العلاج إجباري يا ناس؟!!!!)
صـــــمـــــت..
يشعر بنفسه مستنزفا خاليا من الطاقة.. هذه هي المواجهة الثانية في هذا اليوم وعن نفس الموضوع..
ومواجهة الصباح كانت أحد وأقسى.. وأكثر ألما..
أكثر ألما بكثير!! بـــكـــــثـــــيـــر!!
************************
(هـــــــــــــي) مصدر ألمه.... وقسوته.. ضحيته.... و....جلادته!!
أثقلتها سنوات الأسر الاجباري.. وحرمانها القسري من حريتها.. هذا السجن الذي باتت جدرانه تتهاوى عليها لتكتم أنفاسها:
" دانة تكفين.. فديت عينش
كلمي أخيش الزفت يعطيني تصريح أسافر
أبي أروح ذا الدورة تكفين.. محمد وافق يوديني"
تقف دانة بشموخها الشفاف لتهمس بمرح شفاف مماثل: تكفين؟َ!.. وعقبه أخي الزفت!!..
انطقي.. يازينه حر الدوحة..
قال دورة؟؟.. وفي جنيف؟؟.. نعنبو وش ذا الحظ!!
الجازي تهمس بمرح هو للموت أقرب..مرح يشعرك بالرغبة في البكاء:
باموت.. أبي أشوف شيء غير حر الدوحة ذا الصيفية..
من يوم حط اسمه في السيستم مع اسمي وهو مثل اللي حكم علي بسجن مؤبد..
خمس سنين ماطلعت من الدوحة إلا للعمرة مرة وحدة وعقب طلايب
حتى الحج ما رضى يخليني أحج معش أنتي وسعود وأمي السنة اللي فاتت..
تخيلين القهر!!
تتنهد الدانة بحزن.. كم بات هذا الموضوع يحزنها ويشجيها من أجل هذين المجنونين/ المغبونين/ الظالمين/ المظلومين قبل أي شيء..
وفي مرتبة لاحقة تخشى على نفسها وحياتها من هذا الموضوع
وهي تخشى أن يزعزع الوضع بينها وبين سعود..
تعلم أن سعود ساكت عن الموضوع على مضض.. وهو ينتظر فقط إشارة من الجازي..
التي كلما فاتحها في الموضوع رجته بشدة أن لا يطلب من خالد أن يطلقها..
بعد المرة الوحيدة التي طلب منه ذلك قبل خمس سنوات..
وأشعلها خالد حربا حقيقية جعلتها ترجو سعود أن يتوقف عن طلب الطلاق لها من خالد.
تعلم حالة الجنون التي تصيب خالد من هذا الموضوع.. لذا تريده أن يمل ويطلق من نفسه..
لم تكن الجازي تريد أي مشاكل مع بيت عمها الوحيد..
أما مشكلة الدانة فهي أنها لا تستطيع أن تلوم أحدا سوى شقيقها ولا أحد سواه..
تحاول التغصب بابتسامة لتجدها تقف ببلعومها وترفض الارتسام: يقول ما تحجين إلا معاه.. يخاف عليش.. يبيش تحت عينه
تحاول الجازي أن تهمس بذات المرح الميت: تدرين.. المفروض يدخلوني موسوعة جينس..
أطول ملكة في التاريخ.. ذا الشهر بكمل 5 سنين..
تجيبها الدانة بنبرة مرح ميتة مشابهة: لا.. الهنوف بنت عم عيال خالتش تطوف عليش.. كملت ثمان سنين متملكة..
تهز الجازي كتفيها: لا... الهنوف حالة خاصة.. لا تقارنينها بأحد.. وبعدين تركي يستاهل تنتظره بدل السنة عشرين..
تراجعت دانة وهمست بعتب حقيقي موجوع: يعني ولد خالتش يستاهل.. بس أخي لا..؟!!
الجازي انتفضت بوجل.. أخر ما تريده أن تجرح الدانة الغالية على قلبها..
همست بيأس وهي تغالب بكاء لا تريده.. بكاء ترفض سكب دموعه: تكفين يا الغالية لا تزعلين مني..
موجوعة.. مــــــوجـــــوعـــــــــ ـــــة
وأخيش هذا ما يبي يفهم إنه لو انطبقت السماء على الأرض مستحيل يجمعنا بيت..
دانة تهمس بأمل.. تعلم أنه لا معنى له ولا نتيجة.. كما لو كنت تعيد أسطوانة مشروخة ستقول ذات الكلام.. لتتلقى ذات الجواب:
زين وأنتي ليه ما تجربين الحياة معه؟؟..
ابتسمت الجازي ابتسامة أقرب للبكاء وهي تتحسس خدها كما لو أن الألم عاد يصرخ فيها من جديد.. كأن صفعاته كانت بالأمس فقط:
لا... تكفين..
عطاني كف طيح لي ضرسين واحنا مالنا شهر متملكين..
ويوم طحت على الأرض شوتني برجله كني كورة كسر ضلع في قفصي الصدري. و كان بيكسر الحوض عندي..
أمنتش با الله.. وش الحياة اللي تغري بالتجربة مع أخيش؟!!
أنهت الجازي عبارتها واستدارت لتنظر عبر النافذة..
عيناها تتبعان عصفورا صغيرا وقف ليستريح على حاجز النافذة محتجا على حرارة هذا الصيف.. تنهدت من أقصى جوفها..
(قد يكون ذلك السبب هو السبب بداية ونهاية.. لكن مع كل هذا... كم من التعقيدات باتت بيننا ياخالد ؟!!
كم تزايدت التراكمات بيننا حتى ماعدت قادرة على التنفس؟؟..
لماذا تحكم عليّ بسجن تكون أنت سجاني فيه؟
ماهو الذنب الذي أذنبته حتى تكون أنت عقوبتي؟
خمس سنوات مرت علي متطاولة لا تنقضي وإحساس الظلم يخنقني..
إحساسي كسجين لا ذنب له.. وسجّانه يعلم أنه لا ذنب له.. ومع ذلك يصر السجّان أن يبقى السجين في أسره..
خمس سنوات من أجمل أيام عمري مضت ماشعرت فيها يوما بمتعة أو جنون شبابي..
لم أشعر سوى بهم يكتم على صدري.. هم السجين المسلوب الحرية..
إحساسي بكوني لك يقيدني في كل شيء..
لكني لا أريد أن أكون لك.. وأكره كونك قيدا لي..
فحررني.. أرجوك حررني!!!)
تتنهد دانة وهي تقف لتمسح على شعر الجازي الحريري الأسود المسترسل إلى خصرها..
شعرها ماعاد قــصــــيــــرا ولا أشــــــقـــــــــر.. كـــــمـــــــا كـــــــان!!
"الكشة المحترقة" كما وصفها خالد حين رآها قبل سنوات ست.. اخــــــتـــــفــــــــــ ـــــت..
اختفت تحت وطأة نضج مصفى مرير كان هــــــــــــــــــو من أشعل النار تحته:
خالد يحبش.. عطيه فرصة..
الجازي استدارت لدانة لتنظر في عينيها وتسأل بشكل مباشر: دانة أنتي متأكدة إن خالد يحبني؟
الدانة تراجعت بوجل وهي تحاول أن تزيح نظرها عن نظرة الجازي السابرة
(كم كبرتِ يا صغيرتي؟ كم كبرتِ!!)
بصقت الكلمة كحد موس تشعر به يمزق حبالها الصوتية:
ما أدري يا الجازي.. هو يقول إنه يحبش.. مافيه رجّال يحرص على مرة بذا الشكل إلا إذا كان يحبها..
وخالد تغير كثير.. عن وقت ملكتكم قبل 5 سنين.. هذاك الوقت توه عمره 23 سنة وطيش شباب.. والغيرة أعمت بصيرته..
الحين خالد رجال البيت الله يحفظه.. خلاص إبي رمى حمول البيت كلها عليه..
الجازي بضحكة قصيرة مبتورة مثقلة بالألم: خالد بيشيب وهو لا عصب يضيع مفتاح لسانه ويده..
دانة تتنهد: زين أنا ومزنة خواته الكبار يمكن تقولين حاشمنا .. أسألي غالية لو عمره مد يده عليها.. خالد أحرص علينا من أنفسنا..
الجازي بسخرية مرة.. شديدة المرارة.. مغموسة بحزن غريب لا يستحضره الا خالد وذكرى خالد: مافيه داعي نسأل غالية.. خلنا نسأل رجّالها.. خل نسأل حضرة الرائد.. أخر الضحايا..
****************************
" ياغالية.. واللي يرحم والديش هذي مهيب حالة "
( هذا جزا اللي يأخذ له بزر
الله يأخذ عدوك ياسعود من يوم حديتني على بنات عمك
ياربي على الحظ.. كنت أبي أختها الكبيرة
عيت المقرودة مني ولزقوا الصغيرة في رقبتي..
بيني وبينها فرق 11 سنة.. مهوب شوي ياناس)
غالية بهمس غاضب عاتب مستفز حزين يجمع كل المتناقضات كمشاعرها العصية على التفسير والتأويل :
" وش فيك؟؟ كلامي مهوب عاجبك أكيد؟! أكيد مهوب عاجبك
أكيد كلامهم أحلى من كلامي!!
إيييه.. هم يقولون اللي يعجبك.. وأنا.. كلامي سم على قلبك"
يتنهد وضيق حاد يتسلق قلبه ليغرس راياته السوداء في أعماقه..
ثلاث سنوات مضت منذ تزوجا.. كانت هي ذلك الوقت في العشرين بينما هو كان يخطو نحو عامه الحادي والثلاثين..
في العامين الأولين من زواجهما كانت غالية أشبه بنسمة تعطر صحراء حياته..
وهو كلما قابل سعود يكاد يقفز ليقبل أنفه ليشكره أن دله على هذه الجوهرة التي أنارت حياته بنورها..
أما خلال العام الأخير فيود أن يلكم سعود كلما رآه لأنه يذكره بمن تحيل حياته جحيما بشكوكها..
وهاهو الآن في الرابعة والثلاثين وهي في الثالثة والعشرين يفترض فيها نضجا أعجزه البحث عنه وهي تخنقه بغيرتها..
ماعاد يحتمل غيرتها المرضية عليه.. بعد أن نفذت كل وسائله في اقناعها أن شكوكها لا محل لها ولا مصداقية..
(متى ستنضجين ياصغيرة؟؟
متى سأشعر معكِ بالراحة التي بت أحلم فيها كباقي متزوجي العالم؟!
حتى متى وأنا أشعر أني مراقب.. وتحت المجهر... ولابد أن أبرر كل تصرف عفوي لا يحتاج حتى لتبرير؟!!)
يتنهد بيأس: لا بارك الله في محرّاك الشر اللي خرب علينا حياتنا..
خاطري أدري من اللي قلّب في دفاتري القديمة المنسية .. وقلبش علي كذا؟؟
غالية تجلس لتبكي.. يصعب عليه أن يتفهم ألمها..ألم أنثوي يصعب تفسيره:
لا مهيب منسية.. لا تكذب علي.. أدري إنك عادك تكلم نسوان.. أبو طبيع مايجوز عن طبعه
يتنهد بعمق وهو يحاول السيطرة على أعصابه: غالية ياحبيبتي أنتي.. اتقي الله تبهتيني
أنا لي ثمان سنين تايب لرب العالمين.. يعني قبل ما نتزوج بخمس سنين..
وبعدين أنتي شايفة إنه واحد متدين مصلي مثلي وفي سني وإلا مركزي ممكن يغازل؟؟ أو يكون له علاقات مع نسوان؟
وخلي أختش تسأل سعود ..
هذا هو معي 24 ساعة ورفيق عمري ويعرفني أكثر من نفسي.. هو بيقول لها... إذا ماتصدقين أبو ولدش.. وكلمته ماعاد لها قيمة عندش..
غالية تمسح دموعها: لا جابر.. لا ..ما أبي حد يعرف بمشاكلنا..
جابر بعتب عميق: وش عقبه؟؟ وش عقبه؟!
غالية ترفع وجهها المحمر لتهمس بدفاع عفوي: والله ماقلت لخالد شيء..
هو السكني شافني داخلة عليهم.. قال لي والله إن في وجهش علوم..
وطلع يبي يستفسر منك.. بس أنت اللي هبيت في وجهه..
يزفر جابر بغضب: جايني ينافخ.. وش تبيني أظن.. قلت أكيد إنش اشتكيتي له من خرابيطش اللي في رأسش..
والله لولا حشمة عمي أبو خالد.. يا أخيش الموذي ذا مايفكه من يدي شيء..
أبي أعرف وش مهندس الكمبيوتر ذا اللي مافي راسه عقل؟!!..
غالية بذات الدفاع: خالد مايرضى علي أنا وخواتي بأدنى شيء..
حينها همس جابر بنبرة خاصة: بس يرضاها على بنت عمه..
اندفعت غالية بغضب، فخالد خط أحمر عند شقيقاته: جابر لو سمحت.. لا تتدخل بين خالد ومرته....
حينها اقترب جابر منها بخطوة واثقة سريعة.. ليتنزع عضدها بحدة: وأنتي لا تدخلين حد بيننا.. تراني ماني بعاجز أربيش يا بنت هادي..
بس أنا عادني مطول بالي عليش.. وترا بالي مهوب بطويل.. وأظني إنش دارية..
غالية تخلص عضدها من كماشة كفه.. لتتأخر إلى سريرها وتجلس على طرفه ..وهي تراقبه بعينٍ فاض دمعها البلوري..
يزفر أنفاسه.. ثم يتناول غترته ليلبسها أمام المرآة.. وعيناها ضارعتان له..
ضارعتان لكل مافيه.. حتى لانعقادة الغضب بين حاجبيه!!
"أعشقك يا جابر..أعشقك إن كان مصطلح العشق يعبر عما يمزق قلبي نحوك..
لم يخطر ببالي أي رجل من قبلك حتى ولو بتفكير طارئ أو مراهق..
عشرون عاما مرت قبل أن أكون لك..
كنت فيها براءة مجسدة في كل شيء..
حتى تفتحت مشاعري وأنوثتي على يديك..
فهل استكثرت علي أن تكون لي وحدي؟!..
لا تحرمني إحساسي بالأمان إلى جوارك..
ارحمني يا أبو سعود.. ارحمني..
رفقا بالقوارير.. فأنا أكاد أن أنكسر.. أكــــــاد..
أشعر بلحظة انكساري أقرب من تصوري!!)
أخرجها صوت جابر الصارم من قوقعتها: غالية .. بكرة بأوديش الجامعة تسوين إعادة قيد..
خلاص.. قد خلصي ذا الفصل الواحد اللي باقي لش..
هذا سعود قد عمره سنتين.. وأمي بتحطه في عيونها.. ولو أني عارف إن سعود حجة..
لأنه أنتي ما اعتذرتي وأنتي حامل .. اعتذرتي وسعود قد عمره سنة..
همست غالية بدفاع مرتبك وهي تشعر كما لو كانت حُصرت في الزاوية:
عادي.. لأني ولدت في بداية إجازة الصيف ماكان فيه سبب أعتذر..
بس الحين كنت أبي أهتم في سعودي شوي.. وما أبي أرجع الجامعة الحين.. باقي لي فصل يحق لي الاعتذار..
هتف جابر بنبرة مقصودة: يعني ماطرأ على بالش تعتذرين إلا لما بديتي تشكين فيني..
تبين تسوين لي رقابة فول تايم..
ثم أردف بحزم شديد الصرامة: لا يكثر حكيش.. بكرة نروح وتسوين إعادة قيد..
بنت عمش اللي دخلتي معها الجامعة تخرجت من سنة..
يا بنت الحلال القي لش شيء تنشغلين فيه.. قربتي تستخفين من خبالش..
انهمرت غالية بغضب عاتب: إيه قل كذا.. تبيني ألهى منك.. عشان تفرغ لرفيقاتك... والسوالف على كل حزة..
غالية قالت كلمتها وتراجعت بعنف.. تعلم أن جابر يتماسك حتى لا يمد يده عليها
لأنه يعلم أنه ما أن يكسر حاجز الصفعة الأولى فقد تليها آخريات.. فهي استنزفت حلمه وصبره حتى أخر قطرة..
(ولكن ألم يستنفذ هو أيضا صبري وهو يعبث بمشاعري وكرامتي..
وهو يعلم أني عاجزة عن التصرف لأنه يقيدني بحبي له!!)
جابر همس بغضب حارق محرق مكتوم وهو يعتصر قبضته اليمين بكفه اليسار:
بكرة بأوديش الجامعة.. وعقبه بأحجز روحي في المعسكر أسبوعين..
ما أني بطايق شوفتش قدامي.. خلني أرتاح منش قدام تخبلين بي..
حتى فرحتي بترقيتي لرائد ماخليتني أستانس فيها.. الله ينكد عليش مثل منتي منكدة علي..
شعرت بقلبها بغوص ربما تحت قدميها وهي تشهق بعنف:
(أسبوعين يا الظالم!! لا وأنت زعلان علي.. يعني حتى تلفون منت مكلمني.. أعرف قلبك.. أسود..
وإلا بتلقاها فرصة تريح مني وتكلم غيري!!)
كم هي مؤذية هذه الأفكار..مؤذية.. مؤذية وهي تملئ الروح بسوادها وتجعلها تبتلع كل كلماتها..
وهي تراه يغادرها رغم أنه كان قد دخل للتو ليرتاح قبل صلاة العصر..
******************************
" الهنوف..هنّو.. هنّو.. يالمعصقلة.. ياعود المشخاط
تراني عاجزة أطلع الدرج.. خبرش حن يا التنافيخ مافينا حق مشوارين
كفاية علي من السيارة للبيت..
هنووووووف وصمخ قطاوة!!"
صوت مرح باسم يرتفع مناديا (الهنوف) من صالة البيت السفلية ليصل إلى الصالة العلوية..
الهنوف تطل بحذر من الطابق الأعلى وهي تغطي وجهها بجلالها وتهمس بخفوت مبحوح: هلا مهاوي...متعب بيدخل؟؟
غردت مها بمرحها الفطري الذي يخفي خلفه حقائق مؤلمة: متعب ماصدق يرميني عند بابكم.. تبينه يدخل وراي؟؟..
أنا سامعته يكسر الئلة وراي عند باب السيارة!!
أنزلت الهنوف جلالها الأبيض على كتفيها لتتناثر خصلات غرتها الطويلة على وجهها.. ويظهر محياها المتورد العذب الحزين على الدوام..
تبدو كموناليزا جديدة تنافس موناليزا دافنشي التي مافتئت تفتن الناظرين منذ قرون بنظرة عينيها الحزينة التي ماعرفوا لها تفسيرا..
نزلت بهدوء رقيق ساكن.. وهي تنقل خطواتها بين الدرجات برقة بالغة.. كما لو كانت تخشى أن تخدش درجات السلم بخطواتها عليه: يا كثر ما تعذربين في ولد عمي المسكين..
مها بتمثيل : إيه عشان هو ولد عمش وأنا ولا شيء.. وقفي جنبه..
الهنوف تصل مها لتطوق كتفيها وتلصق خدها بخدها في سلام رقيق: ياشينش يا الدبة لا تغليتي.. ما يلبق عليش..
ضحكت مها بمرحها الخاص : يا أختي خليت التغلي لش أنتي وأختي الجازي ياشعب المجاعة..
قد التغلي بيشق ثيابه منكم.. الواحد يتغلى شهر شهرين.. يشق ثيابه ويقول تغلوا سنة.. مهوب سنين..
(يا الله ... يارب !!
هل من الممكن أن يمر في حياتي يوم
لا أتذكر هذه المأساة التي توجت مآسي حياتي المتراكمة
ألا يشعرون حتى بذرات مما أشعر به؟!
أ لا يكفون عن طعني كحائط بهذه الذكرى الجارحة لإنسانيتي قبل أنوثتي؟؟)
همست الهنوف بثقة مغلفة بإبتسامة عذبة تخفي خلفها ألما ماعاد في الروح له مساحة أو مدى:
ماعليه الجازي تتغلى لأنه يحق لها.. تدري إنها غالية.. وخالد ماشاء الله عليه مايستحي يجاهر بغلاها حتى في المجالس..
بس ولد خالتش تملك.. ونسى إنه عنده مرة..
حاولت مها أن تبتسم.. (حاولت!!!) وهي من كانت توزع ابتسامات تكفي لإغراق العالم :
الحين صار ولد خالتي.. ماكنه بولد عمش..
تدرين تركي من يوم تملكتوا.. وهو في دراسة.. ماجستير.. ثم دكتوراة..
وأنتي عارفة زين بظروف ملكتكم..
هزت الهنوف كتفيها بعدم اهتمام ، والحزن يغمر ملامحها.. الملامح التي ماعرفت غير الحزن حتى رسم حدود وجهها وتفاصيله:
ماعاد يهمني يا مها.. والله ماعاد يهمني..
أنا كنت أدور لتركي معاذير لين أنا تخرجت قبل ثلاث سنين..
كنت أقول مايبي يغربني وأنا أول في مدرسة وعقبه جامعة..
وانا أسمع خالتي أم متعب كل يوم تقول جعل يسقى لا تخرجتي ورحتي مع تركي يتطمن قلبي عليه..
مالقيت من ذا السالفة كلها إلا الإحساس بالحرج يذبحني أول.. ثم أني رخيصة أول وتالي..
مها تنتفض بجزع: الغلا كله لش يا بنت علي.. والله يا ترّوك ذا المفروض يحب يده قومة وقعدة اللي ربي خلاش من نصيبه..
تنهدت الهنوف بعمق.. سحبت أنفاسها وزفرتها.. وتفكيرها يطوف بها من القريب.. للبعيد..
بعيدا عن مها... وعن تركي.. وعن الجميع.. إلى الذكريات الموجعة التي لا تفارقها..
فمع وجعها تبهت كل الرؤى والخيالات والأحزان
فوجعها.. وجع مقيم.. وروحها ..روح أثقلتها اليتم..
(كم مضى يا هنوف كم مضى
عشر سنوات.. عشر سنوات
وأنتِ يتيمة.. يــــــتـــــيـــــــــمـ ــــــــة!!
ما أقسى هذه الكلمة.. والأقسى هو الإحساس بها!!
عشر سنوات.. وأنتِ ترتجين بعضا من الحنان الذي يفيض عن الكل ليُلقى إليك كالفضلة
تبحثين عن الحنان الذي حُرمتِ منه.. في قلوب أثقلها الحنان لغيرك )
صوت مها المرح يعيدها لواقعٍ أكثر مرارة.. يعيدها من بقايا ذكرى تتمنى أن تغلق عليها بين جفنيها ، فلا ترى في الحياة شيئا سواها
ذكرى أخر سعادة حقيقية شعرت بها (معهم ) ..أولئك الراحلون:
إلا هنّو.. بعلش المبجل يقولون مهوب راجع ذا الصيفية.. بيرجع عالكريسمس.. ليش بيتأخر؟؟ مهوب ناقش وخلص؟؟
همست الهنوف بمرارة متأففة: تدرين مها.. ترا والله العظيم يا أخر شيء شاغل بالي: متى يرجع سي السيد..
مها ترقص حاجبيها: قال مهوب شاغل بالي قال..
عبست الهنوف.. وقطبت جبينها الأزهر.. ليكتسي وجهها عذوبته الحزينة التي يصعب تفسيرها بالكلمات (حتى ذكراه ماعادت تستجلب إلا كثيرا من المرارة)..
"ومتى كانت ذكراه مصدر فرح ياهنوف؟؟ متى؟؟"
هـــــــــــــو.. وكـــل مايتعلق به.. بل حتى بأهل والدها كلهم.. يستجلب كثيرا من الحرقة التي تتسرب لكل حنايها..
ورغم حبها الكبير لعمها أبي متعب.. إلا أنها عاجزة عن مسامحته عن انتزاعه لها من حضن جدتها أم والدتها..
يتيمة للتو.. محض طفلة في الخامسة عشرة.. تجتر مرارة الخسارة الفادحة التي لا يمكن حتى تصورها.. فكيف باستيعابها؟!!
فقدت والديها وشقيقها الوحيد معهم..
فإذا بها بعد ذلك بشهرين تفقد الملاذ الوحيد الذي كانت تجد بعضا من السلوى في حضنه..
كانت في ذلك الحين ما زالت تقفز برعب صارخة كل ليلة.. لا يهديها سوى أحضان جدتها..
التي تشدها بقوة إلى حضنها وهي تكتف ذراعيها حتى لا تضرب وجهها أو تمزق ملابسها أو تخدش كتفيها وهي تحرثها بأظافرها الجازعة.. كما كانت تفعل كل ليلة بعد وفاة أهلها..
فانتزعها عمها أبو متعب من بين أحضانها..
والعذر جاهز.. (الرجولة الثمينة التي كانت أثمن من وجع طفولتي)
(شوفتنا ما تتربى في بيت غريب!!!)
لم يفد بكاءها ولا صراخها الهستيري الذي ملأ جنبات بيت أبي متعب..
ولا حتى يأسها وانكماشها بعد ذلك وهي ترتجف كالملسوعة المحمومة في حضن أم متعب التي كانت تمسح وجهها وتهمس بجزع:
حسبي الله ونعم الوكيل.. البنية بتموت يأبو متعب رجعها لجدتها.. تكفى يا أبو متعب..
اتق الله في ذا البزر ..توها مافاقت من وجيعة موت أمها وأبيها..
أبو متعب يشيح بوجهه حتى لا يرى أحد لمعة دمعة تحاول الفرار من جبروت ادعاء التجلد..
(ضربتين في الرأس توجع.. والله العظيم توجع.. طالب راح.. وعقبه بسنة يروح علي..
قصيتوا أيديّ يا أخواني.. وش رجّال ماله إيدين.. وش فايدته في الدنيا؟
إن كنت متطمن على عيال طالب والبيت لاصق في البيت.. وهم تحت عيني..ومعهم الجليلة بنت طالب اللي بألف رجّال..
فأنا ما أقدر أخلي شوفتي في بيت مافيه إلا شباب ولا حد منهم بحلال عليها.. خمس شباب ما معهم إلا ذا العجوز.. خايف عليها.. خايف عليها!)
يتنهد بذات التجلد: خلاص قد لها عند جدتها شهرين.. كفاية!!
(أ قلت شهرين ياعمي؟؟.. أ شهرين تكفي في نظرك لأنسى خسارة كل شيء في الحياة؟! كل شيء..
أحد عشر عاما مرت منذ وفاة عمي طالب.. وعشر سنوات منذ وفاة والدي.. وأعلم أنك مازلت تبكي الاثنين بحرقة..
فلماذا يكفيني شهرين وأنت الرجل لم تكفك السنوات؟!!
ارتحلوا الأحبة يا عماه..ارتحلوا..
وأخبروني المعزون في تعزية بليدة أن كل الراحلين سواء.. حتى أردد برتابة قاتلة
" كل شيء يولد صغيرا ويكبر.. إلا الحزن يولد كبيرا ويصغر"
كانوا يكذبون علي..
إلا حزنهم يا عمي.. إلا حزنهم.. لا يصغر..
بل يولد كبيرا ويكبر.. ويكبر.. حتى يخنق الروح
والروح تتلجلج بيأس (ربي رحمهما كما ربياني صغيرا)
ففي كل زاوية لذكراهم : وجع..
وفي كل تفاصيل الحياة لذكراهم : بقايا!!
حتى لو لم نعرفهم.. نصنع لهم في الذاكرة : ذكرى..
ذكرى لماضٍ حلمنا أن نعيش معهم فيه..
علها تكون وقودا لمستقبل نكره أننا نعيشه بدونهم!!
فكيف وأنا أعرفهم.. أعرفهم يا عماه..
وكل ماعرفت من ذكريات سعيدة معهم وحدهم
بعدهم فقدت أي إحساس بسعادة حقيقية..
موجوعة ياعمي.. موجوعة.. ووجعي لا تكفيه القرون لأنسى
إن كنت أنت فقدت شقيقا.. فأنا فقدت كل شيء.. كل شيء.. كـــــل شيء!!
ولم يكن هناك وقت للخسارة حتى أستوعبها
الخسارة جاءت معا.. فاجعة زلزلت كياني..
فقدت أمي وأبي وشقيقي.. ماعاد لي روح ياعمي.. ماعاد لي روح !!
الروح ذهبت مع الراحلين الذين رحلوا وتركوني..
الروح ذهبت معهم!!
أنا محض جسد يروح ويجيء...ينتظر اللحظة التي سيسكن فيها حتى يلتحق بروحه الراحلة...
****************************
الشمس تشرق من فوق السحاب.. تكتسي ندف القطن الأبيض بانصهارات الذهب المحمر..
مشهد من المشاهد التي ترسخ في الذاكرة..
ولكنه كان لاه عن المشهد بأفكاره.. بخياله.. وتنهداته التي لم تتجاوز شفتيه المزمومتين بقوة وهو يسند رأسه لنافذة الطائرة ..
(ثمان سنوات من الغياب..
كنت أعود فيها للدوحة في كل مرة زائرا عجلا.. يعلم أن حياته لن تستقر به.. وأنه كالضيف الذي لن يطيل البقاء..
ولكني هذه المرة أعود للاستقرار.. أفكر في كل ما ينتظرني لأجدني مثقلا بالهموم..
عملي.. وحياتي... وهـــــــــــــــــــي!!)
أخرجه من صومعته الفكرية همس حازم لا يخلو من نبرة مرح ما:
" صدق هلك مايدرون إنك راجع؟!"
التفت للجالس جواره.. ناظرا له بنظرته الحادة الباردة والذكية.. لتقابل نظرة توزايها في الحدة والبرود والذكاء
وليهتف له برزانة تلقائية مغلفة بنبرته الحازمة : لا.. بأسويها لهم مفاجأة..
يبتسم رفيقه برزانة أكبر تبدو كما لو كان خُلق بها: مابعد حد قال لك إن حن يا البدوان مانحب المفاجأت .. تصير عندنا فاجعات..
يا أخي كان قلت لأمك على الأقل.. لا تنفجع العجوز..
تركي ارتعش ارتعاشه لم تتجاوز داخله وهو يهتف بجزع مغلف بالحزم:
بسم الله على قلبها.. حرام عليك.. قد لي شهور أخطط لذا المفاجأة عشانها.. تقول أفجعها..
ينظر له من تحت أهدابه ويهمس بخبث مدروس:
متأكد إنه عشانها بس..؟؟ ماتبي تفاجئ حد غيرها.. وخصوصا إن هذي رجعتك النهائية..؟؟
ابتسم تركي بثقل: ياشينك يا أبو حمد لا سويت روحك فاهم..
ابتسم رفيقه بما هو أبعد من التفهم، ليهمس بحزم: المشكلة يا تركي إنك فاهم.. إني أكثر من فاهم.. مع أنك ماقلت لي شيء..
بس ملكة ثمان سنين.. هذي اسمها مسخرة وقلة حيا وقلة سنع طال عمرك..
وأنا لو من أبو متعب أقول لك أعرس.. وإلا طلق بنت الناس..
تركي غضب.. غضب فعلا.. يكره أن يتدخل أي أحد في خصوصياته
ومع ذلك هتف بثقة غامرة: فُرات لو سمحت .. شيء ماتعرفه ولا تعرف ظروفه لا تتكلم فيك..
فُرات هز كتفيه بثقة مهيمنة: دام قلت فُرات بذا الطريقة.. فأنت زعلت..
ولو أنت زعلت.. زعلك مايهمني.. كلمة الحق أقولها لو على قطع رقبتي..
البنية يتيمة وفي ذمتكم.. ماتبيها.. طلقها خلها تشوف نصيبها..
تركي صمت.. عشرات الأفكار تستغرقه.. وهم غريب يراوده منذ سنوات...
يستحيل أن يطلقها.. ماذا سيقول الناس عن بنت عمه بعد هذه الملكة الطويلة..
لكنه لا يستطيع أن ينكر على نفسه أنه كان هو المخطئ منذ البداية..
حين سمح لوالده بابتزازه عاطفيا حتى يوافق على عقد قران كان غير مقتنع به لا وقتا ولا ظروفا..ولا حتى شريكة!
ولكنه أصبح واقعا لا يستطيع الفكاك منه.. والهنوف تصبح حقيقة أزلية لا يستطيع الفرار منها
أفكاره وذكرياته تطوف بباله قبل أن ينتزعه فُرات منه بهمس مرح:
ولا تزعل يا أبو عبدالمحسن.. بأراضيك وأزوجك بنتي..
تركي لا مزاج له ليرضى.. لكنه يستحيل ألا يرد على فُرات وهو يعلم أنه يحاول .. هتف بثقة باسمة:
والله يا أبو حمد نسبك ينشرى لو أن بنتك أكبر شوي..
ضحك فُرات ضحكة قصيرة ثقيلة: وليه صدقت أني بأزوج بنتي اللي عمرها 18 سنة من شيبة مثلك..
ابتسم تركي: وليه يعني.. كل الفرق بيني وبين بنتك بس 14 سنة..
ثم أردف بتذكر باسم: غريبة قد لك نص ساعة ما قمت تتطمن على بنتك لا حد يأكلها..
ابتسم فُرات: اللي ماخذ عقلك.. توني جاي من عندها الحين.. وأنت كنت في عالم ثاني..
جزاك لو أني خليت الشمحوطة أم كراعين قاعدة جنبك .. بدل ما أقومها جنب بنتي..
عشان أقعد أنا جنبك وأنت شكلك يضحك وأنت ساحب روحك ولاصق في الدريشة كن المزيونة بتأكلك..
تركي بذات الابتسامة الهادئة: يا أخي المزيونة على قولتك ماخذها راحته في القعدة زيادة عن اللزوم.. والمقاعد فل ماقدرت اغير مكاني..
ثم أردف وهو يتذكر بنت فُرات: إلا أبو حمد... ليش ماخليت بنتك عند جدها وأخيها؟؟
مايصير كل ماصار عندك شغل لو حتى أسبوع تسحبها معك..
فُرات تنهد بعمق وزفر هما يرافقه منذ سنوات: ما أرتاح يا أخيك.. ما أرتاح..
وبعدين حمد الكبير وحمد الصغير كل واحد منهم له جوه الخاص ولاهي عن الدنيا فيه.. أخاف عليها..
ابتسم تركي وهو يعرف غرابة الاثنين: تدري يا أبو حمد.. أما أبيك وولدك بصراحة مالهم حل..
حالتهم غريبة.. بس في نفس الوقت ما تقدر إلا يعجبونك اثنينهم..
ضحك فُرات برزانته المعتادة: لأنه شر البلية مايضحك!!
تركي هتف بتساؤل: زين حامد مهوب في البيت؟؟ أعرف إنه ساكن في بيتك..
ابتسم فُرات: حامد هذا عم العازة.. الحمدات عندي كلهم مافيهم فود.. وحامد ذا أولهم..
أنا أصلا ما أدري متى هو في الدوحة ..ومتى هو طلع منها..مخلي البيت فندق.. تبيني أخلي بنتي عنده؟؟
تركي بثقة: حرام عليك والله إن حامد رجّال نادر وينشد فيه الظهر.. أنت ماحد عاجبك.؟؟.
فُرات بذات الابتسامة: اسكت بس لأنه قلبي متروس على حامد.. هذا أصلا مهوب عمي.. ولدي.. أنا اللي مربيه..
بس هو مهوب راضي يريح بالي.. ويخلي خباله.. ويداوم في شغله نفس العالم والناس ..ويعرس.. ويستقر.
تركي ضحك: انت مهوب قعدت وراه لين خلص جامعته واشتغل.. وش تبي فيه بعد؟؟
شغله هو اللي عطاه تفرغ وممنونين بعد يعطونه تفرغ.. لأن اللي مثل حامد الحين هم صفوة المجتمع..
أظني إن واسطته الحين أكبر من واسطتك..
ابتسم فُرات: في هذي ماكذبت..
ثم أردف بذات الابتسامة الرصينة: تدري يمكن أني أغار منه.. بنتي تحبه أكثر مني.. وعلومها كلها عنده..
ابتسم تركي : يا أخي هيبتك تروع.. وحامد فرفوشي ويعطيها على كيفها..
ثم أردف بتساؤل : إلا أقول مهوب حرام عليك يا أبو حمد.. البنية ملبسها نقاب وفي أمريكا..وهي أساسا توها بزر..
فُرات بثقة لا تردد فيها: الستر ما يتجزأ.. والبنت لازم تعرف كذا..
توها صغيرة.. ولو رخيت لها في شيء.. بتقول أنت اللي رخيت.. وش معنى هنا وإلا هناك..
ثم تنهد بعمق: وما أبي حد يقول فُرات ماعرف يربي بنته عشان أمها ميتة.. وإلا حد يقول عشان أمها أمريكية..
مع إن أمها الله يرحمها ياتركي..عمري ماشفت أستر منها..
تدري إني تزوجتها وأنا حتى وجهها ما شفته.. حتى كفوفها ماشفتها..
الله يرحمها.. عمري ماشفت مثل فهمها في الدين..
سبحان الله كانت تأكل كتب الفقه والتوحيد والتفسير أكل.. كنها حاسة إن عمرها قصير..
تركي بتساؤل: تزوجتها في أمريكا؟؟
ابتسم فُرات: لا في قطر..
تركي بابتسامة مغلفة بالفضول: خاطري أعرف أشلون هلك وافقوا وخلوك على كيفك وأنت عبارة بزر..
عمرك 18 سنة ويخلونك تعرس.. لا .. وتأخذ أمريكية أكبر منك بكم سنة..!!!
ابتسم فُرات ابتسامة مغلفة بالحنين والتقديرالعظيمين: يمكن لو كان إبي غير إبي.. اللي هو أصلا غير عن كل الناس.. يمكن كان مستحيل أتزوجها..
بس إبي وقف في وجه جدي وأمي.. وقال هو مقتنع فيها ويبي حد يسافر معه لدراسته..
خلها تحصنه.. وهو رايح أساسا لأمريكا.. هي أكثر من بيفيده..
ومع أنها ماتت في علاجها في أمريكا.. بس رجعتها ودفنتها في قطر
كنت وقتها عادني ادرس الدكتوراه ماخلصت.. في أخر مراحل دراستي..
الله يرحمها ماتت وعمر حمد ثمان سنين ومي ست سنين..
رغما عنه.. تنهد والذكرى المؤلمة تعود له.. كان يوم زيارة عادي
(سبحان الله .. لو كنت داري والله ما أعرض عيالي لذا الموقف)
مازال فُرات عاجزا عن مسامحة نفسه لأن طفليه شهدا احتضار أمهما..
لم يعرف ماذا يفعل؟؟ أين الأولوية؟؟
أيبكي حرقته عليها وهو يرجوها ألا تتركه؟؟
أو أن يلقنها الشهادة؟؟ أو يخرج طفليه للخارج؟؟
وجد نفسه يشد على كفها بقوة وهو يدفن صرخات قلبه في جوفه
يلقنها الشهادة ..وعيناه تسترقان بألم العيون الأربعة المتوسعة بجزع وهما يشهدان موقفا أكبر بكثير من سنواتهما الضئيلة.. و.............
كان سيسترسل أكثر في أفكاره.. لولا صوت تركي الذي اقتحم تراكماته وهو يربت على ذراعه: الله يرحمها ويجعل مثواها الجنة..
ومع أن تركي كان به فضول ليعرف تفاصيل زواج فُرات الغريب ..
لكنه تردد في السؤال، لأنه رأى فيه فضولا غير مناسب لا لشخصيته ولا لشخصية فُرات..
لذا غير السؤال لاتجاه آخر وهو يهتف بنبرة خاصة:
إلا فُرات ليش ما تزوجت عقب المرحومة..؟؟ أو حتى تتزوج الحين..
ترا كل الفرق بيني وبينك 7 سنين وهذا أنا مابعد تزوجت حتى..
تنهد فُرات وهو يبتسم : وحتى لو كان عمري 39 ..ترا عندي ولد عمره 20 .. هو اللي المفروض أزوجه
أصلا لو طاعني كان زوجته أول ما خلص ثانوية قبل ثلاث سنين..دام حامد ماطاعني وعرس..
بس حمد يقول لي شكلك يبه عايش في زمن غير الزمن.. وش ذا العرس وأنا عادني أخذ مصروفي منك..
مع أنه صار له زمان ماخذ مني لا مصروف ولا غيره.. معتمد على نفسه..
تركي ابتسم: أصلا اللي يشوف ولدك معك.. يحسبه أخيك ويقول الفرق بينكم بسيط بعد.. حرام تدفن عمرك بالحيا..
ضحك فُرات: ماتخلون التنظال.. يا أخي لو أنا مبين أصغر على قولتك..
فلأنه ربي رحمني من النسوان وغثاهم.. قربهم يجيب الهم ويشيب بالواحد.. ويكبر الواحد عشرين سنة فوق عمره..
تركي مازال مبتسما: لا.. صدق صدق ليش ما تزوجت..؟؟
فُرات بثقة: ماراح يعجبك رأيي وأنا بصراحة أتحاشى أقوله..
تركي بثقة مشابهة : وأنت لو قلت لي رأيك.. بأروح أنشره..؟؟
فُرات بثقة وصراحة كما لو كان يقرر حقيقة لا نقاش فيها ولا جدال:
بصراحة النسوان العرب بدون تحديد مايدخلون مزاجي بنص ريال حتى..
سطحيات وانفعاليات وهذارات.. ولو كان عندها شوي ذكاء تبي تحط رأسها برأسك وتعوفك بحياتك..
وماعاد أقدر أتزوج أمريكية مرة ثانية.. لا مركزي ولا سني ولا ظروفي تسمح لي بتهور مثل ذا.. عشان كذا حياة العزوبية أفضل..
تركي بصدمة: بصراحة ما تخيلت إن هذا ممكن يكون تفكيرك..
أنت ولد السوق.. اللي معاك دكتوراه في الاقتصاد.. واللي تقابل في شغلك أرقى أنواع النساء وأذكاهم..
ابتسم فُرات بثقة: ولأني قابلت في شغلي مئات المئات من النسوان اللي المفروض هم صفوة التفكير والتعامل كونت هالفكرة..
مهما حاولت المرأة العربية تنحي مشاعرها عن شغلها ما تقدر..
العاطفة لاعبة بحسبتها.. وأي نقد لشغلها مثلا ، تعتبره نقد شخصي لها.. وأي صد لمشاعرها تعتبره مقابل لإلغاء الشغل
بينما لو كنت تعامل مع أمريكية أو أوربية أو حتى صينية.. كأنك تتعامل مع رجّال.. الشغل شغل..
تركي بثقة أكبر: بصراحة كلام غير مقنع.. بنتك مرة عربية.. وأمك قبلها.. هل هم ينسحب عليهم نفس رأيك..؟؟
فُرات بثقة راسخة : بنتي ربي رحمها بالعرق الأمريكي اللي فيها..
أما أمي الله يرحمها مع غلاها اللي ماله حد.. ماحد وصل أبي لحالته اللي أنت تشوفها إلا هي.. عوفته حياته..
تخيل حتى اسمي ماكانت راضية تناديني فيه.. عشان أبي أصر يسميني فُرات..
كانت تقول اسم الخبلان ذا خله لك أنت وأبيك.. تخيل أني بزر وتدعيني أبوحمد..
ما ألوم أبي صراحة وعذره معه..
ضحك تركي: اتق الله تكذب على أمك.. أبيك بنفسه يقول لي إنه كذا من قبل مايتزوج حتى..
رد عليه فُرات بابتسامة واثقة: بس أمي دعمت الحالة عنده بدل ما تنتشله منها..
حتى يوم جاتها مضاعفات بعد ولادتي.. واضطروا يستاصلون رحمها..
اتهمت إبي إنه السبب.. لأن ربي يعاقبه إنه مهوب كفو يكون أب..وكفاية عليه واحد هذا كنه عرف يربيه..
المرة عندنا أهون شيء عليها تتهم الرجل إنه السبب في كل شيء يصيبها..
يعني ماحتى شالت لأبي جميل انه ما أعرس عليها.. مع أنه كان حقه... شباب في أول عمره.. وزوجته شالت الرحم.. لكن هو قرر يعيش حياة الحرمان ولا يجرحها..
لكن هي كانت تجرحه قايمة قاعدة..
هتف تركي باستغراب: لا حالتك مستعصية صراحة.. يعني على أني تقريبا أعرفك عمري كله.. بس عمرنا ما تكلمنا في ذا الموضوع..
هز فُرات كتفيه بذات الثقة الباسمة: ماجات مناسبة عدا أني أتحاشى أقول رأيي.. خبرك حرية التعبير عندنا عليها حظر شوي..
همس تركي بمرح: يعني أقول إنك متعقد ..و أمك سبب عقدتك..
فُرات ضحك: لا والله يافرويد زمانك.. لكن هذي قناعات تشكلت في عقلي من يوم بديت أعرف إنه في جنس اسمه الحريم..
يعني اللي يقول رأيه عندكم.. لازم يكون متعقد.. وتطلعون عليه عقدكم..
ثم أردف بنبرة مقصودة: لو بتقول أنا متعقد من النسوان العرب.. باقول إنك أنت متعقد من النسوان كلهم..
وماشاء الله الدلائل كلها مبينة عليك..
تركي بثقة باسمة: لا متعقد ولا شيء.. بس الظروف ماجات على الكيف..
************************
" ياحيا الله أم سعيد.. أبطيتي علي ياقلبي!!"
دانة تشد رباط شعرها لينتثر شعرها على كتفيها وهي تميل لتقبل جبين سعود وتهمس بإرهاق:
السموحة حبيبي..
أمي صافية بتصوم بكرة.. قعدت لين قست ضغطها وسكرها وعطيتها أبرتها وهذا أنا جيت..
ثم أردفت بحزن عميق عميييييق: وإذا رزقنا ربي بسعيد قول أم سعيد..
سعود شدها من كفها ليجلسها جواره واحتضن كفها بين كفيه وهو يهمس بحنان:
الله كريم حبيبتي.. يرزقنا برزق من عنده..
حينها.. وبشكل مفاجئ دون أي مقدمات.. انفجرت بالبكاء.. كما لو أن البكاء كان مخبأ تحت رداءها.. ينتظر أن تخلعه لينساب غامرا المكان
شدت كفها من بين كفيه لتدفن وجهها بين كفيها وكلماتها تتناثر بين شهقاتها:
ظنك ربي يعاقبني عشان أول واحد؟؟.. لأني ماقدرت أحافظ عليه..
سعود تنهد بعمق وهو يشد كفيها من وجهها ويشدها ليحتضنها بحنان متعاظم:
حبيبتي دانة ما تتعبين من ذا الموال؟!!.. ياقلبي أنتي.. الله يقسم الارزاق .. والله بيرزقنا من عنده..
وأنتي اللي صار لش سنتين منتي براضية تقطين مانع الحمل..
تزايدت شهقاتها وهي تدفن وجهها في عنقه: تعبت يا سعود تعبت.. خمس مرات سقطت..
قلبي ذاب وأنا أتشفق عليه.. وعقبه يروح.. ماني بمستحملة..
لو سقطت بعد والله لأموت..
تنهد بيأس وهو يشدها بقوة أكبر ليتركها تفرغ انفعالها كله.. فهذا الموال من البكاء لا يحصل إلا إن كان أحد قد ذكرها بشيء ما..
وكم هي كثيرة تلك الأشياء التي باتت تجرحها!!
أقل كلمة ستشعرها بالحزن.. لكنها لن تبكي حتى ترى سعود.. وحينها سيتفجر حزنها كله.. تشعر بالأسى عليه ربما أكثر من نفسها..
فهي تبكي وتشتكي له.. ولكن هو مطلقا لا يشتكي ولا حتى يقول كلمة..
ولكنها هي من تموت حين ترى كيف يتدفق بالحنان الموجع على بنات مها شقيقته..وعلى سعود ابن شقيقتها غالية.. الذي اسماه جابر عليه..
تشعر أنه يذوب لهم ومعهم.. ليذوب قلبها وهي تعلم أنها عاجزة عن إهدائه فرحة مماثلة..
حين هدئت.. رفعت رأسها وهي تمسح احمرار وجهها وتهمس باختناق وهي تقف:
سامحني حبيبي.. غثيتك بدون سبب..
سعود شد كفها ليعيدها جواره وهو يهتف بحزم حان: قولي لي وش اللي ضايقش؟؟.. ما تبكين كذا كون شيء ضايقش..
دانة بسكون: مافيه شيء.. بس يوم قلت لي أم سعيد.. تذكرت اللي أنا أصلا ما أنساه..
سعود بنبرة خاصة: كل يوم أقول لش أم سعيد.. وش معنى ذا المرة؟؟
أمي قالت لش شيء؟؟
دانة انتفضت بجزع وانكار: لا.. لا.. ماحد قال لي شيء..
سعود بصرامة: زين احلفي ..
دانة بيأس: سعود تكفى.. لا تنبشني.. خذ اللي أقوله وخلاص..
صمت.. وهو يعاود شدها لصدره.. لتطوق خصره بذراعيها بيأس عميق..
يشم رائحة حزنها تتسرب عبر أنفاسها التي تلامس روحه بحزن بات يشبه نظرة عينيها..
قد يكون يتمنى بكل وجع الكون أن يكون أبا.. ولكنه يتمنى ذلك أضعافا مضاعفا من أجلها هي..
يعلم أن الأمومة للمرأة حاجة مضنية لا نقاش فيها..
يشعر أن روحها تذوي.. وأن شيئا في روحها كان يموت مع كل طفل تفقده..
في حملها الأخير قبل عامين.. كان يدعو في كل صلاة أن يحفظ لها هذا الحمل.. فهو رأى حالة الاكتئاب التي انغمست فيها في المرات السابقة..
لن يحتمل أن يراها هكذا مرة أخرى .. شعر أن روحه هو أيضا كانت تذوي من أجلها..
" يارب بس طفل واحد..
طفل واحد ما نبي غيره.."
ولكنها فقدته.. وهذه المرة كان حزنها سوداويا لأقصى مدى.. كان يشعر بالحزن يتسرب عبر مسامات جسدها..
وكأن جسدها وروحها وقلبها ماعادوا يحتملون أي مزيد..
ماعادوا يحتملون أي مزيد!!
**************************
" وش تعشيتي في بيت هلي؟!"
تنهدت بعمق (أنت ما تنسى النكد وتحسبه خفة دم أنت ووجهك!!)
ابتسمت باستظراف مصطنع: تبي بالمختصر والا المفصل تعوبي؟؟
متعب بتفجع: ليه فيها مفصل بعد ؟!!.. حرام عليش مها.. راعي صحتش شوي.. وزنش وصل رقم قياسي..
مها بابتسامة تريد أن تبصقها في وجهه مع العشاء الذي لم تتناول منه شيئا حتى:
أدري كم وصل.. ماتقصر حبيبي وأنت كل يوم توقفني على الميزان بالغصب وتراقب وزني..
هل هناك امتهان إنساني أكثر من هذا؟؟
لطالما اعتبرت المرأة أن وقفتها على الميزان شيئا شديد الخصوصية لا يحق لأحد اقتحامه..
وليته توقف عند الميزان فقط..
ولكنه بات يمتهن كثيرا من أنوثتها وشخصيتها.. وهو يكسر مجاديفها بكل معنى الكلمة..
في البداية كان من رفض أن تباعد بين كل حمل وآخر وتستخدم أي مانع للحمل.. مع أنه يعرف قابليتها للسمنة..
وحين أنجبت ثلاث بنات لايباعد بينهن سوى أقل من سنة ..كان هو من قال لها توقفي لعدة سنوات حتى تنزلي وزنك لسابق عهده..
"لأنش لو حملتي وأنتي وزنش كذا.. والله ماعاد حتى تقدرين تحركين!!
تبين اللي يشلش ويحطش.. وانا لو أجيب الدفاع المدني كله معي ماقدرنا نشيلش"
هكذا بصقها في وجهها قبل عام ونصف دون أدنى مراعاة لمشاعرها..
جعلها تخجل من نفسها.. وشكلها.. وتعقيدات بالغة الغرابة تغلفها.. وتقيد علاقتها به..
وكل هذا في داخلها.. لا تشتكي أبدا لأحد.. ولا تقف للتساؤل على أعتابه..
تغلف نفسها بقشرة رقيقة من مرح شفيف وابتسامة دافئة.. علهما يخفيان ضبابية روحها المكلومة من الألم..
همست بمرح وهي تدير ظهرها له لتخفي دمعة انسابت على خدها دون استئذان:
حبيبي.. تدري.. جوعانة... بأمر بناتي أشوفهم وعقب بأروح للمطبخ.. أجيب لك شيء معي؟؟..
متعب همس بضيق حقيقي وهو يلقي بغترته على طرف الأريكة:
ومطبخ بعد؟؟.. لا مها.. روحي ما أبي شيء.. بأصلي وتري وقيامي وأقرأ وردي وأنام..
خرجت لتحبس نفسها في غرفة بناتها لتبكي كالعادة.. وتتركه خلفها يتنهد بحرقة كالعادة أيضا:
وين راحت مها اللي يوم شفتها ليلة عرسنا في فستانها المجنون..حسيت ألف فرس يتسابقون في قلبي؟!
وين الفتنة اللي كانت تذوبني .. وأخاف أسكر عيني تروح مني لمحة حسن من محاسنها؟!
أعوذ بالله ماعاد أشوف قدامي إلا فيل..
يا الله إنها قادرة تمر من الباب..
*****************************
" أخبار حبيبتي الليلة؟؟"
نظرت له بولع غامر شفاف.. وهي تدقق في تفاصيله التي تعشقها..انعقادة حاحبيه..عارضيه السوداوين .. شعره الأسود الناعم الكثيف الذي يتجاوز طوله أسفل عنقه في لفات لولبية: دامك طيب فأنا طيبة..
لينظر لها بدفء عميق: ودامش طيبة أنا طيب..
ثم أردف بمرح وهو يجلس جوارها ليطوق كتفيها بذراعيه: صدق صدق بثينة حبيبتي كنتي الليلة تبين تنامين عند هلش وتخليني..؟؟ ..
ابتسمت بثينة برقة: شأسوي .. أميرة متوترة عشان بكرة تسجيلها في الجامعة..
خبرك توتر طالبة جامعية جديدة.. وهذي دلوعتنا ما أقدر أشوفها كذا وأخليها.. كان ودي أنام عندها..
يضحك باستنكار مرح : نعم؟؟ أنتو يا بيت طالب عندكم دلع؟؟؟.. ما أصدق إن مصطلح الدلع مر عليكم..
مربيتكم الجليلة على العجين ماتلخبطونه.. أشك إنها في البيت كانت تلبسكم لبس عسكري..
وحاطة لكل واحد منكم جدول بالساعة والدقيقة..اللي مايلتزم فيه ياسواد عيشته..
ضحكت بثينة: حرام عليك محمد.. الجليلة اللي حلفت علي ما أمسي..
قالت لي: أنا ما أنا بحالفة عليش يوم عرستي إنش ما تمسين عندنا إلا كن محمد مسافر برا الدوحة..
محمد بمرحه التلقائي: ياحبيبتي.. يا مرتي يامسكينة....
أتخيل شكلش والجليلة تصيح عليش وأنتي تنافضين ولاصقة في الطوفة.. وتقولين والله ما أعيدها.. والله ما أعيدها..
بس لا تعلقيني من أرجيلي وتضربيني..
بثينة ضحكت: حرام عليك محمد.. الجليلة ماعمرها مامدت يدها على حد منا..
محمد يقاطعها ضاحكا: مافيه داعي تضرب.. كفاية نظرة عينها وإلا نبرة صوتها.. عشان تخلي الواحد يسويها في ثيابه من الخوف..
كفاية اسمها يروع. وأنا أتخيل كليب وجساس والمهلهل يتحاربون فوق رأسي.. أما عمي طالب الله يرحمه غريب على ذا الاسم..
ثم أردف بتذكر باسم : أول مرة شفتها وسمعتها يوم عرسنا وهي تناظرني مع إن عيونها يا الله أني أشوفها من نقابها وصوتها كان واطي..
وهي تقول لي: ( الله الله في بثينة.. تراك خذت قطعة من جوفي.. وتراها يتيمة.. أبيك تكون أمها وأبيها..)
وأنا كان ودي حزتها أشلش وأحطش فوق رأسي قدامها.. تنفيذا للأوامر الصادرة بدون تفكير..
أجل لو شفت عينها كاملة وإلا صوتها عالي.. وش أسوي.. كان ما أهج من الدوحة..
بثينة مازالت تضحك برقة.. فمع محمد لا تعرف سوى الابتسامة..
(الله لا يحرمني من اللي عمره ماكدر خاطري.. ليتني بس أقدر أفرحك لو ربع منت مفرحني وماليء حياتي سعادة) :
تدري محمد، الحكي معك ضايع.. ما أدري الجليلة ومش مسوية لك .. تقول ماكلة حلالك..
ضحك محمد: قبل أربع سنين يوم قال لي ولد خالتي متعب:
وش رأيك تكلم أبي وتخطب منه بنت عمي طالب.. توها تخرجت من الجامعة..
و قبل اختها الكبيرة معية من كل الخطاطيب لين تتخرج.. اخطبها قبل يسبقك أحد.. تراها ما تتفوت.. أدب وتربية وسنع..
نطيت في حضنه.. وقلت يا الله ذا الساعة ذا الساعة.. قم نحاكي أبيك..
استانست لأني عارف بنات عمه طالب لا أم ولا أب.. قلت أحمدك يارب ماعندي عمة تنكد علي..
افرح يامحمدين ..ماعندكش حماية يامحمدين..
طلعت لي الجليلة عن عشر عمات..
بثينة بعتب مصطنع: كذا محمد؟! تعايرني عشاني يتيمة؟!
لو كان زوجها رجلا آخر غير محمد.. لربما قد تتحسس من هكذا قول..
ربما تكون الجليلة حاولت جاهدة ألا يشعروا بإحساس اليتم..وهي تاخذ دور الأم والأب بكل امتداداته..
ولكن إحساس اليتم بقي إحساسا مرا لابد أن يطفو كل حين..
ثم مع محمد وحنانه وحتى أبوته تراجع هذا الإحساس لأبعد زاوية منسية في روحها..
محمد انتفض بجزع رجولي حميم ..وهو يشدد احتضانه لكتفيها.. ليدفنها في منتصف قفصه الصدري:
آسف حبيبتي.. آسف.. الله يقطعني أنا ومزحي الثقيل..
لا تزعلين من حمودي حبيبش..
ضحكت بثينة بعذوبة وهي تستمع لدقات قلبه التي تشعر بها كتغريدات عذبة تحت أذنها:
يانظر عيني أنت .. أزعل من الدنيا كلها ولا أزعل عليك..
محمد ضحك ضحكة شريرة مصطنعة : تدرين خفت تزعلين.. وألجم لساني عن عمتي الجليلة..
عاد أنا لو يمر يوم ما أعلق على الجليلة ممكن يجيني شيء..
مهيب هي عمتي؟!!
*************************
تنظر له بولع أمومي لا يخلو من فخر عميق.. فهي من صنعت شخصية هذا الشاب الاستثنائي:
" مساعد نظر عيني.. لا تنسى تروح بكرة تجيب إيجار المحلات"
مساعد بابتسامة مرحة: من عيوني.. تأمرين شيء ثاني طال عمرش وحضرة جانبش..؟؟
ابتسمت: تمسخر طال عمرك أنت؟!!
ضحك مساعد وهو يجلس جوارها: حاشا وكلا يا بنت طالب.. أنا أستجري.. ما أنا بكفو أتمسخر على سمو الأميرة الجليلة بنت طالب..
ابتسمت الجليلة بعذوبة.. ابتسامة فترت عن مبسمٍ خرافي الحسن: شين ملاغة تالي الليل..
مساعد بذات المرح: الحمدالله ملاغتي على كل حزة..
ثم أردف بنبرة حانية لا تخلو من التقصد: ها مستعدة لبكرة؟؟
الجليلة بثقة متحكمة غير مصطنعة: وليه ما أكون مستعدة؟؟
مساعد بتلقائية: ما أدري.. دراسة الجامعة تشكل مرحلة جديدة في عمر الواحد..
لازم يكون قبلها إحساس حتى لو بسيط من التوتر..
ابتسمت الجليلة بثقة: التوتر للبزران اللي مثل أميرة.. بس أنا مايلبق علي.. فما فيه داعي أدعي توتر ماني بحاسة فيه..
ضحك مساعد: أنا أصلا الغبي اللي أسال ذا السؤال ..أكيد يامرغريت تاتشر.. الله يعين الجامعة عليش..
الجليلة بتلقائية واثقة: أنت عارف أني دراسة الجامعة كلها ما لي خاطر فيها.. بس عشان خاطر أميرة بأدخل معها ..
حينها نظر لها مساعد بشكل مباشر وهمس بنبرة مقصودة: جليلة .. ترا أميرة بذا الطريقة والله ماتقدر تعيش في الدنيا وأنتي مسوية عليها حماية بذا الطريقة..
أميرة مستحيل تطلع من البيت من غيرش.. ومالها صديقات غيرش..
كملتي الثانوية عشانها يوم شفتيها سنتين ورا بعض وهي ترسب في أول ثانوي.. والحين بتدخلين الجامعة عشانها..
أنا ما أقول لا تدخلين الجامعة.. لأنه حرام ما تدخلينها.. نسبتش أحسن من نسبة أميرة بواجد مافيه حتى مقارنة..
وثقافتش وإطلاعش أحسن من كثير من خريجين الجامعة..
بس تدخلين الجامعة عشانش مهوب عشانها..
الجليلة بثقة لا تخلو من نبرة حزن شفاف وهي تشد شعرها الكثيف ليسترسل بجوار عنقها الطويل منحدرا إلى حجرها : أنت عارف أني أبيها تكون قوية.. والدنيا مايعيش فيها إلا قوي..
بس هي كبرت ماعرفت لها أم غيري..أمي ماتت وعمرها أربع سنين.. وحتى أبي مات وهي صغيرة..
فصرت أمها وأبيها.. وأنت تدري زين إني حاولت أدمجها مع صديقات من سنها.. بس هي اللي ما ترضى..
حتى البندري بنت عمي عبدالمحسن.. مع أنهم متقاربين في العمر.. والبيت جنب البيت.. بس ما توالفت معها..
مساعد بثقة : لا تزعلين جليلة.. بس أنتي السبب.. أميرة متعلقة فيش تعلق مرضي.. وأنتي منتي براضية تفكين منها شوي..
الجليلة بغضب تحكمت في نبرته حتى لا تعلو طبقة صوتها الرصينة: يعني يا أما أسمع شورك وأعرس.. وإلا أكون اللي جنيت على أميرة..؟؟
تنهد مساعد: الجليلة لا تعصبين واللي يرحم والديش.. ياقلبي رفضش للزواج ماله مبرر..
أول تحججين إنه حن صغار ومستحيل تخلينا..
هذي بثينة لها أربع سنين متزوجة.. وأنا الفصل الجاي تخرج.. ولو تبيني أتزوج تزوجت..
وأميرة خلصت ثانوية وهذي هي بتدخل الجامعة.. وأزهليها.. أميرة في عيوني..
الجليلة شبابش بيروح حرام عليش.. شوفي حالش..
الجليلة بثقة: لا معصبة ولا شيء .. بس مالي عازة في ذا العاهات اللي يخطبون..
خلاص أنا وحدة كبرت.. وش لي بالعرس؟!
وأنت رجّال منت بقاعد تحرس البيت .. تبيني أخلي أميرة بروحها في البيت؟؟.. مهوب حولي ياولد طالب..
ضحك مساعد وهو يقرص خدها بحنان: أما عاد كبرتي على العرس وحلوة كذا وعمرش 32 ...!!
تكفين دوري لي وحدة كبيرة مثلش.. تكفين.. وأنا راضي بها وأحب يدي مقلوبة..
قولي إن السالفة أميرة وبس... خلاص ولا يهمش.. ترا الخطاطيب مأذيني عليها..بأزوجها وأزحلقها من طريقش..
تراها تبيعتي وعمرها 20 ..يعني ماعاد هي ببزر..
الجليلة بحزم: ياويلك يا مساعد تقرب حد.. وإلا تعطي حد كلمة.. ماعندنا عرس لين تخلص أميرة جامعتها..
مثلها مثل بثينة..
مساعد بحزم مشابه: أظني الشور عندي يابنت طالب..
ولو جيتي للصدق ترى أميرة هذي بقرة ومهيب وجه دراسة.. لولاش وراها ودرستي معها وأنتي تغزين الشرح في حلقها وتأكلينها الدروس أكل.. وإلا كان أساسا مافلحت..
المفروض إنها الحين تروح ثالثة جامعة.. خليها تعرس و توفق..
لوماكنتي وراها في الثانوية ماكان فلحت.. لكن الجامعة خلاص.. لو هي مالها رغبة في الدراسة.. خلاص والله مايمشي حالها..
الجليلة بحزم مثقل بالغيظ: مساعد لا تخليني أوريك وجهي الثاني..
ضحك مساعد: وأنا بعد لا تحديني أطلع وجهي الثاني.. تراني تربيتش يا بنت طالب..
وجهي الثاني عاده أعسر من وجهش.. وأظني أنش دارية..
بأطول بالي عليش شوي بعد.. ونشوف أخرتها معش..
تنهدت الجليلة، لتزفر خليط متناقض من المشاعر.. فخر مصفى وغيظ ملتبس.. من هذا الأخ..
الذي بقدر ماهي فخورة به.. بقدر ماهي متوجسة من قوة شخصيته..
بينها وبينه عشر سنوات..
هي من ربته ليكون قوي الشخصية..صارم القرارات..
منذ وفاة والدها كانت لا تفعل شيئا أو تخرج لمكان حتى تستأذنه..
مع أنه كان في الحادية عشرة في حينها.. لكنها أرادت أن تغرس فيه حس المسؤولية والرجولة المبكرة..
وهي تعلم شقيقتيها كيف يحترمنه إلى حد التقديس..وتكون كلمته مسموعة عندهما..
كانت سعيدة جدا به.. وهي تراه مازال في الرابعة عشرة.. ومع ذلك قهوته معدة في مجلسه..
وعمه وأبناء عمه سعيدون به أيضا.. وهم يتقهون عنده كل عصر حتى لا يشعر أن مجلس والده هُجر بعد وفاته..
ثم بعد ذلك عزائمه (وكرايمه) التي لا تنتهي.. جعلتها أكثر سعادة به..
ولكنها كانت في داخلها تتساءل بحزن: أ لم أنتزعه من طفولته؟؟ أ لم أحرمه أن يعيش سنه؟؟ وأنا أجعله يكبر في تصرفاته لعشرين عاما؟
ثم تزفر بعدها بحزن سوداوي لا قرار له: سامحني يامساعد.. بس الطفولة كانت ترف.. ماسمحت لنا ظروفنا إني أخليك تعيشها..
كنت أبيك سند.. في دنيا تخوف.. وحن بنات بدون أم ولا أب..
ويمكن كنت أبيك تكون صورة لشهاب اللي كان في عيني أكمل رجّال..
بس يا أختك طالبتك لا تكون مثل قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده رماني
تكفى يامساعد.. تكفى ياقلب أختك.. كله ولا أميرة..كله ولا أميرة!!
لا تقهرني على بنتي..
(كم مضى من السنوات.. وأنا أنسى نفسي في خضم انشغالي بكم
ماعاد لي حياة سواكم..
نسيت أو ربما تناسيت أني يتيمة حتى لا تشعروا أنتم باليتم..
رحيل أمي وأنا في السادسة عشرة نحر روحي نحرا
الجزع اخترم روحي.......
وكأن كل هذا الألم لا يكفي
ليرتحل والدي بعدها بسنوات قليلة.. وأنا مازلت في الحادية والعشرين
كنتُ الكبرى.. وأنتم عصافير لم ينبت ريشها..
نسيت صباي وشبابي كما نسيت مراهقتي قبلها
كل شيء نسيته من أجلكم...
القلب مازال متخما بالأسى..
فهل حينما يعود ذلك الــغــائــــب الذي أطال الغياب سأشعر بالسلام؟؟)
*************************
قبل ذلك بساعات ...صباح اليوم..
"أنت صدق متلاغي مع نسيبك قبل كم يوم؟ أنت صاحي؟!!
ترا جابر آل جبران من خيرة الرياجيل..
وعزّ الله مهوب غثيث"
كان الاثنان في كتارا، يتناولان فطورهما كعادتهما الصباحية التي تتكرر كثيرا أن يفطرا معا حينما يجدان وقتا لذلك، فرغم كل الخلافات والحساسية، بقيا روحين متآلفتين..
تناول خالد رشفة من قهوته، وهتف بثقة لا تخلو من الغضب:
أختي داخلة علي وجهها أحمر وشكلها باكية، يحمد ربه لاغيته بس، ماخليته يجمع ضروسه من القاع..
والله لولا إن غالية طلعت وحلفت إنه ماقال لها شيء، وإلا والله يا ممساه إنه في مستشفى حمد..
حينها اهتز فنجان القهوة في يد محمد، أعاده للصحن، وهتف بثقة مشابهة لا تخلو أيضا من الغضب ومن كثير من العتب: زين واللي أخته عارف إنه لها خمس سنين تبكي ومغبونة، وغبنها كنه رمح في كبده، وش يسوي؟!
شعر خالد بالطعنة من قريب، شهق من قوتها، شعر بها نسفت روحه نسفا، شعر أن خلاياه تتناثر آلما.. وهو يمد يده عبر الطاولة بينهما ليمسك معصم محمد بقوة، ويهتف برجاء عميق موجوع: طالبك يا محمد ما تذبحني.. أنت بالذات طالبك.. ما اقواها منك يا أخيك.. أيني داخل على الله ثم عليك.. ما تكمل.. ولا تقول كلمة..
صمت محمد بحسرة، وقهر عظيم يلتهم روحه، ربط يديه ولسانه بهذا الرجاء الأخوي العنيف الذي استفز به أخوته ومروؤته، حتى موضوع سفرة جنيف الذي كان يريد أن يفاتحه فيه اليوم وجد لسانه مربوطا عنه، والاثنان يبقيان صامتين دون أن يمدا أيديهما إلى بقية القهوة أو الفطور..
وكل واحد منهما ينظر للآخر بنظرات مثقلة بالمعاني، يتمنى محمد فقط لو أن الجازي تطلب منه أن يطلقها من خالد، يريدها أن تمنحه الغطاء المناسب لكي يستطيع مجابهة خالد ومعزة خالد ومحبة خالد التي لم ولن يؤثر فيها شيء..
ولكن مادامت الجازي ترفض أن يطلب هو وسعود لها الطلاق من خالد، سيبقى مجبرا على التراجع عن المواجهة..
الحزن والحسرة والقهر في داخل خالد كانت أكثر تجذرا وعمقا، يشعر أن كل مافيه يذوي وهو يضطر أن يجابه محمد : (طالبش يا الجازي، طالبش..كله ولا محمد، كله ولا محمد.. لا تخليني أقهر أخي ورفيق عمري!)
******************************
" يمه الله يهداش.. وش ذا الكلام اللي قلتيه لدانة؟؟
يعني المسكينة مهملة رجّالها وملزمة ماتروح لين تتأكد إن ضغطش نزل
تقومين تغثينها بذا الكلام اللي ماله داعي"
أم سعود بغضب حقيقي: أص ولا كلمة.. أص.. أنتي بالذات ما أبي اسمع صوتش..
وبكرة ما أنا بطالعة من حجرتي.. ولا أبي أشوف وجهش
ولا وجه حد من أخوانش.. فكوني في شركم.. ماحد رافع ضغطي غيركم..
وقومي فارقيني.. ما أبيش تمسين عندي..
الجازي بمهادنة باسمة رقيقة وهي تقترب لتحتضن ذراع والدتها وتقبل أعلى عضدها:
أفا ياصفوي.. أفا ..حتى الجويزي.. أخر العنقود.. سكر معقود.. تقلبين عليها؟!!..
أم سعود انتزعت عضدها بقسوة وهي تبعد الجازي عنها.. تنهدت الجازي بعمق..
يبدو أن غضب والدتها هذه الليلة غير قابل للحل السريع..
وخصوصا أنها ختمته بجرح دانة بقسوة.. رغم أنها تعلم محبتها الكبيرة لها..
الجازي همست بحنان: يمه الله يهداش.. العصبية مهيب زينة لش.. أنتي مرة معش ضغط وسكر..
وش اللي مضايقش جعلني فدا عينش؟؟
أم سعود بذات الغضب المتزايد: إلا قولي وش اللي مهوب مضايقني.. كل شيء مضايقني..
أنا عجوز مريضة رجلي والقبر.. ولا حد من عيالي مريحني..
ضحكت الجازي برقة: يمه الله يهداش وش فيش قلبتي مود هندي.. وش عجوز ورجلي والقبر..؟؟
توش يمه صغنونة وعمرش أول الخمسين..
أم سعود بغضب: أنا ماقلت لش أنتي أص.. أجل خلاص ما أنا بعجوز .. بس أنتو بتموتوني ناقصة عمر..
الجازي تتنهد.. يبدو أن كل محاولاتها لإخراج والدتها من المزاج السيء لا تفلح..
لذا همست برقة مهادنة مرة أخرى وهي تميل لتقبل كف والدتها هذه المرة:
جعلني فداش يأم سعود.. علميني وش فيش؟؟.. أنا الجويزي.. الصندوق اللي مفتاحه ضايع..
انتزعت أم سعود كفها حتى لا تقبلها الجازي في دلالة على غضب حقيقي غير معتاد من شخصيتها اللطيفة وهي تهتف بذات النبرة الغاضبة:
خلينا نبدأ فيش يالبصل المعقود.. خمس سنين متملكة؟!!..
نعنبو دارش.. سنانينش بزرانهم وراهم..
وأنتي تغلين على ذا المسكين لين طلعتي روحه وروحي معه..
زين وضربش؟!..الرجّال رجّال صدق.. دمه حار.. ولا له إلا الظاهر.. زين أنه ما ذبحش..
ويوم درا بغلطه.. تعذر بدل المرة ألف.. ماعاد إلا يحب أرجيلش عشان ترضين..
بس أنتي يا بنت بطني غرش الغلا.. جزاش لو أنه يطلقش ويحذفش مثل النعال ويأخذ شيختش.. علش تعرفين إن الله حق..
وإلا تدرين.. يخليش معلقة أحسن.. ويأخذ اللي تسواش.. عشان تأدبين ..
وأنا اللي بأخطب له بعد.. وأنتي خلش عند أمش لين تموتين..
الجازي وقف قلبها في منتصف حلقها من تهديدات أمها وهي مازالت لم تنتهِ بعد (معقولة يمه شايلة في خاطرش عليّ لذا الدرجة؟!)
الجازي لم تفتح فمها بكلمة.. ووالدتها لم تفسح لها مجالا أصلا وهي مازالت تنهمر بذات الغضب:
وإلا أختش.. الشيخة مها.. أقص يدي من عند منكبي كن مابينها وبين رجالها الشيطان الرجيم..
ومع كذا كل ما سألتها.. يأمش وش بينش وبين رجالش؟؟ هو مضايقش بشيء؟؟
تبوسم الخبل.. وتقول يوه يمه لا تفاولين علي أنا وتعوبي...
جعل تعوبها يتوطى في بطنها رايح جاي.. عشان تعرف أشلون تجحد على أمها..
الجازي مصدومة.. بل إحساسها يتجاوز الصدمة إلى الذهول الحقيقي (معقول فيه شيء بين مها ومتعب؟؟!!!! الاثنين سمن على عسل)
ومازالت أمها تنهمر بذات الغضب المثقل بالحرقة: تحسبني ما أدري إنها تدس دموعها على كلن..
بس تدسها علي بعد؟؟ أنا.. أنا أمها مبعدتني منها..
وأقول لها يأمش فكي المانع.. جيبي عيالش عادش صغيرة.. كني أحاكي الطوفة.. ماعاد لي أمر على أحد..
مثلها مثل الدانة اللي أقول لها فكي المانع.. تقول لي مهوب الحين..
نعنبو دارهم قد لهم سبع سنين معرسين.. ما تقدر تجيب لولدي عيال.. زوجته..
أنا ما أدري ذا البنات الوحدة منهم إذا خذت الرجّال تحسب إنها ملكته.. وإنه لها بلحالها..
الشرع حلل له أربع.. وكل وحدة لها قدرها وبيتها وخيرها..
يعني ربي ما يهنيني بشوفة ضنا عيالي..
وكله كوم ومحيميد الخبش كوم.. اللي قد له أربع سنين معرس
وإذا جيت بأحاكيه في سالفة العيال.. قعد يشرق ويغرب ويهذر وينكت عشان ينسيني السالفة...
أسكت عشان ما أحزنه..
بس خلاص.. قلبي احترق.. أبي أشوف عيال عيالي.. وابي اشوف بناتي مبسوطين..
وماحد منكم بمريح بالي.. كني عدوتكم.. ما كني بأمكم..
ارحموني الله يرحمكم برحمته.. اتقوا الله فيني.. خافوا ربكم..
الجازي ابتلعت غصاتها وهي ترى والدتها تنهي انهمارها المحرق كبركان نفث كل حممه ثم استكان..
وهي تراها تتمدد على سريرها كما لو أن جسدها خلا تماما من الطاقة..
(معقولة يمه.. شايلة ذا كله في صدرش وساكتة.. معقولة؟؟!!)
كانت تنظر لجسد والدتها الممدد وتتمنى لو تنكب على قدميها لتقبلها، كيف تتركها تنام وهي غاضبة هكذا؟ كيف؟
بقيت بجوار والدتها وهي تقرر أن تنام الليلة هنا على أريكة في غرفة والدتها،
كانت ليلة طويلة لم يغمض لها فيها جفن، وهي تشعر أن كل مافي روحها يتمزق، وأفكارها الحزينة تدور بين والدتها، وأخوتها ...... وخــــالــــــد..
***************************
" هنوف يا بنيتي .. وش مقومش ذا الحزة؟"
الهنوف تميل بإرهاق لتقبل رأس أم متعب بعد أن صبحتها بالخير:
بطني يوجعني.. وكنت أبي أشوف عندش بنادول..
أم متعب بحنانها الأمومي المعتاد: بتلاقين في شنطتي حقت علاجي..
الهنوف بخجل: عمي مهوب داخل..؟؟
أم متعب بسكينة: لا يأمش.. تعرفينه بيقعد في المسجد يسبح ويهلل لين تشرق الشمس..
الهنوف توجهت لغرفة عمها التي تأخذ جناحا كبيرا من الطابق السفلي من البيت، وأحضرت المسكن، ثم همست لأم متعب بمودة: تبين أقعد يمه أقهويش..؟؟
أم متعب بنبرتها الحانية: جعلني ما أخلا منش يأمش.. اكلي حبوبش وتريحي..
جعلش بعد ذا البطة اللي أخنزت من الرقاد..
ابتسمت الهنوف: البندري مارقدت إلا عقب ما صلت الفجر.. حرام توها ما ارتاحت من امتحانات الثانوية العامة.. تبي تعوض نوم شوي..
ضحكت أم متعب: تعوض نوم؟!.. هذي تعوض هل الدوحة كلهم نوم من عندها.. المحتاج يجيها وتغنيه..
ضحكت الهنوف برقتها المتفردة وهي تقف لتغادر: ماشاء الله شكلش مروقة اليوم.. خلني أروح أخذ من البندري شوي نوم..
وأخليش تستقبلين شيبتش بدون عزول..
كانت الهنوف على وشك المغادرة إلى غرفتها.. لولا الطرقات القوية التي ارتفعت على الباب الداخلي..
ثم الصوت الجهوري الذي لم تتوقع سماعه.. بل لم تتمنَ سماعه مطلقا يأتي من خلف الباب:
+
يا أهل البيت.. يا أهل البيت..
كانت الهنوف على وشك المغادرة إلى غرفتها.. لولا الطرقات القوية التي ارتفعت على الباب الداخلي..
ثم الصوت الجهوري الذي لم تتوقع سماعه.. بل لم تتمنَ سماعه مطلقا يأتي من خلف الباب:
يا أهل البيت.. يا أهل البيت..
نفضت رأسها بعنف، ورعشة هائلة تغتال كل خلاياها.. خـــــليـــة خــــليـــــة..
قدماها تميدان..توشك أن تخذلها.. وريقها يجف.. تشعر أن حنجرتها تشققت أخاديد غائرة من الجفاف..
(لا .. لا ياربي أرجوك.. مهوب هـــــــو.. مهوب هــــــو)
كانت تريد أن تهرب قبل أن يدخل.. تريد أن تهرب..لأبعد مجرة لو استطاعت.. وكانت على وشك الهرب..
لولا اليد التي تخشبت كقيد فولاذي على معصمها وثبتتها في مكانها.. والصوت الضعيف المهزوز المختنق الذي تلا تخشب اليد: هو صدق الصوت اللي سمعته يا هنوف؟ وإلا أنا أتحلم؟؟
تنهدت الهنوف بوجع عميق.. عـــمـــيـــق وهي تنزل جلالها على وجهها وتشد على كف أم متعب بحنو..
وتهمس بتلقائية مصطنعة أثقلها التعب.. أثقلها حتى النخاع:
إيه يمه.. هذا تركي..
أم متعب زاد صوتها في بحته وهو تحاول الوقوف ولا تستطيع.. الكلمات جفت على شفتيها..
حينها وجدت الهنوف نفسها مجبرة أن تهتف بصوت عال بقدر ما أسعفتها حنجرتها المشققة جفافا وتوترا: تفضل يأبو عبدالمحسن..ادخل..
استغرب تركي.. غريبة!! من ذا الصوت الحلو صوته؟؟ ماعندنا غير البندري مكينة خربانة..
تنهد بضيق لا يعرف له سببا يقينيا: أكيد الهنوف..
ثمان سنين مرتي حتى صوتها مابعد سمعته.. ويوم رجعت رجعتي النهائية.. أسمعه.. يا ترى هذي رسالة لي؟؟
حينما دخل ، حاولت أم متعب الجالسة على طرف الأريكة المزدوجة أن تقف وهي تتسند على ذراع الهنوف الواقفة جوارها.. ولكنها لم تستطع أن تقف..
وتركي منذ دخل وصورة والدته تلتهم المشهد.. لم يرَ شيئا سواها.. وكل الخيالات بجوارها تبهت..
قطع المسافة بينهما في ثوان.. وهو يميل عليها ليقبل رأسها بلهفة..
ثم يجثو على ركبتيه على الأرض ليقبل كفيها ثم يحتضنها بحنو أثقله الشوق: اشتحنت لش جعلني فداش..
أم متعب لم تستطع منع نفسها من البكاء: الحمدالله على سلامتك يأمك.. ماحد ذاب قلبه من الشحنة غيري..
ليه ماعلمتني بجيتك يأمك؟؟
ابتسم تركي وهو يقف ليجلس جوارها ويعيد احتضان كتفيها وتقبيل رأسها: حبيت أسويها لش مفاجأة.. جعلني فدا دموعش اللي ماحد يستاهلها..
طالبش ما تبكين ياعيون تركي.. إذا شفت دموعش أغتث..
أم تركي تمسح دموعها وتحاول أن تتماسك من الصدمة: وأنا أشهد أنها أحلى مفاجأة!
تركي بتساؤل رزين لا يخلو من لؤم وهو يتلفت حوله: يمه كان عندش أحد يوم دخلت..؟؟
أم متعب بعفوية: ايه.. سلم على بنت عمك..
تركي بنبرة أقرب للسخرية وهو يتلفت حوله: يمه أي بنت عم؟!.. ما أشوف إلا الكراسي.. تبين أسلم عليها حاضر..
أم متعب باستغراب: وين راحت ؟؟ أنت دخلت وهي جنبي..
تركي بسكون: أكيد طلعت..
ثم أردف في داخله: أصلا لو شفتها بيكون تحقق رابع المستحيلات.. 8 سنين متملكين.. عمري ماشفت زولها حتى بالصدفة..
أجي في الإجازات بالشهر والشهرين.. عمري ماصدفتها.. نعنبو شكلها حابسة نفسها في غرفتها!!
وكان محقا في ذلك.. فالهنوف حرصت منذ عقد قرانها ألا تتصادف معه مطلقا.. ومع أنهما في بيت واحد..
إلا أن جناحه هو ومتعب كان في الطابق السفلي وبابه يفتح لخارج البيت.. وليس له باب من داخل البيت.. وكان عمها عبدالمحسن هو من قام بهذا الترتيب قبل أن يحضرها من بيت جدتها.. حفاظا على خصوصيتها داخل البيت..
وبعد زواج متعب واستقلاله ببيت... بقي الجناح لتركي فقط.. الذي كان يقضي أكثر شهور العام في دراسته..
ولم يكن يتعبها أن تحرص ألا تصادفه في الأيام التي سيقضيها في الدوحة..
رغم أنها صادفته رغما عنها في مرات عابرة كثيرة لم ينتبه هو لها إطلاقا!!
***********************
" صباح الخير على أجمل أم خالد في التاريخ والبشرية"
ترفع أم خالد رأسها لمن انحنت عليها لتقبل رأسها وتهمس لها بحنان: هلا والله بالغالية..اقعدي يا أمش تريقي فديتش..
ابتسمت مزنة وهي تنهي قبلة رأس والدتها لتميل على كفها وتقبله وهي تهمس : وش حلاته إن الوحدة تكون البنت الوحيدة في البيت..
الغلا والدلع كله يسير لها..
أكملت جملتها وهي تسكب لها فنجان قهوة على عجالة وهي مازالت واقفة..
أم خالد بذات الحنان العذب: اقعدي يأمش.. تقهوي على راحتش..
جعل ربي يستر عليش ويكتب لش في كل خطوة سلامة..
تهمس مزنة باستعجال رغم أنها جلست جوار والدتها وقبلت كتفها أيضا: لا يمه ما أقدر أتاخر على خالد ياكلني.. ويسمعني موال على الصبح..
صار له خمس دقايق ينتظرني في السيارة..
أم خالد بحزم حان: خله ينطق ويتناش.. أنتي أخته الكبيرة..
ضحكت مزنة برقة: إذا قلت له كذا.. قال ذليتو أبو طوايفي.. ما يسوى علي سابقتني بعشر شهور..وبعدين يمه ولدش ذا صاير يخوف... أحسه أكبر مني بعشر سنين..
مزنة أنهت فنجانها ونهضت لتقف.. لولا أن أمها استوقفتها وهي تهمس برجاء:
فكرتي في الموضوع اللي قلت لش البارحة..؟؟
همست مزنة بنبرة لا تخلو من الحزن: يمه هذا حتى شهادة إعدادي ماعنده.. ترضينها علي وأنا معي ماجستير؟!..
أشلون أتفاهم معه؟؟
أم خالد بحزن: يأمش قعدتي تعيين من الخطاطيب ذا السنين كلها... والحين........
صمتت أم خالد بحرقة.. لتكمل مزنة بسخرية موجوعة: والحين أحمد ربي لأنه جاني واحد أنا أول بخته حتى لو ماكان بيننا أي توافق
لأن وحدة مثلي قربت على الثلاثين تقول فاتها قطار الزواج في عرفكم..
يمه الدنيا تغيرت.. والبنات صاروا يعدون الثلاثين ما تزوجوا..وأنتي عارفة أنه جاني ويجيني خطاطيب أحسن منه..
و يمه.. لو الوحدة مالقت الزوج اللي يناسبها، الأحسن تقعد في بيت أهلها..
أنهت مزنة عبارتها وتنهدت بعمق وهي تحمل حقيبتها وتخرج .. وجع عميق يسكن في وسط روحها:
(تكون هذي حوبتك يا محمد عشان رفضتك قبل 6 سنين؟!
يا ترى دعيت علي؟؟
قلت: يارب ما تتوفقين في رجّال عقب ما رفضتيني؟؟
ليش ألاقي نفسي كاشة من كل واحد يخطبني؟؟
وأصلي استخارة وألاقي نفسي تنصرف عنه
واعيد الاستخارة مرات كثيرة.. وكل مرة ألاقي نفسي جافلة أكثر..
ليش؟؟ ليش؟؟)
**********************
" ماصدق عيوني.. حضرة الدكتور بشحمه ولحمه"
وقف تركي بشوق وهو يملأ عينيه من رؤية أصغر أشقائه.. أخر العنقود، الذي خرج من إحدى غرف البيت في الطابق السفلي، وهو يسرع بحماس وصدمة متوجها لتركي الذي هتف له بحنو مرح: أنت أول غسلت عيونك يا حزام المعفن عشان تشوفني..
ضحك حزام بمحبة عميقة وهو يقبل أنف تركي ويحتضنه: والله إني غسلت عيوني وفرشت أسناني وبدلت ملابسي كلها..وعقب ذا كله تسبحت فوق ملابسي بعد، تبي الهنوف تذبحني أطلع بدون ما أسوي ذا كله...
احتضنه تركي مرة أخرى، وهو يلتفت لأمه ويهتف بمحبة أعمق: يمه سكروا عليه في صندوق، عمره 14 وقده بيغدي طولي، عقب سنة وإلا سنتين بصير أنا عند ركبته..
ضحكت أم متعب بسعادة وهي تراهما أمامها سعيدين: يا أمك اذكر الله، العين حق، هذا حشاشة الشيبان..
تركي باستنكار مرح: هذا حشاشة؟! متأكدة؟!! شكله يمه كان باقي تجيبين ولدين وإلا ثلاثة قررتي تجيبنهم كلهم في حزام، وتختصرين..
يضحك حزام وهو يشد تركي ليجلس ويجلس جواره: أنت جاي من أمريكا عشان تنظل فيني؟!، كفاية عليّ متعب ماوراه غيري.. شكلك معطيه وكالة عنك هنا..
تركي يجلس وهو يربت على فخذ حزام ويهتف بمودة: أشلونك يا أخيك وإلا يا أبيك، علومك ؟ وعلوم المدرسة؟؟ بشر من نتايجك..
يبتسم حزام بمرح: أبشرك مابعد طلعت..
يضحك تركي: أفا.. وش العلم؟!
يحك حزام رأسه ويهتف بنبرة مقصودة: كنك بتعطيني هدية نجاح تستاهل ..أبشر بالعلم الغانم..
يهتف تركي بذات المودة العميقة الأقرب إلى محبة أب لابنه : أبشر بالهدية اللي تبيها، بس بيض وجهي..
يهتف حزام باحترام ومحبة وهو يقف: وجهك أبيض يا أبو عبدالمحسن..
ثم أردف برجولة غامرة مبكرة صميمية: يمه أنا بروح مع السواق سوق الغنم، أجيب خروف تسوون غدا تركي..
تركي برفض: طالبك تفكني ما أبي إلا الطيحة، باسلم على إبي والبندري وأرقد لين صلاة الظهر، ولا لي خلق غدا..
حزام بإصرار: أجل عشاء والله ما تقول شيء.. وإلا تبي إبيك وإلا متعب وإلا مساعد يسبقوني على كرامتك؟!
**************************
" وش ذا النهار الحلو اللي أتصبح فيه بصوت الغالية؟؟"
الدانة بصوت مرهق: صباحك خير ياقلب أختك..
خالد بقلق: الدانة وش فيش جعلني الأول؟!.. صوتش مهوب زين..
حاولت الدانة أن تدفع في صوتها بعض المرح لتفشل في ذلك فشلا ذريعا.. وخرج صوتها مختنقا بكل شيء وبالا شيء:
مافيني شيء وجعل يومي أنا قبل يومك..
أنا متصلة أبي أجرب غلاي عندك..
ابتسم خالد بمودة حقيقية: أنتي بالذات ما تجربين غلاش.. لأنش تعرفينه زين..
سكتت الدانة لثوان ثم همست برجاء حازم: طلبتك..
شعر خالد بطعنة غريبة في صدره وكأن روحه تنبئه بشيء.. تنهد بصعوبة.. عانى ليجمع نفسه ويهتف بحزم:
عطيتش اللي تبين ..إلا لو شيء يخص الجازي.. لازم أعرفه.. ما أعطي على العمياني
الدانة بيأس: عطها تصريح سفر.. عندها دورة في جنيف ومحمد بيروح معها..
خالد بصرامة بالغة متجبرة: آســــــف.. وأنتي عارفة زين رأيي في ذا الموضوع.. ما كان فيه داعي تفتحينه من أساسه..
حينها انفجرت الدانة بغضب حازم عارم: أنت يا خالد صدقت إن هذا حب؟!!.. أو تبي تقنعني إنك تحبها وتسوي فيها كذا؟!!
فعايلك تقول إنك واحد تكره وتبي تنتقم منها عشان رفضها لك.. الأصيل ما يسوي في بنت عمه كذا..
هتف خالد لها بغضب أكثر حزما: انتهت المكالمة يادكتورة.. البزارين سنونهم سوست
وأنتي تهذرين في شيء ماتعرفين كوعش من بوعش فيه..
أقفل خالد هاتفه وألقاه أمامه بقوة.. ليعود يعمل في البرنامج الذي قاطعه اتصال دانة..
يداه تعملان بشكل آلي محترف.. ولكن عقله في مكان آخر.. آخر
( حتى أنتِ يادانة.. حتى أنتِ!!
من بقى لي؟!!
من بقى لي؟!!
كل الناس أصبحوا أعدائي يا الجازي
العالم كله معكِ ضدي
وأنا وحيد.. وحيد
ليس معي سوى حبك.. وحتى حبك تستكثرينه علي!!
تريدين أن تخرجي خارج حدود مكان لستُ فيه؟!.
لا.. لن أسمح لك..
لا أريدك أن تخرجي خارج حدودي..
فأنا لا أستطيع تنفس هواء لا تتنفسينه معي!!
ظالم أنا؟؟
أ ظالم أنا؟؟
تستحقين ظلمي.. فأنتِ أول من ظلم برفضكِ لي طيلة هذه السنوات
خمس سنوات مرت.. وأنت تمعنين في رفضي مرة بعد مرة.. دون شفقة على قلبي الذي أضناه هواك..
ألا تعرفين السماح ، ألا تعرفينه؟!!
لقد أضناني الندم و مامررت به من عذاب غيابك كفّر كل أخطائي..)
*****************************
" هنوف هنوف.. قومي يالدبة.. الظهر بيأذن وأنتي نايمة"
تشعر بالصداع يفتت خلايا دماغها (أي نوم عقب شوفة أخيش؟) همست بصوت مرهق:
بندورة تكفين تعبانة وأساسا ما أصلي.. خليني أرقد شوي..
البندري بحماس طفولي: تكفين قومي شوفي وش جاب لي تركي.. من الصبح وأنا أتحرقص أبي أوريش
ألم صاف تشعر به.. اخترقها من أقصاها لأقصاها
تنظر لإبتسامة البندري.. بهجتها.. سعادتها الطفولية.. وجذلها الشقي
رغما عنها تشعر بضيق عميق !! غيرة رقيقة شفافة تشبهها في حزنها الشفاف.. لا تحسدها أبدا ولكن في داخلها تمنت أن يتذكرها ولو مرة مثلما يتذكر البندري كل مرة.. والبندري لها والدها وأمها ومتعب.. لكن هي ليس لها سواه..
لم تكن تريد أن ترى شيئا .. كانت تريد أن تدفن رأسها في المخدة حتى لا ترى شيئا..
مازالت تذكر ألم المرة الماضية وهي ترى هداياه لها..
وتشعر بنفسها نكرة.. ككل مرة.. ككل مرة
لم تكن تحلم أبدا أن يحضر لها هدية..وإن كانت تمنت ذلك كثيرا طوال سنوات مضت..رغبة في اهتمامه وليس في الهدية.. حتى فقدت هذه الرغبة تماما تماما..لم تعد تريد أي شيء منه.. ولكنها لم تستطع منع نفسها من الألم العميق غير المفهوم..
لم يتذكرها بأي شيء.. ولن يتذكرها.. فهي لا شيء.. لا شيء!!
ولكنها لم ترد أن تكسر بخاطر البندري.. أجبرت نفسها على القيام من أجل البندري..
جلست على السرير وهي تزيح خصلات شعرها عن وجهها لتهمس البندري بقلق:
هنوف عيونش منتفخة.. شي يوجعش؟؟
(مايوجعني غير........
والله ما أدري وش يوجعني؟؟
عنه جا وإلا بالطقاق..
ليه أبكي ما أدري!!)
(لماذا حضوره أثار كل هذا الحزن المر في داخلي؟!
وأثار مرارة الخذلان والتجاهل والألم بهذه الصورة الوحشية؟)
همست الهنوف بخفوت: مافيني شيء.. يا الله وريني..
البندري كانت تعرض هداياها بحماسة..
كالعادة، ذوقه رفيع جدا.. أنيق.. ومتغطرس.. وبارد مثله تماما..
كل هدية تراها تزيدها ألما غريبا عميقا.. تشعر نفسها بعيدة وغريبة ولا وجود لها في حياة الرجل الوحيد الذي تنتمي له..
ثم ختمت البندري العرض وهي ترفع حقيبة قماشية كبيرة مغلقة تشبه حقائب الرياضيين
وهي تهمس بحماس أكبر: وهذي هداياش.. شكلها أكبر وأكثر من هداياي.. يا الله وريني..
كفاية من صبح بطني يمغصني أبي أشوفها.. وأنا أنهر نفسي وأقول عن اللقافة..
انتفض جسد الهنوف بعنف وهي تهمس بصدمة كاسحة: لي أنا..؟؟
تضحك البندري: لا لجدتي.. خلصيني..
(لماذا تذكرتني هذه المرة؟ ؟لماذا؟ تذكركِ لي أكثر قسوة من تجاهلك)
شعرت أنها تختنق أكثر وأكثر وألم عميق يغزو كل خلية في خلاياها ومع ذلك همست بحزم:
بندري لو سمحتي.. رجعي الشنطة له..
اتسعت عينا البندري وهمست بصدمة: أنتي صاحية وإلا مجنونة؟!.. تبين تركي
يذبحني.. وش أرجعها له؟!!..
الهنوف بحزم حقيقي: بندري والله لو مارجعتيها له.. إني عمري كله ما أكلمش..
البندري بحزن: زين ليه هنوف؟؟ حرام والله.. بتكسرين بخاطر تركي!!
(كسر بخاطري واجد... مهتمة من خاطره
مابقى في خاطري شي ما انكسر ملايين المرات
خاطري فتات منثور لا يمكن جمعه ولا بأي طريقة!!)
هتفت الهنوف بصرامة مبتورة موجوعة: بندري.. نفذي بس.. لا تخليني أروح أقطها على خالتي أم متعب..
هذاك الوقت بتفشليني وتفشلين تركي..
البندري بقلة حيلة: زين ..ولو قال ليه رجعتيها؟!..
الهنوف بنبرة مقصودة: قولي له تقول لك الهنوف: كـــثــــر الله خيرك... جـــــاها منك ما كفاها وزود!!
**************************
" فُرات.. وين مي؟؟
ماشفتها من يوم جيتوا"
فُرات يكتم غضبه الذي اشتعل مع عبارة والده (مامرت أبي لين الحين)
يبحث لها عن عذر لا يجده لها وهو يهتف باحترام:
يمكن عادها راقدة.. تدري ما جينا إلا الفجر..
يهمس أبو فُرات ببساطة ..بنبرته الشديدة العمق المتناهية في السكينة: براحتها.. هذا أنا موجود وين بأروح..
اليوم بكرة والا بعده.. مصيرها تتذكر وتجي تسلم على جدها.. ما ألومها.. تلاقيها خايفة مني..
فُرات بعتب: يبه ليه تقول كذا؟.. بتجي تسلم عليك الحين ورجلها فوق رقبتها..
ابتسم أبو فُرات ذات ابتسامته الساكنة المغرقة في العمق:
أنت ليه سويتها سالفة؟!.. أنا عارف إنها ماقصدت تتأخر في السلام..
بس أكيد عندها سببها.. حتى لو كان السبب إنها ما تبي تسلم علي.. أنا مقدر وسامح
و أنا بس مشتاق لها عشان كذا أنشد منها..
ابتسم فُرات بمودة شاسعة وهو يعاود تقبيل رأس والده:
يبه أنا مخي مهوب أوبن مثلك...
إذا مهيب نايمة.. تلاقي حامد عندها وهو اللي لهاها منك.. أنا طالع عندي شغل وبكلمها تجيك الحين..
أبو فُرات صمت قليلا ثم همس بسكون: زين..جبت الأغراض اللي وصيتك عليها؟..
ابتسم فُرات بمودة عظيمة: جبتها كلها.. مانسيت ولا شيء.. بس قل لي أنت كليت علاجك اليوم؟؟
همس أبوفرات بذات السكون: كليته.. حتى لو نسيته.. الصبي اللي أنت حاطه فوق رأسي ما يخليني أنسى..
ثم أردف برجاء عميق: فُرات يأبيك.. ترى ذا الصبي موترني.. وهو قاعد حارسني طول اليوم..
ماعليه خله يعطيني علاجي وعقب يروح.. أنت عارف أني لي طقوسي الخاصة.. وجوي الخاص... وما أحب حد يكون فوق رأسي..
ابتسم فُرات بمودة صافية عميقة.. فإحساسه بوالده عميق عميق: أبشر.. من عيوني.. أنت لو تطلب عيوني ما تغلى عليك يا أبو فُرات.. جعل عمرك طويل لفُرات وعياله..
ثم أردف بشجن عميق موجوع : ليتك بس تطلب مني شيء يستاهل.. والله يبه إني ودي لو أجيب الدنيا وأحطها كلها في يدك..مع أن الدنيا كلها ما تسوى تراب أرجيلك عندي..
أبو فُرات شد على كف فُرات بحنو: ما أبي إلا سلامتك يا أبيك.. وإن الله يحسن خاتمتي ويجعل يومي قبل يومك..
****************************
" الجويزي.. وعمى.. وينش من تلفونش؟؟"
الجازي تهمس بخفوت لأنها في مكان عملها: كنت في اجتماع وتوني خلصته وكان تلفوني على الصامت..
آمري يا أم ريم...
مها بقلق: أدق على أمي ما ترد علي.. وسواقكم الجديد رقمه مهوب عندي..
كلميه خليه يجيني بأروح لأمي..
الجازي بتردد: مها لا تروحين لأمي بتغسل شراعش..
مها بصدمة وجزع: أفا.. ليه وش فيها أم سعود علي؟!..
الجازي تنهدت: كم سالفة دخلت في بعض.. لا طلعت من شغلي كلمتش..
مها باختناق: تبيني أدري إن أمي زعلانة علي.. وأنتظرش لين تحنين علي وتعلميني..
لا والله يا بنت سعيد.. لا أبو الشغل..
والله لو ماقلتي لي الحين لأروح لأمي الحين وأفهم منها..
الجازي تنهدت بعمق وهي تخفض صوتها أكثر : أمي زعلانة علينا كلنا.. وتقول ماحد من عيالها مريحها..
أنا عشان سالفة ملكتي.. وتقول بتزوج خالد عشان تأدبني..
ومحمد وسعود عشان سالفة العيال..
وأنتي تقول إنش بينش وبين رجالش شيء وأنش داسة عليها..
ولا تقولين لي ما بيني وبين متعب شيء.. لأني مالي دخل.. هذا كلام أمش ولولا أني شفتها متأكدة ماكان صدقت فيكم ياكناري الحب..
سحبت مها أنفاسا مسمومة وهي تهمس بتثاقل: خلاص.. أرسلي لي السواق أروح لها.. متعب الحين في الشغل..
الجازي برجاء: مها تكفين خليها لين تروق.. تراها البارحة هبت في دانة وهبت فيني.. والصبح هبت في سعود يوم جاء يتطمن عليها قبل يروح دوامه..
تكفين لا تروحين الحين.. بروحها ضغطها مرتفع..
مها اختنقت تماما بعبراتها: ما أقدر الجازي أدري إن في خاطرها عليّ ولا أروح أراضيها..
تنهدت الجازي للمرة الألف اليوم ربما: خلاص عقب المغرب.. تكون قد أفطرت وروقت شوي...
**********************
" مي يا المزعجة.. قومي فارقيني خليني أرقد.. وراي تدريب"
مي برجاء وهي تعاود هز كتفه للمرة الثانية: تكفى حامد.. قوم معي أبي أسلم على جدي.. إبي توه كلمني وغسل شراعي..
جلس حامد وهو يمسح وجهه لتظهر تفاصيل وجهه الحادة الجذابة الأكثر شبها بفُرات ويهمس بمرح: وش حامد ذي.. أصغر عيالش.. قولي عمي حامد..
وبعدين لا يكون إخي حمد يأكل أوادم على غفلة..
تنهدت مي وهي تهتف باستعجال : تكفى ياعمي حامد باشا.. قدني مستحية من جدي.. أمش بس أسلم عليه وعقب ارجع ارقد..
حامد تنهد ليهتف بحزم: مي ترا عيب عليش.. والله حمد بيحزن لو درا أنش خايفة تسلمين عليه..
مي بيأس: أنا ماني بخايفة بس مستحية.. مالي وجه عقب سواد وجهي معه المرة اللي فاتت..
أنا حتى سافرت بدون ما أسلم عليه من كثر ما أنا مستحية..
تنهد حامد بألم: صدقيني مهوب متذكر... أصلا لا جاته الحالة ينسى وش صار له حزتها..
مي بألم مشابه: بس أنا متذكرة.. وهو بعد متذكر.. ما أدري وش اللي صار لي.. يمكن لأنه أول مرة تجيه الحالة وأنا معه بروحي.. كل مرة يكون حد منكم موجود.. بس ذا المرة كنت بروحي وارتعت..
بدل ما أساعده.. طقيت وخليته.. وقعدت أبكي.. لولا الصبي كان قريب وسمع الصوت.. ما أعرف وش كان صار له.. وكله ذنبي.. كله ذنبي..
حامد قام عن سريره ليفرد جسده بطوله الفارع.. مد يده بحنو وبعثر شعرها: حمد مهوب مشره عليش يا الخبل..
اختنقت مي بعبراتها: بس أنا مشرهة على نفسي.. يا أخي جدي من كثر ماهو عذب ورقيق تخاف أدنى شيء يجرحه..
ضحك حامد: مهوب عيب عليش شيبه بدوي تقولين عليه عذب رقيق.. هذي فيها قص رقاب..
ابتسمت مي: أصلا جدي مافيه شيء من طبايع الشيبان.. وخصوصا شيبان البدو المقفلين..
حامد ضحك : تفلسفت علينا الأميركية وش عاد بيسكتها..
ضحكت مي: أش قدام اشتكيك لخالي أوباما.. وأقول أنك تسيء معاملتي!
ضحك حامد: أنتي بعدي عني خالتش هيلاري كلينتون.. وكل شيء سهالات.. ويا الله قدامي لجدش.. سلمي عشان أرجع أنام شوي قدام التدريب..
وفي الليل طالبيني في برنامج المجلس..
مي بحماس وهي تمسح دموعها وتنتقل من مزاج لمزاج مختلف تماما:
على الطاري ترا رفيقاتي بيموتون يبون منك صورة موقعة..
حامد بمرح: لا دخيلش.. بعدي عني سوالف البنات.. كفاية اللي جايني منهم..
مي بذات الحماس: زين في برنامج المجلس لا تخلي خالد جاسم يستفزك مثل المرة اللي فاتت..
ابتسم حامد بذات مرحه الدافئ: خالد جاسم هذا حبيب الكل.. واستفزازاته هي ملح البرنامج كله..
صحيح كنت بأخنقه المرة اللي فاتت.. بس ربي ستر..
**************************
" عسى ما شر يا أبو سعود
كلمتك الصبح أبي نتفق على عشاء ترقيتك.. تقول أنك في شغل في الدوحة
أرب سميي الذيب مهوب تعبان؟؟"
ابتسم جابر وهو ينظر لسعود بمودة حقيقية... فما بينهما عميق وجليل وعظيم ..صداقة ممتدة راسخة وأخوة صادقة : أول شيء العشاء انا حلفت عليك ما يستوي...وخلصنا... وثاني شيء سميك الذيب طيب وبخير.. بس مودي أم سعود للجامعة
عشان تسوي إعادة قيد..
سعود باستبشار: اول شيء العشاء حلفت قدامك وخلصنا.. وثاني شيء الله يبشرك بالخير.. خل أم سعيد عندي يقر قلبها شوي
حارقها قلبها على ذا الفصل اللي باقي عليها..
تقول إنها هي اللي تدرس بدالها..
تنهد جابر: الله يكمل أم سعيد بعقلها.. ليتها تعطي أختها شوي..
سعود بنبرة مقصودة: عادها مجننتك على الموضوع نفسه..؟؟
يتنهد جابر بضجر يائس: ليه عندنا شيء غيره؟؟ حياتنا كلها صارت ذا الموضوع وتبعات ذا الموضوع...
سعود ابتسم: زين غريبة قد لك ساعتين معي.. ماصيحت خطك عشرين مرة عشان تشوف معك خط ثاني وإلا لا..
جابر بهم: متلاغي أنا وإياها .. ومتهاوشين هوشة وش كبر.. مهيب داقة ولله الحمد!!
سعود بجزع راق: جابر تبيني أقول لأم سعيد تكلمها وتعقلها..تراني حاضر..
جابر برفض قاطع: لا طالبك يا سعود.. هي أساسا ما تبي حد يتدخل بيننا..
وأنا بصراحة متشاينها.. أقول مرتي تشك أني أغازل.. والله عيب في حقي...رجال في أخلاقي و عمري ومكانتي!!
لا حول ولا قوة إلا بالله.. غلطة عمري ذا الموضوع.. طيش شباب بأقعد أتحاسب عليه طول عمري..
أنت بالذات يا سعود عارف إن السالفة ما تعدت التلفونات وأني من ثمان سنين يشهد ربي علي ما كلمت بنت..
سعود بمساندة: يا بن الحلال دامها مهيب ماسكة عليك شيء.. بتعرف إنها كانت غلطانة وبتعقل..
جابر بضيق عميق: المشكلة إنها ماسكة علي شيء كبير..كبييييير...من الصبح أدور له تفسير ومالقيت..
****************************
كانت تجلس على سجادتها بعد صلاة العصر، وللتو أنهت أذكار المساء حين سمعت الطرقات الخافتة على الباب..
وقفت لتخلع جلال صلاتها وتضعه داخل سجادتها وتطويها وتضعه على المقعد وهي تهتف بصوت حان عال: ادخلي يا الجازي..
أطلت الجازي بابتسامتها الشفافة: أشلون عرفتيني؟
ترد الدانة بابتسامة مشابهة: سعود في الزام.. ومها في بيتها.. وأمي صافية ما تطلع فوق.. يعني من؟؟
وعلى العموم مافيه حد يدق كأنه خايف إلا أنتي.. مها وسعود يدقون الباب كنهم مدرعات حربية..
دخلت الجازي وهي تهمس بمرح يخفي خلفه توتر ما: يعني أستانس أني الرقيقة اللي في البيت؟!!
تضحك الدانة: ماحولش رقة.. حتى لو شكلش رقيق..
تقدمت الجازي أكثر وهي تهمس بحزمها الرقيق: أعرف اليوم الأثنين وأنه لازم تكونين المغرب في بيت هلش عشان تفطرين مع أمش.. عشان كذا قلت ألحق عليش قبل تروحين
صمتت قليلا ثم همست بذات الحزم الرقيق :أمس طلبت منش طلب.. يا ترى لين الحين ماقدرتي تجيبين لي الرد؟؟
تنهدت الدانة ثم جلست على الأريكة وشدت الجازي لتجلس جوارها، حينها همست الجازي بحزن عميق غريب: السالفة فيها
قعدة؟!!
الدانة لم تعرف كيف تبدأ ، وكأنها تبحث عن سكين رقيقة حادة لكي تذبح بها آمال هذه الصبية المشروعة... التي لم تطالب بالكثير.. بل طالبت بحق مشروع لها.. كل السكاكين والكلمات بدت حادة مؤلمة إلى درجة القتل الفعلي..
فأعفتها الجازي من صعوبة خروج الكلمات التي توقفت على شفتيها، وهي تهز كتفيها بأسى: ما وافق.. صح؟؟
ردت عليها الدانة بأسى مشابه: أنتي عارفة رأيه في الموضوع..
ثم أردفت وهي تقول شيئا لا تريد قوله، فهي لا تريد مشاكل بين زوجها وشقيقها، لكنها وجدت أن ضميرها الحي يجبرها على قوله: أنا بعلم سعود.. خله يتصرف معه..
حينها انتفضت الجازي بجزع، وذاكرتها تستعيد ذهابها للعمرة قبل عامين، الذي كاد يؤدي إلى نشوب كارثة حقيقة بين سعود وخالد..
فخالد حين يتعلق الأمر بها يتحول لمقاتل شرس متجبر...مستعد للقتال حتى أخر رمق: لا تكفين يا دانة، سعود متحفز وناطر إشارة بس.. بيتذابحون بسبتي..
ثم أكملت بحزن عميق: خلاص بأعتذر عن الدورة، ثم أردفت بحزن لا حدود له: قولي لخالد يخاف من ربه فيني، ترا اللي يسويه فيني ما يرضي رب العالمين..
انتفضت دانة بعنف وهي تضم الجازي إلى صدرها: بتزين يا حبيبتي .. بتزين..
حزن عميق يخترم روح الجازي، أي حياة هذه الحياة؟! أي حياة؟!! تشعر أنها سجينة حقيقية، تشعر بقهر عظيم يتصاعد في روحها، ومرارة حارقة تتسرب عبر كل خلية من خلاياها..
إلى متى ستبقى سجينة خالد؟ إلى متى ستبقى مهتمة بالجميع على حساب نفسها؟ تعلم أنها لو رفعت قضية في المحكمة ستحصل على الطلاق من الجلسة الأولى..
لكنها مازال لديها أمل بحل الموضوع وديا حفاظا على مشاعر كل من تحرص على مشاعرهم أكثر من مشاعرها..
*******************************
" يأبيش حرقتي قلبي..
ممكن أعرف ليه ذا البكا كله؟؟"
مازالت على نفس الوضعية منذ أكثر من خمس دقائق .. تدفن وجهها في حضن جدها الجالس على الأريكة بينما هي جالسة عند قدميه على الأرض.. وتبكي..
لم تنتبه حتى لخروج حامد.. الذي أدخلها وخرج من فوره..
لأنه رأى أن وجوده لا داعي له مادامت احتضنت جدها وبدأت بالبكاء في وصلة غبية من حساسية البنات كما يراها..
مي بين شهقاتها: مالي وجه عقب اللي صار قبل ما أسافر.. أكيد إنك زعلان علي الحين..
ابتسم أبو فُرات وهو يرفعها من عضديها ليجلسها جواره ويحتضن كتفيها ويهمس لها بحنانه العميق الغريب:
أنا كنت خايف أنش أنتي تكونين زعلانة مني.. لأني خوفتش مني..
رحتي بدون ما تسلمين علي.. ورجعتي ما بغيتي تسلمين علي..
مي انكبت تقبل كفه وهي تبللها بدموعها: تكفى ما تقول كذا يبه.. أنا دارية أني غلطانة.. بس لا سمعتها منك تهون علي نفسي..
أبو فُرات تنهد بعمق: اسمعيني يأبيش.. لا تعتبين على نفسش في شيء.. لو تكررت مرة ثانية وجاتني الحالة وأنتي موجودة..
أنا أصلا ما أبيش تقعدين عندي.. اطلعي ووخلي اللي موجود من العيال يجيني..
أنا أصلا ما يهون علي تشوفيني كذا..
مي انخرطت في البكاء مرة ثانية: طالبتك يبه ما تبعدني عنك.. والله العظيم المرة الجاية بأعرف اتصرف...
يبه البيت مافيه إلا وأنت.. كلهم لاهين برا البيت.. تبي تبعدني منك؟؟
تكفى يبه ماتقول كذا.. أوعدك أعرف أتصرف..
أبو فُرات بحزم: مي قلت كلام تنفذينه وخلاص.. لا تزعليني منش..
*****************************
سعود وجابر مازالا في حوارهما الذي تفجر بشكل مفاجئ ..
سعود متفجر تماما بالغضب: والمسكينة صار لها عارفة ذا كله سنة كاملة وماعلمتك..؟؟
جابر يتنهد بضيق: ما قالت لي إلا اليوم الصبح عقب مارجعنا من الجامعة.. تلاغينا على سبة الموضوع..
سعود يهتف بغضب مختنق بالحزن: وأنت ماسك للمسكينة.. عشانها بزر.. عشانها بزر..
يا أخي لو أبي عاده حي ومسوي سواتك.. مهوب بعيد تصلبه أمي..
أم سعيد اللي هي أختها الكبيرة واللي كل شوي تقول لي الله يكملها بعقلها.. والله لو صار معي اللي صار معك
إنها ماتقعد عندي دقيقة وحدة.. وغالية المسكينة لها سنة صابرة.. ياكبر صبرها!!
جابر بضيق: صابرة على ويش؟؟ على شيء مالي ذنب فيه..
سعود بغضب: هي مالها إلا الظاهر.. وأنا ألف مرة نهيتك من ذا الطريق..
سبحان الله.. صحيح أبي مات وعمري 12 سنة.. بس قال لي شيء عمري في حياتي مانسيته..
قال لي ياولدي (على كل خينة بينة) لا تغلط وتحسب الغلطة مستورة..الغلط مصيره ينكشف..
جابر بضيق أعظم: سعود الله يهداك .. هذي سوالف مضى لها 8 سنين.. وقبل أتزوج.. وشيدريني إنها بترجع تخرب علي حياتي..
سعود بضيق: أنا بروحي اليوم متضايق من يوم طلعت من البيت.. وأنت كملتها علي..
قم معي الحين نروح نسلم على تركي.. واصل اليوم الفجر..وعقب نتكلم..
تنهد جابر ثم هتف بحزم: توكل أنت.. أنا عندي حجز أسبوعين..
سعود باستغراب: ليه أسبوعين؟؟ لا عندنا مناورات ولا تدريبات..
ثم أردف بغضب: إيه يا الدجاجة.. طاق من مشاكلك مع مرتك..
جابر بنبرة غضب مقصودة: سعود مافيه داعي لذا الكلام.. مايدري بالوجيعة إلا راعيها..
فيه ناس قبل كم سنة طقوا من الدوحة بكبرها عشان مشاكلهم مع نسوانهم..
سعود علم أنه يعنيه بالكلام حين التحق بقوات اليونيفيل في لبنان.. وماتبعه من مشاكل وصلت لتطليقه لدانة.. ومع ذلك هتف بكل حزم:
ذاك زمان.. وذا زمان..
وإذا غرنا الجهل أول.. المفروض يغرنا الحِلم الحين!!
************************
" هيه الجويزي.. أمي اشفيها ساكتة من يوم جيت؟؟"
تهمس الجازي برجاء خافت : تكفين مهوي.. دامها ساكتة خلها ساكتة..
مها بألم: قلبي موجعني.. أشلون تقولين إنها زعلانة علي.. وما أراضيها..
الجازي برجاء أشد: دامها لاهية مع بناتش خليها فيهم.. تكفين .. لو تشوفين أشلون قلبت البارحة علي .. ماتقولين هذي أمي..
مها تنظر بألم شاسع لأمها التي كانت تضع ابنتها الصغرى في حضنها، وتطعم الوسطى بينما الكبرى تعبث بطرف برقع جدتها التي تبدو عيناها سارحتين في ملكوت آخر:
ياقلبي يمه وش اللي في خاطرش؟!.. ليتني أدري..
الجازي بنبرة مقصودة: في خاطرها تدري وش بينش وبين ولد خالتنا الموقر؟
مها شدت نفسا وهمست بحزم: أنتو ليه تفاولون علي أنا ومتعب.. ما بيننا شيء وأنتي عارفة ذا الشيء..
الجازي بذات النبرة المقصودة: أنا كنت أقول كذا.. بس دام أمي تقول بينكم شيء.. مستحيل تقول كذا من عندها.
مها أدارت وجهها عن الجازي.. فغضب
والدتها عليها سلب منها مهارتها التمثيلية المعتادة فبالها مشغول مع أمها..
وليست على استعداد للتغطية على متعب الليلة.. لذا صمتت..
الجازي صمتت قليلا .. تشعر ان هناك ألما غريبا يشيع من بين جوانح مها الليلة ثم همست بمودة: مهوي من يوم جيتي ماذقتي شيء..
حتى الفطور ما قعدتي معنا عليه.. بس أنا وأمي.. تبين أسوي لش شيء..
مها بسخرية مرة: هامتش كرشي يعني.. تبين تحافظين عليها؟؟
الجازي باستغراب: أنا ما أنا بمستغربة كلامش، متعودة أنش تعلقين على روحش.. بس مستغربة ذا النبرة..
مها بذات السخرية المرة: زين وهذا صحيح.. ذا الشحوم مهيب راضية تروح.. تقولين مصمغة بلزقة عنزروت.. قربت أسوي زلازل لا قدني أمشي..
الجازي بعتب: تدرين مها أني ما أحبش تكلمين على نفسش.. صحيح مليانة شويتين.. بس احمدي ربش.. غيرش حالتهم حالة..
أنتي تبين شوي ريجيم ورياضة.. بس شوي..
صمتت قليلا.. ثم أردفت بتردد: ولو جيتي للحق مها.. ترا اللي أنتي محتاجته أكثر من الرياضة تهتمين بنفسش شوي..
قصة جديدة.. ميكب.. تغيرين ستايلش في اللبس.. مهوب أنا اللي أعلمش..
هزت مها كتفيها بذات السخرية المرة: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!.. وش يفيد اللبس والمكياج والكشخة في شحومي؟!
الجازي بغضب خافت: تدرين والله أنش استخفيتي على ذا الكلام.. لكل وزن لبسه.. وأنتي حلوة وتجننين.. وتدويرة وجهش يحفون الناس وراها.....
قاطعتها مها بصرامة: الجازي أظني أني الكبيرة.. وسكري الموضوع..
(قولي لي لمن أكشح.. لأبو لسان سم..
عوفني الدنيا بكبرها!!)
قاطعهما ارتفاع صوت والدتهما وهي تهمس بنبرة أقرب للإرهاق: قوموا البسوا وكلموا السواق
خلونا نروح لخالتكم نورة نبارك لها برجعة تركي..
**********************************
" غريبة أنك هنا ذا الحزة !! منت ب رايح لعشاء تركي؟!"
التفت مساعد الجالس في صالة البيت السفلية.. إلى الجليلة التي تتبعها أميرة قادمتان في المطبخ وأميرة تحمل بين يديها صينية فيها كوبان من الكرك..
وهتف بمودة مرحة وهو يتناول أحد الكوبين: تركي سلمت عليه العصر .. وتو الناس على العشاء.. عقب ما أصلي العشاء بأرجع عليهم من المسجد دايركت..
ثم أردف: وترا عشاء تركي عندي بكرة.. حلفت عليه قبل يحلف علي.. حاول يتخلص مني.. وأنت حزام واحد.. بس نشبت له
الجليلة تجلس على الأريكة وأميرة تجلس جوارها وتهمس بمودة: أبشر يا أبو طالب بالعشاء اللي يبيض وجهك.. يستاهل تركي راجع بالدكتوراه...
ثم أردفت بمودة شفافة :يا حليله حزام يذكرني فيك وأنت في عمره.. نفس حركاتك وطريقة كلامك..
مساعد بذات المودة: حزام نادر جعل ربي يبارك فيه ويطول في عمر عمي لين يشوف عيال عياله..
ثم أكمل ضاحكا: ويطلع له شنب قدام يموت علينا..
الجليلة تبتسم: توه بزر.. وش معجله على الشنب؟!.. صحيح طويل ماشاء الله.. بس أي حد يشوفه يدري إنه بزر..
مساعد مازال يضحك: بيموت يبي شنب، ومتعب 24 ساعة مستلمه يعلق عليه.. قهره.. ما يسميه إلا الكوع ..
الجليلة بذات الإبتسامة: متعب الله يهداه شيّب وهو ماخلا النشبة في حلق خلق الله، أنا تغطيت عنه وهو ما يناديني إلا قرون العنز..
حينها ضحكت أميرة ضحكة قصيرة خافتة، التفت مساعد بابتسامة لها: أخيرا سمعنا حسش..
همست أميرة بمودة بصوتها الخافت على الدوام: زين إني ضحكت بعد، موب كفاية زطيت الكرك حقي وأنا ساكتة أتبوسم..
يبتسم مساعد بمودة: من قال زطيت حقش؟! أنا زطيت حق جليلة، أعرف أنها ما تحب الكرك ورحمتها منه وأنتي كل شوي تشربينها معش كرك يا المدمنة..
أميرة بمودة حقيقية وهي تلفت للجليلة: ما يهناني أشرب أو أكل شيء ما تذوقه معي جيلو..
مساعد بنبرة مقصودة: لو أن الله يفك لجليلة من نشبتش في حلقها في كل شيء، كان كدينا خير..
الجليلة تنهر مساعد وهي تنظر لوجه أميرة المستاء: مـــســاعــد!!
يضحك مساعد: يمه منش ما قلت شيء.. وإلا دلوعتش ممنوع اللمس.. أمزح أمزح.. هذي أميرة أصلا الظل حقش.. كيف الظل ينفك من صاحبه..إلا كان تحوّل جليلة لبيتر بان اللي ظله طاق منه..
حينها ابتسمت أميرة وحركت يديها لتغيضه: ماعلي منك.. قول اللي تبي تقوله.. متعودة على قطاتك السم.. جليلة ماني ب فاكة منها.. حد يفك من أمه وأبيه وأخته وصديقته والعالم كله؟! خبل أنت.. ولا عليك شرهة..
***************************
"جعلني ما أبكيش أنا كان جيتش أسلم عليش بنفسي"
كان تركي يهمس بذلك بتقدير ومودة وشوق وهو يقبل رأس خالته أم سعود...
همست أم سعود بصوت مرهق وهي تشده لتحضنه بحنو وتجلسه جوارها: أنا جاية أسلم على أختي الكبيرة.. وأبارك لها بجيتك.. وإلا الحق لي تجيني...
تركي يميل ليقبل رأسها مرة أخرى: لش الحق كله... بس والله توني جاي الفجر.. مالحقت.. سعود جاي عقب شوي.. كنت اقول لا جاء جيتش أنا وإياه.. لأنه محمد سلم مستعجل وراح عنده شغل يبي يخلصه عشان يرجع للعشاء..
أم سعود بمودة حقيقية: جعلني ما أذوق حزنك ما أشك في قدري عندك.. لكن حن العجايز نحب نتغلى..
ثم أردفت وهي تتحسس كتفيه وعضديه: كنك ضاعف يا أمك..أنت ما تأكل..؟؟
ضحك تركي: ذا كله وضاعف يا خالتي؟!..
أم متعب تشارك في الحديث بمودة واهتمام: أي والله قوليه يا صافية... أقول له ضاعف يقول مهوب حولي..
أم سعود توجه الحديث لأختها: إذا أعرس متن غصبا.. إلا متى الموعد ان شاء الله؟..
خلاص تركي رجع.. والتأخير ماله معنى..
تركي يقاطع الحديث حتى لا يتجه لاتجاه لا يريده: أكيد سعود جاء... لازم أروح المجلس..
.
.
البنات كن انتقلن للمجلس الداخلي حين أخبرتهن أم متعب أن تركي سيدخل ليسلم على خالته.. مها والجازي والهنوف والبندري..
مها بطريقتها المعتادة العريقة في نثر التعليقات مهما كان قلبها مغمورا بالحزن: إلا الشيخة الهنوف كان فيه وحدة توها من يومين تقول ما يهمني جاء ولا راح، واليوم حاطة مكياج كنها رايحة عرس..وش عندها ظنش؟!
الهنوف بمرح مصطنع: يمه منش!! أنتي ماعندش حد غيري توجهين عليه أبراج مراقبتش.. يا أختي هذي جوجو كاشخة كنها رايحة عرس..حولي عليها شوي..
لم يكن عند الهنوف شيء تقوله غير ذلك.. ماذا تقول؟! أنها بالغت في وضع الزينة على وجهها حتى لا تظهر آثار البكاء على وجهها؟!..
فطبيعة بشرتها الصافية الطفولية ستفضحها، وتفضح آثار البكاء الطويلة الذي لم يتوقف إلا قبل وصولهن بقليل.. وهي لا تريد أن يشعر أحد بشيء، يكفيها توترها من انتظار ردة فعل تركي حين يعلم أنها أعادت هداياه له..
مها بذات المرح وهي تنظر لأختها الجازي: والله أنش صادقة.. إلا أختي المبجلة حد قايل لش أنتي بتعينين عمتش أم خالد عند خالتي..وشو له ذا الكشخة كلها؟؟
الجازي بثقة: عشان نفسي.. مثل ما الهنوف كاشخة عشان نفسها.. يا أختي ترا الحياة فيها شيء غير ذا الرّجال.. وترا لا درينا عن خالد ولا عن تركي..
مها تضحك: وخروا عن أختي.. من كثر ما خلّلت صارت ترد نيابة عنها وعن كل المخللات.. بكرة بتسوي جمعية المتملكات المخللات وتصير المتحدثة الرسمية..
الجازي تضحك: ما أظن في العالم كله حد مخلل كثري أنا والهنوف.. ثم أردفت بحنان: بس الهنوف خلاص شكلها بتخليني العضو الوحيد في الجمعية..
هذا تركي رجع وخذ الدكتوراه، وأكيد عرسهم قريب..
ثم أكملت بحماس: هنوف يا ويلش تحددون العرس وما أكون أول وحدة تعلميني..عشان ألحق أسوي لي فستان وأحجز مكياج وشعر لي ولأم لسانين أختي المبجلة........... هييييه هنّو هنّو أنا أكلمش..
كانت الهنوف تسبح بتفكيرها في ملكوت آخر.. حزينة يائسة متوترة.. مثقلة بالمتناقضات.. ولا تعرف ماذا تخبئ لها الحياة وهي تعلم أن تركي يعود عودته النهائية..
حياة رتيبة عاشتها طيلة السنوات الماضية.. تعيش مع أشباح حزنها ومع ذكرياتها أكثر مما تعيش الواقع..
لم تعرف سعادة حقيقية طيلة السنوات العشر الماضية..وهي تطوف بيت عمها كطيف محبب رقيق.. كنسمة عذبة لا تثقل على أحد..
لا يمكنهم الاستغناء عنها ولا عن وجودها بينهم، لكنها تشعر أنها لا تنتمي إلى هذا المكان، وأن انتمائها هو لمن رحلوا وتركوها.
تعيش معهم في ذكرياتها... وتجتر لحظات السعادة التي كانت معهم.. لا حياة حقيقية لها إلا مع الذكريات الحزينة التي تغذيها باستعادتها مئات المرات..
فماذا سيحدث الآن؟ ماذا سيحدث؟!
********************
جدل خافت يحتدم بين قطبين متناحرين وهما يحاولان التحكم في درجة صوتيهما...
(يبه الله يهداك.. قال قوه.. قال توه
توني واصل وأنت حاد علي سكاكينك!!)
يهتف أبو متعب بغضبه المكتوم حتى لا يصل صوته إلى متعب وسعود الجالسين يتحاوران في زاوية مجلس أبي متعب وحزام الصغير المشغول بإعداد القهوة مع المقهوي استعدادا لقدوم ضيوف عشائه لتركي بعد قليل:
أنا ذا الحين أحد السكاكين.. فلا تحدني أجربها..
تركي بمهادنة مدروسة: يبه مايصير إلا اللي يرضيك.. أنا صار لي 8 سنين غايب عن الدوحة
أبي أرتب ظروفي وأشوف ظروف شغلي.. وعقب يصير اللي تبيه..
أبو متعب بحزم بالغ: أبي اعرف وش ترتيبه.. أنت أساسا رايح بعثة من الجامعة اللي كنت فيها معيد وبترجع لها دكتور..
وأنت متوظف عندهم من أكثر من 10 سنين.. وش شغله ذا اللي تبي تشوف ترتيبه..
والبيت خذ الطابق اللي فوق كله لك ورتبه مثل ما تبي..
وأنا ماقلت لك أعرس الليلة.. قلت لك خل نحدد لنا موعد عرس..حتى لو على عطلة الربيع ولو أني متباعدها واجد..
تركي بذات النبرة المهادنة: يبه مايصير كذا خبط لزق.. عطني بس كم يوم لين أشوف وضعي ونحدد موعد..
بس أقول لك إنه لو بنحدد موعد بيكون عقب سنة إن شاء الله الصيف الجاي إن شاء الله.. لأنه في رأسي مشاريع واجد تبي ترتيب.. والعرس بيلخبط جدولي كله..
حينها انفجر أبو متعب في غضب عارم جعله يقفز واقفا ويصرخ بنبرة عالية: أص ولا كلمة..سنة يا اللي ما تستحي على وجهك!!!ســـنـــة!!!
أنا أصلا غلطان اللي قعدت أتسمع لمريسك ذا السنين كلها..
المفروض إنك شال مرتك معك من يوم خلصت مدرستها ودرست معك جامعتها هناك..
خليتني أقهر ذا البنية اليتيمة وأنت معلقها كل ذا السنين..
تركي يقف معه ويحاول شده ليجلسه وهو يهتف باحترام ملغوم مغلف بنبرة مقصودة تماما: وأنت يبه ماقهرتها يوم غصبتها علي..؟؟
كانت القشة التي قصمت البعير.. لأنه جعله يشعر بالذنب الذي يخنقه أساسا..
قد يكون لم يجبرها ظاهريا..ولكنه يعلم أنه أجبرها داخليا.. وهو لا يترك لها الخيار..
محض طفلة في السابعة عشرة..
اليتم كسر الكثير في روحها.. وهي تشعر بنفسها عالة على بيت عمها.. متسولة لمشاعرهم..
وبعد وفاة جدتها انكسرت نفسها أكثر..
فإذا به يقول لها : يابنتي تراش كبرتي.. وعيال خالش أذوني يبيونش.. وانا يا أبيش ما أبي أجبرش على شيء.. بس أنا ما أرخصش لأحد..
كان توافقين على ولد عمش.. ملكة بس لين تخلصين مدرستش.. تراه أفرح ماعلى عمش الشيبة؟؟
حينها توترت.. (متعب لا.. ما أبي متعب) فهل كان هذا هو الولع غير المفهوم للمراهقين بمن لا يلتفت لهم؟!
هل تمنت في داخلها ذلك المهيب.. المتباعد .. القليل الكلام.. المشغول على الدوام بعمله ؟؟
بينما متعب كان دائما يتباسط معها في الحديث وهو يعاملها مثلما يعامل أختا..
وذلك التركي المتباعد لا تتذكر أنه وجه لها خطابا أو حتى نظر لها نظرة بشكل مباشر.. أو أشعرها أنه يعرف بوجودها في البيت أساسا..
لم تعلم أن عمها عرض الموضوع على متعب أولا.. ولكن متعب رفضه بشكل قاطع لأنه يريد ابنة خالته.. ولأنه بالفعل كان يرى الهنوف أختا صغرى..
ليجد تركي نفسه متورطا بها وهو يقول برجاء :
يبه ما أقول ما أبيها.. مافيها عذروب بنت علي.. بس توها بزر وفي المدرسة، وباقي عليها ذا السنة والسنة الجاية.. وأنا رجال وراي بعثة..
وش معجلك عليها؟؟ خلها تدرس براحتها.. وعقب تقرر هي اللي تبيه.. مايصير تقرر عنها ذا الحين..
لأنه أي قرار ذا الحين عبارة أنك فرضته عليها.. لأنها بزر..
ليجيبه والده بحزم: عيال خالها أذوني.. يقولون جدتهم وصتهم عليها قبل تموت.. وأنا تعبت من حنتهم وهم ما يستحون.. خلني أخلص من ذا الموال..
عيال خالها مافيهم قصور.. بس ماحد منهم كمل تعليمه.. وأنا ما أنا ب حاذف بنت علي ذا الحذفة..
وش أنت راد في البنية يوم أنك ما تبيها..؟؟
تنهد تركي بعمق وهو يقول بحزم: يبه ما أبيها واللي يرحم والديك.. وهي عادها بزر حرام نغصبها..
حينها قرر أبو متعب اللجوء للمهادنة: تكفى يا أبيك.. مالي حشمة عندك.. تكفى لا تخلي حد يطول لسانه على بنية أخي..
طالبك يأبيك.. ملكة بس.. والعرس بكيفك.. مابه عجلة..
حينما يفكر كيف ابتزه والده ليوافق.. يكره ضعفه الذي أجبره على مهادنة والده.. رغم أنه لم يكن يوما ضعيفا..
شعر أن رجاءات والده كانت كمخدر خدر تفكيره (أنا أخلي ابي يترجاني كذا.. لا العرس ولا أبوه اللي بيخلي أبو متعب يتذلل كذا!!)
+
.
.
انفجر والده بغضب أكبر وهو يشد يده منه ويصرخ به ويشير لسعود ومتعب الواقفان بتحفز منذ سمعا الصراخ أن يتقدما : دامني غصبتها على قولتك.. تطلقها ذا الساعة .. طلقها وذولا سعود ومتعب شهود..
خلصنا من ذا السالفة.. ثمان سنين وأنا أحايل فيك تعرس وأنت تمنن.. على ويش تمنن؟؟.. بنت علي هي المنة عليك..
طـــلــقــــها.. يا الله طلقها ذا الساعة.. والله ماتكمل عدتها إلا هي عند اللي يسواك ويسوى طوايفك يا الرخمة..
قبل ما ندخل في بارت اليوم أيضا فيه طلب تكرر عن علاقات الأسر
مع أني ما تعودت على طريقة التعريف
أحب ترك القارئ يتعرف على الشخصية بنفسه
بس طلباتكم أوامر
عندنا حاليا 6 عوائل / من ظهر منهم تحديدا.. اللي ماظهر مارح اذكره.. أخليه للأحداث.. الترتيب حسب العمر..
عائلة سعود: أم سعود صافية..سعود زوج دانة، محمد زوج بثينة، مها زوجة متعب، الجازي متملكة خالد
عائلة عمهم هادي: العم هادي، زوجته أم خالد وضحى..دانة زوجة سعود.. مزنة.. خالد متملك الجازي.. غالية زوجة جابر..
عائلة جابر: جابر زوج غالية...
عائلة عبدالمحسن: عبدالمحسن أبو متعب، أم متعب نورة أخت أم سعود.. متعب زوج مها.. تركي متملك الهنوف .. البندري.. حزام.. وبنت عمهم الهنوف أبوها علي متوفي
عائلة طالب: متوفي.. الجليلة.. بثينة زوجة محمد.. مساعد.. أميرة.. وفيه شهاب اللي ماعرفنا علاقته فيهم..
عائلة فرات: حمد أبو فرات.. فرات.. حامد عم فرات.. حمد ومي عيال فرات..
.
بارت اليوم حماسي مليان أحداث وأحداثه كلها تدور في ليلة وحدة تحديدا في كم ساعة من الليل..
استمتعوا فيه..
وأنتظر آرائكم وتعليقاتكم وتحليلاتكم
.
استلموا الجزء الثالث
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
فضاءات اليأس والأمل/ الجزء الثالث
انفجر والده بغضب أكبروهو يشد يده منه وهو يصرخ به ويشير لسعود ومتعب الواقفان بتحفز منذ سمعا الصراخ أن يتقدما : دامني غصبتها على قولتك.. تطلقها ذا الساعة .. طلقها وذولا سعود ومتعب شهود..
خلصنا من ذا السالفة.. ثمان سنين وأنا أحايل فيك تعرس وأنت تمنن.. على ويش تمنن.. بنت علي هي المنة عليك..
طــلـــقـــها.. يا الله طلقها ذا الساعة.. والله ماتكمل عدتها إلا هي عند اللي يسواك ويسوى طوايفك يا الرخمة..
متعب وسعود اقتربا بسرعة قبل أن يتهور أحد منهما وهما متفاجئان من هذا الانفجار غير الطبيعي لأبي متعب..
يشد سعود أبا متعب لزاوية بعيدة من المجلس وهو يحاول تهدئته..
بينما متعب شدَّ شقيقه خارجا ليركبا سيارة متعب.. متعب حرك سيارته بعيدا عن البيت و لم يتكلم مطلقا.. وكل ماكان حاضرا هو صوت أنفاس تركي المتطايرة..
حين هدأت أنفاسه وهو مازال صامتا كان متعب من تكلم بسكون مقصود: ممكن أعرف ليه ذا كله؟؟
تركي شدَّ غترته ليضعها في حضنه وهو يمرر أنامله في شعره بحركة لا شعورية ويهمس بإرهاق:
اسأل إبيك لا تسألني.. نقاش عادي حوله لحرب..
أنا توني واصل الفجر وهو متجهز لي..
متعب ببساطة: ماتبيها.. طلقها ..ليش تطول السالفة أكثر من كذا؟؟
التفت تركي عليه بحدة: ومن قال لك ما أبيها؟؟
متعب بذات البساطة: مهوب على متعب يا دكتور تركي.. أدري أنك ما تبيها.. ولا أنت مقتنع بالسالفة كلها..
تنهد تركي بعمق: أنا من البداية كنت غلطان.. بس الغلط ما ينحل بغلط..
ثقافة ولد العم.. اللي صار مثل القيد اللي تنحبس فيه البنت.. شيء كنت رافضه طول عمري..
ولقيت نفسي متورط فيه.. حن ماعطينا الهنوف فرصة للاختيار مع أنها يتيمة ولازم هي اللي تقرر..
متعب بنبرة أقرب للغضب: وأبي ما غصبها.. هي اختارت باقتناعها..
تركي بذات السكون: بزر عمرها 17 سنة أي قناعات تكونت عندها.. بس الغلط كله غلطي
لأني أنا وقتها عمري 24 يعني أنا الرجّال الناضج والفاهم.. كان المفروض طلبت من إبي يأجل الموضوع
لين تكبر الهنوف ويكون لها ذاك الوقت حق الاختيار..
متعب بنبرة أقرب للسخرية: وهذي هي كبرت ونضجت.. وزادت على النضوج بعد شويتين.. وهي تنتظر حضرة جنابك..
تبي تظلمها مرتين يعني؟؟
يزفر تركي بحرارة: الهنوف أبيها ومستحيل أتزوج غيرها عقب ذا السنين كلها..
لكن مشكلة تخصني أنا بأحلها بنفسي..
وتكفى كلم سعود شوف أخبار أبي..عساه هدا.. وخلنا نرجع أطيب خاطره..
***************************
" حرم حضرة الرائد عندنا.. يا بختنا يا بختنا..
ولو أني ما أبيش..
أبي حبيب خالته وبس"
غالية لم ترد على مزنة حتى.. وكأنها في مشهد لا تنتمي له إلا بجسدها.. تنظر لها وهي تلاعب سعود.. وتدغدغه..وصوت ضحكاته يتعالى..
يدخل خالد.. ليشتبك معهم في المشهد... الاثنان يتشادان سعود الصغير بمرح.. وضحكاته تتعالى بهستيرية طفولية..
وهي غارقة في همها الخاص الذي التهم روحها في سرمديته التي لا انقضاء لها ولا حدود..
قد يبدو الموضوع للبعض بسيطا.. وماذا إن كان يهاتف فتيات وهو في النهاية لها..
ولكنها يستحيل أن تقبل هذا المنطق الملتوي الخالي من الكرامة والإحساس..
بينها وبينه طفل.. ومشاعر حب تعلم أنها تختنق بها وإن كان هو لا يشعر بمثلها..
وما علمته عنه نحر روحها العاشقة.. نحرها.. ومازالت تقاوم من أجله..
ولكنه لا يساعدها مطلقا بإنكاره للموضوع.. تريده أن يعترف ويعتذر ويعدها إلا يعود لذلك الفعل..
مثقلة بالجرح..والشكوك.. والهواجس..التي تلتهمها..
لم يخرجها من ضجيج صمتها.. إلا مخدة صغيرة ضربتها بشكل مباشر.. تلاها صوت خالد المرح:
يا أم سعود.. سعود يستنجد فيش وأنتي لا حياة لمن تنادي..
الحقي ولدش قدام أكله أنا وأختي .. لأنه حن جياع.. وماتعشينا.. وولدش ينفع تصبيرة لين أروح لعشاء تركي ..
عيون أخرى تراقب المشهد ذاته.. ولكن بمشاعر مختلفة تماما..
تنظر لخالد ومزنة في مرحهما الصاخب مع سعود..
تراهما كيف يتدفقان حنانا أموميا /أبويا صافيا.. أ لم يحن الآوان لينعما بهذه النعمة؟!
(يا الله لا تحرمني شوفة عيالهم..
وشوفة عيال دانة قبلهم..)
نحرتها الدمعة التي رأتها تلتمع في عيني دانة الليلة وهي تضم سعود الصغير إلى صدرها..
تعلم أن ابنتاها غالية ودانة تخبئان الليلة حزنا لا مزيد عليه..
لأن الاثنتين حاولتا التغصب بابتسامة لم تفارق شفتيهما إلى روحيهما التي سبرتها هي بنظرة الأم..
كعادتها مؤخرا باتت تلتزم الصمت أكثر بكثير مما تتكلم.. تشعر أن مشاكل أبنائها باتت أكبر من الكلام..
اعتادت أن تسمع وتراقب وتلاحظ وتشعر..
وما تراه وتسمعه وتشعر به كثير.. كثير.. كـــثـــيـــــر....
************************
" وش فيه إبيك؟!! يوم سلمت عليه أحس يطلع من رأسه دخان.. مو عوايده!"
يتنهد تركي: ليت الله فك لنا منك ومن توقعاتك.. تقول لي وإحنا في الطيارة لو أنا من أبو متعب قلت لك أعرس أو طلق..
هذا هو قال لي اعرس أو طلق.. وزعلان عليّ
فرات بثقة: وهذا هو الحق والواجب والمفروض.. اعرس أو طلق.. بسيطة..
تركي بحزم لا يخلو من غضب: فُرات أعتقد أنك لازم تكون أكثر واحد فاهمني.. أنا غايب عن قطر لي 8 سنين.. 8 سنين!! .. عمر يا ناس!!.. أبي أرتب وضعي.. أشوف شغلي في الجامعة وشغلي معك..
فُرات يسند ظهره للخلف ويهتف بذات الثقة التي لا تتزحزح: شغلنا سوا.. ازهله.. أنت عارف أني مرتب كل شيء.. لا تأخذه عذر..
كان تركي على وشك الرد لولا صوت حزام الذي قاطعهم باحترام وهو يوجه خطابه لفرات: فنجالك يا أبو حمد..
هز فرات فنجانه وهو يهتف بمودة: شكّرت يا أبو عبدالمحسن.. جعلك على القوة، تراني جيت العشاء عشانك.. يوم قال لي تركي إنك اللي مسويه..
يهتف حزام بسعادة كبيرة وعيناه تلمعان بطفولة تختلط بالرجولة: كبّر الله قدرك مثل ما كبرت قدري..
يغادرهما حزام، ويهمس فُرات لتركي بإعجاب: لو أن حزام أكبر شويتين، كان خطبته لبنتي..
يبتسم تركي لأن فرات تناسى موضوعه ويهمس بابتسامة: أنت أصلا تبي تخلل بنتك عندك، أنا شيبة عليها وأخي بزر!!.. ترى عندنا أخ رابع مناسب لها في العمر..
يبتسم فُرات برزانة: وش ذا الأخ اللي داسينه؟!.. أنت ومتعب شيبان سنونكم طايحة، وحزام بزر ماخط شنبه..
يشير تركي بعينيه إلى حيث يجلس مساعد بجوار والده.. المكان المفضل لكليهما، فبينهما حديث لا يفتر، وكأنهما صديقان حميمان أكثر
من كونهما عما وابن أخيه، ويهتف بنبرة مقصودة: هذاك أخينا الرابع جنب أبي.. وأظني إنك تعرفه زين..
حينها هتف فُرات بنبرة حازمة لا تخلو من غضب: تركي تراني ما أدلل على بنتي، والسالفة كلها مزح معك لأنك رفيقي، وبنتي توها بزر.. وسكر الموضوع لا أزعل صدق..
ابتسم تركي وأكمل بذات النبرة المقصودة: أجل لا تشغل روحك بعرسي وأنت ما تداني طاري العرس حولك ولا حول بنتك..
****************************
" مي يا حبيبة قلبي أنا ترا بصلي العشاء وأنام.. بأصلي الفجر في الرِّيس.. ولا عليش أمر قولي للخدامات يجهزون فطور لي و للعمال أخذه معي" (الريس: مكان لسباقات الإبل وتدريبها)
مي بمودة وهي تنظر لشقيقها: أبشر من عيوني.. ثم أردفت وهي تنظر حولها : إلا حمودي.. ماشفت الأيباد حقي..
ينظر لها من تحت أهدابه ويهمس باستنكار ساخر: نعم ؟!تسأليني أنا عن أيبادش؟؟
أنا حتى أشلون يشغلونه ما أعرف..
مي بحماس وهي تقفز بجواره: حمودي..اشرايك أسوي لك انستغرام؟؟ والله بيعجبك..
حمد يسند ظهره للخلف ويهمس بنبرة مرحة: أنتي عارفتني أنا شرق والتكنولوجيا غرب، فكفي شرش عنش..
وبعدين ألف مرة قايل لش لا تقولين حمودي ذي قصيت لسانش..
مي بتأفف مرح: حامد يقول لا عاد تقولين حامد حاف.. وأنت لا عاد تقولين حمودي.. وش ذا العقد اللي عندكم؟!
وبعدين أنت طول يوم طافش من البيت.. ما نشوفك إلا تزمر..
تكون مفكرني من رعيان أبلك؟!!
حمد بذات المرح: والله رعيان أبلي على قولتش فوق رأسي.. على الأقل منهم فايدة.. أنتي وش فايدتش؟؟
أكل ومرعى وقلة صنعة..
هزت مي كتفيها بدلال: لا والله.. وش تبيني أسوي يا الشيخ؟!.. أنقع روحي في الشحانية والريس.. وأرجع آخر النهار حالتي حالة..مغبر معفر ريحتي معاطن أبل، عشان يكون لي فايدة؟!!
أمنتك بالله حمد أنت تحس نفسك عايش عمرك على الهبال اللي أنت فيه؟؟
حمد بابتسامة: المهم أنا مبسوط ومرتاح... أنتي وش حارقش؟!
ابتسمت برقة: أشتاق لك يالزفت..
ضحك وهو يضرب مؤخرة رأسها بحنو: الله الغني عن شوقش اللي تاليه زفت..
مي احتضنت عضده وهي تقبل رأس كتفه وتهمس برجاء: حمود فديتك.. خاطري أطلع أنا وإياك نتمشى مثل باقي مخاليق ربي اللي معطلين..
من يوم خلص الفصل وعطلنا أنا وإياك من 3 أسابيع.. وأنت طافش عند أبلك.. وأنا محبوسة في البيت..
حمد باستنكار مرح: توش راجعة من ديرة الخوال اليوم الفجر..
مي جلست وهي تتأفف: إبيك موديني معه وهو عنده شغل.. لا والوقت الفاضي عنده يجي عنده تركي آل حزام.. أنا محبوسة داخل وهم يهذرون بالساعات..
ياني كرهته ذا التركي المليغ!!.
حينها قرص حمد خدها وهو يهتف بمودة: وش رأيش تروحين معي لأبوظبي ، مدخل بكرتين وقعود في السباق..
مي بتأفف أكبر: لا مشكور.. خلك في حلالك أحسن.. توديني عشان أقعد محبوسة في الأوتيل.. يعني من حبس لحبس.. وأصلا أبي مستحيل يوافق..
ثم زفرت بحرقة: بنت بروحي في بيت مافيه الا رياجيل وكلهم مشغولين.. لكن مالي إلا جدي.. مع أنه ما يحب الطلعة.. بس بيطلع عشاني.. على الأقل الطلعة معه تونس..
ابتسم حمد: عادي عندش تطلعين مع جدي؟؟ .. شكله واجد يلفت الانتباه وهو برا للي مايعرفه ولا بعد شافه..
ضحكت مي وهي تنظر لحمد نظرة تقييم مرحة وتهمس بنبرة مقصودة: شوفوا من اللي يحكي بس إنه شكل جدي يلفت الانتباه؟!!!
**************************
في مجلس أبي متعب بعد انصراف ضيوف العشاء ومن تبقى يتوزعون في ثنائيات
تركي وفرات
متعب وسعود
مساعد وعمه
خالد ومحمد الذي كان يهمس لخالد من قرب وهو يتكئان على نفس المركأ بينهما: عمي وش فيه سرى بدري عقب العشاء على طول.. عسى موب تعبان؟؟
خالد بقلق: والله يا محمد له كم يوم موب عاجبني.. أحسه تعبان..
اعتدل محمد في جلسته وهو يهمس بقلق مشابه مغلف بالجزع: أفا.. وش فيه.. شيء يوجعه؟
خالد بذات القلق: أسأله فيك شيء يقول لا... أقول له نروح المستشفى نسوي فحص شامل.. يقول لا.. حاولت فيه معيي..
محمد باهتمام حقيقي وقلق: أنا بكرة بجيكم عقب العصر أحاكيه أربه يطيعني..
خالد يتنهد: أي والله يا أخيك مسوي خير.. والله إني عجزت فيه ولا فاد..
.
.
في زاوية متعب وسعود، يهمس سعود لمتعب باهتمام وخفوت: وش قال لك تركي يوم خذته برا؟؟
يزفر متعب: يقول مافيه شيء.. وإن أبي اللي مستعجل عليه..
سعود باستغراب: عقب 8 سنين مستعجل عليه!!.. بصراحة تركي مسخها.. مسخها جدا ..
ثم أردف بوجع عميق لا يخلو من الحسرة والحزم وهو ينظر ناحية خالد: واللي مسخها أكثر منه خالد..
متعب بمؤازرة حقيقية: ماعليه يا أخيك.. ب تزين الأمور..
سعود بغضب خافت يحاول التحكم فيه: كيف تزين وهو معيي يطلق.. وهي معية تخلينا نرفع قضية..؟!!
ثم أردف بألم متجذر: والله لولا خاطر عمي هادي إني قد تصرفت من سنين.. إحنا ماعرفنا لنا إب غيره.. مات إبي وعمري 12 ومحمد 8 والبنات أصغر منا..
ماحسينا باليتم وعمي هادي موجود.. بدانا على عياله..
ووالله ثم والله ما كان علي من شيء لو أن الجازي تطلب بس.. بس الجازي ماعرفت لها إب غيري وغير عمي هادي.. موب هاين عليها تجرحه بأقل شيء.. وتوقف ولده في المحكمة..
وولده على غلاه وإنه مثل أخي.. لكنه ما حشم تقديرنا له ولعمي.. خمس سنين وهو معلق أختي كذا..
بأموت من القهر يا متعب.. بأموت.. ولا عاد فيني صبر أكثر! حاس إني بانفجر وإلا بتضربني جلطة..
يسكت متعب بألم لأنه يستشعر ويشعر بكم الألم المهول داخل سعود.. الحرقة والقهر تلتهمانه حتى أقصاه..
كثيرا ما تناقشا في هذه القضية ويعلم أبعادها المرعبة المحرقة داخل سعود الذي يكتم غضبه الكاسح.. وداخل الجازي أيضا من كلام مها الكثير له عن الموضوع..
ويعلم جيدا كم باتت هذه القضية مؤلمة للجميع وتحتاج وقفة حازمة لحلها..!!
********************************
"غالية.. واللي يرحم والديش..
قومي فارقيني ارقدي في غرفتش.. وراي دوام"
تهمس غالية بتأفف وهي تتمدد بجوار مزنة المتمددة في سريرها استعدادا للنوم: وش دوامه؟؟ البنات وعطلوا.. وأنتو بس مداومين حق ريوق الضحى والهذرة..
مزنة بتأفف مشابه: زين يا أختي حتى لو هذرة على قولتش.. وراي قومة الصبح..
وأصلا عقب الصلاة ما أرجع أنام..
غالية تبتسم: ما ترجعين ترقدين عشان تستشورين الكشة.. وتصبغين الفرة (الفرة= الوجه لكن تقال للسخرية فقط)
حينها اعتدلت مزنة المتمددة على سريرها وهي تسند رأسها لكفها اليمين وابتسمت:
يا أختي أنتي عارفة أني أسبح وأهلل لشروق الشمس..ماحد عنده كشة غيرش يأم كشة.. ما يتروع جابر لا قام الصبح وشاف كشتش طايرة في العجة..
ابتسمت غالية بمرح: أفا عليش.. ما أرقد إلا مستشوره شعري.. تبين الرجّال يطفش ويخليني..
ضحكت مزنة: تذكرين يومش في المدرسة ومناشبة الجازي بنت عمي على شعرها..
غالية حينها تنهدت بيأس عميق: الله يذكرها تيك الأيام بخير.. أكبر همي وش أسوي شعري الصبح وأنا رايحة المدرسة..
حينها اعتدلت مزنة بجزع: غالية حبيبتي ليش ذا النبرة.. أنتي فيه شيء بينش وبين رجالش..؟؟
من يوم جيتي قبل كم يوم وشكلش زعلانة وطلع خالد لجابر يلاغيه.. وأنا قلبي ناغزني..
وش فيش ياقلبي؟؟
غالية استدارات لتولي مزنة ظهرها حتى لا ترى دمعة تعلقت على أهدابها وهي تهمس بمرح بمصطنع: مافيه شيء يا أبلة مزنة.. بتفاولين
علي أنا وأبو سعود..
خليني أرقد.. قبل لا يقوم سعودي الصبح بدري ويجنني..
حينها كانت مزنة من تنهدت بألم مثقل بالعتب: تخبين علي ياغالية؟؟
مسحت غالية دموعها وهي مازالت تولي مزنة ظهرها: والله ما أقصد أدس عليش شيء..
أحيانا يا مزنة يصير بين الرجال ومرته أشياء لازم تقعد بينهم..
حينها كانت مزنة من سكتت وألم روحها يتزايد
(الحين أختي الصغيرة صارت تعطيني دروس؟!!
بيني وبينها 6 سنين ..مهوب شوي
لكن لأنها المتزوجة.. خلاص صارت هي اللي تعطي النصايح
وأنا الغشيم اللي ماتفهم شيء في الحياة!!)
*****************************
"أميرة حبيبة قلبي .. ليه ما نمتي لين الحين؟! أنتي مو خلصتي قيامش وانسدحتي قبل أكثر من ساعة"
تهمس أميرة بنبرة صوتها الهادئة: انتظرش تخلصين قيامش.. طولتي وأنتي تكلمين صيتة وعقب طولتي في صلاة القيام..
وأنتي تعرفين مارح أنام لين أسولف معش شوي..
كانت أميرة تتمدد على الفراش وهي تستند لكفها وتنظر للجليلة..
كانت الغرفة غرفة الجليلة ولكنها غرفة نومهما المشتركة..
مع أن أميرة لها غرفتها المستقلة، لكنها ترفض النوم فيها، تستخدمها طوال اليوم إلا في وقت النوم، يستحيل أن تنام إلا بقرب الجليلة وهي تنظر لوجهها حتى تنام..
همست الجليلة وهي تجلس على طرف السرير بقرب أميرة وتهمس بحنان: دقايق أفرش أسناني وألبس بيجامتي وأجيش يا الدلوعة.. أكيد إنش تعبانة من فرفرتنا في الجامعة اليوم..
أميرة بتردد وهي تهمس بما يشغل بالها: ظنش بنجح يا جيلو؟!
الجليلة بثقة: وليه ما تنجحين؟!.. تنجحين وتتفوقين بعد، ترا دراسة الجامعة غير المدرسة، ناس كثير ماكانوا شاطرين في المدرسة، وتفوقوا في الجامعة..
تنهدت أميرة وصمتت وهي ترى الجليلة تقف ثم تفتح دولابها وتتناول بيجامتها متجهة للحمام وغرفة التبديل..
تشعر بتوتر عارم من المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها.. اليوم كان تسجيلها وبعد شهرين ونصف ستبدأ دراسة الجامعة فعليا..
المدرسة بيئة محمية مغلقة، لكن الجامعة مكان مفتوح وقاعات متباعدة، وبنات مختلفات في كل مقرر.. ولسن كبنات الصف اللاتي كانت تراهن كل يوم..وتشعر بالأمان معهن:
(يا الله لا أريد ان أخذل جليلة
أريد ان أنجح من أجلها..
الجليلة تعبت كثيرا معي..
تعبت في تدريسي.. تعبت في تربيتي
تعبت في الاهتمام بكل تفاصيلي
كنتُ دائما في رأس قائمة أولوياتها
كنتُ دائما المقدمة على رغباتها واحتياجاتها
يا الله أريد أن أفرحها!!
أرجوك يارب.. أرجوك)
*********************
"صلحت الأمور بين الأميرة وجدها؟"
ترفع مي عينيها عن هاتفها وهي تجلس في الصالة العلوية حيث تابعت من أجل عمها حامد حلقة المجلس كاملة التي انتهت قبل أقل من ساعة..
وها هي تنظر له الآن وهو يدخل في كامل أناقته التي كانت في أوجها من أجل الظهور عبر الشاشة..
وتهمس بعذوبة: الأميرة تصالحت مع الكنغ العود جعل ربي ما يخليها منه..
ثم أردفت بابتسامة: أخبارك أنت يا البرنس مع حلقة اليوم؟
يجلس حامد وهو يخلع غترته بعناية ويضعها جواره ويهتف بتلقائية: كانت ممتازة وأظني أنش شفتيها.. لازم أسألش أنتي كيف الحلقة؟
همست مي بمودة رقيقة: كانت روعة .. وكنت روعة..
هتف حامد بمودة: تعشيتي وإلا تعشين معي؟؟
مي بذات المودة الرقيقة: تعشيت فديتك..
حامد يتلفت حوله ويهمس بنبرة مرحة: زين.. وين إبيش رجل وول ستريت المهم وأخيش الخريش؟؟
مي بدفاع مرح: يعني إبي وإخي كخة وأنت الواو..
ثم أردفت بمودة: أبي رجع من عشاء عند رفيقه تركي آل حزام وفي مكتبه الحين عنده شغل.. وحميّد نام من بدري يقول يبي يصلي الفجر في الريس..
حامد يعدل ياقة ثوبه بحركة تمثيلية: احمدي ربش يا أبيش على وجودي في حياتش.. وإلا لو على فُرات وحميد.. كان حالتش حالة..
تضحك مي: حميّد ماعليه كنه إياك.. بس إبي يوقف الحكي دونه..
حامد يضحك: يا ويش فرات سوا وأنا ما سويته..؟؟
مي بلؤم: طلعني بكرة أي مكان وأشوف إذا ممكن أسمح لك تقارن نفسك بفُرات..
حامد بلؤم مشابه: الله الغني.. ما أبي المقارنة.. عندي تدريب ولا أقدر أشتغل بيبي ستر لجنابش..
مي بتأفف: تكفى حامد.. تكفى.. بأموت من الزهق..
يتناول حامد غترته ويتوجه لغرفته ويهتف بمودة حازمة: ما أقدر يا أبيش والله ما أقدر.. مشغول.. إن شاء الله أخلص البطولة أبشري..
مي ألقت بهاتفها جوارها.. وهي تشعر بغصة تخنقها.. تقتلها الوحدة.. تقتلها فعلا!
وهؤلاء الأجلاف لا يشعرون بها ولا بوحدتها التي تستولي على روحها شيئا فشيئا..
*******************************
" ليه ما أمسيتي يا الغالية؟؟"
نظرت له لتشيح بنظرها وتهمس بنبرة مموهة لا يُعلم أ ضيق أم غضب أم حزن:
وأنت ليه ما أمسيت؟؟
جلس جوارها ليتناول كفها ويقبلها ويهمس بحنو واحترام: تبيني أمسي وأنا داري إن أم سعود في خاطرها على سعود؟!.. اللي مهوب حولي..
تنهدت أم سعود بنبرة مقصودة: أم سعود في خاطرها على سعود من زمان..
هتف سعود بجزع حزين مثقل بالألم: يمه والله العظيم حرام عليش توجعين قلبي كذا.. تدرين إن رضاش عندي بالدنيا..
بس اللي تطلبينه مني مستحيل..
وإذا لسعود غلا عندش.. طالبش ماتغثين دانة.. أنا كلي لش.. قولي اللي تبينه لي.. أجعيني أنا باللي تبينه.. بس طالبش الحكي ما يوصلها..طالبش..
تنهدت أم سعود بألم لا تريد أن تجرحه أو تجرح زوجته.. لكن فيها ما يكفيها من الألم:
زين ماتبي تطيعني وتعرس، قل لمرتك تفك المانع.. ماتدري وين رزق رب العالمين..
انبسطت أسارير سعود وهو يميل ليقبل رأس والدته هاتفا بحزم حان: ابشري.. المهم رضاش علينا..
*********************************
يتنهد بعمق وهو يخطو لداخل غرفته.. قد يكون حل المشكلة جزئيا مع والده.. وهو يقنعه أن يمهله عدة أيام..
لكن مافي رأسه في رأسه.. لا يريد الزواج قبل عام على الأقل.. انتظروا لثمانية أعوام.. فهل سيضر عام إضافي؟!!
هناك عمله في الجامعة.. وهناك مشروعه الكبير مع فُرات.. ويحتاج منه لتفرغ كامل..
وعلى المستوى الإنساني الطبيعي الذي لا يستطيع قوله لوالده.. يريد أن يتحاور مع الهنوف.. يريد أن يتأكد من رأيها.. مادام رأيه لم يعد مهما...
وزواجه بها هو شيء أشبه بالواجب.. بل هو واجب حقيقي..
لا يريد أن يقهرها وهي يتيمة وفي ذمتهم..
دخـــــــــل..
ليجد شيئا يقبع على سريره، فجّر غضبه المهيأ أساسا للانفجار..
انتزع الحقيبة بعنف بيد... ويده الثانية تمسك بهاتفه ليصرخ فيه بعد لحظات: بندري تعالي غرفتي الحين..
أقل من دقيقة، كانت البندري تدخل وهي تجر خطواتها بتوتر..
حين رأت وجهه المتفجر بالغضب والحقيبة بيده، صرخت دون مقدمات:
والله العظيم عطيتها إياها .. صاحت عليّ وقالت رجعيها.. تقول جاها منك ماكفاها ماتبي زود.
تركي بصدمة وعيناه تتسعان: نعم وش قالت؟؟ الهانم وش قالت؟؟
البندري انكمشت على نفسها : اللي سمعته.. وتكفى تركي.. لا تدخلني بينك وبين مرتك..
اثنينكم أخواني واثنينتكم أكبر مني بواجد.. ماني بحملكم..
تركي شد نفسا عميقا وهو يتقدم خطوة للأمام ، ويفتح يد البندري ويضع حامل الحقيبة فيها ويهتف بحزم بالغ:
رجعي الشنطة للشيخة الهنوف.. ولو مارضت تأخذها .. لا تقولين لها شيء.. دقي عليّ وعطيني إياها.. واطلعي من عندها..
البندري برجاء عميق: تكفى تركي.. تكفى لا تدخلني بينكم.. طالبتك..
تركي صرخ فيها بالنبرة التي ترعبها وتخافها: أقول يا الله خلصيني.. وياويلش ما تنفذين..
البندري حملت الحقيبة وهي تهمهم بتأفف: لا حول ولا قوة إلا بالله..
أنا وش خلاني الصغيرة في بيت الوحوش ذا.. كل واحد لسانه وش طوله عليّ
لم تمر دقيقتين حتى كان هاتف تركي يرن.. كان يعلم ذلك وكان ينتظر الاتصال.. وهو فعلا كان يريد أن يكلم الهنوف..
فهناك الكثير من الأمور المعلقة بينهما التي يجب أن يتناقشا فيها كناضجين دون وسيط..
ولكنه كان يريد أن يأجل هذا الحوار حتى يرتب أوضاعه ويقف على أرض صلبة..
كان الصوت العذب الذي سمعه اليوم صباحا ينسكب في أذنه يمارس عليه سحرا من نوع غريب: نعم؟؟ من يبيني؟؟
شد نفسا عميقا وهو ينفض رأسه كأنه يريد نفض سحر صوتها الرقيق بصورة غير معقولة، وهتف بحزم: أنا تركي.. ولا تسكرين.. أظني فيه شيء تنتاقش فيه..
فاجأه برود صوتها وحزمه الذي بدا غريبا في تآلفه مع رقة صوتها وضعفه وهو يصنع خليطا مستحيلا لا يمكن أن يجتمع بهذه الطريقة إلا لها وحدها: وليش أسكر؟!.. إذا عندك شيء تبي تقوله.. تأكد إنه عندي أشياء..
لا يعلم لماذا صُعق بحزم ردها ويقينه وصلابته.. كان يتوقع توقعا يقينيا لا شك فيه..أنه سيعاني لجعلها تتكلم.. وأنه سيعاني أكثر ليفهم جملها المرتبكة والخجولة.. بل والبليدة الغبية..
ولكنه أرجأ أفكاره لاحقا وهو يهمس بحزم: ممكن أعرف ليش ما تبين هديتش..؟!
لا يعلم لما اشتم في جوابها خليط من السخرية والمرارة صعقه وفاجأه للمرة الألف: مالها مناسبة.. ومافيه سبب يخليني أقبلها..
هتف بحزم: ما أعتقد أنه لازم يكون فيه مناسبة عشان واحد يهدي زوجته..
شعرت هي بصداع مفاجئ (يا الوقح.. قال زوجتك قال؟؟) ومع ذلك همست بحزم ساخر فهي لن تسمح له أن يثنيها عما تريد قوله:
تصدق؟!!.. كنت ناسية إني متزوجة..
تركي مازال مصدوما فعلا منها .. مصدوم فعلا.. لم يتوقع ولو واحد في المليون أن ترد بهذه الطريقة ولا بهذه الثقة..ولكنه لم يسمح لصدمته الكاسحة أن تأثر عليه وهتف بنبرة غضب: نعم؟؟ ناسية إنش متزوجة!!.. وأنا ويش يا البرنسيسة؟!.. صفر على الشمال..
همست بنبرة حشدت فيها كل عدم الاهتمام باحتراف رغم أن عينيها بدأتا تغيمان:
محشوم.. ياولد عمي.. أنا اللي صفر على الشمال.. مثل ما كنت طول عمري..
حينها انتفض تركي بجزع رجولي صميم: أفا عليش يا الهنوف.. ليش تقولين كذا؟؟
لا تنكر أنها شعرت بألم مجهول وهي تسمع هذه النبرة الحانية المثقلة بالرجولة .. ولكن كل هذا لم يثنيها عما تريد وهي تهمس باختناق لم تستطع منعه:
تركي لو سمحت.. كفاية عليّ ذل السنين اللي فاتت..
تكفى كان لبنت عمك حشمة.. تكفى..
طـــلـــقـــنــــي..
تركي مصدوم... مـــــصـــــــدوم بكل معنى الكلمة.. صدمته بدون أي مقدمات.. بل هو مصعوق.. وهو يجلس على سريره بعينين متسعتين خائر القوى..
قد يكون بالغ في تأجيل الزواج كثيرا.. كثـــيرا.. لكن الطلاق لم يخطر له ببال.. يستحيل أن يطعن ابنة عمه هكذا طعنة..
كان على وشك الرد ، لولا أن الهاتف أُغلق فور انتهاء الهنوف من كلمتها..
تركي أعاد الاتصال عدة مرات.. لكن دون رد.. حتى كان الرد دخول البندري الغاضب عليه:
تركي أنت وش قايل للهنوف؟؟ البنية ذبحت روحها من البكا..
تركي غاضب.. غاضب فعلا: الحين أنا اللي قلت !!..
عطيني رقم بنت عمش اللي ماتستحي.. وأنتي خلاص مالش شغل..
وياويلش حد يدري بشيء..
البندري بغضب: يا ويلش وياويلش.. ماعندك غير تهددني.. والله المفروض رقمها عندك..
ثمان سنين متملكين.. ماعمره طرا عليك ترسل لها على الأقل مسج تهنئة بالعيد؟!!
ما ألومها المسكينة ما تداني طاريك..
تقلبت عينا تركي من شدة الغضب: أنا ما تداني طاريي!!.. ليه إن شاء الله..؟؟
البندري غاضبة بالفعل.. قد تكون صغيرة.. ولكنها ليست صغيرة لدرجة أن لا تلاحظ أسى الهنوف عند ذكر تركي..
وإحساسها المر بالمهانة وهي قطعة أثاث مركونة في حياة تركي.. المشغول بكل شيء عداها..
كانت تراقب عيني الهنوف الغائمتين.. وارتجاف شفتيها في كل مناسبة يتصل فيها تركي بهم..
كان يطلب الجميع ليهنئهم ويطمئن عليهم.. حتى مها زوجة متعب..
بينما هي لم يخطئ مرة واحدة ويطلبها.. قد تكون المهاتفة بعد عقد القران وقبل الزواج ليست من عاداتهم المستساغة والمقبولة..
لكن في وضع تركي والهنوف كان الوضع سيكون مختلفا.. فهي لا أحد لها سواه.. ولا تنتمي لأحد سواه..
ولكنه لم يشعرها يوما بهذا القرب.. بل أشعرها بالبعد كل البعد..
كل هذه الأفكار صرخت بها البندري بكل غضب.. ليصرخ فيها تركي بغضب حازم:
أنتي مالش دخل بيني وبين مرتي ياقليلة الأدب.. أكلمها .. ما أكلمها.. مهوب شغلش..
البندري حينها انفجرت بالبكاء: مالي دخل.. أنت اللي مالك دخل.. أنت متى عرفتها عشان يكون لك دخل؟!!
الحين صارت مرتك يابو مرة.. ثمان سنين وأنت حاذفها ما تدري شي عنها..
تركي، تعرف وش كان تخصص الهنوف في الجامعة؟؟ تعرف وينها تشتغل الحين؟؟ تعرف أي شيء عنها؟؟
تدري إن أكثر صديقاتها المقربات منها كلهم تزوجوا.. اللي حامل واللي عندها عيال.. وهي مثل المكسورة بينهم..
المعيوفة اللي عافها حضرة جناب الدكتور.. وهو مايسوى حتى ظفرها..
حينها ماعاد قادرا على الاحتمال (من كثر ما تكرهني مكرهة أختي فيني بعد!!)
هتف تركي بغضب مكتوم وكل مافيه يرتعش من الغضب الذي يحاول السيطرة عليه: مارح أقول إلا إنش بزر وماعليش مردود.. الشرهة على الكبيرة اللي معبية رأسش علي..
ماحتى حشمت غيبتي.. ولا أني رجّالها وأخيش الكبير..
البندري تتماسك وهي تتناول هاتف تركي لتنقره عدة مرات وهي تقول بصوت مبحوح:
الهنوف عمرها ماجابت طاريك إلا بالزينة..
لكن أنا لي عيون أشوف بها..
هذا رقم الهنوف.. وياليت يكون عندك كلام زين تقوله.. لو ماعندك مافيه داعي تغثها..
تنهد تركي بعمق وهو يقرر أن ينتظر حتى يهدأ.. لأنه يعلم أن أي نقاش وهو بهكذا وضع.. سيكون جريمة في حق نفسه وحق الهنوف..
توضأ وصلى قيامه وقرأ ورده.. كان غضبه قد سكن تماما.. لكن بداخله كم كبير من الحرقة لم يستطع تفسيره...
"يعني وش تبي يا أخي أنت؟؟ تبيها تقدسك وهي ماشافت منك خير؟؟"
" بس ماشافت مني شر.. عشان حتى أختي الصغيرة تعبيها علي بذا الطريقة!! "
" وبعدين مهوب أنت اللي تقول تبي تعرف رأيها..
هذي هي قالت رأيها..
قالت طلقني..
ليش مستوجع كذا من طلبها؟؟
ليش حاس بالحرقة تأكل قلبك؟؟"
تنهد بعمق وهو يسند ظهره لسريره ويتناول هاتفه بثقة ليتصل بها.. مرة مرتين ثلاث وبدون رد..توقع أنها لم ترد لأنها لم تعرف الرقم..
لذا أرسل لها :
" أنا تركي..
ردي علي خلينا نتفاهم مثل ما الناس المتحضرين يتفاهمون"
وصله الرد سريعا:
" أدري أنك تركي..
والرقم عندي من زمان..
كل مرة تجي من السفر.. أحاول أتشجع عشان أكلمك
بس كل مرة سحاي يمنعني"
" وليش تكلميني؟؟"
" عشان أقول لك طلقني"
" وليش ماطلبتي من إبي ذا الطلب؟؟"
" استحيت.. ترددت ..
وهذا احنا فيها.. طلقني!!
تنهد تركي وهو يشعر أنه ماعاد به أنفاس ليشدها أو يزفرها (لا إله إلا الله.. المشاكل منتظرتني في الدوحة عشان تنط لي)
قرر أن يتركها الليلة لترتاح.. فهو مرهق جدا من كل هذا الشد .. ويشعر أنه سينهار من التعب.. ولديه موعد مهم في الجامعة صباحا.. ويريد أن ينام..
خشي أن تكون مكالمته لها سببا لأرق هو في غني عنه..
***************************
" وينش حبيبتي صار لي نص ساعة راجع.. ومالقيتش في الغرفة.. أدق تلفون ما تردين"
أشرق وجه بثينة لرؤيته جالسا على الأريكة ويضع مصحفه أمامه.. وهي تدخل غرفة نومها تحمل سجادتها ومصحفها في يدها.. همست بهيام: يا مرحبا والله إني صادقة..
كنت أقرأ وردي وأصلي قيامي في المجلس اللي تحت..
تعرف إني أحب أصلي في كل غرف البيت..
ابتسم محمد: حرما يا حجة بُسينة..
ردت الابتسامة: جمعا يا حج محمدين..
ثم أردفت وهي تميل لتقبل خده ثم تجلس جواره: علومه تركي ولد عمي؟؟ عساه طيب؟
محمد بتلقائية مرحة: أووه تقصدين تركي ولد خالتي.. طيب.. وعزمته.. حلف وحلفت.. وقلت له خلاص خلها براحتك لين ترتاح..
بثينة بمودة عميقة: شفت مساعد فديته؟؟
ضحك محمد: الحج مساعد قاعد ملزق جنب عمه كالعادة.. يا أختي يكون يرسم على بنت عمه.. ويضبط العلاقات؟؟.. هناك قصة غرام بينه وبين عمه ليست طبيعية البتة..
ضحكت بثينة: حرام عليك.. أنت عارف زين إنه مساعد وعمي ربع من عاد مساعد بزر..
ثم أردفت بمودة: وياحظه أصلا إذا خذ البندري.. تجنن.. مافيه أطيب منها.. ومخها كبير.. بس بعد عادها بزر.. يبيها.. يصبر لين تتخرج..
يمسك محمد بأناملها مقبلا وهو يهمس بمرح: أقول لش أنتي وأخيش منتو بـ خالين.. الذيب ما يهرول عبث..
همست بثينة بمرح مشابه: هذا أنت تموت في عمك هادي..هل كنت تخطط على بناته يعني؟!!
شعر محمد بالارتباك الذي لم يظهر عليه وهو يهتف بثقة: على طاري عمي لازم أمره بكرة عقب العصر.. تعبان شوي..
بثينة بمؤازرة: مايشوف شر عمي أبو خالد..
وقف محمد وهو يشدها معه ليوقفها، قبل جبينها وهو يغادرها متجها للحمام ويهتف : ترا بكرة نبي نطلع بدري الصبح، أبي أوصلش دوامش بدري كن ماعندش مانع.. عشان أبي أمر أمي شوي قبل دوامي..
بثينة بنبرتها الهائمة على الدوام التي لا تكون إلا لمحمد: أبد يا عمري.. ماعندي مانع.. وخلاص بأرسل لرفيقتي بقول لها أني بأخذ مناوبتها الصبح.. دامني رايحة بدري..
*****************************
كانت البندري تقف أمام باب غرفة الهنوف بعد ساعة من خروجها منها.. كانت تريد أن تفرغ طاقة البكاء لديها، وتسمح للهنوف بتفريغ طاقتها..
وكأنها تخشى خدش حزن الهنوف الرقيق كرقتها..
وكانت تخشى بشدة أن تجدها ما تزال تبكي..لأنها حينها تعلم أنها لن تستطيع السيطرة على نفسها..
مع أن البندري عندها أخت أكبر منها، ولكنها لم تشعر أن لها أختا فعلا غير الهنوف، الهنوف وحدها من تعرف كل شيء عنها، ماذا تحب؟ ماذا تكره؟
كانت الهنوف من تستذكر معها دروسها، وتعرف كل صديقاتها ومعلماتها.. الهنوف هي من تتسوق معها ...وتذهب معها لتفصيل مراييل المدرسة وتساعدها في تجليد كتبها وعمل مشاريعها المدرسية.. الهنوف لها بصمة في كل تفاصيل حياتها منذ كانت البندري في الثامنة من عمرها..
كانت الهنوف من أخبرتها عن مرحلة البلوغ
وهيئتها لها، ودعمتها مع أمها بقوة وحنان حين حدثت بالفعل قبل 4 أعوام.. رغم أن الهنوف لم تخظَ بدعم مماثل.. فبلوغها كان بعد وفاة والدتها..
كانت الهنوف معها دائما وفي كل الوقت، لا تعرف للحياة شكلا لم تشاركها فيه الهنوف، الهنوف هي الإنسان الأثمن عندها بعد والدها ووالدتها..
كان حزن الهنوف الذي يسربل الهنوف ويرسم حدود كل تصرفاتها يعذب البندري، ولكنها نادرا ما رأتها تبكي أمامها، وإن كانت تعلم أنها تبكي كثيرا وراءها، فالهنوف لم تتوقف ليلة واحدة عن البكاء على أهلها..
لذا كان انفجار الهنوف أمامها الليلة وبسبب شيء قاله تركي لها.. جعلها تنفجر بالغضب على تركي، لأول مرة في حياتها تنفجر بالغضب أساسا بهذه الطريقة..
تنهدت البندري وكل هذه الأفكار تغزوها.. ودخلت بهدوء شديد..
لكنها فوجئت أن الهنوف كانت تمسك بهاتفها وتقرأ وردها عبر الهاتف بسكون شديد، وصوتها العذب يرتفع بتلاوة خاشعة..
جلست البندري على طرف السرير تنتظر الهنوف وتستمع لتلاوتها بخشوع، حين انتهت الهنوف.. وضعت هاتفها على الطاولة أمامها، وهمست للبندري بابتسامة باهتة : تبين شيء حبيبتي؟؟
وقفت البندري واقتربت لتجلس جوارها على الأريكة وهمست بتردد: كنت أبي أتطمن عليش بس..
الهنوف بذات الابتسامة الباهتة: مافيني شيء يا حبيبتي...
البندري بذات التردد: تركي وش قال لش؟.. أنا أعرف أنش تبكين واجد من وراي، بس نادرا ما شفتش تبكين قدامي..
الهنوف ربتت على يد البندري: مضغوطة بس.. وفيه أمور كثيرة معلقة بيني وبين تركي..
كانت البندري سترد، لولا ارتفاع صوت هاتف الهنوف بالرنين، همست الهنوف بدهشة: غريبة!! من بيدق ذا الحزة؟!
كانت البندري تعرف من المتصل.. لكنها وفوجئت أن اسم تركي كان يتصدر شاشة هاتف الهنوف القابع على الطاولة أمامهما (غريبة، رقمه مسيف باسمه عندها أصلا!!) الهنوف نظرت للاسم بصدمة ولكنها لم ترد.
عاود الهاتف الرنين بذات الاسم، حينها أخذته البندري ووضعته على فخذ الهنوف، وخرجت.. رن مرة ثالثة دون رد..
تصاعد توتر غير مفهوم في داخل الهنوف، توتر مغمور بالحزن والحسرة والخذلان، كل المتناقضات التي يثيرها تركي في داخلها..
(ماذا يريد؟
ألم يكفه كل ما فعله بي؟!
كان يعذبني ببعده.. وتجاهله..
فإذا به يعذبني أكثر بقربه ومحاولة تواصله)
وصلتها رسالة ، تنبأت ممن الرسالة، شعرت بريقها يجف.. وكأن الرسالة تقتحم خصوصيتها عنوة:
" أنا تركي..
ردي علي خلينا نتفاهم مثل ما الناس المتحضرين يتفاهمون"
(قال أنا تركي؟!
أعرف أنك تركي الزفت.. يا زفت..
يا اللي ماتعرف من التحضر إلا اسمه
حتى لو يكون عندك عشرين دكتوراه..
مقفل.. وجفس.. وماعندك مشاعر)
كانت هذه الأفكار الحارقة تلتهم تفكيرها وغضبها يتصاعد وهي تطبع على هاتفها بسرعة:
" أدري أنك تركي..
والرقم عندي من زمان..
كل مرة تجي من السفر.. أحاول أتشجع عشان أكلمك
بس كل مرة سحاي يمنعني"
جاءها رده البارد كبرودته، تمنت أن يكون أمامها حتى تنشب أظافرها في صفحة وجهه وتصنع خطوطا طولية:
" وليش تكلميني؟؟"
(أنا بقول لك الحين ليش أبي أكلمك)
" عشان أقول لك طلقني"
مازال البارد باردا:
" وليش ماطلبتي من إبي ذا الطلب؟؟"
(مخلوق ذا طبيعي مثل البشر؟ وإلا قالب ثلج ؟!)
كانت تضغط على الأزرار بقوة وغيظ:
" استحيت.. ترددت ..
وهذا احنا فيها.. طلقني!!"
انتظرت رده.. ولكن الرد لم يأتِ..
رمت الهاتف جوارها، وعادت إلى موال طويل من البكاء، لم يكن لتركي هذه المرة دور فيه.. فهي تبكي من كانوا أهم من تركي وأقرب!
*******************************
" أبومتعب.. كلمت تركي في موضوع تحديد العرس؟"
يخلع أبو متعب غترته عن رأسه ليظهر شعره الأبيض متآلفا مع لحيته البيضاء الطويلة في عناق فضي يشي بمرور سنوات حزن متطاولة..
يتنهد وهو يضع غترته جواره: ولدش علومه علوم يا نورة..
أم متعب بهتت، والكلمات تخرج متناثرة من بين شفتيها: لا تقول أنه مايبي يعرس؟!
يهتف أبو متعب بثورة وهو يحاول أن يخفض صوته: يخسي ويعقب..
ثم أردف بصوت أكثر انخفاضا: لكنه يقول خل العرس عقب سنة..
أم متعب بصدمة: نعم؟ سنة!! صاحي ذا وإلا مجنون؟!
أبو متعب بغضب مكتوم: مجنون جعل عدونا ما يصحى.. يحسب إني بأسكت على قهر بنت علي.. يكفي السنين اللي مضت.. والله ماعاد أخليه يقهرها زود..
تهمس أم متعب بغضب ناتج عن صدمتها: زين وش سببه أنه يبي العرس عقب سنة؟ من صغر سنينه! شيبة كبر جدي..
لا هوب من صغر سنة ولا من قل فلوسه.. ليه ما يعرس؟!..
يتنهد أبو متعب: يقول شغل وترتيب أمور وما أعرف ويش.. ويوم شافني عصبت.. قال نتفاهم بعدين..
أم متعب بذات الغضب: وبتخليه على كيفه يا عبدالمحسن؟؟ والله مهيب زينة في حقنا وفي حق بنيتنا اليتيمة اللي في ذمتنا.. ملكة ثمان سنين.. وين قد صارت ذي؟!
تنهد أبو متعب وهو يسند ظهره للخلف ويهمس بنبرة مقصودة: ماعليه يانورة.. ماعليه.. دواه عندي!
***********************
هل البشر هم من يتغيرون؟؟ أم الظروف؟؟
تتذكر بأطياف الوجع المتشعبة وبكثير من الحرقة.. كيف كانت تنتظره بكل لهفة الكون في شهور زواجهم الأولى..
وكيف باتت أقصى أمانيها في أشهرهم الأخيرة أن تنام قبل أن يأتي..
حتى لو لم يتكلم.. رؤية تأففه الواضح في نظرات عينيه يكفيها عن سم كلامه..
كيف من الممكن أن يُشنق كل الحب الذي كانت تشعر نحوه وكأنه لم يكن..
وكل ما بات بينهما هؤلاء الصغيرات الثلاث في زواج بارد لا رغبة لديها حتى إحيائه..
كل ما تريده أن تتقوقع على ذاتها لتحميها من التمزق.. لا تريد منه أي شيء.. تريده أن يتركها بسلام فقط..
حتى لو أراد أن يتزوج لا مانع لديها.. ليتزوج ويرحمها من رؤيته وكلامه..
حين تصل المرأة إلى هذه المرحلة.. مرحلة الاستعداد للتخلي عن نصفها الآخر لأخرى.. يكون زواجهما قد وصل إلى طريق مسدود..
كل ما بينهما بات يشعرها بالألم... رغم أنه يكبرها بسبع سنوات.. إلا أنها باتت تشعر أنها هي من تفوقه سنا بكثير... شكلا وحزنا..
في الوقت الذي يزداد هو فيه وسامة وعوده انشدادا وعضلاته بروزا.. مع اهتمامه بأناقته وأكله ورياضته..
تجد نفسا تزداد سمنة وقهرا وانكفاء..
سمعت صوت الباب يُفتح..
أغمضت عينيها وهي تدير ظهرها للباب ليصبح وجهها ناحية الحائط..
خطواته الواثقة.. ثم تأففه الواضح.. قضى وقتا ما..
تعلم روتينه ككف يدها.. سيستغرق حوالي ساعة قبل أن يلقي جوارها بثقل جسده الرياضي الغارق في فخامة عطره..
استحمام سريع.. ثم سيستمع لموجز الأخبار.. ثم يصلي قيامه ويقرأ ورده..
انتهت الساعة وهي مازالت لم تنم..
رائحة عطره سبقته كالعادة لتنذر بوصوله المتحكم..
"مجنون مهووس .. يعاني من لوثة ..
وإلا أي متخلف يستحم بالعطر هكذا وهو يريد أن ينام!!
يريد أن يخنقني بالرائحة حتى أموت ويرتاح ربما"
طرقاته المستحوذة الواثقة على كتفها.. كرهت أن تستدير ولكنها مجبرة.. همست بصوت حاولت جعله ناعسا بفشل: هلا متعب.. تبي شيء؟؟
أجابها ببرود : أدري منتي بنايمة.. تهربين مني أنتي؟؟
وإلا هذا السنع اللي خالتي علمتش إياه يا بنت سعيد؟؟
يعني ما تقولين أنتظررجالي أشوف يبي شيء؟؟.. تعشى.. تسمم؟؟ مات؟؟
اعتدلت جالسة.. تتمنى لو يخاطبها يوما دون لهجته العامرة بالنغزات.. حاولت الاتشاح ببرود مشابه: آمرني وش تبي؟؟
نظر لها في بيجامتها القطنية التي رآها فيها عشرات المرات.. والتي بهت لونها من كثرة الغسيل.. وزفر بسخرية:
حتى لو أبي شيء.. شوفتش بذا البجامة سدت نفسي عن كل شيء..
ثم أردف بحزم أقرب للغضب: نعنبو دارش مقصر أنا عليش بشيء؟!!
أعطيش مصروف ولا راتب موظف.. مستخسرة تشترين لش شيء عدل تلبسينه قدامي..
محسستني كني ماخذ عجوز عمرها 50 سنة..
لم ترد عليه.. وهي تعود للتمدد وتوليه ظهرها.. مرهقة من كل هذا وغضب والدتها أرهقها أكثر..
اعتادت على غمزه حينا وتصريحه حينا آخر..
ماعادت تشعر بأي رغبة للتأنق له كما كانت تفعل سابقا..
سابقا حينما كانت تتأنق.. أما أنه لا يهتم.. أو يجد تأنقها سببا ليؤنبها على سمنتها وكيف أن الملابس ماعادت تليق بها..
تريد أن تبتعد بذاتها عن كل هذا.. لولا وجود الصغيرات بينهما أو كانت لتتركه بدون تردد..
فالبيت بحكم القانون لها لأن بناتها في حضانتها..
وهي لديها شهادتها وتقديرها كان مرتفعا وتستطيع أن تعمل إن أرادت.. عدا أن القانون أيضا يلزمه بالصرف عليها..
ولديها شقيقان تعلم يقينا أنها لو اشتكت لهما من زوجها فهما مستعدان لتقطيعه إربا حتى لو كان ابن خالتهما..
فكرت في كل شيء كما لو كانت ستقع.. بل الأمر تجاوز عندها التفكير إلى التأكد من بعض النقاط القانونية لضمان حضانة بناتها..
كثيرا ما راودتها هذه الأفكار وهي تغريها حتى تتخلى عن هذا البارد مسموم اللسان.. وهي لم تكن مطلقا بالضعيفة..
ولكن وجود الصغيرات هو ما يربط يديها..
باتت تكره بالفعل وجوده في حياتها.. تسلطه على روحها وجسدها.. وتكره ما تعلم أنه سيحدث بعد دقائق..
لأنها تعلم بما أنه أيقظها .. فهو يريد شيئا.. باتت تحتقر نفسها وتحتقره وتحتقر علاقتهما الباردة التي لا تتجاوز حدود الجسد..
إن كان يراها بدينة وقبيحة ولا ترضيه.. فماذا يريد منها؟؟
+
لم يخب ظنها.. فهي باتت تعرف تفكيره وردات فعله.. شعرت بأنفاسه دافئة على أذنها: يهون عليش يا أم ريم تخلين أبو ريم ينام زعلان ما راضيتيه..
حينها اعتدلت جالسة.. وصــــفـــعـــتـــه بها..
صفعة نارية ..بقلب بارد..
صـــدمــــة عـــمـــــره كــــلـــه!!
باتت تكره بالفعل وجوده في حياتها.. تسلطه على روحها وجسدها.. وتكره ما تعلم أنه سيحدث بعد دقائق..
لأنها تعلم بما أنه أيقظها .. فهو يريد شيئا.. باتت تحتقر نفسها وتحتقره وتحتقر علاقتهما الباردة التي لا تتجاوز حدود الجسد..
إن كان يراها بدينة وقبيحة ولا ترضيه.. فماذا يريد منها؟؟
لم يخب ظنها.. فهي باتت تعرف تفكيره وردات فعله.. شعرت بأنفاسه دافئة على أذنها: يهون عليش يا أم ريم تخلين أبو ريم ينام زعلان ما راضيتيه..
حينها اعتدلت جالسة.. وصــــفـــعـــتـــه بها..
صفعة نارية ..بقلب بارد..
صـــدمــــة عـــمـــــره كــــلـــه!!
لم يخطر لمتعب حتى في أشد كوابيسه جموحا وسودواية ما ستقوله مها وهي تعتدل أكثر في جلستها وتهمس بحزم بالغ :
متعب أنا ما أني بطايقتك.. أرجاك تعرس وتفكني منك..
قفز واقفا خارج حدود السرير كله كما لو كانت لسعته حية.. كان يرتعش بعنف.. جسده كله يرتعش..
كان يصر عينيه وهو ينظر نحوها.. كما لو كان يريد أن يتأكد أن هذه الكلمات صدرت منها هي.. من مها..
يهز رأسه.. ويعود للنظر إليها بينما تتحاشى النظر إليه..
لم يتخيل أبدا أن مها تكرهه لهذا الدرجة.. لدرجة أنها تريده أن يتزوج عليها..
هي كانت بالمثل.. ترتعش جالسة على السرير وهي تنظر لكفيها المتشابكين في حضنها.. تغمض عينيها وتفتحها..
لا تصدق أنها قالتها أخيرا..
(أ حقا قلتها؟؟ أ حقا؟؟)
كانت في داخلها تشعر براحة ما.. أنها تشجعت أخيرا لتطالبه أن يعفيها من ثقل قربه..
هو مازال ينظر لها بصدمة..الأرض تحته غير ثابتة.. حاول اقناع نفسه أنها ربما تمزح..
لكن شكلها وطريقة قولها لكلماتها أبعد ما تكون عن المزح..
(بايعتني لذا الدرجة يأم البنات؟؟
ليه يا مها؟؟ ليه؟؟
والله أني أحبش وأموت فيش
وأنتي تدرين..
ليه تذبحيني كذا؟؟)
يشعر بالصداع يفتت خلايا مخه.. يشعر بالألم يمزق حنايا روحه.. والارتعاش يأبى أن يفارق جسده.. يرتعش كمصاب بحمى شديدة...
قد يكون يكره الكثير من الأشياء في مها.. ولكن مها ذاتها يعشقها.. يذوب لها عشقا..
لم يعرف الحب إلا لها ومعها..
لم يستطع حتى يسألها لماذا وكيف؟؟
الحرقة غمرت روحه حتى فاضت..
أي تبرير لن يشفع لها حتى .. يستحيل أن يقبل منها تبريرا حتى..
حتى لو قالتها بساعة غضب وعن غير قصد..
لا يستطيع أن يقبل منها أي تبرير في لحظات الفجيعة هذه..
أي مبرر سيشفع لها في بيعها لزوجها وشريك روحها ووالد بناتها ؟!
هناك آلاف الخطوات تتم لحل أي مشكلة بين زوجين قبل التخلي عنه وكأنه سقط المتاع..
وكأنه حجر عثرة يسد طريقها..
كيف لم تفكر في بناتهما؟ في عشرتهما؟ في كل الأشياء التي جمعتهما طيلة السنوات الماضة؟
كانت كل هذه الأفكار تلتهمه وتهرس تفكيره بوحشية في دوائرها..
ولكنه لم يقل أي كلمة.. اعتصم بصمت مر.. وهو يرتدي ملابسه ويغادر..
هــــي.. توقعت أن يقول أي شيء.. لم تتوقع أبدا منه ردة الصمت المطبق هذه..
لا تنكر أنها شعرت بالألم.. ولكن إحساسها بالسعادة كان أكبر..
أخيرا..آلمته كما آلمها..
جرحته.. كما جرحها..
منذ زمن وهي تريد أن تقول له ذلك.. ربما كان غضب والدتها هو ماحررها لتتكلم...
مادامت أمها شعرت بشيء.. فلماذا تخفي؟
كانت طيلة الفترة الماضية تُظهر للجميع أنها تعيش الحياة الزوجية المثالية السعيدة مع متعب الذي تصوره للجميع أنه الرجل الأفضل في الكون..
كانت تتصرف كامرأة أصيلة وكما يُفترض..
كانت لا تريد أن تظلمه وكانت تريد أن تمنحه فرصة..
فمتعب رجل كريم اليد والخلق، ووالد رائع عاشق لبناته شديد الحنان عليهن والعناية بهن وبكل تفاصيلهن، لكنه الزوج الأسوأ..
وكثرت الفرص، وضاعت الفرص، وحزن عميق يتجذر في روحها..
الليلة كان شعور والدتها محفزا لها..
منحها دفعة أن تدافع عن ذاتها من امتهان متعب لها.
**********************
يتثاءب وهو ينظر للساعة.. يفتح عينا ويغلق أخرى.. وهو ينظر لهذا الغارق في الصمت أمامه..
" متعب الله يهداك.. صرعتني وأنت تصحيني من النوم وتقول لي قوم وتعال المجلس.. وأنا وراي بكرة موعد مهم في الجامعة..
حسبت عندك سالفة..
وصار لنا ساعتين وأنت ساكت..
الفجر بيأذن يأخيك "
يشعر لفرط الألم الذي اخترقه أن الكلمات تهرب منه: يعني إذا أخيك متضايق .. مستكثر تقعد معه شوي؟!
تركي يتنهد: زين خل أخي يفضفض.. ويقول لي وش مضايقه؟!!
متعب بحزم موجوع: فيه أحيانا أشياء ما نقدر نقولها..
تركي بحزم بالغ: ودام فيه أشياء ماتقدر تقولها.. ليش جايني ومفزعني من نومي؟!
تدري زين يا متعب أني على يمناك لا احتجتني..
ومع أنك أخي الكبير بس يا أخي عليك أحيانا حركات تقهر..
يعني فيه مشكلة بينك وبين مرتك ما يستاهل علامات الكآبة اللي على وجهك..
منت بعارف تسنع مرتك.. ترا عندها أخ يسنع قبيلة.. جعل عمر أبو سعيد طويل..
متعب بغضب: تلايط.. وياويلك تدخل سعود في مشاكلي مع مرتي
سعود ذا رفيق عمري.. أموت ولا أشتكي من أخته له..
تركي بذات الحزم الواثق الذي لا يتذبذب: زين وش اللي مزعلك من مرتك؟!!
متعب يقف بحزم: الشرهة علي اللي حبيتك تقعد معي شوي..
إذا أنت مارضيت حد يتدخل بينك وبين مرتك وهي مابعد صارت في بيتك
تبيني أدخل حد بيني وبين أم بناتي..؟؟
متعب غادر المجلس ليترك تركي خلفه.. غير قادر على فهم سبب كل هذا..
لماذا جاء ؟؟ ولماذا رحل ؟؟
وإن كان لا يريد أن يتكلم لماذا طلبه؟؟
زفر وهو يشد خصلات شعره.. تلفت حوله باحثا عن غترته..
(ماعاد على الفجر الا أقل من ساعة بأتوضا وأروح للمسجد..
كأني ناقص هم أخي متعب فوق همي... توني واصل الفجر أمس..
ولين فجر اليوم شنقتني الحكايا اللي رسمت من صدري لوحة لشخابيطها
يا الله الفرج من عندك!!
الضيقة كلت صدري ومتعب كملها علي..
في عيونه حزن عمري في حياتي ماشفته فيه
وش مضايقك يا سنايدي ؟! وش مضايقك؟)
***************************
أذن الفجر وصلت وهو مازال لم يعد.. نظرت لساعتها (دوامه بعد ساعتين)..
لم تنم.. ولكنها غير مهتمة.. غارقة في التبلد.. ماعاد هذا المِتعب المُتعِب يهمها بشيء.. ولا لأجل شيء..
(خله برا.. لو يفكني من شره وينساني يكون أحسن)
مضت ساعة أخرى مازالت لم تنم.. مازالت غير مهتمة.. معتصمة بسريرها..
حين سمعت صوت الباب.. أدارت ظهرها للباب.. ادعت النوم..
خشيت أن يظن أنها تنتظره أو قلقت عليه.. أرادت أن يعلم أن كل ما بينهما من ملامح الاهتمام الخاص قد انقطع..
حزن شفاف غزا روحه العتيدة..
(ماحتى اهتمت تشوف أنا رحت في أي داهية..
رجالها طول الليل برا وهي اللي مزعلته وحتى ماهان عليه ترسل له مسج تطمن عليه..
معقولة الوضع بيني وبينها ينفجر كذا وبدون مقدمات؟!!
يعني عمرها ما بينت لي أنها متضايقة مني لهالدرجة أو عايفتني..
توصل لدرجة تطلب مني أتزوج عليها؟!!.
وش ذا المرة الخبلة؟!.. وإلا خلني أقول الكارهة..
مافيه مرة تقول لرجالها أعرس عليّ حتى لو هي تكرهه كره العمى..
متى طلعت ذا الكراهية؟؟ متى؟؟
معقولة تكرهني ذا كله وساكتة؟!.. معقولة مهيب طايقتني وهي كل ليلة ما تنام إلا في حضني؟!
أشلون تسمحين لنفسك إنه تحولين علاقتنا السامية إلى مجرد علاقة أجساد؟!
ليه تحسسيني أني حقير وقذر وأنش أحقر مني وأقذر؟؟ ليه؟؟
وأنا اللي صابر.. واللي مصبرني حبها.. وأقول يا الله مسيرها تهتم في نفسها شوي
تسوي ريجيم تكشخ وتلبس.. أثر الشيخة بايعة.. ومخططة تزوجني تفتك مني..)
كان يهذي بهذه الكلمات المتقاطعة غير المتناسقة.. لم يكن حتى يعرف ما يهذي به
مجروح.. مـــجــــــــروح... وجرحه غائر تماما حتى أقصى روحه، يشعر أن روحه نكّلت بها سكين صدئة وحرثتها حتى فار دمها متناثرا في كل الجنبات..
أن تظن أنك تمثل لشخص ما كل شيء..
لتكتشف فجأة أنك لا شيء.. لا شـــــيء..
هذا ما كان يشعر به ...أنه لا شيء عند مها.. لا شــــيء!! وهو من كان يظن إنه كل شيء بالنسبة لها.. لأنها كل شيء بالنسبة له..
كان وقت دوامه قد حان...فتح دولابه ..ونظر بنظرات تائهة فيه..
كان يلبس بآلية أول لباس وجده.. لم يعلم حتى ماذا يلبس.. اعتاد أنها لجواره وهو يلبس ملابسه التي تكون هي من أخرجتها له..
وتكون هي من تزرر بدلته.. وتتأكد من لمعان الأزرة وهي تدعكها بطرف كمها في حركة بريئة..
حركة ما فتأت تفتنه وتذيب قلبه منذ أول يوم لهما معا حتى آخر مرة فعلتها بالأمس..
ليتناول حينها كفها دون أن يشعر أو بكل شعوره.. ليطبع في باطنها قبلة دافئة وهو يهمس: الله لا يحرمني منش..
بالأمس فقط كانت معه كما هي كل يوم.. ما الذي تغير؟؟
إنه عامهما السادس معا.. ماعاد يعرف للحياة لون ليست هي فيه وتشاركه فيه..
تغضبه كثير من الأشياء منها.. منها عدم اهتمامه بنفسها وسمنتها الزائدة التي تقلقه عليها..
في حملها الأخير حذرته طبيبتها من تزايد الكوليسترول معها.. وأنها تخشى من انسداد الشرايين عندها لأن قابليتها ذلك عالية جدا..
يعلم أنها تتضايق من تشديده عليها في قضية الوزن، ولكن إذا كانت هي لا تعرف مصلحتها فهو يعرفها..
لا ينكر أن سمنتها تضايقه على المستوى الشكلي وخصوصا أنها اتخذت هذه السمنة ذريعة لكي يكون تأنقها في مستوياته الدنيا..
فمهما كان يبقى رجل عينه عاشقة لرؤية الجمال، ويعلم أنها جميلة .. بل جميلة جدا.. فلماذا تدفن كل هذا الجمال بين أكوام الشحوم؟!
يزفر بحرقة تكاد تحرق جوفه.. ماعـــاد كل هذا يهمه.. ماعاد يهمه!
هو راض بها كيفما كانت.. وكيفما كان شكلها أو وزنها.. المهم أن يعودوا كما كانوا بالأمس..
فهذه المصيبة التي خاتلته بها البارحة قلبت كيانه، يشعر أنه مشتت ولا قدرة له للتفكير حتى..
"أكيد فيه شيء مضايقها.. خله تريح ذا اليومين وعقب نتكلم.."
*****************************
لأول مرة يدخل لداخل البيت دون أن يستأذن في الدخول ..
(شكلك استخفيت ياتركي.. ماعمرك سويتها!!)
(عادي كل اللي في البيت حلالي: أمي وأختي............... ومرتي!!)
(قول إن هذا مقصدك.. تبي تشوفها.. ماقدرت تمسي من الحرة البارحة)
(وش اللي تغير يا تركي؟!..
سنين مرت ما شغلت بالك كثر ذا اليومين..!!
.
يمكن لأني كل مرة أرجع الدوحة عارف أني راجع لأمريكا
ماكنت أقدر أفكر فيها وأنا مشغول بأشياء ثانية..
بس الحين خلاص أنا راجع عشان استقر..
وهي أول خطوة في الاستقرار!!)
(وليش ماتقول إنه جرح غرورك تفكيرها بالطلاق؟)
(إيه.. أشلون تتجرأ تقول إنها تبي الطلاق مني عقب ملكة ثمان سنين؟؟
أشلون؟؟
أشــــــــــــــلــــــــ ـون؟؟)
كان هذا هو تفكيره وهو يدخل لصالة البيت حيث تضع والدته الفطور عادة..
لم يجد أحدا.. فقط الفطور المرتب على الأرض كعادتهم العتيدة التي لم يغيرها مرور السنوات..
تنهد بعمق (والله أني دعيت ربي في صلاة الفجر إني أشوفها..
بس تو الناس.. من اللي بيقوم الساعة 6 ونص إلا شيبة مثلك؟!)
ولكن يبدو أن دعائه كان من قلب صادق.. وأنه دعا الله بحرقة حتى يستجاب دعاءه كما تمنى..
لأنه فوجئ بمن تدخل من ناحية المطبخ الخارجي وجلالها على وجهها وهي تهتف بعفوية:
يمه مالقيت الترامس اللي قلتي لي عليها.. يمكن أرسلتي فيها قهوة لأحد من قصرانا؟؟
كانت تقول جملتها وهي على وشك رفع غطاء وجهها.. لولا أنها فوجئت بمكن يجلس متصدرا المكان..
كان تركي متأثرا لعدة أسباب .. مناداتها لأمه بأمها.. وكونها مستيقظة في هذا الوقت المبكر... واهتمامها بأمور البيت وهي تعفي والدته من ذلك..
وتأثر موجوع من ناحية اخرى.. هل تجبر نفسها على ذلك حتى تشعر بقبولهم ورضاهم.. لأنه يعلم أن البندري يستحيل أن تفعل ذلك؟؟
هل تشعر أنها لابد أن تقدم شيئا غير مطلوب منها؟؟
لا يعلم لِمَ حز هذا الشيء في أعماقة بغرابة جارحة..
الهنوف حين رأته.. شهقت بعنف شهقة كتمتها في داخلها وهي تريد التراجع والعودة للمطبخ..
لولا أنه سبقها ووقف وهو يهتف بحزم: لا تطقين مني يا الجبانة!!
الهنوف كانت تشعر أنها ستذوب في مكانها وهي تحتمي بظلفة الباب .. وتراه يتقدم منها وتحاول أن تهمس بحزم تاه منها حزم النبرات لتخرج كلماتها مختنقة:
تكفى لا تحرجني.. أشلون منظرنا لو جات أمك وإلا عمي الحين..
كان يسمع صوتها المبحوح الرقيق بضعفه وكماله عن قرب لأول مرة.. ويمارس عليه ذات السحر غير المفهوم..
ترك تركي مساحة فاصلة بينهما وهو يتمنى لو كان يستطيع أن يسبر قماش الغطاء الذي تغطي به وجهها ليرى ملامحها المختبئة خلفها..
هو لا يجهل ملامح وجهها فهو بقي يرى وجهها حتى عقد قرانهما تقريبا.. حينها اختفت تماما من أمامه.. أو ربما يجهلها..
يعصر مخيلته ليتذكر شكلها فيجد فراغا أبيض.. فراغا أبيض بالكامل.. فهو لا يتذكر أنه نظر لها نظرة مباشرة تعرف فيها على ملامحها.. مجرد تفاصيل باهتة تمر أمامه..
نفض كل هذه الأفكار وهو يهتف بحزم قارص: ياحرام!! يا الله إن صوتش طالع.. وأنتي البارحة صوتش وش طوله..
الهنوف صمتت لم تستطع أن ترد حتى وهي تسب خجلها الذي خنق الرد في حنجرتها..
(يمه!! ليه حاسته طويل كذا؟!.. هو اللي طال وإلا أنا اللي قصرت؟!)
تركي حينها هتف بحزم لا يخلو من دفء: الهنوف أنا شاريش.. ومن شرا لا تبيعه..
ردت الهنوف بمرارة مسمومة: مبين شاري يا ولد عمي.. مبين!!
لم تترك له مجالا ليرد حتى.. وهي تنسحب من فورها لتعود للمطبخ .. وتتركه يعاني من التشويش والفوضى التي لم يعتد عليها..
*********************************
منذ البارحة وبالها مشغول به.. وهواجسها تأخذها إليه بلا توقف ولا هوادة..
(يكون متضايق؟!.. أكيد متضايق.. متى ربي يفرجها عليه)
لم يخرجها من من هموم تفكيرها إلا ملمس شفتي مساعد على جبينها: صباح الخير يا الغالية.. اللي ماخذ عقل الجليلة يتهنى به..
انتفضت الجليلة بخفة وهي تنظر لمساعد الذي جلس أمامها يسكب لنفسه فنجانا من القهوة وهمست بشجن عميق: شهاب اللي ماخذ عقلي.. من غيره؟!!
نبي نروح نزوره فديت قلبك..
ابتسم مساعد: أنتي تأمرين أمر واحنا ننفذ..
ثم أردف بحزم: بس أميرة ماتروح معنا ذا المرة..
الجليلة بحزم مشابه: ما أقدر أخلي أميرة..
مساعد بحزم أشد: تقعد في بيت عمي مع البندري والهنوف.. وش بيجيها؟؟
أو تجي بثينة عندها ومحمد بيمسي عندهم في مجلس الرياجيل..
المرة اللي فاتت أصريتي إنها تروح غصبا عني وأنا ماني براضي..
وشفتي شهاب وش سوى فينا..
عصب علينا.. وقال ليه تجيبونها معكم.. أنا مهوب قايل لكم لا عاد تجيبونها.. وإلا تبون تعصوني وتبينون إني مالي كلمة عليكم..
وسوى لنا سالفة طويلة عريضة..
حينها زفرت الجليلة بمرارة: كان يبي يقول.. ليه تجونني أساسا؟!!
ماكان يبي يشوفنا..
تنهد مساعد وهو يربت على كتفها.. فهو يعلم ولعها بشهاب: لا تلومينه..
زفرت الجليلة بحرقة أكبر: بألومه عمري كله.. عمري كله يا مساعد ولا يكفي..
ثم أردفت بمرارة مغمومسة بحرقة لا مدى لها ولا حدود: 17 سنة وقلبي يحترق.. وتقول لا تلومينه!!
شهاب هو أول من حسسني باليتم قبل ما أصير يتيمة صدق..
جرح غيابه مابرى ولا راح يبرى لين يرجع لبيته..
*******************************
" وش علومك ؟"
يهمس متعب بإرهاق شديد وهو يسند محموله إلى كتفه: علومي تسرك.. هذا أنا في الدوام..
تركي باهتمام لا يخلو من الضيق: أنت لحقت ترقد قبل تداوم؟؟
متعب بذات النبرة المرهقة: بخلص دوامي وأرجع وأنام..
حينها همس تركي بنبرة مقصودة: زين وغير الدوام وقلة النوم.. وش علومك يا أخيك؟؟
كان متعب مستنزفا من كل شيء.. روحه مثقلة.. وآثار قنبلة مها مازالت تعيث في خلاياه خرابا: لا قد عندي شيء أبي أقوله.. تأكد أنك أول واحد بقول له..
تنهد تركي بمساندة صادقة : أنا بخليك الحين.. لازم ألحق موعدي في الجامعة.. وطالبك ما تضايق.. بيعني في السوق واشتريك يا ولد أمي وأبي..
********************************
كانت على وشك النزول لعملها في الصحة المدرسية.. لولا اليد الدافئة التي أوقفتها وهي تمسك كفها بحنو.. التفتت له بعذوبة وهيام:
تبي شيء حبيبي؟؟
تنهد سعود بعمق: ودي أطلب منش طلب وخايف ترديني..
الدانة بجزع: أردك؟!! لو تطلب روحي ماتغلى عليك..
شد سعود له نفسا مبتورا.. ثم هتف بحزم: أبيش تقطين المانع..
رفت رموشها بسرعة كما لو كانت عاجزة عن استقبال الخبر.. شدت لها أنفاسا بدت شديدة الصعوبة في شهيقها و زفيرها:
عطني شوي وقت ياسعود.. تكفى..
سعود بذات الحزم: لا.. حبيبتي .. سامحيني... وأنتي قلتي منتي برادتني..
ثم أردف بمحبة عميقة عميقة: عشاني حبيبتي.. عشاني..
الدانة فتحت الباب وهي تهمس بنبرة ميتة: إن شاء الله ياسعود.. إن شاء الله..
ثم أردفت بنبرة غائرة كما لو كانت تخرج من بئر:
لكن يا سعود لو ربي ماكتب لي حمل سليم ذا المرة.. فيه تغيرات كبيرة في حياتنا لازم تصير..
********************************
" يا الله صبحها بالخير أم حضرة الرائد سعود"
كانت نبرته المرحة التي تخفي قلقه على والدته تتصاعد وهو يميل على رأسها مقبلا، ثم يجلس جوارها مقبلا كتفها: أقهويش يا صفوي؟! دقيتي أبرتش وإلا أدقش؟؟
همست أم سعود بإرهاق، فهي مازالت تعاني من ارتفاع ضغطها الناتج عن ضغط اليومين الماضيين: دقتني دانة قبل تروح دوامها.. إلا غريبة يا أمك جايني ذا الحزة!! عاد الساعة 6 ونص..
حينها همس بقلق: يمه جيتش البارحة منتي ب زينة.. ماقدرت أروح الدوام لين أتطمن عليش..
أم سعود بمودة: زينة يا أمك كان ضغطي مرتفع شوي..واليوم زينة..
محمد بهم: وش اللي رافع ضغطش جعلني فدا أرجيلش؟!..
حينها همست بنبرة مقصودة: اللي داري بالشيء لا ينشد منه..
حينها تنهد محمد بألم: يمه وش يرضيش؟!.. علميني..
أم سعود بألم: يا أمك أبي أشوف عيالك.. قد لك أربع سنين معرس.. يا أمك عادي .. ترا الناس يقعدون عشر سنين ماجاهم عيال.. بس يسعون ويعالجون ويراجعون الدكاترة ويفحصون..
لك أنت ومرتك لا تحركتوا ولا عالجتوا ولا فحصتوا.. وش عادكم تتنون؟؟
تنهد محمد مرة أخرى وهو يتناول كفها ليقبلها ويهمس بنبرته المحبة العميقة:
ما يصير إلا اللي يرضيش يا صفوي.. بس طالبش ما تضايقين..
ثم أردف بمرح شفاف: إلا كنش تبين أروح دوامي متضايق وأنكد على القسم اللي ربي بلاهم أني أصير مديرهم؟!!
حينها ابتسمت أم سعود، فمحمد قادر على تبديل مزاجها من النقيض إلى النقيض: لا با الله يا أمك ما نبي نأخذ ذنبهم، شين تقفيلتك لا قفلت.. روح لشغلك.. والله الله في موظفينك.. جعل ربي يحفظك ويخليك لي..
ثم أردفت برجاء: وروح راجع أنت ومرتك فديتك.. جعل ربي يفرحني بعيالكم..
*************************
" ياهلا والله ومرحبا بالدكتور تركي.. نورت جامعة قطر"
تركي بثقته العفوية: منورة بوجودكم..
رئيس القسم يتنهد بعمق: جاي على وقتك.. فيه كم دكتور مخلصين عقودهم ذا الفصل.. وعندنا نقص في الدكاترة..
فيه كم مادة منزلينها لفصل الخريف الجاي بدون أسماء دكاترة..
بأرسل لك تفاصيلها على إيميلك..
تركي بذات الثقة: خير إن شاء الله.. أبي أعرف بالضبط المواد اللي بتسند لي وتوصيفها.. عشان أحضر لها هالصيفية..
رئيس القسم ينظر لساعته ويبتسم: إن شاء الله .. والحين تفضل امش معاي إذا عندك وقت.
عندنا حفل تكريم صغير لطلبتنا في الماجستير.. يعني نوع من التشجيع لهم.. بنكرم الطلاب اللي تميزوا في أبحاثهم خلال السنة..
تركي وقف وهو يهتف بحزم: يسعدني بصراحة أحضر.. ولو أني بصراحة مهوب عاجبني إن دراسة الماجستير خليتوها مختلطة..
رئيس القسم يبتسم: صعب إنه أحنا نخلي ماجستير للبنات وثاني للشباب.. لأنه أصلا عددهم قليل جدا.. فالدراسة كلها تكون هنا في جامعة البنين وفي الفترة المسائية..
وبعدين كلهم كبار والبنات بزاوية والشباب بزاوية.. يعني شنو مصدر اعتراضك؟؟
ابتسم تركي: هي قناعات لو بنتكلم فيها بنطول شوي.. أنا ما أقول أني رافض الفكرة لأني عارف إنها ضرورة.. لكن هي مهوب عاجبتني كرأي شخصي..
ثم أردف بذوق: وخلنا نمشي شكلي أخرتك..
ابتسم رئيس القسم: لا تو الناس.. والمكان أصلا قريب..
بعد المشي لفترة قصيرة.. دخل الاثنان القاعة التي أُعدت للحفل..
والتي قُسم الحضور فيها لأربعة أقسام : قسم للأساتذة .. وقسم للطلبة.. وقسم للطالبات.. وقسم رابع لمن أراد الحضور من أهل الطلبة..
وكان عدد الأهالي قليل جدا لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.. لأنه أساسا حفل تكريم صغير للأبحاث فقط.. ليس للخريجين.. وهو على مستوى كلية الإدارة والاقتصاد فقط وليس لكل الجامعة..
تركي رأى بين الأهل الحضور.. شخصا فجّر وجوده استغرابه لأبعد حد.. بل إحساسه تجاوز الاستغراب للصدمة الحقيقية..
تركي رأى بين الأهل الحضور.. شخصا فجّر وجوده استغرابه لأبعد حد.. بل إحساسه تجاوز الاستغراب للصدمة الحقيقية..
كـــــــــــــــــــان .......هذا الشخص.. هـــــو.... والـــــــده !!
كان تركي يريد التوجه لوالده ليعرف سبب تواجده في المكان..
لكن غالبية الأساتذة وقفوا للسلام على تركي.. وحالوا بينهما..
ثم بدأ الحفل ليجد نفسه مجبرا على الجلوس مع الأساتذة (يمكن جاي مع حد من شيبانه.. بيخلص الحفل الحين وأشوف السبب)
في مكان آخر من ذات الحفل.. في زاوية الطالبات
( ضيّ الحقيني..آه يا بطني.. بيقتلني!!)
تهمس ضي بقلق بنبرة مكتومة خافتة: الهنوف.. وش فيش؟؟ بطنش يوجعش؟؟
الهنوف تشعر بالفعل بتصاعد الألم في بطنها (بالطقاق وش علي منه.. عمي معي!!) ولكنها وجدت نفسها تهمس باختناق رغما عنها:
بيذبحني.. بيذبحني..
ضي بقلق: من هو ذا اللي بيذبحش؟؟
الهنوف تهمس وهي تشير بعينيها لتركي الذي مازال يسلم على الأساتذة: تركي ولد عمي..
ضي باستغراب: تركي؟؟ ولد عمش؟؟ وش دخله؟؟
ثم أردفت كمن اكتشف اكتشافا جديدا بحماسة: تقصدين رجالش يا الخايسة..؟؟!!
وينه؟؟ وينه؟؟؟
تمد ضي رأسها: ذاك!!.. ذاك!!.. المزيون!!.. آه يا رأسي..!!
خسارة في خشتش.. وأنتي من يوم عرفتش تسبينه..
الهنوف بعفوية: ياعل عينش البط.. متى لحقتي تقزينه؟؟
ضي ترقص حاجبيها: مهوب أنتي اللي مادة لسانش تبين الطلاق.. وش عليش منه.. هذا عبارة مشروع حر مع وقف التنفيذ..
وبصراحة خوش مشروع جاهز للاستحواذ والتملك..
تنهدت الهنوف بضيق من نفسها (ليه حسيت بالضيق من ضي؟)
تبقى المرأة هي المخلوق الأكثر بعدا عن التفسير.. تشعر أنها لا تريده.. وفي ذات الوقت تشعر أنه ملك لها وحدها ملكية غير قابلة للنقاش..
هذه ثمان سنوات متطاولة.. لم يغب فيها عن بالها ولو ليلة واحدة..
ومع كل هذا أردفت بعدم اهتمام لا تعلم هل هو حقيقي أو مصطنع:
اشبعي فيه.. المهم ما يفضحني في الحفل اليوم..
ضي باستغراب: يفضحش ليه؟؟ هو مهوب داري إنه قد لش سنة في الماجستير..
الهنوف بذات التوتر الذي لا تعرف له سببا: أكيد يدري..
بس يمكن يزعل عشان جاية لحفل التكريم .. وبدون ما أستأذنه وهو موجود في الدوحة.. لا وشايفته اليوم الصبح بعد
تدرين ضي يمكن اللي موترني إني ما أعرف شخصيته أشلون.. يعني هل ممكن يكون ذا الشيء عادي عنده؟!. وإلا يكون مقفل؟!!
ضي بمرح: أنا وش جابني معش؟؟ أنا وحدة بكالوريوس عفنت ما تخرجت.. خاف يسحبش رجالش وينولني معش كفين وأنا مالي ذنب..
الهنوف بتوتر: خلاص اسكتي.. الحفل بدأ.. أكيد بينادون اسمي الحين.. يا الله سترك..
بدأ الحفل.. المكرمون ثلاثة طلاب.. طالبتان وطالب واحد..
تم تكريم الطالب وإحدى الطالبتين.. وتبقت الاخيرة التي بدأ عريف الحفل حديثه عنها بقوله:
الطالبة الأخيرة في تكريم اليوم هي من أكثر طالباتنا تميزا وأبحاثها كانت دائما مثار جدل بيننا نحن أساتذتها..
وكل بحث جزئي لها يشكل مشروع جاد لرسالة ماجستير متميزة..
ومن أبحاثها المتميزة المقدمة خلال العام الدراسي بفصليه الخريف والربيع............
الأستاذ بدأ بتعداد أسماء الأبحاث التي وصل عددها لسبعة أبحاث بدت لخبرة تركي البحثية مشاريع متميزة جدا
وهو يمد نظره بفضول طبيعي.. ليرى من هي صاحبة هذه الأبحاث..
لتكون صدمته البالغة في الاسم الذي سمعه :
الهنوف علي متعب آل حزام
تفجر دماغه بكل معنى الكلمة.. وهو يكتم شهقة الغضب العارم والصدمة الكاسحة في داخله
(يعني تدرس ماجستير ومختلط وبدون ما يطري على جنابها تعطي اللوح اللي اسمه زوجها خبر..
لا وأبي مرتز معها.. ولا حتى عطاني خبر بأي شيء!!)
يشعر بصداع حقيقي وهو لا يكاد يركز في الخيال الأسود الذي ارتقى الدرجات لتستلم شهادتها وتعود أدراجها..
غلف أعصابه في برود قتله.. وهو يدعي جمودا عجز عن احتماله.. بالكاد احتمل حتى انتهى حفل التكريم..
ليقفز مع انتهاء الحفل ويقف بجوار والده.. الذي كان يهمس للهنوف بفخر عميق: بيضتي وجهي يا أبيش.. بيضتي وجهي..
الهنوف جفت الكلمات على شفتيها وحلقها يتشقق جفافا كذلك.. وهي ترى من يقف خلف عمها ليكون الرد رده بغيظ مكتوم أقرب للسخرية:
إيه صحيح بيضت الوجه.. وأنا أشهد..
التفت والده نحوه بعفوية وهو يهتف بنبرة مغرقة في الحنين: شفت بنت علي.. غلبت العرب كلهم.. ليت علي حيّ بس.. ليته حي!
تركي يقاوم نفسه حتى لا ينفجر وهو يهتف بحزم: يا الله أخذوني معكم.. أنا جايبني سواق البيت.. وقلت له يرجع البيت.. على أساس واحد من ربعي بيرجعني..
والده بذات العفوية: وسيارتك وينها؟؟
تركي مازال يقاوم انفجاره: وديتها اليوم الصبح المعرض.. بأبيعها وبأشتري لي سيارة جديدة..
الهنوف تهمس في داخلها (تكفى ياعمي طالبتك. لا تخليه يروح معنا) وجدت نفسها تقول باختناق خافت:
يبه خلاص أنتو روحوا.. بأرجع مع رفيقتي..
حينها التفت لها تركي بحدة: نعم؟؟ عيدي اللي قلتيه.. تفضلي قدامي يا بنت علي
ثم أردف بصوت خافت لم يسمعه سواها: تبين تهربين كعادتش؟؟
لا والله ما أنولش إياها ياحرمنا المصون.. توش شايفتني اليوم الصبح ماطرا عليش تبلغيني بشيء مثل ذا؟!
الاثنان خرجا من الكلية متوجهان للمواقف والهنوف تتبعهما وهي تتمنى لو تهرب..
لا تعرف ماذا ستكون ردة فعل تركي.. وهي اكتفت تماما من الشد العارم من لحظة وصوله فجر أمس.. حتى هذه الساعة.
تركي ركب مكان السائق.. ووالده جواره.. والهنوف ركبت في المقعد الخلفي خلف عمها مباشرة..
وهي ترتعش بكل معنى الكلمة.. وتنتظر الانفجار الذي شعرت به قادما لا محالة وهي ترى من مكانها بوضوح احمرار وجه تركي واحتقانه..
ليأتي الانفجار بأسرع مما توقعت وحممه تتدفق لتغمر السيارة:
ممكن أعرف الشيخة أشلون مسجلة ماجستير وأنا حتى خبر ماعندي..
أنتو وش شايفيني.. كيس شعير..؟؟
وأنت يبه أشلون توافق وأنا ما أعرف.. يعني اللي هي تبيه تسويه لها بدون حتى ما تردون لي الشور..
أنت داري أني مستحيل أردها من الدراسة حتى لو عندي تحفظات..هذا حقها..
بس لازم تستأذني أول.. هذا أبسط حقوقي عليكم أنت وهي.. أنتو وش شايفيني أنت وإياها؟! طرطور؟!!!
كان تركي ينهمر وينهمر بغضبه الذي بدا لا حدود له..
بينما الهنوف شعرت بمرارة أثقلتها بحزن شفاف (يعني حتى دراستي مايعرف عنها شيء.. وهو متى اهتم فيني عشان يهتم في دراستي؟!)
بينما أبو متعب شعر بسعادة غريبة (يعني كبدك منفقعة من الموضوع؟!!.. زين يا ولدي.. أبشر)
أبو متعب هتف بنبرة مقصودة أقرب للبرود:
والله يا ولدي.. مابعد نشدتني عن دراستها عشان أقول لك..
وأظني ياسنايدي إن الهنوف في بيتي وتحت شوري.. وأنا اللي رخصت لها تدرس..
وأنت مالك شور عليها.. لا صارت عندك وفي بيتك.. احكم وتحكم..
حـــــيـــــنـــــــهـــا ...
كــــانت الصدمة الكاسحة للمتواجدين في السيارة.. النبرة الحازمة المتجبرة الغارقة في الثقة المقيتة:
خــــــلاص نتزوج أخر العطلة الصيفية.. بعد عيد الفطر على طول..
الهنوف شهقت بعنف
(لا.. لا .. هذا من جده؟!!.. أبيه يطلقني وهو يقول عرس عقب شهرين..
.
.
خلش من الهياط.. أنتي دارية زين إنش ماتبين الطلاق..
والسالفة كلها كرامة وأنتي وصلتي لتركي اللي تبين توصلينه له
.
لا لا أنا أبي الطلاق صدق..
.
ما أبيه.. بس ما أبي أعرس قريب كذا)
أبو متعب بذات الابتسامة المتلاعبة : والله صاحبة الشان موجودة وتسمع.. الهنوف وش رايش يا أبيش؟؟
الهنوف باختناق: يبه أنا ما أبيــــــ
قاطعها تركي بغضب وهو يخشى أن تُسمع والده جنون الطلاق.. فيجبره والده على ذلك، ويعلم أن والده محشو عليه لأقصى حد وقد يفعلها:
وشو اللي ما تبينه.. صار لنا ثمان سنين متملكين.. يعني خللنا.. وأنا خلاص رجعت رجعتي النهائية.. ليش التأجيل؟
تفكير تركي بدأ يتجه لاتجاه آخر وبشكل مفاجئ تماما:
(بدلا من تأجيل الزواج حتى أنتهي من تخطيط مشاريعي.. لأتزوج قبل أن أبدأ بأي شيء..
سأجن إن بقيت معي في ذات البيت وذات الكلية وهي لم تصبح زوجتي فعليا بعد.. )
هاهي أنهت سنة وتبقى عليها سنة.. لتكملها وهي معه بعد إتمام زواجهما..
أبو متعب هتف حينها بغضب حقيقي: أص ولا كلمة أنت ...
مهوب توك تقول لي البارحة العرس عقب سنة.. والحين تقول عقب شهرين..
خلها تقول رأيها.. وترا الرأي رأيها موب رأيك.. أنت تنطم..
ألم متزايد في روحها (وسنة بعد يا تركي من كثر منت عايفني!!) همست حينها الهنوف بذات الألم الذي بدأ يتعمق.. وكأنه بقي في روحها مكان لمزيد من الحزن:
على قولة أبو عبدالمحسن.. سنة يبه.. أكون خلصت دراستي..
تركي غاضب.. غاضب بالفعل (الله يهداك يبه يعني لازم تسمعها) :
آسف.. قلت بعد عيد الفطر.. وانتهينا..
حينها انفجرت الهنوف بالبكاء بشكل مفاجئ..
لا تعلم هل لأنها عجزت عن الاحتمال.. أو لأنها أرادت أن تؤلمه.. أو لأنها أرادت الضغط على عمها بدموعها وهي توجه حوارها لعمها دون تركي:
يبه طالبتك.. طالبتك ما تخليه يجبرني..
ثمان سنين وهو ناسيني ولا عمره اهتم فيني..
جاي الحين يقول عرس عقب شهرين.. ليه حليت في عينه ذا الحين؟؟..
طالبتك يبه ما أبي أتزوج قريب.. أبي أخلص الماجستير أول.. قل له عقب سنة.. ما يبي ينتظر خلاص يطلقني..
أنا عارفة إنه أصلا ما يبيني.. و........
قاطعها رد تركي الحازم المرعب في حزمه ونبرته رغم أن شيئا في روحه ذاب من شهقات بكائها:
أص ولا كلمة..
زين يا بنت علي.. ســنــة .. سنة..
بس دواش عندي.. ويا ويلش أسمع طاري الطلاق عندش..
والله لأقص لسانش..
أبو متعب بغضب عارم: لا.. اللي طالت وشمخت.. تهددها وأنا أسمع بعد يا الخاسي.. يا اللي ما تستحي ولا تنتخي..
تركي ماعاد يشعر بشيء من شدة الغضب وهو يوقف السيارة ويهتف بغضبه الناري:
يبه طالبك ما تقول شيء.. ترا شياطيني متركزين..
وهذا بأنزل منكم وأخذ تاكسي..
سوق ببنتك وروح لبيتك.. وأنا في اللي ما يحفظني..
أبو متعب بجزع وهو يرى تركي يفتح الباب وينزل فعلا: ارجع يا الخبل.. والله ما أخليك تروح مكان وأنت كذا...
خلاص أنا اللي بأسوق.. تعال اركب مكاني..
الهنوف انتفضت بعنف وهي ترى تركي يركب أمامها وقريب منها لهذه الدرجة.. حاولت ابتلاع ريقها.. ولكن حلقها كان جافا تماما..
(دايما يقولون رايق.. ومخه كبير.. يمه.. يمه.. يروع.. هذا أشلون ينتعاشر؟َ)
حتى أبو متعب كان متفاجئا (وش فيه الصبي؟؟ صحيح إنه طول عمره عنيد واللي في رأسه في رأسه..
الموضوع الوحيد اللي قدرت أمشي عليه شوري فيه.. هو ملكته من الهنوف..
بس عمري ماشفته معصب كذا.. وطول عمره يمسك أعصابه!!)
يتنهد تركي بعمق وهو يعدل نظارته الشمسية ثم يتحسس جانبي رأسه الذي يشعر أنهما سيتفجران من قوة النبض..
(بتخبلين بي وأنا ماصار لي يومين في الدوحة!!)
لا يعلم بالتحديد ما الذي حدث به... قد يكون
وافق على الهنوف في البداية كإحساس بالواجب ومن أجل والده..
لكنه كان يشعر منذ عقد قرانه بأنها ملك له.. شيء له وحده.. ليس له شريك فيه..
والمؤذي أنه يشعر بملكيته لها كشيء مادي لا حياة فيه.. مثلها مثل أي قطعة أثاث..
فتفكيره العقلاني فيها هي بالذات لم يكن فيه للمشاعر جانب كبير.. رغم أنه مع أهله كان متدفقا بالمشاعر..
كان يعلم أنها محمية في بيت والده.. كأي من ممتلكات البيت..
وستنتظره عام بعد عام.. ولو أنها لم تكن تريده ستقول لوالده.. وهو كان على استعداد لتحريرها..
كان هذه تفكيره في الأعوام الأولى.. ولكن الأعوام مرت وهي لم تطلب تحريرها منه ،إذن هي تريده.. وستنتظره مهما غاب..
بعد مرور كل هذه السنوات ارتبط كل شيء في حياته بها.. ولم يعد يتخيل له زوجة سواها...
فحياتيهما تقاطعت معها.. وارتبطت ارتباطا مصيريا.. فمصيرهما واحد..
قد تكون في نظره بليدة وأقرب للغباء.. فمن ترضى أن تسير حياتها كالبهيمة دون رأي.. هي لابد هكذا..
(خلها غبية.. وتريحني وتريح رأسي!!)
وربما كانت رؤيته لها كشخصية ضعيفة من الأسباب التي جعلته يحرص عليها بشدة..
لأنه خشي أن تتزوج سواه فيؤذيها أو يجرحها.. وهي تبقى ابنة عمه اليتيمة وعليه حمايتها..
ليتفاجئ بسيل عارم من الاختلاف بعد عودته.. فجّر صدمات كاسحة متتالية في روحه..
وجدها تفكر في الطلاق.. وهذا الأمر جرحه.. أن تشعر أنك مرفوض.. ومن شخص تراه ملكا لك..وترى حياتك كلها معه..
ثم لقاءتهما وحواراتهما المبتورة كشفت له عن شخصية أبعد ما تكون عن الضعف أو الغباء.. بل أقرب ما تكون للتجبر... تجبر غريب مغلف برقة غير معقولة...
ثم جاءت قضية دراستها لتفجر مابقي من احتماله..وتعزز اختلافها الكلي عن الصورة الباردة البليدة التي رسمها لها.. وأن الهنوف بصورتها المرسومة في باله.. هي شخصية مختلفة تماما عن الهنوف الحقيقية التي تعرّف عليها بعد عودته..
لا يستطيع احتمال كل هذه الصدمات.. لتكن له وفي بيته.. ليكتشف هذه المخلوقة التي صدمته على مهله..
لكن حتى مخططه هذا لم يكتمل..
"ســــنـــــة؟؟.. ســــــــنـــــــــــــــ ة؟؟؟ يا طولها طولاه....
أبيها تجي عندي اليوم قبل بكرة..
وهم يقولون سنة؟؟
.
أما إنك غريب!!
صار لها مرتك ثمان سنين ولا طرا عليك طاري العرس وش معنى ذا الحين؟؟
.
والله ذاك وقت وهذا وقت
هذاك الوقت أكثر وقتي في أمريكا
بس أنا الحين مستقر هنا..
وشكلها مهيب ناوية ترحمني
خلال يومين شفتها مرتين وتمشكلت معها 3 مرات..
الله يستر من تواليها!! )
****************************
"دانة.. دانة.. دكتورة دانة.. أم سعيد.. حرم حضرة الرائد.. دانــــــــــــة!!"
استفاقت من غيبوبتها لتهمس بنبرة من استيقظ من نومه: نعم تهاني؟؟ تناديني..
تهاني بمرحها المعتاد: أناديج بس؟!.. أنا انبح صوتي.. أتوقع الصحة المدرسية كلها سمعت صوتي..
دانة تبتسم ابتسامة باهتة: آمري تدللي دكتورة تهاني..
تهاني بنبرة جدية: قولي لي وش فيج؟؟
دانة بحزن: مافيه شيء ما تعرفينه..
تهاني بذات النبرة الجدية: بس اليوم أنتي مو طبيعية أبدا..
دانة تتنهد: سعود يبيني أقط المانع..
تهاني ببساطة: إذا مقتنعة قطيه.. مو مقتنعة قولي لا... سعود يعشق الأرض اللي تمشين عليها.. ما أظن عنده خلاف.. مارح يجبرج..
ثم أردفت بنبرتها العملية: مع إني بعد أشوف إنه تقطين المانع.. لأنه أنتي صار لج سنتين وأنتي تتعالجين عشان تقطين المانع في ختام رحلة العلاج.. وأنتي ختمتي أبوها وأمها..
صار لازم تشوفين نتيجة العلاج..
دانة بحزن عميق مغموس بالحسرة والتوتر: ما أقدر تهاني.. ما أقدر..
خايفة.. بموت من الخوف.. ما عاد أتحمل فكرة الحمل... لأني عارفة إني بسقط.. مارح أتحمل أفقد طفل سادس.. بموت.. بموت..
وفي نفس الوقت صعب أرد سعود.. أعرف أمي صافية قاعدة تضغط عليه بقوة.. وهو ما يبي يزعلها ولا يزعلني.. ومتقطع بيننا..
*****************************
" مزنة .. شفتي ملف الأنشطة؟"
مزنة ترفع رأسها عن كتاب كانت تقرأ فيه وتهمس بهدوء واثق لزميلتها رفعة: ثالث رف من يسار..
ضحكت رفعة: حو.. مخ وإلا كمبيوتر؟؟
مزنة ضحكت: اذكري الله مالت على عدوش..
رفعة بمرح: ماشاء الله بارك الله لك وعليك.. عاد مو حرام ذا المخ كله مضيعته بين القراطيس؟!!
مزنة بمرح مشابه: قرطسوا مخش اللي أصلا هو كله متقرطس.. وش تبيني أسوي يعني في مخي؟؟ تخصصي لحد الحين مافيه دكتوراه عندنا في قطر.. وإلا كان شغلت مخي هناك بدل ما أنا مضيعته عليكم..
رفعة بنبرة مقصودة: فيه أشياء أجمل وأسهل من الدكتوراه ممكن الواحد يضيع مخه فيها..
مزنة بنفس النبرة المقصودة: ذا الأشياء خليتها لش..
رفعة تهمس بمودة وهي تجلس في المقعد المقابل لمزنة: مزنة يا حبيبة قلبي..أنا وأنتي الحين صديقات من خمس سنين.. وأحس كأننا صديقات العمر كله..
العام عرضت عليش أخ زوجي، مارضيتي مع أنه مافيه عيب أبد..
السنة ذي عرضت عليش ولد أختي.. وبعد مارضيتي مع أنه مافيه عيب أبد..
مزنة تنهدت: رفعة حبيبتي أنتي تسألين عن شيء أنتي عارفته زين.. حماش صليت استخارة وما ارتحت له.. وولد أختش أصغر مني بسنة.. يا أختي موب متقبلة أخذ واحد أصغر مني..
رفعة بعتب: أنتي مخش شمال..وإذا أصغر منش بسنة يا أختي هو راضي ويحب يده.. ويسجد سجدة شكر يشكر ربي خلاش نصيبه..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: يا خوفي آخرتها تطيحين طيحة في واحد يطلع عيونش..
وقولي رفعة قالت..
رفس النعمة شين يا مزينة..
همست مزنة بثقتها المعتادة: أنا مارح أتزوج إلا واحد أصلي استخارة ونفسي ترتاح له..
لو يذبحني عقب أنا راضية دام ربي هداني له..
*********************
"يا حيا الله أبو سعيد.. وش ذا العصرية المباركة.. اقرب يا ولد صب قهوة لأبو سعيد"
يهز محمد فنجانه وهو يشير للمقهوي أن يأخذه: شكّرت يبه..
أبو خالد بمودة: وأشلونك يا أبيك؟ واشلون شغلك وهلك؟؟ الوالدة؟ وخواتك؟ وبنت طالب وش علومها؟؟.. الله الله فيها تراها بنية يتيمة ومن عرب(ن) أجواد.. رحمة الله على طالب.. وفك الله عوق شهاب..
محمد بمودة: كلهم طيبين.. واللهم آمين يرحم عمي ويفك عوق نسيبي..
أبو خالد بمودة أعمق: بصلي أنا وإياك المغرب.. ثم نروح نسلم على البنات.. وكلم مها أبي أعينها عندهم.. قد لي كم يوم ما شفتهم..
محمد بذات المودة: أبشر.. إن شاء الله..
ثم أردف محمد بنبرة اهتمام غلفها بالتلقائية: وأنت اشلونك يبه ؟ كيف صحتك؟ وأحوالك؟
أبو خالد بتلقائية: طيب يا أبيك.. السكر متعبني شوي.. طالع نازل.. بس غيره كل شيء زين..
محمد بذات نبرته المغلفة بالاهتمام: زين واشرايك نروح أنا وأنت لتايلند نسوي فحص شامل مثل ذا العالم اللي يروحون..
أبوخالد باستنكار وهو يصر عينه في محمد بنظرة مقصودة: وين حن غادين؟ مالنا عازة..
محمد برجاء: طالبك يبه.. عشاني أنا.. أبي حد يخاويني..
أبوخالد بنبرة مقصودة: خل خالد يخاويك.. أنا شيبه.. وش بتنفعك خوتي؟؟.. ما مني فايدة..
محمد برجاء أشد: قلت طالبك يبه.. ترد طلبتي..
أبوخالد حينها هتف بحزم غاضب: أنت تحسبني بزر يا محمد تلعب علي.. أنا داري إن خالد مشتكي لك مني وأمشيها بكيفي..
تراني أوديكم البحر أنت وإياه.. وأردكم هالكين..
خلاص قم قم.. ما أبيك تروح معي للبنات بأروح بروحي..
محمد يتنهد: أفا عليك يبه.. والله إني أحاتيك بس.. نبي نتطمن عليك... وش فيها؟
أبو خالد بذات الحزم الغاضب: مافيني شيء عشان تطمنون علي.. بتمرضوني غصبا؟!!
******************************
" مساعد فديتك، حجزت؟؟ "
مساعد ينتزع غترته عن رأسه ويضعها على الطاولة التي تجلس الجليلة على أريكة مقابلها..
ليتمدد على الأريكة واضعا رأسه على فخذ الجليلة، وقدماه تتجاوزان حافة الأريكة بطوله الفارع لتتدلى خارجها، ويهتف بإرهاق: مابغيت ألقى حجز..
حجزنا مع رجعة الموظفين المصريين لإجازتهم الصيفية، لقيت حجز يوم الجمعة الساعة 4 العصر..
تمرر الجليلة أناملها في كثافة شعره بحنو: الله لا يهينك فديتك.. بس أرجاك لا تقول لأحد شيء، ما أبي يوصل خبر لأميرة لين وقت السفر..
مساعد يتنهد بجدية: الله يعينا على أميرة هنا، وعلى شهاب هناك
الجليلة بعتب: تدري فديتك أني ما أحبك تكلم على شهاب بذا الطريقة..
مساعد يعتدل جالسا، لينظر نظرة مباشرة للجليلة ويهتف بحزن غريب: أنا ما عرفت شهاب إلا من سوالفش عنه، لكن شهاب اللي تقولين لي عنه، ما أشوفه لا قابلته.. كأنهم شخصين مختلفين..
الجليلة تتتهد بحزن أعمق وأشد غرابة: اليوم الصبح تقول لا تلومينه.. والحين أنا أقول لا تلومه يا مساعد، لا تلومه، نعنبو لايمه..
************************
"يبه أقدر أخذ من وقتك شوي؟!"
رفع فرات رأسه عن أوراقه التي كان مستغرقا فيها وهتف بحنو لمي التي كانت تطل عبر الباب بعد أن طرقته طرقاتها الرقيقة: طبعا يا أبيش.. الوقت كله لش.. الدنيا والشغل وكل شيء يجي عقبش يا أبيش..
دخلت مي بخطوات مترددة إلى داخل مكتب والدها الشاسع المليء بعشرات الأشياء التي لا تشبه أحدا إلا فرات في غرابة وتآلف تجمعها..
مكتبة ضخمة فيها آلاف الكتب.. جهازين رياضين احترافيين.. كمبيوترين وثلاث طابعات مختلفة..
والأغرب.. الأغــــــرب لوحة رسم غير مكتملة في زاوية أُعدت بالكامل لكي تكون مرسما احترافيا مُصغرا..
استدارت مي خلف المكتب لتطوق عنق والدها من الخلف وتقبل أعلى رأسه وهي تهمس بعذوبة: صح يا فُرات أنا معطلة؟!
همس فرات بمحبة: صح يا عيون فرات..
استدارت مي لتجلس على حافة المكتب وهي تهمس بذات العذوبة: والمعطل مفروض وش يسوي؟؟
استمر معها فرات في لعبتها الرقيقة: ينبسط في إجازته أو يستغلها في أشياء كانت مؤجلة..
تبتسم مي: واذا ماعنده شيء مؤجل..
فُرات بحنان: بدل ذا اللفة كلها.. قولي وش تبين؟
مي بتأفف: زهقانة يبه والله زهقانة..يعني لا خالة ولا عمة ولا بنات أعمام ولا أخوال..وأنت ما ترضى أطلع مع صديقاتي.. وهذولا العتاوية الاثنين حامد وحمد محد منهم راضي يعرس يصير عندنا بنت في البيت.. والله بأموت من الزهق..
و قبل نسافر لواشنطن طلعني جدي مرة.. والحين أنت على طول مشغول.. وحامد وحمد ماحد منهم راضي يطلعني مكان..وأستحي أقول لجدي يطلعني كل مرة...
ثم أردفت بفيض عميق من المشاعر: مع أنه جدي فديته يحسسني إني أميرة وأنا معه، بس أعرف أنه مايحب الطلعة ويضغط على نفسه عشاني..
فرات بذات الحنان: طيب انا مافهمت وش تبين؟ تبين أحجز أسافر أنا وإياش مكان؟!.
مي بحزن: ما أقول لا.. بس أعرف أنك مشغول.. ومانبي نخلي جدي وحمد
ثم أردفت مرح رقيق: بس على الأقل عندي أربع شباب حلوين في البيت، ما ابي إلا كل أسبوع يطلعني واحد منكم..
أنت وجدي مقدور عليكم.. تطيعوني..
بس حامد وحمد كلاب.. مهما أحن يعطوني الطرشاء.. تكفى كلمهم..
فرات بثقة ودودة: ابشري أوريش الشغل فيهم اثنينهم.. وبسافر أنا وإياش وحمد وإبي سفرة سبيشل قريب..بعد اسبوعين ثلاثة..
بس أخلص بعض الشغلات.. عشان أكون متفرغ للسفرة وبس
والحين دقي على حمد بنطلع نتعشى برا..
مي تنظر للساعة وتهمس بتردد: موب متأخر شوي.. حمد يرقد بدري
فرات بثقة وهو يجمع أوراقه: لا متأخر ولا شيء.. تو الساعة 8 ونص..
كانت مي تتصل بشقيقها حمد بينما كان فرات يجمع أوراقه وهو يسترق النظر لها بحنان وهي تهاتف حمد بحماسة..
قلبه يُعتصر من أجلها، محض طفلة وحيدة تعبر ممرات هذا القصر الضخم بوحشة، من أجلها قبل أي شيء وهو يحاول تزويج حامد منذ خمس سنوات، وتزويج حمد منذ تخرجه من الثانوية، يريد أن يحضر لها أختا تؤنس وحشتها.. ولكن الاثنين عنيدان كما هو عنيد..
كثيرا ما فاجأها في غرفتها وهي تبكي، وتخفي دموعها عنه..
يعرف أنها تغرق في وحدة عميقة، وكل من في البيت لاه في مشاغله عنها، يخاف عليها من كل شيء، لذا يرفض أن تخرج مع صديقاتها اللاتي لا يعرف أهلهن وإن عرفهم فهي معرفة محدودة بالرجال..
تعب في تربيتها كثيرا، يخشى أن يخدش أي شيء عوالمها المثالية ، كانت رقيقة ومهذبة ومحبة .. و محض طفلة!!
يشعر بالحزن عليها وهو يستشعر حزنها الرقيق ..
كان مستغرقا في التفكير، حين دخل حمد وهو يهتف بمرح: يقولون أبوحمد عازمنا..
خرجت مي لتجهز نفسها للخروج بينما فرات انتهى من ترتيب أوراقه ووضعها في الملف وهو يهتف بحزم لا يخلو من رنة غضب:
إيه عازمكم، أبي أعلمك السنع يومك ما تعرفه..كن عليك قاصر فلوس تعزم أختك وتطلعها.. ترا الفلوس عندها.. ما تبي إلا خوتك!
حمد يضحك: أفا يا أبو حمد، الدلوعة حاشيتك علينا؟!!
فرات تنهد وهو يجلس على الأريكة ويشير لحمد أن يجلس جواره: حمد يا أبيك أنا ما طردتك من هوايتك الغريبة، مع أنه أنا موب راعي حلال وطول عمري وأنا رجّال بيزنس وعلم..
وأعرف أنك في جانب كبير من اهتمامك بالحلال تبي ترضي جدك اللي يوم شفته حزين أنه بيبيع حلاله لأنه ما عاد يقدر ينتبه له، فأنت قلت له خلاص ازهله..
وأنا سكتت عشانك وعشان إبي، بس أنت الله يهداك طلعت لي بسالفة الريس فوق الحلال، ولهيت عن دراستك وأختك..
أختك من لها غيرك؟!!
تنهد حمد.. يكره فتح هذا الموضوع الذي يُعد من مواضيع والده المفضلة: يبه جعلني فداك، أنا ماعاد باقي لي إلا سنة وحدة في الجامعة وأتخرج ومتفوق في دراستي..
والحلال مالهاني من الدراسة.. ومي قد ما أقدر أطلعها وأقعد معها، بس ذا الأيام والله لاهي أجهز لسباق أبوظبي..وهي كلت كبدي بالحنة!
حينها هتف فرات بأمر واثق: تزوج وجيب لها أخت، ونفكك أنا وهي من الحنة..
ضحك حمد ثم هتف بنبرة واثقة مقصودة: طيب بدل ما أنت ناشب في حلقي عشان أجيب لها أخت، جيب لها أنت أم..
هتف فرات بغضب: تلايط يا قليل الحيا..
حمد بثقة شفافة تبدو متوارثة: والله حلال ربي مافيه قلة حيا.. يبه أنت لمتى مصر إنك ما تزوج؟! حرام يبه توك شباب، بعض اللي في سنك توه يتزوج للمرة الأولى..
فرات ينظر لابنه من تحت أهدابه ويهمس بثقة: ماعليك مردود..
دخلت مي بحماس وهي ترتدي عباءتها ونقابها بيدها: يالله أنا جاهزة!
فرات بابتسامة واثقة: كلموا حامد إذا موجود في البيت.. مع أني ما أظنه موجود.. خله يطلع يتعشى معنا
"موجود.. موجود.. تبون تطلعون من دوني يا الخونة؟!"
دخل حامد عليهم وهو مازال بلبس الفريق: عطوني بس خمس دقايق.. شاور سريع وألبس وأجيكم، أنتو روحوا وبألحقكم بسيارتي..ميت جوع.. وبخسر فرات الليلة.. باطلب المنيو كله..
فرات بحزم: أنا بعد مابعد بدلت.. بنطلع كلنا معا.. حلاتها نكون بسيارة وحدة..
حينها مال حمد على أذن حامد وهتف بمرح: إبي شكله ناوي يخنقنا مضبوط..الله يستر من ذا العشاء..بيطلعه من بطوننا..
هتف فرات بشبح ابتسامة وهو يخرج متجها لغرفته: سامعكم وماني مسامحكم على الحش..
حامد يخرج وراءه ويهتف بمرح: ولدك اللي يحش فيك.. أنا وش ذنبي؟!
*************************
" حزام... وين إبي؟"
يرد حزام باحترام وهو يضع هاتفه جانبا: راح داخل البيت..
تركي يجلس جواره ويهتف باهتمام: زين متعب جاء؟؟
رد حزام باستغراب عميق: جاء ولا جاء..
تركي باستغراب أعمق: كيف جاء ولا جاء؟
حزام بذات النبرة المستغربة: جاء.. وقعد ساعة وهو ساكت ما نطق بكلمة... كنه حزين أو متضايق.. حتى أني تمنيت يقول أي شيء... حتى لو يقول لي الكوع..
ما تقول ذا أخي متعب.. حتى قهوة ما شرب..
حزام أنهى عبارته وهو يقول بنبرته الرجولية الطفولية اللطيفة: دامك جيت المجلس.. أنا بروح داخل.. ماكنت أبي أخلي المجلس خالي..
تركي يتنهد بعمق وهو يشير لحزام أن يغادر.. بينما تفكيره في مكان آخر..
حال متعب يقلقه.. لا يعقل أن يكون كل هذا بسبب خلاف بين متعب وزوجته، فهل هناك ما يخفيه عنه؟!!
كان تركي غارقا في أفكاره حتى شعر باليد التي تربت على ذراعه.. والنبرة الباسمة التي اقتحمت أفكاره: سلمنا ولا حد حولنا..
ينظر تركي لمساعد وهو يجلس جواره.. ويهتف بمودة: السموحة يا أخيك ما انتبهت.. وعليك السلام..
مساعد يتلفت حوله ويهتف باستفسار: وين عمي؟؟ أبيه في موضوع..
تركي بتلقائية: دخل داخل.. وما أظني عاده بيرجع أكيد بينام.. تبيني أقول له شيء.. وإلا اروح ادعيه؟؟
مساعد باهتمام: لا أبد خله يرتاح.. بس ولا عليك أمر ..قل له إني حجزت بروح لمصر أزور شهاب أنا والجليلة ..
بس طالبك يا تركي قل لعمي لا يعلم النسوان.. يوصل الخبر لأميرة تفضحنا.. خله لين يوم السفر .. باقي كم يوم على السفر.. ومانبيها تسوي لنا فيلم هندي طول ذا الأيام..
خل الفيلم يوم السفر..
تركي بابتسامة: أبشر إن شاء الله
ثم أردف بشجن عميق: وسلم لي على شهاب كثير السلام... وقل له أني بزوره في أقرب فرصة..إن شاء الله خلال إجازة الصيف ذي بزوره..
*************************
"مساء الخير على أحلى أخت في الدوحة"
الجازي قفزت باحترام وهي تتطاول على أطراف أصابعها لتقبل أنف سعود الذي دخل لتوه من الخارج.. وتهمس باحترام جليل ومودة عميقة: ومساء الورد على أغلى أخ في العالم كله..
يجلس سعود على الأريكة في صالة البيت حيث كانت الجازي تجلس.. ويشير للمكان جواره حتى تجلس الجازي بقربه...
تهتف الجازي بذات المودة وهي تقف أمام طاولة القهوة وتتناول الدلة: خلني أقهويك أول..
سعود بمودة مشابهة: لا يا أخيش.. ما أبي قهوة ذا الحزة... بكرة دوامي بدري..
تعالي اقعدي جنبي.. بسولف معش شوي بس..
الجازي تجلس جواره.. وسعود يربت على كفها وهو يهتف بنبرته الحانية: قاصرش شيء يا أخيش؟ تبين شيء؟؟
الجازي بمودتها العميقة لسعود: دامك طيب وبخير موب قاصرني شيء..
سعود بنبرة مقصودة: أكيد؟
اشتمت الجازي في نبرة سعود مداخلات تعلمها جيدا وتحدثا فيها سابقا كثيرا.. ومع ذلك تنهدت وهي تهمس: أكيد جعلني قبلك.. أنت اللي تبي شيء فديتك؟
تنهد سعود بحزم: أنتي عارفة وش اللي أنا أبيه من زمان...
يا اخيش قد خلينا نخلص موضوعك.. أنا ما أبي أقرر نيابة عنش.. وإلا كان تصرفت من زمان وانتي عارفة
الجازي تنهدت بألم: سعود ظنك إني ما أبي أخلص.. أنا أكثر وحدة تبي تخلص.. لأن هذي حياتي أنا.. بس.....
سعود بغضب يحاول كتمه: بس ويش.. الجازي أنتي عداش العيب.. حشمتي عمش.. وولد عمش وبنات عمش.. وحشمتي الدوحة كلها فوقهم..
ثم خفف من نبرته أكثر وهو يهتف بمؤازرة: الجازي أنتي الحين صغيرة.. بس السنوات تمر بسرعة وعمرش بيروح.. يكفي ماراح منه يا أخيش..
خلاص أنتي مالش دخل.. كل شيء بيكون في
وجهي أنا.. أنا اللي باتصرف من الألف إلى الياء.. لين أجيب لش ورقتش..
تستعيد الجازي مظهر عمها الذي جاءهم بعد المغرب ليسلم عليهم.. حنانه الأبوي العذب .. وضعفه البادي وشيخوخته التي أنهكته... بدا لها هشا ورقيقا بصورة تمزق الروح..
همست الجازي بحسرة عميقة تمزقها رغما عنها: عشاني يا سعود.. نأجل شوي بس شوي.. عشان عمي هادي.. موب عشان أي حد..
سعود يعود للغضب المكتوم: قلت لش خلاص الموضوع عليّ.. عمي عليّ أنا.. ازهليه.. أعرف أتفاهم معه..
تتنهد الجازي برجاء: والله يا سعود إني ودي أتطلق اليوم قبل بكرة.. بس عط خالد شوي وقت.. إن شاء الله بيطلق من نفسه.. عندي أمل..
*********************************
- " يووووه منور.. من جدش؟ ما تبين تحضرين عرس ولد الدكتورة جواهر؟"
.................................................. ..........
- "وإذا حامل وفي الثامن... الدكتورة جواهر عين السيح مثل ماتسمينها حامل في التاسع وفطوم حامل في السابع... يعني كلكم ورامين.. عشان ماحد يصير أرشق مني"
.................................................. ......
- "لا موب تحاولين.. بتروحين معنا.. أنا وفطوم اتفقنا خلاص"
.................................................. ....
- "معقولة ما تعرفين العروس؟!.. بلى تعرفينها.. بس يمكن ماربطتي"
................................................. ....
- "بلى هي إياها.. ديمة نفسها.. بنت خالة زوج الدكتورة جواهر"
.................................................. ...
- "أوكيه.. قولي لسالم وردي علي.. إذا قال لش شيء...يا ويله.. بسلط عليه أخي محيميد وش خايف عليش منه قد ذا ثالث حمل؟؟"
كانت تتكلم مع صديقتها منيرة.. وهي تنظر لمن دخل.. غترته على كتفه.. كتفاه متهدلان على غير عادته في وقفته الرياضية المعتدة..
جلس على الأريكة وهو يضع غترته جواره بإرهاق..
أنهت المكالمة.. وهي تنظر له.. لكنه لم ينظر نحوها أبدا..
مها قامت متوجهة لغرفة بناتها وهي تهمس له بسكون: بكرة أبي أروح لعرس ولد دكتورتنا مع منيرة وفاطمة.. العرس اللي قد قلت لك عنه قبل فترة.. فاطمة بتمر علي أروح معها..
هتف لها بسكون وهو ينظر ليديه المتشابكتين: اللي تبينه سويه..
تجاوزته وهي تشعر أنه غير طبيعي بالمرة.. فمتعب طاقته عالية على الدوام.. ودائما تشع في المكان.. لكنها تشعر به مستنزفا تماما وخاليا من الطاقة..
"كيفه.. ماعلي منه.. بالطقاق.. المهم إنه فاكني منه.. ومن شره"
******************************
عدة أيام عبرت بأطيافها... فضاءاتها.. يأسها وآمالها..
.
.
.
"يمه.. عمي جابر.. عاده بيبطي بعد؟!"
تنظر لها بحنو بالغ.. وكأنها ترتشف طفولة ملامحها.. وتستشف في تلك الملامح ملامح الراحل الذي لم تشبع روحها من احتضانه بعد..
رحل شابا صغيرا.. وترك في روحها ثقبا هائلا من الفقد والفجيعة.. وترك خلفه هذه الصبية.. التي أصبحت بسنواتها العشر سلوى جدتها ورفيقتها..ومصدر سعادتها وصمودها في الحياة..
باتت الحياة كلها على أطراف ابتسامة صغيرتها.. وسعادتها هي سعادتها..
" أسبوع يا أمش بعد ويجي!!"
تأففت الصغيرة: هو راح ..وخالتي غالية خذت سعودي بعد.. وراحت لأهلها..أنا وش أسوي وأنا معطلة ماعندي شيء أسويه؟!.. حتى عمتي ضي دورت لها.. ما أدري وين راحت..
أم جابر بحنانها الفياض دائما و الذي يتركز معظمه بين يدي هذه الصغيرة: ضي راحت الجامعة.. أنتي وش تبين أنا بسويه لش؟؟
الصغيرة بذات التأفف: عمتي أصلا خلصت الفصل.. وش موديها الجامعة؟! وليه ماعلمتني إنها بتروح؟
ضحكت الجدة، فكل ما تقوله صغيرتها جميل وفاتن: نعنبو.. أنتي أمها وإلا أنا؟؟!!.
تضحك ضحكتها الطفولية المجلجلة: جدة.. انتي أم خاش باش.. ثم أردفت وهي تحتضن جدتها: بس أحسن جدة..
همست جدتها بزعل مصطنع: كم مرة قلت لش.. ما أحب تقولين لي يا جدة.. أنا أمش..
حينها تأخرت الصغيرة بحزن : ليه أنا عندي أم غيرش؟!.. عايشة يتيمة الأب والأم وأمي حية..
أم جابر تحتضن حفيدتها بقوة وتهمس بوجع عميق:
جعل يومي قبل يومش.. أمش لاهية وعندها ظروفها..
يعني أنا ما أنفع أم؟؟ هذا أنا أم متفرغة لش 24 ساعة..
تهمس الصغيرة التي كبرها الهم.. كبرها كثيرا: أنا من غيرش ولا شيء يمه..
أم جابر تمسح دمعة خائنة لا تريد أن تراها الصغيرة: دقي تلفون على جدش جبران.. كنه موجود طلعت أنا وإياش وهو.. رحنا فيلاجيو وإلا حياة بلازا.. اللي تبينه..
الصغيرة قفزت بحماس مصطنع حتى لا تُحزن جدتها: صدق يمه!!
أم جابر بحنان: صدق الصدق.. دقي عليه وعطيني عباتي..
قد تكون أم جابر وشقيقها الأكبر منها جبران عجوزان ما عاد لهما أدنى رغبة في الخروج، فهما لا يرغبان إلا أن يقضيا وقتهما في الصلاة والذكر وأن يركنا للسكون..
ولكن هذه الصغيرة الآسرة.. تعيدهما إلى الصبا.. وهما مستعدان لمعانقة السحاب، والركض في أروقة الملاهي والمجمعات.. إن كان ذلك سيسعدها ويجعلهما يريان ابتسامتها الأثيرة الثمينة..
***************************
" الجليلة تكفين لا تخليني.. لو خليتني بأموت!!"
الجليلة تضع ملابسها في الحقيبة.. لتمد يمدها لمن تجلس جوار الحقيبة على السرير.. وجهها متفجر بالاحمرار.. وتمسح خدها بحنو:
أميرة قلبي أنتي.. يومين بس وأرجع..
أميرة انفجرت حينها في البكاء: لو ماشفتش ساعتين أستخف.. وأنتي تقولين يومين...
الجليلة تنهدت وهي تشعر بالصداع من أميرة.. فهي أخفت خبر السفر حتى اليوم تلافيا لما تعلم أنه سيحدث، وهاهو يحدث الآن..
تنهدت بحنان مصفى: ياحبيبتي بتقعدين تنبسطين مع البندري والهنوف لين أرجع.. حتى لو تبين بثينة كلمت رجالها يخليها عندش بعد..
أميرة مازالت متفجرة بالبكاء بهستيرية: ما أبي حد منهم.. أبيش أنتي وبس..
ثم أردفت ببكاء أشد وهي تقف لتمسك بمعصم الجليلة برجاء: كله من شهاب الزفت عشانه ما يبيني.. خلاص خلوني في الأوتيل وأنتو تزورونه..
أنا بعد ما أبي أشوف وجهه.. أكرهه.. من زين الشوفة.. المجرم... الــــ.................
أسكتتها صفعة حادة ألقت بها على السرير..
صرخت أميرة بهول: تضربيني عشانه؟َ
الجليلة تتفجر من الغضب: وأقص لسانش بعد.. كله ولا شهاب.. كله ولا شهاب.. الدنيا كلها عندي كوم وشهاب كوم ثاني..
أميرة قفزت عن السرير كالملسوعة.. وهي تتعثر في خطواتها هاربة من المكان
بينما الجليلة جلست بجوار حقيبنتها وهي تنظر لكفها التي ضربت أميرة بأسى..
(سامحيني ياقلبي.. عمري مامديت يدي عليش
بس وصلتيني آخري.. معقولة تقولين كذا على شهاب؟!
شهاب هو اللي سماش أميرة..
من يوم شافش مولودة بين ايدين أمي
قال هذي مايكون لها اسم غير أميرة..
كان غلاش عنده غير..غـــيــــر..
كان يقول لإبي:
ترا مالي شغل .. ترا أميرة لازم تدعيني بابا
وأنت كيفك.. خلها تدعيك طالب
يا الله.. أول اسم نطقتيه كان اسمه.. قلتي آب...
يقولش لا.. قولي بابا.. تقولين آب..
يضحك ويقول زين قولي بابا آب..
وعقبه تقولين ما أبي أشوفه..
ليه يا أميرة.. ليه؟؟؟ "
******************************
تنظر لهاتفها للمرة الألف ربما.. تعتصره بين كفيها..
(أضناني الاشتياق لك.. لنبرات صوتك التي تبعث الحياة في قحط أوصالي..
يبدو أنني يجب ألا ألوم صديقاتك.. من التي تستطيع مقاومة سحر همساتك؟؟
من تسمع صوتك ولا تقع في غرامه؟؟
ودفء نبراته كفيل بتفكيك مفاصل عظامي
أف أيها النذل الحقير المتباعد.. هأنا يقتلني الشوق لك!
وأنا أعلم أنك هناك لاه في منح همساتك لسواي
أيها الحقير..
أكرهك.. أكرهك..)
" يا أم سعود التلفون بينكسر في يدش!!
ترا التلفون مسكين ماله ذنب"
انتفضت غالية بخفة وهي تنظر لمزنة التي كانت تطعم سعود الصغير وعلى شفتيها ابتسامة متلاعبة..
مزنة اتسعت ابتسامتها أكثر : أحمد ربي أنه ماعطاني من عاطفيتكم الزايدة ياعيال هادي..
الله لا يبلانا بحالكم.. أنتي ودانة وخالد كلكم خبلان.. ماتعرفون التوسط في مشاعركم ولا تعرفون كيف تسوون عليها كنترول.. مفضوحين..
همست غالية كأنها تحادث نفسها: مشتاقة له الزفت.. أسبوع حتى صوته ما سمعته.. عمرها ماصارت حتى واحنا زعلانين مع بعض..
حتى لو راح دورة لازم يكلمني على الأقل مرتين في اليوم..
وش ذا القسوة عندك يا أبو سعود..؟!
همست مزنة ببساطة بنبرتها المعتادة المنطقية الهادئة الرزينة دائما وأبدا: كلميه.. هذا تلفونش بينكسر في يدش.. وخلش من شغل الكرامة ولعب البزارين الفاضي..
غالية بغضب: وليه هو ما يكلمني؟؟ وإلا ما يتنازل..
مزنة بذات الابتسامة الرائقة: خلش أحسن منه.. مهما كان هذا أبو سعود..
وإلا سعود ما يستاهل تراضين إبيه عشان خاطره.. (قالتها وهي تدير وجه سعود الصغير وتغمره بقبلاتها)
غالية وقفت وهي تهتف بحزم: بأروح أكلمه.. بس يا ويلش يامزّون يهب فيني وإلا يفشلني..
ضحكت مزنة: لا تحطينها في راسي.. تبين تكلمينه وإلا بلاها..
أنتي أصلا مثل اللي يبي حد يدزه شوي وأغصبني وأتغيصب..
ثم أردفت بنبرة مقصودة باسمة: وحتى لو هب فيش أو فشلش على الأقل سمعتي صوته بدل ما وجهش يقطع الخميرة من البيت..
**********************************
في مجلسه الضخم يجتمعون ثلاثتهم..
هــــو بحضوره الكاسح في ثقته دائما وأبدا
ووالده المختلف الشديد الاختلاف المسترخي في جلسته ينظر لابنه وشقيقه..
وثالثهم بشبابه المتوقد ..
فُرات يبدو غاضبا ويحاول كتمان غضبه: يبه أنت ماتقول لأخيك الخبل.. كن مالحد شور عليه..
حامد بصرامة: فُرات لو سمحت لا تدخل حمد بيننا.. حمد اللي هو أخي الكبير ما يفرض علي قرارات مثل منت تسوي..
ترا أنا اللي عمك فلا تقلب الأدوار..
فُرات بصرامة أكبر : طوّل لسانك بعد علي يا اللي ما تستحي... يا أخي احشم أني أكبر منك ب12 سنة على الأقل..
حينها كان صوته العميق من قاطع جدلهم الدائر بحدة منذ أكثر من نصف ساعة وهو يهتف بصرامة خاصة فيه.. هادئة نبرتها مرتوية:
والله اللي أشوفه إنه أنا اللي ماحد بحاشمني.. ماكني بقاعد بينكم وأنتو كنكم ديكة...
الاثنان مالا ليقبلا رأسه ، وفُرات يهتف باحترام: محشوم يبه..
بينما حامد يهتف بأنفاس متطايرة: يعني عاجبك نشبة ولدك في حلقي إلا يزوجني.. كنه عجوز وأنا ولدها وحيدها..
قفز فُرات بغضب كاسح وهو يمد يده أمام وجه حامد: شكلي ماعرفت أربيك.. وتبي لك تربية من جديد..
حامد ينزل يد فُرات بحدة: فُرات ما أسمح لك ترفع يدك في وجهي .. وترا حمد هو اللي رباني.. لا تمنن علي.. ترا مالك منّة عليّ يا ولد أخي..
حمد وقف بحدة وهو يشد الاثنين ويجلسهما.. بينما بقي هو واقفا وهتف بحزم: أص أنت وإياه.. الحين أنا اللي بأحكي .. وماحد منكم يفتح ثمه لين أسأله..
الحين أنت يا حامد ليش ما تبي تعرس؟؟
حامد يشد له نفسا عميقا : حمد أنت عارف زين السبب وقد علمتك إياه كم مرة..
أنا الحين عمري 27.. وترا عمري كلاعب كورة مهوب طويل..
يعني على الثلاثين مقرر أعتزل.. عشان أبي أعتزل وأنا في عز شهرتي ومهارتي إن شاء الله..
خلوني أتفرغ للكورة الحين.. ولا اعتزلت تزوجت.. أصلا وضعي الحين مهوب مستقر.. معسكرات تدريب.. ومباريات.. وتدريبات.. ليه أظلم بنت الناس معي؟!
حينها انفجر فُرات بغضب : لا افضحنا في الناس أحسن..
هتف أبوفرات بغضب أكبر: أنا ماقلت لك تلايط.. أنا سألتك عشان تنط تحكي؟!.. وأنت اليوم منت بخالي.. عمري ماشفتك معصب مثل اليوم..
وتهدد حامد بالعرس بذا الطريقة..
فُرات بنبرة قهر وغضب: خل إخيك حبيبك يعلمك..
هتف حامد ببرود وثقة: فُرات لا تحاول تحسسني بذنب ماراح أحس فيه..
أنا ماغلطت عشان أخاف.. وخايف ربي قبل الناس..
ومالي ذنب في بنات الناس إذا أهلهم ماعرفوا يربونهم..
أبو فُرات حين سمع (بنات الناس) تكهرب جسده بعنف.. وهو يتخلى عن سمت هدوئه المعتاد وينتزع حامد من عضده ليوقفه بحدة ويهتف بغضب كاسح:
السالفة فيها بنات ناس يا حويمد الزفت!!!
أبو فُرات حين سمع (بنات الناس) تكهرب جسده بعنف.. وهو يتخلى عن سمت هدوئه المعتاد وينتزع حامد من عضده ليوقفه بحدة ويهتف بغضب كاسح:
السالفة فيها بنات ناس يا حويمد الزفت!!!
حامد خلص عضده برفق وهو يقبل رأس شقيقه ويهتف باحترام ومودة: لا تعصب جعلني فداك.. العصبية مهيب زينة لك
ولا يروح بالك بعيد.. ولدك الشيخ فُرات لو ماولعها حريقة ما يستانس..
السالفة كلها إنه فيه بنية كانت مأذيتني اتصالات .. وأنا غسلت شراعها..
البنية راحت كلت لها كم حبة بندول تبي تتدلع على أهلها
وأهلها لقوها مغمى عليها ودوها للمستشفى.. وأختها قالت لهم أنها هددت تنتحر لأن حامد آل سطام يصدها..
أم البنت كلمتني معصبة عليّ وتسبني أني كنت بأذبح بنتها وإني كان مفروض تواصلت معهم أبلغهم..
وإبيها كلمني يشكرني إني ما استغليت تعلق البنت فيني..
بس طبعا لأن الدوحة صغيرة والسالفة طلعت من المستشفى وتنطورت الأخبار هنا وهنا.. فتو ولدك أبو الفضايح درا بها..
وإلا السالفة صار لها شهر ونص.. شهرين..
فُرات بغضب مكتوم: وعاد لك وجه تحكي وأنت ما حتى علمتني؟!!
هتف حامد بشهامة حقيقية : لا.. اشرايك أفضح بنت الناس عندك؟!.. والله يافُرات لو بأعلمك بكل سالفة بتألف كتاب..
فُرات تنهد بحزم حان: حامد ليه شاب كذا ؟! تراني مستوجع منك..
متى ماكنت أشيل حمولك؟!.. ومتى كنت أدور للفضايح؟
ومتى ما غلاك بغلا عيالي وأكثر؟!.. أنت ولدي الكبير..
والله أني أبي مصلحتك.. الزواج استقرار وستر وتحصين..
ابتسم حامد بمودة وهو يميل ليقبل كتف فُرات: قل ذا الكلام لنفسك أول..
وإلا باب النجار مخلع... تعطي نصايح قبل تنصح روحك..
وتكفى فُرات.. تدري زين إني ذراعي ما تلوى.. إذا بغيت العرس علمتك..
ولا تخاف.. ماحد بخاطب لي غيرك أنت وحمد.. وأنتو الي تخيرون النسب اللي يرضيكم..
صمت فَرات على مضض.. بداخله قلق كبير يتزايد على حامد..
شاب ووسيم ومشهور!!!!
صفات كلها كالضوء الجاذب للفراشات!!
***************************
مُــــجــــتــــمــــعـــ ـات..
مساء أنثوي بامتياز..
يتفرقن في الجلسة بين قابعات على المقاعد وجالسات على الأرائك التي سحبوها للأرض..
جمعتهن هموم يتكلمن في كل شيء عداها.. ويدعين انشغالهن بهموم أقلهن هما..
تلك الغائبة المدللة المعتكفة في غرفتها منذ سفر الجليلة.. اعتراضا على سفر الجليلة..
" بثون.. اطلعي لاختش الدلوعة خليها تنزل.. تعبنا نتناها.."
بثينة بتأفف: تعبتني يا الجازي والله.. حتى الأكل بالزور.. نعنبو لو تعرس جليلة وش تسوي؟؟.. كان ما تستخف علينا!!
ملكة الهموم هذه الليلة كانت أكثرهن مرحا.. وكأن قلبها كلما ازداد هما ازدادت ابتسامتها اتساعا في علاقة طردية موجعة:
يا بنت الحلال الجليلة مهيب معرسة.. قاعدة على قلب مساعد ومرته المستقبلية... خلي الدلوعة ترقد وتامن..
بثينة بغضب مصطنع وابتسامة شاسعة: وليه إن شاء الله شيخة مهاوي.. وش ناقص أختي عشان ماتعرس.. ناقصها يد وإلا رجل؟!!
ضحكت مها: يا أختي بثون هانم أختش مافيها نقص، النقص يخاف يمر جنبها من بعيد..
فيها زود من كل شيء.. زود جمال وزود عقل وزود أخلاق وزود ثقافة وزود سنع وزود ذكاء..
الرجال مايستحمل المرة اللي كذا.. تجلطه من أول ليلة..
الهنوف بمرح: لا لا ... مها اليوم مبدعة وش هالتحف اللي تقولينها؟!!
مها ترقص حاجبيها: يجي مني أحيان ترا.. بس ماتعطوني مجال حسبي على إبليسكم..
تنهدت الهنوف: تصدقون والله مني متشفقة على أنه الجليلة تتزوج فوق ما تتخيلون...
حرام والله السنين بتفوت وعقب ماحد بيندم غيرها..
مها بمرح: دام كاسرة خاطرش كذا تشاركي أنتي وإياها في تركي، عادي حب لأخيك ماتحب لنفسك.. وتركي ترا أكبر منها بكم شهر..
حينها همست الهنوف بمرح مشابه: وليه ما تشاركين أنتي وإياها في متعب تراه أكبر منها بسنتين؟!..
رغما عنها انطفئت ابتسامتها وهي تتذكر الوضع المتوتر بينها وبين متعب منذ عدة أيام، وهي تتمنى لو يتزوج متعب فعلا..
فهي لا تحب حياة الشد والتحفز هذه..
(ليته يتزوج ويريحني صدق!!)
(بس مهوب الجليلة.. الجليلة لا لا.. الجليلة لا..!!)
ضحكت الجازي: أمنتكم الله شوفو وجه أختي.. تقولون صدقت السالفة..
الهنوف تشاركها مرحها: وش رأيكم نعرض الفكرة على جليلة إذا رجعت من السفر؟!!
صراحة لايقين على بعض متعب والجليلة..
بثينة بدفاع مرح: يووووه وشفيكم على حماتي يا المعصقلات، كليتوها بقشورها جعل عين ولد عمي ما تشوف غيرها..
مهوب كفاية كل وحدة خللت وهي متزوجة مع وقف التنفيذ..
الجازي بمرح: نعنبو قاعدين فوق رأسش؟!!.. تحديني أخلي بيتنا وأجي أسكن عند إخي محمد حبيبي عشان أطلع عينش..
ابتسمت الهنوف مرح مشابه: وأنا بعد أجي أسكن عند بنت عمي حبيبتي..
وخصوصا عقب رجعة حضرة الدكتور المبجل صرت أستحي من قعدة البيت..
بثينة تضحك: الخلا أنتي وإياها.. لأشوف ظل وحدة منكم عند بيتي كسرت كراعها..
استمرت الأحاديث بينهن لوقت طويل.. لينظرن حولهن بدهشة..
وتجد مها أن بناتها قد نمن على الكنبات فتهتف بصدمة: يووووه تأخرت واجد.. أشلون نروح مع السواق ذا الحزة؟
وأنا واعدة أمي أرجع الجازي بعد..
بثينة بمودة عذبة: محمد هنا في المجلس.. دقايق أكلمه وهو بيوصلكم.. أصلا ماراح يرضى تروحون ذا الحزة مع سواق..
مها والجازي غادرتا فعلا مع شقيقهما.. بينما الهنوف تنظر لساعتها بتوتر: أبي أروح للبيت بس خايفة.. الحوش مظلم.. والوقت متأخر
أخاف ينط في وجهي قطو.. والله لاستخف..
بثينة بابتسامة: خلي محمد يجي ويوقف لي وأنا بأوصلش..
الهنوف بخجل ورفض: لا والله ما تفضحيني في رجالش..
ابتسمت بثينة: أجل امسي عندنا.. محمد يمسي في المجلس الخارجي.. أنا وأميرة بس اللي في البيت..
تنهدت الهنوف موافقة: خلاص دقيقة خلني أتصل.. أبلغ البندري عشان يصير عندهم خبر..
أكيد عمي الحين راقد...
الهنوف اتصلت بالبندري.. الهاتف لم يكمل رنته حتى ردت البندري باستعجال وهي تهمس بخفوت : وينش يا الدبة؟ رجالش حشرنا
صدعني يوم جاء قبل شوي ولقاني في الصالة وقلت له إني مستوحشة أقعد فوق بروحي لانش عادش في بيت عمي..
ولع حريقة (اشلون تطول لذا الحزة؟ وطالعة بإذن من؟).. كنت توني بأدق عليش اتصلتي..
الهنوف تنهدت (ياشين الملاغة وادعاء الاهتمام) همست بحزم: خلاص قولي له يهجد شياطينه.. أنا بامسي في بيت عمي طالب مع البنات..
فاجأها صوت مختلف تماما مشبع بالبرود: لا شياطيني ما يبون يهجدون الليلة.. وممسى عندش مافيه..
ما تستحين على وجهش تبين تمسين في بيت فيه رجال غريب؟!!
الهنوف تكتم غيظها: محمد يمسي في المجلس
وأنت عارف ذا الشيء..
تركي ابتعد بالهاتف الذي انتزعه من البندري قليلا حتى لا تسمع مايقول.. وهو يهمس بذات البرود:
يا ســـلام... وتقولين اسمه كذا (محمد) كنه واحد من الربع؟!!!
دقيقتين وألقاش منزرعة قدامي.. وإلا والله لأجي واسحبش..
الهنوف بغضب مكتوم حتى لا تسمعها بثينة: عيب عليك.. وش ذا الأسلوب؟؟
تركي تبدد بروده وهو يهتف بغضب: أنتي خليتي فيها أسلوب!! الساعة صارت وحدة وانتي ما رجعتي البيت.. وتبيني أحاكيش بإسلوب بعد؟!!
الهنوف تنهدت.. تعلم أن هذا الحوار عقيم.. وأنها إن لم تعد سيأتي بنفسه.. همست ببرود: خلاص خل البندري تنتنظرني عند الباب الفاصل..
حينها همس بنبرة سخرية: خايفة؟!!
أجابته ببرود: إيه خايفة.. ولا الخوف مهوب مسموح لي مثل أشياء كثيرة انحرمت منها؟!!..
رد عليها بنفاذ صبر: لاحول ولا قوة الا بالله.. وش ذا اللسان اللي عندش؟!.. خلصي أنا اللي بانتظرش عند الباب الفاصل..
الهنوف بصدمة خجولة: البندري تنتظرني أو ماراح أجي..
تركي بتأفف: أنا والبندري نتناش خلصينا بس..
**************************
" تو الناس يا مدام"
زفرت بتأفف .. ضيق.. اخـــتـــنــــاق
وهي ترى متعب يجلس في صالة البيت السفلية مقابلا لباب البيت الداخلي.. حاجباه معقودان... ويطفو في الجو رائحة احتراق..
يجلس في جلابية البيت التي تكشف عن أعلى عضديه المثقلين بتناسق العضلات..
كم باتت تكره تكوينه الجسدي المثالي المشدود الذي يذكرها بترهل جسدها بصورة تبعث على السخرية المرة..
" أصلا هو واحد أهم شيء عنده الشكل.. والعقل مافيه!!"
دخلت ومعها خادمتيها..كانت هي وكل واحدة منهما تحمل واحدة من الصغيرات النائمات.. ألقت سلاما باردا.. وصعدت لتضع الصغيرات في أسرتهن..
غادرتا الخادمتان وهي مشغولة بتحصين الصغيرات.. حين انتهت والتفتت وجدته يقف مستندا على حاجز الباب الواصل بين صالة غرفتهما وغرفة البنات وعلى أهداب نظرته المرهقة تتوقف الكلمات التي لم يقلها..
لم تقل شيئا وهي تتجاوزه لتغادر.. أمسك عضدها بسكون ورفق وكأنه حذر من لمسها.. وهو يهتف بذات السكون:
صار لي كم يوم مخليش ترتاحين وتفكرين..
الحين أظني بيننا كلام...
خلصت نفسها من عضده وهي تهمس ببرود لم يعتاده منها: مابيننا كلام..
هتف بألم لا يخلو من الحزم: كيف ما بيننا كلام واحنا بيننا حياة كاملة احنا شريكين فيها؟؟
همست بذات البرود وهي تشد على نطق كل حرف بطريقة مقصودة:
قلت لك بكل صراحة.. إني ماني بطايقتك.. وأبيك تعرس وتريحني من القيام بواجب ثقيل على قلبي..
يسمعها للمرة الثانية ومع ذلك ألمه أشد من المرة الأولى بملايين المرات.. نسفت روحه نسفا.. في المرة الأولى لم تكن تنظر في عينيه كالآن..
في المرة الأولى حاول أن يبحث لها عن عذر لم يجده.. ولكن الآن حتى محاولة البحث عن عذر ليست أكثر من سراب يقتله البحث عنه ليجده اختفى..
أجابها ببرود يتمزق خلف متاريسه.. يتمزق بكل معنى الكلمة: وتوش تكتشفين إنش منتي بطايقتني عقب 3 بنات..؟؟
همست ببرودها الذي يقتله مرة بعد مرة: تقدر تقول كذا؟؟
تسيره الصدمة لا التفكير.. يشعر بدوار حقيقي وهو يجلس على المقعد بعد أن خشي أن تخونه قدماه: من جدش مها؟.. وإلا هذا مقلب ثقيل؟.. كلامش ما يدخل العقل..
مها هزت كتفيها وهي تتجاوزه لتجلس على الأريكة مقابلا له .. وتهمس ببرود قاس:
وش اللي فيه مايدخل العقل عشان أعيده؟!
يا أخي ما أحبك وما أبيك.. وما أبي قربك .. وأدري أنك رجال مهما كان محتاج لك مرة.. لكن أنا خلاص ما أقدر أقوم بذا المهمة.. ارحمني منها خلاص
وش تبيني أقول زيادة؟؟
مع أنه جلس لكن الدوار يزداد.. كما لو كان يقف على أرض تميد به.. مازال عاجزا عن الاستيعاب.. قبل أيام قليلة كان كل شيء في حياته يسير بوتيرته المعتادة.. ما الذي فجّر الأوضاع؟
همس لها بنبرة يائسة حزينة أقرب ماتكون للرجاء: مها يا عمري أنتي..زين وش اللي مضايقش مني؟؟.. والله بغيره.. جربيني..
مها تدرين زين وش كثر أحبش.. أنا ما أتخيل حياة من دونش..
مها تتنهد بألم بدد برودها: صار لنا سنة نحاول.. وتوعدني تتغير وما توجعني بالحكي،
لكن نرجع كل مرة لنفس الشيء، خلاص أنا ماعاد أقدر أتحمل.. والله ماعاد أقدر..
متعب وقف وتوجه للأريكة وجلس جوارها وهو يشد يدها ويمسك بها بين يديه الاثنتين:
مها حبيبتي والله ما أقصد أوجعش ، بس والله من زود محبة وغلا.. أبي لش الأحسن..
يمكن أسلوبي خطأ.. مستعد أغيره بعد.. بس إنش تطرديني خارج حياتش وتبيني أتزوج.. هذا موب حل..
أنا أحبش يامها.. أحبش صدق..
مها بحزن وهي تشد يدها من بين يديه: ومحبتك آجعتني أكثر من كراهيتك، خلاص فكني الله يرحم شيبانك..
حينها هتف متعب بغضب مرهق تماما: وعادي عندش أحط فوق رأسش ضرة؟ صاحية أنتي؟؟
مها تنظر له بشكل مباشر لتتخلى عن نبرة الحزن وتهمس ببرود مرعب: وأكثر من عادي بعد..
مصدوم تماما منها.. كما لو كان يتحاور مع مخلوقة لا يعرفها : زين أنا ما أهمش..وكلت أمري لله..
بس ما همش بناتش تجيبين لهم مرت أب؟!.. ما اهتميتي في مشاعرهم؟!! ليش تربكين حياتهم بحساباتش الأنانية..
هم ذا الحين صغار بس بكرة يكبرون.. ومستحيل يكون وجود مرت أب مصدر سعادة لهم..
أجابته بذات البرود: ماعليهم شر.. أنا في بيتي وهي في بيتها..وش بيجيهم منها؟
يكاد يجن منها ومن كل ما تقوله ويبدو له جنونا حقيقيا: وأنتي شنو جنسش؟؟ عادي يوم عندش ويوم عندها.. بدل ما يكون رجالش وأبو بناتش لش بروحش..
هذه المرة تأكدت أن تنحر مابقي من آماله.. تنحرها من الوريد إلى الوريد:
ومن اللي قال لك أبي ليلة لي وليلة لها؟!!..
أنا متنازلة عن ليلتي لها..
أنــــت كــــلــــك لــــــها..
أصلا لولا بناتي وإلا كان طلبت الطلاق.. بس بناتي ربطوا يدي..
أبيك تدخل البيت وتطلع حلال.. وما أبي أحرم بناتي من وجود إبيهم في كل تفاصيل حياتهم..
حـــيــــنـــها..
وقـــــف.. ودون أن ينظر لها.. هتف بنبرة ميتة: ولا عليش أمر.. انقلي أغراضي بكرة لغرفة الضيوف اللي تحت..
قال عبارته.. وغادر المكان كاملا نازلا للأسفل..
كانت مها مستغربة تماما منه .. ومن ردة فعله..
للمرة الثانية يفاجئها..
توقعت منه أي ردة فعل إلا الصمت للمرة الثانية.. مع أنها حاولت فعليا استفزازه.. حتى تقضي على نقطة لعينة ضئيلة من الإحساس بالذنب كانت في داخلها..
كانت تريد استخراج عباراته القاسية الممتهنة التي جعلتها تقرر هذا القرار.. حتى لا تندم أبدا على قرار كان يجب اتخاذه منذ زمن طويل..
ولكنه صمت.. وترك تلك النقطة اللعينة في داخلها..
وحتى تقضي عليها.. بدأت ذاكرتها تستعيد الكثير من الذكريات المرة..
وإن كان تكرم وسكت هذه المرة ...فحياتي معه في السنوات الأخيرة كانت سلسلة من الضربات القاضية، ضربة تلو ضربة وهو يحولني من أنثى متدفقة بالجمال والحياة، إلى شبح أنثى..
أسندت ظهرها إلى الخلف.. وهي تطوي قدميها تحتها.. وذاكرتها تستعيد بمرارة عشرات الحكايات والضربات الموجعة..
.
.
حفل تخرج الجازي قبل عام.. والذي أصرت الدانة أن تقيمه حفلا كبيرا تتحمل هي كامل تكاليفه..
محبة للجازي.. وإحساس بالذنب من خنق شقيقها لفرحة هذه الصغيرة
وهي تتمنى أن تستجلب بعض السعادة لروحها الغارقة في الضيم..
وما لا يعلمه أحد أن خالد أصر أن يدفع هو كامل تكاليف الحفل وزيادة ..بعد شجار عنيف مع دانة التي كانت رافضة تماما..
لينتهي الأمر بقذفه للظرف في حجرها وخروجه وهو يهدد إن حاولت أن ترجعه أن يكون آخر ما بينهما..
(أظني إنها مرتي..
لا صرت في حاجة فلوسش يا بنت أبي.. جعل ربي ياخذ عمري قدامها)
لتنتفض الدانة بعنف وهي تقفز خلفه وتقبل رأسه وتشده لحضنها، وهي مازالت ترتعش: طالبتك ما تقول كذا.. تبي تذبحني ناقصة عمر..
تدري بي ما أداني ذا الكلام..
حينها ابتسم ابتسامته العابقة بسحره الخاص.. الابتسامة التي ما فتئت تفتنها من صغره:
زين دام طاح الحطب.. امشي معي لغرفتي.. بأعطيش هدية تخرج الجازي عطيها إياها عقب حفلتها بكرة..
توترت الدانة.. ولكنها لم تبين له شيئا.. لم ترد أن تخدش سعادته التي بدت متألقة في بريق عينيه الغاليتين..
وما لم يعلمه خالد أن الهدية مازالت تقبع في غلافها الفاخر داخل دولاب مهجور من خزائن دانة بعد أن رفضت الجازي مجرد مد يدها للكيس..
وهي تزفر حريقا مؤلما: يعني دانة تبين تخربين ليلتي على أخرها؟!!.. والله كنت مبسوطة ومستانسة..
الدانة بألم: لذا الدرجة الجازي.. حتى هديته بتنكد عليش؟؟
مازالت الجازي تزفر حرائقها اليائسة: رجعيها له.. ما أبي منه إلا شيء واحد.. أنتي عارفته.. أبيه يطلقني.. هذي بتكون هدية عمري كله..
تراجعت دانة بألم وانكسار.. لملمت أذيال الحرقة وهي تضم قلبها على حرقة شقيقها الذي أتلفت اللهفة خلاياه..
لم تعلم حتى ماهي الهدية .. كل ما تعلمه هو ماجاء في البطاقة التي تدفق فيها خطه الأنيق:
ألف مبروك ياقلبي..
كنت أتمنى أن أقولها بنفسي وأنا ألبسكِ هديتي بيدي..
كل مافيني أذابه الحنين..أذابه الحنين!
أ لم تكتفِ من القسوة بعد؟!
قرأت نزف شقيقها عدة مرات وهي تنزف حزنها معه
قبل أن تعيد البطاقة لداخل الكيس لتقبع في برودة متطاولة بعيدة عن عيني صاحبتها..
برودة استمرت لعام كامل.. ولا تعلم كم سيكتب عليها أن تبقى حبيسة برودة الأدراج المغلقة!!
ولكن نزف الدانة أبي إلا أن يستمر وكأن حزن شقيقها لابد أن يحاصرها..
كانت تخلع ساعتها ومجوهراتها حين وصلتها الرسالة القصيرة المشحوذة كرهافة مشاعره المعقدة:
"قولي إنها عجبتها.. أرجوش.."
رغما عنها بكت.. كثير كل هذا على قلبه.. أربع سنوات وقلبه ينزف.. تخشى أن تجف عروقه من دمها..
أرادت أن تريحه برد قد يكون منطقيا:
أظني عجبتها.. بس ما بينت..
دقيقتان عبرتا.. ليفاجئها برسالة أنهت ما بقي من تجلدها:
قولي لها.. هذي هي تخرجت
أربع سنين ماكفتها تنسى وتسامح
القلب ماعاد فيه صبر ياقلب أخيش..
والله ماعاد فيه صبر..
حينها سال كل الكبت.. خالد بالذات لا تحتمل حزنه..
وكان دخول سعود لحظتها هو أخر خطوط التماسك..
انهارت وهي تتمسك بساقيه ليرفعها بجزعه الرجولي المتدفق دافنا جذعها في حناياه بكل قوة..
حــــزن
حــــزن
حــــزن
تلك الليلة أشبعت الجميع بالحزن وخصوصا من استدعت ذاكرتها تلك الليلة..
كانت تعود من الحفلة..
وهي تخلع عباءتها ، صدمتها نبرته القاتلة المستنكرة:
من جدش لابسة كذا قدام العالم؟!!
التفتت مها نحوه باستغراب: ليه وش فيها؟!!
بذات الاستنكار وهو يقف ليدور حولها: ما تعرفين تلبسين لبس يخبي زوايدش شوي..؟؟
لابسة ضيق تحسبين روحش غصن البان..؟!!
طلي في المراية شوفي أشلون شكلش يفشل ... شحومش نافصة من كل زاوية..
لم ترد عليه.. هي أيضا كانت سعيدة الليلة.. الجميع أطرى على قصة شعرها الجديدة التي ناسبت دائرية وجهها..
كانت تظنه سينتبه للقصة.. لكن ذهنه كان مع شيء آخر..
وليلتها السعيدة انتهت بحزن أشد وحشية مما انتهت به سعادة أختها..
لم ترد.. لأنها تعلم أنها إن سمحت لانطباقة شفتيها بالانفراج.. سيكون هذا الانفراج صرخات بكاء يستحيل أن تُخرجها حتى لا تشمته فيها..
زمت شفتيها بقسوة.. وهي تتوجه لدولابها وتفتحه..و تشد بيجامتها بعنف كاد يمزقها..
لتتفاجئ بمن يسد طريق الحمام عليها.. وهو يدخل كفيه بين خصلات شعرها ويهمس بنبرة رجولية ثقيلة: القصة والصبغة تجنن عليش يا روحي..
حينها انفجرت.. انفجرت: أنت وش جنسك؟؟.. تبي تجرح وتداوي في نفس الدقيقة..
حرام عليك.. حرام عليك..
تعرف أن موضوع جسمي يضايقني.. ومع كذا لازم كل ليلة تطربني فيه..
أرجوك متعب، احشم إني أم بناتك..
أنا ماني بمستحملة لا تصريح ولا تلميح للموضوع..
ولا تقرب مني ولا تكلمني..باروح لغرفة لبناتي..
ولا تلحقني.. لو لحقتني باقط روحي من الدريشة عشان أريحك..
ينظر لظهرها المرتعش بصدمة: يمه اشفيها ذي؟؟ شبت من أقل كلمة
يعني لو كنت أبي مصلحتها وما أبي حد يتمسخر عليها تركبني الغلط؟!!..
.
.
.
ذات الحكاية تتكرر وتكررت سابقا بظروف وأشكال وحوارات مختلفة
ووجعها هو ذاته الذي لا يتغير.
تعبت وهي تحاول أن تبين له ضيقها من الموضوع، لكنه لا يتراجع أبدا..
يعتقد أنه سيؤلمني.. ماعاد هناك امتداد أكثر للوجع..
لا يهمني شكلي.. لست سطحية ليكون هذا محور اهتمامي
ولكن ما أهمني ويهمني حتى تعبت هو نظرتك الجارحة لي..
كلماتك المسمومة..
تعبت.. وآن لي أن أرتاح.. تزوج أخرى تلقي عليها سموم كلماتك وقربك المريض..
ماعدت أريد منك أي شيء..
يكفيني زهراتي الصغيرات عن الدنيا بأسرها!!
**************************
طرقاته ترتفع على باب صالة البيت ومعه ندائه الجهوري " ياهل البيت.. ياهل البيت"
تفتح بثينة له الباب وهي تهمس برقة: تعال حبيبي مافيه حد..
ينزل محمد الأكياس من يده وهو يشير بعينيه مع ابتسامته الدائمة: الدلوعة عادها معتكفة؟؟
ابتسمت بثينة: عادها.. الله يعيني عليها لين ترجع الجليلة..
تخيل بنات عمي وخواتك جايين يبون يوسعون خاطرها.. مارضت حتى تنزل لهم..
ابتسم محمد: عاد أختش هذي غير نمونة.. مهوب لازم فطمتوها من زمان.. كنكم طولتم شوي؟!!
بثينة تضحك: حرام عليك محمد.. لا الكبيرة عاتقها ولا الصغيرة..
محمد بذات الابتسامة الدافئة التي تذيب حشاها: أصلا أنتي ياحبيبتي الوحيدة الطبيعية في عايلة غريبي الأطوار ذولا..
الجليلة القائد العسكري المرعب.. ومساعد حضرة العقيد اللي تقول عمره خمسين سنة..
أما أميرة البيبي اللي عمرها سنتين وتبي الجليلة تعطيها مرضاعتها..
بثينة ابتسمت بدفء تعلم أنه يحترم عائلتها كثيرا بل يعز كل أفرادها..
ولكنها عادته في التعليق.. حتى أشقائه لكل واحد منهم لقب.. هو حتى على نفسه يكثر التعليقات..
محمد بذات الابتسامة: زين أنتي قفلي الببيان زين.. أنا بأمسي في المجلس وتلفوني عندي إذا بغيتو شي دقي علي..
بثينة باهتمام: حبيبي نام هنا في مجلس النسوان..
محمد برفض قاطع: لا حبيبتي مايصير... ما أقدر أنام داخل البيت..
**********************************
قبل ذلك بساعات..
تنهدت للمرة الألف ربما وهي تضغط زر الاتصال ثم تعاود كف يدها..
تقتنصها المرارة والشوق وإحساس الخذلان والغيرة
(بأتصل..
بس والله لا ألقاه مشغول أو معك خط..
مايكفيني شرب دمك ياجابر)
نقرت زر الاتصال بارتعاش لا تعرف له سببا.. تخشى من كل ما سيلي المكالمة .. بل تخشى تفاصيل المكالمة.. بل وحتى تخشى رنات الهاتف التي طالت طالت كثيرا..
قبل أن يأتيها صوته الناعس الفاخر العاتب: هلا بأم سعود.. حياها الله .. زين عادها متذكرة أبو سعود..
شعرت بتدافع الدم إلى قلبها.. ونبضاته تتدافع بإرهاق عال وضغط الدم يرهق أنفاسها الخارجة بصعوبة من رئتيها:
صحيتك من النوم؟؟ مهوب عوايدك تنام عقب صلاة العشاء على طول..
نحرتها أجابته العفوية: إذا كثرت همومك ياعبدي انسدح... وش تبيني أسوي يعني؟!.
صمتت لم تستطع أن تقول شيئا وعبرة مرة تقف في منتصف حنجرتها..
كان من أكمل وهو يقول بحزم حنون: أشلونش؟ وأشلون سعودي فديت قلبه؟.. مشتاق له شوق ذا الجني.. في كل مكان تتخايل لي عويناته..
حينها همست باختناق عذب: بس سعود اللي مشتاق له؟!!
ابتسم: لا تسألين عن شيء أنتي عارفته ومتأكدة منه
همست بذات الاختناق: لا ماني بعارفة ولا متاكدة من شيء.. كل شيء في حياتنا تشوش من يوم............
صمتت وهي تختنق..
استحثها بحزم: كملي.. من يوم بديتي تشكين فيني بالردى اللي مهوب صوبي ولا أنا صوبه..
همست بألم: وهو صدق شك بس يا جابر..؟؟
جابر بغضب: دام اللي في رأسش في رأسش.. ليه متصلة علي.. عشان تغثيني؟؟
أجابته بعفوية مثقلة بالعذوبة: لأني اشتقت لك.. وماعاد فيني صبر.. ولو ماسمعت صوتك كنت استخفيت..
تنهد بيأس وعبارتها العفوية تملأ روحه بقيح الألم: ياغالية ياحبيبتي.. ليه ما تبين تعلميني من هي قليلة الأصل اللي تبي تخرب حياتنا..
أنا مستعد أواجهها أو أكلمها قدامش.. حرام عليش غالية هذي ماعاد هي ب حياة.. أنا قربت انفجر.. صدقيني صبري وصل أخره..
همست بذات الاختناق المر: ما أقدر يا جابر.. والله ما أقدر..
حينها هتف لها بقسوة: خلاص دام ذا الحيوانة أهم عليش من حياتش وأبو ولدش.. خلاص اقلبي وجهش..
ولا عاد تكلميني..
كلها أسبوع واحد وأرجع لسجنش وقتها اخنقيني مثل ماتبين..
*******************************
بعد أسبوع.. وكم من العودات كانت تنتظر نهاية هذا الأسبوع..
.
.
.
"أميرة يا حبيبتي الحين أنتي ليه تبكين كذا؟!"
أميرة تنتحب: أسبوع يا جليلة أسبوع.. قلتي لي يومين وأرجع لش.. كنتي تكذبين علي..
تتنتهد الجليلة وهي تجلس على طرف السرير.. بجوار من تدفن وجهها في مخدتها وتنتحب، تمسح على شعرها وتهمس بحنو:
يا عمري أنتي والله ما قدرنا نشوف شهاب إلا عقب أربع أيام من وصولنا.. يادوب شفته مرتين بس.. والله عشانش رجعت أسرع ما قدرت..
حينها همست بثينة التي كانت تجلس في الناحية الأخرى من السرير همسا مترددا:
اشلونه شهاب؟؟ ليه ما قدرتوا تشوفونه إلا عقب 4 أيام؟؟ عسى مافيه شيء؟
الجليلة بنبرة عميقة من المودة : شهاب طيب.. كان يستعد لمناقشة رسالته الدكتوراه وعشان كذا ماقدرنا نشوفه..
شهقت بثينة بصدمة حقيقية: دكتوراه؟!!.. والدكتوراه اللي خذها قبل كم سنة؟؟
الجليلة هزت كتفيها بحزن: دكتوراه ثانية.. وش بيسوي ياقلب أخته خليه يقصر الوقت عليه لا يستخف..
ثم أردفت بسعادة قاصرة مغمورة في حزن غريب: سبحان الله يمكن ربي يبي يفرحني أحضر مناقشته.. لأنه ماحضرت مناقشته الأولى.. ولولا إنه جايين بالصدفة في ذا
الوقت.. وإلا كان فاتتني بعد..
أنا حتى ما كنت أعرف إنه سجل دكتوراه ثانية..
ثم أردفت بحماس وهي تهز أميرة وتهمس لبثينة: تعالوا خلوني أوريكم صوره في المناقشة.. وفيديو المناقشة... ماكان راضي أني أصور.. بس ماعلي منه..
شيء من الخيال وقفته ورزته وهيبته وكلامه وقدرته على النقاش والمحاججة.. ماخلا حد من لجنة المناقشة يقدر يفتح ثمه حتى... مسحهم مسح..
**************************
"يا أهل البيت.. يا أهل البيت.. يا الفهدات وينكم؟؟"
تخرج من غرفتها وهي تعدل برقعها على وجهها بعد أنهت وضوءها لصلاة الظهر وتبقى على الآذان نصف ساعة..
كانت توشك على صلاة سنة الوضوء، حين سمعت صوته الغالي يتعالى مناديا..فخرجت له..
وهي تهمس بعتب: منت تبي الفهدات ولا غيرهم.. أبطيت علينا يا أبو سعود..
جابر ينحني على رأسها مقبلا وهو يهمس بمودة واحترام حقيقين: جعلني فدا فهدة العودة اللي دارية بغلاها وتحب تغلى.. ظروف شغلي جعلني فداش
أم جابر حينها همست بمودة وهي تقبل خده: لا عاد تفدى بي..
أدري تلعب على فهدة العودة.. لكن دواك فهدة الصغيرة..
جابر ضحك: يا الله سترك.. ما أعرف سميتش ذي ليه ماخذت من طبوعش الزينة..
" إيه عادك مخليني ذا كله... وتسبني!!"
كان صوت فهدة الصغيرة يتعالى بحماس.. وهي خارجة تركض من غرفتها التي تجاور غرفة جدتها..
هتف جابر بمودة عميقة عميقة وهو يفتح ذراعيه لها : تعالي حبي خشم أبيش جابر.. وعقب اقطعي أذانيه.. كله حلالش..
فهدة ارتمت في حضنه ليرفعها عاليا: اشتحنت لش يا الدبة..
فهدة الصغيرة بعتب كعتب جدتها: اشتحنت لي وأنت مهملني أسبوعين..لا ومع بداية عطلتي؟!
جابر جلس وأجلسها على فخذها وهو يهمس لها بمحبة: تدللي وش تبين؟؟
فهدة تسند رأسها لكتفه وتهمس: أول شيء روح جيب خالتي غالية وسعودي.. عشاني مشتاقة له.. وعقب بوريك الشغل..
جابر يلتفت لوالدته بحدة غاضبة: غالية ماجاتكم من يوم رحت؟؟
أم جابر بهدوء: يا أمك توها كانت هنا البارحة الأولة.. غير تعرف فهدة متعلقة في سعود..
ثم أردفت بهمس بنبرة مقصودة: مرتك ذهب يا جابر.. اعرف قيمة الذهب يا أمك..
جابر تنهد وهو يقف ويوقف فهدة معه ويهمس لها: يا الله أروح أنا وإياش نجيب سعود وأمه..
****************************
" يوه فديتك يبه..
أحلى طلعة طلعتها من زمـــــان
مستانسة حدي"
يهتف أبو فرات بأسلوبه الرقيق الراقي وهو يرتشف الشاي بهدوء: أنا اللي استانست معش يا أبيش.. اختيارش دايما موفق للمكان..
وأنتي يا أبيش من يوم عطلتي من الجامعة وأنتي ماتطلعين إلا نادر..
ثم أردف باهتمام: إلا ماقلتي لي كم ساعة سجلتي الفصل الجاي؟؟
وضعت الشوكة في طبقها وهي تهمس بحماس: 16 ساعة.. وتراك وعدتني تساعدني في مشروع أو مشروعين الفصل الجاي
المشروع اللي سويته معي الفصل الماضي سوا ضجة في الجامعة كلها..
قاطعها مبتسما بمحبة: وخذتي عليه المركز الأول.. كم مرة علمتيني؟!!
ضحكت مي: أكيد لازم كل شوي أقول لك...أنت تتخيل إنه بنت في سنة أولى تفوز حتى على طلاب سنة رابعة..
ولولا أنت بعد رب العالمين.. ماكان خذت المركز الأول..
ابتسم جدها بحنو عظيم: ترا كل اللي ساعدتش فيه مجرد لمسات في المراجعة النهائية.. عقب ماخلصتي أنتي كل شيء..
مي بفخر ومودة: من جدك يبه تسميها مجرد لمسات؟.. هذي موب مجرد لمسات... هذي لمسة حمد آل سطام الخاصة.. أشهر وأحسن رسّام في قطر..
ابتسم أبو فرات : تراش قاعدة تنفخين في جدش على فاضي.. تراه شيبه بدوي راعي حلال ربي فتنه في الرسم على غير سنع.. بدل ما يقول يا الله حسن الخاتمة..
مي تبتسم بحنو: وأنت مارسمت إلا بداوتك.. بيوت الشعر والصحاري وعيون الماء..
ثم أردفت بمرح: لا رسمت أرواح ولا مزهريات وصحون فاكهة..
أبوفرات بنبرته السماوية العميقة والغريبة: الله يبعدنا عن مايغضب رب العالمين.. والله يا بنتي لو عليّ.. حتى وقت الرسم.. ودي إنه في عبادة وفي ذكر..
بس الرسم في دمي.. وأخفف عن نفسي إن هذا من الترويح المشروع عن النفس..
ولا جيتي للحق.. اللي يرسم أحسن مني فرات.. بس فرات ماعنده وقت يروّح حتى عن نفسه.. هالك روحه في الشغل..
مي ضحكت بخفوت: خله يكمل لوحته اللي صار لها سنين معلقة..
يروح يرسم غيرها.. وهي متروكة في صدر مرسمه.. لا هو اللي كملها... ولا هو اللي نزلها من مكانها..
هتف أبوفرات بسكون عميق: تعرفين هذي اللوحة تمثل إيش؟؟
مي حينها همست بحماس شديد تحاول كتمه: تدري يبه؟! تدري؟!... لأنها ملامح اللوحة موب مبينة كلش.. وفرات يقول إنها ما تمثل شيء معين..
حينها استند أبو فرات للخلف وكأنه ينظر لشيء غير مرئي.. وهتف بذات النبرة السماوية التي تخصه وحده:
يرسم بيتنا القديم!
****************************
" خالد فديتك تقدر تجيني في شغلي.. سعود في الزام.. والسواق عنده شغل"
لم ترد أن تقول إنه ذهب لإحضار الجازي التي ستخرج مبكرة من عملها اليوم..
فهي تعلم أن مجرد ذكر اسم الجازي أمامه.. قد يفجر في داخله ردات فعل عسيرة على التوقع..
يرد خالد بشهامة ومحبة: أجي لمندوبش يا بنت هادي.. مسافة الطريق..
أنا أصلا موب بعيد.. كنت أخلص صفقة كمبيوترات في موقع قريب منش..
دانة بمحبة عميقة: جعلني ما أخلا منك يا نظر عيني.. يا الله أنا أنتظرك..
بعد ربع ساعة كان خالد يصل لدانة التي استوت جالسة جواره وهي تهمس باهتمام: يعني خلاص عزمت على البيزنس الخاص؟!
يبتسم خالد: يعني كنش ماتدرين.. كل شيء شاورتش فيه..
ثم أردف بحزم لا يخلو من حزن: خليني ألقى شيء ألهى فيه.. شغلي الصبح.. العصر وش أسوي؟؟
وبعدين المدير اللي حطيته.. مهندس إبراهيم.. تعرفينه.. كان معي في الشغل وخلص عقده..
أعرفه من خمس سنين.. مارح ألقى أحسن منه.. فقررت أستغل الوقت والظروف..
وخصوصا أن المستقبل للاستثمار في قطاع التكنولوجيا..
دانة تبتسم: بس تكون واعي لشغلك.. تقدر موظفينك..وتعطي الناس حقوقهم ..وما تثق في حد مية بالمية..
خالد يرد الابتسامة بابتسامة: لا توصين حريص.. تربيتش يا أم سعيد..
وهذا احنا قربنا من بيتش..
كان خالد حينها يكاد يدخل مع بوابة البيت ليتواجه مع سيارة البيت، التي رأى فيها الخادمة بجوار السائق..
حــــيـــــنـــــها...
تثاقلت أنفاسه.. تثاقلت كثيرا.. وهو يترك السائق يدخل قبله..
يشعر بها قريبة.. قــــــريـــبـــة.. وأنفاسه تتثاقل أكثر وأكثر..
تصاعد التوتر في داخل دانة وهي ترى سيارة البيت تقف.. والخادمة تنزل منها لتتوجه للباب الخلفي وتفتحه.. لتتناول حقيبة اللابتوب من الجازي..وتدخل البيت..
همس خالد بتثاقل تكاد أنفاسه فيه تذهب حسرات وهو يستعد لفتح بابه لينزل دون تفكير:
الجازي.. صح؟؟
تهمس دانة برجاء عميق وهي تمسك بمعصم خالد وتشده إليها بقوة لتمنعه في النزول:
منت بصاحي..خالد تكفى ما تنزل.. طالبتك يا أختك!!
+
خالد يستعيد سيطرته على تصرفاته الظاهرة وليس على مافي داخله.. فداخله يذوب يذوب بكل معنى الكلمة..
آخر مرة رأى (زولها فقط) كانت قبل أكثر من عامين.. استوى من الشوق.. استوى تماما..
هذا لو كان قد بقي فيه ما يستوي.. وكل مافيه بات رمادا من حرائق الشوق..
هتف بحزمه الظاهري/ ذوبانه الداخلي: أنا اللي طالبش يا أخيش..أنا أكون موب صاحي لو مانزلت..
قالها وهو يخلص يدها من معصمه برفق..
وينزل من سيارته بحزم في خطوات سريعة متوجها للسيارة الأخرى..
همس خالد بتثاقل تكاد أنفاسه فيه تذهب حسرات وهو يستعد لفتح بابه لينزل دون تفكير: الجازي.. صح؟؟
تهمس دانة برجاء عميق وهي تمسك بمعصم خالد وتشده إليها بقوة لتمنعه في النزول: منت بصاحي.. خالد تكفى ما تنزل.. طالبتك يا أختك!!
خالد يستعيد سيطرته على تصرفاته الظاهرة وليس على ما في داخله.. فداخله يذوب يذوب بكل معنى الكلمة..
آخر مرة رأى (زولها فقط) كانت قبل أكثر من عامين.. استوى من الشوق.. استوى تماما..
هذا لو كان قد بقي فيه ما يستوي.. وكل مافيه بات رمادا من حرائق الشوق..
هتف بحزمه الظاهري/ ذوبانه الداخلي: أنا اللي طالبش يا أخيش..أنا أكون موب صاحي لو مانزلت..
قالها وهو يخلص يدها من معصمه برفق..
وينزل من سيارته بحزم في خطوات سريعة متوجها للسيارة الأخرى..
في حـــيــنــــها..
كانت الجازي مشغولة في هاتفها من قبل أن تصل إلى البيت..
لذا لم تنتبه إلى سيارة خالد إطلاقا ، ولذا أيضا تأخرت قليلا في النزول من السيارة..
وكانت تستعد للنزول حين فوجئت بالجسد الضخم الذي سد عليها فرجة الباب بالكامل
رفعت عينيها بجزع لترى من هذا..
ليتحول الجزع إلى رعب حقيقي صِرف.. مختلط بخجل عميق.. محاط بأسى أعمق.. وحرقة أعمق وأعمق..
عيناها تعلقت بعينيه دون أن تستطيع أن ترمش أو تغلق عينيها لجزء من الثانية..
وهي تهمس باختناق مصدوم بصوت شديد الخفوت لم يستطع تجاوز حنجرتها حتى يسمعه سواها :
خــــــــالـــــــــــد..
وهــــــــو..
لأول مرة يكون بهذا القرب الحميم منها بعد ست سنوات عِجاف، بعد محاولتها الطفولية الاختباء خلفه خوفا من شقيقها محمد قبل ست سنوات كاملة..
المحاولة التي أذابت قلبه وهو مازال في أول طريق العشق.. فكيف وهو الآن في آخر الطريق.. وماعاد لعشقه لها مقياس ولا نهايات؟!!
حينما يتذكر تلك الذكرى الأثيرة يشعر أن عضديه يحترقان مكان لمستها الأبدية، حينما وضعت كفيها عليهما وهي تختبئ خلفه من محمد..
أما تلك الذكرى المقيتة.. ذكرى ضربه لها قبل خمس سنوات.. فلا يعتبرها لمسة ولا بأي نوع.. فهو كان فاقدا لعقله تماما..
لا يتذكر حتى ما الذي فعله بها.. كان يسيره غضبه الأسود المدمر..
لـــكــنـــه الآن يقف أمامها بكامل وعيه..
وفي ذات الوقت يشعر كما لو كان دائخا بغير وعي.
كان يشرب بولع نظرات عينيها الجزعتين التي تطل عليه عبر فتحات نقابها، كان يتنفس قربها بكل عطش الكون، فروحه أجدبت انتظارا لقربها الذي شحت به عليه..
وإن كان هو عجز عن الكلام.. فهي عجزت كذلك..
وهو إن كان عاشقا أخرسه العشق.. فهي أخرسها الخجل..
لكن الموقف كله كان محرجا.. محرجا جدا..وهي لا تعلم ما الذي جاء به في هذا الوقت تحديدا.. ودفعه لهذا التصرف الذي بدا غريبا..
وهو يسد عليها طريق النزول دون أن يتزحزح أو يتكلم..
لذا دفعت كل الجرأة الممكنة في عروقها وهي تهمس باختناق خجول بنبرة صوت أعلى هذه المرة ليسمعها: خالد تكفى وخر.. تكفى بأنزل..
يــــا الله!! يــــــــا الله!!
لأول مرة يسمع صوتها منذ أصبحت زوجته.. لا يعلم كيف تصاعد عشقها في روحه هكذا وهو لم يراها ولم يسمع لها صوتا حتى..
وكأن حبها لعنة مرصودة حبست روحه في مجراتها..
سماع اسمه منها.. أصابه في مقتل.. وكأنه قد بقي في روحه مكان ليس فيه مقتل منها..
فروحه ممتلئة بالثقوب النازفة..
خالد حينها همس بنبرة سماوية لم تكن لتكون إلا لها.. لـــــها وحــــدها:
الجازي تـــكــفين..قولي اسمي بعد.. تــــكــــفـــيــن..
شيء ما اهتز في روحها .. نبرته أثيرية..واسمها بهذه النبرة أشبه بالسحر الخالص..
كانت تشعر بدقات قلبها تصم الآذان وألم متزايد يتصاعد في معدتها: نعم؟؟
خالد مازال محلقا: الجازي حبيبتي.. قولي اسمي بعد..
الجازي ترتعش وكلماته تبعثرها كذرات رمل في يوم هائج ، كانت تذوب توترا وخجلا:
خالد اشفيك؟؟..تكفى وخر خلني أنزل.. تراك تحرجني كذا..
حينها همس بنبرة من استعاد وعيه بعد غيبوبة طويلة:
وش فيني؟؟ تسأليني وش فيني؟؟
تخيلي القاتل يسأل المقتول وش فيك؟
ذبحتيني في اليوم ألف مرة وتسأليني وش فيك؟؟
الجازي أنا أموت في غيابش.. أنتي وش القلب اللي عندش؟؟ حجر؟؟
نعم غلطت.. مليون مرة غلطت..الله يأخذه من يوم ذاك اليوم.. وليته الله خذني أنا يومها..
ليتني مارجعت من السفر.. ليتني سويت حادث على الطريق..
خلاص الجازي سامحيني..
وش تبين أنا حاضر؟؟.. لو مديت عليش يد أو حتى رفعت صوتي عليش.. اتركيني.. وعد حر ما يجيش مني أدنى شيء يضايقش..
خمس سنين وأنتي تعذبيني وتستمعين بعذابي..
خمس سنين كلت من روحي أكل.. وأنا أنتظر رضاش السامي عشان يجمعنا بيت..
الجازي تختنق بعنف (هذا وش فيه قلب دراما كوين؟)
كانت تختنق خجلا وتوترا .. ونبضها يصم أذانها.. والكلمات تحجرت بين شفتيها..
ولكنها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى..
فرصة لم تتح لها سابقا، أن تطالبه بحريتها بنفسها..
لذا حاولت أن تهمس بحزم قدر ما سمح لها خجلها الفطري، فهي لم تعد الجازي الطفلة:
خالد أنت اللي عذبت نفسك وعذبتني معك..
حررني وحرر روحك.. أنا مستحيل اجتمع معك في بيت لو تنطبق السماء على الأرض..
طلقني ياخالد.. طـــلـــقـــنـــي!
حـــيـــنـــهـــا صُعقت الجازي بردة فعله التي لم تتوقعها أبدا.. أبـــــدا!!
في أثناء ذلك الحوار بين خالد والجازي..
كانت دانة ماتزال في السيارة.. فقدماها عاجزتان عن التحرك.. لهولها من تصرف خالد الجريء..وخوفها من تبعاته..
كانت ترى خالد يتوجه لسيارة البيت.. وتراه وقف في فرجة الباب المفتوح..
كانت ترى رأسه يتجاوز طول باب السيارة المرتفعة وهو يحني نظراته لمن تجلس في المقعد ولا تراها دانة لأن السيارة كانت مغيمة الشبابيك بالسواد..
رأت دانة أن الحوار طال نوعا ما.. فهي توقعت أن هذا اللقاء لن يستغرق دقيقة..
لذا قررت النزول والتدخل قبل أن يراهما أحد آخر..
**********************************
"الله يهداك... ليه ماعلمتني بموعد جيتك.. كان رتبت مكاني وانتظرتك في البيت"
كانت هذه عبارة غالية العاتبة.. وهي تدخل غرفتها.. وجابر خلفها.. بعد أن تركت سعود في عهدة الفهدتين..
جابر بغضب: وأنتي أساسا ليه تقعدين الأسبوعين كلها عند هلش.. ماكفاش أسبوع وأنتِ مهملة أمي وفهدة وأنتي عارفة وش كثر متعلقين في سعود؟؟
الغالية بضعف: والله كنت أجيهم كل يومين..و كنت أبي خالي جبران يأخذ راحته.. يدخل ويطلع براحته..
وبعدين ضايق خاطري.. ضايق جدا..كنت أبي أمي ومزنة..
تنهد جابر وهو يشد غالية ليحتضنها ويهمس في إذنها بحنو غامر ونبرة مقصودة: ضيقتش من نفسش.. ودواها عندش..
غاصت أكثر في حضنه وهي تهمس بحزن: ماتحرق النار غير واطيها..
*********************
"أنا أشك أنه في يوم من الأيام بتأكلون ذا البزر أنتي وجدتش"
نظرت فهدة الصغيرة لعمتها ضي وهمست بمرح وهي تلاعب سعود الصغير: وبناكل ولدش المعفن اللي بتجيبنه بعد.. عندش مانع؟!
ضي ضحكت: ولدي بحط عليه اثنين بودي جارد.. واحد لش وواحد لجدتش..
هتفت فهدة الكبيرة بغضب: أنتي يا مضيعة المذهب، كم مرة قلت لش لا عاد تجيبين طاري العرس.. تخربين فهدة..
قامت ضي بجوار والدتها لتقبل رأسها وتهمس بمرحها المعتاد: لا حول ولا قوة إلا بالله .. بنتش النتفة ذي فهيدة تخرب بلد.. وبعدين أنا جبت طاري عرس؟! أنا جبت طاري عرس ياناس؟!!
تبهتين بنتش المزيونة..
يعني قايمة عليّ عشان قلت ولدي!!.. وهي أول من قال ولا قلتي لها شيء... صدق.. لا حبتك عيني ما ضامك الدهر..
ثم أردفت بنبرة حزن مصطنعة وهي تمسح دموعا خيالية: بأروح لخالي جبران.. ماحد يحبني في البيت غيره..
فهدة الصغيرة تضحك: صدق الرازق في السماء والحاسد في الأرض مثل ماتقول أمي فهدة... ولا تروحين لجدي جبران.. معزوم عند رجال..
حينها انفجرت ضي بالضحك: نعنبو أنتي شايخة على البيت كله.. ماحد يتحرك إلا مستأذن جناب حضرتش..ومعطيش خط سيره..
فهدة ترقص حاجبيها بحركاتها الطفولية: ترا ما حاسبتش أنش رحتي ذاك اليوم الجامعة ماعلمتيني..
ضي تقوم من مكانها لتدغدغ فهدة وسعود كلاهما وهي تنقل قبلاتها الحانية بين الاثنين:
يا الله تعالي وريني اشلون بتحاسبيني يا سيدة ملعقة؟!!
**********************************
هتف أبوفرات بسكون عميق: تعرفين هذي اللوحة تمثل إيش؟؟
مي حينها همست بحماس شديد تحاول كتمه: تدري يبه؟! تدري؟!... لأنها ملامح اللوحة موب مبينة كلش.. وفرات يقول إنها ما تمثل شيء معين..
حينها استند أبو فرات للخلف وكأنه ينظر لشيء غير مرئي.. وهتف بذات النبرة السماوية التي تخصه وحده:
يرسم بيتنا القديم!
همست مي باستغراب: بيتنا القديم؟؟
هتف أبو فرات بعمق: تذكرينه؟؟
ابتسمت مي: مو كثير.. أتذكره أيام الإجازات اللي كنا نرجع فيها من أمريكا.. لأنه من يوم استقرينا في الدوحة وإحنا في بيتنا هذا..
والبيت أعرف إنه انهدم.. يعني ماعاد موجود.. فأكيد لو إبي يبي يرسمه.. فهو يرسمه من الذاكرة.. أو من صورة لو عنده صورة له..
أبو فرات بثقة: مو لو يرسمه.. هو يرسمه..
مي بذات الابتسامة: وليش متاكد كذا ؟؟ هو قال لك؟؟
ابتسم أبو فرات: مستحيل يقول لي.. بس أنا عرفت بنفسي.. ولا تقولين له شيء..
ثم أردف بحنو: خلاص يا أبيش نمشي؟؟
أعرف إنه ماقعدنا إلا شوي بس السموحة يا أبيش.. أنا واعد حمد أمره عند الحلال.. فيه بَكْرة مريضة ولا عرفوا وش علتها.. لازم أمرهم..
مي بمودة: إيه فديتك.. نمشي..عادي.. ماقصرت جعلني ما أبكيك
ثم أردفت بمرح: وحمد مسوي فيها راعي حلال.. وهو ما يمر يومين ما يدعيك تجيه تسنعهم..
أبوفرات بمودة عميقة: جعلني ما أبكيه.. والله إنه في المكان أكثر مني ومهتم أكثر مني يوم إني عندها..
بس مهوب من كثر سنينه.. توه صغير وتنقصه معرفة أشياء كثيرة.. هذا هو يتعلمها مني..
مي بمرح ومودة: أجل بتسهر معي وتعوضني..
أبوفرات بتلقائية: ودي يا أبيش.. غير عندي لوحات مشروع الفندق الجديد.. وجننوني يبونها عشان رسامينهم يبدون نسخ عنها.. وباقي لوحتين أبي أخلصها..
ابتسمت مي: خلاص أجل بجي عندك المرسم.. والله ما أقول شيء.. بس بتفرج عليك وأنت ترسم كالعادة..
ابتسم أبوفرات وأشار برأسه موافقا.. ثم استدار قليلا كي يشير للنادل أن يحضر الفاتورة..
حينها شهقت مي بخفوت: يــــــووه يبه.. كريمة الكيك وسخت شعرك..
اعتدل أبو فرات وهو يتناول منديلا ويهتف بمودة: عادي يا أبيش لا رجعت البيت تسبحت..
قالها وهو يمسح طرف جديلته من بقايا الكريمة.. ومن ثم يشد جديلتيه الاثنتين للأمام حتى يتأكد من ترتيب غترته على رأسه..
كان أبو فرات مازال يحتفظ بكثير من ملامح وسامته القديمة ولكن كان أكثر ما يلفت الانتباه إليه شعره الكثيف الطويل الناعم الذي بات بياضه أكثر من سواده..
والذي كان يضفره على الدوام في ضفيرتين غليظتين ترتاحان على صدره وتصلان حتى خصره.. متآلفتان مع لحيته الفضية الناعمة المشذبة..
دفع الفاتورة..خرجا..
وعيون الجالسين في المقهى تراقب أبوفرات بفضول مختلط بالإعجاب..
أو فضول مختلط بالاستغراب!!
أو فضول مختلط بالاستهجان !!
************************************
"تــــــركي..
أشلون أختك؟"
ينظر تركي لوالدته التي تجلس مقابلة له وبينهما طاولة عليها ترامس القهوة والشاي..
وتشكل حاجزا مناسبا لتبادل النظرات العامرة بآلاف المعاني: الحرقة والشوق والغضب والعتب..
أسند تركي ظهره للخلف وهمس بنبرة مقصودة.. مقصودة تماما: البندري في غرفتها.. وأظني إنش أكثر حد عارف اشلونها..هذي هي في حضنش أربع وعشرين ساعة..
أم متعب بنبرة غضب عاتبة: تستخف دمك عليّ يا تركي!!
حينها همس تركي بنبرة عتب عميقة.. موجوعة موجوعة: أسبوعين يمه!!.. أسبوعين!!
أسبوعين من يوم رجعت وأنتي تدورين وتلفين...وتدورين وتلفين ..عشان تنشدين منها بس...
والله يمه إنها ما تستاهل قسوة قلبش عليها...
يعني يمه أنتي حنونة على الكل.. البعيد والقريب...
تجين عند صيتة.. اللي محتاجة حنانش ووقفتش معها أكثر حد في العالم كله.. وتقسين عليها!!!!
ثم أردف بحنين عميق وشفقة أعمق: والله إن صيتة خسارة في ذا العالم كله... شايلة على كتفها حمل يهد جبال بروحها...
ولا حد واقف معها ولا حد فاهمها...
ثم أردف بحرقة وغضب كبيرين: إذا جاء يوم وانهارت وارتحتوا كلكم.. والله ما أسامحكم .. والله ما أسامحكم..
تنهد تركي بحسرة.. وهو يتذكر شقيقته التي تصغره والتي تركها خلفه.. تودعه بدموعها.. وحسرتها .. ووحدتها.. وأحمالها الثقيلة..
فوحده كان نافذتها.. وصديقها.. ومن يفهمها..
فبينهما علاقة فريدة من المحبة والأخوة والصداقة والتفاهم.. بناها تقاربهما في العمر.. وسنوات الغربة...وعمق المعاناة..
وهاهو يتركها ويعود وقلبه يتمزق أشلاء عليها..
ولا يعلم حتى متى ستسمر معاناتها التي أثقلت روحها بكل حزن العالم وسعادته في آن معا..
*****************************
كانت تختنق خجلا وتوترا ..ولكنها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى..
فرصة لم تتح لها سابقا، أن تطالبه بحريتها بنفسها..
لذا حاولت أن تهمس بحزم قدر ما سمح لها خجلها الفطري، فهي لم تعد الجازي الطفلة:
خالد أنت اللي عذبت نفسك وعذبتني معك..
حررني وحرر روحك.. أنا مستحيل اجتمع معك في بيت لو تنطبق السماء على الأرض..
طلقني ياخالد.. طـــلـــقـــنـــي!
حـــيـــنـــهـــا صُعقت الجازي بردة فعله التي لم تتوقعها أبدا..
أمسك خالد بيد الجازي الساكنة في حجرها...
وألصق باطن كفها على صدره من الناحية اليسار.. مكان قلبه تماما، وهو يضغط على يدها ويهتف بحزم متجبر لا تراجع فيه:
انزعي ذا بيدش، واذبحيني وصيري أرملة، أقرب لش من الطلاق!
الجازي صُعقت تماما من تصرفه، وكفها تحترق تحت ملمس كفه، وهي ترتجف بعنف وتحاول شد يدها..
بينما هو لم يعرف أي جريمة ارتكبها في حق نفسه حتى أرتكبها..
فهو في اللمستين اللتين أحرقتا جوفه لم يكن قد لمسها بصورة فعلية، شد شعرها مرة، واحتمت هي خلفه مرة..
وكانت هي من لمسته، لمسة لم تمثل لها أي شيء إلا رغبتها الطفولية في الاحتماء..
ولكن كلتا اللمستين فعلت في روحه الشفافة ما يشبه الأعاصير الاستوائية شدة وقوة ودمارا وتخريبا، وهو لم يكن عاشقا فعليا في ذلك الوقت..
فكيف وهو يلمسها الآن فعليا للمرة الأولى بعد أن أصبح العاشق الأزلي الأبدي الذي ليس لعشقه حدود؟!!
كيف وهو يتعرف الآن إحساس نعومة يدها وليونتها تحت يده، ويشعر بها دافئة صغيرة محتمية تثير فيه عشرات الرغبات المتضادة؟!!
كانت الجازي توشك على البكاء وهي تشد يدها وتهمس باختناق: خالد تكفى فكني..
لكنه كان في عالم آخر، كان في عالم أغلق على نفسه فيه مع إحساسه الثوري المذهل العنيف الشفاف بلمس جزء من جسدها، حلاله الذي حُرم منه قسرا..
لم يعده إلى وعيه إلا اقتحام صوت آخر للمشهد، يهمس بخفوت وغضب مكتوم: أنت استخفيت يا خالد، هد يد البنية.
لم يركز حتى أن هذا صوت الدانة حتى شعر بيدها تقتحم عناق يديهما وتحاول رفع يده عن يد الجازي بقوة دون أن تفلح..
حــــــيـــنـــها .. وفي تكرار لتصرفاته الصادمة.. صدم الاثنتين بردة فعله..
خـــــــالــــــد علم يقينا أن هذه اللحظة التاريخية التي ستبقى أجمل لحظات عمره حتى اليوم، ستنتهي الآن..
ولكنه لن ينهيها إلا كما يريد وبالطريقة التي ترضيه، لأنه علم أن هذه اللحظة قد لا تتكرر أبدا..
لذا تناول كف الجازي عن قلبه ونقلها إلى شفتيه، وهو يقبل باطن كفها بتروي ويصدر عن أعماقه صوت أشبه ما يكون بأنين موجوع..
الجازي تخشبت كتمثال حقيقي وهي تشعر بأنفاسه تحرق باطن يدها..
بينما الدانة التي صُعقت تماما لم تستطع ان تفعل شيئا إلا أن تنزل عينيها خجلا واحتراما للموقف الذي بات أكبر منهم جميعا...
خالد أطال في قبلته.. أطـــــــال وهو يتنفس خطوط يدها بأنينه الموجوع.. كان يأنّ بكل وجع العالم وشوقه ولهفته..
لم يوقظه من غيوبته إلا انفجار الجازي في بكاء حقيقي مدوي..
حينها أفلت يدها رغما عنه.. ودون أن يقول كلمة..
وتوجه إلى سيارته، وركب فيها دون أن يتحرك..
فجسده كله كان يرتعش، ودقات قلبه أشبه بطبول حرب مجنونة، وأنفاسه تتصاعد بعنف، شعر أنه قد يغمى عليه..
وأيقن حينها بعظم جريمته في حق نفسه، فهو بالكاد كان قادرا على الصبر وهو لم يعرف رائحة جسدها ولا دفئه..
فكيف ورائحتها الآن احتلت كل خلية كانت قد احتلتها سابقا في احتلال استبدادي جديد تمارسه الجازي عليه مرة بعد مرة..
بينما الجازي حين أفلت يدها وغادرهما نزلت من مكانها، وارتمت على صدر دانة وهي تبكي بحرقة وتهتف: تكفين خليه يطلقني.. طالبتش يا دانة.. طالبتش!
**************************
" خالد اشفيك فديتك؟؟...
من يوم دخلت من برا.. وشكلك موب عاجبني..حتى غداء.. ماتغديت"
يحاول خالد الاعتدال ليجلس.. فيجد نفسه منهكا..
لا يعرف كيف وصل إلى البيت.. وكيف قاد سيارته.. وكيف أنه الان في سريره..
سيرته قوة شخصيته التي صقلتها مرارة السنوات الماضية..
مع أنه مازال يعاني من آثار زلزال الجازي الارتدادي.. ويبدو أنه سيعاني طويلا منه..
رائحتها سكنت جوفه.. وملمس بشرتها يبدو أنه كُــتب عليه أن يعذب كل خيالاته في صحوه ومنامه..
وكل مؤشراته الحيوية تتخبط وتبدي اعتراضها بعنف على السلب القسري والسريع للأكسجين الذي دخل لخلاياه بعد سنوات طويلة من الاختناق..ثم سلبوه في ذات اللحظة..
هتف بإرهاق وهو مازال ممدا: مرهق شوي من الشغل.. ولا كان لي نفس أتغدى ..
بروح المسجد أصلي العصر.. وعقب لا رجعت باكل أي شيء..
مزنة تضع يدها على جبينه.. وتهمس باهتمام بالغ: وجهك موب زين.. بس ما معك حرارة..
ثم أردفت بحنان: زين قم توضأ ماعاد باقي على أذان العصر شيء.. وأنا برتب لك الغداء.. حتى أنا ما تغديت.. بنتغدى سوا..
مع إنهاء مزنة عبارتها رن هاتفها: هلا دانة..
...............................
إيه.. أنا عنده أصلا..
....................................
كان منسدح .. يمكن تلفونه علي الصامت..
................................
روعتوني... وش صاير؟؟
خالد اعتدل جالسا.. وهو يشير لمزنة أن تعطيه هاتفها وهتف فيه بثقة حازمة رغم إرهاقه:
دانة مافيني شيء..والله طيب..
ثم أردف بعد تردد بذات الحزم الواثق: هي إشلونها؟.. أكيد زعلانة علي.. وقالت لش عشرين مرة خله يطلقني..
.........................................
ماعليه يا أم سعيد جعلني فداش لا صليت.. اتصلت لش..
مزنة تناولت هاتفها وهمست بحزم: خالد وش صاير بينك وبين الجازي؟!
خالد بصرامة وهو يقف رغم إرهاقه البادي: ماصار شيء..
مزنة بعتب مختلط بحزمها الرقيق: تراني أختك مثل دانة.. وأمرك يهمني..
خالد تنهد: شفت الجازي..
مزنة بقلق: صار شيء بينكم؟؟
خالد يجلس على المقعد القريب من الحمام بينما مزنة تقف قريبا منه ويهتف بتلقائية عميقة وهو يتنهد من أقصى أعماقه :
شـــــفـــــــتـــهــــــ ــا..
مزنة تنظر له باستغراب وتهمس باستغراب: وبس..
خالد يتنهد : وبس
حينها همست مزنة بدهشة: طيب وشفتها.. وش اللي صار يخليك تعبان؟؟
ويخلي دانة متروعة عليك؟؟
وقف خالد متوجها للحمام وهو يهتف بحزم لا يخلو من غضب: وعادش تقولين لي ليه أعلم دانة وما اعلمش؟!!
هي تفهمني... أنتي مارح تفهميني لو مهما قلت..
مزنة تستعد لمغادرة غرفته وهي تهمس بحزم: أنتو يا عيال هادي الخبوش خلكم ورا مشاعركم لين توديكم في داهية..
ما أعرف وش ذا البلوة اللي ربي بلا وضحى وهادي بها؟!!
يعني مافيه حد صاحي في عيالهم إلا أنا..
اللهم لا عتراض!!
.
.
.
على الجبهة الأخرى
كانت دانة تهمس للجازي بإرهاق: يقول بيصلي العصر ويكلمني..
الجازي تذهب وتعود كرقاص ساعة قلق.. وهي تنظر في ساعتها: خلاص مابقي على العصر شيء..
أنا بعد بصلي.. ثم برجع لش..
أردفت بحزم مختلط بقلقها: دانة تكفين .. لازم تخلصين الموضوع..
دانة بذات النبرة المرهقة: والله يا الجازي إني خمس سنين أحاول فيه.. اللي أقدر أوعدش به.. إني بقول له وش قلتي لي بالحرف..
تنهدت دانة: خالد مايقول لي ( لا ) لو مهما طلبت منه.. ومعي مافيه أسمح منه.. لكن إذا كان الموضوع يخصش ما يتفاهم كلش..
الجازي بحزم وهي تغادر: موب لازم يفهم ولا يتفاهم.. وصلي له كلامي.. وخلاص قده بصره..
دانة توضأت وصلت العصر.. وانتهت من أذكارها.. ومازال خالد لم يتصل.. لذلك اتصلت به..
رد عليها بإرهاق: قلت يمكن تنسوني..
دانة همست بحزن: لو عليّ ودي أنسى.. لكن عندي كلام أمانة لازم أوصله..
يهتف خالد بحزم بنبرته المرهقة وهو يعتدل على مقعد سيارته: وإذا ما أبي أسمع هل أنا مجبور؟!!
تنهدت الدانة: الأحسن تسمعه مني موب من غيري..
خالد بذات نبرته الحازمة: دانة أنا ما سويت شيء حرام ولا عيب.. الجازي مرتي.. وش فيها لو مسكت يدها أو حبيتها.. مو قضية الشرق الأوسط
دانة تحاول حشد أكبر قدر من الصرامة في صوتها: القضية مو إنك مسكت يدها أو حبيتها.. القضية إنك كسرت حاجز كان في نفس الجازي..
حاجز كان مانعها من فكرة المحكمة..
تفجر دماغ خالد من الصدمة الكاسحة وهو يهتف بحروف مبعثرة مصدومة: نعم؟؟ المحكمة؟؟
همست دانة بألم عميق من أجل خالد رغم أنها متيقنة أن هذا هو الحل الوحيد:
الجازي تقول عندك فرصة أربع شهور تهيء نفسك .. وتبلغ سعود ومحمد وإبي إنك أنت اللي تبي تطلق من نفسك..
ولو خلصت الأربع شهور وأنت ماطلقتها.. بتخلعك في المحكمة.. وأنت عارف إنها رح تكسب القضية من الجلسة الأولى..
وإن قرارها هذا مافيه تراجع أبدا..
*************************
"يمه وينه خالي جبران؟.. أدق عليه جواله مسكر.. ولا صلى معي العصر في المسجد
ورحت قسمه مالقيته.. مالقيت إلا صبيه ينظف ويقول إنه طلع ما يدري وينه"
تضحك ضي وهي تشير إلى فهدة الصغيرة بحركة تمثيلية تشبه حركة تقديم كبار الشخصيات وتهتف كذلك بنبرة تمثيلية مرحة :
إسال سمو الأميرة فهدة الصغرى أطال الله بقائها.. ما يتحرك خالي جبران إلا معطيها خط سيره بالتفصيل.. يمكن بعد تلقاها حاطة برنامج تتبع في جواله..
فهدة الصغيرة تقفز بجوار عمها جابر وتهمس بطفولتها الشقية: جدي جبران تغدى عند رجال بيته قريب..
ويقول عقب الغدا بيروح لحلاله ولا هوب راجع إلا عقب المغرب..
هتف جابر بقلق وهو يسأل أمه: لا يكون هو اللي يسوق؟؟!!
أم جابر بتلقائية: ما ظنتي .. سواقه معه..
جابر بذات القلق: قبل أروح الحجز.. عينته راجع البيت يسوق سيارته..
ويوم عاتبته.. قال رايح مكان قريب.. مايحتاج السواق.. ونبهت على السواق مايخليه يسوق كلش.. ولو لزم يسوق.. إنه يكلمني..
أم جابر بذات التلقائية: دامه ما كلمك معناته ماطلب يسوق..
جابر يتنفس الصعداء وهو يعدل جلسته بين الفهدتين ويهتف لضي بمودة:
صبي لي قهوة يا أخيش.. رأسي آجعني وتروعت يوم مالقيت خالي..
ضي تبتسم: أقهوي مندوبك يا حضرة الرائد..
هتف جابر باهتمام وهو يتناول الفنجان من يدها: عسى روحات الجامعة جابت فايدة.. نزلوا لش المادة اللي تبينها؟!
ترد ضي بابتسامتها المعتادة: أبشرك.. إن شاء الله الفصل الجاي خريجة..
ضحك جابر: وأخيرا... مابغيتي! بذبح حوار على تخرجش!!
*************************
بعد 3 أشهر..
مضت سريعة حينا.. بطيئة حينا في فضاءات عامرة من اليأس والأمل..
.
.
قــــلــــوب شتى..
تجمعها قاعة دراسية.. بين أطياف الأحلام.. و رؤوس أثقلتها الأفكار أو.... الفـــــراغ..
الجليلة بتأفف حازم: ثلاث أسابيع من يوم بدت الدراسة ومابغوا يلاقون دكتور يدرسنا
ماصدقت لما لقيت إيميل يقول إن اليوم أول محاضرة..
كنت مفكرة أحذفها خلاص..
حينها همست ضي بمرح: بس ماحذفتيها عشان خاطر أميرة ماتبين نصاب محاضراتها يقل..
لأنش عارفة إنها بتحذفها معش بدون نقاش..
أميرة بمرح شفاف: أنا أبي أعرف من يوم بدينا الفصل وأنتي حاطه دوبش دوبي ليه؟؟..
ضي بذات المرح: خاطري أدري الجليلة عادها تعطيش مرضاعة؟!..
وإلا تدرين خلني أتأكد بنفسي.. أكيد مرضاعتش في شنطتش..
قالتها وهي تشد حقيبة أميرة فعلا.. أميرة ضربت يدها.. بينما الجليلة كانت مبتسمة بشفافية.. كانت سعيدة من اندماج أميرة مع ضي..
فأميرة نادرا ما تنفتح في علاقتها مع أي أحد، وهي مكتفية بالجليلة عن تكوين أي صداقات..
وكانوا يعرفون ضي كواحدة من بنات جماعتهم القريبين جدا.. وهي صديقة الهنوف المقربة..
وبدأت علاقتهم تقوى بها أكثر منذ دخلوا معها في ذات التخصص رغم أنها توشك على الانتهاء.. بعد سبع سنوات قضتها في البكالوريوس..
وكانت هي من ساعدتهم في كل شيء وكانت مرشدة لهم في كل مراحل التسجيل وفي معرفة أماكن القاعات..
ضي بذات نبرتها المرحة: احمدوا ربكم.. ترا لولاي ماكان جابوا لكم دكتور..
لأنه أنا اللي طالبة تخرج وعفنت في الجامعة.. والمفروض خذت المادة ذي من زمان.. فهم يبون يخلصون مني بأي طريقة..
رئيس القسم حالف يستقيل لو شافني الفصل الجاي.. يقول تخلصين فصل الخريف ذا يعني تخلصين..
الجليلة ابتسمت: عدال على ذا الدكتور اللي جايبنه.. أكيد مثل قِلته.. اللي جايبنه يسدون فيه نقص..
ضي تضحك: إن شاء الله يجيبون واحد تخصصه تربية رياضية وإلا متخرج من صحاري الواق واق.. المهم أتخرج..
قطع حديثهم طرقات قوية على الباب المفتوح..
قصد منها صاحبها جلب الانتباه..
بالفعل جلب الانتباه لأقصى حد.. أقصى حد!
الجليلة ابتسمت: عدال على ذا الدكتور اللي جايبنه.. أكيد مثل قِلته.. اللي جايبنه يسدون فيه نقص..
ضي تضحك: إن شاء الله يجيبون واحد تخصصه تربية رياضية وإلا متخرج من صحاري الواق واق.. المهم أتخرج..
قطع حديثهم طرقات قوية على الباب المفتوح..
قصد منها صاحبها جلب الانتباه..
بالفعل جلب الانتباه لأقصى حد.. أقصى حد!
شهقت ضي شهقة مكتومة وهي تنظر لمن دخل من باب القاعة في تلك اللحظة وهمست بصدمة حقيقية :
ما أقدر أصدق عيوني.. فُرات آل سطام... معقولة؟؟
نظرت أميرة للدكتور الأنيق البالغ أقصى حدود الأناقة في استقامة ثوبه الأبيض..
الذي دخل بخطوات واثقة متحكمة كما لو كان يتحرك في أملاكه الخاصة وهي تهمس بخفوت:
الدكتور ذا من آل سطام جماعتنا وإلا غيرهم؟؟.. وش عرفش فيه يا الجنية..؟؟
ضي بخفوت لا يخلو من مرحها المعتاد: إيه يا أختي من جماعتنا اللي يشلعون القلب..
كفاية حامد آل سطام فيهم فديت عينه...آه ياكبدي!
أميرة تضحك بخفوت على ردة فعل ضي الكوميدية: زين ماعلمتيني كيف عرفتيه؟
ضي تضرب أميرة بخفة على ذراعها وتهمس بنبرة تعالي مصطنعة وبصوت خافت:
يا أختي أنا مخ اقتصادي جبار.. أفلفل الملحق الاقتصادي من كل الجرايد كل يوم..
ويمكن أكثر وجه شفته هو وجه دكتور فرات..
الغريبة إنه رجل أعمال مشهور.. بس ما عمره درّس في الجامعة.. وش جابه يدرسنا؟!!
الجليلة لم تشترك أبدا في الحوار.. فهي كثيرا ما تنأى بنفسها عن الانغماس في أحاديثهم المراهقة التي لا تشدها ولا تستهويها..
رغم أنها في أحيان كثيرة تحرص على مد باب الحوار.. حتى تبقي الحوار بين ضي وبين أميرة.. من أجل أميرة..
في أحيان أخرى أكثر تشعر أنها لا تنتمي لهذا المكان.. كما لو كانت تتواجد في المكان الخطأ في الزمن الخطأ..
وفي أحيان ثالثة أكثر وأكثر لا تستطيع أن تنكر أنها باتت تشعر بمتعة حقيقية في الدراسة.. فدراسة الإدارة راقت لها تماما رغم أنها دخلتها بناء على رغبة أميرة
فالجليلة ثقافتها العامة شاسعة جدا.. وبدأت توجه كثيرا من ثقافتها لفلسفات الإدارة والاقتصاد..
قاطع اللغط في القاعة الذي بدأ مع دخول الدكتور.. نبرته الجهورية القوية الشديدة والصارمة والتي أوقفت الدماء في عروقهن وهو يصرخ : بس.. ولا كلمة..
اللي باسمع منها همسة وحدة بأطردها برا القاعة..
أنتو جايين هنا عشان تتعلمون مني أنا وبس.. فكل وحدة منكم تطوي لسانها الطويل داخل حلقها وتسكت
إذا خلصت شرح فتحت لكم باب الاسئلة مع أني عارف أن ماعندكم أسئلة منهجية..
فلا تكثرون هذرة علي.. لأنكم أساسا متأخرين في المنهج..
ولا وحدة منكم تقاطعني.. إلا لو عندها سؤال حقيقي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
الجليلة تتبادل النظرات الممتعضة مع ضي وأميرة : بسم الله ..وش ذا الدكتور المنفس من أولها؟!
فُرات بدأ يشرح لهم مفردات المقرر على جهاز العرض.. وهو يسبُّ تركي في داخله الذي ورطه في هذه المحاضرة..
وهو يرجوه أن يدرس هذه المجموعة فقط كأستاذ زائر.. لأن المجموعة فيها طالبات تخرج ولم يجدوا لها أستاذ..
وفُرات سبق أن درس هذه المادة لطلاب الجامعة في أمريكا إبان المرحلة الأخيرة من دراسته الدكتوراه..
وتركي طلب منه ذلك كخدمة شخصية، لأنه وعد رئيسه أن يجد له أستاذا مؤهلا للمادة..
فُرات حينها زفر بتأفف: يا بن الحلال أنا في أمريكا مادرست إلا فصل واحد..
فرد عليه تركي برجاء: يا ابن الحلال المهم أنك سبق ودرستها..
وهي مجموعة وحدة بس.. عندهم محاضرتين في الأسبوع الاثنين والاربعاء
يعني مالي قدر عندك تردني وأنا متمدح عند رئيسي..
فُرات ببرود: تمدح بعيد عني.. أنا يأبوي ماني بناقص غثا بنات يصدعوني..
بنتي يا الله قادر عليها.. عشان تجيب لي 40 بنت في عمر بنتي..
فحاصرة تركي بعتبه: أفا يابوحمد يعني مالي خاطر عندك.. والمجموعة كلها 23 طالبة..
فُرات بتأفف: الله يصلحك قول آمين.. عطني توصيف المادة لا بارك الله فيك من رفيق..
انتهت المحاضرة على خير.. بالطبع قرأ فُرات اسماء الحضور..وسجل حضورهم.. انتبه لأسماء معينة منها بنات معارف وجماعة..
لكن كان أكثر مالفت انتباهه وجود شقيقتين في المجموعة وهما بنات عم تركي.. وتساءل في نفسه هل يعرف تركي عن وجودهما في المقرر؟!
بعد أن خرجن البنات للخارج..
ضي هتفت بمرح وهي تضغط جانبي رأسها بحركة تمثيلية ثم تهف على نفسها:
يا بري حالي برياه!!.. زين المنطوق والشخصية والرزة.. يا الله ابعت لي من عندك واحد مثله..
حينها هتفت الجليلة بابتسامة حازمة: بصراحة ماشفت فيه إلا غرور يفقع الكبد والمرارة..
أشين مافي الرجال النفخة بدون سبب.. شايف حاله ذا الفرات ما أدري على شنو..
ضي تضع يدها على قلبها: إذا هذا مايغتر.. أجل من الي يغتر.. أنتي ووجهش؟!!!
الجليلة بذات الحزم الباسم: إيه أنا ووجهي.. أقله مهوب كل شوي قايلة وفي أمريكا وفي أمريكا..
نعنبو ماحد راح أمريكا غيره وإلا ماحد يعرف للاقتصاد غيرهم.. بس ماعليه شرهة الإمبريالي..
حينها انفجرت ضي بضحك مكتوم حتى لا يبدو شكلها محرجا أمام الطالبات:
إمبريالي مرة وحدة!!.. ياكبرها!!
بس لا تلومينه القلب يتبع هواه.. دكتورنا المبجل مرته أمريكية..
ابتسمت الجليلة بعذوبة: أجل ستين إمبريالي ونص..الإمبريالية وصلت لوسط بيته.
ثم همست ضي بتماسك مرح: إلا جليلة خانوم الإمبريالية ذي شنهي..؟؟
شكلها طبخة إيطالية...؟؟ فيها لحم وإلا لا؟؟.. لأني ميتة جوع ومستعدة أكل خروف بروحي..
امشوا قدامي مجمع المطاعم.. عازمتكم..
****************************
الإمبريالية: اسم يطلق على سياسة توسيع السيطرة أو السلطة على دول خارج الحدود الإقليمية.. وتكون هذه السيطرة بإيجاد مناطق سيطرة عسكرية أو اقتصادية داخل تلك الدول.. أو بالسيطرة عليها عن طريق السياسية أو الاقتصاد.
وهي اليوم تطلق غالبا على السياسة الأمريكية والمناصرين لسياستها.
********************************
مكان آخر في ذات الجامعة
في مــواقـــفها.. في سيارة مغادرة.. تكاد تشتعل فيها نار حرب مستعرة..
فور أن ركبت جواره تناولت هاتفه وهي تفتش فيه بطريقة محمومة... كان ينظر لها بطرف عينه وهو يشعر أنه سينفجر..سينفجر فعلا..
(أنا الغلطان من يوم سمحت لها تفتش في تلفوني عشان ترتاح
حسبتها بتفتش مرة مرتين ثلاث.. وننتهي من ذا الهم
لكن هي اعتبرت ان تفتيش تلفوني صار حق لها... ومشكلتنا كل مالها تزيد)
تناول الهاتف من يدها بحدة وهو يعيده لجيبه.. غالية همست بغضب:
ليش تأخذه مني؟؟ فيه شيء ما تبيني أشوفه؟؟
جابر هتف ببرود: صار لش أكثر من شهرين وأنتي تفتشينه قدام عيني...
وقبلها سنة تفتشينه من وراي ..وأنا داري وساكت.. ولا فكرت أحط عليه رمز سري..
لقيتي شيء خلال ذا الشهور كلها؟؟
غالية لم تجب عليه وهي تدير وجهها لناحية زجاج النافذة..
هتف بذات البرود: مالقيتي ولا شيء.. ولا راح تلاقين..
أنتي ياغالية ماشفتي أشلون أنا حريص أني أريح بالش.. مع أنه مستحيل رجّال يسمح لمرته تفتش في تلفونه.. لا وقدامه بعد..
وأنا عمري في حياتي ما سمحت لنفسي إني أمسك تلفونش حتى.. ولا عمري رح أسويها..
فخلاص غالية لين هنا وبس.. لو مهما أنا سويت عشانش مستحيل ينشال اللي في رأسش..
عشان كذا تلفوني ما تلمسينه..وياويلش أشوفه في يدش.. ومن اليوم بأحط له رمز سري..
أنتي منكدة علي بدون سبب.. خلش تلاقين سبب..
غالية تصاعد القهر في روحها.. ستموت من شكوكها..
والمشكلة أنها لا تجد لها شيئا لتشك به..
مضى أكثر من عام وهي تراقبه بدقة لا تجد عليه أدنى ممسك..
ولكن حتى لو لم تجد لها شيئا الآن.. فما وصلها من ماضيه كفيل بإثارة شكوكها لألف عام..
كلما استعادت تلك الذكرى قبل حوالي عام ونصف..
تشعر أنها ستتقيا.. تحترق.. تتفجر.. تتناثر أشلاء من الغيرة والغبن..
*******************************
مازلنا داخل حدود الجامعة.. وفي داخل مبنى كلية الإدارة والاقتصاد هذه المرة..
ألقى ملفه على مكتب تركي بتأفف: تدري يا تركي الزفت.. والله لأطلع ذا المحاضرتين من عينك
كل أسبوع بأطلع عينك مرتين.. كل ما طلعوا البنات عيني..
تركي يبتسم: البنات جننوك؟؟
فُرات باستنكار واثق: جننوني؟؟!! ما بعد جابتها أمها..المجموعة كلها باين عليها الغباء المريع مثل ما كنت متوقع تماما..
لا فيهم مجموعة قرفان منهم ومخنوق..
رايحين عرس حسبي الله على أبليسهم..
عقولهم أول مافيها شيء حق الدراسة.. وأكيد عقب الديكور مابقى فيها حتى نتفة للدراسة..
اللي في رووسهم حق التفاهة والكشخة والمكياج والاستعراض الماسخ..
والوحدة منهم لا حكت بمياعتها.. ودك تلتها كفين.. تقول انعدلي يا بنت لا تطيحين على جنبش..
لا وعادك تقول لي ليش قلبك مليان على نسوان العرب.. هذي عينة منهم..
لا وهذي مفترض العينة الأرقى.. طالبات جامعة..
أنا ما اتحمل العربيات سيدات أعمال.. كيف أتحملهم بزارين؟!
يا الله الصبر من عندك!!
تركي مازال يضحك: لا والله قلبك متروس.. ومتروس
فُرات هتف بثقة: اسمعني تركي.. أنا وافقت استلم المجموعة عشان خاطرك..
وأنا مهوب اللي يعجزني أي شيء..
بس أنا قلت لك من أول ما استلمتها.. أنه يا ليت تدورون دكتور ثاني..
أنا مشاغلي كثير.. ومالي خلق تدريس.. أنت عارف وش كثر عندي مشاريع تبي تركيز..
يعني على الأقل يستلمهم مني بعد امتحان الميد تيرم.. وكذا أكون كفيت ووفيت..
تركي بثقة: ورئيس القسم يدور.. وسوا اتصالات مع بعض الدكاترة .. وتقريبا اتفق مع واحد.. بس يبي له وقت لين يخلص اجراءاته..
استحملنا شوي.. وتحمل بناتنا شوي..
فُرات بتأفف: مهوب لو معطيني مجموعة عند الشباب كان أحسن..؟؟
تركي بنبرة مقصودة: أفا يأبو حمد.. ومسوي روحك الرجل الحديدي..
وأخرتها منت بمستحمل شوي بنات في سن بنتك.. خليتهم يطلعونك من طورك ومن محاضرة وحدة..
فُرات ينظر له من تحت أهدابه بطريقته المعتادة حين لايعجبه الكلام ويهتف برده المعتاد : ماعليك مردود..
*********************************
" خلصت محاضراتي وقاعدة أنتظرش..
يا دوب أقعد معش شوي..
وانتي بعد تأخرتي علي"
تتنهد الهنوف: وش أسوي ضي؟؟ كان عندي شغل في الدوام لازم أخلصه.. وجاية دايركت من الدوام..
ومثل ما تعرفين ماعاد عندي محاضرات ولا مقررات... اشتغل على الرسالة خلاص..
ومو ضروري أجي للجامعة إلا إذا أبي أقابل المشرف.. أو أبي المكتبة..
ضي ترقص حاجبيها: وليه أساسا تجين الجامعة؟!!.. الجامعة بكبرها تجي لعندش وتحت أمرش.. يا حرم الدكتور...
الهنوف تتأفف: يا ثقل طينتش.. ما أدري متى ربي بيشفيش؟؟
ضي بابتسامة: إلا ما أدري متى ربي بيشفيش أنتي؟
ثم أردفت بجدية بدت غريبة على مرح ضي: ترا يا الخبلة دكتور تركي يجنن.. يــــجـــــنــــن!!
بنات الكلية كلهم مستخفين عليه..
أصغر دكتور في الكلية..ووجه جديد.. وجنتل وشكله يهوس..
الهنوف بغضب مكتوم: أنتي ما تستحين تتغزلين في رجالي قدامي..
ضي ضحكت: أيوه كذا.. خلش كذا.. مابغيتي.. قهرتيني..
إذا قعدتي مسوية فيها السفيرة عزيزة.. ونافخة ريشش على ذا المسكين.. ترا ماحد بيتندم غيرش..
الهنوف تتأفف بقوة: ضي لو سمحتي.. تركي لا عاد تجيبين سيرته.. لا بالزينة ولا بالشينة..
ضي التي لا تعرف الزعل إطلاقا ضحكت وأردفت: المسكين عنده بنات عم غيرش يطيحون الطير من السما.. غير حظه الأقشر رماه عليش..
حينها ابتسمت الهنوف رغما عنها: إيه الحين صاروا جيلو وأميرة أقرب لش مني يالخاينة.. لدرجة أنش تبين تزوجينهم رجالي..
ضي بمودة عميقة: مافيه حد أقرب منش يا الخبل..
ثم أردفت بإبتسامة: مع إنه جيلو وأميرة يستاهلون يصيرون أقرب منش..
الهنوف ضربت كتف ضي مازحة: أنتي أساسا ليش قعدتي تنتظريني؟؟ عشان تغثيني؟!!
ضي تضحك: أجل خلني أروح قبل تتصل السيدة ملعقة وتفتح معي تحقيق ليه تأخرت؟
حينها هتفت الهنوف بمودة عميقة: فديتها فهدة... واحشتني الكلبة.. أمانة خلوها تنام عندنا ذا الويكند ..
عمي عبدالمحسن ميت شوق لها.. خلها ترد قلبه شوي..
ضحكت ضي: حلاوة عمش عبدالمحسن .. توه ماخذها أمس ما بغى يردها..
لو تشوفين شكل أمي وخالي جبران.. قاعدين متقابلين يكشون ذبان..
أخرتها خالي جبران راح بنفسه يجيبها ماعاد تحمل غيابها..
ومابغى عمش وعمتش يخلونها ترجع..
تنهدت الهنوف بحزن: الاثنين ميتين شوق لصيتة ميتين ميتين.. شوفة بنيتها ترد قلوبهم شوي..
تنهدت ضي: هم عادهم مصممين إنهم مايروحون يزورونها..
الهنوف بألم عميق: نذروا إنهم ما يزورونها.. وإذا تبي تشوفهم هي اللي لازم تنزل الدوحة .. تشوفهم وترجع..
ضي بمؤازرة: الشيبان والعجايز ذولا غريبين.. مفروض يوقفون معها موب ضدها..
الهنوف بذات الألم: محطمتني صيتة.. مسكينة ما تدري وين تلقي وجهها.. الله يكتب أجرها ويقوي عزايمها..
******************************
قبل ذلك بقليل..
يخرج من الجامعة بعد انتهاء محاضرته.. ليرى سيارة البيت تدخل إلى الجامعة
يشعر بقهر متعاظم في روحه...
مرت ثلاثة أشهر منذ عودته إلى الدوحة.. منذ قهرته.. منذ بدأت تثير جنونه..
يبدو كما لو كان جنونه قد تراكم في أعماقه لقرون.. ينتظر فتيلا ليشعله.. وكانت هي الفتيل..
وأي فتيل؟!! أي فتيل؟!!
مضت ثــــلاثة أشهر منذ بدأ جنونه اللذيذ بها..
كم تبدو تلك الفترة له الآن طويلة لا تكاد تنقضي..
لا يعلم أي فوضى حواس أحدثتها في كيانه..
هذه الثلاثة شهور صنعت بينهما تراكمات أعمق بكثير من الأعوام الثمانية التي مضت..
وكم هو نادم لأنها تركها تفلت طيلة تل السنوات!!
كم هو نادم!!
لا يمر يوم أو يومين لا يراها داخلة أو خارجة.. للجامعة.. لعملها.. لبيت عمها طالب..
لواجب اجتماعي ما.. مع والدته لشراء أغراض البيت..
عدا عن مواقف متكررة مبتورة مؤلمة تحصل بينهما..
وفي رمضان الذي انتهى قريبا..
رآها بشكل متكرر في المطبخ الخارجي وهو يحضر لنقل أواني الفطور إلى المجلس..
وفي كل مرة يراها تكون إمّا ملتفة بسوادها.. أو بجلالها كمومياء باردة تقف صامتة في الزاوية..
يود لو يحرقها بحرارة زفراته التي ينفثها في أعماقه حين يراها..
ويمنعه وجود أمه أحيانا والبندري أحيانا أخرى من توجيه خطاب مباشر لها.. عدا التحيات الباردة المختصرة..
" كيف حالك؟؟"
"بخير"
" مبارك عليك الشهر"
"عيدك مبارك"
هكذا كل مادار بينهما من الحوار..
جمل مبتورة.. مراوغة.. شاردة.. محملة بتأويلات اللا تأويلات..
وفي كل مرة ترد بها عليه.. يشعر أن ردودها مغموسة بحزن غير مفهوم..
يتساءل كثيرا.. ما دمت أراها كثيرا هكذا منذ رجعت إلى الدوحة.. كشيء مفترض لشخصين يسكنان ذات البيت..
فكيف لم أرها طيلة السنوات الماضية؟؟..
لتعود له ذكريات السنوات الماضية.. كفلاشات خاطفة..
كانت دائما متواجدة في المشهد.. ولكن هو الذي لم يكن يبصرها..
كما لو كنت تشاهد صورا لمجموعة من المشاهير... ومهما كان معهم في الصور من بشر .. لن تنتبه إلا لهم.. لن يشغل بالك الحشود الصامتة خلفهم..
هــــكــــذا كــــانــــت... شبح باهت على أطراف حياته..
أتتسائل الآن ياتركي لماذا هذا الحزن الجليل يسربلها؟؟
يكاد يجن وصورة وجيعة الهنوف تتكامل في مخيلته.. صورة الحرمان الكامل..
يتيمة.. وحيدة.. منبوذة من المخلوق الوحيد الذي كان لابد أن يحتويها..
يلكم مقود السيارة بقوة .. أي مخلوق سادي أنا؟؟ هل استمتعت بقهرها وأنا أبقيها مربوطة إلى دوامتي لثمان سنوات؟!
يا الله كم هي طويلة هذه السنوات!!.. أيام وليال متتالية لا تنقضي...
ماذا فعلتِ في كل تلك الليالي؟؟
هل بكيتِ ياعذوبتي المصفاة؟؟ هل شنقتني على مشانق دموعكِ؟؟
هل أشبعتني سبابا أستحقه؟؟ هل نفضتِ رأسك في كل مرة تذكرتني فيها كأنك تريدين التخلص من قذارة التصقت بخيالك؟
لا ألومـــكِ..
أكاد اختنق من نفسي.. بت أكره نفسي من بعد أن أعدت اكتشافكِ كمعجزة اختبأت تحت ردائي لسنوات..
أعلم أني غبي وأحمق.. وإلا أيّ رجل تكونين له ويتجاهلكِ وكأنكِ غير موجودة؟؟
أ يعقل؟؟ أنتِ غير موجودة؟؟ !!
كيف و كل حضور بشر هذا الكون ووجودهم لا يوازي لمحة من حضورك ووجودك..
حين أراك تقفين في منفاك الاختياري في زاوية المكان.. يُهيأ لي أن بؤرة الزمان والمكان تحولت إلى تلك الزاوية التي لابد ستجن فرحا لأنها احتوت وقفتكِ في ثناياها..
لماذا تبدين متباعدة.. شاردة.. وحزينة.. حزينة جدا!!
تباعدك يشعرني ببرودة تمزق أوصالي بقسوة طعنات جليدية
وشرودك يأسر كل تفكيري ليحبسه في أعلى برج لا يصله سواك..
أما حزنك.. وآه من حزنك.. حزنك قد يقتلني يوما لفرط ما يطعن في فؤادي الذي أضناه هذا الحزن فوق بعادك..
ألا يصلك بعضا مما أشعر ياهنوف قلبي؟!.. البعض فقط؟!
لأنكِ لن تحتملي الكل.. صدقيني لن تحتمليه!
فهذا الكل الذي أحمله لك بات يضنيني..
أشعر أني سأنفجر لفرط ما بتت (أحــبــــــكِ)
نعم.. أحـــبـــكِ..
هل تستغربين ذلك؟؟
ربما يكون ذلك انتقامه عز وجل لكِ..
أخبريني بماذا دعوتِ الله؟؟
هل دعيتِ عليّ من قلبكِ المحترق؟
هل قلتِ إلهي عذبه بتجاهله لي طيلة تلك السنوات؟!!
أجعله يذكرني في كل دقيقة.. في كل ثانية..
لأكن أقرب له من أنفاسه.. نبضات قلبه.. دفق دمائه.. خلايا جسده..
لأن هذا ما حدث ويحدث.. وهو لم يحدث فجأة.. لكن كل موقف صغير بيننا.. خلال الأشهر الماضية كان يستجلب نحوكِ مشاعرا بعمق قرون..
الآن.. ماعاد لحبكِ عمر ولا مدى ولا حدود.. قبل حدود البشرية ربما..
أشعر أن الأيام التي تفصلني عنك لا تريد أن تتزحزح..
ليست محض تسعة أشهر.. تبدو لي كما لو كانت 900 عام لثقلها على روحي..
وكل يوم يزيد حبكِ في حناياي... يشعرني بتطاول أيام بعدكِ أكثر..
ليس لي سوى ذكرياتي الهزيلة أجترها مرارا وتكرارا علها تصبر قلبي ..لأجدها تؤججه وتزيده احتراقا ..
.
.
تعود ذاكرته المثقلة بالشجن للوراء.. ذكرياته الأثيرة معها..
يتذكر قبل 3 أشهر حين انفجر فيها انفجاره المدوي في حفل تكريمها..
كان الصداع سيفجر رأسه وهو يراها تنزل أمامه وتمشي بخطوات يائسة..
وهي تسحب قدميها بثقل متجهة للداخل..
هتف لوالده باستعجال وهو يقفز خلفها: يبه بأكلم الهنوف بعد أذنك..
الأذن الذي لم ينتظره حتى، وهو يقفز قبل أن يسمع رد والده..
ليلحق بها وهي تكاد تصعد الدرج.. أوقفها صوته الحازم ينادي اسمها..
"الــــهـــــنــــــــو� �"
توقفت وهي تشيح بنظرها عنه.. مابقي في الروح مكان للحزن الذي لم ولا تعرف سواه..
همست بنبرة صادرة من العمق تماما.. حملت رائحة الحزن حتى الاختناق:
تكفى يا أبو عبدالمحسن.. اعتقني.. الله يعتقك من نار جهنم..
رائحة الحزن في صوتها قلبت كيانه.. سماوية.. أثيرية.. تجتاز الحواجز والمتاريس..
ونظرة عينيها الذابلتين الساحرتين المحمرتين -التي يراها لأول مرة بوضوح تطل عبر فتحات السواد الذي يحمي وجهها من نهم عينيه- أسرته أسرا أبديا علم أنه لا فكاك له منه
صوته مثقل بحزم اعتاده ولا يريده:
الهنوف أبي أعرف ليش تبين تأجلين زواجنا ذا كله؟!
الهنوف أنا صحيح شاريش.. لكن لو أنتي ما تبيني.. صدقيني باحترم قرارش..
ماحد بقاهرش على شيء وأنا رأسي يشم الهوا..
صوتها مازال مغرقا بالحزن الذي اكتسى هذه المرة خليطا غريبا من الحزم والسخرية:
ماقصرت ياولد عمي ماقصرت على حس الرجولة المتأخر ذا!!
عقب ثمان سنين جاي تسألني عن رأيي..
الحين طرا عليك تحترم قراري؟!!
لا ياولد عمي.. أنت في رأسك موال...
من يوم شفتك جايب لي هدايا وأنت عمرك ماتذكرتني بشيء..
دريت إنك تخطط لشيء...
وعقب سالفة السنة اللي قالها عمي.. قوى إحساسي..
والحين تأكدت..
أنت ياولد عمي المبجل تبي تخلص مني .. وتبي تحطها في رأسي إني أنا اللي ما أبيك..
صحيح النفس عافتك.. ومافيه وحدة ترضى عليها كرامتها تحرص على واحد ناسيها ذا السنين كلها..
لكن أنا ياولد عمي ما أبي أتزوج حد غيرك.. لأنه أنت لو طلقتني مستحيل حد يطل في وجهي..
ولد عمها ماسكها 8 سنين وعقبه يطلقها.. وشو شايف عليها؟؟
وأنت بتلاقي ألف من يزوجك..
أنت وقتها تنبسط.. وأنا أكمل حياة التعاسة اللي ماعرفت غيرها..
لا يا أبو عبدالمحسن لا.. بتتزوجني عقب سنة.. وتعيش تعيس معي مثل ما أنا بأكون تعيسة معك..
استغرقه الذهول وهو يسمع سيلها الحزين الحازم الساخر... ومع ذلك تركها تكمل للنهاية..
أرادها أن تفرغ كبت السنين حتى تصفو الرؤية عندها..
ولكنها لم تسمح له أن يقول شيئا وهي تكمل مسيرتها للأعلى بخطواتها الذابلة..
وهو يستند على حاجز الدرج بإنهاك..
كان يشعر بإحساس غريب اجتاح فؤاده الخالي حينها .. الذي أصبح ممتلئا حتى أقصى حدود المجرة الآن..
أوعدتني بالتعاسة؟؟ لا بأس.. أريد تعاستك التي ستهدينها لي؟؟ أريدها؟؟
كوني لي.. وأتعسيني..
بقربكِ حتى التعاسة ستزهر..
أريدكِ أيتها الصغيرة.. أريدكِ..
ماذا فعلتِ بهذا القلب البارد كصاحبه؟!..
ماعاد له من البرود إلا ذكراه..
أشعلتِ كل مافيه.. كل مافيه.. حتى كاد يستحيل رمادا..
لا صبر لي ياصغيرتي.. لا صبر لي!!
أعيش على ذكرى لمسة أطراف أناملكِ اليتيمة.. هل تصدقين لو قلت لكِ أني شعرت أن أناملي ستحترق.. بل احترقت وهي تحضى بلمستكِ الأزلية..
لا أعلم هل قصدت أن أتلمس أناملكِ؟!!.. أو كانت عفوية؟!!
لا تصدقيني.. فمعكِ ماعاد للعفوية حضور.. كل شيء أفعله أقصده..
وأخطط له كمحارب أنهتكه الهزائم وكل أمنيته أن يحقق نصرا واحدا..
فإذا بكل خطة تنسف من أساسها لتكوني وحدك المنتصرة.. وأنا الخاسر الوحيد..
.
.
كان يوم عيد الفطر قبل حوالي 5 أسابيع..
تهاني العيد وبهجاته..صباحه الباكر المنعش..
تعلقت البندري بعنقه وهي تهمس بطفولتها العذبة: عيدك مبارك ووينها عيديتي..
ابتسم وهو يطبع قبلته الحانية على خدها: اصبري على رزقش.. لا تخافين مانسيت عيديتش.. ماني ببايع عمري..
مع أنه متعب توه يقول لي لا تعطي البندري شيء.. يقول أنش خذتي كل اللي في بوكه حتى الفكة عيديات البزارين..
البندري بدلالها الطفولي: ياسلام...
ليش يحط نفسه حاتم الطائي؟؟ وإلا يستعرض قدام أم البنات؟!!
الأخ لاهي يزط حلويات قلت له أبي عيديتي.. قط بوكه علي.. وقال اخذي اللي تبين..
أنا خذت اللي أبي بس.. شفت أشلون قنوعة..
ابتسم تركي: كم خذتي منه يا القنوعة؟؟
البندري أشارت بيديها بالرقم.. وهي تبتسم بذات الخبث الغارق في عذوبتها الخاصة..
تركي بصدمة باسمة: يالمجرمة.. قصبتي الرجّال..
البندري بتأفف: هذا كله عشان ما تعطيني عيديتي؟!
ابتسم تركي: والله متعب عايدش عن عشر سنين قدام.. نيابة عنه وعني وعن إبي ..
وهـــــــــــــــــــــــ ــي في زاويتها البعيدة..
غارقة في بياض جلالها الواسع.. تود أن تنهض لتقوم.. ورؤية تدلل البندري على تركي يثير حرقة مرة في قلبها..
ليس غيرة على تركي.. بل ذكريات مرة اخترمت روحها.. ذكرياتها الأبدية مع الراحلين..
(لو كان أخي مازال حيا الآن.. هل كنت سأتدلل عليه مثلها؟!
ربما أكثر... أكثر..
رحمة الله عليه.. كانت طلباتي كالأوامر عنده)
تغتالها ذكرياتها الشاردة مع الراحلين...
كان يكفي أن تهمس بالشيء لتجده.. والدتها لم تنجب سواها هي ومتعب الذي يكبرها بعشر سنوات لمشاكل عندها في الحمل..
تكاد لا تتذكر لها مكانا سوى عنق أخيها متعب حتى كبرت وهو يحملها من مكان لمكان..
تأخرت في المشي.. لأنه لم يكن يسمح لقدميها أن تلمس الأرض إلا لماما..
وما تبقى من الوقت تتجاذبها يدي والدتها أو والدها..
(هل كنتم تعلمون أن وقتكم معي قصير هكذا؟؟
لماذا لم أكن معكم في الحادث؟؟ لماذا تركتموني عند جدتي؟؟
هل كنتم تعلمون أنكم راحلون.. وأردتم أن ترحلوا بدوني..؟!
ماذا تركتم لي من بعدكم.. ماذا تركتم..؟!
الحرقة التي التهمت صدري.. الحزن الذي ماعدت أعرف سواه... أشباح الذكريات التي تطاردني في نومي وفي صحوي..؟؟
إحساسي المستقر في أعماقي أني سأبقى نكرة.. متطفلة على حياة بيت عمي..؟؟
حتى هذا البائس الذي يستمتع بقهري كما قهرني طيلة السنوات الماضية.. ظننت للحظات طفولية أنه سيكون ميناء غربتي التي لا تنتهي..
ولكن يبدو أن غربتي لا ميناء لها سوى عند رب العباد حين تستقر روحي في مثواها الأخير..
كل عيد بعدكم لا نكهة له.. ولا معنى.. حتى الأعياد ارتحلت معكم
العيد عيد الله ومعايدة الأحباب..... عزي لعين ماتعايد حبايبها
فكيف والعين لن تراهم حتى؟!!
هــــــــــــو..
يدعي انشغاله مع البندري.. بينما من تشغله تلك المتباعدة في زوايتها المقيتة.. منذ أن سمع همسها الشجي الحزين كما هو على الدوام حين هتف لها بحزمه المعتاد:
عيدش مبارك..
لترد عليه : وعيدك مبارك..جعلك تعوده العام وكل عام..
(أتقصدينها حقا؟؟..
عيد الفطر القادم.. سيكون عيدي الأجمل..
لأنه سيكون عيدي الأول معك..
بل حياتي معك ستكون عيد متصل لا ينتهي..)
بينما هي غارقة في ذكرياتها منذ ألقى عليها معايدته الباردة.. شعرت أن برودتها لاسعة..
(ومتى لم يكن هذا البارد باردا؟؟)
(ليته يسكت فقط.. وينسى أني موجودة حتى!!)
أخرجها من شرودها طرقات حانية على كتفها (الهنوف يأمش مدي يدش اخذي عيديتش من تركي)
انتفضت بجزع وهي تصرخ في داخلها (وش عيديته هو وجهه؟)
زادت رعشتها التي لا تعرف لها سببا وهي تراه يقف قريبا منها ويمدها بظرف مغلق..
وهو يهتف بنبرة أقرب للسخرية: ترا يدي اجعتني وأنا مادها..
اضطرت أن تقف لأنها رأت أن في جلوسها قلة تهذيب..
كانت ترتدي كعبا عاليا تجاوز طولها كتفه بقليل.. كان هو من استشعر طولها الجديد بولعه الجديد القديم..
فهو يكاد يحفظ طولها لكثرة ما تمعن فيها
(وش عندي غير ذا الزول أتمقل فيه.. دام حتى شوفة وجهها شاحة فيها)
همست بارتباكها الخجول: مافيه داعي يأبو عبدالمحسن.. خيرك سابق!!
آلمته كل كلمة في عبارتها القصيرة ..
بدءا من (مافيه داعي) مرورا ب (أبو عبدالمحسن) وانتهاء بـ(خيرك سابق)..
كم طعنة في عبارتك القصيرة ياصغيرتي؟!.. كم طعنة؟!.. تشفي وابتعاد وتذكير بظلمي لك..
أم متعب بإصرار: الهنوف عيب عليش.. رجالش ذا مهوب غريب.. اخذي عيديتش.. حالش حال البندري..
شعرت أنه سُكب فوق رأسها ماء متجمد خجلا وارتباكا وكلمة (رجالش) تبعث فيها أحاسيس مرة من الخجل والخذلان واليأس..
مدت يدها وهي تهمس بخفوت لأن أم متعب انشغلت بمكالمة معايدة: بأخذها قدام أمك لكن تراني بارجعها..
همس لها بخفوت حازم: رجعيها عشان تمنين ألف مرة أنش مارجعتيها..
حينها لامست أطراف أنامله الدافئة أطرافها الباردة وهي تأخذ الظرف منه..
انتفضت بجزع والظرف يسقط من يدها.. شعرت أن صوت دقات قلبها يكاد يصم أذنها..
(يمكن يكون يسمع صوت دقات قلبي من علوها..
الله يأخذ عدوك يا تركي أنت وعيديتك..)
انحنت لتأخذ الظرف وانحنى معها.. حينها كفت يدها بسرعة لتترك الظرف له..
هل كنتِ تعلمين ياصغيرتي أنني كنت خططت للقبض على يدكِ كاملة في لحظة الانحناء تلك؟!!
لم أكن لأهتم لوجود أمي أو البندري..
فتفكيري نسفته أطراف أناملك وهي تحرضني للمزيد..
أردت أن أعرف من لمجرد أطراف أناملها هذا الإحساس فكيف بيدها كاملة؟!
.
.
يعود بالذاكرة أكثر وأكثر ..
إلى مواقفهما المبتورة التي تؤرقه.. وتغذي شجنه.. وتؤجج مشاعره..
يعود إلى تلك الليلة التي اتخذ فيها وجودها المتأخر في بيت عمها طالب عذرا لكي يراها..
بعد أن أرهقته محاولاته لرؤيتها بعد موقفهما يوم تكريمها..
أراد أن يفهم ماذا حدث له ذلك اليوم..
وصورة عينيها المحمرتين وهي تقف على اول عتبات الدرج تحتل كل تفاصيل تفكيره.. ولا تترك له أي منفذ..
أراد أن يراها بأي شكل..
وكان يحاول باستماتة طيلة الأيام الماضية دون فائدة.. وكأنها تتقصد تركه معلقا ملهوفا..
كان يعسكر بالساعات في صالة البيت...
يتعمد أن يدخل البيت دون إذن..
ولكن كل محاولاته البائسة تبوء بالفشل..
حتى دخل إلى البيت تلك الليلة دون أن يخطر له أبدا أنه قد يراها..
ولكنه أراد إحضار هاتف حزام الذي نساه في المجلس..
فوجئ بالبندري في الصالة تنتظر عودة الهنوف..
وفـــجــــأة.. وجد الحجة والغطاء المناسب!!
(اللهم لك الحمد ياربي... اللهم لك الحمد
وأخيرا سأراها..
تلك الآسرة طويلة اللسان..)
كان يقف عند الباب الفاصل بين بيتهم وبيت عمهم وبجواره البندري..
يشعر بهذا الإحساس الغريب لأول مرة.. شعور لهفة مريب شهي بهي جعل دقات قلبه تتصاعد بعنف..
وآلام لذيذة تنزل من حجابه الحاجز إلى معدته..
لا يعرف لها سببا..
"وش فيك يا تركي؟؟.. اركد..
اركد..
تراك شيبه عمرك 32.. منت ببزر أبو 18.."
كان يتمنى لو استطاع رؤيتها دون وجود هذه العزول الصغيرة...
لكنه كان مضطرا لذلك..
خشي أن تراه وحده فتعود أدراجها..
وهو سيموت إن لم يراها.. ولا يعلم لماذا تلتهمه اللهفة.. لا يفهم حتى سببها
لابد أن يراها ليفهم.. ليرتاح..
وأهون الشرين أن يراها ولو بوجود البندري..
رأى زولها من بعيد يتهادى.. فشعر أن دقات قلبه تتصاعد أكثر مع اقترابها..
حين وصلت انفجر بها: تمشين على بيض أنتي؟؟
لم يجد شيئا آخر يقوله.. ماذا يقول؟
ماذا يستطيع أن يقول ولا يظهره بمظهر المراهق ؟!!
هل يخبرها إنه شعر أن خطواتها كانت تمر فوق شغاف قلبه؟
أن كل خطوة تخطوها كانت كسهم ينغرز في روحه؟!!
وأنه لا يفهم ماذا حدث ويحدث له؟!!
وأنه يشعر بالقهر والظلم والغبن لهذه المشاعر التي تهدي كبريائه العتيد إليها دون أدنى مقاومة منه؟؟
تنهدت الهنوف وغيظها يتصاعد منه.. وخجلها يخنقها ومع ذلك همست بنبرة مقصودة:
ليه وراي موعد مع سيادة الوزير؟؟
تركي بذات النبرة الغاضبة: وعادش مخْمِلة ولسانش طويل ؟!
(مخملة: من ارتبكت شيئا خاطئا.. الخمل: خطأ يُنتقد عليه الشخص.. غالبا حينما تُنتقص العادات والتقاليد والأخلاق الرفيعة المعتادة)
الهنوف بغضب: وش الخمل اللي أنا غديت فيه؟!!
تراني كنت في بيت عمي ومع بناته.. وإذا أنا احترمتك وكبرت قدرك.. ورجعت عشان كلمتك..
مفروض منك تحترمني..
كان سيرد عليها لولا صوت البندري التي نسيا وجودها.. قاطع جدلهما الدائر والشرارات المتبادلة بينهما بقوة: ترانا عند باب البيت....
عادكم مطولين في الهدة؟!!.. أنا أبي أروح أنام..
تركي تنهد بغضب كتمه في داخله.. وهو يود لو يخنق البندري ويوجه كلامه للهنوف بنبرته الحازمة المعتادة:
طيب ممكن يا مدام تتعطفين وتتكرمين وما تطلعين مكان إلا مبلغتني..
الهنوف فتحت باب البيت المؤدي للصالة الرئيسية وهي تهمس بحزم:
آسفة يا أبو عبدالمحسن..
أستأذنك عقب سنة..
الحين مالحد شور عليّ إلا عمي عبدالمحسن.. وانا ما أطلع مكان أصلا إلا مستأذنته..
أنهت الهنوف عبارتها وأغلقت الباب وراءها..
بينما البندري تكتم ضحكتها وهي تقبل أنف تركي وتهمس بمرح:
تصبح على خير يا أبو عبدالمحسن..
وهي ترص على أحرف كلمة (أبو عبدالمحسن).. وتغادره متجهة لداخل البيت
بقي تركي واقفا لدقائق مذهولا.. قبل أن يتوجه لغرفته ببابها المفتوح على الخارج..
لم يكن غاضبا أبدا..أبدأ..
بل مأخوذ بمجامعه..
مأخوذ كله..
يومها اكتشف أن ما يشعر به لا يمكن أن يكون إلا حبا..
ليس غبيا ليعرف أنه بات مصداقا لقول أحمد شوقي:
(يا ويح قلبكَ بالسهم المصيب رُمي!!)
يومها بدأ يعرف معنى لذة الألم ولهفة العاشق ونجوى المحب وشجن الغرام..
يومها بدأ يعرف..
لكنه اليوم.. يستطيع أن يألف ملايين الكتب فيها.. ولن تكفي!!
.
.
.
ذكريات كثيرة تغتاله..
بعضها لا معنى له حتى.. ولكنها عنده متخمة بالمعاني حد التشظي اللا متناهي..
ولكن أجمل ذكرياته حتى اليوم هو ما سيحدث له هذه الليلة..
.
.
الأرق التهمها هذه الليلة.. كليالي كثيرة.. لاتنام حتى يفتت التعب جسدها فتنام كجثة لا تريد حتى أن تحلم..
فحتى الأحلام مؤلمة.. مؤلمة.. لا بارقة أمل فيها..
يقف مستندا على حاجز الباب.. وأنفاسه تتصاعد رغما عنه..
(ماذا فعلتِ بي ياصغيرة؟!...
بحضوركِ أكون عاجزا حتى من السيطرة على محض أنفاس تتمرد في جلال حضرتك)
يرى ظهرها وهي تمد يدها للرف العلوي من دواليب المطبخ الداخلي..
ترتدي جلالها البغيض على قلبه.. الطويل الذي يكاد يصل للأرض..
ولكنه يعلم أنه على رأسها فقط وأن وجهها مكشوف..
+
أحانت اللحظة التي سأصطاد فيها ملامحها التي أضناني السهر شوقا لرؤيتها؟!
لكنه فوجئ بها تنزل الصحن على الطاولة أمامها ثم تنزل جلالها على وجهها..
وتستدير له وهي تهمس بحزم:
أنت تتصيدني يا تركي؟؟
يرى ظهرها وهي تمد يدها للرف العلوي من دواليب المطبخ الداخلي..
ترتدي جلالها البغيض على قلبه.. الطويل الذي يكاد يصل للأرض..
ولكنه يعلم أنه على رأسها فقط وأن وجهها مكشوف..
أحانت اللحظة التي سأصطاد فيها ملامحها التي أضناني السهر شوقا لرؤيتها؟!
لكنه فوجئ بها تنزل الصحن على الطاولة أمامها ثم تنزل جلالها على وجهها..
وتستدير له وهي تهمس بحزم:
أنت تتصيدني يا تركي؟؟
رغم أنه أطلق في داخله سيلا طويلا من الشتائم المقهورة
(أشلون عرفت أني موجود؟!!)..
إلا أنه كان محلقا لأنه يسمعها لأول مرة تناديه باسمه المجرد..
(تـــــــركــــي)
هل لأسمي هكذا جلال وجمال؟!!
كيف تحول اسمي لأيقونة جمال بمجرد أن نفثته سحرا خالصا من بين شفتيها؟!
أجابها ببروده المدروس الاحترافي: يمكن صدفة؟؟
أجابته ببرود مشابه: ياكثر صدفك ذا الأيام!!
تجاهل تعليقها وهو يسألها بشكل مباشر: أشلون عرفتي إني موجود؟؟
أجابته بذات مباشرته وبنبرة أقرب للسخرية: الجيران شموا ريحة عطرك.. أشلون اللي مابينك وبينه خمس أمتار..
أجابها بعمق مؤلم يخفيه خلف بروده: ليه حاس كأنها 500 كيلو؟!!
هي أيضا لم تعلق على ماقال بل هتفت بطريقة حازمة:
تركي ترا عيب عليك اللي تسويه.. وأنت تحاول تتصيدني في كل مكان..
عندك شيء تبي تقوله.. رقمي عندك..
أجابها بثقل: يعني كأنش بتردين علي؟!!..تدرين أني حاولت كم مرة.. بس أنتي تغلين..
قلت خلها براحتها تتغلى..
والحين ماعندي شيء أبي أقوله.. بس فيه شيء أبي أشوفه..
تصاعدت دقات قلبها رغما عنها.. خوفا ربما..
ومع ذلك همست بحزم: لو سمحت تركي وخر عن الباب.. بأطلع..
همس بابتسامة متلاعبة: وليه ما تكملين اللي جاية تسوينه؟؟.. شكلش كنتي تبين تسوين لش أكل...
وتدرين اسمي من بين شفايفش له طعم ثاني.. أبو عبدالمحسن دمها ثقيل على قلبي..
همست الهنوف بذات الحزم الذي تشعر أنه قد يغمى عليها خلفه:
زين يا أبو عبدالمحسن.. وخر من طريقي قدام أشتكيك لعمي ..
أجابها ببرود مغلف بالحزم: تراني ماني ببزر تهدديني بإبي.. وتراني أقرب لش منه..
عادي قولي له اللي تبين.. واشتكيني كثر ما تبين..
ثم أردف بنبرة مقصودة: وتبين تطلعين؟!!.. قدمي مقابل واطلعي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
امتقع لونها (يا الـــخــســيــــس!)
لم تتكلم.. وإن بدا ارتعاشها واضحا..
هتف تركي بنبرة باسمة أقرب للضحك: ما أدري وين وداش تفكيرش؟؟.. بس شكله راح بــــعـــيــــــد..
كل اللي أبيه.. أنش توعديني ما تتغطين عني..
أنا رجّالش ومعش في البيت وتتغطين عني!!!.. تشوفينه شيء منطقي؟؟..
حينها استعادت سيطرتها على نفسها بالكامل: آسفة.. واسمح لي..
رجّالي عطلة الصيف الجاية.. الحين ما لك عندي شيء.. لا شوفة ولا غيرها..
حينها فاجأها أنه ابتعد عن الباب ليتيح لها الخروج ودون أن يتكلم..
(غريبة.. وش عنده الأخ؟!)
غادرت الهنوف.. ليعود هو للمطبخ ويسحب أحد المقاعد ويجلس..
منهك أنا ياصغيرتي.. منهك!!
لأطول مرة أتحاور معكِ وأكون خلال الحوار معكِ في ذات المكان لوحدنا..
أرهقتني هذه السعادة البائسة المبتورة..
عاجز عن احتمال كل هذا!!..
كنت أخشى أن ينفجر قلبي فلا أجد إلا أشلاء متناثرة يرهقني جمعها من تحت قدميكِ وأنتِ تقفين عليه..
هاهنا.. حيث كنتِ تقفين تماما...
*****************************
يمد سمرة كفه إلى بطنها وهو يمسح عليه بحنان ويهمس بحنان أشد:
مافيه سعيدان وإلا سعيدانة في الطريق..؟؟
مدت يدها بحنو لتمسح على رأسه المستند لميناء صدرها وتهمس باختناق: الله كريم..
اعتدل جالسا وهو يهمس بنبرته الواثقة المعتادة:
صار لش 3 شهور من يوم خليتي الحبوب.. شفقان على حملش ما تتخيلين أشلون..
عندي إحساس إن ربي مهوب مخيبنا ذا المرة..
صمتت والألم يمزق روحها تمزيقا..
تعيث بروحها مناجل الوجع بوحشية..
في داخلها غابات سوداء ومتاهات من الخوف والجزع واليأس..
(لن أحتمل فقدان طفلي مرة أخرى.. لن أحتمل..
سأموت هذه المرة.. أعلم أني سأموت
اليأس تحكم من روحي وأعشوشب حتى أقاصيها)
تناول سعود كفها نافثا في باطنها أنفاسه الوالهة .. ليفلتها برقة وهو يهتف بذات الوله:
يا الله حبيبتي أنا طالع الدوام.. تبين شيء؟!!
همست دانة بحزن: أكره طلعتك للدوام ذا الحزة..
رد بحزم وهو يعتدل أمام المرأة ويلبس قبعته العسكرية: هي بس مرة كل أسبوعين..
ثم أردف وهو يعود ليميل على رأسها مقبلا ويهتف بحنان: وبليز نامي.. وراش دوام..
وضعت كفها على خده وهي تهمس بحنان: تدري أني ماراح أنام.. أول ماتوصل دق علي..
أشار لها بيده وهو يخرج ويغلق الباب وراءه..
لتسمح حينها لسيل دموعها بالانسكاب بصمت..
(سامحني يا سعود.. سامحني..!!
أدري أني ما أقدر أعطيك الفرحة اللي تتمناها
بس أنا ما أقدر أتخيلك مع وحدة غيري..
مــا أقدر..
أموت من مجرد الفكرة.. أشلون لا صار صحيح..)
(أعلم أنني أنانية.. ولكن متى كان الحب غير أناني؟!
الحب هو الأنانية بحد ذاتها..
وأنت تعلم ياسعود أن حبي لك ليس كأي حب..
أنا وُلدت وأنا أحبك.. يبدو لي أن أمي أرضعتني حبك بدل الحليب..
فكل خلية في جسدي نمت وهي تشهق باسمك..
أيام عمري كلها مضت وحبك يبني في داخلي قلاع وسراديب وقصور
حتى استولى على كل ذرة في جسدي وروحي..
أرجوك..ابحث لي عن عذر..
ابحث لي عن عذر)
******************************
ذات المشكلة.. ذات القرب.. لكن ببعد آخر..
تعلم أنه الليلة غير طبيعي ..
منذ أن عاد من الخارج.. وهي تشعر بهم غريب يكتم على روحه الشفافة المرحة على الدوام...
همست بثينة وهي تجلس جواره وتضع كفها على فخذه: حبيبي وش فيك من يوم جيت وأنا حاستك متضايق؟
شفاف هذا الرجل لدرجة الصفاء المذهل.. همس بثقل: تدرين إن عمري عدا الثلاثين..
ابتسمت بثينة بولع: أدري.. العمر كله وأنت جنبي..
شد محمد نفسا عميقا: تذكرين رفيقي جبر اللي تزوج عقبي بأسبوع..
اليوم ماشاء الله جاء له ثالث ولد..
حـــــــــــيـــــنــــــ ـــــها..
سمعت صوت شيء ينكسر في روحها.. شيء اسمه (الاحساس المطلق بالأمان)
محمد منذ تزوجها لم يفتح معها هذا الموضوع أبدا
همست بارتباك وهي تقف: مبروك.. لازم أكلم مرته أبارك لها..
شد يدها ليعيدها إلى مكانها جواره.. وهو يهتف بشفافيته المؤلمة:
بثينة أنا عمري مافتحت ذا الموضوع معش.. كنت أقول تو الناس..
بس أربع سنين مرت وأنا مستغرب انش أنتي مافتحتي الموضوع ابد..
ما تتمنين يكون عندنا أطفال؟؟
همست باختناق: أكيد أتمنى..
هتف بحزم: إذن ..خلاص بكرة نسوي الفحوص..
لم يستطع أن يخبرها أنه سبق له أن قام بالفحوص وقبل 3 سنوات..
لأنه كان يخشى أن يكون العيب منه.. لأنه سبق أن تعرض لحادثي سيارة اثنين..
كان لا يريد أن يظلمها بأي صورة..
ومنذ ثلاث سنوات وهو يعلم أنه لا عيب فيه.. وكان يعلم هذا طيلة السنوات الماضية..
ولكنه حرص على ألا يجرحها بأقل شيء قد يؤذي مشاعرها الثمينة..
وهو يرى أنها تبدو غير مستعجلة على وجود أطفال.. فأراد أن يمنحها المساحة التي تريدها.. وأن تكون مستعدة له وراغبة..
همست بارتباك متألم: زين خلنا نأجلها شوي لين أستعد نفسيا...
رفع حاجبيه باستغراب: تستعدين نفسيا ؟؟ ليه حن بنروح نحارب؟؟
لم يقاوم انهمار دموعها: تكفى محمد بس كم يوم..
انتفض بجزع وهو يحتضنها بقوة وحنان: خلاص.. بلاها ياقلبي.. كله ولا دموعش
أبد متى مابغيتي فحصنا..
أغرقت صدره بدموعها.. كانت دموعها تنهمر بغزارة، وحزن مدمر يستولي على كل مكامن روحها..
ومحمد عاجز عن فهم سبب هذه الدموع..
توقع أنها ستفرح..ردة فعلها كانت غريبة وغير متوقعة أبدا..
(يا ليتك يامحمد بتنسى الموضوع صدق.. يا ليتك!!..)
******************************
جبهة ثالثة.. أحــــد.. وأهـــــدأ..
"أنت قلت للسواق إنك أنت اللي بتودي ريم بكرة للروضة.. موب أنا؟؟"
رفع متعب الجالس في صالة البيت السفلية عينيه عن هاتفه وهو يهتف لها بهدوء:
إيه أنا بوديها..
مها جلست على مقعد قريب/بعيد وهتفت بهدوء مشابه: بس بكرة دوامك الساعة خمس الصبح.. كيف أنت اللي بتوديها؟؟
هتف بذات الهدوء الساكن: تغير دوامي.. خليته كل يوم الساعة 7 ونص..
قدمت على تغيير الدوام صار لي شهر عشان كل يوم أنا اللي أوديها..
وتوهم ردوا علي اليوم بالموافقة..
مافيه داعي كل يوم تسحبين النوري وغلاوي من أسرتهم وتخربين عليهم نومتهم..
عشان يروحون معش توصلين ريم.. خلش عند البنات وخلهم نايمين..
أنا بوديها كل يوم إن شاء الله.. وأنتي جيبيها..
مازال السكون الغريب المفعم بالجمود حاضرا بينهما.. ومها تهمس : زين أحط لك العشاء..
وقف متعب منتصبا وهتف بحزم : لا بأطلع أمشي لي ساعة زمان أنا وجابر..
مها بتلقائية: سعود موب ماشي معكم الليلة؟؟
متعب بذات الحزم: لا... سعود عنده زام الليلة..
أنهى عبارته وخرج.. بينما مها غادرت المكان متجهة للأعلى..
لأول مرة منذ عامين تعيش مها هذا السكون اللذيذ الهادئ..
وراحة البال المطلقة..
ثلاثة أشهر مرت منذ قرر متعب الاستقلال بنفسه في غرفة الضيوف بالأسفل..
ومن يومها لم يصعد ولو لمرة واحدة إلى الأعلى..
والحوار بينهما يتحول لحوار رسمي لا يتجاوز شؤون البنات والحوارات العامة في أضيق حدودها..
لا تنكر أنها في البداية شعرت بشيء من الذنب.. طمرته بتذكرها لعشرات المواقف القاسية التي عاشتها مع متعب وسلاطة لسانه..
ولا تنكر أنها عانت كثيرا حتى تعتاد على النوم وحيدة.. بعد أن اعتادت على النوم على وقع أنفاسه.. وصلابة عضده..
حتى قررت أن تنام في غرفة بناتها بشكل نهائي..
ولا تنكر أنها تشتاق للأحاديث التي كانت لا تنقطع بينهما.. وهي تغرق الآن في الصمت بين جدران البيت..
فــهــما.. بعيدا عن تعليقاته المرة على وزنها من حين لآخر..
كانا يتحاوران في كل شيء وفي أي شيء..
وكانت تعرف عنه كل تفاصيل يومه.. كما يعرف كل تفاصيل يومها..
وكان -الهاتف الصامت منذ ثلاثة أشهر- لا يفتر بينهما..
ولا تنكر أنها تشتاق لحكايات مغامراته اليومية في العمل.. اليوم انقذوا قطة تعلقت بعمود نور.. أو طفلا تعلق بشجرة.. أو أطفئوا حريقا كبيرا..
ولا تنكر أنها تقلق عليه من عمليات الإنقاذ كما كانت دائما وسابقا دون أن يتغير شيء من ذلك..
ولا تنكر أنها لا تنام حتى تسمع صوت سيارته تدخل البيت.. وهو يغلق الباب الإلكتروني خلفه.. وتطمئن أنه عاد..
لا تنكر شيئا من ذلك.. ولا تخدع نفسها فيه.. فهي دوما كانت صريحة مع ذاتها..
لكنها مستعدة تماما لتحمل كل ذلك والتعامل معه..
مقابل راحة البال التي تشعر بها الآن..
وهي تعيش في سلام بعيدا عن سموم كلماته..
وهي لا تتحفز من مقارنة نفسها به..
ولا تشعر بالانكسار من رؤية جسده الرياضي المثالي المشدود..
ولا تشعر بالاحتقار لذاتها.. وهي تسلمه جسدا تعرف أنه يمتهنه بكلماته الجارحة..
ولا تتلفت حولها وهي تقف على الميزان خوفا من اقتحامه تلك اللحظة..
ولا تحتار وتتألم وتتوتر وهي تختار لباسا يخفي سمنتها خوفا من قسوة تعليقاته..
هي تعيش مرحلتها المريحة الساكنة التي لا تريد تبديلها بأي شيء...
أخذها من أفكارها رسالة وصلتها من أختها الجازي..
"إذا متعب موب عندش دقي علي"
مها اتصلت على الجازي وهي تهتف بقلق و باستعجال: فيكم شيء ؟؟ أمي فيها شيء؟؟
الجازي باستنكار: فالش ما قبلناه.. يعني ما أدق عليش إلا فيه مصيبة..
مها تتنفس الصعداء: توني كنت عندكم من ساعة.. تروعت..
الجازي تتأفف: أنتي صار لش كم شهر وأنتي فوق الريح..
وعايشة العسل مع سي متعب.. ماعاد تحسين بالطبقة الكادحة اللي تعاني مثلنا..
مها ضحكت: حسبي على ابليسش يا الحسود.. خذي سي خالد وعيشي بعض العسل اللي أنا عايشته..
الجازي ضحكت: عسل ومع خالد؟!!!.. يا أختي قولي بصل.. وإلا عظمين مكسورة..
وإلا يهديني صباحيتي طقم أسنان جديد..
مها تضحك معها: لا مروقة الأخت.. مع هذي الكوميديا السوداء..
اخلصي علي.. بأروح أطل على بناتي لا يقومون وأنا موب عندهم..
حينها انحدر صوت الجازي من النبرة الضاحكة إلى نبرة مشبعة بالتوتر : متوترة مهاوي..
مها تتنهد: زين أنا ملاحظة إنش متوترة صار لش كم يوم.. وأكيد عشان نفس الموضوع
الجازي بقهر: مها مر 3 شهور..3 شهور.. وهو ماتحرك..
ولا سعود ولا محمد ولا عمي هادي.. ولا حتى دانة.. ماحد منهم كلمني.. ولا قال لي شيء..
ولا إنه خالد كلمهم في أي شيء..
يعني اشلون؟؟ .. ما يبي يطلق؟؟
يبي يحدني أسحبه المحكمة؟؟
مها ببساطة لا تخلو من نبرة غضب وهي تتوجه لغرفة بناتها:
أنتي مفروض ساحبته المحكمة من خمس سنين..
ليش أصلا انتظرتي لين الحين.. هذا اللي أنا موب فاهمته مهما قلتي من مبررات..
واحد كاسر لش ضلعين وكاسر بضمش الشين.. مالش شهر متملكته.. (البضم: الفم)
وش قعدش على ذمته خمس سنين؟؟ .. لا وأخوانش وإبيه نفسه معيين تقعدين على ذمته..
الجازي تتنهد بحسرة: إنتي اكثر وحدة فاهمة الرعب اللي جاني من طلب الطلاق عقب اللي سواه خالد يوم طلب منه سعود يطلقني..
وعقبها استحيت.. وحشمت عمي وحشمت دانة..
وإلا خالد نفسه.. مايستاهل شعرة حشيمة..
تنهدت مها وهي تطل على بناتها وتهمس بخفوت:
خلاص إذن عطيه أسبوع بعد.. لو ماشفتي تحرك منه..
بلغي سعود إنش تبين الطلاق
وخلينا نخلص من ذا الموضوع..
سعود يبي منش إشارة وأنتي عارفة..
الجازي أغلقت من مها.. وهي تعود للتمدد على سريرها..
وحسرتها التي لا تتزحزح تمتد في أعماقها أكثر وأكثر..
حرقتها على أسرها الإجباري المفروض عليه وهي مقيدة إلى رجل ترفضه جملة وتفصيلا
وترفض أن تكون زوجة له مهما حدث..
وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد شهر واحد من عقد قرآنها على خالد..
صيف 2009..
***************************
"هلكت روحك.. وهلكتني معك.. كم كيلو صرنا الحين؟؟"
متعب يهرول وهو ينظر لساعته: 8 كيلو.. باقي 2..
جابر يلهث: ذبحتني أنت وسعود وحبكم للرشاقة.. أنا شيبه ما أبي إلا الطيحة..
متعب يضحك: يا الشيبه ترا كلنا من عمر واحد مولودين نفس السنة..
جابر يضحك: غير أني أبين أكبر منكم.. أنت وسعود..
متعب بمرح: نبيك تصير رياضي ويصير شكلك أصغر..
جابر برأسه موال منذ عدة أيام.. لذا هتف لمتعب بحزم:
متعب أبي أنشدك عن شيء.. تعرف حنا عساكر مالنا معرفة بتقنيات التحقيق
لو أنا عندي جوال بس مافيه شريحة.. هل ممكن إني أعرف من صاحب الجوال اللي استخدمه؟؟
ضحك متعب: وأنا دفاع مدني.. وش عرفني بسوالف التحقيق..
لكن بسأل لك رفيق لي في الشرطة.. يشتغل في وحدة الجرائم الإلكترونية من يوم سووها قبل كم سنة..
أتوقع ممكن يفيدنا إذا الموضوع مهم لك..
جابر بنبرة مقصودة: أي بالله يهمني جدا .. جدا..
****************************
"الحمدالله إني أنا وحميّد ربي نجانا من دمائكم الملكية الزرقاء"
كان حامد يهتف بعبارته المرحة وهو يدخل إلى المرسم ويرى كل من حمد الكبير ومي مشغولان كل واحد منهما أمام لوحته..
أبوفرات بهدوئه العذب دون أن يتوقف عن الرسم: أول شيء سلّم مثل الأوادم..
ثم تعال حب خشمي مثل ماهو مفروض من الأخ الصغير..
ثم عقب صيح كنك مفلوج مثل المصاديع اللي مثلك وشرواك..
حامد يحك رأسه ويهتف بمرح وهو يميل ليقبل أنف أبي فرات: مهوب كنك فجرت جبهتي يا أبوفرات؟!!
مي تضحك: هو أصلا بقى عندك جبهة... تم سحقها بالكامل..
حامد يضحك: أخي الكبير يطالب باحترامه المفترض.. وأنا بعد أطالبش تحترميني احترامي المفترض
أبوفرات المستغرق في لوحته يهتف بنبرة مقصودة: ماشافت قدوة حسنة فيك ..هذي هي تسوي سواتك..
حامد حينها انفجر ضاحكا: أفا يا حمد افا.. ترا الجبهة طارت من الذبة الأولة..
ماعاد به جبهة تستقبل قصفك الثاني..
حامد يستدير ليجلس على أريكة في زاوية المرسم ويتنهد:
شكلك زعلان علي.. أعرفك
والله إني ما سويت شيء..
فُرات وش هو مفتن علي عندك؟!!
حينها وضع أبوفرات الفراشي ولوحة الألوان على الطاولة الطويلة بجانب لوحته..
وهتف بذات النبرة المقصودة:
ما سويت شيء!!
والكرت الأحمر اللي خذته في مباراة اليوم..؟؟
حامد بصدمة: ماخبرتك تشوف مبارياتي!!
أبو فرات يتوجه للمغسلة في طرف المرسم ليغسل يديه.. بينما مي من ردت بمرح:
ما يشوفها بس يسمعها..
حامد بدهشة: يسمعها؟!!
أبوفرات يجفف يديه وهو يتجه صوب حامد ويهتف بغضب مكتوم:
إيه اسمعها في الإذاعة.. عندك مانع؟!!
ولا هذا بموضوعنا.. موضوعنا الكرت الأحمر..
أنت ما تستحي على وجهك.. ترا الرياضة مفترض إنها أخلاق رياضية وتهذيب..
أنت منت بداخل تكفخ اللاعبين..
حينها وقف حامد بحدة: يعني وش تبيني أسوى؟!!.. قطعت عليه وخذت الكورة منه..
طوّل لسانه علي بكلام بذيء..
عطيته كف يستاهله.. عشان يعرف يثمن الكلمة..
أبوفرات يصل إلى حامد.. ويجلسه ويجلس جواره..
بينما مي اقتربت وجلست على مقعد مقابل لهما.. في الوقت الذي كان أبوفرات يهمس بحزم:
حامد أنت منت ب بزر.. ولا عادك في عمر تربية أوجهك..
بس السالفة ذي صارت كم مرة.. وأنا ماقلت لك ولا شيء في المرات الماضية..
بس بكرة ب يشيع بين اللاعبين: لا بغيت تطرد حامد آل سطام.. عطه شتيمة تحت الحزام..
وتصير ذي نقطة ضعف لك.. ونقطة ضعف لفريقك عقب.. خصوصا إنك هدّافهم..
أكبر العيب إنك تخذل فريقك اللي حطوا ثقتهم فيك.. لأنك ما تقدر تمسك أعصابك..
حامد يتنهد وهو ينزل رأسه بين كفيه: حمد أنت عارفني..
مافيه شيء يحدني أستخدم يدي مهما كان قوي.. بس هذا لا كنت برا الملعب..
لكن في الملعب ما أقدر أمسك أعصابي.. ما أقدر
لأنه أنا أصلا أكون متحفز في اللعب وأعصابي مشدودة.. يجي واحد ويقول لي..
يا...... وإلا يا ولد يا ......
تقفل معي وماعاد أشوف..
أبو فرات يتنهد وهو يقف: حامد ترا أنا ما أوجهك مثل ماقلت لك..
أنا أحذرك من العواقب.. وأنت بصرك..
لأني مارح أفتح ذا الموضوع معك مرة ثانية..
**************************
"صباح الخير يا الأميرات"
الجليلة وأميرة تردان على مساعد التحية وهو ينضم لهما على طاولة الفطور ويهتف بمرح:
شفتوا إني خوش أخ.. هذا أنا قايم بدري عشانكم..
محاضرتي الثالثة..
بس أنتو أولى..
الجليلة بمودة عميقة: جعلني ما أخلا من زولك قول آمين..وجعل ربي يفرحني بتخرجك ذا الفصل..
بينما أميرة ردت بمرح: أنت يومك تمنن علينا.. ترا السواق برا.. ولا عنده شغل.. يكش ذبان..
مساعد يضحك: على كثر منتي لازقة في الجليلة.. ماتعلمتي منها زين منطوقها..
أميرة بمرح: يا الله يارب مع ذا الصباح الباكر.. ترزق مساعد ولد أم شهاب..
ب مرة لسانها متبري منها.. يشوفني عندها ملاك منزل من السماء..
مساعد بمرح شبيه: ويا الله يا كريم مع ذا الصباح.. إنك ترزق أميرة بنت أم شهاب
برجّال يهاجر بها للبرازيل.. ولا تشوف الجليلة إلا كل عشر سنين مرة..
الجليلة تقاطع عراكهما وهي تهمس بحزم لطيف: أصبحوا وافلحوا.. خلونا نروح محاضرتنا..
عندنا الأولى دكتورنا المنفس.. لا ندخل وراه طردنا شر الطردة الأمبريالي..
مساعد يقف وهو يعدل غترته.. بينما الجليلة وأميرة تناولتا عباءتيهما المرتبة على المقاعد:
صدق يدرسكم فُرات آل سطام رفيق تركي؟؟
الجليلة بتلقائية: الله الله.. الحظ الأقشر ياروح أختك.. اللي حدنا عليه..
ضحك مساعد وهو يخرج لسيارته وهما تتبعانه: عاد موب لذا الدرجة.. ترا فُرات رجال والنعم..
ابتسمت الجليلة وهي تجلس بجوار مساعد وأميرة تركب خلفها: الله والنعم اللي يستاهلها الأمبريالي..زوج الإمبريالية..
مساعد يتأكد من ترتيب غترته في المرأة الأمامية ومن ثم يحرك سيارته وهو يهتف بتلقائية: بس فرات مهوب متزوج..
حينها أطلت أميرة برأسها بين مقعديهما وهي تهتف بمرح: صحيح دكتور فرات موب متزوج؟؟ ومرته الأميركية وينها؟
مساعد بغيظ مكتوم: ماتت الله يرحمها.. وارجعي ورا لا أعطيش كوع في وجهش..
ألف مرة قايل لش لا تسوين ذا الحركة..
*********************************
"يا أبيش لا تأخريني.. عندي محاضرة أولى الساعة 8"
مي تهمس باهتمام واستغراب: غريبة يبه وافقت تدرس على كثرة مشاغلك..!!
فُرات يتنهد: هذي مصايب الأصدقاء ومجايبهم يا أبيش.. هذا الخير اللي بعينه من تركي..
ضحكت مي: أنا من زمان ما أطيق ذا التركي.. بس أنت ربي مولعك فيه..
فُرات بعتب: تركي عبارة عمش.. احشميه من حشمتي..
مي تراجعت بخجل: والله يبه أمزح..
يبتسم فرات لها بحنان عظيم: أدري يا أبيش... ويا الله خلصيني.. أبي أمشي..
مي بمودة: خلاص فديتك أنت روح.. بخلي حمد يوديني.. محاضرتي عادها الساعة عشر..
وحميد راح الشحانية عقب الفجر وأكيد إنه على رجوع..
فُرات بإصرار: يا أبيش جامعتش على طريقي..
مي بإصرار مشابه: وجامعة حمد جنب جامعتي.. ما بيننا إلا الشارع.. هذا هو في تكساس وأنا في فيرجينيا.. وأنا وهو جيران..
فُرات يغادرها وهو يهتف بإبتسامة خبيثة: أجل خلني أوصل بدري استقعد للبنات اللي بيتاخرون..
وأنتي شوفي حمد بيوديش.. وإلا قولي لجدش..
************************************
"يـــمـــه.. أنا بأروح أمريكا أسبوع وأرجع إن شاء الله!"
انتفضت يدها بعنف.. وجف ريقها.. وقلبها يكاد يتوقف عن النبض..
وهي تهمس بصوت مبحوح: صيتة فيها شيء؟؟
تركي بذات النبرة العاتبة التي لابد أن تحضر كلما تذكر خذلان الجميع لشقيقته:
تهمش؟؟ تعالي معي.. بأجل السفر لين أخلص لش الفيزا..
أم متعب أزاحت وجهها جانبا حتى لا يقرأ ارتجافة أجفانها ولمعة الدموع في عينيها..
وهمست بجبروت كاذب يختنق: أنا حلفت ما أجيها..هي تقدر تجيني.. لو أنها تبي..
وش حدني وأنا عجوز أركب الطيارة أروح لها.. والحق لي؟!!
وأخر مرة أنا اللي جايتها..
تركي بعتب: يمه.. أخر مرة كانت قبل أربع سنين.. قبل أربع سنين
أربع سنين ماشافت حد منكم.. إلا أنا ومتعب ..
حتى فهدة صار لي سنتين أحايل فيها أوديها .. ومعية.. عبيتوا رأس البنية بأفكاركم..
وإنه أمها تقدر تجي.. ولا جات..
وصيتة كبدها متقطعة عليها.. بتموت من الشحنة لها..
أم متعب بذات الجبروت المُدعى: لأنه تقدر تجي.. رجّالها ألف مرة قال لها إنها تقدر تجينا..
وهو موجود في مكانها.. بس هي مارضت..
لأنها ما تبي تجي..
يقف تركي بحزم وهو يهتف بمرارة حازمة: طيارتي عقب يومين..
إن ربي هداش وغيرتي رأيش
وحنيتي على بنيتش.. اللي بتموت تشوفش.. ترا أنا جاهز أخلص لش كل شيء..
****************************
" يـــمـــه... تركي كلمني اليوم بعد.. يقول لي أحايل فهدة.. أربها تروح معه
أسبوع واحد ويرجعون"
فهدة الكبيرة تتنهد بيأس: والله يا أمك إني حاولت فيها..
صيتة كلمتني البارحة تبكي.. وتفدا بي أقنعها تجيها..
وعيت.. مافي إذنها ماي..
حينها التفت جابر إلى غالية التي كانت تجلس مقابلة له وهتف بحزم:
أم سعود ولا عليش أمر.. ادعي لي فهدة..
غالية قامت لتنادي فهدة.. وعادت بها بعد أقل من دقيقة.. كان يبدو عليها آثار بكاء تخفيها..
جابر حين رأى وجهها هتف بجزع: وش فيش يا أبيش؟؟ أنتي تبكين؟؟
فهدة همست بإدعاء مكشوف وهي تحاول التحدث بنبرة ضخمة حتى تخفي أثر البكاء في صوتها : خالتي غالية قومتني من النوم.. مافيني شيء..
شعر أن داخله يذوي وهو يرى احمرار عينيها ويعلم أنها كانت تبكي... ويعلم لماذا تبكي...
لذا هتف لها بحنو: تعالي جنبي يا أبيش..
حين جلست جواره واحتضنها.. انفجرت في بكاء طفولي حاد.. ونشيجها يعلو بهستيرية
فجع جابر وغالية والجدة وهم يحيطون بها وهي تنتحب في حضن جابر..
جابر يكاد يبكي معها وهو يهتف باختناق: يا أبيش ليه تبكين؟؟
تبين أمش؟؟ روحي مع خالش تركي هذا هو بيسافر.. وإلا بأوديش لها.. أنا حاضر..
حينها قفزت وهي تركض لغرفتها وتنتحب بصوت عالي متقطع: ما أبي أروح.. ما أبي أروح..
فهدة الكبيرة زمت شفتيها بقوة وهي تتبع فهدة الصغيرة.. ولكنها لم تتبعها إلى غرفتها.. بل توجهت إلى غرفتها هي...
وتركت خلفها جابر وغالية وهي تهمس له بمؤازرة وتربت على كتفه:
ماعليه فديتك.. لا تضايق.. أنا بروح لها عقب شوي تكون هدت..
وبأخذها ونطلع سوا .. أمشيها شوي..
تنهد جابر بحزن: الله الله فيها.. تراها تكتم واجد.. وهي في النهاية ترا بزر مشتحنة لأمها وتكابر..
غالية نهضت وهي تهمس بعذوبة: أبشر .. فهدة مثل أختي الصغيرة وأعز..
ثم أردفت باهتمام: أنا بروح لسعود أصحيه عشان ألبسه يروح معنا.. تبي شيء فديتك؟؟
جابر بتذكر: إيه أبي التلفون اللي عندش..
غالية باستغراب: أي تلفون؟؟
جابر بحزم: التلفون اللي سمعتيني التسجيلات فيه.. أبيه..
غالية صُعقت وكانت على وشك الرد.. لولا خروج فهدة الكبيرة من غرفتها.. وهي تقترب منهم..
ثم تمد جابر بجواز سفر.. وتهمس بحزم بالغ: هذا جواز فهدة.. عندها أصلا فيزا مدتها خمس سنين ما بعد انتهت..
احجز لها تروح مع تركي..
ثم التفتت لغالية وهمست بذات الحزم: غالية يا أمش.. جهزوا شنطة فهدة أنتي وضي.. وما أبيها تدري بشيء..
أنا بأطلع بكرة أنا وإياها مع جبران..
ذاك الوقت رتبوا شنطتها.. وإذا محتاجة شيء اشتروه لها الليلة..
واشتروا لها كم لبسة جديدة.. وأحسن لبس جديد للمطار...
ولاحد يقول لها شيء.. لين وقت السفر..
صـــيــف الــــدوحة قــبل خــمــســة أعـــوام..
كان الوقت بعد منتصف الليل..
الجو حار و الرطوبة خــــانـــقــة..
ويشعر أن بداخله ماهو أكثر اختناقا..
يشعر كما لو أن الرطوبة تتمدد داخل روحه شديدة اللزوجة والمرارة ..
ويشعر كما لو أن روحه ستُزهق..
رغم أنه بداخل سيارته وجهاز التكييف يعمل بكفاءة عالية..
كان قد أنزل سالم في بيته قبل دقيقتين..
ولا يعلم لماذا يشعر بهذا الانقباض المرعب.. يشعر أن أنفاسه التي يسحبها لداخل صدره
أشبه ما تكون بأمواس حادة تشرّح صدره تشريحا في شهيقه و زفيره..
ربما تذكر الحادث سيء الذكر الذي حصل لهم قبل أكثر من عام..
وخصوصا أنهم هم نفسهم الأربعة كانوا فيه..
فهاهو يعود من السعودية على طريق البر..
ويعود سريعا من أجل أن يُعيد سالم.. الذي اتصلت به زوجته وأخبرته أنها ستلد..
بينما محمد وجبر بقيا خلفهما.. وسيعودان حسب مخططهم دون تغيير.. بعد غد..
"أعوذ بالله من ضيقة الصدر
يا الله وش ذا الضيقة اللي عمري ما حسيت بها
يا الله سترك!!"
كان متوجها لمنزل أبناء عمه.. لأن محمد أوصاه أن يوصل بعض الأغراض
وينزلها في المجلس الخارجي..
وهو سيخبر المقهوي عنها في الصباح..
أوقف سيارته بداخل باحة البيت قريبا من المجلس..
والضيقة في داخله تزداد وتزداد.. وتتوسع.. يشعر أنه يختنق فعليا..
وأنفاسه تعلو وتهبط بصوت ملحوظ..
دخل إلى المجلس عبر بابه الداخلي المفتوح على باحة البيت..
لأن باب المجلس الخارجي كان مغلقا.. أغلقه المقهوي لأن محمد وسعود ليسا هنا والوقت متأخر..
حين دخل إلى المجلس انشرح خاطره بعض الشيء..
ابتسم وهو يتذكر الذكرى التي باتت الذكرى الأجمل في حياته حتى الآن..
قبل شهر من الآن:
والشيخ يقول: خالد بن هادي آل جرّاح
هل توافق على الجازي بنت سعيد آل جرّاح........ ؟!!
وهو يهتف بمرح وسعادة محلقين: إي بالله موافق وموافق وموافق..
ومن يومها أصبح اسمه عند الشباب محمد وسالم وجبر: خالد إي بالله موافق..
الاسم الذي لم يرافقه إلا لشهر واحد فقط.. فـــقـــط!
تنهد بعمق وهو ينظر للمجلس: هانت يا الجازي.. باقي على عرسنا شهرين..
يا الله الصبر من عندك!!
وضع الأغراض في المقلط قريبا من الباب المطل على باحة البيت..
وإحساس الضيقة يعود له بشكل أعنف وأعنف.. أزال غترته عن رأسه ووضعها على كتفه.. وحرر أعلى عنقه من جيب الثوب الذي شعر أنه يخنقه..
توجه للمغاسل وغسل وجهه عله يتحسن.. لكن احساس الاختناق لا يزول..
أدخل رأسه كاملا تحت المغسلة .. وهو يتعوذ من الشيطان.. رفع رأسه من تحت المغسلة
وتناول بعض المناديل الورقية .. وهو ينظر إلى انعكاس وجهه في المرآة وهو يجففه..
كان أعلاه مبتلا بالكامل وهو يتوجه لخارج المجلس..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
تسند على الباب قليلا قبل أن يخرج.. تسند محاولا استنشاق أكبر قدر من الهواء..
عله يبعد هذا الاختناق الغريب عن رئتيه..
"وش ذا البلا اللي جاني؟؟
يمكن لازم أروح المستشفى؟!!"
تعوذ بالله من الشيطان للمرة الألف وهو يستجمع طاقته ليخرج..
وأغلق الباب وهو يخرج للباحة متوجها لسيارته..
فور خروجه من الباب..
استغرب وجود سيارة بالغة الفخامة.. لا يوجد منها في كل قطر.. إلا عدد محدود جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. تقف للتو في الباحة..
وينزل منها شاب مفتول العضلات غاية في الأناقة والوسامة..
ويفتح الباب المجاور له لتنزل منه صبية تغطي وجهها بشيلتها في طبقتين اثنتين ويظهر أسفل عباءتها ذيل فستان السهرة الطويل..
عرفها بقلبه.. عـــــرفــــــها!! عـــــــرفـــــها!!
شعر أن قلبه يتوقف.. وأنفاسه تتوقف..وعقله يتوقف..
وهو يركض نحوها مترنحا يحاول سحب الهواء من رئتيه المتيبستين ممسكا بقلبه ..
ليسمعها تقول بصوتها الذي يستحيل أن يخفى عليه..
صوتها الذي سكن روحه وخلاياه..
صوتها الذي باتت أقصى أحلامه أن يسمعه يهمس قريبا منه وفي إذنيه:
(في حفظ الله ياقلبي ..جعلني ما أخلا )
*********************************
الــيــــوم...
الجازي أغلقت من مها.. وهي تعود للتمدد على سريرها..
وحسرتها التي لا تتزحزح تمتد في أعماقها أكثر وأكثر..
حرقتها على أسرها الإجباري المفروض عليه وهي مقيدة إلى رجل ترفضه جملة وتفصيلا..
وترفض أن تكون زوجة له مهما حدث..
وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد شهر واحد من عقد قرآنها على خالد..
صيف 2009..
.
.
"غالية... أكيد خالتي وضحى بتروح معنا؟؟
سعود مشدد علي... إذا خالتي وضحى مارح تروح.. إني مارح أروح
وهو أساسا مابغى يوافق..
يقول مكان العرس بعيد.. وهو في الزام ومحمد مسافر.."
غالية ترد بمرح: والله قالت بتروح معنا..
أصلا روضة تقول بترسل لنا سيارتها هي اللي تودينا.. وترجعنا..
الجازي بخجل: يا فضحي.. سياراتنا موجودة..
ليش ترسل سيارتهم؟؟
غالية بمرح: لأنه يا أم كشة صفراء... العرس في بيت المعرس ... وإحنا ما ندله..
وهي ملزمة لازم نجي..
الجازي بدلال: ذابحتش ذا الكشة الصفراء..
أصلا وش طيح إخيش على بوزه إلا كشتي الصفراء
من يوم شافها وهو ما يمسي الليل..
غالية تضحك: إي بالله صادقة.. يحلم كوابيس..
كل ليلة أسمع صياحه وهو نايم..
نقومه نرش عليه ماي.. ونقرأ عليه..
وهو يصيح مرعوب: الكشة الصفراء جاتني.. الكشة الصفراء جاتني..
الجازي حينها خفتت ابتسامتها وهمست بتوتر خجول:
غالية.. هو عادي أحضر عرس.. وأنا عرسي عقب شهرين؟؟
غالية تضحك: جاتنا حركات العجايز..
لو فيها شيء كان خالتي صافية ما خلتش تروحين..
ويا الله فارقي..خليني أخلص كشتي أنا..
أنتي ماشاء الله كشتش حرير.. دقيقتين وتخلصين..
لكن أنا أبي ساعتين وأنا أكويها بمكوى الملابس لين ربي يهداها وتهبط..
.
.
بعد ذلك بساعات..
(في حفظ الله ياقلبي ..جعلني ما أخلا )
جن جنونه تماما.. والصورة المرعبة تتشكل أمام ناظريه... بأقصى تجلياتها..وأبشعها..
كان مسمى الجنون لا يصف الحالة التي كان فيها.. ولا بأي شكل من الأشكال..
كان مغبونا مطعونا في كل ما يؤمن به في هذه الحياة..
كان يرى حياته كلها تنهار أمام ناظريه..
ماعاد للحياة كلها قيمة ولا معنى..
ترجم هذا الجنون واليأس والحسرة إلى تصرف سريع وهو يشد الجازي بعنف ويهزها بكل قوته لتسقط الشيلة عن رأسها.. أعاد شدها بعنف.. وهو يرفعها للأعلى..
وعيناها تتوسعان برعب وهي تصرخ بكل رعب العالم وهي ترى وجهه الأسود المتفجر بالغضب ..
وعينيه المحمرتين إلى درجة أنها شعرت أن العروق في عينيه على وشك التفجر لشدة احمرارها:
خالد وش فيك؟ وش فيك؟؟
كان جوابه على سؤالها: أقوى صفعة يمكن تصورها أو تخيلها أو حتى احتمالها..
شعرت أن هناك مطرقة حديدية هوت على صفحة خدها اليسار كاملة بكل قوة..
وشعرت بطعم وسيلان الدم في فمها غزيرا.. وهي تبتلع أحد أسنانها..ويسقط الثاني خارجا..
لتسقط بعدها بعنف على الأرض القاسية وهي تشعر بألم كاسح في كل جسدها جراء الارتطام..
وحين سقطت ركلها بكل قوته وقهره في جنبها..
شعرت أن قنبلة انفجرت في جنبها وهي تسمع صوت تكسر أضلاعها بوضوح..
وتشعر بألم لا يمكن وصفه.. في رأسها وجنبها..
وكان على وشك أن يركلها الثانية والثالثة.. فهو فقد عقله تماما.. تــمــامــا..
لولا الجسد الذي انكب فوق الجازي يحميها منه.. لتقع الركلة الثانية في هذا الجسد
وصاحبته تأن بعنف..
وتصرخ بصوت عال: خـــــالــــد بــــــس..بــــــــــس
"صوت غالية.. وش جاب غالية هنا؟؟"
حينها صرخ بكل فجيعته: الحيوانة معها.. الثنتين رايحين مع بعض معه..
وكان على وشك رفع غالية عنها ليشبعها بالصفعات هي أيضا..
لولا الصوت الذي أعاده لوعيه بالكامل..
كان صوت والدته.. تشده بقوة وهي تضرب ظهره بعنف وتصرخ:
خــــــــــالد بـــــس بـــــــس..أنت استخفيت يا الصديع..بـــس...
"وش جاب أمي بعد؟!!"
خالد التفت لوالدته بجزع ..وهو يصرخ بكل وحشية العالم ووجعه: يمه هذا من هو؟؟
كان يصرخ وهو يشير للشاب الواقف المذهول المرعوب الذي كان ينوي قتله حين ينتهي من الجازي وغالية معها..
الشاب كان هو من أجاب وهو ينكمش في خوف: أنا سواق مدام رودا..
ما زال يصرخ بكل حرقة العالم وقهره..وهو ينظر ليديه التي صفعت الجازي:
زين ليه تركب معه قدام ليه؟؟ .. ليه؟؟.. ليه؟؟
أمه بدأت تبكي وهو تنكب على الفتاتين اللتين تتلويان على الأرض وتتحسسهما..
كانت الجازي تأن بعنف والدماء تسيل من فمها بغزارة ..وإصابتها تبدو بليغة..
بينما غالية وقفت على قدميها وهي تمسك بجنبها وتصرخ في خالد بغضب عارم:
من قال لك راكبة جنبه؟؟
هي راكبة معنا ورا.. بس السواق حوّل يفتح الباب للجازي ..ثم فتح الباب اللي قدام عشان الخدامة تبي تعطيه هدية الجازي من العروس..
خالد انتبه حينها للخادمة الضئيلة الحجم التي مازالت تجلس في المقعد الأمامي.. لم تنزل..
كانت عاجزة عن التحرك والرعب يثبتها في مكانها.. وعيناها دامعتان متسعتان من الجزع..
حـــيـــنــــها..
حــــــــيـــــــــنـــــ ـــهــا...
انطفأ شيء في روحه.. انطفأ تماما...
وماعاد للكلام أي معنى.. فقدت كل كلمات الكون معناها..
وهو يحاول الانحناء لرفع الجازي.. بروحه التي نُسفت ودُمرت تماما.. وعلى يديه!!
حاول رفعها دون أن ينظر إليها..
كيف ينظر إليها وهو يعلم أن وجهها اكتسى ألوان وحشيته وجسدها تخضب بضرباته
ليخبراه أي هدية أهداها لها بمناسبة زواجهما القريب؟!!
أي هدية كانت هدية طهرها وطفولتها وعذوبتها؟!!
أحقا أنا فعلت ذلك بالجازي؟؟ الجازي!!
أ حقا تجرأت يداي أن تؤلمها وتدميها؟!
الجازي.. الــــــجـــــازي..
حلمي الذي أرهقني الوصول إليه.. حبي الفتي الذي رسمت معه مستقبلي..وكل حياتي..
نبض قلبي.. الدماء الساربة في شراييني.. أنفاسي التي تبقيني على قيد الحياة..
الـــــــجــــازي...
ولكن أمه نهرته بقوة وقسوة: إياك تلمسها .. جسمها كله كسور
والله لو أنت منت بولدي إن أدعي عليك
كلّم الإسعاف لا بارك الله فيك من ولد..
كانت يده ترتعش وهو يتصل بالإسعاف.. ويشعر برغبة عارمة أن يبكي.. ويمنع نفسه من ذلك..
رغم أن كل مافيه كان يبكي..وينهار..
كان مازال عاجزا أن ينظر نحوها.. وهو يراها مكومة وكلهم متجمعين حولها..
يشعر أن كل ماداخله ينهار.. ينهار.. وهو يتقوقع على ذاته حتى لا ينهار فعليا..
وهو يراهم حولها دون أن يستطيع التدخل..
الكل له حق في لمسها وتقديم الدعم والمساندة إلا هو..
فقد هذا الحق..
وكيف يكون له الحق.. وهو من كانت أول لمسة يلمسها فيها بعد زواجهم هي أن يمزق جسدها بعنفه ووحشيته..
رأى أم سعود تخرج من البيت راكضة وتنكب على بنتها.. ليغشى عليها فوقها وهي ترى وجه ابنتها المتورم..
كان قد أنهى الاتصال..
ليجد أن أم سعود استفاقت من غشوتها.. لتهاجمه بعنف.. وهي تصرخ بكل وجيعتها:
طلقها يا الخسيس.. طلقها..
والله ما تمسي على ذمتك..
طـــلـــقــــها.. أقول لك طلقها..
خالد خلص نفسه من براثن أم سعود.. وترك المشهد كاملا..
وتوجه إلى سيارته.. ليجلس فيها.. انتظارا للإسعاف..
وابتعادا عن المشهد الذي شعر أنه ينحر كل مافيه
ينحر رجولته.. ومروؤته.. وحبه..
وحـــبــيــبــتــه!!
تذكر أنه يجب ن يتصل بسعود ومحمد ووالده.. رفع الهاتف واتصل..
وهو يهتف لكل واحد منهم بذات العبارة...عبارة واحدة بنبرة ميتة:
"تعال أنا ذبحت الجازي!"
***********************************
"حظه يفلق الصخر... الشرطة خذته قبل أوصل المستشفى"
كان سعود يهذي ويركل كل ممرات المستشفى بحسرة وغضب عارمين..
بينما محمد المكلوم الذي يشعر بحرقة أعظم يحاول تهدئته:
يعني وش كنت بتسوي.. احنا في المستشفى؟؟
سعود يصرخ بغضب المتفجر.. الوحشي.. يكاد يموت من الحرقة والحسرة والغضب:
كان ذبحته.. ولا عليّ وين حن..
ما تشوف وش مسوي بالجويزي؟
أصدر سعود أنينا متحسرا من أقصاه.. كان يتقيأ حسرته:
وجهها ما ينشاف.. وضلوعها مكسرة..
و الله لو هي مسوية اللي هو ظن إنها مسويته
إني ما أسمح له يمد عليها يده حتى لو هي مرته وفي بيته.. وكيف وهي أختي وبنتي وفي بيتي..
وكيف وهي ما سوت شيء.. ماسوت شيء؟!!
أزاح محمد وجهه عن سعود.. حتى لا يرى دمعته التي خرت على خده..
كان يحاول أن يكون صمام الأمان وعائلته كلها متفجرة بالغضب والوجع والحسرة..
رغم أن وجعه كان أشد.. فخالد أقرب إليه من روحه..
وهذه شقيقته الصغرى.. فراشة البيت الملونة المحلقة..
التي نحر روحه نحرا رؤيتها مكسورة الأجنحة... منطفئة الألوان..
كان الشقيقان يطلان عليها عبر الزجاج وهي ترقد في العناية المركزة..
التي قرر الأطباء تركها فيها حتى يتأكدوا أن كسر الأضلاع لم يؤثر على شيء من أعضائها الداخلية..
كانا ينظران إليها.. ورؤيتها مسجاة والشاش يحيط بوجهها.. بهذا المنظر المستباح...يمزق روحيهما بكل مصطلحات الألم والقهر والفجيعة..
كيف تجازوتهما يديه.. ليفعل بها كل ذلك؟!
كيف يفعل ذلك بها من ائتمناه عليها؟
من اختاراه أن يكون لها سكنا وأمنا؟!
من ظنا أنه سيكون لها سندا وملجأ؟؟
كان ألمهما يتزايد في كل لحظة..
وهما يستعيدان تفاصيل الفجيعة وامتدادها..
وغير بعيد عنهم.. كانت مها تنتحب في حضن والدتها التي تهدأها بسكون ميت:
يا أمش اختش مافيها شيء.. اتقي الله في اللي في بطنش..
بينما مها لا تتوقف عن النحيب وهي تنشج: كانت بتموت يمه.. كان بيذبحها..
لو أن غالية ماقطت روحها عليها.. كانت بتموت..
وفي زاوية ثالثة: كانت عائلة هادي كاملة.. المكلومة من الجانبين..
هادي وأم خالد ودانة ومزنة وغالية.. التي رفضت الخضوع لأي نوع من العلاج.. حتى تطمأن على الجازي..
رغم أنها هي الأخرى تشعر بألم متفجر في جنبها..
كلهم يشعرون بالذنب يخنقهم.. فهذا ابنهم.. لا يستطيعون التملص من مصيبته التي لا علاج لها.. ولا تبرير..
لا تـــبـــريــــــر..
لا يستطيعون الوقوف معه لا فعليا ولا حتى معنويا..
كان أبو خالد يجلس وروحه مثقلة بوجع ماعاد يحتمله..
كان قد عاد للتو من مركز الشرطة.. حيث يُحتجز خالد الذي سلم نفسه فور وصوله إلى المستشفى مع الإسعاف...
معترفا إنه من قام بضربها في لحظة غضب دون ذنب منها..
وأنه يتحمل كافة المسؤولية..
كان العم هادي يريد من خالد أن يطلقها على الفور.. يستحيل أن يتركها على ذمته بعد مافعله بها..
لكن ما صدمه صدمة كاسحة.. هو أن خالد سبقه قبل أن ينطق بكلمة وهو يهتف بنبرة تجبر غريبة..
لم يسمعها منه سابقا.. نبرة تجبر عميقة حازمة:
اسمعني يبه زين.. أنت وعيال إخيك..
لا يطري عليكم إني باطلق الجازي..
والله ثم والله ثم والله.. لو تسلخون جلدي عن لحمي ثم تمخلسون لحمي عن عظامي إني ما أطلقها..
أدري إني غلطت.. وغلطتي مالها دوا..
بس أنا ماعاد أقدر أصلح اللي فات..
تبون أنسجن سنة سنتين عشر.. موافق وأستاهل.. بس في الأخير بأطلع واتزوجها..
وش تبون مني.. وش تحكمون علي.. أنا مستعد وحاضر.. إلا الطلاق..
لو يطلع عمي سعيد من قبره.. ويقول طلق بنتي.. قلت له: معصي..
*****************************
" يمه والله إني موب عارفة وش أقول؟؟ الحكي كله وقف في حلقي.."
ربتت أم سعود على يد دانة التي تجلس مجاورة لها بعد انتقال الجازي إلى غرفة عادية
بعد يوم قضته في العناية.. وتأكدوا فيه إن الأعضاء الداخلية لم تتأثر..
وأنها تستطيع بعد أيام قليلة مغادرة المستشفى.. بعد تحديد موعد لها لزراعة ضرسين جديدين
بينما كسر الأضلاع يجبر لوحده..
وكل ما يستطيعون عمله لها هو المسكنات ومجموعة من النصائح للتعامل مع الآلام المنتشرة في سائر جسدها..
لكنها مازالت لم تفق من آثار التخدير والمسكنات من وقت الحادثة..
أم سعود همست بحزم: دانة يا أمش.. أنتي مالش دخل في خالد ولا في اللي هو سواه
لكن اللي أبيه منش بس.. تقولين له يطلق بنتي..
يا امش اللي ذا أوله ينعاف تاليه..
وأنا ماني ب بايعة بنتي..
دانة تنهدت بألم.. بالتأكيد يستحيل أن توافق أن تبقى الجازي على ذمة خالد..
لكن والدها نقل لها خبر إصرار خالد على رفض الطلاق..
والآن خالد في التوقيف.. ولا تعرف ما ستسفر عنه الأيام القادمة..
لذا كانت تتنظر أن تكلمه بنفسها.. فهي تعرف تأثيرها الكبير على خالد..
وأنه يستحيل أن يرفض لها طلبا..
لذا همست بثقة لأم سعود: أبشري يمه.. لش وجهي إن يطلقها..
اللي يلحق الجازي يلحقني وأكثر..
الاثنتان قفزتا.. وهما تسمعان همهمة صادرة عن الجازي..
دانة نادت سعود الذي كان يقف خارجا يجري مكالمة..
والذي كان قد مضى له أكثر من خمس ساعات منذ خروج الجازي من العناية..
وهو يقف بجوار سريرها دون أن يجلس حتى لدقيقة واحدة انتظارا لاستفاقتها..
أحاطوا بسريرها.. وكان سعود قريبا جدا منها وهو ينحني عليها بحنو.. ويهمس بألم كبير:
الجازي .. قومي يا أخيش حاكيني..
كانت أم سعود ودانة مستغربتان بعض الشيء من تأثر سعود الظاهر في كل تفاصيله..
فكلاهما تعلم أن سعود محب ورقيق القلب.. ولكنه اعتاد على كتم مشاعره داخله...
لم يعلما أن حادثة الجازي.. فجرت كل ادعاء الجمود الذي كان يحاول التسربل به دوما..
هاهو كاد يفقد شقيقته الصغرى.. ابنته.. دون أن يخبرها كم من مشاعر الحب يحملها لها في داخله..
علم أن الحياة أقصر وأحقر من ترك حواجز غبية بيننا وبين من نحبهم..
دون أن نشعرهم كم هم ثمينون.. وكم الحياة قاسية دون وجودهم!!
إن كانت تلك الحادثة الفاصلة..قد أحدثت تغييرا ملحوظا في شخصية سعود..
فهي أحدثت تغييرا جذريا في شخصية خالد..
فسعود كان ومازال سعود المحب بحس المسؤولية العالي ..
ولكنه أصبح أكثر أريحية في التعبير عن مافي داخله..
ولكن خالد تحول لشخص آخر مختلف..مختلف..
ستكشف عنه سنوات الحرمان واليأس الخمس القادمة..
سعود مازال يهمس للجازي بكل حنو الكون: الجازي تسمعيني..
الجازي حينما فتحت عينيها ورأت وجه سعود قريبا.. تعلقت بعنقه وهي تنفجر ببكاء ضعيف..
وحين احتضنها سعود آنت بقوة من شدة الألم..
وهي تهمس باكية: ذبحني يا سعود.. ذبحني
تكفى ما أبيه.. ما ابيه..
سعود كاد يجن من بكائها وألمها.. وخصوصا وهي تفتح عينيها ويلاحظ كدمة دموية قوية في طرف عينها اليسار..
صرخ بغضب متفجر: الحيوان بغى يودي عينها بعد..
قالها وهو يخلص الجازي برفق وكل مافيه ينتفض.. ينتفض بعنف.. وليس بين عينيه إلا مكان توقيف خالد..
لكن الجازي أمسكت معصمه بضعف وهي تهمس برجاء من بين دموعها:
سعود طالبتك ما تروح مكان..
سعود يصرخ بغضب يكتسح كل مافيه.. ويحاول كتمه:
فـــــكــــيـــنـــي..
والله ما يمسي الليلة وهو فيه عظم سالم..
إن قد يحس باللي حسيتي به وأعبر..
والله مايردني منه إنه في التوقيف ولا غيره..
الدانة كانت تقف في الزاوية: تشعر بحرقة تلتهمها حتى النخاع..
وهي ترى علائم معركة مدمرة سيدور رحاها بين أقرب شخصين إلى قلبها..
كانت دموعها تنهمر بغزارة.. لا تعرف كيف يفترض أن تشعر..
والجازي أمامها بإصاباتها البليغة.. وشقيقها في التوقيف.. وزوجها يهدده..
ولا تعرف ماذا ستحمل لهم الأيام المقبلة.. وما تأثير ذلك على حياتهم كلهم؟!!
همست الجازي بذات الضعف: استغفر يا أختك.. استغفر.. طالبتك يا سعود.. عشان عمي هادي ودانة..
خلاص هذا أنا طيبة مافيني شيء..
وخالد أكيد إنه فهم المشهد اللي شافه قدامه غلط..
طالبتك.. أنا متنازلة عن كل شيء... طلعوه من التوقيف
ثم أردفت بذات الضعف بين دموعها: خله يطلقني وبس..
ما أبي أي شيء ثاني..
*******************************
" خالد أنت من جدك؟؟
ما صدقت يوم كلمتني وقلت لي إنك هنا في المستشفى..
وش جابك هنا؟؟
موب مفترض إنك في المحكمة؟!!!"
كانا يقفان في الممر خارج غرفة الجازي.. وخالد يبدو على ملامحه أنه لم ينم إطلاقا منذ وقت الحادثة قبل ثلاثة أيام..
ومع ذلك كان يقف منتصبا بكتفين مرفوعين..
وهو يهتف ببرود غريب غارق في الجمود والتجبر.. نبرة غريبة على إذن دانة:
وليش أروح المحكمة أصلا؟؟
همست دانة باستغراب عميق: ليش تروح المحكمة؟!!
سعود وإبي ومحمد ينتظرونك هناك عشان تطلق..
اشلون تخليهم هناك وتجي هنا؟!!
هتف خالد بذات النبرة المتجبرة التي لم تعتدها دانة منه أبدا.. ونشرت استغرابا عميقا في روحها:
أنا ماخليتهم.. لأنه أنا أصلا مارحت هناك.. وماحد قال لهم يروحون..
اتسعت عينا دانة وهي تهمس باستغراب أعظم: أنتم موب متفقين؟؟
ليهتف خالد بتجبر أعظم: هم اللي اتفقوا.. أنا ماعندي حد أطلقه
إذا سعود يبي يطلقش
وإلا إبي يطلق أمي... كيفهم...
لكن أنا ماحد ب جابرني أطلق مرتي..
دانة تكاد تجن منه: خالد أنت واعي وش تقول؟؟
خالد يتحرك باتجاه غرفة الجازي.. وهو يهتف بحزم: ولا بعد كنت واعي مثل اليوم؟؟
دانة أمسكت ذراعه بقوة: أنت وين رايح؟؟
خلص خالد يدها منه وهو يهتف بثقة: من اللي داخل؟؟؟ .. قولي لهم خالد يبي يدخل..
دانة بذهول: مستحيل تكون صاحي..
ثم أردفت بحزم: لو سمحت خالد.. احترم نفسك..واحترم أختك.. وروح..
خالد تجاوزها وهو يقول بذات الحزم المرعب: وش دخل احترامش في الموضوع؟؟
وشكلش ما تبين تشوفين الدرب لي
أنا داخل داخل..
دانة تجاوزته بسرعة وهي تحاول منع دخوله..تعالى صوتهما عند الباب
فهمست أم سعود من الداخل: دانة وش فيش؟؟ و من اللي معش؟؟
فكان الرد رد خالد الحازم: عمتي أم سعود أنا خالد.. وتراني بأدخل..
الجازي حين سمعت اسمه.. تعالى في داخلها إحساس غريب من المرارة والخوف والكراهية
وهي تغطي وجهها بالجلال الأبيض الخفيف الذي كان على رأسها..
خالد دخل.. كان ينظر إلى كل الغرفة إلا إلى السرير..
لم يستطع أن يصوب نظره نحوه.. وهو يعلم أن ضحيته ترقد عليه..
كانت مها تقف في الزاوية ببطنها المتضخم وتعجبها من جرأة خالد ووقاحته..
بينما أم سعود كانت تجلس على مقعدها بالقرب من سرير الجازي..
وصعقت من دخول خالد.. وكيف تجرأ أن يحضر إليهم بعد كل مافعله..
وصعقت أكثر من تصرفه.. وهو يجثو على ركبتيه أمامها.. ويضع رأسه في حضنها..
ويهتف بحزم: رقبتي حق لش وحق للجازي...
ثم أردف وهو يرفع رأسه وهو مازال على نفس الوضعية على ركبتيه
وهو يضع عينيه في عيني أم سعود ويهتف بكل ثقة الكون وحزمه:
وأنا غلطت.. والسموحة منش يمه ومن الجازي.. وحاضر باللي تبونه مني..
أنا يمه شفت شيء طيّر عقلي.. دوري لي لو أدنى عذر..
أنا شفت الجازي تحوّل من سيارة رجال غريب.. عقب نص الليل.. وتقول له يا قلبي وهو واقف جنبها..
تبين يقعد في رأسي عقل عقب ذا؟!!
وعلي الطلاق بالثلاث الحارمة كني مديت يدي على الجازي عقبها..
وإلا حتى رفعت عليها صوتي.. تحرم علي كني مديت عليها إصبع..
طالبش يمه طلبة.. وقفي جنبي..
كلهم صفوا عليّ حتى أمي وإبي وخواتي..
والله إن الجازي أغلى عليّ من نسمتي..
وإنهم لا يخيروني بين العالم كله وبينها.. ماتخيرت شيء عليها..
ثم انحدر صوته بألم عميق : يمه يبون ينحروني نحر الشاه.. ويسمونه طلاق..
لم يكن الرد رد أم سعود.. بل رد سعود ذاته وهو يقتحم عليهم الغرفة..
ويهتف بغضبه المتفجر... وهو ينتزع خالد الجاثي على الأرض ويرفعه:
أنت يا المرة قاعد هنا عند النسوان... ومخلينا ننتظرك في المحكمة..
احذف يمين الطلاق ذا الحين احذفه .. هذي الجازي تسمعك..
خالد لطم يد سعود بقوة وعنف.. وهو يرد بعنف مشابه:
طلاق ماني ب مطلق..
مالحد منكم حق يفصل بيني وبين مرتي..
سعود يعاود شد خالد من جيبه بقوة.. وهو يهتف بذات الغضب:
أقول لك طلقها برضاك قدام تطلقها غصبا عنها..
خالد يلطم يد سعود للمرة الثانية وعيناه تتقلبان من شدة احتكام غضبه :
اغصبني كن فيك خير.. طلاق ماني ب مطلق.. لو يطير من رأسك طير..
أم سعود تقفز لتقف بينهما لأنها عرفت أن حركة سعود الثالثة لن تكون مجرد شد جيبه..
وأنه كان يتحفز لضربه.. بينما سعود هتف بغضب أشد وأشد:
كنه يجهلك يا البزر.. إنه مثبت في التحقيقات إنك ضاربها ومكسرها..
من جلسة وحدة في المحكمة .. تقدر تخلعك..
فاحشم بنت عمك.. كنك تعرف الحشيمة وإلا مرت عليك.. وطلقها..
وكفاية الفضايح اللي أنت سويتها لنا..
حينها تأخر خالد قليلا وهو يشد وقفته ويهتف بحزم مختلط بغضبه الشديد:
فضايحي أنا المسؤول عنها..
وكنكم تبون فضايح جديدة.؟؟
أبــشــــروا.. ترا نفسي طويل على الفضايح..
ومستعد لمليون فضيحة..
وطلاق ماني ب مطلق.. وأعلى مافي خيلك اركبه..
ولا تجربني يا سعود.. مع إنك قد جربتني.. وتدري زين إني فاسخ... (فاسخ :مجنون)
بنتذابح قبل أطلق.. وخل أختك وأختي يترملون..
قاطع عراكهما الدموي المحتدم بكاء الجازي وهي تصرخ من بين شهقاتها بقدر ما أسعفها ضعفها:
سعود تكفى خلاص ما أبي الطلاق..
أنا اللي ما أبي الطلاق..
تكفى ياسعود خلاص..
تكفى طالبتك..
*****************************
اللـــيـــلــة..
ليلة من ليالي الخريف الدافئة أواخر سبتمبر 2014..
ونسمات هواء عليلة تهب من الشباك المفتوح
حيث تجلس الجازي بالقرب منه..
تمسح دموعا خائنة لا تستطيع منعها..
كلما تذكرت تلك الأيام.. وهي تمد يدها لجنبها..
جبرت العظام..
ولكن كسر روحها غير قابل للجبر.. عاجزة عن تجاوز الذكرى..
وهي تتذكر تلك الليلة المرعبة التي أحدثت فيها هي الأخرى تغييرا كبيرا..
من أبرز علاماته الواضحة إنها باتت تكره حضور حفلات الزفاف
ولا تحضر إلا مجبرة لقرابة العريس أو العروس منها..
كل أجواء الأعراس والاستعداد لها.. تعيد لها ذكريات تلك الليلة المريرة المرعبة
وخالد يستبيح جسدها وكرامتها.. وصباها.. وينقلها من محض صبية في الثامنة عشرة
إلى روحٍ هرمة مثقلة بالألم وقسوة الذكريات..
ويحرمها أن تعيش صباها بجنونه وأحلامه وإشراقه..
أما أبرز علامته المخفية.. فقد ملأت روحها بقيح الوجع.. وهي تشعر أنها معطوبة الداخل.. غير قابلة للإصلاح..
" ما الذي فعلته حتى أستحق منه أن يعاملني كالبهيمة؟؟
حتى البهيمة لا يليق تعذيبها بهذه الصورة
لأنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها..
ما الذي فعلته لأستحق عليه الصفع والركل ؟
كان يستطيع أن يتوقف لدقيقة واحدة.. دقيقة واحدة فقط حتى يفهم
كان يستطيع أن يسألني.. يستفسر مني..
أ لست من كان يجب أن تكون شريكة حياته وأم أولاده؟!!
لكن حتى السؤال استكثره علي..
لم أستحق منه أن يتعامل معي كمخلوق بشري قابل للأخذ والعطاء
تعامل معي كحشرة لا تستطيع الكلام ولا تستحق إلا السحق"
رغما عنها سألت دموعها أكثر وأكثر..
لا تعلم حتى متى ستبقى عاجزة عن تجاوز كل هذا...
حتى متى ستبقى حرقتها وقهرها وإحساسها بالمرارة والظلم ؟!!
تنهدت وهي تتعوذ بالله من الشيطان ..
وتقوم لتقرا وردها وتصلي قيامها.. فهما القادران على مسح إحساس الضيق المتجذر الذي تشعر به..
حين انتهت.. تمددت في فراشها لتنام..
قضت وقتا طويلا وهي تفكر قبل أن يأخذ النوم بأجفانها وتغفو..
في وقت ما قبل صلاة الفجر.. رن هاتفها.. كانت مستغرقة في النوم..
وأيقظها الرنين المتكرر الشديد الإصرار..
ردت دون أن ترى الاسم أو الرقم وهي تهمس بصوت ناعس مثقل بالنوم:
ألو.. من..
لتتفاجئ بالاسم الذي جعل النوم كله يهرب والأدرينالين يرتفع لحدوده القصوى..
وصاحبه يهتف به كل ثقة وجبروت:
خــــــــالــــــــــــد.. ..
في وقت ما قبل صلاة الفجر.. رن هاتفها.. كانت مستغرقة في النوم..
وأيقظها الرنين المتكرر الشديد الإصرار..
ردت دون أن ترى الاسم أو الرقم وهي تهمس بصوت ناعس مثقل بالنوم:
ألو.. من..
لتتفاجئ بالاسم الذي جعل النوم كله يهرب والأدرينالين يرتفع لحدوده القصوى..
وصاحبه يهتف به كل ثقة وجبروت:
خــــــــالــــــــــــد.. ..
الجازي شهقت وهي تعتدل جالسة.. كحت والكلمات تجف على شفتيها.. وصوتها يخرج مبحوحا:
خالد.. فيه شيء؟؟
تنهد تنهيدة بحجم الكون وبداخله حرقة تتمدد.. صوتها.. يا صوتها.. قريب بعيد:
فيه أشياء يا بنت سعيد..موب شيء.. أشياء كثيرة..
والليلة لازم تسمعينها كلها..
الجازي رغم استغرابها من اتصاله.. لكنها ردت بحرقة:
أنا أبي أسمع شيء واحد بس.. أنت عارفه..
خالد بحزم موجوع: لا.. بتسمعين كل الأشياء اللي أبي أقولها.. كـــلـــها..
خمس سنين وأنا ساكت..
وأول هذي الأشياء.. تعرفين يا الجازي كم صار لرقمش مخزن عندي؟؟
الجازي بخجل وصدمة: ليه هو رقمي مخزن عندك؟؟
خالد ينزف هذه الليلة.. ينزف فعلا: له خمس سنين عندي..
تتخيلين كم مرة في هالخمس سنين طبعت لش رسالة ومسحتها؟!
كم مرة كنت على وشك أتصل لش ونهرت نفسي؟!!
كم مرة رقدت وأخر شيء أشوفه رقم تلفونش؟!!
تعرفين وش كثر ذا الشيء كان يذبح ويعذب.. لما القمع لنفسك يجي من نفسك؟!!
الجازي صمتت لوهلة.. ثم ردت بحزم خجول موجوع:
خالد الكلام ذا كله مأخوذ خيره.. ولا منه فايدة..
احنا بيننا وضع غير قابل للحل.. وحله الوحيد الطلاق..
رد عليها خالد بنبرته الحازمة التي باتت نبرته المعتاد ولكنها مع الجازي وللجازي اكتست بعدا شفافا بغرابة:
أنا قلت لش اسمعيني.. وأنا اللي متصل.. خلني أخلص كلامي.. وعقب أنا مستعد اسمعش للصبح..
ثم أردف كما لو كان يتوقف بين العبارات وهو يهمس بحرقة وبصوت خافت: مستعد اسمعش العمر كله..
عادت نبرة صوته لترتفع قليلا : الجازي.. تذكرين يوم كنتي في المستشفى قبل خمس سنين؟؟ جعل ما تنذكر..
تذكرين إنه طلعنا أنا وسعود من عندكم؟؟
ترا سعود كسر يدي في مواقف المستشفى.. ما أدري لو دريتي أو لا..
بس الأكيد إنش تذكرين إن إخيش ماكان فيه ولا خدش..
مع إني كان أقدر أكسر يده ورجله..
الجازي.. أنا لي خمس سنين.. مامديت أصبعي على حد..
أنا نذرت إنه عقبش ما أمد يدي على حد.. وإن أي شيء يجيني هو كفارة لش..
بس أنا صرت أخوف.. ماحد يستجري يفكر يمد يده علي..ولساني يكفي من يدي..
حوطت قلبي بالقسوة عشان أحميه.. لأن قلبي عقبش مافيه ذرة سالمة..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
رغم الجازي تأثرت من كلامه.. فهي مهما يكن صبية ذات قلب رقيق..
لكن كل مايقوله لا يغير شيئا في ذاتها.. همست بألم: والله يا خالد اللي تقوله كله مايفيد..
خالد أكمل حرقته وانهماره: الجازي.. هل تظنين إني ما أدري عظم جريمتي اللي ارتكبتها في حقش؟؟
الجازي.. أنا عشانش أنتي بس.. خذت سنتين عقب الحادث أراجع دكتور نفسي
أبي لا رجعتي لي اكون قادر احتويش مثل ماهو مفروض ولازم
الجازي.. أنا أكثر حد عارف وفاهم وموجوع.. وعارف إنش من خمس سنين لين اليوم لين قدام
ما نسيتي ولارح تنسين وحشيتي وجريمتي في حقش..
أنا كنت أبي أعالج جرحي اللي تسببت به يدي.. بيدي..
كنت أبيش تسمحين لي أعالج روحش وروحي إلا مارح تتعافى إلا لما تتعافى روحش.
ومن ناحية ثانية ..تظنين الجازي.. لو أنا طلقتش من أول ما طلبتي الطلاق..
إن ذا الشيء كان في صالحش؟؟..
" ضربها وكسرها ثم طلقها!!!!!"
تظنين إنه حد في العالم كله بيصدق إنش بريئة.. وإني ضربتش ذا الضرب المتوحش بدون ذنب؟!!!
تظنين إنه كان هين عليّ أتحمل الإهانة والمسبات وزعل أمي وإبي وهلي كلهم وأخوانش اللي ماعرفت لي أخوان غيرهم؟!!
أمي هجرتني من السلام سنة كاملة تبيني أطلقش..
وأنا أموت كل يوم وأنا أحب أرجيلها وهي ما تلتفت لي..
تحملت ذا كله وأكثر..
لاني كنت أبي أكفر عن ذنبي في حقش..
لأنه ما أبي ابن أمه... في يوم من الأيام يجي و يقول بنت سعيد وش شاف ولد عمها عليها؟؟
وش اللي حده يسوي فيها ذا كله.. ثم يطلقها؟؟
خمس سنين مرت.. وأنا في كل مجلس أتفاخر بش..
وأفتخر إنش مرتي.. أبي العالم كله ينسى سالفة الضرب.. ويعرف إنش رايتش بيضا..
وإنه أنا الغلطان.. وإنه أنتي الجوهرة اللي حلم أي رجال إنها تكون في بيته..
لأن هذا ذنبي وغلطتي في حقش اللي لازم أحاول أصلحها بأي طريقة..
لو أنا طلقتش ذيك الأيام.. وعقب رحتي وتزوجتي..
تنهد بحرقة مرة : تدرين حتى مجرد إني أقول الفكرة يذبحني..
أكمل انهماره : زين ورحتي وتزوجتي؟!!.. تظنين إنه ذاك الزوج بيقدر يعالج تشوهات روحش اللي أنا تسببت بها بوحشيتي؟!!
بتظلين دايما قدامه مكسورة.. هذا إذا ماعايرش بي.. واللي أنا سويته فيش.. في أقل موقف يصير بينكم..
والله أعرف مالش أي ذنب ..وإنه ذنبي وجريمتي أنا..
أردف بحرقة أعمق : والله أعرف إنه ذنبي.. بس هذا اللي بيصير..
بغيتش تتممين زواجنا وأنا عارف إنه إتمام الزواج تعذيب لي قبل مايكون تعذيب لش..
لأني عارف إنش مارح تصفين لي.. ولا تسامحيني مهما كان..
وإني رح أشوف في عيونش جريمتي.. وإني رح أشوف في عيونش الكره والحقد..
وإن ذا الشيء رح ينحرني من الوريد للوريد..
بس كنت مقرر أتحمل كل شيء..
لأني أحبش وأبيش ولأن تطليقي لش ذاك الوقت استكمال لجريمتي في حقش..
ولا قلت لأحد شيء.. ولا قلت لأحد مبرراتي.. ولا أفكاري..
لأنه أبي العالم كله يعرف إني حريص عليش لأني حريص عليش أنتي بذاتش وموب عشان أي سبب ثاني..
مابغيت أنه حتى لو هو حد من هلي..يقول لو بينه وبين نفسه إنه واحد من أسباب تمسكي فيش عشان ماحد يتكلم عنش..
أنا ما أدعي أني شهم ولا أنه أسبابي فيها شهامة.. لأنه أنا أكبر أناني ونذل...
الجازي.. والله أنا ماكنت أبي أفرض نفسي عليش بهذي الصورة الأنانية البشعة..
بس خمس سنين مرت ولا رحتي المحكمة... كان باقي عندي أمل غبي..
عشت ذا الخمس سنين عليه.. إنه في خاطرش شيء لي.. أي شيء..
هذا الأمل خلاني أتجبر.. كنت أبي أوصلش آخرش.. يا ترجعين لي.. يا فعلا تبينين إنه تبين تقطعين اللي بيننا..
كانت الجازي متأثرة جدا بكلامه الذي لم يخطر أبدا ببالها.. وهي تؤمن أن في كل ماقاله جانب كبير من المنطقية..
وأنه يعري نفسه وروحه أمامها.. لكن كل هذا الحديث ليس له أي معنى..
فما فعله بها لن يكون له أبدا أي تبرير... ويستحيل أن يكون نقطة بداية لحياة بين زوجين..
همست بوجع عميق.. وجع خمس سنوات من الحسرة والقهر والقيد : خالد أنا عارفة إنك ما تكذب ومتأكدة إنك صادق ..
بس وش غرضك من ذا الحكي كله؟؟..
هل تظن يا خالد إنه ممكن عقب ذا السنين كلها اللي أنا مت فيها ألف مرة..
وأنا أفز من فراشي مرعوبة.. لا تذكرت تيك الليلة..
إنه ممكن أوافق أكون أنا وإياك في بيت واحد؟!!
خالد تنهد بكل وجيعته التي تحز عميقا في روحه المدمرة:
ومن قال لش إني مكلمش عشان أبي أقنعش إنه نجتمع في بيت واحد؟!!
الجازي باستغراب: أجل ليه مكلمني؟!!
خالد يشعر أنه يتقيأ روحه.. يتقيأها فعليا بكل معنى الكلمة:
عشان أقول
الـــجـــازي.. أنــتــي طـــالـــــق...
**********************************
الصباح الباكر..
"يبه.. أبيك تروح معي.."
أبوخالد باستغراب: وين مع ذا الصبح؟
خالد لم يكن ينظر نحوه ولا نحو والدته ولا مزنة.. أهله المجتمعون كلهم على سفرة الإفطار..
كان ينظر إلى شيء غير مرئي..
منذ أن ألقى يمين الطلاق على الجازي قبل
ساعات..
وهو يشعر أن روحه غادرته..
وأن جسده يتحرك دون روح..
حين اتصل بها قبل الفجر كان يظن أنه سيكون أقوى.. وأن هذا القرار الذي كان يؤجله منذ ثلاثة أشهر قد حان وقته..
منذ أبلغته دانة قبل أشهرٍ ثلاثة أن الجازي تهدد بالمحكمة.. انهار شيء ثمين في روحه..
شيء كان يخبره أن الجازي في داخلها تريده..
وأنها تريد فقط أن تعاقبه.. وهو كان راض بالعقاب مهما طال..
لأنها لو لم تكن تريده.. كانت ستخلعه في المحكمة... وحتى حينها كان سيصر عليها
حتى يعلم العالم كله أنها من رفضته ولفظته.. وأنها وحدها هي المرغوبة..
ومرت السنوات.. وهو يظن أنها حينما تتقبل فكرة أن تعاقبه بنفسها وفي بيتهما..
ستأتي فرصته أن يداوي جراحها بنفسه..
كان مستعدا لكل شيء من أجلها.. كان يريد أن يمحي ماحدث قبل خمس سنوات من ذاكرتها بأي طريقة كانت..
وكان رفضها للمحكمة يحي هذا الأمل في روحه..
لأنها مادامت لم تتوجه للمحكمة.. فذلك يعني أنها في قرارتها تريده..
لأنها تترك الأمر بيده.. وهي تعلم أنه لن يتخلى عنها مادام القرار قراره..
لكن منذ ثلاثة أشهر.. كل هذه الآمال انهارت..
في كل يوم وفي كل ليلة من هذه الأشهر.. حاول عشرات المرات أن يقوم بما قام به هذا الفجر المشؤوم..
ليجد عزائمه تنهار في اللحظة الأخيرة..
العزائم التي نجحت في الصمود هذا الفجر..
أراد قبل أن يفعلها.. وقبل أن يفصل بينهما فصلا نهائيا.. أن يخبرها كل شيء..
آلامه.. وأفكاره.. ووجعه.. وأسبابه..
قد يكون في ذلك أي عزاء لها.. أي علاج لروحها مهما كان ضئيلا.. مادامت لن تسمح له أبدا أن يكون علاج هذه الروح..
مادامت سترتحل بروحها وروحه معها...
هتف خالد بحزم: أبي أكتب ورقة الجازي.. وأبيك شاهد..
وبنكلم محمد يجينا هناك.. شاهد ثاني..
ثلاثة أزواج من العيون توسعت بصدمة.. أم خالد سقط فنجان قهوتها من يدها...
والذي لحسن حظها لم يبق فيه إلا قطرات..
ومزنة تهمس بصدمة كاسحة: بتطلق الجازي؟؟
هتف خالد بذات الحزم الذي يحمي مابقي فيه من التفتت والانحلال رغم صعوبة الكلمة عليه:
أنا طلقتها خلاص..
أنا رايح بس أكتب ورقتها..
أبو خالد بصدمة مشابهة: طلقتها؟؟
خالد وقف وفنجان قهوته البارد مازال لم يُمس وهو يهتف بحزمه المعتاد:
موب ذا اللي تبونه كلكم؟!!
كلكم من خمس سنين لين الحين.. وأنتم تبوني أطلقها..
ماحد وقف معي.. ولا حد حاول مجرد محاولة إنه يفهمني..
يا ناس..حتى المجرمين والقتلة لهم فرصة ثانية في الحياة..بعد انتهاء عقوبتهم..
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول :كل ابن آدم خطّاء.. وخير الخطائين التوابون..
وقال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له..
وأنا مجرم وقضيت عقوبتي كاملة وزيادة..
أبي فرصتي الثانية.. ماحد عطاني إياها..
وتبت وتبت وتبت.. ولاحد قبل توبتي..
اللي ذبح مئة نفس الله عز وجل قبل توبته.. وأدخله جنته..
واستقبلته ملائكته..
وانتم حتى ما تبون تشيلون صورتي من إطار المجرم المخطي..
عجزت وأنا واقف ببرواز صورة التايب اللي يستحق فرصة .. أترجاكم تحطون صورتي فيه...
كلكم رفضتوني وعاقبتوني..
ثم أردف بحزم أشد:
طلقتها.. ارتاحوا كلكم..
احكموا على المجرم اللي خلص عقوبته.. بعقوبة العمر كله..
*****************************
"الساعة صارت 8 ودقيقتين.. مارح ندخل.. مارح أخلي الأمبريالي يطردني"
أميرة برجاء: جيلو إحنا عند الباب... مستحيل يطردنا عشان دقيقتين..
موب لذا الدرجة..
الجليلة هزت كتفيها: أنا مارح أدخل.. تبين روحي أنتي.. أنا بنتظرش على الكراسي القريبة وأحضّر لمحاضرتي الجاية..
الجليلة استغربت أن أميرة فعلتها وقررت أن تدخل.. كانت صدمة سعيدة جدا للجليلة..
فهي كانت متأكدة مئة بالمئة أن أميرة ستتخذ نفس قرارها..
وأنها يستحيل أن تدخل مادامت الجليلة لن تدخل..
لذا كان اتخاذها لهذا القرار مصدر سعادة حقيقية للجليلة..
الجليلة توجهت للمقاعد القريبة... بينما أميرة توجهت إلى المحاضرة
لتعود عليها بعد دقيقة وهي تتأفف.. ابتسمت الجليلة: طردش؟!!
أميرة بذات التأفف: زين البنات ماشافوني.. فتحت الباب شوي...
أشر لي بيده لا تدخلين.. كنه يهش ذبانة..
الجليلة بسخرية: يحسب روحه تمثال الحرية الأمبريالي..
الجليلة وأميرة بقيا على ذات المقاعد في انتظار محاضرتهم في قاعة قريبة.. وفي انتظار ضي..
بعد انتهاء المحاضرة.. حينما خرجت ضي.. اتصلت بهما فورا..
لتسمع الرنين قريبا وتوجهت لهما..
سلمت وهي تهمس بمرح: تدرون ماحد غاب غيركم..
أنا جيت المحاضرة 8 إلا عشر لقيت القاعة شبه مكتملة..
الجليلة بثقة: مسوي رعب للمساكين.. دخل في عقولهم..
أميرة بمرح: واحنا ترا كان مفترض تلقينا في القاعة 7 ونص..
لولا حادث على الطريق كان مسكر الشارع..
الجليلة تسأل ضي باهتمام: عسى كتبتي كل شيء عشان أنقل منش..
ضي بتأفف: أكرهكم يا الدوافير.. تحسسوني بالنقص..
ثم أردفت بمرح: وأنا كاملة والكامل وجه الله
وهم في حوارهم.. خرج فرات من القاعة.. بخطواته الواثقة المعتادة دون أن ينظر يمنة او يسرة..
همست الجليلة بتأفف: يا صبر الأرض عليك...
همست أميرة بمرح: والله إنه يجنن بس أنتي أصلا ما فيه رجال يستحق التقدير في عينش إلا شهاب...
الجليلة باستنكار: هذا تقارنينه بشهاب؟!!.. بسم الله على أخي منه...
حينها همست ضي بحماسة: صار عندي فضول اشوف شهاب.. من قد ما الجليلة الحديدية تهذري به..
همست أميرة بتلقائية : شكلا: شهاب توب التوب... بس اللي داخل الشكل: الله لا يحطش في طريقه...
الجليلة نهرت أميرة : أميرة!!
أميرة انكمشت قليلا..
بينما ضي بلطافتها المعتادة تبعثر التكهرب الحاصل: حظكم عندكم اخ حلو يمشي سوقكم... أخواني جابر وصقر الله يرحمه.. هم سبب عنوستي...
الخطاطيب حسبي على ابليسهم يحسبوني أشبههم...
أميرة ابتسمت: وأنتي صدق ما تشبهينهم؟؟؟
ضي تضحك: أقول تلايطي..
ثم أردفت وهي توجه السؤال للجليلة:
إلا جيلو ... من أكبر أنتي والا شهاب؟!!
ردت الجليلة بحنين عظيم: شهاب أكبر مني بست سنين..
***************************
"وش فيش يا أمش مارحتي دوامش اليوم؟؟"
الجازي تمسح وجهها المرهق... فهي لم تنم إطلاقا من بعد مكالمة خالد..
همست لأمها بسكون: مرهقة يمه... جاتني مكالمة قبل الفجر.. طيرت نومي
أم سعود برعب: حد فيه شيء..؟؟
همست الجازي بسكون غريب: خالد طلقني...
عاجزة عن تحديد مشاعرها... هي بالتأكيد سعيدة جدا... لكن هذا الفرح المفاجئ كثير عليها...
هذا الإحساس بالحرية بعد سجن خمس سنوات كان غريبا عليها..
منقيا للروح حد الألم الفعلي..
مثل إحساس من اعتاد على وجود جبس في قدميه الاثنتين لمدة خمس سنوات...
ثم تحرر منه ..
يحتاج وقتا للتأقلم مع هذا الإحساس بالخفة.. والحرية..
همست أم سعود بجمود:
مستانسة الحين؟؟
الجازي بحياد: أكيد مستانسة...
خمس سنين وهو كاتم على نفسي...يمه.. خمس سنين..
لكن حتى إحساس السعادة أحتاج وقت لين أتعود عليه.. عقب ماحرمني منه
حينها همست أم سعود بحياد مشابه:
خالد ربيته مع أخوانش وغلاه مثل غلاهم..
من صغره وهو حنون ونفّاع ونشمي بس لا عصب مايفكر...
وكنت أخاف عليه من ذا الطبع..
قبل خمس سنين يوم جانا في المستشفى ..
وحط رأسه في حضني..
وايديه على ركبتي.. كنت أحس برجفة ايديه..
حسيت بوجيعته وقهره
ونذرت يومها في نفسي إن قد تاخذينه..
موب لأني مرخصتش مثل ما أنا دارية أنه جاء في بالش وأحزنش مني وضايقش
لكن لأني شفتش مكسورة.. وشفته مكسور ونادم
ودريت إن كسرتش مايداويها إلا هو
وكسرته ما يداويها إلا أنتي
لكن الحين خلص الحكي كله..
ومثل ما دفعت كفارة حلفي إنه ماطلقش قبل خمس سنين
الحين بادفع كفارة إنه طلقش..
****************************
كانت في مكتبها تنهي بعض الأعمال الروتينية حين تعالى رنين هاتفها...
نظرت للهاتف.. وتأففت..
و في نفس الوقت ابتسمت... هذه المطاردة الحثيثة من تركي تشبع شيئا ما في روحها..
رغم أنها لا تعرف سبب تركي لهذه المطاردة...
(لو إني موب عارفتك يا تركي البارد
كان قلت إنك معجب فيني
وإلا تحبني!!)
(تركي يحبني؟!!
تخيلاتش شاسعة
تركي واجد عليه يحب روحه )
تركت الهاتف يرن حتى اتقطع كعادتها معه كلما اتصل..
في البداية.. قبل ٣ أشهر..
كان يتصل بشكل متكرر.. على مرات متقاربة
وحين رأى أنها لا ترد
توقف عن محاولات الاتصال..
عدا مرات متباعدة جدا.. لم ترد عليها أيضا..
مثل هذه المكالمة..
وحينما لا ترد.. فهو لا يعاود محاولة الاتصال مباشرة لمرتين متتاليتين أبدا
لكن ما فاجأها هذه المرة إصراره..
وهو يعيد الاتصال ثلاث مرات..
خشيت ان يكون هناك أمر جلل دفع (سموه) إلى تكرار الاتصال لذا ردت وهي تهمس بقلق:
فيه شيء يا أبو عبدالمحسن؟؟
كان رده البارد الحازم: أنتي اللي فيه شيء؟؟ عشان أدق مرة ومرتين وثلاث..
ليت تتعطفين بالرد..
وخصوصا إنها موب أول مرة تتجاهلين اتصالاتي..
الهنوف شدت نفسا عميقا.. وهي تهتف بحزم رقيق: ماعليه..
السموحة من سموك... تبي شيء؟!!
تركي حينها هتف بغضب: تدرين إنش قليلة أدب..
الهنوف اتسعت عيناها بصدمة : نعم!! أنا قليلة أدب ؟؟
كان رده عليها.. أنه أغلق الخط في وجهها..
الهنوف بقيت مصدومة لدقيقة.. لم يخرجها من صدمتها إلا وصول رسالة منه..
(أنا مسافر بكرة واشنطن
رايح لصيتة..
أعطيش خبر...
عشان تعرفين إنه فيه ناس يعرفون الأصول..
وكيف يتعاملون مع شريك حياتهم)
الهنوف اتسعت عيناها بغضب حقيقي.. احتارت هل تتصل أو تكتب..
خشيت إن اتصلت إن يحضر خجلها اللعين.. ويخنقها عن الرد.. لذا كتبت له:
(شريك حياتهم؟؟!!
نكتة ذي؟!!
نعم يا أبو عبدالمحسن؟؟
من متى واحنا شركاء حياة؟؟
عقب ما حضرتك قررت إنه فعلا عندك زوجة من ٣ شهور بس
عقب ماكنت ناسي وجودها ثمان سنين؟!)
حين وصل ردها إلى تركي الذي كان في وقتها في مكتبه في الجامعة..
لم يعرف هل يبتسم أو يتضايق..
مازالت شخصية الهنوف مجهولة بالنسبة له..
رغم تسلطها على روحه..رغم ذوبانه غراما لها..
لكن في كثير من الأحيان هذه الحدة دليل مشاعر عميقة
فهل حدتها اعجاب؟ حب؟ نفور؟ كراهية؟؟
أرسل لها:
(أنا أبي أعرف.. أنتي ليه تكرهيني كذا؟؟
معقولة مافي قلبش اي مشاعر ود لي؟!)
ولكنها لم ترد عليه.. لم ترد عليه
واتسعت ابتسامته..
**********************
"يمه ما أبي أطلع.."
"أفا.. جدش جبران عازمنا...
تفشلينه؟!!"
التفت فهدة الصغيرة حينها للشيخ الجالس على الأريكة بالقرب منه عكازه..
بمحياه السمح اللطيف وبلحيته البيضاء..وتجاعيده الغائرة الحنونة..
وهمست له بنبرة غير متحمسة: يبه موب تعب عليك؟!!
الجد جبران ابتسم ابتسامة حنونة تخلو من بعض الأسنان: لا بالله مهوب تعب..
تبين نتسابق للسيارة عشان تدرين إني ماني ب تعبان؟!!
فهدة الصغيرة ليس لها أي رغبة أن تخرج..
تود لو أنهم يتركونها لتبكي كما تشاء في خفية عن أعينهم التي تحاصرها طوال النهار والليل..
منذ انفجارها بالأمس.. وهم يخنقونها باهتمامهم ومشاعرهم.. وبالأمس خرجت مع الجدة والجد..
والآن يريدونها أن تخرج مرة أخرى..
وكلما تذكرت أن خالها تركي سيسافر في الغد دون أن يحاول الالحاح عليها مرة أخرى..
تشعر برغبة عارمة أن تبكي بلا توقف..
همست باختناقها الطفولي.. بوعيها الذي بات أكبر من عمرها بكثير:
يا الله يبه .. بنطلع..
أبي أروح لسوق واقف.. أنا وإياكم..
.
.
فور خروجهم..
تدافعت المجنونتان..
اللتان كانتا تنتظران وتراقبان من مكانهما في أعلى الدرج..
كأنهما كاسحتا ألغام..
وكل واحدة منهما تحمل شنطة زهرية طفولية لطيفة الشكل..
أحدها متوسطة الحجم للشحن.. والأخرى صغيرة تحملها في اليد..
وهما تهجمان على غرفة فهدة..
كانتا قد اتفقتا أن تشتريا لها معظم الأشياء التي ستوضع في الحقيبة..
حتى تسعد مع والدتها بملابسها وأغراضها الجديدة..
وحتى لا تفقد فهدة شيئا من أغراضها القديمة من غرفتها وتشك بشيء
وكانت حقيبتها شبه جاهزة وقد سبق ورتبتاها في الأعلى منذ البارحة حين ذهبتا للسوق مع خروج فهدة مع الجد والجدة..
وهما تركضان ركضا لتعودا قبلها..
لكنها أرادتا التأكد من كل شيء ..ومن أشياء قد تكون تحتاجها ولم يشترياها..
لم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق ..
وكان كل شيء جاهزا ..
وهاهما تجلسان على السرير..
وغالية تهمس بحماس ومرح: كن حن في فيلم بوليسي.. وإلا مخابرات وحن ندسدس ذا الشنطة المبروكة..
ثم أردفت بقلق: ظنش فهدة وش بتسوي لا جاء خالها بكرة يبي يوديها معه المطار؟؟
ضي ضحكت: ماعليش منها.. اغصبني واتغيصب
أنا بعلمش وش هي بتسوي..
بتسوي فيلم هندي.. وبتصيح وتفقع رووسنا بالصياح..
وبتقول ما أبي أروح..
ويمكن تسكر على روحها الباب..
ويمكن تقول والله لا أشتكي عليكم في الشرطة وإنكم تبون تخطفوني..
بس في الأخير بتسافر...وهي حاطة روحها مغصوبة..
وقولي ضي قالت..
السيدة ملعقة ذي خبز يدي.. أنا اللي مربيتها وخابزتها وعاجنتها..
.
.
والغريب والمثير والمضحك
أن هذا ماحدث تماما..
حينما حضر خالها تركي لأخذها
وهي تفتعل فضيحة عالمية
وتتهمهم جميعهم بخداعها.. وتهدد أن تبلغ أمن المطار أن تركي قد اختطفها..
ومع ذلك.. ستسكت من أجل خالها تركي.. لكنها حين تصل إلى واشنطن ستطلب اللجوء..
.
.
وختاما..
انتهت أنها تجلس مع حزام الذي جاء مودعا لهم في المطار
بينما تركي ذهب لتخليص بعض الأمور..
حزام يهتف لها بمرح: عدال كنش أميرة على ذا الكشخة..
وين المصورين موب في استقبالنا؟!
فهدة بتأفف: خالي حزام ترا كبدي حامضة عليك أنت وأختك..
حزام يضحك: الحمدالله والشكر كبدش حامضة ٢٤ ساعة..
ماقد شفتش تمارسين الطفولة البشرية المعتادة...
عجوز ملكعة..
فهدة تنظر له بنصف عين: خليت الطفولة البشرية لك..
وأنت الطول طول نخلة والعقل عقل صخلة..
مازال حزام يضحك: موب ذابحش الا ذا الطول يا سيدة ملعقة...
فهدة تزفر بذات التأفف للمرة الألف: حيني ملعقة ..ما ني ب كوع..
ضحك حزام ضحكات مجلجلة: أخس يا النفسية.. ماحد يحاكيها
ثم ربت حزام على كتفها وهو يهمس بحنو:
يا الخبل تراش رايحة لأمش اللي لش سنتين ماشفتيها..
وش له منفسة ألف؟؟
حينها انحدر صوتها بضعف مرير وعبراتها تخنقها: بس أمي ما تبيني يا خالي...
*************************
"صحيح خالد طلقش؟!"
الجازي بسكون: مها تدرين إنش سألتي ذا السؤال عشرين مرة في التلفون؟
ثم عشرين مرة عقب ما جيتينا..
مها باستغراب: ماهقيت إنه ممكن يطلق إلا غصبا عنه.. ومو أي غصب
توقعت تدخل قوات لخويا.. مع الحرس الأميري (لخويا: الأمن الداخلي في قطر)
ويمكن يحتاجون معاونة القوات الجوية.. وإنزال من القوات الخاصة..
وعقب ذا كله يمكن يطلق ويمكن لا...
الجازي بذات السكون: مها ترا الموقف ما يتحمل خفة دمش..
مها مازالت مستغربة: ومن قال أمزح... أحكي من جد جدي..
واللي أنا مستغربته أكثر.. ليه حاستش موب مبسوطة؟؟
الجازي تنهدت بصدق: والله مبسوطة مها.. مبسوطة..
بس إحساس غريب غريب...
الانتقال من ظلمة الحبس الشديدة إلى نور الحرية الواسع.. نقلة واسعة تحتاج خطوات واسعة تحتاج طيران..
وأنا كنت مقيدة سنين... أحتاج وقت أتعود إني خلاص أتحرك دون قيد..
سعود يقول لي بنروح عمرة الأسبوع الجاي.. تدرين وش أول كلمة جات على لساني: قلت لخالد؟؟
تتخيلين اشلون سعود زعل.. قلت له: ياروح أختك لا تزعل.. عطني وقت أتعود..
مها إحساس غريب.. مهما أوصف غرابته ما أقدر..
أنا كنت عارفة إني رح أتطلق رح أتطلق... لأنه مستحيل أي علاقة زوجية صحية تجمعني مع خالد..
لكن طريقة خالد في الطلاق والكلام اللي قاله لي.. سيناريو مختلف عن كل سيناريو رسمته في عقلي...
شتتني.. لكنه أسعدني أكثر...
ماكنت أبي الطلاق يجيب مشاكل ولا يجي عن طريق محاكم..
والحمدالله صار مثل ما تمنيت... فليه ما أكون سعيدة؟!!
أنا أشعر إني ولدت من جديد اليوم...
******************************
"فهدة حبيبتي.. من يوم احنا في المطار.. والحين في الطيارة وأنتي ماكلتي شيء..
ليه يا أبيش؟؟"
فهدة تنظر لخالها تركي وتحاول أن تهمس بثقة: والله يا خالي ماني مشتهية..
وبعدين كلت في البيت قبل أطلع..
ابتسم تركي بحنو بالغ: متى كلتي وأنتي ساعتين منقعتني في السيارة..
وصوت صياحش واصلني وأنتي تهددين تسلميني للانتربول وحقوق الطفل والأمم المتحدة
همست فهدة بخجل شديد: والله إني كنت أمزح يا خالي...
بس ماكنت أبي أروح.. وأنتو أجبرتوني بالغصب..
تركي مال عليها ليقبل رأسها بحنان بالغ وهو يهمس لها بخفوت: يا أبيش..
ترا عندش أم.. لو يوزعون حنانها على أمهات العالم كلهم كفاهم وزود..
لا تسمحين لأحد يوقف بينش وبين أمش..
ولا يشوه صورتها قدامش..
ولا يحاول يقنعش إنه فيه أحد أغلى منش عندها..
****************************
اليوم التالي..
الأربعاء
بعد منتصف الليل في واشنطن..
الصباح في الدوحة..
.
.
بانتظار استاذهم الجديد غريب الأطوار..
الممتلئ ثقة وغرورا واستبدادا وثقافة ووسامة.. يبدو كما لو كان لا يعرف التوسط في أي شيء..
الجليلة بابتسامة: باقي دقيقتين.. على بداية المحاضرة..
لو تأخر الأمبريالي.. بنسكر الباب من دونه..
ومثل ماطردنا بنطرده..
أميرة تبتسم: حرام عليش يا جيلو.. كن ذا المسكين يسير فوق رأسش..
ضي تنظر من تحت أهدابها لأميرة وتهمس باستنكار مرح: البنت ذي مهيب عاجبتني
على طول صافة مع ذا الامبريالي...
جعله يخسف درجاتها..
مع انتهاءها من عبارتها..
دخل فُرات بثقته المعادة وهو يبدأ شرح الدرس دون تأخير..
وفي منتصف المحاضرة.. كان يشرح عن قضية معينة:
ويمكن هذي القضية ترجع لما يمكن تسميته " بتأليه السلعة" أكيد تعرفون هذي النظرية الشهيرة..
ثم زفر بسخرية: صدق أني متأمل خير فيكم.. قال تعرفون تأليه السلعة.. زين تكون مرت عليكم أصلا..
" أكيد نعرف هذي النظرية.. يعني مهيب النظرية المعضلة اللي تبي لها تيك المعرفة"
صوت بلغ أقصى حدود الأنوثة ناضج بارتواء..
واضح وقوي لا ميوعة به.. بالغ الثقة...
وبه نبرة سخرية لم تخفَ على أذنه الخبيرة..
وصل ربما لجميع من في القاعة للهدوء الشديد في القاعة.
استدار بثقة وهو يهتف بحزمه المرعب: من العبقرية اللي أخيرا سمعتني صوتها عقب ثلاث محاضرات من الصمت؟؟..
تدرون كنت أشك أنكم على قيد الحياة أصلا..
كنت أظن أني داخل مقبرة وألقي المحاضرة على مجموعة جثث..
ثم أردف بنبرة الحزم ذاتها التي تخللها نبرته الساخرة الباردة: شنو.؟؟. خايفة؟؟..
وإلا الكلمة طلعت منش بالغلط..؟؟
الصوت ذاته بذات الحزم وصاحبته ترفع يدها: وليش أخاف؟!..
والكلمة أنا قاصدتها.. من اللي ما يعرف هالنظرية الابتدائية..
نظرية مثل ذي يعرفونها طلاب الابتدائي.. أشلون حن طلبة الجامعة..
نظر نحوها .. كانت تجلس في الوسط بين زميلاتها.. منقبة .. تفاصيلها غير واضحة أبدا..
لم يسمح لها أن تحرجه ...علم أن مقصدها أن النظرية التي تفتخر بمعرفتك لها هي نظرية للجهلة وليست مقياس معرفة..
هتف بذات البرود القاسي الجاف والمتعجرف:
أها طلبة الابتدائي..!!!
يا الله يا بنات.. غير زميلتكم نيوتن القرن الحادي والعشرين..
من اللي يعرف هالنظرية اللي المفروض أنتو طالبات الجامعة تعرفونها؟؟
لم ترتفع يد واحدة.. بدأ يختار بعشوائية عدد من الطالبات كن يهمسن باختناق "ما نعرف"..
حتى أجابت إحداهن بارتباك وصوتها المبحوح بالكاد يخرج: يعني السلعة تصير كأنها آلهة..
أجاب بذات البرود الخشن المرعب: عفية عليش يا بنتي..
طيب اعتبروا السلعة آلهة هذا شيء واضح من مسمى النظرية..
لكن أنا أبي فلسفتها.. صاحبها.. تأثيرها في الأقتصاد..
حينها همست باختناق وكتفاها كما لو كانا يرتجفان: ما أدري دكتور..
أعاد عبارتها بحزم: ما أدري يا دكتور!!..
ثم أردف بنبرة أقرب للسخرية : زين من اللي يدري؟؟.. أينشتاين؟؟
حينها عاد لصاحبة الصوت بالسؤال...............
ردت عليه بثقة: اسمح لي دكتور.. مع احترامي الشديد لكني مارح أجاوب..
صُعق من ردها عليه.. ولكنه جلس خلف الطاولة بهدوء شديد:
وليه ما تبين تجاوبين؟؟ توش تقولين تعرفينها.. وإلا طارت مع الربكة..؟!!
بذات الثقة اللي أثارت غيظه بشدة: أسلوب حضرتك فيه نوع من الإهانة لي واستخفاف بعقلي..
حينها تنهد فُرات.. فهي معها حق.. (أنا بروحي جاي حاد عليهم سكاكيني وهم مساكين ما وحدة منهم تفتح حلقها بكلمة)
هتف بثقته العملية: طيب...يا الله قولي لي وش تعرفين عن النظرية..
ولو جاوبتي جواب كامل يرضيني لش عندي بونص 5 درجات..
القاعة بأكملها شهقت (5 درجات) وفُرات يكتم ضحكته..
لأنه يعلم لأنها مهما أجابت فأجابتها لن ترضيه..
بثقة بالغة في نفسها ومعلوماتها انهمرت دون تردد أو تلعثم:
أول ظهور لهذه النظرية كان عند كارل ماركس الفيلسوف الألماني صاحب نظرية الماركسية
في كتابه الشهير "رأس المال" اللي انتقد فيه الاقتصاد السياسي سنة 1867..
وشرح إن البشر يتحولون لعبيد للسلعة فيخدمونها بدلا من أن تخدمهم.. وتحكم علاقاتهم مع الآخرين..
وهذا راجع طبعا لأن كارل ماركس بنظريته في الاشتراكية كان يعادي النظام الرأسمالي..
و في 2012.. تطورت من هذه النظرية نظرية جديدة اسمها نرجسية السلعة..
طورها مجموعة من علماء النفس وقالوا: إن أخلاقيات المستهلك اللي يصر على معرفة ظروف التصنيع وإنسانيتها..
يكون فيها نوع من الادعاء لأنهم يتصرفون تجاه هذي السلعة وكأنهم ما يعرفون أصول التصنيع مع أنهم يعرفونها..
مثلا من المعروف إن شركات الجينز الشهيرة تصنع منتجاتها في سيرلانكا وبنغلادش..
في ظروف عمل صعبة جدا تؤدي لإصابات خطيرة للعاملين.. لأن تعتيق الجينز يحتاج لحكه برمل الزجاج..
ومع ذلك ستجد من هؤلاء المدعين من يشتري هذه المنتجات في تأكيد لنرجسية السلعة وعدم القدرة على رفضها..
فُرات كان مبهورا .. مبهورا فعلا بها.. معرفتها القوية وثقتها البالغة وطريقتها الرزينة في الكلام..
بل حتى نوعية المعلومات المقدمة.. ليست من مكان واحد..
بل هي تدل على متانة في المصادر.. وتنوع فيها..
وعلى ثقافة حقيقية ليست وليدة الساعة..
صمتت حين انتهت.. مع أنه كان عندها المزيد لتقوله.. وهو كان يتمنى لو أنها أكملت..
لكنها رأت أن هذا يكفي..
و حينها لم يجد فُرات إلا أن يبتسم بإعجاب وهو يقول لصاحبة الإجابة:
عفية يا بنتي.. تستاهلين بونص 10 درجات مهوب بس 5..
بس أنا ما أقدر أعطيش أكثر من خمسة..
الاسم لو سمحتي عشان أرصد لش الدرجة..
الصـــــوت بــــثــــقـــــة:
أميرة طالب متعب آل حزام
*****************************
"شفت غلاك.. لزمت استقبلك في البيت بنفسي"
كانت صيتة تفتح الباب لتركي وهي تشعر أن قلبها يرقص.. يتراقص من سعادته المبتورة..
رغم أنها لم تراه من ثلاثة أشهر فقط..
لكنها تشعر كما لو كانت ثلاث سنوات ثقيلة.. في سلسلة طويلة من تثاقل الأيام عليها..
+
اتسعت ابتسامة تركي وهو يرى وجهها الرقيق العذب الحاني.. وابتسامتها الشفافة
التي يستطيع أن يعد عدد مرات رؤيته لها.. خلال السنوات التسع الأخيرة..
تركي احتضنها بقوة وحنان وشوق.. هو يهتف بمرح ونبرة مقصودة:
جاية تستقبليني ..
وإلا تستقبلين مفاجأتي لش؟؟
قالها وهو يتحرك جانبا ..ليظهر الجسد الضئيل الذي كان يختفي خلفه..
و حينها لم يجد فُرات إلا أن يبتسم بإعجاب وهو يقول لصاحبة الإجابة:
عفية يا بنتي.. تستاهلين بونص 10 درجات مهوب بس 5..
بس أنا ما أقدر أعطيش أكثر من خمسة..
الاسم لو سمحتي عشان أرصد لش الدرجة..
الصـــــوت بــــثــــقـــــة:
أميرة طالب متعب آل حزام
.
.
الجليلة بتأفف حازم : تراكم كلتوا كبدي عشان ذا الإمبريالي المتخلف..
أميرة وضي يتقاذفان الكلام: تكذبين على الدكتور.. وتقولين أنش أميرة عشان يسجل البونص لها..
أصلا حتى شرعا ما يجوز.. وأنتي مصلية ومتدينة وعارفة ربش...
ابتسمت الجليلة: فهمي للموضوع من ناحية ثانية تماما.. لأنه هذا مجرد بونص.. يعني هدية..
شيء زيادة عن حقي في المقرر.. والهدية من حقي أعطيها اللي أبي..
يعني لو كان الإمبريالي عطاني فرضا قلم هدية لما جاوبت.. وأنا خذت القلم وعطيته أميرة.. كنتو بتسوون نفس الفلم؟!!
أميرة برجاء: تكفين جليلة أنا أصلا ما أبي ذا البونص.. أسألي شيخ أكيد أنه حرام..
توترت الجليلة بشدة.. هي فكرت في هذه الدرجات كهدية تهديها لأختها..
لأنها تعلم أن أختها ستحتاجها بالفعل.. وخصوصا أنها رسبت في كل الاختبارات التشخيصية في كل المقررات..
في دلالة واضحة على ماسيحدث في الامتحانات النصفية القريبة.. وفجّر قلقها على أختها..
ولم يخطر ببالها أبدا أبدا أنه قد يكون فيها مجرد شبهة حرام..
تنهدت بحزم وضيق كبيرين: خلاص انتهى الموضوع.. وش تبوني أسوي؟؟..
أروح أقول له أنه أنا الجليلة يعني.. وجاوبت باسم أختي..
عيب وغلط وفضيحة.. وأساسا ما أعرف كيف سويتها..
بس أميرة وترتني بدرجاتها في الاختبارات التشخيصية.. وكان موجعني إني ما أقدر أساعدها بشيء..
فجاني ذا البونص من السماء.. والله ما أعرف كيف سويتها!!
همست ضي بقلق: الخوف أنه البنات الملاقيف يروحون يقولون له.. خصوصا إنش صرتي معروفة في القسم.. بين البنات والدكاترة..
تنهدت الجليلة بثقتها المعتادة: ما أعتقد.. يعني وش ذا الملقوفة قليلة الحيا ..اللي بتسويها..
في وقت حوار الاثنتين.. كانت أميرة تفكر بشيء مختلف.. همست بتوتر كبير:
تدرون بنات وش اللي أنا خايفة منه فعلا.. وكاسر ظهري..
بنات إحنا باقي لنا تقريبا شهرين ونص ثلاثة لين نخلص الفصل..
وأنا الحين عند دكتور فُرات العبقرية اللي جاوبت السؤال اللي ماحد عرفه..
تخيلوا المحاضرة الجاية وإلا اللي عقبها.. يقول : يا أميرة آل حزام وش رايش في القضية الفلانية أو القضية الفلانية؟؟
شهقت: يمه يمه.. الفضيحة اللي بجلاجل جاية جايه..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ضي بصدمة مما تقوله أميرة: أي والله إنش صادقة.. أساسا هذا اللي رح يصير فعلا.. كيف ماخطر ببالنا..
أميرة أمسكت كف الجليلة برجاء: جليلة خلينا نحذف المقرر قبل ما يخلص الحذف النهائي..
الجليلة بحزم وإصرار: مارح نحذف أي مقرر.. ولا أرح أهرب من نتيجة أفعالي
خطأ أنا سويته بقلة إدراكي وانعدام مسؤوليتي أنا رح أتحمل نتيجته..
وأنتي مالش ذنب فيه أصلا عشان تحذفين المقرر..
الذنب ذنبي بروحي..
ورح أصلح غلطتي إذا جا وقت تصحيحها..
.
.
" أهلا دكتور فُرات.. إيه النهار النادي دا.. موش عوايدك تشرفنا"
ابتسم فُرات ابتسامته اللبقة وهو يمد يده لزميله الذي كان منكبا على أوراق الطلاب يصححها:
يا مرحبا دكتور رفعت..كنت جاي مار السكرتارية عشان كشوفي عندهم..
ولا لقيت ولا وحدة من السكرتيرات..
وأنا مستعجل.. لازم أروح..
دكتور رفعت بابتسامة لبقة مشابهة: أنا لسه مطول هنا.. عاوزني أقول لهم أي حاجة لما يرجعوا؟؟
ابتسم فُرات بثقة: لا تسلم ..كنت أبي أسجل بونص لطالبة.. بصراحة أبهرتني في محاضرة اليوم تستاهل..
وأبي أخذ كشوفي وأسجل لها البونص قبل أنسى..
دكتور رفعت بابتسامة: طيب لو أنت عاوز هأخذ الكشف لما السكرتيرة ترجع.. أسجل لها البونص بنفسي..
فُرات بلباقة: ما أبي أكلف عليك أو أثقل عليك..
دكتور رفعت يبتسم: أبدا دكتور فُرات.. دي حاجة مش مستاهلة
ابتسم فرات وهو يخرج ورقة من ملفه.. مسجل عليها اسم أميرة الكامل وأعطاها للدكتور رفعت الذي هتف باستغراب وهو يقرأ الاسم: أنته متأكد إن الاسم أميرة مش الجليلة؟؟
فُرات استغرب: إيه أميرة.. متأكد..
الزميل بشك: إتاكد مرة تانية.. أصل أنا بدرسهم.. ولسه مصحح امتحان تشخيصي..
عشان أقيس فهمهم.. وأعرف مستواهم بالضبط قبل امتحانات الميد تيرم
الجليلة جابت27 من 25 وأميرة جابت 8 ..
عدا إن البت أميرة عمري ما سمعتش صوتها خالص.. بس اللي بتناقش وعندها ثقافة عالية جدا جدا هي البت جليلة..
حتى دكتور ناصر أمس كنا بنتناقش عن الطلبة الكويسين وهو بيشكر في جليلة أوي ويقول مامرش عليه طالبة زيها..
انته لسه ليك أسبوع ونص بس بتدرسهم.. احنا لينا أكثر من شهر بندرسهم..
فرات ابتسم: لحظة لحظة...كيف الطالبة جابت عندك 27 من 25 ؟؟
دكتور رفعت بابتسامة وهو يستخرج ملفا من درجه المغلق ويبحث فيه:
دنا لولا مخافة ربنا.. كنت قولت لها.. تقعد في البيت.. وأنا أديها الامتياز من دلوقتي..
خد شوف ورقتها.. هل تصدق إن دي ورقة طالبة في سنة أولى؟!!..
ودا كمان مش اختبار درجات.. دا اختبار لمجرد المراجعة..
فرات تناول الورقة المكتوب في أعلاها اسم الجليلة طالب آل حزام..
خط منمق أنيق واضح الأحرف بزوايا ناعمة غير حادة.. وتبدو الورقة كما لو كانت منسقة بالمسطرة لشدة انضباط الأسطر..
استغرب فُرات كثيرا ...من عنده وقت وأعصاب أن يكتب بهذه الأناقة والتنسيق وانهمار المعلومات وهو تحت ضغط وقت قصير؟؟
قرأ إجاباتها على عجالة وبتعجب كبير.. يستحيل أن تكون هذه كتابة طالب مبتدئ.. تبدو له كتابة متخصص له باع طويل في الحقل..
وله نصيب كبير من الثقافة العامة التي بدت واضحة في الاستشهادات.. تماما كما كان في جواب المسماة أميرة اليوم..
لكن فرات كان متأكدا أن من أجابت لابد أنها أميرة.. لأنه غير مقتنع أبدا أن هناك طالبة قد تجرؤ أن تفعل ذلك معه.. بل هو أمر مستحيل في تصوره..
ومع ذلك هتف للدكتور رفعت بثقة: المحاضرة الجاية رح أتاكد
وأنت على كل حال أرجوك تسجل البونص باسم أميرة..
***********************************
"شفت غلاك.. لزمت استقبلك في البيت بنفسي"
كانت صيتة تفتح الباب لتركي وهي تشعر أن قلبها يرقص.. يتراقص من سعادته المبتورة..
رغم أنها لم تراه من ثلاثة أشهر فقط..
لكنها تشعر كما لو كانت ثلاث سنوات ثقيلة.. في سلسلة طويلة من تثاقل الأيام عليها..
اتسعت ابتسامة تركي وهو يرى وجهها الرقيق العذب الحاني.. وابتسامتها الشفافة
التي يستطيع أن يعد عدد مرات رؤيته لها.. خلال السنوات التسع الأخيرة..
تركي احتضنها بقوة وحنان وشوق.. هو يهتف بمرح ونبرة مقصودة:
جاية تستقبليني ..
وإلا تستقبلين مفاجأتي لش؟؟
قالها وهو يتحرك جانبا ..ليظهر الجسد الضئيل الذي كان يختفي خلفه..
صيتة حين رأت فهدة المتوترة تبرز من خلف خالها..
شهقت بعنف وهي تشعر أن قدميها تميدان..
كانت يائسة تماما أنها قد تراها بعد مرور عامين لم
تراها فيها.. رغم محاولاتها المتكررة أن تقنعها بالحضور.. ولكن فهدة كانت ترفض بإصرار..
وكانت آخر محاولاتها بالأمس.. وهي تحاول محاولتها الأخيرة أن تقنعها أن تأتي مع خالها
ولكنها رفضت بإصرار كبير..
لتغلق صيتة الهاتف وتنفجر بالبكاء..
تكاد تموت شوقا لها.. روحها تذوي شوقا ولهفة..
تشتاق لرائحتها.. وعبقها .. وأناملها الصغيرة..وخصلات شعرها الناعمة..
تكاد تموت لتضفر شعرها لها ولو لمرة.. وهي تتنفس رائحته قبل أن تضع الرباط في أسفل الضفيرة كما اعتادت أن تفعل معها في سنواتهما معا..
شعرها يطول.. ويقصونه.. دون أن يستشيرها أحد..دون أن يخبرها أحد..
كانت تتفاجأ به حين تراها في صورة.. تعبت وهي تطلبها والكل مشغول ويعدها أن يرسلها قريبا..
وكأنها فقدت حقها أن تكون أما لها.. لأنها لا تستطيع أن تكون جوارها..
لم تستطع أن تقف وهي تراها هنا.. معها.. قريبة منها هكذا..
بعد عامين من الغياب ذوت روحها فيها عطشا وجزعا..
من أخبرنا أن الطفل يحتاج لأمه ليشعر بالأمان.. لماذا لم يخبرنا أيضا أن الأم تحتاج أطفالها لتشعر بالأمان؟!!
روحها مثقلة بالجزع.. كانت في ليال كثيرة لا تنام الليل قلقا على صغيرتها..
وهي تترجى ضي حينا وغالية حينا أن يطلا عليها في غرفتها.. وتخبرهم أنها تخاف وأنها تبكي في نومها..
وأنها لا تسكت حتى تحتضنها وتعود للنوم وهي تدفن وجهها في منتصف صدرها..
فكانوا يخبرونها أنها ترفض أن يحتضنها أحد أو ينام معها أحد.. رغم أن الجدة وضي تلحان عليها بذلك.. ولكنها كانت ترفض بعناد..
كان ذلك يشعرها ذلك بحزن مدمر.. ففهدة في سنواتهما معا كانت لا يأتيها النوم إلا في حضنها..
ولا تجلس إلا قريبا منها وهي تحتضنها بين الفينة والفينة وتتنفس عنق أمها حينا وشعرها حينا آخر..
كانت تشعر أن طفولة ابنتها تتسرب من بين يديها..
وأنها تكبر في العمر.. تكبر كثيرا.. بعيدا عنها.. رغما عنهما كليهما..
كانت أجمل لحظات العمر تفر منهما.. دون أن يمسكا بها..
لم ترافقها في يومها المدرسي الأول في الصف الأول..
بل رفضت أن يرافقها أحد.. وذهبت وحيدة.. وقالت إنها لا تحتاج لأحد..
لم تعلم أن جدتيها قد أوصيتا عليها كل معلمات المدرسة.. وأنهما كانتا تراقبانها معا من شباك غرفة المديرة المطل على الساحة..
وبعد ذلك من شباك غرفة الصف..
وقد اصطادتهما عدة مرات عند الصف.. لتغضب منهما بشدة.. وتقول إنها لن تحضر للمدرسة إذا كان سيحضران عند الصف..
ولم تعلم أنهما بعد امساكهما بالجرم المشهود كانتا تتناوبان على الحضور بعيدا عن الصف.. لكي يكونا قريبا منهما..
لم ترافقها في تكريمها وهي تحصل على المرتبة الأولى على طالبات الصف في كل الأعوام الأربعة المنصرمة..
المرتبة التي لم يكن لها دور فيها.. بل تناوبت ضي والهنوف على تدريسها فيها..
وفهدة تتشتت بين البيتين.. وإن كانت إقامتها الرسمية والأطول عند فهدة الكبيرة..
كانت حياة ابنتها بالكامل ترتسم بعيدا عنها.. في شدة حاجة ابنتها لها..
كانت تشعر أنها ستموت لو بلغت ابنتها وهي ليست بقربها لتهدئ روعها..
كانت تشعر بالرعب أن تبلغ وأن تعرف مثل هذا الخبر كتحصيل حاصل..
وهو شيء خاص بين كل أم وابنتها فقط..
كانت موجوعة من كل شيء.. ومثقلة بالحسرة..
وليس بيدها أي شيء..
وهي تخشى أن يقسى قلب ابنتها عليها أكثر..
بل تخشى كخشية الموت أن ابنتها قد تكرهها لو استمر الحال على ماهو عليه..
تركي أسند صيتة المنهارة وهو يشعر بالصدمة..
ولكنها بركت على ركبتيها وهي تشد فهدة بقوة إلى حضنها وتنفجر ببكاء عنيف..
وهي تقبل كل ماتطاله شفتيها من جسد فهدة بلهفة وهستيرية.. وهي تأن بحسرة وشوق وتبكي من عمق روحها المكلومة بالفقد والوجع والمسؤوليات..
ولكن جسد فهدة الصغيرة بقي متخشبا للحظات وهي تكابر قليلا..
ولكنها ختاما انفجرت في بكاء جنائزي.. وهي تحتضن أمها وتشهق:
أنتي ما تحبيني .. أنتي ما تحبيني..
أنتي ما تبيني.. تبين عبود وبس...
رجعتيني الدوحة عشانه..طردتيني عشانه..
تعالى نشيج صيتة مع بكاء فهدة .. وتركي وجد نفسه متورطا مع الاثنتين..
وهو يجلس جوارهما على الأرض ويحتضن الاثنتين..
ويهتف : وينك يا سند تجي تعاوني على مرتك وبنتها؟!!
*****************************
"أقدر ادخل؟"
كانت طرقاتها الهادئة ترتفع على الباب.. ثم أطلت برأسها بحذر..
هتف لها بحزم محايد: تعالي يا أم سعيد ... ادخلي...
دانة دخلت بحذر وكأنها تمشي على زجاج...
كانت عاجزة عن تصويب نظرها نحوها..
تشعر أنها ستنهار لو رأت في وجهه ما تتوقع رؤيته..
كانت تفهمه.. وتفهم مشاعره.. وتعرف أن عشقه للجازي تجاوز الحدود..
كما عشقها لشقيق الجازي تجاوز الحدود قبله..
كانت تشعر بذنب لا تعرف له سببا..
(هل لفرط ما أحببت سعود.. فاض هذا الحب على أقرب أخوتي لي؟!)
همست بسكون وهي تجلس جواره على السرير حيث كان يجلس... ودون أن تنظر إليه:
خالد... أنت عارف زين إنه هذا الشيء كان لازم يصير مهما أجلته.. و....
قاطعها خالد بصرامة موجوعة: دانة تكفين.. الكلام اللي بتقولينه إذا كلام ( ماعليه.. وتطبطين علي)
ترا ماعندي استعداد اسمعه.. ولا رح يكون مصدر مساندة من أي نوع..
عدا إني موب محتاج مساندة أساسا..
همست دانة بألم عميق: ما أقدر أخليك وأنا عارفة إنك متضايق وموجوع..
تنهد خالد بذات الحزم الذي تتمزق روحه خلفه.. تتمزق بكل معنى الكلمة:
دانة أنا خذت القرار وأنا مقتنع فيه... وعندي استعداد كامل أتحمل تبعاته النفسية مهما كانت قوية علي..
يعني أنا تحملت خمس سنين صراع معكم كلكم ومع نفسي فوقكم
مارح أتحمل الصراع مع نفسي بروحها؟!!
*************************************
" وحــــدوووه... خالي جبران... فهدة الكبرى!!"
أم جابر ردت على ضي بغضب: وصمخ.. ما تعرفين تحكين بصوت واطي يا المفلوجة؟!! وشو له الصياح؟! خرقتي أذني..
ضي تضحك: أم جويبر.. ترا عجزت وأنا أحكي بأدب وصوت واطي كني عصفورة ولا حد حولي..
حينها ابتسم الجد جبران: أنتي عصفورة يا أبيش؟؟ ما خبرت الغزلان تصير عصافير..
ضي بانهيار تمثيلي وهي تضع يدها على قلبها: ويلوموني في حبك يا جبران المزيون.. نعنبو لايمي..
أنا بعرف أشلون أنت وأمي طالعين من بطن واحد؟!!
شكل جدتي الله يرحمها عطتك كل جينات الرقة والعذوبة..يوم جات أمي إلا قد الجينات بح..
فهدة الكبيرة بذات الغضب: وأنا شكلي خلصت العقل والركادة على جابر وصقر.. ويوم جيت عندش إلا قدها بح..
ضي تضحك كعادتها: فهدة الكبرى.. هونيها.. ترا حفيدتش فهدة الصغرى عادها راقدة..
صحيح عصر عندنا بس الساعة عادها عشر الصبح في واشنطن..
وتوني مراسلة صيتة..
فهدة وخالها.. ما وصلوا إلا متأخر..
فكيها أنتي وأخيش .. وتصبروا فيني أنا وسعودي لين ترجع سمو الأميرة..
الله يعينكم ... العوض ولا الحريمة..
الجد جبران بشفافيته الرقيقة: إي والله إن لها فقدة.. لو أنها الحين هنا.. كان تستن حولنا كنها فرس.. ومونستنا بسوالفها..
ضي باستنكار مرح: فهدة السحلية فرس؟؟؟ بتنتحر كل الخيل اللي العالم..
حينها ابتسم الجد جبران بخبث مرح: وتوني قايل إنش غزال.. ظنش بتنتحر كل الغزلان اللي العالم؟!!
***************************************
"عادها نايمة؟!"
ردت بحنو وشجن عميقين : إيه فديتها هي أصلا أبطت لين نامت..
ثم أردفت بألم عميق عميق: تعبتني لين نامت من البكاء والعتب والزعل..
شايلة في خاطرها عليّ كثير يا تركي كثير..
تركي بمودة ومساندة: ماعليش .. هذي بزر تزعل بسرعة وترضى بسرعة..
همست بحزن متجذر: الله يصلح الحال ياقلب أختك.. الله يصلح الحال
ثم أردفت باهتمام حنون :أنت اللي ما نمت إلا ساعتين..
رد عليها تركي بحنان: أنتي اللي شكلش ما نمتي كلش..وأنتي مسوية ذا الوليمة كلها عشان نفرين..
كان الاثنان يجلسان على طاولة الإفطار الذي اجتهدت صيتة في إعداده احتفاء بهما..
وهي تهمس بحنان: بس مو أي نفرين.. أغلى نفرين في العالم كله..
زين ما جبت واشنطن كلها وفوقها البيت الأبيض لكم..
ثم همست صيتة بحنين: تركي...أشلون إبي وأمي والبندري ومتعب وبناته؟؟.. أبيك تعلمني كل شيء بالتفصيل لا ارتحت..
تركي بمودة: كلهم طيبين ويسلمون عليش..
صيتة همست بذات الحنين : وحزام؟؟ يا حبيبي يا حزام.. ليه ما جبته معك؟؟
ثم أردفت بألم عميق: أخر مرة شفته من أربع سنين مع أمي وإبي يوم جاو يأخذون فهدة..
تركي بمودة: ولايهمش المرة الجاية أجيبه معي..
همست صيتة بمودة مشابهة: والهنوف اشلونها؟!!
اتسعت ابتسامة تركي تلقائيا.. رغما عنه اسمها يبعث في روحه أسراب من السعادة والشجن:
طيبة.. تكتب رسالتها الماجستير الحين..
صيتة حينها ابتسمت واحدة من ابتساماتها النادرة: هنا ابتسامة غريبة يا تركي..
أنا بقوم أكلم سند أشوف وش أخبارهم.. وراجعة لك..
شكله فيه علوم.. ولازم تعلمني بها كلها..
حين قامت صيتة نظر تركي في ساعته.. الساعة العاشرة والنصف..
"يعني خمس ونص العصر في الدوحة..
يا ترى وش تسوين الحين يا هنوفي؟؟
تدرين إني مشتاق وذابحني الشوق يا الظالمة
من يوم طارت الطيارة وأنا أحس قلبي خليته في الدوحة حرفيا"
فكّر.. هل يتصل؟ أو يرسل لها رسالة؟؟
بدت فكرة الاتصال هي الأقرب له..
فهو يكاد يموت شوقا.. والرسالة لن تبل ريق شوقه..
لذا اتصل دون تردد.. مرة مرتين ثلاث دون رد.. كعادتها العتيدة في الجفا...
تنهد تركي" ليس في قلبها كقلبي"
أعاد تناول هاتفه والاتصال لكن هذه المرة بالبندري... يعلم أنها لاريب معها في هذا الوقت..
جاءه صوت البندري المرح: غريبة توك مكلمني من ساعة.. ذا كله شوق لي..
ابتسم تركي: قبل ساعة المكالمة لش.. الحين المكالمة للهنوف.. عطيني إياها..
البندري باستغراب: وليش مادقيت على تلفونها؟؟
تركي بصرامة: تحقيق هو؟؟ قلت عطيني إياها يعني عطيني إياها..
زفرت البندري بتأفف: ما أسرع ما قلبت.. توك وش زينك..
كانت تقولها وهي تخرج من غرفتها متوجهة لغرفة الهنوف
التي كانت قد أطلت عليها قبل دقائق ووجدتها تعمل على رسالتها... لذلك تركتها حتى لا تزعجها..
تركي بذات الصرامة: لأنش ماتبين الوجه الزين.. لازم تخلين الواحد يقلب عشان تستوعبين..
البندري طرقت الباب ودخلت..
وهي تهمس بعذوبة مرحة: أسفة ازعجتش بس رجالش حشرنا يبيش..
الهنوف جف ريقها لا تعلم لماذا: تركي؟؟
فهاتفها كان على الصامت ولم تعرف إنه اتصل بها أساسا...
ضحكت البندري: ليه عندش رجال غيره؟؟
البندري ناولت الهنوف الهاتف.. وخرجت وأغلقت الباب خلفها..
الهنوف حشدت كل ثقتها بنفسها وهي تهمس: ألو.. حياك الله يا أبو عبدالمحسن...
تنهد تركي من أقصاه تنهيدة لم تتجاوز دواخله
(حسبي على غربلة أخر العمر..
والله إني دكتور وشيبه
ولاني ب على طور إنه حد يلعب بحسبتي
ذابت عظامي من الـــ ألو .. عاد حن في أولها )
ولكن كعادته أن مايشعر لا يظهره وهو يهتف ببروده وحزمه المعتاد ويخفي خلفه رجاء عميق عميق:
هنوف واللي يرحم والديش..وجعل عظامهم الجنة..هم ومتعب
قولي لي تركي.. بلاها أبوعبدالمحسن..
شهقت الهنوف شهقة خافتة.. وهي تشعر أنه أمسكها من يدها التي تؤلمها.. أهلها الراحلين.. همست بتردد: اشلون صيتة؟؟
ابتسم تركي وهو يشعر أن انتصاره قريب: قولي لي اشلون صيتة يا تركي؟!
همست الهنوف بغيظ: ترا المهم السؤال وصلك.. ودك تجاوب أو بصرك
ولكن الهنوف تذكرت أنه ربط طلبه بالدعاء لأهلها بالرحمة.. فأردفت بحزن: أشلون صيتة يا تركي؟؟
ثم أكملت بذات الغيظ: عشان هلي موب عشانك.. يا تـــــــركــــــي..
شعر تركي أن اسمه من بين شفتيها ينزل على روحه كالماء البارد على روحه العطشى..
(جعل يسقى الصيف الجاي.. يا الله صبرني!)
رد عليها بلطف مغلف بحزمه اللعين المعتاد: صيتة طيبة وتوها تنشد منش..
الهنوف ابتسمت وهي تستشعر نبرته الغريبة: ووش قلت لها؟؟
هتف حينها بنبرة مقصودة خبيثة: قلت لها الصدق...
إني من يوم رجعت من أمريكا.. وأنتي تطارديني وتتصيديني في كل مكان..
لدرجة إني صرت أقفل غرفة نومي علي..
أخاف ألاقيش ناطة عليّ فيها..
الهنوف شهقت بعنف: من جدك قلت لها كذا؟!!
(ياعمري على براءتها) هتف بذات النبرة: وأكثر بعد.. تدرين بي ما أخبي شيء على صيتة.. أنا وهي شيء واحد..
لا .. وعادني ماقلت لها على محاصرتش لي في المطبخ..
وعلى مطاردتي بالمكالمات..
وإنش كنتي تبين تمسكين يدي يوم العيد قدام أمي وأختي..
الهنوف حينها همست بغضب: تركي ترا المزح ذا بايخ.. وما يليق بك
تركي يشعر أنه سينفجر من الضحك وهو يستشعر خروج دخان حرائق عبر سماعة الهاتف..
ولكنه رد بحزم: الأبيخ منه تدرين وش هو؟!!
إنه مفروض ذا كله يصير وصار لولا التعنت اللي موب مفهوم اللي تمارسينه عليّ
الهنوف ترا أنتي مرتي يا بنت...مرتي.. تفهمين؟!!
الهنوف شعرت أن الاحمرار وصل لأطراف أذنيها وهي تنهي المكالمة وتغلق الخط في وجهه
لينفجر تركي بالضحك فعليا وصيتة تقبل عليه تحمل كأسين من العصير..
وتهمس بنبرة مقصودة: سامعة مرتي والهنوف
تطورات يا دكتور تركي.. تطورات!!
******************************************
"ليش متضايق جعل يومي قبل يومك؟"
شد على يدها بحنو: بسم الله على قلبش ياقلب محمد..
ثم أردف بتنهيدة عميقة: صحيح طلاق الجازي أسعدني جدا..
موضوع صار له خمس سنين يأكل من روحي أكل...
وصحيح أنا ماقدرت أتجاوز الموضوع ولا أسامح خالد مع إني حاولت
عشان كذا طمرت الموضوع في نفسي..
لاني ما أبي أخسر خالد.. ولأنه ألف مرة قال لي وش كثر هو نادم..
بس.. بس خالد يحبها..
وأردف بألم حقيقي: يحبها صدق ومن أقصاه.. ما أعرف متى بيتجاوز الموضوع.. أو اشلون ممكن يتجاوز الموضوع؟؟
حينها همست بثينة ببساطة: مثل ما أنت تجاوزت الموضوع..
شعر محمد كما لو أنه ضُرب بمطرقة على رأسه.. انتفض جسده بعنف وهو يستدير بشكل عنيف نحوها: وش تقصدين؟؟
ابتسمت بثينة بذات البساطة الراقية: مثل ما أنت تجاوزت حبك لمزنة هو رح يتجاوز حبه للجازي..
ومثل ما أنت كملت حياتك بعيد عنها.. هو رح يكمل حياته بعيد عنها..
محمد مصدوم.. مصدوم فعلا ومع ذلك أجابها بصدق: هذي سوالف بزران ومضت..
وإذا جيتي للصدق ..ماكان في قلبي مشاعر حقيقية لها.. هي اللي كانت موجودة قدامي...
كانت مشاعر مراهقين
لكن أنتي وش عرفش؟؟
بثينة ببساطتها التلقائية الصميمة العجيبة: أنت ناسي إنه أختك مها مرت متعب ولد عمي..
عشرين مليون مرة سمعتها تقول إنك بتأخذ مزنة وأنك تموت عليها..
قبل ما أنت تخطبني..
محمد بدهشة: ولا عمرش قلتي لي.. ولا حتى حسيتش تتحسسين من بنات عمي..
ضحكت بثينة برقة: ماقلت لك.. لأنه ماجات مناسبة أصلا..
وأتحسس منهم ليه؟؟.. هم بنات عمك.. لكن أنا زوجتك..
وليه أحاسبك أو أحاسبهم على شيء صار قبل ما أنا أصير زوجتك..
شايفني ردية عقل لذا الدرجة؟؟
محمد همس بتأثر وهو يحتضنها بقوة: أنتي العقل كله.. أنتي نعمة من رب العالمين..
الله لا يحرمني منش..
ثم أبعدها قليلا وهو يهمس بمرح: مع أنه مفترض أزعل أنش مافي قلبش ذرة غيرة علي..
بثينة قبلت كتفه وهي تهمس بمحبة عميقة: أغار لا قد فيه شيء يستاهل إني أغار..
وأغار لو كنت حسستني أنت في بالك حد غيري..
غير كذا اسمه ردا عقل ونكد..
وأردفت بمرح: وأنا الحمدلله لا ردية عقل ولا نكدية..
***************************
"متعب.. ممكن اقضي ذا الاسبوع عند هلي؟!"
كانت مها تستشعر حاجة الجازي لها في هذه الفترة الفاصلة من حياتها..وأرادت أن تكون قربها..
همست بعبارتها وهي تقف على باب غرفة التمارين.. التي تأخذ لها غرفة كاملة واسعة في الأسفل..
والتي جهزها متعب تجهيزا احترافيا قبل عامين من أجل مها.. حتى لا تضطر أن تذهب إلى النادي.. وتكون قريبة من بناتها
وفي الختام لم يستخدمها أحد سواه.. ولم تستخدمها حتى لمرة واحدة..
كان مستغرقا في تمارينه العنيفة وحين رأها تقف عند الباب.. توقف عن التمرين..
ورد عليها ببساطة: اللي ودش..
وأنا نفس العادة بأمر ريم عشان أوديها المدرسة...
شعرت بضيق غير مفهوم يتصاعد في روحها... سابقا حينما كانت تخبره أنها تريد أن تنام عند اهلها..
كان يجب أن تلح كثيرا حتى يوافق.. وختاما كان يوافق.. لم يرفض ولو لمرة واحدة...
لكن بعد تأفف طويل أنه لا يستطيع أن يحتمل البيت من غيرها..
وأنه البيت من غيرها قبر..
هذه المرة وافق حتى بدون أن يسألها عن أسبابها..
همست بسكون غير معبر عن مابداخلها:
مافيه داعي .. أنا بوديها.. نورة وغلا اصلا بيكونون
نايمين وأمي موجودة عندهم..
يعني مارح اضطر أقومهم ..
هتف بحزم: بمر بوديها نفس العادة..
وعطيني نص ساعة أخلص تماريني وأسبح وأوديش..
أنهى عبارته وعاد إلى تمارينه.. وكأنه يعطيها إشارة إلى انتهاء حوارهما القصير المختزل...
********************
"ما توقعت إن خالد ممكن يسويها ويطلق مرته
كان في كل مجلس يهذري بها
لدرجة إني كنت أنقد عليه.. واستغرب منه في نفس الوقت
وأقول خالد ثقيل وكلمته موزونة..
وش معنى عند بنت عمه تخبط مكينته؟ "
غالية بحزن: طلقها يا جابر..
حزينة منه جدا..
ثم أردفت وهي تجلس جوار جابر وتكمل بذات الحزن: يوم صارت السالفة.. مع إنه ضربني معها.. وأبطيت وأنا جنبي يوجعني..
بس خالد عمره مامد يده علي... حتى واحنا صغار.. مع إني كنت شيطانة..
خالد مشكلته عصبيته الله يهداه..
ياه ليت الزمن يرجع يا جابر ليته يرجع..
كان أغير شيئين بس في حياتي.. بس شيئين..
جابر بفضول: وش هي؟؟
غالية تتنهد بحزنها وتهمس بالشيئين الذين لولا حصولهما لم تكن تتعذب هي وزوجها وشقيقها ومن كانت زوجته:
كان مارحنا نحضر العرس المبارك ذيك الليلة جعلها ما تنعاد..
وكان ماخذيت التلفون الملعون ذاك اليوم جعله ما ينعاد...
***********************************
" صار لي عشر دقايق أنتظرك..
ذا كله تستأذن بنت هادي.."
كان متعب يهتف بعبارته المرحة وسعود يركب جواره.. وكلاهما يرتدي لباس الرياضة حتى يتوجها للمشي على الكورنيش..
سعود يبتسم برزانة: بنت هادي تأمر على رقبتي أمر.. ولا أشاورها فيها حتى..
ضحك متعب: لا مسيطرة بنت هادي على الوضع تمام..
ثم أردف بنبرة مقصودة: غريبة مهيب في بيت أهلها.. تأزر إخيها
مثل ما مها عندكم تأزر أختها..؟!!
سعود هتف بتلقائية: بلى عند أهلها.. هي تظن إنها بتأزره..
بس أنا متأكد إنه ما يبي مؤازرة..
متعب بثقة تلقائية : سعود أنا عارف إنك شايل في خاطرك على خالد جدا...
بس ترا موضوع الطلاق مثل ماهو صعب على المرة تراه صعب على الرجال..
وأكيد إن خالد محتاج حد يتكلم معه ويفضفض ويحسسه إن الحياة لازم تمشي.. وماتوقف عند اثنين ما توفقوا مع بعض..
سعود نظر أمامه وهتف بعمق: أنت فهمتني غلط.. خالد ما يبي مؤازرة..
لأن اللي هو فيه واللي هو حاسه الحين.. أكبر من أي مؤازرة..
ما يبي يكون الحين إلا بروحه..
متعب ببساطة: زين دامك عارف إنه هالكثر متمسك فيها ويغليها.. كان رحمتوه؟
سعود بثقة ورفض قاطع: مستحيل.. شيء انبنى على غلط.. لازم هدمه!! والحمدالله إنه انهدم.
ثم أردف بذات الثقة لكن بنبرة مقصودة: زين بدل منت شاغل نفسك ببنت هادي.. وبنت سعيد الصغيرة..
خلنا فيك أنت وبنت سعيد الكبيرة..
وش اللي بينك وبين مها وداسه عليّ يا متعب؟؟
وش اللي بينك وبين أختي وداسه علي يا رفيق عمري؟؟
************************************
"جليلة تكفين ما أبي أحضر المحاضرة خلاص"
جليلة بحزم: موب ذا دكتور فرات اللي صاجتنا فيه... يهبل ومحاضرته تهبل ..
أميرة بتوتر: هذا قبل اللي صار اخر محاضرة..
الجليلة بذات الحزم وهي تتوجه نحو المحاضرة التي ستبدأ بعد دقائق:
أنتي مالش دخل في شيء.. ولارح يجيش شيء..
انا اللي سويت المشكلة كلها وأنا اللي بحلها..
بدأت المحاضرة وفرات يشرح مفردات المقرر باقتدار.. فما لا يستطيع أحد أن ينكره..
إن شرحه كان أكثر من ممتاز .. لأن الاقتصاد عنده ليس مجرد نظريات ولكنه ممارسة نابعة من كونه رجل أعمال ناجح..
كانت أميرة غير منتبهة للشرح.. تشعر بالألم في بطنها.. وتبدو رجفة أناملها واضحة..
بينما الجليلة كانت منتبهة تماما وتسجل المعلومات وفي نفس الوقت كانت ترتب بعض السيناريوهات في عقلها..
رأت ارتعاش أختها الواضح.. شدت على يدها بقوة وحنان وهي تهمس لها : لا تخافين يا الخبل..
فرات انتبه للصوت كان صادرا ممن أجابت المرة الماضية.. وكانت تجلس في نفس المكان تماما..
تذكر حديثه مع دكتور رفعت قبل أيام.. مع أنه كان قد نسي الموضوع تماما.. لكنه عاد وتذكره نتيجة للهمس الصادر..
ولكنه على كل حال كان متأكدا مئة بالمئة أن من أجابت أميرة... ويستحيل أن تجرؤ أي طالبة على خداعه..
فرفع صوته وهو يشير للجليلة بتقدير: يبدو أن ابنتنا صاحبة الجواب الفريد عندها مداخلة...
وش رأيش يا بنتي في الموضوع المطروح وخصوصا إنه فيه ارتباط بينه وبين الموضوع اللي تكلمتي عنه المحاضرة الماضية؟؟
أميرة شعرت أنها ستبكي وهي تشد على يد الجليلة بيد .. وتقرص ضي في ذراعها بيدها الأخرى..
بينما الجليلة شدت على يد أميرة بتطمين.. وهي لا تشعر بأدنى توتر..
فما يهمها في هذا المقام.. هي أختها فقط..
وهذا الإمبريالي هو آخر ما يهمها.. لكنها يجب أن تصلح خطأها.. وليست هي من تهرب من نتائج أفعالها..
ولكنها قررت أن تجيبه أولا على سؤاله.. حتى لا يبدو وكأنها تهرب من الجواب..
ومن ناحية أخرى قد يكون جوابها شافعا لها عنده حين تخبره بحقيقة ماحدث المرة الماضية..
هتفت بذات الثقة التي أثارت إعجابه المرة الماضية.. وهي تنهمر بمعلوماتها الصحيحة والدقيقة والمتينة:
ارتباط النظريات الاقتصادية بنظريات علم النفس.. من الحقول المعرفية اللي تزايد الاهتمام بها في العقود الأخيرة في محاولة للعب على أوتار المستهلك أو المستثمر وجذبه لعالم الاستثمار أو الاستهلاك بطريقة تدرس أدق خصائصه النفسية..
وأكبر دليل فوز عالم نفس شهير مثل الأمريكي الاسرائيلي دانيال كانمان بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002.. عن نظريته في الاحتمالات وكيف أن إصدار القرار الاقتصادي له مقاييس عقلية نفسية تحتاج إلى الإلمام بالجوانب النفسية..
وكان هذا نتيجة لبروز علم الاقتصاد السلوكي كحقل جديد مشترك بين الاقتصاد وعلم النفس
في السنوات الأخيرة وتزايد الاهتمام به بشكل كبير..
الأمر اللي خلا كثير من الشركات الضخمة تعين في قسم التسويق فيها مختصين في المجالات النفسية عشان يدرسون إعلانات الشركة ومنتجاتها من جانب نفسي وتأثيرها على المتلقين..
(غير معقول.. غير مــــعـــــقول!!)
هكذا كان يهتف فرات في نفسه.. معقول هذي بنت عمرها 18 أو 19 سنة.. معقول.. ؟!!
والقضية ليست في المعلومات.. فالمعلومات مهما كانت دقيقة هي متوافرة في أكثر من مكان.. وخصوصا عبر الشبكة العنكبوتية الحصول على المعلومات سهل..
لكن غير المعقول والذي لا أستطيع تصوره هو هذا الجبروت الطاغي المتبدي في ثقتها بنفسها وطريقتها في الكلام..
ولست أنا من يخفى عليه هذا الجبروت.. وأنا من يتعامل من كبار سيدات الأعمال..
هذا الجبروت الذي يبدو متأصلا فيها.. وفي نفس الوقت .. مغلف برقيها وأدبها البالغ دون ادعاء أو تبجح..
كيف؟؟ كيف؟؟ هذه محض طفلة؟
حين أنهت الجليلة جوابها.. هتف فُرات بتقدير كبير:
تستاهلين يا أميرة بونص ثاني..
بس ما أقدر أعطيش..
لأنه على ذا الحال لو بتجاوبين كل محاضرة جواب مثل هذا يستاهل بونص
بنجي على وقت الامتحانات وأنتي مجمعة درجات أكثر من مجموع الامتحان..
والحين خلونا نرجع لموضوع محاضرتنا من النقطة اللي توقفت عندها زميلتكم أميرة..
لكن فاجأه أن من يسميها أميرة همست بكل ثقتها المعتادة : دكتور أنا أبي أقول لك شيء إذا سمحت لي..
وأتمنى إنك تتفهم مبرراتي مع إني أعترف من البداية وقبل أقول أي شيء إني غلطانة
واللي سويته فيه سوء تقدير كبير للعواقب.. لكن يشهد الله إن سوء النية كان غير موجود..
.
.
.
بعد ذلك بساعات..
في منزلهم...
الاثنتان جالستان في صالة البيت السفلية
وأميرة تمسك برأسها وهي تهمس للجليلة:
يمه يا جيلو يمه!!
والله عادني أرجف من الصبح ما وقفت الرجفة..
كانت الجليلة على وشك أن تجيبها: لولا الطرقات التي ارتفعت على باب الصالة الرئيسية المفتوح على باحة البيت..
جليلة باستغراب حازم: غريبة من بيجينا ذا الحزة؟ ظنش الهنوف جاية تسهر معنا؟
أميرة بذات الاستغراب: ما أظن... هنّو عندها دوام بكرة.. ويعدين بالعادة تدق قبل تجي عشان تتأكد إنه مساعد موب موجود...
الجليلة توجهت لتفتح الباب وهي تهمس بتلقائية : أجل يمكن وحدة من خدامات بيت عمي.. تلاقين خالتي أم متعب مرسلتها بشيء كالعادة..
لتكون الصدمة الكاسحة التي كانت أقوى من زلزال قوته 9 درجات على مقياس ريختر..
في الظهر العريض الذي رأت صاحبه واقفا يولي ظهره للباب..
وهو يرتدي قميصا رسميا أبيض اللون وبنطلونا من الجينز الفاتح...وكلاهما يبدوان جديدان جدا...
عرفته قبل أن يستدير حتى...
عرفته قبل أن تولد..
عرفته في خيبات العمر المتتالية..
عرفته فيما بقي من الأحلام..
عرفته في ليالي الحرقة والسهد واليتم المتطاولة..
عرفته وهي مراهقة يتيمة الأم.. مفجوعة بالفقد..
ثم صبية يتيمة الأم والأب..تحملت أثقالا تفوق عمرها..
عرفته من عدد الأيام التي كانت تحسبها يوما يوما..وتشعر بها لا تريد الانقضاء
وهي تمر على روحها ثقيلة كجبل يجثم على أنفاسها..
سبعة عشر عاما وخمسة أشهر و تسعة أيام..
+
صرخت صرخة فجعت أميرة بها..
الجليلة التي لم تسمعها يوما ترتفع طبقة صوتها.. تصرخ!!
قفزت أميرة إلى جوارها والجليلة تصرخ صرخات متتالية باسم واحد :
شـــــــهـــــــــاب
سعود بثقة ورفض قاطع: مستحيل.. شيء انبنى على غلط.. لازم هدمه!! والحمدالله إنه انهدم.
ثم أردف بذات الثقة لكن بنبرة مقصودة: زين بدل منت شاغل نفسك ببنت هادي.. وبنت سعيد الصغيرة..
خلنا فيك أنت وبنت سعيد الكبيرة..
وش اللي بينك وبين مها وداسه عليّ يا متعب؟؟
وش اللي بينك وبين أختي وداسه علي يا رفيق عمري؟؟
متعب توتر ولكنه هتف بثقة: وأنت ليه تفاول علي أنا وأم ريم؟؟
سعود بنبرة مقصودة: متعب ترا أنا حاسس إنه فيه شيء بينكم يمكن من شهرين..شهرين ونص.. بس كنت أقول يمكن مشكلة عابرة
نفس ما يحصل بين كل زوجين..
بس أنتو طولتوا؟؟
حينها هتف متعب بثقة وهو ينظر للطريق أمامه: وممكن أعرف وش الشيء اللي خلاك تستوحي إنه بيننا خلاف أصلا .. لأنه فعلا مافيه شيء بيننا..
سعود ببساطة: ماعاد شفتك ترفع عينك فيها.. حتى لا مرت قدامك تنزل عينك
وأنت قبل عينك تتابعها متابع وين ما راحت.. ماتقدر تصد منها..
وتقول لي ما بينكم خلاف!!!
أشهد إن به خلاف كايد يا متعب!!
متعب صمت لم يعلق على ماقاله سعود..
بينما سعود أردف بحزم : شوف يا متعب أنا مارح أجبرك تقول لي
ولا رح أحرج أختي وأسالها..
بس تأكد إنك أنت ومها أخواني.. وإنه مصلحتكم واستقراركم وبناتكم أهم شيء عندي..
وتأكد إنك لا بغيتني أتدخل بشيء.. إني دايما موجود
**********************************
"والحين خلونا نرجع لموضوع محاضرتنا من النقطة اللي توقفت عندها زميلتكم أميرة.."
لكن فاجأه أن من يسميها أميرة همست بكل ثقتها المعتادة : دكتور أنا أبي أقول لك شيء إذا سمحت لي..
وأتمنى إنك تتفهم مبرراتي مع إني أعترف من البداية وقبل أقول أي شيء إني غلطانة
واللي سويته فيه سوء تقدير كبير للعواقب.. لكن يشهد الله إن سوء النية كان غير موجود..
فرات لم يرتح لهذه المقدمة التي فاجأته.. ومع ذلك قال بحزم: تفضلي يا بنتي تكلمي..
الجليلة أكملت كلامها بذات الثقة التي بدت له غريبة.. كانت هي تتحدث وهو يتساءل>>
ماهذه الثقة الغريبة عند طفلة في عمر ابنتي؟! وكيف تقول إنها مخطئة ولا يهتز صوتها؟!!
فهو من خبرته في المرأة.. المرأة حينما تتوتر أو تشعر أنها على خطأ أو تخشى الخطأ..
فأن نغمة الصوت تتغير .. أو تنخفض.. أو تتقطع..أو يحدث فيها نوع من التكرار..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
بينما نغمة الجليلة على ذات المستوى من الثقة غير المدعاة :
أول شيء أنا أعتذر منكم دكتور ومن زميلاتي في المحاضرة..
المرة اللي فاتت لما جاوبت مع حضرتكم وأنتم قلتم بونص
أنا اعتبرت أنه البونص بمثابة هدية.. والهدية ممكن أعطيها للي أبيه.. وهذا طبعا اعتبار خاطئ جدا مني..
لكن في وقته كنت أظن أنه غير خاطئ..
عشان كذا قلت لحضرتكم اسم أختي لما سألتوني عن اسمي
لكن هي رفضت هالهدية رفض قاطع..
فأنا أعتذر لكم..
وأرجوكم إنكم تعتبرون إجابتي مجرد مشاركة بدون بونص.. أو درجة..
وأعتذر مرة ثانية إذا كان تبريري للموضوع له جوانب خاطئة.. وأأكد لكم إنه كان غير مقصود..
وكان فيه سوء تقدير كبير مني..
مع وصولها لمنتصف الحديث كان فرات قد بدأ يغلي في داخله.. يغلي كقدر من الماء على مرجل..
(أنا تلعب علي بزر في سن بنتي!! أنــــــا !!) ومع ذلك هتف لها بهدوء كبير وثقة بالغة متحكمة:
وأنتي من؟؟ وأختش من؟؟ خليني أفهم من اللي جاوبت.. ومن اللي خذت البونص بدون ماتجاوب؟؟
الجليلة همست بذات الثقة التي لا تهتز : أنا الجليلة طالب..
وأختي أميرة...
وأكرر اعتذاري لكم.. و الخطأ كله خطئي بروحي..
لكن أأكد لكم للمرة الثانية إنه كان بحسن نية..
وأرجوكم إنك تتفهمونه.. وأوعدك ما يتكرر أي تصرف يضايقكم مني..
حينها هتف فُرات بصرامة بالغة: بصراحة هذا هو العذر اللي أقبح من ذنب
يعني زود على الكذب والتدليس والغش اللي سويتيه
جاية تعتذرين بكل ذا الوقاحة؟!!!
حينها هتفت الجليلة بثقة دون أن تهتز فيها شعرة: يعني أفهم إن حضرتكم كنتم تفضلون إني ماأعتذر؟!!
(وقـــــــحــــــة !!)
هذا ماهتف به فرات في داخله.. رغم أن الجليلة كانت أبعد ما تكون عن الوقاحة .. بل تكلمت بكل الأدب والرقي والثقة ..
فرات حينها وقف بكل هدوء وهتف بكل الصرامة المرعبة:
اعتذارش غير مقبول إطلاقا..
لكن أنا مارح أصعد الموقف.. ولا أوصله للإدارة
لكن تصرفش رح يكون له عواقب..
مارح تكون الحين.. بتكون عقب..
و تفضلي اطلعي برا المحاضرة..
الجليلة صُعقت.. صُعقت تماما... فالموقف لا يستلزم هذا التصرف المتطرف..
وطردها من القاعة أمام زميلاتها..
فهي تعرف جيدا أنه لا يدفع أستاذ إلى طرد طالب من قلب القاعة الصفية إلا في حاله التطاول أو إساءة الأدب مع الأستاذ أو الزملاء..
وهذا الأمر لم يصدر منها أبدا..
ومع ذلك وقفت بكل هدوء ولباقة لتغادر..
أميرة وقفت ..تريد أن تغادر معها..
لكن فرات نهرها بقسوة: اقعدي انتي.. أنا ما طردتش
أنا طردت بس اللي انتحلت شخصيتش..
أكيد إنش أميرة الحقيقية صاحبة الهدية..
ولعلمش البونص بيقعد باسمش...
لكن كل طالبات الشعبة عدا الجليلة لهم نفس البونص..
أميرة جلست في مكانها برعب..وهي تنظر لضي..
بينما الجليلة مرت من أمامه بكل ثقة وهدوء ووقار واحتشام.. دون أن تنظر ناحيته..
والحقيقة.. إنه حين قرر طردها كان نوعا من العقاب لجرأتها عليه ولكذبها غير المقبول..
وكان كان يريدها أن تعتذر أكثر.. وأن ترجوه حتى لا يطردها..
وهذا ما توقعه.. كان يريد قرصها قليلا.. لتتأدب على مافعلته!
لكنها قلبت توقعاته للمرة الثانية .. وغــــــادرت !!
************************************
" جليلة يا حياتي لا تتضايقين.. أنا أكثر حد انطرد في جامعة قطر من المحاضرات
وهذا أنا وش حليلي.. "
الجليلة بثقة باسمة: ضي أنتي ليه متأزمة كذا؟؟
ترا أنا ماني ب متضايقة أبدا..
أكيد إنه شيء محرج جدا لوحدة مثلي وفي عمري إنها تنطرد من المحاضرة
وعلى خطأ اعتذرت منه..
لكن الإمبريالي كان حقه يقبل الاعتذار أو يرفضه وخصوصا إني غلطت غلط كبير جدا..
ولكن هو رفض اعتذاري.. وحب يمارس فوق الرفض بعض الإحساس المرضي بالسلطة
وهذا شيء متوقع من إمبريالي مثله..
أميرة بحزن متوتر وهي تشير ليديها: والله عادني أرجف من المحاضرة.. جليلة خلاص الحين مالش عذر
لازم نحذف المقرر..
الجليلة ترتشف القليل من الشاي أمامها وهم يجلسون ثلاثتهم في مجمع المطاعم.. وتهمس بثقة:
مارح نحذف شيء..
خلاص أنا غلطت وخذت عقابي على الخطأ..
وانتهينا..
مو كل موقف ما يصير وفق رغباتنا نهرب منه..
وبقدر حجم أخطائنا يكون عقابنا ولازم نتقبله.. ونكمل..
واحنا رح نكمل..
وخصوصا إنه مقرر الامبريالي سهل .. وانتي الآن عندش فيه بونص خمس درجات
ثم أردفت الجليلة بابتسامة : وتباركتي على كل طالبات الشعبة بعد..
ضي بمرح: إي والله يوم قال لكم كلكم بونص.. غدا ودي أقوم أرزف بالسيف وأسوي عرضة
غير ماكان حولي سيف..
************************************
" تركي.. أكيد مساعد قال لك
واشتكى لك مني..
وأنت استحيت تكلمني..
وأنا حرصا عليك أبي أوضح لك الموقف اللي صار
وأرجوك تسمع القصة كاملة من ناحيتي"
تركي ينقل الهاتف من إذنه اليسار إلى اليمين وهو يهتف بقلق:
حبة حبة فرات
وش دخل مساعد؟؟
أنا مافهمت شيء..
فرات باستغراب عميق: مساعد ماقال لك شيء؟؟
تركي بذات القلق: فرات أرجوك تراك وترتني
قل لي وش السالفة كلها بالتفصيل ؟؟
والله مساعد ماكلمني ولا قال لي شيء
حينها حكا فرات الحكاية كاملة لتركي..
وفور انتهاءه من الحكي، رد تركي بحرج:
السموحة منك يا فرات..
أنا ما أعرف كيف بدر منهم هذا التصرف غير المسؤول وامسحها في وجهي..
تنهد فرات بحزم: أنا بس مابغيتك تاخذ على خاطرك مني أنت ومساعد...
وإلا هم طالباتي وبناتي.. ومثلهم مثل مي..
ولو بنتي سوت نفس التصرف كنت طردتها من المحاضرة..
تركي بغضب مكتوم: لا فرات لا ..إذا الأمر مقبول من أميرة لأنها بزر..
موب مقبول من الجليلة الكبيرة العاقلة اللي عمرها من عمري..
حــــــيــــنـــــــهــــ ا..
شعر فرات كما لو أنه سُكب فوق رأسه ماء مثلجا...
وبدأ له كل ماكان غير مفهوم.. مفهوما..
ثقتها.. ثقافتها.. رزانتها.. و.... جــــبــــروتها!
وكل ماكان مقبولا بات غير مقبول..
وهو يشعر بالحرج من طرد سيدة في عمرها مع أنها اعتذرت بكل ذوق ولباقة
على تصرف يراه الآن رغم عدم تقبله له ورفضه القاطع له.. تصرفا لا يحتاج لكل هذا الشد والعصبية..
كان يستطيع تأنيبها بذوق وسحب البونص.. وإنهاء الموضوع ..
لكنها استفزته إلى اقصاه.. إلى أقـــــــصـــــــاه!!
*************************************
لتكون الصدمة الكاسحة التي كانت أقوى من زلزال قوته 9 درجات على مقياس ريختر..
في الظهر العريض الذي رأت صاحبه واقفا يولي ظهره للباب..
وهو يرتدي قميصا رسميا أبيض اللون وبنطلونا من الجينز الفاتح...وكلاهما يبدوان جديدان جدا...
عرفته قبل أن يستدير حتى...
عرفته قبل أن تولد..
عرفته في خيبات العمر المتتالية..
عرفته فيما بقي من الأحلام..
عرفته في ليالي الحرقة والسهد واليتم المتطاولة..
عرفته وهي مراهقة يتيمة الأم.. مفجوعة بالفقد..
ثم صبية يتيمة الأم والأب..تحملت أثقالا تفوق عمرها..
عرفته من عدد الأيام التي كانت تحسبها يوما يوما..وتشعر بها لا تريد الانقضاء
وهي تمر على روحها ثقيلة كجبل يجثم على أنفاسها..
سبعة عشر عاما وخمسة أشهر و تسعة أيام..
صرخت صرخة فجعت أميرة بها..
الجليلة التي لم تسمعها يوما ترتفع طبقة صوتها.. تصرخ!!
قفزت أميرة إلى جوارها والجليلة تصرخ صرخات متتالية باسم واحد :
شـــــــهـــــــــاب
شهاب استدار بعنف نتيجة لصرخاتها.. وهو يهتف بنصف ابتسامة: تراني بغيتها مفاجأة موب فيلم رعب؟؟
الجليلة تعلقت بعنقه وهي تنفجر بالنحيب الهستيري..
كانت تشهق دون أن تفلت عنقه وهي تطيل في احتضانه..
أميرة وقفت كالصنم مصدومة.. وليس لأنها رأت شهاب هنا في الدوحة وأمام بيتهم.. مع أن هذا الأمر معجزة حقيقية..
بل لأن الجليلة كانت تبكي..
"الجــــليـــــلة تبكي!!!!"
فرؤية شهاب الصادمة التي كانت صادمة بكل المقاييس كانت أخف عليها من رؤية الجليلة تبكي .. بل وتبكي بهذه الطريقة الجنائزية..
لم يسبق لها أن رأت الجليلة تبكي إطلاقا حتى في وفاة والدهما قبل أحد عشر عاما
فهي حينها كانت في التاسعة.. وتتذكر جيدا..
كانت الجليلة تأن أنينا متواصلا.. دون بكاء..
وكأنها تكتم البكاء داخلها..
لذا رؤيتها تنتحب بصوت عال كانت صدمة لها وهي تقف جامدة تشاهد المشهد أمامها..
وشهاب يحتضن الجليلة بقوة وهو يهمس لها بحنو عميق غريب مختلط بنبرة من الجمود والحزم:
بس يا أخيش.. بس..
أنا كنت عارف إنش أكثر حد بيستانس..وكنت أبي أسويها لش مفاجأة .. لا تخليني أتندم..
الجليلة تقبل خده وجبينه وكتفه ..بعد أن أغرقت وجهه بدموعها وهي تهمس بين شهقاتها:
والله إنها أحلى مفاجأة في عمري كله..
الحمدالله على السلامة يا قلبي..
الحمدالله حمدا كثيرا اللي نورت بيتك عقب ذا الغيبة اللي مابغت تنقضي..
لازم أسجد سجدة شكر..
ذاب قلبي يا شهاب وأنا أنتظرك.. ذاب..
قالتها وهي تفلت شهاب وتسجد فعلا سجدة خرت فيها لله تعالى تشكره بعمق تشكره من أقصى روحها..
تشكره من أقصى وجيعتها..
تبثه شكرا لو ركعت فيه طوال عمرها.. كان قليلا في حق شكر رب العالمين
الذي أعاد لها شهاب... قبل أعوام من موعد عودته المنتظر
أنه عز وجل مسح على روحها بجميل نعمته وجليلها..
شهاب أمامها هنا.. وفي الدوحة..
أ يعقل ذلك؟ّ!! أيعقل؟!!
يا الله ما أكبر كرمك! وما ألطفك!!
كانت الجليلة تسجد سجدتها بينما شهقاتها الأشبه بالأنين الموجوع مازالت ترتفع..
بينما شهاب نظر لأميرة وهتف بذات نبرته الحانية الجامدة الحازمة: وانتي ما تبين تسلمين على أخيش؟؟
أميرة التي كان كل بالها مع الجليلة انتفضت بخفة وهي تهمس بخجل: السموحة فديتك
ثم أردفت بذات بخجل: الحمدالله على سلامتك..
وهي تتطاول على أطراف أصابع قدميها حتى تقبل جبينه..
الطريقة المعتادة لسلامها عليه في المرات القليلة التي رأته فيها في السنوات الماضية..
وهي تشعر حتى أنه لا يريدها أن تقبله.. ولا أن تقترب منه.. وأنه يريدها بعيدة عن محيطه كله..
ولكن الجليلة كانت من تقول لها كل مرة: حبي رأس إخيش..
لذا صُعقت أنها احتضنها بقوة وهو يقبل رأسها ويهتف بحنين متجذر غريب:
كبرتي يا أبيش كبرتي..
كبرتي وأنا بعيد..
بـــعـــيــد جدا..
************************************
" من كنت تكلم وشكلك معصب؟"
تركي تنهد: رفيقي فرات آل سطام..
كان تركي لا يريدها أن تسأله لماذا هو غاضب.. حتى لا يضطر لإخبارها بما حدث..
لأن الجليلة هي أقرب صديقات صيتة وبينهما علاقة قوية جدا..
ولايريد أن يحرج الجليلة حين تخبرها صيتة أنه بات يعرف ماحدث..
لذا سألها باهتمام: وين فهدة؟
همست صيتة بحنان: تكلم جدتها وضي وإبي جبران...مشتاقين لها..
ثم جلست جوار تركي وهي تهمس بقلق: تركي أنا صار لي معكم ثلاث أيام وأنا تاركة عبودي
وأروح لهم بس زيارة..
الحين سند عنده شغل مهم في السفارة .. جايهم وفود ولازم يكون معهم طول اليوم..
هو يقول لي عادي إنه بيرجع في الليل متأخر عنده..
بس أنا خايفة على عبودي.. ولا أبيه يقعد لو دقيقة ماعنده أحد..
ووفي نفس الوقت ماقعدت مع فهدة.. ولا أبي أوديها طول اليوم المستشفى .. أعرف إنها ماتحب..
وما أعرف وش أسوي..؟؟
تركي بمودة: أنا اللي بروح عند عبود وأنام عنده.. لين قدنا بنرجع.. لا تشغلين بالش..
تفرغي لفهدة بس..
مسكينة باقي أربع أيام ونرجع.. خليها تشبع من حضنش..
تنهدت صيتة بهم كبير: وهل بتصير هذي حياتنا كذا؟؟ بنتي تكبر يا تركي بعيد عني...
تنهد تركي.. ثم هتف بحزم:
صيتة لو أنش مارجعتي فهدة.. وخليتيها عندش وحاولتي تضبطين جدولش بينها وبين عبود.. كان انحلت الأمور..
صيتة بحزن عميق: إذا أنت تقول كذا يا تركي وأنت عارف أسبابي ومبرراتي..
عبود تتدهور حالته إذا ماشافني.. أو انشغلت عنه..
هالأيام وضعه مو زين.. بس أنا ضاغطة على نفسي عشان فهدة.. وأمره كل يوم عشان يشوفني..
وفي نفس الوقت تركي أنا خايفة على بنتي.. وخفت عليها..
قبل أربع سنين يوم خليت فهدة ترجع مع هلي عشان تستقر في الدوحة لأنه أنا خايفة عليها.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها..
ولا أقدر أخذها معي..
وطبيعة عمل سند مالها وقت محدد عشان أضمن إنه موجود عندها...
وصارت في عمر المدرسة.. ولازم لها استقرار..
أنا بديت مصلحتها يا تركي على حاجتي لها.. وإلا أنت عارف زين أني أموت ألف مرة وهي بعيد عني..
فلا تزودها عليّ يا قلب أختك...
تركي باهتمام كبير ونبرة مقصودة: وعلاقتش أنتي وسند بتظل كذا؟؟..
أنتو مو عايشين مع بعض يا صيتة..
أنتم تقريبا ما تتقابلون... وأشك إنكم أصلا تقابلتم بروحكم من يوم تزوجتوا..
تنهدت صيتة بحزم: أرجوك تركي.. اتركني أنا وسند على جنب..
تركي بثقة: لما خطبش سند أول مرة مني.. أنا رفضت من نفسي.. حتى ما قلت لش..
بس هو خطب بدل المرة عشرين..
وكان عنده إصرار عجيب عليش.. رغم إني قلت له ألف مرة صيتة ما تنفع لك ياسند..
صيتة بذات الحزم: إذن خله يتحمل نتيجة قراراته الخاطئة..
تركي بحزم مشابه: والقرار الخاطئ ذا قراركم مع بعض..
لأنش وافقتي عليه مع إني قلت لش يا صيتة ترا سند مابعد تزوج قبل ورجال عنده منصب وخير..
وإذا أنتي مارح تقدرين تكونين له الزوجة الحقيقية لا توافقين عليه..
خليه يشوف نصيبه..
وفعلا رفضتيه بدل المرة عشر
بس عقب وافقتي عليه..
موب عشانه.. عشان عبودي بس..
*************************************
"أنتي من جدش تاركة بيتش وجاية عندي..
يعني إني بموت إنه تطلقت وإلا شنو؟؟ "
مها تبتسم: يا أختي أبي لي حجة أقعد عندكم..
الجازي بضيق: يا اختي شوفي لش سبب بعيد عني..
يعني هي حلوة في حقي إنه تقولين لمتعب بأروح أقعد عند أختي لأنها تطلقت
ليه شايفتني أشق ثيابي؟!
مها بذات الابتسامة: عشتو.. تنافخ.. يا أختي ترا باشمهندس الكمبيوترات اللي طلقش موب أنا..
عمل كذا الحسبة الخوارزمية في دماغه.. وبوووووم طلاق مع انتهاء الشهر الثالث من المهلة..
حينها الجازي ابتسمت: مروقة الأخت.. وش عندها؟؟
مها تتمدد على سرير الجازي وتهمس بمرح: دوم مروقة.. قالوا لش مثلكم يا المعصقلات النفسية 24 عشرين خار زيتها.. وقافلة..
وأنتم معرسين منفسين .. وأنتم مطلقين منفسين..
الجازي تنهدت: والله موب منفسة.. أنا بس أمر بمرحلة انتقالية انتم موب راضين تفهمونها.. عطوني وقتي بس..
كانت مها سترد لولا رنين هاتفها.. ردت بهدوء: هلا متعب..
فاجئها بقوله الحازم: إذا عندش حد.. روحي بروحش.. أبي أكلمش..
مها خرجت من عند الجازي التي استغربت من خروجها..
بينما مها توجهت لغرفة أمها التي تعلم أنها فارغة الآن وهي تهمس لمتعب: انا بروحي.. آمرني..
تنهد متعب تنهيدة عميقة...طيلة الأشهر الماضية كان صعبا عليه تجاوز قنبلتها التي فجرتها في روحه قبل ثلاثة أشهر...
لم يستطع تجاوز أن زوجته وحبيبته وأم بناته كان من أبسط ما يكون عليها أن تتخلى عنه بهذه الصورة المهينة..
وكأنه حذاء قديم ضاق عليها.. فقررت أن تخلعه من قدمها لتقدمه لأخرى..
كان مجروحا جدا منها.. لدرجة أنه كان يحاول جاهدا ألا ينظر نحوها حتى..
لأن النظر نحوها يثير في داخله تلك الذكرى المقيتة..
حين ينظر الآن إلى أعوامهما الأخيرة معا.. وينظر بصفاء لما حدث..
يرى عظم جريمته في حقها.. وهو يمتهن أنوثتها ويكسر مجاديفها..
يعلم أنه أخطأ كثيرا في حقها وهو يتجاوز حدوده في التدخل بأمورها الخاصة
وهو يحاول إجبارها إن تتخذ نمطا صحيا في الحياة..
وحين يراها ترفض اتباع هذا النمط.. يظن إن السخرية من سمنتها ستجعلها تتحرك لكي تلحق ما بقي..
كان يرى أن هذه السخرية لا بأس فيها لأن مها بطبيعتها مرحة..
لكنه الآن وبعد انفجار مها فيه..
بات يعرف كم كان كلامه مؤذيا لها إلى درجة أنه دفعها أن تؤذيه..
بات يعرف خطئه تماما.. ومستعد لعدم العودة له..
ربما كان يفكر أنه لن يفاتحها في موضوع حل المشكلة بينهما الآن
فهو مازال عاتبا عليها..
وفي نفس الوقت لا يرى عندها أدنى رغبة في حل الموضوع المعلق بينهما وهي تبدو مرتاحة وسعيدة..
لذا كان يريد الانتظار قليلا.. رغم أن ثلاثة أشهر من الحرمان أهلكته نفسيا وجسديا..
وهو يشعر بنفسه منبوذ ومقيد حتى في بيته.. لا يستطيع احتضان زوجته ولا الدخول إلى غرفتهما المشتركة..
ولا حتى الصعود إلى الطابق العلوي ورؤية بناته في غرفهم...
ولكن انتباه سعود أعطاه الغطاء المناسب للإقدام..
هتف متعب بحزم: مها ترا سعود لاحظ إنه فيه شيء بيننا..
اتسعت عينا مها بصدمة: سعود!!
أكمل متعب بذات الحزم: وحتى لو ما لاحظ سعود.. أكثر من 3 شهور مرت.. أظني إنها كفاية نفكر ونتخذ قرار في حياتنا..
مها بحزم مشابه: أظني اتخذنا وخلصنا..
متعب بحزم غاضب: ما أتخذنا.. انتي قلتي كلام غبي وغير معقول وبس
وانا حبيت أعطيش وقت تفكرين بدون ضغط مني..
مها بحزم: القرار اللي عندك إنه غبي.. وغير معقول أنا فكرت فيه سنة قبل أقوله..
متعب بذات الغضب: ويعني إنش فكرتي فيه سنة إنه قرار صائب؟!!
مها تنهدت بحزن: متعب واللي يرحم والديك..
لا تضغط علي..
أنا خلاص موب متقبلة قربك ولا بأي صورة..
كنك تبيني أجبر نفسي .. جبرت نفسي!!
حينها هتف متعب بحزم مغمور بحزن غريب.. لم يتخيل أبدا أن ما بينه وبين مها قد يصل لهذا الوضع.. إن تصف ان علاقتها معه لا يمكن أن تستمر الا باجبار نفسها:
لا بالله لا تجبرين نفسش..
من عافنا عفناه لو كان غالي..
بس عقب... لا تزعلين من شيء..
لأنه أي شيء بسويه أنتي اللي حديتيني عليه..
************************
"زين بدل منت ناشب لي انا وسند..
خلنا فيك أنت والهنوف..
وانت من يوم جيت كل ما سألتك تهربت"
ابتسم تركي.. فهمست صيتة بعذوبة:
انت ماتشوف كيف وجهك يشرق وابتسامتك تشق لا جاء طاريها..
ابتسم تركي بشفافية مرحة: ليش مفضوح انا كذا؟؟
صيتة بذات العذوبة: أنت عارف أني اقراك بدون ما تحكي.. فكيف لاصارت عيونك تحكي وابتسامتك تحكي..
قل لي وش علومك مع الهنوف؟
تركي ببساطة عميقة كأنه يقرر حقيقة لا جدال فيها:
أحـــبـــهـــــا
صيتة كحت وعيناها تتوسعان بصدمة لطيفة: تحبها تحبها؟؟ والا تستلطفها ؟؟
تركي ابتسم لمنظر صيتة : أحبها
قالها بروية وهو يرص على كل حرف كأنه يتذوقه
ضحكت صيتة... وأشرق وجه تركي بسعادة: يبي لي اكتبها في التاريخ
صيتة ضحكت
كم لي ماشفت ضحكتش يا صيوت جعلني فدا وجهش الزين ..
مازالت صيتة تضحك: صدق انه ذي عقوبة ربي لك..
ثمان سنين وأنا أقول لك اتق الله في ذا البنت..
عاد ربي بيعاقبك
حينها هتف تركي بنبرة مقصودة: إذا ربي بيعاقبني على اللي سويته في الهنوف ثمان سنين وهي مابعد صارت مرتي فعليا
فربي اكيد بيعاقبش عقاب أكبر على اللي انتي مسويته في سند وأنتم فعلا متزوجين من ست سنين..
صيتة بتأفف: تركي طالبتك..
مابيني وبين سند شيء..
واحنا أساسا متراضين على كل شيء
وهما في حوارهما دخلت عليهما فهدة مشرقة الوجه..
واشرق وجه صيتة حين رأتها وهي تهمس بحنان: تعالي جنبي يا أمش..
ابتسم تركي بمشاكسة حنونة: إلا تعالي جنب خالش..
فهدة فعلا استجابت لتركي وهي تجلس جواره .. وتركي يحتضنها ويقبلها..
صيتة شعرت بحزن غريب يخترم روحها أنها توجهت لتركي وليس لها..
و اكتمل الحزن عليها وهي تسمع الحوار بين تركي وفهدة:
أنا يا أبيش بروح اقعد عند عبودي شوي..
وأخليش أنتي وأمش تستانسون
همست فهدة بجمود غريب.. غريب: عادي يا خالي..
خلها تروح لعبود
وأنا بقعد معك...
وش يفرق يوم وإلا يومين تقعد عندي
كلها كم يوم ونرجع الدوحة
وأنتو جبتوني عشان تشوفني..
وهذا هي شافتني..
خلاص..
أنا بس مشتاقة لعمي سند.. ماشفته إلا شوي في المستشفى..
إذا يقدر يمرنا شوي ذا اليومين.. ماعليه..
*****************************
"كذا تفجعني يا أخيك؟!!
الجليلة كلمتني قالت تعال لك عندي مفاجأة..!!
ما توقعت حتى واحد في المليار إنه ممكن تكون ذا المفاجأة"
مازالت دقات قلب مساعد غير منضبطة بعد المفاجأة الهائلة التي وجدها تنتظره في صالة البيت وهو يدخل مسرعا.. مترقبا لمفاجأة الجليلة..
ليجد الصدمة الهائلة أمامه الصدمة التي لم يتخيلها أبدا..
شهاب أمامه جالسا على الأريكة بجواره الجليلة..
بينما أميرة تجلس على مقعد بعيد عنهما مغلفة بالجمود..
كان لقاءهما مفعما بالمشاعر القوية وهو يحتضن شهاب بقوة ويقبل كتفه ورأسه ويده
ولكن كان بينهما نوع من الحاجز غير المفهوم .. جمود.. رسمية..غربة.. عتب.. تساؤل!!
ابتسم شهاب نصف الابتسامة الثقيلة إياها التي يبدو إنها ستكون أحد سماته:
حبيت أسويها لكم مفاجأة.. ولا بغيت أشغلكم بترتيبات مالها داعي..
مساعد بحزم ودود: كيف مالها داعي؟؟.. كان جيتك في مصر رجعت أنا وإياك...
وخليت متعب يرتب لك استقبال كبير هنا..
رد شهاب بحزم بالغ: ماله داعي أشغلكم وانا أعرف زين أسنع روحي..
كان الجو يحوم فيه جو كثيف غريب من الرسمية.. الكل كان يبدو متكلفا نوعا ما.. عدا شخص واحد فقط..
الــــجـــلـــيــلـــة..
التي كانت تجلس جوار شهاب.. ومازال وجهها محمرا..
وهي تنظر له بسعادة عميقة مغلفة بالشجن والحزن..
وهي تميل بين الفينة والفينة لتحتضن ذراعه وتقبل كتفه..
ليميل شهاب عليها ويحتضن رأسها ويقبله..
مساعد بذات الثقة الودودة هتف: طيب قلنا.. كيف طلعت؟؟ واشلون جيت؟؟
عطنا علومك كلها..
***********************************
" يا الله يا تركي..
أنا لازم أمشي..
باروح المستشفى .. عشان صيتة تجيكم..
أنا جيت عشان فهدة.. ولا حتى قعدت معها.. نامت على طول"
هتف تركي بمودة وهو ينظر لشاب يقاربه في العمر أو أكبر قليلا..
يبدو على وجهه الوسيم علائم إرهاق بالغ.. وهو يرخي عن عنقه ربطة العنق المتسقة مع طقم رمادي رسمي بالغ الفخامة:
أنت الله يعينك بعد..
بين شغلك والمستشفى..
وشكلك مرهق حدك..
خلني أنا بكفيك أنا بأروح المستشفى..
وأنت نام هنا..
هتف سند بإرهاق: تدري تركي..
ما أعرف متى أخر مرة نمت 4 ساعات متواصلة..
وجعلني ما أبكيك ..
صيتة قالت لي إنك عرضت تنام عند عبودي
وأنا قلت لها تقول لك.. إني حلفت..
عبودي مايعرف إلا أنا وصيتة..
أي حد غيرنا يرتاع ويتأزم..
تركي هتف بحزم يخفي خلفه ألمه العميق: وأنت ياسند حياتكم أنت وصيتة بتقعد على ذا المنوال..
لازم يكون فيه حل للوضع اللي أنتم عايشين فيه
سواء مع عبود..
أو في حياتكم مع بعض..
تنهد سند بألم: أنا حياتي كلها عبود..
وأنا و صيتة وجامعنا عبود..
لو صار له أي شيء..
علاقتنا بتنهار.. وبتنهار حياتي عقبها...
+
ثم أردف سند بألم وحنين مغلفان بهيام غريب وذاكرته تعود للخلف سبع سنوات:
تذكر يا تركي أول مرة خطبت صيتة قبل سبع سنين..
أبي أعلمك بشيء مابعد قلته لك... صار وقتها..
واشنطن قبل سبع سنوات....
كان يدخل إلى المستشفى بعد يوم عمل مرهق في السفارة..
كعادته كل يوم .. لزيارة ابن شقيقه ذي الأربع سنوات..
عمر الشقاوة واكتشاف الحياة الذي قضاه على سرير مستشفى ما عرف غيره منذ ولادته..
وهو أسير أعمدته الأربعة ..
لم يعرف كيف إحساس أن يركض ويلعب ويحلق في سماء طفولته..
لم يعرف ضحكات الطفولة.. واكتشافاتها.. ومناغاتها..
كان عبدالله الصغير يعاني من عدة مشاكل صحية متلازمة.. بين ضمور العضلات.. وتشوه في العمود الفقري.. وقصور في الجهاز الهضمي..
صاحبه مشاكل صحية أخرى و تأخر ذهني كان يزداد مع مرور السنوات..
كان سند يشعر بسعادة عميقة.. حين يلمح إشراق وجهه الصغير حين يراه...
لم يكن يتكلم.. ولكنه كان يشعر بعمق محبته له..
كان يكفيه حين يشد على أنامله الهزيلة.. فيرد عليه بشد باهت بالكاد يشعر به لضعف عضلاته...
قبل جبينه .. ثم جلس جواره وهو يشد على يده..
ويلقي التحية على أخيه الأكبر وزوجته...
ويسألهم عن أحوال عبدالله اليوم.. وأحوالهم ..
بعد حوالي ساعة كان يهم بالمغادرة.. فهمست أم عبدالله بمودة: سند يا أختك.. أبيك تأخذ ملف صيتة توصله لهم..
نسته عندي يوم جات تزورنا اليوم..
بنتها أشغلتها وسجت منه. وهو ملف شغلها كله..
سند بتلقائية : من صيتة ذي؟؟
إيه إيه.. أخت تركي ال حزام..
مابعد جيته في بيته.. لأنه نتقابل في مجلس الشباب القطريين..
بكلمه.. أتوصف منه المكان
.
.
بعد قليل كان سند قريبا من بيت تركي القريب جدا من المستشفى
كان مجمعا سكنيا عبارة عن فلل صغيرة.. كل فلة مستقلة بحديقة..
وكان سبب اختيار تركي لهذا المكان تحديدا..
أنه كان مكان جيد لفهدة وصيتة.. تستطيع فهدة اللعب في الحديقة..
وتوجد حضانة جيدة..
وقريب جدا من مركز تدريب صيتة بحيث تستطيع الذهاب مشيا..
سند كان قد اتصل بتركي.. وأخبره عن أنه يريد توصيل الملف..
فأخبره تركي أن البيت خال..
وأخبره بالرقم السري الذي يفتح الباب..
وطلب منه أن يضع الملف قرب المنضدة جوار الباب..
حين فتح سند الباب بهدوء.. وجد أمامه أجمل صدمة حدثت في حياته كلها..
فوجئ بالملاك النائم على مقعد في الصالة وبين يديها ينام ملاك آخر..
كانت ترفل في غلالة بيضاء .. وشعرها الأسود يعفو على كتفيها..
على ملامحها المسترخية يرتسم حزن عميق غير مفهوم..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
انصدم سند بقوة وهو يشعر بالحرج والذنب..
فترك الملف وانسحب بخفة..
ولكنه بالتأكيد كان قد ترك شيئا من روحه خلفه..
إحساس عذب أصاب روحه في مقتل..
كانت جميلة ورقيقة لا ريب..
ولكن هناك الكثير أجمل منها بكثير..
لم يكن جمالها سببا بالتأكيد..
شيء عميق في روحها عانق شيئا غافيا في عمق روحه..
بعد هذه الحادثة بأسبوع كانت أول خطبة..
كانت المرة الأولى التي يخطب سند صيتة..
وتلتها مرات ومرات..
كان في كل مقابلة مع تركي.. يلمح له ويصرح بالخطة..
وحينا يرده تركي بنفسي.. لأنه يعرف أنها لن توافق..
وحينا يسألها إبرارا لذمته.. فترفض هي!
.
.
الـــــيـــــوم..
ضحك تركي: تعلمني الحين وهي قد لها ست سنين مرتك!!
ليه ماعلمتني وقتها؟!!
ابتسم سند: انحرجت..
بس الموضوع قعد في خاطري.. حاس إني مذنب..
وخفت أقول لك وقتها.. داري إنك بتزعل علي جدا..
مع إني مالي ذنب أنت قلت لي البيت فاضي..
ثم أردف بمرح: يا أخي اعتبرها الشوفة الشرعية اللي ما تعرفونها يا البدوان..
عاد صوته لينحدر بهيام غريب يحاول كتمه.. فيفضحه :
تدري وش خفت منه بعد حزتها؟؟ ..خفت إنك ماترضى تزوجني..
وأنا روحي تعلقت فيها من حزتها.
تركي هتف بنبرة مقصودة: ليه أنتم متزوجين الحين؟!!
سند بحزم بالغ مختلط بالحرج: يعني تركي موب عشانك الوحيد اللي عارف الشرط اللي بيننا .. تحرجني..
تركي بغضب: أنت عارف إن شرطها باطل..
ووقتها لما هي قالت لي شرطها.. أنا ماكنت موافق أبدا..
بس أنت اللي وافقت..
تنهد سند: أنت عارف إني كنت مستعد أسوي أي شيء عشان توافق بس...
أنا قبل كنت أبيها لي أنا بس..
وعقب صرت أبيها لي أنا وعبود..
وأنا و هو من غير صيتة ما نقدر نعيش..
تركي أنا لو ما تزوجت صيتة.. كان مت..
*****************************
" يبه حمد... يبه حمد.. يـــــبـــــه حـــــمــــد!!"
أبوفرات يطل من غرفة خلط الألوان داخل مرسمه ويهتف بحنو وهو يشير بيده:
شوي وجايش يا أبيش..
مي كانت تستدير داخل المرسم.. تنظر للوحات المكتمل منها وغير المكتمل.. وتوقفت قليلا عند لوحة معلقة في صدر المرسم.. يشارك بها جدها في المعارض.. لكنه يرفض بيعها..
لوحة قديمة ربما قبل أن تولد.. تصور بيتا قديما على طريقة البيوت القطرية القديمة..
الليوان المفتوح الذي يحتوي غرفا متعددة تطل كلها على الحوش المفتوح.. وشبابيك وأبواب الخشب المعتقة بمسامير الحديد في طراز هندسي..
والسدرة تنتصب شامخة في طرف الحوش .. وبئر الماء في وسط البيت..
كانت تفاصيل الرسم دقيقة جدا.. إلى درجة أن الناظر قد يشك هل هي لوحة مرسومة أو صورة
تم تصويرها لبيت من ذاك العصر..
لون الطين.. الحجارة ... الأخشاب.. تراب الحوش وحجارتها.. زرقة السماء..
خرج لها جدها.. وهي مازالت تتأملها.. ابتسم بحنو وهتف: ما تملين من كثر ما تدققين فيها؟!!
همست مي بانبهار: ماشاء الله يبه.. خاطري أرسم نفسها..
ابتسم جدها بلطف: أنتي ارسمي أبراج الكورنيش.. كل واحد يرسم زمنه..
مي همست بمودة ورجاء: يبه أقدر أخذها أسبوع واحد بس.. أعرضها في معرض الجامعة..
هتف الجد بتلقائية واثقة: جيبي لي تأكيد موقع من الجامعة بالمحافظة عليها وتأمينها.. وخذيها..
قفزت مي بحماس: أبشر أبشر جعلني فداك..
قالتها وهي تقبل رأس جدها وكتفه بذات الحماس...
"أنتي 24 ساعة لازقة في إخي كذا.. ما تخلينه يتنفس"
أشرق وجه مي وهي ترى حامد وحمد كلاهما يدخلان معا وتهتف بمرح:
غريبة اثنينتكم موجودين في البيت ذا الحزة.. لا وداخلين علينا المرسم..
ابتسم حمد: أنتي وجدي عايشين في المرسم.. لو ماجيناكم هنا.. مارح نشوفكم..
قالها وهو يميل على رأس جده يقبله.. ثم يقبل يده..
وحامد يفعل بالمثل..
والجد حمد يربت على أكتافهم وهو يهمس بعمق: كبّر الله قدركم..
ثم هتف بأمر لطيف: دامكم كلكم موجودين أجل نتعشى كلنا سوا..
مي روحي ادعي إبيش يجينا..
مي ذهبت تنادي والدها.. بينما حمد انشغل مع جده يستشيره في أمور تخص الحلال..
في الوقت الذي كان حامد يدور في المرسم ينظر إلى اللوحات..
وباله مشغول.. مشغول جدا..
****************************
كان الجو يحوم فيه جو كثيف غريب من الرسمية.. الكل كان يبدو متكلفا نوعا ما.. عدا شخص واحد فقط..
الــــجـــلـــيــلـــة..
التي كانت تجلس جوار شهاب.. ومازال وجهها محمرا..
وهي تنظر له بسعادة عميقة مغلفة بالشجن والحزن..
وهي تميل بين الفينة والفينة لتحتضن ذراعه وتقبل كتفه..
ليميل شهاب عليها ويحتضن رأسها ويقبله..
مساعد بذات الثقة الودودة هتف: طيب قلنا.. كيف طلعت؟؟ واشلون جيت؟؟
عطنا علومك كلها..
اعتدل شهاب جالسا.. وهتف بثقة لا تخلو من جموده المعتاد الغريب:
أنا خلصت ثلاث أرباع المدة.. وكنت متأمل إني رح أطلع..
حسن سيرة وسلوك..
وكنت عارف إني رح أطلع من يوم جيتوني المرة اللي فاتت..
بس مابغيت أقول لكم وأنا ماني ب عارف متى بالضبط موعد طلعتي وأشغلكم معي..
قبل أسبوع تقريبا طلعت..
السفارة رتبت لي كل شيء ماقصروا معي أبد.. وتأخرت شوي أصدق شهاداتي كلها..
عشان أبي أدور لي شغل أول ما أرتب أموري..
حينها همست أميرة بدهشة: من جدك تبي تشتغل؟ من اللي بيشغلك؟!!
شهاب لم يرد عليها وهو ينظر لها متعجبا بحاجب مرفوع.. لكن الرد كان رد الجليلة الحازم:
وليه ما يشتغل؟؟ كم واحد في قطر عنده شهادتين دكتوراه في تخصصين مختلفة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ؟؟؟
أميرة بحرج: أنا ماقصدت كذا..
هتف شهاب بثقة عارمة: جليلة اتركيها.. هي بس مهيب فاهمة..أنا بشرح لها..
أميرة تظن إني مافيه حد بيشغلني لأني محكوم سابق ومتهم بجريمة قتل..
ثم أردف بحنو غريب فيه حزم وجمود خليط غير متجانس يشبه شهاب تماما:
يا أبيش.. اللي يرفضونه في الوظائف.. اللي جريمته مخلة بالأمانة أو الشرف..
وأنا كنت محكوم في بلد ثانية.. في بلدي ماعلي شيء.. وجريمتي لا تخل بالأمانة ولا الشرف.. بل العكس..
أنا دافعت عن شرف مرة ضعيفة أم أيتام..
حينها همست الجليلة بوجع عميق وحسرة أعمق.. حسرة عمرها كله.. كـــلـــــه:
أنت دافعت عنها بس ماقتلته..
هي اللي قتلته..
هي اللي قتلته..
تنهد شهاب بحزم يخفي خلفه حسرة شبابه الذي مضى كله وهو مسلوب الحرية في جريمة لم يرتكبها فعلا..
سبعة عشر عاما تمثل مرحلة الشباب كاملة سُلبت من عمره:
خلاص هذا حكي مايفيد يا أخيش..
ولو رجع الزمن فيني.. سويت نفس الشيء..
وتصرفت نفس التصرف..
********************************
" وش عنده مساعد مكلم ذا الحزة..
و يقول بجيكم.. وأبيكم موجودين أنت ومتعب وحزام؟!!
المجلس مجلسه.. وش حاجة الاستئذان؟؟"
متعب يرد على والده باحترام: ما أدري جعلني فدا خشمك
ثم أردف بابتسامة مرحة: يمكن جاي يخطب البندري..
ابتسم أبو متعب بمودة واعزاز: والله إنها الساعة المباركة.. لا خذ ولدي بنتي
لكن ما ظنتي ذا موضوعه..
لأنه لو ذا موضوعه ماطلب حزام.. ولا جا والوقت قده متأخر كذا
حينها ابتسم حزام: ليه مهيب أختي أنا بعد؟!!
متعب بمرح: ليه حتى البزارين لهم لسان؟!!
ضحك حزام: لو الله يفك لي منك كان خير..
حــــــيــــــنـــــــها..
دخل مساعد.. وبجواره شخص آخر يوازيه في الطول..
كان شهاب يرتدي ثوبا من ثياب مساعد..
كان الاثنان متقاربان في الطول والعرض.. وحتى الشبه كان بينهما شبه كبير
إلا أن وسامة شهاب كانت أكثر حدة..
وإن كانت هدأت وتعمقت مع شعرات الشيب التي غزت عارضيه..
حزام لم يعرف الشخص الثاني أصلا وهو يهتف برجولته الطريفة: يا هلا يا هلا
يا حيا الله ضيفنا.. اقلطوا اقلطوا..
متعب فغر فاه مدهوشا وهو يرى من يرافق مساعد..
فهو كان يزور شهاب من وقت لآخر غالبا مع شقيقه تركي.. وفي بعض الأحيان مع سعود..
لكن رؤيته هنا... دون سابق إنذار كانت صدمة كاسحة.. صدمة كاسحة بكل معنى الكلمة..
وإن كانت صدمة كاسحة على متعب..
لنا أن نتخيل تأثيرها على أبي متعب..
الذي حينما رأى مساعدا يدخل ومعه رجل غريب وقف مرحبا..
لكن حينما اقتربا وعرف من هذا الرجل الغريب..
شعر أن قدميه تميدان.. وهو يتسند على ذراع متعب حتى لا ينهار..
كان ينظر إلى شهاب بحسرة وحنين ولهفة..
وكأنه يرى وجه شقيقه طالب الراحل..
وكأن طالب يعود من تحت الثرى..
طالب رحل قبل أحد عشر عاما.. وهو يطوي حرقة شهاب في روحه..
رحل موجوعا مطعونا مقهورا.. وهو ينعى شباب ابنه المظلوم..
وينعى زوجته التي ماتت بعد سجن شهاب بعام واحد..وهي مازالت في بداية الأربعينات..
رآها تذوي أمامه شيئا فشيئا دون أن يكون بيده شيء..
رأها تذوي وهي تتحسر وتعد ما بقي من أيام سجن شهاب..
كانت تقول له :
25 عاما يا طالب.. 25 عام!!!
كم يوم وليلة فيها؟؟
كنتُ أحلم بيوم عودته القريبة حتى أخطب له..
كنتُ كل يوم أفكر في ترتيب زواجه.. وأسماء أولاده
كنت كل يوم أرسم حكاياتي مع أحفادي
وأتخيل ملامحهم.. الأولاد يشبهون شهاب.. والبنات يشبهون الجليلة..
أتخيل شجاراتهم.. وخطواتهم الأولى.. وصخبهم يملأ البيت...
كان قد بقي أسبوع واحد فقط على عودته يا طالب؟؟
هل تتخيل؟ أسبوع واحد؟؟
فصلت ملابسه.. وبخرت غرفته.. بل إني حتى بدأت ألمح لمن أريد أن أخطب له عندهم..
أسبوع واحد ويعود شهاب يا طالب..
فإذا بي أتفاجأ أن عودته ستتأخر..
ستتأخر 25 عاما فقط يا طالب .. فقط 25 عاما!!!
حياته كلها ستتوقف 25 عاما..
زواجه سيتأخر 25 عاما.
أحفادي هل أراهم بعد 25 عاما؟
هل سأعيش حتى أراهم حتى يا طالب؟!
كانت تقضي الليل تأن.. طوال الليل تان..
وطالب يحتضنها.. وهي تسكب وجيعتها بين أضلاعه..
ويشعر أنه يفقدها.. دون أن يكون بيده شيء..
شعر بروحها تتسرب شيئا شيئا من بين أصابعه وأصابعها..
حتى جاء صباح.. صباح تمنى لو أنه لم يأتِ أبدا..
كان صباح الفجيعة..
كانت قد صلت الفجر..
وحين عاد من المسجد..
رآها تبتسم... استغرب ابتسامتها التي لم يراها منذ زمن.. فابتسم تلقائيا..
وهتف بحنو: دوم ذا الابتسامة يا أم شهاب..
همست بشفافية: خاطري منشرح.. ظنك إنهم عرفوا إن شهاب بريء وبيطلعونه؟؟ ظنك كذا؟؟
شعر حينها طالب بحزن عميق: إن شاء الله .. إن شاء الله..
همست بذات الشفافية: مع إن خاطري منشرح.. لكن جسمي تعبان.. ودي انسدح..
كني أبطيت ماقمت... قومني أصلي الضحى
همس لها طالب بمودة: أنا بسبح وأهلل لين شروق الشمس..
لا أشرقت الشمس.. قومتش نصلي أنا وإياش الضحى...
قبل شروق الشمس بدقائق.. سمع حشرجتها وهي تناديه..
قفز إلى جوارها مرعوبا..
همست بصوت مختنق: عيالي يا طالب بناتي.. عيالي..
طالب مازال مرعوبا وهو يهتف بكل هذا الرعب: وش فيهم العيال؟؟
صوتها يضعف ويزداد حشرجة: أمانتك أمانتك..
شهق طالب برعب متزايد خنقه حتى النخاع: يا بنت الحلال تعوذي من ابليس.. مافيش إلا العافية..
بقوم أكلم الإسعاف..
شدت أم شهاب على يده لتمنعه من القيام وهمست بضعف : وص البنات ومساعد ما يسجون شهاب.. تكفى يا طالب.. قل لهم ما يسجون منه أبد..
طالب عرف أنها فعلا تحتضر.. عرف أن مابقي من روحها الذاوية آن له أن يرتحل..
ويومها شعر أن روحه بدأت تذوي وتتسرب أيضا..
هتف لها بنبرة ميتة.. فهو كان يموت أيضا: ازهليهم كلهم ..
حينها ابتسمت ومدت يدها بضعف لتضعها على خده:
قضيت معك 23 سنة ما أبدلها بشيء.. كنت فيها لي أخ وزوج وحبيب.. لو كنت أقدر أبدل شيء فيها
شيء واحد.. ماخليت شهاب يروح مصر..
لكن ما اعترض على كتبة رب العالمين..
كانت تتمدد على جنبها اليمين ووجهها للقبلة..
كانت دوما مستعدة وفي الانتظار .. لم تجزع.. فهي مقبلة على من هو أرحم بالإنسان من أمه وأبيه.. همست بضعفها بما بقي من أنفاسها الذابلة:
أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله..
رحلت بين ذراعيه باسمة.. وآخر ما ذكرته كان شهاب..
هذه الحكاية حكاها طالب لعبدالمحسن عشرات مرات.. خلال السنوات الخمس التي عاشها بعدها..
وفي كل مرة كان يشعر عبدالمحسن أن طالب بات أضعف وأضعف..
ومثلما كانت آخر وصايا أم شهاب هو شهاب..
كانت آخر وصايا طالب هو شهاب أيضا..
لذا حرص أبومتعب أن يزوره هو أبنائه متعب وتركي بشكل دوري.. وأن توضع مستحقاته المالية في حساب خاص به هنا
وحساب آخر تتصرف به السفارة هناك..
كان يصرف منه على دراسته..
واليوم هاهو يراه هنا .. بعد سبعة عشر عاما من الغياب..
بعد رحيل طالب وزوجته..
ورحيل علي وزوجته وابنه..
اختلف الكثير في هذه الأعوام.. وكثر الراحلون!!
وهو باق هنا يتجرع الغصات غصة غصة..
يتجرع غياب أشقائه.. وحسرتهم.. ويتلمس أولادهم.. ووصيتهم..
واليوم ها هو يرى وصية طالب أمامه..
شعر أن دقات قلبه تتسارع.. وأن جسده يوشك على الانهيار..
متعب أسنده بقوة.. بينما شهاب أسرع نحوه.. وهو يسنده من الناحية الثانية..
حينها تعلق أبو متعب بعنق شهاب وهو يحتضنه بقوة..
فرد عليه شهاب بحضن أقوى..
أقوى من احتضانه لأشقائه وأعمق.. وأحد..
يتشاركان وجعا يعلمانه جيدا.. وجع الراحلين.. وفي القلب لهم حرقة لا تنقضي..
إحساس مستشري بالمرارة والخذلان والحسرة.. أنهم لا يشاركونهم هذه اللحظة المنتظرة..
كان أبو متعب يهتف بتأثر بالغ: الحمدالله على سلامتك يا أبيك الحمدالله على سلامتك
وشهاب يهتف وهو مازال يحتضنه بنبرة مودة عميقة خالية تماما من الجمود الذي غلفه مع الجميع.. واختفى مع عمه وحده... نبرة فيها ألم عميق:
اشتقت لك يبه.. فقدتك.. فقدتك..
حينها هتف متعب بتأثر: عطونا فرصة حن نسلم بعد..
حينها أفلت شهاب عمه برفق وهو يجلسه على المقعد أولا..
ثم يحتضن متعب بقوة لا تخلو من جموده الذي عاوده..وهما يتبادلان التحية العميقة في مودتها
ثم هتف متعب بذات المودة العميقة: ترا غداك بكرة عندي.. و..
وكان على وشك أن يحلف لولا أن مساعد قاطعه بمودة وحزم:
فديتك خلاص غداه بكرة في مجلسه.. رتبنا له..
وعقب كم يوم بنسوي عشاء كبير في فندق..بس ننتظر تركي يرجع عشان يحضر..
حينها هتف متعب بإصرار: أجل عشاه بكرة عندي هنا في مجلسنا..
كانا الاثنان يتجادلان بينما شهاب كان لاهيا عنهما وهو يجلس جوار عمه..
ويمسك بكفه بقوة.. والعم يهتف بنبرة مرهقة مستنزفة:
ليه ماعلمتني يا أبيك.. كان جيتك هناك..
شهاب بمودة عميقة: مافيه داعي يبه أعنيك.. وبغيت أسويها لك مفاجأة..
أبو متعب بحنين موجوع: جعل عظام طالب الجنة.. راح ما بين عيونه إلا تنيان طلعتك (تنيان: انتظار)..
عاود شهاب الجمود الذي يغلف روحه به ليحميها ربما.. مع أن الوجع العميق تسرب رغما عنه من بين كلماته وهي تنحدر بوجع شيئا فشيئا:
رحمة الله عليه.. رحمة الله عليه وعلى أمي.. وعلى عمي علي.. وعلى خالتي أم متعب.. وعلى رفيق عمري متعب..
راحوا كلهم يبه.. راحوا.. ما حضرت حد منهم.. ولا صليت عليه..
أبو متعب مسح دمعة انحدرت رغما عنه وهو يهتف باختناق:
بكرة بأروح أنا إياك المقبرة.. أوريك قبورهم.. وندعي لهم كلهم..
هتف شهاب بحزم موجوع: زين إنك قلته.. كنت أبي أقول لمساعد يوديني..
ثم أردف بحزم واثق وهو يتذكر شيئا هاما: يبه أبي أكلم الهنوف..
أبو متعب باستغراب: الهنوف بنت علي؟؟
شهاب بذات الثقة: إيه طال عمرك..
رغم استغراب العم أبي متعب من طلب شهاب إلا أنه أخذ هاتفه واتصل بالهنوف..
في وقتها كانت الهنوف في غرفتها تعمل على رسالتها كالعادة..
رن هاتفها.. همست في داخلها بتأفف
(لا يكون تركي الزفت مرة ثانية.. بانتحر.. وإلا بأرسل له قاتل مأجور لواشنطن يغتاله)
رفعت الهاتف فوجئت أنه عمها (غريبة عمي مانام لين الحين)
ردت باحترام ومودة عميقين: لبيك يبه.. تبي شيء؟؟
هتف العم أبوعبدالمحسن بمحبة: لبيش أنا يا أبيش..
هنا ولد عمش شهاب يبي يكلمش..
الهنوف احتاجت وقتا لتركب الصورة ومع ذلك كانت الصورة مستحيلة
شهاب مسجون في مصر ولن يخرج قريبا.. وعمي هنا في الدوحة.. كيف يكلمني؟؟
مازالت لم تستوعب والصوت الغريب الفخم العميق يقتحم أفكارها الملتبسة:
مساش الله بالخير يا بنت علي!!
الهنوف ردت بخجل وذوق: الحمدالله على السلامة يا أبو طالب.. نورت الدوحة..
وقرت عيوننا جميعا جميع برجعتك..
شهاب بحزم: الله يسلمش.. ويبارك فيش..
ثم أردف بحزم أشد: اسمعيني يا بنت علي.. وذا عمي يسمع بعد..
عمي إبينا كلنا.. وماحد يضام عنده..
وتركي والنعم شيخ الرياجيل..
بس أنا بغيتش تعرفين زين إني رجعت خلاص الدوحة..
وأول حد أكلمه هو أنتي.. أبيش تعرفين زين إني هنا مثل متعب بن علي الله يرحمه..
والله ثم والله لو أدري إنه نمتي ليلة حزينة أو مضيومة أو مضايقش تركي ولا تعلميني..
ثم أدري بنفسي.. إن يصير شيء ما يرضي حد..
الهنوف اختنقت تماما.. وشعرت بعبراتها تقفز إلى حلقها.. وذكرى شقيقها متعب تعود لها عبر شهاب بقوة..
همست باختناقها: جعلني ما أبكيك يا أبو طالب.. وجعلك دوم في الوجود..
لم تستطع أن تكمل وهي تغلق الهاتف.. وتنفجر بالبكاء..
حين انتهى الاتصال.. هتف العم أبو عبدالمحسن بعتب: ظنك إنه بنت علي بتضام وهي عندي..؟؟
حينها شد شهاب يد عمه بقوة ثم مال ليقبل رأسه وهو يهتف بحزم:
يبه ذا شيء وكاد.. مستحيل تضام عندك..
بس تركي ولدك.. ويمكن تستحي تشتكي لك منه..
وأنا وأنت واحد..
والهنوف هي اللي بقت من ريحة متعب.. مثلها مثل خواتي هم اللي بقوا من ريحة هلي..
****************************
قبل ذلك بقليل..
كانت الهنوف في نفس المكان.. وتؤدي نفس العمل.. مشغولة برسالتها..
فرن هاتفها.. كان في تلك المرة تركي هو المتصل..
نظرت للاسم.. ثم كتمت صوت الرنين.. ووضعته على الطاولة وعادت للعمل..
كانت تشعر بمتعة لطيفة وهي تعذبه هذا التعذيب اللطيف..
(قال أنا أعذبه؟!
هذا أصلا إحساس ماعنده..
إحساس صفر..
أساسا ليش يكلمني ما أعرف..)
رن المرة الثانية وكتمته.. مع أنها بدأت تتوتر.. لأنه بالعادة لا يرن لمرتين متتاليتين إلا إذا كان مصرا فعلا على مكالمتها..
ثوان مرت.. ليصلها رسالة منه:
(أنا أبي أعرف أنتي مخش متركب شمال..
يعني لازم هذي الطريقة الملتوية للتواصل..
لازم أرسل مسج.. أقول لش فيه لو سمحتي ردي.. عشان تردين..
شوفي أنا برن الحين..
لو مارديتي.. ماني ب داق على البندري..
بدق على أمي وأقول لها تعطيني إياش)
تنهدت الهنوف بعمق وتأففت (يا ثقل طينتك يا ولد عمي!!)
مع انتهاءها من التأفف كان تلفونها يرن للمرة الثالثة..
ردت بهدوء : هلا أبو عبدالمحسن..
في حينها كان تركي يجلس بجوار عبودي الذي كان نائما.. كان يقوم بدوره اليوم في البقاء عنده..
لانشغال سند في السفارة.. وذهاب صيتة مع فهدة للألعاب.. ثم للتسوق لأنها تريد أن تشتري لها بعض الأشياء..
لا يعلم أي سحر يفعله بها صوته.. همساتها.. حتى الحرف الواحد منها يفعل به الأفاعيل..
كان غاضبا منها لتعمدها تجاهله.. وكان قد قرر أنه لابد أن يعاتبها على ذلك..
لكنه ما آن سمع همساتها.. تبخر كل الغضب..
وهو يهتف بابتسامة ونبرة مقصودة: وش اتفقنا عليه أخر مرة؟؟
حينها همست بعذوبة ماكرة: ما أتذكر..
ابتسم تركي: طيب موب مشكلة.. أنتي أخبارش؟؟
ابتسمت: أنت متصل تسأل عن أخباري؟؟
بذات النبرة الباسمة المتبادلة هتف: أي نعم.. متصل أسال عن أخبارش بس..
إذا عندش شيء غير الأخبار تقولينه تراه يسعدني..
الهنوف بتوجس: مثل أيش غير الأخبار؟؟
تركي بمكر: مثل أحبك وأموت عليك واشتقت لك.. والدوحة خالية من غيرك..
مثل الكلام ذا..
حينها هتفت الهنوف بغضب: تركي عيب عليك..
تركي يكتم انفجاره في الضحك: زين قولي علومش لتركي..
تنهدت بغيظ: يعني وش علومي على ذا الرسالة الزفت.. والمشرف منشف رأسه في بعض النقاط.. ويبيها بكرة.. وأنا ماعرفت بالضبط وش هو يبي..
تركي بمودة: طيب قولي وش هي النقاط.. خلينا نتناقش فيها.. يمكن أعرف أنا وش يبي..
الهنوف بخجل: لا مافيه داعي..
تركي بإصرار: أنا مصر.. الرسائل الجامعية بالذات.. لازم تناقشين فيها أكثر من متخصص.. عشان تفتحين أكبر عدد ممكن من الأبواب..
الهنوف بذات الخجل: يعني مو تعب عليك..أخاف نطول..
(يا قلبي قلباه.. تقول تعب علي.. ودي تكلميني للصبح.. حتى لو بس تقرين علي الرسالة قراية)
هتف تركي بحزم: خلصيني يا الله وش ملاحظاته المطلوبة..
وبالفعل أخبرته الهنوف عن النقاط التي طلبها المشرف.. وأخبرها تركي ماذا يريد مشرفها تماما.. وبالتفصيل.. وأضاف لها بعض النقاط المهمة التي يجب أن تبحث فيها أيضا حتى تدعم الفصل الذي تعمل عليه..
كان حوارا جميلا طويلا.. أنعش قلب تركي المتيم... وأفاد الهنوف في عملها..
حين انتهيا.. همست الهنوف بامتنان: ما تتخيل كيف ساعدتني..ورح أقول للمشرف عن النقاط الذي ضفتها.. وإنك أنت اللي قلت لي عنها.. عشان يكون عنده خبر..
جد شكرا تركي.. شكرا..
رد عليها تركي بابتسامة ونبرة مق
صودة: شكرا تركي حاف..
الهنوف باستغراب: توك المكالمة اللي فاتت تقول لا عاد تقولين أبو عبدالمحسن..
الحين أقول تركي.. موب عاجبك.. وش تبي أنت بالضبط؟؟
تركي بذات النبرة المقصودة المغلفة بالخبث: شكرا تركي حبيبي..
شكرا تركي قلبي..
وش ذا الجفاف العاطفي اللي عايشين فيه؟؟
الهنوف شعرت بالصداع المفاجئ وكأنها ضُربت على رأسها ..
وهي تهتف من بين أسنانها: أنا أبي أعرف وش ذا الدكتور الوقح؟؟
حينها هتف تركي بخفوت ونبرة مقصودة تماما: وليه ما تقولين الدكتور المتيم؟!!
الهنوف شهقت وهي تغلق الهاتف وترميه بعيدا كأنه جمرة تلسع يدها..
وأصوات أنفاسها تتعالى بقوة..
وهي تذهب وتأتي في الغرفة.. ثم تقف في الزاوية وهي تكتف نفسها..
(وش تهدف له من ذا الحركات يا تركي الزفت؟!!
وش قصدك من ذا الأكاذيب؟؟)
احتاجت وقتا حتى تتماسك.. وتهدأ أعصابها.. قبل أن تعود لرسالتها وتبدأ بالعمل وفقا لنصائح تركي (الزفت)
في حينها رن هاتفها مرة أخرى ..
(لا يكون تركي الزفت مرة ثانية.. بانتحر.. وإلا بأرسل له قاتل مأجور لواشنطن يغتاله)
رفعت الهاتف فوجئت أنه عمها (غريبة عمي مانام لين الحين)
*****************************
" كلكم سويتوا مفاجأت دوري أنا أسوي مفاجأة
بدق على تركي ثم سعود ثم جابر وأخليك تكلمهم كلهم"
رد شهاب على متعب بحزم: تركي دق عليه بأكلمه..
الوقت عنده مناسب..
بس سعود وجابر.. الوقت متأخر.. يمكن قدهم نايمين..
بس أرسل لهم مسجات اعزمهم على غدا بكرة..
في حينها كان تركي مازال يعيش لحظات مابعد الهنوف.. على شفتيه ابتسامة حالمة وقلبه يكاد يشق أسوار قفصه الصدري خارجا..
وهو يهمس لنفسه كعادته كلما سمع صوتها
(وش ذا البلا اللي ربي صابني فيه؟؟
صيوت صادقة..
هذي عقوبة ربي لي...
على الثمان السنين اللي أنا معلقها فيها..
وهذي هي بتصير تسع سنين..
لكن هي اللي معلقتني..
أنا الحين 3 شهور ما تحملتها..
كيف هي تحملت؟؟
وكيف أنا بأتحمل؟!!)
رن هاتفه ليأخذه من أفكاره.. نظر للهاتف.. وهتف بابتسامة:
يا حيا الله أبو البنات الجميلات..
متعب ضحك: لا تسبع فيني.. ترا ماني مزوج بناتي الجميلات من عيالك القرود..
رد عليه تركي بابتسامة: من هنا لين نخطب بناتك العجايز..
متعب بمرح: خلك من القرقرة بتحفى أنت وعيالك على باب بيتي.. الحين أبيك تكلم رأس الجاهة اللي بيجون معك لا جيت تخطب بناتي..
استغرب تركي.. الوقت بات متأخرا في الدوحة.. من هذا الذي مع متعب في هذا الوقت المتأخر..
انسكب في إذنه عبر السماعة صوت ليس غريبا..
هتف تركي باحترام: يا هلا والله ومرحبا..
شهاب بمودته الجامدة: يا حيا الله أبو عبدالمحسن..
أشلونك وأشلون بنت عبدالمحسن.. وسند.. أخباركم كلكم؟؟
استغراب تركي اتسع.. من هذا اللي يسأل عن أخته ويعرفهم كلهم.. ثم فجأة لمع في ذاكرته الصوت الذي سمعه من فترة قريبة.. ولكنه لم يسمعه أبدا عبر الهاتف..
سمعه وهو يزوره قبل شهرين في سجنه في مصر..
هتف تركي بصدمة كاسحة: شـــــــهــــــــاب؟؟
شهاب؟؟ في الدوحة أنت؟؟ كيف؟؟
ابتسم شهاب نصف ابتسامته المعتادة: الله الله.. شهاب بشحمه ولحمه في الدوحة
ابشرك طلعت حسن سيرة وسلوك في ثلاث أرباع المدة..
حينها انفجر تركي بسعادة: يا الله والله إنها أحلى مفاجأة..
الحمدالله على السعادة.. الحمدالله على السلامة.. نورت الدوحة
الحمدالله على رجعتك لبيتك وهلك..
بعد انتهاء السلامات المعتادة.. هتف شهاب بحزم: تركي أبي أعلمك شيء..
تراني كلمت الهنوف...
تصاعد في نفس تركي استغراب وضيق وهو يهتف بنبرة محايدة:
كلمتها؟؟ فيه شيء؟؟
شهاب بذات الحزم: أبد مافيه شيء.. سلمت عليها..
وبغيتها تعرف إن لها أخ مكان متعب بن علي الله يرحمه..
أنت عارف قرب متعب الله يرحمه مني..
وهي أختي وأنت أخي.. وإن شاء الله ما يصير بينكم إلا كل خير..
بس إن صار يوم وضايقتها.. ترا الكلام بيكون معي أنا!!
تصاعد ضيق أعظم مغلف باستغراب في نفس تركي (هذا وش فيه طالع من السجن هداد!!)
ولكنه كتم ما يشعر به داخله وهتف باحترام:
أنت إخينا الكبير كلنا يا أبو طالب
وإن شاء الله الهنوف ما يجيها مني أدنى شيء يضايقها..
حينها هتف شهاب بحزم بالغ بما جعله يفعل كل ذلك..
وهو أمر مستغرب أن يجعل لهذا الأمر أولوية وهو للتو يعود للدوحة من ساعات فقط بعد غياب سنوات طويلة.. ولديه عشرات الأمور التي يجب أن تكون أولوية:
أشلون ما يجيها منك أدنى شيء يضايقها وأنت معلقها ثمان سنين يا ولد عمي؟؟!!!
*********************************
اليوم التالي..
" اسمعي دانة .. عندي كم شغلة بخلصها..
ثم بجي أخذش من الدوام
بس اسمحي لي..
ما أقدر أوصلش بيتش.. اعذريني..
بوديش بيتنا.. وعقب خلي سواق البيت يوديش لا جاب مزنة"
همست دانة بألم: خالد أنت قلت إنك بتتجاوز ذا كله..
خالد بحزمه الطبيعي الذي يخفي ألما غير طبيعي بالمرة:
قلت بتجاوز .. بس مابعد تجاوزت..
دانة أنا مالي إلا كل يوم.. من طلقت
أبي لي وقت.. عطوني وقتي..
مايصير الكل يضغط علي كذا..
ترا مشاعر الواحد موب ضغطة زر.. يضغط الزر ينسى كل اللي فات..
تتنهد دانة وهي تتذكر الوضع غير المعقول.. سواء وضع الجازي أو خالد..
الاثنان يحتاجان وقتا لبدء مرحلتهما الجديدة..
والاثنان يجابههما الكل بالضغط عليهما..
همست لخالد بمودة: زين فديتك أنا بعد بكرة بروح العمرة... تبي شيء توصي شيء..
شعر بأنفاسه ثقيلة ثقيلة وهو يهتف بحزم: بتودون الجازي
تسجد سجدة شكر لرب العالمين اللي خلصها من المتوحش؟؟
شعرت دانة بألمها يتزايد وكأن مافيها ليس كافيا.. مشاكلها وتوترها.. ومعاناتها:
خالد يا أختك ذا الحكي كله ماله داعي..
اتفقنا إنه أنت وهي رح تبدون صفحة جديدة..
هتف حينها بوجع عميق عجز عن احتماله وجع جعل قلب دانة يذوي تماما:
الصفحة عيت تنقلب يا أخيش.. عيت..
واقف عندها.. والوقت واقف.. والثواني واقفة..
مافيه شيء يمر..
بموت يا دانة بموت.. حاس إني أختنق بكل معنى الكلمة..
*************************************
الظهر...غدا مساعد لشقيقه شهاب..
كان المجلس الضخم مزدحما على أخره..
كان سعود يجلس بجوار شهاب.. ليحلف عليه أن يكون غداه عنده في الغد.. بينما شهاب كان مصرا على الرفض..
في ذلك الوقت كان جابر ومتعب متجاورين ويتحدثان مع بعضهما..
همس متعب لجابر باهتمام وبصوت خافت: وش صار على موضوع التلفون اللي قلت تبي تعرف صاحبه؟؟
جابر تذكر شجاره مع غالية ورفضها القاطع أن تعطيه الهاتف.. فهتف لمتعب بحزم: بعدين بعطيك إياه.. الحين مهوب عندي..
حينها هتف متعب بنبرة مقصودة: عطني إياه لا جيتك في مجلسك بكرة..
جابر بأريحية: يا حياك الله.. أجل تعشى عندي بكرة..
متعب بذات النبرة المقصودة: إذا جيتك وعطيتني طلبتي اللي أنا جاي لها.. تقهويت وتعشيت بعد..
"تعال تعشى عندي بكرة.. مع متعب"
كان سعود يستوي جالسا بجوار جابر في سيارته، فالاثنان جاءا معا.. والآن جابر سيعيد سعود إلى بيته..
هتف سعود بابتسامة: غريبة وش ذا الدعوة الرسمية؟؟
هز جابر كتفيه بتلقائية: وش دراني عن متعب؟؟.. كلمني برسمية إنه يبي يجيني بكرة..
وله عندي طلبة.. فقلت له تعشى عندي.. قال إني لا جاوبته فيها تقهوى وتعشى..
ارتعش سعود رعشة خفيفة لم تظهر أبدا عليه.. بدا له الأمر غير مريح (طلبة عند جابر.. وعشى وقهوة!!!)
كتم سعود كل مايفكر فيه.. وإن بدأ ذهنه يعمل بسرعة لربط بعض الاحتمالات والعلامات والإشارات...
فهو يعلم بوجود خلاف بين مها ومتعب..
ويعلم أن جابر عنده شقيقة ليست صغيرة في العمر بل عمرها يقارب الخمسة والعشرين عاما..
وكان الربط في ذهنه غير مريح أبدا..أبدا..
ولكن كان في باله شيء واحد.. كان متأكدا منه تماما..
يعرف متعب أكثر من نفسه.. يستحيل أن يفعل متعب شيئا كالذي خطر بباله دون أن يكون هو أول من يبلغه..
يستحيل أن يكون متعب يفكر بالزواج على شقيقته..
وإن كان يفكر فسيكون هو أول من يبلغه..
ومتعب رفيق عمره والعلاقة بينهما أكثر رسوخا من أي شيء..
ركن سعود أفكاره جانبا وهتف بحزم: إن شاء الله بتعشى معكم..بس ماني مطول معكم
أنت داري إني بعد بكرة رايح العمرة إن شاء الله
بعد دقائق كان سعود يدخل إلى البيت وتظهر على وجهه علائم الغضب والتفكير..
حين دخل إلى البيت..
كن سيدات البيت الأربع يجلسن في الصالة السفلية.. والدته وزوجته وشقيقتيه..
دخل وسلّم.. وهو يميل ليقبل رأس والدته.. ويدها..
ثم يشير لمها وهو يهتف بحزم: مها الحقيني غرفتي..
تفاجأت مها وابتلعت ريقها الجاف وهي تهمس بتوتر: إن شاء الله فديتك..
ثم مالت على إذن أختها الجازي وهمست بقلق مرح: هذي الدعوة المريبة ماصارت إلا مرتين
يوم خطبني متعب.. ويوم كان سعود يبي يخطب فاطمة..
وهذي الثالثة الله يستر.. من هي خطبته ذا المرة؟؟
ووقفت مها لتصعد خلف سعود وهي متوترة والأعين تتابعها..
ودانة تشير للجازي بإشارة (وش فيه؟) والجازي ترد بهز كتفيها دلالة الجهل..
مها تشعر في داخلها أن الأمر مرتبط بها وبمتعب.. فليس هناك موضوع معلق غيره..
خصوصا أن متعب أخبرها سابقا أن سعود يعرف أن بينهما شيئا..
مها طرقت باب غرفة سعود ودخلت..
كان يجلس على الأريكة مقابلا للباب.. مازال يجلس بثوبه بعد أن خلع غترته..
ومع ذلك كان شكله أبعد مايكون عن التلقائية والارتياح..
كان جالسا شابكا يديه أمامه.. وعلى وجهه علامات تفكير عميق..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ابتلعت مها ريقها للمرة الثانية.. شعرت أن شكله لا يبشر بالخير..
مع انعقاد ناظريه..
سعود حين انتبه لدخولها هتف لها بحزم: مها تعالي اقعدي..
جلست مها وهي تهتف بتوتر: سعود تراك خضيت بطني.. وش فيه فديتك؟؟
دخل سعود في الموضوع بمباشرته المعروفة الحازمة دون أي مقدمات:
وش بينش وبين متعب؟؟ قولي لي الصدق ولا تدسين شيء؟؟
مها لا تريد أن تتكلم.. وفي ذات الوقت لا تريد أن تكذب على سعود ..
لذا همست بحزم قدر ماسمح لها توترها.. فمازالت في حضرة سعود تشعر كما لو كانت في حضرة والدها:
بيني وبينه خلاف غير قابل للحل..
وهو اللي غلطان عليّ.. غلطان جدا.. وما أقدر أتقبله مرة ثانية..
فــ فـــ فطلبت منه يتزوج..
حينها قفز سعود واقفا.. ومها انكمشت قليلا.. وسعود يصرخ بحزم:
نعم.. عيدي... وش قلتي له؟؟
مها باختناق: اللي سمعته..
سعود يحاول التحكم بغضبه الذي تفجر: ويوم إنه غلط عليش الغلط الكبير اللي خلاش ما عاد تتقبلينه
ما وراش أخ تعرفين زين إنه بيسنع لش الرجّال؟!!
ليه ما علمتيني؟؟
أنتي منتي بأختي.. وهو ولد خالتي ورفيقي..
تشكين إني ماكنت أقدر أحل الموضوع مهما كان غير قابل للحل في نظرش؟!!
مها تنهدت وهي تقف مقابلا لسعود: أرجوك سعود.. موضوع خاص بيني وبين متعب
وحاولنا نحله بيننا ولا انحل..
سعود مازال يحاول كتم غضبه وهو يهتف بنبرة مقصودة: يعني أنتي شايفة إن الحل إنه يتزوج؟؟
مها بإصرار واثق: نعم.. النفس طابت منه..
ولولا بناتي كنت طلبت الطلاق..
سعود بصدمة: طلاق!!
مها بذات الإصرار الواثق: إيه طلاق.. عشان تعرف إن النفس طابت منه صدق
بس مثل ما قلت لك أنا بس عشان بناتي.. أبي يعيشون مع إبيهم..
ومتعب من حقه يكون عنده مرة تقوم بواجباته..
صمت سعود لثوان وهو ينظر لها بتركيز ثم أردف بثقة: أنا مارح أسكت.. لكن مارح أتدخل الحين..
لأنه مافيه مشكلة بين زوجين يكون هذا حلها..
ثم أكمل بنبرة مقصودة: وعلى العموم.. متعب خلاص سمع نصيحتش الثمينة العبقرية لحل مشاكلكم الزوجية..
حـــــيــــنــــها..
حــــيـــــنــــــــــها..
شعرت مها كما لو كانت ضُربت على رأسها وهي تدعي عدم الفهم: وش تقصد؟؟
سعود بذات النبرة المقصودة: متعب خطب.. وأتوقع ملكته وزواجه قريب..
مها جلست.. أو بمعنى أصح انهارت جالسة .. شعرت أن قدميها لا تحملانها..
شعرت بإحساس أشبه بانقلاب المعدة.. وألم مفاجئ قوي يتصاعد من معدتها إلى حجابها الحاجز..
شعرت أنها تريد أن تتقيأ.. وأن الشاي الذي شربته قبل قليل بدأ يطفو في سقف حلقها..
وأن الرؤية أمامها باتت غائمة.. وهي لا تستطيع أن تبصر سعود جيدا..
(ياربي .. وش اللي صار لي؟؟)
لا تفهم حتى ردة فعلها الغريبة!!
وإن كان سيخطب.. أو خطب.. أو تزوج..
ماهي المشكلة؟؟
لماذا تشعر كما لو أن جسدها قد شُطر شطرين.. لماذا تشعر بهذا الصداع الذي يفجر دماغها؟
أ ليس هذا ما أرادته؟؟
(موب أنتي الي قلتي له تزوج.. وماني بطايقتك..
أساسا أنا كنت مستغربة إنه ماخطب حزتها)
سعود بذات النبرة المقصودة: وش فيش؟؟ كنش تضايقتي؟؟
مها تختنق تختنق.. وتشعر أنها ستتقيأ بين لحظة وأخرى وتمنع نفسها..
ومع ذلك همست بحزم قدر ما استطاعت: لا أبد.. كيف أتضايق وأنا أصلا اللي طلبت منه..
وأبركها من ساعة.. جعل ربي يوفقه..
ثم سألت وهي تشيح بوجهها: ومن هي اللي خطبها؟؟ أعرفها؟
سعود بحزم لا يخلو من نبرته المقصودة: ايه تعرفينها.. وحدة من بنات الجماعة.. وأهلها أجواد..
وعمرها جدا مناسب.. أتوقع أصغر منش بسنتين...
وإن شاء الله أنتي وإياها تصيرون خوش ضراير..
همست مها بنبرة ميتة لا تفهمها: طيب من هي؟؟
سعود بحزم: مارح أقول لش الحين.. ولا أبيش تقولين الخبر لأحد.. لين تسمعينه من متعب نفسه..
لم يكن سعود متأكدا مما قاله أبدا..
لكنه أراد أن يقرصها حتى يرى ردة فعلها..
ومايراه في ردة فعلها.. كشف له الكثير.. الــكـــثــيــر..
طبيعة المرأة العصية على الفهم في كثير من الأحيان..
تشعر أنها لا تريده.. لكنها لاترضى أبدا أن تشاركها أخرى فيه..
حتى وإن بدت الفكرة لها بشكلها النظري مقبولة.. وهي من طلبتها وأصرت عليها..
ولكنها حال التطبيق بدت لها بشعة ومرعبة وجارحة.. ومؤلمة.. مؤلمة جدا..
سعود مازال يظن أن متعب يستحيل أن يفعلها دون أن يخبره.. دون أن يسعى معه لحل المشكلة بينه وبين زوجته..
يستحيل أن يكون زواجه على شقيقته.. هو الحل الأول..
لكن كلام جابر عن موعده مع متعب..
فتح له هذا الاحتمال حتى ولو بنسبة قليلة..
لذا وضع كل الاحتمالات في ذهنه..
*************************************
" حبيبتي بثينة ما تبين تجين؟؟ أجي أخذك؟؟"
أجابته بمودة: لا محمد فديتك.. مالحقت أقعد مع شهاب... البارحة تأخر في المجلس.. واليوم غداه في مجلسنا.. وعشاه في مجلس عمي..
أبي أقعد معه شوي بس شوي..
محمد بحماس ومودة: إن شاء الله بواجهه على الغداء أسلم عليه وأعزمه..
بس علميني وش صار البارحة؟؟.. سألتش البارحة.. قلتي لي بعدين أعلمك..
بثينة جلست وهي تهتف بمرح ومودة وتأثر: والله فيلم هندي يا محمد.. فيلم هندي..
البارحة لما كلمتني الجليلة وقالت لي تعالي..
أنت تذكر اللي صار.. أنا استغربت اتصالها والوقت متأخر.. وارتعت وخفت حد منهم فيه شيء.. وجننتك أسرع أسرع.. وقلبي يرقع..
دخلت البيت أركض أركض.. وحالتي حالة.. ونفسي طاير..وسحبت نقابي أتنفس.. وطارت كشتي..
دخلت لقيت أخواني كلهم قاعدين ..وسبحان الله ما انتبهت إنه معهم حد..
بعدين عصبت عليهم.. قلت أنتو مسوين فيني مقلب...
عقب وقف شهاب..
يوم شفت واحد فيهم وقف ودققت من اللي وقف.. فـــــــــورا..أغمي عليّ
محمد قاطعها قلقا ضاحكا: من جدش؟؟ أُغمي عليش؟!
بثينة بابتسامة وشجن: إي والله أغمي علي.. والمشكلة كنت واقفة عند الباب لا حولي حد يمسكني ولا كرسي أطيح عليه نفس الأفلام..
محمد حينها هتف بقلق: فيه شيء يوجعش؟؟
بثينة بذات النبرة الباسمة المثقلة بالشجن: لا فديتك والله مافيني شيء..
المهم أنا طحت عليهم.. طلعت عليهم المفاجأة أكثر من بيع السوق... ابتلشوا فيني..
حد يشيليني.. وحد يرشني بالماي..
وعقب وعيت وأنا في حضن شهاب ساندني وجالس جنبي على الأرض.. أنا شفت نفسي في حضنه..
دفنت نفسي في صدره.. وبكيت بكاء ما بكيته عمري كله..
يا عمري ابتلش فيني.. وكل شوي يقول لي بس يا أخيش..بس..
وشوي يعصب على الجليلة: ويقول ليش ماعلمتيها قبل.. ليش تروعينها؟؟
وشوي يرجع لي: ويقول لي محمد مسوي لش شيء؟؟
محمد ضحك: ياذا ال محمد المسكين.. اخوانش يسوون فيش مقلب.. تحطونها فيني؟!!
بثينة ضحكت: لأنه يقول على ذا البكاء كله أكيد محمد مسوي لش شيء..
ثم انحدر صوتها بحزن وحنين عميق: تدري محمد أنا كنت أعرف إني كنت رح أتأثر برجعته..
بس ماكنت متوقعة إني بنهار كذا..
يوم دخلت وشفته قدامي.. تذكرت إبي رحمة الله عليه.. مات ماعلي لسانه إلا شهاب..
وأنا واجد كنت مرتبطة بإبي.. يوم مات عمري15 سنة وكنت واجد متعلقة فيه.. أميرة ومساعد متعلقين في الجليلة..
والجليلة لاهية فينا وفي البيت.. ماعندها وقت تحك رأسها..
فكانت علاقتي فيه وعلاقته بي غير عن علاقتنا فيهم.. وكنت عارفة وش كثر ينتظر شوفة شهاب.. يوم شفته قدامي انهرت..
تمنيت إبي موجود ويشوفه ويفرح بشوفته..
يوم حضني حسيت بريحة إبي فيه والله حسيت فيها يا محمد.. نفس الريحة..
هتف محمد بتأثر: أفا يا بثينة.. وأنا ماكنت أب وأخ وزوج؟!!
مسحت بثينة دموعها التي حمدت الله أن محمد لا يراها: أنت الدنيا كلها...
بس وجود أخ وأب عزوة وسند ..أرض قوية الواحد يحس نفسه واقف عليها..
******************************
"البنات يدقون علي يبوني أجيهم داخل
أنا بروح لهم.. عاد فيه حد من الرياجيل بيجي؟!!"
مساعد ينظر لساعته ويهتف بحزم: إذا بتروح شوي وترجع.. ماعليه..
فيه رياجيل واجد مكلميني يقولون بيجون..
شهاب يتنهد بجمود: ماعليه شوي وأرجع عليك.. بس أسمح خاطر البنات شوي..
المشكلة معظم ذا الرياجيل اللي جايين ماعرفهم أو ما أتذكرهم..
حتى رجال أختك بثينة كم مرة يذكرني إنه رجالها.. ويحلف ويعزم
وأنا ما أتذكره كلش..
أخر مرة شفته يمكن عمره 12 سنة..
ثم أردف باهتمام: هو أشلونه مع بثينة؟؟
مساعد بتلقائية: محمد رجال والنعم.. باقي يحطها فوق رأسه..
شهاب بحزمه الغريب: خله لين أقعد معه.. عشان أعرفه زين.. وأبخسه.. (أبخسه=أعرفه حق المعرفة)
مساعد باستغراب: ليش تقول كذا؟؟
تنهد شهاب بثقة بالغة: مساعد يا أخيك.. لما تقضي 17 سنة في السجن.. يكون عندك وقت طويل.. طويل تدرس الناس من ملامحهم .. كلامهم.. ردات فعلهم..
الناس كانت تقضي محكومياتها سنة سنتين خمس.. ويطلعون وأنا جالس..
أنا صرت أعرف البريء من المجرم من أول يومين يقضيهم معنا في السجن...
أنا ما أقول محمد نفسه فيه شيء... أقول لك بس إني مابعد قعدت معه ولا عرفته..
*****************************
"مها اشفيش؟؟.. من يوم تكلمتي مع سعود وأنتي سكتم بكتم
حتى بناتش يحاكونش ماتردين عليهم"
كانت الجازي تهز مها بعنف وهي تكلمها حتى ترد عليها.. مها استفاقت وهمست بعدم انتباه:
بناتي؟!! يحاكوني؟!
وينهم؟!
الجازي باستغراب: اللي ماخذ عقلش!! بناتش خذتهم دانة..
قاعدين معها في الصالة اللي تحت..
مها وش فيش؟؟ سعود وش قال لش؟؟
مها تنهدت ثم همست بحزم: قال شيء بيني وبينه.. موب لازم أنتي تعرفينه..
الجازي بدهشة وعتب: مها تدسين علي؟؟
مها بغضب: لا حول ولا قوة إلا بالله... يا أختي أنتي لو قلتي لي سر.. تبيني أروح أقوله؟؟
الجازي بدهشة أعظم: منتي ب صاحية.. وش فيش تنافخين؟!
مها بتأفف: الجويزي ترا موب طايقة روحي.. فلا تخليني أنفس عليش!!
الجازي باستغراب متزايد: ليه يعني أنتي الحين موب منفسة ونص.. باقي تأكليني بقشوري...
مها حينها وقفت وهي تهمس بذات التأفف: بروح لبناتي أحسن من تحقيق الانتربول ذا...
الجازي شيعتها بأنظارها بذات الاستغراب.. ثم تنهدت وهي تراها تغادر وتغلق باب الغرفة ورآها..
(هذي الحين جاية عشان تأزرني..
وهي تبي حد يأزرها!!)
تناولت هاتفها وهي مازالت تطلق تنهيداتها.. كي ترسل رسالة مؤجلة من وقت طلاقها قبل أيام
(غالية .. أنا بعد بكرة رايحة عمرة سيري علي بكرة)
(مابغيتي يا حيوانة..
كم يوم أطارد وراش لين حنيتي علي)
(تعرفين زين أسبابي!!)
(أسبابش بليها واشربي ماها..
لا جيتش تفاهمنا)
بينما مها التي غادرت متوجهة إلى بناتها .. لم تتوجه لهم.. بل جلست في الصالة العلوية
تشعر أن جسدها خال من الطاقة..
قنبلة سعود التي فجرها فيها استنزفت طاقتها للحد الأقصى
تحمد الله أنها كانت في بيت أهلها..
لو كان سعود قال لها وهي في بيتها عند متعب.. لا تعرف كيف ستكون ردة فعلها؟
كان مظهرها ليكون غبيا ومحرجا أمامه..
ثــــــــم...
فجأة لمعت الفكرة في رأسها..
( يا النذل..
عشان كذا يوم قلت له بأروح بيت هلي
كنه العيد عنده..
أثره ناوي.. وأنا عطيته الفرصة باردة مبردة
يا من يمسكني رقبتك يا متعب
أدقها دق!!)
حتى هي عاجزة عن فهم نفسها.. عاجزة عن فهم هذه الفوضى والتناقض والغرابة..
(مها.. أنتي خبلة وإلا معش لوثة في مخش؟!!
موب أنتي اللي قلتي له
أرجاك روح أعرس موب طايقتك
وعدتيها عليه كم مرة..
ورفضتي أي حل ثاني
وش ذا الخبال اللي جاش يوم دريتي إنه بيعرس خلاص؟!!
ليه حاسة بنار تأكل كل شيء فيني؟!!
متعب مع وحدة ثانية!!
وحدة ثانية!!)
******************************
"شهاب فديتك خلني أصب لك فنجال بعد"
شهاب ابتسم بجموده المعتاد: حي ذا العين من قهوتنا.. شكرت يا أخيش.. أحس بطني صار كنه قربة من القهوة..
وأنتم مابقى قدوع ولا حلويات ولا فطاير ماحطيتوها.. وأنا عاد وراي عشاء في مجلس عمي..
تعالي اقعدي جنبي بس..
بثينة توجهت لتجلس في المكان الخالي جوار شهاب الذي كانت الجليلة تجلس جواره من الناحية الأخرى وتبتسم بمودة عميقة:
والله إنك ماذقت شيء فديتك..
في الوقت الذي قاطعتها بثينة بقلق: يمكن اللي سويناه موب عاجبك.. عادي.. قل لي وش مشتهي وأسوي لك..
في حين همست الجليلة بشجن مؤلم: شهاب تراني أعرف طبخات أمي كلها وبنفس طريقتها..
إذا مشتهي شيء كانت تسويه رحمة الله عليها..طالبتك تقول لي..
حينها اعترى ملامحه جمود مؤلم وهو يهتف: والله ما أبي شيء.. أبي اقعد معكم شوي وأروح للرياجيل..
مساعد يقول لي فيه رياجيل مكلمينه يبون يسلمون علي.. وقدهم على وصول..
بثينة بتأفف: ترا ماقعدت معك شهاب.. كل خمس دقايق داعينك للمجلس..
حينها ربت شهاب على خدها.. وهتف بحنوه الغريب الجامد بنبرة مثقلة بالشجن: ماعليه يا أخيش.. قدامنا عمر أوعدكم أعوضكم فيه..
ثم التفت لمن تجلس في زاويتها البعيدة صامتة وهتف بذات الحنو: أميرة ليه قاعدة بعيد.. اقربي..
هتفت بخجل مغلف بنبرة غريبة: مالي مكان..
الجليلة وقفت وهي تهتف بحزم: تعالي اقعدي مكاني.. أنا رايحة المطبخ.. أرتب فوالة للمجلس..
أميرة وقفت بتردد وشهاب يشير للمكان الخالي جواره الذي تركته الجليلة للتو..
جلست أميرة فيه وهي تشعر بعدم الارتياح المختلط بالخجل..
شهاب احتضن كتفيها بحنو بالغ وهتف في إذنها بنبرة مقصودة :
ترا غلا الجليلة وبثينة غلا خوات..
لكن غلاش أنتي غير..
أنتي غلاش غلا أخت وبنت.. لا تنسين ذا الشيء أبدا..
.
.
مع مغادرة الجليلة كان هاتفها يرن..
التقطت الهاتف وهي تهمس فيه بمودة عميقة: يا حيا الله الشعب الأمريكي العتيد..
جاءها صوت صيتة كعادته عذبا حنونا بمسحة حزن لا تخفى:
الحمدالله على سلامة أبوطالب..قرت عينش يا جيلو.. قرت عينش..
ما تمنيت شيء كثر إني أكون جنبش ذا اللحظة..
ابتسمت الجليلة وهي تدخل المطبخ: بشوفة نبيش.. والله يسلمش
وأنا والله تمنيت تكونين جنبي.. وتحسين بسعادتي ..
وأخيرا ياصيتة شهاب في الدوحة.. تتخيلين..
عقب ذا السنين كلها رجع لبيته وهله..
وعقبال ما نشوفش هنا حولنا وحوالينا..
صيتة انحدر صوتها بألم: الله كريم... تتحسن حالة عبود ونقدر نرجع..
الجليلة بذات المودة: إن شاء الله بيتحسن وترجعون..
أخبارش مع فهدة؟؟
أمس أكلمش وأنتو في السوق.. وشكلها موب راضية..وتتلحطم...
تنهدت صيتة: شخصيتها صعبة جدا يا جيلو.. ورأسها قوي.. وأنا ما أقدر أمارس دور التربية..ولا فيه وقت أمارسه..
كلها كم يوم يا دوب أستمتع بوجودها جنبي.. هذا إذا خلتني أستمتع أصلا وهي تبعدني وتقط علي كلام كل كلمة أكبر من الثانية..
ولا ألومها.. ألوم نفسي بس..
هي مجرد طفلة انحرمت من أمها..
ثم أردفت بوجع عميق: وبكرة بيرجعون.. وقاعدة أحاول أغلف أعصابي بالصبر قد ما أقدر..
أحس ماعاد فيني طاقة أتحمل..
وإني ممكن انجلط بكرة ..
*********************************
واشنطن قبل ست سنوات ونصف..
"غزيّل.. غزيّل.. يا الله.. وش تسوين في الحمام ذا كله؟!"
كانت صيتة تطرق باب حمام غرفة عبدالله في المستشفى.. الذي دخلت فيه أم عبدالله من عشر دقائق..
جاءها صوتها المكتوم من خلف الباب: شوي صيوت جايتش..
حينها عادت إلى عبدالله وابنتها التي تلعب قريبا من سريره.. أزالت الغطاء عن قدميه.. وهي تفحصها..
تنهدت بألم.. كانت حالته لا تتحسن.. مع كل الإمكانيات المتوفرة.. بات أقصى أمنياتهم ألا تتدهور حالته فقط..
كانت صيتة في مراحل تدريبها الأخيرة على المعالجة الفيزيائية.. في تخصص الأطفال بالذات.. لذلك ماتراه في عبدالله كان جارحا لها بعمق..
كانت تتفهم وضعه جيدا.. وترا أن فرص التحسن شبه معدومة..
كانت مازالت تتحسس قدميه وتثنيها قليلا حين خرجت غزيّل.. أعادت الغطاء على قدميه بسرعة.. همست غزيّل التي كان وجهها مازال محمرا:
أدري إن وضع أرجيله مهوب زين كلش.. مافيه داعي تدسين علي!!
صيتة بصدمة وهي تنظر لوجه غزيّل: غزيّل أنتي كنتي مسكرة على روحش في الحمام تبكين؟؟
غزيل تخفي وجهها وتهمس: لا ما أبكي يا بنت الحلال..
صيتة شدتها وجلست وأجلستها جوارها وهمست لها بحنان: غزيّل إذا ما بكيتي عندي.. عند من بتبكين..؟؟
احنا صديقات من أيام المدرسة.. أعرفش وأنتي دقماء وقبل يصير عندش شعر.. (دقماء: بدون أسنان)
حينها انفجرت غزيّل في البكاء مرة أخرى.. وكأنها تحتاج هذه الدعوة.. كانت تهذي بين شهقاتها:
أنا ماعندي خوات... وأخواني في قطر..
وأبوعبدالله ماعنده إلا سند..
ولا نقدر نرجع الدوحة مع وضع عبود..
وتقولين لي الحين إنش مع نهاية ذا الفصل بتخلصين وترجعين الدوحة..
وماكان مهون علي ذا السنتين إلا إنتي..
وأحاتي عبود.. ومضغوطة من كل صوب..
صيتة شعرت بحزن غزيل يتسرب لها.. همست لها بمؤازرة: غزيّل يا حبيبتي..
والله بجي أزورش..
غزيل بحزن عميق: بترجعين وتنشغلين ولا ألومش..
ثم أردفت بحزن أعمق واعمق: تعبت يا صيتة تعبت..ودي أرجع ديرتي..
ودي أخذ ولدي ونرجع.. مهما كان الواحد في ديرته غير.. تعبت من الوحدة والغربة..
صيتة كأنها تكلم نفسها : ماحد يقدر يهرب من ضغوطاته ولا أحزانه..
وراه في كل ديرة ومكان بيروحه..
هذا أنا جيت هنا مع تركي.. أحسب إني بالدراسة وتغيير المكان بقدر أتجاوز صدمة موت صقر قدامي..وبنتي في يدي عمرها سنة..
ولا قدرت.. ولا أظني في يوم بقدر.. حسرته بتقعد في روحي لين أجتمع أنا وإياه..
***************************
"غريبة توش جايبة البنات معش أمس
وجبتيهم اليوم بعد.."
تبتسم دانة وهي تعدل جلسة غلا أصغر بنات مها على قدميها: مها تعبانة شوي ورأسها يوجعها وماطلعت من غرفتها..
والبنات ضايقين.. قلت بطلعهم.. هم اللي قالوا يبون يجونكم..
مزنة تطعم نورة الوسطى بين البنات وهي تهمس بحنو: إي والله مسوية خير.. تسوين جو في بيتنا ..
إبي الحين إذا جاء بيتسانس عليهم.. ورويم بتطلع اللي وراه من السوالف والقصص..
حينها همست دانة بقلق: إبي أخبار صحته الحين؟؟
مزنة بقلق مشابه: موب زين يا دانة.. وهو مصر إنه مافيه شيء..
ثم أردفت برجاء: أنتي عنده غير.. حاولي فيه يروح المستشفى أنا وخالد نشف لساننا معه..
دانة بذات القلق: وقالش إني ماطلبت منه وألحيت.. أنا حتى موعد سويت له.. وانتظرت في المستشفى أحسب إنه بيجيني..
تخيلي ما جاء..
"يه يه يه.. وش ذا الزين اللي عندنا في البيت؟!!
أميرات متعب عندنا"
البنات حين رأين خالد ركضن له.. حتى صغراهن ذات العامين تهادت إليها بسمنتها اللطيفة..
حملها خالد وهو يغمر وجهها بالقبلات ويهتف لدانة بمرح:
يا دكتورة قولي لمها تخف على غلاوي... كسرت ظهري..
دانة تضحك: والله قلت لها.. تقول المتن عليها يهبل..
خالد يقرص خدها ويهتف بمودة: أما يجنن يجنن..
وين خداماتهم بوديهم البقالة؟؟
دانة برفض: توك تقول خلي مها تخف عليهم.. أنت خف عليهم.. موب معقول كل مرة لازم توديهم..
خالد يسحبهم معه.. ويشير للخادمتين أن تتبعاه.. ويهتف برفض: موب شغلش.. موب حبتين ذا الحلاوة اللي بتذبحهم..
حين خرج خالد... مزنة التفتت لدانة وهمست بخفوت: تسأليني عن إبيش... وأنا بسألش عن خالد..
أشلون خالد؟؟
تنهدت دانة بحزن: خالد رجّال.. والحياة لازم تمشي..
******************************
اليوم التالي..
" غريبة جاية الجامعة بدون الجليلة..
بنكتبها في التاريخ"
أميرة بتأفف: حتى أمس جيت بروحي..الجليلة لاصقة في شهاب..
اليوم مصر إنه يروح الكبرة يشتري الخضرة وثم يشتري ميرة البيت كلها بنفسه..
وهو أساسا مايدل شيء.. ولا يعرف وش يشتري.. راحت معه الجليلة عشان تدله الأماكن.. ويتشرون سوا..
زين إنه عاده متذكر كيف يسوق؟؟
حينها أشرق وجه ضي: إيه ماباركت لش فيس تو فيس.. باركت لكم بالتلفون بس..
الحمدالله على سلامة أخيكم..
قرت عينكم..
أميرة ابتسمت بتلقائية: الله يبارك فيش..
ضي بنبرة مقصودة: ليه أحسش موب مبسوطة.. وتتلحطمين..
أميرة بحزن: الجليلة لهت عني مرة وحدة.. تخيلي يومين ما حتى قعدت معها نص ساعة
مشغولة بشهاب بس..
وصار لها يومين ماحضرت المحاضرات..
تخيلي مساعد يوصلني.. عشان تقعد مع شهاب..
الاثنين قايمين من فجر.. ومن صلاة الفجر وروسهم في روس بعض..
وش يقولون ذا كله ما أعرف.. الكلام بينهم ما يوقف.. وبثينة معهم على الخط..
وأنا أستحي أقعد معهم.. موب متعودة على شهاب وأستحي منه..
مع إنه والله لطيف ويحبني.. بس أنا ما تعودت عليه..
أحسه شخص غريب.. وحتى شخصيته غريبة غير مفهومة..
حنون وجامد في نفس الوقت.. وفيه شيء يخوف..
ابتسمت ضي: ما عليش.. الدم يحن... كلها كم يوم وتصيرين تهذرين به نفس الجليلة..
ويا أختي أحسن عشان تفكين من الجليلة شوي..
ثم أردفت وهي تنظر لساعتها: غريبة باقي دقيقة وتبدأ المحاضرة والإمبريالي ماوصل..
مع انتهاء عبارتها كان فرات يدخل إلى القاعة ملقيا التحية.. وأميرة تهمس لضي بمرح خافت: يضبطون عليه الساعة..
ضي بخفوت باسم: عطيه عين.. ابطحيه في القاعة الحين..
فُرات حين دخل.. فورا توجهت عينه إلى حيث تجلس الجليلة.. كان مكانها فارغا..
توقع أنها قد تكون غيرت مكانها..
ولكن حين نادى أسماء الحضور كانت متغيبة مع أن أختها حاضرة..
هتف بسخرية في داخله
(وش متوقع منها؟
عــــربـــيــــة!!
عاطفية.. وعقلها ناقص..
وخذت الموضوع بشكل شخصي..
كلهم سواء مهما كانت ثقافتها أو اطلاعها
مهما تحسن الظن في وحدة
التجربة تثبت لك إنها نفس الطينة الرديئة)
***************************
(لف يمين فديتك..
فديتك يمين..
تعدينا اللفة خلاص..
عادي فديتك.. فيه دخلة ثانية..
قدام شوي)
شهاب يركز النظر أمامه ويهتف بحزم لا يخلو من حزن:
كل شيء تغير علي يا أخيش.. الدوحة كلها تغيرت
عــــمـــــر.. 17 سنة مرت..
ابتسمت الجليلة: بس الكبرة في مكانها.. أنت اللي مضيع..
وصلا للمكان بعد عدة توجيهات من الجليلة.. كان شهاب يوقف السيارة وهو يهتف للجليلة بحزم: جليلة أنا ما أبي أكون مستعجل في رسم تصورات معينة..
أنا توني مالي يومين في قطر..
بس اللي لاحظته إنه تعلق أميرة فيش مهوب طبيعي... ومساعد أكد لي ذا الكلام بعد..
وقال فعلا إنها متعلقة فيش تعلق مرضي..
تنهدت الجليلة بمودة: ماعليه شهاب فديتك لا تشغل بالك الحين.. بنتكلم بعدين فيه..
الحين احنا عندنا مهمة ندلك الكبرة..
ونتشرى ميرة البيت..
كان شهاب ينزل من السيارة وهو يهتف: موب بعدين إذا رجعنا البيت تكلمنا..
ثم أردف بحنين عميق موجوع وهو ينظر حوله: أخر مرة جيت هنا..
كنت جايب أمي.. المكان موجود.. وأمي راحت.. راحت..
***********************************
"صيتة الله يهداش..
وش ذا البكاء كله؟!!
قطعتي قلبي.."
صيتة مازالت تنتحب بشفافية وهي تنظر لتركي وجواره فهدة التي تشيح نظرها عن والدتها بجمود..
ومن ثم تنقل نظرها إلى حقائبهم المرتبة بجوار الباب كأنها أعمدة مشانق تشنق روحها..
تشعر أنها ستموت فعليا وهي ترى فهدة تغادرها.. وهي مازالت لم تشبع حتى من تنفس رائحتها..
تركي يقوم من مكانه ليجلس جوارها ويحتضن كتفيها لتستدير وتدفن وجهها في صدره وهي مازالت تنتحب بخفوت..
تركي احتضنها وهمس في إذنها بحنو: صيتة تعالي لنا لو أسبوع وارجعي..
صيتة همست في إذنه بخفوت وروحها تشعر كما لو كانت أرض معركة محترقة:
وعبود يا تركي.. عبود.. وصية غزيل لي وهي تموت..
أنت داري إنها حلفتني ما أطلع من ديرة هو فيها.. ولا أخليه بروحه..
ثم أنّت أنينا موجوعا.. أنينا يسلب روحها سلبا: كسرت ظهري يا أختك بوصيتها..
كسرت ظهري!!
وين ألقي وجهي؟؟ وين ألقيه؟؟
************************************
"يا حيا الله الشباب..
وش ذا الساعة المباركة؟!"
سعود يبتسم: اللي يشوف ذا الترحيب يقول إنك مستغرب منا.. توك شايفنا البارحة..
جابر يضحك: وش أسوي بمتعب حسسني فيه شيء رسمي.. عشان كذا أرحب فيكم بشكل رسمي..
سعود نقل بصره إلى متعب.. كان يحاول دراسة ملامحه.. ويستشف منه الأمر الذي دفعه لهذا الأمر المريب..
وكان متعب معقود الناظرين..وهو يهتف لجابر بحزم:
وأنا فعلا جايك بشكل رسمي..
وأتمنى إنك ما تردني..
**************************
مضت ساعة منذ وصولها..
وهي تجلس على ذات المقعد .. مغلفة بالجمود..
وتمسح بين الحين والآخر دمعات تحاول كتمها بشدة..
رغم أن وجهها المتفجر بالاحمرار لا يمكن إخفائه ولا كتمه..
كانت تمسح دموعها بسرعة وتظن أنه لا ينتبه لها..
لأنها تراه منشغل بكتاب يقرأه.. ولا تعلم أنه اتخذ الكتاب ذريعة لمراقبتها..
كان الألم بداخله يتسع.. ويتسع..ويــــتـــــســــع..
حزنها ينحره من الوريد إلى الوريد..
يتمنى لو كان بيده وسيلة يستطيع بها أن يخفف عنها ولو قليلا..
طلب منها أن تعود مع تركي وفهدة.. وإنه سيأخذ إجازة وسيتفرغ لعبود بشكل كامل..
ولكنها رفضت..
يشعر أنه أناني وزوجة شقيقه الراحلة أنانية.. وهما يقيدان حياة هذه المسكينة بهم ولهم..
حياتها كلها أصبحت تدور حولهم.. رغما عنها..
فقدت كل شيء تحبه تنفيذا لوصية الراحلة.. وفاء بأمانة تنوء بها ظهور الجبال وهاهي تحملها صامتة.. دون أن تشتكي أو تتذمر..
كانت في داخلها مطمئنة أن الله لن يخذلها لأنها قامت بهذا اليتيم المريض وحافظت على وصية صديقتها الأخيرة وهي تموت..
ولكنها كانت تخشى من خذلان البشر..
والكل خذلها.. حتى أقرب البشر.. أمها وأبوها..
تذوي اشتياقا لهم.. والكل يجابهها بالقسوة.. وكأنهم يريدون معاقبتها على ذنب لم ترتكبه..
يعاقبونها على أنها كانت أكثر وفاء مما يلزم في رأيهم..
يريدون منها أن تخون الأمانة والوصية..
وهي لا تستطيع لا تستطيع..
كيف تستطيع التعايش مع الحياة لو فعلتها.. كيف تعود لهم وهو هناك (أمانتها) خلفها؟؟
هـــــو..
في زاويته وينظر لها في زاويتها .. كانا قريبان.. بـــعــيــــدان..
بينهما سرير عبدالله كأنه المحيط.. ضخامة وابتعادا ومسافةً..
كان سيموت كي يحتضنها.. يحتضنها فقط..
ولكنه من تجارب سابقة.. يعرف أنها لن تقبل..
ست سنوات مضت من زواجهما.. لم يتقابلا فيها إلا داخل هذه الغرفة
إن كان هو في البيت أو العمل.. فهي ستكون في المستشفى..
وهي لن تعود للبيت إلا إن كان هو في المستشفى..
علاقتهما يعجز عن وصفها... بالتأكيد صديقان عزيزان..
ولكنهما صديقان بينهما الكثير من الحواجز..
فحتى الصديق يستطيع احتضان صديقه او الإمساك بيده..
لكنه لا يستطيع.. ولا يجرؤ.. بعد محاولاته التي صدتها في عامهما الأول..
وهو يخشى من كل شيء قد يضايقها.. أو يحزنها..
يعلم أنها وافقت على الزواج منه مجبرة بعد وفاة شقيقه وزوجته في حادث السيارة إياه قبل ست سنوات..
حينها كانت من قالت لتركي: قل لسند إني موافقة عليه..
في ذلك اليوم كانت هي من بقيت عند عبود الصغير.. بينما غزيّل وزوجها كانا متوجهان للسفارة لتجديد جوازات السفر..
تذكر ذلك اليوم وتفاصيله مؤلم له ولها..
هو فقد شقيقه الوحيد.. وهي فقدت حياتها كلها..
ينظر الآن إليها.. ويعلم مقدار الحزن والفجيعة والفقد في داخلها.. وابنتها تغادرها..
بعد عامين لم تراها فيهما..
ولا تعلم متى ستراها مرة أخرى..
يعلم أنها تحمل في داخلها من الحزن والوجع ما يكفي الكون بأسره..
يود لو استطاع أن يقف على ركبتيه أمامها وهي جالسة في زاويتها تلك..
ليغمر وجهها بقبلاته.. ويخبرها كم هي عظيمة!! ونادرة!!
وكم هو يحبها!!
وكم هو سعيد لأن الله استجاب دعواته أن تكون من نصيبه!!
يريد أن يخفف عنها.. ويجعلها تسكب بعض وجيعتها بين أضلاعه..
ولكن التمنيات أكبر من الاحتمالات والمتوقع..
+
مضت ساعة أخرى.. وهما جالسان وصامتان..
والأفكار والأحزان واليأس والأمل تعصف بكليهما..
حـــــيـــنـــــها..
وقف سند متوجها لها..
"يا حيا الله الشباب..
وش ذا الساعة المباركة؟!"
سعود يبتسم: اللي يشوف ذا الترحيب يقول إنك مستغرب منا.. توك شايفنا البارحة..
(مستغرب هنا ليست بمعنى مندهش بل معناها رأيتنا بعد غربة)
جابر يضحك: وش أسوي بمتعب حسسني فيه شيء رسمي.. عشان كذا أرحب فيكم بشكل رسمي..
سعود نقل بصره إلى متعب.. كان يحاول دراسة ملامحه.. ويستشف منه الأمر الذي دفعه لهذا الأمر المريب..
وكان متعب معقود الناظرين..وهو يهتف لجابر بحزم:
وأنا فعلا جايك بشكل رسمي..
وأتمنى إنك ما تردني..
جابر بمرح لا يخلو من التوتر: متعب تراك لعبت في أعصابي.. من أمس أفكر وش اللي أنت تبيه مني..
متعب تنهد ثم هتف بحزم: أنا أعرف إنك ترفض رفض قاطع تكلم حضرة اللواء في أي موضوع يخص شغله السابق..
بس ماعليه ذا المرة عشاني.. كلمه.. تكفى يا جابر..
والله إن الموضوع بسيط جدا بالنسبة له..
تغير وجه جابر تغيرا كبيرا وهو يهتف بحرج وحزم:
متعب أنت وسعود أقرب لي من أخواني..
ولو تبون روحي عطيتكم إياه بدون ما أفكر..
لكن أنت عارف إنه خالي جبران مايحب حد يذكره بشغله قبل أبد..
خصوصا إنه متقاعد من أكثر من ١٠ سنين..
متعب برجاء أخوي حازم: جابر طالبك تكلمه لي.. حضرة اللواء جبران من أكبر القادة السابقين..
وقائدنا الحالي موقف ترقيتي صار له 6 شهور.. وهو من تلاميذ حضرة اللواء..
أنا ما أطلب شيء مخالف ولا ضد القانون.. أنا أطالب بحقي..
أعرف إنه تلفون من حضرة اللواء.. بيخليه غصبا عنه يمشي ترقيتي..
هو موقفها عناد بس..
لكن لا كلمه حضرة اللواء بينحرج..و مارح يرده..
والله إني ماكلمتك.. إلا عقب ماجربت كل الطرق الأخرى.. ولا شيء فاد..
كان سعود يستمع للحوار الدائر وهو يتنفس الصعداء... نفس عميق من الراحة تصاعد في داخله..
أن متعب يستحيل أن يخذل شقيقته أو يخذله..
وأن كل ماخطر بباله لم يكن له نصيب من الصواب..
وأن متعب هو متعب كما يعرفه حق المعرفة..
وبعد الراحة تلك قرر سعود مساندة متعب كما يُفترض منه وهو يهتف بحزم:
جابر إذا مستحي تكلم حضرة اللواء.. كلمناه..
بس حن ما نبي نتعدى عليك..
لأنه نعرف إنك ماتحب حد يكلمه بشكل مباشر..
ترا كل السالفة تلفون.. متعب ماطلب شيء كايد..
تنهد جابر بحزم: أنا مستحيل أفرض على خالي يكلم من ومن اللي يكلمه..
خصوصا واحد في عمره ومكانته..
أنا بس حانّكم وحانّه.. (حانّكم: مشفق عليكم، حانّه: مشفق عليه)
على العموم هو على وصول عشان يتعشى معنا..
كلموه بنفسكم.. أنا مارح أتدخل.. كني ما أعرف شيء..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
******************************
مضت ساعة أخرى.. وهما جالسان وصامتان..
والأفكار والأحزان واليأس والأمل تعصف بكليهما..
حـــــيـــنـــــها..
وقف سند متوجها لها..
صيتة لم تنتبه له حتى شعرت بجلوسه أمامها على ركبة واحدة.. صيتة تأخرت بحرج وهي تمسح وجهها..
وكأنها تمسح غلالة حزنها.. بقايا أشجانها.. انكسارات روحها..
ملوحة دمعها.. خطوط دموعها التي شقت لها طرقات.. وبنت مدنا ومجاهل على صفحة وجهها الندي..
همست بحرج: السموحة سند..
والله مو قصدي أسفهك (=أتجاهلك) وأنا ساكتة ذا كله
أنا آسفة..
سند مد كفيه ليثبت كفيها على مسندي الكرسي..
واقترب منها رويدا رويدا حتى ألصق خده بخدها... كان يرتعش رغما عنه..
قربها يسكره.. رائحتها تسكره.. شعوره بذبذبات جسدها قريبة كهذا يسكره...
قرّب شفتيه من إذنها وهمس في داخل إذنها بخفوت حتى لا تتبين انقطاع أنفاسه الناتج عن ارتفاع دقات قلبه وصخبها:
أبي أعرف أنتي ليه شايفة لكل الناس حق عليش؟؟
ليش تعتذرين عن ذنب ما سويتيه؟؟
وليش إذا أنتي حزينة ومتضايقة ما تسمحين لي أكون جنبش وأشيل معش؟؟
ليه تبعديني كذا؟ ليه؟!
صيتة دفعت مقعدها للخلف.. وخلصت يديها من يديه.. لتبعد مدى خدها عن خده..
لتتسع المسافة بينهما... دون أن تعلق أو تتكلم..
حينها شعر سند ببرودة لاسعة تحتاجه.. كأنه ضربته عاصفة جليدية بشكل مفاجئ..
وهو من كان يشعر بحرارة لاهبة لذيذة تشوي جوفه وتنعشه في ذات الوقت
انتقل من النقيض إلى النقيض دون مقدمات.. اُنتزع من عوالم سماوية.. لتُدك عظامه دكا..
وهو من كان للتو يتنفس عبقها من قرب.. وكل مافيه يستحثه للمزيد ...
كان يتمنى بكل وجع روحه أن لا تخذله وتبتعد.. تمنى أن تروي بعض ضما روحه العطشة..
فقط ببقائها هكذا قريبة.. لا يطالبها بأي شيء أكثر من الثبات على وضعهما الحالي..
خده بخدها.. يتنفسها من قرب..
ولكنها ابتعدت.. قذفت به من سماواته.. لقسوة أرضها..
لم يعتب أبدا عليها... فهي لو لم تفعل ذلك لن تكون صيتة التي يعرفها.
تنهد سند بكل ذلك اليأس الذي يبدو أن لا بارقة أمل فيه..
وهو يقف ويجلس على مقعد قريب منها ويهتف بحزم رغم أن داخله ينهار:
صيتة أنا بحجز لش ترجعين الدوحة.. على أقرب رحلة...
تنهدت صيتة بحزم رغم أن ما بداخلها ينهار أيضا:
لا تحجز.. بتروح التذكرة عليك خسارة
عبود مارح أخليه وراي
ولا رح أركب طيارة إلا هو قدامي فيها...
سند أنا خسرت كل شيء عشان عبود...
وخسرت كل معاركي في الحياة عشانه..
مارح أخسر معركتي الأخيرة اللي أخوضها الحين عشانه..
عبود بيتحسن قريب إن شاء الله.. ونرجع أنا وإياه لقطر..
لم يفت سند الموجوع أنها قالت (أنا وإياه)
هـــــــو لم يكن له وجود في الصورة..
تبدو كل مفارق الطرق بينهما: فـــــــراق
في واشنطن.. في الدوحة..
في وجود عبود.. في عدم وجوده..
لا تكتمل الصورة بهما معا!!
***************************
"فهدة حبيبتي..
ترا مافيها شيء إذا بكيتي..
ترا حتى أنا أبكي أحيان.. البكاء موب عيب ولا حرام"
فهدة بجمود شرس تخفي خلفه بحيرتان من الدمع تتأهبان للانسكاب:
تبي أنت تبكي كيفك.. أنا ما أبي..
تركي بحنان عميق: زين بأبكي أنا وإياش..
تنهدت فهدة وعبراتها تخنقها : خالي عمري ماشفتك تبكي.. وأحس إنك ماتعرف تبكي...
ابتسم تركي بحنان: جربيني.. يمكن تعلمت..
حينها هتفت بحزن عميق: ظنك أمي زعلانة علي؟!!
تركي بمودة عميقة: أمش ماتزعل من أحد.. عشان تزعل منش..
أردفت بحزن أعمق: بس أنا زعلانة عليها.. أنا والله أحبها وأحب عمي سند.. وأحب عبودي.. وكنت مبسوطة معهم.. ليه رجعتني؟؟ ليه؟؟
تركي بألم: حبيبتي فهدة يعني ما تذكرين اللي صار؟؟ ترا ماعاد باقي إلا يأخذونش منا..
كل يوم ناطين عند صيتة في المستشفى وإلا عندي في البيت..
أمش كانت مرعوبة ماتنام الليل ...بتموت من الخوف عليش..
فهدة بعناد وصوتها تتغرغر: كان خلتهم يأخذوني أحسن..
وش ذا الحياة البيض؟؟ الحياة الزفت؟؟
ثم أدارت وجهها للنافذة وهي تخفي وجهها فيها..حزنها اخترم روح تركي..
وهو يمنحها المساحة التي تحتاجها دون أن يحرجها..
كيف تحتمل هذه الصغيرة كل هذا الحزن؟؟
وكيف يُكتب عليه أن يكون دائما في قلب المعمعة قديما وحاليا
تنهد تركي بوجع.. وهو يستعيد ماحدث قبل 4 سنوات..
وكان سببا رئيسيا في استعجال صيتة في إرجاع فهدة إلى الدوحة..
أعاده من تفكيره الذي استغرق وقتا طويلا صوت فهدة تهمس بعد أن تماسكت..
كي تظهر نفسها بمظهر عدم المهتمة: خالي بدل منت تبيني أبكي.. وتبكي معي
ليه ما تبكي مع الهنوف؟؟ موب هي
زوجتك؟؟
اسم الهنوف أشعل كل مجسات الاستشعار في جسده وعقله وتفكيره وروحه وهو يهتف بدهشة: وليه أبكي مع الهنوف؟؟
فهدة بعدم الاهتمام الذي تقصد به إظهار نفسها قوية: لأنها 24 ساعة تبكي..
تركي استدار بجسده كاملا لفهدة وهو يهتف بجزع: كيف 24 ساعة تبكي؟!!
فهدة بذات عدم الاهتمام: كيف (كيف تبكي؟).. تبكي: تصيح وتطلع دموع وتدس وجهها في المخدة.. يعني تبكي مثل أي حد يبكي..
جزع تركي يتزايد: مو كأنش تبالغين شوي..؟!!
كان تركي يعلم يقينا أن الهنوف تتسربل حزنا يكسيها من رأسها لقدميها..
وأنها لابد ستبكي من وقت لآخر.. لكنه لم يتخيل أن هذا الحزن يُترجم إلى بكاء صريح ومتكرر ومستمر..
لا يعلم بدت له الهنوف أقوى من أن تبكي بالصورة التي وصفتها فهدة..
تركي أردف بذات الجزع: وأنتي متى شفتيها تبكي؟؟
فهدة بتلقائية: كل مادخلت غرفتها
خصوصا في الليل..
هي طبعا تدس وجهها عني..
وتسوي روحها ما تبكي...
نفس ما أمي تسوي بالضبط..
زفر تركي أنفاسا ثقيلة.. مؤلمة..
(أنت عارف إنها طول عمرها حزينة
وحزنها موجعك
وش اللي تغير؟)
(بس إنها تبكي.. وأنا معها في نفس البيت
ولا في يدي شيء أسويه
أجعني ذا الاحساس ..
اجعني جدا
ذبحني!!
يا الله !! يا الله !!
وش بيقرب ذا الثمان شهور وأسبوع اللي بقت؟ وش بيقربها؟؟)
*****************************
" يا الله علميني وش سالفتش أنتي وأميرة؟؟ "
تنهدت الجليلة بمودة: يا أختك مافيه سالفة.. أمي ماتت عمرها أربع سنين.. ولا قدامها غيري.. تعلقت فيني..
شهاب ينظر لها نظرة مباشرة: الجليلة .. أمي ماتت الله يرحمها عمر بثينة عشر سنين وعمر مساعد ست سنين.. وربيتهم كلهم.. والنعم وتسلم يمينش على التربية..
وش معنى أميرة؟؟
ابتسمت الجليلة: وترا أميرة والنعم بعد.. صحيح متعلقة فيني.. بس تراها سنعة وراعية بيت.. ومنطوقها زين..
ماعليك من قطاتها عليك.. تراها شوي غيرة عليّ..
وأنا بسنعها..
شهاب بصرامة ومباشرة: الجليلة أنتي لمتى تلفين وتدورين؟؟ علميني وش السالفة..
تنهدت الجليلة بحزم: بس توعدني وعد السالفة ذي ما تقولها قدام أميرة ولا بثينة..
شهاب بذات الصرامة : الجليلة ماتشرطين علي أقول لمن وما أقول لمن..
حينها هتفت الجليلة بصرامة مشابهة: لو ماوعدتني مارح أقول لك شيء..
شهاب بحزم: مارح أوعدش وأنا ما أعرف وش طبيعة السالفة..يمكن لازم أقولها لهم..
تنهدت الجليلة بحزن: يعني ما تثق فيني؟!!..
أنا أقول لك لا تقول لهم.. لأنهم أصلا يعرفون السالفة..
بس أنا ماصدقت إنهم نسوا السالفة أصلا أو تناسوها.. وما أبيهم يتذكرون..
شهاب بقلق متفجر: جليلة تراش روعتيني..
خلاص والله ما أقول لأحد.. علميني بس!
********************************
في مجلس جابر بعد العشاء الذي كان مبكرا لأن سعود يريد المغادرة..
يجلسون أربعتهم..
الجد جبران وجابر ومتعب وسعود..
متعب تنحنح وهو يشعر بالحرج.. (فحضرة اللواء جبران) أشبه بالأسطورة في مجال عمله في الدفاع المدني..
وهذا سبب لتردده وتوتره.. والسبب الثاني أن حضرة اللواء لا يحب أن يذكره أحد بعمله السابق..
لذلك كان محرجا جدا من مفاتحته..
سعود شعر بحرج متعب.. فمال عليه وهمس في إذنه: تبيني أكلمه؟
متعب برفض: لا بأكلمه بنفسي..
تنحنح للمرة الثانية.. وهتف باحترام بالغ: حضرة اللواء..
التفت له الجد جبران وهتف بمودة بنبرته اللطيفة المعتادة: أنت داري يا أبيك إني ماعادني ب لواء.. ذاك زمان مضى..
قل لي يبه جبران وإلا أبو جابر.. أحب ما عليّ تدعيني باسم ولدي ذا اللي مارزقني ربي من العيال غيره...
قالها وهو يشير لجابر الذي ظهر التأثر على وجهه مثل كل مرة يسمعه يقول هذا الكلام..
الجد جبران يقيم عند جابر منذ تقاعده تقريبا..
بعد أن طلب من أخته وأبنائها أن يسكنوا معه في بيته الكبير..
لكن صقر وجابر رفضا ذلك..
فكيف يتركون بيتهم؟!
وطلبوا منه أن يحضر هو للسكن معهم... فهو واحد وهم جماعة..
ولكنه كان يرفض ذلك دوما..
فرجل في مكانته كان سيل الضيوف لا ينقطع عن مجلسه...
ولكن بعد تقاعده وانعزاله عن معظم علاقاته السابقة...
حلف عليه الشابان أن ينتقل للسكن معهما بعد أن بنيا له ملحقه الذي يسكن فيه الآن...
كان الملحق أشبه بفيلا صغيرة أرضية في طرف ساحة البيت الواسعة..
لا يسكن معه فيها إلا عامل يخدمه ..
لأنه حتى سائقه كان يقيم مع بقية العمال في غرفهم الملحقة بالمجلس..
ولو كانت ظروفه الصحية والنفسية كما كانت سابقا لم يكن ليوافق إطلاقا أن يترك بيته..
الذي تركه الان مسكنا لمجموعة من العوائل المحتاجة لا تستطيع دفع اجار للسكن..
متعب هتف باحترام بالغ: تدري إني قد حاولت كم مرة ولا قدرت
ما يطلع من لساني إلا حضرة اللواء..
الجد جبران حينها ابتسم وهتف بنبرته الوادعة الودودة: زين وش أنت تبي من حضرة اللواء..؟؟
منت ب خالي.. علمني يا أبيك..
متعب تنهد بارتياح لأنه اختصر عليه الطريق..وهتف بحزم:
حضرة اللواء.. ترا جابر وسعود كلهم خذوا رتبتهم... وأنا معهم ودفعتهم..
ولحد الحين ماخذتها مع إني استكملت كل المتطلبات من ٦ شهور.. يرضيك ذا؟؟.. موقفين ترفيعي عناد..
والله إني مابقى باب مادقيته ولا تظلم مارفعته.. والقائد معند يرفعني..
الجد جبران حينها تغير وجهه.. وهتف بحزم وصرامة بالغين..
قلب شخصيته اللطيفة ١٨٠ درجة وهو يهتف بنبرة عسكرية صرفة.. نبرة من اعتاد أن
يأمر فيُطاع:
جابر هات جوالي ودق لي على قائد الدفاع المدني الحين...
***********************************
" الجازي..
كذا أهون عليش؟!!
صار لي أكثر من أسبوع أبي اجيش
وتعتذرين مني"
تنهدت الجازي وهي تعدل جلستها وتحتصن الكوشية الصغيرة..
والاثنتان تجلسان في المجلس الداخلي..
بينما مها ودانة فهمتا أنهما يحب ان تتركاهما لوحدها..
لذا جلستا معهما قليلا.. ثم انسحبتا..
فعلاقة الجازي وغالية علاقة مختلفة.. الاثنتان من عمر واحد..
قضتا كل سنوات الدراسة معا من الروضة حتى دخلتا نفس التخصص في الجامعة..
وبينهما علاقة قوية خليط من كل شيء زمالة وصداقة وأخوة..
همست الجازي بمودة: غالية أنتي تعرفين إنه أنتي مكانتش عندي غير..
غالية بعتب: وعشاني غير... حتى مقابلة ترفضين تقابليني؟!!
ترا حتى لو خالد أخي.. أنتي أختي ورفيقتي..
وأنتي عارفة إني معش في أي شيء تبينه.
هل كنتي تظنين إني باعاتبش مثلا؟
لأنه أنا لحد الحين موب فاهمة ليه كنتي ترفضين تقابليني.
الجازي تنهدت : شوفتش غالية بترجع لذاكرتي ذكرى ذيك الليلة اللي كنا فيها سوا..
وأنا في داخلي كثير من الفوضى..
وموب واقفة على أرض ثابتة..
واحساسي بالحرية عقب سنوات القيد خلاني موب متوازنة...
غالية تصرّ عينيها: كلام كله موب مفهوم...
الجازي أنزلت ناظرها قليلا وهي تعبث بأناملها ...كانت تدير دبلتها الماسية التي مازالت في بنصر يدها اليمين..
والتي عجزت أن تزيلها من يدها طيلة السنوات الماضية وهي مازالت على ذمة خالد..
وعجزت أن تزيلها من يدها بعد طلاقها لطول ما ألفت وجودها في يدها...
ولكنها الآن وختاما.. دفعتها قليلا خارج بنصرها بعد أن أدارتها عدة مرات.. عانت قليلا حتى تُخرجها..
شعرت بألم في إصبعها.. وألم غير مفسر في قلبها..
البدايات الجديدة دوما مربكة..
وتجاوز عنق الزجاجة دوما مؤلم...
نظرت إلى الدبلة وهي في كفها أخيرا...
وحول بنصرها حلقة حمراء تركت أثرا واضحا عميقا..
فتحت يد غالية ووضعت الدبلة فيها وهمست بحياد : رجعيها لخالد...
غالية فتحت يد الجازي وأعادت الدبلة إلى باطن يدها وأغلقت يدها عليها وهمست بحزم:
لو أنتي تبين ترجعينها كنتي عطيتها دانة..
وحتى لو تبين ترجعينها فعلا.. موب أنا اللي أرجعها..
الجازي مافيه داعي توجعين خالد..
ترا فيه من الوجع اللي مكفيه..
يعني تظنين لما ترجعين دبلته له.. إنه بيستانس فيها؟؟
هو خسرش أنتي...
وأنتي عنده أثمن من كل ألماس الدنيا..
وش يفيد ترجعينها له إلا تذكرينه بخسارته اللي مالها تعويض...
حينها تأففت الجازي: يمكن عشان كذا ماكنت أبي أشوفش..
همست غالية بابتسامة: ويمكن عشان كذا صرتي تبين تشوفيني الحين..
ابتسمت الجازي وهي تضع الدبلة أمامها على الطاولة: أنا رايحة العمرة بكرة.. واستحيت أروح ما واجهتش..
خفت تزعلين..
غالية همست حينها بحزم: زين دام دعيتيني وماتبيني أزعل.. الحين قولي كل شيء..
ترا يا الجازي خلاص الموضوع كله انتهى..
وأي ترسبات باقية منه لازم تنتهي..
وأنتي بكرة رايحة عمرة عشان تبدين صفحة جديدة..
تنهدت الجازي: غالية أنا ما أبيش تزعلين.. بس أنا فعلا مبسوطة إني أخيرا حرة..
وأقدر أبدأ حياة جديدة.. بعد خمس سنين من تقييد أخيش لي..
بس أخيش حتى في طلاقه قيدني..
تدرين لو أنه طلقني بدون ما يكلمني.. كان......
غالية قاطعتها بصدمة: خالد كلمش؟؟ كيف ومتى؟؟
هزت الجازي كتفيها بسكون: أجل كيف طلقني؟؟ خالد كلمني وسمعني كلمة الطلاق بنفسه..
كانت مكالمة طويلة ومرهقة واستنزفت أعصابي ومشاعري..
حينها غالية قفزت واقتربت من الجازي أكثر وهي تهتف باهتمام : ولا علمتيني حتى؟!!
الجازي بشرود: انحرجت.. ماعلمت إلا أمي..
غالية تحثها على التحدث: طيب وش اللي صار؟؟
تنهدت الجازي بذات السكون الغريب: تدرين غالية.. اللي صدمني وخلاني لحد الحين أعاني من عدم توازن..
إنه أنا خلال السنوات الماضية رسمت للطلاق عشرات السيناريوهات.. في كل السيناريوهات كان خالد معند وبينشف ريقي..
لكن السيناريو الي حدث كان صادم جدا
يعني تخيلي تكونين شادة الحبل بأقصى قوتك لأنه الطرف الثاني شاده بكل قوته
ثم فجأة يفك الحبل...
الطبيعي والمنطقي إنك بتطيحين طيحة قوية.. بتترك إصابات قوية..
أجعني ياغالية بكلامه كله.. ثم صدمني إنه يطلقني وأنا أسمع.. لأنه توقعت إنه بيرسل ورقتي وخلاص..
غالية باستفسار: طيب وش كلامه اللي أجعش..؟؟
تنهدت الجازي بذات السكون المستمر: مبرراته .. تفسيره للموضوع.. وأشياء ثانية ما أقدر أقولها..
****************************
" وسويت اللي في رأسك يا متعب!!"
متعب يرد على سعود بابتسامة شاسعة: جعلني ما أخلا من حضرة اللواء اللي مكني من رقبة القائد..
أتخيل وجهه وهو يقول له بطريقة الأمر.. (قرار ترفيع متعب يطلع بكرة يعني بكرة)
سعود بابتسامة مشابهة وهو يحرك سيارته باتجاه بيت متعب: ترا قائدك يقدر يرفض... حضرة اللواء ماله أي سلطة..
هذا احترام وتقدير بس..
مازالت ابتسامة متعب في حدودها القصوى.. سعادة لم يعرفها منذ أكثر من ٣ أشهر:
أنت داري إنه ما يقدر يرفض... هذا حضرة اللواء موب أي حد..
سعود بمودة عميقة: مبروك الترفيع مقدما...
متعب بمودة مشابهة: الله يبارك فيك
حينها هتف سعود بنبرة مقصودة وهو يقف في باحة بيت متعب: ممكن أطلب منك طلب.
متعب بمودة : تدلل يا أخيك.. تامر ما تطلب..
سعود بحزم : أبيك تخلي مها عندنا في البيت لين نرجع...
متعب بصدمة ورفض قاطع: انتو كلكم رايحين عمرة بكرة.. مرتي تقعد في بيت مافيه حد ليه؟؟
سعود بإصرار: بخلي محمد يجي عندها...
متعب بإصرار مشابه: السموحة منك.. مرتي بترجع بيتها
ثم أردف بصدمة وكأنه ضُرب على رأسه: مها قالت لك شيء ؟؟
قالت لك إنها ماتبي ترجع البيت؟؟
سعود كما نصره أمامها... لابد أن ينصر شقيقته أمامه.. هتف بحزم: متعب .. أختي ماقالت لي أبدا وش سبب خلافكم..
بس قالت إنها تحملت كثير وماعاد فيها تحمل...
عشان كذا خلها في البيت لين أرجع وأحل الموضوع..
متعب أنزل رأسه وهتف بضيق: سعود صار لي اسبوع من مها وبناتي ما أقدر أتحمل البيت من غيرهم أكثر من كذا ...
سعود بصرامة: ماعليه تحمل شوي بعد.. اللي صبرك الأسبوع ذا ..يصبرك اللي بيجي..
عشان تعرف إنك يوم تغلط على مرتك.. مو كل غلط بينبلع..
ثم أردف بنبرة مقصودة: خل أختي في بيت أهلها لين يرجعون أهلها..
متعب صمت.. يعلم أنه أخطأ كثيرا عليها..
ولا يريد أن يتناقش مع سعود في تفاصيل خلافهم.. مادامت لم تخبر سعود بشيء..
لا يريد أن يتدخل أحد في مشاكلهم..
ولكنه قبل أن ينزل من السيارة هتف لسعود بحزم: قل لها إني مستعد أراضيها باللي هي تبيه..
لكن اللي هي تفكر فيه عمره ماكان حل لمشكلتنا...
سعود يعلم تماما ماذا يقصد (اللي هي تفكر فيه) وكان في باله خطة بعيدة المدى لتأديب الاثنين..
لذا هتف بحزم: متعب إذا لي معزة عندك.. ما تكلمها حتى تلفون لين أرجع..
حتى لو هي اتصلت أو أرسلت لك لا ترد عليها..
متعب بصدمة: سعود ترا موب لذا الدرجة.. هذي مرتي وأم بناتي.. يمكن يحتاجون شيء.. كيف ما أكلمهم ولا أرد عليها؟؟
سعود بذات الحزم: محمد عندها.. أي شيء تبيه بتقول له..
وحرك سيارته مغادرا بينما متعب دخل بيته الخالي... وهو يتنهد بعمق ويزفر بتأفف بعد أن أفسد سعود فرحته بخبر ترقيته القريبة...
.
.
بعد دقائق كان سعود يدخل بيته..
مر والدته أولا وجلس معها قليلا.. ليخبرها بعض تفاصيل ذهابهم للعمرة في الغد..
ثم صعد متوجها لغرفة مها وبناتها...
وجدها تحصن بناتها النائمات بأذكار ماقبل النوم..
جلس على طرف صامتا حتى انتهت..
ثم أشار لها أن تتبعه للصالة..
مها زفرت بضيق كبير.. باتت تكره دعوات سعود هذه..
جاءت وجلست وهي صامتة..
هتف سعود بابتسامة: ترا السلام لله..
مها همست بإرهاق: السموحة يا أختك.. السلام عليكم..
واشلونك فديتك؟؟
هتف سعود بمودة: وعليكم السلام.. و طيب.. أنتي أشلونش؟؟
مها بمودة عميقة رغم ارهاقها الواضح: لا قدك طيب أنا طيبة..
هتف سعود بحنان: احنا بكرة رايحين عمرة مثل منتي عارفة.. 3 أيام إن شاء الله ونرجع..
اقعدي في البيت لين أرجع..
مها بصدمة: ليه أقعد في بيتكم؟!. برجع بيتي خلاص..
سعود بصرامة: قلت تقعدين في البيت لين أرجع.. تقعدين.. منتي متحملة 3 أيام؟!!
مها باستغراب: وليه أقعد بروحي في بيت مافيه حد؟!!
سعود بذات الصرامة: محمد بيجي عندش أو أنتي روحي عنده..
مها بذات الاستغراب: طيب ليه؟؟ أنا أبي أرجع بيتي.. وش له ذا الشحططة؟!!
سعود بنبرة مقصودة: لا رجعت من العمرة.. دريتي ليه ذا الشحططة..
حينها اتسعت عينا مها بصدمة كاسحة وهي تهتف بأحرف متقطعة: يبي يحط مرته الجديدة في بيتي؟!!
سعود كان سينفجر من الضحك.. لا يعرف من أين خطرت لها هذه الفكرة الخنفشارية..
لكنه حافظ على مظهره البالغ الجدية وهو يهتف بهذه الجدية البالغة:
مها نشفتي ريقي يا أخيش..
انتظريني لين أرجع.. وخلاص..
سعود وقف ليتوجه لغرفته ثم التفت لها واستدرك بحزم: ولو سمحتي لا تتواصلين مع متعب لين أرجع..
مها بصدمة: سعود لا تزعل مني.. بس تراك زودتها.. حتى زوجي تفرض عليّ أكلمه وإلا ما أكلمه..
سعود بعتب مقصود: ماعاد لي كلمة يعني ولا خاطر؟!!
تنهدت مها.. وقهر عظيم يتصاعد في روحها: إن شاء الله سعود.. اللي تبيه يصير..
ثم أردفت بغيظ: تبيه يحط مرته الجديدة في بيتي وأنا ساكتة ومنطمة.. حاضر .. اللي تامر فيه..
.
.
كانت ليلة طويلة ومرهقة على سعود وهو يدخل ختاما إلى غرفته..
ليشرق وجهه وهو يرى من تجلس على السرير تقرأ كتابا..
مازال تأثيرها هو ذاته عليه حين رآها لأول مرة بعد زواجهما تنام غاضبة منه في غلالة من حرير بنفسجي ..
أسرته يومها وقبلها أسرا أبديا لا فكاك منه..
بل تأثيرها الآن أعمق.. أعــــــــمــــــق بكثير..
وكأن السنوات في مرورها عليهما تحفر لها في روحه سراديب لا نهاية لامتداداتها..
ابتسم وهو يراها تضع الكتاب جوارها.. وتقف مبتسمة لترحب به.. وهي تهمس برقة: طولت وإحنا ورا سفر..
ابتسم وهو يميل ليقبلها بتروي ثم يهتف بتقدير وابتسامة: أعرف وواثق إن وراي مرة سنعة رتبت كل شيء..
قالها وهو يشير بناظريه للحقائب المرتبة الجاهزة.. ثم يتناول كفيها ليقبلها وهو ينفث ولهه في باطنها: ولا يحرمني منها..
دانة تبتسم: إيه إلعب علي إنك خليتني أرتب كل شيء.. وأنت سهران مع ربعك..
سعود يجلس على طرف السرير وهو يخلع غترته ويضعها جواره ويهتف بإرهاق ومودة:
أصلا حتى لو أنا موجود أنتي اللي بتسوين كل شيء..
شايخة علي ّ يا بنت هادي..
ما عاد أعرف أحط خيط في إبرة من
دونش..
دانة تناولت غترته وعقاله لتعلقهما وهي تهتف بمودة: عسى انبسطتم في العشاء؟!!
سعود بذات المودة: جدا... جعل خير أبو سعود وأم سعود واجد..
دانة ضحكت: الله يسلم طباخ المجلس..أم سعود مادرت عنكم.. من مغرب وهي عند الجازي.. وتوه جاها جابر وخذها..
سعود باستغراب: نعنبو وش قالوا ذا كله؟؟
دانة هزت كتفيها : ما أعرف .. كانوا بروحهم..
سعود هتف باهتمام: زين شيكتي على كل شيء.. وإن أمي والجازي جاهزين.. عشان نقوم الصبح نطلع المطار دايركت؟!!
دانة بثقة: كل شيء جاهز فديتك.. لا تشغل بالك.. وتوكل على الله يا أبوسعيد..
*****************************
اليوم التالي..
"أهلا دكتور فرات..
ازيك؟؟"
فرات رفع عينيه عن أوراقه وهو يهتف بمودة واحترام لزميله الذي دخل الآن الى مكتبهم المشترك:
مرحبا دكتور رفعت
اشلونك انت؟؟
رفعت بتقدير: أنا كويس ربنا يكرمك
ثم أردف باهتمام: بيقولوا حضرتك مش مطول معانا؟؟
ليه كده؟!
فُرات بتلقائية واثقة: إيه.. إن شاء الله.. بس أخلص امتحان المنتصف عقب اسبوعين مع البنات..
واسلمهم لدكتور حسني.. هو توه وصل..ويخلص اجراءاته..
رفعت بمودة: نتمنى نشوفك ما تقطعناش..
فرات بتقدير: حياك الله أي وقت في مجلسي أو شركتي..
لكن الجامعة خلاص ما أقدر أجي عقب..
رفعت بتذكر: إلا حصل إيه مع موضوع جليلة وأميرة ؟؟
فرات بثقة رغم تصاعد الضيق في داخله من تذكر موقفها السابق:
مثل ما حضرتك قلت..
جليلة اللي جاوبت..
رفعت بابتسامة: قلت لك إنك أكيد سمعت الاسم غلط.. هي جليلة مافيش غيرها..
البت دي أتوقع لها مستقبل كبير.. لو كملت كده..
فرات بنبرة ثقة مغلفة بالسخرية: إيه.. إن شاء الله..
هتف رفعت باستغراب: أنا مستغرب أنها ماحضرتشي ولا محاضرة الاسبوع ده..
مش عوايدها خالص.. أول مرة تغيب..
بصراحة من غيرها المحاضرة تبقى ميتة
خالصة..
ثم أردف بتساؤل: هي حضرت محاضرتك؟؟
رد فرات بثقة وأفكار غريبة تناوشه: حتى أنا ماحضرت محاضرتي..
حينها شعر بضيق ما..
كان يتمنى أن غيابها كان عن محاضرته هو فقط
فذلك يعني أنها تأثرت تأثرا ما بسببه هو.. هـــــــــو فقط!
لكن حينما تتغيب عن كل المحاضرات..
فهذا الأمر يعني أنه ليس بسببه..
وهذا الأمر جرح غروره بطريقة غير مفهومة..
****************************
كان يقف عند باب الصالة السفلية من الخارج وهو عائد من المطار بعد أن أوصل فهدة إلى بيت جابر..
كان يريد أن يأتي بها هنا أولا معه كي تسلم على والده..
لكنه الجد جبران أحرجه بالاتصال والسؤال عنها وأنهم في انتظارها..
لذلك أعادها أولا لبيتهم.
كان على وشك طرق الباب للاستئذان.. لكنه انتعش قلبه بالأمل أن تكون مكافأة مــا تنتظره في الصالة..
لذا دخل مباشرة دون استئذان.. دون أن يفتح الباب كاملا..
لم ينتبهوا لدخوله.. فهو مازال قرب في فرجة الباب الموارب..
كان الكل متواجد والداه.. البندري.. حزام.. وهـــــــي..
ترتدي أكثر شيء يكرهه في العالم.. جلالها على وجهها..
كان أول صوت سمعه هو صوتها يهتف بحنو وصرامة: حزام وين كتابك الرياضيات؟؟
ليه داسه مني؟؟
صار لي كم يوم أدور له؟؟
حزام يضحك: دامش دارية إني داسه منش.. تدورينه ليه؟؟ وش ذا اللقافة؟؟
الهنوف تبتسم ابتسامة شاسعة: شوف والله لو ماتطلعه اليوم.. إن تشوف شيء ما يسرك..
ولا تقول إني ماحذرتك..
لأول مرة يسمع صوتها باسما.. فيه لمحة سعادة..
نبرات صوتها المبتهجة هزت أوتار قلبه وترا وترا..
أهذا تأثير ذلك الطفل الكوع الزرافة المسمى (حزام) ؟!!
يود أن يحتضنه ويقبله ..وفي ذات الوقت يريد أن يصفعه..
يحتضنه ويقبله لأنه أسعدها..
لأنه سمح له أن يسمع صوتها أخيرا سعيدا بعد أن أرهقته بحزنها..
ويصفعه لأن له هذا التأثير عليها.. التأثير الذي تمنى ألا يكون لأحد سواه..
تركي شعر أن وقوفه هكذا طال.. لذا تنحنح كي ينبههم لوجوده..
*******************************
"ماشاء الله ذا كله شوق لي؟!! توك واصل من المطار جايني"
تركي يسلم على فُرات وهو يهتف بمودة باسمة: شفت غلاك..
فٌرات يشير للمقهوي أن يقترب حتى يصب القهوة وهو يهتف لتركي بمودة ونبرة مقصودة:
منت بخالي.. أشغلتني وأنت تقول تبيني ضروري..
ابتسم تركي وهتف بنبرة مقصودة: شكلك ذا الأيام مشغول جدا؟!!
هتف فُرات بثقة: إي والله جدا.. قاعدين نصب أساسات المشروع الجديد..
وعندي اجتماعات ما تخلص ما أرجع البيت إلا آخر الليل
ويادوب أروح أعطي المحاضرتين اللي أنت ورطتني فيها..
حتى لو أنت ما كلمتني إنك تبيني ضروري وكنت مابعد طلعت من البيت
وإلا ماكان قدرت أواجهك..
+
تركي بذات الابتسامة المريبة: توقعت كذا..
بس أحسن عشان أخذ البشارة..
فُرات باستغراب:
بــــشــــارة ويـــــــش؟؟
تنهد تركي بوجع.. وهو يستعيد ماحدث قبل 4 سنوات..
وكان سببا رئيسيا في استعجال صيتة في إرجاع فهدة إلى الدوحة..
واشنطن قبل أربع سنوات..
كانت صيتة لا تترك فهدة إطلاقا.. والوقت الذي تقضيه في المستشفى كانت تحضرها معها..
وكانت تدرسها بنفسها.. علمتها الأحرف والكتابة والقراءة والقرآن..
كانتا تقومان بالكثير من الأنشطة معا.. ترسمان وتلونان وتلعبان..
وكانت لا ترى ضرورة لذهابها للمدرسة لأنها متفرغة لتدريسها..
وكانت تتبع في ذلك نظام كثير من الأمريكيين الذي يمارسون مايسمى
Home Schooling
ويعلمون أولادهم في البيت.. وهو نظام شائع جدا للتعليم في أمريكا..
وهناك حاليا أكثر من مليونين طفل أمريكي يتعلمون في المنزل.. وأعدادهم في تزايد عاما بعد عام..
ويتبعون في ذلك أساليب مدروسة تماما للتعليم اعتمادا على التعليم الفردي واللا مدرسية وتكثيف الأنشطة..
وكان في بال صيتة إلى جوار ذلك أنها ستدرس فهدة المناهج القطرية العام المقبل..
وتعيدها لقطر مع تركي في فترة امتحانات الدور الثاني حتى تمتحن وتعود معه بعد نهاية الصيف..
ولكن ما أفسد كل مخططاتها أن كان هناك من أبلغ مؤسسة الرعاية الاجتماعية الأمريكية
أن في المستشفى طفلة في عمر التمدرس ولكنها لا تذهب للمدرسة.. لا تعيش ظروفا طبيعية..
فهي شبه محجوزة في المستشفى.. ولا تمارس
حقوقها المشروعة كطفلة.. كاللعب والاختلاط مع الأطفال الآخرين..
ففوجئت صيتة بل صُعقت بزيارتهم لها في المستشفى..
في البدء كانت الزيارة ودية...
لكنها بعد ذلك بدأت تأخذ صور أكثر جرأة.. وبدأوا يستجوبون فهدة: هل أنتِ سعيدة؟
هل يحسنون معاملتك؟ هل تأكلين طعاما جيدا؟ هل تلعبين مع الأطفال الآخرين؟
هل تذهبين للحديقة والألعاب؟؟
بعدها حاولت صيتة أن تتركها في البيت وترتب لها من يرافقها في الوقت الذي يكون سند في العمل وهي في المستشفى..
ولكن كانت صيتة تعاني من رعب حقيقي وابنتها مع امرأة لا تثق فيها..
فكانت في معظم الأوقات تتصل بتركي وترجوه أن يذهب إلى البيت.. ليطمئن على فهدة..
فيضطر لترك محاضراته والذهاب لفهدة..
وفي إحدى المرات اكتشف أن جليستها تركتها وحيدة وخرجت لتحضر بعض الأشياء..
وجليسة أخرى أخذتها معها لمقابلة صديقها..
رغم أن صيتة كانت تختارهم بعناية شديدة عربيات مسلمات أو مسلمات من جنسيات أخرى..
حينها توقفت صيتة عن إحضار أي أحد.. وعادت لإحضارها معها للمستشفى..
فعادت زيارات الرعاية الاجتماعية تتكثف من جديد.. وبدأت فهدة تخاف كثيرا منهم ومن صرامتهم وأسئلتهم..
وتبكي حينما تراهم..
وهم يظنون أنها تبكي خائفة من أهلها..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
حينها اتصلت صيتة بوالديها ورجتهما أن يحضرا فورا..
كانت تعيش في رعب حقيقي أنها قريبا ستفقد حضانة ابنتها.. وخصوصا أن والدها متوفي..
وهم مقيمون في أمريكا..
فقانون الرعاية الاجتماعية في أمريكا صارم جدا.. وكان اسم CPS أو DDS
كفيل بإثارة الرعب في قلوب كثير من الآباء والأمهات.. وخصوصا من كانوا من خلفيات مهاجرة..
خشية انتزاع أطفالهم وتحويلهم لمؤسسات الرعاية ومن بعدها لعائلات التبني..
صيتة أعادت فهدة وهي تظن في داخلها أن حالة عبدالله ستتحسن وأن الوضع سيستمر أشهر فقط..
أو سنة واحدة كأقصى .. وتستطيع العودة به وستعود إلى أهلها وابنتها..
ولكن حالة عبدالله باتت تتأخر أكثر وأكثر..
وأخبرها الأطباء أن محاولة نقله في طائرة في رحلة طويلة كهذه هي عملية إعدام مباشر مقصودة للطفل.. وأنها من تتحمل مسؤوليتها وحدها..
حينها صــــمـــتـــت..
وكتمت في داخلها ثقبا اخترق قلبها بشكل مباشر بلا رحمة..
وفي كل يوم يمر كان يجاوره ثقوب وثقوب.. تتراص في قلبها المدمر..
وتكاد لا تجد لها مكانا لامتلاء ساحات قلبها بالثقوب..
أحد هذه الثقوب وأكبرها ماحدث في وداع والدتها لها..أخر مرة رأتها فيها..
.
.
"اسمعيني زين يا صيتة..
قلتي لنا العام مشتاقة لكم تعالوا..
قلنا إن شاء الله وتم..
قلتي ذا السنة تعالوا أخذوا بنتي..
قلنا إن شاء الله وتم..
لكن ترا ذي أخر سنة بجيش.. تبينا تعالي أنتي"
حينها همست صيتة بصدمة ورعب وهي تجلس جوار والدتها على الأريكة: ولو ماتحسن عبود وطوّل أكثر من سنة..
ما أشوفكم؟!!
أم متعب بصرامة : خليه عند عمه أسبوع وإلا إسبوعين.. وش بيجيه؟؟
حينها انكبت صيتة على كف والدتها تقبلها وهي تهتف برجاء موجوع عميق:
يمه طالبتش لا تحديني على أقصاي..
والله ماعاد وراي شيء تحدوني عليه..
لا تحرموني منكم وأنا محرومة من كل شيء..
محرومة من ديرتي ومن بنتي ومن هلي ومن شغلي.. حتى اتخاذ قرار أنا محرومة منه...
يمه شوفتش لا دخلتي علي ترد لي روحي.. والله إن روحي ترجع لي لا شفتش..
إن شاء الله عبود بيتحسن وبأرجع.. بس أنا ماني متأكدة..
طالبتش ما تحرميني منش..
أحب رجلش يمه..
قالتها وهي تريد الانكباب على قدمها لتقبلها..
أم متعب جزعت وهي تمنعها وتقف وترفعها لتحتضنها بقوة وتهمس في إذنها:
قلت لش يا أمش...
تبينا تعالي...
ترا والله ثم والله ماعاد أعقب ذا السنة..
حينها تصلب جسد صيتة وهي تهمس بانهيار:
يمه طالبتش استغفري.. استغفري.. طالبتش..
أم متعب أبعدتها قليلا وهمست بجمود وهي تشيح بوجهها حتى لا ترى وجه صيتة فتضعف: أنا حلفت وانتهينا..
************************************
لأول مرة يسمع صوتها باسما.. فيه لمحة سعادة..
نبرات صوتها المبتهجة هزت أوتار قلبه وترا وترا..
أهذا تأثير ذلك الطفل الكوع الزرافة المسمى (حزام) ؟!!
يود أن يحتضنه ويقبله ..وفي ذات الوقت يريد أن يصفعه..
يحتضنه ويقبله لأنه أسعدها..
لأنه سمح له أن يسمع صوتها أخيرا سعيدا بعد أن أرهقته بحزنها..
ويصفعه لأن له هذا التأثير عليها.. التأثير الذي تمنى ألا يكون لأحد سواه..
تركي شعر أن وقوفه هكذا طال.. لذا تنحنح كي ينبههم لوجوده..
كان حزام أول من قفز مرحبا.. وهو يرحب به بمرح: يا حيا الله دكتورنا المتشنقط
(الشنقيط: البنطلون، المتشنقط من يلبس بنطلونا )
ابتسم تركي وهو يتلقى سلامه بالأنف على عادة السلام الرجالي:
أنت اصلا لا جيت تلبس شنقيط منت معين شيء قد طول سيقانك..
الهنوف حين سمعت صوته.. قررت الانسحاب من فورها لغرفتها في خضم انشغالهم به ومعه وانشغاله معهم..
هو كان في باله نفس التفكير قبل أن يدخل... ويعرف تماما أن هذا ما ستفعله..
بات يعرف حتى طريقتها في التهرب منه... وهو يرسم خططه الحربية الفاشلة لاقتناصها..
كان لا يعرف أي طريقة يستطيع أن يستبقيها بها حتى ينهي السلام على والديه على الأقل..
لذا ارتجل أول شيء خطر بباله وهتف بشكل مباشر وصوت عالي وابتسامة تمثيلية وهو مازال في سلامه مع حزام:
الهنوف ترا يمكن كتاب حزام الرياضيات عندي في السيارة... يمكن نساه معي يوم وصلته المدرسة قبل أسافر..
حزام هاك مفتاحي دور كتابك..
اتسعت عينا حزام بصدمة... صحيح أن تركي كان هو من يوصله معظم الأيام وهو متوجه للجامعة..
لكنه لم يترك كتابه في سيارته لأنه أخفى الكتاب بنفسه... حتى لا تكتشف الهنوف أنه لم يحل كثير من الواجبات.. وأن المعلم ترك له كثير من الملاحظات ...
لأنها ستجبره أن يحلها كلها في وقت واحد .. ولن تطلق سراحه حتى يحل كل شيء..
بينما هو كان يريد حلها على فترات..
ومع ذلك اضطر أن يأخذ مفتاح سيارة تركي.. وأن يذهب ليبحث فيها عن كتاب غير موجود فيها..
ما يهم تركي أنه نجح في توجيه الانظار للهنوف ومنعها من التحرك.. حتى أنهى سلامه على والديه والبندري..
وأصبح أمامها.. وأخــــيـــــــرا..
أمــــامــــــها..
أمام تاريخه.. ومستقبله.. فوضى مشاعره..
آسرته الأبدية..
(هل أنتِ حقا تقفين أمامي الآن؟
أتنفس عبقك المخفي المنتشر في الجو
هل تعلمين كم اشتقت يا صغيرة؟!!
هل تعلمين؟!!
لا لا تعلمين..
لا تعلمين.. فقلبك خالي..
ليس فيه مافي قلبي من التضخم..
التضخم من كل شيء..
فرط الحب.. وفرط الشوق.. وفرط اللهفة..
فمعك لا أعرف التوسط ولا الحدود..
فوحدك تكسرين كل مناطق الوسط.. وتتجاوزين كل الحدود)
ان كان سابقا يراها الجمهور في خلفية الصورة..
فهاهو الله عز وجل يعذبه على ذلك..
وهو يراها الان وحدها بؤرة الصورة... وكل ماحولها باهت لا لون له ولا قيمة..
وحدها بؤرة كل شيء.. ومستقره..
حتى وهي تقف أمامه كمومياء مغطاة بالبياض من رأسها حتى قدميها..
كانت تشع كشمس كونية.. تستجلب معها كل وعي العالم وانتباهه..
وقف أمامها كتلميذ وجل في حضرة أستاذه ذو الهيبة والسلطة
وقف أمامها وهو يتنفس بعمق.. يتنفس حضورها.. وجودها.. قربها
أهلكه الشوق قبل السفر وبعد السفر..
موبوء بالشوق.. مسكون باللهفة.. مرصود بهذا العطش الأزلي لكل مافيها..
وقف أمامها مثخن بجراح معاركه الخاسرة في حضرتها..
وقف أمامها وفي داخله ألف رغبة وألف وجع وملايين الأشواق..
وقف أمامها ليهديها أكبر صدمة في حياتها..
وقف أمامها وهتف بكل ثقة الكون الباردة المقيتة: اشلونش الهنوف؟؟
وهو يــــمــــد يده لها بالسلام..
*************************************
" أخبارش سيدة ملعقة الأميركية؟وحشتينا
لو تاخرتي يوم واحد عقب.. كان جدش جبران وجدتش فهدة الكبرى
سوو غزو لأمريكا"
همست فهدة بخمول وهي تجلس بقرب الجد جبران: جعلني ما أخلا منهم..
قامت ضي لتجلس جوارها من الناحية الثانية وهي تهمس بقلق: أنتي فيش شي؟؟
هزت فهدة رأسها رفضا...
حينها مدت ضي يدها لجبين فهدة وهي تتحسه بقلق: شكلش يعطي إنش مسخنة.. بس منتي ب حارة..
حينها انتفض الجد جبران بقلق وهو يتحسس جبينها أيضا: قومي يا أبيش أوديش المستشفى.
وجدتها كذلك تقوم من مكانها وهي تتحسسها بقلق: وش فيش يا أمش؟!!
وجهش أصلا مهوب زين من يوم دخلتي..
كان الثلاثة كلهم يحيطون بها وهم يبدون قلقهم عليها.. بينما هي تهز رأسها أنها لا شيء فيها..
وتهمس بذات الخمول: والله مافيني شيء..
حينما ضايقوها باهتمامهم الخانق.. انفجرت بالبكاء وهي تدفن وجهها في حضن الجد جبران..
الجد انتفض بجزع وهو يحتضنها ويمسح على شعرها:
وش قومش يا أبيش؟؟ وش قومش؟؟
ثم تنهد وأردف بحنان لأنه فهم سبب بكائها ..وهو يهمس في إذنها بخفوت : أنتي مشتحنة لأمش؟؟
هزت رأسها وهي تخفي وجهها في حضنه..
همس لها في إذنها بحنو وحمية: أبيش يا فهدة.. تبكين وجدش جبران حي؟!
ابشري بها إن قد تجيش دام خشمي يشم الهوا..
*********************************
"تقبل الله طاعتش يمه ... عسى ما تعبتي؟؟"
أم سعود ببهجة رغم ارهاقها: من يجي هنا يا أمك ويتعب؟!
الواحد يجي هنا ينسى تعبه..
التفت سعود لدانة وهو يهتف بعتب: ليه تخلين الجازي بروحها؟؟
كان علمتيني قعدت معها...
دانة بنبرة مرهقة تخفي ورائها ما تعلمه ولا يعلمونه:
عيت فديتك..
قالت تبي تقعد في الحرم شوي ..
وبتجي عقب ساعة..
كرتها معها...
.
.
.
كانت تلوذ بأحد أعمدة المسجد بعد أن صلت المغرب وأطالت في الدعاء..
ودموعها تنسكب بغزارة..
سكبت بين يديه سبحانه كل الكبت الذي في داخلها من خمس سنوات مضت حتى الآن...
بكت حرقتها.. ويأسها..
بكت سنوات شبابها المسلوبة..
بكت هذه الفوضى التي تعصف بها..
بكت التمزق الذي تشعر به..
أرادت أن تبكي كل شيء.. وتلفظه خارج روحها.. بعيدا عنها..
أرادت بدايتها الجديدة المأمولة..
أرادت عبر فيض دموعها أن تشكر الله .. وأن تخبره جل في علاه كم تحبه!!..
وكم تشعر بالاطمئنان هنا في رحابه.. وهي تشعر بمسحه على وجع قلبها.. مداوته لألم روحها..
وأنه وحده من يعلم حقيقة ماتعانيه.. وأنها أمامه كما هي.. بكل مشاعرها.. كماهي..
بينما الكل أراد أن يفرض عليها مشاعره أو رؤيته أو قناعاته..
أرادوا وضعها داخل قوالبهم الجاهزة..
أرادوا قولبة حزنها ومشاعرها وتناقضاتها.. وهي محض إنسان..إنسان..
لا يخضع للتكييف ولا للمعايير المحددة كإنسان آلي..
لا يريدون الاقتناع أنها سعيدة وغير سعيدة.. لأن الشعورين في عرفهم لا يجتمعان..
ولكنهما في داخلها اجتمعا..
في عرفهم يجب أن تكون أبيض أو أسود... بينما هي رمادية!
يريدونها أن تخوض المعمعة إما خاسرة أو رابحة.. بينما هي تريد أن تركن إلى الحياد..
لا يعلمون أن هذا الحياد يحمي مابقي من روحها الممزقة.. حتى تداويها..
لا يعلمون أنها لا تريد خوض المعارك.. ولا رفع رايات الانتصار..
تريد حيادها فقط.. مساحتها الرمادية الخاصة..
لا يعلمون أنها سعيدة بحريتها.. ولكنها في ذات الوقت حزينة لطلاقها..
لأن هذه هي الطبيعة البشرية المتناقضة..
هي محض صبية في الثالثة والعشرين تحمل لقب مطلقة..
بينما هو أقرب ما يكون إلى لقب (سجينة سابقة) أنهت محكوميتها ظلما..
فهل من قضى خمس سنوات في السجن ظلما.. ثم خرج منه.. سيكون مكتمل السعادة والبهجة؟!!
(كلهم عاجزون عن فهم هذه التناقضات في روحي يا الله
وحدك تعرف الخفايا..
وحدك تمسح على روحي ووجعي
اللهم اجبر كسر روحي.. وقوني.. وأمدني بالجبر والقوة
لأخوض قابل الحياة)
لا يعلمون أن خالد كما كان ظلمها في أسرها خمس سنوات في سجنه.. ظلمها وهو يطلق سراحها..
لأن كل شيء سار كما يريده هو..
ثقب قلبها برصاصة الطلاق التي أسمعها إياها.. بعد فيض طويل من البوح..
كان هو سيده ..
أراد أن يخبرها كم هو شهم ونبيل.. وكم يحبها!!
دون أن يسمح لها أن تخبره كم هو متجبر وقاس وأناني!!
ثقب قلبها بقسوة ومضى دون أن يلتفت..
دون أن يسمح لها بتدوين انتصاراتها الصغيرة.. دون أن يسمح لها بإعلان بهجتها وسعادتها..
لذلك كان الحياد ضروريا..
تحتاج لمرحلتها الانتقالية الرمادية التي ستقذف فيها كل شيء خلفها..
" سأعود أقوى!"
كنت تهمس بذلك لنفسها وهي تفتح حقيبتها.. وتخرج منها دبلة ماسية يتربع اسم خالد محفورا في داخلها..
وتضعها بجوار العمود..
وتهمس بحزم: أتمنى يلقاها واحد محتاج..
ويكون ثمنها تخفيف لبعض ذنوبك في حقي ياخالد..
أنهت مهمتها.. ووقفت بحزم وهي تتوجه للفندق وذاكرتها تعود لخمس سنوات مضت..
بعد خروجها من المستشفى بإسبوع..
.
.
" تعالي يأمش"
دخلت الجازي إلى غرفة أمها وهي تحمل بمعاونة العاملة المنزلية بعض الأكياس التي تحمل اسم محل مجوهرات شهير..
العاملة تركت الأكياس وغادرت.. بينما الجازي جلست جوار والدتها وهي تأن بخفة من ألم صدرها..
وتهمس بضعف: يمه رجعي الأغراض ذي لخالتي أم خالد..
والدتها تنهدت بألم عميق وهي تقبل جبين الجازي.. ثم تتناول أصغر الأكياس حجما...
لتخرج منه العلبة الصغيرة التي تتربع داخله.. وتخرج منها الدبلة..
وتمسك بيد الجازي اليمنى.. الجازي جزعت وهي تهمس بوجع عميق: لا يمه طالبتش.. تكفين
أم خالد تنهدت وهي تدخل الدبلة في بنصرها اليمين وتهمس بأمر حان:
إذا لي خاطر عندش يا أمش.. ما تحطينها من يدش دامش على ذمته...
يا أمش تراه خاتم لا يأكل ولا يشرب..
تلبسونه ياذا الجيل.. يعني إني مخطوبة وإلا متزوجة..
وأنتي يا أمش عادش على ذمته..
عشاني خليه في يدش..
شعرت الجازي يومها بملمس الدبلة كما لو كان شريط من النار يحرق يدها..
ولكنها بقيت في يدها لخمس سنوات.. لا تخلعها إلا نادرا..
ومازالت حتى اليوم تجهل السبب الذي دفع والدتها لأن تطلب منها ذلك الطلب..
لأنها شعرت أن والدتها كان عندها سببا أخفته عليها..
وماعاد يهمها هذا السبب.. لأنها تحررت منهما كليهما من الدبلة ومن السبب..
**********************************
قبل ذلك .. بعد صلاة العصر في الدوحة
الهنوف ذهلت تماما..
الهنوف ذهلت تماما..
هل هذا مجنون؟ بالتأكيد هذا مجنون..
تصرفه كان تصرفا مرفوضا في عاداتهم وتقاليدهم..
كانت الهنوف تذوي خجلا وهي ترى يده المدودة
وكل العيون المصدومة مسلطة عليها..
ووالده وصل غضبه للذروة يتهدده في سره
( استخف من عقب ديار الأميركان.. والله لأوريه الشغل ذا الفاسخ!!)
بينما والدته والبندري اعتراهما خجل من تصرفه الجريء..
هــــــــــو ليس لديه ما يخسره..
فهو سيموت إن لم يحصل على أي شيء منها..
يعلم أنه لن يحصل على كلام ناعم عبر الهاتف.. وهي تهاتفه كأنها تهاتف زميل عمل..
وليس أي زميل.. بل بغيض على قلبها أيضا..
ويعلم أنه قد يموت مئات المرات قبل أن يرى وجهها..
لذلك قرر المغامرة.. سيمد يده..
كان عنده أمل ضعيف أنها لن تحرجه وتترك يده معلقة في الهواء
كان أملا أشبه بأمل أنه قد تخضر صحراء الربع الخالي في دقيقتين اثنتين..
فسلامها عليه مستحيل مثل استحاله أن تخضر تلك الصحراء القاحلة الشاسعة في دقيقتين..
وسلامها عليه سيفعل في روحه ذلك المستحيل.. فروحه الأشبه بتلك الصحراء في بعدها وابتعادها عنه..
ستخضر وتزهر في تلك الثوان التي ستلامس يده يدها..
أما توقعه الأعظم الذي رغم أنه هو الأكبر إلا أنه كان يتمنى ألا يحصل
وهو أنها سترفض أن تمد يدها.. أو ستغادر المكان..
وحينها سيكون مكسبه الوحيد أنها لاريب ستشعر بالذنب لما فعلته بها..
وهذا سيحسن من تعاملها معه..
كل هذا التفكير كان يدور في أعشار الثانية والأعاصير تعصف بهما كليهما..
خــــــــــتــــــــــــا مــــا..
مدت الهنوف يدها..
نــــــعــــــم... مدت يدها!!
فالموقف كان أكبر منها.. وتهذيبها منعها أن تحرج زوجها أمام أهله بهذه الصورة..
لذا قالت لنفسها: يا بنت الحلال هو سلام والسلام
وقدام أمه وإبيه.. يعني مارح يتجاوز حدوده.. ومهوب ماكلش.. ويادوب عطيه أطراف أصابعك.. يسلم وينقلع..
الله يقلعه هو وسلامه.. كنه موذيني.. وهو متجاهلني وهو منتبه لي..
ولكن ماكانت تفكر به..
غير ما كان يشعر به..
أمران مختلفان تماما... تــــماما..
هو كان متأكدا بنسبة تكاد تصل إلى مليون في المئة أنها لن تمد يدها..
لكنها صعقته.. صعقته صاعقة كونية أنها مدت يدها..
"هل تتخيلون أنني كنت أحلم أن ألمس أطراف أناملها فقط
أطرافها فقط..
فإذا بها تعطيني يدها كاملة!!
هل تتخيلون أن من هو مثلي يشعر أنه عطش منذ قرون متطاولة
وكان سيكتفي بقطرات من ماء إجاج.. بل سيسجد شكرا إن حصل عليها
فإذا بهم يمنحونه الماء الأعذب في الكون
ويقولون هاك!!
هل حقا مدت يدها لي؟ هل حقا فعلتها؟؟"
تركي أطبق على يدها المدودة كاملة بكفه..
شعر حينها برمح اخترقه من أقصاه إلى أقصاه وهو يشهق شهقة حاول جاهدا أن يكتمها ولكنها سمعتها..
"أحقا هذه يدها في كفي؟!"
(نعم يدها!! يدها!!..
يدها الصغيرة الغضة الناعمة الآسرة في كفي
يا الله .. ما أبشع هذا الحرمان!!)
تخشبت يدها في كفه.. وهي تحاول انتزاعها..
كانت ستسلم عليه بأطراف أصابعها..
فإذا بكفه تلتهم كفها وتخفيها كاملة في طياتها
أطبق على يدها إطباقا..
وكأن حياته كلها تتعلق بهذه اليد.. وأنها حين تنتزعها ستنزع روحه معها..
حاول أن يتكلم حتى لا يبدو منظره سخيفا.. وحتى يكون مبررا لاستبقاء يدها في يده..
كان يذوي وهو يشعر بمسامات بشرتها تذوب بين أنامله وهو يهتف بحزم يشعر أنه سيغمى عليه خلفه:
اشلونش الهنوف؟؟
أخبار الرسالة؟؟
وأخبار الشغل؟؟
كانت تجيبه باختناق وهي تحاول شد يدها محاولة عدم لفت انتباه البقية الذين اشتعلت أعينهم كرادارات مراقبة..
واستشعروا كل ماحدث أمامهم استشعروه تماما لفرط ماكان واضحا وجليا:
كل شيء زين ..
تسلم..
ماشي..
كانت تجيبه والكلمات تتعثر بين شفتيها.. وتكاد تموت خجلا ووجلا..
وهي تحاول جذب هذه اليد التي يبدو أنه لا يفكر بإطلاق إسرها أبدا..
شعرت أن يدها بدأت تتعرق... وكل ما تفكر فيه أن تستعيد يدها...
بينما ذلك المتيم.. يشعر أن أطراف روحه هي على أطراف أناملها..
كانت كل مشاعره متوهجة للحد الأقصى..
وهو يختبر تأثير قربها الأول..
(أ يعقل أن يكون لملامسة أي إنسان مهما كانت محبتنا له هذا التأثير ؟!!
أشعر أن روحي تتسع..
وأن يدها تبعث الحياة في كل خلية من خلايا روحي
أشعر أنني أكبر وأعظم وأسعد مخلوق في تاريخ البشرية)
ختاما كان أبو متعب من أنهى هذه الفوضى غير المعقولة وهو يهتف بحزم:
تركي إلى متى ذا السلام؟؟
قد فك يد البنية
ماعاد بذا السلام..
حينها أفلت تركي يدها رغما عنه.. أفلتها وهو يشعر أنه يفلت روحه ليسمح لها أن تنتزع من بين جوانبه..
لتهرب الهنوف من فورها راكضة للأعلى والبندري تتبعها..
ووالدته تغادر أيضا لأنها شعرت أن والده سيعاتبه على تصرفه..
وبالفعل فور مغادرتهم.. انفجر أبو متعب غاضبا:
أنت مافي وجهك سحا يا قليل الحيا..
تركي جلس لأنه شعر أن جسده خال من الطاقة تماما
(يا الله !! يا الله يا يدها!!
من يمسكني إياها بكبرها!!)
كان أبو متعب منهمر بغضبه وتأنيبه ليتفاجئ برد تركي المغموس بالبرود الذي يخفي خلفه ذوبانه:
يبه.. أنا سويت شيء حرام في الشرع؟؟
صُعق أبو متعب من رده: عادك مع شينك قوات عينك..
أعاد تركي السؤال بكل برود حازم:
يبه هل أنا سويت شيء حرام في الشرع؟؟
أبو متعب بحزم غاضب: لا غير أنت داري إنه منقود..
تركي وقف وهو يهتف بثقة: إذن ماصار شيء تعاتبني عليه... ولا تحرق أعصابك عشانه
مرتي وسلمت عليهم قدامكم
وش الكفر اللي سويته؟؟
واسمح لي طال عمرك.. لازم أروح لفرات الحين..
**********************************
شهاب بقلق: جليلة تراش روعتيني..
خلاص والله ما أقول لأحد علميني!
تنهدت الجليلة بضيق كبير جدا وهي تتذكر ماحدث قبل 16 عاما..
بعد وفاة والدتها.. وفي عزائها تحديدا..
كانت الجليلة بحد ذاتها محض طفلة في السادسة عشر..
وجدت نفسها وحيدة في مواجهة كل شيء..
وغياب والدتها بعد غياب شهاب بعام واحد ترك هوة عميقة في روحها بحجم الكون..
وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن كل شيء.. وهي من كانت مازالت طالبة في الصف الأول الثانوي..
قد تكون سابقة لعمرها.. وكانت من صغرها رفيقة لأمها في كل شيء...
ولكنها ختاما كانت طفلة بدون أمها.. وبين يديها ثلاثة أطفال هي المسؤولة عنهم..
تركت حتى دراستها من أجلهم.. رغم أنها كانت متفوقة جدا..
يومها ..كانت في خضم عزاء والدتها...
وكانت تمنع نفسها من الانهيار.. وهي تقوم بواجب الجميع..
البيت مزدحم بالمعزيات اللاتي لا يسألن الا عن ابنتها الكبيرة ليقدمن لها واجب العزاء..
في اليوم الثاني من العزاء..بعد صلاة العصر كان البيت مزدحما عن أخره..
طلبت الجليلة من بثينة أن تأخذ أميرة للصالة العلوية وأن تنتبه لها جيدا وأن تشغل لها التلفزيون و تبقى معها ولا تتركها تغيب عن عينيها أبدا...
قبل صلاة العشاء بقليل...
ذهبت صيتة بطعام لبثينة وأميرة.. فوجئت أن أميرة غير موجودة مع بثينة...
سألت بثينة عنها فقالت إنها ذهبت لجليلة منذ زمن طويل..
صيتة نزلت للأسفل... نادت الجليلة بخفة وهي تهمس لها: أميرة جاتش؟؟
الجليلة بصدمة حقيقية: لا ماشفتها من عصر..
الفتاتان بدأتا تبحثان في كل البيت..
لم تكونا تريدان إثارة قلق أحد قبل أن تتأكدا إن كانت في البيت أم لا..
وكانت بثينة التي استشعرت الذنب تبكي وهي تتبعهما: والله قالت لي بروح جليلة...
حسبتها جاتش..
بحثتا في كل البيت دون أن تجداها..
تبقى مكان واحد كانت جليلة لا تريد دخوله.. تشعر أنها ستموت لو دخلته..
غرفة والدتها..
ولكنها كانت مضطرة أن تفعلها.. فهي المكان الوحيد المتبقي..
فتحت الباب ودخلت وهي تدفع نفسها دفعا.. كان جناح والديها يبدأ بصالة كبيرة..
كانت الصالة غارقة من الظلام...
ومازالت رائحة أمها تعج في المكان..
كانت الجليلة توشك على الانهيار ولكنها قوّت نفسها من أجل بثينة وأميرة..
أشعلت الاضاءة وهي تبحث في أرجاء المكان مع أنها متأكدة أنها غير موجودة..
ثم دفعت نفسها دفعا إلى داخل الغرفة.. فتحت الباب وكانت الغرفة معتمة تماما.. أشعلت الإضاءة..
ورائحة أمها تصبح أقوى وأقوى..
والجليلة تشعر أنها ستموت فعليا من الوجع.. وهي تحاول ألا تقع عينيها على أي شيء من أغراض أمها..
ولا تعرف أين الأولية ؟
حزنها المرير الغض الذي مزّق روحها
أم قلقها على أختها التي لا تعلم أين اختفت..
همست بقلق وهي تحاول جاهدة ألا تركز في شيء في الغرفة: مهيب هنا بعد... وين بتروح ياربي؟؟
همست صيتة التي كانت في الخامسة عشرة في حينه بذات نبرة القلق:.. خلينا ندور في الحمام..
الجليلة ترفض الفكرة في ذاتها لأنها مرعوبة منها.. وتدعو الله ألا تكون هناك..
فالجناح كاملا كان يغرق في الظلام وكذلك الحمام..
ومع ذلك دفعت نفسها أيضا دفعا نحوه..
حاولت فتحه كان قويا بعض الشيء..
فتحته وأشعلت الإضاءة..
لتجد الصدمة المرعبة بكل المقاييس أمامها..
كانت أميرة ممددة على البلاط ..فاقدة للوعي..
فالصغيرة حين خرجت من عند بثينة مرت غرفة أمها ودخلت..
لأن لها يومان لم ترَ أمها...
وكانت تسأل عنها وتبكي تريدها..
كانت تظن أن أمها في غرفتها مريضة كما تكرر كثيرا في الفترة الماضية..
وهي تصاحبها وتنزوي في حضنها طوال اليوم..
حين دخلت الغرفة كان الوقت مازال عصرا..
وهناك نور يتسرب عبر النوافذ..
لم تجدها في الصالة ولا في الغرفة وهي تدخل وتغلق الباب خلفها حتى لا يمنعها أحد..
لأنها اليومين الماضية كانت تحاول أن تدخل ويمنعونها ..
ثم دخلت الحمام الذي انغلق عليها... وهي تنادي أمها.
ولنا أن نتصور أن الطفلة ذات الأعوام الأربعة بقيت تصرخ وتبكي حتى حل الظلام عليها...
لتزداد صرخاتها وجزعها ورعبها والمكان حولها يغرق في ظلام دامس..
ليرحمها الله أن تفقد الوعي بعد ثلاث ساعات متواصلة من البكاء الهستيري وطرق الباب حتى تمزقت أناملها الصغيرة وتجرحت وأدمت..وتورمت يديها.. إلى درجة أن اثنين من أظافرها سقطا بعد ذلك..
ولم يسمعها أحد.. فكل الأبواب كانت مغلقة.. وكتمت صرخاتها.. خصوصا أن صوتها قد بح وخفت بعد نصف ساعة من الصراخ بكل قوتها..
جليلة حين رأتها قفز قلبها في حلقها.. وانكبت عليها ترفعها..وهي تنشج بصوت مسموع..
كان جسد أميرة متخشبا تماما..
لا ينثني أي عضو فيها.. ولم تستطع رفعها..
حينها عاونتها صيتة لتحملاها معا وتضعانها على السرير..
بثينة بدأت تنتحب بهستيرية: كله مني كله مني... أنا خليتها تروح..
كان لازم أروح معها..
جليلة وصيتة وضعتا أميرة على السرير..
همست جليلة لبثينة بحزم بين دموعها وهي تحاول إيقاظ أميرة: أنتي مالش ذنب في شيء..
هي اللي دخلت هنا بروحها.. وهذا شيء ربي كتبه..
وإن كانت الجليلة أرادت بالفعل أن تنزع من داخل بثينة أي إحساس بالذنب لكنه بقي مع بثينة وقتا طويلا.. طويلا..
بينما الجليلة لم تستطع أبدا نزعه من نفسها.. كانت تشعر أن الذنب ذنبها وحدها.. وأنها كان يحب ألا تترك أميرة لحظة واحدة..
الصغيرة لم تستيقظ ولم تتحرك.. وجسدها مازال متصلبا..
اتصلت الجليلة بوالدها وأخبرته.. ورجته أن يتصل بالإسعاف فورا..
بقيت أميرة في المستشفى لشهر كامل معها الجليلة ووالدها..
تتابعها فيه طبيبة نفسية إلى جانب العلاج الطبي والفيريائي..
بينما بثينة ومساعد بقيا عند أم متعب وفي رعاية صيتة..
خلال هذه الأسابيع في المستشفى كان وضع أميرة سيئا جدا... ودموع الجليلة لا تتوقف على حالها..
في البدء كانت الصغيرة لا تتكلم أبدا ولا تتحرك..
فقط عيناها مفتوحتان..
بعدها بأسبوع كلما فتحت عيناها كانت تصرخ بهستيرية ورعب... دون أن تتكلم او تتحرك..
بعدها بعدة أيام..كانت كلما فتحت عيناها تقفز من السرير صارخة تبحث عن الجليلة حتى تختبئ في حضنها وتخفي وجهها فيه.. دون أن تتكلم..
المرحلة الأخيرة عادت للكلام.. لكنها كانت ملتصقة بالجليلة.. التصاقا جنينيا..
كانت تشعر بالرعب الحقيقي بعيدا عن الجليلة.. وتكره أن تتذكر ماحدث لها.. وترفض الحديث عنه..
ومرت سنوات طويلة وهي لا تدخل الحمام وحدها..
وترفض إغلاق بابه..
وترفض إطفاء الأنوار حتى وهي نائمة..
وتبكي كثيرا.. وتقفز من نومها مرعوبة تصرخ بهستيرية..
وكانت الجليلة تفعل كل شيء معها بالتدريج.. بتأني كبير..
و حاولت الجليلة أن تحل كل شيء بعيدا عن ارتباط أميرة بها.. لأن هذا الارتباط هو مايعطي أميرة القوة لمجابهة مخاوفها..
فهي الآن ماعادت تخاف الظلام.. ولا البقاء وحيدة.. ولا إغلاق الحمام..
لا تخاف إلا من شيء واحد.. هــــــــو فقدان الجليلة..
لأن تلك الحادثة ارتبطت في ذهنها ودواخلها بفقدان أمها وعدم وجود الجليلة لتحميها من الرعب الذي عاشته والذي يفوق سنوات عمرها بكثير.. بكثير..
والذي مازالت ترفض الحديث عنه أو مجرد تذكره..
.
.
.
" وليش ماعلمتوني زين..
إبي جاء زارني عقب وفاة امي
ليه ماعلمني؟؟ ليه؟؟"
تنهدت الجليلة وهي تربت على كتف شهاب بشجن وحزن ومؤازرة كل المشاعر المتناقضة:
شهاب اللي فيك مكفيك..
وش له نزودها عليك..
ثم أردفت بحزن أعمق: بعدين شهاب أنت حتى ما كنت طايق تشوفنا.. عشان نعلمك علومنا..
شهاب عاوده جموده الغريب: لا تلوميني يا أخيش.. كنت أكره نفسي لا جيتوا تزوروني..
أكره تشوفوني في ذا المنظر..
وعقب ما مات إبي وأمي.. حسيت بالقهر يأكلني إنكم أيتام وبروحكم.. وأخيكم الكبير اللي مفروض يكون جنبكم مسجون يدافع عن غيركم..
ثم أردف شهاب بوجع: جليلة لا تشرهين..أنا ارتكبت ذنوب كثيرة في حق الناس اللي أحبهم.. بس غصبا عني.. ياجليلة.. غصبا عني..
أنتي الحين تشرهين علي إني ماكنت أبيكم تجوني..
تدرين وش سويت في أعز رفيق لي يوم جاني؟؟
بلغه إبيه باللي صار.. جاني فورا من أمريكا.. وقبل يجيني إبي وعمي..
كان أول حد جا يزورني.. قبل حتى يجوني هلي.. عادني في التحقيقات وجايب معه اثنين محامين.. تدرين وش سويت فيه؟!!
الجليلة بتساؤل واستغراب وتوجس من طريقته في الكلام: وش سويت؟؟
شهاب بحزم مغموس بالوجع: طردته.. وحلفت عليه ماعاد يوريني وجهه..
************************************
ابتسم تركي وهتف بنبرة مقصودة: شكلك ذا الأيام مشغول جدا؟!!
هتف فُرات بثقة: إي والله جدا.. قاعدين نصب أساسات المشروع الجديد..
وعندي اجتماعات ما تخلص ما أرجع البيت إلا آخر الليل
ويادوب أروح أعطي المحاضرتين اللي أنت ورطتني فيها..
حتى لو أنت ما كلمتني إنك تبيني ضروري وكنت مابعد طلعت من البيت
وإلا ماكان قدرت أواجهك..
تركي بذات الابتسامة المريبة: توقعت كذا..
بس أحسن عشان أخذ البشارة..
فُرات باستغراب:
بــــشــــارة ويـــــــش؟؟
تركي حينها أشرق وجهه واتسعت ابتسامته: أنا كنت متوقع إنك دريت.. بس يوم شفتك كل يوم تكلمني طبيعي ولا كنك دريت بشيء.. توقعت إنك مادريت.. وكنت أتمنى إنك مادريت.. عشان أشوف وجهك لا بشرتك..
يا الله يدك على البشارة يا أبو حمد..
اردف وابتسامته تتسع: شهاب طلع ..وقده في الدوحة من حوالي 4 أيام..
حــــيـــنـــــــها..
همس فُرات بهدوء شديد.. شــــديـــــد.. شــــــــديــــــــــــد.. .
بالكاد تخرج الكلمات من فمه لشدة هدوءه: ممكن تعيد.. وش قلت؟؟
فرات كان خالي الذهن تماما..
حين قال له تركي بشارة.. توقع كثير من الأشياء على رأسها أن دكتور حسني سيستلم المجموعة منه بدءا من المحاضرة القادمة مثلا..
ولكن بشارة مثل هذه لا تستدعي أن تركي بالكاد يسلم على أهله ثم يحضر له مباشرة دون أن يبدل ملابس السفر حتى..
فهو مازال يرتدي البنطلون والقميص التي حضر بها من المطار..
لـــــكــــــــن..
نعم.. نعم.. نــــــــــعــــــــم!!
بشارة مثل هذه تستحق أن يحضر له قبل أن يذهب إلى أهله حتى..
بل كيف هان عليه أن يذهب إلى أهله أولا؟!!
بل كيف هان عليه أن ينتظر أربعة أيام حتى يخبره؟!!
بل كيف هان عليه هو فرات أن ينشغل بأي شيء وشهاب في الدوحة؟!!
وكيف هان على شهاب نفسه يكون في الدوحة من 4 أيام ولا يتواصل معه؟!!
أ ليس هذا وعدهما؟!! أ ليس هذا الوعد؟!!
شهاب في الدوحة..
شهاب في الدوحة..
أ يعقل شهاب في الدوحة؟!! وأخـــــيــــــــرا!!
منذ زمن طويل طويل طويل لم يشعر أنه غير قادر على السيطرة على مشاعره مثل الآن
هتف لتركي بذات الهدوء الملغوم الذي يخفي تحته نارا تستعر: قوم وصلني ..
وحسابك معي بعدين..
ابتسم تركي: بوصلك بس ما أني بداخل معك.. بروح أتسبح وأبدل.. ثم بجيكم..
والحساب يوم الحساب..
أنا أبي بشارتي وبس.. لك أكثر من عشر سنين توعدني فيها..
وشوفة تعابير وجهك تستاهل العنا..
أكمل عبارته ثم تناول هاتفه واتصل برقم عنده.. بعد التحيات المعتادة السريعة هتف بمودة:
مساعد فيه رجال بيجي يسلم على شهاب.. خله ينتظره في المجلس..
وبعدين شهاب عاده ماطلع رقم؟؟
..........................
صار معه تلفون.. ممتاز.. أرسل لي رقمه..
********************************
القاهرة قبل 17 عاما..
في قسم بوليس العجوزة بالدقي/ الجيزة..
صيف عام 1997..
" فرات واللي يرحم والديك ترا مهيب ناقصتك!!"
فرات متفجر بالغضب تماما.. يتآكل غضبا.. يحترق:
أكيد مهيب ناقصتني.. دام هي ودتك في داهية..
وكنت تلومني إني ما أحب نسوان العرب!! نعنبو لايمي عقب اليوم.. نعنبو لايمي..
في كل مكان وفي كل ديرة..
في الخليج وإلا في مصر وإلا في العراق وإلا في أي بلد عربي هم سبب كل المصايب والبلاوي
ليت الله يحصدهم ويخلص العالم منهم.. كان حن الحين في خير..
1
شهاب متفجر بالغضب كذلك. فما فيه يكفيه.. ولا يحتاج لوما من أحد:
أنت جاي من أمريكا وأنا لي سنتين ماشفتك قاعد فيها عند مرتك الأمريكية.. عشان يوم أشوفك تطلع عقدك عليّ..
كفاية فرات صارت لك 3 أيام وأنت مأكل كبدي وأنا كبدي أصلا محترقة..
اتسعت عينا فرات بصدمة: لا منت ب صاحي.. عادك مع شينك قوات عينك..
أنت داري إن المحامين يقولون موقفك ضعيف جدا..
ويمكن ينحكم عليك إعدام في جريمة أنت ماسويتها..
شهاب بعناد متحسر: ما أبيك ولا أبي محامينك.. أنا ما سويت شيء غلط وربي مارح يخذلني..
أنا دافعت عن أرملة أم أيتام..
فُرات بسخرية موجوعة.. فهو يكاد يموت قهرا بكل معنى الكلمة:
وهي قتلته ولبستك أنت الجريمة.. اشرب الحين.. اشرب..
شهاب بدفاع: هي أبدا ما لبستني الجريمة.. لدرجة انها اعترفت إنها اللي قتلته..مع إني قلت لها ماتقول..
بس هله يبون يطلعون ولدهم شهيد عشان سمعتهم على حسابي..
.
.
قبل ذلك بأسبوع..
كان شهاب قد أنهى فصله الصيفي.. بنجاح.. وأنهى تصديق أوراقه للعودة إلى الدوحة في غضون أسبوع..
كان شهاب طالبا متفوقا في جامعة قطر في تخصص القانون..
وتبقى عليه مادتين فقط للتخرج..
ولم يتم طرحها في الفصل الصيفي..
فقرر أخذها خارج قطر.. حتى لا يتأجل تخرجه للعام المقبل..
حاولت والدته إقناعه ألا يذهب.. ولماذا الاستعجال..
وما المشكلة لو تعطل تخرجه لفصل إضافي؟؟
حاولت إقناعه بكل الطرق..
ولكنه كان مصرا ..
وذهــــــــب..
ذهـــــــــــــــــــــــ ـــب...
كان يسكن في شقة صغيرة في منطقة المهندسين..
وكان بواب العمارة التي سكنها قد توفي قبل عدة أشهر..
وكانت زوجته تقوم بعمله.. بعد أن رجت صاحب العمارة ألا يطردها..
فهي لديها طفلين صغيرين ليس لهما سواها..
فتركها على شرط أن تدبر نفسها في غضون أشهر.. لأن عمل البواب لا يقوم به إلا رجل..
كان شهاب في تلك الليلة قد نام مبكرا.. كعادته..
حتى يلحق بصلاة الفجر مع الجماعة..
وكان عادة يذهب قبل الآذان ويصل مع المؤذن أو قبله في أحيان كثيرة..
وكان يخرج من باب العمارة الخلفي.. باب الخدمات لأنه الأقرب للمسجد..
بينما الباب الأمامي يستغرق أكثر من عشر دقائق اضافية ليدور حول العمارات المتراصة..
باب الخدمات يقع في مستوى أقل من الباب الرئيسي.. ولا يوجد فيه إلا مخازن السكان والخدمات وسكن البواب...
كان شهاب ينزل الدرج المؤدي إلى باب الخدمات.. مازال يغلق أزرار كميه بعد الوضوء..
وماء الوضوء مازال يتقاطر من وجهه...
حينها انتفض بقوة.. سمع اسمه..
متأكد إنه سمع من يناديه..
كان أحدهم يستنجد وينادي باسمه تحديدا..
كان صوت امرأة تصرخ:
الحقني ياسي شهاب..
ياسي شهاب..
كانت تعلم يائسة أن لا أحد ينزل في هذا الوقت المبكر وقبل الآذان إلا شهاب.. وأنه هو من يستخدم باب الخدمات القريب منها..
كانت تصرخ باسمه... وهي تدعو الله أن يرسله لها أو يرسل لها سواه..
كانت تدعو الله من قلبها.. من عمق قلبها..
شهاب توقف للتأكد من أين يأتي الصوت..
كان يأتي من خلف باب سكن البواب المغلق..
اقترب من الباب .. فازداد الصوت علوا..
وتأكد أن المرأة بالداخل تستنجد به تحديدا..
تدفق دم الحمية في عروق شهاب حارا وهو يرفس الباب بقدمه فيخلعه..
ليتفاجأ بالمنظر البشع أمامه..
كان أحد سكان العمارة يحاول الاعتداء عليها..
ومازالت تدافع عن نفسها بشراسة.. وبجوارها صغيراها يبكيان..
كانا طفلين بعمر السنة والسنتين..
شهاب انتزعه من فوقها بقوة..
وهو يصفعه عدة صفعات بكل قوته ثم ألقاه أرضا هو يستدير ليعطيهما ظهره..
وهو يقول للمرأة بأنفاسه المتطايرة وغضبه الذي مازال محتدما:
البسي ملابسش يا أختي..
الحين بكلم الشرطة يجون يأخذونه..
لفت المرأة نفسها بملاءة..
في الوقت الذي استغل الرجل الملقى أرضا أن شهاب أعطاه ظهره...
وتناول سكينه التي كان يهدد المرأة بها..
وكان على وشك طعن شهاب..
فانتبهت المرأة له..وتناولت شمعدانا حديديا بالقرب منها..
وضربت به المعتدي على رأسه..
لتكون إصابة مباشرة وقاتلة..
شهاب نظر بذهول للرجل الغارق في دمه.. وهو يجس نبضه ليجده فارق الحياة فعلا..
توقف للحظات مذهولا.. ثم هتف للمرأة بحزم:
اسمعيني يا أختي.. الناس بيطلعون للصلاة الان..
خلينا نتفق ..
أنا اللي قتلته.. الحين بأمسح بصماتك من الشمعدان وأحط بصماتي..
انتي عيالك صغار وماعندهم حد غيرك..
إذا شهدتي معي إني كنت أدافع عنك..
مارح أخذ إلا سنة أو سنتين بالكثير..
بس أنتي عيالك ذا السنة وإلا ذا السنتين وين بيروحون...
.
.
.
فرات مازال متفجرا بكل الغضب: واحنا وش نستفيد من اعترافها..
مرة غبية..غبية.. حتى كلامها كله جاء متناقض..
وعرفوا أنها تكذب عشان تحميك..
وزادت الطين بلة.. ورطتك أكثر..
وعقب اعترفت أنها اللي قتلته.. وورطتك أكثر وأكثر..ولا عاد فاد..
بصماتك أنت اللي على سلاح الجريمة..
وقالوا إنك أنت وإياها اللي استدرجتوه..
يعني حتى تضحيتك عشانها وعشان عيالها مالها قيمة..
رح تنسجن على كل حال..
شهاب بحزم وإصرار: عندي.. التضحية لها كل القيمة ولا أنا بندمان أبدا..
فرات مازال غضبه يسيره: أنت منت ب راضي تفهمني.. أنا لو في مكانك سويت نفسك بالضبط.. مستحيل أتجاهل مرة تستنجد.. كيف لو هي تستنجد فيني أنا..
بس الغلط اللي أنت سويته... ذا الفيلم البايخ.. كان خليت الأمور تمشي صح.. هي دافعت عن نفسها.. وقتلته.. أمر بسيط ومنطقي..
ليه تمسح بصماتها وتحط بصماتك؟؟
شهاب جلس وجسده كله ينهار وهو يهتف بإرهاق: فرات اعتقني الله يعتقك..
تراني والله ما عاد فيني أتحمل.. وصلت أخري يا أخيك..
واللي فيني مكفيني.. لا تأكل كبدي وهي محترقة..
فرات بذات الغضب المدمر الذي لا يتزحزح:
وش تبيني أسوي؟!!
انتظر لين أشوفك معلق على حبل المشنقة؟!!
ثم أردف بغضب أكبر و مرارة أكبر واكبر:
كله منك.. ومن تعاملك مع الأمور..
كل تصرفاتك غلط.. وردات فعلك غلط..
كل شيء سويته وتسويه غلط..
حينها وقف شهاب كان بالفعل فيه مايكفيه.. وكان لا يريد أن يراه أحد وفي هذا الموقف..
وكان في حينها متيقنا أنه سيخرج قريبا.. وآخر ما يحتاجه هو تأنيب هذا اللي لم يتوقف عن تأنيبه من ثلاثة أيام حتى اليوم..
هتف بحزم غاضب: وأنا ما طلبت منك تجي وتتحمل معي نتيجة أغلاطي..
أنا أتحمل أغلاطي بروحي..
اطلع من عندي يافرات..اطلع .. ماعاد أبي أشوف وجهك إلا في الدوحة..
فكني من شرك يا ولد آل سطام..
فرات بإصرار: أنا ماني بطالع من ذا الديرة إلا رجلي على رجلك..
إذا أنت مجنون ما تعرف مصلحتك أنا أعرفها..
حينها هتف شهاب بغضب كبير: أنت تفهم وإلا ماتفهم...
انا ما أبيك.. وماني محتاجك.. ولا رح أحتاجك في يوم..
ومهوب كل شيء لازم يمشي على كيفك..
والحين والله ثم والله إن تطلع من عندي على المطار.. ولا لك شغل فيني..
ووالله ثم والله ماعاد تشوف وجهي إلا في الدوحة..
والله لا تفجرني إني ماعاد أعرفك عمري كله..
فرات كان مصدوم.. مصدوما.. لا يتفهم حتى ردة فعل شهاب الغريبة: طالبك يا أخيك تستغفر.. أنت تبي تذبحني..
شهاب كان غاضبا من كل شيء.. كان مقهورا..وكانت حمية الشباب وحماسهم ونزقهم تأخذه إلى أبعد حد..
كان يشعر بالحرقة والظلم والضياع.. ونفّس عن غضبه في وجه أول وجه قريب منه يراه في محنته:
كلها سنة وإلا سنتين..ونتواجه..
ارجع فيها عند مرتك وديرتها..
وحتى لو صارت عشرين سنة.. ما أبي أشوف وجهك عندي..
حلفت ماعاد نتواجه ولا تشوفني إلا في الدوحة..
والله إن تطلع الحين.. اطلع أقول لك.. برا يا الله..
فرات بغضب: ماني ب طالع ولا رايح مكان.. اطعم لك عشرة مساكين عن حلفك وإلا صوم ثلاث أيام..
أنا قاعد لين أشوف آخر سالفتك يا سوبرمان.. يا نصير النساء..
حينها انفجر شهاب انفجر تماما: أنت جاي تبي تطلع عقدك علي؟؟.. تبي تخلي ذا المرة المسكينة اللي أنا أنقذتها مثال لصورتك المريضة عن المرأة العربية وبس
وتبي تقعد تنظّر فوق رأسي نظرياتك المريضة.. يا أخي أنا ماني بطايقك.. ولا طايق أفكارك المريضة..
اطلع برا.. فكني من شرك.. ما أبي أشوف وجهك.. برا.. برا..
حينها أشاح فرات بوجهه.. وانسحب دون أن يودعه.. وهتف بحزم:
أنا طالع المطار ..
ووالله ماعاد تشوف وجهي إلا في الدوحة على حلوفتك..
بس المحامين بيقعدون معك لين ينحكم في قضيتك..
كلاهما جرح الآخر جرحا غائرا.. تماما..
وغـــــــــادر..
كان جرحا ماكنا.. ترك أثرا عميقا في نفس كل منهما..
وكانت تلك المرة هي المرة الأخيرة التي يرى فيها شهاب فرات..
وهو يغادره مُهانا مطرودا..
ولم يعرف بعدها أي شيء عنه.. فهو لم يسأل عنه أبدا في استمرار غريب لردات فعله الغريبة في السجن... وتصرفاته الاغرب مع الجميع..
تصرفاته الجامدة غير المفهومة وهو يبعد الجميع عنه..
ولكن فُرات كان يسأل تركي عنه دائما ..
وكان دائما يقول له: اليوم اللي تبشرني فيه بطلعة شهاب..
لك فيه أكبر بشارة ممكن تتخيلها..
وبالتأكيد حين بشره تركي.. لم يكن يريد هذه البشارة..
لكنه أراد بالفعل أن يسعد فُرات وهو يعلم جيدا كم انتظر هذا الخبر..
كم انتظره طويلا!!
*******************************
" غريبة إني ما أعرف ذا الصديق!!"
ابتسم شهاب: ليه أنتي تعرفين أساسا أحد من ربعي؟؟.. وإلا قد علمتش باسم واحد منهم؟؟
ابتسمت الجليلة: لا والله عمرك ماقلت.. بس تقول: طالع مع ربعي وبس.. وإلا طالع مع رفيقي وبس..
بس ذا الرفيق اللي ترك أمريكا عشان يجي لك ويجيب لك محامين..
لازم أعرفه..
شهاب بابتسامة بشجن وحزن: ودي أنشد منه وينه وإلا وين راح.. بس مستحي.. مالي وجه..
ما طاوعني لساني أنشد منه..
ومن يوم جيت وأنا أفكر فيه..
ورحت لبيتهم القديم.. ماعاد عينته.. أو مادليته.. ما أعرف..
وأقول لو هو في الدوحة كان جاني.. مستحيل يدري إني هنا ولا يجي..والجماعة كلهم دارين إني هنا.. أكيد إنه عنده خبر..
وأرجع أقول يمكن إنه نساني.. هذي 17 سنة مرت.. وإلا عاده زعلان علي؟؟
وأقول يمكن إنه عاده في أمريكا ما رجع؟؟
قاطعه رنين هاتفه.. تناوله وهو يهتف بمودة حازمة: هلا مساعد
.................
في البيت داخل..
.................
إن شاء الله بأروح الحين..
شهاب أنهى الاتصال .. والتفت لجليلة وهتف بمودته الجامدة:
أنا رايح المجلس.. بيجي رجال يبي يسلم علي..
وعادنا ما خلصنا كلام في موضوع أميرة..
بس لازم تداومين.. بكرة
بكرة الأحد اسبوع جديد.. وانتي غبتي بما يكفي
حينها ابتسمت الجليلة: أبشر..
اصلا لازم أروح... عقب اسبوعين امتحان الامبريالي.. أبي ألحق اخذ المحاضرات..
شهاب يستعد للخروج وهو يبتسم: من الإمبريالي ذا؟؟..
الجليلة تستعد كذلك للصعود لأعلى وهي تبتسم: بعلمك بعدين..
**********************************
"خالد ... ممكن أدخل وإلا بزعجك؟؟"
خالد بمودة: تعالي غلوي..
أنا اصلا جاي بس ببدل واطلع أركض..
موب بس رجالش اللي رياضي ويركض..
كان بالفعل يرتدي لباسه الرياضي ويبدو مستعدا للخروج
ضحكت غالية: لو على رجالي عاجز ووده ينبطح وبس..
غير ربي بلاه برجال اختك ورجال بنت عمك..
غالية جلست جوار خالد الذي كان ينهي استعداده بلبس حذائه الرياضي وعقد خيوطه..
مدت كفها لتربت على فخذه بحنان: أنت زين فديتك؟؟ عسى منت متضايق؟؟ ولا عاد في خاطرك شيء؟؟
حينها تنهد خالد بغضب قلب حاله بشكل مفاجئ ونبرته الحازمة المتجبرة تحضر بكل قوة:
أنا أبي أعرف أنتو شايفيني بزر عمره خمس سنين.. أمه راحت وخلته؟
ولازم تطبطون عليه..
ياناس أنا رجال.. رجال.. أنهيت مرحلة من حياتي باقتناع تام مني..
وانتهينا.. انتهينا..
ولا عاد حد يفتح معي أي موضوع يخص طلاقي بأي شكل من الأشكال..
غالية انكمشت قليلا وهمست باختناق: كنت أبي أتطمن عليك بس..
ثم اردفت بحنان: حالك مهوب عاجبني فديتك..
حتى وزنك نازل... وش له تركض؟!!
خالد اغتصب ابتسامة وهو يقف ثم يميل ليقبل رأسها ويهتف بحنو مازال مطعما بنبرته الغاضبة:
مانقصت حتى كيلو واحد..
ولا تشغلين بالش يا أخيش.. مافيني إلا العافية..
خالد أنهى عبارته وتركها جالسة في غرفته ونزل ليركض..
خرج خارج المنزل.. وركض بسرعة حتى تجاوز منزلهم بشارعين..
بعدها توقف وهو يستند إلى جدار مسجد..
زفر بقوة وهو يشد بقبضته على أعلى صدره من اليسار..
كان يشعر بتصاعد الألم في قفصه الصدري..
وهو عاجز عن سحب أنفاسه وأضلاعه تنطبق على رئتيه بعنف..
وكأن المكان حوله خال تماما من الهواء..
. مع انه أواخر أكتوبر والجو كان منعشا ..
لكن تبدو له الدوحة كلها وكأنها خلت من الأكسجين..
وأن كل ما فيه يستنجد من الاختناق ولا يستطيع أن يفعل شيئا..
كان يحسب للطائرة حتى غادرت.. وهو يدعو الله ألا يخذله..
أن يمده بالقوة... أن يمنحه العزيمة لبدء طريقه من جديد..
فور تيقنه بمغادرتها هذا الصباح هاجمه هذا الإحساس المفاجئ المر بالاختناق..
الإحساس أنه يتنفس داخل صندوق أغلق عليه...
وأن رئتيه تيبستا من قلة الهواء..
تنهد بعمق.. وشعر أن حتى التنهيدة تؤلمه..
(إذا ماكنت قادر أنسى..لازم أتعود!)
عاود شد جسده.. ليحاول أن يعود للركض..
ولكنه لم يستطع أن يكمل جولته..
فالركض مع العجز عن التنفس الذي يشعر به كان تعذيبا حقيقيا.. نفسيا وجسديا..
لذا قرر أن يعود للبيت ليرتاح.. وأن يقرأ ورده و يصلي قيامه كي ينام مبكرا..
************************************
"أبوفرات تدري وين ولدك المزيون
بنته المزيونة تدق عليه ما يرد
موب عوايده أبد يسفهني"
حين دخلت غرفة جدها كان يقرأ في مصحفه.. لذا هتفت بتراجع وخجل: آسفة يبه قاطعتك؟؟
هتف أبو فرات بحنان وهو يضع مصحفه في مكانه: تعالي أنا أصلا خلصت..
وفرات أكيد مشغول جدا وإلا في اجتماع عشان كذا مارد على بنته المزيونة..
الله يعينه ذا الأيام.. يا الله أشوفه خمس دقايق في اليوم..
ثم تنهد بحزن: ما أعرف لمتى وهو هالك نفسه في الشغل كذا؟!
حينها زفرت مي بضيق وهي تجلس جواره: كنت أبي أشوف لو هو بيتعشى معنا.. حمد وحامد موجودين في البيت.. قلت نتعشى سوا...
ابتسم الجد وهو وهو يحتضن كتفيها ويقبل قمة رأسها: ماعليه إبيش دايما موجود حزة العشاء..
بس الاثنين ذولا دايما واحد منهم غير موجود.. خصوصا حامد..
" وأنا كل مادخلت عليكم إلا لازم أسمع اسمي..
ما تخافون الله من كثر ما تغتابوني.."
أبوفرات ابتسم بمودة وهو يتلقى حامد الذي قبل رأسه ويده: وأنت ماتخاف الله من كثر ما تنصت..
ضحك حامد: بابك مفتوح وصوتك عالي..الصوت هو اللي جاني..
ثم أردف بمودة عميقة وهو يجلس جوار حمد الكبير من الناحية الأخرى ويمسك بيده ويشد عليها:
اشلونك جعلني فداك..
ابتسم أبوفرات بشفافيته المعتادة: أنا طيب يا أبيك.. أنت اللي اشلونك.. وأخبار تدريباتك؟؟
حامد بمودة: كل شيء زين .. وعندي سفرة قريبة.. عندنا بطولة برا..
ثم أردف بتذكر: ترا مساعد ولد طالب آل حزام كلمني.. يعزم على عشاء كبير على سلامة أخيه عقب بكرة..
وطلب رقمك أنت وفرات.. قلت أنا بقول لهم..
حينها استدار أبوفرات نحو حامد وهو يهتف بصدمة وعيناه تتسعان: من إخيه؟؟ شهاب؟؟ متى طلع؟؟ وفُرات درى إنه رجع؟؟ فُرات درى؟؟
حامد هز كتفيه: ما أعرف.. أنا أصلا تغديت عندهم قبل كم يوم.. بس لهيت ونسيت أقول لكم..
حينها ابتسم أبوفرات ابتسامة واسعة: تبي لك بشارة أكبر من رأسك؟؟.. دق على فرات وعلمه إن شهاب طلع..
حينها ضحك حامد وهو يتصل بفرات عدة مرات دون رد: ماحد يعيف البشارة بس ليه بيعطيني بشارة؟؟
ثم أردف بنبرة مقصودة: مع إنه عندي خبر ثاني أظن بيعطيني بشارة عليه بعد..
********************************
قبل ذلك.. الوقت قبل المغرب..
لا يعلم أي عواصف كانت تهب عاتية عنيفة في روحه..
وهو يجلس صامتا بجوار تركي في سيارته..
بعد أن وضع هاتفه على الصامت.. وطلب من سكرتيره إلغاء كل أعماله واجتماعاته..
لم يكن يريد أي مقاطعة لما هو مقبل عليه..
لما انتظره سبعة عشر عاما عاما بعام..
لما يستحق منه أن يعايشه بكل التركيز والتفاصيل..
(وأخيرا يا شهاب في الدوحة عقب 17 سنة.. وأخيرا!!)
نزل من سيارة تركي دون أن يتكلم.. وهو يحث الخطا إلى المجلس الذي لم يدخله سابقا
وإن كان دخل المجلس المجاور له كثيرا..
كان دوما ينظر له في كل مرة يزور تركي مشغولا به ويترقب.. إلى درجة أنه سأل تركي ذات مرة: ليه مجلسكم أنتو وعمكم موب واحد؟؟
كيف أخين جنب بعض وكل واحد له مجلس..
كان يتمنى بكل لهفة الكون اللحظة التي سيدخل فيها ذلك المجلس الآخر.. اللحظة التي تأخرت كثيرا.. كثيرا..
وكان يظن أنه سيبقى لثمان سنوات متطاولة أخرى حتى يدخله..
ارتبط ذلك المجلس في ذهنه بعودة شهاب..
وهاهو شهاب يعود..
لا يعلم أي عواصف كانت تهب عاتية عنيفة في روحه..
وهو يجلس صامتا بجوار تركي في سيارته..
بعد أن وضع هاتفه على الصامت.. وطلب من سكرتيره إلغاء كل أعماله واجتماعاته..
لم يكن يريد أي مقاطعة لما هو مقبل عليه..
لما انتظره سبعة عشر عاما عاما بعام..
لما يستحق منه أن يعايشه بكل التركيز والتفاصيل..
(وأخيرا يا شهاب في الدوحة عقب 17 سنة.. وأخيرا!!)
نزل من سيارة تركي دون أن يتكلم.. وهو يحث الخطا إلى المجلس الذي لم يدخله سابقا
وإن كان دخل المجلس المجاور له كثيرا..
كان دوما ينظر له في كل مرة يزور تركي مشغولا به ويترقب.. إلى درجة أنه سأل تركي ذات مرة: ليه مجلسكم أنتو وعمكم موب واحد؟؟
كيف أخين جنب بعض وكل واحد له مجلس..
كان يتمنى بكل لهفة الكون اللحظة التي سيدخل فيها ذلك المجلس الآخر.. اللحظة التي تأخرت كثيرا.. كثيرا..
وكان يظن أنه سيبقى لثمان سنوات متطاولة أخرى حتى يدخله..
ارتبط ذلك المجلس في ذهنه بعودة شهاب..
وهاهو شهاب يعود..
وهاهو يخطو خطواته الأولى إلى داخل المجلس..
كانت صداقته مع شهاب تمتد لمراحل الدراسة الأولى..
لدخولهما الصف الأول معا.. رغم أن شهابا يصغر فُرات بعام واحد..
لكنه دخل المدرسة سابقا لعمره..
من يومها والاثنين يتزايد ترابطهما رغم الاختلافات بينهما..
كانا كثيرا ما يتشاجران.. نتيجة لاختلافهما في الرأي.. وخصوصا لقناعات فرات الغريبة عن المرأة العربية..
حاول شهاب جاهدا أن يمنع فرات من الزواج بامرأة أميركية..
رغم أن شهاب لم يكن عنده رفض لشخصية (أسماء) زوجة فرات الأميركية المسلمة المتدينة..
ولكنه رغم صغر سنه كان يرفض هذا الاختلاف الجذري والمكاني والثقافي بين شخصين سيجتمعان طيلة العمر وسيكون بينهما أطفال..
وحاول كثيرا اقناع فرات بهذا.. لكن قناعات فرات كانت راسخة..
سافر بعدها فرات ليدرس في أمريكا مع زوجته.. وترك فجوة فقد كبيرة في روح شهاب..
لكن التواصل لم ينقطع بينهما أبدا.. لا يستطيع أحد منهما أن يقدم على خطوة دون أن يستشير الآخر.. والاتصالات والرسائل البريدية الطويلة لا تتوقف بينهما..
قبل 17 عاما...
حينما اتصل أبوفرات بفرات وأخبره بما حدث صديقه.. كان فُرات حينها قد تخرج.. ويجهز العدة للعودة للدوحة..
ترك كل شيء دون تردد.. كل شيء حرفيا.. زوجته.. أولاده.. استعدادته للعودة.. عمله.. ففرات من وقتها كان قد بدأ أعماله الخاصة..
شهاب حينها كان أولويته الوحيدة.. لم يكن يفكر إلا في شهاب وحده..
وحين غادر فرات القاهرة مدحورا منكوبا موبوءا بالحسرة مسكونا بالفقد.. كان قد ترك جزءا كبيرا من روحه وراءه..
شطر روحه تركها خلفه..
احتاج زمنا طويلا كي يشعر بالتوازن في حياةٍ.. شهاب ليس فيها..
كتب له عشرات الرسائل الورقية التي لم تصله..
اتصل عشرات الاتصالات بذات الرقم التي لم يكن يرد عليه فيه إلا طالب والد شهاب..
وهو يهتف له بوجع ينحر روحه: الله كريم يا ولدي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
فالصداقة الحقيقية هي خلاصة أفضل الأشياء وأجملها..
هي أجمل النعم التي يمن الله بها على عباده..
هي أفضل مافي الإنسانية.. أفضل مافي الأخوة.. أفضل مافي التآلف..
فالصديق أخ.. وقريب.. ومستشار.. ومؤتمن..
الصديق هو نبض الروح ونداءها وسكنها..
نحن لا نختار أهلنا ولا أخوتنا..
ولكننا نختار أصدقائنا.. فهم خيارنا الذي اصطفته أرواحنا لأنه يكمل ما ينقصنا..
هكذا كان شهاب وفرات!
في بداية سجن شهاب.. كان فرات يطمئن على أخبار شهاب من والده..
ولكن بعد وفاة طالب..
كان يسأل عبدالمحسن ومتعب وتركي.. لكن علاقته قويت أكثر وأكثر بتركي..
فالاثنان حدث بينهما ذلك التآلف الإنساني العظيم .. تلك النعمة الربانية الجزيلة ..
المسماة (الصداقة)..
ولكن وحده شهاب كان الصديق الأعظم الذي علم أنه لن يتكرر في حياته..
ولا يبدله بكل كنوز الكون..
مع تركي كان هناك أمور وتفاصيل وأفكار لا تُقال..
لكن مع شهاب لم يكن حتى يفكر مرتين وهو يخبره كل ما يفكر به..
مهما كانت تلك الأفكار ستغضب شهاب وتجعلهما يتشاجران..
سبعة عشر عاما مرت كانت خالية من شهاب..
كان يشعر فيها أنه أعرج.. يمشي بقدم واحدة..
أعور يبصر بعين واحدة..
كان فيها مبتور الروح.. تأكله الحسرة على شباب صديقه وعمره المسلوب..
وهاهي الحسرة تؤذن بالخلاص.. وسنوات الألم توشك أن تنتهي..
وخطواته تنقله لداخل مجلس.. المجلس الذي لم يدخله سابقا..
لأن عائلة شهاب انتقلت له قبل أن يُسجن بعام واحد فقط..
وكان فُرات حينها في أميركا..
كان يخطو لداخل المجلس.. وهو يريد أن يطير والخطوات القليلة المتبقية لا تريد أن تنتهي..
وفي ذات الوقت يشعر أن قدميه ثقيلتان كأنهما مكبلتان بكل قيود الأرض..
(يا ترى كيف صار شهاب؟؟
هل تغير شكله؟؟
هل تغيرت شخصيته؟؟
17 سنة مرت وفي داخل السجن..
وش خذت منك يا شهاب؟؟ ووش تركت لك؟؟
يا ترى بيستانس لا شافني؟؟
وإلا بيحس كأنه شايف واحد من أقصى الجماعة؟؟
يا ترى عاد في داخله نفس اللي في داخلي..
وإلا انتهى أي إحساس خاص يحمله لي؟؟)
وقف فُرات أمام الباب الخشبي الضخم الذي يفتح المجلس الرئيسي...
وقف لدقيقة وهو يتنفس بعمق.. ليعيد التوازن لنفسه..
كان يشعر أن أعصابه ثائرة تماما.. مهتاجة.. وهو غير قادر على السيطرة عليها..
أمر لم يعتد عليه أبدا..
ولكنه ختاما يجب أن يدخل.. وسيموت ليدخل ويرى من يعلم أنه ينتظره وراء هذه الباب..
لينهي مرحلة قاسية من العمر.. مرحلة انتظار طويلة كانت كالهم المر على قلبه..
سمى فرات باسم الله.. ودفع الباب بحزم..
ودخــــــــــل..
فــــي الــــداخــــل..
كان شهاب يجلس مع مساعد يتحدثان.. يخبره مساعد عن ترتيبات حفل استقباله الذي سيكون بعد غد..
الترتيبات التي لم تكن تهم شهاب.. ولكنه كان منتبها من أجل مساعد الذي شعر أن الأمر بالغ الأهمية بالنسبة به..
مع اهتمامه بكل التفاصيل الصغيرة والدقيقة.. وقوائم المدعوين الضخمة التي أثارت استغراب شهاب..
(متى لحق يعرف ذا الناس كلهم وهو توه عمره 22 سنة؟؟)
على الجانب الآخر..
كان شهاب خالي الذهن تماما عن من سيكون الزائر الذي أخبرهم عنه تركي..
لا يعرف من القادم.. ولا يهمه أن يعرف... فهو منذ عودته سلّم على العشرات معظمهم لا يعرفه.. بل إنه نسيهم بعد انتهاء السلام..
كان يقدّر كثيرا مجيئهم واهتمامهم بالسلام... ولكن في داخله جمود كبير تجاه هذا العالم الغريب عليه..
كان يحاول أن يجامل ويرحب ويبدي الود.. كان رغما عنه يظهر هذا الجمود..
في أثناء حوارهما هو ومساعد .. فُتح الباب.. ودخل شخص ما..
فوقفا كلاهما مرحبين..
مساعد تقدم نحو الباب وهو يهتف بترحيب كبير : يا حيا الله أبو حمد..
تفضل تفضل.. وش ذا اليوم المبارك اللي دخلت مجلسنا!!
شهاب كان واقفا من مكانه.. بجموده المعتاد..
كانت ثوان معدودة .. ثلاث ثوان ربما..
أكثر قليلا.. أقل قليلا..
ثوان معدودة.. فصلت بين حالين مختلفين تماما..
وهو يتعرف على هذا الزائر الذي دخل توا..
هذا الزائر الذي كان أخر ما يذكر منه.. تقطيبة جبينه .. واحمرار وجهه.. وارتعاش جسده..
وهو يراه مغادرا غرفة تحقيق قديمة..
في مركز شرطة في قلب القاهرة..
غادره .. ليغادر معه جزء كبير جدا من روحه.. وينطفئ شيء جليل في داخله..
غادره وهو يعلم كم غادر وهو حزين ومقهور..
وإن كان فرات قد غادر ليعود إلى الحياة الشاسعة.. أهله وعمله وزوجته وأطفاله.. ومع ذلك بقي في روحه من الحسرة ما لا يوصف..
فكيف بمن بقي 17 عاما بين القضبان.. لا زاد لديه إلا استعادة الذكريات مرة بعد مرة.. وإعادة انتاج الحسرة والمرارة مرة بعد مرة؟!
كان شهاب في كل يوم يتذكر موقفهما الأخير.. ليزداد سخطه على نفسه..
يتذكر كيف كافئ صديقه الذي ترك كل شيء ليكون معه.. فتكون هذه الذكرى سما يتجرعه كل يوم..
في داخل السجن.. وفي ثنايا الحرية المسلوبة..
لا شيء عنده إلا إعادة إحياء الذكريات.. فهكذا يُصبر نفسه.. ويعذبها!!
كان يقول لنفسه بحسرة: ليه ما أقول لإبي وعمي إني صمت مئات الأيام.. وإني كفرت عن نذري مئات المرات..
قولو لفرات يجيني.. قولوا لفرات أبي أشوفه..
لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك.. كان يشعر بالخجل منه.. يشعر أن فعلته في حق فرات لا تُغتفر..
وروحه كانت غارقة في الضيم والحسرة والجمود.. خصوصا بعد أن توفيت أمه بعد عام واحد من سجنه..
وفاتها نسفت روحه نسفا.. يتذكر رفضها لسفره وإصراره عليه..
يخشى أن تكون رحلت وهي غير راضية عنه..
بعدها فقد الرغبة في أي شيء قد يكون مصدر سعادة لا يريد فرات.. لا يريد أميرة..
بل لا يريد أي أحد من أهله..
يريد أن ينزوي على ذاته يعد الأيام حتى تنقضي.. يعد الأيام التي لا تنتهي..
ومع ذلك كلهم كانوا في الذاكرة.. وفرات بالذات كان له حضوره الضخم في كل تفاصيل الذاكرة... فأهله كلهم يزورونه.. يعرف أخبارهم..
ولكن فرات غادره مثقلا بالحزن والصدمة.. غادره مجروحا وجرحه كان عميقا عميقا..
حفر روحه حفرا..
فما فعله شهاب به كان جارحا حتى النخاع!!
غادره لتنقطع كل أخباره عنه.. وهذا ترك حسرة لا تنجلي في روح شهاب..
وقف شهاب ينظر لمن دخل عبر الباب وكل مافيه يتوقف.. كل مافيه توقف..
أنفاسه.. دقات قلبه.. حتى دمائه وذكرياته توقفت عن التدفق..
تبادلا النظرات دون أن يقتربا من بعضهما..
وكل ماحولهما سكن تماما..
وكأن الكون كله توقف رهبة وإجلالا لهذا اللقاء...
كأن الكرة الأرضية توقفت عن دورانها لتسجل هذه اللحظة التاريخية..
كانا ينظران لبعضهما.. وكأن النظرات العطشى تشرب مابعد البعد..
كانا ينظران لبعضهما وكل منهما يدقق في تفاصيل الآخر..
التفاصيل التي رسماها معا.. والتفاصيل التي رسمها البعد في غيابهما..
الشعرات البيضاء في العوارض التي تشي كم سرق الزمن منهما..
بعد أن كان أخر ما رأياها هو السواد الفاحم لشعر كل منهما..
قطع قديم في جبين شهاب كان فرات من تسبب به..
قطع قديم بجوار حاجب فُرات لا يعلم شهاب عنه شيئا..
كان مساعد يقف بينهما مستغربا..
(ذولا وش فيهم ما سلموا؟!)
كان يشعر أن في الجو شرارات كهربائية عنيفة..
وأن الوضع كله غير طبيعي.. ومع ذلك لم يتدخل إطلاقا..
لأنه شعر أن الموقف أكبر منه بكثير دون أن يعرف السبب..
كانت النظرات تستعر بشدة بينهما..
وكأنها تحكي كل شيء.. الشوق.. الغضب.. العتب.. واللهفة.. والشوق
والشوق.. والشوق.. والشوق..
الانفاس تتصاعد بعنف.. بين زفير وشهيق..
وهناك ارتعاشة خفيفة في الجسدين بدت تصبح واضحة للعيان..
كان فرات هو أول من تقدم.. وهو ينهي النظرات لصالح الانفعالات..
تقدم بخطوات واسعة نحو شهاب.. بينما شهاب لم يتحرك..
شعر أنه عاجز عن التحرك.. في داخله كثير من الفوضى..
ومازال يخشى أن يكون في نفس فرات شيء عليه..
فرات أنهى تقدمه بإن وقف أمام شهاب لجزء من الثانية يتمعن في وجهه من قرب..
يشرب ملامحه.. والعين بالعين تحكي قصصا لا تنتهي..
ثم مد يديه.. واحتضنه بقوة.. تصلب جسد شهاب لأجزاء من الثانية..
وكأن جسده عجز عن استيعاب كل هذه الفرحة..
(أحقا هذا فرات!!
ورائحة فرات!!
وقرب فرات)
كانت أجزاء من الثانية قبل أن يرد عليه الحضن بحضن مشابه في قوته وانفعاله..
احتضنا بعضهما وكأنهما يحتضنان مامضي من عمرهما ومابقي..
وكأنهما يحتضنان ذكرياتهما الأثيرة معا..
كأنهما يحتضنان أوجاعهما التي زخرت بها روحيهما طيلة الأعوام الماضية.. التي أثقلت عليهما بحمل قرون..
كأنهما يحتضنان تلك الغربة المتطاولة التي باعدت بينهما وآن لها أن تنتهي..
ثم مد يديه.. واحتضنه بقوة.. تصلب جسد شهاب لأجزاء من الثانية..
وكأن جسده عجز عن استيعاب كل هذه الفرحة..
(أحقا هذا فرات!!
ورائحة فرات!!
وقرب فرات)
كانت أجزاء من الثانية قبل أن يرد عليه الحضن بحضن مشابه في قوته وانفعاله..
احتضنا بعضهما وكأنهما يحتضنان مامضي من عمرهما ومابقي..
وكأنهما يحتضنان ذكرياتهما الأثيرة معا..
كأنهما يحتضنان أوجاعهما التي زخرت بها روحيهما طيلة الأعوام الماضية.. التي أثقلت عليهما بحمل قرون..
كأنهما يحتضنان تلك الغربة المتطاولة التي باعدت بينهما وآن لها أن تنتهي..
كانت فيهما رائحة الوطن.. رائحة الوطن بكل تجلياتها الأسطورية..
رائحة الوطن الذي آب له المغترب بعد دهر من الغربة واليأس واللهفة..
رائحة الوطن التي تجلي صدأ الروح.. وتغمرها بالنور..
وإن كان فرات هو أول من احتضن.. فشهاب كان أول تكلم وهو مازال يحتضن فرات بكل قوته ويهمس في إذنه بتأثر بالغ كانت روحه تذوي معه:
سامحني يافرات سامحني يا أخيك.. سامحني..
فرات همس في إذنه بتأثر بالغ مشابه ولكنه لا يخلو من غضب شفاف حزين وهو مازال يحتضنه بكل قوته كذلك:
نتحاسب بعدين..
الحين أنا ما أقدر أفكر إلا بشيء واحد..
إنك هنا أخيرا..
وأخيرا يا شهاب.. أخيرا..
في الدوحة.. معي.. عقب 17 سنة..
***************************************
"الهنوف ترا في النهاية هو رجّالش..
يعني مافيها شيء.. ترا كل السالفة سلام باليد واحنا كلنا موجودين..
أنتو البدو غريبين صراحة..
أنا لا تملكت.. أقل شيء بكلمه عقب الملكة
موب انصرع في شخصيته عقب العرس"
كانت هذه عبارة البندري المرحة.. وهي تنظر للهنوف.. التي لم تتوقف عن المجي والذهاب منذ صعدت إلى غرفتها بعد سلام تركي عليها..
وهي تزفر بغضب ودخان حرائقها ينتشر في الغرفة كلها..
وتهتف بغضب: البندري لا تخليني أطلع حرة أخيش فيش..
تراني مندبلة كبدي منه.. ومن حركاته الماسخة..
البندري بتساؤل واستغراب: أي حركات؟؟ ليه فيه شيء غير ذا؟!!
تنهدت الهنوف بذات الغضب: مهوب شغلش.. ماحد قد قال لش إنش ملقوفة؟!!..
البندري ابتسمت بعذوبة: أبدا.. ماحد قال لي غيرش..
أمممممم ويمكن أمي وإبي.. وحزام وتركي ومتعب.. والجيران..
وكم وحدة أيام المدرسة.. والحين في الجامعة كم وحدة بعد..
الهنوف تنهدت للمرة الألف وهي توقف تحركها كرقاص الساعة..
وتجلس وهي تهمس للبندري باهتمام تحاول فيه تناسي إحراج تركي لها:
وش أخبار البحث اللي كنتي تشتغلين عليه؟؟
البندري بذات الابتسامة العذبة: الحمدالله عجب الدكتور جدا..
الهنوف بمؤازرة: سامحيني ماقدرت أساعدش فيه.. عاد أنتي أصريتي تخرجين خارج تخصص عيال آل حزام..
كلنا تخصص إدارة واقتصاد إلا إنتي..
البندري بمرح: نعنبو لاعت كبودنا من تخصصكم..
أنتي وتركي وبثينة ومساعد والجليلة وأميرة ..كلكم كلية إدارة واقتصاد بتخصصاتها المختلفة...
لكن تخصصي الشؤون الدولية جديد في جامعة قطر... رح تكون فرصه أكبر.. وأنا حابته..
جاي على جوي..
ابتسمت الهنوف: يعني بتصيرين وزيرة وإلا سفيرة يا أختي؟!!
البندري بثقة مرحة: أصير ونص بعد..
أساسا تخيلي الاسم.. حضرة الوزيرة وإلا السفيرة : البندري آل حزام..
اسم دبلوماسي من الطراز الأول..
****************************
" وش عندش بثون هانم.. منقعة في بيت أهلش؟؟
أخبرش لاصقة لمحمد 24 ساعة لين طلعتي روحه"
بثينة تضحك: صدق الرازق في السما والحاسد في الأرض..
عينش فينا حن المساكين.. أنا وأخيش ذا المسكين..
مها ترفع حاجبيها: أنتي ومحمد أخر حد ينقال لهم مساكين.. أنتم فريق المسكونين..
والحين عقب ما طلعتي عين محمد.. قررتي تطلعين عين شهاب بكثر منتي لاصقة فيه..
الحين بيهج ويقول أرجع مصر احسن..
بثينة ضحكت: لا دخيلش.. ماعاد نبيه يسافر مكان... عشر سنين مارح نخليه يخطي برا الدوحة..
ثم نظرت لساعتها وهمست بمودة: بقوم أسوي للبنات عشاء وش يحبون يأكلون؟؟
مها بمودة : اقعدي لا تسوين شيء... خدامتهم بتسوي.. هي عارفة أكلهم..
بثينة بإصرار : أجل بقوم اسوي لي أنا وإياش..
ماصدقت حد منكم يدخل بيتي عشان ينام عندي..
أخر حد كان الجازي يوم حجوا هلش...
وكانت أحلى اسبوعين.. فليناها أنا وإياها..
بثينة غادرت.. بينما مها نزعت ابتسامتها المرتسمة على وجهها..
في داخلها توتر غير مفهوم... تشعر أنها تقف على أرض غير ثابتة..
نعم في داخلها غضب ضخم قديم على متعب.. ولكن فكرة أن زواجه أصبح حقيقة واقعة..أحدث صدمة كاسحة في روحها مازالت غير مفهومة..
وسعود ربط يديها حين قال لها ألا تتواصل مع متعب...
(حتى رسايل ما أقدر أرسل
بموت من القهر
بموت..)
" من هذا اللي تحلطمين عليه؟؟
لا يكون متعب..
توني مواجهه في مجلسهم هو بعد يتحلطم ويحاكي روحه"
مها انتبهت من أفكارها ورفعت عينيها لمحمد المبتسم على الدوام وهمست بصدمة:
متعب يتحلطم؟؟
محمد يخلع غترته ويضعها في حضنه.. ويجلس جوار مها ويهتف بمرح:
إي والله ..رحت مسير عليهم.. ضايق ..
سعود مسافر.. وخالد مشغول..
لقيته في المجلس مع إبيه وحزام.. تركي ومساعد كانوا في مجلس آل طالب..
ما سولفت إلا مع أبو متعب وحزام.. لأنه متعب قاعد في الزاوية يحاكي روحه..
(إيه مشغول يفكر بالمرة الجديدة..
يا اللي ما تستحي.. يا قليل الأدب..
يا اللي مافيك نخوة ولا شهامة..
طيب أنا قلت لك أعرس..
بس علمني.. قل لي..
مو يا غافلين لكم الله
أم بناتك أنا... يا اللي مافيك خير "
محمد قاطع أفكارها مرة أخرى لكن هذه المرة لم تكن نبرته المرحة ولا ابتسامته.. بل نبرة شديدة الجدية والاهتمام:
مها.. أنتي صاير شيء بينش وبين متعب؟؟
تنهدت مها: مافيه شيء محمد فديتك؟؟
محمد بذات الاهتمام: أجل هو شيء طبيعي إنش عندي الحين.. ورجالش في بيته بروحه؟؟
مها تأففت: ضايق مني يعني؟!
محمد بغضب: بلا قلة حيا يا مها.. أنتي عارفة زين إن البيت بيتش.. أنتي الداخلة وحن الطالعين
وأفرح ماعلي شوفتش أنتي وبناتش عندي.. مونسينا وموسعين خاطرنا..
بس أنا أتكلم في المنطق..
حينها هتفت مها بغضب مشابه: إذا تبي المنطق.. اسأل أخيك سعود اللي المنطق يسار وهو يمين..
أنا مابيني وبين رجالي شيء..
رحت عندهم كم يوم عشان أقعد مع الجازي عقب طلاقها..
ماتسوى علي ذا المؤازرة لأختك..
طلعوها من عيني..
يوم جاو بيروحون العمرة.. كنت بأرجع بيتي..
هو عيا وقال لي أما تقعدين في البيت ويجي محمد عندش.. وإلا تروحين عنده..
قلت أجي عندك.. بدل ما أطلعك من بيتك..
قل لي الحين وش الخطأ اللي أنا سويته؟؟؟
محمد باستغراب: وسعود وش عنده؟؟ وليه ماقال لي شيء؟؟
مها تأففت وزفرت وعادت وتأففت: لا تسألني.. أسال حضرة الرائد اللي يبي يمشي الكون كله على كيفه..
خله يرخص لي.. والله إن أرجع بيتي الليلة..
**************************************
" فرات ..
شكرا..
مهما قلت شكرا.. ماتوفي إحساسي بتقدير اللي أنت سويته"
فرات التفت إلى شهاب بتركيز واستغراب.. كان الاثنان يتراكيان على نفس (المركأ) بينهما..
بعد مرور أكثر من ساعة على اللقاء العاصف الذي استنزف مشاعرهما..
اللقاء الذي أعاد جزء كبيرا من أرواحهما المفقودة..
وكان يقابلهما في الطرف الثاني من المجلس.. مساعد وتركي يتحدثان..
هتف فرات باستغراب: تشكرني على ويش؟؟
شهاب بابتسامته الجامدة ونبرة شجن عميقة: انت عارف أشكرك على ويش..
اللي أنت سويته يافرات.. حسسني بالتوازن..
فرات أنا كنت طالع من السجن مغبون.. مقهور.. الحسرة كلت روحي..
أحس مالي قيمة في الحياة.. 17 سنة من عمري ضاعت هباء منثورا..
شبابي كله راح وأنا وراء قضبان السجن..
فرات بابتسامة مؤازرة: كيف هباء وأنت ماشاء راجع بشهادتين دكتوراه؟؟
شهاب بذات الشجن: أنت عارف وش أقصد فرات.. الشهادات هذي كانت تقصير للوقت الطويل..
لكن اللي أنت سويته يا فرات.. رد لي روحي
لولا اللي أنت سويته بعد الله عز وجل.. ماكان قدرت أرجع بهذي النفسية المرتاحة نسبيا..
ماكان قدرت أتقبل حياتي وأستمر فيها..
ماكان رجعت لهلي مبسوط رافع رأسي.. وأحس إن حياتي ماراحت خسارة..
اللي أنت سويته سوى فرق ما تخيله.. فرق جذري..
اللي أنت سويته كان أجمل وأعظم هدية تلقيتها مع طلعتي من السجن..
تنهد فرات بعمق وهو يربت على ذراع شهاب المستندة على المركا بينهما:
شهاب أنا أعرفك عدل.. أعرفك أكثر من نفسي...
و كنت عارف زين إن أول شيء بتسويه أول ماتطلع من السجن
إنك بتروح تدور على المرأة اللي دخلت عشانها السجن..
بغيتك لا طلعت تعرف إن تضحيتك عشانها ماراحت خسارة..
إن عمرك اللي راح عشان تحفظها وتحفظ عيالها.. كان له أكبر قيمة عندهم..
أنا وكلت لها محامي من وقت ما وكلت لك المحامين..
انسجنت سنة وحدة بس.. عيالها كانوا عند ناس قرايب لها من بعيد..
وصيتهم عليهم وقلت لهم المقسوم بيجيكم كل شهر.. ولارح أقصر معكم دامكم شايلين ذا الأيتام ..
وكنت موصي المحامي اللي يوصل لهم الفلوس.. إنه يطب عليهم فجأة..
عشان يتأكد من وضع العيال وإنهم مهتمين فيهم لين تطلع أمهم..
ابتسم شهاب بشجن: ما شاء الله العيال الحين واحد منهم أولى جامعة والثاني في ثاني جامعة وكلهم داخلين هندسة..
وساكنين في بيت ملك.. ويوصلهم كل شهر المقسوم كافي ووافي..
والمرة تدعي لك قايمة قاعدة..
تقول صاحبك ده ربنا بعته لينا من السما..
فرات بثقة بالغة ويقين: هذا رزق رب العالمين لهم.. أنا كنت مجرد وسيلة.. وهذا ببركتك أنت عقب رب العالمين..
شهاب بذات الشجن: أنت متخيل إني رايح أدورهم وأنا قلبي بين أرجيلي.. ما أعرف كيف وضعهم..
كنت أقول بعوض عليهم بأي شيء.. أي شيء يحسسني إنه سنوات سجني ماكانت خسارة..
تتخيل إني حتى ماكنت مصدق إن ذا بيتهم.. كنت شاك.. أقول معقول ذا بيتهم؟؟ وهم ذولا؟
بيت حلو.. ومرة راقية بلبسها المحتشم استقبلتني.. وعيال مرتبين صاروا رياجيل..
المرة بنفسها كملت تعليمها وقدها تشتغل.. ومع كذا تقول إنك مارضيت توقف اللي تعطيهم إياه..
فرات بذات الثقة : أنا حلفت ما أوقف شيء لين العيال الاثنين يشتغلون..
وحتى لو يبون يجون يشتغلون هنا جبتهم..
شهاب بابتسامة جامدة : تدري وش اللي ونسني بعد.. إني قلت دام فرات عاده يساعدهم.. أكيد إنه موب زعلان علي.. أكيد إنه ماسج مني..
عشان كذا أول ما جيت هنا رحت أدور لك في بيتكم القديم..
حينها اعتلى وجه فرات جمود غريب.. بينما شهاب كان يكمل كلامه:
ماعينت بيتكم و إلا مادليته.. ولا كان لي وجه أنشد منك.. أحس من شين اللي سويته فيك مالي وجه أنشد منك..
وقلت لروحي إذا هو في قطر.. أكيد بيدري إني جيت.. كنه موب زعلان.. بيجيني..
وعقب شفتك ماجيت.. قلت أكيد إنك عادك في أمريكا..
كنت أدور لك وأدور لنفسي معك عذر..
تنهد فرات بشجن عميق: أنا رجعت رجعتي النهائية من 12 سنة تقريبا.. من عقب ما توفت أم العيال..
شهاب استدار نحوه بوجهه كاملا وهو يهتف بصدمة: أم حمد توفت؟؟
فُرات بذات الشجن العميق: رحمة الله عليها.. مرضت مرض قصير وتوفت ما طولت..
شهاب بحزن: رحمة الله عليها.. وأردف بتساؤل لا يخلو من رجاء حازم: لا تقول لي إنك تزوجت أمريكية ثانية.. طالبك؟؟
فُرات بابتسامة: لا أمريكية ولا غيرها.. إخيك عايش حر..
شهاب بصدمة: 12 سنة عزابي؟؟ والعيال من رباهم معك؟!
فُرات بثقة: ليه عاجز أربي عيالي؟!!
حينها ابتسم شهاب نصف الابتسامة الشهيرة: طالبك لا تقول لي إنك عادك تخرف بتخريفات المرأة العربية؟؟
ضحك فرات ضحكة قصيرة مبتورة واثقة: ماعادها بتخريفات.. قدها قناعات ديناصور..
هذاك الوقت توني أخر الطعش أول العشرين.. الحين قدني شيبه داخل الأربعين..
والعود ما يُعسف يا أبوطالب..
ابتسم شهاب بشجن عميق: ماكنه مر ليل يا فرات.. هذا أنت.. وأفكارك البقيطة.. حتى شكلك ما تغير واجد..
ضحك فُرات: أفكاري بقيطة؟!!!
شهاب يبتسم: إي والله بقيطة.. حارم نفسك ذا السنين كلها.. من مرة من ثوبك.. وديرتك وأخلاقك ودينك..
تحصنك.. وتقوم ببيتك.. وتساعدك على عيالك.. عشان قناعات هي بكبرها غير مقنعة..
فُرات بنبرة مقصودة وهو ينظر من تحت أهدابه: على كذا دامك أنت مقتنع كذا... أجل نسمع عن عرس قريب؟!!
شهاب بثقة: إن شاء الله.. بس عاد مو قريب ... أنا راجع لأهلي عقب غياب طويل..
فيه أشياء كثيرة تحتاج ترتيب وانتباه... أبي
أعوضهم في أشياء كثير..
وأكيد مارح أتأخر لين أتزوج.. بس خلني ألاقي شغل أول.. وأرتب أموري المتراكمة..
فرات راح من عمري كثير..
أبي ألحق مابقى منه.. أبي عيال ألحق أربيهم..
بس ودي أتطمن على أوضاع أخواني أول..
حينها ابتسم فُرات بشفافية: أخبار بنتي أميرة؟؟.. ماكنت أعرف من خواتك إلا هي..
من كثر ماكانت على طول معك في السيارة.. حتى وعمرها سنة..
شهاب بحزن عميق: راحت طفولتها كلها يافرات.. ما تمتعت فيها بشوفة ضحكتها اللي كانت تزوغ بقلبي..
فُرات صمت.. هل يخبره أنه يدرس أخواته؟؟
من سابق معرفته بشهاب.. وحتى تركي كذلك.. عندهم حذر كبير من ذكر أهل بيتهم..
فهو لم يكن يعرف من أخوات شهاب إلا أميرة.. ويعرف أن عنده اثنتين آخريين.. لم يكن يعرف أي شيء عنهم..
لكن فُرات بطبيعته مستقيم جدا.. ولا يحب أن يفاجئه أحد بسبب انعدام الشفافية..
ولابد أن شهاب سيعلم أنه يدرس أخواته وربما هم أخبروه.. لذلك تجنبا للحرج قرر أن يخبره..
فرات بثقة: تدري إني أدرس خواتك..
يوم شفت اسمهم وعرفت إنهم خواتك..فز قلبي لطاريك..
بس تراني شديد جدا معهم.. وقد طردت وحدة منهم.. فلو اشتكوا لك مني يوم.. أنت عارفني.. أنا سيده كني القطار..
حينها كاد شهاب ينفجر ضاحكا.. ولكن مازال أمامه مشوار طويل حتى يكركر بالضحك..
لذا اتسعت ابتسامته قليلا وهو يهتف:
أجل بحلف إن اللي مسميته أختي الإمبريالي إنه أنت..
*************************************
"ما كنت أعرف إن بين شهاب وفرات صداقة قوية كذا..
يعني كان دايما لا واجهته..
يقول لي شهاب رفيقي..
أحسبه رفقة عادية..
ومع كذا يوم عزمت حامد.. قلت له قل لفرات..
واستغربت إنه ماجاء... فلزمت على حامد يقول له وهو إبيه عن العشاء اللي بيكون بعد بكرة"
تركي بتساؤل: غريبة رقم حامد عندك ورقم فرات لا!!
مساعد ببساطة: لأنه فرات نادر جدا أشوفه... أصلا ما نشوفه إلا لا صرت أنت في الدوحة
وأنت صار لك أكثر من ٨ سنين برا الدوحة معظم وقتك..
لكن حامد معرفتي فيه أقوى.. خصوصا إني دايما أتطوع في البطولات.. وأقابله..
تركي بذات الاهتمام: أنت عادك أنت وسوالف التطوع؟؟
ابتسم مساعد: أنا أصلا اسمي دايما مسجل في لجان المتطوعين الرسمية.. أي شيء يحتاجون فيه تطوع يكلموني..
بطولات مؤتمرات حملات...اختبارات الثانوية العامة...اللقاءات التعريفية في الجامعة....كل شيء..
تركي بحزم: طيب أنت خلاص هذا اخر فصل لك في الجامعة.. وبتشتغل..
هل بتستمر في سوالف التطوع؟؟
هتف مساعد بثقة : دام عندي وقت باستمر..
ثم أردف بذات الثقة: أنا أحب التطوع... وهو عمل حر.. حسب وقت فراغ الواحد..
أول مابديت سوالف التطوع.. كانت بتشجيع من الجليلة..
كل شيء فيه تطوع كانت توديني له..
وعقب أنا حبيت الجو..
وبصراحة انا استفدت منها شخصيا ومعنويا..
استفدت أنها دعمت شخصيتي...
والشيء الثاني المهم : عرفتني على ناس كثير.. يمكن واحد في عمري ماكان عرفهم..
الحين أنا أعرف الدوحة كلها...
*************************************
"يبه جبران.. متعب يتشكرك جدا..
يقول قرار ترفيعه بيطلع بكرة إن شاء الله"
الجد جبران بسكون: هذا حقه..
أنا مالي فضل فيه..
جابر صمت ... فدائما الصمت أسلم مع الجد جبران.. فهو لا يعلم متى يكون متقبلا للحديث عن عمله السابق.. ومتى لا يتقبله؟؟..
ثم التفت لوالدته وهتف بحنو : فهدة نامت؟؟
أم جابر بمودة: إيه فديتك نامت..
جابر بذات الحنو والمودة: والبنات وينهم؟؟
ام جابر بذات النبرة الرائقة الودودة:
ضي تدرس في غرفتها..
وغالية رجعت من عند أهلها وطلعت ترقد سعود..
حينها وقف جابر... وهتف بحزم: وأنا بعد أترخص منكم بقوم أرقد..
قالها واتجه نحو الأعلى مغادرا.. بعد أن تأكدت أم جابر من مغادرته.. التفتت لشقيقها جبران وهتفت بحزم متساءل:
جبران أنت من جدك وعدت فهدة تجيب أمها؟
أنا ماصدقتها يوم قالت لي..
كنت أرقدها وهي تسولف لي.. ومستانسة..
وتقول جدي جبران قال لي إنه بيجيب لي أمي..
التفت الجد جبران بهدوء لشقيقته الصغرى فهدة.. وهتف بثقة بالغة متحكمة:
ليه وأنا متى قلت ومافعلت؟!!
فهدة الكبرى قامت من مكانها لتقترب منه وتجلس جواره.. وتهتف بحزم:
ويومك تقدر تجيبها.. ليه ماجبتها ذا السنين كلها؟؟
جبران بذات الثقة البالغة: لأن فهدة ماطلبت..
ثم أردف بذات الثقة: ولا حتى حد غيرها طلب..
والموضوع أصلا موب بسيط أبد..
لكن لعيون فهدة يصير...
ثم انحدر صوته :
مابعد شفتها حزينة مثل اليوم..
حزنها أكل قلبي أكل ..
*******************************
"حمودي فديتك أبيك في خدمة "
حمد الذي كان يدرس في الصالة كعادته الغريبة في الدراسة.. ابتسم وهتف بمرح:
بأشيب وأصير جد.. ومي عادها تدعيني حمودي..
آمري وش تبين من حمودي؟؟
قالها وهو يرص على أحرف حمودي بمرح
ابتسمت مي وهي تجلس قريبا منه: جبت تأمين لوحة جدي خلاص..وأبي أنقلها بكرة للمعرض..
بس أبيك تساعدني..
حمد باستغراب: طيب أنتي عارفة إني أصلا اللي بوديش.. ليش الطلب ذا؟؟
مي باهتمام: لا أبيك تساعدني أوصلها داخل..
حمد بذات الاستغراب: ليه؟؟ موب مفروض السكيورتي يستلمونها؟؟
مي تتأفف: حمد فديتك بلى بيستلمونها.. بس أبيك تكون معي لين نتطمن عليها إنها تثبتت على الطوفة..
وأمنوا عليها السكيورتي.. وكل شيء تمام.. خايفة يصير للوحة شيء وقت النقل...
وأنا ما أقدر أكون مع السكيورتي.. أبيك تكون معهم..
حينها ابتسم حمد بتفهم: الحين فهمت.. بصراحة أنتي عندش مشكلة في توصيل المعلومة..
كان قلتي لي كذا من الأول..
ابتسمت مي: إلا أنت اللي عندك مشكلة في التواصل مع الأوادم من كثر التواصل مع البعارين.. يا ليل البعارين..
ضحك حمد: التواصل مع البعارين على قولتش.. أسهل وأجمل وأوضح من التواصل مع الأوادم..
ثم أردف بمودة: ولو أني ما أحب أدخل جامعتش.. أتفشل من كثر البنات.. بس تدللين يا البرنسيسة..
وعشان خاطر لوحة جدي.. لا يصير فيها شيء.. حطش في الخلاط...
مي بدلال: أنا وجدي نتصافى.. اطلع منها..
حمد بابتسامة: وأنتي اطلعي من عندي خلني أدرس..
مي نظرت حولها بطريقة تمثيلية.. وهمست باستغراب تمثيلي: يوه أنا داخلة غرفتك وأنا ما أعرف..
ثم أردفت بمرح: ترانا في الصالة..
وعلى العموم بجيب كتبي وأدرس جنبك وأنا ساكتة.. أتونس بوجودك..
كان كلا من مي وحمد في جامعات المدينة التعليمية.. مي في فرجينيا كومنولث وهي مختصة بفنون التصميم والرسم والجرافيك.. ومعظم طلبتها من البنات..
وحمد في تكساس.. وهي مختصة بالهندسة.. ومعظم طلبتها من الشباب.. وإن كانت أعداد البنات فيها في تزايد..
*******************************
"خالد وش تبي عشا فديتك؟؟"
خالد مازال بملابسه الرياضية يجلس في الصالة...
بعد أن جاءه اتصال يخص العمل.. عطّل مخطط النوم المبكر..
وكان يرسل بعض الرسائل حين فاجأته مزنة بالسؤال..
ابتسم بإرهاق: زين جيتي اقعدي أبيش في موضوعين؟؟
مزنة جلست وهي تنظر له وتهمس بقلق: وجهك مهوب زين كلش؟؟
خالد بذات الابتسامة المرهقة: اقعدي مافيني شيء..
أبيش في كلام مهم..
مزنة جلست وهي تشير بعينيها ويديها.. وش السالفة؟؟
خالد ابتسم: هم سالفتين متداخلتين.. أول شيء.. مهندس إبراهيم في الصين حاليا يتفق على عدد من الصفقات..
وصارت عنده مشكلة.. ولازم أروح له.. سالفة أسبوع أو أسبوعين.. يمكن أكثر شوي..
مزنة ابتسمت بمودة: تروح وترجع بالسلامة.. ولو أن الدوحة من غيرك ما كن فيها حد..
ابتسم خالد: غريبة بالعادة ما تنافقين.. ولا تعرفين المجاملة..
ابتسمت مزنة: لأني لا أنافق ولا أجامل..
خالد بذات الابتسامة: جعلني ما أخلا من أختي الجميلة..
ثم أردف بجدية: المهم أبيش تخلين بالش من أمي وإبي.. خصوصا كني طولت أكثر من أسبوع..
واطرحي العين على غالية.. تراها مهيب عاجبتني..
وحتى دانة خلي بالش منها.. ترا ماعادها مثل أول.. طالبش يا أخيش..
حينها ضحكت مزنة: طيب وأنا من بيخلي باله مني؟؟
ابتسم خالد وهتف بتقدير عميق: أنتي غير عنهم.. أنتي الوحيدة اللي لا سافرت.. أحس إني مخلي وراي رجّال يُعتمد عليه.... ما أحاتي العرب وراي..
ضحكت مزنة: عاد ما أدري هي سبة وإلا مدحة.. بس ازهلهم كلهم.. سافر وأنت متطمن إنك مخليهم في أيدي أمينة كلهم..
ولو تبي توصيني على بيوت جيراننا اللي في الشارع كلهم.. ازهل بعد يا أبو هادي..
ثم أردفت بابتسامة: طيب وخلصنا من الموضوع الأول.. وش الموضوع الثاني؟؟
**************************
توقيت مختلف..
أبكر..
" صيتة السواق ينتظرش تحت"
همست صيتة بمودة: ما أبي أروح البيت
روح أنت ارتاح... أنت توك مخلص دوام
أنا طول اليوم قاعدة..
تنهد سند بشجن: وين قاعدة؟؟
نادرا مادخلت ولقيتش قاعدة.. دايما واقفة
يا تراقبين أجهزته..
يا تمرنينه... يا تلبسينه.. يا تاكلينه..
روحي ارتاحي حبيبتي.. عشاني..
في البدء.. في سنواتهما الأولى معا.. كانت تستنكر منه كلمة (حبيبتي)...
لكنها اكتشفت بعد ذلك أنه يقولها بعفوية شديدة..
وأنه يقولها دون أن يشعر أو يقصد..
بل تعلم أكثر من ذلك..
تعلم أنه ميتم بها حتى أذنيه.. حتى وإن كان لم يقل لها ذلك يوما..
وتعلم أنه لو كان هناك وصف فوق العشق يصف مشاعره نحوها..
فسوف يكون ذلك الوصف قاصرا عن وصف عمق مشاعره المتدفقة كطوفان تجاهها..
كانت تنظر نحوه بحزن يمزق روحها.. كانت تشعر بالأسى العميق عليه..
كان كل مافي سند يجعله فارس الأحلام لأي أنثى مهما كانت متطلباتها عالية..
فهو متدين خلوق مقتدر وظيفته مرموقة ..
وهو بطبعه لطيف جدا ورجولي .. يحتوي من حوله ويُعتمد عليه..
وحتى على المستوى الشكلي كان مثاليا بوسامته وبنيته الجسدية..
ولــــــكـــــنـــــه...
لم يكن فارسها هي..
وحده صقر كان فارسها.. منذ طفولتها..
كانا تقريبا هي وصقر من عمر واحد..
زوجة الجد جبران كانت خالتها وعمته..
كانت أخت أمها من ناحية الأم
وأخت والده من ناحية الأب..
كثيرا مالعبا سويا في بيت خالتها.. حتى كبرا.. وتفرقت بهما المجالس...
بين مجالس النساء والرجال..
حين سمع صقر أن صيتة تُخطب.. جن وأصر على أن يخطبها.. رغم أنه كان في العشرين حينها..
وجابر كان أكبر منه عمرا...
كانت صيتة تحمل مشاعر المودة والذكريات والنشأة المشتركة.. الأمور التي ضخمتها رؤيتها لحادثة وفاته أمام عينيها.. وفي ظروف خاصة جدا..
كل هذه الأشياء جعلتها تغلق كل مشاعرها عليه وحده.. وتتعهد ألا تكون لرجل بعده..
كانت تعلم أن سند يستحق من هي أفضل.. امرأة تحبه لذاته.. وتمنحه المشاعر التي يستحقها..
وكانت تعلم أن سند ينتظر إشارة مهما كانت صغيرة منها..
وتعلم أن هذه الإشارة ستهدم أسوارا تعبت في بنائها.. من أجل نفسها ومن أجل سند..
فسند يستحق الأفضل.. ومادامت لم تمنحه تلك الإشارة.. فسيكون فراقهما أسهل..
هي تنتظر فقط عودتها للدوحة.. حتى تحرر سند وتحرر نفسها..
لتعود هي لحياتها.. ويبدأ سند حياة جديدة..
فكلاهما مربوط بهذه الوصية وهما في بلاد غربة تقيدهما في كل شيء..
همست صيتة لسند بذات المودة الحزينة: مالي خلق أرجع البيت والله..
حينها ابتسم سند وهو يجلس: أجل بأقعد معش..
*************************
" قرت عينك يا أبيك ..
قرت عينك.. يا الله كم قد لي ما شفت الابتسامة ذي على وجهك!!
ابتسامة من قلبك"
مازالت ذات الابتسامة العميقة المتسعة ترتسم على وجهه.. لا يستطيع حتى أن يسيطر عليها.. يشعر أن وجهه بدأ يؤلمه لكثرة ما ابتسم:
إي والله يبه قل لي قرت عيني..
سنين يبه ما كنت سعيد مثل اليوم..
يبه أنت أكثر واحد عارف شهاب وش يمثل لي..
ورجعته وش تمثل لي..
أبو فرات يهتف بسعادة عميقة تسربت له من سعادة فرات المتضحة في كل تفاصيله:
إي والله إني أعرف.. جعل ربي ماعاد يفرقكم..
.
.
"يقول إبي عندك بشارة لي"
حامد بمرح: عقب ماراحت علي بشارة رجعة شهاب آل حزام..
مع إني داري إنه هنا قد له كم يوم..
بس ماكنت أدري إنكم ربع.. مع أن مساعد قال قل لفرات..
بس عمى القلب الله يكفينا شره..
فرات بابتسامته العميقة: أيام صحبتي مع شهاب أنت كنت صغير.. عدا إنك ماكنت ساكن معنا أصلا.. وش بيعرفك إنه رفيقي؟؟ وحتى عيالي مايعرفون..
حامد بتحسر مرح: المهم إن البشارة طار بها تركي..
إلا وش ناوي تعطي تركي بشارة؟؟
فرات بابتسامة واثقة: والله يا أخيك.. من قد ما أبي اعطيه بشارة كبيرة..
أشوف مافيه شيء يوازي فرحتي بشهاب.. مهما كان كبير..
ثم أردف بمودة: زين علمني وش بشارتك؟؟.. يمكن يجيك بشارة مثل تركي..
حينها تغيرت ملامح حامد إلى الجدية وهو يهتف بهذه الجدية:
أنا عقب فترة مسافر عندنا بطولة.. هذي البطولة بتكون آخر بطولة أشارك فيها.. باعتزل عقبها...
ورح أرجع لشغلي خلاص...
ابتسم فرات ابتسامة كبيرة: الله يبشرك بالخير.. الله يبشرك بالخير..
هذا الكلام المضبوط..
ثم أردف بابتسامة مقصودة : أجل العرس متى؟؟
حينها ضحك حامد: حبة حبة يافرات.. ضربتين في الرأس توجع..
الحين خلني أخلص من سالفة الكورة بصورة مشرفة..
وإن شاء الله نفوز بالبطولة..
وعقبها أضبط وضع شغلي..
وعقب وعقب عقب نتكلم في العرس...
*****************************
"يسعد مساكم يا بنات
ممكن أدخل.. "
الجليلة التي كانت منكبة على دروسها رفعت رأسها حين سمعت طرقاته على الباب..
و أذنت له بالدخول...
وهتفت باحترام جليل وهي تقف وتشير بيدها: أكيد فديتك تعال...
أميرة التي كانت مقطبة الجنين تدرس أيضا والجليلة تشرح لها بعض التفاصيل.. توترت قليلا حين دخل شهاب..
شهاب مازال واقفا عند الباب وهو يهتف بحزم: ترا أنا اللي بوديكم بكرة الجامعة..
الجليلة بمودة: فديتك مساعد بيودينا.. هو رايح بنا وبلانا..
شهاب بذات الحزم: محاضرة مساعد متأخرة.. وأنتو عندكم أولى..
أنا أبي أوديكم...
الجليلة بذات المودة: إن شاء الله أبرك الساعات..
حينها هتف شهاب بتساؤل وهو ينظر حوله: هذي غرفة من فيكم؟؟
الجليلة باحترام: غرفتي فديتك..
وترا على فكرة شهاب.. ترا غرفة أمي وإبي فاضية ومجددة بالكامل إذا تبي تنقل لها..
وقبل سنتين أصلا جددنا البيت كامل..
شهاب بجدية: مساعد علمني كل التفاصيل.. وغرفتي مكفيتني.. خلي غرفة إبي وأمي..
الجليلة بجدية مشابهة: احنا أصلا خليناها لك..
تنهد شهاب بحزم وهو ينظر لأميرة التي لم تنطق بحرف منذ دخل:
خلينا من ذا الموضوع...
ثم أردف بحزم بالغ وهو يوجه الكلام لأميرة: أميرة لو سمحتي.. وريني غرفتش..
أبي أشوفها..
*************************************
دخل إلى غرفته ليجد أمامه مشهدا من أجمل مشاهد الحياة..
كانت غالية نائمة تبدو كملاك داهمه النوم غفلة..
وعلى ذراعها ينام سعود يدفن وجهها في صدرها..
مشهد لا يبدله بالكون كله وهو يبعث في روحه سعادة عميقة..
اقترب منهما ليحمل سعود إلى سريره..
لفت انتباهه بقوة الهاتف الموضوع على الطاولة الصغيرة بجوار غالية..
"ذات الهاتف"
إنه ذات الهاتف أساس المشكلة..
كانت غالية قد أخرجته من مخبأه تريد وضعه في حقيبتها كي تعيده لصاحبته..
فاحتفاظها به لا معنى له...
فالشكوك موجودة.. وصاحبة الهاتف لا ذنب لها..
وجابر بات يلح كثيرا ليحصل عليه...
وأصبح مشكلة إضافية تضاف لمشاكلهما..
لذا تريد التخلص منه.. فهو بات هما على قلبها..
جابر تناول الهاتف وخرج به..
متوجها لغرفة ضي..
ويتشكل في ذهنه قرار جديد...
***********************************
يدخل غرفته بعد هذه الليلة التاريخية بأحداثها التاريخية المذهلة..
لقاء فرات وشهاب..
و..
و.....
و...........
إمساكه بيد الهنوف!!
(يا الله يا يدها... يا يدها..
معقولة هذي مجرد يد..؟!!
هذي تاريخ جديد كتبته لحياتي..
يا الله يا الهنوف..!!)
تنهد للمرة الألف ربما..
وهو يقوم بروتينه المسائي..
استحم.. قرأ ورده.. صلى قيامه..
أنهى تحضيره لمحاضرات الغد...
فعل كل ذلك.. وفي داخله نبضات لا تهدأ.. ولا تستكين..
زفر بيأس: يا حال العنا عقب ذا العمر يا تركي!!
عرف أنه لن يهدأ له بال ولن يستطيع النوم حتى يسمع صوتها على الأقل...
لذا تناول هاتفه واتصل بها بثقته المعتادة حين يقرر قرارا ما...
في وقتها..
كانت الهنوف في غرفتها للتو أنهت قيامها ووردها وذكارها.. وكانت تستعد للنوم..
كانت مازالت تعاني فوضاها العميقة بعد فعلة تركي الشنعاء عصر اليوم..
اقتحامه لخجلها بهذه الصورة الكاسحة.. أرعبها.. وترها..
لا تفهم أسبابه...
مازالت تشعر بغموضه الكبير..
تشعر أنه يعبث بها لأغراض غير مفهومة..
او ربما كانت مفهومة له.. لكنها غير معلومة لها...
لو أنها كانت أصغر سنا أو أقل معرفة بتركي نفسه... لربما ظنت أنه يحمل لها مشاعرا ما..
أو لربما تهورت وجنت وظنت إنه يحبها..
فهذا الشغف الذي يبديه كاسح.. ولا يخفى عليها.. فهي ليست طفلة..
فهل هو يشعر بالذنب لإهماله لها طيلة تلك السنوات؟؟
هل يريد تعويضها عبر مشاعر غير حقيقية؟!!
تنهدت في داخلها: وش وراك يا تركي؟؟
ليتني أفهمك بس!!
كان ارتحت.. بدل منت لاعب في أعصابي..
وكل اللي أنت سويته الأشهر اللي فاتت من حركاتك المراهقة كوم..
واللي أنت سويته اليوم كوم ثاني...
قبل كلها أشياء بسيطة وبيني وبينك.. كلام .. تربص في الخفاء..
بس إنك تمسك يدي بذا الطريقة وقدام العالم كلهم..
يـــمــــه!! يــــمــــــه!!
هذا لو صادفني بروحي مثل هذيك المرة وأنا في المطبخ بروحي وش ممكن يسوي؟؟
تصاعد غضبها.. وهي تستعيد الموقف..
وتصاعد خجلها...
ثم تصاعد غصبها...
وحين وصلها اتصال تركي...
كانت قد بلغت أقصاها من الغضب والخجل...
****************************
"يمه تبين قهوة بعد أجيب لش؟؟"
أم سعود بحنان: فديتك خلاص تقهويت وتعشيت وش عاد القهوة له؟؟
سعود هتف بمودة يتبدى فيها إرهاق كبير: يمه لا أحد يطري عليه يروح الحرم قبلي..
بنروح كلنا مع بعض نصلي الفجر سوا..
أم سعود بذات الحنان: عادي يا أمك بأروح أنا والجازي.. وأنت تعال أنت ودانة..
سعود بإصرار: يمه فديتش لا تروحين قبلي.. ما أرتاح إذا أنتي موب معي..
ثم أردف بحنان وهو يهتف للجازي الجالسة بقرب أمها والتي كانت تسند رأسها لطرف المقعد..
ويبدو عليها الإرهاق: أنتي شكلش منتهية تعب قومي نامي ..
وتراني طلعت لش كرت بدل اللي ضاع في الحرم..
حطيته على الطاولة جنب المدخل..
وأكمل هو يمسك بطرفي رأسه: مصدع يا أخيش جدا.. عندش بنادول..
همست الجازي بذات الإرهاق وهي ترفع رأسها: أظن في شنطة دانة.. بقوم أعطيك..
سعود وقف وهو يهتف بحزم: خلاص أنا بقوم أخذه وانسدح.. حدي تعبان...
توجه سعود إلى داخل غرفته.. بعد أن ترك والدته والجازي جالستان في الصالة..
فالجناح كان مكونا من غرفتين نوم وصالة..
في وقتها كانت الدانة تستحم.. وحقيبة يدها على التسريحة..
فتح سعود الحقيبة ووجد البنادول.. لكنه وجد مع شريط البنادول..
شريطا آخر.. يعرفه تماما..
بالأسهم على سطحه.. وبأقراصه المدورة الصغيرة.. التي اختفت منها عدد من الأقراص..
تصاعد غضب الهنوف.. وهي تستعيد موقف تركي معها اليوم..
وتصاعد خجلها...
ثم تصاعد غصبها...
وحين وصلها اتصال تركي...
كانت قد بلغت أقصاها من الغضب والخجل...
استغرب تركي أنها ردت فورا.. كان يظن أنها كعادتها ستجعله يرن مرتين ثلاثة حتى ينقطع الرنين.. وفي الختام لن ترد حتى يرسل لها رسالة..
لذا كان ردها عليه بعد رنة واحدة مثيرا للدهشة والاستغراب..
أما ما فجّر دهشته واستغرابه بشكل كلي... هو أنها لم تسمح له حتى أن يقول (ألو) وهي تنفجر عبر الهاتف بغضبها المكتوم:
أنا أبي أعرف وش جنسك؟
أنت مخلوق بشري مثلنا وإلا لوح ثلج ما يحس؟
أنت تعرف السحا؟؟ مر عليك؟؟
تعرف أساسا إنه فيه مصطلح اسمه سحا مفترض يكون عند بعض الناس شوي منه؟!
أنت تقصدت تحرجني؟
وإلا أسوأ من ذلك : شفت إنه موضوع عادي موب محرج؟؟
كانت الهنوف تنهمر بغضبها وهجومها الكاسح عليه.. بينما هو لم ينطق بكلمة واحدة..
كان في داخله خليط من غضب وسعادة..
كان سعيدا أنها تصرخ وتعبر عن ضيقها ومشاعرها بوضوح..
كان سعيدا أنها تنفس عن طاقتها السلبية بهذا الشكل العنيف...
وكان يرى أنها بالفعل تحتاج لذلك..
حين تعبت من الكلام.. وانتهت تماما.. همس تركي ببرود مدروس: خلصتي؟!
حينها عادت الهنوف للانفجار: أنت تبي تجلطني؟؟.. أحر ماعندي أبرد ماعندك..
أنت عايش في ثلاجة.. على الدم المثلج اللي عندك
حينها ابتسم تركي: أنا أبعد واحد عن الدم المثلج خصوصا معش
ثم أردف بدفء مقصود: معش كل مافيني يشتعل.. وأظن موقف اليوم أكبر دليل..
الهنوف شعرت كما لو كان ضربها على رأسه بجرأته..
همست بغيظ: قلت لك إنك ما تستحي.. وش الجديد؟؟
ابتسم تركي ابتسامة من قلبه.. فهذه الهنوف تدفع الحياة متدفقة في أوصاله حد التفجر:
وأنا ما اعترضت على إني ما أستحي.. أنا معترف إني ما أستحي..
أنا اعترضت بس على إنش تقولين إني بارد..
تنهدت الهنوف بذات الغيظ: طيب ممكن أعرف ليه متصل؟ وش تبي؟؟
تركي رفع حاجبه وهو يهتف باستغراب: يا ســـــــــــلام !!
عشر دقايق متواصلة ما خليتني أتكلم حتى ... وأنتي كنش مدفع مسبات.. وأنا ما نطقت بكلمة وعقبه تقولين وش تبي؟؟
مفترض كانت هذي أول كلمة قلتيها..
موب عقب ما سمح خاطرك من كسر خاطري تقولين وش تبي؟؟
الهنوف باستغراب مقصود: أنت عندك خاطر نفس باقي الأوادم مخاليق ربي؟؟
تركي بسخرية مقصودة: تصدقين عندي؟!! وتصدقين إني إنسان عنده إحساس ومشاعر
موب طوفة ولا بهيمة.. تصوبين عليه سكاكين كلامش القاسي وتبينه ما يقول آي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
نجح اللئيم في إشعارها بالذنب والحرج.. حاولت تنحية هذا الحرج وهي تهمس بسكون قد ما استطاعت: طيب ممكن أعرف وش تبي.. تبي شيء أساسا أو أسكر؟؟
تركي حينها هتف بحزم: ليه أنتي اللي اتصلتي عشان أنتي اللي تسكرين؟؟
الهنوف تأففت: لا حول ولاقوة إلا بالله .. تركي أنت وراك جامعة.. وأنا وراي دوام..
حينها هتف تركي بشكل مباشر صدمها وبعثرها تماما: الهنوف أنتي ليه مو طايقتني كذا؟؟
صحيح أنا غلطت في حقش غلط كبير لا يُغتفر مع ملكتنا الطويلة..
لكن أنا راجع أبي أصحح كل شيء.. وأنا مو إنسان سيء.. ولا رح أكون زوج سيء..
فليه تعامليني بهذا الجفا؟؟
كأني عدوش موب زوجش
الهنوف صمتت.. لم تستطع أن ترد.. شعورها بالخجل العارم.. أغلق كل منافذ الكلام..
لذا أكمل هو بذات النبرة المباشرة الحازمة:
الهنوف أنا شاريش وقلتها لش قبل واعيدها الحين.. وبعيدها مليون مرة عقب..
أعرف إن في خاطرش عليّ واجد ولا ألومش..
بس لو قعدتي كاشة مني كذا.. عمر العلاقة بيننا مارح تكون مفتوحة..
وبيجي موعد زواجنا واحنا بيننا حواجز وش كثر..
أنا ما أبي منش أي شيء إلا إنش تخففين حدتش معي شوي.. بس شوي
****************************
فتح سعود الحقيبة ووجد البنادول.. لكنه وجد مع شريط البنادول..
شريطا آخر.. يعرفه تماما..
بالأسهم على سطحه.. وبأقراصه المدورة الصغيرة.. التي اختفت منها عدد من الأقراص..
في البدء لم يصدق.. لم يظن للحظة أن دانة قد تفعلها...
نظر عدة مرات للشريط بتمعن .. كان تاريخ إنتاج الشريط جديد... قبل شهرين من الان..
أي أن الحبوب المفقودة تم أخذها بعد الاتفاق بينهما على ترك مانع الحمل..
كان مصدوما تماما..
العلاقة بينه وبين دانة مختلفة.. كانت دائما قائمة علي الصراحة والاتفاق.. خصوصا بعد زواجهما الثاني.. لا يتذكر أبدا أنهما اختلفا في أي شيء..
حين أخبرته قبل سنوات عن رغبتها في تناول حبوب منع الحمل.. لم يرفض إطلاقا
مع أنه في داخله غير مقتنع..
لكنه رأى هذا حقها..
وهذه المرة كان يفضل ملايين المرات أن ترفض وتعاند ..
على أن تكذب عليه...
الكذب علامة خلل كبيرة في أي علاقة بين الزوجين..
كان غاضبا لكن شعوره بالعتب كان أكبر بكثير من الغضب
شعر أنها طعنته بهذا التصرف
سعود جلس على السرير مقابلا للحمام وهو يحمل الشريط في يده..
خرجت دانة وهي تمسح وجهها بطرف الفوطة على شعرها..
حين رأته يجلس في انتظارها أشرق وجهها.. وهي تهمس بمودة:
أدري طولت .. بس بصراحة كنت محتاجة شاور طويل عقب ذا التعب.. من المطارات لين العمرة..
سعود لم يتكلم.. لكنه وقف مقابلا لها.. وهو يرفع الشريط أمام وجهها.. وينظر في عينيها بنظرة قتلتها بكم العتب المهول فيها..
رغم شعور دانة بالصدمة الكاسحة.. لكنها لم تتوتر ولم ترتبك.. ذبحتها نظرة عينيه فقط..
همست بثقة ورجاء: سعود أرجوك اسمعني..
أنت عجلتني.. وفاجأتني بطلب ترك الحبوب فجأة.. أنا بس احتجت فترة انتقالية..
سعود أنا فقدت خمس أطفال.. صعب عليّ إني أحمل مرة سادسة وأنا مرعوبة أفقده..
كنت أحتاج أتعود على فكرة ترك الحبوب...
وكنت والله العظيم مقررة أخليها ذا الشهر..
بس قلت خل نخلص العمرة.. عشان ما تجيني الدورة وأنا أعتمر..
أشاح سعود بعينيه عنها.. ولم يرد عليها أيضا.. وهو يتجاوزها.. ويضع الشريط على الطاولة..
ويدخل إلى الحمام..
بينما دانة انهارت جالسة على السرير...
هذا كان أخر ما ينقصها فعلا...
أخر ما كان ينقصها!!
************************************
ابتسم خالد وهتف بتقدير عميق: أنتي غير عنهم.. أنتي الوحيدة اللي لا سافرت.. أحس إني مخلي وراي رجّال يُعتمد عليه.... ما أحاتي العرب وراي..
ضحكت مزنة: عاد ما أدري هي سبة وإلا مدحة.. بس ازهلهم كلهم.. سافر وأنت متطمن إنك مخليهم في أيدي أمينة كلهم..
ولو تبي توصيني على بيوت جيراننا اللي في الشارع كلهم.. ازهل بعد يا أبو هادي..
ثم أردفت بابتسامة: طيب وخلصنا من الموضوع الأول.. وش الموضوع الثاني؟؟
ابتسم خالد: قلت لش مرتبط شوي بالموضوع الأول..
توريدات الشغل يساعدني فيها واحد من عيال الجماعة.. عنده شركة توريد..
رجّال والنعم.. قبل فترة خطبش مني..
بس وقتها كان ذاك القاضي خاطبش.. وكنت متأكد إنش بتوافقين عليه.. عشان كذا اعتذرت منه..
تنهدت مزنة بسكون: طيب؟؟
خالد بذات الابتسامة: البارحة كنت مواجهه عشان الشغل.. رجع فتح الموضوع معي..
والليلة يكلمني منحرج يذكرني..
وأنا والله ماكنت ناسي..
الرجال من الجماعة.. فيه خير...مصلي.. عمره مناسب.. وضعه مناسب... وبعطيش كل التفاصيل عنه...
بس اللي مرددني إنه قد تقدم لش أحسن منه بواجد.. وعييتي..
مزنة تنهدت بحزم: خالد أنت عارف السبب..
أنا أستخير.. والمشكلة إنه عمري ما قررت من استخارة وحدة..
يعني مثلا القاضي اللي خطب قبل كم شهر.. و أنت كنت مصر عليه جدا..
أنا كنت مقتنعة فيه جدا.. قاضي وشاب ومتدين.. ومثقف... بس صليت استخارة عشر مرات..
انحدر صوتها قليلا: كل مرة ألقى نفسي منصرفة عنه أكثر.. لحد اخر استخارة كنت كل ما نمت حلمت احلام مرعبة هو فيها كلها...
تنهد خالد وهو يهتف لها بحنو: مزنة.. أنتي ماشاء الله ماشاء الله أجمل خواتي وأعقلهم.. وأكثر وحدة انخطبت فيهم..
بس العمر يركض .. والفرص رح تقل.. فكري مرتين قبل ترفضين..
مزنة ابتسمت: حسستني عمري 40 .. ترا عمري 29 .. وما بيني بينك إلا عشر شهور يا الشايب..
ثم أردفت بذات الابتسامة الرزينة: طيب علمني عن عريس الغفلة.. من هو ووش مواصفاته؟
يمكن انعمي على قلبي ذا المرة..
**************************
تنهد شهاب بحزم وهو ينظر لأميرة التي لم تنطق بحرف منذ دخل:
خلينا من ذا الموضوع...
ثم أردف بحزم بالغ وهو يوجه الكلام لأميرة: أميرة لو سمحتي.. وريني غرفتش..
أبي أشوفها..
أميرة شهقت بخفة وهي تنظر للجليلة نظرة استجداء (يعني روحي معي)..
الجليلة هتفت بحزم: يا الله.. أجل أنتو خذوا جولتكم وأنا بقوم أتسبح..
ثم أردفت وهي تنظر لأميرة: وري شهاب غرفة بثينة بعد.. عشان يشوف فنتكاتها..
أميرة وجدت نفسها تورطت وهي تقف رغما عنها مع شهاب.. وتكون معه لأول مرة وحدهما..
قادت شهاب إلى غرفتها المقابلة تماما لغرفة الجليلة..
فتحت الباب.. وأشعلت الاضاءة ودخلا وهي تهمس بخجل: حياك الله في غرفتي المتواضعة توها مجددة بالكامل مع البيت من سنتين.
الجليلة أصرت إني أختار كل شيء بنفسي..
ما أعرف عاد لو ذوقي بيعجبك..
ابتسم شهاب وهو يخطو داخلها وهتف بشجن عميق:
تدرين إن ريحتش فيها واضحة..
سبحان الله ..
شعرت أميرة بخجل أكبر وهي مازالت تقف عند الباب...
بينما هو خطأ للداخل..
يتمعن في التفاصيل كانت غرفة بيضاء بالكامل مع لمسات خفيفة من الزهري والأسود..
هتف بإعجاب لا يخلو من الجمود: تجنن تشبهش..
ثم أردف بنبرة مقصودة: بكرة بجيب فراشي و بانام عندش.. أسهر معش ونسولف
أميرة اتسعت عيناها بصدمة: بس....
شهاب قاطعها قاصدا: وريني غرفة بثينة يا الله..
أميرة تأففت داخلها .. وهي تخرج من غرفتها لغرفة مجاورة..وتفتحها بعد أن أشعلت إضاءتها وتهمس بسكون: هذي غرفة بثينة..
ثم أردفت ببعض الحماس: مع أنه كانت بثينة متزوجة يوم جددنا البيت..
بس جليلة لزمت عليها بعد أن تختار كل شيء..
ونقلت فناتكها اللي كانت في غرفتها القديمة للغرفة الجديدة..
لفت انتباه شهاب تكرار كلمة (فناتك) للمرة الثانية.
دخلا للغرفة.. اتسعت ابتسامته قليلا..وهو يتعرف على المقصود بالفناتك..
كانت الغرفة بالغة الأناقة بألوان الأبيض والأصفر والرمادي.. وممتلئة بالكثير من الأعمال اليدوية الصغيرة المرتبة في تنظيم شديد..
نظر شهاب بإعجاب كبير إلى عدد من العقود مثبتة في براويز زجاجية ..
وهتف بتساؤل لأميرة: بثينة مافكرت تسوي بيزنس تصميم مجوهرات. أو شيء مشابه؟؟
هزت أميرة كتفيها: قالت لها جليلة كم مرة... بس هي ماتبي..
شهاب بعد أن أنهى جولته داخل غرفة بثينة هتف لأميرة بحزم: يا الله نروح غرفة أمي وإبي..توريني إياها
حينها اتسعت عينا أميرة برعب وهتفت بجزع: لا شهاب تكفى.. غرفة أمي وإبي لا..
غرفة أمي وإبي لا..
حينها اقترب شهاب منها واحتضنها بحنان.. كان جسدها متصلبا بقوة..
همس في إذنها بحزم وقوة وحنان:
خلاص يا أبيش خلاص.. موب لازم ندخلها اليوم..
ثم أردف وهو يبعدها عن حضنه قليلا وينظر في عينيها بشكل مباشر:
أميرة ترا أنا جنبش ومستحيل يجيش شيء..
عدا إنش الحين كبرتي خلاص..
أنتي منتي بمحتاجة أحد..
أنتي قوية.. وأقوى مما تتوقعين..
وترا الذكريات ما تقتل حد.. لو بتذبح حد كان ذبحتني..
*************************************
جابر تناول الهاتف وخرج به..
متوجها لغرفة ضي..
ويتشكل في ذهنه قرار جديد...
طرق الباب وأستأذن في الدخول.. همست ضي التي كانت تجلس خلف مكتبها بمرح:
يا مرحبا يا أبو سعود.. وش ذا الليل المبارك اللي جابك مضاربنا؟؟
ابتسم جابر: نطل عليش.. ونجوس في المضارب.. لا يكون فيه حنشل هنيا وإلا هنياك..
ضي وقفت وقامت عن المكتب متوجهة لجابر وهي تهمس بذات المرح على طريقة المسلسلات البدوية: يخسى الحنشل يمر على مضارب بني ضي.. جان نصيده ونعلقه برجليه..
جابر جلس على طرف السرير وهو يشير لها أن تجلس جواره ويهتف بحنو: اقعدي يا أخيش أبيش في موضوع..
ضحكت ضي: مع إنه طريقة الأمر كأن السالفة فيها خطبة.. بس أنا متأكدة إنه شيء ثاني..
ضحك جابر: وش معجلش على الخطبة يا قليلة الحيا.. بيجيش نصيبش..
اقعدي أعلمش بالشيء الثاني..
ضي جلست جواره وهمست بمودة: آمرني يا أبوسعود..
تنهد جابر وهتف بثقة: اسمعيني ياضي.. أنتي أختي الوحيدة.. أنا مالي من الأخوان غيرش..
يعني أنتي ستري وغطاي.. وعويني وعضيدي..
ضي توترت من هذه المقدمة.. همست بقلق: جابر وش فيه قلبي طاح في بطني..
جابر بأمر حازم: أول شيء اوعديني الكلام اللي بقوله لش أو أي شيء تسمعينه ما يطلع من بيننا اثنينتنا..
ضي بذات النبرة القلقة: والله ما يطلع..
جابر بثقة لا تخلو من إحساس الحرج: مع إنه موضوع يحرجني أتذكره أو أذكر أختي الصغيرة فيه.. بس أنا مضطر..
أظني إنش تذكرين وأنتي صغيرة إنه على حياة إبي رحمة الله عليه.. كم مرة صادني أكلم في التلفون وعصب وشل البيت شل بصياحه..
ضي بحرج كبير: أذكر فديتك..
جابر بثقة: وأظني إنش الحين متأكدة إنه لي سنين طويلة ربي هداني والحمدالله..
ضي بجزع راقِ: أكيد فديتك متأكدة مليون المية..
تنهد جابر: بس غالية مهيب متأكدة.. وجننتني على شيء له سنين طويلة تاركه وربي تاب علي منه..
ضي بتساؤل: مافهمت فديتك..
جابر أخرج الهاتف من جيبه.. كان هاتفا قديما لا يقل عمره عن تسع إلى عشر سنوات..
شغله وهو يبحث فيه.. وهو يهتف لضي بحرج: سامحيني على اللي بتسمعينه..
بس خلاص هذا حكي أنا أشوفه فاضي ولا له أي معنى..
أنا كنت مقرر أسلم التلفون ذا للشرطة يطلعون صاحبته..
بس من إصرار غالية إنها تدس اسم صاحبته.. خفت إنها تكون بنات الجماعة القريب..
أبيش تسمعين الصوت.. وشوفي لو بتعرفينها.. علميني من هي..
لازم أتصرف معها.. وليه رجعت الحين تبي تخرب حياتي؟؟
ليه توصل لغالية سوالف لها أكثر من ثمان سنين..
الصوت المسجل بدأ يرتفع.. كان حوار بين جابر وبين شابة يبدو من صوتها أنها صغيرة في السن ولكنها واثقة من نفسها..
كانت ضي تسمع الصوت ووجهها يتغير.. حتى وصل التسجيل إلى أخره..
كان جابر يهتف بنبرة مدروسة: أنا أبي أعرف ليه أنتي تصديني كذا؟؟.. ترا كل السالفة سوالف..
أنا لا راعي مقابلات ولا صور..
بنسولف بس يا بنت الحلال..
صوت أنثوي غاضب: أنت ما تستحي على وجهك.. ماعندك خوات..
شهر كامل وأنت ناشب في حلقي.. إلى متى؟؟
جابر بذات النبرة المدروسة: شهر كامل وأنتي منشفة ريقي.. كل ما كلمت صكرتي في وجهي..
اسمعي مني وش بأقول بس.. مايصير ترفضين تكلميني وأنتي ماعرفتي وش أبي..
الشابة بذات الغضب: اسمعني زين يا ولد الناس تراك طلعت روحي..
وأنا صبرت عليك واجد.. ترا مكالماتك مسجلة..
والله ثم والله لو مافكيتني من شرك.. إن أسلم التسجيلات للشرطة
ولا تقول إني ماحذرتك..
حينها هتف جابر بغضب باسم: أعوذ بالله منش يا أم المشاكل... تدورين المشاكل دوارة..
لا بالله غير فكينا منش ومن تسجيلاتش..
اللي خلقش خلق مليون غيرش..
كان جابر ينظر إلى تعابير ضي وهي تستمتع.. يكاد يجزم أنها تعرفها..
انتهى التسجيل وهتف لها بحزم: تعرفينها؟؟
ضي بحزم مشابه: لا..
جابر بغضب: كذابة..
ضي بذات الحزم: مافيه شيء يحدني أكذب..
جابر وقف غاضبا: يعني أنتي وغالية.. ذا الكلبة أهم عليكم مني.. تبون تقهروني..
يعني طيش شباب قبل سنين.. وتبت منه.. ليه تستخدم تسجيلاتها الحين ضدي؟؟
ضي بحزم: بسألك سؤال.. هل صاحبة التسجيل كانت عارفة من أنت وهي تكلمك؟؟
جابر تنهد بحرج وحزم: مع إني ما أتذكرها بس لا أكيد مهيب عارفتني وقتها.. لأني أعطي اسم مهوب حقيقي والتلفون أصلا اللي أكلم فيه مهوب اسمي..
ضي بذات الحزم الغريب: أجل كيف تقول إنها وصلت التلفون لغالية وهي قاصدة..
أكيد التلفون طاح في يد غالية بالغلط..
واترك غالية علي أنا بحل الموضوع اللي بينكم..
جابر بإصرار: أنتي منتي ب راضية تفهمين.. الموضوع صار له أكثر من سنة... أنا روحي طلعت.. وراعية التسجيل لازم أواجهها.. عشان أرتاح وأريح غالية..
ضي بإصرار مشابه: قلت لك خل غالية علي..
جابر يستعد للخروج وهو يهتف بحزم: خلاص دامها أعز عليش من إخيش.. أنا بعرف أطلع من هي..
حينها استوقفته ضي برجاء: خلاص عطني أسمع التسجيل مرة ثانية..
يمكن أعرفها..
ضي تناولت الهاتف منه.. لتتسع عينا جابر ذهولا مما فعلته بالهاتف..
فضي أخذت الهاتف.. وضربت به الحائط بكل قوتها ليتحطم لقطع صغيرة..
وهي تهتف بحزم غريب:
إذا مرتك عندها مشكلة ثقة فيك..
حلو مشاكلكم بعيد الناس .. لا تكبرون سوالفكم..
السالفة دامها بين الرجال ومرته سهل حلها.. لا طلعت كبرت..
جابر بغضب كاسح: موب من حقش اللي سويتيه.. اشلون تسوين كذا أصلا؟؟
ضي بثقة ودون أن يرتفع صوتها:
جابر أنت صاحي تبي تروح تودي التلفون الشرطة؟؟..
جابر أنت رائد في الجيش..
وش له تشوشر على روحك بموضوع ماسخ مثل ذا؟!!
والحين تلفون بح.. حل المشكلة بالعقل وخلك من الخبال..
***********************************
صباح اليوم التالي..
"اليوم عندش محاضرة الامبريالي؟"
كانت هذه عبارة شهاب الباسمة ذات النبرة المقصودة.. وهو يخرج بالسيارة مع شقيقاته متوجها للجامعة..
جليلة ابتسمت: ماشاء الله عليك ذاكرتك حديدية.. محاضرته بكرة الاثنين..
عاد لو تدري إن الامبريالي ذا من الجماعة..
شهاب بثقة وهو يعدل مرآة السيارة الأمامية: أعرفه.. فرات آل سطام..
ضحكت الجليلة: مساعد الفتّان مسرع علمك بكل شيء..
شهاب بذات الثقة وهو ينظر للطريق أمامه: أنا بوصل للشارع العام.. وعقب دليني ترا ماني ب دال كلش..
وبعدين مهوب مساعد اللي علمني.. أنا عرفته من نفسي..
الجليلة باستغراب: كيف عرفته بنفسك؟
شهاب ابتسم: لأنه واحد زائد واحد يساوي اثنين..
أنتي قلتي لي يدرسش أمبريالي
وفُرات قال لي أدرس خواتك..
حينها كانت أميرة الجالسة في المقعد الخلفي من سألت باستغراب:
وأنت متى قابلت دكتور فرات؟؟
ابتسم شهاب بشجن: البارحة.... فرات أعز صديق عندي..
حينها أمسكت الجليلة بذراعه وهي تهتف بثقة لا تخلو من نبرة جزع: أمانة.. لا تقول لي إنه اللي جاك في مصر؟!
شهاب بذات الابتسامة المبتورة المثقلة بالشجن: هو إياه..
شددت الجليلة مسكتها لذراع شهاب وهي تهتف بثقة أكبر وجزع أكبر: طالبتك شهاب لا تكون قلت له عن سالفة الإمبريالي..
اتسعت ابتسامة شهاب: سبق السيف العذل يا أخيش.. علمته..
الجليلة ضغطت جانبي رأسها بحرج: يا فضحي!! يافضحي... كذا يا شهاب تفضحني عند دكتوري..
شهاب بذات الابتسامة: ما عليش منه.. امبريالي ونص بعد..
مع انتهاءه من عبارته كان هاتفه يرن.. نظر في اسم المتصل وابتسم: لو مطرين مليون موب أحسن..
رد بمودة كبيرة.. وبعد السلامات المعتادة هتف بابتسامة: حد يتصل على الناس الساعة 6 ونص الصبح؟؟
.......................................
وش فطوره؟؟ أنت ما تقول لي البارحة عندك شغل ما تقدر تحك رأسك
......................................
يا ابن الحلال وش منت مصدق إني هنا؟!! بنتواجه على راحتك لا خلصت شغلك..
....................................
أكيد إني أبي أشوفك.. غير ما أبي أعطلك من شغلك..
....................................
رايح أوصل البنات الجامعة
..................................
فُرات تراني عادني ما أدل.. يا الله بعرف أرجع البيت لا وصلت البنات..
يعني على الأقل لازم أجي المكان لو مرة وحدة عشان أدله..
...................................
تأخذني هنا من الجامعة؟؟
...................................
تمام.. خلاص بخلي السيارة هناك.. ورجعني على وقت طلعتهم..
ثم التفت لجليلة وهتف بحزم: وصلنا الشارع الرئيسي وين أروح؟؟
*******************************
"وهذي اللوحة وعلقناها.. وأمنّا عليها.. وتأكدنا من كل شيء"
مي بمودة: شكرا حمد فديتك شكرا.. جعلني ما اخلا منك..
حمد ابتعد قليلا عن اللوحة ونظر لها بإعجاب كبير: ما ألومش معجبة بذا اللوحة.. فيها سحر غريب..
جعل عمر أبوفرات طويل.. متعدد المواهب..
الجمهور بدأوا يتجمهرون حول اللوحة الجديدة.. خصوصا مع طريقة العرض المميزة التي رتبتها مي..
وهي ترفق مع اللوحة لوحة تعريفية مميزة بتاريخ اللوحة ورسّامها وصورته..
وتوزع فازات مبتكرة من الورد في المكان..
حمد هتف لمي بمودة: زين تبين شيء أو أروح؟؟ باقي نص ساعة على محاضرتي
مي بامتنان وتقدير: لا فديتك خلاص.. لا خلصت بس محاضراتك كلمني.. بأرجع معك..
يمكن مايكون عندي محاضرة أخيرة..
حمد غادر المكان كاملا والعديد من الأعين تتابعه بإصرار..
فور مغادرته.. رفيقات مي توجهن لها بالسؤال المرح: معقول هذا أخيش؟؟
مي ضحكت: تبون شهادة ميلادنا يعني تتأكدون..
**************************************
" تدري فرات..
أحس إني غريب في ديرتي..
الدنيا تغيرت 180 درجة
يوم سافرت كان هذي المنطقة كلها مافيها إلا الشيراتون..
كنا نحس انه ملكنا الأرض لا تغدينا فيه وإلا تعشينا"
كانا يجلسان في قاعة الفطور في فندق الفورسيزونز.. وشهاب يتلفت حوله بجمود..
بينما فرات يرد عليه بابتسامة: ترا حتى الشيراتون جددوه عقبك..
مافيه شيء يقعد على حاله يا أخيك..
ثم أردف بذات الابتسامة: اجل أنت اللي أصريت على إنه عشاء استقبالك بكرة يكون في الشيراتون؟؟
ابتسم شهاب: عشاء الاستقبال كله.. ما أعرف عنه شيء.. ترتيب مساعد ومتعب...
أنا بس أحط نفسي مركز لا سولف علي مساعد عنه..
حينها هتف فُرات بحزم: وعشاك عندي متى؟؟.. ووالله ثم والله ما تقول كلمة...
شهاب بغضب: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وش عشاه بعد؟؟
بأتعشى عندك وبأتغدى.. بس خلنا من سوالف الرسميات..
فُرات بحزم: خلصنا... عشاك عندي الجمعة ليلة السبت.. بسويه في المزرعة..
وجيب هلك معك.. وبكلم تركي ومتعب يجيبون هلهم بعد..
تمسون عندنا والسبت في الليل توكلوا على الله..
شهاب بصدمة: من جدك.. وش ممساه؟؟
فُرات بإصرار: أنا ماصدقت أشوفك.. تبيني أفكك عشاء وبس..
وعلى العموم المزرعة عندي البيت فيها منفصل تماما عن المجالس..
وأنا وأنت وباقي الشباب اللي بيجون بنمسي في الغرف اللي في المجالس..
وهلكم بياخذون راحتهم في البيت.. وخلهم يتعرفون على بنتك مي..
مسكينة قتلتها الضيقة ومقابل الضبان حمد وحامد...
*************************************
"دانة.. سعود وش فيه؟؟
مو عوايده مكتم كذا؟؟ صلينا كل الصلوات ورجعنا وهو يا دوب كلمة ورد غطاها "
دانة تنهدت بحزن: بعلمش لا رجعنا الدوحة..
الجازي باستنكار: تبين أنتظر لبكرة؟؟. إذا مو سر بينكم علميني..
دانة بيأس وحزن عميقين: بصراحة هو سر.. بس أنا محتاجة أتكلم لا أنفجر..
دانة حكت للجازي ما حصل البارحة..
تغير وجه الجازي قليلا من احساسها بالحرج.. وندمت على السؤال..
فمهما كان هذا موضوع شديد الخصوصية بين الزوجين.. وليس من حق أحد التدخل فيه..
لكنها ملزمة بتقديم النصيحة أو المساندة على الأقل .. مادامت دانة حكت لها..
تنهدت الجازي وهمست بمودة: بصراحة ما أقدر اشوف حد منكم غلطان..
إنتي أنا مقدرة إحساسش.. وسعود أنا مقدرة زعله..
بس عتبي عليش إنه كان لازم تقولين له..
موضوع مثل هذا غلط يندس..
لأنه قرار يخصكم اثنينكم..
دانة تنهدت بيأس : أنا قلت له عطني وقت.. وهو رفض..
وأنا ما كنت متقبلة الفكرة نهائيا.. كنت أحتاج وقت أتعود على فكرة ترك الحبوب..
ابتسمت الجازي بمؤازرة: ماعليش من سعود بيزعل يومين ويرضى..
المهم الحبوب خلاص قطيها... عمرة واعتمرنا وخلصنا..
***************************************
"علوم فطوركم؟"
رد شهاب على سؤال الجليلة ببساطة حازمة وهو يستعد للخروج من الجامعة :
كان ممتاز..أفطرنا ورحت معه شركته.. ورحنا بعض مواقع البناء حقتهم..
مسوين شغل ممتاز..
استانست.. واستمتعت واستفدت..
همست الجليلة بمودة كبيرة: الله يونسك بالعافية..
ثم أردفت باهتمام: طيب شهاب.. أنت وش ناوي تسوي في الشغل ؟
شهاب بذات البساطة الحازمة : فرات أكد لي إن الشغل مضمون إن شاء الله..
تكلم لي اليوم مع أكثر من جهة.. وفيه أكثر من مكان كلها زينة...
وحاول فيني اشتغل معه في مشروع شغال فيه هو وتركي بس ما رضيت..موب جوي..
الجليلة بذات الاهتمام: طيب ومحلات الإيجارات اللي عندنا..
شهاب بثقة: كانت ماشية من غيري.. ومساعد متوليها... خليها في يد مساعد.. هو أعرف..
ثم أردف وهو يوجه السؤال لأميرة في الخلف بمودة:
أميرة أخبار الجامعة والمحاضرات؟؟
أميرة بعفوية: زينة فديتك..
شهاب باهتمام: ما أبي كلام عام.. عطيني تفاصيل..
حينها تنهدت أميرة بضيق: بصراحة يعني.. مستواي موب ذاك الزود.. وما أعرف المشكلة مني أو من الدراسة نفسها..
ولحد الآن كل الاختبارات التشخيصية درجاتي فيها موب زينة..
**********************************
" محمد.. أصب لك قهوة بعد؟؟"
محمد يرد على بثينة بمودة: لا شكّرت...كفاية ذا الفنجانين.. عارفتني ماني ب راعي قهوة..
ثم أردف بمزح: بخلي الدلة للشيخة مها.. أصلا حتى لو عادني أبي قهوة مالي مجال..
قالها وهو ينظر لمها التي كانت تضع دلة القهوة أمامها وتصب لنفسها وهي تفكر ولم تسمعه حتى..
أشار محمد بعينيه لبثينة (وش فيها؟) فهزت بثينة كتفيها (ما أعرف!)
كانت مها مستغرقة في التفكير.. تفكر في وضعها المتذبذب.. وتنعى أشهر السكينة الثلاثة الماضية التي عاشت فيها مرحلتها الملكية..
حين تستعيد حياتها في مراحلها الأخيرة ترى مراحل متعددة من أوضاع كانت تقف فيها على صفيح ساخن..
طريقة تعامل متعب معها كانت غير مقبولة إطلاقا.. وخصوصا أنها تعلم أن متعب يحبها.. لذلك كانت الصورتان بالتوازي غير متناسبتين... غير متناسبتين إطلاقا..
من يحب.. لا يجرح..
فكيف أتقبل حب شخص يمتهنني؟!
وكيف أتقبل كلمة أحبك من شخص سخر مني ومن شكلي ومن هيئتي.!
وكيف أتقبل علاقة جسدية مع شخص أعلم أن جسدي لا يعجبه؟!
كل هذه الثنائيات غير مقبولة.. يُصعب تصورها معا.. لذلك رفضتها كلها..
ولذلك كانت العلاقة مع متعب.. جسدية أو عاطفية غير مقبولة عندها..
فكان أسهل الحلول وأسلمها أن تبعد متعب تماما..
ولكن لأنها تعلم أن الابتعاد دون تقديم بديل ليس منطقيا كذلك..
عرضت عليه أن يتزوج..
وحتى في حينها بدت الفكرة لها مقبولة جدا..
زوجة أخرى تبعد متعب عنها وتحميها من سموم كلماته وقربه...
ولكنها حين تفكر الآن في ذلك العرض الذي عرضته عليه..
ترى كم خانتها الحكمة فيه.. وربما كانت في داخلها تظن أن متعب لن يفعلها
فهي تعلم أنه يحبها ويحب بناته كثيرا.. وفكرة زوجة الأب ليست بالفكرة المستحبة لأي طفل..
وهذا كان رأي متعب نفسه..
ومازالت حتى الآن في داخلها غير متقبلة لقرب متعب ولا مستعدة له..
وفي ذات الوقت تجد نفسها ترفض فكرة زواجه.. فهو زوجها هي ووالد بناتها..
تنهدت لتنفض هذه الفوضى التي تشعر بها وتتناساها وهي توجه الحديث لمحمد بتساؤل:
محمد فديتك متى طيارة هلي بكرة؟؟
محمد بمودة باسمة: توصل أربع العصر؟
ثم أردف بمرح: ذا كله عجلة على متعب؟؟
مها نظرت بنصف عين وهمست بنبرة مقصودة: زينك لاهي في روحك..
انفجر محمد ضاحكا: اخس عليها.. تعرف تقصف..
بثينة ابتسمت بمودة: ماعليش منه مهاوي.. خليني استشيرش في تصميمي الجديد
قالتها وهي تتناول علبة مغلقة من جوارها.. فيها عدة عملها.. وتري مها بعض تفاصيلها..
بينما محمد استند للخلف.. وهو ينظر لهما كليهما بمودة كبيرة..
ويشعر بسعادة عميقة وهو يرى حماسة بثينة الكبيرة وهي تشرح لمها تفاصيل عملها..
يعشق ذلك الجانب منها.. حين تستغرق في عملها وشغفها ويشرق وجهها بالاهتمام والسعادة..
ويتنهد وتفكيره يأخذه لجانب آخر بات يلح عليه كثيرا..وهو يفكر في مشكلتهما الخاصة..
ولا يعرف تحديدا متى يعود ليفاتح بثينة بما يفكر فيه..
ليس غبيا ليفهم جيدا أن ردة فعلها الغريبة المرة الماضية لا تعني إلا شيئا واحدا..
أنها قامت بالفحص كما قام به.. وأنه لابد أن لديها مشكلة ما..
يتفهم ردة فعلها... ولا يلومها عليها..
ويبحث لها عن عذر قبل أن تعتذر هي.. أنها لابد خجلت من مصارحته.. أو خافت..
وربما لديها حذر أو خوف من مرحلة العلاج..
ولكن لابد أن يفاتحها يوما .. أن لكل شيء علاج.. وأنهما لابد أن يخوضا هذه المرحلة معا..
أراد نفض أفكاره وهو يقف ويهتف بحزم: أنا رايح بيت عمي هادي.. بأخذ خالد أوصله للمطار..
تبون شيء أجيبه لكم؟؟
*********************************
"خل بالك من نفسك..
وتحذر لا حد يأكل صراصير ولا ذبان وهو يحسبها ربيان!"
انقلب وجه خالد بقرف وهو يهتف بهذه القرف: الله يلوع كبدك يا محمد..
محمد يضحك: هذا جزاي إني أحذرك..
خالد تغير وجهه للحزم وهو يشد على ذراع محمد الجالس جواره في السيارة :
محمد يا أخيك.. طل على إبي كل يوم.. تراه يضيق إذا قدني ماني ب موجود حتى لو ماقال..
ابتسم محمد: ازهل عمي.. أنا وهو ما نبي إلا الفكة منك.. وأنت قاعد بيننا عزول..
ابتسم خالد: الله يهني سعيد بسعيدة...
كانا يقتربان من المطار حين هتف خالد بنبرة مموهة يحاول أن تكون غير مهتمة:
أنت اللي بتجيب سعود من المطار بكرة؟؟
محمد بعفوية باسمة: الله الله... شغال تاكسي المطار لك أنت وولد عمك..
يا محمد جيب يا محمد ودي..
تنهد خالد في داخله.. كيف يغادر وهي تعود..
كيف يغادر وهو لم يعبئ رئتيه بعد من هواء زفرت أنفاسها فيه؟!
(ما أضيق هذا الكون كله دون أنفاسها!!)
حرك رأسه وكأنه ينفض ذكراها وهو يهتف لمحمد بحزم: سلّم على سعود..
وأنا بكلمه الحين بعد وأنا داخل المطار..
وأي شيء توصونه كلموني..
****************************************
صباح اليوم التالي يوم الاثنين..
يدخل إلى المحاضرة بخطواته الواثقة... وهو ينظر في القاعة التي يبدو أنها مكتملة العدد دون غياب..
لا يعلم إن كان غيابها المرة الماضية من أجل حضور شهاب..
أو إنها فعلا قررت حذف المادة..
يتمنى ألا تكون حذفت المقرر على الأقل حتى يبرد غيظه من تسميتها له بالإمبريالي..
نعم هو متأكد إنها هي اللي لقبته بذلك.. وسخرت منه.. واتخذته اضحوكة..
حين أخبره شهاب قبل أمس عن أن أخته تسميه الإمبريالي.
علم أن أخته هذه.. هـــــــــــــــي ولا أحد سواها!
(أكيد انها الجليلة اللي مسميتني الإمبريالي
والا أميرة مسكينة...
هي أم لسان طويل الوقحة..)
فرحته الكبيرة بشهاب أنسته كل شيء عداه.. فقد نسي الموضوع حتى دخل المحاضرة اليوم..
فتصاعد شعوره بالغيظ منها ومن وقاحتها..
(أنا تسميني الإمبريالي.. الميكافيلية
اللي الغاية عندها تبرر الوسيلة!!)
دخل وبدأ محاضرته كالمعتاد.. أخذ الحضور وتأكد أنها موجودة.. وابتسم في داخله..
في نصف المحاضرة.. هتف بنبرة مقصودة :ويرجع ذلك إلى أن توسع الفكر الإمبريالي شجع الاقتصاد الرأسمالي...
إلا مين منكم يا بناتي ممكن تشرح لنا معنى الإمبريالي و الإمبريالية؟؟
ارتفع عدد قليل جدا من الأصابع..
لكنه أكمل بذات النبرة المقصودة.: أنا أبي الجليلة طالب هي اللي تجاوب
هي الوحيدة اللي غابت المحاضرتين الماضية.. لازم نعطيها فرصة اليوم..
خصوصا إن عندها خبرة شاسعة في الإمبريالية والإمبرياليين.. وعندها قدرة على معرفتهم وتحديدهم ببراعة منقطعة النظير..
دخل وبدأ محاضرته كالمعتاد.. أخذ الحضور وتأكد أنها موجودة.. وابتسم في داخله..
في نصف المحاضرة.. هتف بنبرة مقصودة :ويرجع ذلك إلى أن توسع الفكر الإمبريالي شجع الاقتصاد الرأسمالي...
إلا مين منكم يا بناتي ممكن تشرح لنا معنى الإمبريالي و الإمبريالية؟؟
ارتفع عدد قليل جدا من الأصابع..
لكنه أكمل بذات النبرة المقصودة.: أنا أبي الجليلة طالب هي اللي تجاوب
هي الوحيدة اللي غابت المحاضرتين الماضية.. لازم نعطيها فرصة اليوم..
خصوصا إن عندها خبرة شاسعة في الإمبريالية والإمبرياليين.. وعندها قدرة على معرفتهم وتحديدهم ببراعة منقطعة النظير..
الجليلة شهقت في داخلها شهقة مكتومة لم تتجاوز شفتيها للخارج أبدا
بينما أميرة وضي كادتا تلطمان على وجيههما..فضي أصبح عندها خبر أن شهابا أخبر فُرات عن تسميته..
أميرة بدأت ترتعش.. بينما ضي جف ريقها..
لكن جليلة كعادتها الواثقة لم ترتبك إطلاقا..
فمادامت فعلت ذلك الشيء.. ونادته بهذا اللقب.. فهي يجب أن تتحمل نتيجة ذلك..
مع أن إحساسها بالحرج تعاظم بشدة بعد أن عرفت قربه الشديد من شهاب..
لكن تصرفه اليوم صدمها وأثبت أنه في داخل القاعة الصفية لا يهتم بهذه العلاقة..
لذا ستجيب كما يُفترض بصفته الحالية كأستاذ.. دون اهتمام بكونه صديق شقيقها..
قد تهتم خارج المحاضرة.. لكن الآن هو محض أستاذ يسأل سؤالا.. لا يخلو من الشخصنة..
لذا ستجيبه باحترام وتقدير جواب واف لا يخلو من الشخصنة كذلك..
همست الجليلة بثقة: إن شاء الله دكتور.. وأشكرك على إتاحة الفرصة لي للمشاركة..
حضرتك تبي معنى الامبريالية والا الإمبريالي ؟
فُرات رفع حاجبه: وهل هناك فرق بين الامبريالية والامبريالي؟
الجليلة بذات الثقة اليقينية الهادئة دون تبجح أبدا: نعم هناك فرق.. مثل الفرق بين المواطن والوطن..مع إنهما نفس الروح والمنبع..
يعني قطر ليس معناها قطري... ولا القطري معناه قطر.. قطر بُعد إقليمي.. والقطري بُعد إنساني له انتماء..
مع انهم في الروح وحدة.. وكذلك الإمبريالية والإمبريالي روح وحدة..
فُرات بصرامة :مو كأنك تفلسفتي شوي؟؟ أحيانا الفلسفة دون تكون لمداراة الجهل..
الجليلة بذات الثقة التي لا تهتز : الامبريالية بحد ذاتها نوع من الفلسفة.. ولو كنت ما أعرف الجواب.. كنت قلت لحضرتك من البداية دون فلسفة ومتفلسفين..
فُرات بنبرة مقصودة لم تخفَ عليها أبدا: طيب قولي لي من هو الإمبريالي؟؟..
وشدد على كلمة إمبريالي تحديدا بطريقة مقصودة وصلها معناها بوضوح
همست في داخلها (بسم الله ..وش ذا الدكتور اللي عقله نص لبسة؟!
ويشخص الأمور بهذي الطريقة
أساسا هو مجرد رجل أعمال ربي بلانا فيه وموب أكاديمي)
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ومع ذلك هتفت بثقة بالغة: الامبريالي هو من يتبنى أفكار الامبريالية.. ويدافع عنها ..
ثم همست كذلك بنبرة مقصودة وصلت له تماما..
كانا يلعبان لعبة على ذات المستوى من المهارة والندية:
وفي بعض الأحيان يكون بعض الإمبرياليين إمبرياليين أكثر من الإمبريالية نفسها..
ويستميتون للدفاع عنها وكأن حياتهم تدور حول هذه الإمبريالية المقدسة التي يجب ألا يتجرأ أحد على خدشها...أو الاقتراب من حدودها..
صعب على فرات ألا يبتسم رغم أنه حاول ألا تظهر ابتسامته للعلن وهو يهمس في داخله
(يخرب بيت عدوينها.. كلتني بقشوري ولا وبشوكة وسكين بعد وبكل أناقة)
أكملت الجليلة بذات الثقة والانهمار: والامبريالية اسم يطلق على سياسة توسيع السيطرة أو السلطة على دول خارج الحدود الإقليمية دولة ما..
وتكون هذه السيطرة بإيجاد مناطق سيطرة عسكرية أو اقتصادية داخل تلك الدول.. تكون تابعة لتلك الدولة الفارضة لسيطرتها..
وتكون هذه بالسيطرة عن طريق القوة أو السياسة أو الاقتصاد أو عن طريقها كلها..
وارتبطت الإمبريالية بالإمبراطوريات الكبيرة اللي مدت سلطتها على مناطق شاسعة من الكرة الأرضية..
مثل الدول الاستعمارية اللي مدت سلطتها على دول العالم الثالث من القرن السادس عشر لين القرن العشرين مثل إنجلترا وفرنسا والبرتغال..للاستيلاء على موارد تلك الدول الطبيعية..
والإمبريالية عُرفت أنها استبدادية في كثير من مفاصلها..
شددت الجليلة على كلمة "استبدادية" بطريقة بدت غير مقصودة.. لكنها مقصودة ووصلت لفرات كما تريدها أن تصل له تماما..
وهي تكمل تعريفها الملغوم: وهي اليوم تطلق غالبا على السياسة الأمريكية والمناصرين لسياستها.
ثم عادت الجليلة لنبرتها الملغومة التي لم يفهمها سواه: واليوم مثلا نجد أن كثير من خريجي الجامعات الأميركية يتبنون هذه السياسية الإمبريالية..
وفي بعض الأحيان دون أن يشعروا ..
لأنها تغلغلت في وعيهم ..وأصبحت ممارسة وعادة يمارسونها باستبدادية السلطة الممنوحة لهم اللي يسيئون استخدامها..
ثم أردفت بنبرة مقصودة أكثر: طبعا أتكلم على المستوى السياسي والاقتصادي ..
كان يعلم أنها لا تتكلم على مستوى سياسي أو غيره.. وإنما قصدته تماما..
ولكنها قالت هذه العبارة ذرا للرماد في العيون أمام بقية زميلاتها.. لأنه شعر أنها تهتم لهم أكثر من اهتمامها به..
وكان أمرا غريبا جدا ما تثيره فيه من مشاعر متناقضة.. قبل قليل كان يكاد يبتسم اعجابا لما تقوله، والآن هو شبه عابس رغم أنه معجب أيضا بما تقوله..
بل هو مبهور بما عرضته من معلومات وأكثر انبهارا بطريقتها الواثقة الرزينة الذكية في عرضها..
ولكنه شعر بصورة واضحة أنها توجه له إهانة بشكل مباشر وفي نفس الوقت مبطن جدا.. لذا هتف لها بحزم عملي مقصود:
أشكرش جدا على جوابش الوافي ..
بس أبي أسألش سؤال مهم مرتبط بنفس قضيتنا (شدد على كلمة قضيتنا):
لو خيروش إنه تكونين إمبريالية أو ميكافيلية تؤمن إنه الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت الوسيلة غير أخلاقية..
وش تختارين تكونين إمبريالية أو ميكافيلية؟؟
ألقى سؤاله الملغوم في ملعبها وسكت وعلى شفتيه شبح ابتسامة انتصار..
فهو شعر إنه انتصر عليها ورد صفعاتها المتتالية كلها في عبارة واحدة..
لأن أي خيار ستختاره سيجعلها خاسرة.. فهي إن اختارت أن تكون إمبريالية.. ستتهم نفسها كما اتهمته بكل الكلام المنمق الجميل الوقح الذي قالته قبل قليل..
ولا يعقل أن يختار عاقل أن يكون من أنصار نظرية ميكافيلي.. لذا حتى إن اختارته فهي خاسرة.. وستثبت اتهامه السابق لها حينما طردها المرة الماضية..
لذا فوجئ بردها المباشر دون انتظار ودون تردد وبثقة بالغة: طبعا أرفض الاثنين دينيا وأخلاقيا وفلسفيا وفكريا رفضا قاطعا..
لكن لو خيرت بين الاثنين وكان لابد من الاختيار .. سأختار أن أكون ميكافيلية..
لأني أستطيع حينها أن أكيف غايتي ووسيلتي وفقا لمعتقداتي..
لأن لا أحد ينكر أن ميكافيلي قال: الغاية تبرر الوسيلة.. لكنه ما اشترط إنه الغاية أو الوسيلة تكون غير أخلاقية..
وعلى الأقل حينما أكون ميكافيلية قراري في يدي أنا..
ولكن حين أكون إمبريالية سيكون قراري في يد غيري..
لأن اعتناق الإمبريالية بالنسبة لنا نحن شعوب العالم الثالث هي تبعية صريحة..
تغيرت ملامح وجهه لأجزاء من الثانية رغما عنه..
شعر أنها ضربته ضربة مباشرة عنيفة... رغم أنه لم يكن يوما إمبرياليا ولا معتنقا لمبادئها..
بل العكس كان دائما ضد أفكارها..
لكن هي ألبسته لباس الإمبريالية رغما عنه..ثم رجمته بكل عنف..
منع نفسه من طردها للمرة الثانية.. وهذه المرة من أجل شهاب فقط..
رغم أنه كان يتحرق لفعلها..
(نعنبو وش ذا الأخت المفترية اللي عندك يا شهاب؟!
ماعمري قابلت حد مفتري مثلها.. لا رجّال ولا مرة..
بس عشانك يا شهاب بأبلعها.. مع إني حاس إني بغص فيها.. نشبت في بلعومي
.
يمكن عشان كذا ما تزوجت..
شهاب يقول ما تزوج من خواته إلا الوسطانية بس..
من المجنون اللي بيأخذ وحدة مفترية مثل ذي؟!
تقشره وتأكله وبكل براءة وأناقة.. كنها ما سوت شيء..
.
وبعدين كيف وحدة بعمرها وهذا مستواها وعادها ما تخرجت من الجامعة؟!
هذي مفروض معها دكتوراه بالراحة..
مامر علي عربية كذا..
ولا حتى غير عربية!!
طريقتها في الكلام بروحها مستفزة من قد ماهي ذربة ورزينة وراقية وأنيقة
وفي نفس الوقت حادة وسليطة ومتسلطة ووقحة..
أشلون اجتمعت فيها ما أعرف.. ما أعرف)
فُرات استجمع نفسه ببراعة الخبرة الطويلة وهو يهتف بحزم بالغ:
أحسنتي يا جليلة أحسنتي.. صياغة بارعة لأفكارك.. ولكل مقام مقال..
والحين خلونا نكمل من مكان ما وقفت زميلتكم..
ثم اردف بنبرة مقصودة: وسنرى بالحقائق التاريخية الدامغة إنه أكثر حد استخدم سلاح الميكافيلية هم الإمبرياليين أنفسهم..
********************************
" اثنين ونص للميكافيلية على حساب الإمبريالي"
ضحكت الجليلة: حسبي على إبليسش لا حد يسميني الميكافيلية تلصقون الاسم فيني...
ضي بمرح: مثل ما لصقتي اسم الإمبريالي فيه.. كما تدين تُدان..
الجليلة بابتسامة: وليه اثنين ونص تحديدا.. ليه مو ثلاثة وإلا اثنين؟؟
ضي ضحكت : حققتي عليه انتصارين ونص... وهو حقق نص انتصار..
أميرة همست بإبتسامة: كأنش احرجتيه جيلو؟!
الجليلة بثقة: ما أتوقع أبدا إني أحرجته.. وإذا صار فهو اللي أحرج نفسه.. أنا ماجيت جنبه.. هو اللي مسكون ومفتل..
أنا الحين شايله له جميله مع شهاب على رأس رأسي..
يجيني في المحاضرة نافش ريشه عليّ عشان هو الدكتور وأنا الطالبة...
أميرة بذات الابتسامة: أنا بصراحة مافهمت كثير من اللي قلتيه له..
بس شفت وجهه تغير لثانية..
جليلة بذات الثقة: يستاهل وقليل في حقه..
أنا بصراحة جدا مقدرة موقفه الرجولي مع شهاب.. ومهما أشكره عشانه شوي في حقه..
بس ذاك موقف فرات مع صديقه..
بس موقف فرات الدكتور مو منطقي ولا عقلاني..
يعني الموقف الأول اللي صار أنا غلطت عليه وفي محاضرته ..
واللي هو سواه حقه ونص.. ما أقدر أقول ربع كلمة.. الغلط راكبني من ساسي لرأسي..
بس موقف اليوم عشان سميته إمبريالي.. هو ما سمعها مني في المحاضرة ولا قللت احترامه أبدا في أي محاضرة..
هو سمعها خارج المحاضرة وفي مكان خارج الجامعة وجاء ينتقم مني في المحاضرة..
وهذا شيء أبدا ماله حق فيه.. ولا هو تصرف أكاديمي لائق.. عشان كذا يستاهل كل اللي جاه..
ضي تنظر في ساعتها وتهتف بنفاذ صبر ومرح: خلصونا ما يسوى علينا الإمبريالي والميكافيلية.. أنا جوعانة.. مابعد أفطرت..
غالية تنتظرنا في مجمع المطاعم..
اليوم هي اللي عازمتنا أم سعود..
**********************************
"جدي جبران"
الجد جبران يلتفت لفهدة الصغيرة التي جاء لأخذها بنفسها من المدرسة كما يفعل في معظم الأيام.. وهتف بحنو بالغ: لبيه يا عيون جدش جبران..
تدللي وش تبين؟؟
تبين نمر الجمعية وإلا مطعم؟؟
تدللي..
فهدة بخفوت وحرج: أنت موب وعدتني تجيب أمي؟؟ ليه ما جبتها للحين
ابتسم الجد جبران بحنو: يا أبيش وش الحين.. انتي توش واصلة قبل أمس عصر السبت..
واليوم عادنا يوم الاثنين عند الظهر..
عطيني وقت يا أبيش..
الأمر يبي ترتيب.. ولا تحاتين جدش جبران لا قال فعل..
وجدش بدأ يتحرك.. من يوم السبت..
بس اصبري شوي...
فهدة برجاء طفولي مغلف بروحها العنيدة: بس ما تقول لها إنك جبتها عشاني.. أنا مالي شغل..
ابتسم الجد جبران: أبدن.. أنتي مالش شغل.. أنا اللي جبتها من كيفي.. وإن شاء الله قريب وأمش عندش..
حينها ابتسمت فهدة بدلال: أجل خلاص ودني باسكن روبنز أبي آيسكريم..
الجد ابتسم بسعادة رؤية ابتسامتها يحلق بروحه.. أشار للسائق بيده: روح للي الشيخة فهدة تبيه..لو هو في المريخ..
*********************************
"صيتة روعتيني.. هذا عبود زين..
ليه قلتي لي تعال الحين وضروري
أنا مخلي وراي اجتماع مهم"
صيتة همست بقلق وهي تدور حول السرير.. وتتفحص جسد الصغير.. وتراقب أجهزته الحيوية.. ولا يبدو لها أن هناك شيء غير معتاد:
سند اليوم الأطباء مو طبيعيين.. من قد ما سوو له فحوص وسحبوا دم..
تروعت.. سألتهم.. يقولون مافيه شيء.. فحوص روتينية..
قلت يمكن ما يبون يقولون لي أنا شيء..
اسألهم أنت..
نقلت إحساسهم بالقلق لسند الذي غادرها ليتكلم مع الأطباء... عاد لها بعد نصف ساعة وعلى وجهه علامات ارتياح وهتف بهذا الارتياح بتلقائية:
والله العظيم قالوا لي إنه عبود ما فيه شيء مهوب طبيعي..
وإنهم قاعدين يسوون فحوص روتينية عشان يسوون تحديث لسجلات حالته..
حينها جلست صيتة بانهيار على الأريكة بعد نهار طويل من شد الأعصاب..
وهتفت بهذا الانهيار: حسبي على إبليسهم صبوا عظامي..
سند جلس جوارها ومد ذراعه واحتضن كتفيها وهمس لها بحنو: حبيبتي هدي أعصابش.. هذا هو قدامش طيب ولا فيه إلا العافية..
كان يهمس بهذه الجملة لها وهو يهمس في داخله بإلحاح ورجاء (يارب ما تطق.. يارب ما تطق.. يارب ما تطق)
كان أقصى آماله ألا تهرب فقط.. أن تسمح له بهذا القرب المبتور.. أن يشعر بحرارة جسدها ملاصقة له بأي شكل..
لذا كانت صدمته الكاسحة أنها استكانت في حضنه.. وأسندت رأسها لكتفه وهي تهمس بإرهاق ووجع:
ياربي ياسند مت من الخوف عليه.. مت..أحس أعصابي ذابت..
كانت دقات قلب سند تتصاعد بعنف.. يا الله يا الله لأول مرة منذ زواجهما لا تنفر من قربه أو تهرب عند أول ملامسة حميمة..
يشعر أن قلبه سيقفز خارج أضلاعه..
و لأن المحب بطبعه طمّاع.. كان سند يعاني ليبقى الوضع طبيعيا على ماهو عليه..
حتى لا تجفل هي.. وهي لأول مرة تمنحه سعادة القرب هذه..
رغم أنه كان يتحرق لينقل هذا القرب لمستوى أكثر قربا.. كأن يمد يده الأخرى لخصرها حتى يحتضنها فعلا..
أو يقبل رأسها المستكين تحت ذقنه.. وهو يشعر برائحة شعرها تتسرب عبر شيلتها لتصيبه بالدوار..
ولكن هذا الصراع في نفسه تم بتره وهي تتخلص من حضنه برفق وتقف لتهمس بخجل:
آسفة سند خربت عليك اجتماعك..
تبي ترجع الشغل؟؟
لم يستطع أن يقف وهو يشعر بانفعال كبير مبتور من كل ناحية.. فلا هو بقي محتفظا بما حظي به.. ولا هو نقله لمستوى أعلى..
ولكنه سعيد سعيد.. بما حظي به اليوم.. يعده أجمل ماحصل له منذ وقت طويل.. لم يعش فيه أي سعادة حقيقية..
هتف لها بحزم: لا أنتي اللي روحي البيت.. أنا خلاص مارح أرجع السفارة..
*************************************
"ضي خلاص..
من أمس واحنا في نفس الموضوع"
ضي بحزم: لا مو خلاص يا أم سعود يا العاقلة يا الراكدة..
هذا تصرف اللي تصرفتيه؟!!
ما أعرف اشلون أساسا فكرتي ذا التفكير من أساسه..
تنهدت غالية وهي تجلس على الأريكة في الصالة الصغيرة المرفقة بغرفة ضي وهمست بألم: جعلش ما تجربين شعور الغيرة..
يذبح يا ضي يذبح.. وخصوصا مع حبي الكبير لجابر وثقتي العمياء فيه قبل..
أنتي ما تتخيلين صدمتي يوم سمعت صوته..
جابر!! جابر!! يسويها...
كنت بأموت من القهر والوجع فعليا..
أنا حسيت أساس حياتي انهار قدامي.. أنا أشوف جابر شيء أسطوري فوق الناس..
ضي استدارت من خلف الطاولة لتجلس مقابلا لها وهي تهمس بحزم:
غالية.. تدرين وش مشكلتش؟؟
أنتي كنتي عايشة مرتاحة ومبسوطة مع زوج يحبش..
وعندكم ولد هادي ذكي يجنن لا هو صيّاح ولا متطلب.. وباقي لش سنة وتخرجين..
وكل شيء جميل ووردي..
قلتي ليش ماعندي مشاكل ياربي؟! لازم أخترع لي مشكلة من تحت الأرض..
غالية بعتب: ضي لو سمحتي.. لا تسخفين من مشاكلي..
ضي بذات الحزم: اسمحي لي يا أم سعود... بس بسخفها.. لأنها سخيفة.. مع احترامي لش..
ومحبتي لش اللي تعرفينها زين..
يا الخبل..رجالش عمره 34 سنة.. رائد في الجيش.. الفرض ما يفوته في المسجد..
وش المغازل اللي عاده بيغازله الحين؟؟
لا و زود على شكش اللي ماله معنى ولا سبب.. تروحين تسمعين جابر التسجيل..
أنتي ما استحيتي من ذا التصرف؟!!
تدرين إن جابر كان ناوي يودي التلفون الشرطة عشان يعرف من صاحبة التلفون
أنتي متخيلة الحرج اللي كنتي بتحطين كل الناس فيه؟!!..
رجالش وأنتي وصاحبة التلفون اللي أصلا ماتدري عنه.. وناسيته وناسية رجالش فوقه..
تجون تطلعون لها مشاكل من تحت الأرض مادرت عنها..
غالية بحرج: وأنا وش دراني إن إخيش كان ناوي يسوي كذا؟؟
ضي قامت من مكانها لتجلس بجوار غالية وهي تحاول أن تخفف من نبرتها الحازمة :
غالية ترا جابر صبر كثير..
والله موب عشانه أخي.. بس ماحد يصبر صبره.. سنة ونص وأنتي مسوية المحقق كونان عليه..
والمشكلة يحلف لش برب العالمين إنه تاب لرب العالمين..
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " من حلف بالله فليصدق ، ومن حُلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله"
يعني أنتي كيف تفكرين؟؟ كيف مخش متركب؟؟
لحد الحين أحاول أفهم سبب ذا الفيلم كله.. موب ملاقية سبب مقنع..
سمعتي رجالش يكلم وحدة في تسجيل عمره أقل شيء تسع سنوات
وهو ما أنكر.. قال لش كنت أكلم.. وتبت لرب العالمين من أكثر من ثمان سنين..
يعني قبل يتزوجش بخمس سنين..
على أيش تحاسبينه الحين.. أبي أفهم..
غالية بإصرار مرهق: وش يدريني إنه تاب؟ يمكن يكذب عليّ؟؟
ضي تمسك رأسها بيدها وتهمس بألم: حسبي على أبليسش يا غالية يا بنت أم خالد كنش نشفتي ريقي وخليتيني أصدع..
ثم أردفت برجاء: غالية ولا عليش أمر عطيني بنادول على مكتبي.. والماي جنبه..
تنهدت غالية باهتمام وهي تقف: ضي حبيبتي أنا وجابر بنحل مشكلتنا..
وتأكدي إنه كل اللي قلتيه صح.. وأنا عارفة إنه صح..
بس عطيني وقتي..
غالية أحضرت البنادول وقنينة الماء ..
مدت غالية القنينة إلى ضي التي تناولتها باليمين بينما غالية استخرجت حبة البنادول وهي تهمس بمودة:
أحط الحبة في ثمش؟؟
ضحكت ضي رغم شعورها بالصداع: حسبي على إبليسش شايفتني بزر تحطين الحبة في ثمي..
حطيها على ظهر ذراعي بس..
غالية وضعت حبة البنادول على ظهر ذراع ضي اليسار وهي تنظر إلى المكان الضامر المختفي من يدها..
الذي تحرص ضي على تغطيته بغطاء ضاغط كالقفاز تُفَصِّله بنهاية مطاطية تحيط ذراعها كالأسورة..
***********************************
"نوّرت الدوحة يا أهل مكة..تقبل الله طاعتكم"
همست أم سعود بمودة وهي تتلقى قبلات مها على رأسها وكفيها للمرة الثالثة ربما:
منا ومنش صالح الأعمال إن شاء الله
وإن شاء الله أنتي بعد تخلين بناتش عندي وتعتمرين.. وإلا تحجين أنتي ومتعب...
من يوم أعرستي وأنتي لاهية مع ذا البنات..
همست مها بنبرة مقصودة وهي تصب فنجان قهوة لسعود وتمده له وتنظر له نظرة مباشرة:
خلي سعود يرخص لنا ونروح إن شاء الله..
أم سعود جلست وهي تهمس باستغراب: وش دخل سعود فيكم؟ هو مربطكم؟؟
ابتسم سعود بتلاعب : شفتي يمه تجيك التهايم وأنت نايم.. يا ويش دخلني فيها هي ورجالها..
تبون أحجز لكم على حسابي يعني؟!! .. حاضر تدللوا..
ابتسمت مها بتلاعب مشابه: أبد نبي الفكة وبنحجز بروحنا.. مانبيك تحجز...
ثم أردفت بمودة: وحشتنا يا حضرة الرائد.. عسى ما تعبت؟؟
ابتسم سعود بمودة مشابه: الحمدالله مابه تعب.. أول يوم كنت مرهق من الطيارة كانت رحلة متعبة..
أم سعود وقفت وهي تهمس بتلقائية: أنا كني دانة و الجازي بقوم أسبح.. وأرتب أغراضي.. ولا صليت المغرب جيتكم..
مها انتظرت حتى توارت والدتها داخل غرفتها ثم همست لسعود بحزم: سعود ممكن أروح لبيتي الليلة؟؟
سعود وقف وهو يقول بحزم أشد: لا منتي ب رايحة..
مها باستغراب: زين ليش؟؟ قل لي أسبابك؟؟
سعود تنهد بحزم وهو يستعد للتوجه لأعلى: أنا توني واصل مالي نص ساعة..
خليني أتكلم مع متعب أول.. وأشوف ترتيبه..
مها بغضب وهي تقف: وش ترتيبه؟؟.. مرته ما تدخل بيتي..
سعود كان قد وصل أول الدرج التفت لها وهتف بحزم: أنتي اللي طلبتي منه يتزوج..
مالش حق الحين تحددين وين بيحط زوجته..
عنده بيت وش كبره تطارد فيه الخيل.. وش يحده يتشحطط يأخذ بيت ثاني؟..
بيحطها في الدور اللي تحت..
وأنتي مكانش مثل ماهو ماحد بجايه..
مها كانت قد وصلت له وهي تنظر له بعينين متسعتين بصدمة: وهذا كلامك وإلا كلامه؟؟
سعود بذات الحزم : مها لو سمحتي.. خليني أحل الموضوع مع متعب.. وعقب نتفاهم أنا وأنتي..
حينها شدت مها جسدها وهي تهتف بحزم بالغ: دامك تبي تفاهم معه.. قل له..إذا بيدخلها عليّ في بيتي.. يعطيني ورقتي أول..
حينها نظر لها سعود بغضب حقيقي: إص ولا كلمة.. خبزن خبزتيه يا الرفلاء اكليه.. أنتي اللي طلبتي منه يتزوج..
والحين صار بيتش أعز عليش من رجّالش يا اللي ما تستحين؟!!
يعني مستعدة تخلين عن متعب.. وبيتش لا... يا كبر العيب يا بنت سعيد!!
هذا هو السنع اللي مفروض تعرفينه يا أم ريم؟!!
سعود أنهى عبارته وتركها خلفه تحترق وتترمد من الغضب على متعب والحرج من سعود والفوضى العارمة في داخلها..
تركها وصعد للأعلى.. يريد أن يستحم قبل صلاة المغرب..
وفي داخله غضب شاسع على مها.. وغضب أكبر على من تنتظره في الأعلى..
التي لم يتبادل معها في خلال هذين اليومين إلا كلمات معدودة..
وهو يتجنب حتى أن ينظر في عينيها قصدا..
أبدا لم يكن يهدف إلى أن يعاقبها بهذه الطريقة.. فهما تجاوزا فكرة العقاب.. هما أكبر منها..
لكنه غاضب منها فعلا.. عاجز عن تقبل تصرفها الذي أوحى له بوجود خلل كبير في علاقة كان يظنها العلاقة الأكثر المثالية في العالم كله..
هو ودانة أكثر من زوجين اعتيادين في علاقة زواج مهما كان فيها من الحب..
وهو ودانة روحين متمازجتين.. مرا بالكثير معا.. ومامرا به من الألم طهر روحيهما وصهرها في بوتقة واحدة..
حين دخل كانت دانة أنهت استحمامها و تبخر شعرها..
علق غترته وهو يهتف بنبرة محايدة دون أن ينظر لها: اجهزي.. أنا باسبح وأوديش بيت هلش..
وأصلي المغرب مع عمي في مسجدهم..
تنهدت الدانة وهمست لنفسها بحسرة وهي تراه يدخل الحمام ويغلق بابه:
مطولين كذا يا سعود؟!
تجاهل سعود لها يقتلها..
تجاهل سعود لها أشبه بانها أصبحت غير مرئية لكل هذا العالم..
كانت تشعر بالغربة والوحشة..
لأول مرة منذ ست سنوات ينام وهو يوليها ظهره.. وهي من اعتادت ألا تنام إلا في حضنه أو وهي تنظر لوجهه حتى تنام..
تشعر بأقطار الكون تضيق عليها..
وأكسجينه ينفذ..
*******************************
"يبه شيء موجعك؟؟"
أبوخالد يلتفت لمحمد وبجواره سعود ويهتف بمودة عميقة: لا يا أبيك مافيني شيء..
ثم أردف بالتساؤل: بتروحون عشاء شهاب آل حزام؟؟
سعود بمودة: إيه طال عمرك بنروح.. جايين أنا ومحمد نسلم عليك وبنروح حن وإياك كنه ودك..
أبوخالد برفض ودود: لا جعلك ذخر.. عشاء في فندق في آخر الدوحة.. ويمكن يتأخرون وأنا مالي جلد على السهر..
وأنا قد جيت شهاب وسلمت عليه.. وباركت لعبدالمحسن..
غير عشاك بكرة عندي.. ووالله ما تقول شيء..
سعود برفض حازم: استغفر يبه.. بأتعشى معك أنا ومحمد من عشا بيتك..
أبوخالد برفض أشد: هذا حق جيتك من بيت الله الحرام..
فهتف محمد بمودة لينهي جدل الاثنين: جعلك على القوة يبه..تحطه على رجعة خالد إن شاء الله..
ثم أردف بتلقائية: خالد كلمك؟؟
أبوخالد بتلقائية مشابه: إيه كلمني كم مرة..التوقيت بيننا وبينهم فيه فرق.. هم سابقينا بخمس ساعات..
الحين عنده الساعة 12 في الليل..
ثم أردف بتساؤل: ماكلمك؟؟
محمد بتلقائية: بلى جعلك ذخر كلمته وكلمني..ونشدته من شغله... وإن شاء الله مهوب مبطي..
ثم وجه أبوخالد نفس السؤال لسعود.. الذي رد عليه بحزم: بلى كلمني أمس واليوم..
ووصاني على شيء بكرة بأروح أنا وإياك نسويه..
ودامك حلفت عليهم كلهم... أنا بحلف عليك قدام تحلف علي..
والله ثم والله ما تقول شيء.. وأن أروح بكرة أنا وإياك المستشفى نفحص..
ووالله ثم والله إن تروح معي بكرة ... أنا مادريت إنك عادك معيي من الفحص لين الحين..
خالد أصلا خذ لك موعد بكرة... ولزّم عليّ أروح معك..
تنهد أبو خالد بحزم وهو ينظر لابني شقيقه اللذين لا تقل معزتهما عن معزة خالد وهو يشعر أنه بات مجبرا أن يخبرهما بما يخفيه:
وليه أروح وأفحص وأنا قد فحصت وأعرف وش معي..
***********************************
" هانيك مازرت يا أبو سعيد..
تقبل الله طاعتك وعمرة مبروكة إن شاء الله"
يهتف سعود بجمود وهو ينظر لجابر الذي يجلس جواره في عشاء شهاب في الشيراتون: هانيك خير وعافية..
جابر باستغراب: وجهك أنت ومحمد مهوب زين من يوم دخلتوا.. فيه شيء؟؟..
سعود بحزم وجمود: بعلمك بعدين..
كان جابر على وشك التعليق حين رن هاتفه.. كان حوارا قصيرا ومحددا.. أثار استغراب سعود المثقل بالكثير من كل ناحية..
حين انتهى الاتصال هتف سعود بتساؤل: جابر أنتي تبي تسافر علاج.. عشان من؟؟
هتف جابر بحزم: عشان أختي.. صار لي فترة أبي نسافر.. بس كنت أبيها تتخرج أول..
كفاية اللي قد راح عليها... وخلاص الفصل هذا أخر فصل لها. شهر يناير تخرجها..
سعود باستغراب: ليه أختك وش فيها؟؟
جابر لا يريد التحدث.. لذا هتف لسعود بمودة: أنت اللي علمني وش فيك..
سعود زفر بقوة: بعلمك بس موب الحين.. موب وقته ولا مكانه..
.
.
"المتزوجة من خواتك.. هذا هو رجّالها.. محمد آل جراح؟؟.. صح؟"
شهاب بجموده المعتاد وهو ينظر مع فرات نحو محمد الذي كان يجلس بجوار تركي..
يتحاور معه.. ويبدو على ملامحه علائم تفكير: إيه .. محمد ولد خالة تركي..
أتذكره وهو صغير.. حتى الحين ما أعرفه عدل..
عمي عبدالمحسن اللي زوجه إياها..
راح العمر يافرات ماعرفت عن هلي شيء.. ولا اتخذت أي قرار يخصهم..
حينها بدأت أسئلة فرات تتجه اتجاهات لا يعلم هو نفسه ماذا يقصد منها وهو يسأل شهاب:
طيب ليه أبو متعب يزوج الصغيرة قبل الكبيرة؟؟
شهاب بتلقائية: أول شيء الكبيرة في خواتي أكبر من محمد أصلا..
عدا إنها كانت رافضة الزواج بالمطلق..
ثم أردف بشجن عميق: ضاع عمرها وهي متحملة مسؤولية أخواني.. اللي كان مفروض تكون مسؤوليتي أنا.. ربتهم كأنها أمهم..
والحين خلاص أنا رجعت.. لازم هي تشوف حياتها..
فُرات بحزم: إذا كبيرة كذا..ما أتوقع إنه عاده ممكن يجيها حد.. فلا تحس بالذنب يا أخيك..
الزواج مو شيء ضروري في الحياة.. وجعلك ذخر لها..
شهاب نظر له باستغراب: عليك أفكار تجلط يا فُرات ..
ثم أردف بحزم: إلا إن شاء الله بتتزوج ويكون لها عيال وحياة مستقلة.. مارح أضيع من عمرها أكثر من اللي راح..
ومساعد يقول لي إنه مازال لين الحين يجيها رياجيل فيهم خير.. بس هي اللي ترفض..
مساعد ماكان يقدر يجبرها.. لكن أنا أقدر..
لا يعلم فُرات لما شعر بشعور غريب يشبه الضيق.. أن تلك المرأة القوية المثقفة المختلفة عن أي امرأة عرفها.. قد تخضع لرجل ما.. يكون له سيطرة على كل مافيها..
وهو يرجو في داخله ألا يكون شهاب قادرا على إجبارها كما يقول..
قاطع شهاب أفكاره وهو يهتف بمودة: الوالد وينه ماجاء؟؟
والله لو أنا داري إنه مهوب جاي الليلة.. كنت جيته اليوم العصر؟؟
ابتسم فرات بمودة عميقة.. فذكر والده يبعث في روحه سماوات من السكينة والمحبة المتجذرة:
والله يا شهاب إنه ما يجي أغلى منك.. بس الأجواء ذي ما يحبها ولا يرتاح فيها..
وهو قال إنه بيسير عليك في مجلسك..
شهاب برفض قاطع: والله ما يجيني.. بكرة الوقت اللي بيكون هو فيه قاعد في مجلسك أنا بجيه.. بخلي مساعد يجيبني..
حينها ابتسم فُرات: مساعد ماشاء الله عليه.. مابقى حد في الدوحة ما عزمه..
متى لحق يعرف ذا الأمة كلهم؟
ابتسم شهاب: شفت توارد الأفكار العجيب.. سألته نفس السؤال.. من يوم كان يوريني قوائم المدعوين المنظمة تنظيم عجيب بأرقام التلفونات..
قال لي من التطوع.. صار له عشر سنين وهو يتطوع في كل شيء يخطر على بالك..
هتف فُرات بإعجاب وجدية: أجل بحجزه أول مايتخرج يشتغل معي شركتي في العلاقات العامة..
حينها هتف شهاب بحزم وعملية: تبيه يشتغل معك.. بيشتغل معك بارت تايم بس..
مساعد عنده أصلا سبونسر من بداية دراسته الجامعية.. ومعروض عليه وظيفة في مكان ممتاز..
وعلى العموم هذا قراره هو.. لكن أنا هذا رأيي..
(نظام السبونسر أو الرعاية... أن تتولى جهة ما .. دفع راتب موظف للطلبة المميزين بعد توقيع عقد معهم.. بحيث يعد موظفا في تلك الجهة من ذلك الوقت..
حتى تضمن تلك الجهة أن يلتحق بها الطالب فور تخرجه)
.
.
.
"مساعد.. متأكد العشاء بيكفي؟؟
أحس إنك دعيت كل سكان قطر.. باقي بس أمي وخالتي أم سعود مادعيتهم..
وأكبر علي الحلاق.."
ابتسم مساعد وهو يرد على متعب: دعيت أكبر علي.. بس اعتذر يقول عنده شغل..
ثم أردف بجدية باسمة: متعب أنت معي في الحجز..
وعارف إن العشاء أكثر من عدد المعازيم..
ابتسم متعب: داري وكنت أقول لك العشاء كثير.. لأني بصراحة ما توقعت ذا العدد من المعازيم.. لكن يوم شفتهم انصدمت..
أكثر من عرسي حسبي على إبليسك..
غمز مساعد: أعرس مرة ثانية .. وأنا بعزم لك أكثر من ذولا..
ضحك متعب: لا دخيلك .. يا الله بنا عرس واحد.. وش حادنا على الشقاء..
مزح مساعد ذكّر متعب بما لم ينساه.. وهو يقف متوجها لسعود الذي يحمل الليلة على كتفيه حمل جبل..
وصل لمكان جابر وسعود.. وكان سعود حينها مستغرقا في التفكير.. متعب أشار بعينيه لجابر..
وعشرة العمر الطويلة تجعل التفاهم أسرع وأيسر وأكثر سلاسة.. جابر فهم فورا أن متعبا يريد سعود في موضوع خاص..
لذا انسحب بهدوء دون أن يشعر سعود متوجها لمكان تركي ومحمد لينضم لهما..
أيقظ سعود من أفكاره همس متعب بحزم وصوت منخفض: اللي ماخذ عقلك..
تنهد سعود بحزم مشابه: ماخذه انت ومرتك..
رد عليه متعب بذات الحزم: خل مرتي ترجع بيتها.. واطلع من بيننا.. وريح عقلك..
سعود بصرامة: آسف.. مافيه رجعة الحين..
متعب باستغراب كبير لا يخلو من غضب: سعود وش ذا الرفض الغريب غير المبرر؟؟
إذا مرتي اشتكت لك مني.. أراضيها مثل العالم والناس.. وترجع بيتها..
ترا ما يصير عشان أنت ولد خالتي ونسيبي ورفيقي إنك تلوي ذراعي بغلاك..
أنا أبي مرتي وبناتي..
سعود تنهد وهو يزفر بقوة: متعب طالبك إذا لي غلا عندك... ترا ربي مشغلني بموضوع ما أقدر أفكر في شيء غيره الحين..
متعب شعر أنه ربط يديه فعلا بغلاه اللا محدود.. وهو يهتف باستسلام رغما عنه:
سعود لي 4 أيام ماشفت بناتي.. اتق الله..
سعود شعر بحزن متعب يصل إليه بوضوح ويعلم أن هذا الأمر كله كبير عليه..
وأنه يفعله من أجله تقديرا وإعزازا: إذا قدك تبي تشوف بناتك .. دق علي ..
بس مها ما تكلمها .. ولا تراسلها.. أرجوك متعب..
خلني أحل الموضوع بطريقتي وعلى رواق..
وما يصير الا اللي يرضيكم اثنينتكم..
***********************************
" سيدة ملعقة ليش مارقدتي للحين؟؟؟"
فهدة بتأفف وهي تنظر لعمتها التي جلست جوارها: ترا الساعة مابعد جات تسع..
ضي تبتسم وهي تدغدغها : طيب مفروض إنش ترقدين قبل تسع أصلا..
أم جابر كانت من ردت وهي تهمس بحزم: بدل منتي قاعدة تفلسفين.. روحي معها غرفتها ورقديها..
ضي ضحكت: فهدة الكبرى .. أنتي دايما عجلة عليّ.. والله توني بقول لها.. قومي غرفتش أرقدش..
فهدة بذات التأفف: ومن قال إني بزر وأبي حد يرقدني..
ضي بحنان باسم: أنا اللي أبي حد يرقدني.. قدامي رقديني في غرفتش..
كابتن هوك يبي حد يرقده..
(كابتن هوك هو القرصان مقطوع اليد في قصة بيتر بان..وألد أعداءه بيتر بان والتمساح)
فهدة ضحكت: قدامي يا كابتن هوك.. قبل أنادي لك التمساح.. وإلا بيتر بان..
ضي غمزت بعينها بمرح: ظنش من أكثر واحد يليق عليه دور التمساح.. جبران وإلا فهدة الكبرى وإلا عمش جابر؟؟
قالتها وهي تشير لأمها في الخفاء.. بطريقة مرحة.. وهي تعلم أن أمها تراها..
أم جابر ضحكت ضحكة مكتومة وهي تقول لضي بغضب مصطنع: شايفتش يا اللي مابه تمساح غيرش..
أمسكت فهدة بالمنطقة المغطاة من يد ضي وهي تهمس برجاء: عادي أشيل الغطاء ذا.. بس مرة.. بس مرة وحدة..
ضي برفض قاطع باسم: ممنوع منعا باتا يا سيدة ملعقة.. هذا هو سلاحي الخاص مثل المنجل في يد كابتن هوك.. كابتن هوك ما يشيله وأنا ما أشيله..
قالتها وهي تتأبط ذراع فهدة بحنو وتتجهان سويا لداخل غرفة فهدة.. وصوت ضحكاتهما مازال يتعالى..
لينهار قناع الابتسامة على وجه أم جابر.. وتخر دمعة خائنة مسحتها بطرف برقعها..
روحها مثقلة بحزن تجذر في روحها .. تجابهه بصلابتها وقوة شخصيتها..
رغم أن داخلها يذوي.. فماعاد بها من القوة مثل ماكانت..
إن كان صقر قد ارتحل.. وترك غيابه جرحا لا يندمل.. قبل رحيله وبعد رحيله..
فهذه الصبية أمامها هي كل الجراح التي تأبى الاندمال..
تراها أمامها قوية.. باسمة.. مرحة.. رغم كل ما تعانيه..
كانت قد حرصت أن تبقيها هكذا من صغرها.. دون أن تعاملها أي معاملة مشفقة قد توحي لها أنها ضعيفة..
زرعت في داخلها الاعتزاز باختلافها.. وأنها ليست أقل من سواها بأي شيء..
وأن كمال الإنسان بروحه.. وليس بأطرافه..
وأن الله يأخذ منا أشياء لكنه يهبنا أشياء أكثر.. وأن ما يأخذه منا.. يعوضه لنا العوض الجميل في الدنيا والآخرة..
سعيدة وهي ترى جمال روح ابنتها وقوتها.. ومرحها.. وكمال عقلها..
ولكنها ماعادت تستطيع منع روحها من الحزن.. فهي كبرت في العمر..
والسنون أثقلتها وكسرت ظهرها..
والضربات القاصمة أعطبت الكثير في روحها..
مازالت فهدة هي مصدر قوة لها لأنها تحتاجها..
ولذا هي قوية من أجلها..
*********************************
"سعود وش بنسوي مع عمي؟"
سعود يزفر وهو يلكم مقود السيارة بغضب: اشلون ما انتبهنا له.. واشلون خليناه لين وصل ذا الحالة كأنا ما نشوفه كل يوم؟؟
تنهد محمد بضيق: سعود عمي بالمجمل كانت صحته زينة.. بس تالي صرت تحسه مرهق..
وكنا نظنه تأثير العمر..
ومع كذا كلنا حاولنا نوديه يفحص بس هو ما رضى..
سعود بذات الغضب: مالنا عذر.. مالنا عذر مهما حاولنا ندور عذر...
محمد بحزم: زين ما نبي أعذار.. وش بنسوي الحين..
سعود بحزم مشابه: أول شيء لازم أقابل دكتوره وأتاكد منه من كل التفاصيل..
ولا تشغل بال خالد في شيء..
لا تعلمه بشيء.. خله لين يجي...
محمد بقلق: بس أنت عارف إنه في ترتيبات كثيرة لازم نسويها..
ولازم نسويها في أسرع وقت..
سعود بحزم: بنسويها أنا وأنت.. خالد والبنات أجلهم الحين ما أبيهم يدرون لين أتاكد من كل التفاصيل..
بكرة بقابل الدكتور...
محمد بحزم مشابه: تراني بأروح معك.. أول ما تأخذ الموعد منه.. دق علي بجيك..
*************************************
" علوم عشاكم ؟!"
خلع شهاب غترته وناولها الجليلة وهو يدلك فروة رأسه ويهتف بابتسامته الجامدة:
أنا وذا الغترة متخالفين.. 17 سنة مالبستها.. أحس كني بزر توه أول مرة يلبس غترة..
وعشانا أبشرش كان تمام التمام.. جعل خير أبوطالب واجد.. وعقبال ما أسوي أنا له عشاء تخرجه وعرسه..
الجليلة تضم غترته وتهمس بمودة عميقة: أشيخ واكشخ من لبس غترة.. وجعل فيه العافية عشاكم..
شهاب جلس وهو يهتف بحزم: اقعدي أبي أقول لش شيء..
الجليلة جلست وهي تهمس بذات المودة: قول فديتك..
شهاب بذات الجزم: يوم الجمعة ليلة السبت.. فرات عازمنا على مزرعته
عشاي عنده بنمسي هناك.. ونرجع السبت.. وبتروحون معي كلكم حتى بثينة..
الجليلة اتسعت عيناها بصدمة سيطرت عليها فورا وهي تهمس برفض حازم: أنت تعشى عند رفيقك جعل فيه مليون عافية لك ولمساعد..
لكن أنا وخواتي ما احنا برايحين..
مالنا عازة.. اسمح لي فديتك
تنهد شهاب وهو يشد على كفها: جليلة عشان خاطري أنا.. فرات ماعنده الا بنت واحدة
مسكينة لا عندها خالة ولا عمة.. ودايما بروحها..
اكسبوا فيها أجر ذا اليتيمة.. وسعوا خاطرها..
بعدين انتوا بتكونون بروحكم معها.. ولا حولكم حد من الرياجايل..
وبيروحون معكم بيت عمي عبدالمحسن.. ويمكن مرت متعب بعد..
تنهدت الجليلة وزفرت وهمست بمودة لا تخلو من ضيق: عشانك أنت بس يا شهاب..
وإلا أنا الروحة كلها رافضتها..
ربت شهاب على يدها وهتف بمودة: داري يا أخيش داري.. الله يكبر قدرش..
اعتبريه تغيير جو.. قبل تبدأ امتحاناتكم النصفية..
ثم أردف بأمر ودود حازم: ولا عليكم أمر.. حطوا لي فراش في غرفة أميرة..
حينها ضحكت الجليلة.. وابتسم شهاب نصف إبتسامة: أكيد أميرة كانت تمنى إني بأرجع من العشاء وأنا ناسي موضوع سهرتي معها في غرفتها..
الجليلة بصدمة لطيفة: كيف دريت يا السكني؟؟
شهاب يقف وهو يهتف بذات الابتسامة: ما يحتاج يجيني الإلهام.. أختش مفضوحة..
أنا بأروح غرفتي أتسبح وأصلي قيامي وأقرأ وردي..
وعقب بجيها..
وأنتي تعالي اسهري معنا شوي.. بعدين روحي.. أدري وراكم جامعة بكرة..ووراي معكم..
********************************
كان سعود يدخل إلى غرفته وهو يشعر بالهم من رأسه حتى أخمص قدميه..
فهذا الخبر الذي ألقاه عليه عمه كالقنبلة.. كان قنبلة فعلا...
كان يدخل وعيناه تبحث عنها..
ليس غاضبا منها ولا بأي شكل من الأشكال..
لم يعد عاتبا حتى!
الأشياء الكبيرة تجعلنا نعيد توازناتنا بين الأهم والمهم..
الآن ماعاد شيء مهم إلا أنه يريد أن يحتضنها ويخبرها ألا تخاف
لأنه جوارها.. وجوار عمه..
ولن يتركه أبدا..
أن يحتضنها ليخفيها عن الحزن والضيق ويبعدهما عن روحها الغالية..
كان يخطو داخل غرفته وهو مثقل بكل هذا..
ويريد أن يسكبه بين يديها..
دخـــــــــــــــل..
ليجدها نائمة.. لم يكن يعلم أنها ليست نائمة..
ولكنها محض مرهقة من كل هذا.. لن تحتمل أن تنام الليلة وهي تراه يوليها ظهره..
شعر برغبة عارمة أن يتنزعها من السرير ليزرعها في أحضانه..
ولكنه يشعر بالضغط النفسي من موعده في الغد مع الطبيب..
ولا يريد ضغطا نفسيا إضافيا لذا قرر تركها تنام..
************************************
"ياحرم متعب .. أنا جاية تعبانة من السفر وأبي أنام
أما روحي غرفتش وبناتش
وإلا اقعدي مثل العالم والناس وخليني أنام"
مها التي لا تتوقف عن الذهاب الإياب.. تنظر للجازي بنصف عين: وانتي ياحرم خالد سابقا.. ممكن تكونين خوش أخت وتسكتين..
الجازي التي تتمدد على سريرها همست بتأفف: ترا ممكن الرياضة الليلية ذي تروحين تسوينها في غرفتش أو في الصالة..
وش حادني أنا أعاني..
مها تجلس جوارها وهي تدفها للخلف وتهتف بتأفف مشابه: حادش إنش أختي..
الجازي بتوجع باسم: حسبي على أبليسش قعدتي فوقي..
ثم اعتدلت جالسة وهي تهتف بنفاذ صبر: وهذا أنا قعدت قولي لي وش تبين؟؟
أعرف حركاتش.. خابزتش وعاجنتش..
حينها استدارت مها بجسدها كاملا نحو الجازي وهي تهتف برجاء حازم باسم:
أبي خدمة عاجلة من أختي الصغنونة الجميلة جعلني ما أخلا من زولها ولا من عظيماتها الدقاق..
********************************
"ممكن أطلب منش طلب..
وتتعاملين مع طلبي بصورة إنسانية وطبيعية "
مضت خمس دقائق وهي تنظر لهذه الرسالة التي وصلت هاتفها.. وتتنهد:
وش أنت تبي يا تركي؟؟
كيف أتعامل مع طلبك بصورة طبيعية
وأنا متأكدة إنه أكيد طلبك مو طبيعي..
أنت بكبرك منت ب طبيعي..
عندك لوثة حادة في رأسك..
شكله إنه في مناقشة الدكتوراه حد ضربك على رأسك ضربة قوية خلتك تفقد الذاكرة..
كانت مازالت في تفكيرها حين وصلتها الرسالة الثانية:
(ذا كله تفكرين؟
أدق؟؟
نتناقش في طلبي اللي أعرف إنش رح ترفضينه؟)
تنهدت الهنوف وهي ترسل له:
(تركي وش تبي؟؟
أنا حسيت بالتوتر من الطلب قبل تقوله)
(أبي صورة لش)
(نعم؟!!!)
(الله ينعم عليش.. أبي صورة لش)
(عشان أيش؟؟)
(عشان أشوفش)
(وليش تشوفني؟)
(لأنه من حقي أشوفش)
(تركي أنت منت ب جاي من عشاء شهاب تعبان..
وش رأيك ترقد وتريح ملايكتك؟؟)
(هنوف .. أبي صورة لش..
ترا ماعندي إلا صورة باهتة أبيض وأسود عن بطاقتش الشخصية
عمش النحيس شكله يبي يطفشني
شكلش فيها تشبهين شرف الدين سواقنا)
حينها ضحكت الهنوف رغما عنها:
(ماعليه صورة شرف الدين تكفيك الحين)
(زين أبي أشوف صورة شرف الدين بالألوان على الأقل
هنوف اتقي الله فيني.. عطيني شيء أتصبر به على ذا الشهور الثمانية
اللي كنها ثمانين سنة على روحي)
تغير وجهها خجلا (تدري إنك ما تستحي!)
(أدري علمتيني كم مرة..
واللي ما يستحي عادي عنده يسوي تصرفات ما تستحي..
فلا تحدينه عليها..
خليش مرنة شوي..
كل السالفة صورة.. صورة يا البخيلة..
تبين ألبوم صور لي عطيتش)
(تصبح على خير..
أنا وراي شغل.. وأنت شكلك متفرغ)
هنوف أغلقت هاتفها ووضعته جوارها..
تصرفات تركي باتت مقلقة.. جرأته تتزايد..
ولا تعلم هل طريقتها معه الآن هي طريقة مناسبة للتعامل أو لا..
تشعر أنها تحت المجهر معه.. وانه يترصدها بكل الطرق...
وهو يثير فوضى عارمة في داخلها..
ولا تعلم ماهدفه من ذلك.. دك حصونها؟! إشعارها بقيمتها عنده؟!
العبث بها؟!
لا تعلم.. لا تعلم!!
******************************
"من يوم راحت الجليلة
وأنتي ساكتة.. وأنا اللي أهذر"
أميرة عدلت جلستها على سريرها وهي تجلس وتغطي ساقيها وتشعر بالغربة على هذا السرير الذي نادرا ما نامت فيه وتهمس بخجل: ماعندي شيء أقوله..
شهاب يستحثها للحديث وهو يجلس على فراشه الأرضي مقابلا لسريرها:
علميني ليش اخترتي كلية إدارة اقتصاد تحديدا؟؟
هزت أميرة كتفيها: نفس مساعد وبثينة ..
شهاب باستغراب: جليلة تقول إنش أصريتي عليها...تصرين عشانها نفس كلية مساعد وبثينة؟؟..
أميرة بخفوت: ماكان في بالي شيء معين..وما بغيت أروح شيء غريب..
هذي الكلية أخواني فيها.. يعرفون دكاترتها.. ولو أحتجت أي شيء بيساعدوني فيه..
ابتسم شهاب: غريب بس منطقي.. ماعليه.. طيب أنتي الحين مرتاحة في التخصص..
تنهدت أميرة بسكون: يعني موب واجد.. أحس إني موب فاهمة.. هذا الكلام عن الاقتصاد أحسه موب مفهوم وإني ضايعة أحيانا..
ثم أردفت بتردد: أنا بصراحة أصريت عليه لأني كنت حاسة إنه جليلة بتحبه...
شهاب بحزم: ماعليش من جليلة.. إذا حاسة نفسش منتي في هذا التخصص.. ترا عادي جدا تغيرينه توش أول فصل..
أميرة برفض: واخلي جليلة تغير تخصصها وهي ماشاء الله عليها ماشية فيه جدا وحابته..
شهاب باستغراب: وش دخل جليلة؟؟ أنتي غيري التخصص.. وهي تقعد في تخصصها
أميرة بصدمة: بروحي؟!!!
شهاب بحزم حان: إيه بروحش وش فيها.. الواحد لازم يدرس الشيء اللي هو فاهمه وحابه..
جليلة تقول لي إنش ممتازة في الإنجليزي..
حولي انجليزي.. سهل.. خصوصا للي شاطر في اللغة..
أميرة بجزع: لا خلاص بقعد في تخصصي..
*******************************
اليوم التالي
يوم الثلاثاء
"قولي إنش ناوية تعيين بعد"
تنهدت مزنة وهي ترد على رفعة بتأفف: أنا ما أعرف وش اللي سحبني من لساني وعلمتش..
رفعة ترفع حاجبيها كلاهما وتهمس بطريقة تمثيلية: لأني ضميرش الحي.. اللي تحتاجينه حين يخونش الصواب..
اللي هو على طول خاينش..
ما أدري متى الصواب بيصير وفي معش..
مزنة تبتسم: يجي منش أحيان.. موب كل يوم المكينة عطلانة..
رفعة جلست وهي تبتسم: يجي مني كل يوم.. غير أنتي ما تفهمين.
والحين خلينا في موضوعنا..
المسكين ذا وش علته بعد؟؟
تنهدت مزنة بثقة: والله مافيه علة.. بس صليت استخارة كم مرة وما ارتحت ..
ومع كذا مارح أرد الحين..
بقعد أصلي لين يرجع خالد من الصين.. لا رجع عطيته جوابي..
رفعة بتعجب: اللي هو الرفض؟!!
مزنة ابتسمت وهمست بمرح: من هنا لين وقت جية خالد يمكن أغير رأيي..
ثم أردفت بذات الابتسامة: وخليني أروح لحصتي أبرك.. قدها بتبدأ..
**************************************
" أحرك لش السكر؟!"
ابتسمت ضي وهي تنظر للهنوف التي تجلس معها في الكافتيريا وبينهما كوبان من الشاي وبعض أكياس السكر الصغيرة..
وهتفت بمرح: يا أختي أحيانا تحسسيني إني عاجزة وإلا إني جدتش اللي تبين تسنعين لها كل شيء..
ابتسمت الهنوف: يا أختي إنتي ما تخلين الواحد يصير ذوق معش؟!!
لأنش ماسكة الكوب بيدش.. قلت أحركه لش أنا..
وإلا أنتي تسنعين الدوحة بكبرها.. وتقولين هل من مزيد..
ضي تهمس بمرحها المعتاد: حصوة في عين اللي ما يصليش ع النبي..
ويقول ماشاء الله على ضي بنت أم ضي.. حوش يا حواش..
الهنوف تضحك: تبين أتف عليش بعد حاضرة..
ضي بقرف باسم: سويها عشان أصب الشاي الحار ذا على رأسش وإلا أرشش به..
وأشوه وجهش قبل عرسس..
تدخلين على تركي يقول وش ذا الزومبي..
تنهدت الهنوف حين ذكرت ضي تركي.. وموضوع وجهها... وزفرت بضيق..
ضي سبلت عينيها بطريقة تمثيلية: وتنهيدات أيضا.. يا للهول!! يارب ابعت لي من عندك واحد أتنهد لا جابوا طاريه!
الهنوف بغضب باسم: تحشمي يا بنت.. وبعدين أنا موب ناهيتش ما تجيبين طاري تركي..
هزت ضي كتفيها بمرح: أنتي نهيتيني بس أنا ما طعتش.. عادي يعني.. مافيها شيء
ثم أردفت بجدية مصطنعة: وخلينا الحين من تركي ياللي ما تستحين..
أنا أبيش تساعديني وأنتي ضيعتي وقتي بالحديث عن تركي..
وتركي قال... وتركي سوى.. الله يكفينا شر خبال البنات لا عرست الوحدة منهم..
الهنوف بمودة باسمة: مابه خبل غيرش.. يا الله طلعي لابتوبش خلينا نشتغل..
عشان انتي أسرع مني في الطباعة.. تشتغلين بيد وحدة أسرع مني وأنا بإيديي الثنتين..
ضحكت ضي: اليوم شغالة نظل عليّ حسبي على إبليسش..
ضي استخرجت لابتوبها وبدأت تعمل بسرعة.. وهي بالفعل تطبع بيدها الواحدة بطريقة سريعة..
كانت الهنوف تنظر لضي بشجن وحنان عميقين وهي تطبع بيدها اليمين وتثبت اللابتوب بمعصم يدها اليسار..
وتحمد الله أن ضي موجودة في حياتها..
وجود ضي كان أحد أهم مسببات الصبر في حياة الهنوف..
عرفتها في زواج صيتة من صقر.. في حينها كانتا الاثنتان في الرابعة عشرة..
كان تعرفا عابرا ومقابلات عابرة في المناسبات.. دون أي ارتباط..
في وقتها كانت الهنوف مع أهلها وكانت تشعر بشيء من الخوف من ضي..
فذلك الجزء المفقود من يد ضي المختفي خلف قفازها كان يشغل الهنوف.. ويخيفها..
وخصوصا أن ضي كانت تستخدم تلك اليد في كثير من الأشياء ولا تحاول أبدا إخفائها..
ثم عادت لتتعرف عليها بشكل مختلف في المرحلة الثانوية بعد وفاة أهلها..
حينها كانت ضي من اقتحمت حياة الهنوف بشكل صاخب..
كانتا معا في نفس الصف.. وكانت صيتة قد طلبت من ضي أن تتقرب من الهنوف وألا تتركها أبدا..
كانت الهنوف منزوية خادرة تشعر أن حياتها انتهت فعليا..
لتقتحم تلك المخلوقة الغريبة الصاخبة المتدفقة حياتها الحزينة المنغلقة..
ضي كانت النموذج الحي لمعنى العزاء والصبر..
كانت النموذج الفعلي لمعنى أن الحياة تستمر مهما أخذت منا أثمن الأشياء..
كانت تراها وهي تتلقى السخرية حينا والشفقة أحيانا..
فلا تهمها نظرات السخرية ولا الشفقة..
معتدة بنفسها وترى نفسها كاملة لا ينقصها شيء..
كانت الهنوف تقول لنفسها: لو كنت في مكانها لهربت من العالم كله إلى زاويتي المنسية..
لكن ضي أجبرت العالم كله أن يقف لها وأن تكون في بؤرة الضوء..
لم ترضَ أبدا أن تكون على الهامش.. كانت دائما فاعلة ومنخرطة في كل الأنشطة..
أجبرت الجميع على تقبلها.. حتى من عندهم تحفظات عليها.. جعلتهم يبتلعون تحفظاتهم بإصرارها على المشاركة..
(أنا بأطلع في الإذاعة المدرسية باتكلم بلساني وإلا بيدي ؟!)
(أنا في النشاط ذا بأمشي على يدي وإلا أرجيلي؟)
(ترا الموضوع محتاج اصبعين بس.. وأنا عندي خمسة ولله الحمد)
كانت الهنوف تنظر لضي الآن وهي مستغرقة في طباعتها وتناقش حينا وتضحك حينا.. وتحيي عابرة دخلت الكافتيريا الآن..
وهي تنشر حولها عاصفة من الحياة الصاخبة كعادتها في أي مكان تحل فيه..
تنظر لها وتحمد الله كثيرا أن أرسلها لها..
لا تعرف كيف كانت حياتها لتكون لولا وجودها بعد الله تعالى..
كانت ضي من جذبت الهنوف من قوقعتها.. من علمتها أن الأحزان والفقد لا يعني أبدا أن ننسحب من الحياة..
لأن الحياة ستستمر ستستمر.. إن لم نمشِ في ركابها فذلك يعني أنها ستسحقنا في عبورها على أجسادنا..
قد لا تكون ضي نجحت في ذلك مئة بالمئة فمازالت الهنوف غارقة في أحزانها..
ولكنها نجحت في إقناعها بضرورة استمرار الحياة والدراسة وضرورة الانخراط فيها..
وهي تخفف عليها نفسيا واجتماعيا كثيرا من تداعيات فقدانها لأهلها..
خففت عليها وأقنعتها دون أن تنظّر عليها بالكلام والثرثرة بل بالأفعال والتصرفات..
عن طريق معاشرتها لهذه المخلوقة العجيبة التي لم تسمح لأي شيء مهما كان قاسيا أن يهزم روحها..
***********************************
" يا مرحبا يا شهاب والله إني صادق"
شهاب ينظر لأبي فرات بمودة ويهتف بذات المودة: الله يرحب بك يبه..
فُرات كان يقول انتظرني لين أجي..
بس أنا قلت له ماني في عازتك عشان أروح لأبي..
مساعد بينزلني وأنت تعال على راحتك..
أبوفرات بمودة عميقة وهو يربت على ذراع شهاب المستندة على المركأ بينهما:
إي والله إني إبيك.. وإنك مثل فرات عندي..
تنهد بشجن: فرات مارجعت له روحه لين أنت رجعت..
سنين يا أبيك وفرات كنه مضيع شيء..
الحمدلله اللي عقلك علينا.. والحمدالله على سلامتك..
شهاب بتقدير واحترام: الله يسلمك يبه ..
ثم أردف بمودة: فُرات يقول إنك الحين متفرغ للرسم بس.. ماشاء الله..
ابتسم أبوفرات: خلاص يا أبيك الحلال تولاه حمد ولد فرات..
وأنا قدني أقول يا الله حسن الخاتمة.. بين ذكر وعبادة.. ووقت فراغي أرسم..
الرسم يرد شيء من روحي..
حينها سأل شهاب بشكل مباشر: إلا يبه بيتكم القديم وش صار عليه؟؟
أبوفرات ببساطة: جاه الهدم يا أبيك.. بيت قديم... وكان في نص طريق عام جديد بيسوونه..
شهاب بضيق: حرام والله ذاك البيت كان تحفة حقيقية..
أبوفرات بذات البساطة: حاول فرات يمنع الهدم.. وطلب إنه يكون من ضمن البيوت التراثية..
وإنه مايبي تعويض فيه.. وبيسلمه الحكومة يصير مزار تراثي..
بس مارضوا.. قالوا مكانه في نص مشروع طرق جديدة ضرورية.. ولازم ينهدم..
شهاب باستغراب: طيب موضوع عادي.. وليه يوم سألته عنه ماجاوبني..
أبوفرات بذات البساطة الفاتنة الأنيقة: اسأله يا أبيك..
************************************
" لو سمحت لا تقرب من الصورة بذا الطريقة.. ولا تلمسها"
مساعد التفت للشابة المنقبة التي كانت تخاطبه بأدب وهتف باستغراب مهذب:
أنتي تكلميني؟؟
كانت مي تجلس على مقعدها قريبا من زاوية عرض لوحة جدها كعادتها.. ولفت انتباهها زائران غريبان..
الأول شاب من المتطوعين.. أطال وهو ينظر في اللوحة.. بعد أن قرأ التعريف باللوحة.. وكان على وشك تحسسها..
والثانية سيدة كبيرة في العمر ترتدي عباءة وشيلة ومازالت على قدر كبير من الجمال.. يكشف عن جمال فاتن في صباها..
وأطالت وهي تنظر في تعريف اللوحة وصورة صاحبها..
ولكن مادفع مي للقيام والتدخل هو محاولة الشاب تحسس اللوحة..
مساعد لفت انتباهه جمال اللوحة.. ثم لفت انتباهه أكثر أن اللوحة من رسم أحد جماعتهم.. وأنها تمثل بيتهم القديم كما تذكر اللوحة التعريفية..
لذا فاجأه هجوم الشابة عليه وهي ترد بأدب بالغ: نعم أكلمك.. لو سمحت بعد إذنك لا تلمسها..
رد مساعد بأدب مشابه:
أنا كنت بس بعدلها.. حسيتها مايلة شوي..
مي بذات الاحترام والنبرة الخافتة: موب من حقك تعدلها.. أنت متطوع.. عملك من الزوار..
هذا موب شغلك..
حينها رفع مساعد حاجبه: نعم؟؟ أنتي اللي تحددين طبيعة شغلي؟!
ثم أردف بحزم: ماعليش اسمحي لي.. بس هذا بعد من صميم عملي التطوعي اللي قالوا لي عنه.. إنه لو شفت لوحة محتاجة تعديل.. أعدلها..
لانه أحيانا الزوار يحركون اللوحات..
مي بدأت تشعر بالغضب من هذا اللحوح الواثق من نفسه... ومع ذلك همست بذات النبرة المنخفضة الهادئة التي بدأ يظهر فيها أثر الغضب:
إذن عدل كل اللوحات على كيفك إلا هذي اللوحة .. لو سمحت لا تقرب منها..
مساعد بدأ يشعر أيضا بالغيظ منها وهو يهتف ببرود مدروس:
وش معنى ذا اللوحة؟؟ لوحتش؟ أنتي راسمتها؟؟
مي بنفاذ صبر : لأنها لوحة جدي أنا.. وأنا اللي مسؤولة عنها..
حينها لم يكن الرد رد مساعد.. بل رد السيدة العجوز التي كانت تستمع لهما وأمسكت بذراع مي وهي تهمس باهتمام بالغ:
أنتي حفيدة حمد آل سطام؟؟
" لو سمحت لا تقرب من الصورة بذا الطريقة.. ولا تلمسها"
مساعد التفت للشابة المنقبة التي كانت تخاطبه بأدب وهتف باستغراب مهذب:
أنتي تكلميني؟؟
كانت مي تجلس على مقعدها قريبا من زاوية عرض لوحة جدها كعادتها.. ولفت انتباهها زائران غريبان..
الأول شاب من المتطوعين.. أطال وهو ينظر في اللوحة.. بعد أن قرأ التعريف باللوحة.. وكان على وشك تحسسها..
والثانية سيدة كبيرة في العمر ترتدي عباءة وشيلة ومازالت على قدر كبير من الجمال.. يكشف عن جمال فاتن في صباها..
وأطالت وهي تنظر في تعريف اللوحة وصورة صاحبها..
ولكن مادفع مي للقيام والتدخل هو محاولة الشاب تحسس اللوحة..
مساعد لفت انتباهه جمال اللوحة.. ثم لفت انتباهه أكثر أن اللوحة من رسم أحد جماعتهم.. وأنها تمثل بيتهم القديم كما تذكر اللوحة التعريفية..
لذا فاجأه هجوم الشابة عليه وهي ترد بأدب بالغ: نعم أكلمك.. لو سمحت بعد إذنك لا تلمسها..
رد مساعد بأدب مشابه:
أنا كنت بس بعدلها.. حسيتها مايلة شوي..
مي بذات الاحترام والنبرة الخافتة: موب من حقك تعدلها.. أنت متطوع.. عملك مع الزوار..
هذا موب شغلك..
حينها رفع مساعد حاجبه: نعم؟؟ أنتي اللي تحددين طبيعة شغلي؟!
ثم أردف بحزم: ماعليش اسمحي لي.. بس هذا بعد من صميم عملي التطوعي اللي قالوا لي عنه.. إنه لو شفت لوحة محتاجة تعديل.. أعدلها..
لأنه أحيانا الزوار يحركون اللوحات..
مي بدأت تشعر بالغضب من هذا اللحوح الواثق من نفسه... ومع ذلك همست بذات النبرة المنخفضة الهادئة التي بدأ يظهر فيها أثر الغضب:
إذن عدّل كل اللوحات على كيفك إلا هذي اللوحة .. لو سمحت لا تقرب منها..
مساعد بدأ يشعر أيضا بالغيظ منها وهو يهتف ببرود مدروس:
وش معنى ذا اللوحة؟؟ لوحتش؟ أنتي راسمتها؟؟
مي بنفاذ صبر : لأنها لوحة جدي أنا.. وأنا اللي مسؤولة عنها..
حينها لم يكن الرد رد مساعد.. بل رد السيدة العجوز التي كانت تستمع لهما وأمسكت بذراع مي وهي تهمس باهتمام بالغ:
أنتي حفيدة حمد آل سطام؟؟
بينما مساعد المصدوم هتف بثقة رغم شعوره البالغ بالحرج: أنتي بنت فرات آل سطام؟؟
مي أجابت الاثنين معا بعفوية واثقة: نعم أنا بنت فرات آل سطام وحفيدة حمد آل سطام..
مساعد تأخر بذات الحرج وانسحب من الموقف كاملا وغادر... ولكن مي كانت قد قرأت الاسم المعلق على صدره..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
بينما العجوز الفاتنة الجميلة خلت الساحة لها مع مي..
وهي تدير مي نحوها بشكل كامل وتمسكها من عضديها.. وهي تهمس بحنين أزلي شديد العمق والتجذر:
أنتي بنت ابنه؟؟.. سماه فرات.. سماه فرات!!
ثم أردفت وهي تهمس بلهفة بالغة موجوعة: حمد وينه؟؟ .. أريد أشوفه..
مي حاولت التخلص من يدي المرأة بلطف وهي تهمس باحترام: جدي ما يقابل حد... والنساء خصوصا..
العجوز بلهفة: أنا باقية بقطر بس ثلاث أسابيع.. أو شهر بالكثير..
جاية ألقي كم محاضرة وراجعة استكهولم..
وما توقعت أبد أنه ممكن تتقاطع خطوطي مع حمد مرة ثانية..
ثم أردفت بشجن خافت مثقل بالألم كأنها تحدث نفسها:
مع إني كنت مقررة إني عمري ما أدور عليه..
لكن الله حطه بطريقي.. الله اللي حطه بطريقي..
ثم عادت وأردفت برجاء ولهفة غامرين: قولي له ليلى كامل تريد تقابلك..
لو وافق هذا رقمي.. اتصلي بيا..نحدد مكان..
ولو ماوافق خليه على الأقل يتواصل ويايا..
كل وسائل التواصل على الكرت..
خليه يخابرني.. أرجوك.. أرجوك..
قاطع حوارهما اقتراب أحد المنظمين وهو يهتف للسيدة باحترام: دكتورة ليلى.. لازم نمشي..
العجوز قبل أن تغادر شدت على يد مي وهي تهمس لها برجاء عميق عميق:
لا تنسي يا بنتي.. ضروري حمد يحجي وياي أرجوك..ضروري..
العجوز غادرت..
بينما مي ألقت بالكرت في حاوية القمامة..
لأنها كانت على يقين أن جدها لا يريد مقابلة هذه السيدة ولا سواها..
**********************************
"يا حياها الله جوجو..
هانيش مازرتي"
(هانيك مازرت للرجل..
هانيش مازرتي للمرأة.. هي التهنئة المعتادة في لهجتنا للتهنئة بالعمرة)
الجازي تعدل هاتفها على أذنها وهي ترد على الهنوف بمودة: هانيش خير وعافية..
الهنوف بمودة مشابهة: سبقتيني واتصلتي.. أنا وخالتي أم متعب والبندري متفقين نبي نجيكم اليوم عقب المغرب نبارك لكم العمرة..
الجازي بمودة شفافة: يا هلا والله ومرحبا.. أغلى من يجي..
تفكر الجازي كيف تبدأ الموضوع بحيث يكون غير محرج..
وهي تسب مها في داخلها...قد تكون علاقة الجازي بالهنوف علاقة قوية جدا..
ولكن علاقة مها بالهنوف أقوى من علاقة الجازي بها..
بحكم أن مها هي زوجة ابن عم الهنوف.. وهي من تزورهم بشكل متكرر..
ولكن مها لم ترد أن تظهر في الصورة إطلاقا..
لذلك طلبت من الجازي أن تسأل الهنوف.. فربما عندها أي أخبار سمعتها من أم متعب.. أو أبو متعب..
تنهدت الجازي وهي تحاول أن تهمس بتلقائية: هنّو.. ممكن أسألش عن شيء ويقعد بيننا؟؟
الهنوف رغم استغرابها همست بثقة : أكيد جوجو..
همست الجازي بحرج: أنتي سمعتي شيء عن زواج متعب؟؟
الهنوف باستغراب عميق: زواج متعب؟؟
ثم اتسعت عيناها جزعا وصرخت بهذا الجزع: على مها؟؟
مستحييييييل!!
الجازي تسب مها في داخلها للمرة المئة.. لأن الجازي في داخلها غير مقتنعة أن متعب قد يتزوج على مها..
وتظن أن سعود لابد فهم الموضوع بشكل خاطئ وترى أنها أحرجت نفسها وأختها.. همست بهذا الحرج داخلها:
هنّو أنا سامعة من مصدر موثوق إن متعب بيتزوج قريب.. وأبي أسمع منش الحقيقة..
الهنوف بإصرار: أقول لش مستحيل يا بنت الحلال ولا سمعت شيء من ذا الكلام..
الجازي تتنهد: عشاني هل ممكن تسألين بشكل غير مباشر؟؟
تنهدت الهنوف: أكيد .. مع إني أقول لش من الحين مستحيل متعب يسويها..
************************************
"طيب والحين وش بنسوي؟؟"
سعود بحزم: أكيد بنسوي الفحوص فورا..
محمد بحزم مشابه: أكيد بنسوي الفحوص..هذا شيء مفروغ منه...
بس لازم نقول للبنات كلهم..
خواتي وبنات عمي.. وخالد طبعا عقب ما يرجع.. بس البنات لازم نقول لهم فورا..
سعود برفض قاطع: البنات لا.. لا..
محمد بمنطقية: سعود ركز معي.. تذكر محمد بن فهد؟!!
عياله ماشاء الله عشرة.. وأخوانه ثمانية.. كلهم فحصوا.. ما طابق معه إلا واحد من أخوانه..
هذي الفحوص تطول..
فرضا أنا وأنت فحصنا وما طابقنا معه.. أوكان عندنا ارتفاع في الأجسام المضادة..
هل نرجع نفحص البنات؟؟..
هذا كله تأخير مهوب في مصلحة عمي..
عمي حالته متأخرة.. و كان لا يأكل علاج ولا يروح مواعيد.. وقده على وشك غسيل..
والدكتور يقول أحسن يزرع قبل يغسل..
حن أصلا مارح نجبر ولا وحدة فيهم.. اللي تبي تفحص منهم تفحص..
ولو طابق أي واحد فينا... أكيد هو اللي بيتبرع ومارح نخلي البنات يتبرعون حتى لو طابقوا..
أنا مقصدي إنه ما نعطل الاجراءات.. والبنات كذا وإلا كذا لازم يعرفون..
تنهد سعود وزفر بقوة: خلاص أنا بقول لدانة.. وهي تقول لخواتها..
وخواتي الحين أنت بتقول لهم..
******************************
"ليش ما انتظرتني؟"
شهاب يرد على فرات بمودة: وهذا أنا انتظرتك.. أنا هنا مع إبيك من الساعة عشر والحين الساعة وحدة..
بقعد معك شوي..
وعقب أبغيك توديني البيت.. لأنه مساعد هو اللي جابني هنا وراح عنده تطوع..
وعقب بيروح يجيب البنات من الجامعة.. مايقدر يرجعني..
فرات برفض: مافيه تقعد معي شوي وبس..
غير تقعد معي تغدى معي.. ونروح العصر للشركة سوا..
وعقب تعشى معي.. وعقب برجعك بيتك في الليل..
شهاب يبتسم نصف ابتسامة: شوف أنا بأتغدى معك عشان أواجه ولدك حمد...
لأني عازم البنات ومساعد على العشاء برا.. أو هم اللي عازميني لأني ما أدل ولا مطعم..
ابتسم فرات: خل حجز المطعم عليّ.. أنا بحجز لك في مطعم يبهرهم.. ودايما ويتنغ ليست..
أما حمد الحق لك يجيك.. غير ذا الأيام عنده ضغط دراسة ومنشغل مع الحلال بعد..
وعلى العموم أنا مشدد عليه يرجع يتغدى معنا.. وقال تم..
شهاب بمودة: زين يعني بواجهه؟؟
فُرات بإبتسامة: بتواجهه.. غير لا شفته لا حد يبقق عيونه.. تراه يستحي من تدقيق الناس فيه..
ابتسم شهاب: أتذكر وهو صغير وش كثر كان يلفت الانتباه.. خصوصا لا وديناه الألعاب هو وأميرة.. يمكن يلفت الانتباه عشان أشكالنا غلط معه..
هل عاده يلفت الانتباه؟؟
فرات بذات الابتسامة : أكثر من أول بكثير..
شهاب بتساؤل: إلا وش سالفة حمد والولع بالحلال؟؟ دراسة هندسة وحلال؟!!
فرات يزفر: هواية يا أخيك..
ولا أقدر أقول شيء.. عشان خاطر إبي أول شيء..
وعشان حمد ذابح روحه في الدراسة ثانيا.. يبيني ما ألقى عليه حجة..
يعني هو متفوق في دراسته.. وكل واحد له هواية غير الدراسة..
أنا وبنتي وجدها نحب الرسم..
حامد كورة..
هو هوايته جات في الحلال..
************************************
سعود ترك محمد مع شقيقتيه في الأسفل ليتولى إبلاغهما بمرض عمهما..
وإن كانت إحداهما تريد إجراء الفحوص معهما فورا..
وغالبا ستكون الجازي إن أرادت هي ذلك.. لأن وزن مها الزائد سيكون حائلا حتى ولو رغبت بالتبرع..
فتح الباب بهدوء.. يعلم أنها بالداخل.. فهي والجازي أخذتا الأسبوع كاملا إجازة...
حين دخل كانت ترتب.. طريقتها المعتادة حين تشتاق.. أو تتوتر.. أو تحزن..
تفرغ طاقتها في الترتيب..
ويبدو أنها مضى لها وقت طويل وهي تفعل ذلك.. لأن كل شيء كان يلمع ومنظما بصورة مبالغ فيها..
دخل وألقى السلام.. كانت تقف بين ظلفتي الدولاب..
ردت بخفوت وثقة.. وهي توليه ظهرها ترتب الملابس التي كانت منظمة بالمسطرة..
وضع غترته وجلس على الأريكة.. انتظرها.. لكنها لم تتوقف عن الترتيب..
كانت تنتظر المواجهة ومستعدة لها.. فهي أكبر من سيناريوهات الهرب..
لكنها لم ترد فرض الحوار عليه.. لذا قررت تركه حتى يهدأ..
همس سعود بسكون: دانة تعالي..
تنهدت واقتربت منه بهدوء... كانت تظن أنه يريد أن يحدثها في موضوعهما..
لذا كانت مستعدة وواثقة..
ربما يكون باغتها في مكة.. لكنها الآن مستعدة تماما للمصارحة والصلح والاتفاق..
وتحمد الله أن سعود لم يطل هذه الجفوة.. فهي كانت تظن أنه قد يبقى عاتبا لفترة أطول..
كانت توشك على الجلوس بعيدا عنه بمقعد واحد وهي تهمس بهدوء ومودة ورقي: هذا أنا جيت.. لبيك..
أشار سعود للمكان جواره.. اقتربت أكثر وجلست جواره..
لم ترتح للعلائم على وجهه.. ولم ترتح لتصرفه الذي تلاه.. ولا كلامه..
سعود أدار جسده نحوها ومد يديه ليمسك بكفيها وهو يهتف بنبرة غريبة: تدرين دانة وش كثر أحبش؟!!
مع استغرابها من طريقة السؤال لكنها همست بثقة: أعرف.. وأعرف بعد وش كثر أنا أحبك..
سعود بذات النبرة الغريبة: وتدرين زين إني بكون دايما جنبش مهما صار..
وإنه أي شيء ربي يكتبه.. أنا بكون لش ظهر وسند لين آخر يوم في عمري..
حـــــيـــــنـــهــــا.. غامت الدنيا في عينيها.. وشعرت أن أنفاسها ضاقت..وضاقت..وضاقت..
وصداع مدمر انتشر في كل خلايا جمجمتها مفجرا دماغها إلى أشلاء صغيرة..
وهي تهمس باختناق مر شديد المرارة كأنها تبصق الكلمات:
سعود أنتي تبي تتزوج علي؟؟
فاجأتها ردة فعله وهو يقفز واقفا وينفض يديها من يديه بغضب: أنتي صاحية؟؟ وش عرسه؟
دانة تحاول التماسك وهي تنظر ليديها اللتين أفلتهما ترد بشموخ: أجل وش ذا المقدمات؟؟.. هذي مقدمات واحد يبي يعرس ويهيء لمرته..
تنهد سعود وهو يعود ليجلس ويحاول مسك يديها مرة أخرى.. لكنها منعته من مسك يديها.. لكنه أصر بقوة ..فتركت يديها له..
سعود يبحث الآن عن مقدمة أخرى جديدة مناسبة: دانة.. أنتي عارفة إنه عمي صار له فترة تعبان..
حينها كانت هي من قفزت وهي تشد يديها من بين يديه.. وتفكيرها ينقلب 180 درجة..
وصدمتها الكاسحة من ظنها أن سعود حبيب عمرها كله سيتزوج.. تتحول إلى لا شيء أمام هذه الصدمة..لا شيء.. لا شــــــــــــــيء..
وهي تصرخ بجزع ورعب كاسحين: إبي وش فيه؟؟ إبي وش فيه؟؟
إبي صار له شيء؟؟
تنهد سعود للمرة الألف وهو يقف.. وهذه المرة.. احتضنها بقوة..
حين احتضنها.. زاد جزعها ورعبها أن والدها حدث له شيء..
كانت تدفعه عنها وهي تهمس بجزع مرعب وتنظر حولها بانهيار: أبي أروح بيت هلي.. أبي أشوف إبي الحين..
أبغي هادي.. أبغي أشوفه الحين..
تكفى أبي إبي.. تكفى يا سعود ودني له.. وين عباتي؟؟
سعود كتفها بقوة أحضانه وهو يهمس في إذنها بحنان: دانة الله يهداش عمي مافيه شيء ورب الكعبة.. اهدي اهدي خل أتكلم معش..
حينها استكان جسدها المتصلب وهي تندس في حضنه وتنفجر في البكاء:
قل لي إبي مافيه شيء.. قل لي إن إبي مهوب مريض بشيء شين..
سعود يهمس في إذنها بحنان: أنتي دكتورة وفاهمة.. ومرض عمي مرض علاجه سهل وبسيط..
وأنتي الكبيرة العاقلة اللي لازم تهدي خواتها.. وتشرح لهم..
مازالت منهارة ودموعها تنهمر: احلف إن إبي مافيه شيء.. احلف..
يهتف سعود بمساندة :مريض بمرض بسيط وعلاجه موجود ان شاء الله..
ابتعدت قليلا عن حضنه وهي تحاول التماسك وتمسح وجهها ..وتجلس.. وهي تهمس بهذا التماسك الهش:
قل لي كل شيء الحين وبالتفصيل..
****************************************
" وليش الجازي عادي تفحص وأنا لا؟؟
ليه هو موب عمي وإبي اللي ماعرفت لي إب غيره.. مثلي مثلكم ؟؟"
يتنهد محمد وهو يحاول تهدئة مها الثائرة: من قال إنه الجازي لازم تفحص.. هي قالت إنها تبي تفحص معنا.
وأنا قلت لها كيفها..
لكن أنتي صعب.. وين تخلين بناتش والعملية رح تكون في لندن غالبا؟!!
مها انهارت جالسة وهي تزفر بحزن مختلط بغضبها: محمد أنت ليه تلف وتدور؟؟
تراني ماني ب غبية..
قل لي إني دبة وما أقدر أتبرع وخلاص..
أم سعود تنهرها: مها لا تقوّلين إخيش الكبير كلام ما قاله..
مها قفزت مرة أخرى وهي تهمس بتصميم بالغ: أنا بأروح الحين المستشفى أحدد لي موعد عملية..
أساسا فحوصي خالصة عشان عملية التكميم.. بس أنا ماعاد رجعت لهم..
الحين بسويها أسرع وقت.. خلال شهر أقدر أنقص 20 أو 15 كيلو على الأقل..
وممكن أسوي الفحوص معكم..
محمد يتنهد بحزم: يا مها مهوب كذا.. اذكري الله..السالفة مهيب خذوه فغلوه..
مها تغادرهم وهي تهتف بتصميم: خلاص أنا قررت وانتهينا..
*********************************
"دانة وش اجتماع القمة المريب ذا؟؟"
كانت هذه جملة مزنة الحازمة التي بدا لها هذا الاجتماع غريبا..
ان تتصل دانة بغالية وتطلبها.. وتقول لهن جميعا مزنة وغالية ووالدتهن أنها تريدهن في موضوع هام..
بدا كل ذلك مريبا جدا وغير معتاد أبدا..
تنهدت دانة وهي تبعث في صوتها كل الحزم المطلوب وهي تتمنى لو أنها كلمت مزنة وحدها ومزنة من تولت إخبار والدتها وغالية:
إبي تعبان شوي.. مرض بسيط.. بس محتاجنا كلنا جنبه..
غالية ووالدتها شهقتا وغالية تقف وهي تهمس بجزع : مريض بويش؟؟
بينما مزنة همست بسكون متماسك رغم صدمتها البالغة وهي تنظر لدانة بشكل مباشر:
دانة إبي وش فيه؟؟
همست دانة بحزم تشعر أنها تذوي خلفه: إبي محتاج زراعة كلى بشكل عاجل..
ولازم كلنا نفحص تطابق الأنسجة..
غالية انهارت جالسة وهي تدفن وجهها في كتف والدتها التي احتضنتها وهي تهمس بتماسك:
ماعليه شر.. وبسيطة إن شاء الله..
همست مزنة بانهيار رغم تماسكها الظاهري كانت كمن يحدث نفسها: أشلون ماعرفنا؟؟ اشلون ما انتبهنا..
دانة بحزن عميق: هو ماكان يبينا ندري ولا تنتبه.. وإلا هو صار له فترة تعبان..
وحتى علاج ما كان يأكل...
كانت صدمة كاسحة على الجميع..شعورهم بالتهديد في أعظم شيء يمتلكونه..
والــــدهـــم ..السند والقوة والعذوبة والاختلاف..
رفيق دربهم..خطواتهم الأولى.. مفاصل حياتهم كلها..
كل المفاصل كان معهم فيها خطوة بخطوة مساندا ومشجعا ومحتويا..
غامرا لهم بحنانه ومودته واهتمامه بكل تفاصيلهن. .
لا تتذكر إحداهن أنه قد وجه لها كلمة قاسية أو أحزنها.. كان يُشعرهن أنهن أميراته فعلا..
حتى زواج دانة من سعود الذي كان ظاهره الاجبار.. كان الشيء الوحيد الذي مازال يعتذر لدانة عنه حتى اليوم.. حتى اليوم!!
لا يعرفن طعما للحياة ليس فيه..
كيف يبدأ الصباح دون أن يكون أول ما يفعلنه هو سماع دعائه الصباحي لهن؟!!
وكيف ينتهي اليوم دون أن يكون في ختامه سؤاله لهن عما فعلن في يومهن؟!!
أم خالد قاطعت الافكار المنهمرة وهي تهمس لدانة بحزم: حددي مواعيد المستشفى عشان نفحص..
لكن مزنة هتفت برفض قاطع: أنتي لا يمه..
أم خالد برفض أشد: ماحد فيكم يقرر نيابة عني.. ترا عمري 54 ماني بعجوز.. ولا معي سكر ولا ضغط.. أنا أول وحدة بتفحص..
وأول وحدة بتتبرع قبل أي حد فيكم..
ثم أردفت بحزم : ولا تعلمون خالد بشيء.. خلوه لين يجي..
دانة برفض حان: يمه مافيه داعي.. كلنا بنفحص حتى سعود ومحمد والجازي..
أم خالد بذات الاصرار: وأنا معكم..
وهن في حوارهن دخل أبو خالد.. تعلقت الأعين به.. كانت نظراتهن نظرات حزن ولهفة وإحساس بالذنب وانكسار..
بينما هو سلّم باريحيته المعتادة: ماشاء الله.. غزلاني كلهم مجتمعين..
ثم أردف بقلق وهو يرى وجوههن غير الطبيعية: وش فيكم... غالية ليه تبكين؟؟ حد فيه شيء؟؟؟
حينها غالية تفلتت برفق من حضن أمها وهي ترمي نفسها في حضنه وتنفجر بالبكاء: يبه ليه كذا؟؟ ليه ماعلمتنا؟؟
تنهد أبو خالد وهو يشدها ويجلس معها على الأريكة وهو مازال محتضنا لها ويهمس لهن كلهن بحنان غامر:
يا أبيكم.. أنا يوم دريت إني معي قصور الكلى.. قد حالتي متاخرة..
لأني تعبان من زمان بس أقول مافيني شيء..
ولا كنت أبي أشغلكم معي..
ولا يقول حد منكم إنه يبي يتبرع لي..
وش بقى من العمر أعنيكم وأعذب نفسي وأعذبكم في علاجات؟؟
وإلا أخذ من حد منكم كلية ..وأنتم شباب.. العمر قدامكم..
أنا أبي أعطيكم ..ما أخذ منكم.. أنا خلاص أقول يا الله حسن الخاتمة..
حينها اقتربت مزنة وجلست أمامه على ركبتيها ..
كانت تنظر له وكأنها ترسم ملامحه في مآقيها.. تحفظ تفاصيله في عروق عينيها..
كان قلبها يذوي وهي تمسح على شيب لحيته بكفيها بحنو وألم..
وكأنها ترى في ثنايا هذا الشيب ذكريات عمرها الأثيرة كلها..
قبلت جبينه وشفتاها ترتعشان..
ثم وضع إصبعها على شفتيه وهمست بحزم رقيق حان تذوب روحها خلفه:
يبه والله ما تقول كلمة ولا تحلف على حد منا.. لا حن ولا عيال عمي..
ترانا كلنا بنفحص..
ثم أردفت بوجع عميق وصوتها ينحدر بتأثر بالغ: يبه كيف هان عليك تسوي في نفسك كذا؟؟
أنت ما تعرف أنت وش تمثل بالنسبة لنا؟؟
قل لي يبه الحياة وش هي بدونك؟؟
كيف هان عليك تشح على روحك بقطعة منا ما تضر نتبرع بها..
وأنت موب بس قطعة من روحنا.. إلا أنت روحنا كلها..
هان عليك تحرمنا من روحنا عشان كلية وحدة واحنا عندنا ثنتين؟!!
*************************************
كانت الهنوف تعود للبيت مع أم متعب والبندري من بيت أم سعود..
رغم أن الجازي لم تأكد عليها الموضوع.. إذ كان بالها مشغول جدا مع خبر تعب عمها أبو خالد الذي قلب تفكيرهم ومشاعرهم رأسا على عقب..
وهي لم تقابل مها التي أخبروها أنها في المستشفى..
لكن بدا للهنوف أنه من المريب أن مها مازالت في بيت أهلها..
وكانت أم متعب متضايقة من الموضوع ولكنها لم تتكلم.. أو ربما تكلمت بشكل خاص مع أختها..
ولم تعرف الهنوف كيف تفتح الموضوع مع أم متعب وخصوصا أنها يبدو أنها لا تعرف شيء عن زواج جديد أو شيء مشابه..
(مين ممكن يعرف عن موضوع زواج جديد لمتعب إذا كان فيه زواج جديد فعلا؟!
إذا واحد يبي يتزوج.. أكيد بيقول لأقرب حد له..
بيقول للشخص اللي يبي شوره وفي نفس الوقت مارح يخاف من ردة فعله..
مين ممكن يكون هذا الشخص بالنسبة لمتعب وأقدر أنا أسأله؟!)
"تــــــركـــــي!!"
(لا لا .. تركي لا لا لا ..
مارح أكلم تركي.. مارح أكلمه..
بـــــس.. بس..
بس مافيه غيره أقدر أكلمه)
تنهدت الهنوف وهي تتصل به مجبرة.. لأول مرة تطلب منها الجازي طلبا..
عدا أنها هي نفسها باتت تشعر بالقلق..
هل يعقل أن متعب سيتزوج على مها؟؟ على أم بناته؟؟
في حينها كان تركي في غرفته يحضر محاضرات الغد...
ويوشك على الانتهاء.. حين رن هاتفه باسمها الأثير..
نظر مرتين إلى الاسم واتسعت عيناه ذهولا لذيذا: معقولة الهنوف بنفسها تنازلت وتتصل بي؟!! وش صاير في الدنيا؟!!
لم يترك الهاتف يكمل رنته الأولى حتى... خشي أنها قد تتراجع عن الاتصال إذا وصلت إلى الرنة الثانية دون رد..
رد بابتسامة متلاعبة سعيدة سعيدة فعلا : يا حيا الله سمو الأميرة..
وش صاير في الدنيا حتى سموك تتعطفين علينا بالاتصال السامي ؟
زفرت الهنوف في داخلها (ياثقل طينتك!!) وهمست بنفاذ صبر: أسكر يعني؟..
ابتسم ابتسامته المتلاعبة ذاتها: أنا ماصدقت تتصلين.. تقولين أسكر!!..
مع إني عارف إنش أكيد موب مشتاقة لي.. وأنه فيه سبب للاتصال الكريم..
بس خاطري أعرف السبب اللي خلاش تتصلين فيني..
عشان أدعي في صلاتي أنه يصير كل يوم..
حينها ضحكت رغما عنها ضحكة عذبة رقيقة خافتة: ما أعتقد انك من صالحك أو صالح أي حد أدعي ذا الدعوة..
شعر ببرودة في أطرافه ودفء عامر في قلبه.. شعر أن أسرابا من البلابل حلقت في سماوات روحه..
أحقا سمعها تضحك وضحكتها تنسكب في إذنه كشلال من بهاء وسعادة؟!!
هل من الممكن أن يكون لضحكة أحدهم هذا التأثير الجبّار في نفس أحد آخر؟!!
همس بشجن مغلف بحزم :يا الله يا هنوف!! عشان أسمع ضحكتش ذي أنا مستعد أسوي أي شيء..
انتفضت بعنف ورعشة رقيقة تتصاعد في خلاياها.. همست بحرج: ما تبي تعرف ليه متصلة؟
تركي ابتسم: بصراحة مايهمني.. يهمني أنش اتصلتي وبس.. وسمعتيني صوتش..
ابتسمت الهنوف بخجل: تركي خل عنك العيارة.. أنا جد أبيك في موضوع مهم..
هتف بثقة وعفوية: تدللي يا عيون تركي!!
الهنوف بذات الابتسامة الخجولة: قلنا عن العيارة..
تنهد تركي في داخله بعمق (يا الله ما أعذبك!!) .. ثم أردف بثقة باسمة: أنا لو أطلقت سراح اللي تسمينه أنتي عيارة وأسميه أنا شيء ثاني..
رح تسمعين وتشوفين شيء مختلف ١٨٠ درجة..
ابتسمت بخجلها الرقيق: تهديد هذا؟؟
رد عليها بابتسامة متلاعبة: اممممم.. بل تحفيز..
مازالت الهنوف مبتسمة :أنت كأنك تضيع الموضوع عشان ما أسألك؟؟
أجابها بصدق مغلف بالخبث: ألا أطول الموضوع... هذي بعض حيل اللي تسمينه عيارة واسميها أنا شيء ثاني..
ثم أردف بجدية ودودة: تدللي.. وش تبين؟؟ امريني؟؟
تنهدت الهنوف بخجل: احلف تعلمني الصدق..
تركي ابتسم وهو يهتف بشجن وشفافية.. وخـبـث: أنا لا سمعت صوتش أفقد السيطرة على كل شيء فيني..
ومع إني أن شاء الله.. ولله الحمد ماني بكذاب..
لكن الكذب يحتاج سيطرة قوية..
وأنا معش فاقد السيطرة وطوع بنانش.. لا تقولين أمس واقف.. طعتش وأمسيت..
فكيف تبيني أكذب عليش؟؟
الهنوف تشعر أنه يثقل عليها بهذا الكلام.. يثقل عليها كثيرا..
وهي محض صبية نقية المشاعر وهذا المتغزل المتجبر في غزله هو زوجها.. هتفت بخفوت وهي تحاول إبعاد تأثيره:
متعب عنده نية يتزوج على مها؟
تركي هتف بصدمة أخرجته من جو العشق الذي كان غارقا فيه حتى إذنيه:
متعب على مها؟؟.. مستحيل!!
أعرف ان بينهم مشاكل مع أنه ماعلمني..
بس زواج؟؟ لا.. لا.. مستحيل..
الهنوف بتساؤل خجول: متأكد؟؟
تركي بتأكيد: مليون المية.. أنتي من من سامعة ذا الكلام؟؟
الهنوف بتلقائية: من أخت مها نفسها..
تركي باستغراب: والله يا بنت الحلال ما سمعت ولا شيء من ذا الكلام.. ومع كذا رح أسأل متعب..
خبر الزواج مو شيء يتخبى..
الهنوف برجاء: بس أمانة ما تجيب طاري مها أو أختها أو أنك سمعت من طرفهم..
تركي بحزم: أكيد يا بنت الحلال.. ماني بغشيم.. بقول له سمعت وبس..
*************************************
قبل ذلك بقليل..
في بيت سعود... البنات كن في المجلس الداخلي كعادتهن في الزيارات حتى لا يكن على طريق أي عابر..
والأختان صافية ونورة في الصالة كعادتهما أيضا.. تتبادلان أطراف الحديث بمودة خالصة عميقة..
صافية أم سعود همست بهذه المودة: ترا أم عتيق جارة فلوة رجعت من علاجها.. لازم نروح نزورها..
نورة أم متعب بابتسامة ودودة وشجن: يا حي طاري أم عتيق.. وكل من فلوة توده وتحبه.. وهو يودها ويحبها..
تنهدت صافية بحنين عميق: ومن اللي ماكان يحب فلوة ويودها؟!!
نورة تمسح دمعة خائنة: رحمة الله عليها.. إنها أم الخير كله حية وميتة.. الشهر اللي طاف كملت ١٣ سنة ما جفت دمعتي عليها..
تشعب الحوار بينهما وامتد عن أختهما الكبرى الراحلة فلوة زوجة جبران..
حديث الشجن المتكرر الذي لا تملانه وهما تستعيدان الذكريات الاثيرة معها..
بقيت في ذاكرتهما تمثل كل جميل وعذب وطاهر وأثير..بطيبتها وكرمها ولطفها..
همست صافية بشجن عميق: تدرين إن مها أكثر حد يذكرني فيها الله يرحمها..
في شكلها وطبايعها..
نورة بذات الشجن : إي والله إنش صادقة.. لا شفت مها تضحك يفز قلبي كنها ضحكة فلوة..
ثم أردفت وهي تتلفت حولها: إلا مها وينها؟؟.. ماشفتها..ما شفت إلا بناتها..
تنهدت صافية: راحت المستشفى..
نورة بقلق: ليه وش فيها؟
صافية أشارت بكفيها بقلة حيلة: تبي تسوي عملية تكميم..
نورة بصدمة: وش عندها؟
صافية تنهدت: تقول تبي تضعف عشان تبرع لعمها..
همست نورة بمودة وتقدير: الله يكتب أجرها.. مع أنه ظنتي ماتقدر تبرع...
الضعف والصحة موب في يوم وليل.. تبي لها كم شهر إذا مهوب شهور وإلا سنة..
صافية توافقها : قلت لها.. غير هي مصممة..
ولا جيتي للحق أحسن..هي نفسيتها تعبانة من متنها ولا عاد ضعفت..
نورة باستنكار: والله يا عافيتها إنها تهبل عليها..
صافية تبتسم: هذا كلامي أنا واياش.. بس الشباب تفكيرهم غير..
حينها أردفت نورة بنبرة مقصودة : ومها عادها مطولة عندكم؟!!
قلتي لي أسبوع.. قد لها أسبوعين..
زفرت صافية: نورة واللي يرحم والدينش اللي هم والديني ..
ترانا قد تحاكينا في ذا الموضوع..
والله إني ما أدري وش فيها..
تبين حاكيها من الراس للرأس.. أنتي أمها أكثر مني..
نورة بنبرة حازمة: ما عليه..خليها تخلص عمليتها ونتفاهم.
***********************************
"يا الله نقوم نمشي؟؟
هذا إحنا تعشينا .. وحلينا..
وبكرة عندنا أولى محاضرة رفيقك أبوحمد اللي فضحتني عنده
وهو ما يرضى حد يدخل عقبه لو حتى بنص دقيقة"
شهاب بمودته الجامدة: قلت لش ماعليش منه..
ثم أردف بنصف ابتسامة: عاد لو تدرون... إنه هو اللي حاجز لكم هنا..
ابتسم مساعد: وأنا أقول كيف شهاب قدر يلقى حجز.. وكنت أبي أنشدك ونسيت..
ابتسمت الجليلة بثقة: كثر الله خيرك وخير أبوحمد..إن كان هو اللي حجز.. فأنت اللي دفعت..
مساعد باهتمام وتذكر: اليوم كان عندي تطوع في معرض لوحات في المدينة التعليمية..
شفت لوحة لأبو فرات.. ياهي عجيبة يا شهاب!!
تحفة فنية.. مكتوب جنبها في التعريف إنها تمثل لوحة طبق الأصل من بيت الرسام القديم..
تذكر ذا البيت يا شهاب؟؟؟.. مع إني ما أظن.. شكله قديم واجد..
ابتسم شهاب بشجن: بلى والله أذكره.. توه هدموه في أواخر التسعينات..
مساعد باستغراب: بس البيت طرازه قديم واجد..
شهاب بتلقائية: إنه قديم واجد اللي بانيه جد أبوفرات..و كان أبو فرات مهتم فيه.. ثم فُرات كان واجد واجد مهتم فيه..
ورممه وزاد فيه على نفس الطراز.. كان تحفة معمارية مذهلة..
ابتسم مساعد: واللي كان يلفت الانتباه أكثر من لوحة البيت.. صورة احترافية بحجم كبير لأبو فرات نفسه.. بجدايله الطويلة..
أميرة شهقت بتساؤل: إب دكتور فرات عنده جدايل؟؟
ابتسم شهاب بمودة: عنده جدايل طويلة توصل لخصره..
ابتسمت الجليلة: ما أتخيل صراحة شكل شيبه مع جدايل طويلة..
أكمل مساعد بمرح: أكثر شيبه وسيم وراقي وجنتل ممكن تشوفينه في حياتش.. بلا منازع..
ثم أردف بتساؤل وهو يوجه السؤال لشهاب: إلا أبو فرات الرسم عنده هواية كذا وإلا درسه دراسة متخصصة؟؟
شهاب بتلقائية: كلها..
***********************************
"حبيبتي غالية وش له ذا البكاء؟؟
أنتي تفاولين على إبيش؟؟"
غالية تمسح دموعها وهي تبكي بصمت وتهمس بصوت مختنق وهي تسند رأسها لكتف جابر:
جابر اشلون يكون تعبان كذا وإحنا مخلينه؟
شايل هم خلق الله.. واحنا ماقدرنا نشيل همه..
تخيل إنه كل يوم يكلمني ويسأل عن سعود ويسأل عنك.. ويسأل حتى عن فهدة..
عمره مامر يوم ما كلمني فيه..صبح وليل..
وإن مر يومين ماشفته.. كلمني: تجيني يا أبيش وإلا أجيش؟؟ مشتحن لش أنتي وسعود..
جابر.. إبي لو صار له شيء أنا بموت..بموت..
جابر يحتضن كتفيها بحنو ويهمس بثقة حانية: ماعليه شر..
وحتى أنا بسوي فحوص التبرع معكم.. عشان نوسع فرصة الخيار..
لو أنا طابقت وانتي طابقتي.. أنا اللي باتبرع.. من الحين أعلمش..
غالية برفض: لا يا جابر لو طابقنا كلنا.. أنا اللي باتبرع..
جابر يقبل رأسها ويهتف بحزم: هذا شيء مافيه نقاش..
غالية انزوت في حضنه وهي تقبل صدره وتهمس بحزن عميق: جابر أنت أجمل نعم ربي علي..و أنا آسفة يا جابر والله آسفة..
أحيانا نحتاج صدمة كبيرة في الحياة توعينا.. وتخلينا نكتشف إنه وش كثر احنا تافهين ومشغولين بتوافه الأمور..
وكانت الصدمة كبيرة.. كبيرة واجد..
جابر يبتسم: أخاف الحين هذا كلامش عشان عمي هادي تعبان.. عقب نرجع على طير ياللي...
ابتسمت غالية من بين دموعها: على الأقل أوعدك أحاول..
********************************************
"حبيبي لا تضايق.. عمك ماعليه شر"
محمد يتنهد بشجن: بثينة.. عمي هادي أكثر إنسان طيب ممكن تقابلينه في الحياة..
ما أتذكر سمعته في حياتي يتكلم على أحد كلمة شينة..
قلبه نظيف... دايما وده يعين ويعاون.. ويحس إنه دايما مقصر في حق خلق الله..
مع إنه ما لحد حق عليه..
ابتسمت بثينة بمودة وهي تشد على يد محمد بقوة: واللي هذي صفاته ربي ما يخليه..
ويوقف له العالم كله..
هذا أنتم كلكم بتفحصون عشانه.. ولو أحتجتم أنا بعد أفحص، فحصت..
عمي هادي غالي وربي يشهد..
وهو والله مايقصر معي.. وأنت عارف إنه دايما يدق علي ويسألني عن أحوالي..
ويقول لي إذا محمد قصّر معش في شيء.. علميني أنا بوريه الشغل..
أول مرات كلمني كنت استغرب.. وأقول يمكن مجاملة وعشان توني عروس..
بس مرت أكثر من أربع سنين متزوجين.. ما يمر أسبوع إلا هو مكلمني..
أخرها قبل كم يوم.. فكيف ما أحبه وأقدره.. اللي مثله غصب ينحب..
تنهد محمد بشجن عميق: كم مرة يكلمش وأنا معش... وأقول عمي هادي مقوي رأسش عليّ..
الله يشفيه ويعافيه.. وإن شاء الله أطلع أنا اللي مطابق معه..
****************************************
اليوم التالي.. صباح الأربعاء
.
.
" تظنون اليوم بيكونون شياطينه طاخين؟"
ضي ترد على الجليلة بمرحها المعتاد: ماحد يطلع شياطينه إلا أنتي..
اليومين اللي أنتي ما داومتي ما تقولين ذا دكتور فرات..
هادي جدا ..وش حليله..
الجليلة تبتسم برزانة: سكونه فيه .. ماني باللي طلعتها..
جاي فيهم مربيهم لين قدهم موب مجرد سكون.. قدهم مردة وغيلان ووحوش..
(السكون: الجن.. جمع سُكني)
ضي بتذكر باسم: ألا صحيح بتتعشون في مزرعته ذا الجمعة؟؟
تعلمني أميرة..
وسمعت جابر يقول إنه دكتور فرات مسوي عشاء كبير في مزرعته لاخيكم..
الجليلة بهدوء باسم: الله الله!!
الله يكفينا شر عشاه.. لا يطلع من بطوننا..
ضي بحماس: جابر يقول مزرعته شيء من الخيال..
أميرة بحماس مشابه: حتى مساعد يقوله..
الجليلة بمودة: بيت عمي جايين..
بقول لخالتي أم متعب تجيب فهدة عشان تستانس..
ضي بمرح: حبيبتي ..أم متعب قد قالت لفهدة الكبرى من أمس..
وفهدة متحمسة أكثر وحدة..
قاطع حوارهم الدائر دخوله الأنيق المهيب اللافت للانتباه..
ابتسمت ضي وهي تهمس: خاطري يصير عندي ذا الهيبة..
اشلون؟؟
ابتسمت الجليلة: صيري إمبريالية..
وهو انتبه فورا لمكان صدور الصوت.. مع أنه عدد من الطالبات كن مازلن يتكلمن لأنه دخل للتو ومازال لم يلق التحية بعد..
وإلقاء التحية هو الإشارة الفعلية للصمت..
بعد أن ألقى التحية هتف بصرامة: يبدو أن الجليلة طالب نشيطة مع هذا الصباح..
وكان عندها شيء تبي تقوله.. شاركينا الجليلة..
جليلة زفرت داخلها وهي تسبه في داخلها.. (أبي أعرف ليه يكرهني كذا.. هو مافيه حد تنشب في حلقه غير الجليلة..)
كتمت ما تشعر به داخلها وهتفت باحترام: مافيه شيء دكتور.. كنت أتناقش مع زميلاتي في بعض الأشياء..
فُرات بصرامة: طيب شاركونا هذي الأشياء.. ممكن إنه أقدر أفيدكم..
الجليلة لم تكن تريد أن تكذب وفي ذات الوقت لا تعرف ماذا تقول له تحديدا.. لذا هتفت بذات الاحترام : كنا نتكلم عن الإمبريالية..
وكنت أتساءل في داخلي.. هل الإمبريالية وارتباطاتها بالاقتصاد مطلوبة لامتحان حضرتك الأربعاء الجاي..
هو لم يكن يعرف هل هي تقصد الاستهانة به.. التعريض به.. أو تتكلم بعفوية.. ومع أنه يظن أن هذه المرأة تقصد كل شيء تقوله أجاب بثقة وحزم: نعم بتدخل..
وبمناسبة الامتحان... الامتحان رح يكون آخر محاضرة لي معكم..
يعني باقي لي معكم محاضرتين..
محاضرة درس ومراجعة سريعة..ومحاضرة الامتحان..
وعقبها بيستلمكم دكتور جديد..
الجليلة في نفسها تنهدت: الحمدلله يارب الحمدلله..
.
.
.
فور خروجهم من المحاضرة هتفت ضي بمرح : والله بنفقده دكتور فرات المزيون.. ومحاضراته المشوقة..
وأكثر شيء بفقده نقرته مع جيلو..
أميرة تعلق بمرح مشابه: إي والله بنفقده..
الجليلة ابتسمت: أنا عني ماني بفاقدته أبد.. مع إنه والحق يُقال دكتور ممتاز يمكن لأن الاقتصاد عنده ممارسة موب شيء نظري..
بس ثقيل على قلبي هو ومحاضرته.. أحس إني تحت المجهر..وهو كل شوي لازم يسألني عن شيء..
ضي ببساطة باسمة: لأنه معجب فيش يا المسبهة.. أنتي عمياء ما تشوفين أشلون عيونه تلمع لا قدش تكلمين..
الجليلة بحزم غاضب: ضي لو سمحتي.. عيب ذا الكلام..
ابتسمت ضي وهي تهمس بنبرة مقصودة: أنتي اللي عيب عليش.. وين راح تفكيرش المنحرف؟!!
اعجاب بريء.. بريء مثل اعجاب أي دكتور أو دكتورة بطالبة مميزة..
كانت تقول ذلك وهي تشير لأميرة بحركة مرحة من خلف الجليلة (أختش ذي خبلة!!)
*****************************
" سيدة سيتا.. أريد التحدث معك في موضوع هام؟؟"
صيتة توترت.. هي تشعر بالتوتر منذ أيام.. وزاد التوتر اليوم مع هذا الموعد المحدد مع كبير الأطباء المسؤول عن حالة عبدالله منذ سنوات..
ردت عليه بهذا التوتر العميق: تفضل دكتور بول..
دكتور بول بمهنية: في غضون أسبوعين سيتم نقل عبدالله إلى قطر على متن طائرة إخلاء طبي..
صيتة انتفضت بعنف وهي تهمس بنبرة متقطعة بعدم فهم وصدمة: كيف نقله؟؟ ألست أنت بنفسك من قال لي أن نقله بمثابة إعدام له؟!!
الدكتور بول بذات المهنية الباردة: في حينها.. كنت أتحدث عن النقل الطبي العادي..
لكن الآن عبدالله سيتم نقله على طائرة إخلاء طبي متخصصة تشبه مستشفى حقيقي لكنه مستشفى طائر..
صيتة مازالت مصدومة وتعاني عدم فهم ناتج عن صدمتها الكاسحة..
وهي ترى إشارات قوية مرعبة تخبرها أن كثيرا من حياتها ذهب هدرا دون قيمة:
حسنا.. ولكن من الأساس مادامت هذه الطائرة موجودة لماذا لم تخبرونا عنها؟؟
دكتور بول بذات النبرة المهنية: افهميني سيدة سيتا.. هذه الطائرة ليست تحت أوامرنا..
هذه الطائرة لا تتحرك إلا بقرار من جهة عليا في الحكومة.. وتحريكها يكلف مبالغ مالية هائلة من الجهة التي طلبتها..
انهارت صيتة جالسة.. لا تعلم هل تفرح أو تحزن..
هل تفرح.. لأن معاناتها انتهت وفي غضون أسبوعين ستعود لأهلها وبلدها..
ومعها عبدالله كما حلمت كل دقيقة وثانية طيلة السنوات الست الماضية..
أو تحزن.. لأن هذا الأمر كان يجب أن يحدث قبل سنوات..
من سيعيد لها الآن مافقدته من طفولة ابنتها؟؟ من سيخيط روحها التي مزقتها أيام شقائها؟؟
من سيرجع ست سنوات مفقودة من عمرها كانت تعدها باليوم والساعة والدقيقة..
همست بجمود: وهل من الممكن أعرف من الجهة التي طلبتها؟!!
أدار الأوراق ناحيتها لتنظر للاسم المكتوب بالإنجليزية:
Major General: Jubran AL-Jubran, Qatari Civil Defense
****************************
"سعود لازم أكلم متعب وأعلمه عن عمليتي..
موعد عمليتي يوم السبت..
أشلون أسويها وأنا ماعطيته خبر.."
سعود بحزم: أنا علمته خلاص..
مها قفزت بصدمة حقيقية : ولا كلمني حتى؟!!.
سعود شد يدها ليعيدها تجلس جواره وتنهد بمودة حازمة:
مها ترا منتي ب رخيصة عند متعب..
لكن أنا اللي طلبت منه ما يتواصل معش..
مثل ما طلبت منش..
استدارت مها لتنظر لسعود بصدمة كاسحة: زين ليه سعود؟؟
ليه؟؟
ترا متعب زوجي وولد خالتي وأبو بناتي..
ولنا ٦ سنين متزوجين..
موب معقول نتفاهم أنا وإياه عبر المراسيل..
سعود بذات الحزم: أنا ممنون ومبسوط بمهمة المرسال..
ما اشتكيت لش..
مها بحزم مشابه لحزم أخيها: بس أنا موب مبسوطة..
سعود بحزم أشد: موب لازم تكونين مبسوطة..
خلوني أحل اللي ماقدرتوا تحلونه..
الحل العجيب اللي أنتي توصلتي له إنش تطلبين منه يعرس..
ولو بتحلونه مثل الأوادم ما طلبتي من رجالش يعرس عليش..
لأنه هذا دليل إنه اللي بينكم شيء واصل الشيطان الرجيم..
وفي نفس الوقت موب حادش إنش تطلبين إن رجالش يعرس عليش إلا إنه موجعش جدا..
ولا حتى علمتيني بشيء..
عشان كذا أنتي ومتعب منتو ب كفو حل مشاكل..
تسكتون اثنينتكم وتخلون الموضوع لي.. وانتهينا من ذا الجدل..
صمت سعود وانسحبت مها وهي غاضبة فعلا.. ..
كان سعود يشعر بصداع فعلي.. وهو يحارب على أكثر من جبهة.. فهو للتو جاء من المستشفى هو والجازي ودانة من أجل بدء الفحوص...
وفي المستشفى اتصل بمتعب..
يتذكر انفجار متعب المدوي فيه عبر الهاتف وهو يبلغه بخبر عملية مها:
وعادك بعد تبيني ما أكلم مرتي عقب ذا؟؟
رد عليه سعود بحزم: ايه والله ما تكلمها ولا حتى تزورها.. ووالله إنك لا تفجرني إني ماعاد أكلمك عمري كله... (تفجرني= لا تطيع حلفي)
متعب الذي كان قد وقف حين سمع الخبر.. جلس منهارا وهو يهمس بحزم وغضب مكتوم:
سعود اتق الله اتق الله...تراك سويت فيني االي ماحد سواه عمري كله..
هذي الي تسوي عملية مرتي.. كيف ما أكلمها ولا أزورها
طيب كيف مها بتفكر... وإلا هلك وهلي..
أنت متخيل كيف ذا الشيء بيوجع مها؟!!
سعود يتفهم بل هو أكثر من يتفهم.. ومع ذلك هتف بحزم بالغ: ما لاحد شغل..
ولو حد نشدك (نشدك=سألك).. قل لهم موضوع بيني وبين مرتي..
ترا لسانك مهوب عند الصانع ..
(لسانه موب عند الصانع ..مثل يُطلق على الإنسان الذي لا يحتاج إلى من يعلمه كيف يرد بل رده قوي وجاهز)
*****************************
"حمد أنا مسافر بكرة ألمانيا
عشان البطولة..
وعندي مخيم أسبوع قبل البطولة
يعني تقريبا بغيب حول أسبوعين أو ثلاثة"
أبو فرات يُنزل فنجانه على الطاولة أمامه ويهتف بمودة واهتمام: الله يحفظك..
الله الله بنفسك..
ونبي اعتزال مشرف..
يميل حامد ليقبل كتف شقيقه الأكبر ثم يده وهو يهتف بتقدير جليل: إن شاء الله
أنت ادعي لي بس..
أبو فرات بمودة راقية حقيقية: أنت داري إني دايما أدعي لك..
حامد باهتمام باسم: أنا متشفق أخلص ذا البطولة بشكل مشرف.. عشان أعتزل وارتاح وأريحك أنت وفرات..
كانا يجلسان متجاورين في المجلس ويتحاوران في مواضيع مختلفة كعادتهما.. فرغم الفارق العمري الكبير الذي يصل إلى ٣٣ عاما بينهما..
كان الحوار بينهما لا ينقطع.. كانت العلاقة بينهما خليط من الأبوة والبنوة والأخوة والصداقة.. علاقة فريدة من المودة والتفاهم والاهتمام..
وهما في حوارهما دخل أحد الموظفين في شركة فرات.. ألقى التحية وأعطى حامدا كيسا مملوءا بالرسائل كعادته كل أسبوع..
شرب الموظف فنجانا من القهوة تحت إصرار أبي فرات وحامد.. ثم غادر..
حامد أخذ يتفحص الرسائل التي تخصهم جميعا عدا فُرات الذي فرز موظفه رسائله وأخذها، عدا أن كثيرا من رسائله تأتي على عنوان الشركة مباشرة..
كان حامد يقلبها بين يديها..معظمها كانت فواتير ودعوات.. هتف لأبي فرات بمودة: وش أسوي ببريدك؟؟
أبوفرات ببساطة: إذا فيه شيء مهم وإلا قطهم في الزبالة..
حامد يقلبها بين يديه: فواتير ودعوات.. مافيه شيء مهم.. هنا بس كم دعوة من وزارة الثقافة لفعاليات وندوات..
أبوفرات بذات البساطة: إذا كان فيه شيء مهم يتصلون فيني.. هذي دعوات يرسلونها للكل..
حامد بتلقائية: فيه دعوة لندوة دولية عن تاريخ فن الزخارف الإسلامية مسويتها دكتورة.. يهمك الموضوع؟؟
أبوفرات بذات التلقائية: أنت خابرني أحضر ذا الندوات؟؟
ابتسم حامد: لا.. بس قلت أعلمك قبل أقطها..
أبو فرات بابتسامة مشابهة: قطهم كلهم..
************************************
"خالد وش علومك في سفرتك؟ عساك متوفق؟"
خالد يتنهد وهو يشد حزامه على خصره استعدادا للخروج ويسند الهاتف لكتفه:
ما أعرف يا محمد.. الاتفاق فيه عراقيل.. والصينين ذولا جننوني..
محمد بقلق: ليه وش صاير؟؟
خالد يزفر: الصفقة كبيرة شوي.. والمواصفات موب مثل ما اتفقنا.. ورفضت استلامها..
وطلبت إعادة تصميم بعض الأشياء..
وفيه حاليا نقص في التمويل..
محمد يقاطعه بحزم: محتاج فلوس؟؟
خالد بحزم مشابه: لا والله موب محتاج..
محمد بغضب: تدس علي؟؟
خالد بمودة حازمة: والله لو احتجت إن أقول لك..
ثم أردف بتفصيل: السالفة فيها شوي تعقيد.. ولو كنت أنا موجود في البداية ماكان صار ذا كله.. المشكلة إني خايف أطول هنا بس..
محمد يتنهد بارتياح: إذا السالفة بس عشان كذا لا تهتم..
خالد باهتمام: إلا والله مهتم.. ما ودي أبطي على شيباني..
ثم أردف بارتياح مبتور يخفي قلقه: بس اللي طمني شوي إن سعود يقول إن فحوصات إبي طلعت زينة الحمدلله..
أنت داري وش كثر أحاتيه.. إبي من عرفته ما عمره اشتكى ولا قال تعبان..
ثم أردف بحزن عميق يخفيه خلف حزم العبارات كان كمن يحدث نفسه: وأنا ما قصرت فيه.. تعبته معي تعبته واجد..
محمد بنبرة مموهة: ازهل عمي.. لا تحاتيه..
خالد بنبرة حازمة تخفي خلفها حزنا كبيرا:
حتى لو فحوصه زينة.. قلبي ناغزني ..
أنا لا رجعت.. لازم أروح أفحصه برا..
********************************
"متى دريت عن موضوع الإخلاء الطبي لعبود؟"
سند يبتسم وهو يجلس بجوار صيتة التي مازالت تعاني أشكالا متناقضة من المشاعر: توني دريت قبل شوي من السفير..
وجيت ببشرش.. كلمني الدكتور وعلمني إنه قال لش..
ثم أردف باستغراب: ليه شكلش موب مبسوطة؟؟
همست بغرابة وحزن: يمكن تعودت الحزن يا سند..
ثم أردفت بألم عميق: وموجوعة يا سند موجوعة..
أعرف إنه ماكان لي حق أطلب من إبي جبران ذا الطلب..
حتى لو كنت أعرف إنه يقدر..
وكثر الله خيره اللي سواها.. ولو مهما شكرته ما أقدر أوفي جميله..
بس تمنيت لو أنه سواها قبل كذا دامه يقدر..
سند ربت على فخذها جواره وهتف بمساندة: يا صيتة يا حبيبتي كل شيء في وقته حلو..
المهم إن حن راجعين ديرتنا خلاص.. ومعنا عبود..
ما يهم التوقيت..
صيتة بذات الألم: التوقيت له فرق كبير في حياتي في كثير أشياء..
يتنهد سند هو أكثر من يتخوف من هذه العودة لأسباب كثيرة: احنا سوا ولا تحاتين شيء.. أهم شيء تكونين أنتي سعيدة ومبسوطة...
همست صيتة وهي تمسح وجهها وتبتسم ابتسامة مبتورة: أنا مبسوطة يا سند..
لا تظن إني موب مبسوطة ولا حتى ذرة..
بس مشاعري متناقضة مهتاجة غريبة.. أحس أني موب واقفة على أرض صلبة..
ثم أردفت باهتمام: شغلك وش بتسوي معهم؟؟؟
سند بتلقائية: أنا صار لي عشر سنين في واشنطن.. كفيت ووفيت.. وكان مفروض راجع من زمان.. بس خلوني هنا عشان ظروف عبودي..
حاليا بارجع الدوحة معكم.. ولا أعتقد إني بكون في التمثيل الخارجي الفترة الجاية كلها.. لين نشوف وضعنا..
ثم أردف بابتسامة: تدرين إني حتى بيتنا في الدوحة ما أدري وش علومه.. سبع سنين مهجور..
صيتة بخجل تخفي خلفه توترا وقلقا من المستقبل: سند عادي أنا بروح بيت هلي لين تضبط وضعك.. وعلى العموم أنا بكون مع عبود في المستشفى..
سند بغضب وإصرار: صيتة أنتي بترجعين بيتش أنتي.. موب بيت هلش..
صحيح البيت مهجور.. بس فيه عمال اثنين في المجالس.. واحد منهم صار لنا عندنا 20 سنة.. موصيه على البيت.. وهو على طول يسوي له صيانة وينظفونه..
ودقيت عليه وأنا في الطريق وأكدت عليه يسوي صيانة شاملة..
وكلمت عيال عمي بعد يمرون ويشيكون على كل شيء ولو شيء ناقص يسوونه..
وأنتي لا جيتيه سوي اللي تبينه وبنجدده ونغير أثاثه كامل..
في داخله أمل بحياة مختلفة تنهي سنوات الحرمان حين يعودان إلى الدوحة..
وفي داخلها قلق عميق مجهول من هذه الحياة التي تجد نفسها غير مستعدة لها..
*******************************
"حزام صب لي قهوة يا أخيك؟؟"
حزام يتناول الدلة ويصب فنجانا لتركي وهو يهتف بمودة باسمة: حاضرين للدكتور..
تركي يتناول فنجانه وهو يهتف بحنو واهتمام: أخبار المدرسة؟؟
حزام يضحك: الحين عرفت ليه أنت والهنوف تزوجتوا... نفس التفكير سبحان الله..
كلكم أول ما تشوفون وجهي ما تسألون إلا عن المدرسة..
مافيه في الحياة شيء غير المدرسة تسألوني عنه؟!!
يبتسم تركي وهو يرفع حاجبه: وش يعني تبيني أنا والمدام نسألك عنه؟؟
شغلك وإلا عيالك وإلا أحفادك؟؟.. ماعندك إلا ذا المدرسة
وعادك تنفس لا نشدناك منها..
حزام بمرح: الله الله يا الهنوف قد عندش متحدث رسمي..
تركي ينظر لمتعب الذي يجلس قريبا منه صامتا لا يشاركهم الحوار بتعليقاته المعتادة ..
هتف تركي بحزم موجها حواره لحزام : حزام يا أخيك.. روح لغرفتي فيه ملف أزرق على المكتب اخذه وحطه في سيارتي..
وبتلاقي في سيارتي ملف أبيض.. خذه وحطه على مكتبي..
حزام بتأفف مرح: وش ذا الحوسة كلها؟؟
تركي بمرح: اخلص علي.. قدام يطلع كتاب الرياضيات اللي مات واختفى فجأة..
ضحك حزام وهو يتناول سلسلة مفاتيح تركي منه ويهتف وهو يضحك:
لا بالله خل الكتاب ميت في قبره.. نبش الميت حرام..
فور مغادرة حزام.. وقف تركي وتوجه ناحية متعب وجلس جواره وهو يهتف: وش شاغل حضرة الرائد؟؟
متعب بمودة وهو يربت على ذراع تركي: مافيه شيء يا أخيك.. مشاغل بس..
تركي بمودة مشابهة: وعشاء ترقيتك متى تبيني أسويه؟؟
متعب يتنهد: قلت لك من أول خله بعدين.. والحين بعد أقول لك أجله.. أم البنات بتسوي عملية عقب كم يوم..
وعمها تعبان محتاج زراعة كلى ومشتطين معه..
تركي بصدمة: أبو خالد؟؟
متعب بإرهاق: الله الله.. أبوخالد.. الله يشفيه ويعافيه..
تركي باهتمام: ومن اللي بيتبرع له؟؟
متعب بذات النبرة المرهقة: سعود يقول لي كلهم فحصوا.. أحسن حد يطابق هو اللي بيتبرع..
تركي بذات الاهتمام: جعله مايشوف شر أبوخالد... وأم ريم وش عمليتها؟؟ سلامتها..
متعب يريد الاحتفاظ بخصوصية مها لذا هتف بحزم: عملية بسيطة..
حينها هتف تركي بنبرة مقصودة: والمرة الجديدة هدية العملية يعني؟!
متعب باستغراب: أي مرة جديدة؟؟
تركي بذات النبرة المقصودة: اللي أنت بتزوجها.
متعب وقف وهو يقول بتلقائية: أنت شكلك متفرغ.. الله يقرب عرسك لا تستخف علينا.. صاير دمك خفيف وعقلك..
ثم أردف بذات التلقائية: أنا بأروح أطلع بناتي .. واعدهم أوديهم الألعاب..
تركي لا يعلم حتى أن مها ليست في بيتها.. نظر لمتعب المغادر وهو يهز كتفيه بتعجب: الرجّال مافي باله شيء حتى..
شكلها تخاريف نسوان..
************************************
يوم الجمعة
الليلة سيكون العشاء الموعود..
.
.
شهاب ومساعد يستعدان للخروج لصلاة الجمعة مبكران وشهاب يهتف للجليلة بحزم:
بثينة عادها ما تبي تروح معنا؟؟
همست الجليلة بمودة غامرة واحترام جليل.. وهي تجمع أواني الفطور بعد أن انتهت أميرة للتو من فطورها:
فديتك هي موب إنها ما تبي تروح معنا..
هي تبي تروح معنا.. بس ما تقدر.. مرتبطة مع زوجها..
وزوجها بيجيبها معه وهو جاي للعشاء..
شهاب بذات الحزم: خلاص احنا رايحين نصلي وبنرجع لمجلس عمي نتغدى معه..
وبنمشي لمزرعة فرات عقب صلاة العصر على طول..
الجليلة بهدوء واثق: مهوب بدري العصر؟.
شهاب بذات الحزم: مهوب بدري.. فرات ملزم إنه لازم نجي العصر...
ثم أكمل مساعد بمودة واثقة: ترا بتروحون مع السواق تتبعونا.. وأنا وشهاب على سيارتي..
الجليلة باستغراب: طيب ليه سيارتين؟؟.. بنروح معكم وخلاص..
مساعد بذات الثقة الودودة: لأن عمي وحزام بيروحون معنا.. وبيرجعون مع متعب..
عمي يبي يتفرج مع أبوفرات على المزرعة قبل تغيب الشمس..
********************************
"جيلو بقا شيء ما سويتيه؟؟
احنا رايحين نتعشى عندهم
موب نعشيهم
أنتي ما تخلين طبعش ذا؟!.."
الجليلة تغلق الأواني بالقصدير والبلاستيك وتهتف بحزم لأميرة: سكري وأنتي ساكتة.. ثم خلي الخدامات يطلعونها للسيارة.. ولا تنسين دلال القهوة والشاهي..
وهذا أنتي قلتي "طبعي".. يعني مارح اشتريه... وهذا عشان شهاب فديته وصاني على البنية
وإلا إبيها الامبريالي ما يستاهل..
حرام مسكينة متى أخر مرة كلت طبخ بيت من يد مرة..
أميرة بتعجب: والبنية بتاكل ذا كله؟!! بيجيها تخمة..
الجليلة بحزم: يا كثر قرقرتش.. كيفها فيه تاكله وإلا توزعه.. إن شاء الله مهوب مكتوت..مزرعة متروسة عمال..
أنا رايحة ألبس عباتي..
تأكدي من الأغراض ثم البسي..
بعد قليل كانتا في السيارة مع السائق والخادمة يتبعون سيارة مساعد..
بعد حوالي 35 دقيقة وصلوا لوجهتهم.. أشار لهم مساعد بالدخول عبر بوابة معينة..
وحين تأكد من دخولهم.. تجاوزهم للبوابة الأخرى..
أميرة تنظر حولها وتهمس ببهجة رقيقة: تجنن المزرعة..
الجليلة تتنهد.. تشعر بضيق من كل هذه الرحلة.. ولولا خاطر شهاب عندها لم تكن لتوافق.. ولكنها لا تريد أن تكون الطرف السلبي في المعادلة.. همست بمودة:
شهاب يقول لي مزرعتهم هذي قديمة واجد.. كانوا يلعبون فيها وهم صغار..
بس دكتور فُرات مهتم فيها جدا.. والبيت والمجالس توها.. بناها جديدة..
بعد دقائق كانوا يصلون إلى البيت الكبير المكون من طابق واحد... كانت واجهته حجرية على الطراز المعماري القديم..
ولكن من الخلف صالة ضخمة مفصولة عن البيت واجهاتها كلها زجاجية تطل على بركة سباحة ومن خلفها سور عال ومن ثم المزرعة..
الجليلة نزلت وهي تهتف للسائق أن يضع كل الأغراض بقرب الباب.. وطلبت من الخادمة أن تدخلها للداخل..
الخادمة دخلت للداخل وتأخرت..
هتف السائق للجليلة: مدام هذا واجد ثقيل أبي مساعدة من نفر..
بينما الجليلة تتلفت بحثا عن أحد يساعده.. خرج أحد العمال من خلف البيت..
كان يرتدي لباسا يشبه بنجابي الباكستانيين وعلى رأسه غترة حمراء يتعمم بها..
ومن تحت أطراف العمامة يظهر شعره الأشقر..
حين رأى السيارة مازالت واقفة وبجوارها نساء غض البصر وهو يريد العودة..
لولا أن الجليلة نادته بنبرتها القوية الواثقة: تعال يا رفيق شيل مع درايفر.. واجد ثقيل..
لا تعلم هل لمحت ابتسامة على محياه بوسامته الغريبة المختلفة وبشرته البيضاء التي لوحتها الشمس.. أو خُيل لها أنه يبتسم..
وهو يتوجه لخلف السيارة لمساعدة السائق دون أن يرفع رأسه نحوهم..
همست الجليلة لأميرة وهي ترى خادمتهم تخرج ومعها خادمتين أخريين : يالله تعالي داخل هم بيدخلون الأغراض..
*************************************
" البندري... فهدة وينها ؟؟
خالتي أم متعب قالت إنها بتروح معنا.."
البندري تغلق حقيبتها الصغيرة ..وتهمس بحماس: راح تركي يجيبها..
وقده برا هو إياها.. اخلصي علينا لا يعصب.
الهنوف بصدمة: تركي اللي بيودينا؟؟
البندري تعدل وضع نقابها على وجهها وتهمس بعفوية: أجل جدتي...
الهنوف بتوتر وخجل: خلاص ما أبي أروح...
البندري نظرت بنصف عين للهنوف التي كانت شبه جاهزة .. تبقى فقط نقابها في يدها:
نعم ؟؟؟.. أقول اخلصي بس...
استحي على وجهش..
يعني أنتي رايحة معه بروحكم.. ترا معش ٣ حرس..
فهدة بروحها تكفي..
الهنوف بذات التوتر الخجول: خلاص بروح مع عمي هو قايل إنه بيروح العشاء..
البندري هزت كتفيها: ترا ابي بيروح مع مساعد في سيارته...
وانسي أن أمي أو تركي بيخلونش في البيت بروحش..
الهنوف توترت توترا يبدو غير منطقي.
لأنها اساسا كثيرا ما ماقابلت تركي في أرجاء البيت..
فماذا سيختلف ذهابها معه بل في رفقة أهله؟!!
وهي سبق وركبت معه السيارة سابقا.. رفضها هذا بدا غير منطقي بالمرة..
لذا لبست نقابها وتناولت حقيبتها وتنهدت وهي تخرج والبندري تتبعها..
*************************************
الجليلة وأميرة دخلتا إلى البيت..
حين دخلتا كان في انتظارهما قرب الباب صبية جميلة رغم طول قامتها كانت تبدو أصغر من سنها..
ومن يراها سيعلم فورا أنها ابنة فرات.. يبدو دمه واضحا فيها ولكن بطريقة أنثوية رقيقة..
كان شعرها الأسود يصل إلى خصرها.. وهي تتركه حرا منثورا على متنها
قابلتهما مرحبة بخجل وعلى شفتيها ابتسامة خجولة سعيدة: يا هلا والله ومرحبا
حياكم تفضلوا..
أنتم خوات عمي شهاب؟؟ صح؟؟
سلمتا عليها الجليلة وأميرة بمودة راقية وهما تخلعان نقابيهما.. والجليلة تهتف بثقة: صحيح خوات شهاب..
أنا الجليلة الكبيرة.. وهذي أميرة أخر العنقود..
مي ابتسمت بعفوية رقيقة وهي تهمس بمودة وإعجاب: ماشاء الله ما توقعت إنه ضيفاتي اليوم جميلات كذا..
الجليلة بثقتها الراقية: ماعليش زود.. ياحبيبتي
بالفعل مي رأت الاثنتين جميلتين.. لكن الكبرى منهما كانت مختلفة جدا... جمالها مؤثر وفاتنة بشكل درامي لافت..
ذلك النوع من الجمال الذي لا تمل معادوة النظر له مرة بعد مرة..
همست مي بذات الخجل الودود وهي تقودهما لمكان جلوسهما: وش ذا اللي جبتوه كله؟؟... واجد كلفتوا على نفسكم..
تفضلوا ارتاحوا.. دقايق وأجيك..م بس أرتب اللي جبتوه ماشاء الله..
ثم غادرتهما متوجهة للمطبخ..بينما أميرة تلتفت وهي تهمس بمرح: شكلها مستحية جدا.. كنها أول مرة تقابل ناس..
هتفت الجليلة بأمر حازم عذب: بدل ذا القرقرة روحي ساعديها..
تأففت أميرة بمرح وهي تقف: حتى في بيت الناس بتشغليني..
أميرة تبعت مي للاتجاه الذي ذهبت فيه..
ولكنها عادت بعد لحظات ووجهها أصفر.. وهي ترتعش بقوة..
وتهمس لجليلة بصدمة والكلمات تناثر وأنفاسها تعلو وتهبط: جيلو خلينا نروح..
ما أبي أقعد هنا.. تكفين خلينا نروح الحين..
جليلة بقلق: وش فيش أميرة؟
أميرة تهمس بأنفاسها المتطايرة وكلماتها المتقاطعة والدموع تكاد تقفز من عينيها:
أنا رحــــ ـــت.. رحــــــت بساعدها.. بساعدها.. باب مطبخهم قزاز من فوق..
تخيلي جليلة تخيلي يمــــه يمــــــه...
شفت الباكستاني اللي شفناه برا.. داخل من باب المطبخ الوراني.. شايل أغراض..
خذتها منه وحبته على رأسه.. أعوذ بالله أعوذ بالله..
خلينا نروح.. ما أبي أقعد معها..تكفين خلينا نروح.. خلينا نروح..
+
حينها ابتسمت الجليلة وهي تأخذ صورة في برواز على طاولة جانبية كانت دققت فيها بعد خروج أميرة لأنها لفتت انتباهها بقوة..
أدارتها ناحية أميرة وهي تهمس بثقة بذات الابتسامة الواسعة التي كادت أن تتحول لضحكة:
تقصدين الباكستاني ذا؟!
أميرة تهمس بأنفاسها المتطايرة وكلماتها المتقاطعة والدموع تكاد تقفز من عينيها:
أنا رحــــ ـــت.. رحــــــت بساعدها.. بساعدها.. باب مطبخهم قزاز من فوق..
تخيلي جليلة تخيلي يمــــه يمــــــه...
شفت الباكستاني اللي شفناه برا.. داخل من باب المطبخ الوراني.. شايل أغراض..
خذتها منه وحبته على رأسه.. أعوذ بالله أعوذ بالله..
خلينا نروح.. ما أبي أقعد معها..تكفين خلينا نروح.. خلينا نروح..
حينها ابتسمت الجليلة وهي تأخذ صورة في برواز على طاولة جانبية كانت دققت فيها بعد خروج أميرة لأنها لفتت انتباهها بقوة..
أدارتها ناحية أميرة وهي تهمس بثقة بذات الابتسامة الواسعة التي كادت أن تتحول لضحكة:
تقصدين الباكستاني ذا؟!
كانت الصورة لفرات مبتسما ابتسامة بدت غريبة للجليلة.. فهي لم تراه مبتسما أبدا من قبل..
وبجواره الباكستاني إياه في تمام أناقته في بشت أسود في حفل يبدو كأنه حفل تخرج..
وتبدو ملامحه التي لم يدققوا فيها سابقا بتفاصيل واضحة..
وسامة غريبة عن المعتاد في شبهه بوالده لكن ببشرة بيضاء لوحتها الشمس .. عينان خضراوان وشعر أشقر ذهبي بدا واضحا من تحت انسياب الغترة..
ومع غرابة اجتماع هذه الملامح الغربيّة مع اللباس التقليدي إلا أنها بدت عنده متآلفة جدا بشكل صميمي..
أميرة شدت الصورة بقوة وصدمة وهي تمسكها بيديها الاثنتين وتقربها منها لتدقق فيها.. وعيناها تتسعان وهي عاجزة عن الفهم..
قاطعها وأحرجها بشدة صوت مي تقول بمودة: هذا إبي مع إخي حمد في حفل تخرجه من الثانوية العامة قبل ثلاث سنين..
ثم أردفت بابتسامة: حمد طلع صوب أمي الله يرحمها وأنا صوب إبي..
البعض يظنون إني كنت أتمنى لو خذت الشقار أو العيون الملونة..
وأنا بالعكس أحمد ربي على شكلي..
اشتعل وجه أميرة احمرارا من الموقف كله.. وشعرت أنها ستبكي فعلا من حرجها وسوء ظنها..
وانحرجت أكثر أن مي دخلت والصورة بين يديها.. كانت محرجة لأقصى درجات الإحراج..
بينما همست الجليلة بمودة: أنتي حلوة وتجننين على أي شكل..
مي همست بخجل رقيق وهي تتناول دلة القهوة لتصب للجليلة:
بعد إذنكم بعض الأكل وديته المجالس.. لأنه واجد.. حرام.. في المجلس بيأكلونه الرياجيل والعمال..
الجليلة بذات المودة الرقيقة الواثقة: كيفش فيه ياحبيبتي.. هذا الأكل كله لش لا تشاورين فيه..
ابتسمت مي بتقدير: أنا وحمد ذقنا واستخفينا عليه.. عمرنا ماذقنا أكل كذا.. حمد أصلا استولى على كم حرّارة وخذهم معه المجلس..
(الحرّارة وعاء يحفظ الطعام حارا لساعات)
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
************************************
"أنا كم مرة قايل لك لا عاد تجيني بذا اللبس في المجلس!! ما تفتهم أنت؟!!"
حمد يخلع لباسه ليستحم في إحدى الغرف الملحقة بالمجلس وهو يرد باحترام على والده الغاضب الذي لحقه : يبه فديتك أنا توني جاي من عند الحلال..
مابعد لحقت أتسبح وأبدل لا في بيتنا ..لأنك قلت لي تعال الحين..
ولا في غرفتي اللي في بيت المزرعة لأن ضيوفك جاوا بدري..ماقدرت أدخل البيت..فجيت المجلس على طول..
فرات بذات الغضب: كان دخلت من ورا لين تبدل.. ولبس الخبلان ذا أنا أصلا ناهيك منه.. يا أخي لو انك تحزم أحسن من إنك تلبس كذا...
تنهد حمد وزفر: يبه الشباب كلهم يلبسونه.. وهو أحسن من الثوب الأبيض وأريح لي..
كانت هناك موضة شائعة بين الشباب وهو ارتداء ثوب قصير تحته بنطلون..
غالبا يكون لونه بيج أو بني فاتح ويشبه كثيرا لباس البنجابي الباكستاني..
عدا أنه شكله من الأعلى مثل الثوب تماما حتى في جيبه وأكمامه وأزراره.. وبنطلونه مستقيم وليس متسعا..
وكان الشباب يحبون ارتداءه في الرحلات لأنه أسهل للحركة ولا يتسخ بسرعة مثل الثوب الأبيض..
ولكن لبسه في المجالس كان مكروها تماما خصوصا عند كبار السن..
فرات بذات الغضب: ثاني مرة تخلي معك ثوب في سيارتك.. ما تدخل علي في المجلس وأنت متشنقط... ماتعرف السحا أنت...
تنهد حمد ثم هتف باحترام: يبه مابعد فيه حد .. عمي شهاب بس..
وعلى العموم حاضر يبه.. إن شاء الله ماني ب متعودها.. أخر مرة..
فرات يستعد للمغادرة ويسأله بحزم: إلا وش ذا الحرارات اللي أنت جايبها معك؟؟ مهيب حرارات بيتنا..
ابتسم حمد وهو يستعد لدخول الحمام: خوات عمي شهاب جايبين حرارات بيتهم كلها لمي.. خففت عليها... وسرقت شوي منها..
*******************************
"يا حيا الله الشيخة فهدة..
يعني رجعنا من السفر.. سحبتي على خالش حبيبش"
فهدة التي كانت تجلس بين الهنوف والبندري في المقعد الخلفي وتمد رأسها بين خالها وجدتها التي تجلس في المقعد الأمامي..
همست بنبرة عتب تشبه عتب العجائز: خالي حبيبي لو متذكر بنت أخته كان سأل عنها..
مهوب حذفها من عقب المطار وسج منها..
ضحك تركي بحنان: أخس يا العجوز.. تشرهين على خالش يا مسودة الوجه؟!!..
ترا الحق لي مهوب لش..
فهدة بذات النبرة الخبيثة العاتبة البريئة: تشره عليّ لو أنا أسوق سيارة وأقدر أجيك؟!!
حينها ضحك تركي ضحكة مجلجلة: اخس.. أختي صيتة وش مرضعتش يا العجوز؟؟.. قصفتي جبهتي في كلمتين..
حينها تراجعت فهدة وأسندت ظهرها لظهر المقعد وتكتفت وهمست بحزم غريب:
اختك سجيت من حليبها.. ما أتذكر أصلا لو هي أرضعتني وإلا لا..
حينها هتف تركي بحزم باسم حنون: أنا اللي متذكر.. رضعتي لين قد عمرش ثلاث سنين.. وأنا أقول لصيتة إلى متى وأنتي ترضعين ذا العجوز؟!!
وهي تقول وش عليك من عجوزي مناشبها في حليبها؟!
فهدة بنبرة قوية توحي أن صاحبها يوشك على البكاء: خلاص تحلل من بطني وسجيت منه..
الهنوف التي كانت تجلس خلف أم متعب صامتة بخجل يخنقها منذ بداية الرحلة.. مدت يدها واحتضنت فهدة وقبلت أعلى رأسها ..
كانت تتفهمها.. تفهم تماما ما تحس به.. يجمعهما ذاك الإحساس المر باليتم..
الإحساس أنه مهما كان حولهما من البشر هناك فجوة هائلة في الفؤاد.. فراغ لا يمكن طمره..
فهدة ابتعدت قليلا من حضن الهنوف.. وكانت الهنوف تعرف أن هذه ستكون ردة فعلها..
ومع ذلك قبلتها على راسها مرة أخرى قبل أن تنسحب فهدة بشكل نهائي..
وهي تشد نفسها ناحية البندري وكأنها تريد أن تنظر معها عبر النافذة..
كانت كعادتها ترفض بإصرار اي احساس بالشفقة أو المؤازرة وخصوصا من العنصر الأنثوي...
فهي قد تتقبل احتضان المواساة من جدها أو خالها أو عمها أو الجد جبران.. لكنها أقل تقبلا له من الإناث..
لأنها كانت تستشعر وكأنهم يحاولون تعويضها عن غياب أم موجودة.. وهي ترفض هذا التعويض.. ولا تحتاجه..
بينما والدها غائب فعلا ولا ذنب له في الغياب كذنب أمها في الغياب..
بينما من هو جالس في الامام يقود السيارة.. كان يستشعر حركات الهنوف بطريقة أثيرية غريبة..
كان يستشعر رائحتها كالحلم في المكان.. كالطيف العذب..
وإن كان في داخلها فجوة من الفقد.. ففي داخله امتلاء مدوي بها.. مجرد وجودها قريبة هكذا يشعره أن روحه تنمو وتزهر..
يتتبع حركاتها منذ ركبت السيارة وهي يراها تتحرك برشاقة خجولة تأسره.. كلل مافيها.. ككل تفاصيلها..
رأى كيف اختارت أن تجلس خلف أمه حتى تبتعد عنه لأقصى حد وهي تلتصق ببابها وكأنه درع حماية لها..
حتى صمتها الخجول يأسره.. بل مجرد احساسه بتردد أنفاسها في هذا الحيز الضيق يفعل في روحه الأفاعيل..
قاطع أحاسيسه المنهمرة همس والدته بحنان لفهدة: فهدة يا أمش.. جبتي معش ملابس سباحة..
عاود فهدة الحماس وهي تعاود القفز بين خالها وجدتها: إيه يا جدة جبت...
حينها هتف تركي بقلق: أنتي تعرفين تسبحين أصلا؟؟
كان تركي يتذكر قلق صيتة عليها من برك السباحة بل حتى من بانيو الحمام..
كانت تعاني رعبا عليها من فكرة الغرق.. ونقلت هذا الرعب له.. من عشرتهما الطويلة معا..
هزت فهدة كتفيها: ما أعرف.. بس معي طوق سباحة.. ولارح أروح ناحية العميق..
هتف تركي بحزم: أجل لا تسبحين..
تأففت فهدة: أجل وش له أنا رايحة؟؟..كان خليتوني عند جدة فهدة
حينها هتف تركي باهتمام: الهنوف البندري من اللي منكم تعرف تسبح؟؟
الهنوف لم ترد خجلا.. لكن البندري ردت بابتسامة: ماحد منا يعرف يسبح..
تركي بحزم: أجل لا تخلون فهدة تسبح..
البندري بمرح: تراك مكبر السالفة.. وش كثر رحنا استراحات ونزلنا البركة وفهدة معنا ومانعرف نسبح.. لا تحاتيها..
***********************************
"أخر مرة جيت هنا مع طالب وعلي الله يرحمهم.. كنا ثلاثتنا معا"
أبوفرات بمودة: رحمة الله عليهم كلهم.. كم مرة قلت لك تعال غير أنت مشغول..
ابتسم أبومتعب: أنت اللي مشغول وإلا أنا شيبه متقاعد..ماوراي شيء..
كان أبوفرات وأبومتعب يتجولان في أرجاء المزرعة على سيارة جيب صغيرة..يقودها أبوفرات..
وفي الخلف يجلس مساعد وحزام اللذان كانا مستمعين جدا بالجولة ومستمتعين أكثر بالحوار بين الشيخين..
كان أبوفرات يخبر أبا متعب بكثير من التفاصيل والتعديلات والتاريخ المشترك..
وأبومتعب يشاركه الحديث بالتعليق والتعقيب والإضافة والاستيضاح..
أشار أبوفرات لقسم جديد من المزرعة وهو يهتف باهتمام: هنا أنواع جديدة من الشجر جابها حامد معه من شرق آسيا..
قلت له إن جونا ما ينفع لها.. بس هو مصمم إنه لازم ينجح في زراعتها.. بنى عليها بيت عشان يسوي لها الجو المناسب.. اخضرت وكبرت..
بس لحد الحين ما أثمرت.. المهندس يقول إنه ممكن تثمر..
خلنا ننزل أوريك إياها...
قالها وهو يوقف السيارة بقرب باب البيت الزراعي المغطى.. نزلوا كلهم وأبو متعب يهتف باهتمام: إلا حامد وينه؟؟ ماشفته..
أبوفرات بمودة: في ألمانيا عنده بطولة..
كان الاثنان في البيت الزراعي وأبوفرات يشرح لأبي متعب بعض التفاصيل..
أبومتعب ابتسم: أبيك توريني النخل اللي جبته معك من العراق قبل 40 سنة..
أخر مرة شفته مع طالب وعلي.. ودي أشوفه..
ابتسم أبوفرات بشجن: أبشر.. الحين نطلع وأوريك إياه.. الحين صار أكثر بعد..
وإذا تبي فسايل منه عطيتك..
********************************
"دانة أنتي ليه ماقلتي لي من الأساس إنه فصيلتش غير فصيلة عمي..
لأنه أعرف أنا وأنتي نفس الفصيلة... بس ماكنت أعرف إنه عمي غير.."
تنهدت دانة بيأس: الدراسات الجديدة تقول موب ضروري نفس الفصيلة.. ممكن التبرع بين فصائل دم مختلفة..
سعود بغضب: وش ذا التفكير اللي عندك.. التبرع بين فصائل مختلفة توه جديد جدا وغير مضمون..
ويحتاج فترة علاج طويلة من تثبيط المناعة قبل العملية عشان الجسم مايرفض العضو المزروع الجديد..وحن ماعندنا ذا الوقت الطويل..
يعني أنا اللي بعلمش؟؟
دانة دفنت رأسها بين كفيها وهمست بحزن عميق: أعرف ذا كله.. بس كان عندي أمل إن الدكتور المسؤول عن حالته ممكن يوافق..
وعلاج تثبيط المناعة لازم يأخذه على كل حال حتى لو كان المتبرع من نفس فصيلته..
سعود يزفر بذات الغضب الحزين: بس موب مثل لو كان من فصيلة ثاني.. وخصوصا فصيلة عمي..
ثم أردف بيأس عميق: على كذا صفينا على الجازي ومحمد ومزنة هم اللي نفس فصيلة عمي... حتى خالد ماينفع.. فصيلتكم نفس فصيلة أمكم..
ومانعرف الحين من اللي من الثلاثة ممكن يطابق بعد ما قلت فرصة الخيار..
تهمس دانة بذات اليأس وعيناها تغيمان: جابر يقول بيفحص بعد..
سعود يشد خصلات شعره بإرهاق عميق: جابر فصيلة دمه غير بعد..
الحين بنستعجل في فحوصات محمد والجازي ومزنة.. ونشوف من اللي منهم بيطابق
يارب محمد يطابق.. يارب..
*****************************
سيارة تركي تصل إلى المزرعة .. ويستعدون للنزول..
تنزل أم متعب أولا تتبعها فهدة.. بينما البنات وتركي كانوا ينزلون الأغراض..
كانت الهنوف تتمنى أن تترك المهمة كلها للبندري..
ولكنها شعرت أن في ذلك قلة ذوق.. رغم أنها تمنت أن تفعل ذلك فهذا التركي غير مفهوم التصرفات قد يخجلها بتصرف ما.. وهي لوحدها متوترة لا تعرف لماذا..
ولكن الكارثة بالنسبة للهنوف أن البندري التقطت حقيبتها وحقيبة القهوة ودخلت بسرعة حتى تعود لإحضار البقية مع الهنوف..
ولكنها انشغلت بالسلام على المتواجدين داخلا والذين كانوا في انتظارهم..
و هذه الثواني كانت كافية لتركي كي يرتكب مصيبة من مصائبه لو أراد..
في وقتها كانت الهنوف تتناول حقيبتها وحقيبة فهدة... وتركي كان ينزل حقيبة أخرى أعدت أمه فيها الفوالة..
ويهمس لها بابتسامة خبيثة: تدرين إن الحرس الخاص بسموش خلوش في عهدة المتوحش..
الهنوف نظرت حولها بخجل لتجد نفسها معه خلف السيارة والمكان خاليا..
لكنها همست بثقة لطيفة: وش بيسوي المتوحش بالأميرة يعني؟؟
بذات الابتسامة الخبيثة أجاب: ممكن يسوي أشياء كثيرة.. ماعلى المضطر حرج..
رغم خجلها وتوترها همست بثقتها الخجولة: كانت الأميرة مع المتوحش بروحهم في مواقف سابقة وماسوى شيء..
عشان يسوي الحين واحنا في ساحة مزرعة ناس..
بخبث عظيم مدروس أجاب تركي: يعني أفهم أنش كنتي تمنين أسوي شيء وأنا بغبائي ما سويته؟!!
وعلى العموم وجود الناس ما يهمني.. وأظن السلام اللي قبل كم يوم وقدام هلي كلهم أكبر دليل.. إني ما أستحي دامني ما أسوي شيء غلط..
الهنوف اشتعل وجهها احمرارا من احراجه لها ومن التلميح غير البريء.. ومن الذكرى التي مازالت ماثلة أمامها حين أحرجها أمام والديه والبندري..
وما أنقذها من كل ذلك هو صوت البندري التي اقتحمت الجو العاصف بينهما وهي تهمس بمرح: اخلصوا فضحتونا في العالم..
تركي بثقة يناولها حقيبة الفوالة: عادش متاخرة على أنا والمدام ولسانش طويل..
أنتي اللي اخلصي واخذوا الأغراض خلوني أروح الرياجيل.. أخرتوني..
********************************
"أنا آسف والله يا باشمهندس خالد..
أنا كنت سبب المشاكل دي كلها"
خالد يربت على ذراع مهندس إبراهيم ويهتف بمودة: ماعليك ياباشمهندس.. كل تأخيرة وفيها خيرة..
سوينا صفقات جديدة.. وتعرفنا على السوق عدل..
تنهد إبراهيم: أنا بتاع شغل.. بس مش بتاع مفاوضات طويلة.. هروني الصينين دول..
يخرب بيت الجزمة الئديمة اللي في دماغهم..
ابتسم خالد بثقة بالغة: ماعليه التجربة كانت مفيدة لنا.. لي ولك واحنا في بداية الشغل.. تعرفنا على أشياء كثيرة.. وتعرفنا على الخيارات..
وحاليا أفكر نعين لنا مندوب موثوق هنا في مدينة "شنجن".. أنا حطيت إعلان ورح نقابل لنا كم واحد بكرة..
بس اليوم دام ماعندنا شغل.. خلنا نروح لمتحف نافذة العالم.. مايصير نوصل هنا.. ولا نروح للمتحف..
مدينة شنجن التي تقع في جنوب الصين هي أضخم سوق للالكترونيات والحواسيب تحديدا في العالم كله..
وهي المقر الرئيسي لكثير من شركة الالكترونيات الصينية الكبرى مثل هواوي ولينوفو..
وهي مدينة حديثة أنشئت في ثمانينيات القرن العشرين في موقع مميز بين هونغ كونغ وكوانزو وتعد من أغنى مدن الصين وأكثرها حداثة وتطورا..
فيها متحف شهير جدا يُعد من أكبر متاحف العالم وأضخمها وهو متحف ومنتزه حديقة نافذة العالم.. يعرض حضارات العالم وتنوعاتها الجغرافية والثقافية في مجسمات ومناطق وشوارع تخص كل حضارة
وكان خالد يحاول بالفعل أن يستفيد من تجربة وجوده هنا.. مادام مضطرا للبقاء..
مع أنه في داخله قلق لا يستطيع تفسيره.. ويتمنى أن ينجز مهمته اليوم قبل الغد...
******************************
" أنت لا تكون رحت تلاغي حمد!!"
ابتسم فرات وهو يعتدل جالسا بجوار شهاب: وأنت اشدراك؟؟
ابتسم شهاب بجموده المعتاد: يعني ما تبي لها ذكاء خارق.. دخل المسكين ونزل الأغراض اللي معه.. وسلّم وراح داخل.. لحقته كنك الصياد لاحق الفريسة..
تنهد فرات بذات الابتسامة: لازم نمارس السلطة الأبوية شوي.. عقبال ماتمارسها أنت..
تنهد شهاب وهو يسند ظهره للخلف ويهتف بحزم: خل وضعي في الشغل يستقر.. واتطمن على وضع أخواني.. ثم رح تكون الخطوة اللي عقب إني أتزوج..
فرات باهتمام: وش صار في مقابلتك اللي أمس؟؟
ابتسم شهاب نصف الابتسامة: أظني إنك عارف أكثر مني.. اللي سوى معي المقابلة قال لي إنه صديق مقرب لك..
فرات بحزم عملي: شهاب وزارة الخارجية ناس مايلعبون.. صحيح أنا كلمته لك.. لكن لو هو ماشاف إنك أحسن واحد للمنصب ماكان رضى يقابلك..
هذا منصب مهم وصار له فترة فارغ.. وكانوا محتاجين احد متخصص بعمق ومالقوه.. أنت نزلت لهم من السما..
وين يلاقون واحد عنده دكتوراه قانون.. ودكتوراه شؤون دولية في نفس الوقت.. وكلها بامتياز مع مرتبة الشرف.. المنصب متفصل لك تفصيل..
مستشار قانوني دولي..
شهاب باهتمام: بس فرات أكيد إنهم مارح يحتاجوني أسافر؟؟ أنا مستحيل أطلع برا قطر.. أنا اكتفيت غربة.. ولا رح أخلي أخواني..
فرات بثقة: أبدا مارح يحتاجونك تسافر.. المنصب استشاري فقط.. مكتب هنا وبس..
ثم أردف باهتمام: والجامعة وش صار على مفاوضاتك معهم؟؟
شهاب بثقة: قسم شؤون دولية جديد عندهم.. ومحتاجيني..
بس أبي أخلص مع الخارجية أول..
ويمكن على الفصل الجاي أعطي عندهم مقرر أو مقررين كأستاذ زائر بس..
وهم في حوارهم دخل تركي وعلى كتفه حقيبة كمبيوتره المحمول..
بعد السلام والتحية.. تلفت تركي حوله وهو يسأل فرات: حمد وينه؟؟ أبيه يشوف لابتوبي..معلق من الصبح.. وخالد آل جراح مسافر وإلا كان وديته له..
فرات يبتسم: أنت كل شوي مستغل ولدي وجايب لابتوبك يصلحه لك ببلاش..
تركي يبتسم: وأنت وش دخلك بيني وبين إخي الصغير..
ثم أردف تركي بذات الابتسامة: وبعدين أنا أسوي لحمد خدمة.. هو يكره التكنولوجيا بس شاطر فيها..
فأنا أسوي له تغذية راجعة..
شهاب بتساؤل: إلا وش سالفة عداء حمد للتكنولوجيا وهو مهندس؟؟ غريب!!
فرات بثقة باسمة: هو مو عداء.. هو موقف.. حمد عنده نظرية إن التعلق بالتكنولوجيا فيه استلاب للإنسانية..كلام على كبير شوية..
عشان كذا ماعنده أي حسابات تواصل إلا إيميل عشان الجامعة..
حتى تلفونه نوكيا قديم.. يرفض يشيل هاتف ذكي.. مع إنه شاطر جدا في الكمبيوترات..
شهاب بثقة تخفي دهشته: موقف غريب فعلا.. يمكن لازم نسولف فيه يوم أنا وإياه..
لأني أنا واحد كنت بعيد عن التكنولوجيا سنين طويلة.. ومع كذا ماعندي عداء لها..
أبي أفهم وجهة نظره..
********************************
"كلمتي دانة وسألتي عن بناتي.. عسى ماجننوها؟؟"
الجازي تفرغ حقيبة مها الصغيرة في الدولاب في غرفتها بالمستشفى وتهمس بابتسامة:
لا تحاتينهم مع دانة..كأنهم معش وأحسن..
تنهدت مها بابتسامة باهتة: أحاتيها هي..ما أحاتي بناتي.. بروحها واجد متضايقة عقب ما استبعدوها من الفحص..
الجازي تجلس وتتنهد بحزن: هي أهون من غالية.. غالية من أمس منهارة تبكي..من يوم عرفت إنهم استبعدوها..
الحين صفى الفحص علي أنا ومحمد ومزنة.. حتى خالد استبعدوه..
مها همست بحزم: وأنا معكم.. لا تنسين إني فصيلة دمي نفسكم..
الجازي برقة وهي تشد على يد مها التي ترفض التمدد على السرير وتجلس على المقعد:
أنتي الحين فكري في عمليتش اللي بكرة وبس..
ثم أردفت بحزن: مع إني كنت أتمنى إنه ماتكون العملية هي حلش..
تمنيت إنش تضعفين بالريجيم والرياضة والنظام الصحي.. عشان هذا هو اللي بيقعد معش طول العمر..
عمر العمليات ماكانت حل.. الحلول السريعة دايما مضرة.. وضررها بيظهر على المدى الطويل
وأنتي عارفة ذا الكلام زين..
حينها نظرت مها إلى الجازي نظرة غريبة وهمست بنبرة مقصودة:
وحدة مثلش عمرها وزنها ماتعدى الستين كيلو حتى في أكثر حالاتها سمنة..
سهل عليها إنها تفلسف على وحدة وزنها 105 وطول عمرها وحياتها سلسلة من الريجيم..
الجازي بخجل وألم: مها أنتي عارفة زين وش أقصد؟؟
مها هزت كتفيها: أنا عارفة وش تقصدين.. وأبين لش أنا وش أحس..
الجازي أنتي عارفة إني طول عمري معي سمنة من وأنا بزر.. وأحاول أتحكم فيها قد ما أقدر..
لحد ما كرهت نفسي وجسمي وحتى مجرد المحاولة.. تعبت..تعبت وعمري راح وأنا محرومة من إني أحس بشبابي أو ألبس مثل ما أبي..
ومع كذا والله العظيم لولا عمي وحاجته للتبرع ماكان سويت عملية التكميم.. مافيه شيء يستاهل ولا حد يستاهل..
أنا أساسا كنت رافضة العملية ومازلت رافضتها..
الجازي باهتمام: طيب وليه سويتي فحوصها من أول؟؟
مها تستعيد في داخلها ذكريات قرارها إجراء العملية حتى تتخلص من تعليقات متعب المؤذية..
لكنها ختاما توصلت لقرار إيقافها لأن متعب لا يستحق ذلك..
ولأنها فعليا كانت مقتنعة أن التكميم ليس الحل أبدا..
همست مها للجازي بثقة: كانت مجرد فكرة ما تشجعت لها..
الجازي بابتسامة: ولا عشان خاطر أبو ريم؟؟
مها لم ترد..بينما الجازي أكملت بمرح: على فكرة ترا الهنوف تقول لي إن الخرابيط اللي رأسش خرابيط..
وإنها ماسمعت شيء عن زواج متعب... يعني مثل ماقلت لش بالضبط..
يا أختي متعب يموت عليش.. شيلي ذا الأفكار من رأسش..
تنهدت مها وهي تكتف جسدها بذراعيها: سعود مستحيل يقول شيء مثل هذا وهو موب واثق..
بس تلاقين متعب مكتم على الخبر..
على العموم خلني أخلص عمليتي الحين..
الحين بالي مافيه إلا عمي.. خل نتطمن عليه... وعقب نشوف سالفة متعب..
الجازي حينها وقفت متوجهة للحمام تريد أن تتوضأ للمغرب وهمست بحزم:
مها.. لو أنا طابقت.. فمافيه حد رح يتبرع لعمي غيري..
وأنا صغيرة كنت دايما أنا وغالية نتناقر.. كان دايما واقف في صفي..
وطول عمره واقف معي في كل شيء..
وحتى في سالفتي مع خالد ولده الوحيد.. كان دايما في صفي..
الحين جاء دوري أوقف جنبه..
ثم أردفت بابتسامة: وبعدين لا تحرميني الأجر.. "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"
*****************************
"ماشاء الله البندري بسرعة اندمجت مع مي
كنهم يعرفون بعض من زمان"
ابتسمت الجليلة وهي ترد على بثينة التي وصلت قبل قليل مع محمد:
الثنتين من عمر واحد حتى لو كانت البندري سنة أولى جامعة ومي سنة ثانية..
والثنتين شخصياتهم لطيفة وتحب الناس..
بثينة بخفوت وهي تشير بعينيها لأميرة التي كانت مستغرقة في الحديث مع الهنوف:
وليه أختش الدلوعة ما تسولف معهم..إذا هم 18 فهي توها 20 وأقرب لهم في العمر..
الجليلة بذات الابتسامة: يا بنت الحلال زين إنها متوالفة مع الهنوف ذا الأيام.. وفاكة مني شوي..
تدرين هذا تأثير من؟؟ تأثير ضي..
يعني هي ما توالفت مع الهنوف عشانها بنت عمها اللي طول عمرها مقابلتها..
توالفت معها عشانها صديقة ضي..
ضي عجيبة.. وتأثيرها على أميرة عجيب..
بثينة باهتمام: خالتي أم متعب وينها؟؟.. ماشفتها من جيت..
الجليلة بهدوء: مع فهدة في الحديقة برا.. فيها غزلان وأرانب.. وفهدة مكيفة عليهم..وتلعب معها..
في زاوية أخرى تهمس مي للبندري بحماس رقيق: شوفي ترا لازم تجين تزوريني في البيت عقب..
ماكنت أعرف إنه تركي رفيق إبي عنده أخت في عمري..
البندري بعفوية: أنتي اللي تعالي زورينا.. أنتم بيتكم كله رياجيل.. مستحيل أمي تخليني أجيكم..
لكن احنا بيت نسائي..
مي هزت كتفيها بايتسامة: أنا ودي أجيكم.. إن شاء الله إبي يوافق ..دايما لا قلت له بزور رفيقاتي ما يرضى لأنه مايعرف أهلهم عدل..
لكن أنتم ما أعتقد يرفض..
ولا جيت نادي خوات عمي شهاب.. حبيتهم صراحة..
البندري بمودة: أكيد بناديهم..
همست مي بخفوت: إلا جد جليلة موب متزوجة واختها اللي أصغر منها متزوجة؟؟
البندري هزت رأسها إيجابا.. بينما مي تهمس بابتسامة: ليه رياجيل قطر كلهم جاهم عمى جماعي.. اللي وحدة مثلها ما تتزوج؟؟
ابتسمت البندري: هي اللي ماكانت تبي.. مضربة عن الزواج..
مي بمرح: لأنه مافيه حد أصلا يستاهل وحدة كذا.. مع جمالها اللي يهوس طبخها يجنن..
أنا اتخمت من الأكل.. حتى عشاي بيكون منه.. مارح أتعشى من عشاء إبي..
قالتها وهي تشير لبطنها بعلامة مرحة..
بينما الجليلة وقفت وهي تشد بثينة وتهمس لها بحزم: قومي خلينا نروح لخالتي أم متعب..
أنا كنت معها بس جيت لما كلمتيني أنش على وصول..
ثم رفعت صوتها بمودة: مي احنا بنروح لخالتي أم متعب..
مي قفزت بخجل: آسفة خليتها بروحها.. بأروح معكم الحين..
الجليلة أشارت بيدها وهمست بذات المودة: والله ما تقومين.. خلش مع البنات.. حن العجايز بنسولف مع بعض..
مي بمودة همست: أرجوكم اعتبروا المكان مكانكم..
*******************************
قبل ذلك بقليل..
"خلنا نشاركك زين..
وأنت مستولي على الحرارة كلها لك"
فرات يعيد ملء صحنه للمرة الثانية ويهتف بثقة باسمة: ترا اللي مسوينه بنات طالب مهوب بنت علي..
تركي بابتسامة: وبنات طالب بنات عمي مثلهم مثل بنت علي..
فرات بثقة خبيثة: لا بنت علي غير..
ثم أردف بشجن وهو يلتهم لقمة من صحنه: تدري متى آخر مرة كلت خبز مفروك مثل ذا؟؟..
من يد أمي رحمة الله عليها..
ثم أردف بنبرة خليط من الحزن والمرارة الساخرة: لا وأمي على قد ماكان طبخها لذيذ وأنا أحبه..
كانت حارمتني إذا إبي موجود.. مستحيل تطبخ لنا أي شيء.. ومع كذا عمره ماطلب منها شيء..
أقول لك ماحد فاقم حالة إبي غيرها.. والله أبوفرات يستحق جائزة أصبر زوج في التاريخ..
صمت فرات لم يكن يريد الاسترسال.. لو كان الحوار مع شهاب لم يكن ليتوقف أبدا..
عدا أن شهاب يعرف كل شيء في حياة فرات وتفاصيلها بالتفصيل..
ولكنه مع غير شهاب مهما كان قريبا منه هناك دوما حد يجب أن يتوقف عنده..
تركي بمودة: ماشاء إبيك حالته ممتازة.. وعلى كلامك الحالة صارت ما تجيه إلا على مرات متباعدة..
ينظر فرات بشجن لوالده المبتسم المستغرق في الحديث مع شهاب وعمه عبدالمحسن..
في داخله محبة لا توصف.. قد يكون كل الأبناء يحبون أبائهم.. هكذا الفطرة.. خصوصا لو كان الأب محتويا ومساندا ومؤازرا كأبيه..
ولكن إحساسه بوالده كان أعمق من ذلك بكثير.. والده هو الأغلى والأقرب والأجل..
يشعر نحو والده بكل شيء عميق وعظيم وجليل.. إحساس الصداقة والأبوة والبنوة كلها بذات العمق والشفافية..
وهم في حوارهم دخل محمد الذي جاء مبكرا قليلا عن موعد العشاء من أجل بثينة التي تريد الالتحاق بأهلها..
وقفوا مرحبين للسلام.. وبعد السلامات الحارة والترحيب خصوصا من قبل فُرات صاحب المكان ووالده وابنه.. جلس محمد بجوار مساعد نسيبه..
مساعد بعد التحيات المعتادة سأل محمد باهتمام: وش صار على موضوع عمك.. بشرني؟؟
تنهد محمد: خير ان شاء الله.. حاليا ممكن أنا أكمل الفحوص.. لأنه فصيلة دمي نفس فصيلة عمي..
مساعد بمؤازرة : إن شاء الله ماعليه شر.. واموره كلها تمام
ثم أردف بذات الاهتمام: وخالد عاده مطول في الصين.. مهوب مفروض يسوي الفحوص معكم..
محمد بتلقائية: والله ما أعرف متى بيجي.. وعلى كل حال خالد مايقدر يتبرع له.. فصيلة دمه مختلفة..
مساعد باهتمام: أسمع إنه فيه فصائل ممكن تبرع لبعضها حتى لو مختلفة..
محمد باهتمام: مهوب في حالة عمي.. على العموم أنا صحتي ممتازة وفصيلتي موافقة ننتظر بس نخلص الفحوص..
وإن شاء الله أكون مطابق معه..
ثم اردف باهتمام وهو ينظر للحضور الذين مازال عددهم قليلا لأن الضيوف سيحضرون بعد صلاة العشاء غالبا: متعب وينه؟؟
مساعد هز كتفيه: ما أعرف.. بس أكيد إنه جاي..
*****************************
"ماشاء الله تجنن مزرعتهم.. الله يبارك لهم فيها
وذا الحيوانات تهبل..
شوفي فهدة ياعمري كيف مبسوطة"
كانت هذه عبارة بثينة للجليلة وهما تتمشيان في أرجاء الحديقة التابعة للبيت بحيواناتها الظريفة في طرف الحديقة المصممة بطريقة آسرة مبتكرة.. بين الممرات الحجرية والمائية..
همست الجليلة بحنين عميق: عقبال ما تنبسط بشوفة أمها بعد عشر أيام إن شاء الله..
بثينة بسعادة: وأخيرا بتشوفين صيتة.. وأقول لش قرت عينش..
الجليلة بذات الشجن: تتخيلين شهاب يرجع وعقبه بكم أسبوع ترجع صيتة..
شفتي أقدار رب العالمين وتفريجه..
أحب اثنين لقلبي يرجعون سوا.. عقب ذا الغياب كله..
بثينة بذات المرح: احم احم.. وأنا أجل شنو؟؟ كيس بصل..
الجليلة تشبك ذراعها بذراع بثينة وتهمس بمحبة عميقة باسمة: أنتي قلبي نفسه.. أنتي توأمي السمول السايز..
كانا تمشيان باتجاه أم متعب ويضحكان من منظر فهدة وهي ترضع الغزال الصغير مبتهجة..
وضحكاتها ترتفع بجذل وهو يكاد يلتهم أصابعها مع زجاجة الحليب..
الجليلة التقطت لفهدة بعض الصور والفيديوهات كي ترسلها لصيتة..
كانت أم متعب تنظر لحفيدتها وسعادتها تصب في روحها لتبتسم تلقائيا..
وأفكارها تاخذها لمن أخبرتها أنها ستعود بعد أيام..
"يا الله!! وأخيرا بترجعين يا أمش!!
ياترى وش كثر في خاطرش عليّ ياصيتة؟!!
وش كثر في خاطرش عليّ؟!!"
أربع أعوام مرت منذ آخر مرة رأتها...
آخر ماتذكره منها انكسارها تحت قدميها وهي ترجوها ألا تخذلها.. فخذلتها!!
كانت صيتة دائما ودودة ورقيقة ... وقوية ..ومضحية.. كان اهتمامها بنفسها في أخر أولوياتها..
حتى في زواجها مرتين كانت دوما المضحية والمساندة والمثقلة بالبعد الإنساني الخالي من الأنانية...
فماذا فعلت بها هذه الأعوام وهي وحيدة تقاتل وحدها؟!!
أخذها من أفكارها صوت فهدة المبتهج: جدة متى بأسبح؟؟
الجدة بحذر: ماعليه يأمش خلي البندري تخلص وتجي معش.. أخاف تغرقين..
ابتسمت الجليلة بتقدير: خالتي نورة ازهلي فهدة.. أنا وبثينة نعرف نسبح زين..
بنقعد على طرف البركة معها عقب ما نصلي المغرب... أنتي ادخلي وتريحي.. وخذي راحتش..
*******************************
" صيتة اليوم خلصت شغلي في السفارة وخذت إخلاء الطرف
من الحين أنا اللي بقعد مع عبود على طول..
أنتي روحي رتبي أغراضش.. ارتاحي.. تسوقي..
سوي اللي تبينه"
تتنهد صيتة التي كانت تقف بجوار عبدالله الصغير تراقب مؤشراته الحيوية كعادتها..
ثم تلتفت إلى سند وهي تهمس بتوتر: أحس الوقت مايمشي ياسند..
أمس رتبت أغراضي كلها أصلا..
وأحس كأن اللي باقي 10 سنين مو 10 أيام بس..
سند شدها برفق ليُجلسها على الأريكة ويجلس جوارها..
يتحرق بعنف ليلمسها بأي طريقة كانت.. أن يشعر بدفء بشرتها قريبا من أنامله.. يتنفس عبقها الأثير الآسر من قرب..
ولكنه يخشى أن يفزعها.. ويجعلها تجفل..
فهو صبر طيلة هذه السنوات.. فليصبر الأيام المقبلة فقط!!
ولكنه مثلها يشعر أن الأيام تمر ثقيلة جدا.. وخصوصا أنه ماعاد عنده أي عمل يتلهى به عن التفكير فيما يرهقه..
لذا هاهما الاثنان مقترنان ببعضها في إطار هذه الغرفة..
ويتمنى لو يكون أقرب لها من أنفاسها.. فهو متيم.. متيم حتى النخاع.. ولكنه ليس مستعجلا على شيء بقدر استعجاله أن يحتضنها قدر مايشاء..
لا يريد حاليا أي شيء آخر.. فقط أن يضمها بين ذراعيه حتى ترتوي أضلاعه من ملمس أضلاعها دون أن تهرب.. دون أن تشح بقربها..
فهل يطلب الكثير؟!!
حينما جلسا مد يده إلى كفها واحتضنها في كفه بحنو: هانت يا قلبي.. كلها كم يوم ونكون في الدوحة..
وتشوفين فهدة وأمش وإبيش واخوانش.. وبنت عمش اللي أنا أغار منها وأنا ما أعرفها..
ابتسمت صيتة ابتسامة باهتة: صحيح مشتاقة لهم كلهم.. بس أمي أكثر حد أنا مشتاقة له.. و أكثر حد أبي أشوفه..
أبي أشوف نظرة الرضى في عيونها بس..
ذبحتني نظرتها أخر مرة شفتها..
*****************************
"أنا أبي أعرف وش رواد الفلس اللي ربي بلاني فيهم؟
أنتو ماعندكم سيارات؟؟
حد قال لكم إني دريولكم الخصوصي؟؟"
جابر الذي يجلس في الخلف انفجر ضاحكا وهو يوجه الحوار لسعود الذي يجلس في الأمام بجوار متعب الذي يقود السيارة:
ولد خالتك وش فيه منفس؟!!.. كنه عجوز حد ماكل عشاها
هو مهوب اللي اقترح علينا نروح معه لعشاء ولد عمه عند فرات آل سطام..
وش فيه جحدنا الحين؟؟
رغم شعور سعود بكثير من الضيق والتوتر إلا أنه يكاد ينفجر ضحكا من عصبية متعب وشكله واحمرار وجهه..
فهم بالفعل كانوا متفقين على الذهاب معا.. لكن منذ أخبره سعود أن مها دخلت المستشفى وأخلاقه أصبحت تجارية بحتة.. وهو يزفر ويتأفف..
ويتمنى لو أنه كان بجوار زوجته في المستشفى وليس مع (رائدي الفلس) كما يصفهما..
ويتمنى لو أنه تخلص منهما.. لكنهما خنقاه وأجبراه أن يحضرهما...
متعب يتأفف للمرة الألف: زين وعرضت عليكم.. ثم هونت..
ماحد يهون يعني؟؟ ماحد يغير رأيه؟!!..
غصبا تسحبوني معكم.. لا وأنا اللي أسوق بحضراتكم..
سعود بابتسامة واثقة يمنع نفسه أن تتحول لضحكة:
وأنت يعني وش بتسوي في الدوحة.. يوم حن وأبيك وأخوانك وعيال عمك.. والجماعة كلهم في عشاء فرات آل سطام؟؟
هذا جزانا اللي مانبي نخليك بروحك؟!!
متعب يلتفت لسعود بحدة متأففة: أنت أكثر واحد ما أبي أسمع صوتك..
يا أخي حتى مو طايق شوفتك..
كيفي يا أخي كيفي.. أقعد في الدوحة؟؟ أحرق روحي.. أسافر موزمبيق.. وش عليك أنت؟
يعني عشان حاشمك واسمع كلامك.. صار لازم أسمع أوامرك في كل شيء..
حينها انفجر سعود ضاحكا: أقول متعب سوق وأنت ساكت.. تراك عليت كبدي..
حسبي على إبليسك تحلطم كنك بزر أبو سنتين..
اذكر الله .. وما يصير إلا اللي يرضيك..
حينها مد جابر رأسه بينهما وهو يهتف بنبرة مقصودة: والله إنكم منتو ب خالين يا ذا الاثنين..
ومخليني بينكم كني الأطرش في الزفة..
علموني أفهم زين..
سعود يسيطر على ضحكته ويهتف بابتسامة صارمة: أقول ارجع واقعد زين..
واسكت أنت بعد .. قدام يرضخنا متعب أنا وإياك..
******************************
" كثر الله خيرك يافرات على ذا العشاء
كلفت على نفسك واجد"
فرات يسترخي في جلسته وهو يهتف لشهاب بمودة عميقة: لو أسوي كل يوم عشاء مثله لين أخر يوم في عمري..
مايعبر عن واحد من مليار من سعادتي برجعتك..
شهاب أنا روحي رجعت مع رجعتك.. رجعت فعليا..
ثم أردف بألم عميق وشجن أعمق : 17 سنة مرت عليّ ما أعرف كيف مرت.. تغيرت مفاصل الحياة فيها وأنت منت ب جنبي..
جدي توفى وأمي توفت وأسماء توفت وبيتنا انهدم.. وربيت عيالي بروحي..
وفي لحظات كثيرة وقفت فيني الحياة.. ووقفت في طرق كثيرة أتلفت ما أعرف وين ألقي وجهي.. ولا لقيت لي سند.. ولادورت سند..
همس شهاب بجمود رغم تأثره العميق في داخله: بس كنت حر يافرات حر..
كيف باللي قضى ال 17 سنة مقيد بين أربع جدران.. يعد الساعات حتى نسى عددها؟!!
ولا شهد موت أمه ولا إبيه ولا عمه ولا رفيقه.. وكبروا أخوانه بعيد عنه..
وأنا أسال نفسي كم مرة مرض الواحد منهم في الليل واضطروا يدقون الباب على عمي أو حتى الأسوأ يروحون بروحهم لأنهم مستحين يزعجون عمي..
وأسئلة كثيرة جدا مثل هذي وأكثر ألما...
تدري إني ماكنت أحب أشوف أخواني مع إني كبدي تقطع على شوفتهم..
كنت أكره إنهم يشوفوني أنا سندهم الوحيد في الدنيا في ذاك المكان عاجز مسجون..
أول كانوا يجوني مع عمي.. عقب صاروا يجون بروحهم عقب ماكبر مساعد..
شوفتهم كانت تذبحني.. كل سنة كنت أشوفهم أكبر وأكبر.. وأنا بعيد..
شوفة أميرة بالذات كانت تذبحني.. متخيل تركتها عمرها 3 سنين..
وكانت متعلقة فيني أكثر من أمي وإبي..
وأول مرة شفتها عقبها كان عمرها 12 سنة.. ذبحني الخوف في عيونها مني ومن المكان..
عقب 9 سنين ماشفتها كنت بأموت فيها من شوقي لها..
ولحد الحين يذبحني الخوف في عيونها مني.. لحد الآن ماتقدر تحط عيونها في عيوني ولا تتقبلني..
فرات يضع كفه على ذراع شهاب بمساندة وهما يجلسان متجاورين في المجلس الذي بات شبه خال إلا من بعض الثنائيات المتباعدة: عطها وقتها.. الزمن يسوي كل شيء..
****************************
"بصراحة ماقصروا.. خوش عشاء وترتيب!!"
الجليلة تجيب على بثينة وهي ترتشف بعض الشاي الأخضر: ما أعتقد الشاي الأخضر بيسوي شيء في ذا العشاء الدسم..
قاعد يصرخ في بطني ويستنجد..
فعلا كثر الله خير أبوحمد وبنته المزيونة ما قصروا..
بثينة تتلفت حولها: إلا صدق البنية وينها؟؟ والباقين مافيه إلا وأنتي..
الجليلة بعفوية: مي راحت توري خالتي أم متعب مكانها وعقب استاذنت قالت تبي تسبح..
وأميرة راحت تصلي..
والبندري والهنوف وفهدة عند البركة..
بثينة تنظر في الساعة وتهتف بتلقائية: ترى شوي وبامشي..
الجليلة برجاء: أمسي معنا..
بثينة تبتسم: أنتي أكثر حد وصاني إني ما أمسي برا بيتي إذا محمد موجود..
ابتسمت الجليلة: عاد الليلة ظرف استثنائي.. بروحي ماني مرتاحة للنومة هنا..
بثينة بمودة: والله ودي أنام معكم... بس مستحية من محمد.. وخصوصا عنده بكرة فحص مهم في المستشفى.. لازم أقومه الصبح..
كانتا الاثنتان مستغرقتين في الحديث قبل أن يخرجهما من جوهما الهادئ صرخات هستيرية ارتفعت من صوب البركة..
بصراحة ماقصروا.. خوش عشاء وترتيب!!"
الجليلة تجيب على بثينة وهي ترتشف بعض الشاي الأخضر: ما أعتقد الشاي الأخضر بيسوي شيء في ذا العشاء الدسم..
قاعد يصرخ في بطني ويستنجد..
فعلا كثر الله خير أبوحمد وبنته المزيونة ما قصروا..
بثينة تتلفت حولها: إلا صدق البنية وينها؟؟ والباقين مافيه إلا وأنتي..
الجليلة بعفوية: مي راحت توري خالتي أم متعب مكانها وعقب استاذنت قالت تبي تسبح..
وأميرة راحت تصلي..
والبندري والهنوف وفهدة عند البركة..
بثينة تنظر في الساعة وتهتف بتلقائية: ترى شوي وبامشي..
الجليلة برجاء: أمسي معنا..
بثينة تبتسم: أنتي أكثر حد وصاني إني ما أمسي برا بيتي إذا محمد موجود..
ابتسمت الجليلة: عاد الليلة ظرف استثنائي.. بروحي ماني مرتاحة للنومة هنا..
بثينة بمودة: والله ودي أنام معكم... بس مستحية من محمد.. وخصوصا عنده بكرة فحص مهم في المستشفى.. لازم أقومه الصبح..
كانتا الاثنتان مستغرقتين في الحديث قبل أن يخرجهما من جوهما الهادئ صرخات هستيرية ارتفعت من صوب البركة..
قبل ذلك بقليل..
البندري والهنوف وفهدة يستمتعون بالجو الجميل قرب البركة.. بعد العشاء الجميل..
وفهدة تتحفهم بمشاكساتها المعتادة..
فهدة رأت طوق سباحتها يطفو بقرب حافة البركة من الناحية العميقة.. اقتربت تريد التقاطه..
لكن البندري نهرتها..
ولكنها كانت قد انحنت فعليا والطوق كان بعيدا عن متناول يدها.. فزلت قدمها وسقطت في الماء..
تعالت صرخات البندري الهستيرية..
ولكن الهنوف دون تفكير ألقت نفسها خلف فهدة ودفعتها نحو الأعلى بجسدها.. فالتقطتها البندري بسرعة..
ولأن الهنوف لا تعرف السباحة.. وهي دفعت نفسها أسفل فهدة حتى ترفعها..
غرقت بسرعة وهي تبتلع الكثير من الماء الذي ملأ رئتيها..
وخصوصا أن البركة كانت عميقة جدا من تلك الناحية..
والوصول لبركة السباحة من داخل البيت حيث كانت الجليلة وبثينة تجلسان احتاج بعض الوقت..
لذا حين وصلتا الجليلة وبثينة وشاهدتا المنظر أمامهما وكل من البندري وفهدة تصرخان بهستيرية.. وهما تطلبان النجدة وتحاولان جذب الهنوف بأيديهما..
كانت الهنوف تغرق فعلا ومازالت تتخبط..
الجليلة وبثينة قفزتا فورا إلى الماء.. وتعاونتا على إخراج الهنوف التي فقدت وعيها..
مع إخراجهما لها من الماء.. كانت أم متعب وأميرة ومي تصلن بعد أن سمعن الصرخات..
كانت مي مازالت بروب الحمام.. بعد أن خرجت مرعوبة من الحمام بعد سماعها الصرخات..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
الجليلة بقوة شخصيتها المعتادة وقدرتها على التصرف تحت الضغط بدأت تدير كل ماحولها..
وهي تسعف الهنوف أولا.. بتمديدها على الأرض مستوية ثم بإخراج الماء من فمها وإجراء التنفس الاصطناعي..
ورغم عودة التنفس الطبيعي للهنوف إلا أنها مازالت غائبة عن الوعي..
الجليلة صرخت في بثينة بحزم: اتصلي في الإسعاف بسرعة..ما اعرف وش فيها ماصحت.. لا يكون رأسها ضرب في شيء..
بسرعة بثينة بسرعة..
ثم صرخت في البندري التي كانت تبكي بهستيرية بذات الحزم: اتصلي في عمي بسرعة خليه يجي عشان يروح معنا في الاسعاف..
وهدي وهدي لا تروعينه ببكاش .. الهنوف إن شاء الله مافيها شيء.
مي كانت عيناها محمرتان وهي تنظر للمنظر أمامها.. وتشعر بالرعب والقلق والحرج.. أن كل هذا حدث في بيتهم..
وأن هذه الأمسية الجميلة انتهت بهكذا كارثة.. ومع زوجة صديق والدها تركي..
كانت أم متعب ومعها أميرة تنحنيان بقلق شديد على الهنوف وهي تهمس برعب: هي كيف غرقت؟؟
صرخت فهدة بين بكائها الهستيري: كله مني.. كله مني..
بثينة التي كانت أنهت اتصالها مع الإسعاف احتضنت فهدة وهي تهمس لها بتهدئة حنونة:
حبيبتي... الهنوف مافيها شيء.. والحين الإسعاف دقايق يكونون عندنا..
الكل يحيط بالهنوف ومازالت الجليلة تحاول افاقتها بكل الطرق في انتظارهم للإسعاف..
البندري تنشج: إبي مايرد.. مايرد..
هتفت أم متعب وهي تخفي عبراتها التي تختنق بها: عبدالمحسن أكيد راقد ذا الحزة..
حينها هتفت الجليلة بذات الحزم: خلاص اتصلي في تركي.. لازم يكون معها محرم..
ثم أردفت وهي توجه الخطاب لأم متعب: خالتي نورة أنتي روحي معها.. ما أقدر أروح مع تركي..
لكن باتبعكم مع مساعد..
أميرة بسرعة اتصلي بمساعد خليه يجي.. وروحي جيبي عباتي وعباة الهنوف..بسرعة
وأنتو يا بنات كلكم البسوا عباياتكم الإسعاف على وصول..
*****************************
في حينها كان تركي في إحدى الغرف داخل المجلس يصلي قيامه..
ومع تسليمته.. كان رنين هاتفه يرتفع..
رأى اسم البندري ..فرد بمرح: إذا ناسين شيء في البيت مارح أجيبه.. لا تحاولين..
حين سمعها تنشج عبر الهاتف وصوت بكاءها المتقطع.. صرخ بها بقلق: البندري اشفيش؟؟
ردت البندري بين شهقاتها المتعالية: تعال الحين .. تكفى بسرعة..
تركي رد بحزم واستعجال: دقيقتين وأنا عندكم إن شاء الله..
تركي لم يكن عنده أي تصور عن سبب استدعائه.. ولكنه علم أن هناك مصيبة كبيرة جدا من بكاء البندري..
كان مازال يرتدي ثوبه وغترته لذا خرج بسرعة من أبواب المجلس الخلفية.. لم يكن يريد اشغال بال مضيفه..
لم يستغرق دقيقتين حتى كان فعليا يقف في باحة بيت المزرعة.. ويتصل بالبندري التي لم ترد عليه..
ثم اتصل بأمه التي لم ترد أيضا.. ثم بالهنوف.. وكلهم بلا رد..
تصاعد القلق أكثر وأكثر في داخله وهو ينزل من سيارته ليطرق الباب.. قبل أن يطرق الباب.. كانت سيارة الإسعاف تصل..
حين رأى السيارة كاد يجن لأنه أيقن بعظم الكارثة.. فُتح الباب فجأة قبل أن يطرقه..
وخرجت شابة منقبة همست له باستعجال حين رأته: دخّل المسعفين عشان يشيلون الهنوف.. تكفى تركي بسرعة..
عرف فيما بعد أنها بثينة ابنة عمه طالب وهو يتبعها كالمجنون في داخله...
بينما كان متماسكا بحزمه المعتاد خارجا والمسعفون يسيرون خلفه بعد أن أشار لهم بالدخول..
كان قلقه ورعبه وصدمته سيكونون على ذات المستوى مهما كان المصاب.. ولكن منذ سمع اسم الهنوف.. وهو كمن أُصيب بضربة قوية على رأسه..
وقلبه يقفز جزعا ورعبا من بين جنبيه فارا من بين أضلاعه..
حتى أنه لم يسأل عن طبيعة الإصابة وهو يرى بثينة تقودهم لخارج البيت..
حتى حينما رأى التجمع بقرب البركة كان تصوره عن طبيعة الإصابة مازال غامضا..
حين وصل لم يستطع أن ينظر للهنوف بشكل مباشر..
قد تكون أمنيته الكبرى بل أمنيته الوحيدة في أسابيعه الأخيرة أن يلمح تفاصيل وجهها.. مجرد أن يلمحها.. يتعرف على تفاصيلها..بأي شكل كان..
ولكن ليس في هذا الموقف .. ليس في هذا الموقف!!
وهو يعلم أنها في صحوها كانت ترفض أن يراها..
اقترب مع المسعفين.. الذين بدأوا عملهم المعتاد بسرعة كبيرة..
كان ينظر للمسعفين وهم يبدأون في توصيلها للأجهزة والتأكد من حالتها والاستعداد لنقلها للسرير المتحرك..
وهم يسألون بعض الأسئلة المعتادة التي كانت الجليلة تجيبهم عنها بإيجاز وعملية..
كان يسمع صوت الجليلة دون أن يبصرها حتى..
كان كل تركيزه مع الجسد الضئيل الذي يقلبونه.. كأنهم يقلبونه هو على جمر يشويه.. يشعر أن أياديهم أسياخ من حديد محمي تخترقه..
كان لا يريد أن يلمسها المسعفون حتى... كيف تتجرأ أيديهم على لمس جسدها..كيف؟!!
بدت له أياديهم شديدة القسوة في تعاملهم مع رقة وضآلة بنيتها..
حاول تركي الخروج من كل هذا التفكير الفوضوي المتوحش وأن يحافظ على هدوءه المطلوب والمفترض في هذا الموقف ..
هتف بحزم وهو يكلم أمه: يمه وش اللي صار؟؟
أم متعب بتأثر بالغ: غرقت يا أمك.. لولا جليلة وبثينة عقب الله.. وإلا كان راحت في شربة ماء ماحولنا حد..
كان يكلم والدته وعيناه عليها وعلى المسعفين الذين أنهوا توصيلها بأجهزتهم الحيوية بسرعة.. وأنهوا نقلها للسرير..
حينها هتف لأمه بحزم: أنا بروح معهم على الإسعاف.. كلموا حزام يصحي إبي عشان يوديكم على سيارتي.. سيارتي واقفة برا..
أم متعب بحزم: بروح معكم..
تركي برفض حازم: مافيه داعي يمه.. أنا معها.. قابلوني في المستشفى..
حاولت أمه إقناعه أن تذهب معه.. لكنه رفض رفضا قاطعا..
وحين خرج المسعفون بالهنوف ومعهم تركي كانت سيارتا مساعد ومحمد تقف خارجا..
لم يبصرا شيئا.. لأن باب سيارة الإسعاف كان مفتوحا على باب البيت مباشرة..
لكن قلقهما كان بلغ ذروته وهما يقفان معا بقرب سيارتيهما..
الجليلة شدت أم متعب وخرجت بها لتركبا معا سيارة مساعد..
بينما بثينة اعتذرت من مي وأخذت أميرة والبندري وفهدة معها بعد أن حلفت عليهم جميعا أن يغادروا معها..
والبندري اتصلت بحزام حتى يخبر والدها بما حدث... وأنهم سيعودون للدوحة مع بثينة..
***************************
في سيارة الإسعاف جلس تركي جوار سرير الهنوف.. متكتفا بذراعيه في البدء..
كان مثقلا بضغط مشاعره وقلقه.. يشعر بهذا القلق كحمل جبال على كتفيه..
كان يتنهد بقوة ويجد أنفاسه كالمسامير الصدئة..
تسمم أنفاسه وتشرّح رئتيه..
يكاد يموت قلقا عليها.. فهذا الإغماء بدا له غير طبيعي وغير مفسر..
كان المسعفون يرون حالته الغريبة الجامدة التي لم تخف ارتعاشا غريبا خفيفا في أطرافه..
لذا هتفوا له أن المريضة وضعها مطمئن وقياساتها الحيوية جيدة.. وأنه لا داعي للقلق أبدا..
حـــيـــنـــها..
بدأ يرفع نظره لها وهو يشعر أن كل مافيه يذوي.. يذوي..يذوي..
كان يشعر أنه مقدم على أعظم اختبار سيخوضه في حياته..
كانت خشيته من رؤيتها وشوقه لرؤيتها أعظم بكثير بكثير من خشيته من مناقشته للدكتوراه وتشوقه للحصول على شهادتها..
بل حتى بدت له المقارنة ظالمة في حق الهنوف..
كانت الهنوف مبتلة تماما.. هذا أول ما لاحظه رغم أن عباءتها وشيلتها عليها بعد أن ألبستها إياها الجليلة..
ولكن كل مافيها كان مبتلا..
شد الغطاء عليها حتى عنقها.. كان يخشى عليها من البرد..
شعر بكهرباء لاسعة تنسف أطرافه كلما لمسها وشعر برقة عظامها وهشاشتها..
تجرأ أكثر ليمد يده إلى جبينها حتى يرى حرارتها..
حينما تحسس نعومة جبينها..
وجد عيناه رغما عنه تتجهان إلى وجهها..في موعد أزلي مع أسر أبديّ..
حــــيـــنــــها... حينها حدثت معجزته المنتظرة التي أرهقته الليالي والتفكير في انتظارها..
حينها رأى ملامحها واضحة ..
حتى مع وجود أنبوب التنفس الصغير المثتبت في فتحتي أنفها..
رأى ملامحها..
رآها صافية .. كريستالية..
رآها تــــشــــع.. تشع فعليا وليس مجازيا..
كل ملامحها بدت في عينيه مرسومة بإتقان.. بإتقان الخالق وحده المتناهي في دقته..
استدارة وجهها ..جبينها.. حاجبيها.. أهدابها التي اصطفت حتى تحرس عينيها المغلقتين.. من وجع روحه..
أنفها الدقيق وشفتيها الرقيقتين.. كل مافيها كان في عينيه منتهى الإعجاز وغايته وآلمه..
لا يمكن أن يتخيلها أجمل من ذلك ولا أعذب ولا أصفى..
كانت ملامحها الطفولية تغفو في بحيرة من صفاءها وهي تبدو نائمة بعذوبتها التي نحرت روحه..
قد يكون رسم طيلة الأشهر الماضية عشرات الصور لها..
وعشرات السناريوهات لرؤيته الأولى لها..
لكن ما يحدث الآن حتى مع صعوبة الموقف هو أعظم وأجل وأكبر..
هو معجزة حقيقية!! نعمة منّ بها عليه الرحمن
رحمة وعذاب!!
شعر بعظم رحمة رب العالمين به.. أن منحه نعمة رؤيتها وهو من نفذ صبره كله في انتظار هذه اللحظة..
وعذاب أشد لأنه بعد أن رآها.. كيف سيصبر على البعد أكثر؟!!
كيف سيصبر وهو العاشق المتيم قبل أن تكتمل الصورة.. فكيف بعد أن اكتملت؟!!
يشعر أن قلبه بات يؤلمه.. يؤلمه فعليا لفرط تدفق الدم إليه..
كيفما كانت هي في عينيه المخلوق الأكثر اكتمالا..
فعشقه تجاوز الحدود.. تجاوزها بملايين السنوات الضوئية!!
تنهد وهو يمد يده ليتحسس جبينها برفق.. برفق شديد وكأنه يخشى أن يخدش هشاشتها التي بدت واضحة له بطريقة أذابت مفاصله مفصلا مفصلا..
أتلفت خلاياه خلية خلية!!
كانت هشة كدمية كريستالية رقيقة..
من لها مثل هذه الرقة التي تذوب وتُذيب.. من أين جاءت بكل القوة التي جابهته بها طيلة الأشهر الماضية؟! من أين جاءت بها؟!!
شعر ببرودة جبينها مقارنة بدفء يده..
انحدر يتحسس نعومة خديها بظهر أنامله..
ويشعر أنه لو بكى الآن.. حتى البكاء لن يكون معبرا عن فرط تأثره...
وهو يدعو الله من عمق قلبه أن يشفيها ويمنّ عليه باكتمال هذه الصورة المعجزة لها...
أن يراها وهي تحدق فيه..
عيناها في عينيه...
وما بات يخشاه الآن وهو يرى اقترابهم من المستشفى..
هل سيسمحون له بالبقاء معها؟!!
أم سينتزعون منه هذا الحق.. وأولهم والدته؟!!
بعد دقائق كانوا يصلون.. رأى في الانتظار عند باب الطوارئ والدته ومعها شابة طويلة..
عرف فورا أنها الجليلة من طول قامتها..
كان بوده أن يبعد الاثنتين من المكان..
ألا يسمح لهما بالاستيلاء على حقه.. أن يكون هو صاحب الحق في البقاء معها..
يريد أن يكون أول من ينظر في عينيها حين تصحو..
أدخلوها المسعفون بسرعة وهو يتبعها ومعه والدته والجليلة التي تأخرت قليلا..
وهي تظن أن تركي لابد سيغادر بعد أن أوصل الهنوف إلى المستشفى..ففي وجودها ووجود والدته لا داعي لوجوده..
ولكنه لم يغادر..ولم يبدُ له أنه ينوي المغادرة..
همست له والدته برفق: يا أمك خلاص روح.. أنا هنا ومعي الجليلة...
هتف بحزم: ارجعي الببيت أنتي والجليلة..
أنتي خليتي البندري وفهدة بروحهم ..وهي خلت أميرة..
أم متعب بحزم: بثينة معهم ولا عليهم شر..
الجليلة حينما استشعرت رفضه المغادرة.. قررت إنهاء الاجراءات المعتادة.. حتى يغادر..
من تعبئة الأوراق الروتينية.. وإعطاءهم بطاقتها الصحية.. بل حتى الإجابة على تساؤلات الشرطة المعتادة...
*******************
" مي قولي لي وش اللي صار بالضبط وبالتفصيل"
تنهدت مي بحزن وضيق كبيرين وهي تجلس مقابلا لجدها ووالدها وشقيقها في بيت المزرعة..
بعد مغادرة الجميع وأخرهم كان شهاب الذي غادر مع عمه وحزام على سيارة تركي..
بعد أن أحضرهم فرات بسيارته إلى باحة البيت حتى يستخدموا سيارة تركي..
لأنهم رفضوا رفضا قاطعا أن يعيدهم فرات إلى الدوحة رغم إصراره على ذلك.. من باب أنه لا داعي لذلك.. فسيارة تركي موجودة..
وأبو متعب كان قلقا جدا ويريد رؤية ابنة شقيقه..
همست مي بهذا الضيق والحزن وهي تجيب عن سؤال والدها: البنت الصغيرة بنت أختهم.. زلقت وطاحت في البركة..
طلعتها زوجة تركي وهي ماتعرف تسبح..
فغرقت.. وطلعوها خوات عمي شهاب.. وسووا لها اسعاف أولي.. بس هي ماصحت ..
عشان كذا اتصلوا بالاسعاف..
حمد الصغير هتف باهتمام: يمكن أسعفوها بطريقة غلط.. عشان كذا ماقدروا يصحونها.. وخصوصا انهم كلهم حريم أكيد ارتبكوا..
مي وحمد كلاهما كان عندهما خبرة في الإسعافات الأولية..
فوالدهما حرص على أن يأخذا فيها دورات من صغرهما كما حرص هو حامد على أخذها..
هذه الدورات مهمة على كل حال ولا يعلم الإنسان متى سيحتاج لها و ينقذ بها حياة إنسان..
ولكن كان سبب فرات الأول هو خشيته على والده أن تأتيه الحالة ولا يعرف الولدان كيف يتصرفان..
لذلك حرص على تدريبهما على الإسعاف بشكل عام .. وعلى حالة والده بشكل خاص..
ومع ذلك فالمعرفة قد لا تخدم الإنسان حين يأتي الموقف الحقيقي..
فالقلق والتوتر والخوف والمشاعر السلبية أو الإيجابية تؤثر كثيرا في ردة فعل المسعف..
همست مي برفض: أبدا أخت عمي شهاب الكبيرة أسعفتها باحتراف.. وكانت تتصرف أحسن حتى من تركي..
كنت حاسة كأن معنا رجّال مو أنثى من قد ماهي قوية..
لم يستغرب فُرات الوصف.. فقوتها كانت متبدية وواضحة حتى في صمتها.
بينما جدها هتف بطريقته الراقية الواثقة: المرة في أحيان كثيرة أقوى من الرجّال.. فما يحتاج توصفينها إنها رجّال عشان تبينين قوتها...
لأنه بيكون وصف خطأ..
مالت مي على أنف جدها تقبله وهي تهمس بابتسامة مرهقة: خانني الوصف يا أبوفرات..
أبوفرات وجه الأمر لفرات بهدوء: فُرات يا أبيك كلّم تركي.. شوف مرته أشلونها؟؟
فرات بثقة: كلمته يبه.. مارد.. وأرسلت له.. يطمني..
****************************
في الطوارئ يقف تركي خارجا مع والده..
بعد أن أخرجوه.. فالقسم كان خاصا بالنساء.. عدا أنهم كانوا يريدون خلع ملابس الهنوف..
لذا اضطر للخروج رغما عنه..
والده يهتف له بقلق شديد: وش قالوا لكم؟؟
تركي يتنهد بضيق: مافيها شيء يبه.. مؤشراتها الحيوية كلها زينة.. ومافيها أي إصابات واضحة.. سحبوا منها دم يسوون لها فحوص..
بيسوون لها أشعة الحين يشيكون عليها..
وهما في حوارهما.. خرجت لهما أم متعب وهي مبتسمة وهمست بسعادة: أبشركم الهنوف وعت.. وزينة الحمدالله..
اغتالت تركي مشاعر متناقضة أبرزها إحساس ضخم بالسعادة أنها استعادت وعيها وأنها بخير..
إحساس غريب بالضيق: أنه لم يكن موجودا وقت صحوتها..
وإحساس حاد من الحزن أنه الآن لا حق له في البقاء معها..
هتف أبو متعب بسعادة: الله يبشرش بالخير يا وجه الخير.. وديني معش أبي أشوفها..
غادره الاثنان ليبقا وحيدا في الممر..
*****************************
"سلامتش يا أبيش..
الحمدالله على سلامتش"
الهنوف تهمس بإرهاق: الله يسلمك يبه.. مافيني شيء فديتك..
حتى ماكان فيه داعي للمستشفى..
الجليلة تتنهد وهي تربت على كفها بحنو: كيف مافيه داعي وأنتي خذتي ساعتين مافقتي..
همست الهنوف للجليلة بذات الإرهاق: من جابني هنا؟؟
الجليلة بحنان: الإسعاف..
الهنوف بذات النبرة المرهقة: تعبتوا عمي تخلونه يركب مع الإسعاف وأنا مافيني شيء..
الجليلة وأم متعب تبادلتا النظرات الصامتة.. وهما يريدان إخبارها من هو الذي جاء معها ولكن ليس الآن..
بينما عمها هتف بتأثر: تركي اللي جاء معش.. يدقون علي وأنا راقد جعل أبرك رقاد..
السموحة يا أبيش.. السموحة..
اتسعت عينا الهنوف ذهولا رغم ارهاقها.. وهي تقرص يد الجليلة ثم تشدها..
وهي تهمس بإذنها في غضب مكتوم مختنق: كيف تخلون تركي هو اللي يجي معي؟؟
همست الجليلة في إذنها بحزم خافت: بعدين عاتبيني وحقش علي.. بس مهوب وقته الحين..
********************************
"الحمدالله.. الهنوف فاقت ووضعها زين..
بس ينتظرون تطلع باقي فحوصها وإذا كل شيء زين بكرة الصبح بترجع البيت"
أميرة بتوتر وهي تسأل شهاب الذي كان يخبرهم بتطور وضع الهنوف: والجليلة مارح ترجع الليلة؟؟
شهاب بحزم: كيف تبينها تجي وتخلي الهنوف؟؟
أميرة بذات التوتر: خالتي أم متعب عندها؟؟
شهاب بذات الحزم: خالتش أم متعب بترجع البيت مع عمي الحين.. جليلة حلفت عليها..
البندري وفهدة وحزام في البيت.. ولازم ترجع لهم..
أميرة تشعر بضيق متعاظم فالموقف الذي حدث اليوم كان مخيفا ووترها بشدة..
فهم كادوا يفقدون الهنوف.. وتشعر بحاجة بالغة لرؤية الجليلة أمامها.. همست بهذا التوتر:
متعب معهم في البيت..
بثينة نظرت لها بشكل مباشر وهمست بابتسامة حنونة: وأنا معش في البيت.. ما أكفي؟!..
لكن شهاب قاطعها بذات الحزم الواثق: لا منتي ب معها في البيت..
ثم التفت لمساعد بالأمر الواثق: مساعد يا أخيك روح وصل بثينة بيتها..
بثينة بإصرار: بمسي عندكم فديتك..
شهاب بذات الحزم: ليه حد منا بزر عشان تمسين عندنا؟!!..
روحي لبيتش.. مساعد يقول لي إن محمد عنده موعد مهم بكرة في المستشفى..
أميرة حينها شدت كف بثينة بشكل خفي.. وبثينة هتفت لشهاب برجاء: تكفى شهاب أنا أبي أمسي عندكم..
شهاب بذات الحزم الذي لا يتذبذب: أنتي تبين تعصيني وإلا اشلون؟؟..
امسي عندنا بكرة ..اللي بعده..
الليلة بتروحين بيتش.. وانتهينا..
*****************************
"يا أمك امش معنا للبيت
جليلة معها.. حلفت علي أروح
وقعدتك هنا مالها معنى"
تركي بحزم: ماعليه يمه.. بقعد في الاستراحة..
أخاف يبون شيء.. وماحد عندهم..
أبو متعب بحزم مشابه: يا أبيك قعدتك مالها لزوم.. الهنوف زينة.. وبكرة بترجع البيت إن شاء الله
وأنا من صبح بجيهم.. وأنا اللي برجعها..
تنهد تركي بحزم أكبر: يبه خلني على راحتي..
وفي الداخل بعد أن استقرت الهنوف في غرفتها.. كانت الجليلة تمشط لها شعرها وتجدله وهي تهمس بغضب:
ممكن تشرحون لي ليه تركي اللي يجي معي على الإسعاف ؟؟..
الجليلة تبتسم: طيب عطيني مقترح من مفروض يجي معش؟؟
كانت الفكرة في الأساس إنه عمي طبعا اللي يكون معش وأنا معه..
بس عمي مارد.. ومافيه محرم لش إلا عمي وتركي..
الهنوف بغيظ: طيب وليه هو اللي يوديني بروحه.. ليه ماجات معه خالتي أم متعب وإلا البندري؟؟
الجليلة هزت كتفيه: سي روميو مارضى..
ثم أردفت الجليلة بابتسامة واثقة: ترا ردت فعلش اوفر..
ذا كله خايفة يشوفش وأنتي كنش قطو منتف مغطس في ماي ويهون من العرس؟!!
ازهلي ماشاء الله مهوب مهون.. شكله متيم.. لو تشوفين اشلون مرعوب..
تقولين حبتين ويموت عشانش..
ماهقيت تركي رقيق كذا..
الهنوف بذات التأثر المعتاظ: ماني مسامحتكم على المقلب ذا..
الجليلة بحنان: المقلب أنتي سويتيه في روحش... يا الخبلة أنتي ماتعرفين تسبحين.. وش له تنطين عليها.. احنا جايينش..
أو على الأقل كان خذتي سترة نجاة من اللي معبية أطراف البركة واستخدمتيها..
تنهدت الهنوف بشجن عميق: مافكرت بشيء وقتها.. مافكرت إلا بفهدة اللي أمها جاية عقب كم يوم..
كان بداخل الهنوف ثقل من المشاعر والأفكار التي لم تستطع أن تخبر بها الجليلة..
فما شعرت به تلك اللحظات كان شيئا لا يوصف..
شيئا يفسر حياتها المأساوية كلها..
يفسر أوجاعها التي أثقلت كاهلها..
*****************************
"أنا مرهق حدي..
بأروح أنام.. اشتغلت اليوم تاكسي عن السنة كلها"
أميرة بتوتر: اقعد مساعد بحط لكم عشاء..
مساعد باستغراب: وش عشاه الساعة ثنتين؟؟ وأنا أصلا متعشي عند فرات ذا العشاء اللي طلع من عيننا مع أحداث الليلة..
أميرة برجاء: أكيد طار العشاء من بطنك.. اقعد بسوي لك عشاء زين أنت وشهاب..
مساعد يغادرهما وهو يهتف بحزم: شهاب كني ماقمت لصلاة الفجر قومني.. ترا نومي ثقيل ولاقدني مرهق أحيانا ما أسمع المنبه..
كان شهاب ينظر لأميرة في محاولتها المضنية لاستبقاء الجميع معها حتى لا تبقى معه وحدهما..
ابتسم وهتف بنبرة مقصودة:أميرة أنتي تشكين إني أكل أودام؟؟
أميرة انتفضت بخجل: ليش تقول كذا؟؟
شهاب بعفوية واثقة: تصرفاتش الغريبة.. أول شيء ما تبين بثينة تروح.. ثم ما تبين مساعد ينام..
ثم أردف بذات نبرته المقصودة: على العموم خلاص ما تبيني.. بقوم أنام أنا بعد..
قالها وهو يقف فعلا.. فانتفضت أميرة بجزع: تكفى شهاب لا تروح تخليني أنت بعد..
ابتسم شهاب نصف الابتسامة المعهودة: أنتي الحين تقولين العوض ولا الحريمة.. (مثل يعني أي شيء مهما كان بسيطا أحسن من لا شيء)
همست أميرة بحزن وشفافية: ماعليه شهاب.. تحملني شوي.. صعب أتعود على وجودك بسرعة..
أنا بطبعي ماني منفتحة على الناس.. ولا أتقبلهم بسرعة حتى لو هم بعيد.. والعلاقة رسمية..
فكيف بحد قاعد معي في البيت.. لازم أتعامل معه بعفوية..
شهاب ابتسم بسعادة أنها صارحته بما تشعر به وهتف لها بهذه السعادة المبتورة دائما:
ماعليه وأنا ماني ب مستعجل تعودين علي..
بس مارح تعودين عليّ أو على غيري.. وأنتي حاطة الجليلة درع حماية لش من العالم..
ترا العالم مايقوم على أهلنا وأصدقائنا وأمنا وأبينا بس..
العالم فيه عشرات البشر والعلاقات اللي لازم نتعامل معها عشان نعيش..
تنهدت أميرة.. أخر ما تريده في هذه الليلة سماع محاضرة مثل هذه.. ومع ذلك همست باحترام: إن شاء الله بحاول..
شهاب بأمر لطيف: يا الله أجل قومي وريني ألبومات الصور اللي عندكم.. جليلة تقول لي عندها ألبومات وش كثر.. تبي توريني إياها ولا جات فرصة..
وريني إياها..
نتفرج ونسولف لين نصلي الفجر.. ثم كل واحد يروح غرفته وينام..
*******************************
"يا الله كيف النفسية مها؟؟
مستعدة للعملية؟!"
تتنهد مها وهي تهتف بحزم: مستعدة دكتورة..
الدكتورة تنظر في ملف مها وهي تناقش بعض الأشياء مع طاقم التمريض ومن ثم تهتف بمهنية: مع إنك تأخرتي في العملية..
بس الحمدالله مازالت القراءات تحت السيطرة..
تنهدت مها بحرج: أنا عارفة دكتورة إنك كنتي تلحين علي العملية وأنا أأجل..
بس لكل شيء ظروفه..
الدكتورة بذات المهنية: مها أنا ماكنت مصرة العملية لذات العملية..
أنا أكثر حد يعرف إنه النزول الصحي للوزن هو الأفضل.. وإن العمليات يجب أن تكون خيار أخير..
لكنها في حالتك كانت خيار ضروري.. وكان لازم يتم بسرعة..
أنتي معك ارتفاع في الكوليسترول وارتفاع في مخزون السكر.. وبطء في عملية الأيض..
وأنا سنين وأنا متابعة حالتك.. وجربنا كل شيء..
فكان اقتراحي لك إنك تسوين العملية قبل حوالي سنة.. اقتراح ضروري وعاجل..
وأبيك تكونين مقتنعة بأهمية هذي الخطوة وضرورتها..
الجازي ابتسمت: وهي مقتنعة يا دكتورة..
تتنهد مها.. في داخلها كثير من الفوضى.. بعد سنوات من المتابعة مع طبيبة السمنة التي اقترحت عليها العملية..
وكان الاقتراح في وجود متعب الذي تحمس كثيرا للموضوع..
وبالفعل سارت مها في كل إجراءاتها حتى تحديد موعد العملية.. حينها قررت التوقف..
وثارت معركة بينها وبين متعب بسبب قرار التوقف..
كانت مثقلة بالكثير بالوجع.. أن تصبح علاقتها بمتعب تدور في فلك هذا الجسد..
إن كان غير مقتنع بها كما هي.. فهذا شأنه هو.. ومشكلته هو..
ولا تعلم هل كانت في قرار إيقاف العملية تعاقب نفسها أو تعاقب متعب؟؟
فهذا المتعب أصابها بفوضى مرعبة في كل شيء..
مازالت ممتدة حتى اليوم .. حتى هذه اللحظة!!
الجازي مالت على إذن مها وهي تهمس بحنان: ترا محمد برا.. يبي يشوفش قبل عمليتش.. وقبل أروح أنا وإياه موعد الفحص..
وأمي ودانة وسعود على وصول بعد..
مها بقلق: وبناتي عند من؟؟
الجازي تربت على ذراعها التي باتت موصلة بالأسلاك استعداد للعملية وتهمس باهتمام:
عند مزنة لا تحاتينهم..
**********************************
"أنت وش جايبك هنا ؟؟"
سعود الذي أنزل أمه ودانة عند باب المستشفى .. ثم بحث عن موقف.. نزل ليتفاجأ بوجود متعب جالسا في الانتظار في باحة المستشفى الرئيسية..
متعب بحزم أقرب للغضب: ليه حتى أملاك الحكومة بتمنعنا ندخلها؟!!..
أنت حلفت ما أزور مها.. ولا أكلمها..
بس عاد نسيت توقعني على إقرار عدم اقتراب من المكان اللي هي بعد..
ثم أردف بإرهاق فهو مازال لم ينم منذ البارحة: أبي أتطمن عليها بس لا خلصت عمليتها..
ما قدرت أقعد في البيت وأنا عارف إنه عمليتها عقب شوي..
تنهد سعود وجلس جوار متعب وهو يهتف له بمودة: متعب يا أخيك
أنت تحسب إني أبي أعاقبك؟!!.. أنا والله أدور مصلحتكم.. وحل نهائي لمشاكلكم..
وقف متعب وهو يهتف بحزم مثقل بالعتب: بس مهوب في ذا الوقت.. ولا في ذا الظروف.. ولا بهذي الطريقة!!
**************************
"هنوف من اللي يرن عليش ذا الحزة وتسكرين؟"
توترت الهنوف.. وهي تنظر للجليلة المتساءلة..
كان تركي يرن عليها بإلحاح..
وهي تكتم صوت الاتصال..
وصلتها الرسالة المتوقعة:
"إذا ماتبين أحرجش مع بنت عمش..
ردي علي..
لأني واقف عند باب غرفتش..
أو تدرين موب لازم تردين..
لأني الحين بدق الباب وبأدخل"
"هنوف من اللي يرن عليش ذا الحزة وتسكرين؟"
توترت الهنوف.. وهي تنظر للجليلة المتسائلة..
كان تركي يرن عليها بإلحاح..
وهي تكتم صوت الاتصال..
وصلتها الرسالة المتوقعة:
"إذا ماتبين أحرجش مع بنت عمش..
ردي علي..
لأني واقف عند باب غرفتش..
أو تدرين موب لازم تردين..
لأني الحين بدق الباب وبأدخل"
وبالفعل كان الباب حينها يُطرق..
والهنوف تسبه في داخله.. كيف تفسر زيارته للجليلة الآن؟؟
الجليلة استغربت هذه الطرقات الصباحية المبكرة..
ارتدت نقابها على عجل وهي تفتح الباب.. لُتصدم بالطارق..
هتفت باحترام بنبرة قوية وخافتة: حياك الله يا أبو عبدالمحسن..
الهنوف تكاد تلطم وهي تسمع صوته الحازم: صبحش الله بالخير يا بنت طالب..
عسى ما أزعجتكم؟؟
الجليلة بذات النبرة الراقية: لا أبد طال عمرك في الطاعة.. صاحين..
الجليلة رغم استغرابها من الزيارة غير المفسرة وغير المقبولة في عاداتهم.. ولكنها أكبر من الفضول الممجوج..
لذا صمتت دون أن تسأله عن سبب الزيارة.. انتظارا لما سيقوله.. وهي مازالت تستبقيه واقفا عند الباب..
ولكن تركي كذلك كان أكبر وأكثر نضجا من لعب المراهقين.. لذا هتف بحزم:
ممكن أدخل أشوف الهنوف..
وأبي أتكلم معها بروحنا إذا سمحتي لي وسمحت الهنوف..
تركي كان مازال عند الباب من الخارج ولا يراهما.. ورغم أن الجليلة ترفض مثل هذا التصرف رفضا قاطعا تماما..
لكن في وضع تركي وزوجته وما حدث البارحة قد يكون عندهما مايقولانه..
ومن المؤكد أنه لن يدفع من هو في مكانة تركي أن يطلب التحدث معها إلا أن لديه فعلا أمرا هاما يقوله..
وهي لا تريد أن تقرر نيابة عن الهنوف..
لذا أشارت للهنوف بحياد (أخليه يدخل؟)
ورغم رفض الهنوف كذلك لهذا التصرف.. ولكنها تخجل أن تحرج تركي بهذه الصورة وترفض مقابلته.. أخلاقها الرقيقة تمنعها..
لذا أشارت لها أن تدخله.. بعد أن عدلت وضع شيلتها على رأسها وغطت وجهها بطرفها..
هتفت الجليلة بحزم وهي تخرج: تفضل يا أبو عبدالمحسن..
بس بعد إذنك بخلي الباب مفتوح وأوقف قريب منه.. عشان أسمع الهنوف لو نادتني..
ابتسم تركي وهو يهتف بابتسامة متلاعبة لم يفهم نبرتها إلا الهنوف: خليه مفتوح يا بنت طالب..
أنا أصلا ماني مطول.. دقايق وماشي..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
حين دخل.. شد الستارة قليلا.. كتصرف عفوي.. لم يكن يريد أن يلمحها أي عابر عبر الباب المفتوح..
اقترب منها ووقف بجانب سريرها..وكل مشاعر الأرض وانفعالاتها تغزوه بقوة..
وهتف بمودة: الحمدالله على سلامتش..
همست الهنوف بخجل: الله يسلمك..
ثم أردفت بخجل وضيق: وماكان فيه داعي تحرجني بذا الجية.. عاجبك منظري قدام الجليلة الحين؟!!
حينها هتف تركي بعتب مدروس: ترا أنا هنا من البارحة في المستشفى.. لابعد نمت ولا حتى ارتحت..
ماقدرت أروح بدون ما أتطمن عليش..
مستكثرة علي أشوفش قبل أمشي؟!!
رغم تأثر الهنوف.. لكنها هتفت له بحزم رقيق: ماحد قال لك تقعد في المستشفى أساسا..
أنت تعبت نفسك بنفسك..
حينها هتف تركي بتأثر لم يظهر في عبارته الحازمة: تدرين إنش كان ممكن تموتين البارحة..
كان مازال يعاني الفوضى التي اقتحمته البارحة..
وأنها كانت قريبة من الموت.. كانت على وشك تركه
وحيدا!!
كانت على وشك تركه دروب الحياة وحيدا.. وهي وحدها كل الدروب..
هزت الهنوف كتفيها بشجن وكأنها تقرر حقيقة شديدة المرارة:
ولو مت.. من اللي بيفقدني؟! ماعندي حد في الحياة .. ولا حد يبيني.. اللي يبوني بلقاهم قدامي..
لكن فهدة الحياة قدامها.. والكل يبيها وأولهم أمها..
تركي صعق من كلامها.. صعق إلى أقصى حد.. شعر أن قدميه تخونانه.. هذا الكلام الذي قالته قلب كثيرا من موازينه.. لأسباب تعمقت في روحه..
جلس على الكرسي القريب من سريرها.. وهو يمنع نفسه من الامساك بكفها وهتف بحزم متألم: وش ذا الكلام ياهنوف؟؟
أنا أبيش.. وهلي كلهم يبونش..
الهنوف بذات المرارة: تقصد أنت تمثل إنك تبيني.. ولحد الحين تمثيلك ذا ما أعرف أسبابه..
هل أنت حاس بالذنب لأنك علقتني ٨ سنين ياتركي؟؟
تركي يهتف بصدمته المرة: الهنوف أنتي من جدش تقولين ذا الكلام؟؟
لا يستطيع الاسترسال أو الشرح أكثر.. يعلم أنه سيصدمها... وقد لا تتقبل وطأة مشاعره المتضخمة..
وقد تفسرها على غير وجهها ويزيد الطين بلة..
وهي كذلك كانت لا تريد الاسترسال في هذا الحديث أبدا.. بداخلها من الألم الكثير..
هذا الاقتراب من الموت أخافها.. ولكن المرعب أكثر أنه أسعدها.. شعرت للحظات بقرب أهلها وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى منهم..
تكاد تقسم أنها في لحظات الغرق الأخيرة.. لمحت ابتسامة أمها.. ويدي والدها يمدها لها.. وسمعت صوت شقيقها متعب يناغيها بطريقته المميزة..
همست الهنوف بحزم يخفي الكثير خلفه: تركي لو سمحت روح..
ماكان فيه داعي تجي أصلا..
وأرجوك تركي خف علي حركاتك ذي..
مابقى حد ما لاحظ تصرفاتك الغريبة اللي موب مفهومة.. أول هلك.. والحين الجليلة..
تنهد تركي وهو يغص كذلك بكلام كثير يريد قوله ولا يجد أن المكان ولا الوقت مناسبين له..
(وكيف الكل لاحظ وأنتي لين الحين ما لاحظتي) هتف بحزم:
خلاص ان شاء الله.. أبشري بفارق وأروح البيت
أساسا قدني منهار من التعب..
ورغم الغطاء على وجهها.. ولكنها لاحظت بالفعل.. الإرهاق البادي عليه.. وملابسه غير المنهدمة على غير العادة..
وهو فعلا كان منهارا من التعب لكنه لم يستطع المغادرة قبل أن يطمئن عليها..
وما قالته له الآن جعله أكثر انهيارا وتعبا .. يشعر جسده خاليا من الطاقة...
أيعقل أنها تحمل في داخلها كل هذا التعقيد ؟؟
وهذه النظرة السلبية تجاهه وتجاه الحياة ؟؟
وهو من يريد أن يبعدها عن كل ما يؤذيها ويُشعرها أن المخلوق الأثمن في الكون كله!!
*****************************
"يا بنات.. وسعوا درب لمتعب.. يبي يشوف مرته"
الجازي التي كانت مستعدة للمغادرة مع محمد الذي ينتظرها في الخارج
والذي خرج حين جاءت دانة..
تبادلت نظرات الدهشة مع مها.. وهما تنظران لسعود الذي دخل للتو..
وأنهى سلامه على مها وتمنياته لها بالشفاء..
مها توترت..
لم تكن تريد رؤيته في وجود كل هؤلاء الحشد المتواجدين معها في الغرفة..
وليس في ظل هذه التعقيدات المرعبة.. ومعرفتها أنه مقبل على مشروع زواج..
كانت تتمنى لو أنه اكتفى بالاتصال.. كان الاتصال سيكفيها..
متعب دخل..
كانت دانة تقف في الزاوية.. والجازي ألقت عليه السلام وخرجت..
مال على رأس خالته أم سعود مقبلا ومسلما..
ثم وقف بجوار سعود الذي يقف بجوار سرير مها.. وهتف بمودة عميقة حاول أن تكون رسمية قدر الإمكان:
ما تشوفين شر يا أم ريم...
سهالات.. والعملية بسيطة..
همست مها بحياد: الله يسلمك..
كان متعب يشعر بالتوتر وكثير من الضيق.. والحرقة!!
أن يضطر أن يأخذ إذنا حتى يرى زوجته..
ثم يراها في هذا الظرف.. وتحت مراقبة الجميع التي تقتحم خصوصياتهما بطريقة فجة..
وبعد مرور أكثر من أسبوعين لم يراها ولم يسمع صوتها حتى..
وفي جو ثقيل مشبع بالرسمية والجمود..
كل هذه المحصلات كانت نتيجتها مريعة.. مريعة عليهما معا..
يكاد يقسم أنه لمح دمعة في طرف عينها.. شعر بها تنحر روحه..
كان غاضبا من سعود..
ومنها..
ومن كل شيء..
استأذن وغادر المكان بعد دخوله بدقيقة واحدة..
*********************************
"غالية حبيبتي أنا بأروح أجيب فهدة من بيت جدها..
تبين شيء؟؟"
همست غالية بسكون: لا فديتك.. أبي سلامتك..
ينظر جابر إلى غالية التي كانت تجلس كرسي.. تسند رأسها له وملامح الحزن ترسم كل تفاصيلها ويتنهد..
منذ تم استبعادها من الفحوص..
وهي حزينة خادرة قليلة الكلام..
تكاد لا تخرج من المنزل..
حتى الجامعة لم تذهب لها الأيام الماضية..
ينظر إليها وهي تميل على سعود الصغير الذي يجلس عند قدميها.. لتعيد له قلما كان يرسم فيه..
ثم تعود لذات وضعيتها.. الأشبه بالوضعية الدفاعية..
لم يسبق أن رأى غالية في هذه الحالة أبدا..
كانت دائما متقدة.. ومليئة بالحياة..
الآن هي منطفئة تماما..
يخشى أن تكون تعاني من حالة اكتئاب أو مقدماتها.. أو شيء شبيه لها..
تنهد وهو يخرج ويهتف لنفسه:
ماعليه لا حصلوا المتبرع المتطابق مع إبيها إن شاء الله.. بتتحسن نفسيتها..
*******************************
"كيف قضيتوا البارحة من دوني؟؟"
شهاب يبتسم وهو ينظر إلى أميرة التي كانت تجلس بجوار الجليلة:
افتكينا منش أنا وأميرة..
وسولفنا.. وتفرجنا على الصور اللي أنت داستها.. وسهرنا مع بعض..
ضحكت الجليلة: كذا ياخونة شفتوا الصور من دوني؟!!.. كنا متفقين نشوفهم سوا..
شهاب بمودة: ماعليه.. نشوفها مرة ثانية.. مع بثينة ومساعد ونشوف تعليقاتكم على الصور..
ثم أردف باهتمام: الهنوف أشلونها؟؟ عسى أمورها كلها تمام؟؟
الجليلة بثقة: أبشرك مافيها إلا العافية..
أكمل شهاب بذات الاهتمام: أمنتش بالله.. فيه شيء مضايقها وإلا ناقصها؟؟
الجليلة باهتمام وصدق: والله يا أختك أشوف أمورها كلها زينة.. ولابعد قالت لي إنه شيء ناقصها أو مضايقها..
شهاب بنبرة مقصودة: ولا ولد عمش اللي علقها 8 سنين؟!!
ابتسمت الجليلة: الناس لهم ظروفهم... واكيد تركي غلطان.. بس هي مابعد اشتكت لي من شيء..
وفك من الهنوف وتركي.. كلها كم شهر ويتزوجون..
احنا نبي نزوجك أنت الحين..
شهاب تجاهل تعليقها وتنهد وهو يقف: ترا عندنا عشاء رياجيل الليلة.. الله الله في العشاء الزين..
هتفت الجليلة بتقدير واحترام ومودة عميقة : أبشر إن شاء الله..
شهاب غادر.. بينما أميرة مالت على كتف الجليلة تضع رأسها عليه وهي تحتضن ذراعها..
همست لها الجليلة بحنان وهي تمسح على شعرها: كيف نومتش البارحة؟؟
ابتسمت أميرة: انتظرت شهاب راح غرفته.. رحت لغرفتش نمت فيها..
الجليلة بذات الحنان الباسم: ماعليه المهم إنش نمتي بروحش..
وشفتي.. ما جاش أبو رجل مسلوخة ولا حاجة..
هزت أميرة كتفيها وهي تضحك: وش أسوي غصبا.. مجبر أخاك لا بطل..
**********************************
"يبه .. البندري قالت لي إن الهنوف طلعت من المستشفى
عادي أزورهم عقب المغرب؟؟"
فرات يرفع رأسه عن أوراقه ويهمس بحنان : ماعليه يا أبيش..
خل نطلب لش شكولت وورد تودينه معش...
ثم أردف باهتمام: والحرارات اللي جات من بيت شهاب.. خلي الخدامات يرسلونها للمجلس
بقول لطباخين المجلس يعبونها.. عشان ترجعينها معش..
مايصير ترجعينها فاضية..
ابتسمت مي وهي تحيط عنقه من الخلف وتقبل أعلى رأسه وتهتف بمرح:
فديت الذوق اللي مايسج من شيء..
كانت على وشك المغادرة متوجهة للمطبخ لتخبر الخادمات بما قاله والدها..
لكنها توقفت وهمست باهتمام:
يبه كلمت عمي حامد؟؟ لأني كلمته مارد علي..
فرات يجيبها وعيناه على أوراقه: تلاقينه مشغول في التدريب..
أنا كلمته اليوم ورد علي وهو مستعجل..
********************************
"الحمدالله على سلامتش مهاوي
من اللي بنقول لها الدبة الحين؟؟"
تهمس مها بارهاق وصوتها خافت:
عاد من رشاقتك يا محيميد..
بروحك كم كيلو زيادة وتصير دب رسميا ..
ضحك محمد: جيتي على الجرح.. يبي لي أنقص كم كيلو قبل العملية.
تنهدت أم سعود وهي تربت على كف محمد الذي يجلس جوارها:
وش علوم فحوصك يا أمك؟؟
محمد رفع كفها التي كانت تربت على كفه وقبلها وهو يهتف: إلى الحين أموري تمام وإن شاء الله أطابق..
حينها همست بنبرة مقصودة: والفحوصات الثانية؟؟
رغم فهمه لمقصدها من كلمة الفحوص الأخرى لكنه هتف بنبرة مرحة:
قلت لش كل شيء زين.. يقولون يمكن يأخذون الكليتين الثنتين.. من قد ماكلاي عجيبة ومزيونة وصاحبها مزيون...
أم سعود همست بصوت منخفض وهي تنظر لمها والجازي التي كانت تسقيها القليل من الماء:
أنت ماتخلي استعباطك علي يا محيميد..
بس ماعليه مهوب وقته..
ثم هتفت بصوت مرتفع حان: مها يا أمش.. كيف تحسين الحين؟؟
همست مها بنبرة مرهقة من كل شيء: مرهقة شوي بس يمه..
كلها كم يوم وأكون أحسن..
***********************************
"يا هلا والله ومرحبا..
غريبة إنك جيت.. مع إني عزمتك على العشاء الليلة.. قلت لي إنك مشغول"
فرات يستوي جالسا بجوار شهاب ويهمس بمودة وثقة:
وأنا فعلا مشغول بس ماقدرت أمر جنب بيتك ولا أنزل ..
أنا جايب مي تبي تزور بنت علي ..
الحمدالله على سلامتها..
شهاب بمودة: الله يسلمك.. أجل منت برايح.. اقعد تعشى معنا..
فرات برفض: يا ابن الحلال تونا عقب المغرب.. وش عشاه..
بخلص لي كم شغلة.. كني خلصت بدري رجعت تعشيت معك.. وخذيت بنتي..
ثم أردف بتساؤل: إلا عشاك لمن؟؟
شهاب بعفوية: تذكر فيصل بن صالح اللي كان معنا في نفس الصف؟؟
فرات بتذكر: تقصد ولد آل الطيّار جماعتنا؟؟
شهاب بذات التلقائية الواثقة: الله الله.. هو إياه..
فرات بابتسامة: إي بالله أعرفه.. بس غريبة توه يجيك يسلم يعني؟؟ بيته قريب.. وأعرفه راعي واجب..
شهاب هز كتفيه: لا والله قد جاني أول ماجيت.. وأرسل كم ذبيحة بعد.. يوم حلفت عليه ما أتعشى عنده..
فرات باستغراب: أجل وش له الرسميات والعشاء؟؟
شهاب بذات العفوية: لأنه كلمني وقال بجيك عقب المغرب مع إبي وعمي.. قلت له أجل والله إن تعشون عندنا..
ابتسم فرات: شكلها خطبة.. يمكن جايين يخطبون لواحد من أخوانه الصغار أو عيال عمه..
شهاب بذات العفوية: ما أعرف ولا خطر ببالي..
فرات مازال مبتسما: عادي عندك أميرة تزوج وهي مابعد خلصت جامعتها؟!!
ابتسم شهاب بجمود: مهيب قضية ماخلصت جامعتها.. شخصية أميرة في إطارها الحالي ماتصلح لمتطلبات الزواج والاستقلال..
يبي لها تنحك شوي.. الجليلة مدلعتها..
ثم أردف بابتسامة أكثر اتساعا قليلا.. قليلا فقط : أنا ودي أزوج الجليلة.. عشان أخلي البيت يعتمد على أميرة..
وهذا مخططي الجاي.. بس خله يجيني الرجال المناسب..
مازال فرات يجهل لماذا موضوع زواج الجليلة يثير فيه مشاعر ضيق غير مفهومة..
أخرجه من أفكاره سؤال شهاب الباسم: يعني أنت لو جاك خطيب لمي بتوافق؟؟
حينها نظر فرات لشهاب بشكل مباشر وهو يصر عينيه: احمد ربك إنه فنجاني فاضي.. وإلا يمكن رشيتك بالقهوة..
شهاب يكاد يضحك: ليه عسى ماشر ترشني بالقهوة؟؟
ابتسم فرات: يا أخي تركبني العفاريت لا حد جاب طاري إنه مي تنخطب..
ثم أردف بحنان عميق: مي لين الحين أشوفها طفلة..
ثم أكمل بمرح: قبل كم شهر.. جاني فعلا خطاطيب.. ربي رحمهم إن حامد كان موجود وهدى الموضوع..
وإلا أنا فولت من العصبية.. وكنت بطردهم من المجلس
يا اللي ما تستحون حد يجي يخطب طفلة..
هز شهاب كتفيه وهو يبتسم بجمود: عادي.. عقدة جديدة تضيفها لسلسلة عقدك يا أكبر معقد في التاريخ..
ولو أني ما أشوفها عقدة جديدة... هي عقدتك نفسها نفسها..
أنت الحين شايف بنتك مختلفة عن النساء العربيات.. خايف إنها لا تزوجت تظهر طبايع النساء العربيات فيها...
ضحك فرات: مع إنه تفسير غريب.. بس ما اقدر أناقشك.. معك ماعندي شيء أدسه..
ثم أردف بنبرة غريبة: دايما المرأة العربية لا تزوجت تظهر أسوأ مافيها..
قبل الزواج تكون وش حليلها.. بس تزوج تكشر عن أنيابها..
وهما في حوارهما الذي أخذهما لمشارب متعددة ونسيا الوقت كعادتها..
دخل عليهما الضيوف ومعهم مساعد الذي كان يعد القهوة مع المقهوي..
وحين رأى الضيوف رحب بهم وأدخلهم المجلس على شهاب وفرات..
لم يعد فرات يستطيع المغادرة..
لذا قرر أن يجلس معهم قليلا ثم يغادر لإنجاز أعماله..
بعد السلامات المعتادة ودوران القهوة وبعض الحكايات الجانبية..
تنحنح صالح الطيّار والد فيصل.. فهو أكبر المتواجدين سنا …
هتف باحترام ونبرة توقير واهتمام:
يا أبوطالب ما أعرف إذا تدري أو لا..
إن إخيك فيصل تزوج مرة وحدة قبل أكثر من عشر سنين وماتت مرته عقب كم شهر في حادث سيارته الله يرحمها..
وانا ما أزكي فيصل عشانه ولدي.. أنت تعرفه من عادكم بزران..
وتبي انشد منه بعد.. ماترد شيء في دينه ولا أخلاقه..
شهاب لم يقاطع الشيخ وتركه يسترسل في كلامه رغم أنه عرف سبب مجيئهم..
بينما فرات كان مستغربا (ذا مايستحي على وجهه.. جاي يخطب بنت في سن بنته)
الشيخ أكمل حديثه: وترا فيصل مهوب اول مرة يخطب عندكم..
خطب أول مرة قبل خمس سنين من عمك عبدالمحسن ورده..
وقال أنها عيت عشان أخوانها..
وقبل سنتين رجعنا وخطبناها من مساعد.. وردنا
لنفس السبب..
والحين أنت رجعت.. وإن شاء الله إن السبب اللي ردت فيصل عشانه المرتين اللي فاتت أنه خلص في وجودك..
حينها عرف فرات من المقصودة بالخطبة.. ولم يستطع منع هذا الإحساس الغريب بالضيق من التصاعد في نفسه..
رد عليهم شهاب بكل تقدير : فيصل ماينرد..
وبشاور صاحبة الشأن ونرد عليكم...
هتف الشيخ حينها بتقدير: الله يكبر قدرك..
حن الحين بنروح مجلسنا عشان نصلي العشاء في مسجدنا..
وبنرجع عليك حِل العشاء..
الضيوف غادروا.. وشهاب توجه لمساعد بالسؤال: صحيح مهيب أول مرة يخطب ؟؟
مساعد صمت.. بسبب وجود فرات..
وفرات فهم ذلك.. وهو أساسا كان يستعد للذهاب فقام.. وقال: وأنا بعد لازم أروح
أخلص شغلي..وبارجع إن شاء الله للعشاء..
شهاب بإصرار حازم: أقول لك اقعد..
والتفت لمساعد بنبرة أقرب للغضب: ترا فرات عندي مثله مثلك..
ليه هو سواد وجه إن أختي تنخطب وترد الخطّاب يومك ماتبي تحكي؟؟
تنهد مساعد بحرج لم يظهر في حزم صوته:
فرات على رأسي واعده أخي مثلك.. كل السالفة إنك فاجأتني بالسؤال..
فعلا فيصل الطيّار خطبها مرتين قبل..وهي رفضت..
قالت ماتبي تخلينا..
والمرة الأخيرة أنا شخصيا حاولت فيها أكثر من مرة..
لأني أشوف فيصل رجّال ما ينرد.. بس هي عيت بعد..
تنهد شهاب وهتف لفرات بسؤال: أنا غايب سنين وأحتاج سنين لين أكون تصورات حقيقية عن الرياجيل اللي كنت أعرفهم
وش رأيك في فيصل؟؟ رأيين أحسن من رأي.. رأيك ورأي مساعد..
هتف فرات بحزم وجدية وصدق: فيصل رجّال ما ينرد.. توكل على الله.. ولا ترده..
**************************
"هذي صدق بنت الدكتور فرات؟"
الهنوف تقرص يد ضي التي تجلس جوارها مقابلا للبندري ومي وتهمس بنفاذ صبر:
ثاني مرة تنشدين يا المفلوجة..
لا حد يفضحنا فيها بس..
ضي تهمس في إذن الهنوف بمرح وهي تصطنع الجدية: أفضحش ليه؟؟..
أنا بس بأنشدها عن جدها الرسام المزيون.. ومن عمها لاعب الكورة الأزين..
أما عن إبيها بقول بس لمحتي اختبارنا الأسبوع الجاي؟؟..
إبيش مهددنا باختبار تعجيزي.. وأنا يا وخيتش طالبة تخرج.. ساعديني..
أو على الأقل توسطي لي عنده..
ابتسمت الهنوف: لا تخافين معش الجليلة درستش لين قلتي بس..
همست ضي بمودة: إي والله ماقصرت.. مع إنه أنا اللي طالبة تخرج مفروض أنا اللي أشرح لهم..
إلا البنات وينهم جيلو وأميرة؟؟
الهنوف بهدوء: عندهم عشاء رياجيل لا غرفوه جاونا..
ضي أردفت باهتمام: و أنتي علومش؟؟ عسى منتي ب تعبانة من شيء؟؟
همست الهنوف بسكون: مافيني شيء الحمد لله.. كانت تجربة غريبة بس..
هذا الاقتراب من الموت يحسسك بتفاهة الحياة.. ورحمة رب العالمين اللي أوسع من كل شيء..
في ذات الوقت..
كانت مي تهمس للبندري بتساؤل خافت: رفيقة الهنوف وش في يدها؟؟
محترقة ؟؟ مقطوعة؟؟
البندري تجيبها بخفوت: عندها تشوه في يدها من الولادة.. أنا بصراحة ماعمري شفت يدها.. لأنها على طول مغطيتها..
بس هي ماعندها كف.. وانولدت كذا..
مي بذات التساؤل: ولا حاولت تعالج أو تسوي لها أطراف صناعية؟؟
البندري هزت كتفيها: أتوقع حاولت.. لأنها قد سافرت كم مرة برا.. بس ما أعرف ليش ماسوت..
ابتسمت مي: ماشاء الله عليها شخصيتها تجنن ومرحة..
ردت البندري برقة: وإذا عرفتيها حبيتيها أكثر.. فرفوشة وتحب الناس..
****************************
بعد عدة إيام..
يوم الأربعاء تحديدا..
اختبار فرات للطالبات ومحاضرته الأخيرة..
الجليلة انهت اختبارها ووقفت..
وأميرة كانت تنتظرها لذا وقفت معها..
الاثنتان سلمتا الورقة في وقت واحد..
نظر فرات في الورقتين على عجالة .. هتف بحزم لأميرة: أميرة شكلش ماحليتي الاختبار كله.. تبين وقت زيادة؟؟
همست أميرة بخجل: لا خلاص اللي عرفته.. كتبته..
ثم نظر في ورقة الجليلة التي كانت ممتلئة بخطها المنمق المتناسق وهتف بحزم:
جليلة أنا مابعد حاسبتش على انتحالش لشخصية أميرة..
وقلت لش وقتها إني رح أحاسبش عليه بعدين.. وما أتوقع إنش نسيتي كلامي..
عشان كذا أي نتيجة بتاخذينها في الورقة كوني مستعدة لها..
وتأكدي إنها عقاب عادل لتصرفش الغير مقبول..
الجليلة شعرت بصدمة حقيقية.. ومع ذلك لم ترد عليه.. وهي تخرج وأختها تتبعها..
ضي في الخارج همست بها بقلق واهتمام: الدكتور وش كان يقول لش؟؟
تنهدت الجليلة وهزت كتفيها وردت بسكون: يهددني ينقص درجاتي في الاختبار عشان أول موقف صار لي معه..
ضي بغضب: ماعليش منه.. خليه يولي..
ولا يقدر يسوي شيء..
*********************************
"صيتة أنتي تبكين؟!!"
كان كعادته الأثيرة يراقبها في كل تصرفاتها.. وتحركاتها وحتى سكناتها..
كان ينظر في كتاب بين يديه..
ولكنه فعليا كان يقرأها هي.. فهي كتابه الأجمل..
كان ينظر إليها وهي تجلس بجوار عبدالله تمسح على شعره وتتحسس أنامله الضامرة..
كان مستمتعا بمراقبتها حتى رأى دمعة تخر من عينيها...
حينها قفز ليقف جوارها وهو يربت على كتفها ويهتف بقلق وشجن: ليه تبكين يا حبيبتي؟؟
همست صيتة وهي تمسح دموعها: أفكر إنه عقب سنتين أو ثلاث عبود بيكبر..
وما رح أقدر ألمسه.. ولا أحسس على رأسه.. ولا أمسك يده..
أنت ما تتخيل وش كثر أحس إنه يتأثر ويحس بالأمان وأنا جنبه..
وهذا الإحساس رح ينحرم منه.. وهو مهوب فاهم ليه ولا عارف السبب..
وأنا رح انحرم منه وهو ولدي اللي ودي أعبر له عن حبي له..
تنهد سند وهو يشد مقعدا ويجلس جوارها.. ويشد على كفها بحنو: مجرد وجودش قدامه كافي يحسسه وش كثر أنتي تحبينه ومصدر أمان له..
ثم أردف بمؤازرة: وبنرجع ديرتنا وبيصير يشوف ناس واجد.. خواله وعيال عمي..
ويحس حواليه ناس واجد يحبونه.. مو بس أنا وأنتي..
تنهدت وهي تشد كفها من كفه وتشبكها أمامها وكأنها تحادث نفسها:
تدري إني يوم قلت لفهدة إني جايتش عقب كم يوم.. وش قالت؟؟
تنهد سند بعمق في داخله وعنده تصور لما قد تقوله فهدة ويكون مؤذيا في أحيان كثيرة:
مهما كان اللي قالته.. هي بزر ومشتاقة لش.. وتعبر عن غضبها..
همست صيتة وهي مازالت تشبك كفيها وتنظر لهما: قالت لي وخير يا طير..
**************************
"حبيبي لا تضايق.. أرجوك..
باقي الجازي ومزنة..
إن شاء الله وحدة منهم بتطابق"
يتنهد محمد بضيق عميق.. عميق: دعيت ربي إني أنا اللي أطابق..
وطلعت الاجسام المضادة عندي مرتفعة..
اللهم لا اعتراض..
يا الله.. يا الله..
بثينة همست بذات النبرة الحنونة : محمد فديتك.. لا تضايق..
ربي إن شاء الله مهوب مضيع جهدكم.. وبيكون جنب عمي هادي..
يتنهد محمد بهذا الضيق العميق في نفسه.. فهو منذ عرف نتيجته صباح اليوم.. وهو يشعر بالاختناق..
وهو يرى الدائرة تضيق وتضيق على عمه... والفرص تقل..
ماذا سيحدث إن لم تتطابق إحدى الفتاتين أيضا؟؟ ماذا سيحدث؟؟
أردفت بثينة باهتمام: محمد ترا لازم تبلغ خالد باللي قاعد يصير..
اعتقد إنه بيزعل جدا إذا عرف إنكم دسيتم عليه ذا اللي صار كله..
يعني حتى تعب إبيه ماعرف عنه.. أنا أحط نفسي مكانه أعصب وأزعل..
كيف هو؟؟
زفر محمد بحرقة.. يعرف كل ذلك.. ويعرف أن خالد قد يشعلها نارا محرقة حين يعرف..
ولكنه يعرف أيضا أن خالدا لن يفعل أكثر مما قد يفعله هو وسعود حاليا..
هتف بهذا التفكير: وخالد وش بيسوي واحنا ماسويناه؟؟
بثينة بمنطقية: حقه يعرف مو عشان يسوي أو مايسوي.. والحق هذا أنتو سلبتوه منه..
*********************************
"مهوي حبيبتي..
ملعقة شوربة وحدة..
شوربة ماي بس"
مها تبعد الصحن من أمام وجهها وتهتف بإرهاق:
تكفين الجازي بس.. بأزوع..
الجازي باهتمام: ترا أكلش كذا أسوأ من سيء..
لازم تشربين سوائلش بشكل متكرر..
مها بذات الإرهاق: اللي أقدر عليه أشربه.. بس أنتي كل خمس دقايق تبين تشربيني غصب..
ثم أردفت: جوجو تكفين.. شوفي ريم كتبت واجبها..
الجازي ترفع صحن الشوربة الصافية من أمام مها.. وتجمع بقية الأغراض لتتوجه للأسفل وهي تهمس بعفوية:
ريم خلصت.. وراحت هي وخواتها مع إبيها لخالتي نورة..
تنهدت مها..
كم تبدو حياتها معقدة وغير مفهومة!!
ماعادت تعرف على أي أرض تقف..
لم تر متعب منذ يوم المستشفى قبل عمليتها..
ولم يتصل بها..
وحياة عدم الاستقرار التي تعيشها مستزفة.. ومقلقة.. وتجعلها تفكر كثيرا في بناتها قبل أي شيء..
تريد العودة لبيتها ومكانها ومكان بناتها وأشيائهم الصغيرة المعتادة..
تفتقد رتم حياتها المعتاد.. وهي تشعر بنفسها ضيفة في بيت أهلها..
ضيفة بالإجبار.. لا تعرف متى سيسمح لها مضيفها بالمغادرة..
**************************
يوم الاثنين..
يوم إعلان نتيجة الاختبار.. ويوم عودة صيتة الموعودة
.
.
نضجت أعصابها انتظارا لنتيجة اختبارها..
تنظر لورقتها بمشاعر فوضوية.. فهي كما كانت حتى وهي صغيرة في المدرسة تكره أن ينقصها حتى نصف درجة..
ورغم تفوقها المبهر.. تركت المدرسة وهي للتو في الصف الثاني ثانوي عندما توفيت والدتها..
رأت أن مسؤولياتها ماعادت تسمح لها بالترف المسمى بالدراسة..
13 عاما مرت بدون دراسة حتى قررت أن تعيد الصف الأول الثانوي مع أميرة حين رأت أنها رسبت لسنتين متتالتين..
تعيد النظر مرة بعد مرة إلى ورقتها وقهرها يتزايد.. يتزايد
كانت درجتها هي الدرجة النهائية 25 من 25 ...
لكن في الاسفل وُضعت المعادلة التالية:
25- 5 = 20 من 25 .. هذه هي درجتها التي رصدها الدكتور فُرات المبجل..
ووقع تحتها بالتالي:
"يُرجى من الزميل العزيز الدكتور حسني، عدم تغيير الدرجة، ومراجعتي في ذلك لفهم الأسباب.. د. فُرات آل سطام"
ماهذا التصرف المقيت مثله.. التصرف البارد المتعالي الخالي من الإنسانية؟!!
كانت تكيل له الشتائم في داخلها.. ودكتور حسني أستاذهم الجديد يطالب الجميع بإعادة الأوراق..
جمع الأوراق بعد المراجعة.. وانصرف خارجا بعد انتهاء المحاضرة..
كانت الجليلة تنظر ليديها بصمت بينما ضي تهتف لها بغضب:
لا تسكتين له... اشتكي عليه شكوى رسمية.. أصلا خلاص ماعاد له حكم على درجاتنا ولا هو اللي بيحط تقديرنا..
هو خلاص سلّم كل شيء..
الجليلة بضيق حازم: ضي أنا اللي حطيت نفسي في ذا الموقف.. ومارح أشتكي.. طول عمري تصرفاتي محسوبة..
اشلون تصرفت كذا ما أعرف؟!!
قدر الله وماشاء فعل...
ضي بذات الغضب : زين كلمي إخيش شهاب يكلمه.. مهوب رفيقه وربع وخرابيط..
تهز الجليلة رأسها برفض قاطع: مستحيل أدخل شهاب في السالفة.. شيء صار في الجامعة..
وداخل أسوار الجامعة.. وبيني وبين دكتوري..
وش دخل إخي فيه؟!!!
أميرة توشك على الاختناق بغصاتها: كله مني.. أنا السبب..
التفتت لها الجليلة بحزم: أنتي مالش دخل في ذا الموضوع.. لكن لش دخل في شيء ثاني
درجاتش أنتي.. هاذي ثالث مادة ترسبين في الامتحان النصفي..
وش تبين تسوين في روحش.. تسقطين في كل المواد؟!!
هزت أميرة كتفيها: والله درست جليلة.. بس أنتي شايفة الامتحانات صعبة.. والاسئلة تلف وتدور.. ما افهم وهم وش يقصدون..
الجليلة بحزم: لو درستي عدل ماكان ذا حالش..
ضي بغضب: خلش من أميرة الحين.. بتتصرفين في موضوع فُرات الزفت..
وإلا والله لأروح بنفسي واشتكي عليه عند رئيس القسم..
هذي 5 درجات مهيب شوي..
الجليلة بذات الحزم : ضي أرجوش.. أنا أعرف أتصرف بنفسي..وقلت شكوى مارح أشتكي.. مستحيل..
بس امشوا معاي الحين نروح لدكتور رفعت..
+
ضي باستغراب: وش دخل دكتور رفعت؟؟.
تنهدت الجليلة بثقة: يعرف بالسالفة كلها.. وأظن أنه الوحيد اللي يقدر يساعدني الحين..
كن ثلاثتهن تمشين متوجهات لمكاتب الأساتذة بينما ضي تهمس بذات الاستغراب: كيف يعرف؟
الجليلة بعفوية واثقة: سألني وقتها بشكل مباشر عن سالفة البونص.. وجاوبته بشكل مباشر وصريح وقلت له السالفة كلها..
همست أميرة والعبرة تقف في حلقها: وش تبينه يسوي طيب؟؟
هتفت الجليلة بذات الثقة المتحكمة: بتسمعون الحين بأنفسكم..
" دكتور رفعت ممكن ندخل؟"
رفع الدكتور عينيه عن أوراقه وهو ينظر للفتيات الثلاث اللاتي يطرقن على الباب المفتوح على مصراعيه.. ويجيب من عرف صوتها بنبرة رسمية راقية:
أكيد ممكن..خشي يا جليلة....
بعد السلام المختصر هتفت الجليلة باحترام وثقة:
دكتور رفعت أنا قاصدتك اليوم أبيك تساعدني في موضوع إذا تقدر..
د. رفعت بذات النبرة الرسمية: إن شاء الله أقدر أساعد باللي أقدر عليه.. إنتي تستاهلي..
الجليلة أكملت بذات نبرتها الواثقة الموقرة لأستاذها:
مثل ماحضرتك عارف يا دكتور.. باقي على الامتحانات النهائية شهر تقريبا..
ودكتور حسني لحد الآن مادرسنا.. أول محاضرة له اليوم كانت مجرد توزيع الدرجات ومراجعة ومناقشات عامة..
وأنا ماقدرت أكلمه بشكل مباشر لأنه لسه مايعرفني..
وأخشى يكون أخذ موقف ضدي.. بناء على سالفة البونص مع دكتور فرات اللي حضرتك عارفها..
وأخشى إنه الوقت المتبقي من الفصل ما يسمح لي أغير وجهة النظر هذي..
وتكون نتيجة كل هذي المعطيات.. إني ما أقدر أحصل على تقدير A اللي أنا أطمح له.. واللي أعلم وحضرتكم تعلمون إني إن شاء الله استحقه.
ابتسم دكتور رفعت لسبب هي لا تعرفه : طيب إيه اللي ممكن أنا أعمله.. أنا حاضر..
تنهدت الجليلة في داخلها وهي تسب فرات الذي وضعها في هكذا موقف.. وأكملت بذات الحزم والثقة:
دكتور أنت عارف مستواي زين..أبي منك بس تتكرم تكلم لي دكتور حسني.. تشرح له الموقف كله..
وإنه الموقف اللي صار مع دكتور فرات.. اعترفت بغلطي فيه..وخلاص خذت عقابي عليه..
وإنه أنا مستعدة أسوي أي عمل إضافي مهما كان صعب وأقدر أحصل فيه بونص خمس درجات بس..
دكتور رفعت بذات الابتسامة الغريبة: طب وتعملي عمل إضافي ليه.. وأنا عارف إنك جبتي الدرجة النهائية في اختبار مقرر دكتور حسني؟؟
دكتور فرات حكا لي.. وشفت درجتك بنفسي..
لم تكن الجليلة تريد أن تناقش قضية أن فرات منحها الدرجة الكاملة بصورة واضحة بناء على أدائها في الاختبار..
ثم انتزع من الدرجة الكاملة خمس درجات بصورة واضحة أيضا.. عقابا لها على خطأ عوقبت عليه مرتين قبل ذلك..
الأولى بالطرد.. والثانية بحرمانها من بونص تم منحه لكل المجموعة..
والثالثة بالبخس في درجاتها التي حصلت عليها بمجهودها..
الآن هناك فرق عشر درجات كاملة بينها وبين أي طالبة في مستواها..
كل هذه المعطيات كانت تثير قهرا كبيرا في روحها..
ومع ذلك هتفت الجليلة بحزم راقي مهذب: ماعليه دكتور أنا حابة يكون في رصيدي بونص.. يمكن أحتاجه عقب..
أرجوك كلمه ..إذا الأمر مافيه إحراج لك أو مضايقة..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
ابتسم دكتور رفعت وهتف بمودة راقية: يا بنتي أنتي مرصود لك في الكشف الدرجة الكاملة..
ودكتور فرات شكر جدا فيكي عند دكتور حسني..
وقال له دي أحسن طالبة في المجموعة.. ووصاه عليكي..
وقال له إن المكتوب في ورقة الامتحان..ده قرصة ودن ليكي بس وتأديب عشان الموقف اللي حصل..
والكلام ده كله حصل قدامي..
عشان كده.. اتطمني وحطي في بطنك بطيخة صيفي..
وما تشغليش بالك أبدا..
.
.
.
"جليلة هدي.. هدي..
عمري في حياتي ماشفتش معصبة كذا..
أساسا عمري ماشفتش معصبة ولا بأي شكل"
جليلة مازالت ثائرة وهي تحاول التحكم في درجة صوتها حتى لا ترتفع:
يعني عاجبش يا ضي الموقف الزبالة اللي هو حطني فيه..
صغرني قدام اثنين من أساتذتي.. وأحرجني بهذي الطريقة..
أميرة بتهدئة: المهم إنه درجاتش مانقصت..
جليلة بذات الغضب: والله العظيم ودي إنه منقص عشرين درجة بدل الخمس درجات..
ولا ذا الفيلم الحقير الغبي اللي سواه..
هذا مستحيل يكون إنسان طبيعي..
لازم يعرض نفسه على الطب النفسي.. وإلا ليش الطب النفسي؟!!..
هذا لازم يتأكدون من سلامة قواه العقلية..
أكيد عنده خلل في مخه..
وإلا فيه فيوزات ضاربة..
هذا أساسا لازم يكون محتجز في سجن للمرضى الخطرين.. مهوب يخلونه يدرس في جامعة..
حينها انفجرت ضي من الضحك:
لا جد إنش معصبة..
خلاص يا بنت الحلال... الموضوع كله انتهى..
وفرات بكبره خلصنا منه..
وأبد المرة الجاية لا جاكم يتعشى عندكم وإلا يتغدى... حطي له سم فيران في الأكل..
حينها ابتسمت الجليلة رغم غضبها: فكرة جديرة بالتنفيذ..
******************************
"سعود..
أنا أقول إنه لازم نتصل بخالد ونبلغه..
أنا مابغيت أعلمه لين أقول لك..
لأنك كنت رافض"
تنهد سعود: خالد مشكلته مشكلة..
أنا خايف إنه يرفض من أساسه إن حد من البنات يتبرع..
وبيروح يدور حلول ثانية..
ويمكن يحاول يجبرهم يأخذون منه هو.. يسويها..
ويطول السالفة واحنا ماعندنا وقت.. ونبي نخلص..
محمد بحزم: لازم نبلغه.. ونشوف وش يبي يسوي..
لأنه قريب بتطلع نتائج فحوص البنات حق الأمراض النسائية..
إذا ثنتينهم يصلحون رح يكملون فحوصات الكبد والقلب..
وعقبها باقي كم اختبار بعد..
يعني إن شاء الله السالفة مارح تطول..
نبيه يكون موجود وجاهز عشان يروح مع مزنة لو هي اللي بتطابق..
سعود بحزم مشابه: ويمكن الجازي اللي تطابق وأنا اللي أروح معها أنا ودانة
ويكون مافيه داعي نبلغ خالد من أساسه..
محمد بعتب غاضب: سعود أنت صاحي.. ترا هذا إبيه..
تبيه يعني يجي من السفر يلاقي إبيه مسافر رايح يزرع كلى
وهو أساسا حتى مايعرف إن إبيه مريض قصور كلى؟!!
تنهد سعود بعمق.. يتذكر حواره مع دانة البارحة عن نفس الموضوع..
دخل عليها فوجدها تكلم شقيقتها غالية.. كان يخلع ملابسه وهو يسمع حديثها:
غالية حبيبتي.. خالد بيجي قريب إن شاء الله..
أنتي ليه متوترة كذا؟؟
...............................
أمانة غالية.. لا تقولين له شيء.. بتجيبين العيد
.............................
سعود بيقول له أو أمي أو أنا.. ولا يهمش
أنتي هدي أعصابش بس..
............................
طيب.. طيب.. بوسي لي سعودي.. وروحي بكرة جامعتش..
يا ويلش لا أدق الصبح وألقاش في البيت..
ترا والله لأجيش في بيتش وأسحبش من كشتش لمحاضرتش..
............................
غالية.. السنة ذي تتخرجين يعني تتخرجين إن شاء الله..
إذا جد تحبين إبي.. فرحيه بتخرجش..
............................
استودعتش الله يا قلبي..
تنهد سعود وهو يجلس جوارها ويقبل رأسها ويهتف باهتمام وقلق:
وش فيها غالية؟؟
هزت دانة كتفيها: نفس الموال..
متضايقة.. ومنفسة.. وتبي خالد يرجع..
تقول اللي رابط يدها إن أمي قالت إنه ما نقول لخالد.. بس تقول أمي ماحلفت علينا..
وإنها بتعلمه.. إذا ماعلمناه..
سعود.. أخاف تجيب العيد وتروع خالد..
ثم أردفت برجاء: سعود تكفى خلنا نعلمه.. أنا احترمت قرارك وقرار أمي إنه ما نقول له..
بس ذا كان في البداية.. وأحسب إنه مارح يطول..
يومين ثلاثة تمر وهو ما يدري مهوب مشكلة..
بس مر ذا الوقت كله.. كيف بنفسر له أصلا؟؟
سعود يربت على كفها ويهتف بتفكير عميق:
ماعليه خلي فحص البنات الجاي يطلع..
ونقول له..
أنا باقول له بطريقتي..
*****************************
"يمه.. اقعدي ارتاحي مابقى شيء ما سويتيه"
أم متعب تنظر في طاولة الفوالة الممتلئة عن آخرها وتهمس للهنوف بشجن:
ما أعرف متى أخر مرة كلت أكل غير أكل المستشفيات؟؟
الهنوف تبتسم: صدقيني إنها ما تبي تأكل.. تبي تشوفش بس..
تتنهد أم متعب: على قد زعلي منها على قد زعلي عليها..
ثم شعرت أنها تغص بالكلمات: كنت أبي لها اللي فيه صالحها وصالح بنتها...
الهنوف تشدها ولتجلسها وتجلس جوارها وتهمس بحنو وتقدير: صدقيني إن صيتة فاهمتش..
بس صيتة من يومها مبدية خلق الله على نفسها..
ما أقول إن اللي هي سوته كله صح.. بس بعد مهوب كله غلط... وخصوصا إن حن عارفين نيتها...
مايصير حن والزمن عليها يمه.. يكفيها اللي هي مرت فيه..
قفزت أم متعب وهي تنظر لساعتها: مهوب كأنهم تأخروا؟؟
ابتسمت الهنوف وهي تجلسها مرة أخرى: تو الناس يمه.. طيارتها توها نزلت من نص ساعة..
تأففت أم متعب: ليتني رحت معهم المطار.. حتى صافية راحت وأنا مارحت..
ابتسمت الهنوف: يمه خلي استقبالي أنا وإياش لها سبيشل.. كفاية كلهم رايحين المطار..
أم متعب رفضت الذهاب للمطار وتحججت أنها تفضل استقبالها في البيت..
مادام الكل ذاهب للمطار..
عبدالمحسن ومتعب وبناته اللاتي ارتدين تيشرتات ترحيبية بعمتهن.. وتركي وحزام..
والجليلة وشقيقتيها بثينة وأميرة.. ومعهم ضي..
الخالة صافية أم سعود ومعها الجازي.. ولولا إرهاق مها وقلة طاقتها وإلا كانت أكثر المتحمسين للذهاب..
وطبعا على رأس المستقبلين فهدة التي أبدت رفضا كاذبا للذهاب..
ولكن خالها تركي مر بها وأجبرها (ظاهريا) على الذهاب معه.. بعد أن رفضت الذهاب مع عمها جابر.. الذي أوصل ضي للمطار..
وطبعا رفضت فهدة أن تلبس التيشرت الخاص بالمناسبة الذي طبعت عليه البندري لها ولبنات متعب ولفهدة..
بينما أم متعب رفضت الذهاب لأنها كانت تخشى أن تنهار في المطار.. ويتورط بها المتواجدين هناك..
فهي وصلت حدها من الشوق والألم.. والإحساس بالذنب.. وهي تترك صغيرتها وحيدة هناك..
كانت مشاعرها كثيفة ومعقدة جدا.. ولا تضمن ردة فعلها في المطار..
فهذه الأعوام الأربعة المنصرمة.. أخذت من روحها الكثير..
كانت فيها غاضبة على صيتة .. وغاضبة من أجلها..
أثقلت فيها على ابنتها بالعتب..
ولكنها في كل عتب وغضب كانت تفكر فيها.. وحدها من كانت تهمها..
كانت تظن أنها بضغطها عليه.. ستدفعها لكي تقوم بالصواب..
ذلك الصواب الذي تعلم أنه سينهي عذابها..
*****************************
"هادي.. هونها وتهون!!
الله ما يترك عبيده يا أبو خالد..
إن شاء الله البنات وحدة منهم بتطابق..
خذ خذ فنجالك.."
دفع أبوخالد فنجان القهوة بباطن أطراف أصابعه وهو يهز رأسه رفضا:
لا يا وضحى.. قد تقهويت الصبح..
ماعاد أقدر أتحمل سوايل.. تعبان اليوم..
ثم أردف بألم عميق: أنتي تحسبيني متضايق عشان أنتظر حد منهم يطابق؟!
أنا كان ودي ماحد منهم يدري.. ولا حد منهم يقول بتبرع..
أنا ودي أغسل وخلاص.. وش باقي من العمر؟؟ ووش فيها إذا غسلت سنتين وإلا ثلاث لين يأخذ ربي أمانته؟؟
أم خالد بجزع: وش ذا الكلام يا هادي؟؟
تنهد أبو خالد بألمه العميق وفوضى مشاعره وثقلها: الحين عاجبش حال غالية؟؟
من يوم درت إنها مهيب مطابقة.. وهي كل ماشافتني تبكي كن قدني ميت..
ومحمد الحين مايقدر يحط عينه في عيني..كل ماشافني يتعذر..
كنه ذنبه إنه ما طلع مطابق..
وانتي بروحش عشان فصيلتش غير فصيلتي.. وإني O وأنتي B كل شوي تعذرين...
حد يتعذر على شيء ربي كتبه؟؟ خلقة ربي؟؟
ترا اللي أنتو تسوونه أمرضني فوق مرضي..
تنهدت أم خالد وهي تربت على فخذه بحنان: هذا من محبتنا لك..
وإن شاء الله قريب تروح تسوي العملية.. وتزين الأمور..
هتف وهو ينظر أمامه نحو اللا شيء: اللي الله يكتبه كله خير..
همست أم خالد باهتمام وتشجيع: زين لا تقعد.. روح اطلع.. سيّر على حد من شيبانك.. غيّر جو..
تنهد وهو مازال ينظر أمامه بنبرة فيها ألم كبير: خليني في بيتي أحسن..
أنا صرت أفهي واجد في المجالس وأسج.. وأنحرج.. (أفهي= أسرح لا أستطيع التركيز)
ويوم اشتكيت للدكتور.. قال لي هذا شيء طبيعي.. وإن شاء الله لا زرعت وإلا غسلت باتحسن..
تنهدت أم خالد بألم عميق.. هي بنفسها لاحظت قبل فترة أنه بات ينسى كثيرا..
ولم تشغل بالها لأن النسيان بات ظاهرة عامة بين كثير من الناس.. هي نفسها باتت تنسى كثيرا..
ولكن عدم التركيز عنده بدا يصبح واضحا..
وعلمت مؤخرا أن هذه أحد أعراض معاناته من قصور الكلى..
يؤلمها كيف عانى كل هذا الوقت وحده.. دون أن يسمح لهم أن يكونوا جواره ويساندوه..
همست بابتسامة مصطنعة ومودة حقيقية: وش نبي بالمجالس.. أحسن عشان تغدي حقي بروحي..
سمحنا من المجالس ..
قوم قوم.. ودني.. نروح وإياك أي مكان..
قوم خلنا نمشي في اسباير.. الجو براد يهبل..
قوم خلنا نروح قدام يقرب المغرب..
اسباير حديقة ضخمة مفتوحة.. وكلها ممرات للمشي..
ومع برودة العصر في نهايات شهر نوفمبر.. كان الجو مثاليا للمشي...... ولدفن فوضى التفكير!!
*******************************
"أحس شكلي غلط وأنا معكم في المطار..
بس ما قدرت ما أكون في استقبال صيتة..
أخاف رياجيلكم يجون وأتفشل"
الجليلة بمودة ترد على ضي: يا الخبلة وش رياجيلنا.. تراهم عيال عمي.. ومثلنا مثلش..
يعني مارح يجون صوبنا أصلا..
ثم أردفت بعفوية: أصلا عمي عبدالمحسن وعياله دخلوا يستقبلون صيتة داخل..
بيسلمون عليها ويطلعونها من داخل ويمشون.. وبترجع معنا..
لأنه سند مارح ينزل من الطيارة..
بيقعد مع عبود لين يجهزونه للنقل للمستشفى.. وبيروح معه المستشفى..
وعيال عمه وخوال عبود بيجونه هناك في المستشفى..
كان يجلس غير بعيد منهم بثينة وأميرة..
بينما في المقاعد المقابلة تجلس البندري بجوارها فهدة التي ترسم على ملامحها الغضب..
والبندري مازالت تحايلها أن تذهب معها الحمام.. لتستبدل لها التيشرت الذي تلبسه الآن
بالتيشرت الذي صنعته له..
ولكنها ترفض بإصرار..
بثينة قامت وجلست بجوار الجليلة من الناحية الأخرى ..
فقامت ضي وجلست جوار أميرة.. وبدأت تشاكسها كعادتها..
وحتى تترك المجال لبثينة لأنها شعرت أنها لم تقم إلى جوار الجليلة إلا لأنها تريد أن تتكلم معها..
مالت بثينة على إذن الجليلة وهمست بخفوت:
فهدة وش فيها من قعدنا وهي تحلطم؟؟
تنهدت الجليلة: الله يعين صيتة عليها.. ويعينها على صيتة..
كل وحدة فيهم تعّبت الثانية.. وعادها بتتعبها..
ثم أردفت بتلقائية: البندري يا عمري مسوية حركات لاستقبال اختها.. مسوية ثيم..
ولابسة تيشرت هي مصممته للمناسبة بنفس الثيم.. ومسوية لفهدة وبنات متعب معها..
بنات متعب لبستهم إياه أمهم وهذا هم مع إبيهم داخل..
لكن فهدة مارضت تلبسه.. والبندري متضايقة.. وتحاول تقنعها..
ابتسمت بثينة : ياحليلها البندري... على إنها مو كثير مرتبطة بصيتة.. لأنها كبرت وصيتة بعيد..
بس أحسها مبسوطة جدا برجعة صيتة ومتحمسة.. وتحاول تبين لصيتة وللكل فرحتها هذي..
همست الجليلة بمودة وواقعية: لانه البندري بنت طبيعية جدا وعفوية ..
والطبيعي إني أستانس إنه أختي الوحيدة راجعة للديرة نهائيا عقب سنين..
ابتسمت بثينة: كأنش تقصدين إنه وحدة ثانية موب طبيعية ..مافرحت برجعة إخيها عقب سنين أطول..
ابتسمت الجليلة: لا تقوليني كلام ماقلته..
بثينة بنبرة مقصودة: بس تقصدينه..
تنهدت الجليلة وهي تنظر لعقد الورد في يديها : أميرة وضعها خاص شوي..
وشهاب مهوب مقصر يحسسني بالذنب إني السبب في شخصيتها المهزوزة..
بثينة أنتي أكثر حد عاش معي كل شيء.. كل اللي عشناه سوا.. وكنتي الأقرب والأكبر..
قولي لي وش كان ممكن إني أسوي.. هل أنا قصرت معش أو معها أو مع مساعد؟؟
بثينة وضعت يدها فوق يد الجليلة وشدت عليها بقوة وهتفت بعمق:
جليلة ترا أمي ماتت عمري تسع سنين.. وإبي مات وعمري 14..
وكنتي أنتي أمي وإبي.. أنا وأميرة ومساعد..
ولو هم موجودين الله يرحمهم ماكان قدروا يسوون أكثر من اللي أنتي سويتي..
واللي صار لأميرة.. هذا شيء ربي كتبه.. وكل اللي تقدرين عليه وأكثر سويتيه..
وشهاب ما يقصد يعاتبش أكيد..
تنهدت الجليلة: مافهمتيني بثينة... أنا والله موب متضايقة من كلام شهاب..
شهاب بالذات لو مهما يقول كله على رأسي ومقبول..
هو بس خلا الأفكار تدور في رأسي.. هل كان فيه فعلا شيء ممكن أسويه لأميرة.. وماسويته؟؟
هل كان ممكن أتصرف معها بطريقة ثانية أفضل عشان تكون أكثر استقلالية؟؟
البنت كانت على طول مرعوبة وتبكي.. يعني وش المطلوب ؟؟ أبعدها عني وهي مجرد طفلة ماتعرف
حد غيري.. وعقبها مراهقة ولا عندها حد غيري؟؟
أنا والله ما أعرف وين الغلط اللي أنا سويته؟؟
أنتي بنفسش تذكرين كيف ربيتكم؟؟ إنكم تعتمدون على نفسكم.. تطبخون وتغسلون وترتبون كل شيء بنفسكم..
حتى شعرها ماكنت أسويه لها.. كنت أقول أنتي كبرتي وتسوينه..
لكن إني أبعدها عني.. هذي كانت جريمة في حقها.. ماكنت أقدر أسوي كذا لو مهما كانت العواقب..
لأول مرة تشعر بثينة أن الجليلة متضايقة من هذا الموضوع بهذا الشكل..
تنهدت في داخلها (الظاهر لازم أكلم شهاب يخف على الجليلة شوي... شكله ضاغط عليها)
في الوقت الذي كانت كل الثنائيات مشتبكة في حواراتها.. وصلت أم سعود ومعها الجازي.. قفز الجميع للسلام والترحيب..
في وقتها رن هاتف البندري.. كان تركي هو المتصل يخبرها أنه سيتأخر ليأخذ حقائب صيتة.. والبقية سيغادرون.. وأنهم سيوصلون صيتة لهم في الخارج بعد لحظات..
هتفت البندري بحماس رقيق: صيتة طالعة الحين..
الكل وقف استعدادا في مكان الاستقبال.. معظمهم مضى له تقريبا ست سنوات لم يراها..
أخر مرة كانت في الدوحة قبل ست سنوات في زواج متعب..
قبل وفاة والدي عبدالله وزواجها من سند..
كانوا يحاولون بهذا الاستقبال الحاشد أن يسعدوا صيتة التي أثقلتها سنوات الغربة..والحزن والضغوطات..
أن يشعروها أن عودتها لبلدها مختلفة.. وويخبروها كم هم مشتاقين لها وسعيدين بعودتها..
صيتة حينما خرجت كانت عيناها أساسا مغرغتان بالدموع بعد لقاءها مع والدها تحديدا.. الذي انهارت وهي ترتمي بحضنه..
كانت تشعر أن روحها كالأرض البور التي تشققت عطشا..
رؤية والدها فجرت كل الضغط الذي شعرت به طيلة السنوات الماضية..
والضغط المضاعف الذي شعرت الأسبوعين الماضيين منذ عرفت أنها ستعود للدوحة أخيرا..
خرجت إليهم وهي تنظر في الحشد الأسود الفاتن الذي اصطف من أجلها..
وعيناها تبحث عن خيال لم تجده.. كانت تبحث عن أمها.. ولكنها لم تراها بينهم.. لذا توجهت عيناها فورا لأقرب طيف لأمها..
توجهت إلى خالتها وانهارت مرة أخرى بين يديها.. وهي تقبل يدي خالتها وكتفيها.. وتبكي بهستيرية..
وخالتها تحتضنها بقوة وتهمس لها باختناق: الحمدلله على سلامتش يا أمش.. قرت عيننا بشوفتش..
مابغيتي يا أمش مابغيتي..
البنات كلهم تناوبوا السلام عليها بمشاعر متدفقة..
لم تعرف أحدا منهم.. فكلهم كانوا منقبات وهي ماعادت تعرف أحدا منهم بالنقاب لطول العهد..
البعض عرفته بالصوت.. والبعض لم تعرفه حتى عرفتها بنفسها وهي تطوقها عقد الورد الترحيبي لتتحضنها صيتة بقوة وهي تعاود البكاء..
كانت تشعر بالغربة والحرقة والكثير من الشجن والفرحة المبتورة التي لم تعرف كيف تفسرها..
خلف الحشد كانت فهدة تقف لم ترد أن تظهر في الصورة.. وأخر المسلمات كانت الجليلة التي أرادت أن تكون الأخيرة..
حتى لا يكون خلفها من يستعجلها حتى يسلم..
رغم أن صيتة كانت تهتف بين كل سلام وآخر: وين فهدة؟؟ وين الجليلة؟؟ تركي قال لي إنهم برا..
حين انتهت من السلام على الكل وتبقى الجليلة تقف أمامها..
وقفت تنظر في عينيها للحظات وعينيها ككرتي الدم لكثرة ما بكت..
وكأن عينيها تحكي سيرة طويلة من آلامها ويأسها وأحزانها.. وأطياف أمل جاء متاخرا.. متأخرا جدا..
بينما الجليلة عيناها مثقلتان بالكثير جدا من الشوق والحنان والشجن.. همست بتأثر كبير متعاظم:
مابغيتي يا صيتة مابغيتي.. راح العمر وحن من انتظار إلى انتظار..
احتضنتها بقوة .. وصيتة تهمس في إذن الجليلة بين شهقاتها وصوتها المبحوح من البكاء:
تعبت يا أختش.. تعبت.. ورب الكعبة تعبت..
حين انتهيتا من السلام العميق المؤثر وأفلتت كل منهما الأخرى.. تلفتت صيتة حولها وهي تهتف بتأثرها المتزايد وشوقها العارم:
فهدة وينها؟؟ تركي قال لي انها هنا..
كانت فهدة مازالت تختفي خلف الحشود.. البندري تلتفت حولها لتجدها خلفها وتشدها لتوقفها أمام صيتة.. بينما فهدة همست باختناق:
عادي نسيتيني كالعادة.. وكنت أخر وحدة في سلامش واهتمامش..
كلهم قبلي..
صيتة شهقت بقوة وهي تنفجر في البكاء وتحتضن فهدة المتصلبة كعادتها بقوة..
البندري التي لاحظت أن فهدة تقصدت أن تختفي من أمام أمها ومع ذلك لم تهاجمها..
بل همست بمرح وهي تربت على كتف فهدة المختبئة في حضن أمها:
يا أختي أنتي توش شايفتها من حوالي ثلاث أسابيع واحنا لنا سنين ماشفناها..
عطينا فرصة يا الحسودة.. تبين أمش لش بروحش؟؟
فهدة تخلصت من حضن أمها وهي تهمس بنزق وحدة: عمرها ماكانت لي بروحي عشان تكون الحين..
ضي قرصت فهدة بخفة وبطريقة خفية دون انتباه إحد.. كعلامة لـ (سأدبك لاحقا)..
ومن ثم احتضنت ضي صيتة بقوة مرة أخرى..وهمست بتأثر: اشتقت لش يا صيوت..
وودي والله ما أخليش..
بس جابر ينتظرني برا..
بروح البيت... وعقب صلاة العشاء بجيش أنا وأمي وغالية..
همست صيتة باختناق: انتظركم لا حد يتاخر علي..
فهدة بذات النبرة الغاضبة على الدوام: عمتي بروح معش..
صيتة شدتها بجزع وهي تمسكها بقوة: وين بتروحين؟؟ خلش معي..
فهدة هزت كتفيها: سلمت وانتهينا.. بأرجع لبيتنا.. (وشددت على كلمة بيتنا)
همست ضي بمودة: خليها ترجع معي.. عشان أجهز شنطتها تنام عندش.. وبتجي معي عقب العشاء..
همست صيتة بذات الجزع وهي مازالت تمسك بفهدة: زين تروح معي وأنتي جيبي شنطتها..
بينما فهدة تخلصت من يد أمها وهي تهمس بحدة: من قال لكم أبي أنام عندها.. أنا بنام في بيتنا..
ضي كانت غاضبة جدا من فهدة.. وكانت تريد أن تأخذها معها حتى تفهمها خطئها وهما لوحدهما.. وتشرح لها أن كل ما تفعله غير لائق..
ولكنها كتمت كل ذلك في داخلها وهي تهتف لصيتة بمودة: صيتة فديتش والله بجيبها معي..
صيتة لم تكن تركها.. كان عندها من الحزن والتوتر والشوق ما يكفي.. لكن الجليلة التي فهمت إشارات عيني ضي لها.. همست بابتسامة:
خليها تروح.. نستفرد فيش شوي قبل تجي فهدة وتأخذش..
فهدة غادرت مع عمتها وهي تهمس بذات الطريقة النزقة الغريبة: اشبعوا فيها.. فهدة ما تبي تأخذ حد..
حينها قرصتها ضي بقوة في ذراعها وهي تهمس بحزم وصرامة: شغلش عندي فهيدة..
كانت ضي تشعر بتأثر بالغ فهي لأول مرة تمد يدها على فهدة بأي طريقة.. ولكنها رأت أن فهدة تجاوزت كل حد هذه المرة..
بينما فهدة كتمت كل شيء داخلها.. حتى وصلت إلى السيارة وركبت في الخلف..
وضي اعتدلت جالسة في الأمام بجوار جابر.. وكانت على وشك الانفجار في وجه فهدة..
لولا أن الانفجار كان انفجار فهدة... وهي تنفجر باكية بطريقة هستيرية..
كانت لا تريد ترك والدتها... ولم تكتفِ من حضنها.. بل لم تحتضنها كما يجب..
كانت هي من أحضرتها للدوحة كي يأخذوها هم.. كانت أمها هي.. والكل يريد الحصول عليها لنفسه..
لكنها طمرت كل ذلك داخلها.. ووجدت لها غطاء مناسبا جدا للبكاء والانفجار:
قبصتني يبه جابر.. قبصتني..
قطعت لحمي..
جابر الذي كان مازال لم يتحرك التفت لحدة غاضبة للخلف وهو يصرخ بغضب: من اللي قبصتش؟؟ أمش؟؟
فهدة الباكية أشارت لضي في الإمام: عمتي ضي.. قطعت جلدي يبه.. ذبحتني.. يوجع والله يوجع..
التفت جابر لضي التي كانت تجلس متكتفة في الأمام في وضعية (اللهم طولك ياروح!) وهتف لها بغضب حقيقي:
أنتي اشلون تقبصينها؟؟
ما تخافين الله تخربين فرحتها بأمها.. وأساسا ليه تجيبينها معش؟؟
كان خليتيها عند أمها يا اللي ما تخافين الله..
ثم حرك سيارته وهو يهتف بذات الغضب: أنتي وش جنسش؟؟ تقبصين فهدة؟؟ وش عشانه؟؟..
تنهدت ضي وهي تهتف بنفاذ صبر: جابر ترا بقبصك أنت وإياها..
لا تقوي رأسها.. لا أعلمك وش هي سوت داخل.. يمكن أنت تقبصها عشرين مرة..
وترا كل السالفة قبصة في عضدها عشان تفتهم.. خلها توريك مكانها كنها مبينة حتى.. لك أنت وإياها اللي تبون..
ثم أردفت بغضب: حن اللي خربناها بالدلع.. لا عاد تحشم.. ولا تسنع كلمتها..
فهدة مازالت منفجرة بالبكاء وليس بسبب القبصة إطلاقا.. ومع ذلك هتفت بين صراخها الهستيري: والله لا أعلم جدي جبران وجدة فهدة عليش..
ضي بحزم: خلنا لين نرجع وأعلم خالي جبران وجدة فهدة وش قلتي.. وشوفي هم بيوقفون في صفش يا اللي ما تستحين..
هذا كلام اللي قلتيه لأمش والا التصرفات البايخة اللي سويتيها.. حتى ما قدّرتي شوقها لش.. ولا حتى احترمتي الناس اللي واقفين.. وانتي لسانش يلوط اذانش..
بس ماعليه دواش في البيت.. خلني لين أعلم أمي بس..
يتنهد جابر وهو لا يعرف ماحدث تحديدا.. يعلم أن فهدة لا بد أخطأت ولكن صوت بكائها يذيب روحه:
ضي الله يهداش.. افتكي من حلق ذا البزر.. حتى لو غلطت..
تراها بزر.. وذي أمها.. مهيب زعلانة منها..
*******************************
" كيف أول يوم دوام؟"
التفت شهاب لفرات بمودة كبيرة.. وهتف بتلقائية واثقة: كان ممتاز..
مكان مريح.. وزملاء راقين.. وعمل ممتع..
فرات بمودة كبيرة جدا: يارب يعطيك من خيره ويكفيك شره..
وعقبال ما نبارك لك بالمنصب الجاي..
فرات أردف بنبرة مقصودة: أختك الكبيرة ماقالت لك شيء؟؟
شهاب باستغراب: عن ويش؟؟
فرات بثقة: عن درجتها في اختباري؟؟
شهاب هز كتفيه: ماجابت لي طاري..
هذه المرة لم يشعر فرات باستغراب كبير فهو بات يعرف بعض ردات الجليلة الغريبة.. ويعرف أن كرامتها واعتزازها بنفسها لن تسمح لها أن تشتكيه عند شقيقها وصديقه..
ولكنه احتراما لنفسه ولشهاب.. شرح لشهاب كل ما حصل.. وختم كلامه بالقول:
وأنا طلبت من الأستاذ اللي استلم المقرر إنه يرجع لها الدرجة بس مع نهاية الفصل..
لأنه أنا وعدت إنها لازم تتعاقب وما أقدر إني ما أعاقبها..
وفي نفس الوقت حرام إنها ما تجيب الامتياز لأنها تستحقه وبجدارة..
شهاب استند للخلف وهو يهتف بتلقائية واثقة: أنا ما استغرب إن الجليلة ماعلمتني..
لكن استغرب إنك أنت ماقلت لي ذا السالفة قبل..
شوف بصراحة الجليلة غلطانة من رأسها لرجلها..
لكن لو أنا نظرت لخطئها كأستاذ أكاديمي.. الطالب اللي يعترف بخطئه مفترض يكون عقابه أخف مو أشد..
عشان نشجع الطلاب إنه لما الواحد منهم يخطئ إنه يعترف.. وإنه مو غلط إنه نخطئ ونندم ونعرف غلطنا..
الغلط هو الإصرار على الخطأ..
وأنت مفترض إنك عاقبتها في وقته وانتهى الموضوع..
لأن القاعدة التربوية تقول (العقاب بعد فوات الفعل لا قيمة له)..
لكن فيه قاعدة ثانية متعارف عليها تقول (الانتقام وجبة تؤكل باردة)
عشان كذا أنت ماكنت تبي تعاقب الجليلة.. أنت كنت تبي تنتقم منها..
فرات بغضب: أنا أبي انتقم من أختك؟؟
شهاب بذات العفوية الواثقة: فرات لا تزعل.. أنا مازعلت منك.. مع إنه تصرفك بصراحة يزعل..
مازعلت لأني أتفهم موقفك وشخصيتك.. و أنظر للموضوع إنه موضوع بين أستاذ وطالبة وبس بغض النظر عن علاقتنا..
لأني أعرف إن هذا بيكون تصرفك مع أي طالبة شخصيتها مثل الجليلة وأخطأت نفس خطئها..
وبصراحة أقول الحمدالله إنه أستاذ ثاني استلم المقرر..
علاقتهما فريدة.. يعلمان أنه مهما حصل فهذه العلاقة لن يأثر بها أي شيء.. تنهد فرات بحزم:
شهاب خواتك مثل خواتي وبناتي..
بس أنت عارف إني ما أقبل الغلط..
ابتسم شهاب بجمود: وخصوصا لو صدر من امرأة عربية.. خطأ غيرها حتى لو أكبر خطأ مسموح ومدموح.. لكن خطأها هي لازم يتكبر ويتضخم ويتعقد..
ابتسم فرات: أنت مارح ترحمنا من أسطوانة المرأة العربية..
شهاب بذات ابتسامته الجامدة: لا طلعت أنت الأسطوانة من رأسك.. رحمتك أنا منها..
ثم أردف وهو يتلفت حوله: حمد وينه؟؟ ذا الحزة مفروض إنه رجع من الشحانية..
ابتسم فرات: في الجامعة عندهم اجتماع.. بعد عشر أيام بيسافر وهو دفعته كلها للجامعة الأم في أمريكا..
بيقضون هناك ثلاث شهور عشان مشروع التخرج..
يا الله الله يعيني على غيابه..
يبتسم شهاب: خله يخلص منك.. وأنت منشف ريقه ومسوي الأب الحديدي..
بس غريبة يخلي حلاله!!
فُرات بثقة: عادي العمال موجودين وهم عمال قديمين من أيام الوالد..
وأنا وحامد وإبي بنطل عليها عشانه..
هذا شيء ضروري.. وكلها ذا السنة ويتخرج.. هانت..
شهاب يقف ويهتف بمودة: أنا بأروح أصلي المغرب قريب من البيت..
عشان عقب المغرب أروح للمجلس أبارك لعمي رجعة بنته..
ولازم تجي.. عندنا عشاء في مجلس عمي الليلة..
***********************************
"يمه.. صيتة وصلت.. هذا هم برا"
أم متعب قفزت إثر عبارة الهنوف.. توترها بلغ ذروته وهي تنتظر وصول صيتة من المطار..
وتشعر أن الوقت لا يمر..
وكأن عقا رب الساعة توقفت تماما ورفضت التحرك..
وهي تذهب وتعود وتطل عبر النوافذ المطلة على باحة البيت..
وقفت قريبا من الباب.. وصيتة تنزل في السيارة.. كانت تنظر إلى البيت بشجن.. البيت الذي قضت فيه طفولتها.. ورغم التغييرات والترميمات الجذرية التي مر بها..
ما زال هو ذاته.. ذات الروح.. ذات الشجن.. ذات الذكريات..
أخر مرة عبرت هذه العتبات مغادرة قبل ست سنوات.. تمسك بكف ابنتها.. في داخلها طيف أمل وسعادة دعت الله أن يكتبها لها..
كانت عائدة مع تركي ومع ابنتها لفصلها الدراسي الأخير.. وهي تظن أنها ستعود بعد أربعة أشهر إلى الدوحة نهائيا..
فإذا بهذه العودة تتأخر ست سنوات.. قضت أربع سنوات منها دون ابنتها وهي تشطر جسدها وهي تراها مغادرة مع أهلها..
وترى روحها تغادرها معهم فعليا..
حين تتذكر كم عانت خلال هذه السنوات..
تجد أن كل الكلمات قاصرة عن التعبير والوصف..
كيف تصف انسلاخ روحك عن جسدك؟؟
كيف تصف تشرذمك في المدى؟؟
كيف تصف تحولك إلى محض جسد هلامي يقف صامدا حتى يحافظ على أمانة في عنقه؟!
كيف تصف تخليك عن مشاعرك وحياتك ومن تحب؟
كانت هذه أفكار صيتة وهي تعبر عتبات البيت داخلة الى البيت..
ووالدتها بالداخل كانت تقف تراها تنزل في السيارة..
تنهدت بقوة وهي تشعر بألم شديد في عضلات قلبها..
لذا تراجعت وجلست على أقرب مقعد.. لم تستطع الوقوف.. ساعدتها الهنوف بقلق.. وهي تقف جوارها..
صيتة دخلت على عجل والفتيات يتبعنها..
كانت عيناها مازالت تبحث عنها.. منذ نزلت من الطائرة وعيناها تبحث عنها..
رأتها تجلس على مقعدها وعيناها دامعتان..
قطعت المسافة بينهما بسرعة وهي تنكب على حضن والدتها وتدفن نفسها فيه..
وتشهق ببكاء مرير.. هذه المرة لم تبكِ بهستيرية كما في المطار..
بل كانت تأن.. تان بحرقة..
وهي تدفن وجهها أكثر وأكثر في حضن والدتها التي بدأ صوتها بكاءها الخافت يرتفع.. وهي تهمس بحرقة : سامحيني يا أمش ... سامحيني..
البندري انفجرت في البكاء وهي تجلس على طرف المقعد وتحتضن كتفي والدتها التي تنحني على صيتة..
بقي المشهد ماثلا مؤثرا وأثيريا لا يجرؤ أحد على التدخل فيه حتى اقتربت الجليلة منهم وهي تقول بمودة حانية : اذكروا الله .. قولوا لا إله إلا الله..
*******************************
"شفتي يا جليلة فهدة وش سوت فيني في المطار؟؟
حسيت إنكم كلكم تضايقتم..
بس أنا ماتضايقت.. أفهم أسبابها..
وترا هذا ولا شيء من اللي هي سوته فيني يوم كانت عندي في واشنطن
يوم جات مع خالها.. أنا بس أخاف ذا كله يأثر على نفسيتها أكثر ماهي متأثرة"
الجليلة تجلس بجوار صيتة بعد ان هدأت ثورة الاستقبال وتهمس لها بمودة عميقة:
خلاص أنتي الحين رجعتي وكل شيء رح ينحل..
أكيد قدامش طريق طويل.. بس هذي طفلة وانتي أمها..
المهم إنه تكثفين اهتمامش بها..
تنهدت صيتة بألم: وفهدة رح تخليني أهتم فيها..
الحين تونا راجعين وفيه ألف شغلة دوخت رأسي.. أتاكد من وضع عبود...
وأشوف بيت سند اللي مصمم إني لازم أرجع له..
وأضبط وضع فهدة ومدرستها..
الجليلة بثقة ومنطقية: صيتة اسمعيني.. غزيل الله يرحمها أمنتش الله ما تطلعين من ديرة عبود فيها..
الحين أنتي وهو في ديرتكم.. وماشاء الله سند موجود وخواله وعيال عم إبيه..
هالأيام خلي سند معه.. وانتي رتبي أمورش..
وأهم أمر فيهم هو فهدة.. فهدة أبدى من أي شيء...
حسسيها إنها الأهم..
صيتة بحزن: ما أقدر أخلي عبود.. لازم أطل عليه على الأقل..
الجليلة تنظر لها بشكل مباشر: وأنا قلت لش لا تطلين عليه.. طلي عليه في اليوم مرتين بعد..
بس معظم وقتش قضيه مع فهدة..
صيتة بذات الحزن: يا بنت الحلال كلها سنتين ثلاث ويكبر عبود ويصير حرام عليّ..
حينها صرت الجليلة عينيها وهي تنظر لصيتة بشكل أكثر تركيزا: نعم؟؟ يكبر ويصير حرام؟؟
أنتي القعدة في أمريكا ضيعت مخش؟؟
عبود يدخل في مسمى :" غير أولي الأربة من الرجال" يعني عمره مارح يصير حرام عليش مهما كبر..
حينها شهقت صيتة وهي تمسك بكف الجليلة برجاء: متأكدة جيلو متأكدة؟؟
ابتسمت الجليلة لفرحة صيتة الطفولية المبتورة المحزنة: اسألي شيخ لو تبين تتأكدين بعد..
******************************
"يبه.. ممكن أدخل.."
كان فرات ينهي تعديل غترته أمام المرآة ويتعطر استعدادا للخروج لعشاء أبي متعب استجابة لدعوة تركي وشهاب حين سمع طرقات الباب..
وأطل حمد ابنه عبر الباب.. يحمل في يده جهاز اللابتوب الخاص به..
+
هتف فرات بحزم: أكيد يا أبيك.. تعال
وش سويتوا في اجتماعكم؟؟
تعلو وجه حمد نظرة غريبة جدا وهو يهتف بنبرة غريبة خليط من التأثر والترقب والقلق:
زين إن شاء الله
بس أنا أبيك في موضوع ثاني أهم بواجد..
فرات التفت إليه وهتف بقلق: وش فيه حمد؟؟
يدير حمد شاشة حاسوبه إلى والده وهو يهتف بذات النبرة الغريبة المغرقة في التأثر والتوتر والقلق:
فيه هذا؟؟
"يبه.. ممكن أدخل.."
كان فرات ينهي تعديل غترته أمام المرآة ويتعطر استعدادا للخروج لعشاء أبي متعب استجابة لدعوة تركي وشهاب حين سمع طرقات الباب..
وأطل حمد ابنه عبر الباب.. يحمل في يده جهاز اللابتوب الخاص به..
هتف فرات بحزم: أكيد يا أبيك.. تعال
وش سويتوا في اجتماعكم؟؟
تعلو وجه حمد نظرة غريبة جدا وهو يهتف بنبرة غريبة خليط من التأثر والترقب والقلق:
زين إن شاء الله
بس أنا أبيك في موضوع ثاني أهم بواجد..
فرات التفت إليه وهتف بقلق: وش فيه حمد؟؟
يدير حمد شاشة حاسوبه إلى والده وهو يهتف بذات النبرة الغريبة المغرقة في التأثر والتوتر والقلق:
فيه هذا؟؟
نظر فرات معه الشاشة.. كان موقع جريدة ألمانية..
وفي الخبر كانت صورة أرشيفية لحامد في زي فريقه.. ويقابلها صورة للاعب من فريق آخر من دولة أخرى..
ولأن الخبر بالألمانية لم يعرف فرات المضمون..
هتف لحمد بثقة رغم قلقه المتصاعد: وش فيه؟؟ مافهمت..
تنهد حمد وهو يقول لوالده بنبرة تهدئة: خلنا نقعد أول عشان أشرح لك..
ثم توجها الاثنان للجلوس على الأريكة الأقرب منهما.. وحمد يهتف بتأثر وقلق:
اليوم في الاجتماع يسألني واحد من ربعي.. عمك حامد أشلونه؟ عسى انحلت مشكلته؟؟ وإصابته أحسن؟؟
فرات قفز واقفا بصدمة كاسحة: نعم إصابة؟؟
حمد شد والده وهو يهتف بنبرة التهدئة المتخوفة:
عمي حامد زين.. أرجوك اقعد يبه خلني أشرح لك..
لأنه الموقف يحتاج أكيد إن واحد منا يسافر فورا لعمي حامد..
المهم رفيقي ذا يعرف ألماني زين.. ومعظم وقته يفرفر في الجرايد الألمانية..
عشان كذا عرف الخبر أول ماصار..
لكن عندنا ماوصل الخبر لأن بعثة الفريق تكتموا على الخبر.. عشان ما يأثر على مشاركة الفريق..
وكان يحسب إن عمي حامد أكيد علمنا..
صرخ فرات بغضب عارم: حمد وش ذا المقدمات ؟؟ ... علمني حامد وش فيه..
تنهد حمد: عمي حامد تهاد مع لاعب ثاني.. وكل واحد فيهم كسّر الثاني.. بس والله وضعه زين..
والحين هم في المستشفى وتحت الحراسة المشددة.. وينتظرون تتحسن حالتهم عشان المحاكمة..
وأنا كلمته وأنا في الطريق.. وطمني على نفسه.. قال لي فيه كسور متفرقة.. بس إجمالا وضعه ممتاز..
فرات وقف وهو ينفجر: والحادث ذا كم صار له؟؟
انكمش حمد قليلا: حوالي أسبوع..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
اتسعت عينا فرات ذهولا: ولا حتى بلغني..
متى كان ناوي يبلغني يعني؟؟
حمد بتهدئة: أكيد عمي حامد عنده أسبابه.. انتظر يبه أرجوك لين تسمع منه..
انا كنت افكر إني أنا اللي أروح.. وكنت أدور حجز وأنا جاي في الطريق مالقيت..
بعدين قلت لازم أقول لك أول.. أنت أعرف مني..
فرات ألقى هاتفه على حمد وهتف له بأمر مباشر صارم: دق على مدير مكتبي..
قله إني طالع المطار..
أبي أوصل المطار ألقى لي حجز على بون.. حتى لو مالقى حجز مباشر.. يدبرني بطريقته..
المهم الليلة أكون في ألمانيا..
فرات استخرج من الدولاب حقيبة صغيرة مجهزة للسفر دائما.. رغم أنه نادرا جدا ماسافر بشكل مفاجئ لظروف والده وابنته..
هتف لحمد باستعجال:
خذ الشنطة للسيارة.. عشان توصلني للمطار.. وخل تلفوني معك أنا جايك الحين..
وانتزع له طقم رسمي من الدولاب.. وأخذه معه لغرفة ملابسه..
بعد دقائق كان يخرج وهو يعقد ربطة عنقه..
ويجمع بعض الأغراض والأوراق المهمة ويضعها في حقيبة جهازه المحمول..
خرج ليطل في غرفة والده أولا.. لم يجده فيها..
مر بغرفة مي.. كانت تدرس.. حين رأت هيئته.. وقفت وهي تهمس بقلق:
يبه أنت مسافر؟؟
فرات احتضنها بحنو: مسافر يومين بس.. شغل مستعجل..
الله الله في نفسش وجدش وإخيش..
الجامعة لا تروحين إلا مع إخيش أو جدش..
وانتبهي لجدش مي.. أرجوش يا حبيبتي..
مي بقلق متصاعد: يبه وش ذا الوصايا الغريبة.. يعني مهيب أول مرة تسافر؟؟
فرات بقلق: بس دايما أخذش معي.. أو أكون مضبط كل شيء قبل أسافر..
بس الحين السفر المفاجئ ذا موترني..
تنهدت مي بحزن لا تعرف سببه: لا تحاتي يبه.. بانتبه لهم كلهم.. وهم بينتبهون لي..
تنهد فرات وهو يحتضنها مرة أخرى: إذا بغيتي تروحين للبندري.. عادي روحي..
بس خلي جدش اللي يوديش ويرجعش.. وما تتأخرين عن الساعة 10..
وحاولوا قد ماتقدرون ما تخلون جدكم بروحه في البيت ويكون واحد منكم موجود...
ووصوا عليه الصبي الممرض مايخليه كلش..
مي تجدد قلقها: يبه ترا كل السالفة يومين..
زفر فرات وهو يعدل وضع الحقيبة على كتفه.. لا يعرف تحديدا وضع حامد لا صحيا ولا قانونيا..
ولا مدى تعقيده ولا كم سيستغرق حله.. فتوتر حمد وهو يخبره الخبر بدا له غير مريح..
وأكثر ما يشغله أن تتأثر حالة والده إذا كانت حالة حامد معقدة..
نزل فرات مستعجلا إلى مرسم والده في الأسفل.. حيث يعلم أنه لابد سيكون..
أبوفرات حين رأى فرات وهيئته المسافرة.. وضع الفرش والألوان جانبا.. وهو ينظف يديه بفوطة جواره..
فرات مال ليقبل رأس والده وكتفه وهو يهتف بمودة عميقة : يبه أنا مسافر يومين وراجع..
الله الله في بنتك مي..
توصي شيء؟؟
أبوفرات باستغراب عميق: وش ذا السفرة المفاجئة؟؟ مهيب عوايدك يا أبيك..
ابتسم فرات بمودة وثقة: شغل مستعجل فديتك..
سأله أبوفرات باهتمام: وين؟؟
فرات لم يكن يريد أن يخبره.. فوالده أذكى من أن يفوته الربط.. لكنه لايستطيع أن يكذب عليه.. هتف بثقة: ألمانيا..
حينها رفع أبوفرات حاجبه وهتف بنبرة مقصودة: نفس الديرة اللي فيها حامد؟؟ مهيب غريبة؟؟
تنهد فرات بذات الثقة رغم إحساسه بقلة الحيلة: مافيه شيء يبه.. مشكلة بسيطة صارت على حامد..
تعرفه دمه حار.. وتهاد مع لاعب.. بأروح أشوف سالفته..
جلس أبو فرات بانهدام على المقعد القريب ونظر ليديه بيأس: والله إن قلبي ناغزني قد لي كم يوم.. غير كان مطمني إني أكلمه ويرد علي..
فرات بثقة: يبه ماعليه شر.. موضوعه بسيط.. وأول ما أوصل بكلمه أنا وإياك..
ثم أردف برجاء عميق: طالبك يبه ما تضايق.. طالبك..
تنهد أبوفرات بعمق: الضيقة مهيب في يدي يا أبيك..
ودع فرات والده بحرارة وخرج إلى سيارة ابنه في الخارج.. تحركت السيارة متجهة للمطار وهو يخبر حمد بما أخبر به مي ووالده..
ثم يشد على معصمه وكفه مثبت على المقود وهو يهتف له بأمر حان:
حمد يا أبيك.. الله الله في جدك وأختك.. حط بالك عليهم..
ومافيه داعي للشحانية ذا الأيام..
أساسا أنت مسافر عقب 10 أيام.. اعتبر إن ذا الأيام من أيام السفر..
حمد بمودة وتوقير: إن شاء الله يبه .. أبشر...
ثم أردف باهتمام: بس يبه على قولتك.. دامني مسافر عقب 10 أيام..هل بترجع إن شاء الله قبل أسافر؟؟
ثم أردف بتردد: وإلا تبيني أكنسل السفرة كلها؟؟
فرات برفض قاطع صارم: لا طبعا ما تكنسل سفرتك..
هذي مهيب سفرة..هذا مشروع تخرجك..
ولو مارحت بتتأخر سنة كاملة.. غير تأثيرها على معدلك.. وأنت من الأوائل على الدفعة..
وموضوع حامد بسيط وأنا بحله إن شاء الله...
واسمعني يا حمد زين... بكرة عندي توقيع عقد مهم...
الوكالة اللي أنا مسويها لك موجودة في خزنة مكتبي.. وأنت عارف رقمها..
خذ منها صورة ..
بيمر عليك مدير مكتبي عشان توقع العقد..وقع وعطه الصورة يخليها معه..
فرات قام بعمل وكالة لحمد تحديدا.. قبل عدة أشهر لأنه كان يحتاج أحيانا أن يرسل من يوقع عنه خارج الدولة وأحيانا داخلها.. في وقت انشغاله..
او يسحب له مبالغ مالية كبيرة دون أن يضطر هو لسحبها بنفسه..
وأراد أن يغرس فيه من ناحية أخرى حس المسؤولية المبكر..
وبالفعل قام حمد بهذه المهمة عدة مرات على أكمل وجه...
فرات أنهى عبارته وهو يتناول هاتفه ويتصل برقم معين كان على رأس أكثر الأرقام اتصالا في الفترة الأخيرة.. حين رد عليه الطرف الآخر .. هتف بحزم ومودة:
شهاب اسمعني..
أنا مسافر الحين ألمانيا.. وعادني بكلمك وأعلمك بكل شيء...
بس أبي منك يا أخيك تمر إبي كل يوم مرة وإلا مرتين قد ماتقدر.. ولا عليك أمر..
********************************
"يا أمش ما كلتي شيء"
صيتة تقبل كتف والدتها ثم تضع رأسها عليه وتهمس بمودة غامرة:
يمه مابقى شيء ماسويتيه.. وأنا اتخمت.. عطيني بس شوي وقت أهضم..
مدت أم متعب كفها وهي تربت على خد صيتة وتهمس بشجن: ضاعفة يأمش جدا..كم كيلو ضعفتي من عقب آخر مرة شفتش؟؟
هزت صيتة كتفيها وهمست بابتسامة: يمكن 12 كيلو..
تنهدت أم متعب.. في داخلها حزن غريب لا تستطيع وصفه...
لأنها تستشعر كم الحزن الهائل في داخل صيتة.. وتعرف أنها ساهمت في صنع هذا الحزن وتدعيمه وترسيخه..
وهي في أفكارها رن هاتفها برقم غريب.. تناولته وردت عليه بترحيب كبير في الوقت الذي انشغلت فيه صيتة مع بقية المتواجدات..
ولم تنتبه لحديث والدتها ومن تحادثه.. كان شخصا لا ريب يهنئها بعودتها..
لم تنتبه حتى همست لها أمها بحنو: يا أمش سند يبيش..
صيتة تناولت الهاتف بخجل رقيق وهي تقوم لتدخل إلى غرفة والدتها..ردت بهذا الخجل الذي لا تعرف له سببا: هلا سند ..
ابتسم سند: من لقى أحبابه نسى أصحابه..
صيتة بحرج: لا والله فديتك.. بس ما عرفت على أي رقم أكلمك.. وأنا ما معي تلفون..
وإلا بأموت أنشد من عبود.. أشوف وش علومه وأتطمن عليه..
سند بذات الابتسامة الراقية: أنا جبت لش خط.. بيعطيش إياه تركي..
وعبود أبشرش طيب وبخير.. ووضعه مستقر..
وقدنا في غرفتنا في المستشفى..
صيتة باهتمام : ومؤشراته الحيوية؟؟
سند بثقة: كلها ممتازة..
أنا الحين ميت تعب.. بنام..
وبكرة لا صحيتي من النوم.. دقي علي.. بأمرش نروح البيت.. تشوفينه..
صيتة بقلق: وعبود؟؟
سند بعفوية : خال عبود مصمم يقعد عنده بكرة... وكان مصمم ينام الليلة.. بس أنا مارضيت..
قلت له عبود توه واصل مكان جديد.. وأنتم وجيه جديدة عليه..
صيتة بتوتر أخفته خلف نبرة طبيعية واهتمام: عط عبود وقته يتعود على وجيههم.. لا تستعجل تخليه معهم وهو مايعرفهم..
وأنا عطني بس كم يوم ياسند.. أقعد مع هلي.. وأرتب وضعي..
وأشوف وضع عبود.. والبيت لاحقين عليه..
رغم عدم رضا سند عن مقترحها لأنه كان سيغيب عن عبود لساعات فقط.. لكنه لم يستطع إلا أن يقول بسماحته المعتادة:
أنتي تأمرين على رقبة سند أمر..
اللي تبينه تم..
صيتة أنهت مكالمتها وعادت للمتواجدات في المجلس وأعادت هاتف أمها لها التي كانت مشغولة بالحديث مع فهدة الكبرى...
لذا توجهت وجلست بجوار الجليلة.. همست الجليلة في إذنها بنبرة مقصودة:
صحيح إحنا نبيش تقعدين معنا.. بس الصح إنش تروحين بيتش في أقرب فرصة..
لا تبطين على سند وترتيب بيته.. اللي هو بيتش..
مسكين.. سنين وبيته مقفل.. مهوب أنا اللي أعلمش السنع..
تنهدت صيتة بابتسامة باهتة: أنا أبي أعرف كيف عرفتي كنت إني كنت أكلمه يا السكنية؟!!
ابتسمت الجليلة: حاسة سادسة ربما..
صيتة بخفوت موجوع: الجليلة أنتي أكثر حد عارف طبيعة الحياة بيني وبين سند..
لكن الكل يحسبنا زوجين طبيعين.. لدرجة إنه أمي وخالتي ومهاوي كانوا يسألوني في كثير مكالمات..
أنتي ليه لين الحين ماحملتي؟؟
وهل كشفتي؟؟
وهل أنتي مأجلة الحمل عشان وضع عبود؟؟
تخيلي أمي الليلة توني ما بعد خذت نفسي من الطيارة.. تقول لي خلاص مالش عذر.. احملي..
وأنتي الحين تبين أفتح بيت سند وأسنعه..
أردفت بحسرة وحرقة : أنا مالي كم ساعة في الدوحة ..
وكلكم بديتوا ترسمون ملامح حياتي المقبلة..
ارحموني الله يرحمكم..
أنا حاليا مخي مافيه إلا شيئين.. فهدة أولا.. وعبود ثانيا..
خلني أحل وضعهم قبل وضعي أنا وسند.. وقبل سند وبيته..
الجليلة بنبرة مقصودة: خلش من اللف والدوران.. ترا مهوب عليّ ذا الخطبة العصماء يا صيوت..
وحركات (خذوهم بالصوت لا يغلبوكم)..
ترا موضوع فهدة وعبود يمكن يأخذ سنين.. مو موضوع تحلينه في يوم ويومين أو شهر وشهرين..
ومايمنع إنه ترتيب حياتش يبدأ من ترتيب وضعش مع سند..
لأنش وقتها بتكون مستقرة.. ومرتاحة.. وأنتي عارفة زين إنه سند صبر على شيء مايصبر عليه رجال..
حقه الحين تقدرينه التقدير اللي هو يستحقه..
وتسمحين لنفسش تعيشين معه السعادة اللي تستحقينها..
وتبدون حياة زوجية صدق مثل العالم والناس.. إلى متى وأنتم مناضلين في العالم المثالي؟؟
تنهدت صيتة بحزم غريب: مهوب لازم أكون مقتنعة بهذه الحياة أولا.. عشان أكمل فيها..
***************************
"غريبة خليتي البنات في بيت عمي
وجيتي تدورين لي"
بثينة ابتسمت وهي تميل على رأس شهاب الذي كان يجلس في الصالة العلوية.. يتابع الأخبار:
وأنا استغربت يوم كلمتك أقول وينك.. قلت لي في البيت
غريبة منت في المجلس مع مساعد وعيال عمي!!
شهاب بتلقائية: اليوم أول يوم دوام لي في الشغل.. ومرهق شوي..
عدا إنه يوم كلمني رفيقي وقال إنه مسافر فجأة..
انشغل بالي.. فتعشيت ورجعت بعد العشاء على طول..
ثم أردف باهتمام: قولي وش تبين؟؟
ضحكت بثينة: يعني مايصير إني أبي أشوفك..
شهاب بحنو: يصير ونص.. بس أنتي تبين شيء.. علميني يا أخيش..
محمد قايل لش شيء؟؟
ضخكت بثينة مرة أخرى: يا ذا المحمد المسكين اللي حاط دوبك دوبه..
كل ماشفتني سألتني محمد زين معش؟؟
ابتسم شهاب: بعلمش ليه ناشب في حلقش أنتي ومحمد.. بس قولي أول وش تبين؟؟
تنهدت بثينة : شهاب تكفى خف ضغط على الجليلة عشان موضوع أميرة.. تكفى يا أختك..
ترا الجليلة حتى لو تضايقت مستحيل تشتكي..
وهي والله مهيب متضايقة ولا اشتكت... بس أحسها حزينة والموضوع مأثر عليها..
أنت محسسها إنها مقصرة في حق أميرة.. وإنها السبب في شخصيتها..
شهاب بثقة: أنا ما أقول إنها السبب.. لكن هي سبب من الأسباب.. مهما كانت نيتها زينة..
وأنا والجليلة علاقتنا فريدة.. ومستحيل أتهمها.. أنا بس أحط النقط على الحروف..
بثينة بثقة مشابهة: شهاب فديتك.. ترا أنت ماكنت موجود.. ماشفت كيف الجليلة حاولت وحاولت وحاولت..
خلتها تشارك في أندية ودورات في كل شيء وأنا كنت معها..
أنا تعلمت أشغال يدوية وحياكة وخياطة وصنع مجوهرات وديكوباج.. وكل شيء يخطر على بالك..
وأميرة بعد تعلمت.. بس ماكنت متقبلة شيء يبعدها عن جليلة.. وتتوتر وتبكي وتخاف..
حاولت الجليلة تدمجها مع صديقاتها في المدرسة.. وكانت تدعيهم عندنا في البيت مع أمهاتهم..
ماكانت أميرة تختلط معهم...
حتى البندري بنت عمي.. أميرة ما توالفت معها.. لأنها كانت تحس إن الجليلة تبي تفرضها عليها كبديل لوجودها معها..
الجليلة في داخلها ناحية أميرة عندها مشاعر شفقة وحنان كبيرة.. كانت تتأثر منها.. وفي النهاية هي يتيمة وأصغرنا..
واللي صار مهوب في يد أحد.. ولا أحد يقدر بشكل كامل إنه يشكل شخصيته ولا شخصية الناس اللي يحبهم هذا توفيق من رب العالمين في جزء كبير منه..
شهاب بحزم: لا تهتمين.. أوعدش ما أضغط على الجليلة مثل ما تقولين.. لكن أنا بعد بحاول جهدي أحل مشكلة أميرة..
لأنه أميرة كذا مارح تمشي في الحياة..
ثم أردف بنبرة مقصودة: وخلصنا من أميرة .. خلينا فيش..
ابتسمت بثينة وهمست بتقدير ومودة: شهاب ورب الكعبة إنه محمد نعمة من رب العالمين..
الحين داخلين السنة الخامسة من زواجنا.. إنها كلها من أسعد سنوات عمري..
وأقسم لك بالله العلي العظيم إنه عمره ماضايقني حتى بربع كلمة..
ومهوب باقي إلا يشيلني على رأسه..
شهاب بذات النبرة المقصودة: طيب واللي ذي حياتهم مع بعض.. مهوب مفروض إنه يكون في حياتهم أطفال؟؟
وإذا كان فيه مشكلة في الانجاب.. مهوب مفترض إنهم في مرحلة علاج..
*********************************
" تأخرتوا علي وأنا بروحي في البيت..
حتى بناتي رقدوا بدري عقب مارجعوا من المطار"
الجازي تخلع عباءتها وهي تهمس بإرهاق وسعادة:
كانت قعدة من الآخر... زمان عن قعدة كذا.. أمي وخالتي والبنات كلهم..
ثم أردفت بحماس :ياربي.. صيوت صارت كأنها باربي.. من قد ما ضعفت..
مها تتأفف: أنتي تبين تحريني من الصوبين..
أول شيء تحريني عشان القعدة فاتتني
ولا حتى قدرت استقبل صيتة معكم..
وثاني شيء تحريني عشان صيتة صارت رشيقة وأنا عادني دبة..
ضحكت الجازي: أول شيء أنتي اللي مسوية فيها بتموتين ..
وماخذة وضعية الميتة اللي تزحف في الرمق الأخيرة..
مع إنه لش أكثر من أسبوع من سويتي العملية.. كان ممكن تستقبلين صيتة في بيت خالتي..
وتنتظرين مع خالتي والهنوف..
ترا مافيش إلا العافية..
وكلها كم شهر وتصيرين أنتي بعد باربي..
تنهدت مها وهي تجلس بإرهاق: الجازي تدرين مافيني حيل.. حتى المشي خطوتين يتعبني..
مارح أروح بيت خالتي عشان أنسدح عندهم وسط الناس..
ابتسمت الجازي وهي تربت على كتفها: كلها كم يوم وتبدأ الفيتامينات تعطي مفعولها بعد..
أهم شيء فيتاميناتش.. عشان مايصير عندش نقص..
تساءلت مها بخفوت وهي تنظر ليديها : شفتي متعب في المطار؟؟
الجازي بابتسامة خبيثة: لا والله ماشفت مسيو متعب.. جيت على طول مكان تجمع البنات.. ومالمحته أصلا..
تدرين بالي مهوب مشغول في متعب.. اللي باله مشغول فيه كان في البيت..
مها بتأفف: يا الله ارزقني الصبر على ملاغة أختي وسخافتها وثقل دمها..
الجازي هزت كتفيها: والله ثقل الدم اللي مهوب طبيعي هو تفكير العايلة الكريمة كلها..
أنتي مخلية بيتش صار لش أكثر من شهر.. ولا أعرف أسبابش..
وأخيش مصر على احتجازش عندنا كرهينة ولا أعرف أسبابه..
ومتعب بصراحة مسكين.. انتي وأخيش تتهمونه إنه بيتزوج..
وهو كل يوم مرتز عندنا ويطلب بناته يشوفهم
وأنا أعرف إنه مسكين يتحجج يبي يلمح الزول..
مها بذات التأفف: ترا مهيب ناقصتش يا جوجو هانم.. تلايطي أحسن..
ابتسمت الجازي : مارح اسمح لش تخربين سعادتي الاستثنائية اليوم..
أول شيء الصبح.. طلعت النتيجة والحمدالله مطابقة في كل الفحوص مع عمي..
وماعاد باقي إلا فحص واحد بس.. خلاص بسويه بكرة أنا ومزنة..
وعقبها المساء استقبلت صيوت..
وكان يوم كله سعيد..
***************************************
"وطلعت نتيجة البنات الحمدلله
كلهم مطابقين
وباقي فحص واحد .. هانت"
سعود يشد على يد دانة ويهتف بسعادة لا تخلو من التوتر: الحمدالله.. ما تتخيلين وش كثر كنت أنتظر النتيجة..
وأنا خلاص بديت أجهز للسفر وترتيب المستشفى.. تقريبا كل شيء شبه جاهز..
عشان أول ما تطلع نتيجة الفحص الأخير فورا نسافر..
دانة بحزم: يمكن اللي تطابق مزنة موب الجازي.. وقتها خالد اللي بيسافر..
وحتى لو طابقت الجازي تظن إن خالد ممكن يقعد في الدوحة وإبي يسوي عملية؟؟
سعود الحين أرجوك تكلم خالد..
ينظر سعود لساعته ويهتف بحزم: الساعة الحين عنده حوالي 5 الفجر.. ننتظر لين بكرة؟؟
دانة بحزم: الحين مناسب الوقت.. أنا متأكدة إنه قايم يصلي الفجر.. ومارح ينام عقب الصلاة..
وعشان يخلص شغله من أول النهار..
لأني متأكدة إنه أول مايعرف بيرجع فورا..
سعود تناول هاتفه بثقة وهو يبحث في قائمة الاتصالات عن رقم خالد الصيني..
****************************************
" صيتة تبين مني شيء قبل أروح أنام؟؟"
صيتة التفتت بحنو عميق للهنوف:
أبي سلامتش يا روحي.
وش أبي بعد وأنتي مرتبة لي الغرفة كنها غرفة عروس..
ابتسمت الهنوف بشفافية: أبيش تنبسطين أنتي وفهدة..
نظرت صيتة للسرير المزدوج خلفها حيث تنام فهدة وهمست بحنان: نامت مابعد قعدت معها...
الهنوف بمودة: عندكم عمر تقعدون مع بعض..
تدرين بكرة عندها مدرسة. واليوم كان عندها مدرسة.. غصبا عنها مرهقة..
ترى أغراضها وشنطتها حقت المدرسة موجودة في الزاوية..
وبكرة الصبح عمي عبدالمحسن بيوديها المدرسة..
ثم أردفت بتردد باسم: أعرف إنه يمكن يضايقش تدخل الكل في تربية فهدة..
بس سامحينا وسامحيهم.
فهدة كانت بنتنا كلنا.. وغلاها من غلاش..
وكنا حاسين بالمسؤولية عنها في غيابش..
لكن الحين أنتي جيتي.. وهذي مسؤوليتش أنتي.. بس عطينا فترة انتقالية
تنهدت صيتة بمودة: متفهمة كل شيء جعل عين تركي ما تشوف غيرش...
الهنوف ابتسمت بخجل وهي تغلق باب غرفة صيتة وتغادر..
مع إغلاقها الباب رن هاتفها برقمه.. تأففت في داخلها..
(أوف وهو داري إن أخته جايبة سيرته يوم نط يتصل..
وش ذكره فيني وهو له وش كثر ناسيني؟!!
عشر أيام راحة .. راحمني من غثاه)
منذ يوم الحادثة قبل حوالي ١٠ أيام..
لم يتصل بها مطلقا ولم يراسلها حتى..
لا تنكر أنها في داخلها شعرت بضيق مفهوم وغير مفهوم..
أن تخرج من المستشفى ولا يتصل بها حتى ليقول لها (الحمدلله على السلامة)
ثم تمر كل هذه الأيام دون يتصل..
وهو من كان يخترع الأسباب ليتصل.. فكيف والسبب موجود ولا يتصل؟!
لا تعلم لماذا خطر في بالها خاطر غريب.. غريب..
خاطر يقول: أنه حين رآها لم تعجبه..
فهو طيلة الفترة الماضية كان سيجن ليراها بأي صورة أو شكل..
وحين حدث.. ورآهــــــا.. لم يعلق أبدا على رؤيته لها.. ثم لم يعاود التواصل معها..
من يومها وهي تنظر لنفسها في المرآة..
(صحيح ماني ب موت.. بس حلوة.. ماشي حالي.. وتفاصيلي ناعمة..
طيب يمكن هذا النوع من الجمال ما يعجبه!!
طيب وعنه ماعجبه.. المهم أنا عاجبة نفسي..
وهو بالطقاق دبل الدبل)
كانت هذه الأفكار المضحكة حينا ... العميقة حينا تلتهم خيالاتها محاولة إيجاد تفسير مقنع لتوقفه عن الاتصال بها..
لأنها لم تجد تفسيرا غير ذلك..
(أو يمكن عشاني قلت له لا عاد تحرجني بتصرفاتك؟؟
بس أنا تكلمت عن التصرفات..
ماقلت له لا تكلمني)
تأففت الهنوف..
(أنا شكلي استخفيت... كله منك يا تركي خبلت بي من خبالك..
عنك ما كلمتني..
وعني ماعجبتك..
بالطقاق بالطقاق بالطقاق
أبركها من ساعة)
وبعد مرور عشرة أيام وهذه الأفكار تلتهم روحها المثقلة أصلا وابتداء بالحزن واليأس.. كان اتصاله الليلة اتصالا غير متوقع..
لم تعلم طبعا ماذا يدور في تفكير تركي الغامض العاشق.. الذي لا يستطيع أن يصارحها بمشاعره..
لذلك كان يكتفي دائما بالتلميح عن مكانتها وتقديره لها..دون أن يصرح..
كان يخشى من سوء فهمها للتصريح..
أو عدم تصديقها له..
فهل يعقل أن رجلا ما يتجاهل وجود زوجة في حياته لثمان سنوات متطاولة..
ثم يعشقها ويذوب غراما في ثلاثة أشهر أعاد اكتشافها فيها؟
هو نفسه كان يصعب عليه التصديق؟
وفي ذات الوقت يصعب عليه التعبير.. لأن التعبير عن تغول مشاعره قد يحتاج مجلدات لا تتسع لها مكالماتهما القصيرة..
كان ينتظر اللحظة التي سيجتمعان فيها فعليا.. ترى عينيه وهو يخبرها..
ترى تصرفاته وهي تخبرها..
تشعر بلمساته وهي تخبرها..
كان ينفّس عن هذه المشاعر تنفيسا مكتوما في مكالماتهما.. ومع ذلك كانت تتهمه أنه يبالغ.. تتهمه أنه يبالغ وهو مازال لم يعبر لها عن أي شيء إطلاقا..
فكيف لو بدأ يعبر.. ويفرج عن مشاعره.. كان يخشى عليها من وطأة هذه المشاعر.. ثقلها.. أشفق بها وعليها..
بعد الموقف الأخير بينهما الذي حدث بعد غرقها.. زيارته لها في المستشفى فتحت له بابا مختلفا شديد التعقيد..
بابا اطلع فيه على بعض خفايا روحها ويأسها وحزنها وظنونها فيه..
قرر أنه لابد أن يترك لها وله مساحة التفكير..
قرر أن يبتعد لتغيير الاستراتيجية..
والليلة يتصل بعد تفكير استمر لعشرة أيام.. خطط فيها لهذه المكالمة كأنها يخطط لمعركة حياته كلها..
وكما بات يعرفها جيدا..
لن ترد عليه إطلاقا من المرة الأولى.. وكأنها تستمتع بتعذيبه ولهفته وانتظاره..
ردت بعد الاتصال الثالث وهي تهمس ببرود:
نـــــــعــــــم يا دكتور تركي..!!
************************************
"قرت عينش بشوفة صيتة"
ابتسمت الجليلة وهي تجلس جوار شهاب الذي كان يقرأ كتابا: بشوفة نبيك ياقلب أختك..
شهاب بمودة: اشلونها صيتة؟؟ واشلون بنيتها وولدها؟؟
الجليلة بمودة أعمق: كلهم طيبين.. الحمد لله اللي عقلها علينا..
حسيت برضى ربي علي يوم رجعكم لي كلكم في نفس الوقت.. اللهم لك الحمد والشكر..
شهاب بنبرة مقصودة: وش عندكم اجتماع قمة مغلق أنتي ومساعد؟؟
ابتسمت الجليلة: ترا اللي يسأل عن شيء وهو عارفه يكون لئيم ..أنت عارف قبل أكلمه عن ويش بكلمه..
ابتسم شهاب نصف ابتسامته: طيب وش رد عليش؟؟
هزت الجليلة كتفيها: يقول لي موافق.. وكلميها أول..
إذا هي موافقة.. كلمت شهاب وعمي عبدالمحسن.. ورحنا لجابر آل جبران..
شهاب بتساؤل: وانتي فعلا ماكلمتيها ولا حتى لمحتي لها؟؟
الجليلة بمنطقيتها المعتادة: أول شيء ما أقدر أكلم البنت وأنا مابعد كلمت مساعد وأشوف إذا هو مقتنع أو لا؟؟
شهاب باستغراب: وليه ما يكون مقتنع؟؟.. بنت حشيم وبنت عرب أجواد وتمدحينها...
تنهدت الجليلة: أنت عارف.. ممكن فيه أسباب أشوفها أنا وأنت مهيب عائق.. بس ممكن هو يشوف..
مثل ما إني عرضتها عليك أول وأنت رفضت عشان فرق العمر بينكم..
ثم أنت اللي أصريت إني أقول لمساعد عنها..
وخفت إنه ممكن يكون عند مساعد تحفظ عشان فرق العمر بعد..
ابتسم شهاب: عشانها أكبر من مساعد بثلاث سنين؟؟.. هذا الفرق بسيط ومافيه مشكلة..
لكن أنا أكبر منها ب 13 سنة.. بالنسبة لي أنا هذا الفرق مشكلة..
ثم أردف باهتمام: ومتى بتكلمينها؟؟
ابتسمت الجليلة: بكرة إن شاء الله..
تنهد شهاب وهو يضع كتابه جواره.. ويلتفت للجليلة التي تجلس جواره بكامل جسمه:
بانشدش من شيء.. وحلفتش بالله ماتدسين علي شيء..
ابتسمت الجليلة: بدون حلايف.. أنت عارف إني مستحيل أدس عليك شيء..
ثم أردفت بحزم: إلا إذا هو سر أنا مؤتمنة عليه..
شهاب بثقة: ما أعتقد إنه سر.. أنا بس أبي أسألش إذا بثينة وزوجها سووا فحوص عشان الانجاب؟؟
************************************
كانت رحلة مرهقة طويلة في تنقلاتها وضغطها النفسي ..
وهاهو ختاما يصل إلى مستشفى بون الجامعي في حرم فينوسبرغ في العاصمة الألمانية بون..
حيث يرقد حامد..
بعد أن تواصل مع رئيس بعثة فريق حامد..
وأخذ منه كل التفاصيل..
ولم يتصل بحامد إطلاقا.. فهو كان غاضب منه.. غاضب فعلا..
فهو كان يتصل به يوميا..
ويرد عليه حامد مازحا حينا.. مستعجلا حينا.. صوته خافت حينا..
ولم يخطر في باله في خضم هذه المكالمات أن يخبره بأمر كهذا!!
فيقول له مثلا:
( يا ولد أخي العزيز.. تراني كعادتي السيئة عصبت وكسرت لي واحد وكسرني
ومتهم في قضية ومحجوز .. وبس!!)
لا يجد عذرا لحامد.. ولا يعلم ماقد تكون أسبابه..
لا يعلم ماهو العذر القوي الذي لدى حامد حتى يخفي عنه أمرا كهذا؟!
لطالما كان يتعبه في حامد استقلال حامد الكبير برأيه ونفسه..
+
وفرات لا يرفض هذا الاستقلال.. بل على العكس يسعده.. لأنه يعلم أنه سيكون دائما في ظهره سند قوي..
لكن استقلال حامد بنفسه كان من النوع المخيف.. الذي يجعله يقلق من نتائجه..
فمازال حامد شابا مندفعا عنيدا وخبرته في الحياة أقل منه..
لذا كان فرات يحب أن يكون معه في الصورة.. ولديه معرفة بما يحدث له ومعه.. وماهو مقدم عليه..
حتى يسانده في الوقت المناسب بالفعل أو القول..
ولكن حامد كان كثيرا ما يحتفظ بالكثير لنفسه.. اعتدادا واعتزازا وعنادا.... وغضبا من الحياة ربما..
وصل فرات للمستشفى..
وبعد دقائق وعدة استفسارات كان يقف أمام غرفة حامد التي عرفها من وجود ضابط أمن أمامها..
ينظر سعود لساعته ويهتف بحزم: الساعة الحين عنده حوالي 5 الفجر.. ننتظر لين بكرة؟؟
دانة بحزم: الحين مناسب الوقت.. أنا متأكدة إنه قايم يصلي الفجر.. ومارح ينام عقب الصلاة..
وعشان يخلص شغله من أول النهار..
لأني متأكدة إنه أول مايعرف بيرجع فورا..
سعود تناول هاتفه بثقة وهو يبحث في قائمة الاتصالات عن رقم خالد الصيني..
تنهد سعود وهو يسمع رنات الهاتف التي طالت قليلا .. فآخر ما ينقصه الليلة بعد يومه الطويل هو صراخ خالد في إذنه وعتبه ولومه وجنونه..
رد عليه خالد وهو يبدو مستعجلا بعض الشيء.. بعد السلامات السريعة.. هتف سعود بحزم:
خالد فيه موضوع مهم أبي أعلمك عنه..
وأرجوك خالد لا تعصب.. خلني أشرح لك مبرراتي وأرجوك إنك تحاول تفهمها..
رد خالد بمرارة: أحاول أفهمها!!!! .. لأنك عارف إني مارح أفهمها..
لأني العصبي على اللي مايتفاهم.. وعصبيته تسبق فهمه..
زفر بقوة ثم أردف بحزم : سعود أنا عرفت كل شيء و أنا الحين في المطار.. وطيارتي بعد شوي..
كلها كم ساعة وأكون عندكم في الدوحة إن شاء الله..
ونتفاهم..
انتهت المكالمة.. وسعود ينظر لدانة باستغراب.. بينما دانة تهمس له بعتب ودهشة:
سعود ليش ماقلت له؟؟
سعود باستغراب كبير: يدري ويقول إنه في المطار..
ولا عصب..
****************************************
بعد الموقف الأخير بينهما الذي حدث بعد غرقها.. زيارته لها في المستشفى فتحت له بابا مختلفا شديد التعقيد..
بابا اطلع فيه على بعض خفايا روحها ويأسها وحزنها وظنونها فيه..
قرر أنه لابد أن يترك لها وله مساحة التفكير..
قرر أن يبتعد لتغيير الاستراتيجية..
والليلة يتصل بعد تفكير استمر لعشرة أيام.. خطط فيها لهذه المكالمة كأنها يخطط لمعركة حياته كلها..
وكما بات يعرفها جيدا..
لن ترد عليه إطلاقا من المرة الأولى.. وكأنها تستمتع بتعذيبه ولهفته وانتظاره..
ردت بعد الاتصال الثالث وهي تهمس ببرود:
نـــــــعــــــم يا دكتور تركي..!!
زفر زفرة عميقة.. فهو مشتاق مشتاق مشتاق.. لو كانت الأحرف تُشرب.. لشرب أحرفها على مهل.. حرفا حرفا.. نفسا نفسا..
مهما كان ماقالته.. يكفيه أنها قالته وهمست به في إذنه..
وهذا الهمس دخل عبر إذنه ليتربع في أقصى شريان في روحه.. أقصاه!!
لم يرد ولكنها من ردت وهي تهمس بتأفف: وتتأفف بعد يا دكتور؟!!..
تنهد.. كيف ستفهم هذه كم يحبها إذا كانت فسرت زفراته المحرقة.. تأففا؟!!
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
شد له نفسا قتاليا يعلم أنه سيحتاجه وهو يهتف بنبرته الحازمة المعتادة:
حتى نفس رب العالمين تفسرينه مثل ما تبين؟!!
همست بذات البرود: أكيد لازم أفهمه مثل ما أنت تبيني أفهمه..
سألها بيأس اختفى في استواء نبراته: فهميني.. مافهمت.. فهميني أنتي وش فهمتي مخليش تأففين من بداية الألو؟؟
الهنوف بتأفف: أنا تأففت؟!! أبدا..
تركي باستغراب: أنا سألتش سؤال.. قلت وش اللي فهمتيه خلاش تأففين؟؟ تمسكين في التعليق وتخلين السؤال؟!
خلاص ما تأففتي.. بس جاوبي..
الهنوف باستغراب أكبر: أنت اشفيك الليلة.. كلامك كله مهوب مفهوم..
تركي رفع حاجبا: أنا اللي ماني ب مفهوم.. طيب فهميني أنتي.. أنتي وش اللي يريحش؟؟ وش تبين؟؟
استغربت الهنوف (ذا وش عنده.. غاط ذا الأيم كلها وعقب يقول وش تبين) همست بحزم رقيق:
أنت اللي داق ترا.. فأنت وش تبي ؟؟
وإذا على اللي أنا أبيه ..قلت لك قبل إني ما أبيك تحرجني بتصرفاتك الغريبة..
حينها همس بخبث خافت: وش هي تصرفاتي الغريبة؟؟
الهنوف بخجل: أنت عارف وش أقصد..
هتف بذات الخبث: أنتي اللي منتي ب عارفة وش تقصدين.. عشان أنا أعرف
سكتت.. تشعر بالحيرة... لا تعرف لماذا اتصل.. غالبا يكون عنده هدف و من يدير الكلام.. ويستثيرها لتحتد عليه..
لكنها لا تعرف لماذا أتصل.. وهذا الكلام المموه غير المفهوم..
لا تعرف أنه بدأ مخططا جديدا.. وخطيرا .. خطيرا جدا..
فالدكتور تركي قرر أنها لابد أن تحبه.. وتغرق في هواه قبل زواجهما..
هكذا قرر!!
وسبب قراره هذا أنه يراها تشعر بالنفور منه رغم أن مشاعره واضحة.. بات يخشى مما سيحدث بعد زواجهما..
إن تزوجا وهي بهذا النفور والمشاعر الملتبسة تجاهه.. سيموت فعليا!!
ومن ناحية أخرى مشاعرها في المستشفى كانت مخيفة له..
شعر بحزنها ويأسها.. وابتعادها.. وانعزالها.. وفوضى مشاعرها..
يريدها أن تشعر بالسعادة التي يشعر بها في حبه لها..
وأمامه الآن أقل من سبعة أشهر متبقية.. يخطط فيها لمعاركه..
ستكون حربا طويلة غنيمتها الكبرى .. قلبها..
المشكلة أن الهنوف لم تبذل أي جهد لكي تجعله يغرق في غرامها حتى مافوق إذنيه..
فهو غرق في غرامها وهي تنبذه.. وتهرب منه..
يشعر بالضيم أنه يحتاج للتخطيط ورسم المخططات حتى يكسب قلبها..
بينما هي كسبت قلبه دون أن تسعى له..
وفي ذات الوقت يشعر أن هذه عدالة رب العالمين..
الآن ينظر إلى حياته السابقة وأعوام انشغاله عنها.. وهي تعيش حياتها تشعر بالنبذ والحزن.. فيرى أن قتاله هذا هو أقل تكفير عن ذنوبه.. وفي ذات الوقت أجمل هدية لها..
أن يصبح عندها في الحياة من تنتمي له.. من تحبه.. من تشعر أنه لها وهي له..
طبعا هذا ما توصل له بعد التفكير المطول.. كي تحل مشكلتهما..
كي تشعر بمشاعره..
كي تؤمن أنه يمثل لها السند والأهل والمستقبل والسعادة..
لابـــــــــد أن تـــــحــــــبــــــه!!
ولكن كيف؟؟ كيف؟؟
هذا مازال يخطط له.. فهل هناك دليل يخبره كيف يكسب قلبها؟!!
فالقلوب أقفال مغلقة ولها مفاتيح مختلفة..
فماهو مفتاح قلبها؟؟ ماهو؟؟ من يمنحه إياه؟!
لذا سيحاول كل الطرق.. كل الطرق.. عله يعثر على المفتاح صدفة أو تقصدا!!
هتف تركي بسكون تفكيره وثورته: ليش سكتي؟؟ جاوبيني؟؟
تنهدت الهنوف: ماعندي جواب.. تركي أنا ما أبي منك شيء..
كل اللي أبيه إنك ما تحرجني.. وقلت لك ذا الشيء قبل..
تنهد تركي: الهنوف وش اللي يحرجش في أني أبين قدرش عندي؟؟
همست ببرود مموه: عدا إنك ما تقصده.. ذا الشيء يحرجني قدام الناس وأنت تتعمده..
(مخها شمال.. تروح ترجع على إني ما أقصده..
أقول لها إني أحبها عشان تفتهم يعني؟!!)
هتف تركي بحزم: طيب مارح أحرجش قدام الناس على قولتش..
مع إني ما أشوفه إحراج لش.. أشوفه تعبير طبيعي عن علاقتنا كزوجين..
لكن حاضر.. اللي تبينه تم..
بس إنتي بعد عطيني مقابل..
الهنوف بحذر: أي مقابل؟؟
ابتسم تركي: كلميني مثل الناس.. مافيه داعي للتحفز اللي عندش ضدي..
ترا أنا زوجش.. مفترض أكون أقرب حد لش.. وأعرف عنش كل شيء..
الهنوف بنبرة مقصودة: من متى ذا الكلام؟؟ من متى زوجي واقرب حد لي؟؟
شد تركي نفسا عميقا وهتف بحزم: اسمعيني هنوف أنا أعرف إني غلطت في حقش كثير.. وأنا آسف.. ومهما قلت آسف ما تكفي..
عشان كذا عطيني فرصة أكفر عن غلطتي..عشان الأسف وحده موب كافي..
فاجأها ببساطة اعترافه واستقامته.. بل صدمها.. صمتت بخجل.. بينما هو أراد وعدا منها أن لا تتجاهل اتصالاته.. أو تتحفز ضده.. حتى يستطيع أن يجد منفذا لقلبها..
فمادامت تكلمه بهذه الطريقة المتحفزة على الدوام.. سيبقى دائما في موضع دفاع... بينما هو يريد الانتقال لخانة الهجوم..
استحثها للكلام: ليش سكتي؟ هنوف أنا ما أبي منش شيء إلا إني إذا كلمتش تكلميني بطبيعية.. مافيه داعي تتجاهلين اتصالاتي ولا تكلميني بتحفز..
خلينا نعرف بعض.. نتناقش.. خليني أساعدش في رسالتش.. نتناقش فيها..
مو معقول إنه ننتظر نتعرف على بعض بعد الزواج.. واحنا عايشين في بيت واحد.. وفي تخصص واحد..
تنهدت الهنوف بخجل عميق: طيب.. حاضر.. بس عندي شرط واحد..
تعلم عمي عبدالمحسن إنك تكلمني... ما أبي أسوي شيء من وراه..
ابتسم تركي لعذوبتها وشفافيتها: طيب أنتي كنتي تكلميني قبل.. وش معنى الحين طلبتي معرفة إبي؟؟
ابتسمت برقة: قبل أنا ماكنت موافقة إنك تتصل.. بس أنت كنت تتصل..
بس دامني وافقت.. تقول لعمي..
اتسعت ابتسامة تركي: حاضر.. أستأذن إبي إني أكلم مرتي.. وأوقف قدامه نفس البزر
وأقول له: يا أبو متعب أرجوك رخص لي أكلم مرتي..
همست الهنوف بابتسامة: ما تبي .. أجل كيفك؟؟
هتف تركي باستعجال باسم: لا بالله أبي ونص.. ولو تبين أستأذن رئيس قسمنا بعد حاضر..
صمتت خجلا وهي تشعر بشيء من التوتر.. فتركي بالغ الجرأة وهي لم تمنحه الضوء الأخضر.. فكيف بعد أن منحته له؟!!
هتف تركي بسعادة: خلاص أنا بخليش تنامين.. كان يوم طويل مع استقبال صيتة والضيوف عندكم..
ثم أردف بخبث: على فكرة في سيارة الإسعاف شفت صورة سواقنا شرف الدين بالألوان الكاملة الطبيعية..
كانت صورة تأخذ العقل والقلب وشرايين الفؤاد..
************************************
تنهد شهاب وهو يضع كتابه جواره.. ويلتفت للجليلة التي تجلس جواره بكامل جسمه:
بانشدش من شيء.. وحلفتش بالله ماتدسين علي شيء..
ابتسمت الجليلة: بدون حلايف.. أنت عارف إني مستحيل أدس عليك شيء..
ثم أردفت بحزم: إلا إذا هو سر أنا مؤتمنة عليه..
شهاب بثقة: ما أعتقد إنه سر.. أنا بس أبي أسألش إذا بثينة وزوجها سووا فحوص عشان الانجاب؟؟
الجليلة بعفوية: سوو أكيد.. والحمدالله مافيهم شيء..
أنا بنفسي اللي رحت مع بثينة عقب زواجها بكم شهر..
وعقب قالت لي إنها راحت مع زوجها...
شهاب بتساؤل: وطيب؟؟ وعقب؟؟
تنهدت الجليلة: وعقب... هذا موضوع خاص بينها وبين زوجها..
يعني أنت شهاب تظن إنه فيه حد أحرص منهم على إنهم يكون عندهم أطفال؟؟
هذا حلم أي زوجين..
أكيد إنهم يسعوون... ودام مافيهم شيء.. فهم ينتظرون رزق رب العالمين..
شهاب باهتمام: طيب ما سألتيها وش سووا؟؟
الجليلة تنهدت : شهاب أرجوك مافيه داعي إنك تسأل بثينة وتحرجها...أنا قلت لك خلاص..
أنا أختها ما سألتها أبدا إلا مرة وحدة قبل كم سنة ولاحظت إنها مهوب حابة تناقش الموضوع.. فأنا سكتت..
شهاب بثقة: بس أنا موب ملزوم أسكت.. ولو أنا سألت فهو من باب اهتمام بها..
وأحيانا البعض يكون محتاج دفعة صغيرة أو مساندة..
الجليلة بحزم: شهاب أرجوك لا تتدخل.. هذي مواضيع خاصة بين الزوجين..
كان يهمك تعرف إنه مافيه مشكلة عندهم.. وأنا أقول لك انه اثنينهم ماعندهم مشكلة..
كيف رح يحلون الموضوع؟؟.. اتركه لهم.. تراهم كبار ماحد منهم صغير أو يبي نصيحة ..
************************************
كانت رحلة مرهقة طويلة في تنقلاتها وضغطها النفسي ..
وهاهو ختاما يصل إلى مستشفى بون الجامعي في حرم فينوسبرغ في العاصمة الألمانية بون..
حيث يرقد حامد..
بعد أن تواصل مع رئيس بعثة فريق حامد..
وأخذ منه كل التفاصيل..
ولم يتصل بحامد إطلاقا.. فهو كان غاضب منه.. غاضب فعلا..
فهو كان يتصل به يوميا..
ويرد عليه حامد مازحا حينا.. مستعجلا حينا.. صوته خافت حينا..
ولم يخطر في باله في خضم هذه المكالمات أن يخبره بأمر كهذا!!
فيقول له مثلا:
( يا ولد أخي العزيز.. تراني كعادتي السيئة عصبت وكسرت لي واحد وكسرني
ومتهم في قضية ومحجوز .. وبس!!)
لا يجد عذرا لحامد.. ولا يعلم ماقد تكون أسبابه..
لا يعلم ماهو العذر القوي الذي لدى حامد حتى يخفي عنه أمرا كهذا؟!
لطالما كان يتعبه في حامد استقلال حامد الكبير برأيه ونفسه..
وفرات لا يرفض هذا الاستقلال.. بل على العكس يسعده.. لأنه يعلم أنه سيكون دائما في ظهره سند قوي..
لكن استقلال حامد بنفسه كان من النوع المخيف.. الذي يجعله يقلق من نتائجه..
فمازال حامد شابا مندفعا عنيدا وخبرته في الحياة أقل منه..
لذا كان فرات يحب أن يكون معه في الصورة.. ولديه معرفة بما يحدث له ومعه.. وماهو مقدم عليه..
حتى يسانده في الوقت المناسب بالفعل أو القول..
ولكن حامد كان كثيرا ما يحتفظ بالكثير لنفسه.. اعتدادا واعتزازا وعنادا.... وغضبا من الحياة ربما..
وصل فرات للمستشفى..
وبعد دقائق وعدة استفسارات كان يقف أمام غرفة حامد التي عرفها من وجود ضابط أمن أمامها..
دخل بعد نقاش طويل مع الضابط واتصالات..
دخــــــــــــل ...ليتفاجأ ويُصعق بالمنظر أمامه..
كان حامد نائما.. ممدا على الفراش الأبيض.. وثلاثة من أطرافه مغمورة في الجبس فقط يده اليسار هي السليمة.. عدا عن إصابات متفرقة في وجهه ورقبته..
فرات لم ينتبه أن معه أحد في الغرفة..
وهو يهرول نحو السرير ويتحسسه بحرقة وقهر وتأثر..
كان يتحسس وجهه ورأسه وأطرافه برفق وحزن بالغين..
لم يخرجه من صدمته إلا صوت يقول بتهدئة واحترام:
الحمدالله على سلامة حامد يا أبو حمد..
أعرف شكل إصاباته يروع.. بس ترا الحمدلله مافيه شيء منها خطير..
يحتاج وقت بس.. ثلاث شهور وإلا أربعة ويرجع نفس أول واحسن إن شاء الله..
التفت فرات إلى زميله الذي عرفه وهتف له بعتب: كذا يا وليد ماحتى تبلغني؟!!
وليد بحرج: سامحني يا أبو حمد.. بس أول كلمة قالها لي حامد أول ماشلناه للمستشفى إنه لا حد يبلغ هلي في الدوحة..
فرات بنفس العتب: وإذا هو قال لكم شيء غلط... تطاوعونه..
يعني هو صار له أسبوع كذا..
وأنتم كم يوم وترجعون أصلا.. يعني بندري بندري..
وليد بعفوية وشهامة: أنا كنت مقرر أقعد معه أصلا ما أرجع.. لين أنتم تدرون.. وحد يجي منكم..
فرات بذات العتب: وهذا يعني حلكم أنت وإياه؟؟
ثم أردف بعد أن شد نفسا عميقا.. وهو يجلس ويهتف لوليد بحزم:
علمني وش صار بالتفصيل؟؟
هتف وليد بتأثر: أخر مباراة لعبها حامد.. كانت مع فريق فيه لاعب.. سبق إن حامد احتك معه قبل سنتين احتكاك قوي..
وشكله ما نسى.. المهم من بداية المباراة وهو يحاول يستفز حامد بالاحتكاك والكلام..
بس حامد ماسك أعصابه.. المهم صار بينهم احتكاك واستفز حامد.. فحامد ضربه بشكل خفي ومقصود لكنه بين قدام الحكم والجمهور كأنه احتكاك عادي..
فهذاك اللاعب هاجمه بشكل مقصود.. فانطرد من المباراة.. وعطوه كرت أحمر..
فأخذ يهدد ويزابد.. بس ماخذنا تهديداته على محمل الجد..
المهم احنا كلنا في فندق واحد.. ترصد لحامد كم يوم.. لين صادفه بروحه برا الفندق..
وكان معه حديدة مخبيها في ملابسه.. وهو كان مقصده.. يضرب حامد ويهرب ماحد اكتشفه..
بس حامد قدر يأخذ منه الحديدة .. ووين يوجعك بعد..
على ما خلصوا الناس بينهم وجات الشرطة كان كل واحد منهم متكسر..
بس كسور حامد أكثر..
تنهد فرات: حامد وش وضعه القانوني؟؟
وليد بهدوء: أكيد وضعه أحسن من وضع اللاعب الثاني.. هو كان في حالة دفاع عن النفس..
بس خايفين من محامينه.. وش ممكن يغيرون في السالفة..
السالفة تبي لها شهور لين تخلص.. والحين صدر ضده منع سفر لين ينحكم في القضية..
وحامد ترا ماقال لك لأنه يعرف إنك مشغول وماتقدر تخلي هلك..
كان يقول لنا برجع معكم الدوحة وأكمل علاج هناك..
لكن منع السفر اللي طلع أمس هو اللي خرب مخططه.. وكان ناوي يقول لك ذا اليومين والله..
تنهد فرات وهو يضغط جانبي رأسه: بيض الله وجهك.. وماقصرت..
أنا خلاص الحين جيت وبستلم الموضوع كله..
تساءل وليد باهتمام: طيب أنت وش بتسوي؟؟.. أعرف إنك ما تقدر تبعد عن الدوحة كثير..
تنهد فرات بحزم: الحين حامد أولويتي.. ما أقدر أخليه..
ومشكلته مركبة.. يعني لو هي الإصابة بس.. كان خذته ورجعته الدوحة.. ودخلته المستشفى هناك..
ولو هي منع سفر بس وهو مهوب مصاب.. كنت رتبت الأمور ووكلت له محامي ورجعت للدوحة.. وكل فترة جيت له..
لكن الحين مصاب إصابة شديدة محتاج حد مايفارقه.. وفي نفس الوقت عليه منع..
يعني لازم أقعد معه.. مافيه حل ثاني..
وهل الدوحة بأرتب أمورهم إن شاء الله..
******************************
"فهدة..
فهدة قومي ياقلبي..
توضي وفرشي أسنانش وصلي..
وتعالي تحت تريقين وأسوي شعرش"
تأففت فهدة وهي تمسح وجهها: بقوم أصلي وأرجع أنام..
ما أبي أروح المدرسة..
ولو بأروح ما أبي حد يريقني ولا يسوي شعري..
بأكل بروحي وبسوي شعري بروحي..
وبعدين اليوم أبي أروح بيتنا لجدتي فهدة..
تنهدت صيتة.. مازالت عاجزة عن رسم صورة التعامل المفترضة مع ابنتها..
هاهي فورا في أول صباح لهما معا.. تجابهها بثلاث مشاكل..
الأولى: رفض الذهاب للمدرسة..
الثانية: وإن ذهبت للمدرسة فلا تريدها أن تتدخل فيها أصلا..
الثالثة: تريد العودة إلى بيت جدتها.. بينما صيتة لا تنوي جعلها تعود..
ستزورهم.. ولو أرادت أن تنام عندهم ليلة أو اثنتين في نهاية الأسبوع لا مانع أبدا..
لكنها يجب أن تعرف أن بقاءها مع أمها هو الأمر المفترض الذي لا نقاش فيه..
همست صيتة لفهدة بحنو: ماعليه أنتي قومي صلي الحين..
وعقب نتفاهم على اللي تبينه... ما يخالف..
كانت تنظر لها وهي تخرج من الحمام يتقاطر الماء من وجهها.. فتقفز صيتة بالفوطة لتجفف لها وجهها ويديها حتى لا تبرد..
فتنتزعه فهدة بحدة: ترا عمري مهوب سنتين..
ابتسمت صيتة بشجن وهي تراها تجفف وجهها ثم ترتدي جلال الصلاة وتصلي..
كانت هي من علمتها الصلاة .. وكانت من اشترت لها جلال صلاة صغيرة وسجادة صغيرة.. حتى تقف جوارها في كل صلاة..
تنهدت وهي تنزل للأسفل.. وتعبر طرقات البيت التي افتقدتها..
حين قامت لصلاة الفجر.. قامت مبكرة قبل الجميع.. كانت أساسا لم تنم.. فساعتها البيولوجية مازالت مقلوبة..
توجهت أولا لغرفة والديها.. طرقت الباب.. لتسمع صوت والدتها.. تأذن بالدخول..
دخلت كان والدها في الحمام يتوضأ..
ووالدتها كانت مازالت تتمدد في سريرها.. وحين رأتها أشرق وجهها..
صيتة اقتربت بخفة وهي تهمس بشجن: عادي انسدح في حضنش شوي؟؟
تأخرت أم متعب قليلا وهي تفسح لها مكانا جوارها.. تمددت صيتة في حضن والدتها وهي تضم ذراعها قريبا من قلبها.. بينما أم متعب تمسح على شعرها وتهمس بحنو مغرق في الألم:
يا أمش.. ما أدق عظيماتش..
ابتسمت صيتة وهي تقبل ذراع والدتها: يمه ربي أشغلش بعظيماتي من يوم جيت..
الرشاقة حلوة..
أم متعب بذات الألم الحاني: حتى وانتي بنت ماكنتي ضعيفة كذا..
ثم أردفت باختناق: مايسل الحال كذا إلا الهم!!
اختنقت صيتة وهي تشعر باختناق والدتها.. ماذا تقول لها:
أن الهم فعلا هو ما سل حالها؟؟
أنه قد تمر أيام لا تكون أكلت فيها شيئا يُذكر.. وأنها كانت تأكل لتعيش فقط..
أنها كانت تشعر فعلا بانسداد شهيتها فعليا لكثرة ماكانت تبكي..
ولكنها همست بحنو وهي تشد على ذراع والدتها بقوة: يمه والله إن صحتي زينة..
وإن شاء الله برجع وزني عشانش..
خرج أبومتعب وهو يرى أمامه هذا المنظر البهي الملائكي.. ابتسم.. بينما صيتة قفزت بخجل وهي تتوجه نحوه.. لتقبل رأسه ويديه الملبولتين..
وتهمس بمرح وشجن: عاد لا حد يعلم البندري وحزام عليّ..
غادرت غرفة والديها بعد ذلك لتوقظ البندري وحزام.. وأشرقت روحها بالسعادة وهي ترى سعادتهما بها.. وبوجودها بينهم..
الكل سعيد بها ويظهر السعادة.. إلا من تنتظرها الآن على مائدة الفطور..
هذا إذا كانت ستأتي..
انتظرتها لأكثر من ربع ساعة.. لكنها لم تأتِ لذا صعدت إليها.. لتجدها عادت للنوم..
حينها ابتسمت صيتة (مايضر ذا اليوم خلها تغيب)
وتمددت جوارها.. وهي تحتضنها.. لتشد عليها فهدة وهي تنزوي بقوة وصمت في حضن والدتها..
تماما كما فعلت البارحة!!
********************************
"نعم؟!!
أنتي تكلمين من جدش؟؟؟!!"
الجليلة بابتسامة: ليه هذي السوالف فيها مزح؟؟
وسامحيني إني أكلمش في التلفون..
بس لأنه لو بقول لش فيس تو فيس لازم أميرة بتكون موجودة..
وأنا ما أبيها تعرف وهو مابعد صار شيء...
ضي ضحكت: تخطبيني أنا لمساعد؟؟
الجليلة حينها هتفت بجدية: ضي السوالف ذي مافيها مزح..
حينها ردت عليها ضي بجدية مشابهة: جليلة مساعد كم عمره؟؟
الجليلة بعفوية واثقة: عمره 22 وأنتي عارفة..
في حينها ابتسمت ضي بمرح: يعني عاده بزر.. خلوه يعيش حياته.. سنين وهو شايل الهم..
يوم تخرج فورا تبون تزوجونه..
لا وتزوجونه عجوز أكبر منه ب ثلاث سنين.. اتقوا الله فيه..
الجليلة ابتسمت: يحمد ربه إذا ربي كتبه من نصيبش.. وهو اللي يبي يتزوج ومقتنع..
وبعدين مساعد ماشاء الله تفكيره تفكير رجال في الأربعين.. وقد المسؤولية
تنهدت ضي بحزم: أعرف ذا الكلام كله.. وأكيد طبعا شيء يونسني ويسعدني ويرفع معنوياتي إنه واحد مثل مساعد يخطبني.
وأعرف إنه مساعد زوج لقطة لأي بنت...بس مش لي أنا.. لأسباب تخصني أنا
وسامحيني جليلة لأني بتكلم بصراحة شوي عن مساعد..
مساعد أكبر من سنه أعرف ذا الشيء وعاقل ورجال والنعم..
بس سنين وهو شايل الهم.. الحين خلوه يتخرج.. ويسافر ويعيش ويخوض تجارب الحياة بحرية
دام شهاب رجع بالسلامة.. وشال عنه جزء من المسؤولية..
حرام.. ترا مساعد شاب صغير وما استمتع بشبابه.. لا تحملونه هم زوجة بعد.. ولا تستعجلون عليه..
بالراحة عطوه 4 سنين قدام.. ويتزوج عقبها وهو فعلا يبي يتزوج...
الجليلة بثقة: ترا مساعد ماحد يقدر يجبره على شيء.. وهو فعلا قال يبي يتزوج..
فأنا رشحتش له خصوصا إنكم رح تتخرجون أنتي وإياه مع نهاية هذا الفصل..
تنهدت ضي: والله مساعد ماينرد.. بس أنا عطيتش نصيحتي له..
أما فيما يخصني فمساعد أصغر مني.. هذا أولا..
ثانيا أنا وراي سفرة علاج عقب ما أخلص الفصل على طول.. وبالي والله مهوب في الزواج أبدا..
الجليلة بصدمة: ماقلتي لي إنش بتروحين علاج؟؟
ابتسمت ضي: جابر توه قال لي قبل فترة.. ولاجات فرصة أقول لش..
*******************************
"يا الله سكنهم مساكنهم..
أنت متأكد إنهم ما استبدلوك في الصين؟!
وإلا غيروا فيك قطع غيار؟؟
قضيت في الصين وقت مهوب شوي
أظن يكفي يسوون لك استبدال"
مازال خالد قليل الكلام وساكنا بشكل غير معتاد منذ استقبله محمد في المطار بعد رحلته الطويلة التي توقف فيها خالد ترانزيت مرتين..
لأنها كانت الرحلة الوحيدة المتوفرة بالصورة العاجلة التي كان يريدها...
وهاهما يعودان لمجلس عمه الذي ينتظرهما..
كل ماكان يسأل عنه هو تفاصيل فحوص والده ومستجداتها..
كان يسأل بشكل محموم ومركز عن كل شيء..
لم يعاتب محمد أنه لم يخبره..
بل لم يتطرق أبدا إلى الحديث عن سبب عدم إخبارهم له..
كان محمد مستغربا جدا من خالد... توقع أنه سينفجر فيه.. ولا يلومه لو فعلها..
هو كان سينفجر لو علم أنهم يخفون عليه قصدا مرض عمه..
فكيف وهم أخفوا عليه قصدا مرض والده؟!!
كان يستعيد في ذاكرته اتصال غالية به الذي أحدث هزة هائلة في روحه..
كان توقيت الاتصال وطبيعته ومضمونه أشبه ما يكون بقنبلة ختمت تراكمات كثيرة..
ليعيد ترتيبها من جديد..
كان الاتصال في نهاية يوم مرهق بعد الكثير من الاجتماعات والجدل.. وكان يتمنى أنه سينهي كل شيء في غضون أيام وينتهي ويعود..
وفعلا كان يوشك على حسم كل شيء.. يومين أو ثلاثة وينتهي تماما..
ولكن غيابه طال.. طال كثيرا..
وهو يشعر بقلق كبير على والده.. وحتى على والدته وشقيقاته..
فترة الغياب الطويلة أتاحت له أن ينظر بصفاء إلى حياته.. دون ضغط وجود الجازي..
الذي كان يحجب عنه كثير من الأشياء..
فوجود الجازي في حياته كان يشعره دوما أنه في جبهة قتال حتى يحافظ عليها وعلى وجودها في حياته..
كان مقاتلا مخلصا لقضيته.. والجازي كانت قضيته..
والمقاتل المخلص المشغول بمعاركه لا يبصر سواها..
كان يحبها.. يــحــبــها فعلا.. وكان نادما على مافعله.. نادما فعلا!
وفعل كل ما يستطيع حتى يكفر عن ذنوبه بطريقته..
جاهر بحبه لها بطريقة غير مقبولة في أعرافهم..
خضع للعلاج النفسي..
حرص عليها بكل قوته.. حتى تعرف أنها الفريدة والمرغوبة وأنها حلمه..
وأراد بكل قوته أن تسمح له بمعالجة ما اقترفت يداه..
ولكن الكل كان ضده.. لذا بقي مقاتلا من أجلها على كل الجبهات..
ولذا كان دائما مستثارا عصبيا غاضبا.. لأن طاقته كلها استفذها القتال..
فلا طاقة لديه كي يكون سمحا أو سلسا..
ولكن حينما خرجت الجازي من حياته.. ورأى الحياة خالية من الجازي.. وزخم الجازي.. وسيطرتها على كل مافيه...
شعر بفراغ كبير.. كبير.. وشعر بسكون أكبر..
شيئا فشيئا لم يعد هناك ما يستفزه أو يغضبه أو يستثير عصبيته..
لأن طاقته كلها موجودة.. وليست مشتتة بين جبهات دفاعه من أجل الحفاظ على الجازي..
وأكبر دليل ماحصل في رحلته إلى الصين..
لم يغضب ولو مرة واحدة..
رغم أن كل ماحدث كان ليستثير حتى أشد الناس هدوءا..
بدءا من أخطاء مهندس إبراهيم التي يعلم أنها كانت بحسن نية ولكنها غير مقبولة من مهندس بخبرته..
ثم مرورا بتجاوزات العقود..
ولكنه حل كل المشاكل شيئا فشيئا وأصلح كل الأخطاء شيئا فشيئا..
رأى كيف كانت العصبية تعميه عن حل أموره ببساطة..
بات يتذكر عشرات المواقف التي كان يمر بها.. والتي كان يمكن حلها بسهولة بالغة..
لو أنه فقط سيطر على عصبيته..
حتى مع علاجه النفسي.. كان نجاحه الكبير في السيطرة على استخدام يده..
لكنه لا يعرف لماذا لم يستطع السيطرة على غضبه النفسي..
الآن بات يعرف.. بات يعرف!
كان قد توصل إلى هذه القناعات وأكثر منها بعد فترة ركوده وصفائه...حينما وصله اتصال غالية..
جاءه صوتها فيه آثار بكاء.. كاد يجن وهو يهتف لها بقلق مدمر:
غالية وش فيش؟؟ حد منكم فيه شيء؟؟
همست باختناق: خالد.. طالبتك ما تعصب.. ولو مرة لا تعصب..
لو ماكانوا خايفين من عصبيتك ماكان ذا وضعنا..
زفر خالد بقوة وهو يشعر بمصيبة قادمة.. جلس وهو يشعر بصداع قوي تصاعد فجأة في كل عروق رأسه: غالية وش صاير؟؟
غالية بذات الاختناق: احلف ما تعصب..
هتف بتهدئة عميقة عميقة: والله ما عصب..
قولي بس.. لا تخافين.. وش صاير ..
انهمرت غالية تخبره..وتخبره.. أخبرته بكل شيء بكل شيء..
بدءا من اكتشاف مرض والدهم.. واستبعادهم من فحوصات التبرع..
وتطورات كل ماحدث..
كانت تتكلم وتتكلم بينما كانت الرؤية تغيم أمامه شيئا فشيئا.. وأنفاسه تضيق شيئا فشيئا..
ويلتهم المشهد صورة واحدة.. واحدة فقط .. صورة والده..
والـــــــــده وحــــــده!!
كان يشعر بضآلة كل مافي الحياة أمام إبي خالد..
(أي حياة لست فيها يا أبي؟ أي حياة؟!!)
كانت أنفاسه وصلت منتهاها من الضيق وتأثره وصل منتاه من التجذر..وغالية تنهي كلامها بالرجاء العميق: خالد إحنا محتاجينك..
أنت عارف وش كثر وجودك مهم بالنسبة لنا كلنا..
أنت سندنا كلنا..
كل شيء بات باهتا جدا ولا قيمة له في عينيه.. أمام عظمة المصيبة التي قلبت كيانه.. واشعرته بطعم
مرارة كالعلقم في كل شعيرة دموية في حنجرته..
يشعر أنه يكاد يتقيأ هذه الشعيرات شعيرة شعيرة وهو يشد نفسا عميقا ويهتف بحزم:
أنا جايكم في أقرب طيارة.. الحين بقوم أجمع أغراضي وأحجز..
.
.
والآن هاهو يجلس مع محمد ومازالت صورة والده وحده هي الصورة المتضخمة..
هتف خالد لمحمد بسكون واثق: يا ابن الحلال ماني ب زعلان.. مابه شيء يستاهل أعصب..
المهم إنه إبي يتحسن.. ما أبي شيء ثاني..
هتف له محمد بحزم: أدري إنك زعلان حتى لو ماقلت زعلان..
بس يا خالد أنت ماكنت بتسوي شيء احنا ماسويناه..
وهذا أنت جيت في الوقت المناسب بالضبط..
توه طلعت فحوصات البنات قبل شوي..
وأبشرك ثنتينهم طابقوا الحمدالله..
********************************
"أنا بعرف أنتي ليه تبكين يالخبل؟؟"
الجازي تمسح دموعها التي كانت تسيل دون بكاء وتهمس باختناق:
الحين بيخلون مزنة هي اللي تتبرع ويطردوني أنا؟؟
مها تربت على كتفها بحنان: زين وش فيها إذا تبرعت مزنة.. المهم إنه عمي يسوي العملية.. ويرجع طبيعي إن شاء الله..
الجازي بحزن عميق: أبي أتبرع أنا.. أنـــــــا !!
مها تتخيلين وضعي في كل فحص..
وأنا أشوفهم يستبعدون الباقين.. وأنا كل مرة أطابق..
وأشوف وضع غالية يوم استبعدوها.. وأقول ياربي لا تخليني أحس مثلها يارب..
وكل مرة يطلع لي فحص زين.. أقول شكرا يا الله.. شكرا إنك راضي علي..
وإنك بتمن علي ذا الفضل.. إني أكون سبب عقب رب العالمين في حياة عمي..
يجي على أخر فحص وأطابق أنا مزنة.. انبسطت.. أحسب إنه أنا اللي باتبرع حتى لو طابقنا كلنا..
كل اللي في مخي إنه مافيه حد بيتبرع غيري..
لين مزنة حضنتني بقوة وهي متأثرة وتحمد الله وتقول لي: الجازي عمري ما رح أنسى وقفتش ذي..
وبتقعد في رقبتي لين أموت...
كفاية إنش لين الأخير كنتي معنا..
يعني ماحتى ناقشت مجرد مناقشة من بيتبرع.. فورا قررت إنها هي اللي بتتبرع بدون نقاش..
مها بتهدئة: لأنه الطبيعي دام أنتي ومزنة طابقتوا إنه مزنة اللي تتبرع... عشان تروح هي وإمها وإخيها..
الجازي بثورة حزن: لا مهوب الطبيعي.. عمي هادي إبينا مثلنا مثلهم..
ليه يصير حق لها هي اللي تتبرع وأنا لا.. مع إنه نسبة تطابقي أحسن؟!!
مها بتهدئة أعمق حنونة: ترا كل الفرق بينكم طفيف.. ما يحسب..
وأنتي ومزنة واحد..
وكلكم عياله.. ومزنة الأكبر..
******************************
"مبروك نتيجة الفحص..
مبروووووك!!"
كانت مزنة تحتضن دانة وتتلقى احتضانها بحضن أقوى وتهمس بسعادة:
الحمد لله يارب.. الحمد لله..
والله إني دعيت ربي من قلب.. وكل فجر كنت أختم البقرة وأنا أدعي ربي إنه ما يخيب ظني..
يا الله يا دانة كنت مرعوبة إنه ماحد منا يطابق معه..
ونرجع في دوامة مالها أول من تالي.. وتتأخر صحة إبي في الغسيل أو انتظار متبرع..
ابتسمت دانة وهي تشد يدها وتجلس معها وتهمس بشفافية:
ولو الجازي طابقت وأنتي ما طابقتي؟؟
ابتسمت مزنة برقيها المعتاد: يكون ربي كاتب لها الخير والحمدلله..
إبي إبينا كلنا.. وعمره مافرق بيننا وبين عيال عمي
إلا كان يبديهم علينا ولا عمرنا تضايقنا.. بالعكس ذا الشيء كبّر إبي في عيني أكثر وأكثر..
أكيد إنه كان ودي إني أنا اللي أطابق..
بس ماعندي مشكلة في النهاية من اللي يطابق.. المهم واحد يطابق وإبي يسوي عمليته..
والحمدالله إنه الاختيار طلع لي أنا.. هذا فضل رب العالمين..
همست دانة بتخوف رقيق وهي تنظر لساعتها: باقي شوي يوصل خالد..
ما أعرف وش بتكون ردة فعله؟؟
همست مزنة بثقة: بتثير عجبش.. وعكس كل توقعاتش..
دانة باستغراب: ليه؟؟
هزت مزنة كتفيها بذات الثقة الحازمة: قولي مزنة قالت.. وبعلمش بعدين لا شفتي بنفسش!
**********************************
"فرات.. والله ماكان قصدي إني أدس عليكم..
لأنه ذا شيء ما يندس..
بس أنا عارف إنك ماتقدر تخلي الدوحة..
وحمد وراه سفر قريب..
وأنا كنت أحسب إني أقدر أرجع وأكمل علاجي في الدوحة
بس طلع لي منع السفر ذا خرب كل شيء"
فرات يكمل إطعام حامد من طبق الشوربة ويهتف يحزم حان:
ماعليه بنتحاسب على ذا لارجعنا الدوحة أنا وإياك..
اتسعت عينا حامد وهو يهتف بتعب شديد: ليه أنت ناوي تقعد عندي لين نرجع الدوحة؟؟
فرات بحزم: بقعد لين يتحسن وضعك الصحي على الأقل..
حامد بصدمته المرهقة الذابلة: بس أنا أبي لي شهور لين أحسن..
فرات بذات الحزم البالغ: إذن نقعد شهور.. وش ورانا؟!!
حامد بإرهاق: وهل الدوحة؟؟
فرات بمساندة وهو يربت على يد حامد: ماعليك أمورهم كلها مسنعة..
ثم أردف باهتمام وهو يمد يده بالملعقة لفم حامد: خلنا نكمل شوربتك الحين..
همس حامد بضيق كبير: تكفى فرات صبها في كأس وعطني إياها.. بمسكها بيدي اليسار ولا إنك تشربني كني بزر..
فرات يبتسم: يدك اليسار حتى لو مافيها كسور كلها جروح.. اذكر الله يارجال..
وخلني أشربك شوربتك قبل أكبها على رأسك..
تنهد حامد: حمد أشلونه؟؟ درى؟؟ تكفى فرات ما أبي شيء يضايقه..
تنهد فرات وهو يعيد الملعقة للصحن: درى بس جبت له الخبر بطريقة مخففة..
قلت له إنك مصاب إصابة خفيفة..
وعقب شوي بكلمه أنا وإياك..
***************************
"حمد..
الحين وش بنسوي؟؟"
يتنهد حمد الصغير وهو يجلس جوار مي ويهتف بهم: ما أعرف يا مي ما أعرف..
إبي اليوم يقول يمكن يقعد شهرين أو ثلاثة على الأقل مع حامد في ألمانيا..
قلت له خلاص مارح أسافر.. عصب عليّ..
وقال لي حتى لو ماسافرت مهوب حل لوضعكم..
همست مي بحزن: تدري إنه إبي من توفت أمي إنه ماخلاني بروحي أكثر من يومين.. وأنت الحين بتسافر..
ربت حمد على كتفها وهتف بحزم: لا تحاتين.. مستحيل أروح وأخليش وراي بدون حل للموضوع..
حتى لو تعتذرين عن الفصل وتروحين لأبي..
مي بصدمة: أول شيء.. مستحيل أخلي جدي... مستحيل..
وثاني شيء.. الفصل باقي عليه شهر ويخلص.. حرام أعتذر..
وهما في حوارهما.. دخل جدهما.. قفزا كلاهما يقبلان رأسه ويديه..
وأجلساه وجلسا يحيطان به.. هتف أبوفرات بحنو وهو يحتضن كتفي مي التي وضعت رأسها على كتفه:
يا أبيكم لا ينشغل بالكم من شيء..
أنا أعرف إنكم تحاتوني..
بس لا تحاتوني.. ترا جدكم لف الدنيا..
يعني ماني مسنع نفسي في ديرتي؟!!
ابتسم حمد بمودة: أنت تسنع الأمة كلها يا أبوفرات..
حن نحاتي أنفسنا ..
يلتفت أبو فرات ناحية حمد ويربت على يده: لا تحاتي شيء يا أبيك..
رتب لسفرك وتوكل على الله..
يحاول أبو فرات أن يكون سندا حقيقيا لأحفاده وهو يستشعر قلقهم في غياب والدهم.. ويعرف أن معظم قلقهم هو قلق عليه هو..
ويتمنى لو أنه يستطيع انتزاع قلقهم هذا.. ولكن كيف يستطيع ذلك وهو لا يعرف متى قد تفاجئه الحالة وتخذله أمامهم..
***********************************
"أنا ما أبيك تتضايق يا أختك..
متى ما بغيت تتزوج
ألف بنتك تتمناك"
ابتسم مساعد بثقة: وليش أتضايق؟؟.. ترا السالفة كلها نصيب...
وأنا ما أعرف بنت آل جبران بشخصها الله يستر عليها..
يعني ماعندي إصرار شخصي عليها..
الله يوفقها.. وأنا لي نصيب مابعد جاء..
هتف شهاب بثقة: لا تستعجل يا أخيك.. خذ وقتك.. تخرج واشتغل أول..
ثم أكملت الجليلة بابتسامة: وروح وسافر واستمتع بشبابك.. كفاية عليك هم.. بناء على نصيحة جات لي عشانك..
أيدها شهاب بحزم: ليه لا.. روح سافر مع ربعك أو سوو أي شيء تبيه..أنا موجود خلاص..
ابتسم مساعد: حاليا ماعندي التفكير ذا.. بس ليش لا؟؟ أفكر..
تنهد شهاب وهو يقف: أنا دايما معك في اللي تبيه..
والحين رخصوا لي بأروح لعمي أبوفرات..
مساعد باستغراب: غريبة!! إنك مريته اليوم عقب الدوام..
والحين بعد بتروح له؟؟
عسى مهوب تعبان؟؟
شهاب بعفوية: لا إن شاء الله .. طيب وبخير... بس فرات مسافر لحامد.. مصاب في ألمانيا..
وموصيني عليه أمره..
وقف مساعد وهتف بحزم: أجل بأروح معك أسلم عليه وأهنيه سلامة حامد..
حينما غادرا قفزت أميرة التي كانت صامتة وهمست بعتب : كذا يا جيلو تخطبين لمساعد ضي ماعلمتيني؟!!
جليلة تبتسم وهي ترتب الفوالة وتأخذ أكواب القهوة والشاي المستخدمة لتغسلها: ماصار شيء عشان أعلمش..
وهذا أنتي سمعتي..
تأففت أميرة بمرح: يا سلام لو أن ضي وافقت وتجي عندنا للبيت..
الجليلة تغادر مبتسمة: كان سويتوا عصابة ..
أميرة تحمل بقية الأكواب المتسخة وتلحق بها وهي تهمس ياهتمام: وغريبة دكتور فرات مسافر.. بنته كانت تقول إنه نادر يسافر بدونها..
ضحكت الجليلة: أنتي اللقافة عندش ألف الليلة.. وش عليش من خلق الله.. ؟؟
أكيد إنه مسنع بنته.. إخيها الباكستاني عندها..
احمر وجه أميرة حرجا من الذكرى وهي تهتف بتأفف: يعني لازم تذكريني بالموقف السخيف؟!!
**********************************
" ليه يبه؟ ليه؟؟
كذا تهمل روحك ذا الوقت كله؟؟"
يربت أبو خالد على فخذ خالد الجالس جواره ويهتف بشجن:
يا أبيك وش بقى من العمر؟؟
شد خالد على يد والده الساكنة على فخذه بقوة وهو يهتف بحزم موجوع.. موجوع:
باقي اللي ربي كاتبه لك.. عمر طويل إن شاء الله.. تقضيه في طاعة رب العالمين..
يبه أبي أسافر أنا وإياك..
أبي أحج معك..
أبي أعيش معك عمر عادنا ماعشناه..
أفا عليك يا أبو خالد.. تبي تخلي خويك وتروح؟!!
من وأنا بزر وأنا وأنت ربع.. ماعندي أخ..
كنت أنت إخي وإبي..
صحيح إني أخ أقشر.. بس ذا اللي ربي كتبه.. ماحد يتخير أخوانه...
لكن لو أنا بتخير لي أخ وإب..
ما تخيرت غيرك إب وإخ..
يبه أنا واجد قصرت في حقك.. تبي تروح وأنا مابعد راضيتك؟! خذت باللي في خاطرك..
يبه لي خمس سنين منشف ريقك..
أبي بدال ذا الخمس سنين.. خمسين سنة أكفر فيها عن كل دقيقة زعلتك مني..
ابتسم أبوخالد بألم: خمسين سنة يا أبيك!!
هتف خالد بحزم وإيمان: إيه عند رب العالمين هينة إن شاء.. والعمر كله لك في طاعة رب العالمين..
************************************
"صيتة سند في مجلس الحريم..
صيتة التي كانت ترتب بعض ملابسها وملابس ابنتها في الدولايب همست للبندري بمودة:
يوه أكيد دق علي وأنا ناسية التلفون تحت..
تكفين بندورتي خلي أمي تقعد معه
لين أبدل وأنزل.. عشان بيوديني أشوف عبود..
ضحكت البندري: لا تحاتين أمي معه و سمو الأميرة فهدة معه بعد..
ما تتخيلين أشلون طارت يوم جا حزام وقال لأمي سند يبي يسلم عليش..
سبقت حزام لباب..
تنهدت صيتة بكل تلك الفوضى التي تحدثها فهدة داخلها.... لماذا كان سهلا عليها أن تتقبل سند ولا تتقبلها؟؟
حين تزوجت صيتة من سند... كان عمر فهدة 4 سنوات.. وتعلقت به كثيرا.. فسند كان حنونا جدا معها.. يلاعبها على الدوام..
ومارس معها دور الأبوة بكل تفاصيله..
وبعد فترة أصبحت تناديه (بابا).. واستمرت تناديه بابا حتى بعد عودتها للدوحة..
ولكنها في العامين الأخيرين أصبحت تناديه (عمي سند)..
ولكنه بقي محبوبا عندها.. تتصل به ويتصل بها.. وتبدي سعادتها برؤيتها واتصاله..
ورغم حزن سند لتوقفها عن منادته بأبيها لكنه لم يبين لها إطلاقا..بقي دائما راضيا بما تقدمه له..
كما هو راض بما تقدمه له أمها... مهما كان قليلا أو غير مرضي..
بعد دقائق كانت صيتة تنزل وقد ارتدت عباءتها.. ونقابها في يدها..
كانت فهدة تجلس جواره وهي تعبث في هاتفه الذي كان موديلا حديثا لم يسبق أن رأت مثله لذا لفت انتباهها..
بينما والدتها غادرت وهي تعيد الترحيب به.. وتودعه في ذات الوقت..
حين رأى صيتة تدخل أشرق وجهه.. بينما فهدة أعتم وجهها لأنها رأتها ترتدي عباءتها..
هتفت بلا مبالاة بارعة: وين بتروحين؟؟
لم ترد صيتة.. تخشى أن أي شيء قد تقوله سوف يستثير فهدى لرد لاذع.. ولأن سند يفهم كل هذا كان هو من هتف بحنان وهو يبعثر غرة فهدة:
بنروح نزور عبود احنا وإياش.. وعقب بنمر أي كوفي على ذوقش نتقهوى..
ويصير عندش وقت طويل تكتشفين تلفوني..
قفزت فهدة وهي تقول بحماس: عطني دقيقة ..بس ألبس نعالي...
ابتسمت صيتة بشفافية وهي تنظر بامتنان لسند..
ولكن لم يستطيعا أن يقولا شيئا لأن فهدة عادت بعد ثوان.. وحذائها في يدها وهي تهتف بحماس: يا الله يا الله بسرعة..
*************************************
"شهاب وش فيه فديتك؟؟
تبي شيء؟؟"
شهاب يقف عند الباب وهو ينظر لأميرة التي تقف خلف الجليلة مرعوبة من طرقاته على الباب وآثار النوم على وجهها.. ويهتف بأمر واثق للجليلة:
البسي بسرعة والحقيني للسيارة..
الجليلة برعب: حد فيه شيء؟؟
شهاب بأمر: مافيه شيء يا بنت الحلال.. بس أنتي البسي بسرعة والحقيني..
الجليلة كانت تلبس عباءتها على عجل.. بينما أميرة همست بجزع: وأنا أروح معكم؟؟
شهاب بحزم وهو يغادر للأسفل: مافيه داعي.. روحي نامي في غرفتش.. هذا مساعد نايم في الغرفة اللي جنبش..
بغيتي شيء قوميه..
أميرة زفرت تأففا في داخلها.. وهي تهمس للجليلة التي انتهت في سرعة صاروخية من اللبس:
طمنيني..
الجليلة لحقت بشهاب وهو بالكاد يصل السيارة وتهتف بقلق: شهاب وش فيه روعتني..
شهاب بحزم وتأثر: مافيه شيء يا بنت الحلال..موضوع بسيط..
أبوفرات تعب ووداه حمد للمستشفى ومي بروحها في البيت.. لأنها كانت نايمة ولا صحاها عشان ما تتروع..
بس سكر باب البيت الداخلي عليها..
وفرات كلمني مهوب طيب.. متروع على إبيه وخايف على بنته..
تنهدت الجليلة: مسكينة ذا البنية تكسر الخاطر...
مع انتهاء الجليلة من عبارتها كان هاتف شهاب يرن وهو يرد باستعجال:
فرات والله إني في الطريق..
.................................
أقل من خمس دقايق واحنا عندها..
.....................................
معي أختي..
بنزلها عند مي.. وبأروح لهم المستشفى.. لا تحاتي..
....................................
لا تحاتي يا ابن الحلال... أنا موجود.. ازهل..
زفر شهاب: بيستخف فرات .. بيستخف بمعنى الكلمة من المحاتاة...
مابعد سمعته في حياتي كلها طاير نفسه مثل اليوم..
صمتت الجليلة دون تعليق.. لا تتخيل هذا الفرات المتجبر متفاعلا أو حساسا ولديه شعور بالآخرين ..
وأنه مثل بقية البشر الآخرين قد يقلق ويتأثر ويهتم..
تشعر أنه أقرب ما يكون إلى آلة بشرية.. منه إلى مخلوق بشري..
وصلت سيارة شهاب إلى بيت فرات.. تجاوز البوابة التي فتحها له الحارس بناء على توصية فرات..
كان منزلا فخما وضخما بصورة مبالغا فيها..
بدا المكان غير مريح للجليلة كما هو كل مايرتبط بفرات غير مريح..
شهاب فتح الباب عن طريق الرقم السري الذي أعطاه له فرات.. وهتف باستعجال: انتي ادخلي.. وكيفش أنتي والبنية..
تصرفي معها وقولي لها الشيء اللي تشوفينه مناسب..
أنا بروح للمستشفى.. إذا رجعوا هنا رجعت معهم.. وخذتش.. وبيننا تلفون..
الجليلة دخلت وأغلقت الباب خلقها..
كانت تشعر بعدم الارتياح المتزايد... كيف تدخل منزلا غريبا.. لا تعرف فيه أي شيء..
وليس أي منزل.. وليس منزل أي شخص.. بل منزل فرات بحد ذاته!!
أكثر شخص في العالم تعاني من شعور التحفز تجاهه..
ويفترض أن تقوم بمهمة (بيبي سيتر) في هذا المنزل الغريب .. وهي حتى لا تعرف مكان غرفة الطفلة التي يجب أن ترعاها..
دخلت على بهو واسع جدا وفخم جدا.. مخيف في اتساعه وفخامته.. كان أول انطباع لها عن المنزل أنه بلا روح..
يشبه المنازل التي نراها على صفحات مجلات الديكور.. لكي يبقى على صفحات مجلات الديكور.. لا لكي يسكنه بشر حقيقيون..
الشيء الحقيقي الوحيد في المكان.. كان رائحة خفيفة وفي ذات الوقت عميقة دافئة تنبعث من المكان بطريقة أثيرية..
رائحة عود مختلط بمسك أو ورد..
ابتسمت الجليلة بشجن: أكيد هذا عطر الشيبة الله يعطيه الصحة والعافية..
دارت الجليلة في البهو قليلا وهي تشعر بالحرج ولا تعرف أين تتجه.. رأت في أحد الأطراف مدفأة ضخمة
هتفت في نفسها (مدفأة وفي الدوحة!! قلت من البداية بيت حق الديكور موب الاستخدام..
آلي نفس صاحبه)
فوق المدفأة مجموعة من الصور لفرات ووالده وولديه وحامد.. لفت انتباهها كثير من التفاصيل.. صور فرات مع أولاده في مناسبات متعددة كان حاضرا فيها كلها سعيدا ومحتويا وفخورا بهما..
حامد وميدلياته وبطولاته..
وأجمل مالفت انتباهها أبوفرات بجدائله الفضية.. همست بابتسامة (والله إن مساعد صادق.. إنه جنتل ومزيون..)
تزايد شعورها بالحرج وهي تشعر باقتحامها خصوصيات البيت وأهله وهي مازالت لم تتجاوز البهو.. فكيف لو صعدت تبحث عن الفتاة..
لذا تناولت هاتفها واتصلت بشهاب وطلبت منه أن يسأل حمد الصغير عن مكان غرفة أخته لأنها محرجة ويستحيل أن تفتح كل الأبواب..لذا تريد التوجه مباشرة لغرفتها..
اتصل بها شهاب بعد دقيقتين وأخبرها عن مكان غرفة مي.. صعدت بسكون وهي فعلا محرجة ولولا هذه الظروف الاستثنائية..
كان يستحيل أن تعبر خطوة صاعدة للأعلى حتى لو تم سحبها سحبا..
اتبعت التعليمات وهي تتجاوز بعض الأبواب.. حتى وصلت إلى باب غرفة قال إنها ستعرفها من الرسم على بابها..
كان الباب أبيض اللون ككل أبواب البيت.. ولكنه اُستخدم كخلفية للوحة جميلة ودقيقة.. ابتسمت الجليلة وهي تهمس بإعجاب: بصراحة فنانة..
كانت اللوحة تستخدم إطارات الباب كجزء من التصميم ومتداخلة معه.. وهي تصور شباكا مفتوحا يطل على حديقة والستائر تطير من الهواء..
فتفصل اللوحة بواسطة الشباك بين عالمين.. السكون والألوان الترابية داخل الغرفة.. والضجيج والاخضرار خارجها..
وقفت الجليلة تفكر ماذا تفعل.. هل تدخل وتجلس حتى تصحو الفتاة؟؟
هل توقظها؟؟
ختاما رأت أن الحل الأفضل أن تطرق الباب لتوقظها أولا
لأن مي لو صحت من النوم ووجدت الجليلة معها في الغرفة ستصاب بالرعب لا ريب..
طرقت الجليلة الباب عدة مرات حتى فتحت مي الباب وهي تفرك عينيها وتهمس بقلق: حمد وش فيه؟؟
حين رأت الجليلة اتسعت عيناها صدمة.. بينما الجليلة ابتسمت: حد كذا يقابل ضيوفه متروع كذا؟!!
رغم استغراب مي الكبير لكنها همست بخجل ودود وهي تمسح على شعرها المتطاير وتنظر في بيجامتها: دقايق بس أغسل وأبدل وأجيش..
همست الجليلة بمودة: مافيه داعي أنا مثل أختش الكبيرة لا تنحرجين..
ثم أردفت : عادي أدخل..
مي همست بحرج أكبر وهي تنزاح جانبا: آسفة أسفة تفضلي.. حياش الله..
رغم غرابة وجود الجليلة في بيتهم في هذا الوقت بل استحالتها.. ولكن براءة مي وكونها نصف نائمة لم يجعل عقلها يركب صورة مناسبة..
الجليلة دخلت بهدوء وهمست بذات الهدوء: غرفتش تجنن.. راقية وناعمة نفسش..
ثم أردفت بحنو: ارجعي نامي.. ياحبيبتي.. وراش جامعة أكيد..
عطيني بس مصحف.. ونامي..
حينها بدأ عقل مي يجمع شيئا فشيئا وهي تتناول هاتفها لترى الوقت (هذي داقة علي الباب الساعة 2 في الليل عشان تقول عطيني مصحف وارجعي نامي!!)
حينها صرخت مي بجزع: إبي فيه شيء؟؟ وإلا جدي؟؟ وإلا عمي حامد؟؟
شدتها الجليلة وهي تقول في نفسها (أنا كنت أقول وش فيها ماخذة الأمور ببساطة) وهمست لها بتهدئة: والله كلهم طيبين..
بس عشانش في البيت لحالش.. عمش شهاب جابني أقعد معش..
حينها قفزت خارجا.. والجليلة تركض خلفها.. توجهت فورا لغرفة جدها في الطابق العلوي..
فجدها كان عنده غرفتي نوم.. أحدها في الأعلى معهم..
والأخرى ملحقة بالمرسم..
المرسم له بابان أحدهما للداخل والآخر للخارج.. القسم الخاص بالممرض كان بابه للخارج يجاور باب المرسم الخارجي.. حتى يكون قريبا من أبي فرات خصوصا في فترات النهار والقيلولة التي كانت غالبا في غرفته في المرسم..
والليلة كانت مي تعلم أن جدها نام في غرفته في الأعلى وأن حمد نام معه.. والاثنان ناما مبكرين..
فتحت الباب بقوة لتتفاجأ بالغرفة خالية.. حينها انهارت مي على أرضية الغرفة تبكي..
الجليلة جلست جوارها واحتضنها بحنو.. لتتعلق مي بحضن الجليلة وشهقاتها تعلو..
وكل الخيالات المريعة تتصاعد في خيالها..
والجليلة تربت عليها وتهمس بتهدئة عميقة حنونة: والله العظيم إنهم طيبين..
خذي كلمي أخيش واساليه..
مي تناولت هاتفها رأت عدة اتصالات من والدها.. ونقرت رقم حمد حين رد عليها صرخت باكية:
وينكم؟؟ وين جدي؟؟
................................
وليه ماقومتني؟؟
...............................
من شنو خايف علي؟؟
إلا كلكم تعاقبوني عشان ماعرفت أتصرف هذيك المرة مع جدي
أنهت مكالمتها.. تعالى صوت بكاءها مرة أخرى..
بينما الجليلة تهدئها..
وهي في محاولات الاتصال..رن هاتفها باسم والدها.. شدت لها نفسا عميقا وهي تحاول التجلد.. وتهمس بمودة مختنقة:
هلا يبه فديتك..
................................
والله طيبة
................................
تروعت شوي يوم مالقيت جدي
...............................
إيه عندي..
...................................
صحيت من النوم لقيتها عندي.
كانت الجليلة تعرف أنه يسالها عنها... وهي تشعر في داخلها بالحرج والضيق يتصاعد
ولكن لأجل شهاب فقط تتحمل كل ذلك..
كان لمكالمة فرات التي طالت قليلا دورا كبيرا في تهدئة مي.. وهي تنهي المكالمة وتهمس للجليلة بخجل: أنا آسفة
جابش ابي من بيتكم وازعجناش في ذا الليل..
أنا آسفة والله.. الحمدالله إبي طمني على جدي..
يقول نوبة عادية.. وإنهم شوي وراجعين..
الجليلة برقي وثقة: أبدا أنتي مثلش مثل أميرة..
ولو أميرة مكانش.. مارضيت إنها تقعد في البيت بروحها في الليل..
رغم أن الجليلة لفت انتباهها وصف مي لتعب جدها أنه نوبة عادية.. ولكنها كعادتها يستحيل أن تبدي فضولا لا يليق بها.. لذا صمتت..
بينما همست مي بأدب: خلاص تعالي خلينا نقعد في الصالة.. بسوي لش قهوة وإلا كابشتينو والا شاي.. أي شيء تبينه..
عندي مكينة قهوة وكل أشكال القهوة والشاي.. ولا عندي حد أجرب مهاراتي عليه.. ومافيه حد أصلا يزورني..
*****************************
اليوم التالي..
"طمني على حامد"
يتنهد فرات وهو ينظر لحامد النائم ويرد على شهاب: إجمالا وضعه زين..
بس يحتاج وقت من الصوبين طبيا وقانونيا..
هتف شهاب بمساندة وشهامة: ماعليه بتزين يا أخيك.. وأي شيء تبيه أنا حاضر..
أنت عارف إني مكانك هنا..
فرات يتنهد بإرهاق مازال لم ينم من البارحة ويكاد ينهار من التعب.. يشعر بضياع لم يشعر به في حياته كلها:
أدري يا شهاب إنك ماتقصر.. وإنك بتسوي أكثر من اللي تقدر عليه..
بس هذا شفت اللي صار البارحة.. هذا وحمد موجود..
وعقب أسبوع تقريبا حمد لازم يسافر..
وأنا هنا ما أقدر أخلي حامد..
وبنتي وإبي في الدوحة..
وأنا.. أنا.........
يشعر فرات إنه سيختنق.. على طرف لسانه كلام يغص به.. يريد أن يقوله... ويكره أن يقوله..
يشعر أنه مضطر لقوله وفعله لأن هذا هو الحل الوحيد أمامه..
ولكنه في ذات القوة يشعر أنه يخون مبادئه وما يؤمن به..
يشعر أنه يخون مبادئ راسخة متعمقة عاشت في وجدانه زمانا طويلا..
حتى شكلت شخصيته ونظرته وتعاطيه مع الأمور..
يشعر أنه يضحي بنفسه فعليا من أجل والده ومي.. ولايجد أمامه حلا آخر..
منذ البارحة وهو يقلب الأمور في ذهنه .. فلا يجد حلا سوى هذا..
يجده تفكير متسرع جدا.. لا يليق برجل في سنه ولا مكانته..
ولكن ليس عنده وقت ليفكر في حلول أخرى.. عدا أنه لا توجد حلول.. لا توجد..
فكر في كل شيء.. حتى في قرار إحضار والده ومي هنا..
ولكن والده رفض قطعيا.. وحاول إقناعه بكل الطرق..
حتى غضب والده منه وهو يموت ولا يُغضب والده..
هتف له شهاب باستغراب: فرات اشفيك؟ مهيب عوايدك.. تردد في الكلام..
ولا هوب أصلا بيننا إنك تردد في الكلام..
فرات يشعر أنه فعليا يغص بالكلمات ليس جبنا إطلاقا.. ولكن كراهية لما سيقوله.. هل يعقل أن يمضي عمره كله مقتنعا بفكرة ما..
حتى ينسفها رغما عنه رغم شدة إيمانه بها وألمه الشديد أن ينسفها بهذه الصورة؟!!
يشعر كما لو أن حياته كلها تتهاوى أمامه.. وأنه يدخل نفسه سجنا مرعبا أبديا لا فكاك منه...
ولكنه من اجل والده ومن أجل مي مستعد لهكذا
تضحية بهذا المستوى الأزلي ..
تضحية تتجاوز حتى التضحية بنفسه على حبل المشنقة..
هتف بحزم رغم أنه كان يختنق.. هتف بكلمات كان يتمنى أن يموت فعليا قبل أن يقولها:
شهاب بسألك عن شيء وجاوبني..
الحين أنت تعرفني عدل وتعرف أخلاقي.. وفي نفس الوقت تعرف أفكاري وقناعاتي عن المرأة العربية...
عشان كذا بسألك هل تظن لو أنا في يوم تزوجت امرأة عربية.. إني ممكن أهينها؟؟ أو أضايقها؟؟ أو أقصر عليها؟؟
أو ما أكون لها سند حقيقي؟؟
أو أخليها تحتاج غيري؟؟
أو أجرحها بكلمة؟؟
+
شهاب بثقة بالغة: مستحيل.. لأنك رجال عندك مروءة ..
واللي عنده مروءة مستحيل يهين زوجته أو يضيمها..
شد فرات له نفسا عميقا كان يختنق به.. كان يبصق مرارة الكلمات ووحشيتها وقسوتها..
وهو يحاول رصفها بكل الاحترام والتقدير رغم أنها تقتل كل مافيه.. تقتله حتى أخر رمق فيه ونفس وإيمان:
يعني لو خطبت الجليلة منك..
بتردني وإلا بتوافق عليّ؟؟
فرات يشعر أنه فعليا يغص بالكلمات ليس جبنا إطلاقا.. ولكن كراهية لما سيقوله.. هل يعقل أن يمضي عمره كله مقتنعا بفكرة ما..
حتى ينسفها رغما عنه رغم شدة إيمانه بها وألمه الشديد أن ينسفها بهذه الصورة؟!!
يشعر كما لو أن حياته كلها تتهاوى أمامه.. وأنه يدخل نفسه سجنا مرعبا أبديا لا فكاك منه...
ولكنه من اجل والده ومن أجل مي مستعد لهكذا تضحية بهذا المستوى الأزلي ..
تضحية تتجاوز حتى التضحية بنفسه على حبل المشنقة..
هتف بحزم رغم أنه كان يختنق.. هتف بكلمات كان يتمنى أن يموت فعليا قبل أن يقولها:
شهاب بسألك عن شيء وجاوبني..
الحين أنت تعرفني عدل وتعرف أخلاقي.. وفي نفس الوقت تعرف أفكاري وقناعاتي عن المرأة العربية...
عشان كذا بسألك هل تظن لو أنا في يوم تزوجت امرأة عربية.. إني ممكن أهينها؟؟ أو أضايقها؟؟ أو أقصر عليها؟؟
أو ما أكون لها سند حقيقي؟؟
أو أخليها تحتاج غيري؟؟
أو أجرحها بكلمة؟؟
شهاب بثقة بالغة: مستحيل.. لأنك رجال عندك مروءة ..
واللي عنده مروءة مستحيل يهين زوجته أو يضيمها..
شد فرات له نفسا عميقا كان يختنق به.. كان يبصق مرارة الكلمات ووحشيتها وقسوتها..
وهو يحاول رصفها بكل الاحترام والتقدير رغم أنها تقتل كل مافيه.. تقتله حتى أخر رمق فيه ونفس وإيمان:
يعني لو خطبت الجليلة منك..
بتردني وإلا بتوافق عليّ؟؟
هتف شهاب بحزم وبلا تردد رغم شعوره بالألم العميق..فهذا فرات.. فرات!! :
طـــبــعــا بـــردك!!
شهق فرات بصدمة حقيقية رغم أنه كان يتوقع هذا الرد من شهاب لمعرفته به ولكن سماعه الرد بنفسه مختلف عن توقعه له:
تردني وأنا أخيك ورفيق عمرك؟!!
شهاب بذات الحزم الذي لم يتزحزح: ولأنك أخي ورفيق عمي أردك..
فرات أنت تعرف زين ولا يحتاج أقولك إنه علاقتي فيك ما أبدلها بالدنيا..
وإنه لو يخيروني بين العالم كله.. وبينك.. ما اخترت حد عليك..
بس أختي أمانة ما أفرط فيها..
فرات أنا أكثر من يعرفك.. ووالله لو كنت عارف إنك تبي أختي ومقتنع فيها كزوجة
كان يوم زواجكم أفرح يوم في حياتي كلها..
بس أنت ما تبيها كزوجة.. أنت محتاجها كزوجة.. فرق كبير..
ولا وأنت مضطر للزواج بعد.. مهوب رغبة في الزواج..
فرات بحزم: أنت ليه تقول كذا؟؟
شهاب بثقة: فرات قبل كم يوم.. يوم خطبها ولد آل الطيار كنت أنت موجود..
ويوم عطيناه ردنا بالرفض كنت أنت موجود بعد..
تذكر وش قلت لي يومها؟؟
وعلي العموم أنا ما أحتاج أتذكر وش أنت قلت ذاك اليوم.. أنا عارف من عمر إن هذا تفكيرك وقناعاتك..
لكن تجديدك له قبل ماتخطب أختي بأيام.. هذا دليل إنك تخطبها مضطر..
وأختي يا سنايدي تستاهل واحد يبيها لنفسها...
لشخصها هي بس..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
.
.
يتنهد فرات وهو يتذكر ماحدث قبل أيام..
كان في مجلس شهاب..
ولا يعلم ماهو الإحساس الخفي الذي دفعه للقدوم حين أخبره شهاب أن آل الطيار سيأتون له الليلة..
علم أنهم قادمين لأخذ الرد.. وشهاب لم يقل له شيء..
لم يقل له هل وافقت أخته أو رفضت..
في داخله إحساس غير مفهوم يخبره أنه لا بد أن يعرف ردها..
وفي داخله ضيق متسع لأنه كان متأكدا أنها ستوافق.. فهو شجع شهاب أن يوافق..
وشهاب أساسا كان مقتنعا جدا به..
فالخاطب رجل لا عيب فيه إطلاقا..
ولكنه فوجئ باعتذار شهاب منهم..
وبدا الغضب في وجوههم وهم يغادرون...
ورغم شعور فرات بارتياح غير مفهوم.. لكنه سأل شهاب بثقة:
ليه تردونه؟؟ فيصل مافيه قصور؟؟
زفر شهاب: صاحبة الشأن رفضته..
كان فرات يهتف في داخله (وش عندها الميكافيلية شايفة حالها على العالم؟!!
الرجال مافيه عيب.. ليه ترفضه ست الهانم؟؟)
سأل فرات: طيب مهوب كنت تقول لي إنك مارح تسمح لها تضيع حياتها.. وتخليها ترفض الخطاطيب مثل يوم كنت غايب؟!!
استند شهاب للخلف وهتف بثقة: مهوب من أول مرة عاد أشد معها..
هي كانت عندها مبررات مع إني كنت غير مقتنع فيها بس هي مقتنعة فيها.. عشان كذا رديته..
أعاد فرات ظهره للخلف بالمثل وهو يهتف بحزم: الله يوفقها ويريح بالك..
ابتسم شهاب نصف ابتسامته المعتادة: وأنت متى بتريح بالي؟؟
معقولة يا فرات ذا السنين كلها من توفت أم حمد.. مالقيت حد يقنعك تتزوج؟!!
شبك فرات كفيه أمامه وهتف بقناعاته التي لا تتزحزح:
مرة تركي سألني نفس السؤال.. إنه ليه ماتزوجت مرة ثانية؟؟.
وجوابي هو نفسه.. وضعي ومكانتي مايسمح لي أتزوج أمريكية مرة ثانية..
وعربية مستحيل أتزوج... هذا اللي قلته له..
لكن لك أقول : كفاية اللي جا عايلتي كلها منهم..
كل مصايبنا من وراهم.. وأنت بنفسك أكثر واحد عارف كل شيء..
والغريب إنهم كانوا يتعاونون مع بعض في المصايب بدون اتفاق.. كل وحدة فيهم مصيبة متنقلة بروحها تسد عين الشمس..
الله يكفيني شرهم.. ويبعدهم عني..
.
.
كان هذا كلامه قبل أيام..
لا يستطيع التنصل منه..
حتى لو لم يقله من أيام.. فشهاب يعلم كل هذا وأكثر..منذ سنوات صباهم الأولى..
ومع ذلك هتف فرات بإصرار: وفرضا إني أبي أتزوجها لأني مضطر..
سبب الزواج ما يعيبني ولا يعيبها.. أنا وهي شخصين ناضجين..
وكم من الزواجات الناجحة تمت بصورة اضطرارية..
هتف شهاب بصرامة: بس مهوب زواج الجليلة.. الجليلة لا...
الجليلة يافرات.. ماعاشت عمرها.. أنا كنت مسجون في مصر..
وهي مسجونة هنا.. راح صباها كله.. وهي قايمة بدور أمي وإبي..
ما تنام الليل من هم ذا الأيتام اللي في رقبتها..
ما يكون جزاها عندي وأنا أشوفها خيرة نساء العرب.. إني أزوجها واحد المرأة العربية عقدة حياته..
وبيشوف فيها صورة لكل امرأة عربية..
لا وخطبها لأنه مضطر.. مهوب لشخصها..
الجليلة تستاهل أحسن من كذا..
قلت لك : تستاهل واحد يبيها لنفسها..
هتف فرات بنبرة مقصودة: طيب وهي رفضت فيصل مع إنه جاء وخطبها لنفسها..
يمكن هي عندها وجهة نظر خاصة في اللي تبي تتزوجه..
يمكن أكون أنا مناسب لمتطلباتها في الزوج..
شهاب بذات الثقة: رفضها لولد آل الطيار.. مهوب مبرر إنها تقبل فيك..
وأرجوك يافرات.. سكر الموضوع..
أنا عارف إنك خطبتها عشان مي وإبيك..
خلاص ازهلهم.. لا ينشغل بالك..
مي بجيبها لبيتنا.. وأنا ومساعد بنروح نقعد عند عمي حمد..
فرات بمنطقية: وأنت تشوف ذا حل منطقي؟؟..
بنتي قاعدة في بيتكم؟؟... وش بيقول الناس عليها؟؟..
تظن إنهم بيصدقون إنكم ما تدخلون بيتكم أبدا..
وهذي سمعة بنتي يا شهاب..
عدا إنها أصلا مارح ترضى تخلي جدها..
شهاب يعلم أن فرات محق في كلامه وأنه لو كان في مكانه سيرفض..
لكنه يحاول البحث عن حل يبعد فرات عن الجليلة..
كان شهاب في داخله يتمنى لو أنه خطب مي لمساعد كحل جزئي لهذه القضية..
ولكنه شعر أن فيها قلة مروءة لا يرضاها على نفسه.. فهو يعلم أن فرات يرفض إطلاقا تزويج مي وهي في هذا العمر..
وكونه يخطبها منه في هذا الوقت تحديدا.. كأنه يلوي ذراعه لأن فرات هو صاحب الحاجة..
وإن وافق سيوافق ويبقى إحساس الذنب والقهر يرافقه.. عدا أنه سيكون غير موجود ليزوجها وهو ابنته الوحيدة ويعلم قيمتها عنده.. وهذا شيء لا يرضاه لفرات...
كانت كل هذه الأفكار في رأس شهاب وهو يهتف بنبرة أقرب للغضب:
يعني أزوجك أختي عشان شهر أو شهرين بتقعدها في ألمانيا؟؟.
صاحي أنت؟!!
يتنهد فرات فهو يتفهم شهابا جيدا.. وأبدا ليس غاضبا منه.. ويتفهم وجهة نظره بل ويؤيدها.. فكلاهما يفهم الآخر وردات فعله وتفكيره بصورة مذهلة..
وكان فرات يعرف من البدء أن هذا سيكون رد شهاب.. وأنه سيرفضه.. ويعلم أن معه حق.. ولكنه مازال يحاول إقناعه..
فهي عنده مسألة حياة أو موت.. لا سبيل للعبث معه فيها..
لذا هتف فرات بحزم وإصرار: شهاب أنت عارف إني مفروض تزوجت من زمان.. أنا محتاج زوجة فعلا تكون في البيت..
مي صغيرة.. وقدامها سنين لين تتزوج وتستقل..
وإبي رجال مريض.. والنوبة تتكرر عنده..
وأنا رجّال مشاغلي كثير..
لكن اللي ماخلاني أتزوج إني كنت عارف إني مارح ألقى زوجة بالمواصفات اللي أبيها..
نسب يرضيني ويشرفني.. ومرة قوية عن ألف رجال متطمن إنها وراي في البيت..
ما أحاتي مي ولا حمد ولا إبي في وجودها..
وأنا من اللي عرفته عن أختك: مستحيل ألقى حد مثلها ولا في مواصفاتها..
وتأكد إني بشيلها فوق رأسي.. وأنت عارف أصلا ذا الشيء..
تتوقع إني ممكن أضايق زوجتي مهما كان؟؟.. فكيف وهي أختك؟؟.. أخت شهاب!!
شهاب بضيق متزايد: لا تظن يا فرات إني ردي لك مهوب مضايقني..
بس ما أقدر يا أخيك أوافق.. ما أقدر أوافق..
لا تحطني بين النار والغار..
لاحظ إنك في مبرراتك ماجبت لنفسك طاري.. تبيها في البيت مع إبيك وولدك وبنتك..
أنت تبي تتزوج الجليلة كموظفة في بيتك.. موب سكن لروحك..
وذا مهوب قدر الجليلة عندي.. ولا أرضاه لها أبد..
سامحني يا أخيك.. بس أنا ماني ب موافق.. وانتهينا من ذا الموضوع..
هتف فرات بحزم عاتب: يوم جاك فيصل آل الطيار وخطب.. قلت له بشور البنت وأرد عليك..
ومارديته إلا عقب ماهي رفضته..
فليش ما تعاملني على الأقل مثله؟!!
شهاب بدهشة: يعني تبيني أشور الجليلة؟؟
فرات بثقة: حقي وحقها..
شهاب بثقة: فرات هي أصلا ماخذة منك موقف من تدريسك لها..
و أنت عارف بعد إني مارح أدس عليها شيء.. بقول في حقك الزين والشين..
فرات بذات الثقة البالغة: أبد علمها بكل اللي تعرفه عني.. أعرف إنك مارح تبخسني حقي.. وبتشهد بالحق..
خذ رأيها أول.. وردها اللي هي بترده أنا متقبله..
وفي حال وافقت عليّ حمد بيوقع عقد الزواج نيابة عني بالتوكيل اللي معه..
وتروح لبيتي..
وإذا أنا رجعت.. سويت لها عرس ماصار في الدوحة كلها مثله..
**********************************
"خلاص أميرة .. لا تبكين..
إن شاء الله بتعوضينها.."
تمسح أميرة دموعها وهي تنظر لضي التي تهون عليها.. كانت لا تريد أن يراها بقية المتواجدات في الكافتيريا..
كن ثلاتهن يجلسن على طاولة في الزاوية.. ضي وأميرة والجليلة..
كن مصدومات بعد ظهور نتيجة أخر امتحان نصفي للجليلة وأميرة.. تأخرت نتيجته قليلا..
وككل الامتحانات السابقة: أميرة رسبت.. والجليلة أحرزت الدرجة النهائية..
كان الحوار مستمرا بين ضي وأميرة بينما كانت الجليلة مستغرقة في تفكير عميق..
كانت تفكر كيف يمكن أن تحل موضوع أميرة حلا مناسبا.. فهذا الوضع غير مقبول.. وينذر أنها ستحصل على إنذارها الجامعي الأول..
هتفت ضي وهي تربت على كف الجليلة: وش فيش ساكتة؟؟ ترا الموضوع بسيط إن شاء الله وإن شاء الله بتعوضها..
كان الرد رد أميرة المختنقة: أشلون أعوضها؟؟ أنا رسبت في كل المواد.. وفي مادتين منهم .. من الحين رسوبي فيها مؤكد..
هتفت الجليلة بحزم: أميرة لازم تنسحبين من الفصل بسرعة.. خلونا نروح التسجيل الحين..
اتسعت عينا أميرة جزعا: أنسحب من الفصل؟؟
تنهدت الجليلة بذات الحزم: مافيه حل ثاني.. الفصل رح ينحسب عليش وأنتي راسبة في كل المواد .. وش فايدة إنش تستمرين فيه؟؟
أميرة بذات الجزع: لا لا ما أبي..
ضي بمساندة: أميرة ماكنت أبي أقول إن هذا الحل.. بس الجليلة معها حق.. أحسن حل تنسحبين من الفصل كله.. حرام تستمرين..
والفصل الجاي تدرسين من جديد كأنه أول مرة.. وما ينحسب لش الرسوب..
أميرة أرخت عينيها للأسفل وهي تهمس بضيق: ما أقدر أقعد في البيت والجليلة في الجامعة..
اتسعت عينا ضي عجبا: ليه تبين المرضاعة صدق؟؟
تنهدت الجليلة: ماعليه انسحبي من الفصل.. وتعالي معي الجامعة في محاضراتي متى ما بغيتي..
المهم تنسحبين.. حرام تكملين الفصل..
حينها همست أميرة باختناق: بس قولي لشهاب أول إني بانسحب..
نظرت الجليلة لأميرة بحزم حان: هي في النهاية دراستش أنتي.. لا هي دراستي ولا دراسة شهاب..
***********************************
" والله يا حبيبتي وضعه زين؟؟"
كانت صيتة تتحسس عبود باهتمام.. تثني أطرافه.. تراقب مؤشراته الحيوية..
وتهمس بارتياح: الحمدلله.. الحمدلله..
يهتف لها سند بمودة: من اللي جايبش؟؟
ابتسمت صيتة وأشرق وجهها: إبي فديته.. يوقف السيارة في المواقف وبيجي الحين يطل على عبود..
هتف سند بعتب: ماكان تعبتي عمي.. أنا كان جيتش وجبتش..
صيتة تجلس وتهتف بمودة: كفاية البارحة أنتي جبتني هنا..
وبعدين على كل حال أنا وإبي بنروح نجيب فهدة من المدرسة عقب شوي..
سند جلس مقابلا لها وهتف بشجن: طيب ارفعي نقابش أشوف وجهش..
همست صيتة بخجل: ماعليه.. خله أحسن.. أخاف يجي حد من عيال عمك وإلا خوال عبود..
صمت سند.. لا تعرف أن رؤية التواء شفتيها وهي تتكلم أحد أجمل متعه في الحياة إلى جانب النظر في عينيها..
بعد ثوان من الصمت هتف لها بحزم: وبيتنا متى بنروح تشوفينه؟؟ البيت يبي تعديلات واجد..
أنتي بس قرري وش تبين.. وخلي الباقي علي..
تنهدت صيتة .. تقف على أرض رخوة تميد بها.. مازالت غير مستعدة لكل هذا.. همست بمودة: ماعليه فديتك.. يوم يومين..
لحد الحين وش كثر يجيني ناس في بيت هلي يسلمون علي..
سند يرفع حاجبا: ويقدرون يجونش في بيتش.. ترا بين بيتش وبيت هلش عشر دقايق.. مهوب بعيد..
وترا تصرفاتش صيتة مهوب مفهومة لي..
قلت لش أول ماجينا.. اعتذرتي.. قلت لش البارحة واحنا راجعين مع فهدة بعد اعتذرتي..
هل فيه شيء أنتي مخبيته علي؟!!
أنقذها من الرد طرقات والدها على الباب.. وهو يدخل ويسلم ويقبل جبين عبود..
دون أن يستشعر أن في الجو شرارات كهربية غير مريحة..
*****************************
"مهوب مفروض تقول لإخي حمد عن موضوع خطبتك؟!"
تنهد فرات وهو يضع كتابا كان يقرأ فيه جانبا: ماني ب قايل له شيء.. لين يردون علي بالموافقة..
ولو ردوا بالرفض مارح أبلغه أساسا..
حامد باستغراب: طيب ليه؟؟
فرات بحزم: لعدة أسباب.. أول شيء لو رفضوني.. أخاف ينشب إخيك أبوفرات في رقبتي وهو له سنين مخليني بحريتي..
بيقول دامك خطبت واقتنعت إنك تخطب.. مو مهم الشخص.. المهم الفكرة..
يعني يمكن يلح علي أخطب وأتزوج.. وأنت عارف إنه ما أقدر أزعّل أبو فرات ولا أرده في شيء..
الشيء الثاني أكيد لو قلت له بيقول لحمد ومي.. وأنا أبي أنا اللي أقول لهم.. تعرف موضوع مثل ذا ما أبيهم يسمعونه من غيري..
وخصوصا مي.. وإلا حمد أصلا له سنين يلح علي أتزوج..
ابتسم حامد بإرهاق: وأنا معه لي سنين ألح عليك.. كنت أقول حرام واحد مثلك شباب وصحة ومال وثقافة.. وش يمنعه يتزوج؟؟
مادريت إنك ذا السنين كلها تتنى شهاب وأخته..
تنهد فرات وهو ينظر أمامه لشيء غير مرئي: لكل مقام مقال.. ولكل آن أوان..
مازال حامد مبتسما بشفتيه الممزقتين وإحدى عينيه شبه مغلقة يحيط بها إزرقاق واضح:
عقبالي.. أرجع الدوحة وأتزوج..
ابتسم فرات وهو يربت على كتفه: خلنا الحين نلصمقك قبل نورط بنت الناس فيك..
ثم أردف باهتمام باسم: خاطري أدري ذاك اللاعب وش قال لك خلاك تضربه في المباراة..
مع إنك وعدتني إنك ماعاد تسمح لأحد يستفزك داخل الملعب..
تنهد حامد بغضب وهو يتذكر: من أول المباراة وهو يستفزني ويدزني.. ويقول لي كلام وسخ وسخ.. وأنا ساكت وماسك أعصابي..
على الأخير ما تحملت الكلمة اللي قطها وكنت بايعها بايعها.. ومستعد للكرت الأحمر..
بس سبحان الله جات الضربة على الكيف.. بكوعي في نص صدره أقوى شيء..
وبينت احتكاك طبيعي غير مقصود.. وهو اللي خذ الكرت الأحمر.. مهوب أنا..
فرات بتساؤل: ليه وش قال؟؟
حامد بغضب: الواطي شتم أمي أقوى شتيمة ممكن تتخيلها.. زين ماسحبت لسانه برا حلقه وقصيته..
***************************
"يا حيا الله أميرات هادي!!
حن مهوب زوجناكم وافتكينا منكم
وش فيكم مبلطين عندنا؟؟
باقي مزنة نخلص منها.. ونسكر بابنا من دونكم.."
قفزت غالية لتقبل أنف خالد.. ثم انحنى ليقبل رأس دانة التي قفزت لتتلقى قبلته واقفة..
وهي تهمس بمودة عميقة باسمة:
تبي تبين إني أختك العجوز تدنق عليّ..
ابتسم خالد: إنش عجوز.. دنقت عليش وإلا وقفتي..
دانة تتأفف بمرح: عجزت عظام عدوينك.. مازلت في عز شبابي وصباي..
اللي يشوفني أنا وغالية يحسب إنها الكبيرة..
نظرت غالية لدانة شزرا وهي تضحك: نعم!!
خالد يشير لغالية بعينيه بينما يهمس بخفوت مسموع: ابلعيها ..حرام لا تكسرين خاطر أختنا العجوز..
دانة بعتب مازح: أشوفك صاف مع حشاشة الشيبان عليّ.. مهوب كفاية الكل في صفها؟؟
ابتسم خالد وهو يجلس بين دانة وغالية.. ومزنة تجلس مقابلة له.. ومد يده ليحتضن كتفي غالية ويقبل أعلى رأسها ويهتف بمودة عميقة مرحة:
غالية رصيدها عليّ زايد عليكم لأنها اللي تحبني صدق.. وعندها شجاعة علمتني بكل شيء..
ابتسمت مزنة: زاد رصيدها عشانها بنت عاقة عصت أمي؟؟
ضحكت غالية: لا تخربين انتصاري عليكم.. أنا ماعصيت أمي.. هي ماحلفت.. والضرورات تبيح المحظورات..
تبادلوا الحديث بمودة بعضا من الوقت أخبرهم فيه خالد عن بعض تفاصيل رحلته للصين وغرائبها.. كان يتبادلون الأحاديث بأريحية بعد اطمئنانهم على والدهم..
كانوا مطمئنين لوضع والدهم.. وأن الحل بات قريبا إن شاء الله..
مع انحدار الأحاديث لنهايتها وقف خالد وهو يهتف لمزنة بحزم:
مزنة يا أخيش.. تجهزي للسفر.. أي شيء تحتاجينه قولي لي.. نبي نخلص ونسافر في أسرع وقت..
العيال محمد وسعود ماقصروا.. خلصوا 80 بالمية من الترتيبات.. يعني باقي أشياء بسيطة جدا ونسافر..
دانة برجاء: عادك مصر إني ما أسافر معكم؟؟ يعني سعود يرخص لي وأنت تعيي!!
تنهد خالد بحزم: دانة يا نظر عيني.. ماله داعي تخلين رجالش وبيتش..
الحين يبي لنا هناك فحوص جديدة مطولة شوي..
وقبل يسوي إبي العملية بيوم تعالي..
غالية برجاء: وأنا؟؟
خالد بمودة: وأنتي بعد تعالي إذا جابر مرخص لش..
بس تجون قبل العملية بيوم وتقعدون أسبوع واحد وترجعون ..
مزنة وغالية معا: بس...
خالد مقاطعا بحزم ومودة: بدون بس..
خالد صعد للأعلى وهو يهتف لغالية: غالية.. جايب شوي ألعاب تعليمية عجيبة لسعودي.. تعالي أعطيش إياها وأوريش كيف تشغلينها..
حين غادر الاثنان التفتت دانة لمزنة باهتمام باسم: بيننا حديث ماخلص.. يا السكنية..
قلتي لي ردة فعله رح أتفاجئ منها ومو بس تفاجأت .. انصعقت..
أنا كنت متوقعة إنه إذا رجع بتقوم الحرب العالمية الثالثة في بيتنا لأنه ماعلمناه عن مرض إبي..
صدمني كيف كان رايق.. ومتقبل كل شيء.. حتى مع الحزن الشديد اللي حسيته فيه.. كان رايق ومتقبل..
وقلتي لي بقولش عقب..
وهذا إحنا صرنا عقب.. علميني..
تنهدت مزنة وهي تتذكر حوارها مع خالد قبل سفره.. وتخبر دانة به..
.
.
.
قبل سفر خالد...
"خالد وش تبي عشا فديتك؟؟"
خالد مازال بملابسه الرياضية يجلس في الصالة...
بعد أن جاءه اتصال يخص العمل.. عطّل مخطط النوم المبكر..
وكان يرسل بعض الرسائل حين فاجأته مزنة بالسؤال..
ابتسم بإرهاق: زين جيتي اقعدي أبيش في موضوعين؟؟
مزنة جلست وهي تنظر له وتهمس بقلق: وجهك مهوب زين كلش؟؟
خالد بذات الابتسامة المرهقة: اقعدي مافيني شيء..
أبيش في كلام مهم..
مزنة جلست وهي تشير بعينيها ويديها.. وش السالفة؟؟
خالد ابتسم: هم سالفتين متداخلتين.. أول شيء.. مهندس إبراهيم في الصين حاليا يتفق على عدد من الصفقات..
وصارت عنده مشكلة.. ولازم أروح له.. سالفة أسبوع أو أسبوعين.. يمكن أكثر شوي..
مزنة ابتسمت بمودة: تروح وترجع بالسلامة.. ولو أن الدوحة من غيرك ما كن فيها حد..
ابتسم خالد: غريبة بالعادة ما تنافقين.. ولا تعرفين المجاملة..
ابتسمت مزنة: لأني لا أنافق ولا أجامل..
خالد بذات الابتسامة: جعلني ما أخلا من أختي الجميلة..
ثم أردف بجدية: المهم أبيش تخلين بالش من أمي وإبي.. خصوصا كني طولت أكثر من أسبوع..
واطرحي العين على غالية.. تراها مهيب عاجبتني..
وحتى دانة خلي بالش منها.. ترا ماعادها مثل أول.. طالبش يا أخيش..
حينها ضحكت مزنة: طيب وأنا من بيخلي باله مني؟؟
ابتسم خالد وهتف بتقدير عميق: أنتي غير عنهم.. أنتي الوحيدة اللي لا سافرت.. أحس إني مخلي وراي رجّال يُعتمد عليه.... ما أحاتي العرب وراي..
ضحكت مزنة: عاد ما أدري هي سبة وإلا مدحة.. بس ازهلهم كلهم.. سافر وأنت متطمن إنك مخليهم في أيدي أمينة كلهم..
ولو تبي توصيني على بيوت جيراننا اللي في الشارع كلهم.. ازهل بعد يا أبو هادي..
ثم أردفت بابتسامة: طيب وخلصنا من الموضوع الأول.. وش الموضوع الثاني؟؟
ابتسم خالد: قلت لش مرتبط شوي بالموضوع الأول..
توريدات الشغل يساعدني فيها واحد من عيال الجماعة.. عنده شركة توريد..
رجّال والنعم.. قبل فترة خطبش مني..
بس وقتها كان ذاك القاضي خاطبش.. وكنت متأكد إنش بتوافقين عليه.. عشان كذا اعتذرت منه..
تنهدت مزنة بسكون: طيب؟؟
خالد بذات الابتسامة: البارحة كنت مواجهه عشان الشغل.. رجع فتح الموضوع معي..
والليلة يكلمني منحرج يذكرني..
وأنا والله ماكنت ناسي..
الرجال من الجماعة.. فيه خير...مصلي.. عمره مناسب.. وضعه مناسب... وبعطيش كل التفاصيل عنه...
بس اللي مرددني إنه قد تقدم لش أحسن منه بواجد.. وعييتي..
مزنة تنهدت بحزم: خالد أنت عارف السبب..
أنا أستخير.. والمشكلة إنه عمري ما قررت من استخارة وحدة..
يعني مثلا القاضي اللي خطب قبل كم شهر.. و أنت كنت مصر عليه جدا..
أنا كنت مقتنعة فيه جدا.. قاضي وشاب ومتدين.. ومثقف... بس صليت استخارة عشر مرات..
انحدر صوتها قليلا: كل مرة ألقى نفسي منصرفة عنه أكثر.. لحد اخر استخارة كنت كل ما نمت حلمت احلام مرعبة هو فيها كلها...
تنهد خالد وهو يهتف لها بحنو: مزنة.. أنتي ماشاء الله ماشاء الله أجمل خواتي وأعقلهم.. وأكثر وحدة انخطبت فيهم..
بس العمر يركض .. والفرص رح تقل.. فكري مرتين قبل ترفضين..
مزنة ابتسمت: حسستني عمري 40 .. ترا عمري 29 .. وما بيني بينك إلا عشر شهور يا الشايب..
ثم أردفت بذات الابتسامة الرزينة: طيب علمني عن عريس الغفلة.. من هو ووش مواصفاته؟
يمكن انعمي على قلبي ذا المرة..
ابتسم خالد وهو يهتف لها بجدية: رجّال محترم.. في أول الثلاثينات..
متدين وخلوق.. وعنده شركة صغيرة ولها مستقبل..
مزنة باهتمام: وتعليمه؟؟
اتسعت ابتسامته رغم شعوره بالإرهاق: مامعه إلا ثانوية.... ومهوب من أهل الثقافة أبدا..
قاطعته مزنة ضاحكة بشفافية: لا أرجوك خالد.. أنت عارف وجهة نظري في الموضوع..
قضية التعليم مهمة عندي..
ثم أردفت بجدية: ووالله مهوب استنقاص من أي حد ماكمل تعليمه.. وأنت عارف..
بس دامه لا مكمل تعليمه.. ولا حتى مثقف.. مارح يصير بيننا تفاهم كلش..
أنت عارفني دودة كتب.. وأبي في أقرب فرصة أكمل الدكتوراه..
يعني الفارق بيتسع بيننا أكثر..
كانت تتوقع أن خالد قد يعصب قليلا كعادته.. لكنه فاجأها أنه ابتسم:
خلاص بأعتذر منه قبل أسافر عشان ما أعلقه على الفاضي..
اتسعت ابتسامة مزنة بشجن.. حينها ضربها خالد بحنان على كتفها وهو يهتف بحنو باسم:
وش ابتسامة معجون الأسنان ذي؟!!
همست مزنة بشجن عميق: ما عصبت كالعادة شويتين!!
ابتسم وهو يقف مغادرا: ما لي مزاج أعصب الليلة.. خليها للمرة الجاية..
.
.
همست دانة بابتسامة: وانا أقول وش فيها مزنة خانقتني باهتمامها من يوم سافر خالد.. غثتني من كثر ما تدقدق..وتسأل..
أثرها وصية خالد.. مهوب اهتمام من جنابش..
ضحكت مزنة: اتقي الله يا البوارة!!
همست دانة باهتمام: طيب كملي.. مابعد فهمت ليه توقعتي ما يعصب.. وفعلا صدق توقعش..
تنهدت مزنة وهي تنهمر بالكثير مما حدث في الفترة الماضية:
أنتي عارفة يا دانة إن خالد عيبه الوحيد كان العصبية والعناد.. كان دايما مولع وعصبي..
لكن عدا ذلك كان قمة في كل شيء.. حنون ونفّاع وكريم ومهتم بكل تفاصيل تفاصيلنا..
وكنا دايما نقول وندعي لو أن الله يفكه بس من العصبية..
وكنا نقول بعد (الحلو ما يكمل).. ومتقبلين عصبيته عشان كل الأشياء الحلوة اللي هو يمثلها لنا..
المهم لما سافر خالد.. أنا وهو كان بيننا تواصل مكثف.. يعني كنت عينه ويده هنا..
بصراحة كنت متوقعة إنه لا وصل الصين إنه بيولعها حريقة..
لأنه الأخطاء اللي سواها مدير شركته المهندس إبراهيم.. أخطاء ما يسويها غشيم مبتدئ..
يعني شيء يقهر.. يقهر.. يقهر.. لو أعلمش مارح تصدقين..
حتى اللي مايعصب وأعصابه في ثلاجة لازم يولع لا عرفها..
لكنه فاجأني إنه تعامل مع كل شيء بهدوء ودبلوماسية بدون أي نوع من العصبية..
أنا استغربت صراحة استغراب كبير جدا...
وكل يوم كان فيه مشكلة كبيرة.. ومع كذا ولا مرة عصب.. كنت أكلمه ويعطيني تفاصيله هو مروق.. ويقول لي الحلول اللي اتبعها..
ويوم بعد يوم وأنا أشوفه مروق أكثر مهما كانت مشاكل كبيرة ومستعصية..
عشان كذا كنت متوقعة إنه مارح يعصب لا درا إن شاء الله..
وترا اللي ردني إني ما أقول له.. مهوب خوف من عصبيته.. لكن طاعة لأمي..
وخصوصا إني كنت عارفة إنه مايقدر يسوي شيء زيادة.. أساسا فصيلته مختلفة فهو مستبعد..
فليش نشغله... خله يخلص شغله.. وإذا طلعت النتايج النهائية وهو مارجع..
كنت بقول لأمي نكلمه ونقول له ارجع..
همست دانة بتأثر بالغ: يا عمري يا خالد..
همست مزنة بحزم رغم إحساسها بالتأثر: رحلة خالد ذي خلتني اكتشف أشياء كبرت خالد في عيني وهو أصلا كبير من أول..
أشياء عمره ماقالها لنا.. وأنا أقول لش الحين.. مهوب من باب كشف سر
حاشا لله..
لكن من باب التذكير بأشياء جميلة عظيمة نغفل عنها...
دانة باستغراب: أثرتي فضولي.. مثل أيش.. أنا أقرب وحدة فيكم لخالد.. فشنو اللي أنتي عرفتيه وأنا ماكنت أعرفه؟؟
مزنة بمودة كبيرة: أولها كان يكلمني يوصيني أسوي أشياء هي روتينية أصلا .. بس اهتمامه فيها .. يا الله أثر فيني!!
قال لي: ترا إبي بيجيب مونة البيت.. قولي له إنه جابها كاملة مافيها شيء ناقص..
بس تراه بيكون ناسي أكثر من نص الأغراض..
واحيانا بينسى يجيب المونة أصلا.. ويعتقد إنه جابها...
روحي جيبيها أنتي.. لا تقولون له شيء..
وأنتي يادانة تعرفين إنه سوالف المونة عمرنا أصلا ما انشغلنا بها.. دايما كانت من اختصاص إبي وخالد...
قال لي لا تنسين تعبين مشارب العصافير اللي في الحوش..
ولا تنسين تعطين السواق فلوس يغير فلاتر برادات السبيل اللي ورا البيت..
ويوم الجمعة عطيه عود يبخر المسجد ..
تفاصيل صغيرة وكانت قدامنا.. وعمرنا ما سألنا من اللي يهتم فيها..
من اللي يعبي الماي للعصافير؟؟ من اللي يغير فلاتر البرادات ؟؟
كل شيء كان هو يسويه بدون مايقول..
ويوم بدا الشهر وهو مارجع ..قال لي اشتري مونة تكفي حق ثلاث بيوت متفرقة.. وعطيها السواق.. هو عارف وين بيوديها..
دانة باستغراب: لمن؟؟
ابتسمت مزنة بشجن عميق: ما سألت.. بس ناوية أسوي مثله..
وأتوقع إنه فيه أشياء أكثر من كذا ما نعرفها بعد.. هذا غير تفاصيل ثانية كان يصدمني فيها كل ما أحتاج شيء هنا...
ثم أردفت بابتسامة أوسع: تعرفين دانة.. خالد كان دايما يذكرني بزميلة معي في
المدرسة..
هذي الزميلة من أكرم الناس وأخير الناس وأطيب الناس...
لكن كل الزميلات يتحاشون يتعاملون معها من قد ماهي عصبية.. وضعها في العصبية أسوأ من خالد بعد..
خاطري أعرف وش خلاه يتحكم في عصبيته أقوله لها.. كاسرة خاطري..
لأنه الانسان مهما كان عنده صفات جميلة ومافيه مثلها.. عدم قدرته على التحكم في العصبية يخرب عليه كل شيء... وممكن يخرب حياته كلها..
دانة بابتسامة: حكم يا أبلة مزنة..حكم..
مزنة تعدل ياقتها وتهمس بابتسامة: طول عمري أقطر حكم!!
همست دانة بنبرة مقصودة: إن شاء الله تستفيدين أنتي من حكمتش..
**************************
"كذا يامها كذا... اليوم ثالث يوم من وصولي!!"
مها تجلس بعد السلام الحار مع صيتة وتهتف بابتسامة: وش أسوي؟؟ كله في سبيل الرشاقة..
البارحة الأولة ليلة وصولش.. كنت تعبانة..
أمس رحت خذت لي فيتامينات وريدية وحديد من قد ما أنا مرهقة.. وقعدت طول اليوم تعبانة..
اليوم قمت نشيطة... قلت يا الله.. باتجاه صيوت..
ثم أردفت بمرح: بعدين جوجو قالت لي إنش صايرة باربي.. قلت لازم أروح أشوف بنفسي..
طلعتي باربي دبل..
يا أختي الرشاقة جميلة.. بس خلاص ستوب ستوب.. هذي رشاقة تجاوزت الحدود..
ضحكت صيتة: أنتي ورجالش متفقين.. نفس الكلمة قالها لي.. هذي رشاقة تجاوزت الحدود..
تأففت مها في داخلها (مهيب ذي الرشاقة اللي عليت قلبي وحرقتني عشانها..
الحين عند أختك صارت متجاوزة الحدود!!)
بينما كانت صيتة تفتح الفوالة التي أحضرتها مها معها وتهمس بمرح:
أنتو يا أهل الدوحة أصلا ناوين تخربون رشاقتي.. كل من جاني.. جا ساحب وراه عيشة بيته كلها..
ثم أردفت بتذكر: خلني أدق على متعب يجي يذوق شغل المدام.. هذا هو موجود في المجلس..
مسكين يقول إنه من العملية وأنتي في بيت هلش..
خلاص بسش .. مات المسكين من القعدة بروحه..
أكملت بمرح: وأنا أخبره مغرم صبابة.. ما يداني تبعدين عنه..
مها فزعت في داخلها (لا تنادينه تكفين صيتة تكفين) ولكن رجاءاتها الداخلية ذهبت أدراج الرياح..
وصيتة تتصل بمتعب وتهمس بمرح: تعال أبيك الحين داخل البيت..في الصالة.. مابه حد غريب.. بس تعال بسرعة..
مع انتهاء صيتة من مكالمتها كان حزام يطرق الباب ويستأذن الدخول..
مها عدلت وضع شيلتها وغطت وجهها بها وهي ترحب بحزام:
حيا الله الشيخ حزام اللي ماعاد نشد من بنت خالته..
دخل حزام باسما وهو يشير بيده بالسلام: أوه أم ريمي هنا.. وأنا أشوف الشواذي يلعبون في الحوش.. أحسبهم جايين مع متعب..
مها بمرح ومودة : بناتي شواذي يا الزرافة!!.. (الشاذي= القرد)
حزام ضاحكا: مهوب ذابحش أنتي ورجالش إلا ذا الطول..
همست مها بمودة: خل عنك القرقرة وتعال تقهوى وأقدع..
حزام برفض وتقدير: خيرش واجد يا أم ريم.. أنا جاي في مهمة..
ثم التفت لصيتة: صيتة حضرة اللواء بيجي لمجلس النسوان يبي يسلم عليش..
صيتة قفزت : خلاص روح فديتك وخله يجي.. أنا دقيقتين ألبس عباتي و أنتظركم في المجلس...
ثم ألتفتت لمها: مها حبيبتي رخصي لي.. بس خمس دقايق أسلم على إبي جبران وأجيش..
قهوي متعب براحتش بدون عزول..
صيتة غادرت وحزام غادر.. ومها تتلفت حولها
(يا لهوي.. كلهم راحوا وخلوني!!)
كانت تريد مكانا تهرب إليه قبل أن يأتي متعب.. فهي مازالت غير مستعدة للمواجهة..
عدا أنها لا تريد مخالفة أوامر سعود السامية التي لا تعرف مبرراتها..
وهو طلب منها بشكل صريح ألا تقابل متعب ولا تتكلم معه..
ولكن لم يكن هناك وقت ولا طريق.. ومتعب يطرق الباب ويدخل وهو يقول بمرح:
هذا أنا جيت.. عسى عندش شيء يستاهل؟!
******************************
"هلا فديتك..
اقعد اقعد.. اقهويك.. وأقول لك سالفة مهمة عندي!!"
شهاب يجلس وهو يتلفت حوله ويهتف بحزم: أنا بعد أبيش في سالفة مهمة..
بس غريبة وين أميرة؟؟
تنهدت الجليلة: هي أصلا اختفت من المكان يوم أنت جيت.. عشان أقول لك عن الموضوع لأنها يخصها..
شهاب بتساؤل: يخص أميرة؟؟
الجليلة تجيبه بمودة: إيه فديتك؟؟
شهاب بصرامة: يخصها.. هي تكلمني فيه.. ماتحط بيننا وسيط..
الجليلة بعتب: الحين أنا صرت وسيط..
شهاب بذات الصرامة: دامه موضوعها هي.. وأنتي اللي تكلميني فيه.. فأنتي وسيط...
عشان كذا أنا بطلع لها عقب شوي..
وأسمع منها..
تنهدت الجليلة: طيب اللي ودك..
شد شهاب له نفسا قلقا فهو ليس مرتاحا لما سيقوله.. فرات في عينيه الصديق الأفضل في كل الكون..
وقد يكون في قرارة نفسه يتمنى لو كان يستطيع أن يزوجه الجليلة.. ولكنه ليس موافقا.. ليس موافقا.. هتف بحزم:
وعلى العموم زين إنها راحت.. عشان الموضوع اللي بكلمش فيه خاص فيش أنتي..
******************************
غالية غادرت غرفة خالد بعد أن أخذت ألعاب سعود.. ومعها ألعاب مشابهة لها أحضرها خالد لبنات مها قال لها أن تعطيها دانة وتعلمها على طريقة تشغيلها..
دخل الحمام ليستحم بسرعة.. فعنده موعد مهم في شركته.. ولا يريد التأخر عليه..
لم يعلم أن الموعد كله سيتم إلغائه.. وهو يسمع رنات هاتفه ترتفع من خارج الحمام..
ثم تصمت...
خرج وارتدى ملابسه على عجالة وتعطر وهو يتناول هاتفه ليرى من المتصل حتى يعيد الاتصال به وهو خارج..
ولكنه انهار جالسا.. انهار بمعنى الكلمة حينما رأى اسم المتصل..
+
الاسم الذي خزنه قبل خمس سنوات..
ثم حاول مؤخرا ولعدة مرات أن يمسحه ولكنه فشل..
كان اسم
الـــــجــــــــازي!!!
صيتة غادرت وحزام غادر.. ومها تتلفت حولها
(يا لهوي.. كلهم راحوا وخلوني!!)
كانت تريد مكانا تهرب إليه قبل أن يأتي متعب.. فهي مازالت غير مستعدة للمواجهة..
عدا أنها لا تريد مخالفة أوامر سعود السامية التي لا تعرف مبرراتها..
وهو طلب منها بشكل صريح ألا تقابل متعب ولا تتكلم معه..
ولكن لم يكن هناك وقت ولا طريق.. ومتعب يطرق الباب ويدخل وهو يقول بمرح:
هذا أنا جيت.. عسى عندش شيء يستاهل؟!
دخــــــل مــــتـــعــــب..
ليجد أمامه (مايستاهل.. ويستاهل ويستاهل)..
وقف للحظة عند الباب..ينظر لمها..
(صدق إني غبي..
بناتي يلعبون برا..
يعني ماطرا علي إنهم جايين مع أمهم..
ليش كل اللي في بالي إنهم جايين مع خالتي)
كانت تجلس أمامه بعباءتها وشيلتها.. كانت قد نقصت حوالي 10 كيلوات من وزنها..
ولكن لأن وزنها كبير.. فهذا الفقد مازال لم يشكل فارقا حقيقيا واضحا للعيان..
عدا أن متعب لم ينتبه حتى..كان مشغولا بالنظر إلى تفاصيلها التي أضناه الاشتياق لها..
بدت في عينيه مرهقة.. بالغة العذوبة بإرهاقها المتبدي في كل تفاصيلها..
حتى هالاتها السوداء بدت له فاتنة حتى حدود الهلوسة..
كان مشتاقا مستنزفا من الشوق..
وخلفه منزل صامت كقبر مهجور..
وهي أمامه يكاد يقطع الخطوات بينهما ركضا ليدفنها في أحضانه..
ولكن حسابات أخرى تمنعه..
المكان الذي يقفان فيه.. صالة بيت أهله.. مكان عبور الجميع..
طلب سعود منه ألا يكلمها..
(الله يأخذ عدوك يا سعود..
كنك ملوع كبدي أنت وتشراطك اللي كنه وجهك
جعل يحكم عليك أبو خالد إنك ماتكلم بنته إلا بمواعيد)
ولكن مها الآن أمامه.. وتجاهلها جارح لها وله... وهو لا يريد تجاهلها لا يريد..
كيف يدعي تجاهلها وكل مافيه يحترق انتباها..
لا يليق بهما هذا التجاهل.. عدا أنه لم يسعَ لمقابلتها.. بل المقابلة سعت له..
( شيباننا يقولون : لا تنطب الرزق!
وأنا ماني بغبي أنطب رزقي يوم جاني!!)
تقدم خطوتين ليهتف بمودة لا تخلو من رسمية مدروسة تماما: مساء الخير يا أم ريم...
مها كانت تنظر له منذ دخل وتدقق في تفاصيله..
(وش عنده الأخ متزكرت كنه رايح عرس؟؟
لا وأنا حالتي حالة..
وبعدين كنه ضاعف.. وإلا يتهيأ لي؟؟
إيه يموت في الرشاقة )
همست بنبرة مشابهة.. مدروسة في مودتها ورسميتها: يمسيك بالنور يا أبو ريم..
اقترب أكثر ليجلس قريبا منها لكن ليس القرب الذي يريده.. ولكن قرب يتيح له النظر بشكل أكثر حميمية.. وهتف بذات النبرة المدروسة:
أشلونش؟؟ كيف صحتش؟؟ عسى ماتعبتي من العملية؟؟
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
حينها لم تستطع إلا أن تقول كلاما حاولت منع نفسه من قوله ولكن لم تستطع.. لم تستطع وهي تجيبه بنبرة مقصودة:
زين تذكرت تسأل عقب ذا الوقت كله...
حينها نظر لها بشكل مباشر وهتف بنبرة مقصودة: بركاتش أنتي وأخيش المبجل..
أنتي هجيتي من بيتش..
وسعود ما صدق.. كنها جاته من السما عشان يعاقبني..
ترا عيب يا مها.. عيب.. ست سنين متزوجين عمره ماطلعت لنا سالفة برا بيتنا
وكان هذا اتفاقنا من يوم تزوجنا..
مهما صار بيننا مشاكل نحلها بيننا..
لأنه أي موضوع بين الزوجين سهل حله.. لكن لا طلع برا.. وكثرت الأطراف فيه..
صعب حله..
اتسعت عينا مها دهشة وهي ترد عليه بغضب مكتوم:
الحين صار الغلط غلطي..
وأنت البريء اللي ماسويت شيء..
متعب بحزم: ماقلت إني ماغلطت.. أنا غلطان.. بس عطيني فرصة أنا أحل غلطي..
حينها انفجرت مها.. انفجرت رغم أنها كانت تتكلم بأقل طبقة صوتية ممكنة حتى لا يسمع أحد ما حوارهما:
وأشلون تحلها؟؟ وأنت تجهز لزواجك المبارك؟؟
******************************
"يبه..
والله مهما شكرتك.. مايوفي حقك عندي
تكلفت واجد وتعبت نفسك"
هتف الجد جبران بمودة راقية وهو يعيد فنجان القهوة الفارغ إلى حزام الذي يتولى مهام القهوة:
يا أبيش إلا سامحيني.. مالي عذر إني أبطيت..
كان لازم سويت كذا من سنين..
غير والله ما طرا علي.. تعرفين إني متقاعد من سنين.. ولا أحب أستخدم منصبي أصلا..
ولو أني ما شفت فهدة تبكي مشتحنة عقب مارجعت من عندش
ماكان طرا علي.. دموعها كنها موقظتني من نومي..
والفلوس كلها فداها.. وش فايدتها كنها مافرحت اللي نحبهم..
صيتة التي كانت تجلس أمامه بعباءتها ونقابها همست بدهشة عارمة: فهدة تبكي مشتحنة؟؟ (مشتحنة= مشتاقة)
ابتسم الجد جبران: تراني ماعلمتش بشيء.. ذا شرطها..
ابتسمت صيتة بشجن وتأثر.. كان خبرا جميلا بشفافية: أبدن ماعلمتني بشيء..
بينما حزام هتف باحترام باسم: وانا عادي أقدر أفتن على أم لسانين؟؟
ابتسم الجد جبران بتقدير: ما تسويها يا أبو عبدالمحسن..
ثم أردف وهو يوجه الحوار لصيتة بحزم ودود: صيتة يا بنتي.. أنتي عارفة غلاش وغلا فهدة..
وتراني إبيش وجدها.. وأي شيء تبونه أنا حاضر..
ولا تخلين فهدة تقطعنا.. ترا روحي أنا وجدتها متعلقة فيها..
صيتة هتفت بتقدير واحترام عظيمين: يبه أنت وأمي فهدة المبدين.. فهدة بنتكم.. وهي أصلا تبيكم أكثر ما تبيني..
حينها هتف الجد جبران بمرارة متجذرة.. جذورها عميقة عميقة: هذي بنت صقر يا أبيش.. بنت صقر!!
صقر اللي قعد حسرة في روحي حي وميت.. وحسرته بتقعد معي لين ربي يأخذ أمانته..
*********************************
"هلا فديتك..
اقعد اقعد.. اقهويك.. وأقول لك سالفة مهمة عندي!!"
شهاب يجلس وهو يتلفت حوله ويهتف بحزم: أنا بعد أبيش في سالفة مهمة..
بس غريبة وين أميرة؟؟
تنهدت الجليلة: هي أصلا اختفت من المكان يوم أنت جيت.. عشان أقول لك عن الموضوع لأنها يخصها..
شهاب بتساؤل: يخص أميرة؟؟
الجليلة تجيبه بمودة: إيه فديتك؟؟
شهاب بصرامة: يخصها.. هي تكلمني فيه.. ماتحط بيننا وسيط..
الجليلة بعتب: الحين أنا صرت وسيط..
شهاب بذات الصرامة: دامه موضوعها هي.. وأنتي اللي تكلميني فيه.. فأنتي وسيط...
عشان كذا أنا بطلع لها عقب شوي..
وأسمع منها..
تنهدت الجليلة: طيب اللي ودك..
شد شهاب له نفسا قلقا فهو ليس مرتاحا لما سيقوله.. فرات في عينيه الصديق الأفضل في كل الكون..
وقد يكون في قرارة نفسه يتمنى لو كان يستطيع أن يزوجه الجليلة.. ولكنه ليس موافقا.. ليس موافقا.. هتف بحزم:
وعلى العموم زين إنها راحت.. عشان الموضوع اللي بكلمش فيه خاص فيش أنتي..
الجليلة بمودة: قول فديتك..
شد شهاب له نفسا عميقا.. حين عرض عليها الخطبة السابقة.. خطبة فيصل آل الطيار كان الموضوع في غاية اليسر عليه..
لكنه يشعر الآن أنه صعب.. صعب جدا.. حين رفض فرات فورا.. كان الموضوع محتملا.. غير معقد وسيبقى بينهما..
لكن إصرار فرات على الأمر أحرج شهاب وأحزنه.. لأنه يعلم أن عدم تقبل فرات للرفض هو إصرار مستميت على الجليلة..
ومهما كان هذا فرات.. فرات!! نبض روحه!!.. ويعلم أن الجليلة سترفض.. والرفض سيأتيه مرتين.. وهذا سيجرحه أكثر..
عدا أنه ستتسع دائرة من عرفوا برفضه لفرات.. وهو من كان يرفض الزواج طوال هذه السنوات.. وهذا سيحرجه أكثر وأكثر..
ولكن في الختام تبقى هذه حسابات شخصية وعاطفية تخصه هو وفرات.. والجليلة تستحق الأفضل..
هتف شهاب بمودة عميقة لا تخلو من تفكير: أنتي أكيد تعرفين قدرش عندي ما يحتاج أقول لك ولا أبين لش..
أنتي عيني اليمين وفرات عيني اليسار..
صمتت الجليلة لأنها استغربت المقدمة (وش دخل فرات في الموضوع؟!)
بينما شهاب أكمل: اسمعيني جليلة زين.. يشهد الله علي إني بقول لش الصدق.. لا أزيد كلمة ولا أنقص...
مهما كان هذا موضوع يخص أغلى اثنين على قلبي..
فرات إنسان نادر.. نادر.. يمكن أندر وأفضل إنسان يمكن تواجهينه في حياتش.. بس ما أخفي عليش.. فيه جوانب معقدة في شخصيته..
الجليلة أسبلت عينيها وشبكت يديها وهي تهمس بحرج بالغ مختلط بحزمها الرقيق:
أنت ليش تقول لي ذا التفاصيل عن دكتور فرات.. وش داعي ذا الكلام؟؟
تنهد شهاب وهو يلقي بقنبلته: لأنه فرات خطبش..
اتسعت عينا الجليلة وهي تهتف بصدمة حقيقية: دكتور فرات خطبني أنا..؟؟
شهاب تنهد: ليه تظنين أمزح في مواضيع مثل ذي؟؟
الجليلة شعرت بخجل عظيم ..لم يظهر في ثقتها بنفسها: ما توقعت صراحة ولا حتى واحد في المليون..
شهاب ابتسم: ليه هو بيلاقي في الكون كله أحسن منش؟!!
الجليلة مازالت مصدومة ومحرجة (فرات! فرات!) : لأنه لو يبي يتزوج.. كان تزوج من سنين ما انتظر لين الحين..
والسبب الثاني.. بصراحة أنت عارف إنه أنا وهو ما كان بيننا توافق أبدا كأستاذ وطالبة.. فما توقعت إني ممكن أخطر بباله كزوجة...
شد شهاب يد الجليلة بمساندة وهتف بثقة : شوفي يا جليلة أنا مارح أخبي عليش شيء..
بس اللي أقوله لش.. لازم يقعد بيننا.. مهما كان فرات صديق عمري كله..
طبعا مارح أقدر أقول لش أسراره ولا أكشف لش جوانب تعتبر شخصية في حياته..
لكن بقول لش كل شيء يخص شخصيته.. وبعض التفاصيل اللي ممكن تساعدش تفهمين.. بعضها مو كلها..
طبعا صفاته اللي أنتي تعرفينها بس من باب الشهادة بالحق أعيد أذكرش فيها: إنه متدين مصلي دكتور مثقف وضعه المادي ممتاز.. من عرب أجواد..
لكن أنا بزيد وأقول :فرات مارح تلاقين من هو أكثر شهامة ولا كرم ولا مرجلة منه..
فيه صفات مثالية جبارة صعب تجتمع في شخص واحد..
ووجوده في حياة أي إنسان نعمة حقيقية.. فهو نعم الابن ..نعم الاب.. نعم الأخ.. نعم الصديق.. نعم الإنسان في تعامله الإنساني...وممكن يكون نعم الزوج.. عدا عيب واحد..
الجليلة باستغراب: واحد ذي كلها مواصفاته.. وما يكون نعم الزوج!!
زفر شهاب بشفافية : فرات عنده عقدة متعمقة من المرأة العربية.. يكرههم.. وعنده إنهم سبب كل مصايب الكون..
وعشان كذا تزوج أمريكية.. وعشان كذا ما تزوج مرة ثانية عشان مايضطر يتزوج عربية..
الجليلة مازالت تتلقى الصدمات في هذا الموقف الغريب المحرج الذي يزداد غرابة وحرجا:
غريبة!! متعقد كذا بدون سبب؟؟
شهاب بثقة: لا عنده أسباب.. وأسباب قوية.. بقول لش بعض تفاصيلها.. اللي ممكن يكون بعض الناس عارفينها..
لكن اللي تعتبر أسرار لعايلة فرات ما أقدر أقولها..
شهاب حكى لها بعض التفاصيل الغريبة.. بعضها فقط.. واحتفظ بالكثير حفاظا على مايعتبره أسرارا لصديقه..
وأردف في ختام كلامه بصدق: ما أكذب عليش.. يمكن أنا في كثير أشياء ما أقدر ألومه.. اللي يده في النار مهوب مثل اللي يده في الماء..
واللي مر فيه كان صعب.. لكن اللي ألومه عليه هو التعميم..
يعني إذا هو مر بنماذج سيئة.. النماذج الزينة أكثر وأكثر.. وبعدين إذا كان وقتها مراهق وطفل صغير..
الحين هو رجال ناضج مثقف عنده تجربة كبيرة في الحياة.. ما أتقبل منه فكرة إنه يصنف كل نساء العرب في ذا النظرة..
الجليلة هزت كتفيها باستغراب كبير: طيب دام عنده ذا العقدة الكبيرة من المرأة العربية ليش يخطبني؟؟ ليش؟؟
شهاب بكل الشفافية والصدق :لأنه موجود في ألمانيا مع عمه مصاب ومايقدر يرجع.. ومحتاج مرة قوية تكون في بيته مع بنته وإبيه..
محتاج مرة بمواصفاتش تحديدا..
وأنا ما أخفي عليش إني رديت عليه بالرفض.. لكن هو أصر إنش أنتي اللي ترفضين أو تقبلين..
الجليلة تسرب لداخلها شعور خفي بالضيق أن شهاب تصرف بالرد نيابة عنها ودون العودة لها في أمر يخصها وحدها..
ولكن لأنه شهاب لا تستطيع أن تعتب عليه أبدا مهما كان مايقوله أو يفعله..
الجليلة نظرت له مطولا وهي مازالت صامتة.. استحثها شهاب: أقول له منتي ب موافقة؟؟
تنهدت الجليلة وهمست بمنطقيتها الراقية : حتى لو كنت أنا بناء على اللي أنت قلت لي أميل للرفض.. لكن ما يصير نرد بالرفض فورا لسببين..
الأول: مهما كان دكتور فرات رفيقك.. وله علينا فضل ما أنساه.. مايصير نرد عليه فورا بالرفض. هذا شيء فيه تقليل من احترامه وقدره..
الشيء الثاني: أنا أبي أصلي استخارة أول.. ومع إني لازم أصلي استخارة على كل حال..
لكن بصراحة فيه في خاطري جانب مهوب مرتاح للرفض..
الدكتور فرات شخص بمواصفاته عموما صعب ينرفض.. وهو فعلا محتاجني أنا شفت بعيني وضع بيته.. شيء في ضميري مهوب مرتاح..
وهو صاحب فضل ما أنساه..
أما عن سوالف عقدته من النساء العرب فهي ما تهمني.. لأني مارح أسمح لأحد أصلا إنه يقلل من قدري.. ولا عندي شك في قدري..
شهاب بإصرار: لا تفكرين أبدا توافقين رد لجميل فرات وذا الخرابيط.. والله أزعل منش..
فرات سوا جميله معي.. وأنا أرده له.. شيء بيني وبينه.. مهوب أنتي اللي تردينه..
تبين توافقين عليه.. كل شيء يخصه صار واضح أمامش..
توافقين عليه لشخصه هو.. مهوب عشاني ولا عشان هله..
تنهدت الجليلة وهي تقف.. بداخلها فوضى تفكير عارمة.. قبل أيام رفضت خاطبا.. واليوم يأتيها آخر..
وليس أي خاطب.. بل فرات!!..
في داخلها تحفز تجاهه زاد مع معرفتها لأفكاره الغريبة عن المرأة العربية..
لكنها في جهة ثانية ترى فراتا خيارا يصعب تجاوزه شكلا ومضمونا..
كل شيء فيه مُقاس بالمسطرة ومثالي لدرجة مرعبة..
عمره أخلاقه شكله وضعه الاجتماعي والمادي.. قربه من شهاب.. كل شيء مناسب تماما لها..
حتى عمر أولاده كان مناسبا..
عدا أمرين غير مقبولين: تحفزه الغريب تجاهها وهي طالبة عنده.. ثم صدمتها بعقدته الغريبة التي قد تجد لها مبررا فيما قاله شهاب.. ولكنها تبقى غير مقبولة من رجل في ثقافته..
ومن جهة ثالثة.. شهاب ذكر لها بشكل صريح أنه لن يتقبل رفضها المتكرر للخطّاب دون سبب.. بالكاد تقبل رفضها لفيصل.. لأنه لم يكن مقتنعا بأسبابها..
وتعلم أنه سيتقبل رفضها لفرات لأنه مقتنع بأسبابه هو في رفضه..
ولا تعلم هل سيتقبل رفضها لخاطب قادم.. وهي فعليا وصدقا لا تريد الزواج الآن.. وترك أميرة..
ولكن شهاب يصر أن التصاقها بأميرة هو سبب شخصية أميرة المهزوزة..
ومن ناحية رابعة لم تعد صغيرة.. فهي في الثانية والثلاثين.. وتخشى بتفكيرها العقلاني أن تقل فرصها في الزواج والانجاب..
كانت كل هذه الأفكار في رأسها وهي تتحرك للأعلى وشهاب أمامها متوجها لغرفة أميرة..
كانت تنظر لخطواته الثابتة المستقيمة.. وتعلم كم تخفي تلك الخطوات من الحزن الذي لا يظهره..
تعلم حتى وإن لم يشتكِ أن بداخله الكثير من الألم الذي مازال يكبته..
يا الله كم تحبه!! وكم تحترمه!!
وكم تشعر براحة بال في وجوده!!
لا تتذكر أنها نامت منذ سنوات طويلة براحة إلا بعد عودته..
كانت تنام بعين مفتوحة..
وهي تقفز من نومها كي تتفحص أشقائها الثلاثة.. وتدور لتتفحص الأبواب وتتأكد من إغلاق الأبواب..
حتى مع وجودهم جوار عمهم.. وتأكيدها المستمر لعمها أنهم دائما بخير.. حتى لا تقلقه..
ولكن لو دخل لص ما يعرف أن البيت ليس فيه إلا صبية صغيرة وأطفال.. فكيف سيعرف عمهم وهو في بيته؟!!..
وهي كانت محض صبية في الحادية والعشرين..
ومساعد طفل في الحادية عشرة..
كانت تنام ومسدس والدها تحت رأسها..
وتخفيه حتى لا يراه أشقائها فيخافون..
وبقي المسدس رفيقها حتى كبر مساعد.. حينها أعادته لعلبته في خزانة والدها..
لكنها بقيت تعجز عن النوم براحة وهم شهاب يطحن روحها طحنا...
لم تنم ملء جفونها إلا بعد عودته..
حينها وضعت رأسها على مخدتها باطمئنان..
كانت هذه الأفكار تلتهم رأسها وهي تتوجه لغرفتها بينما شهاب يتوجه للغرفة المقابلة لغرفتها
توضأت وصلت الاستخارة ودعت..
وهي تقرر أن تعيد الاستخارة مرة أخرى قبل نومها..
ثم قررت أن تفتح جهازها المحمول حتى تراجع بريدها الإلكتروني.. وتدرس قليلا في انتظار انتهاء القمة بين شهاب وأميرة..
حين فتحت البريد وجدت في رأس الإيميلات إيميلا شكّل إحدى أكبر الصدمات في حياتها..
و كانت مازالت تقرأه.. حين اقتحمت أميرة الغرفة عليها وهي تبكي بهستيرية:
تبين تتزوجين وتخليني؟؟
تبين تتزوجين وتخليني؟؟!!
الجليلة كانت تعاني من صداع حقيقي وفوضى حقيقية نتيجة لكل مايحدث وانفجار أميرة غير المفهوم كان أخر ينقصها..
كانت الجليلة تهدئها وهي تهمس لها بتهدئة: أي زواج الله يهداش؟؟
كان شهاب يدخل خلفها وهي تشير له باكية بهستيريتها الغير طبيعية: شهاب يقوله..
الجليلة التفتت لشهاب وهي تكتم غضبها وتهتف بحزم: أنت وش قلت لها؟؟
شهاب بحزم: ماقلت لها شيء يا بنت الحلال..
أميرة تأخرت وهي تجلس على طرف السرير باكية بينما شهاب يحكي للجليلة الحوار الذي حدث بينه وبين أميرة..
.
.
دخل شهاب إلى غرفة أميرة بعد الاستئذان فوجدها تطرز.. جلس جوارها وهو يهتم بمودة:
طلعنا عايلة مواهب مهوب بس بثينة..
همست أميرة بخجل: أحب التطريز.. بس ما أطرز واجد.. ومستواي موب مثل مستوى بثينة.. بثينة مبدعة..
هتف شهاب بنبرة مقصودة: كل واحد مبدع في الشيء اللي هو يحبه ومقتنع فيه..
أميرة ليست غيبة وتعرف أن قدوم شهاب لسبب هي تعرفه لذا همست بذات الخجل: الجليلة قالت لك عن الموضوع؟؟
هز شهاب رأسه وهو يقول بحزم: كانت تبي تقول لي بس أنا مارضيت..
قلت دامه موضوع يخص أميرة فهي تقول لي..
تنهدت أميرة باختناق.. تعلم أنه لن يغضب.. لكنها مازالت تشعر بحاجز بينهما.. ومن جانب آخر بما أنه أخوها الأكبر تخشى أنه سيغضب إذا لم يعلم بالخبر قبل وقوعه:
شهاب أنا أبي انسحب من الفصل..
شهاب بصدمة: ليش؟؟
انكمشت أميرة قليلا: أنا رسبت في كل المقررات..
تنهد شهاب وشد له نفسا عميقا ثم زفره: عادي انسحبي.. بس قدمي بعد على تحويل..
الفصل الجاي روحي تخصص انجليزي..
أو أي تخصص ثاني تحبينه..
اتركي الإدارة..
شهقت أميرة: لا شهاب لا.. أوعدك أشد حيلي..
شهاب احتضن كتفي أميرة وهتف بحنان حازم: يا أميرة يا عيني..
السالفة مبينة من أولها.. مارح تمشين في هذا التخصص..
حرام تضيعين أعصابش ومعدلش عليه..
أميرة باختناق همست بما تفكر: ما أبي أخلي الجليلة..
افلتها شهاب ووقف وهو ينظر لها باستغراب وصرامة: نعم؟؟ رجعنا على طير يا اللي..
وش ذا الكلام الغريب؟؟.. مافيه حد يقعد في تخصص عشانه يبي يلزق في حد ثاني..
طيب بكرة الجليلة بتتزوج.. وش بتسوين؟؟ تروحين معها بيتها يعني؟؟
أميرة قفزت بشكل مفاجئ وعينها تتغرغران بالدموع: من قال جليلة بتتزوج؟؟
شهاب بصرامة: أنا اللي أقوله.. لازم تتزوج.. لمتى وهي مضيعة عمرها..
ربتكم وانتهت مهمتها..
داخلة أنتي الحين على واحد وعشرين سنة..
في كل قوانين الدين والدنيا أنتي الآن راشدة..
حينها انفجرت أميرة باكية: مهوب من حقكم أنت وهي تقررون من وراي.. أنا عايشة معكم في البيت..
حقي أعرف.. ومهوب من حقها تخليني..
قالتها وهي تركض بسرعة متوجهة لغرفة الجليلة وتبكي بهستيرية.. وشهاب يلحقها لتنفجر انفجارها إياه في الجليلة..
وبعد إن انتهى شهاب من شرح الموضوع لجليلة.. تنهدت الجليلة وهي تجلس جوار أميرة وتحاول احتضانها بينما أميرة كانت متصلبة تماما..
لذا ربتت الجليلة على كفها وهي تهمس بحنو بالغ: يا حبيبتي يا أميرة.. أنا عندش مارح أروح مكان..
حينها هتف شهاب بغضب: أنتي ليه تكلمينها كذا كنها بزر.. وأمها رايحة البقالة وبترجع لها وتسكتها..
ثم وجه الحوار لأميرة بصرامة بالغة: أميرة اسمعيني.. الجليلة يجيها خطاطيب فيهم خير.. ولو ماتزوجت الحين.. بتتزوج في أقرب فرصة.. حطي ذا الشيء في بالش..
وذا الشنب مهوب على رجال كنه ماصار..
وإذا أنتي يا أميرة صدق تحبين أختش.. تبين لها الخير..
تردين لها جزاها إنها ضيعت عمرها وأنتم أولويتها الوحيدة..
إذا تحبين أختش صدق.. قولي ماقصرتي وبيض الله وجهش وصار لازم تعيشين حياتش..
إذا تحبين أختش صدق.. اثبتي لها ذا الشيء..
لكن اللي تسوينه أنانية ودلع ماشفت لهم شكل ولا مثيل..
فيا تنعدلين يا أميرة يا بنت طالب.. وإلا والله لأعدلش..
حينها انفجرت أميرة في بكاء حقيقي مر وهي تهرب وتغلق على نفسها في غرفتها..
بينما الجليلة بقيت مصدومة للحظات ثم همست وهي تكتم غضبها:
شهاب كيف تكلمها بذا الطريقة حرام عليك..
تنهد شهاب وزفر: أنا عارف إني زودتها معها.. بس لازم حد يسوي لها حد.. وضعها مو طبيعي..
هذي تحتاج نفطمها منش..
الجليلة بتأثر: موب كذا يا شهاب.. موب كذا أرجوك..
شهاب بثقة وإصرار: خلي الموضوع عليّ.. أنا بحله.. أعرف إنه بيكون صعب..
وطريقنا طويل بس إن شاء الله بحله..
أرجوش جليلة فكري بنفسش بس..
******************************
غالية غادرت غرفة خالد بعد أن أخذت ألعاب سعود.. ومعها ألعاب مشابهة لها أحضرها خالد لبنات مها قال لها أن تعطيها دانة وتعلمها على طريقة تشغيلها..
دخل الحمام ليستحم بسرعة.. فعنده موعد مهم في شركته.. ولا يريد التأخر عليه..
لم يعلم أن الموعد كله سيتم إلغائه.. وهو يسمع رنات هاتفه ترتفع من خارج الحمام..
ثم تصمت...
خرج وارتدى ملابسه على عجالة وتعطر وهو يتناول هاتفه ليرى من المتصل حتى يعيد الاتصال به وهو خارج..
ولكنه انهار جالسا.. انهار بمعنى الكلمة حينما رأى اسم المتصل..
الاسم الذي خزنه قبل خمس سنوات..
ثم حاول مؤخرا ولعدة مرات أن يمسحه ولكنه فشل..
كان اسم
الـــــجــــــــازي!!!
أعاد النظر عدة مرات للاسم.. معقولة (الــــجـــــــازي!!)
بدا الأمر له غير معقولا ولا متصورا..
بدا الأمر له أشبه بمشهد من فيلم خيالي..
بدا الأمر أشبه بعقوبة أبدية لا فرار منها..
شد نفسا صعب عليه شده.. بدا ثقيلا في سحبه إلى داخله صدره..
كأنه يسحب جمرات ملتهبة على أرض ذات مسارب ضيقة مليئة بالقش الجاف..
لا يعرف سببا قد يدفع الجازي للاتصال به..
يحاول التفكير في السبب.. فيبدو له خياله أبيض تماما..
عاني كثيرا ليبعد الجازي تفكيره طيلة الفترة الماضية..
عاني كثيرا كي ينام دون أن تكون هي أخر ما يلتهم أفكاره..
وقد يكون فشل في ذلك بجداره.. فمازالت تحتل أفكاره وصحوه ومنامه..
لكنه اعتبر ذلك عقاب رب العالمين له على مافعله بها..
تآلف مع تعذيبه بذكراها.. ولكن العذاب وهي غائبة وستبقى غائبة.. أمر مختلف عن أن تمثل أمامه.. مجسدة لكل معاني التعذيب المتوحشة...
كان أقرب التوقعات أنها دقت عليه خطأ.. (مؤكد أنه خطأ!)
وحتى لو كانت تقصد الاتصال..
لن يعيد الاتصال بها.. لن يعيد الاتصال..
كانت حالته أشبه ما تكون بحالة المصاب بجرح عميق عميق.. وبالكاد التئم أعلى الجرح وتشكلت عليه تلك القشرة الرقيقة الجافة..
التي تتشكل فوق الجرح حتى تمنع دخول البكتيريا وتسمح للجرح الطري أن يلتئم في الداخل و يداوي نفسه بنفسه..
كان يعلم أن اتصالها سينكأ هذه القشرة الرقيقة بل سيحفر في داخل جرحه الرطب حفرا أشبه بالتعذيب الحقيقي المقصود..
كان يدعو الله في داخله ألا تتصل.. كان يدعوه بعمق.. وفي ذات الوقت في داخله رغبة طبيعية لا يستطيع أن يقاومها أن يسمع صوتها..
كان ممزقا بين دعواته ورغباته.. وهو مازال جالسا على السرير.. ينظر أمامه في الفراغ.. ودقات قلبه تتخبط مرهقة.. ترتفع بعنف..
(يارب ما تدق..
يارب ماتدق.. مارح أتحمل يارب)
(يارب تدق..
يارب تدق..
بس أسمع صوتها!)
ولكنها لم تترك له مزيدا من المجال للتفكير والدعوات وهي تعاود الاتصال..
(إذن يستحيل أن يكون الاتصال خطأ..!!)
إذن هي قصدت مكالمته تحديدا.. ماهو السبب الذي سيدفع الجازي أن تتصل به؟؟
رن الهاتف عدة مرات.. كانت كل رنة خنجرا ينكأ جرحه الرطب ويعوص في خلايا الجرح عميقا..
كان يكاد يشهق من قوة الألم الذي يشعر به فعليا.. قبل أن يستجمع شجاعته ويرد بكل الحزم الممكن:
ألو..
وصله صوتها مختنقا خجولا.. بدا واضحا أنها أجبرت نفسها على الاتصال:
الحمدالله على السلامة يا خالد..
أجابها بأكبر قدر ممكن من الجفاف والرسمية رغم أنه بالكاد يمسك أعصابه.. صوتها مازال له ذات التأثير.. أصابه في مقتل.. أصابه في مقتل.. شرذم مابقي منه:
الله يسلمش..
فيه شيء الجازي؟؟
خالد كان بطبعه مستقيما شديد الاستقامة.. وهذه المرأة مهما تسلطت على روحه هي ختاما امرأة غريبة..
لا يستطيع أن يترك مشاعره نحوها تظهر ولا بأي صورة..
اختنقت الجازي.. هي أيضا تشعر بالذنب لهذا الاتصال.. ولكن لا طريق آخر.. خالد هو حلها الأخير.. ترددت كثيرا قبل الاتصال.. وهي تأخذ رقمه من هاتف والدتها..
بعد أن قامت بكل المحاولات الممكنة بكل طاقتها الممكنة وغير الممكنة..
همست بذات الاختناق: خالد تكفى طلبتك..
انتفض من الحمية بعنف... فكلمة (طلبتك) عند البدوي.. أشبه بسلاح دمار شامل لا يُستخدم إلا في المعارك الكبرى..
لا يعلم كيف توارد إلى ذهنه اختباءها الطفولي خلفه قبل ستة أعوام: كان على وشك أن يقول (عطيتش) بدون تفكير..
لكن مع الجازي دائما وأبدا لابد من التوقف والمحاسبة مرتين.. فالتعجل مدمر.. مدمر.. ونتائجه قاتلة!!
هتف خالد برجولة عميقة حازمة: لش رقبتي..
همست الجازي باختناق: قل عطيتش..
هتف بحزم :يا بنت سعيد عطيتش رقبتي.. وش عاد دون الرقبة؟؟
همست بذات الاختناق: أبي أتبرع لعمي أنا.. تكفى.. تكفى.. أنت الوحيد اللي لو قلته.. ماحد يقدر يخالفك.. تكفى يا خالد..
أنا حاولت في مزنة ودانة وأخواني كلهم.. كلهم عيوا.. وكلهم قالوا حتى لو ماعندنا مانع.. خالد مستحيل يوافق..
تكفى ياخالد.. تكفى طلبتك..
قتلته بتكرارها (تكفى) قـــتــلــته...
وصدمته بطلبها.. ولكنه لا يستطيع لا يستطيع.. ماتطلبه مستحيل..
هتف بحزم: سامحيني يا بنت سعيد.. لو عليّ.. ودي إنه ماحد يتبرع غيري..
ولولا إنه ما أبي أتأخر على إبي وإلا كان تبادلت التبرع مع أهل مريض ثاني..
والحين مزنة اللي بتبرع.. وهذا موضوع منتهي..
الجازي تختنق وصوتها المختنق يحرث روحه حرثا.. يذيب أعصابه المستنزفة:
ليه عمي هادي مهوب إبي مثلي مثلكم.. ليه تحرموني؟؟.. نسبة تطابقي أحسن من مزنة..
كانت الجازي مسكونة بحزن لا يعلمه أحد ولا يشعر به أحد.. ولن يفهمه أحد..
تعود بها الذاكرة إلى يوم طلاقها..
مساء ذلك اليوم الذي شهد فجره مكالمة محمومة كهذه المكالمة انتهت بطلاقها..
كانت في غرفتها مازالت تعاني حالة من عدم الاتزان.. هذا الإحساس الجميل المرعب المنقي للروح..
كانت تبكي ولا تعرف لماذا تبكي تحديدا... كان في داخلها كثير من الكلام تريد قوله.. ولكنها لم تقله..
في داخلها كثير من الفوضى واليأس والحزن والفرح.. خليط من المشاعر المختلطة غير المتجانسة..
هذا الإحساس المفاجئ بالحرية الكلية بعد سنوات خمس قضتها في اعتقال طويل.. كان يغمرها بالغرابة.. وهي تمسح أنفها المحمر الذي لا يتوقف عن السيلان..
اتصل بها محمد وأخبرها أن عمها هادي يريدها في مجلس النساء في الأسفل..
حينها توترت.. توترت بشدة..
وهي تقفز للحمام وتغسل وجهها بماء بارد..
مشاعر مختلفة عزتها.. تأثر وانكسار.. لم تكن تريد مقابلة عمها في هذا الوقت..
كانت أضعف من أن تراه..
فمن أجله وحده صبرت تلك السنوات الخمس المريرة.. تحملت سجن خالد.. حتى لا تجرح عمها بأقل ماقد يجرح قلبه الطاهر..
تتذكر كيف كانت أجمل ذكريات حياتها على كتفه وهو يحلق بها وتشعر أنها تلمس النجوم..
وهو يحملها هي وغالية..
وإن تعب..
أنزل غالية ولم ينزلها..
أهداها من الذكريات والحنان أطيافا متتالية عبأت عبق طفولتها وصباها.. أهداها بما لن يسعفها العمر لتخبره كم هي ممتنة له جراءه..
دخلت بخطوات خجولة متأثرة..
وهي عاجزة عن رفع وجهها إليه.. تخشى أن ترى في وجهه حزنا فتنهار..
حين دخلت هتف عمها بحزم: محمد اطلع وسكر الباب وراك..
محمد غادر وأغلق الباب خلفه.. كانت في حينها مازالت قريبة من الباب تخطو نحوه..
وحينها رفعت وجهها إليه..
كان واقفا..
رأت في عينيه ماكسرها.. لم يكن حزنا..
كان انكسارا مرا يرشح من عينيه..
اندفعت نحوه وهي ترمي نفسها بين ذراعيه وتنفجر بالبكاء..
احتضنها بقوة وهو يجلس معها على الأريكة..
تركها تبكي دون أن تتكلم.. لم تفق من البكاء.. إلا حينما شعرت ببل كثير على جبينها..
(دموعي وصلت جبهتي!!)
حينها انتفضت بعنف.. لم تكن دموعها.. لم تكن دموعها!!
كانت دموعه..
انتفضت بحسرة وهي تأن بعنف وتمسح وجهه بيديها الاثنتين.. ثم تقبل باطن كفيها ثم تقبل عينيه..
وهي تهمس بحسرة وأنين: تبي تقهرني يبه.. تبكي!! تبكي!!
دق على خالد قله يرجعني.. خلاص ما أبي الطلاق.. والله ما أبي الطلاق كنه أبكاك..
أبو خالد يمسح وجهها بدوره ويمسح على شعرها يهمس بحنو بصوته المختنق:
يا أبيش النصيب انقطع خلاص.. وانقطع من خمس سنين مهوب اليوم..
أنا أبكي حزنش أنتي وحزن خالد.. حزنكم نحرني...
ودي إن ذا العرسة المبروكة ماتمت من أصلها...
كان متجلدا منذ الصباح.. منذ ذهب مع خالد إلى المحكمة لإنهاء إجراءات الطلاق..
وهو يرى في وجه خالد من الحزن والقهر والحسرة مالم يره في حياته كلها..
كان وجهه مسودا تماما.. ويشعر أنه على وشك الانهيار فعليا ومع ذلك كان صامدا..
وبقي صامدا حتى انتهت كل الإجراءات..
حتى وهو يراقب ارتعاشة يده الواضحة التي لم يستطع التحكم فيها وهو يوقع وثيقة الطلاق..
ويقع القلم منه مرتين..
حين ركبا في السيارة.. بقيا صامتين.. وسيارتهما واقفة لم تتحرك في مواقف المحكمة..
استمر الصمت لدقائق حتى همس خالد بنبرة ميتة تماما: يبه ولا عليك أمر تعال سق بدالي..
ما أقدر أسوق..
حينها هتف أبو خالد بقلق: وش فيك يا أبيك؟؟
هتف بذات النبرة الميتة وهو ينهمر بوجيعته: شفت المحكمة ذي يبه شفتها.. وقعت فيها على وشهادة وفاتي..
ودفنت فيها روحي..
فكيف أقدر أسوق؟؟ قل لي يبه؟؟ قل لي؟؟
تدري يبه إني كل سنة اعتمرت.. كان أكثر شيء دعيت ربي فيه..
إنه يعطيني فرصة وحدة.. بس وحدة أضم الجازي لصدري وأقول لها آسف.. وسامحيني..
يبه صدري صحراء.. صحراء..
شبت فيها اللواهيب وأحرقتني رمضاءها..
والجازي كانت المطر.. كانت المطر..
فقل لي يبه كيف باصبر؟؟ كيف بأصبر؟؟
كان حزن خالد مازال رمحا مسموما مركوزا في روح أبي خالد منذ الصباح..
ليكتمل الحزن كله مع رمح الجازي الذي ركزته في روحه ركزا كذلك.. ليجتمع الرمحان مقترنان في روحه المكلومة..
مد أبو خالد يده ليحتضن رأس الجازي ثم يقبل أعلاه وهو يمد يده إلى جيبه.. ويخرج ورقة مطوية.. فتح يد الجازي برفق ووضع الورقة داخلها وأغلقها برفق وهو يهمس بحنان بالغ:
كنت أبي أشتري لش هدية.. بس ما أعرف ذوق البنات.. اشتري اللي تبينه..
انتفضت الجازي بعنف وهي تحاول إعادة الشيك إلى عمها وتهمس باختناق: أنا هديتي وصلتني يوم طلقني خالد..
همس بذات الحنان الغامر: هذي هدية مني.. من إبيش الشيبة.. مالي شغل في خالد وطلاقه..
وترا إبيش إبيش مهما صار..
إذا كان خالد خسرش.. فأنتي مكسبي العمر كله.. بنيتي الصغيرة مثلش مثل غالية وأعز وأنتي عارفة ذا الشيء زين..
لا تسمحين لشيء يحزنش وإلا يضايقش ورأس إبيش يشم الهوا..
والله لا أدري إنه فيه شيء ضايقش ولا علمتيني إن أزعل عليش..
كانت دموع الجازي تنهمر بقوة وهي مازالت تسند رأسها لكتف عمها وتمسك بكفه بينما هو أكمل كلامه بحنو وتأثر بالغين:
يا أبيش والله يا السنين الخمس اللي فاتت إنها كلت من روحي مثل ماكلت من روحش..
وإني ماخليت شيء ماقلته لخالد.. أبيه يطلقش.. ويشهد الله عليّ..
بس هو كان متقبض فيش.. مثل تقبض الواحد بالحياة..
شفتي الواحد لا غدا متقبض في الشيء كنه بيموت صدق لا راح منه..مثل تقبض الواحد بالهواء... هذا كان خالد..
ماقدرت عليه يا أبيش.. ويشهد الله مامر يوم ما حاولت وحكيت..
وأنتي دارية بكل ذا يا أبيش..
همست الجازي باختناق وتأثر: والله إني دارية يبه بكل ذا..
ولا يجي في خاطرك شيء.. أنا خلاص راضية ومبسوطة.. وأبيك أنت راضي ومبسوط..
همس لها باختناق وهو يقف ليستعد للمغادرة: الله يزينها يا أبيش من عنده..
انكبت الجازي على يده التي مازالت تمسك بها لتقبلها وهي تهمس بتقدير وحزن:
الله يكبر قدرك يبه.. جيتك عندي بالدنيا كلها..
وطالبتك ما يجي في خاطرك شيء..
يشهد الله يبه.. لو إبي عاده حي ما حبيته كثر ما حبيتك..
ولا حسيت إنه إبي صدق مثل منت محسسني طول عمرك..
احتضنها أبو خالد وهو يهمس لها بحزن: يا أبيش طالبش مايجي في خاطرش شيء..
تراش صغيرة والعمر كله قدامش..
غادرها أبو خالد.. لتنهار جالسة لوحدها في مجلس النساء.. وتنفجر في البكاء مرة أخرى...
كانت مازالت لا تعرف لماذا تبكي هكذا..
رؤية عمها.. ضعفه.. حزنه.. تفانيه من أجل إرضاءها.. كلها تركت أثرا عميقا في روحها..
حزن غير مفهوم زرعته تلك الرؤية في أقصى مكان في روحها المكلومة..
حتى جاء خبر مرضه ففجر كل أحاسيسها..
كان تصور الحياة خالية منه كابوسا لا يمكن حتى تخيله..
وأصبح أقصى أحلامها أن تمنحه جزءا منها يعيش معه وبه..
هذا الحلم أعاد لها التوازن.. وهي تشعر أن هذا التبرع جاء هدية لها من السماء..
لأسباب متعددة.. نفسية واجتماعية وإنسانية ودينية..
كلها جعلتها تؤمن أن هذا التبرع جاء كي يُحدث نقلة في حياتها..
حياتها التي تغلفت بالجمود والحزن..
آمنت أن هذا التبرع سينقلها من نقطة الجمود إلى نقطة الانفتاح نحو الحياة..
إلى رضى رب العالمين ورحماته.. إلى بعد إنساني مذهل..
فجزء من جسدها وروحها سيمنح الحياة إلى إنسان ثمين جدا..
لتختلط دمائهم وأرواحهم.. ولتشعر حينها بعظم ماقدمته وجلاله..عند الله قبل البشر..
أن يمن الله عليك بفرصة أن تمنح الحياة لمن تحب.. كانت هبة من الله عز وجل..
هبة رضا وغفران وإيمان وسكينة..
لذا كان إصراراها على التبرع حقيقيا ومسألة حياة أو موت عندها.. وكان اتصالها بخالد الذي مازال مصرا على الرفض:
الفرق بينش وبين مزنة لا يذكر.. والسموحة منش يا بنت سعيد.. إبي يكفيه إنش كنتي مستعدة تتبرعين له..
همست باختناق بصوت بدا مدافعة البكاء فيه واضحا : بس ماتبرعت... تكفى يا خالد أرجوك..
(ليش تبكين؟؟ ليش؟؟ تكفى بروحها ذبحتنب.. تبكين فوقها ) هتف خالد بذات الحزم الذي يشعر أن روحه تذوب خلفه وهو يناديها باسمها دون أن يشعر:
الجازي والله ما أقدر.. تحسبينه هين عليّ إنش تقولين تكفى وأنا أقول لا..
والله العظيم يا كل (تكفى) منش كنها سكين تقطعني رايح جاي..
بس ما أقدر.. تطابق مزنة حل وضعنا كلنا وأنا وأمي اللي لازم نكون معها..
زفرت بيأس وقهر: أنت تعاقبني عشان تطلقت منك؟؟ تبي تقول دامش منتي ب حلال علي ماتقدرين تروحين لأنه أنا لازم أروح؟!!..
انتفض خالد بعنف وهو يهتف باستنكار: أنتي أشلون تقولين كذا؟؟ اشلون؟؟ وش دخل ذا في ذا؟؟
ثم شد له نفسا عميقا وهتف بتهدئة: الجازي لو أنتي طابقتي.. ورحتي.. كان أنا رحت مع إبي..
وأنتي معش سعود ودانة وأمش.. ترا أمش حلال علي..
يعني مايفرق عندي ..
الجازي همست بحزم: دام مايفرق عندك.. خلني أنا أتبرع...
خالد يشعر بصداع حقيقي يريد إنهاء المكالمة.. فهي تقتله بهذه الرجاءات..
وتكاد تنسف كل مقاومته.. وكل مافيه تذيبه رجاءاتها..
عظامه تتفكك.. ومفاصله تنساب من أماكنها..
وصوتها يخدر خلايا دماغه وفي ذات الوقت ينسفها..
ولكنه لا يستطيع أن يوافق.. فهذا القرار لا يؤخذ بالعاطفية..
وهي تريد أن تقيده بهذه العاطفية من رقبته.. وتقوده..
شد أعمق نفس يستطيعه وزفره وهتف بحزم: إذا قد إبي بيسوي العملية
تعالي مع البنات دانة وغالية وشوفيه..
همست الجازي بقهر: أنت ليه منت ب راضي تفهمني... أنا أبي أكون أنا اللي أتبرع..
أنت تبي تعاقبني؟؟.. وإلا يمكن تبي تجبرني أرجع لك عشان تخليني أتبرع؟؟
شهق بعنف ..شعر أنها طعنته بوحشية.. نسفته.. أطعمته لذئاب جائعه تنهشه: نعم وش قلتي؟؟.. عيدي!!
الجازي صمتت وهي تسب نفسها.. مجرد قولها للفكرة كان جارحا لهما كليهما.. كيف خطر ببالها أن تقولها حتى؟؟
والأسوأ.. الأسوأ: ماذا لو كان هذا ما يريده فعلا.. أن يساومها على أن تعود له مقابل أن تتبرع لعمها؟؟
أن يقول لها: دامش مصرة على التبرع كذا.. ارجعي لي..
شعرت بدوار حقيقي وهي في انتظار ما سيقوله.. وتشعر أن حياتها تقف على مفترق طرق خطير هي من ورطت نفسه فيه..
(أنا وش هببت؟؟ وش هببت؟؟
طيب لو قال لي كذا.. وش أرد عليه؟؟
ليت لساني انقص قبل أتكلم؟؟)
كلما استمرت ثواني الصمت كلما زاد يقينها أن هذا هو العرض الآتي.. فهي تعلم استماتة خالد في الحصول عليها..
فكيف لو وجد له غطاءً برضاها.. حينها كل الطرق باتت مفتوحة أمامه لزواج حقيقي وليس مجرد عقد قران..
شعرت حينها بمرارة وحرقة وحسرة إحساس السجين الذي قاوم ليخرج من السجن حتى يعود لسجن أبشع بقدميه..
شعرت أن حياتها تعود للتهاوي.. وبدت أطرافها ترتعش وهي تهمس في نفسها (خالد لا.. خالد لا)
لذا كانت صدمتها البالغة التي لا تعلم هل تسعد بها من أجل نفسها..
أو تحزن لأنها تبعدها عن التبرع لعمها..
أو تشعر بالحرج لأن الموقف كله من بدايته كان محرجا واكتمل بهذه النهاية التراجيدية..
وخالد يهتف بكل الحزم:
يا بنت سعيد النصيب انقطع من صوبي من يوم وقعت ورقة طلاقش..
وانقطع من صوبش من يوم حذفتي دبلتش في الحرم..
أنتي ما تزهقين من مقابل كمبيوترش؟؟!!"
رفعت الهنوف -التي كانت تجلس مقابلا لمكتبها- رأسها عن انهماكها بحاسوبها..
وهي تهمس بمودة باسمة للبندري التي اقتحمت عليها المكان بفوضويتها العذبة:
غريبة بندري هانم ..منتي بلازقة في صيتة ومطلعة روحها؟؟
ضحكت البندري: تعرفين لازقة فيها عشانها جديدة وفيها ريحة عمريكا..
وإلا ما أبي ألزق في حد غيرش.. غير أنتي صار لش كم يوم ماتعطيني وجه..
ابتسمت الهنوف: يخلف على (عمريكا) اللي تعرفينها..
ثم أردفت بإبتسامة: ونعم اخلصي علي.. وش تبين؟؟ بين على وجهش نظرة المصالح..مفضوحة..
اختصرت البندري المسافة بينهما.. وهي تقفز جوار الهنوف، ووتتمسح بها برجاء:
أجل مافيه داعي للمقدمات دامني مفضوحة قدامش..
تكفين تكفين تكفييييييين.. جعلني ما أبكي عينش.. روحي معي لمي..
ضحكت الهنوف: زين روحي لمي، أنتو بزارين وتبون تسولفون مع بعض، أنا وش مدخلني بينكم؟؟
تأففت البندري وهي تجلس على طرف مكتب الهنوف وساقاها تتأرجحان في الهواء:
مي نفسيتها مزبلة، وماتبي تطلع من البيت عشان جدها..
وخبرش (السيدة منشن) المبجلة أم متعب.. مستحيل تخليني أروح بروحي.. وخصوصا إنه على قولتها بيت مافيه إلا رياجيل.
ثم أردفت وهي ترجع كتفيها للوراء وتمد رقبتها بخيلاء تمثيلي وهي ترف بأهدابها: خبرش بنتها فاتنة القلوب وتخاف حد يخطفها..
الهنوف مبتسمة: يستر على الخاطفين منش لا تأكلينهم..
تقفز البندري عن المكتب بخفة.. وتعود للوقوف بجوار الهنوف الجالسة على مقعد مكتبها وهي تهمس بذات رجائها الطفولي الرقيق: تكفين الهنوف تكفين..
اتسعت ابتسامة الهنوف وهي تقف وتهمس بمودة حقيقية صافية وهي تقرص خد البندري:
ما أقدر عليش.. كلمي السواق والخدامة عشان يجهزون.. على ما أتوضأ وأبدل.
البندري باستغراب باسم مقصود: وليه خدامة وسواق؟؟، بنقول لتركي يودينا..توه كان يقول إنه بيروح لبيت أبوفرات.
الهنوف اتسعت عينيها وهي تهمس بغضب: نــــعــــم؟؟
حينها رفعت البندري حاجبيها وهي تهمس بخبث: مستحية يعني تروحين معه.. وأنتي البارحة ساعتين تكلمينه؟!!
الهنوف وقفت بشكل مفاجئ ليندفع كرسيها للخلف بعنف.. واتسعت عيناها من الصدمة وكحت حرجا بالغا، شعرت أنها ستموت فعليا من الحرج..
لم يكن في بالها أبدا وهي توافق على مقترح تركي بالمكالمة بينهما قبل يومين أن يكون هذا الخبر مشروعا للمشاركة..
فهي رجته أن لا يعرف أحد غير عمها، لأنها لن تحتمل شعورها بالحرج أمام الجميع.
هتفت الهنوف بذات الحرج البالغ المختلط بغضبها على تركي دون سواه: ومن يعرف غيرش بعد إني أكلم زفت الطين؟؟
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
انفجرت البندري ضاحكة: والله مافيه حد غيري ولا رح أقول لأحد يالخبلة..
ثم أردفت وهي تمد شفتيها بطريقة تمثيلية: وعدال على ذا المكالمات، بين الدكتور ومشروع الدكتورة، المكالمة كلها خلصت وأنتي تقرين عليه رسالتش.. وتسجلين ملاحظاته..
يا حياة الشقا والجفاف اللي أنتم مقبلين عليها..
حينها هتفت الهنوف بغضب: البندري أنتي تجسسين علي؟!!
انفجرت البندري من الضحك يهستيرية: إخس يا هنّو..إخس.. هذي أخرتها؟؟.. تراني تربيتش.. تشكين في مخرجش التربوي النفيس؟؟
ثم تماسكت من ضحكها قليلا وهي تهمس بمودة باسمة: البارحة جيت أخر الليل أبي أسولف معش..
دقيت الباب.. مارديتي، فتحت بشويش أحسب إنش تقرين وردش، قلت بجلس أسمعش كالعادة..
لقيتش منبطحة على سريرش ولا انتبهتي لدخلتي ...لابسة السماعة وتقرين الأوراق وتسجلين ملاحظات..
وسمعتش تقولين: لو سمحت خلني أشرح لك النقطة أول ياتركي..
ضحكت.. وسحبت الباب في يدي وطلعت..
ثم أردفت البندري بمرح وهي تغادر: وثاني مرة تكلمين سي السيد وماتبين حد يدري، سكري بابش بالمفتاح..
وأنا باروح أكلم السواق والخدامة.. لش عشر دقايق بس..
البندري غادرت بينما الهنوف تنهدت وهي تجلس على السرير.. كانت تزفر غاضبة ومحرجة ووجهها الشفاف يتلون بالأحمر فعليا..
لم تستطع حتى أن تبرر للبندري..اختنقت بالكلمات..
(كذا صغرت نفسي قدام البندري البزر للي تعدني قدوة.. كله منك يا تركي الزفت!!)
ماذا تبرر لها؟؟ تبرر لها أمرا واضحا رأته بعينيها وسمعته بإذنيها؟؟
فالبندري دخلت وهي تكلم (زفت الطين) كما تسميه..
ولا تستطيع التراجع عن فكرة المكالمة حتى لو كانت تريد ذلك..لعدة أسباب..
فتركي كما باتت تعرفه لن يستسلم ولن يتراجع .. وقد يتعمد احراجها أكثر وأكثر..
وهي وافقت أساسا على أمل أن يتوقف تركي عن احراجها..
كما أن عمها عبدالمحسن بات يعرف أصلا بهذه المكالمات رغم أنه أبدى تحفظه عليها..
تنهدت الهنوف وهي تدعو الله أن تكون البندري الوحيدة التي تعرف ولا تتسع دائرة من يعرفون الخبر..
كانت تتوجه للحمام لتتوضأ وأفكارها المريرة تنثال..
صدقا لم تكن تريد أن توافق على هذه الفكرة بمجملها..
فتركي ما زال بعيدا جدا عن اقتحام أسوارها.. تشعر بالخجل منه والغربة عنه..
ولكنها حاولت أن توظف تفكيرها المنطقي الذي لم يقصر تركي في محاولة تعزيزه لأغراضه هــو..
فهي مقبلة على حياة كاملة معه، وهي مازالت تشعر بغربتها وانفصالها عنه.. وتحفزها في وجوده.. بل رفضها له في كثير من المفاصل..
تــــنــــهــــدت.. كم تخشى هذه الحياة التي تنتظرها!!..
فهي اعتادت حياة الحزن والسكون والذكريات..
اعتادت الحياة مع طيف الراحلين..
الراحلون وحدهم يعيشون فعليا معها..
وهي تجتهد في رسم تجاعيد أمها التي رحلت في الأربعينات من عمرها بوجه نضر شبه خال من التجاعيد..
تتخيل بياض عارضي والدها.. وهو الذي رحل بالكاد شعرات من الشيب غزت سواد عارضيه..
تتخيل أطفال متعب حولها تلاعبهم وينادونها عمتي.. تتخيلهم يشبهونه ولهم ضحكته الغريبة المجلجلة التي كانت تنشر السعادة في روحها حين تسمعها..
وكانت تعلق عليها دائما: (متعب هذي ضحكة؟؟ وإلا فيلم رعب؟!)
شــهـقـت فجأة.. وهي تستند على حافة باب الحمام.. وتتذكر رنين ضحكته في إذنيها..
تبعت الشهقة شهقات.. جلست على الأرض بجوار باب الحمام من الخارج...
وضعت وجهها بين ركبتيها..
ثم انــفــجــرت بالبكاء..
انفجرت.. وكأن أطنان من الكبت والبكاء كانت مخبأة تحت قشرة رقيقة تنتظر أقل نقرة عليها..
روحها مغمورة في حزن لا ينتهي.. حزن عميق لا نهاية لامتداده..
وكل ماحولها يضغط عليها.. يسحقها.. ليشعرها بفوضى هذه الحياة ومأساويتها..
ليشعرها كم تضيق هذه الحياة بها!!.. كم تنفيها!!.. وكم ترفضها دروب هذه الحياة!!
تشعر أنها لا تنتمي إلى هذا العالم.. وأنها ضيف غير مرغوب فيه في جنباته..
لذا لا يقصر هذا العالم في إشعارها بانعدام قيمتها..
وكأنها رقم زائد بين سكانه.. رقم زائد ينتظر الازالة..
لأنه كنتوء زائد.. ينتمي لعصر سابق.. تخلف عن الالتحاق به..
هي تنتمي إلى أهلها.. إلى زمنهم.. حياتها توقفت بعد رحيلهم... وكأن كل مافيها يطالبها أن تعود لذلك الزمان..
ولكن ذلك الزمان لن يعود.. وهي ليس لها إلا عيش الحسرات في هذا الزمان الذي لا تنتمي إليه ولا إلى أهله.. وعلى رأسهم تركي..البعيد.. البعيد..
أنّت من أقصى روحها أنينا جنائزيا وانتحبت بعنف.. كان نحيبها مكتوما حتى لا يسمعها أحد..
غرقت كفيها وركبتيها من آثار دموعها.. وغابت في غيبوبة عميقة من هذا البكاء الجنائزي قبل أن تنتبه لنفسها..
فشدت لها نفسا عميقا بدا صعبا عليها مع ذهاب طاقتها في البكاء.. نهضت بصعوبة.. وهي تمسح وجهها الذي اكتسى حمرة قانية..
تتوضأ بماء بارد حتى تخفي علامات البكاء..
تضع زينة خفيفة حتى تخفي مابقي من الاحمرار..
تلبس عباءتها وتتجه للأسفل.. لتلحق بالبندري التي غادرتها قبل أكثر من ربع ساعة..
*****************************
ذات البيت.. في صالته السفلية..
حينها لم تستطع مها إلا أن تقول كلاما حاولت منع نفسه من قوله ولكن لم تستطع.. لم تستطع وهي تجيب متعب بنبرة مقصودة:
زين تذكرت تسأل عقب ذا الوقت كله...
حينها نظر متعب لها بشكل مباشر وهتف بنبرة مقصودة: بركاتش أنتي وأخيش المبجل..
أنتي هجيتي من بيتش..
وسعود ما صدق.. كنها جاته من السما عشان يعاقبني..
ترا عيب يا مها.. عيب.. ست سنين متزوجين عمره ماطلعت لنا سالفة برا بيتنا
وكان هذا اتفاقنا من يوم تزوجنا..
مهما صار بيننا مشاكل نحلها بيننا..
لأنه أي موضوع بين الزوجين سهل حله.. لكن لا طلع برا.. وكثرت الأطراف فيه..
صعب حله..
اتسعت عينا مها دهشة وهي ترد عليه بغضب مكتوم:
الحين صار الغلط غلطي..
وأنت البريء اللي ماسويت شيء..
متعب بحزم: ماقلت إني ماغلطت.. أنا غلطان.. بس عطيني فرصة أنا أحل غلطي..
حينها انفجرت مها.. انفجرت رغم أنها كانت تتكلم بأقل طبقة صوتية ممكنة حتى لا يسمع أحد ما حوارهما:
وأشلون تحلها؟؟ وأنت تجهز لزواجك المبارك؟؟
اتسعت عينا متعب وهو يهتف بغضب: نعم؟؟ زواج؟؟ وش زواجه؟؟..
مها تحاول أن تهدأ رغم صعوبة الهدوء وتعتصم بكبريائها وهي تهمس بتماسك تكاد تموت خلفه ومعه:
زواجك.. وأنت عارف زين إنه ماعندي مانع.. لأنه أنا أساسا اللي قلت لك تزوج.. وقلتها وأنا أقصدها..
بس كون إنك تجيبها في بيتي أنا.. هذا شيء ما أرضاه.. ولا أعتقد إنك ترضاه عليّ أو على بناتك..
انتفض داخل متعب بصدمة لم تظهر على ملامحه مع كان مصدوما.. مصدوما تماما..
وخليط من الأفكار المؤذية ازدحم في رأسه.. رغم أنه لم يفهم ما تقصد..
أو ربما فهم أشياء مختلطة.. منها أنها تظن أنه سيتزوج.. ولا يعلم من أين أتتها هذه الفكرة الغريبة..
ولكن الأكثر إيلاما له هو رضاها عن الموضوع.. وأن ما يهمها هو بيتها وليس هو..
وأن تكون أهمية أن يكون البيت لها وحدها، أكثر أهمية من أن يكون زوجها لها وحدها..
وقف متعب وهو يشد قامته المديدة باعتداد ويهتف بحزم غاضب: ارجعي بيتش اللي هو أعز مني عندش.. ولا حد رح يدخل عليش فيه..
ثم أردف بتقصد غاضب موجوع: ومرتي الجديدة ماني بعاجز أحطها في بيت قد بيتش مرتين..
ولو تبي لها فيلا في اللؤلؤة على الشاطئ جبت لها .. تستاهل العروس الجديدة.. (اللؤلؤة= منطقة راقية جدا وغالية جدا في الدوحة)
أراد متعب أن يؤلم مها.. وأفلح في ذلك.. أفلح جدا..
لفرط شعورها بالألم شعرت أنها تريد الهرب من المكان كاملا..
ولكن كرامتها منعتها وهي تنظر له بشكل مباشر بثقة تعبت كثيرا في رسم نظرتها..
وهما يتبادلان النظرات المستعرة الغاضبة المتحفزة الواثقة ثقة تمثيلية اقتحمت جوهما الخاص البندري بضجيجها المرح المعتاد..
وهي تنزل كصاروخ لطيف من الأعلى وعباءتها على ذراعها:
يه يه يه... منو يايينا هالحزة؟؟ حضرة الرائد وحرمه المصون.. يا مرحبا يا مرحبا نوركو طفا الكهربا..
البندري فورا استشعرت أن في الجو رائحة احتراق.. شعرت بحرج لا تعرف سببه..
لذا همست بتردد وهي تقبل أنف متعب وتسلم على مها دون أن تنظر بشكل مباشر لهما:
كنت أدور لأمي.. شفتوها؟؟..
سحبت مها نفسا وهي تحاول أن تهمس بمودة: أول ماجيت كانت هنا.. بس راحت لغرفتها... أظنها تقرأ قرآن مثل عادتها ذا الحزة..
انسحبت البندري متوجهة لغرفة والديها بذات الحرج وهي تهمس في داخلها (وش فيهم اخواني ونسوانهم حالتهم غريبة؟!!!)..
انتظر متعب مغادرة البندري بشكل كلي قبل أن يهتف بحزم وهو يهم بالمغادرة ودون أن ينظر لمها:
الليلة تجهزين أغراضش وأغراض بناتش.. بجي عقب العشاء وأخذكم..
هتفت مها بصدمة: وسعود؟!!...
حينها التفت متعب نحوها بحدة: ماعلي من سعود.. سمعت كلامه وحشمته بما فيه الكفاية..
ولا جا من الحشمة فايدة ولا حشمة لي أنا... انتهينا.. الليلة ترجعين البيت..
وسعود يضرب رأسه في طوّف بيته لين يشبع...
مها بغضب: ما أسمح لك تقول عن سعود كذا..
حينها اقترب متعب منها وهو يمسك عضدها بقوة ويهتف بغضب عميق مكتوم:
مها.. ترا الشياطين تنطط قدام عيوني... لا تستفزيني.. أنا وسعود نتفاهم.. أكسر رأسه.. يكسر رأسي.. شيء بيني وبينه.. مالش شغل..
في تلك اللحظة تماما.. دخلت صيتة عائدة من سلامها على الجد جبران..
صدمت بالمشهد أمامها.. متعب يشد مها من عضدها وبينهما نظرات مشتعلة..
صرخت من صدمتها بغضب وهي تحاول أن لا يعلو صوتها فيسمعها أحد: متعب هد مها..
متعب انتفض وهو يدرك مافعله دون شعور.. أفلت مها بشكل مفاجئ وهي تراجعت للخلف بحرج..
خرج دون أن يتكلم وهو يتجاوز صيتة التي مازالت تنظر له بصدمة دون أن ينظر ناحيتها..
صيتة توجهت لمها وشدتها برفق لتُجلسها وتجلس جوارها.. مها شبكت يديها أمامها..
فأخر ما كانت تحتاجه فعليا هو جبهة نصائح أخرى... أو تدخل آخر في حياتها التي أصبحت حقا مشاعا للجميع أن يتدخل فيها..
لذا فاجأتها صيتة أن هتفت بحزم رقيق يشبهها: مها اسمعيني زين..
أمي قالت لي إنش صار لش حوالي شهر في بيت هلش.. ومؤكد أنه مهما كانت المبررات اللي أنا سمعتها ...مارح تكون مبرر منطقي إنه مرة تترك بيتها شهر.. وزوجها موجود في الديرة..
وأمي ترا على وشك أنها تتدخل وتبي تدخل إبي بعد.. عشان كذا لا تفتحين لهم باب.. حلوا مشاكلكم بينكم وفي سكات عشان بناتكم قبل أي حد ثاني...
ثم أردفت بحنو كأنها تعلن انتهاء تدخلها المختصر في الموضوع لتوحي بخصوصيته بين متعب ومها فقط:
ونادي بناتش أحبهم.. عادني ما شبعت من حبتهم.. (أحبهم= أقبلهم)
ثم أردفت بوجع عميق: كلهم انولدوا وكبروا وأنا غايبة... ما استمتعت بشوفتهم يكبرون قدامي.. ولا شبعت من ضمتهم وريحتهم..
****************************
" يا حيا الله أم سعيد.. اشلون جدة سعيد وخالاته؟؟"
ابتسمت دانة وهي تستوي راكبة بجوار سعود في سيارته الجديدة بعد أن أخذ منها سعود الأغراض التي أحضرها خالد لبنات مها ووضعها في الخلف.. وهمست بمودة باسمة:
يسلمون عليك يا أبو سعيد.. ويباركون لك السيارة الجديدة ويقولون جعل يسقى أيام الفكسار الذهبي..
حينها انفجر سعود ضاحكا بصوت عال.. منذ زمن طــويــل لم يضحك هكذا: ما سجيتي منه؟! (سجيتي= نسيتِ)
ابتسمت دانة بعذوبة وحنين عميقين: عمري كله ما أنساه.. أول مكان جمعنا.. وأنت ساحبني من بيت هلي..
وما أعرف أنا ألصق فيك عشان أشم ريحتك من قريب؟؟.. وإلا أحذف نفسي من دريشة السيارة؟؟.. أنا أرقص من الفرحة وإلا أبكي من القهر؟؟..
شد سعود كفها بقوة وهو يهتف بمودة مغلفة بالشجن وحزن غريب: يا ترى سامحتيني يا دانة على ذيك الأيام؟
دانة برقة وعذوبة: أحب ذيك الايام بكل مافيها.. الحياة فيها الحلو والمر.. فيها الحزن وفيها الفرح..فكيف لو كنت اشوفك الفرح كله؟!
سعود شد يدها أكثر وهو يهتف بذات الشجن: إن شاء الله ماعاد نعرف إلا الفرح وبس.. ويرجع لنا عمي طيب وبخير وتكمل فرحتنا..
شدت دانة على أنامله وهي تهتف بقلق وحنين: يا الله يا كريم..
تحرك سعود خارجا من باحة بيت عمه وهو يقول باهتمام: أي شيء تبيه مزنة أو أمش للسفر جهزيه معهم بسرعة.. ما نبي تأخير..
تنهدت دانة وهي تسند ظهرها للخلف: مايبون شيء يا سعود.. يبون يسافرون وبس.. إبي تعبان .. تعبان.. جسمه مليان سوايل ولا عاد اكل..
شد سعود بقوة أكبر على يدها التي لم تفارق يده وهو يهتف بمؤازرة: خلاص.. هانت.. كلها أيام بس..
نفضت دانة أفكارها وهي تهمس بشرود: بس غريبة جيتني بدري .. كنت تقول بتتأخر شوي..
سعود يثبت المقود وهو يفلت يدها بمودة: وديت مها لبيت خالتي نورة.. تبي تسلم على صيتة..
فقلت خلاص بمرش مرة وحدة..
ثم أردف بمرح: ويوم شفت سيارة متعب واقفة.. كنت أبي أرجعها.. ما يصير نخلي الزيت جنب النار..
بس تعوذت من إبليس وقلت حرام مابعد شافت صيتة وجايبة معها فوالة وش كثرها..
كانت دانة تعرف تفاصيل الموقف تماما.. وتعرف سبب تصرف سعود وإن كانت غير مقتنعة فيه..
ابتسمت: سعود فديتك.. ترا اللي تسويه فيهم غلط.. يعني مهب صغار ولا هو أول شهور عرسهم..
ومها متضايقة تبي ترجع بيتها.. بس قاعدة حشمة لك ماتبي تكسر كلمتك..
وهي مهيب فاهمة ليه قاعدة.. وكل اللي في مخها إن متعب بيتزوج عليها..
حينها هتف سعود بغضب متماسك: خلهم هو وهي.. ماهم بكفو..
يوم مرة تقول لرجالها أعرس عليّ.. معنى كذا إنها بايعته.. وماخلاها تبيعه إلا إنه مضايقها..
ومايحد رجال مثل متعب يضايق مرته إلا إنها مضايقته..
ولا حد منهم قال شيء.. ما كأني بأخيها الكبير.. وولد خالته ورفيق عمره..
خلهم لين يطيح اللي في رأس كل واحد منهم.. ويعرفون إن مالهم إلا بعض وبناتهم..
وعقب أجمع بينهم ونسوي جلسة صلح صريحة بينهم ونحط كل النقاط على الحروف..
مع انتهاء سعود من عبارته.. رن هاتفه.. وكان وقتها يدخل باحة بيته.. ابتسم وهو ينظر لاسم المتصل ويفتح زر الرد: ليتنا طرينا مليون ريال..توني في طاريك..
ليتفاجأ بحزم متعب وهو يهتف: اسمعني يا سعود والله ثم والله ثم والله ما تقول شيء.. تراني بجيء عقب العشاء وأخذ مرتي وبناتي..
سعود انفجر بغضب مفاجئ أرعب دانة: كذا بدون حتى ما تقول ولا تستشيرني..
متعب بذات غضبه: سعود أنا حلفت ماتقول شيء وانتهينا... وطالبك ما تناقشني.. ترا الشياطين تنطط قدامي.. إذا جيتك تفاهمنا..
مازال الغضب مستمرا: ماعليه بنتفاهم.. لكن حط في بالك.. إنك والله ما تأخذها إلا برضاها..
شد متعب نفسا عميقا: قلت لك لا جيتك تفاهمنا.. ومرتي بتروح معي وراضية..
انتهت المكالمة بعد عدة عبارات غاضبة أخرى.. كانت أنفاس سعود فيها تعلو وتهبط ..
دانة وضعت ذراعها على عضده ومررتها عليه بخفة وتهدئة: سعود طالبتك اهدأ..
خلاص رجّال ويبي مرته.. إذا هي راضية تروح معه... مالنا طريق عليهم..
سعود يزفر بقوة وهو يحاول التماسك: بس يا دانة موضوعهم هو هو.. ما انحل..
دانة بذات التهدئة: وش دراك إنه ما انحل؟!.. لأنه ما بينهم مشكلة مادية ... بينهم شيء معنوي ما نعرفه... ويمكن البعد خلا كل واحد فيهم يفكر زين..
عطهم خصوصيتهم في بيتهم.. وعطهم وقتهم.. وإن شاء هم بيحلون مشكلتهم..
سعود بحزم: يصير خير.. ثم أردف بتفكير: انزلي ياقلبي أنا باتصل في متعب وباطلع أنا وإياه مكان.. ماني بمنتظر لين يجي...
نزلت دانة وهي تهتف بمودة: الله يحفظك استودعتك الله..
وأنا بأروح أشوف الجازي.. ياقلبي متضايقة عشان الفحص..
**************************
الجازي صمتت وهي تسب نفسها.. مجرد قولها للفكرة كان جارحا لهما كليهما.. كيف خطر ببالها أن تقولها حتى؟؟
والأسوأ.. الأسوأ: ماذا لو كان هذا ما يريده فعلا.. أن يساومها على أن تعود له مقابل أن تتبرع لعمها؟؟
أن يقول لها: دامش مصرة على التبرع كذا.. ارجعي لي..
شعرت بدوار حقيقي وهي في انتظار ما سيقوله.. وتشعر أن حياتها تقف على مفترق طرق خطير هي من ورطت نفسها فيه..
(أنا وش هببت؟؟ وش هببت؟؟
طيب لو قال لي كذا.. وش أرد عليه؟؟
ليت لساني انقص قبل أتكلم؟؟)
كلما استمرت ثواني الصمت كلما زاد يقينها أن هذا هو العرض الآتي.. فهي تعلم استماتة خالد في الحصول عليها..
فكيف لو وجد له غطاءً برضاها.. حينها كل الطرق باتت مفتوحة أمامه لزواج حقيقي وليس مجرد عقد قران..
شعرت حينها بمرارة وحرقة وحسرة إحساس السجين الذي قاوم ليخرج من السجن حتى يعود لسجن أبشع بقدميه..
شعرت أن حياتها تعود للتهاوي.. وبدت أطرافها ترتعش وهي تهمس في نفسها (خالد لا.. خالد لا)
لذا كانت صدمتها البالغة التي لا تعلم هل تسعد بها من أجل نفسها..
أو تحزن لأنها تبعدها عن التبرع لعمها..
أو تشعر بالحرج لأن الموقف كله من بدايته كان محرجا واكتمل بهذه النهاية التراجيدية..
وخالد يهتف بكل الحزم:
يا بنت سعيد النصيب انقطع من صوبي من يوم وقعت ورقة طلاقش..
وانقطع من صوبش من يوم حذفتي دبلتش في الحرم..
بهتت الجازي.. بــهـــتــــت ( كيف عرف ذلك؟ كيف؟؟)
فلا أحد يعرف بهذا الأمر إطلاقا.. فهي لم تخبر أحدا بمافعلته بالدبلة.. فكيف وصله الخبر؟!
بدا أمرا محرجا.. فهي كانت تستطيع إعادتها مع بقية المجوهرات التي أصرت على إعطائها لدانة بعد الطلاق...
ولكن إلقائها في الحرم مـثّـل لها بعدا معنويا عميقا.. وكأنها بداية جديدة.. من المكان الأطهر..
بداية ذات بعد سماوي.. شعرت أن روحها تُغسل معها..
ولـــكــــن.. الآن وهي ترجوه أن يسمح لها أن تكون من تتبرع لعمها.. يصفعها بهذا الخبر .. الخبر الذي بيّن له مقدار رفضها له.. ولكل ما يمثله في حياتها..
تمتمت الجازي بحرج شديد والأحرف تترجرج في حنجرتها مرتبكة خجولة: وش دراك؟؟
مد خالد يده إلى الدرج بجوار سريره واستخرج منه ظرفا فاخرا سميكا.. ليستخرج الدبلة ذاتها من داخل الظرف..
ويتحسسها برفق وحنو شديد كأنه يتحسس مخلوقا حيا رقيقا يشعر بلمساته..
ويهمس بألم عميق عـــمــــيـــــــــق من أقصى جوفه دون أن يشعر:
هذي هي دبلتش في يدي.. ردها ربي لي... ردها ربي لي..
عشان تقعد ريحتش معي.. يوم خذش بكبرش مني.. ماهنت عليه يقطعني من كل صوب..
ثم أردف بألم أكبر متشعب.. مستشري في كل خلاياه.. ألم مثقل بشعور مرير من الخواء:
يـــــــــــااااااااه..يــ ــــــــااااه يا الجازي..
اللي حظ ذا الدبلة أكبر من حظي!!
رافقتش خمس سنين .. قريبة منش.. ملامستش.. تتنفس قربش.. وأنا محروم حتى إن عيني تلمحش وأنتي حلالي..
صُعقت الجازي بقوة توازي ضربة صاعقة بملايين الفولتات..وتصاعدت دقات قلبها خجلا ورعبا كاسحين من كلماته التي اقتحمت حياءها بعنف..
لتغلق الهاتف فورا..
وينتفض خالد واقفا.. وتسقط الدبلة من يده وهو ينتبه لما قاله..
ركل خالد حافة السرير بقدمه بقوة.. وهو يزفر بحرقة غاضبا من نفسه:
أنا وش هببت؟ وش هببت؟؟ وش ذا الكلام اللي قلته لها؟؟ اللهم إني استغفرك وأتوب إليك..
اللهم إني استغفرك وأتوب إليك..
اللهم إني استغفرك وأتوب إليك..
تنهد خالد بيأس كوى كل مافيه.. وهو ينهار جالسا على حافة السرير ويتناول الدبلة من الأرض ويحتضنها في باطن كفه..
وهو يهمس بهذا اليأس الصِرْف: وش أسوي بش يا الجازي؟؟ وش أسوي؟؟ أنتي اللي نشبتي في حلقي.. وطلعتيني من شعوري..
ثم أردف بيأس أعمق : ووش أسوي بعمري واللي باقي من أيامي.. وأنتي معششة في كل خلية من خلاياي؟؟
قولي لي يا الجازي كيف اللي باقي من عمري بأعيشه وأنا أعرف إنه عمر خالي منش؟؟
كنت عايش بش ولش وعشانش.. والحين روحي مثل قبر مهجور..
تـــنــهـــد.. وهو يعيد الدبلة إلى مكانها ويتمدد مرهقا على السرير بكامل ملابسه.. ففكرة الخروج أُلغيت كاملة..
فحين تحضر الجازي يبهت كل شيء..
وحين تغادر تسحب معها كل شيء..
كـل مرة كـأول مرة.. بل كل مرة أعظم من سابقتها..
لأن في كل مرة يكون قدر الجازي ومحبتها وعشقها قد تعاظموا في روحه.. لذا تكون كل مرة أعظم من سابقتها!!
أنَّ خالد بألم أنينا موجعا وهو ينقلب على جنبه اليمين.. كان يشعر أن جسده كله يؤلمه ألما لا يعرف له سببا..
تستعيد ذاكرته حواره الأول مع والده بعد حادثة الجازي قبل أكثر من خمس سنوات وهو يقف خلف قضبان التوقيف.. حين قال له بكل حزم الدنيا:
"اسمعني يبه زين.. أنت وعيال إخيك..
لا يطري عليكم إني باطلق الجازي..
والله ثم والله ثم والله.. لو تسلخون جلدي عن لحمي ثم تمخلسون لحمي عن عظامي إني ما أطلقها..
أدري إني غلطت.. وغلطتي مالها دوا..
بس أنا ماعاد أقدر أصلح اللي فات..
تبون أنسجن سنة سنتين عشر.. موافق وأستاهل.. بس في الأخير باطلع واتزوجها..
وش تبون مني.. وش تحكمون علي.. أنا مستعد وحاضر.. إلا الطلاق..
لو يطلع عمي سعيد من قبره.. ويقول طلق بنتي.. قلت له: معصي.."
وهـــاهو طلقها.. طـــــلــــــقـــــهــــا .. بدون كل ماقاله..
طلقها.. ودفع الكثير من الكفارات.. عن كثير من الأشياء..
كفارات من المال والندم والحزن والحسرة..
طــلــقــها.. بدون سلخ جلده عن لحمه وفصل لحمه عن عظامه..
ولكن ما يشعر به من ألم أبشع من ذلك وأقسى من سلخ الجلد وفصل اللحم..
فهو حين طلقها فصل روحه عن جسده..
روحه معها.. مـــــعــــهــــا..
وهي تمارس عليه جبروتا تعلمه.. جبروت من يعرف مكانته وسلطته..
يتمنى بكل يأس الكون لو يعود به الزمن لتلك الليلة.. حتى يقف.. حتى يتأنى.. حتى يسأل..
دعا الله أن يحقق له هذه المعجزة.. دعاه بكل يأسه وندمه وحسرته.. تقيأ سنواته الماضية الثقيلة التي سحقت كل مافيه سحقا..
" أعدني قبل سنوات خمس.. أعدني يا الله!!
أعدك أن أتانى.. أعدك يا الله ألا أتهور.. الا أفقد عقلي!!"
ولكن الزمن لا يعود.. لا يـــــعـــــــود.. ولا يبقى إلا الكثير من غبار الأمنيات والندم..
انثالت عليه الذكريات بقسوة مع حضورها.. مع سماعه لصوتها..
(يا الله يا صوتها!!
لماذا يا صوتها؟؟ لماذا؟ لماذا تنكأ جروحي إن كنت لن تكون لي يوما؟!!.
لماذا تحفر في جروحي وتحرثها إن كنت ستبقى غريبا بعيدا؟!!)
"ليش اتصلتي يالجازي.. ليش؟؟
أنتي ماتعرفين وش يسوي بي صوتش؟!..
ما تعرفين؟!!
ما تعرفين وش يسوي احساسي إنش قريبة.. وأنتي أبعد خلق الله
ما تعرفين وش يسوي بي إحساس الحسرة لا تذكرت إنه اللي بيني وبينش انقطع خلاص
وانش خلاص مارح تصيرين لي..
ست سنين وأنا أحلم ليل نهار باللحظة اللي اشم فيها ريحة شعرش من قريب
بس أشمه.. ياربي بس أشمه!!
أكثر من ست سنين ..من ذاك اليوم اللي شديت فيه شعرش في صالة بيتكم..
ليت ذاك اليوم ربي ما كتبه.. ليتني مادخلت بيتكم..
ليتني ما شديت شعرش..
ليت الزمان يرجع عشان أصلح أي غلطة من غلطاتي.. أي غلطة!!
عشان ما أوصل للي وصلت له اليوم"
زفر بحرقة وهو يضع ذراعه على وجهه..
يتمنى لو يستطيع أن يمسح مساحات شاسعة من ذاكرته..
يريد أن يمسح الجازي كلها..كل مايرتبط بها.. كل الذكريات التي جمعته بها وأصبحت كل ذاكرته جمعاء..
كل المشاعر المتضخمة في كل شرايينه وأوردته لها..
يتمنى أن يمسح كل مايخصها مهما صغر.. فكل صغير معها لا نهاية له.. فمعها القياسات لا تخضع لأي مقياس اعتيادي.. معها الذرة تتضخم لتصبح أكوانا..
يتمنى أن يعود معها لنقطة الصفر.. لأول ذكرى وأخر ذكرى ويمسح كل شيء..
ولكن كلما شعر أنه رصف حصونه.. وبدأ بمعالجة جراحه..
تأتي الجازي أو ذكراها لتنسف كل شيء نسفا..
بات قويا أمام كل شيء.. ومع كل شيء.. قويا جبارا متجبرا..
إلا مع ذكــــــراها..
وحـــــــــــدها.. تهزمه..
وحدها ذكراها تهزمه.. شر هزيمة!
*******************************
حينها انفجرت أميرة في بكاء حقيقي مر وهي تهرب وتغلق على نفسها في غرفتها..
بينما الجليلة بقيت مصدومة للحظات ثم همست وهي تكتم غضبها:
شهاب كيف تكلمها بذا الطريقة؟! حرام عليك..
تنهد شهاب وزفر: أنا عارف إني زودتها معها.. بس لازم حد يسوي لها حد.. وضعها مو طبيعي..
هذي تحتاج نفطمها منش..
الجليلة بتأثر: موب كذا يا شهاب.. موب كذا أرجوك..
شهاب بثقة وإصرار: خلي الموضوع عليّ.. أنا بحله.. أعرف إنه بيكون صعب..
وطريقنا طويل بس إن شاء الله بحله..
أرجوش جليلة فكري بنفسش بس..
شهاب غادرها.. بينما هي غادرت باستعجال لتلحق بأميرة إلى غرفتها..
وهي تترك الإيميل الذي لم تكمل قراءته حتى.. بل تكاد تنساه رغم أنه شكّل لها صدمة هائلة عنيفة حين رأته..
تـــنـــســــاه.. لأن أميرة في المقام الأول عندها..
طرقت الباب الذي كان مغلقا بالمفتاح.. ولم تتوقع ولم يخطر لها ببال أن أميرة لن ترد عليها.. ولن تفتح الباب..
تراجعت بصدمة حقيقية (معقولة!! ما فتحت لي!!) ..حاولت مرة أخرى وهي تهتف بحزم:
أميرة بطلي الباب.. خلينا نتكلم..
ولكن أميرة لم ترد عليها أيضا، تراجعت الجليلة وهي تتنهد بحزم وتهمس داخلها:
( خلها الحين.. المغرب بيأذن بعد شوي.. خلني أصلي وهي تصلي وتهدأ وعقب نتفاهم)
عادت الجليلة لغرفتها وانتظرت الآذان وهي تقرأ أذكارها.. وتحاول أن تبعد هذا الكم من الأفكار المتضاربة التي ازدحمت في دماغها..
وفور انتهاءها من الصلاة عادت لغرفة أميرة.. وتزايدت صدمة الجليلة من عدم فتح أميرة للباب، بل حتى امتناعها عن الرد..
حينها عادت لغرفتها محبطة من ردة فعل أميرة الغريبة.. وقلقها يتصاعد عليها..
لتقع عينيها على اللابتوب الذي تركته ملقى على أريكتها بسبب صدمتها من دخول أميرة الباكي الثائر..
وجدت نفسها تعود للإيميل الصدمة إياه...الذي كانت مازالت لم تقرأ إلا أوله الذي كان:
"أعرف أن إيميلي صادم لك.. وأعرف أيضا أنه من غير اللائق أن أرسله"
وفي ذلك الوقت، كانت تقول في نفسها بتأفف وهي تغالب صدمتها من وقاحته المنقطعة النظير
(ودامك عارف إنه مهوب لائق، ليه ترسله؟؟..
بس لا جاء العيب من أهل العيب وش نقول ؟؟)
ليقاطع أفكارها وقراءتها للإيميل دخول أميرة إياه يتبعها شهاب..
الآن.. وبعد مرور أكثر من ساعة على ذلك الموقف... جلست وهي تتنهد وتضع اللابتوب على فخذيها..
وتعود لقراءة الإيميل وهي تقول في نفسها (وش يبي الإمبريالي اللي ما يستحي؟)
كانت كلماته تتراصف أمامها على شاشة الحاسوب وتثير فيها مشاعر شتى من التحفز والتفكير والفضول والاستعداد للغضب:
أعرف إن إيميلي صادم لك.. وأعرف أيضا أنه من غير اللائق أن أرسله
وربما كان من مساوئي "أو محاسني"، أني لا أستسلم أبدا..
وأني لا أخسر معركة إلا بعد أن أكون قد استنفذت كل وسائلي..
وهذا الإيميل هو أحد هذه الوسائل..
أرجو أن يتسع صدرك لما سأقول، وأرجو أن تفكري جيدا فيه..
أعلم أن شهاب أخبرك عني الكثير وكتم عنك ماهو أكثر منه..
وأعلم حتى لو لم يخبرني بما قاله لك.. أن مافي قاله، تأييد لي وإدانة، وتأكدي أن شهاب مصيب وصادق في كل ماقاله لك عني
سواء كان مدحا أو قدحا أو قصفا.. لست أنكر شيئا قاله..
"جــلــيــلــة..
(قليل الحيا يدعيني باسمي كذا بتبسط.. كني صرت المدام فعلا.. يمه يا ثقل طينتك وقِل سحاك)
جليلة.. قد أكون الزوج الأفضل.. وقد لا أكون أبدا.. وسأبدأ بما قد يجعلني الزوج غير المناسب لكِ..
أولا بيننا سوء تفاهم كبير حدث خلال تدريسي لك..
ولكن سوء التفاهم هذا لا ريب كشف لكِ أن شخصيتي قد تكون صعبة في بعض جوانبها ولا أنكر ذلك أبدا ..
ثانيا: أنا أتيكِ محملا بمشاكلي ومشاكل أسرتي.. وأحملكِ مسؤولية أولاد وأب أنتِ في غنى عن حملها، بعد أن حملتِ مسؤولية أشقائكِ لسنوات طويلة وآن لكِ أن ترتاحي..
ثالثا بكل صراحة واقتناع أنا عندي وجهة نظر سلبية جدا تجاه المرأة العربية.. وعقدتي منهن مترسبة في داخلي من طفولتي، ولا أنكر هذه العقدة ولا أظنها قابلة للحل أو التفكيك.. بل أنا متأكد أنها غير قابلة للحل ولا حتى لأي تخفيف من شدتها..
(صدق إنك وقح.. ولا شفت أوقح منك..طيب دامك داري بمصايبك أنت وجهك.. وش له تبي تبلاني بنفسك؟؟)
أعلم أنك الآن تقولين لنفسك ، من يعرف كل هذه العيوب عن نفسه، فكيف يخطر بباله أن يخطبني؟!
(يمه منك يالسكني!!)
أخطبكِ لأني أحتاجكِ ..ولأني أعلم أن عندي من المزايا مايفوق عيوبي، وأعتقد أن من هي في ذكائكِ تستطيع الموازنة واتخاذ القرار الصائب..
أنا أيتها الجليلة... زوج مناسب لكِ تماما ولمتطلباتكِ.. كما أنتِ مناسبة لي ولمتطلباتي..
الجليلة تكاد تجن منه (ياقليل الحيا وأنت وش عرفك بمتطلباتي؟؟ ياللي ما تستحي.. يا للي وجهك مغسول بمرق)
في العمر أنا مناسب تماما.. كما أني لا أعتقد أنك ستجدين من هو أفضل مني اجتماعيا ولا ماديا ولا ثقافيا..
(يا الله الصبر من عندك على الغرور والملاغة.. يا الله أنزل عليّ السكينة من عندك قبل أحط حرتي من الإمبريالي في ذا اللابتوب..وأكسره)
من جانب آخر مهم لن تجدي من هو أقرب مني إلى شهاب، أنا وشهاب أكثر من أخوة وأنتِ تعلمين ذلك.. وأعتقد أن هذه ميزة قد تكون مهمة عندك..
ولكن مع كل هذه الميزات التي أقدمها لك.. أعلم أن أيا منها لن يكون سببا مقنعا كي توافقي عليّ..
(والله إنك سكني!! يمه منك) السكني= الجني
الميزة الأكبر التي سأقدمها لك.. هي حرية اتخاذ القرار التي قد لا يمنحها لك أي زوج آخر في الوضع الطبيعي لأي زواج..
معي لكِ مطلق الحرية أن تتصرفي كما تشائين في كل ما تشائين..لأني أثق في رجاحة عقلكِ..
وأعلم أنك مرتبطة كثيرا بأهلك.. ومتعلقة كثيرا بأميرة.. وزوج غيري قد يطالبك بالالتزام به.. أكثر من أهلك..
أنا فقط أريد منك أخذ مكاني في بيتي الآن وحينما أسافر بعد ذلك.. حتى أعود.. بعد ذلك افعلي ماتريدين..
تريدين أن تنامي عند أهلك بعدما أعود قدر ما تشائين.. لكِ ذلك...
تريدين احضار أميرة عندنا.. البيت بيتها..
تريدين أن تدرسي.. تعملي.. تنشئين شركة أو تقومي بعمل مشروع.. في كل شيء سأكون لكِ سندا وعونا.. ماديا ومعنويا لأقصى حد.. اطلبي تجدين..
وكل ما أريده أن تكوني أنتِ سند وعون لي.. ابنة لوالدي.. وأما أو أختا كبرى لمي..
وعدا ذلك لن أطالبكِ أبدا بأي شيء آخر ولن أقيدكِ بأي شكل..
ولـــكـــــن...
مقابل ذلك أيضا: لا تطالبيني أنتِ أبدا بعلاقة زوجية طبيعية..
سيكون لكل منا غرفته المستقلة.. وسأكونُ مستقلا تماما كما كنتُ طيلة السنوات الماضية..
طبعا هذا بيننا فقط.. لكن أمام الكل نحن زوجان طبيعيان تماما...
سامحيني إن كان في كلامي وقاحة.. لكن هذه حياتنا المستقبلية وحقكِ عليّ أن أكون صريحا من البدء..
وكلانا ناضجان ويجب أن نضع النقاط على الحروف قبل الموافقة على أي شيء..
يجب أن تعرفي أن القرب الحميم من أي امرأة عربية يمثل لي كارثة بكل معنى الكلمة.. كارثة حقيقية..
ويمس قناعات مترسخة متجذرة عندي لا يمكن أن يتزحزح أبدا.. بل من رابع المستحيلات أن تتزحزح..
حينها لم تعد الجليلة قادرة على إكمال القراءة رغم أن الإيميل الطويل لم ينتهِ بعد..
أغلقت الحاسوب بعنف شديد، ورمت به جانبا.. وهي تنتفض واقفة وترتعش من الغضب..
رغم أنها نادرا جدا جدا ماسمحت للغضب أن يسيطر عليها.. ومن مرات الغضب النادرة تلك التي مرت طيلة سنوات حياتها حظي فرات بالنصيب الأعظم من عدد هذه المرات..
في البدء وهو أستاذ لها.. والآن وهو مشروع زوج..
كانت تروح وتجي في الغرفة وهي مازالت ترتعش من الغضب على غير عادتها أبدا وتكلم نفسها:
وقـــح وقــــح وقــــــح!! ..
وزاد على وقاحته مضمون كلامه... ولو أنا أصلا فكرت في وقاحتك الحقيرة يا فرات الزفت.. بقول لك أنا أساسا ليه ممكن أنطس في عيني وأوافق أتزوجك يا زفت الطين أنت..؟؟
لأني أبي أكون أم لعيال إبيهم مهتم في عياله يوم شفت اهتمامك في عيالك ..
وإلا من حلاتك أنت كزوج وإلا ومن زينك.. يا التافه.. يا المغرور.. يا المعقد.. يا اللي كل المصايب فيك..
وإلا لو على الخبال اللي يلعب برأسي الحين... ودي أوافق أتزوجك وأطلع عينك.. وأخليك تندم على كل كلامك ذا...
وأخليك تزحف على ايديك وارجيلك تبي رضاي وقربي وأنا اللي أشوتك.. وأقول سامحني ما أقدر.. أنا متعقدة من الرجل العربي..
بس بأتعوذ من ابليس.. وأقول لشهاب يقول لك إنك مرفوض مرفوض مرفوض مع البصم بالعشرة على الرفض..
انقلع.. انقلع الله يقلع عدوك..انقلع..
***********************************
" من صبح وأنت مقابل ذا الكمبيوتر.. أول شيء كنت تكتب تكتب تكتب..
وعقب بس تطالع فيه.. كنك تنتظر شيء.. هل عندك مشروع مهم تشتغل عليه؟؟"
ابتسم فرات بغموض وهو يزيح جهازه المحمول جانبا:
مشروع من أهم مشاريع حياتي وأكثرها خطورة وجنونا وتهورا..
ابتسم حامد بضعف وهو يحاول أن يعتدل فيفشل في القيام بأي حركة: غريبة !!
أعرفك تحسب كل مشاريعك بالورقة والقلم وبدقة.. فليش التهور؟؟
وقف فرات وتوجه نحوه وهو يهتف بثقة: بعض المشاريع تحتاج مجازفة غير محسوبة للضرورة..
ثم أردف وهو يقترب منه ويتحسسه باهتمام: أنت منت بعاجبني.. فيك شيء؟؟..
من عقب ما طلعت منك شوي للسوبرماركت ورجعت وأنت تكلم إبي.. وأنا أحسك تعبان..
هتف حامد بثقة تخفي خلفها إحساسا مرعبا بالألم الفعلي يكتسح كل خلايا جسده:
رأسي يوجعني شوي.. نادهم ولا عليك أمر يحطون مسكن في المغذي..
قالها وهو يشير بعينيه لسائل التغذية المعلق بوريده..
تنهد فرات وهو ينقر الجرس ويخبر الممرضة.. كان يعلم أن حامدا لن يطلب مسكنا لمجرد شعوره بالصداع..
وأنه لابد يغالب ألما شديدا يخفيه..
هكذا كان حامد من صغره.. يحتفظ بألمه لنفسه مهما كان.. ولا يشاركه مع أحد.. إلا في بعض الأحيان مع أخيه الأكبر حمد دون سواه..
كان حمد وحده هو مستودع بوحه.. حين يبوح به.. وماعدا ذلك.. يحتفظ بكل ما يؤلمه لنفسه!
انتظر فرات حتى ذهب حامد في النوم بعد أن سكنت أوجاعه... وعاد إلى جهازه المحمول..
كان ينتظر منها ردا.. مع أنه شبه متيقن أنها لن ترد..
كان يعلم تماما الجنون الذي ارتكبه في رسالته.. فهو وإن كان بالفعل يتمنى أن توافق الجليلة عليه من أجل والده وابنته..
إلا إنه في ذات الوقت يتمنى أن ترفضه من أجل نفسه..
لذلك لم يزيّن نفسه في عينيها وكان صريحا إلى حد الوقاحة المنفرة..
وكان لصراحته خليط من الأسباب.. فهو بحد ذاته صريح ومستقيم..
ومن جهة أخرى، في حال قررت أن توافق عليه، لا يمكن أن يبدأ حياته معها بخداعها حتى توافق عليه.. ثم تتفاجأ بطبيعة الحياة بينهما..
ومن جهة ثالثة، تمنى أن تكون صراحته سببا في أن ترفضه.. مع أنه يتمنى ألا ترفضه..
تنهد فرات للمرة الألف اليوم:
أنت يا فرات منت ب عارف وش تبي.. جننت نفسك بنفسك.. تبيها.. وفي نفس الوقت ما تبيها..
أبيها، لأني محتاجها جدا .. بأموت من القلق ومحاتاة إبي ومي.. وخصوصا إن سفر حمد قريب وأنا ما أقدر أخلي حامد وهو في ذا الحال ..
وما أبيها ، لأني أخر شيء أبيه في حياتي وقريب مني.. هي مرة عربية عقب ماظليت سنين عمري كلها هربان منهم ومن قربهم وقرفهم.. لا وتصير ذا العربية شريكة ملاصقة لي لين آخر العمر...
يا الله وش الذنب العظيم اللي سويته في حياتي عشان تعاقبني ياربي بهذي العقوبة؟!!
أنا وامرأة عربية سوا؟!!!!
لا وأخت شهاب.. يعني لا تزوجتها لازم أتحملها عشانه.. وأتصبر على مابلاني..
تنهد وهو يزيح المحمول الخالي من أي رد.. ويتناول مصحفه القريب ليقرأ بعض ورده وهو يهمس لنفسه: لو كان عندها رد.. أكيد شهاب بيبلغني فيه..
*****************************
"شـهـــاب!!"
التفت شهاب الذي كان يوشك على صعود الدرج إلى الخلف وابتسم نصف ابتسامته المعهودة وهو ينظر إلى الجليلة التي كانت تجفف يديها قادمة من المطبخ:
لبيه يا عيون شهاب.. أدور لش مالقيتش.. مادريت إنش في المطبخ..
يعني لاهي حزة غدا ولا عشاء ولا قهوة ولا حتى ترتيب.. وش تسوين في المطبخ؟؟.
ابتسمت الجليلة بحنو: أبي أسوي شيء سبيشل لأميرة..
ثم أردفت بقلق: ما طلعت من غرفتها من يوم أنت خابر.. مسكرة الباب ولا فتحت لي.. ولا حتى ترد علي. ولا كلت شيء ياقلبي..
ثم أكملت بذات الابتسامة الحانية : أبيها لا طلعت تلاقي شيء تحبه..
حينها هتف شهاب بحزم: والله ما تسوين شيء.. أنتي يعني تكأفينها على الحركة البايخة اللي هي مسويتها إنها مسكرة على نفسها وماترد عليش؟!!..
وليت فيه سبب لزعلها.. زعلانة بدون سبب.. خلها لين يطيب خاطرها من الزعل..
ولا طاب خاطرها.. تطلع وتسوي لروحها اللي هي تبي..
لا تخافين مهيب ميتة من الجوع.. البيت مليان عِيشة.. (عيشة= طعام)
الجليلة بحزم: بس يا شهاب..
قاطعها شهاب بحزم أشد: بدون بس.. اللي أقوله يمشي.. هذا مو أسلوب تعامل معها يا جليلة... أميرة مرة.. وأنتي تعاملينها كأنها طفلة أم خمس سنين..
هي اللي تغلط عليش وأنتي الكبيرة وأنتي اللي تراضينها وتدلعينها.. والله ثم والله ماعاد تدقين عليها.. ولا تسوين لها شيء..
ولا تقولين لها شيء... لين تجي وتحب رأسش وتعتذر منش..
هتفت الجليلة بحزم مشابه: أرجوك شهاب.. مهوب كذا..
"تنهد شهاب بحزم: جليلة انتهينا من ذا الموضوع.. خليني أسبح وأبدل وأجيش وأعلمش بسالفة عندي...
******************************************
قبل ذلك.. بعد صلاة المغرب.. في مجلس فرات..
"وين حمد؟؟ جيت العصر ماعينته.. وجيت الحين ماعينته"
استند حمد الكبير على المركأ بينه وبين شهاب وهو يهتف بهدوءه الراقي المعتاد المختلط بحزن غريب يشبهه:
كان هنا قبل المغرب هو وتركي.. تركي صلى معي المغرب وراح.. وحمد راح يخلص شغل ضروري لأبيه..
المسكين مهوب داري وين يلقي وجهه.. هو يخلص شغلات دراسته.. وإلا يجهز لسفره.. وإلا يخلص شغلات إبيه.. وإلا ينشغل باله عليّ.. وهو مايروح مكان إلا يكلمني كل خمس دقايق..
شهاب بعتب: وليه فرات ماقال لي وش شغله أنا كان سويته؟؟..
أبوفرات بتقدير: مهوب موفرك.. وأنت أقرب من حمد له.. بس أنت عادك جديد على الشغلات ولا تدل زين في الديرة..
شهاب بذات العتب المختلط بتقديره لأبي فرات: إذا مادليت أنا.. مساعد يدل ويعرف.. كفاية على حمد يرتب لسفره..
أنا بقول لفرات الليلة.. أي شيء يبيه يطلبه مني.. ويخلي حمد في حاله..
حينها نظر أبو فرات إلى شهاب وهتف بتقدير كبير ومودة: مهوب معين أقرب منكم أنت ومساعد.. أنتم أخوان ونسابه.. (نسابه= أنسباء)
"
ارتعش داخل شهاب ارتعاشة لم تظهر في تحكمه بظاهره.. الكلام الذي يقوله أبو فرات المعروف بكلامه المحسوب الموزون ليس له إلا معنى واحد..
أنه يعرف بموضوع الخطبة..
هتف شهاب في داخله (الله يهداك يا فرات.. كذا تحرجني مع عمي حمد)
كان شهاب مستغربا تماما من إبلاغ فرات لوالده للخطبة.. هذا التصرف لا يصدر عن فرات..
(مستحيل إني ماأعرف فرات لذا الدرجة!!)
ففرات الذي يعرفه تماما.. يستحيل أن يبلغ والده بموضوع الخطبة لعدة أسباب يعرفها شهاب حتى لو لم يقلها فرات..
قلقه على والده ورغبته بعدم ازعاجه بأي شيء.. ومن ناحية أخرى لا يريد أن يعطي لوالده أملا في موضوع قد لا يتم.. وهو يعرف رغبة والده الشديدة في أن يتزوج..
ومن ناحية ثالثة يعلم أن إبلاغ أبي فرات الخطبة سيشكل ضغطا على شهاب..
لأن شهاب سيُحرج من العم حمد.. لكنه لن يُحرج من فرات.. وفرات يستحيل أن يعرض شهاب لهكذا حرج..
كانت هذه أفكار شهاب وهو ينظر لأبي فرات الذي قام بعد أن أنهى جملته ليتوضأ لصلاة العشاء دون أن يضيف أي شيء آخر..
ولأن العلاقة بينهما فريدة.. مفتوحة.. لا مكان للظنون فيها.. أخذ شهاب هاتفه فور غياب العم حمد عن المشهد..
ليصرخ في الهاتف بغضب حازم مكتوم: أنت أشلون تعلم عمي حمد بموضوع الخطبة؟؟
أنت تبي تحرجني معه.. لا جاء الرفض مثلا؟!
أنت عادي أقدر أرفضك وأكسر وجهك ولا علي منك..
بس عمي حمد لا..
بهت فرات وهو يهتف بصدمة كاسحة: إبي يدري؟؟ كيف؟؟
شهاب بذات الغضب: أتوقع بنسبة تسعين بالمية إنه يدري..
فرات بغضب مشابه مكتوم وهو يخفض صوته حتى لا يزعج حامد النائم: أنت خبل؟!!.. يعني كنك ما تعرفني.. المستحيل بعينه إني أقول لأبي شيء وأنتم مابعد وافقتم علي..
عشان إبي أولا.. وعشان ما أحرجك معه ثانيا وأنا عارف إنك تمره في اليوم كم مرة..
تنهد شهاب وهو يتعوذ من إبليس ويتضايق من نفسه أنه شك مجرد شك في فرات:
أجل من اللي قال له؟؟ .. أنا حتى مساعد ماقلت له شيء..
تنهد فرات وهو ينظر للمسجى المليء بالسجحات والكسور أمامه ويتمنى لو أنه لم يكن مكسورا حتى يكسره هو.. ويزفر بغضب: أكيد حامد اللي قال له..
شهاب بصدمة : حــــــامـــــد!!
"إيه حامد... ولد إبي وعضيدي!! اللي ماهان عليه أكون أخر من يعلم"
كانت هذه عبارة أبي فرات التي قالها بغضب في هاتف شهاب لتصب في إذن الاثنين فرات وشهاب.. بعد إن التقط أبو فرات الهاتف من يد شهاب الذي لم ينتبه لعودته..
زفر فرات زفرة من أقصى جوفه.. هذا كان أخر ما ينقصه في سلسلة المصائب.. التي كان يكفيه عنها كلها فكرة زواجه الكارثي من امرأة عربية..
هتف باحترام ومودة عميقين مختلطين بالتهدئة: الله يهداك يبه... مابعد صار شيء جعلني قبلك.. شهاب بيجس نبض أخته.. كنها موافقة ماحد بخاطب لي غيرك..
أبو فرات هتف بغضب متماسك: مالك عذر يا ولد حمد.. سنين وأنا أحن عليك تخطب.. ويوم الله هداك وخطبت.. تخطب من وراي.. ذا السنع اللي تعرفه؟؟
هذي حشمة إبيك وتقديره عندك؟؟..
حينها ماعاد فرات يستطيع الجلوس وهو يقفز كالملسوع ويهتف بألم حقيقي:
طالبك يبه ما تقول كذا.. طالبك.. أنت لو تبي رقبتي ما تغلا عليك تدوس عليها بنعالك..
أنا بس ما بغيت أحرج شهاب.. شهاب بيستحي منك يرفض.. لكن أنا مهوب مستحي مني لو بغى يردني..
حينها هتف أبو فرات بغضب أشد: وعادك تكذب على شهاب يا مسود الوجه.. هو شهاب بيردك يعني يومك تكذب عليه؟؟
زاد توتر فرات حين أحس باحتكام غضب والده.. خشي أن تواتيه الحالة.. همس بتهدئة كبيرة: يبه السموحة طالبك.. السموحة جعلني فدا أرجيلك..
أمسحها في وجهي.. أنا غلطان وغلطان ولا لي عذر.. خلاص شهاب عندك.. تفاهم أنت وهو على اللي تبيه.. وأنا طوع شورك..
انتهت المكالمة/المصيبة التي ضاعفت توتر كل من فرات وشهاب.. بينما أبو فرات يعيد الهاتف لشهاب وهو يهتف بتماسك: السموحة منك يا أبيك.. عصبت.. وأكثر ما عصب بي كذب فرات عليك..
ثم أردف بمودة وتقدير: أنا بجيك القابلة في مجلسك.. وعلّم عمك عبدالمحسن وعيال عمك.. حامد علمني إن فرات مستعجل على الملكة قبل سفر حمد..
وأنا بكلم فرات يرسل فحص الزواج.. عشان نملكه أقرب فرصة....
ثم أردف بحزن غريب: والله إني يا أبيك أعجل منه.. ودي إنه يرتاح.. يعين له حد يعاونه.. يراده الصوت.. يكون سكن لروحه... 12 سنة من يوم ماتت أسماء الله يرحمها..
وهو كنه القطار اللي مايرتاح ولا يوقف في محطة..
تنهد شهاب بعمق وهو يحاول لملمة أفكاره ... رغم صدمته من كل الموقف المفاجئ إلا أنه بين كل المتورطين في الموقف رغم أنهم كلهم الأغلى في حياته إلا أن أكثر من يهمه هو الجليلة.. لذا هتف بحزم وتقدير:
يبه حمد.. لو عليّ مارح ألقى أقرب ولا أعز من فرات.. بس أنا لازم أشور البنت وأخذ رأيها.. مستحيل أفرض على الجليلة شيء.. هذي حياتها هي..
تنهد أبوفرات وزفر بضيق لم يخفَ على شهاب: أنا أحسب إنك نشدتها خلاص..
شورها يا أبيك..شورها.. بس طالبك ما تبطون علينا في الرد..
ثم أردف بأمل آلم شهاب كثيرا: خلاص، أجل نجيكم قفي القابلة؟! (قفي القابلة= ليلة بعد غد)
هتف شهاب بمودة: يبه عطنا وقتنا شوي..
زفر أبو فرات وسكونه الغريب يعود له: مافيه وقت يا أبيك.. حمد قده بيسافر عقب أسبوع.. وحامد مكسر في ألمانيا..
وفرات احترق بيننا.. انفرى جوفه من المحاتاة.. وأنا أحاتيه أكثر ما يحاتينا..
*************************************
الآن.. عودة لبيت طالب...
شهاب حكى للجليلة كل الموقف بالتفصيل.. هتفت الجليلة بحزم:
لا تكون تبيني أوافق على دكتور فرات عشان خاطر إبيه؟؟
رد شهاب بحزم أقرب للغضب: لا طبعا.. اشلون خطر ذا الشيء ببالش؟؟..
أنا أعلمش استعداد انه ممكن عمي عبدالمحسن يكلمش..
لأنه أظن عمي حمد مهوب جايه القعاد ولا السكات.. وبيشغل واسطته..
شايف الموضوع حياة وموت..
وأنا أبي أكسب وقت لين تفكرين وتردين..
زفرت الجليلة بحزم: والله يا شهاب مهوب هاين عليّ غلا الدكتور فرات عندك.. ولا هوب هاين عليّ طلبة إبيه..
بس أنا ما أبيه يا شهاب.. ما أبيه.. وهذا قرار نهائي..
مهوب الزوج اللي يصلح لي.. وعقب ذا العمر قرار مثل ذا لازم أحسبه زين..
وطالبتك ما تخلي عمي عبدالمحسن يحرجني.. كفاية إحساسي بالحرج منك ومن إب الدكتور فرات..
هتف شهاب بحزم وهو يربت على كتفها: لا تحاتين مالحد طريق عليش.. الرأي رأيش أنتي وبس..
ثم أردف بحزن شفاف مغلف بحزمه: ولو أني كنت أتمنى تفكرين شوي... صحيح أول ماقال لي فرات رفضت فورا..
بس عقب مافكرت.. شفت إنه لو ألف الكون كله مالقيت لش رجال أحسن منه.. فرات نادر نادر..
صحيح عنده أفكار غبية عن المرأة العربية... لكن أنا متأكد إنه لا عرفش.. بتتغير ذا الأفكار.. أو على الأقل مستحيل تتوجه ضدش..
صمتت الجليلة.. ماذا تقول.. هل تقول: لقد كنت أفكر مثلك.. أن فرات رجل بمواصفات ممتازة.. وأفكاره عن المرأة العربية يمكن تجاوزها.. ولن تكون أبدا مشكلة عندي..
لكن هذا الرجل يريدني مسمى زوجة فقط.. مجرد مسمى.. موظفة في بيته بمسمى زوجة بامتيازات مادية عالية.. وفقط...
هذا الامبريالي الحقير أنا عنده لا أختلف عن موظف كفء يعلم حاجته له..
لذا يستقطبه إلى مؤسسته ويغريه بالامتيازات المادية التي سيغدقها عليه بوقاحة منقطعة النظير..
لكن كأي علاقة بين مدير وموظف.. هناك فاصل وحد يجب أن عدم تجاوزه..
تنهدت الجليلة في داخلها.. وغضبها يتضاعف على فرات.. وهي تحاول أن تسيطر على نفسها:
(اهدي يا جليلة اهدي... فرات موضوع وانتهى.. لا تخلينه يكدر مزاجش ولا يغثش
الله يغث عدوه كنه غاثني أول وتالي)
وهي في أفكارها .. لكزها شهاب في كتفها بخفة..
لكي تنتبه لمن تنزل الدرج على استحياء بخطوات خجولة..
حين رفعت رأسها ووقعت عيناها في عيني أميرة.. اندفعت أميرة وهي تركض مسرعة نحوها ...
لتنكب تبكي في حضنها وهي تتناول كفها وتقبلها قبلات مبللة بدموع وهي تشهق: أنا آسفة يا جليلة سامحيني... سامحيني
الجليلة رفعت أميرة عن الأرض بخفة وهي تجلسها جنبها وتحتضنها بحنان أمومي غامر: يا قلبي يل اميرة لا تعتذرين ما زعلت منش اصلا...
حينها هتف شهاب بحزم: لكن أنا زعلت ... اسمعيني يا أميرة ترا اللي يضايق أي واحد فيكم يضايقني ..
وخصوصا جليلة.. اللي يضايقها بشيء تراه غز اصبعه في حلقي...
أميرة تشعر بالضيق من تدخل شهاب بينها وبين جليلة ... وخصوصا أنها ترى أنها هي الأقرب لجليلة ومع ذلك همست باحترام : إن شاء الله فديتك ما أعيدها..
شهاب بذات الحزم: وعشان نسكر ذا الموضوع وننتهي منه... ترا الجليلة بتتزوج بتتزوج لا جاها الزوج المناسب.. وقريب إن شاء الله..
فأرجوش يا أميرة اللي صار اليوم لا يتكرر أبدا.. لا تفرضين على الجليلة أي نوع من الضغط بنفس تصرفش غير المعقول اللي صار اليوم...
الجليلة تضايقت من تشديد شهاب على موضوع زواجها.. بينما أميرة خنقت عبراتها في حلقها وهي تسمع تشديد شهاب الحازم بشأن زواج الجليلة...
حاولت ابتلاع هذه العبرات وهي تهمس بتماسك ضاع في اختناق صوتها: تأكد إن سعادة الجليلة تهمني مثل ما تهمك..
ثم أردفت بضعف وهي توجه الكلام لجليلة: جليلة نروح بكرة انسحب؟
الجليلة رغم ضيقها همست بحزم حنون: إن شاء الله ياقلبي نروح...
*************************************
قبل ذلك بوقت.. في مكان آخر..
" يا الله اركبي.. خلصينا .. تمشين على بيض أنتي"
البندري تسحب عباتها وتغلق الباب وهي تستوي جالسة في السيارة بجوار الهنوف وترد عليها بمرح: يا أختي ما تعرفين المشية الرقيقة الأنثوية.. هذي هي الشيء اللي أسويه..
الهنوف بتأفف مرح (وكأنها لم تكن تنتحب بعنف قبل أقل من نصف ساعة) : الحين الدحرجة اللي كنتي تسوينها قبل شوي اسمها مشية أنثوية.. من اللي لعب عليش يا مسكينة؟؟
البندري تتخذ وضعية التفكير وهي تهمس بتفكير تمثيلي: ظنش كذا؟!
ثم أردفت وهو توجه خطابها للسائق: وأنت بعد اشفيك.. ليه ماحركت؟؟ بنرقد في الحوش يعني؟
السائق بتلقائية بلهجته العفوية المكسرة: بابا تركي كلام حق أنا.. انتزار..
الهنوف اتسعت عيناها بينما البندري همست باستغراب: ليه انتظار؟؟ هو يبي منك شيء؟؟
السائق بذات التلقائية: مافي معلوم..
مع انتهاء السائق من عبارته كان تركي يعبر ساحة البيت متوجها نحوهم قادما من المجلس..
تصاعدت دقات قلب الهنوف هلعا رقيقا (وش يبي يا ناس؟؟ يارب مايحرجني قدام البندري.. يارب مايحرجني)
تركي توجه لباب السائق وفتحه وهو يقول للسائق والخادمة بحزم: انزلوا..
ثم وجه كلامه للسائق بذات الحزم : هاك خذ مفتاح سيارتي..
إذا ماما كبير تبي أي شيء أو وصتك على شيء.. روح على سيارتي..
السائق نزل وترك مكانه لتركي.. والخادمة عادت لداخل البيت..
ركب تركي مكان السائق وهو يشد له نفسا.. ثم هتف بحزم: وحدة منكم تجي تركب جنبي.. ترا ماني بسواقكم..
البندري تشير بعينيها بمرح للهنوف (يا الله روحي قدام)..
فكان رد الهنوف أن قرصتها في عضدها.. البندري نزلت وهي تدعك عضدها ضاحكة..
وركبت بجوار تركي الذي قال باسما: أنتي ماصدقتي!! أنا قلت وحدة منكم.. وانا أقصد المدام.. أنا وش أبي بش تركبين جنبي؟؟.. لايعة كبدي منش..
امتقع وجه الهنوف خجلا (كنت أدري إنه بيحرجني تركي الزفت) بينما البندري ضحكت بشفافية:
والله مخي تخين.. قلت وحدة منكم.. جيت نطيت..
خبرك من مآسي كونك الأصغر في العايلة إنه ما تشم ريحة إنك تركب الكرسي اللي قدام.. إلا في المناسبات الكبرى..
وهذي وحدة منهم .. ولابد من استغلالها..
تركي ضرب مؤخرة رأسها بحنان: يا كثر بربرتش.. بالعة راديو؟!!.. ليه ماتعطين الهنوف شوي من ذا الطاقة الكلامية؟؟
البندري بمرح: وليه أنت ماتعطيها؟؟ هذا أنت بالع راديوين.. عطها واحد منهم.. بدل منت مناشبني على راديوي الوحيد.
تركي ضحك وهو يحرك السيارة خارجا: يمه منش.. أمي وش مرضعتش؟؟.. حليب الأفاعي..
البندري اعتدلت جالسة وهمست باسمة: حليب غزلان طال عمرك..
تركي انفجر ضاحكا: مهوب حولي.. ماحولش غزلان..
ثم أردف باسما بنبرة مقصودة: بس أكيد إنه الساكتة اللي ورا هي اللي رضعت حليب غزلان..
الهنوف تقول في داخلها(ياربي والله إني دعيتك إنه ما يحرجني)
كانت الهنوف تستطيع الرد عليه... فهي كانت قبل ساعات تكلمه عبر الهاتف..
والبندري أصبحت تعلم أنهما يتكلمان عبر الهاتف..
ولكنها تعلم أنه لن يتوانى عن احراجها بكلامه المبطن حينا الصريح حينا آخر.. لذلك قررت التزام الصمت..
ولكنها لا تعلم تحرق تركي إلى جرها للكلام.. فالكلام عبر الهاتف ليس أبدا كالكلام في حضرتها البهية..
البندري قررت تغيير اتجاه الكلام لأنها تعلم أن الهنوف لابد تشعر بالحرج، همست متسائلة:
إلا ليش قررت تودينا؟؟ من اللي قال لك إن احنا رايحين؟
تركي بحزم فيه نبرة عتب: مفروض أنتو اللي قلتوا لي... يعني أنتم عارفين إني قاعد في المجلس..
وأنا قايل لأمي وأنتي تسمعين إنه بأروح عقب المغرب أزور عمي أبوفرات..
فأيش فيها لو وديتكم قبل المغرب؟؟..
البندري بمودة باسمة: مانبي نتعبك..
تركي باسما: تعبكم راحة.. أنا أصلا أبيكم تتعبوني..
ثم أردف بنبرة مقصودة: وإلا يمكن أصلا ماتبوني أوديكم؟!
البندري بذات النبرة الباسمة: حاشا وكلا..
تركي تعب من انتظارها أن تتكلم وهم يقتربون من بيت فرات رغم أنه ذهب من طريق أطول ليطيل المسافة قليلا لأن بيت فرات ليس بعيدا أصلا..
لذا قرر التوجه لها بالكلام بشكل مباشر: طيب يمكن الهنوف هي اللي ماتبيني؟؟ وإلا لا يا الهنوف....؟؟
حينها وجدت الهنوف نفسها مجبرة أن ترد عليه.. همست بحزم خافت لا يخلو من نبرة مقصودة: مافيه داعي نتعبك.. فيه سواق يتبطح ما عنده شغل..
تركي ابتسم من عمق أعماقه.. وتمنى لو يستطيع أن يزفر ويأنّ ويتنهد حتى يفرج عن بعض أنين جوفه وحرقته..
لصوتها سحر أزلي عليه.. خصوصا وهو يسمعه في حضورها.. كل حرف من صوتها يعزف نغمة على قلبه.. نغمة لا تنتفض وتعلو إلا لها وحدها ولحروفها..
أ هو العدل الخالص أن يعشقها بهذه الطريقة بينما يعلم أنها لا تبادله هذا الشعور ولا حتى جزء منه؟!
سيبقى يتساءل هل هذا العشق هو انتقام الله عز وجل لها.. هل هو استجابة لدعواتها عليه؟
لأن ما يشعر به لا يُعقل.. لا يُعقل.. شيء أشبه بالمعجزة..
أن يكون خالي القلب طوال حياته وحتى أشهر قليلة ماضية.. وفي غضون أشهر اتخم قلبه بحبها حد الانفجار..
الآن وهو قريب منها.. بينهما مسافة قريبة.. وفي مكان مغلق عليهما..يكاد يسمع صوت أنفاسها تعلو وتهبط في المكان.. بينما قلبه يكاد يتمزق من اصطخاب دقاته وارتفاعها..
وفي نفس الوقت يدعي تحكمه البالغ بنفسه..
ويرسم لنفسه مظهره المعتاد الذي يمارسه الآن بحكم العادة مع بذل جهد كبير حتى لا تظهر عليه أعراض المراهقين التي اُبتلي بها على كبر..
مشاعر ما شعر بها وهو مراهق ولا هو شاب في عشرينياته..
فإذا بها تغتاله بكل الزخم وهو دكتور في ثلاثينياته.. مشاعر لا يليق إظهارها كما يشعر بها صاخبة عنيفة.. لمن هو في عمره و مكانته ..
ولكن ماذا يفعل بقلبه الذي عصاه؟.. ماذا يفعل بمشاعره التي تتحفز للظهور والتنفيس؟؟
شرايينه تكاد تتفجر من فرط تدفق الدم فيها...ومشاعره العنيفة المتزايدة باتت تتحكم فيه..
وعما قريب إن استمر الحال على ماهو عليه من تجاهل الهنوف لمشاعره.. يخشى أنه قد يصرخ في باحة بيتهم :
(أحبك الهنوف.. أحــــبــــك.. أحـــــــبــــــــــــك)
حتى يسمع أهل البيت والجيران والشارع.. بل ويسمع أهل الدوحة كلهم.. علها حينها تشعر بما يكاد يصرّح به لها.. لأنها لا تنتبه لتلميحاته..
ولكنه لا يعلم أن الهنوف انتبهت.. بل انتبهت جدا..
فهي ليست غبية.. ولكن كل ماهنالك أنـــــــــها لم تصدقه.. بل عجزت عن تفسير هذه التلميحات المتراكمة بشيء.. إلا إنه يتعمد احراجها..
أو عنده سبب مجهول غير مفسر..
هتف تركي باسما ردا عليها: وهذا أنا بعد أتبطح ماعندي شغل.. ممنون أصير سواق الأميرات..
الهنوف صمتت.. لم ترد.. تركته يتحرق لردها.. لذا ردت البندري لأنها شعرت أن ترك تعليق تركي دون رد فيه عدم احترام له.. فهمست بمرح:
أربك صادق؟!.. بس شوف: بتصير سواقنا مانبي السيارة ذي.. نبي سيارتك..
عشان يصير سواقنا مزيون وكشخة وسيارتنا مزيونة وكشخة..
ابتسم تركي وهو يدخل في باحة بيت فرات.. ثم هتف بنبرة مقصودة: أنتم بس ارضوا علي والسيارة وراعيها لكم..
الهنوف سحبت لها نفسا مكتوما وهي تقول لنفسها (اللهم صبرك ياروح!!)..
بينما البندري رن هاتفها في تلك اللحظة وكانت ترد باستعجال وتستعد للنزول: والله في حوشكم يابنت.. افتحي الباب يالله..
تركي هتف بحزم: الهنوف..
الهنوف كانت قد فتحت بابها لتستعد هي أيضا للنزول.. همست بخفوت وهي تتأفف في داخلها بضيق: نعم..
ابتسم تركي ابتسامة لا تخلو من حزم ومن نبرته الملغومة المعتادة: ماتعرفين تقولين لبيه لا دعاش رجالش؟!!
حينها شدت الهنوف نفسا لها وهي تنزل وتهمس بضيق ظهر في نبرات صوتها: الله يهداك تركي أنت ماترتاح لين تحرجني..
مازال تركي يهمس بنبرته الملغومة: طيب قولي أنتي "تركي" بس ولا رح أحرجش.. بس قولي "تركي"..
همست الهنوف بنفاذ صبر تريد الانتهاء من كل هذا واللحاق بالبندري التي تقف أمام البيت وتستعد للدخول: تركي
حينها هتف تركي بعمق وهيام حقيقي وهو يرصّ على كل حرف: لـــــبـــــــيـــــه ولبـــــيـــــــه ولــــــبـــــيــــــه..
الهنوف انتفضت بعنف وصدمة وخجل كاسح بينما تركي أردف وهو يزفر: شفتي اشلون تنقال "لبيه"..
الهنوف انسحبت بسرعة وهي تغلق بابها بقوة وتركض لتلحق بالبندري التي دخلت للتو..
بينما تركي أسند رأسه للخلف.. وهو يشد له أنفاسا عميقة يحاول أن يوازن بها وجيب قلبه المستعر..
أن يدفع بعض الأكسجين إلى جسده الذي خلا من الأكسجين في حضرة الهنوف..
(حسبي على ابليسش يا الهنوف.. بأموت بسكتة قلبية بسبتش)
بقي واقفا لدقيقة في مكانه حتى استجمع طاقته ثم حرك سيارته إلى خارج البيت.. توقف عند مجلس فرات من الخارج.. ونزل متوجها للمجلس..
***************************************
"يا الله يامتعب.. علمني وش اللي صاير؟؟"
متعب ترك فنجانه في الصحن وهتف بحزم: أنت اللي وش صاير يا أبوسعيد؟؟..
رجّال ويبي مرته ترجع بيتها..
وش طريقتك عليه تمنعه؟؟
هل جاتك أختك يوم وقالت لك إني مديت عليها إصبع؟؟
وإلا قالت لك إني قصرت عليها بشيء؟؟
عشان تحرمني من مرتي وبناتي..
هل اشتكت لك إني راعي خرابيط؟؟..وإلا أدخن؟؟.. وإلا ما أصلي حاشا الله؟؟
قــل لي.. خلني أفهم وش جريمتي الكبيرة اللي أستاهل عليها انطرد كني كلب...
شد سعود نفسا عميقا.. وعلم يقينا أن متعب قد استعد للحوار تماما.. زفر بحزم:
محشوم يا أبو عبدالمحسن من ذا كله..
حينها انفجر متعب بغضب مكتوم وهو يخفض صوته:
ودامني محشوم... ليه ماحشمتني؟؟ لـــيه؟؟
وأنت تحدرني وتسندني كني بزر (تحدرني وتسندني= تذهب بي شرقا وغربا)
لا تكلمها.. لا تشوفها.. لا تقرب منها..
وأنت تعسفني بغلاك عندي وتقديري لك..
سويت فيني شيء عمري ماشفته في حياتي كلها..
وهذي مرتي.. مرتي.. مرتي ياناس!!
سوت عمليتها ماحتى قدرت أقول لها الحمدلله على السلامة مثل الناس..
هذا منطق ياسعود أمانة عليك؟!!
تنهد سعود بحزم: متعب الله يهداك أسكت شوي خلني أتكلم..
مايصير من يوم قعدنا وأنت بس اللي تتكلم..
متعب بحزم مشابه: كم قد لي وأنا ساكت ومنطم عشانك..
لويت ذراعي بغلاك.. بس لين هنا وخلاص يا رفيقي.. يا ولد خالتي.. يا نسيبي.. خلصنا..
مرتي الليلة ترجع بيتها..
سعود برجاء حازم: زين.. ترجع بكرة مهوب الليلة.. مارح تفرق ليلة وحدة..
أنت حلفت إني ما أقول شيء.. بس ما حلفت إنها ترجع الليلة.. وأنا ما أنا ب قايل شيء ولا ب رادك..
بس قول منك أنت خلها لبكرة.
متعب اتسعت عيناه: زين ليه بكرة؟؟..
سعود بحزم: أبي أتكلم معها ومعك.. وبعدين عطها فرصة تلحق تجمع أغراضها وأغراض بناتها..
*********************************
" خالد.. خــــالــــــد"
كانت مزنة تطرق الباب بخفة.. وتنتظر ردا من خالد..
لم يرد.. فدخلت بهدوء وخفة.. وجدته نائما بملابسه الكاملة والغرفة مضاءة بالكامل وذراعه على وجهه..
شعرت قلبها يتفتت عليه.. فهو تقريبا لم ينم منذ عودته..
عدا أنه من المؤكد أنه لم ينم قبلها..
همست برقة وهي تهز كتفه: خالد فديتك قوم.. العشاء أذن..
انتفض خالد وهو يجلس بشكل حاد.. ويهتف بصوت مرتعب:
أعوذ بالله منك يا أبليس.. ما أعرف كيف غفيت.. كنت أسمع الأذان.. وأقول بقوم الحين أتوضأ وأروح أنا وأبي المسجد..
والغريب إني كنت أحلم أني رحت أنا وإياه فعلا.. نومة غريبة الله يكفينا شرها..
مزنة شدته لتوقفه وهي تهتف بمودة: روح صل ولا رجعت بتلاقي لك ذاك العشاء اللي يستاهل بوئك..
خالد هتف بإرهاق : ما أبي عشا يا أخيش...
بصلي.. ولا رجعت صليت قيامي وقريت وردي ونمت على طول.. ميت تعب..
مزنة برجاء: عشاني خالد فديتك.. من يوم جيت ما أشوفك كلت شيء فيه خير..
خالد ربت على كتفها ثم هتف بحزم وهو يتوجه إلى الحمام ليتوضأ:
مالي فيه يا أخيش.. أبي أنام.. أقوم بكرة أخلص الحجوزات من بدري..
وأنتي إبدي ترتبين الشناط.. وأي شي تبينه قولي لي..
****************************************
" الجازي... الــجـــــازي"
فتحت الجازي بابها لتجيب على نداء دانة التي كانت تجلس في صالتهم العلوية..
خرجت بوجهها المحمر الذي لم تفلح كل محاولاتها في إخفاء أثار البكاء منه وهي تهمس بخفوت:
لبيه دانة..
دانة كانت تسكب قهوة من كنكة قهوة وهي تهمس بمودة: لبي عينش أنا ..تعالي مسوية لش القهوة التركية اللي تحبينها.. تعدل الدماغ..
الجازي اقتربت بخطوات خادرة وجلست قريبا من دانة.. دانة مدتها بفنجان القهوة لتنتبه حينها إلى احمرار وجهها.. همست بصدمة وهي تنزل فنجان القهوة:
الجازي وش فيش؟؟ كنتي تبكين؟؟ ليه ياحبيتي؟؟ ليه؟؟
الجازي صمتت.. ماذا تقول ؟؟ هل تقول أن كل ما حولها وحصل لها يدفعها للبكاء..
وأن أكثر ما يدفعها للبكاء هو ضياع فرصتها في التبرع لعمها.. تلك الفرصة التي حظيت بها مزنة.. وخسرتها هي..
وأنها تبكي كذلك شعورها الموجع بالحرج وهي تذل نفسها أمام خالد ورجاءاتها المسكوبة أمامه التي لم يستجب لها..
وهو يحكم عليها بالإقصاء وحرمانها من فرصتها بالتبرع التي استماتت للحصول عليها.. ودعت ربها كثيرا أن تطابق هي في اختبارات الانسجة..
وحين طابقت.. حرمها فرصتها ومنحها لشقيقته..
ثم ختم المكالمة المهينة بأن صفعها بخبر الدبلة واستغل الخبر كفرصة كي يتغزل بها هذا الغزل الجريء الذي تجاوز فيه حاجز حياءها..
فكيف لا تبكي كل هذا؟؟ كيف؟؟
دانة أعادت السؤال وهي تقترب أكثر من الجازي.. وتدير جسدها كاملا لها وتهمس بحزم واهتمام:
ردي علي... وش فيش؟؟
مسحت الجازي وجهها بكفيها وهي تعيد شعرها المشعث للخلف وتهمس بضيق:
تسألين سؤال وأنتي عارفة جوابه يا دانة..
متضايقة لأنكم ما خليتوني أتبرع.. كلكم شفتم إنه مزنة أحق مني..
ليه؟؟ لأنها أختكم.. وأنا بنت عمكم..
عمي مهوب إبي مثلي مثلكم... طول عمركم تقول لنا إنه إبيكم إبينا..
ليه الحين صار إبيكم وعمنا.. فهميني يا دانة... لـــيــــه؟؟
تنهدت دانة وهي تربت على فخذ الجازي بحنو: يا حبيبتي يا الجازي.. أنتي ومزنة واحد.. وكلكم بناته..
لكن الحين مهوب المهم عندش إنه أبيش هادي يسوي العملية ويرجع سليم..طيب وبخير؟؟..
الجازي بذات الضيق: أكيد يهمني.. ويهمني إني أنا اللي أتبرع.. إني اللي أكون سبب بعد الله إنه يرجع طيب وبخير..
ودام أنا ومزنة واحد.. المنطقي أنا اللي أتبرع.. نسبة تطابقي أحسن..
دانة بذات اللهجة الحانية المهدئة: يا الجازي أنتي مسكتي في نسبة التطابق.. والفارق بسيط بينكم لا يكاد يُذكر..
والمنطقي إنه مزنة تروح مع خالد وأمي.. هذا السبب الوحيد..
الجازي بغضب وقهر: لا مهوب منطقي.. ولا عمري رح أقتنع إنه المنطقي..
المنطقي دام احنا اخوات إنه الأخت اللي نسبة تطابقها أحسن إنها هي اللي تتبرع..إن شاء الله إنه نسبة التطابق أحسن واحد في الألف..
" أنتي عادش على ذا الموال.. ماعجزتي من الحنة؟!!"
الجازي التفت بحدة لمها التي وصلت أعلى الدرج ودخلت عليهما في الصالة وهتفت بذات الحدة:
لا ماعجزت ولا رح أعجز.. لأنكم منتو بحاسين فيني...
مها التي تعبت من صعود الدرج جلست وهي تزفر: الله بس يعطيني اصرارش ويباس راسش كان واصلة الرويس مشي رايح جاي.. (الرويس منطقة في أقصى شمال قطر)
ثم أردفت مها بحزم وهي تزفر نفسا آخر: وأنتي يوم تبين العالم يحسون فيش.. حسي فيهم أنتي بعد..
هذا التبرع فيه أطراف كثيرة .. فيه بيت عمي كامل..
حتى أنا كنت أبي أتبرع وربي ما كتب..
ودانة تبي تتبرع وربي ما كتب... ماحد سوى الفيلم الهندي اللي أنتي مسويته..
الجازي تزفر بيأس: بس أنتم من البداية ما كان عندكم فرصة.. لكن أنا طابقت في كل شيء.. طابقت في كل شيء..
ليه مزنة إيه وأنا لا..
مها حركت يديها أمامها دلالة نفاذ الصبر: أقول بسش وخلصنا من ذا الموضوع.. ادعي لعمش يرجع بالسلامة وبس..
ثم أردفت بحزم: وقومي رتبي اغراضي وأغراض بناتي مافيني حيل أسوي شيء.. انفعي بدل ذا الحنة اللي مامنها فايدة..
الجازي اتسعت عينيها: ليش؟؟ وين بتروحين؟؟
تنهدت مها بسكون: برجع بيتي.. إلى متى وأنا على قلبكم..
الجازي برجاء: تكفين مها اقعدي شوي.. بس شوي.. لين يسافر عمي..
زفرت مها: ما أقدر ياقلبي أنتي.. متعب ملزم أرجع الليلة..
دانة ابتسمت بمودة: بنشتاق للبنات وإلا أنتي بنكسر الئلة وراش..
مع انتهاء دانة من عبارتها.. رن هاتف مها.. كان المتصل سعود.. ردت باحترام:
هلا فديتك..
.....................................
إيه متعب قال لي..
.....................................
فيه شيء فديتك..
....................................
حاضر.. إن شاء الله
انتهى الاتصال.. ومها همست باستغراب لا يخلو من توتر: سعود يقول إني بإرجع بيتي بكرة مهوب اليوم..
الجازي ابتسمت أخيرا: فديت سعود.. ماهان عليه تخليني كذا بدون مقدمات..
وأكملت مها بذات نبرة التوتر المستغربة: ويقول لي انزلي يبي يكلمني في مجلس النسوان بروحنا...
ثم زفرت بابتسامة قلقة وهي تقف لتتوجه للأسفل: من يوم إني بزر وبرزات سعود توترني.. يا الله سترك..
(برزات جمع برزة= يعني حديث خاص على انفراد)
******************************************
"مي ترا مافيه داعي للدراما اللي أنتي مسويتها يا الدراما كوين"
زفرت مي وهي تناول البندري كوبا من الشاي..
بينما الهنوف مازالت ترتشف فنجان قهوتها ولا تتدخل في الحوار الدائر بين الصبيتين إلا في أضيق الحدود الضرورية..
وبالها مشغول بالرحلة التي جمعتها قبل قليل بتركي..وكأنها تمثل نموذجا لرحلة حياتها القادمة معه.. فتشعر أن توترها يتزايد..
فهي ترى أن تركي جرئ.. جريء إلى درجة لا يمكنها التعامل معها.. تقلقها وتوترها وتخجلها..
كانت تريد إجراء بعض الرسائل والتواصل مع تركي حتى تضمن أن يأتي السائق ويقلهم للمنزل.. لأنها لن تحتمل رحلة عودة مع تركي..
كانت في أفكارها بينما مي تهمس بضيق: البندري أنتي منتي بحاسة فيني..
حمد بيسافر.. وإبي مسافر.. وعمي حامد مسافر. وكلهم مطولين.. وأنا وجدي هنا بروحنا..
تعرفين البندري لو بس أضمن إنه جدي مارح تجيه الحالة.. مارح نحتاج حد أنا وإياه حاليا..
جدي ماشاء الله صحته ممتازة.. ويسوق سيارته.. ويخلص أموره بنفسه..
جدي على قولته ممكن يسنع العالم كله.. وهو فعلا يقدر يسنع العالم كله..
لولا الحالة بس.. بس الحالة..
البندري تنزل كوبها على الطاولة وتتربع على الأريكة مقابلة لمي وتهتف بتساؤل:
وأنتي ليش متوقعة إنه لازم الحالة تجيه؟؟.. يمكن أصلا ما تجيه..
مي بتوتر: الحالة تجيه لا تضايق.. وهو أصلا متضايق من حالة عمي حامد..
خلال ثلاث أيام جاته الحالة مرتين..
مع إنها قبل يمكن ماتجيه إلا مرة في السنة يمكن...
وأنا لا جاته الحالة أرتاع.. مع أني كل مرة أقول لنفسي بعرف أتصرف.. وأكون عارفة التصرف نظريا.. بس عمليا ما أقدر أتحكم في أعصابي وأبكي وأتوتر..
حينها همست الهنوف بتهدئة رقيقة واثقة: حبيبتي مي لا تضايقين... وتفكرين كثير.. ركزي في دراستش وامتحاناتش القريب..
صدقيني إن شاء الله كل شيء بينحل... وربي بيسهل كل شيء..
مي بذات الضيق الكبير: يا رب... يارب..
ثم أردفت برقة وهي تنحي ضيقها: انشغالي ألهاني من حسن الضيافة.. هاتي الهنوف فنجالش أصب لش أمانة..
هزت الهنوف فنجانها دلالة الاكتفاء وهمست برقة: إلا أشيخ وأكرم من ضيفنا.. وأنتي اللي أمانة.. اكتفيت قهوة.. وراي دوام بكرة والقهوة تسهرني..
الهنوف أنزلت فنجانها الفارغ وعادت لهاتفها لترسل الرسالة التي كانت قد انتهت من طباعتها ولم ترسلها بعد.. وتركت الفتاتين في حوارهما الذي لا ينتهي...
في حينها كان تركي قد وصل للتو إلى مجلسهم وجلس..عائدا من عند إبي فرات.. وفي انتظار انتهاء البندري والهنوف من الزيارة حتى يعود لأخذهما..
وصلته الرسالة من الجهة التي هو مهووس بكل ما يأتي منها.. اعتدل جالسا وابتسامته تتسع لأقصى حدودها قبل أن يفتح الرسالة حتى..
بينما حزام الذي كان يستعد لصب فنجان قهوة له.. استغرب تعبيرات وجهه..
فتمهل في صب القهوة لأنه عرف أنه وصلته رسالة هامة..
لكنه رأى وجهه يتغير وينعقد حاجباه بغضب في تعبير معاكس تماما..
فأعاد دلة القهوة إلى مكانها (هذا لأصب له قهوة.. يمكن يرشني بها.. خلني اقعد أحسن لي)
" تركي لو سمحت.. لو سمحت..
واللي يرحم والديك...
خل السواق هو اللي يجي يأخذنا.."
انعقد حاجبي تركي بقوة وهو يرسل لها:
"وممكن أعرف ليه؟؟
أنا وديتكم.. أنا أرجعكم"
" شوف يا تركي..
والله ثم والله لو تجي أنت.. إني ما أرجع معك
وأخلي عمي عبدالمحسن يجيني
أو أنام عند بنت آل سطام.. وأنت كيفك"
انعقد حاجبي تركي أكثر وأكثر.. وبدت ملامحه الغاضبة محل دراسة متعمقة عند حزام المتعجب..
"طيب ممكن أعرف ليه؟؟
الهنوف تعاملش معي مهوب معقول
لذا الدرجة جافلة مني؟!!
مهوب بيننا اتفاق"
"بينا اتفاق.. اكلمك في التلفون وبس
ما اتفقنا توديني وتجيبني وتتعمد تحرجني"
زفر تركي بغضب حقيقي وهو يطبع بغضب:
"اللي ودش.. حاضر يا سمو البرنسيسة
يجيكم السواق.. وبخلي حزام يجي معه
كلموا حزام لا خلصتم"
علمت الهنوف أنه غضب.. ولكنها شعرت بارتياح كبير أنها لن تتحمل الشد الذي تحملته في رحلة الذهاب..
بينما تركي ألقى هاتفه جنبه بقوة وهو يهمس لنفسه:
(ماعليه يا تركي.. ماعليه..
عطها وقتها.. توك بديت تكلمها من يومين..
عقب ماعلقتها ثمان سنين..
يبي لها وقت لين تفكك تراكمات ذا السنين كلها)
حزام قاطع أفكاره وهو يهتف من مكانه بقرب مكان القهوة بصوت عال ونبرة مقصودة: دكتور تركي.. أصب لك قهوة؟؟
رد عليه تركي بغضب مكتوم: تبي عزيمة عشان تقهوي إخيك الكبير؟؟
ضحك حزام ضحكة مجلجلة: ترا ما ني باللي زعلتك.. حط حرتك في اللي زعلك.. لا تعوّد على أخيّك الصغير المسكين...
زفر تركي: أقول صب قهوة ولا تكثر قرقرتك..
وعقب روح جيب لي كتبك أشوف وين واصل..
تأفف حزام: يا الله دخيلك.. أنت وش منشبك في حلقي؟؟.. لك 8 سنين في أمريكا..
اللي كان مسنعني في غيابك..بيسنعني ذا الحين.. وأنت ريح بالك.. وخلك في محاضراتك..
ابتسم تركي وهتف بحزم: أقول اخلص بس.. الامتحانات مابقى عليها شيء..
واليوم كلمت مدرسك الرياضيات يشتكي من مستواك..
تأفف حزام أكثر وهو ينفض يديه: أجل قهوي روحك بروحك وأنا بروح أجيب كتبي..
الله يجيب العطلة على خير..
*************************************
اليوم التالي...
" يا أهل البيت.. يا أهل البيت.. يا جليلة.. يا أميرة"
كان الوقت بعد العصر بقليل.. وكانت الجليلة تدرس في الصالة السفلية لاقتراب امتحاناتها النهائية..
تركيزها الآن مع مقرراتها..بعد أن ذهبت صباحا مع أميرة كي تحذف الفصل كاملا..
فقبلا كان تركيزها الدراسي موزع بينها وبين أميرة.. بل أميرة لها النصيب الأكبر من هذا التركيز والاهتمام..
وهي تدرس في مراجعاتها الأخيرة الآن تتوقع ليس فقط الامتياز في كل المقررات.. لكن تتوقع أن تحرز الدرجة النهائية في كل المقررات..
كانت الجليلة تفضل بشكل عام أن تذاكر في الصالة السفلية حتى تكون قريبة من كل شؤون البيت.. ومن الزوار الذين قد يطرقون الباب..
وتكون على طريق أشقائها إن كانوا يحتاجون شيئا..
قفزت وهي تسمع صوت عمها عبدالمحسن المنادي عند الباب الداخلي بعد طرقاته..
رفعت جلالها الموضوع على كتفيها لتضعه على رأسها وهي تتأكد من اتساع جلابيتها وكونها ضافية على أطرافها..
وهي تهمس بترحيب كبير حقيقي رغم توجسها من جيته: تفضل فديتك..تفضل..
لم تكن زيارة عمها عبدالمحسن غريبة.. فهو كان يمر بهم بشكل شبه يومي وغالبا بعد عودته من صلاة العصر في المسجد.. كان يمر بهم قبل الذهاب لبيته..
ولكن شهاب حذرها البارحة أنه قد يكلمها.. تنهدت في داخلها (ليه اتوقع الأسوأ؟ يمكن أبو فرات ما كلمه أصلا)
أبو متعب دخل لتتسع ابتسامة جليلة دون أن تشعر كعادتها كلما رأته.. وكأنها تلمح طيف والدها يطل عبر عينيه..
تلقته وهي تقبل أنفه ورأسه وتدعوه للجلوس بمودة خالصة: اقلط فديتك اقلط.. خلني اقهويك..
جلس أبومتعب في مكانه المعتاد.. وبعد شرب فنجانين من القهوة دارت فيها المقدمات المعتادة الودودة وهو يسأل باهتمام عن أخبارهم..
أنزل فنجانه وهو يهتف بمودة كبيرة: بالعادة إذا قدني بجي عندش ما اتقهوى.. عشان أفضي بطني لقهوتش الزينة..
غير اليوم كلمني حمد آل سطام.. وقال إنه بيصلي العصر معي.. وتقهوينا أنا وإياه عقب الصلاة.. وإلا مهوب حق ذا القهوة الزينة فنجالين بس.
الجليلة حين سمعت اسم والد فرات علمت الحكاية التي كانت تحذر منها.. وتتمنى لو تجنبتها..
فشدت لها نفسا عميقا استعدادا للقادم وهي تهتف بهدوء بذات المودة الراسخة التي لا تتذبذب: جعل فيه العافية...
إني كم مرة أقول لك.. برسل لك قهوتك العصر غير أنت تعيي..
ابتسم العم بمودة عميقة: اللي يزين القهوة مقابلش الزين...
ابتسمت الجليلة بمودة: جعلني ما أبكي منطوقك الزين.. ما ألوم أم متعب في غلاك..
ابتسم أبومتعب وهتف بنبرة مقصودة: راحت عليّ أنا وأم متعب.. الدور لكم وجايكم..
صمتت الحليلة استعداد لما يلي وتريد أن تنتهي منه كهم ثقيل أطبق على أنفاسها.. بينما العم أكمل بذات المودة الصافية التي لا تخلو من حزم:
يا ابيش أنتي دارية زين.. إنش أكثر من جاه خطاطيب.. وأنا ذا السنين كلها اشورش وإن عييتي قلت براحتش..
والحين عقب ماجاء شهاب.. صار وقت تنتبهين لنفسش وحياتش..
ولو أن ذا الرجال اللي جايش الحين جاش قبل يرجع شهاب.. ما كنت رضيت أنش ترفضين من أول مرة.. وكان حايلتش.. لأنه رجّال ما ينرفض..
يا أبيش.. يشهد عليّ ربي إنش أنتي والهنوف أغلى من بناتي..
وأنا ما أبي لش إلا الزين... وفرات آل سطام فوق الزين... رجّال أمثاله قليلين.. نشمي ونادر وكريم وواصل..
وفوق ذا دكتور.. وخيره واجد.. وخيره واصل البعيد قبل القريب..
واليوم حمد آل سطام خطبش مني.. ويقول إنهم قد كلموا شهاب وأكيد شهاب قال لش..
وحمد مهوب بس خطب إلا كان يبي يكلمش بنفسه... من كثر ماهو ملزم ..
وقلت له ما يحتاج تكلمها.. أنا لسانك وبكلمها..
والشور الحين عندش... والوكاد أنه ماحد بجابرش علي شيء..
لكن فكري زين واستخيري...
تنهدت الجليلة باحترام وتقدير: زين يبه فديتك..
عطوني وقت أفكر شوي... شهاب توه قال لي البارحة..
وقف العم عبدالمحسن وهو يهتف بحزم ودود: عندش إلى بكرة ذا الحزة.. بمرش وتعطيني الخبر...
أما موافقة وإلا معية... (معية=رافضة)
حمد ترجاني نرد عليهم بسرعة لأنه حمد ولد فرات قد سفره قريب... وهو اللي معه التوكيل..
اتسعت عينا الجليلة صدمة.. وهي تهمس بتساؤل حازم.. مغلف باحترامها لعمها: أي توكيل؟؟
تنهد العم عبدالمحسن: أنا مثلش عصبت يوم سمعت سالفة التوكيل.. بس يوم شرح لي حمد السالفة ماقدرت أقول شيء..
أنتي لا وافقتي على فرات ترا أنتي راعية فضل(ن) كبير عليهم.. وكلهم يقولونه.. هو وابيه..
واذا أنتي وافقتي عليه لأنش تبين تعاونين الرجال اللي بيصير رجالش.. وكذا بنات الأصل يسوون..
ومانقدر نشرط عليه يجي يتملك بنفسه وحن دارين إنه مايقدر يخلي عمه..
ودامش موافقة عليه هو بنفسه.. مايفرق من اللي يكون موجود وقت العقد هو وإلا ولده..
وبعد ترا الشور في ذا الموضوع كله شورش يا أبيش.. اذا ماتبينه أو ماترضيش طريقة الملكة ذي...رديناهم وانتهينا..
صمتت الجليلة لثوانٍ وهي تفكر مع نفسها
(عاده مع سواد وجهه يبي يتزوجني بتوكيل
أول شيء خلني أوافق عليك
ثم فكر بطريقة الملكة يا الإمبريالي المعفن
الأخ واثق ومجهز توكيل ولده
يا ملغك.. وياقل سحاك.. بقولها ألف مرة
يا الله ألهمني الصبر!!
يا الله الصبر من عندك)
شدت لها نَفسا وهي تهتف باحترام وتميل لتقبل رأس عمها: ابشر يبه.. خلني أصلي استخارة أول ..وإن شاء الله بكرة أرد عليك..
******************************************
" يا أمش.. أنتي ترتبين شنطتش من الحين؟؟"
مزنة رفعت رأسها عن حقيبتها التي كانت ترتب بعض الأشياء فيها.. وهمست بمودة وتقدير عظيمين وهي توجه الخطاب لأمها: إيه يمه... وقد رتبت شنطنش قبل شنطتي..
أم خالد بصدمة: متى؟؟
ابتسمت مزنة وهي تضع بعض الملابس في الحقيبة :وانتي قاعدة تغازلين هادي تحت يوم طردتوني أنتي وإياه ماتبون أسمع غزلكم..
تنهدت أم خالد وهي تجلس بتثاقل على المقعد القريب وتنظر بحنان مغمور بالحزن المعتم الثقيل نحو مزنة المنهمكة في عملها بدقة وعناية وترتيب شديد..
ولا تعلم لماذا تشعر بكل هذا الحزن الذي يمزق روحها تمزيقا..
هل هي مزنة بقوتها الرقيقة وهي تهتم بأدق التفاصيل بنفسها.. وتكون نفسها في المرتبة الأخيرة في اهتمامها؟
أم هو ماحدث قبل قليل مع هادي وأشعرها أن هادي يستعد للموت أكثر من استعداده للحياة؟!!
تنهدت و ذاكرتها تستعيد ماحدث قبل أكثر من ساعتين..
تنهد أبوخالد وهو يشد نفسا ثقيلا: لا رحنا دريتي.. قومي البسي عباتش..
همست أم خالد بذات القلق وباستعجال: هذي عباتي هنا معلقة عند الباب.. قوم نروح المكان اللي أنت تبيه..
وهاهي عادت الآن من مشوارها مع أبي خالد الذي أنزلها وتوجه إلى المسجد..
وتركها نهبا لأفكارها التي تطوف بها أماكن بعيدة جدا موحشة جدا تنعق في جنباتها الغربان..
فجاءت تبحث عن مزنة التي تمثل لها صمام الأمان..
فهي حين تراها تشعر أنها تقف على أرض قوية..حين تستند إلى قوتها وحكمتها وحسن تصرفها في كل شيء..
حين تستمع لها تفلسف كل شيء ببساطتها العذبة الحكيمة وتخبرها أن كل شيء سيكون بخير.. وأنه لا داعي أبدا للقلق..
كانت عندها تلك القدرة السحرية على الربت على مخاوفها وطمأنتها.. وسحب تلك المخاوف إلى مكان بعيد عن حناياها.
كانت تحتاج أن تراها حتى تطمئن روحها الجزعة.. وتخبرها أنهم سيسافرون معا.. ويعودون معا جميعا كلهم أربعتهم.. لا ينقص منهم أحد..
همست أم خالد بخفوت موجوع وهي تنظر لكفيها: مزنة..
ردت مزنة باحترام ومودة تلقائية وهي مستمرة في عملها: لبيه يمه..
أردفت أم خالد بذات النبرة الموجوعة الخافتة: مزنة يا أمش لا رحنا أربعة.. يا ترا بنرجع أربعة؟؟
شهقت مزنة شهقة لم تتجاوز داخلها وهي تضع القميص الذي كان بين يديها فوق الحقيبة وتتوجه نحو والدتها..
لتجلس على الأرض مقابلا لها وهي تقف على ركبتيها وتنظر في عيني والدتها بثقة حانية حازمة وهي تشد على كفي أم خالد المضمومتين وتهمس بحزم بالغ:
بنروح أربعة ونرجع أربعة إن شاء الله..
أنا وأنتي وإبي وخالد.. مثل مارح نطلع من الدوحة سوا إن شاء الله بنرجع سوا..
الفرق إنه طلعنا وإبي تعبان، رح نرجع وإبي طيب وبخير إن شاء الله وبإذن الله ورحمته...
*****************************************
" السيدة ملعقة عندنا.. يا مرحبا يا مرحبا"
فهدة التي كانت تجلس بين جدتها فهدة الكبرى وجدها جبران وهما ينظران لها بولع كأنهما ينظران إلى نجمة نزلت من السماء..
همست بتأفف باسم: كم مرة قلت لش لا تقولين لي سيدة ملعقة...أنتي عمتي وإلا عدوتي؟؟
ضي تهمس بمرح باسم بعدما انتزعت فهدة من مقعدها وغمرتها بعشرات القبلات الحانية المشتاقة:
على حسب الظروف.. لأنه أنتي ما ينعرف لش يا بنت صقر.. الواحد لازم يقف معش على الحياد..
إذا أنتي خوش بنية أنا عمتش.. إذا أنتي مو خوش بنية أنا عدوتش..
كان الرد رد الجد جبران وهو يعيد فهدة لجواره ويحتضنها بحنو كبير: ومتى ماكانت فهدة خوش بنية وشيخة البنات؟؟
ضي تتأخر لتجلس وهي تصب لنفسها فنجانا من القهوة وتهمس بمرح:
خالي جبران.. قول آمين.. الله يرزقني إنه العالم كله يشوفني مثل منت شايف السيدة ملعقة..
كان أنا ملعقة مصدية.. والعالم شايفيني مطبخ كامل المعدات على أعلى مستوى..
الجدة فهدة هتفت بعتب باسم: أنتي على طول حاطة دوبش دوب ذا البزر؟!!..
ضي ضحكت: وأنتو متى أصلا خليتوني أحط دوبي دوبها؟؟.. كل ماحكيت.. سكتونّي.. وخليتوني أغص بكلمتي..
ثم أردفت ضي وهي توجه كلامها لفهدة بمرح: وغريبة حنيتي علينا يالبرنسيسة وجيتينا اليوم.. من يوم جات أمش وأنتي بايعتنا..
فهدة مالت على جدتها وهي تحتضن عضدها وتهمس بنزق: ماعندي أم غير جدة فهدة وبس..
ضي رغم ضيقها من كلام فهدة ولكنها اعتادت عليها لذا همست بذات المرح: الله يعين صيتة عليش لين تطخين.. وينطحن الحب اللي في رأسش..
ثم أردفت بتساؤل: إلا أمش وينها؟؟.. (قالتها وهي ترص على كلمة "أمش")
فهدة بذات النبرة النزقة: قصدش صيتة بنت عبدالمحسن.. راحت مع عمي سند مشوار..
قالوا لي أروح معهم.. قلت لهم: لا... بس وصلوني عند جدتي... ولو مابغيتم ترجعون تأخذوني أحسن.. خلوني عند جدتي..
ضحكت ضي وهي تهمس بنبرة مقصودة: ماشفتش جايبة شنطتش معش ياعمتي فهدة يومش تبين تقعدين عند جدتش..
فهدة مدت لسانها لضي: وش عازتي في شنطة.. غرفتي هنا مليانة أغراض..
ضي مدت لسانها بالمقابل والجدان مستمعان بحوار الفتاتين ويبتسمان لهما بحنو:
ومن قال باقي لش أغراض عندنا... اللي ماخذتيه معش جمعته كله... وقطيته... مضيق علينا على الفاضي..
قفزت فهدة وهي تهتف بصدمة: قطيتي أغراضي كلها؟؟
الجدة فهدة شدت يد فهدة الصغيرة وأجلستها وهي تهمس لها بحنو بينما تنظر شزرا لضي التي انفجرت بالضحك:
تكذب عليش.. ماحد يستجري يعس أغراضش... اللي يعسها بكسر يده ورقبته..
ضي الضاحكة همست وهي تتحسس رقبتها: السالفة فيها كسر رقبة .. لا بالله هوننا... لا وكسر يد بعد...
أنا يا الله عندي يد وحدة.. تبون تكسرون الثانية وأطيح في كبدكم أكثر ما أنا طايحة...
حينها هتف الجد جبران بحنو: ولا حد يستجري يعس بنيتي ضي..
ضي حينها هتفت بطريقة تمثيلية: أحمدك يارب أنصفني حضرة اللواء ولو مرة واحدة في العمر.. هأموت دلوقتي وأنا مرتاحة..
الجدة فهدة همست بتأفف باسم: بدل ذا القرقرة ليه منتي تدرسين؟؟ امتحانش ماباقي عليه إلا ثلاث أسابيع..
ضي تأففت : يمه ترا كلها مادة وحدة.. وقسم إني حافظتها... الجليلة خلتني أصمها غصب..
ثم أردفت وهي تقف وتشد فهدة من يدها وتهمس بحنان: تعالي يا الدودة..
شارية لش شوي أغراض أمس.. تعالي قيسيها.. عشان لو مضبوطة أو أرجعها..
هتفت فهدة بحماس طفولي وهي تغادر معها: أنتي دايما تعرفين مقاسي مضبوط.. إن شاء الله مايرجع منها شيء...
صعدت الفتاتان للأعلى وحين غابتا عن النظر.. انهار قناع الحزم المرتسم على وجه فهدة الكبرى وهي تهمس بحسرة وتلقائية:
ما أعرف وش بسوي يا جبران لا سافرت ضي عقب امتحانها؟؟.. أحاتيها..وأحاتي نفسي عقبها و.........
الجد جبران قاطعها ليهتف بحزم: روحي معها.. ها والله إن.....
فهدة قاطعته بحزم أشد: والله ما تقول كلمة ولا تكمل.. ولا تحلف علي...
ثم انخفضت نبرتها بشدة وهي تهمس بحنو بالغ وتربت على كفه بحنو أشد: جبران.. كم باقي من العمر لي أو لك.. ومن أقرب منك لي ولا أقرب لك مني...
أنا مستحيل أطلع من الدوحة مكان وأنت وراي وماعندك حد...
ضي معها إخيها.. وأنا عند إخي..
ظنك إني لو رحت.. بأكون مرتاحة؟!!.. والله يا بالي إنه معك أكثر منهم..
هتف الجد جبران بحسرة وهو يمسح شيب لحيته: كان ودي أقول إني بسافر معش..
بس أنتي عارفة إني نذرت نذر ماعاد أطلع برا الدوحة لين الله يأخذ أمانته..
حج وحجيت كم مرة... وعمرة كنت أعتمر كل سنة مرتين أنا والمرحومة.. وخلاص اكتفيت من السفر..
روحي يافهدة مع بنتش.. والتلفون بيني وبينكم... وذولا عمّالي عندي.. وسعود ومحمد عيال أخت المرحومة قريب..
فهدة الكبرى هتفت بحزم: جبران فديتك خلصنا.. ضي معها إخيها.. وأنا وأنت معا.. وذي بنيتنا غالية أم سعود عندنا.. تكفي وزود..
**********************************
"غالية.. تعالي اقعدي أبي أقول لش شيء مهم"
غالية التي كانت في غرفة ابنها سعود.. ترتب ملابسه في الدولاب.. نظرت نحو الباب الفاصل بين غرفتها وغرفة ابنها حيث كان يقف جابر.. وبعينيه نظرة حانية غريبة...
غالية تركت مابيدها.. وتبعته حتى جلس في غرفة جلوسهما فجلست مقابلا له وتهتف بمودة: لبيه آمرني..
جابر مد يده ليمسك بيديها ويشد عليها بقوة ويهتف بمودة وحنو: غالية حبيبتي.. أنا أعرف إنش عادش صغيرة في العمر.. وكنتي حشاشة بيت عمي هادي ودلوعتهم..
وأعرف إني يمكن أحملش فوق طاقتش... بس أنا مالي غيرش..
همست غالية بقلق: جابر وش فيك خوفتني؟؟ صغر ماعدت صغيرة.. صار عمري 24 .. ولي حوالي 4 سنوات متزوجة والحين أم..
وتربية دانة ومزنة وأم خالد.. تربية عسكرية... ماحولهم دلع..
وتأكد إني على يمينك.. وعونك..
جابر أفلت يدها واقترب منها وهو يجلس على ركبة واحدة ليحتضنها بقوة ويهتف بحنو: هذا الرجا فيش يا بنت هادي..
أفلتها برقة ليجلس جوارها وهو يهتف بحزم: غالية أنتي عارفة إنه عقب أقل من شهر بسافر أنا وضي علاج..
وأعرف إني بحملش ثقل زايد.. بس انتبهي لنفسش ولسعود ...ولأمي وخالي جبران تراهم أمانة عندش..
ابتسمت غالية وهي تشد على كف جابر: وبس هذا الموضوع؟؟.. حسبت فيه شيء كبير...
قلت يمكن تبيني أروح أداوم بدالك في الجيش.. وإلا فيه حرب لاقدر الله.. ويبون قائد معركة مثلي..
ثم أردفت بمودة حازمة: جابر لا تحاتي فديتك... البيت كله على رأسي وفي عيوني.. ازهل كل شيء.. ولا ينشغل بالك بشيء..
روح وأنت متطمن..
ثم أردفت بابتسامة حانية: لا ينشغل بالك إلا على إني باشتاق لك.. وأغثك بكثر الاتصالات..
جابر هتف بمودة باسمة وهو يقف ويربت على خدها: لا قده شوق مهوب شيء ثاني.. أبد.. دقي كل دقيقة..
ضحكت غالية: شوق بس شوق.. حرّمنا الأشياء الثانية..
جابر قبّل مفرق رأسها وهو يهتف بمودة: بأنزل أقعد مع فهدة شوي قبل تجي أمها..
مشتاق لها ذا السكنية..
**************************************
"تأخرت عليّ اليوم"
حمد يزفر وهو يعيد وضع النظارة الشمسية على عينيه الخضراوين ويحرك سيارته من مواقف جامعة مي.. ويهتف بإرهاق:
السموحة يا أخيش.. والله عندي ألف شغلة وشغلة.. ماني ملحق..
من ساعة نزلتش الصبح وأنا أدور.. حتى حلالي ما ألفيت عليه اليوم..
زفرت مي بتأفف: أنت وذا الحلال.. العمال في العزبة وعينهم عليه.. وش بيجيه..
نظر لها حمد بمرح شزرا: ماعليش مردود.. وش عرفش أنتي.. خلش في لوحاتش وبقاطش.. (بقاط= أشياء ليس لها معنى أو غبية)
زفرت مي بضيق: بشتاق لك يالدب.. هذي أول مرة تغيب عني ذا الوقت الطويل كله..
هتف حمد بمودة: مع إني ماني مصدق إنش بتشتاقين لي.. بس وعد أقرب فرصة مواتية بجيكم إن شاء الله... وكلها كم شهر وتلاقيني ناط عندكم..
حاولت مي تنحية كل الأفكار السلبية التي ازدحمت في رأسها وهي تهمس بسكون: حمد فديتك عادي نمر باسكن روبنز على الطريق مشتهية آيس كريم..
هتف حمد بحزم: أنا بجيب لش اللي تبينه.. بس الحين خلينا نروح البيت.. إبي مشدد علي نكلمه أنا وإياش سوا أول ما أطلعش من الجامعة..
مي باستغراب: زين عادي دق عليه الحين واحنا في الطريق.. ليه لازم نكلمه من البيت..
حمد هز كتفيه: هذي أوامر أبو حمد.. وما علي إلا التنفيذ..
*********************************
" أنت من جدك تبي تعلم العيال وآل حزام مابعد وافقوا عليك؟!!.. ما لك داعي صراحة يافرات على ذا الحركة"
فرات التفت لحامد ونظر له من تحت أهدابه نظرة قارصة وهو يهمس بغضب تحكم في نبرته:
أنت بالذات تلايط يا حامد.. سكر حلقك..
ماحدني إني أعلمهم إلا سواتك اللي مالها دوا..
حامد ابتسم وهو يحاول ألا يئن من الألم: ماحد قال لك تعلمني يومك تبيه سر..
حمد مستحيل أدس عليه شيء..كان ينشدني منك.. فقلت له..
وأساسا أنت ما نبهت علي ما أقول له..
فرات يزفر بذات الغضب: أنت عطيتني فرصة أنبه عليك!!..
علمتك قبل أروح السوبرماكت.. رجعت أثرك قدك معلمه..
ولا حتى علمتني إنك علمته..
أنت سويت لي مشكلة فعلا بلقافتك..
والحين صار لازم أعلم عيالي.. لا يعرفون من حد غيري..
حمد ماني ب شايل همه أدري إنه وده إني أتزوج وكم مرة يلح علي.. أنا شايل هم مي بس..
وما أبيها تتفاجئ بالخبر من حد غيري..
تسمعه من بنت عبدالمحسن آل حزام وإلا غيرها..
وهو في حواره مع حامد رن هاتفه.. كان المتصل ابنه حمد..
بعد السلامات المعتادة.. هتف فرات بحزم: حط التلفون سبيكر أبي أكلمك أنت ومي في موضوع..
***********************************
"الحمدالله يارب.. وضع عبود زين ومستقر"
سند التفت لصيتة وهما يخرجان من غرفة عبود ويهتف بمودة: إيه الحمدلله.. اللهم لك الحمد والشكر..
صيتة همست بمودة: سند إذا تبي تقعد.. باتصل في تركي أو متعب وأخلي واحد منهم يجيني..
سند برفض قاطع حازم: لا طبعا.. أنا خذتش أنا أرجعش...
وأساسا خال عبود في الاستراحة.. ينتظر نطلع عشان يجي عنده..
وبعدين ورانا مشوار ضروري لازم نسويه..
صيتة هتفت بقلق: أي مشوار..؟؟
سند بحزم: بنروح البيت تشوفينه..
صيتة استوت جالسة بجوار سند في السيارة وبداخلها توتر كبير..
صــمــتــــت.. رغم أنها كانت تريد أن ترفض..
لا تشعر بأي رغبة أن تذهب إلى بيت سند.. بل تخشى أن تذهب إلى بيت سند..
وتخشى أكثر من ذلك تلك الرهبة التي بدأت تكبر داخلها.. رهبة يتسع مداها من استمرارها كزوجة لسند..
سند كرجل و كإنسان قد يكون أفضل رجل وإنسان قد تقابله في حياتها...ولكن كزوج: بداخلها حذر كبير من فتح أبوابها له...
وليس لعيب فيه.. إطلاقا..
فهي ترى بكل صدق أن سند لا عيب فيه أبدا... بل هو مثالي أكثر مما يجب شكلا ومضمونا..
ولكن العيب فيها هـــي.. هــــي وحدها..
هي من عجزت عن تقبله.. بينهما حاجز كبير تعاظم مع مرور السنوات..
فهي تزوجته رغما عنها.. رغـــمــــــا عنها حرفيا.. تزوجته من أجل عبود فقط.. وكي تبقى في أمريكا جواره..
والآن عادوا.. هــاهـي في الدوحة أخيرا.. بين أهلها وفي بلدها..
تستطيع الآن الاهتمام بعبود.. حتى لو لم تكن زوجة سند..
تستطيع الآن أن تعود أرملة صقر وأم فهدة...
تستطيع الآن أن تعود لممارسة حياتها التي انقطعت..
تأخذها الأفكار بعيدا بعيدا.. وهي تجلس جوار سند في سيارته..
تعبر طرقات الدوحة التي أضناها الاشتياق لها والتي تثير في داخلها الكثير من الشجن..
وهي تتذكر كم عبرتها وهي تجلس جوار صقر.. الذي كان مولعا بقيادة السيارة..
ربما كانت السيارة أكثر مكان تبادلا فيه الحديث.. لم يتركا شارعا واحدا من شوارع الدوحة.. بل قطر كلها.. لم يحفظاه ذهابا وإيابا مرات عديدة..
منذ أن وطأت الدوحة، وصقر يعود ليلتهم تفكيرها.. تخشى أن تكون خانته..أو خانت ذكراه.. أو خانت إنسانيته..أو خانت تشاركهما في فهدة كذكرى تجمعهما..
وما يصبرها ويشعرها أنها لم تخنه فعلا.. أنها مازالت لم تصبح زوجة لسند فعليا..
لكن لو سمحت لسند أن يكون زوجها فعليا.. ستصبح روحها وجسدها له.. وقد تنجب أطفال آخرين لن يكون صقر والدهم..
وهذا أمر مرفوض عندها تماما.. ترفضه.. وترفض سند معه..
تكره هذا التفكير وتخشاه.. ولكنها تجد نفسها تفكر فيه مؤخرا بشكل متكرر..
تتعوذ من الشيطان.. وتقول في نفسها سند لا يستحق مني ذلك..
ولكنها تعود وتقول لنفسها أيضا:
(ولكني لم أظلمه ولن أظلمه.. بل أنا سأحرره ليحيا حياة طبيعية مع أخرى..
أنا قدمت له المساندة كلها في الغربة.. بدلا من أن يعتني بعبود وحيدا..
وكان المقابل أنه هو وشقيقه وغزيّل سلبوا حياتي كلها مني.. وأبعدوني عن أهلي وابنتي.. وشطروا حياتي كلها..
أجبروني على أن أبقى أسيرة في بلد غريب.. زوجة لرجل غريب.. بعيدا عن أهلي وابنتي..)
كانت حياتها معه في الغربة سلسلة طويلة من المعاناة..
كانت تستشعر تحرقه أن يقترب منها..أن يتلمسها بأي طريقة..
تتذكر لياليهما الطويلة التي قضياها متقابلين في غرفة عبود في المستشفى.. لا يكاد يرفع عينيه عنها.. بينما هي تدعي عدم الانتباه..
كانت تعلم أي كبت تمارسه عليه. وأي حرمان.. وأي قهر لرجولته..
كانت تراه يقف.. يذهب.. يعود.. يتوقف عندها.. ثم يغادر دون أن يتكلم..
لتتنفس الصعداء فور مغادرته.. لو كانت النظرات تُحرق.. لكانت ترمدت منذ زمن طويل..
كانت تستشعر حرارة نظراته النابعة من التهاب مشاعره التي تشعر بتوقدها يكاد يحرق المكان..
كانت تعلم كل ذلك وتشعر به.. لكنها لم تظهر له إطلاقا أدنى وعي بهذه المشاعر..
بل كانت تتغابى.. وهو برقيه واحترامه لها.. لم يتجاوز الحدود أبدا..
عاشا رفيقا مستشفى بكل معنى الكلمة.. لا تتذكر أنهما تقابلا في البيت وحيدين أبدا..
في البيت كانت غرفة نومهما.. غرفة مفردة باردة ما اجتمعا يوما فيها ولا بأي صورة..
والآن يريد أن يقودها إلى بيته وحيدين..
(ليتني جبت فهدة معي.. ليتني مانزلتها عند جدتها)
كانت لا تعرف مكان بيته.. لكنها تعرف أنه غير بعيد عن بيت أهلها..
وها هي الآن أصبحت في منطقة أهلها..
دقات قلبها تتصاعد بعنف.. وبطنها يُعصر.. وبدأت تشعر بإحساس أشبه بالغثيان ناتج عن ألم معدتها..
تصاعد هذا الإحساس العنيف بالتوتر والجزع إلى أقصى درجاته داخل صيتة.. وهي تدخل باحة بيت ضخم.. بدا قديما.. لكنه مازال محتفظا بجماله وفخامته..
وبدت حديقته جميلة ومعتنى بها بصورة جيدة..
توقفت السيارة.. لتتسع عينا صيتة بجزع وسند يقول لها بحزم ومودة:
انزلي ياقلبي.. نورتي بيتش...
******************************************
" وأخيرا.. مابغيتي!!"
مها ضحكت وهي تقبل رأس والدتها وتهمس بمرح يخفي خلفه توجسها:
كذا يا أم سعود؟!!.. ما تبيني..
همست أم سعود بحزم: أبيش مبسوطة يا أمش في بيتش.. وبناتش بينش وبين إبيهم..
مها بذات الابتسامة: أنا ما أعرف من اللي حط في رأسش إنه فيه شيء بيني وبين متعب..
أول شيء قعدت عندكم عشان الجويزي..
وعقبه اعتمرتم وخليتوني..
وعقبه أنا سويت العملية.. وهذا السبب اللي خلاني أطوّل عندكم..
ما دريت إني ضيفة ثقيلة على قلبش يا صفوي..
كانت مها تستعد للخروج إلى متعب في الخارج الذي نزل وسلم على خالته قبل أن تنزل هي من الأعلى .. وأخذ بناته معه إلى السيارة..
كان بالها مشغول بكثير من الأمور وعلى رأسها هذه العودة.. والحوار الطويل الذي دار بينها وبين سعود البارحة..
كانت تخطو للخارج.. وهي متوترة من كل الحياة التي تقبل عليها..
أن تعيش لسنوات وفق نظام معين اعتدت عليه وألفته..
ثم تنقلب بك الحياة بشكل جذري.. هو أمر يثير أقصى درجات القلق والتوتر.. والإحساس أنك تقف على أرض ليست ثابتة أبدا وقد تنهار تحتك في أي لحظة..
هذا الإحساس كان إحساس مها تماما..
خرجت إلى سيارة متعب الواقفة في باحة البيت.. كان يبدو سعيدا وصوت ضحكاته يتعالى عبر النوافذ المفتوحة وغلا الصغيرة تتربع في حضنه..
فتحت الباب.. وجلست وهي تهمس بخفوت حازم: السلام عليكم..
*********************************
" يا الله... كان يوم طوووووويل!!"
كانت هذه عبارة الجليلة التي دخلت غرفتها توا..
كان نهارا مرهقا وطويلا من بدايته.. وأكثر ما أرهقها فيه أميرة..
بدءا من ذهابها مع أميرة للجامعة لحذف الفصل..
ثم اعتكاف أميرة الغريب في غرفتها الذي أشغل بال الجليلة..
ثم قرارها أن تنام في غرفتها.. ولأول مرة تقرر هذا القرار من نفسها..
فهي قد تكون نامت في غرفتها مرات معدودة سابقا.. ولكن كان رغما عنها..
وتخشى الجليلة أن تكون أميرة غاضبة منها وهذا سبب قرارها...
حتى موضوع فرات لم يشغل بالها كما أشغلته أميرة..
كانت الجليلة تريد صلاة قيامها وقراءة وردها... وصلاة صلاة الاستخارة المؤجلة..
حينها تذكرت شيئا وتنهدت: (دامني بصلي.. خلني أقرأ باقي إيميله الخايس اللي كنه وجهه..
يمكن قراية الايميل تخليني أقطع الشك باليقين..
وأرفضه رفض قاطع.. وأخلص منه ومن موضوعه.
مالت على عدوه الامبريالي المريض)
سمت الجليلة بسم الله وهي تتناول حاسوبها المحمول... كانت تشعر بعدم رغبة فعلية في قراءة الإيميل..
فما قرأته فيه سابقا أصابها بالغثيان والقرف والنفور والرفض إلى أقصى أقصى الحدود..
ولكنها كانت تحاول أن تكون منطقية وعقلانية.. وتضع كل الأمور في نصابها..
حتى وإن كانت قد قررت الرفض لكن عمها ينتظر منها ردا غدا.. وهي تريد أن تصلي الاستخارة.. حتى يكون ردها نهائيا وقاطعا..
لذا لابد أن تقرأ كل ما كتبه.. كله.. حتى لو كانت هذه القراءة هي أخر ماتريده فعليا في هذا الوقت..
فما قرأته من حقارته واستفزازه يكفيها عن كل حقارة العالم واستفزازه حتى أخر يوم في عمرها..وهي مرهقة فعلا.. ولا تريد أن تقرأ أي شيء..
تنهدت وهي تدعو الله أن يمنحها الجلد والقوة لاحتمال مابقي من كلماته..
فتحت الجهاز لتقع عينيها على ما أغلقت الجهاز عليه.. عباراته المستفزة الوقحة:
سامحيني إن كان في كلامي وقاحة.. لكن هذه حياتنا المستقبلية وحقكِ عليّ أن أكون صريحا من البدء..
وكلانا ناضجان ويجب أن نضع النقاط على الحروف قبل الموافقة على أي شيء..
يجب أن تعرفي أن القرب الحميم من أي امرأة عربية يمثل لي كارثة حقيقية..
ويمس قناعات مترسخة متجذرة عندي لا يمكن أن يتزحزح أبدا.. بل من رابع المستحيلات أن تتزحزح..
قناعات عاشت معي منذ الطفولة .. وترسخت.. وتعملقت حتى باتت مبدأ من مبادئي لا أزيح عنه..
"وش ظنك إبي يبي فينا؟؟"
كانت هذه عبارة مي لحمد الذي دخل معها إلى صالة البيت الرئيسية وجلس وهو يهز كتفيه: علمي علمش..
نكلمه الحين ونشوف..
خلعت مي نقابها ووضعت شيلتها على كتفيها وجلست مجاورة له وهتفت بحزم رقيق لا يخلو من القلق:
شوف ياحمد.. لو إبي يبيك تنزلني عنده في ألمانيا وأنت رايح أمريكا..
أقول لك من الحين مستحيل..
مستحيل أخلي جدي.. عدا إنه امتحاناتي على الأبواب موب باقي شيء عليها..
تنهد حمد: بصراحة أنا متوقع ذا السيناريو.. وبديت أجهز له..
بس أبغي أقنع جدي يروح معنا..
اتسعت عينا مي: وامتحاناتي؟؟ مستحيل.. حرام عليكم..
ربت حمد على كتفها بحنو: يا بنت الحلال.. هذا كله حديث سابق لأوانه.. لا تستعجلين على رزقش..
خليني أكلم إبي الحين.. وعقب اعترضي على كيفش..
اتصل حمد بوالده وبعد السلامات والمقدمات المعتادة هتف له فرات بحزم:
حط التلفون سبيكر أبي أكلمك أنت ومي في موضوع..
توترت مي بينما حمد كان يرفع حاجبيه دلالة التساؤل المستغرب..
وعلى الطرف الآخر كان فرات ينظر لحامد شزرا وهو يشير له (كله منك!!)
ثم يهتف بحزم.. حزم من يعرف تماما ما سيقول:
أتوقع إنكم عارفين إنه نمر بظروف استثنائية.. والظروف الاستثنائية تحتاج دائما قرارات استثنائية..
وعلى العموم.. قراري اللي أبي أعلمكم فيه ماهو ب قرار مفاجئ أبدا.. هو قرار قررته من زمان.. لكنه كان مؤجل ليس إلا..
والظروف الحالية هي اللي خلتني أتعجل فيه..
مي بقلق: يبه ترا بطني خضني.. وقلبي صار يرقع.. وش فيه؟؟..
كان في مقاطعتها له فرصة لكي يلقي قنبلته عليهم وهو يهتف بحزم بالغ:
أنا خطبت.. وأنتظر رد الناس بالموافقة.. عشان أتزوج في أقرب فرصة.. يمكن أتزوج خلال هذا الأسبوع..
تبادل حمد ومي النظرات المصعوقة.. وجفت الكلمات على شفتي مي، بينما حمد هتف باحترام:
حقك يبه تزوج.. بس أنت شايف إنه الظرف اللي نمر به كلنا مناسب للزواج؟؟
فرات بثقة بالغة: هذا أنسب ظرف..
بدأت عيني مي تحمر وتتراكم فيها الدموع وعبرات ضخمة تسد حنجرتها دون أن ينتبه حمد الذي تساءل بذات الاحترام المستغرب:
بتتزوج عندك يعني وماتقدر تنتظر؟؟
تنهد فرات بثقة: لا بأتزوج عندكم في قطر.. وأنت اللي بتوقع بدالي على عقد الزواج بالتوكيل اللي معك إذا وافقوا عليّ الناس اللي خطبت عندهم.
وبتجي زوجتي عندكم قبل تسافر أنت.. عشان يتطمن بالي على مي وجدك.. وتروح أنت وأنت مطمن بعد..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
الدموع بدأت تسيل بغزارة من عيني مي التي كتمت شهقاتها بينما حمد كان مستغرقا تماما مع والده:
طيب ممكن أعرف من الناس اللي خطبت عندهم؟؟
فرات بحزم: عند أخت عمك شهاب..
توني خطبت عندهم من يومين... وأنتظر موافقتهم..
وحبيت إنكم تعرفون.. سواء وافقوا عليّ أو ما وافقوا..
أنهى فرات المكالمة بينما حامد هتف له باستغراب: ليه ما كلمت مي.. تعرف رأيها في الموضوع؟؟
زفر فرات بتأثر عميق أخفاه خلف حزم نبرته: عارف إنها تبكي الحين.. ومارح أتحمل أسمع صوتها تبكي..
حامد بصدمة: وش دراك إنها تبكي؟؟
فرات بذات النبرة وهو يدعك جانبي رأسه دلالة شعوره بصداع:
متاكد مثل ما أنا شايفك قدامي إنها منهارة تبكي الحين في حضن حمد..
خلها لين تهدأ وعقب بكلمها بروحها..
وبالفعل.. وكما وصف فرات تماما..
كانت مي تبكي بانهيار في حضن حمد من بعد انتهاء المكالمة..
كان حمد يحتضنها بحنو وهو يمسح على شعرها.. تركها تفرغ طاقة البكاء الهستيري في البدء.. وحين هدأت قليلا وتحول بكائها لشهقات خافتة..
همس لها بحنو وهو يبعدها قليلا عن حضنه وينظر لوجهها وهو يمسح دموعها بكفيه:
أنتي خبلة.. وش اللي يبكيش؟؟
ترا إبيش لا هو ب متزوج على أمش.. ولا عمرش ثمان سنين تخافين تضطهدش مرت إبيش.. وإلا تضربش..
عدا إنه آل حزام أجواد.. ونسبهم يشرف.. وهذي أخت عمي شهاب.. مستحيل ما تكون أحسن زوجة لإبي..
دفنت مي وجهها بين كفيها وهي تشهق: ما أبيه يتزوج.. لا بنت آل حزام ولا غيرها..
ما أبيه يتزوج بالمرة..
هذا إبي.. أنت فاهم كيف إنه إبي يتزوج وحدة عقب أمي..
تنهد حمد وهو يقف وهتف بحزم: إيه أعرف.. وموافق جدا.. وأأيد قراره.. و ليته تزوج من زمان بعد..
مي وقفت بشكل مفاجئ وصرخت بين موجات بكائها التي عادت للتعالي بهستيرية:
إيه طبعا بتأيده.. عشان أنت وإياه تقطون مسؤوليتي أنا وجدي على مرته..وتريحون أنفسكم..
لكن مشاعري ما فكرتوا فيها..
حياتنا اللي بتقلبونها فوق حدر ما فكرتوا فيها..
أنا مستحيل أوافق.. مســــــتحــــيل..
*************************************
سمت الجليلة بسم الله وهي تتناول حاسوبها المحمول... كانت تشعر بعدم رغبة فعلية في قراءة الإيميل..
فما قرأته فيه سابقا أصابها بالغثيان والقرف والنفور والرفض إلى أقصى أقصى الحدود..
ولكنها كانت تحاول أن تكون منطقية وعقلانية.. وتضع كل الأمور في نصابها..
حتى وإن كانت قد قررت الرفض لكن عمها ينتظر منها ردا غدا.. وهي تريد أن تصلي الاستخارة.. حتى يكون ردها نهائيا وقاطعا..
لذا لابد أن تقرأ كل ما كتبه.. كله.. حتى لو كانت هذه القراءة هي أخر ماتريده فعليا في هذا الوقت..
فما قرأته من حقارته واستفزازه يكفيها عن كل حقارة العالم واستفزازه حتى أخر يوم في عمرها..وهي مرهقة فعلا.. ولا تريد أن تقرأ أي شيء..
تنهدت وهي تدعو الله أن يمنحها الجلد والقوة لاحتمال مابقي من كلماته..
فتحت الجهاز لتقع عينيها على ما أغلقت الجهاز عليه.. عباراته المستفزة الوقحة:
سامحيني إن كان في كلامي وقاحة.. لكن هذه حياتنا المستقبلية وحقكِ عليّ أن أكون صريحا من البدء..
وكلانا ناضجان ويجب أن نضع النقاط على الحروف قبل الموافقة على أي شيء..
يجب أن تعرفي أن القرب الحميم من أي امرأة عربية يمثل لي كارثة حقيقية..
ويمس قناعات مترسخة متجذرة عندي لا يمكن أن يتزحزح أبدا.. بل من رابع المستحيلات أن تتزحزح..
قناعات عاشت معي منذ الطفولة .. وترسخت.. وتعملقت حتى باتت مبدأ من مبادئي لا أزيح عنه...
أعلم الآن أن هذا الكلام سيثير في داخلك قلقا أو تساءلا حول طبيعة الحياة بيننا..
فعلى الجانب الطبيعي المنطقي... أعلم أن من حقك أن تكوني أما.. ولا أنكر أنا أيضا أن رغبة مثل هذه -أي الأبوة- مغرية لي أيضا..
اتسعت عينا الجليلة رعبا وخجلا وصدمة وهي تهمس بصوت مسموع مثقل بالغضب الكاسح:
(يخرب بيت وقاحتك!! يا الوقح يا المتناقض يا المريض.. مستحيل تكون طبيعي أنت!!
أنت مريض.. أنت مجنون. مخك فيه لوثة
أنت لازم تنحط في مستشفى أمراض عقلية..)
كانت كلماته أمامها تثير فيها مشاعر شتى من الغضب الكاسح والاستياء الحقيقي الكبير:
بل كلما أمعنتُ في التفكير شعرت أن هذه الرغبة تزداد اغراء لي..
خصوصا أن يكون لي أبناء يكون شهاب هو خالهم..
(يا الحيوان المريض..يعني أنت بس تبي عيال شهاب خالهم... وأمهم؟؟ بالطقاق؟؟
وأساسا كيف بيكون بيننا أطفال وأنت تبي حياة مستقلة منفردة ماتقرب فيها من المرأة العربية المنكوبة اللي بتصير زوجتك المنحوسة؟؟!!..)
جليلة.. أرجوك تمهلي عليّ ولا ترجميني بحجارة غضبك.. ولا كلماتك.. التي أعرف أنك تجيدين استخدامها ببراعة وتسليطها جيدا بدقة قاتلة..
(يا حرتي حرتاه!!...ليتك قدامي بس.. كان رأسك المتخلف بكبره دخلته في الطوفة! مهوب رجمتك بالكلمات بس)
دعيني أكمل لكِ الكلام.. أنا لا أريدك أن تفهمي من كلامي السابق عن رفضي لقرب امرأة عربية.. أنه رفض مطلق..
لكنه سيكون قربا في أضيق الحدود ماديا ومعنويا..
لأني وصدقا.. لا أريد أن أؤذيكِ بأي صورة..
فأنا مثقل بكثير من الأوجاع من نموذج المرأة العربية بصورة مطلقة.. وأخشى فعلا أن أؤذيك أو أجرحكِ بهذه القناعات..
لذا اسمحي لي أن أبقي القرب بيننا في أضيق حدوده من أجل مصلحتك قبل مصلحتي..
وأعتقد أن هذا الاسترسال بات محرجا لكِ كما هو محرج لي.. فأرجو أن تكون الصورة باتت متضحة أمامك..
جليلة.. أعلم يقينا أنكِ الآن ولابد.. قد سارعتِ ورفضتني رفضا قاطعا.. ولا ألومكِ أبدا..
فمع كل ماقلته لكِ.. لابد أن يكون الرفض هو جوابكِ..
لكن أرجو أن تُعملي تفكيركِ المنطقي ولو قليلا.. فلو لم أكن زوجا جيدا لكِ.. تأكدي أني سأكون لكِ سندا قويا.. ورفيقا وفيا.. وسأكون أبا رائعا لأطفالنا..
الإنسان لا يحصل على كل شيء في الحياة.. وازني بين كل ما أقدمه لكِ.. وما لا أستطيع تقديمه.. واتخذي قراركِ على ضوئه..
فإذا كنتُ سأحرمكِ من شيء.. فأنا أمنحكِ أشياء أخرى أكثر أهمية منه..
وأنا صريح معكِ لأبعد حد.. ووضعت كل النقاط على الحروف.. فكل ما أنتِ مقبلة عليه أصبحتِ تعرفينه تماما..
على الجانب الآخر.. حينما ترفضينني..هل تضمنين أنكِ حينما تتزوجين رجلا آخر.. يظهر نفسه أمامكم أنه الزوج المثالي.. أنه سيكون فعلا الزوج المثالي؟؟..
وألا يكون في مايخفيه عنكم ماهو أسوأ بكثير من كل ما أظهرته لكِ..؟؟
أنتِ معي تُقبلين على حياة واضحة صريحة لا خداع فيها.. أعدكِ فيها بالاحترام والتقدير والمساندة.. وماعدا ذلك ليس بيدي.. وصارحتكِ به..
فهل ستعاقبينني على صراحتي واستقامتي ووضوحي؟!!
وتأكدي جليلة أني في وضعي الحالي قد أكون أكثر إنسان يحتاجكِ.. أكثر من أي شخص آخر حتى لو كانوا أهلكِ وأشقائكِ..
جليلة.. أنا أموت هنا قلقا... أنا لم يغمض لي جفن منذ ثلاثة أيام حتى ساعة كتابتي هذا الإيميل..
حمد ابني سيسافر في غضون أسبوع.. وهنا حامد عمي وضعه الصحي سيء جدا ولا أستطيع أن أتركه..
وفي الدوحة والدي وابنتي يحتاجانكِ.. يحتاجانكِ فعلا.
أنتِ ملاذي الأخير.. فلا تخذليني.. حتى لو كنتُ أستحقُ في نظركِ الخذلان..
مع عبارته الأخيرة هذه انكسر شيء ما في داخلها..
لا تستطيع أن تتخيل الدكتور فرات المتجبر المتسلط النرجسي الإمبريالي يضطر إلى أن يرجوها بهذه الصورة.. فلابد أن يكون مادفعه لهذا الرجاء فوق الاحتمال..
لأنها تتخيل أنه قد يحتمل الحرق حيا ولا أن يرجوها هكذا..
تتخيل أنه قد يتحمل سلخ جلده ببطء ولا أن يقدم لها هذا الرجاء العميق...
هذا الرجاء الذي مس شيئا في طبيعتها وعمقها.. (استعدادها الدائم للعطاء)..
وعلى الجانب الآخر حاولت التفكير بمنطقية وألا تتخذ دور الضحية لأنه لا يليق بها أبدا وهي أبعد الناس عنه..
إذا كانت ستوافق على فرات -هذا إذا وافقت- فلأنه يناسب متطلباتها فقط.. كما سبق وذكر تماما..
كانت مما تخشاه نقطة حرمانها من الأمومة..
وإذا كان هذا الحق سيبقى مكفولا لها.. فقد انهار جزء من أسباب رفضها له..
فهي ليست بحاجة له ولا لمشاعره.. فليحتفظ بمشاعره الرخيصة لنفسه..
وعداؤه للمرأة العربية ليبله في كأس ماء كبير ويشربه بالهناء والعافية..
ولــــــــكــــــن..
على جانب ثالث.. كيف ترضى على نفسها بعلاقة آلية كهذه؟؟
علاقة محددة بمهمة إنجاب أطفال.. خالية من الإحساس السماوي المفترض بين الزوجين..
بل كيف ترضى بعلاقة زوجية تعلم أنها ستكون خالية من هذا الإحساس؟!!
كيف تقبل على نفسها ذلك؟؟ كيف؟؟
قد تكون نتيجة لشخصيتها الصارمة ولظروفها التي مرت بها طيلة حياتها وانشغالها بأخوتها وتسيير حياتهم جميعا لم تفكر يوما بالزواج كعلاقة رومانسية..
كانت نظرتها له هي النظرة الجدية التي تفترض ارتباط شخصين بعلاقة عمادها الاحترام والمشاركة..
ولكن علاقة كالتي يقترحها فرات.. هي شيء لم يخطر ببالها أبدا..
كان خلاصة تفكيرها المرهق الطويل: أن فرات زوج مثالي.. لكن الزواج منه ليس فكرة مثالية أبدا..
تنهدت الجليلة وهي تغلق الحاسوب..
لا تعلم إن كانت خطوات تفكيرها منطقية أو لا.. لا تعلم إذا كانت حال رفضها فرات أو موافقتها عليه تتخذ قرارا صائبا أو خاطئا..
تنهدت مرة أخرى وهي تقوم لكي تصلي استخارتها المؤجلة..
وأرجأت كل التفكير حتى الصباح..
*************************************
" ممكن أفهم ليه ماتردين على اتصالاتي؟"
تنهدت الهنوف التي كانت تستعد للنوم.. ورسالة تركي تقتحم صفاء مرحلة ماقبل النوم.. مثلما اقتحمت اتصالاته انشغالات مرحلة ما قبل قبل النوم..
فهو منذ عودتها مع البندري وحزام من عند مي كرر الاتصال بها عدة مرات.. ولكنها لم ترد..
ليس لأنها تريد تتجاهله.. ولكن لأنها تشعر بخجل كبير منه..
بعد تلك الـ(لبيه) التي لا تعلم من أي فضاء كوني أتى بها..
وأثار بها رعشة عارمة بدأت من أسفل ظهرها ثم تخللت مفاصل ظهرها من أسفل إلى أعلى مفصلا مفصلا..
ثم صعدت إلى عظمتي كتفيها وأحدثت بهما قشعريرة لاسعة جعلتها ترتعش كعصفور ببله القطرُ.
ثم نزلت تلك الرعشة في شكل مغص في أسفل معدتها..
مغص غريب مازالت تستشعره بقوة كلما تذكرت طريقته في قول لبيه..
(وش بلاني بك الليلة أنت وذا اللبيه حقتك؟)
تناولت الهنوف هاتفها وهي تهمس لنفسها: وش أقول له الحين؟؟ كيف أبرر له إني مارديت بدون ما أبين له السبب عشان ما يستغله ضدي..
وفي نفس الوقت ما أبي أقول كلام مو صدق..
زفرت وهي تكتب:
"أنت كنت تتصل والبندري عندي
عشان كذا ماقدرت أرد عليك.."
"البندري عادها عندش؟؟"
"لا .. راحت"
"زين ليش ما اتصلتي يوم راحت؟؟"
" لهيت أقرأ وردي وأصلي قيامي"
"وعقبه ليش ما اتصلتي؟؟"
زفرت الهنوف (اللهم طولك ياروح) كتبت له: توقعتك نايم..
"من الآن لين يوم عرسنا.. مستحيل أنام لين يكون أخر شي أسمعه صوتش"
مع قراءتها رسالته التي أخجلتها فوق خجلها.. كان اسمه ينير على شاشة هاتفها معلنا وصول اتصال منه..
وجدت نفسها مجبرة على الرد.. لا تعرف لماذا تشعر بكل هذا الخجل غير المبرر؟؟
تشعر أنها تذوب خجلا.. وتشعر برعب أن يقول لها كلمة أخرى يكون لها تأثير تلك الـ(لبيه) المرصودة كسحر غير مفهوم..
كحت عدة مرات قبل الرد حتى تصفي صوتها من اختناقه بسبب خجلها.. همست بسكون:
هلا..
وصلها صوته مرحا سعيدا: توني أقول لش اليوم ماتعرفين تقولين لبيه..
همست في داخلها(طالبتك إلا لبيه ذي) وشدت لها نفسا عميقا في الخفاء لتهتف بحزم قدر ما استطاعت:
لاحق على لبيه.. الصيف الجاي إن شاء الله..
هتف تركي بابتسامة وتقصد وهو يعتدل ويعدل مخدته وراء ظهره:
الله يجيب الصيف قبل موعده.. لأني استويت على الآخر ونضجت.. وماباقي إلا احترق..
شدت الهنوف نفسا آخر وهي تهمس في داخلها (يعني ذا المكالمة كلها بتصير معاناة كذا هو و كلامه المبطن شوي.. الوقح شوي) ومع ذلك ردت عليه بحزم:
الله يعطيني بعض حسك المرح الفكاهي..
بذات الابتسامة الملغومة هتف:
تشوفينه حس فكاهي لأنه اللي في داخلنا مهوب واحد..
مـايستوي طفلين.. طفل(ن) على أمـه.. وطفــل(ن) يباكي مابقى لـه روح
ومايستوي غرسين..غرس(ن) مهّمّـل.. وغرس(ن) على عوده وماه يفوح
ولا يستوي رجلين رجل(ن) على الشقـا.. ورجل(ن) على جال الفراش سـدوح
حينها رغما عنها ابتسمت: منت ب هين يا دكتور.. حافظ قصيد الأولين بعد؟!
تسللت رائحة ابتسامتها إلى عمق روحه.. اتسعت ابتسامته التي لا تخلو من خبثه الذكي:
حافظ أشياء كثير بعد.. وحسّابتي تحسب..
زفرت الهنوف وهمست بصدق: تركي ترا كلامك المبطن غير مريح..
رد عليه بخبث لا يخلو من صدق: مهوب مبطن للي يبي يفهمه.. أنتي اللي تبينه مبطن..
لا بغيتيه صريح.. حاضر.. أجيبه صريح.. وأصرح صريح بعد..
توترت الهنوف أكثر وهمست باستعجال: وراي دوام وأنت سهرتني..
زفر تركي وهتف بثقة وبطريقة مفاجئة: إذن تصبحين على خير..
أنهى المكالمة واستغربت الهنوف أنه لم يماطل قليلا قبل إنهاء المكالمة.. كما فعل الليلتين الماضيتين..
بينما تركي على الطرف الآخر كان يزفر بارتياح ويقول :
الحمدلله.. بغيت أجيب العيد مستعجل..
تو الناس عليها يا تركي.. تو الناس..
لا تروعها بالسيل اللي داخلك.. تغرقها وهي توها ماتعرف تسبح..
*********************************
"والله يا متعب إنك منت ب مفهوم أبدا..
يعني أنت لزّمت تجيبني عشان تروح تنام وتخليني بدون ما تتكلم معي حتى؟؟"
كانت هذه همهمات مها التي كانت أعادت ترتيب ملابسها وملابس بناتها.. من بعد عودتها للبيت.. ومغادرة متعب مباشرة إلى غرفته دون أن يقول كلمة واحدة..
وهاهي تدور الآن في أرجاء البيت الذي افتقد لمساتها وبان غيابها عليه..
ومن أبرز ملامح الغياب.. موت بعض نباتاتها.. مع أنها وصت الخادمة عليها.. وكانت الخادمة تقول لها أنها اهتمت بها كما وصتها..
زفرت بتأثر شفاف وهي تزيل النبتات الميتة.. وتهمس لها بهذا التأثر:
سامحوني.. خليتكم لين متوا.. يا ترى متوا عطش وإلا يأس وإلا شوق؟؟
" يمكن كلها!!"
انتفضت مها وهي تنظر خلفها لمتعب الذي لا تبدو عليه علائم من صحا نومه..
بل تبدو عليه علائم من هو في كامل نشاطه واستعداده وتحفزه..
لم ترد.. بينما تقدم وهو يكمل كلامه ويتحسس أوراق النباتات الميتة ويهتف بذات نبرته الجافة:
يمكن ماتت عطش ويأس وشوق وإهمال..
حينها همست مها بحزم دون أن تنظر له: تكون أنت السبب.. كانت عندك، ماهي ب عندي..
لو عندك في البيت قطوة ما تقدر تتحرك مثل ذا النباتات بتخليها تموت؟؟..
متعب تجاوزها وجلس على المقعد القريب وهو يشبك أصابعه أمامه ويهتف بنبرة مقصودة:
مسؤوليتش مهيب مسؤليتي..
وتخليتي أنتي عنها.. كعادتش في التخلي عن مسؤولياتش..
تصاعد غيظ كبير في داخل مها.. التي وجدت في النباتات طريقا لتنفيس بعض غضبها.. ومتعب مثلها تماما..
فهو طبعا لن يخبرها أنه كان مهتما جدا بسقي النباتات.. رغم أنه لم يفعل ذلك مطلقا قبل ذلك..
ولكنه بالغ في ريها.. فكان يسقيها في صعوده ونزوله.. عدة مرات في اليوم..
بينما كانت هذه النباتات يجب أن تُسقى مرة واحدة في الأسبوع..
وكان كلما رأها تذبل كلما بالغ في ريها.. فهو كان يعلم محبة مها لنباتاتها واهتمامها..وعز عليه أن تعود مها وتجدها على هذا الحال..
لذلك عندما ماتت النباتات أُسقط في يده.. وقرر تركها كما هي حتى تعود مها..
مها التفتت نحوه بحدة وهتفت: وش هي مسؤولياتي اللي تخليت عنها؟؟..
هز متعب كتفيه بتقصد: أنتي أدرى..
مها جلست مقابلا له وهي تهتف بذات الحدة: أنت اللي تقول.. علمني.. وش مسؤوليتي اللي تخليت عنها؟؟
تنهد متعب في داخله (هذي كيف أفهمها ومخها مقفل!!) وقف بشكل مفاجئ وهو يهتف بحزم:
دامش منتي ب عارفة.. الحكي مامنه فايدة؟؟
هتفت مها بغضب: أكيد الحكي معي ما منه فايدة.. أنت ناوي تعرس ومخلص ومقرر.. ليه تحاور معي أصلا؟؟
التفت متعب لها ببرود: أنا أنفذ أوامرش وبس.. أنتي قلتي لي أعرس وشددتي... وكررتي.. وماتبين قربي.. ولا تبين ألمسش حتى..
وأنا رجّال عندي كرامة.. وعندي احتياجات..
وكل اللي طلبتيه مني إنها ماتدخل عليش في بيتش.. وهذا أنا أقول لش تم.. بيتش لش بروحش..
وش مطلوب مني بعد؟؟ قولي لي؟؟
زفرت مها بقهر.. كل مايقوله صحيح تماما.. هي من طلبت منه أن يتزوج.. بل كررت الطلب..
فلماذا هذا كل هذا الضيق والقهر في داخلها؟؟ لماذا تشعر الآن بالاحتراق حين أصبح الأمر واقعا؟!..
صدت مها بوجهها عنه وهي تهتف بجلد وقوة: ومتى العرس إن شاء الله؟؟
وهل ممكن أعرف من هي العروس من باب المعرفة ليس إلا؟؟ هذي بتكون زوجة إب بناتي.. وأم أخوانهم..
شعرت بكل كلمة تشرح داخلها تشريحا.. موس حادة مسنونة.. كانت تعبر روحها ذهابا وإيابا بلا هوادة..
هتف متعب بذات البرود: الزواج مو قريب.. لأنه العروس باقي لها فصل وتتخرج..
وبتعرفينها من بطاقات الدعوة إن شاء الله..
متعب أنهى عبارته..وغادر دون أن يعرف أي قنبلة ذرية ألقاها خلفه..
وترك مها خلفه تترمد.. تترمد بكل معنى الكلمة.. بعد أن احترق كل مافيها..
(يا قهري..يعني بيأخذ بنت توها صغيرة؟؟
توها تدرس جامعة؟)
(ليه تبينه يأخذ عجوز يعني؟؟
إذا متعب نفسه موب كبير.. توه 34 سنة..
يعني بعض اللي في عمره توهم يتزوجون أول مرة..)
(لا والدب اللي طول عمره دب..وأنا أدافع عن كرشته
صار جسمه كأنه جسم عارض أزياء من قد ماهو مشدود ومعضل
وأنا اللي أصغر منه مترهلة من كل صوب..
حسبي على إبليسك يا متعب كأنك قاهرني وكاسر خاطري.. وأنت قريب وأنت بعيد)
************************************
قبل ذلك بساعات...
تصاعد هذا الإحساس العنيف بالتوتر والجزع إلى أقصى درجاته داخل صيتة.. وهي تدخل باحة بيت ضخم.. بدا قديما.. لكنه مازال محتفظا بجماله وفخامته..
وبدت حديقته جميلة ومعتنى بها بصورة جيدة..
توقفت السيارة.. لتتسع عينا صيتة بجزع وسند يقول لها بحزم ومودة:
انزلي ياقلبي.. نورتي بيتش...
صيتة ابتلعت ريقها الذي تبخر كله قبل أن يصل إلى حنجرتها المتشققة جفافا.. فخرج صوتها متقطعا: ماشاء الله شكله حلو..
سند نزل واستدار ناحيتها لأنه رأها لم تنزل بعد..
فتح بابها لها وهو يهتف بمودة أقرب للهيام: حتى لو كان حلو.. بنجدد ونغير كل شيء..
أبي كل شيء في البيت ذوقش أنتي من برا ومن داخل..
نزلت صيتة بخطوات مترددة كأنها تُقاد إلى قبرها وهي تتبعه بينما هو يقودها نحو باب البيت..
فتح الباب الضخم ذا الظلفتين وهو يهتف لها بحماس:
تفضلي يا روحي.. أعرف إنه كل شيء قديم.. لكن مثل ما قلت لش.. بنغير كل شيء.. ديكورات وأثاث..
دخلت صيتة بذات الخطوات المترددة.. كانت تقدم رجلا وتؤخر أخرى وهي تدخل في صالة البيت الرئيسية..
كان البيت فعلا قديم.. لكنه نظيف وينطق عن فخامة تقليدية..
كان سند يقودها عبر طرقات البيت وهو يفتح لها بعض الأبواب ويخبرها عن المحتوى بحماس وانثيال..
وفي فتحه للباب الأخير في الطابق دخلا قسما ضخما مكون غرفة نوم متسعة وصالة كبيرة.. هتف سند بشجن عميق:
هذي غرفة أمي وإبي..وغرفتي من عقب ما تزوج إخي بدون ما أغير فيها أي شيء..
اللهم إني فتحت لها باب على برا.. (قالها وهو يشير لباب في طرف الصالة) وتركت الطابق اللي فوق والبيت كله له هو وأم عبدالله الله يرحمهم..
و هذي مارح نغير فيها شيء بس بسوي لها صيانة..
أبي عيالي يشوفون غرفة جدانهم دامهم ما يقدرون يشوفونهم..
+
تصاعد توتر صيتة بشكل عنيف قبل أن يتكلم حتى.. لأنها اكتشفت من رائحة عطره التي تعرفها جيدا والمنتشرة في الغرفة ومن ملابسه المعلقة أنها غرفته الحالية..
مثلما توترت من كلامه ومن ذكر الأولاد..
فهل يظنها هذا الحالم الخيالي ستكون أم هؤلاء الأولاد مثلا ؟؟
ثم تحول رعبها لحقيقة واقعة وهو يهتف بنبرة مقصودة جدا و ينظر نحوها نظرة أكثر تقصدا وتعبيرا:
أقــصــد عـــيــالـنا!!
دفنت مي وجهها بين كفيها وهي تشهق: ما أبيه يتزوج.. لا بنت آل حزام ولا غيرها..
ما أبيه يتزوج بالمرة..
هذا إبي.. أنت فاهم كيف إنه إبي يتزوج وحدة عقب أمي..
تنهد حمد وهو يقف وهتف بحزم: إيه أعرف.. وموافق جدا.. وأأيد قراره.. و ليته تزوج من زمان بعد..
مي وقفت بشكل مفاجئ وصرخت بين موجات بكائها التي عادت للتعالي بهستيرية:
إيه طبعا بتأيده.. عشان أنت وإياه تقطون مسؤوليتي أنا وجدي على مرته..وتريحون أنفسكم..
لكن مشاعري ما فكرتوا فيها..
حياتنا اللي بتقلبونها فوق حدر ما فكرتوا فيها..
أنا مستحيل أوافق.. مســــــتحــــيل..
" ممكن أعرف وش هو اللي مستحيل توافقين عليه يا مي؟؟"
التفت كل من حمد ومي للصوت الصارم الجهوري الذي جعل مي تتماسك قليلا..
وهي تنظر ناحية جدها الذي كان يرسم وخرج من مرسمه مرتعبا حين سمع الصوت..
وسمع عبارات مي الأخيرة...
مي ركضت نحو جدها وارتمت في حضنه وهي تعيد موجة البكاء الهستيري..
سحبها أبو فرات للأريكة القريبة.. أجلسها وجلس جوارها وهو يحتضنها..
وتركها تبكي وتفرغ طاقة البكاء.. في تصرف مشابه تماما لتصرف حفيده قبل قليل..
حين هدأت من بكائها كانت مازالت تستكين على كتف جدها الذي مسح على شعرها بحنو وهو يهتف لها بحزم حان:
وش ذا الكلام اللي سمعته منش يا مي؟؟
صدق رافضة زواج أبيش؟
مي تناولت كفه لتضمها قريبا من صدرها وهي تهمس بصوت باكٍ:
ليه يبه مرضيك إنه إبي يتزوج عقب أمي عشان يتخلص من همنا؟؟
أبوفرات بحزم أشد مغلف بحنانه عليها: طبعا مرضيني..
إلا مرضيش أنتي إنه أبيش عاده في عز شبابه.. وقد له 12 سنة صابر على حياة العزوبية؟؟
فاجأته مي أن ابتعدت عنه قليلا حتى تنظر له نظرة مباشرة وتهتف بحزم رقيق:
هذا أنت صابر على العزوبية من 40 سنة.. وش نقص منك؟؟
ترا يبه مازلت أتذكر أنك أنت وجدتي كل واحد منكم كان عايش مستقل عن الثاني حتى لو كنتم في بيت واحد..
تنهد أبو فرات ليقلب عليها الطاولة بنبرة حزم شديد بالغ لم يسبق أن سمعتها من جدها:
ولأني عشت ذا الحياة.. ما أبي ولدي يعيشها..
ولا رح أسمح له يعيشها.. إلا مستحيل أسمح له عقب ما وافق على فكرة الزواج..
وإذا أنتي ما تبين بنت آل حزام.. مهوب مشكلة..
تخيري أنتي لأبيش اللي تبينها.. لأنه متزوج متزوج..
بنت آل حزام وإلا غيرها..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
***********************************
اليوم التالي:
" صيتة.. من رجعتش مع سند البارحة.. وأنتي كلامش شوي..
فيه شيء يا أمش؟؟"
ارتعشت صيتة وانتبهت من شرودها الكبير والتفتت نحو أمها وهمست بتقدير ومودة:
مافيني شيء يمه فديتش..
بس تعبانة شوي..
همست أم متعب بحنان: قومي يا أمش ارقدي شوي.. وش مقعدش من صبح مرتكزة؟؟..
تنهدت صيتة: وديت فهدة مدرستها.. وعقب مارجعت ماجاني نوم..
زفرت أم متعب: منتي ب خالية يا أمش.. وش مشغل بالش؟؟..
تنهدت صيتة داخلها وهمست بمودة: يمه مافيه شيء فديتش..
بس بالي مشغول بأشياء كثيرة...
فهدة..وعبود.. وشغلي..
الحين أنا رجعت.. ولازم أرجع الشغل.. ولي 9 سنين ما اشتغلت.. كل اللي اشتغلتهم كم شهر قبل يتوفى صقر الله يرحمه..
الشغل شاغل تفكيري بعد.. ما أعرف وش أسوي..
هتفت أم متعب بحزم: وسند؟؟..
انتفضت صيتة لأن أمها نطقت بما يشغل بالها فعلا.. همست بنبرة مموهة:
وش فيه سند؟؟
هتفت أم متعب بذات الحزم: مايصير يا أمش مهملته.. لازم تروحين بيتش... وتسنعينه..
همست صيتة دون أن تنظر نحوها: سند يبي يجدد البيت..
أم متعب بحزم أشد: خذوا لكم بيت إيجار لين يخلص بيتكم..
اتسعت عينا صيتة بصدمة: يمه لذا الدرجة ما تبيني أقعد عندكم؟!..
زفرت أم متعب بتأثر: يا أمش لو علي ودي ما تفارقيني.. أربع سنين ما شفتش..
انفرى جوفي عليش..
بس أنا مستحية من سند وهو كل يوم يكلمني كم مرة..
حتى يوم قلت له.. خلها عندنا لين تخلص بيتك..
هو اللي قال بأجر لها بيت قريب منكم.. لين يخلص بيتها.. هذا بيتها مهوب بيتي..
صُعقت صيتة أن سند لم يخجل أن يتكلم مع والدتها في الموضوع.. ويشكل عن طريقها جبهة ضغط أخرى عليها..
ولــــكـــــــن....
بعد ليلة البارحة هل سيعود ليطلب ويلح ويتصل؟؟
كانت صيتة مثقلة بالتفكير.. مشتتة.. للتو عادت إلى بلدها بعد غربة طويلة..
مازالت لم تستمتع بعودتها كما يُفترض..
مازال أمامها الكثير لترتيبه..
فهدة وحدها تحتاج منها معركة كبيرة لاستعادتها أولا .. وتقويم سلوكها ثانيا..
ليأتي سند ويثير معركة أخرى .. في خضم انشغالها بالعودة..
وبالتفكير أنها في الدوحة أخيرا.. أخيرا بعد مرارة الغياب وقسوتها..
هي الآن حيث أهلها..
وحيث قبر صقر.. الغائب الحاضر..
حيث شعورها بالذنب من كل شيء.. من فهدة.. ومن صقر.. ومن أهلها..
حيث شعورها بالانتماء إلى كل شيء.. الأرض.. وفهدة.. وصقر.. وأهلها..
لا تعلم أين تذهب من كل هذه الأفكار المرعبة التي تنخر روحها نخرا..
مرهقة من التفكير.. ومن الأفكار التي استنفزت روحها وأعصابها وطاقتها..
والتي من أبرزها تضخم جبهة الرفض نحو سند.. التي تكاد تلتهمها..
ولكن التفكير الأكثر رعبا لها والذي اكتشفته حتى وهي مازالت في أمريكا..
أنــــهـــا.. أنــــــهـــــا..
أنــــــــــــــهــــــــ ــــــا..
تحب سند.. تــــــحـــــــبـــــــه فعلا..
ومن يستطيع ألا يحبه؟؟
من يستطيع؟!!
هذا الرجل المعطاء الكريم السمح الخلوق المثقل بالرجولة بكل معانيها..
من يستطيع ألا يحبه؟؟
أحــبـــتـــــه.. رغما عنها أحبته..
احتاجت سنوات حتى تصدق هذا الإحساس وتسميه باسمه..
احتاجت سنوات حتى تعرف سبب تلك الرعشة الغبية/العظيمة التي تهز قلبها كلما رأت سند..
احتاجت سنوات حتى تتجاوز انكارها لهذا الشعور..
ست سنوات مريرة من المعاناة مرت..
ست سنوات من التقلبات والكر والفر..
ست سنوات من الحزن والغربة واليأس..
ست سنوات أنضجت حبها المرير العميق له..
أحبته كـــرجل.. كــزوج تتمناه بكل قوتها..
أحبته حبا مختلفا تماما عن حبها لصقر الذي أحبته كنموذج إنساني لا يتكرر..
صقر الذي أحبته كروح هائمة في الكمال..
صقر الذي أحبته صديقا نادرا تعلم أن الزمان لن يجود بمثله..
جاء سند ليفكك مغاليق قلبها على حب مختلف لرجل مختلف يمثل النموذج الحقيقي للرجل كما قد تتمناه أي امرأة..
ولكن حبها لسند بقي دائما محاطا بسور رفضها المطلق له كزوج.. لأنها لا تريد أن تكون زوجة لرجل آخر غير صقر..
ولأنها تزوجته وهي مجبرة عليه من أجل عبود فقط.. ولو كان بيدها أدنى قرار لم تكن لتوافق عليه أبدا..
فكان أساس شرط زواجهما موافقتها عليه كي يبقى جوارها محرما فقط في رحلة عنايتها بعبود.. عبود الوصية الأليمة التي سرقت عمرها وحرية قراراتها..
لم يكن سند وحده من عانى من الكبت والحرمان واليأس طيلة السنوات القاسية الماضية..
كانت معه خطوة بخطوة في رحلة الحرمان..
قد تكون السنة الأولى من زواجهما هي سنة الإغلاق التام..
كانت صيتة تكاد لا تتكلم معه إلا في أضيق الحدود.. وكانت تخجل حتى من النظر إليه..
فهي وجدت نفسها فجأة زوجة لرجل غريب ترفض أن يكون زوجا لها أساسا..
وبسبب الوصية وجدت نفسها مقيدة في بلد غريب مع رجل غريب رغما عنها..
مع أنها كانت تستعد للعودة للدوحة بعد تخرجها.. وجدت حياتها ومستقبلها ينهاران..
فأحدث ذلك في داخلها رفضا شديدا لسند..
ولـــــــكـــــــن.. في حينها أيضا كانت فهدة مازالت معها...
فكانت فهدة هي أول من فكك مغاليق صيتة لسند..
ففهدة كانت مولعة جدا به..
إلى درجة أنها بدأت تناديه (بابا) بعد أشهر قليلة من زواجهما..
كانت صيتة تراقبهما.. وتراه يمثل لفهدة الأب الذي لم تحظى به..
الأب الحنون الذي يدللها .. ويلاعبها.. ويحكي لها الحكايات..
يحملها إذا تعبت..
ويحتضنها إذا نامت..
يضحك بسعادة لكل ما تقوله.. ويراه أكثر الأمور عجبا في الدنيا..
كان هو من خلع لها سنها الأول..
كان من يحفظ مواعيدها..
ويحل معها واجباتها..
وكان حبه لصيتة وكون فهدة يتيمة سببا في ولعه الصادق الكبير بفهدة وشعوره نحوها بشعور أبوة حقيقي وكأنها ابنته فعلا..
وفي العام الثاني من زواجهما ازداد تعلق فهدة به كثيرا..
وبدأت صيتة تتقبل وجود سند في حياتها كنعمة من رب العالمين..
فسند مثّل لها ولابنتها نموذجا إنسانيا رفيعا..
كان خير أب لفهدة وخير رفيق لها.. حنون شهم مهذب كريم رقيق التعامل..
لا تستطيع أن تجد حتى كلمات تصفه بها..
بدأت تشعر حينها أن دعوات أمها لها هي من قادت من هو مثل سند لها..
وإلا ما الذي يدفع شابا في مواصفاته ولم يسبق له الزواج أن يصر عليها؟؟
فليست بكرا ولا حتى فاتنة الجمال.. حتى يعميه جمالها عن كونها أرملة وأم.
وآمنت أنه قد يكون العوض الكريم عن غياب صقر عن حياتيهما..
ولكن مع انتهاء العام الثاني وعودة فهدة للدوحة.. انهارت صيتة لغياب فهدة..
عادت كل صور القهر والغربة والحبس والضياع تتجسد في داخلها..
فعادت لرصف متاريسها بقوة أكبر حتى تصمد..
فماكان سببا لتقبلها لسند عاد للدوحة..
وبقي ماثلا أمامها أنها ضحية سند وعائلته وإجبارهم لها على البقاء هنا بعيدا عن وطنها وأهلها وابنتها وحتى حياتها..
فعادت صورة صقر السماوية للترسخ في ذهنها ولتعود حاجزا بينها وبين سند..
احتاجت صورة صقر لتصمد..
وحده صقر قد يتصرف مثلها.. ووحده سيفهم تصرفها ويتقبله..
احتاجت أن تستحضر صورة صقر كمعين لها.. كي يخبرها أنها لم تخطئ في قرارها..
كي يخبرها أن تضحيتها له قيمة.. أن تستشعر درسه العظيم لها حين علمها أنه لم يندم على تضحيته..
وعاش فخورا سعيدا حتى مات مضحيا أيضا رغم صغر سنه في التضحيتين..
ومع ترسخ صورة صقر في روحها.. أصبحت حاجزا ضخما بينها وبين سند..
"فكيف أكون لرجل حتى وإن أحتل قلبي واستولى عليه.. بينما ذاكرتي يحتلها رجل آخر؟"
استشعر سند تغيرها الجارف نحوه من بعد عودة فهدة..
ظن أنه نتيجة لشوقها لابنتها.. وأنها ستعود رويدا رويدا إلى طبيعتها..
ولكن وضع الجمود بينهما بقي على ماهو عليه.. واستمر طيلة السنوات الأربع الماضية من بعد عودة فهدة..
وخصوصا أن طبيعة حياتهما في واشنطن فرضت عليهما البقاء منفصلين.. بين البيت والمستشفى..
فبقي سند محتفظا بحدوده.. رغم قسوة هذه الحدود عليه..
ولأنهما في غربة.. ولا يريد أن يفرض عليها أي شيء وهو ملجأها الوحيد..
يعلم أنه لو طلب منها أن يكونا زوجين طبيعيين وهما في واشنطن.. كانت ستوافق رغما عنها من أجل أن تبقى جوار عبود..
ولكن رجولته وشيمته أبت عليه ذلك.. أراد أن يعودا أولا.. ليكون الخيار مفتوحا لها..
فهي الآن في بلدها وبين أهلها.. تستطيع أن تقرر..
ويستطيع هو الآن أن يلح في الطلب.. ويقاتل في سبيل حقه فيها..
ست سنوات مرت من زواجهما..
تعذب فيها بالحرمان والبعد عذابا لن يحتمله رجل..
وآن له أن يضع النقاط على الحروف..
كـــــل النقاط..
وكـــل الـــحـــــروف!!
***********************************
"هذا صوت عمي عبدالمحسن؟؟ وإلا يتهيأ لي..؟؟"
نظرت الجليلة نحو أميرة وهي تهز برأسها علامة (نعم) باستغراب.. وتقف باستعجال استعدادا للنزول لاستقبال عمها..
بينما أميرة أكملت عبارتها باستغراب: غريبة مهيب عادته يجي ذا الحزة، تونا صلينا الإشراق..
كانتا الجليلة وأميرة –الجالستان في الصالة العلوية- قد أنهيتا للتو صلاة الشروق بعد استغراقهما في التسبيح والتهليل والتحميد من بعد صلاة الفجر..
فوصلهما صوت عمهما يرتفع مناديا من الصالة السفلية..
همست أميرة بقلق: لا يكون حد فيه شيء؟؟
هتفت الجليلة بثقة رغم شعورها هي أيضا بالقلق: إن شاء الله مافيه شيء.. بأنزل أشوفه..
أميرة عدلت جلال الصلاة الطويل عليها وهي تهمس باستعجال: بأنزل معش..
نزلتا الاثنتان.. ليجدا عمهما يجلس على الأريكة الطويلة في صدر الصالة.. سارعتا للسلام والجليلة تحلف عليه ألا يقوم من مكانه..
وتشير لأميرة أن تحضر القهوة بسرعة.. رغم توجسها من حضور عمها في ذلك الوقت المبكر..
فور مغادرة أميرة.. هتف العم عبدالمحسن بحزم لا يخلو من الحرج:
أدري إني صبحتكم.. بس يا أبيش.. حمد آل سطام مصلي الفجر معي.. ومحلفني أطلع من المسجد عليكم..
أول ماخلصنا تسبيح وشرقت الشمس وصلينا السنة جيتكم..
وهو قاعد الحين في مجلسكم..
وقفت الجليلة باستعجال وكرمها ومعرفتها لـ(السنع) تغلب عليها: يافضحي منه..المقهوي قد زيّن قهوة وإلا نسوي ونرسل للمجلس؟؟
عمها شدها ليجلسها: المقهوي يقهويه الحين ومساعد عندهم..
اقعدي.. ياحظ اللي بيضويش يا أبيش (محظوظ من يكسبك زوجة)
حمد مطلوبه عندكم مهوب قهوة.. مطلوبه أكثر من القهوة..
صمتت الجليلة.. بينما عمها يستحثها للرد: ها يا أبيش وش ردش عليهم؟؟
الجليلة بحزم رقيق: خل شهاب لين يجي فديتك أول..
هتف العم عبدالمحسن بحزم: شهاب ماصلى معنا.. وينه؟؟..
الجليلة بتأثر اختلط بحزمها الطبيعي: راح يصلي في مسجد أبوهامور..
يبي يسلم على أمي وإبي وعمي علي ومتعب بن علي..
حينها هتف العم بتأثر بالغ: يا أبيش كل يومين يروح.. وأحيانا كل يوم..
الجليلة بتأثر أكبرغلبها: ماعليه يبه فديتك.. خله.. مهوب سهل عليه إنه راح كلهم وراه... ورجع ماعاد منهم حد..
وعاده لين الحين كاتم.. ماعبر... ولا اشتكى..
وهما في حوارهما.. عادت أميرة بالقهوة.. وبدأت تقوم بمهام الضيافة..وهي متوجسة من صمت الاثنين وانتظارهما الغريب لشيء ما..
وبعدها بدقائق دخل شهاب مرحبا مهللا بعمه.. الذي لم يستغرب وجوده في هذا الوقت..
لأنه مر بالمجلس ووجد أبا فرات الذي استحثه بدوره أن يدخل ويحضر له جوابا نهائيا..
لأنه لن يغادر دونه..
******************************
"رضت دلوعتك؟"
تنهد فرات وهو يضع هاتفه جانبا ويهتف بحزم قلق: مارضت.. بس رفضت تعلق..
مي متعلقة جدا فيني.. ومازالت صغيرة.. وصعب تفهم حاليا.. تبي لها وقت..
حاول حامد أن يعتدل ففشل.. فبقي ممددا وهو يقول بمرح: إلا قل إنك مخربها بالدلع.. ويبي لها وقت لين تصطلب..
نظر له فرات من تحت أهدابه: وش جاك من دلعها يا شيخ حامد؟؟ إلا هي اللي مدلعتكم.. وكلكم ساحبين عليها..أنت وحمد الكلب الثاني..
ضحك حامد بضعف: كفاية أنت معطيها وجه... نيابة عن الأمة كلها..
ثم أردف وهو يسأل باهتمام: إلا تعال قل لي..
أنت فعلا من زمان تفكر في موضوع الزواج من بنت آل حزام.. بس مأجل الموضوع؟؟
طول عمرك وأنت رافض الزواج.. متى جاء ذا التفكير اللي ماعرفت عنه؟؟..
جلس فرات وهو يهتف بحزم: كان لازم أقول عيالي كذا.. مايصير أحسسهم إنه المرة التي بتصير مرت إبيهم.. جات بقرار مستعجل..
هذا تقليل من احترامها وما أرضاه لأخت شهاب..
رفع حامد حاجبه بمرح واستغراب: عشت وشفت الرجل الحديدي عنده اهتمام بمشاعر أنثى..
ابتسم فرات برسمية ابتسامة لا تبرز إلا في المناسبات الكبرى: ومتى كنت ما أعرف السنع؟
ابتسم حامد بمودة لا تخلو من الخبث: السنع؟؟.. ربنا الله إنك تعرف السنع ومدرسة سنع بعد يا أبو حمد....
لكن ربنا الله بعد.. ما أقول إلا الله يعين بنت آل حزام على مابلاها كنها استخفت ورضت فيك..
تزوجت ثلاجة هايست كواليتي مافيه أمل تخرب وتدفئ إلا تنزل عليها صاعقة بإذن ربها..
**************************
" يا الله حبيبتي أنا رايح لعمي..تبين شيء؟؟"
ابتسمت بثينة: توك جاي منه الظهر ومتغدي معه..
زفر محمد بقلق: سفره بعد كم يوم.. ومشتاق له من الحين..
وأحاتيه.. وأحاتي نفسنا عقبه..
بثينة ربتت على كتفه برقة وهمست: إن شاء يروح ويرجع بالسلامة.. طيب وبخير..
وإيه أبي شيء..
أبيك توديني بيت هلي على طريقك جعلني قبلك..
.
.
"أميرة عادها مسكرة على نفسها؟؟"
زفرت الجليلة وهي تهز رأسها بضيق: إيه مسكرة على روحها من عقب ما فضحتني..
ثم أردفت وهي تمسك جانبي رأسها بقوة بأبهاميها.. وتضع كفيها على جبينها:
فضحتني يا بثينة.. فضحتني عند عمي وعند شهاب..
تخيلي احنا كنا هنا في الصالة.. وعمي وشهاب يسألوني عن رأيي..توني يا دوب قلت موافقة.. وبقول شرطي..
صاحت كنها مفلوجة، ثم هجت فوق مثل المصدوعة..
ما تقولين استحت من عمي.. أو استحت من شهاب..
حسيت إنه مو خبر زواج.. إلا خبر وفاة على ردة فعلها..
المشكلة أنا طلعت وراها أراضيها.. وهم راحوا وقالوا لحمد آل سطام إني موافقة..
وخلاص استحيت أتشرط عقبها.. يقولون لي ليه ماقلتي لنا قبل نقول للرياجيل..
وش عاد أقول؟؟
بثينة بتساؤل: ليه وش كنتي تبين تشرطين؟؟
زفرت الجليلة بضيق أخفته خلف حزم صوتها: كنت بقول إنه يجي حضرة الدكتور المبجل يتملك بنفسه ويرجع..
ترا بون ست ساعات بالطيارة..يروح ويرجع بنفس اليوم..
بس الحين خلاص ولده اللي بيوقع على عقد الزواج بالتوكيل اللي معه..
ابتسمت بثينة: يا بنت الحلال.. ما يفرق.. هو والا ولده.. المهم إنه أخيرا إنش وافقتي..
ما بغيتي.. نشفتي ريقنا..
وهذا مو أي أحد.. هذا الدكتور فرات آل سطام على سن ورمح..
صمتت الجليلة على ضيقها وهي تهمس في داخلها: وأنا وش خلاني أبي أشرط إلا أنه فرات آل سطام على سن ورمح..
والله ثم والله لو أنه أي حد في ظروفه.. إني أوافق أتزوجه بالتوكيل بدون أي شعور بالضيق أو الانزعاج..
وبالعكس أكون سعيدة إني ساعدت زوجي وسهلت عليه..
بس عقب إيميله المعفن.. كان لازم يكون فيه رد قوي.. إنه مو كل شيء لازم يمشي على كيفك..
وإنه لازم تراعي مشاعر الناس وتحترمهم وتقدرهم.. وتوزن كلمتك قبل تقولها..
بس قدر الله وماشاء فعل..
ماعليه.. الجولة ذي لك يا فرات.. أميرة كانت رأس حربتك..
بس الجاي كله لي..
قاطعت بثينة أفكارها: طيب على استعجال إب فرات.. متى الملكة؟؟
زفرت الجليلة بحزم: مساعد وداني اليوم الصبح المركز عشان أسوي فحص الزواج..
تخيلي إب فرات ما رضى يطلع من المجلس لين شاف سيارة مساعد طلعت قدام سيارته..
لا ويقول يبي يكلم وزير الصحة شخصيا يعجل في نتيجة الفحص..
تخيلي!!
يا خوفي على ذا العجلة .. تشوفيني متملكة الليلة أو بكرة..
إبيه مستعجل بشكل مو طبيعي.. تقولين بيموت لو ما تم العرس الدقيقة ذي قبل الدقيقة الجاية..
أربشني بصراحة وحطني في مقلى..
وأحرق الجميع بالإلحاح.. عمي وشهاب ومساعد...
وحسسني بالحرج..
.
.
.
"مبروك يا حبيبتي..ألف مبروك وأخيرا انفكت عقدة عمتي الأميرة الجليلة بنت طالب..
بس ماشاء الله صدق صبرت ونالت"
كانت بثينة تنظر لمحمد وهو يتكلم بنظرات ولعها المعتادة وهو يسترسل بمرح.. ثم يغير صوته ليجعله رقيقا وهو يرف بأهدابه ويحرك أنامله أمام وجهه:
واي.. واي أنا مضربة عن الزواج لين يجيني واحد مثل فرات آل سطام..
انفجرت بثينة ضاحكة: حسبي على ابليسك يا محمد.. أنت وش تطلب الجليلة؟..
محمد جلس جوار بثينة ليحتضن كتفيها ويقبل أعلى أذنها ويهتف بمرح ودود:
يا أختي ألف مرة قايل لش استانس لا علقت عليها..
مثل الطالب اللي يحب يعلق على مدير مدرسته.. ويشعر بالانتصار
لانه ماعنده إلا الكلام... مايقدر على المدير إلا به..
لكن المدير يقعد مدير.. ماعليه من هذرة الطلاب..
ثم شد له نفسا عميقا وأردف بجدية وهو يشدد احتضانه لكتفي بثينة:
والله يا بثينة إنه خواتش مثل خواتي..
والجليلة بالذات لها معزة خاصة.. لأني أعرف معدنها وتضحياتها وصبرها.. وتستاهل حد يعوض عليها معاناة ذا السنين كلها..
ووالله لو أني أعرف في فرات آل سطام أقل عيب.. إني أقول إنه ما يستاهل الجليلة..
لأنها كاملة والكامل وجه الله..
لكن الطيبون للطيبات فعلا.. وفرات رجّال نادر..
ابتسمت بثينة بسعادة: الله يبشرك بالخير يا وجه الخير..
ثم أردفت باهتمام وهي تقبل طرف ذقنه: قل لي عمك أشلونه؟؟..
زفر محمد بضيق: تعبان.. تعبان جدا..
تحسينه تايه أحيانا.. مو مركز.. مستوجع..
وماتعرفين وش اللي وراه..
كل ما سألناه.. قال كل شيء زين..
تبي شيء؟؟ محتاج شيء؟؟ شيء يوجعك؟؟ مايرد إلا بكل شيء زين..
وخالد وجهه متغير من الهم..
ومثل إبيه كل ماقلنا له تبي شيء؟؟ فيك شيء؟؟ قال كل شيء زين..
********************************
" خالد.. صلحت لابتوبي فديتك؟؟.."
التفت خالد نحو مزنة وهتف بمودة: إيه.. تلاقينه في شنطته في غرفتي.. صلحته اليوم الظهر..
زفرت مزنة بضيق: ماكنت أبيك تصلحه بنفسك.. كنت أبيك تعطيه واحد من مهندسينك..
بروحك تعبان..
واستانست إنك الظهر في غرفتك .. قلت نايم.. أثرك تصلح لابتوبي..
ابتسم خالد بحزم رغم إرهاقه البادي في كل تفاصيله: يا بنت الحلال تصليحه ما أخذ مني ربع ساعة..
ما يستاهل أوديه..
احسبي المشوار.. المشوار لين شركتي.. يأخذ نص ساعة..
هتفت مزنة باهتمام: وشركتك اللي توك افتتحتها بتروح وتخليها.. وش الترتيب معها؟؟..
هتف خالد بحزم : مهندس إبراهيم مستلمها حاليا وهو كان معي خطوة بخطوة في كل شيء...
ومحمد قال لي إنه بيمرها من وقت للثاني..
ثم أردف باهتمام: باقي شيء من تجهيزات السفر تبونه؟؟
مزنة بحزم رقيق: لا فديت قلبك.. كل شيء جاهز.. حتى شناطنا مسكرة..
بس نشيل شناطنا ونطلع المطار..
خالد وقف مستعدا للمغادرة.. توقف للحظة كمن تذكر شيئا.. ثم عاد ليجلس مقابلا لمزنة وهتف بحزم بالغ وهو ينظر إلى عينيها بشكل مباشر:
مزنة.. إذا رجعنا بالسلامة.. وإبي طيب وبخير إن شاء الله..
أبي أتزوج..
وأبيش أنتي اللي تختارين وحدة على ذوقش..
وما عندي أي متطلبات.. أثق باختيارش ثقة عمياء..
******************************
"مساعد فديتك.. اطلع دق عليها.. خلها تنزل تتعشى..
ماكلت شيء من صبح جعلني قبلك"
شهاب الذي كان منشغلا ببعض الأوراق.. هتف بحزم دون أن يرفع عينيه عن أوراقه:
اقعد يا مساعد.. لا تروح مكان.. مكانك زين..
مساعد كتف يديه باسما وهو يعود ليجلس بينما الجليلة زفرت بضيق وهمست برجاء حازم: شهاب تكفى..
أميرة بروحها ماعليها حال.. تبينا نجوعها يعني؟؟
هتف شهاب بذات الحزم وعيناه مازالت في أوراقه باهتمام:
ماجوعناها.. هي جوعت روحها..
حد قافل عليها الباب بالمفتاح؟؟
وبعدين المطبخ التحضيري اللي فوق مليان أكل..
ازهليها.. طلعت وكلت.. ولو ما طلعت.. بتطلع بنفسها..
مثل ما سكرت على نفسها بنفسها..
ومثل ما كان تسكير الباب قرارها.. خروجها بعد لازم يكون قرارها..
جلست الجليلة على مضض..
تعلم أن شهاب محق.. لكنها غير مقتنعة.. فقلبها يتفتت على أميرة..
فهي لم تراها من بعد صرخاتها صباحا.. ومضى لها الآن حوالي 15 ساعة من اغلاقها على نفسها..
تكاد تموت قلقا عليها..
كيف تُقبل على حياة جديدة وصغيرتها ترفض تلك الحياة بهذه الصورة..
لم تتوقع أن ردة فعل أميرة ستكون متطرفة بهذا الشكل..
كانت تعلم أنها ستتضايق.. لكنها ظنت أن ضيقها سيبقى في حدود المعقول التي تقدر على التعامل معه..
مثل غضبها حين سافرت إلى زيارة شهاب..واستطاعت أن تمتصه..
عادت الجليلة تتناول كتابها من جوارها لتدرس وبالها مشغول عن الدراسة..
بينما شهاب الذي لم يرفع رأسه عن أوراقه في تركيز عجيب على كل شيء هتف موجها حواره لمساعد:
وأنت جهزت كل شيء حق سفرك؟؟
ابتسم مساعد: مافيه شيء يستاهل تجهيز.. شنطة صغيرة.. والحجوزات بيرتبها فلاح..
أول ما أخلص أخر اختبار بنسافر إن شاء الله..
شهاب باهتمام: فلاح ذا ولد ال الطيار جماعتنا.. صح؟؟..
مساعد بذات الابتسامة: الله الله.. إياهم.. جماعتنا.. أخ فيصل اللي رديناه كم مرة..
ابتسم شهاب نصف ابتسامة: والله مثل فيصل ماينرد.. لكنه النصيب..
وفلاح ذا معك في التخصص؟؟
مساعد بثقة: لا.. هو تخصصه هندسة ميكانيكا.. بس أنا وإياه دفعة وحدة.. ويوم كنت أعلمه بفكرة إني بسافر أخذ جولة عقب التخرج..
قال لي معك معك... وهو والله عز الرفيق والخوي.. نشمي ونفّاع.. لدرجة إنه حلف ماحد يرتب إلا هو..
هتف شهاب بحزم ودود: الله لا يطيحك إلا في طيب.. الرفيق الطيب الصدوق نعمة من رب العالمين..
ثم رفع عينيه عن أوراقه أخيرا والتفت إلى الجليلة هاتفا بمودة حازمة وهو ينظر لها بشجن عميق:
جليلة... عمي أبوفرات على استعجاله أتوقع بكرة الصبح الظهر بالكثير مطلع نتايج الفحوص..
أنا ما رح أحدد وقت للملكة ولا رح اسمح لحد يحدد إلا أنتي..
بس ياليت ذا اليومين.. لأنه حمد بن فرات مسافر بعد يومين بالضبط..
واعملي حسابش إن الملكة مهيب عرسش.. فرات بيرجع ويسوي لش عرس ماصار في الدوحة كلها..
ولو ماسوى أنا اللي بسوي..
شعرت الجليلة بخجل لم تظهره وهي تهمس بمودة: فديتك يا شهاب ذي كلها شكليات ما تهمني..
شهاب بحزم: ما تهمش أنتي.. تهمني أنا.. أنتي تستاهلين نجمة من السماء.. مهوب مجرد عرس..
وعلى العموم.. فرات حول مهرش في حسابي..
وبكرة بحوله لش.. تجهزي على راحتش لين يرجع.. وقبل يرجع بنحدد موعد للعرس ثاني يوم رجعته.. وبترجعين هنا البيت قبل يرجع..
هذي التفاصيل كلها اتفقت فيها مع فرات..
ثم أكمل بتأثر عميق: أبي أزفش وأفرح فيش..
ثم أردف باسما بنصف ابتسامته: وأبي أوقف في صورة العرس عزول بينش وبين فرات وأنتي لابسة ثوبش الأبيض..
******************************
"أهني بنت آل حزام على قبولها في الصاعقة..
وانضمالها إلى فريق الفدائيين الأول على خط الجبهة
فريق المهمات الانتحارية في طريق المجهول
فريق دخول الحمام مش زي خروجه
فريق الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود"
نظر فرات نحو حامد نصف نظرة من تحت أهدابه وهو يهتف بثقة وبرود: ماعليك مردود.. خبل ومتكسر.. وش أرد عليك..
حتى الرد فيك خسارة..
كان حامد يضحك بسعادة حقيقية رغم شعوره بالألم في كل أضلاعه كلما ضحك..
منذ وصول خبر موافقة الجليلة على فرات قبل ساعات وهو لم يتوقف عن الضحك وإلقاء
النكات والتعليقات على فرات المشغول بإنجاز صفقاته عبر الحاسوب حينا والمكالمات مع سكرتيره في الدوحة حينا آخر..
دون أن يلقي بالا إلى حامد كما لو كان يلقيها على أبي الهول في جموده..
وكأن من سيتزوج غدا أو بعد غد ليس هو.. بل شخص لا علاقة له به..
لم يعلم حامد أن بداخل فرات بركان حمم متفجر من الغضب لم يظهر أبدا على ملامحه المسترخية التي يتحكم بها ببراعة منقطعة النظير..
(ليش وافقتي عليّ؟!
ليش؟؟
ليش ترتكبين بحق نفسش هذي الجريمة؟)
كان يزفر في داخله بضيق كبير.. كان لديه أمل ما أنها سترفضه..
فمن توافق على رجل كتب إيميلا كالذي كتبه؟
وتوقع أنها لو جنت ووافقت عليه، فستصر أن يأتي بنفسه لعقد القران.. وحينها سيتخذ هذا سببا للرفض لأنه لا يستطيع ترك حامد..
فهو بعد أن بعث الإيميل بدأ شعور الندم يتصاعد في داخله..
أ يكون حله امرأة عربية؟! امرأة عربية!!!
"ماهذه المصيبة التي حلت على رأسي؟!!
هل استسلم للفاجعة التي هربت منها طوال حياتي؟!"
"كان ممكن ألاقي حل ثاني غير الزواج..
ليه ما فكرت في أم حامد؟؟
كان ممكن أقنعها إنها تجي وتقعد عند إبي ومي"
"أنت عارف إن أم حامد مارح تجي..
تكذب على نفسك..
وبعدين مالقيت إلا أم حامد..
هذي البعد عنها غنيمة الغنائم
هذي رأس كوارث النساء العربيات"
"فرات أنت عارف إن الجليلة حلك الوحيد
وإنك فكرت ألف مرة قبل تقرر تشنق نفسك بهذا الزواج
لكن إبي ومي يستاهلون هذي التضحية
عشانهم بعيش في معاناة لين أخر يوم في عمري!!
والله يصبرني على ما بلاني!!"
*********************************
"أي قصة تبين أقول لش؟"
فهدة تأففت وهي تعدل غطاءها عليها: حد قال لش إني بزر أبي قصص؟!!
ابتسمت صيتة التي كانت تتمدد جوارها وتستند على كفها وهي تميل لتقبل جبين فهدة:
زين أنا أبي أقول قصة.. مايصير؟؟..
فهدة مسحت جبينها بنزق: ألف مرة قلت لش لا تحبيني.. كل شوي حبة.. كل شوي حبة.. قرفتيني..
ابتسمت صيتة ابتسامة أكبر وهي تعتدل جالسة ثم تنقض على فهدة تدغدغها وتقبلها وهي تهتف بمرح: أقرفتش.. ما أقرفتش.. ما علي منش.. حابتش حابتش..
بعد تصلب فهدة لثواني بدأت ضحكاتها تتعالى.. استمر لعبهما المشترك لدقائق قبل أن تدخل عليهما البندري بصخبها ومرحها:
يا الخونة تلعبون من دوني.. وسعوا وسعوا.. جاكم الإعصار ما شيء يعيقه...
قفزت معهم على السرير لتسحب فهدة من رجلها وهي تهتف لصيتة بحماس:
انزلي لرجالش.. يبيش في مجلس النسوان..
وخلي هذي القردة لي أنا برقدها..
كانت صيتة في قمة حماسها لذا شهقت وصوتها ينخفض تماما ويخلو من الحماس:
غريبة سند جاي ذا الحزة!!.
البندري تهز كتفيها وتهمس بعفوية: وش دراني عن رجالش.. وعادي حياه الله أي وقت.. البيت بيته..
تساءلت فهدة بنبرة مموهة: بتجين بسرعة وإلا بتتأخرين؟؟ عادي أنزل أسلم على عمي سند؟؟
كان الرد رد البندري وهي تسحبها نحوها لتدغدغها وهي تهتف بحماس مرح:
لا مهوب عادي.. انطقي معي.. بنلعب لين تنخمدين.. وراش مدرسة..
كان بود صيتة أن تأخذ فهدة معها.. كانت تحتاجها كدرع حماية..
ولكن بعد البارحة.. هناك الكثير من الأمور تحتاج للتصفية بينها وبين سند..
لذا لابد أن تقابله وحدها..
+
تنهدت وهي تنزل الدرجات تسحب قدميها سحبا.. وفي داخلها فجوة تلتهم روحها التهاما..
فتحت باب المجلس وهي تهمس بخفوت دون أن تنظر له بشكل مباشر:
السلام عليكم..
كان بود صيتة أن تأخذ فهدة معها.. كانت تحتاجها كدرع حماية..
ولكن بعد البارحة.. هناك الكثير من الأمور تحتاج للتصفية بينها وبين سند..
لذا لابد أن تقابله وحدها..
تنهدت وهي تنزل الدرجات تسحب قدميها سحبا.. وفي داخلها فجوة تلتهم روحها التهاما..
فتحت باب المجلس وهي تهمس بخفوت دون أن تنظر له بشكل مباشر:
السلام عليكم..
كان سند جالسا في صدر المجلس وعلى وجهه علائم التفكير العميق..
كان ينتظرها.. ويستعيد مرارا وتكرارا ماحدث بينهما البارحة ..
كان يتذكر سعادته وحماسه وهو يقودها عبر طرقات البيت ويفتح لها بعض الأبواب ويخبرها عن المحتوى بحماس وانثيال..
في داخله أمل كبير بحياة حقيقية مع صيتة.. الحياة التي تعب في انتظارها.. الحياة التي استنزفه انتظارها..
الحياة التي روّض نفسه ورغباته وعاش الحرمان كله انتظارا لها..
وفي فتحه للباب الأخير في الطابق دخلا قسما ضخما مكون من غرفة نوم متسعة وصالة كبيرة.. فهتف بشجن عميق:
هذي غرفة أمي وإبي..وغرفتي من عقب ما تزوج إخي بدون ما أغير فيها أي شيء..
اللهم إني فتحت لها باب على برا.. (قالها وهو يشير لباب في طرف الصالة) وتركت الطابق اللي فوق والبيت كله له هو وأم عبدالله الله يرحمهم..
و هذي مارح نغير فيها شيء بس بسوي لها صيانة..
أبي عيالي يشوفون غرفة جدانهم دامهم ما يقدرون يشوفونهم..
كان يتكلم وهو ينظر إلى وجه صيتة ويرى فيه علامات غير مفهومة له..
تبدو أشبه بنظرات رعب أو استغراب.. لذا قرر قطع الشك باليقين حتى تعلم أنهما سيبقيان مرتبطان فعليا..
وأن بانتظارهما حياة مشتركة طويلة عامرة بالأولاد والمشاركة.. حياة زوجية حقيقية كما يُفترض..
لذا هتف بنبرة مقصودة جدا وهو ينظر نحوها نظرة أكثر تقصدا وتعبيرا:
أقــصــد عـــيــالـنا!!
فاجأته ردة فعلها وهي تنتفض وتتراجع للخلف وتهمس باختناق وشفتاها ترتعشان:
سند احنا بيننا اتفاق..
نظر نحوها بحزم: اتفاق يوم كنا في أمريكا وظروفنا فرضته..
كنتي مضطرة تقعدين في أمريكا مع عبود.. وكنت أنا عمه اللي معه..
وكان لازم أكون محرم لش في نفس الوقت عشان تقدرين تقعدين معه..
واشترطتي عشان الموافقة على زواجنا هذاك الشرط المستحيل..
وقبلته.. مو لأني محتاجش عشان عبود..
أنا على كل حال موجود في واشنطن.. وموجود معه..
لكني أنتي اصريتي تقعدين تنفيذا لوصية غزيل اللي أنا كنت رافضها..
ولأني شفت اصرارش على تنفيذ الوصية ولأني مستحيل أفرط فيش
وافقت على شرط ما يرضاه رجّال على نفسه...
وست سنين مرت من يوم تزوجنا... حلفتش بالله عمره بدر مني تصرف يضايقش؟؟..
أو يبين إني أحاول أجبرش على شيء؟؟
راعيت إنه احنا في غربة وأنتي بعيدة عن هلش.. ولا لش غيري..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
لكن الحين في الدوحة.. كل شيء تغيّر.. كل واحد فينا صار يقدر يأخذ قراره بكل أريحية بدون حسابات أخرى..
لا عبود ولا غربة...
وأنا أقول لش بكل صراحة ووضوح وصدق: أنا أبيش زوجة صدق..
مو على الورق بس..
أبي حياة كاملة معش.. حياة نشيب فيها مع بعض.. حوالينا عيالنا وأحفادنا.. وأولهم فهدة وعيالها..
أبي بيت مستقر نرتبه مع بعض.. ويكون كل شيء فيه يشبهش ويعبر عن ذوقش..
تراجعت صيتة للخلف أكثر وهي تهمس باختناق أشد ووجهها يحمر بشدة: ما أقدر يا سند ما أقدر..
اقترب منها سند خطوة وهو يهتف بحزم رغم صدمته منها: وليه ماتقدرين؟؟ أنا وش فيني سيء؟؟
قولي لي ومستعد أغيره..
أنا وش فيني مخليش جافلة مني كذا؟؟
اتقي الله فيني .. ست سنين صابر.. خلاص ماعاد أقدر أصبر أكثر..
ماعاد فيني ذرة صبر وحدة.. استنزفت صبر الكون كله..
تراجعت صيتة للخلف خطوة أخرى وهي تهتف بألم يمزق كل مافيها تمزيقا:
والله العظيم لو ألف الدنيا كلها ما ألقى رجّال مثلك.. بس أنا ما أقدر ما أقدر..
انحدر صوته من الحزم إلى الألم وهو يقول: ليه يا صيتة ليه؟؟
همست بألم عميق عميق زفرته من أقصى روحها: سامحني ياسند.. أرجوك سامحني..
بس أنا ما أقدر أكون زوجة لرجّال ثاني غير صقر..
اتسعت عينا سند بشكل مرعب ليصرخ بقسوة توازي شدة صدمته: نــعــم؟؟ نـــعـــم؟؟
وش تخربطين أنتي؟؟ صاحية أنتي؟؟
أنتي سامعة وش تقولين؟
ليه من زوجش الحين؟؟.. أنا و إلا صقر؟؟
كانت صدمة عمره كله حين هتفت صيتة بإصرار وحزم ويقين:
صـــــقــــــر..
انطفئت نظرة عيني سند الحادة ليحل مكانها نظرة جامدة وهو يهتف بحزم:
يا الله نروح نجيب فهدة وأرجعكم البيت..
**********************************
"أمي مهيب عاجبتني يا دانة"
دانة التفتت لمزنة وهمست باهتمام قلق وهي تنظر لوالدتهما التي كانت شاردة:
ليه وش فيها أمي؟؟
زفرت مزنة بقلق: من يوم راحت ذاك المشوار المبروك مع إبي قبل كم يوم وهي متغيرة 180 درجة.. مكتئبة وتفكر..
همست دانة بتهدئة: يا بنت الحلال لا تصيرين وسواسية.. أمي كذا من يوم درت إنه إبي مريض..
وبعدين مثل ما تعرفين.. أمي واجد متعلقة في إبي.. أكيد مهوب سهل عليها موضوع مرضه..
صمتت مزنة حتى لا تثير قلق دانة التي فيها مايكفيها..
فمزنة وحدها هي من تفهمهم كلهم حتى لو لم يصرحوا..
تقرأ عيونهم.. تستشعر أوجاعهم.. تتنفس رائحة مخاوفهم وآمالهم.. حتى في صمتهم..
تفهم أسباب خوف دانة من الحمل مرة أخرى وتشعر بها..
تفهم غيرة غالية على جابر ورغبتها في كتمان مشاكلها..
تفهم أسباب رغبة خالد الجديدة في الزواج..حتى لو لم يصرح لها..
حتى مرض والدها الأخير.. استشعرته منذ فترة طويلة.. ولكنها أنكرته على ذاتها وكأنها تحميه من مجرد تفكيرها..
وخصوصا أنه كان يؤكد لها دوما أنه بخير.. فظنت أن أحاسيسها تكذب عليها..
كل ما تتمناه الآن أن تتم العملية في أسرع وقت..
تشعر أن الوقت يتسرب من بين أيديهم..
وأن الدقيقة أصبحت ساعات..
حينما يعود والدها بخير.. سيُحل كل شيء إن شاء الله..
كل المشاكل أمام وضع والدها لا أهمية لها..
تجربة مرض والدها أتاحت لها أن تنظر للحياة بنظرة أصفى وأحد وأنقى..
وخصوصا مع تفكيرها المتزن الرزين على الدوام..
أصبحت نظرتها أصفى وأصفى..
المصائب الكبرى تجلو البصيرة.. نشعرنا أن ما نتقاتل عليه في الحياة لا قيمة له..
أن في الحياة ماهو أهم..
والآن كل المشاكل التي كانت محورية في حياتهم أصبحت ثانوية..تضاءلت أهميتها انتظارا لعودة أبي خالد سليما معافى...
كي يعيد للحياة اتزانها.. كي يكون العجلة التي ستدير دفة كل شيء... كي.....
"الحين أمي اللي تفكر وإلا أنتي؟؟"
انتفضت مزنة من تفكيرها وهي تنظر لدانة: حسبي على ابليسش من دكتورة..
ما تخلين الواحد يفكر في ملكوت ربه شوي..
همست دانة بخفوت وحزم: مزنة اسمعيني زين..
أنا بر بحلف خالد بقعد أسبوع وإلا أسبوعين عقبكم.. وعقب بلحقكم..
تنهدت مزنة بحزم: دانة دامني ما دخلت المستشفى مافيه داعي..
بس لا دخلت.. لازم حد يجي يقعد مع أمي..لأنه خالد أكيد بينشغل معنا في المستشفى..
دانة بذات الحزم: أنا أعلمش وبس..
فإذا جيتي هناك وشفتي شيء ناقصكم.. علميني أجيبه..
لأني بلحقكم في أقرب فرصة..
***************************
"عاد مهوب أحسن لو أنا اللي خذت بنت عمي
بدل ما يأخذها فرات آل سطام"
شهقت مها وشدت أنفاسها بقوة.. كانت كلمته موجعة موجعة..
(طبعك وإلا بتشتريه يا أبولسان سم!!)
كانت تنظر نحوه وهو جالس يتابع الأخبار..
بينما كانت هي قبل كلمته تقرأ في كتاب...
ولكن الحقيقة أنه لم يكن يتابع الأخبار.. وهي لم تكن تقرأ الكتاب..
بل كان كلاهما يفكر تفكيرا مختلفا يتمحور حول الطرف الآخر..
فمتعب مشتاق وبلغ أقصى غايته من الشوق ومرهق من هذا الشوق..
مضت أشهر منذ تعاملا مع بعضهما كزوجين طبيعيين..
سيموت كي يضمها.. يقبلها..يتنفسها من قرب.. يشاكسها.. يحكي لها عن يومه.. كما اعتادا طيلة السنوات الماضية..
ووجودها أمامه لاهية عنه في الكتاب.. ومراقبتها.. أججت شوقه..
ولكنه مجروح منها.. ومن إحساسه إنه رخيص عندها.. ولا قيمة له عندها..
مجروح بشدة.. وكرامته تمنعه من التعبير..
بينما مها مشغولة بهوية العروس الجديدة.. ومن تكون؟؟ هل تعرفها؟
هل هي أجمل منها؟؟
أكثر رشاقة؟؟
ستنجب له الأولاد والبنات؟؟
هل سيكون أولاده منها أعز عنده من بناتها؟
كانت هذه أفكارها وهي تنظر نحو متعب في لحظات انشغاله بالأخبار
(إيه وش همك؟؟ عريس.. ومروق وتتابع أحوال الطقس والعالم
وبتاخذ لك كتكوتة تنسيك مها وطوايفها!!)
لتتفاجأ بعبارته المقيتة إياها..
متعب لا يعرف لماذا قال ذلك.. أراد أن يفتح حوارا..
فــفتحه..
لكن بأسوأ طريقة!!
زفرت مها لترد بحزم وثبات وبرود لا يعبر عن اشتعال داخلها:
عادي ياقلبي..هذي أميرة موجودة..
وعمرها قريب من عمر مرتك اللي بتأخذها..
الجليلة ثلاثينية.. أكيد ما تبي ثلاثينية..
كان متعب غاضبا من نفسه حين قال ماقال.. لكن غضبه تحول إلى مها.. فهو مليء بالغضب على كل حال:
صادقة.. بس أميرة أشوفها مثل البندري أختي..
وعلى كل حال لو أني ماني ب خاطب ومخلص
وإلا كان قرعت على فرات (قرعت: حيرت بنت عمي)..
حينها قررت أن تؤلمه كما آلمها.. ردت بسخرية:
ليه أنت شايف روحك مثل فرات آل سطام.. عشان عيال عمك يستخفون ويوافقون على قرْعيّك يعني؟؟
نظر نحوها بحدة: ليه وش فيني أقل منه؟؟
مها استدارت نحوه بجسدها كاملا وهمست بذات النبرة الساخرة وهي تنظر نحو أطراف أناملها:
تبي بالمختصر وإلا المفصل يا تعوبي؟؟
اتسعت عينا متعب غضبا ودهشة كاسحين بينما مها أكملت:
أحسن منك تعليميا واجتماعيا وماديا وثقافيا وحتى على مستوى الشكل ما تصف جنبه ولا حتى قريب منه...
متعب وقف وهو ينتفض غضبا كاسحا من تغزل زوجته برجل آخر أمامه بهذه الطريقة..
وكان على وشك الرد لولا أن صوت مها اختنق بقوة وهي تكمل بصوت تمنع البكاء أن يظهر فيه:
والأكيد والأهم من كل هذي الأشياء إنه أحسن منك أخلاقيا..
مستحيل إنه بيجرح الجليلة مثل منت تجرحني طالع نازل..
مستحيل إنه بيستقوي عليها لأنها ماتقدر ترد عليه..
مستحيل إنه بينتقد شكلها وتصرفاتها وجسمها في كل فرصة لحد ما يطلع روحها بدون ما يحترم إنها بنت خالته وأم بناته..
قالتها ثم ركضت نحو غرفتها لتغلق الباب عليها.. بينما متعب عاد لينهار جالسا..
(لذا الدرجة شايلة مني يا أم ريم؟!!
يا الله.. ليه كل ذا التعقيدات بيننا؟!
ليه؟؟)
****************************
"صحيح الرجّال اللي بيأخذ جليلة بنت عمي رفيقك الروح بالروح؟؟"
كان تركي يضع سماعات الهاتف على أذنه بينما يداه حرتان.. كان يصحح بهما بعض الأوراق ويضع ملاحظات.. هتف بابتسامة:
الله الله.. فرات آل سطام أكثر من أخ مهوب رفيق بس...
غريبة ماكنتي تعرفين!!؟؟
همست الهنوف دون تردد بنبرة مقصودة: تخيل!! ماكنت أعرف.. أنا غلطانة!!...
كان مفروض أعرف أصحابك وأعرف كل شيء عنك لأنه صار لنا متزوجين ثمان سنين..
والشيء الطبيعي إنه اثنين متزوجين قربوا يكملون عقد من الزمان إنه يكونون يعرفون عن بعض كل صغيرة وكبيرة..
ثم أردفت بنبرة متفاجئة تمثيلية:
بس تصدق.. زوجي كان ناسي إنه متزوج أساسا.. عشان كذا لا تلومه ولا تلومني إني ما أعرف أصحابه..
كاد تركي ينفجر من الضحك (منت ب هينة يا الهنوف!! يمه منش يا الساكتة!!)
ثم أردف ببساطة وخبث ومرح:
صدق صدق ماعندي سالفة.. الحين الحين بجهز لش قائمة بأسماء ربعي وأرقام تلفوناتهم بعد..
دقي عليهم واساليهم واحد واحد عني..
بيقولون لش تركي طول عمره رجّال وعز الرفيق نشمي.. وجدي ومهوب راعي خرابيط.. ورأسه في كتابه ومشاريعه..
بس صار له كم شهر حاله متغير..وحاله ما يطمن.. لازم تفتشين وراه..
لأنه على طول مبتسم ابتسامة إعلان معجون الأسنان..
ويتنهد.. ويسرح.. ويفكر.. وعقب يبتسم.. وعقب يرجع يفكر.. وعقب يكشر..
وضعه مهوب طبيعي أبد..
انتفضت الهنوف خجلا لأنها عرفت أنه يقصد الأشهر الأخيرة بعد عودته وتغير علاقتهما..
همست بهذا الخجل: أنا أبي أعرف، الخجل ممسوح من قاموسك؟؟ ماتعرفه؟؟
حينها ماعاد تركي قادرا على كتم الضحك.. انفجر ضاحكا: حسبي على ابليسش أستحي ليه؟؟.. أنتي مرتي..
وبعدين ماقلت شيء أساسا يستلزم أستحي منه..
أجل لو أقول لش الكلام اللي مانع نفسي أقوله.. وش بتقولين عني؟؟
مغسول وجهي بمرق؟؟
زفرت الهنوف بتهرب: ترا احنا طولنا هذرة.. وأنا كنت أبي استشيرك في كم نقطة في الرسالة..
ابتسم تركي من تهربها العذب.. وهتف بمودة وهو ينزل أوراقه جانبا.. ويتناول حاسوبه من جواره.. ويفتح رسالتها المخزنة عنده على سطح مكتب جهازه:
أي صفحة؟؟ تدللي..
**********************************
صباح اليوم التالي..
"روعتيني..
ضي تكفين تعالي.. ضي تكفين تعالي..
شوفي إذا تبين تتنازلين عن دكتور فرات لي..
تراها عطية مقبولة.. ما أردش ولا أردها في خاطرش..
مستعدة أضحي بنفسي وأخذه عشان أنقذش"
الجليلة تُدخل ضي التي عبرت عتبة البيت بصخبها وحيويتها بينما الجليلة تهتف لها بحزم:
والله إنش متفرغة..
ضي ضحكت: إيه يا جيلو.. إيه.. نسينا ماكلينا..
الحين جحدتيني.. حتى التضحية ماتبين أضحي عشانش..
الجليلة بحزم وقلق: الحين شوفي لي أميرة..
وخذي الامبريالي كله.. عليش بالعافية..
ضي انحدر صوتها بقلق: وش فيها أميرة؟؟ لا تقولين لي الخبلة عادها ما فتحت الباب من أمس؟؟
الجليلة بقلق: كملت أكثر من 24 ساعة مسكرة على روحها... والله العظيم لولا الفشيلة من عمي وشهاب وإب فرات الزفت إني أقول هونت من العرس
العرس اللي بيسوي في أختي كذا.. خلاص ما أبيه..
شدت ضي لها نفسا قتاليا: إيه هوني من العرس عشان أنا اللي أوريش الشغل..
ودلوعتش أميرة هانم أوريش فيها الحين..
الجليلة بذات نبرة القلق وهي تصعد معها الدرج إلى أعلى: المشكلة دقيت عليها أول ماسكرت مافتحت لي..
وعقب شهاب حلف علي أنا وبثينة ما ندق عليها ولا
حتى نكلمها تلفون..
ولولا إنها ترد على تلفونات شهاب لا كلمها.. وهذا الشيء اللي طمني شوي عليها..
وإلا كان كسرت الباب..
وشهاب مصر إنها لازم تطلع بدون ضغط من حد..
فقلت ماعندي غيرش.. وسامحيني إني جايبتش من صبح..
بس نتايج فحصي طلعت..وأبوفرات جنن شهاب وعمي عبدالمحسن بالإلحاح..
وشهاب يقول لي حددي وقت للملكة..
وأنا مستحيل أحدد شيء وأنا ما تطمنت عليها وشفتها وخذت بخاطرها..
قلت لا دقيتي أنتي عليها أكيد بتفتح لش..
الاثنتان وصلتا الباب.. وضي تسأل الجليلة بصوت منخفض قليلا (حد من أخوانش في البيت؟؟)
الجليلة تشير لها برأسها (لا)
فاقتربت ضي من الباب بينما الجليلة وقفت بعيدا قليلا..
شمرت ضي عن يدها الوحيدة وطرقت الباب بقوة بتلك اليد وهي تهتف بصوت مرتفع:
أميرة يا الدلوعة افتحي لا أكسر الباب..وأكسر رأسش فوقه..
كانت تظن أنها ستطرق الباب مطولا قبل أن تفتح الباب لها.. لذا فوجئت بالباب يُفتح بسرعة مفاجئة.. وأميرة تخرج منه وتلقي نفسها بين ذراعيها وهي تنتحب:
شفتي ياضي.. شفتي!!
الجليلة بتروح وتخليني.. بتروح وتخليني..
لتتفاجأ بمن كانت تقف بالقرب منهما.. فشدت أميرة ضي من يدها وأدخلتها معها.. وأغلقت الباب خلفهما..
تنهدت الجليلة وهي تعود لتجلس في الصالة العلوية.. ورغم استيائها الكبير من تصرف أميرة لكنها كانت تتفهم ردات فعلها وتتقبلها..
والمهم عندها أن أميرة فتحت الباب أخيرا وماعدا ذلك ليس مهما..
اتصلت بالخادمة وطلبت منها إحضار الفطور الذي كانت قد أعدته قبل مجي ضي..
اتصلت بضي وهمست لها بحزم: الفطور الحين جايكم.. تكفين ضي ما تطلعين من عندها لين تخلينها تفطر زين..
وهي في انتظارها لخروج ضي.. جاءها اتصال من شهاب.. ردت بمودة: لبيك..
جاءها صوته غير مرتاح: عمي حمد عندي يبي يكلمش..
الجليلة كانت تشعر أن هذه الخطوة قادمة قادمة..
فأكثر من مرة سمعت أنه كان يريد مكالمتها لكن عمها عبدالمحسن وشهاب..
كانا يقولان له أنهما سيوصلان رسالته.. ويبدو أنه أصر هذه المرة على توصيل رسالته بنفسه
(الحين عرفت الامبريالي من وين جايب الإصرار؟)
شدت الجليلة لها نفسا لترد باحترام: السلام عليكم يا أبوفرات..
جاءها صوته مفاجئا.. لايبدو في صوته أبدا رنة الشيخوخة المعتادة.. بدا صوته رجوليا ناضجا وراقيا بصورة أنيقة مدهشة..
لولا أن شهاب أخبرها أن أبا فرات سيكلمها.. لظنت مخاطبها في عمر شهاب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أبيش..
وقولي لي يبه.. لا تقولين لي أبوفرات.. أنا من اليوم إبيش أنتي.. ما أنا ب إبيه..
همست الجليلة باحترام راق: يكبر قدرك ويرفع شانك..مافيه شك إنك إب الجميع..
هتف أبو فرات برجاء وحزم: يا أبيش أنا جاي اليوم لي عازة.. وشهاب قال العازة ذي عندش..
فطالبش ماترديني..
الجليلة شدت نفسها الألف اليوم.. فهي تعرف ماهي (عازته).. همست بذات الاحترام والتقدير:
ومتى تبي ذا العازة؟؟
صدمها أن هتف بحزم:
الــــحــــيــن..
أنا في مجلسكم..
وأخوانش وعمش وعياله كلهم موجودين..
وأنا معي الشيخ المملك وحمد بن فرات
كان بود صيتة أن تأخذ فهدة معها.. كانت تحتاجها كدرع حماية..
ولكن بعد البارحة.. هناك الكثير من الأمور تحتاج للتصفية بينها وبين سند..
لذا لابد أن تقابله وحدها..
تنهدت وهي تنزل الدرجات تسحب قدميها سحبا.. وفي داخلها فجوة تلتهم روحها التهاما..
فتحت باب المجلس وهي تهمس بخفوت دون أن تنظر له بشكل مباشر:
السلام عليكم..
كان سند جالسا في صدر المجلس وعلى وجهه علائم التفكير العميق..
كان ينتظرها.. ويستعيد مرارا وتكرارا ماحدث بينهما البارحة..
مصدوم.. مصدوم مما قالته.. يشعر بالخيانة فعليا..
يشعر أن صيتة خانته.. فكيف تكون زوجته هو ومشاعرها لرجل آخر حتى ولو كان زوجها السابق المتوفى..
مثقل بالألم الذي لا حدود.. كان مستعدا لتقبل أي عذر لرفضها له مهما كانت قسوته.. إلا هذا العذر.. إلا هذا العذر..
رد عليها السلام بحزم دون أن ينظر ناحيتها أيضا.. ثم أردف:
صيتة اقعدي فيه كلام مهم أبي أقوله لش..
شد نفسا عميقا ثم ألقى قنبلته بثقة: أنا برجع واشنطن في غضون أيام إن شاء الله..
ارتعشت صيتة بقوة رعشة لم تظهر عليها.. انفجرت تلك الرعشة من منتصف صدرها لتنتقل لكل خلية في خلاياها..
شعرت أن قلبها سقط سقوطا مدويا في أسفل معدتها.. عجزت عن النطق والرد.. فأكمل كلامه بذات الحزم وهو ينظر إلى كفيه المشبوكتين:
عبود وضعه الصحي ممتاز الحمدالله.. وخواله ماشاء الله خمسة.. الثلاثة الكبار منهم كل واحد عنده عيال كبار رياجيل..
من يوم رجعنا من السفر وهم ما يخلوني أقعد عنده أساسا.. يتبادلون عليه.. وأحيانا ألاقي 4 و5 منهم ومن عيالهم عنده..
فهم قالوا لي إزهله.. حتى لو أنت موجود في الدوحة ماخليناك تقعد عنده.. لأنك كفيت ووفيت.. وصار دورنا نبر بأختنا الوحيدة وولدها..
وأنا عينت له بعد مرافق.. ممرض متخصص يكون معه 24 ساعة..
عشان أكلمه على طول ويطمني.. رح أرسل لش رقمه.. عشان يرتب لش الوضع إذا بتزورينه.. ويفضي لش المكان..
والسفارة في واشنطن كلموني إنهم محتاجيني ضروري ذا الكم شهر اللي بتجي..وعقب بيعطوني انفكاك نهائي منهم..
ولا تظنين إنه موقف أمس له علاقة.. لا والله العظيم.. هم كلموني قبل يومين.. وكنت أبي أرتب وضعي أنا وإياش قبل أسافر... بس....
كان سند يتكلم بينما صيتة تشعر أن داخلها نزيف بدأ ولن يتوقف.. وأن روحها تكاد تغادرها فعليا..
كانت تريد أن تقول (وأنا؟؟ أين أنا من كل هذا؟؟)
لكنها كانت تعلم أنه لا حق لها إطلاقا بطرح هذا السؤال.. وأنها بعد ماقالته البارحة لسند.. فقدت أي حق لها فيه..
قد يعجبك أيضاً
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد والحوار): بقلم SHorouk_Hassan
إنتقام الإناث والجبابرة (جاري تعديل السرد وا...
668K
23.1K
"الرواية هتتعدل سرد وحوار، لكن المضمون والفكرة هتبقى زي ما هي، دي أول رواية ليا فمكنتش بالقدر الكافي من الجمال، وفيها أخطاء إملائية كتير". رؤية الماضي كل يوم...
زعيم مافيا عاشق لطفلة بقلم jeonroddy
زعيم مافيا عاشق لطفلة
1.4M
33K
انها ملكي تبني طفلة احببتها وتعمقت بعشقها برائتها تقتلني
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى بقلم user38678915
"عشقها صدفه" مكتمله ✨سماح الشيمى
546K
19.8K
_أعمل ايه انا دلوقتى واتصرف ازاى بس.. يعنى لازم تبوظى دلوقتى... هبطت من سيارتها...وتحركت خطوتين للامام تتلفت يمينا ويسارا بخوف رغم تلك القوه والشراسه التى تتظاهر بها ام...
ڤيّـونا | K.TH بقلم _iEUNOIA
ڤيّـونا | K.TH
103K
6.6K
وحدكِ قادِرة على إنتِشالي مِن بِئر حُزني السحيِق، بِطريقة تجعلُني أقعُ لكِ مرارًا وتكرارًا. • كيِم تايهيُونغ. • جيوُن ڤيّونا. _ جميع الحُقوق مَحفوظه لي كـ كاتِبه اصل...
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا بقلم RonaAhyam
kingdom of rosalia_مملكة روزاليا
273K
15.6K
اصوات عنيفة ..شجار او مضاربة قوية صراخ مدوي في عقلها لا تستطيع ان توقفه الدماء بكل مكان ..لونها الأحمر يستفزها لكي تدافع عن ما هو لها دمعة رقيقة نزلت من عينيها وهي ترى...
تجاوز سند النقطة السابقة ثم أكمل كلامه بذات الثقة والحزم.. فالشخصية الدبلوماسية الواثقة كانت حاضرة تماما وهو ينحي المشاعر كلها جانبا:
أنا بغيب كم شهر عن الديرة.. ورح أترك لش مطلق الحرية في اتخاذ القرار اللي تبينه..
لكن أتمنى إنش ما تستعجلين فيه..
أنتي توش رجعتي بعد غربة طويلة.. وأكيد مازالت مشاعرش وحياتش كلها متلخبطة..
هذا شيء... والشيء الثاني أبي منش خدمة.. اعتبريها خدمة لرفيق غربة لمدة ست سنين..
أنا بأترك بيتي لش تجددينه بالكامل على ذوقش أنتي...
أبي أعيش مابقى من حياتي في بيت تحمل كل زاوية منه لمساتش..
سواء كنا فيه سوا ...
أو....
عشت فيه أنا بروحي!!
**********************************
صباح اليوم التالي..
جاءها صوته مفاجئا.. لا يبدو في صوته أبدا رنة الشيخوخة المعتادة.. بدا صوته رجوليا ناضجا وراقيا بصورة أنيقة مدهشة..
لولا أن شهاب أخبرها أن أبا فرات سيكلمها.. لظنت مخاطبها في عمر شهاب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أبيش..
وقولي لي يبه.. لا تقولين لي أبوفرات.. أنا من اليوم إبيش أنتي.. ما أنا ب إبيه..
همست الجليلة باحترام راق: يكبر قدرك ويرفع شانك..مافيه شك إنك إب الجميع..
هتف أبو فرات برجاء وحزم: يا أبيش أنا جاي اليوم لي عازة.. وشهاب قال العازة ذي عندش..
فطالبش ماترديني..
الجليلة شدت نفسها الألف اليوم.. فهي تعرف ماهي (عازته).. همست بذات الاحترام والتقدير:
ومتى تبي ذا العازة؟؟
صدمها أن هتف بحزم:
الــــحــــيــن..
أنا في مجلسكم..
وأخوانش وعمش وعياله كلهم موجودين..
وأنا معي الشيخ المملك وحمد بن فرات..
سحبت الجليلة نفسا كان صعبا جدا عليها.. وهتفت بحزم مهذب:
تم.. اللي تبيه يا أبوفرات تم..
التفت أبوفرات نحو شهاب بابتسامة كبيرة ونظرة سعادة حقيقية تطفح من عينيه:
الله يكبر قدرها مثل ماكبرت قدري..
وترا يا أبيك مهوب خافيني إني ثقلت عليكم بالإلحاح..
بس دامك فيها وش أنت تتنيها (أي مادمت شرعت في الأمر فلماذا تأخيره)
وأنا ماصدقت فرات يقتنع يتزوج عقب ذا السنين..
لا وأختك أنت.. وين بيعين مثل ذا النسب؟؟
طبعا لن يصرح أبو فرات أنه يعلم طبيعة تفكير ابنه.. وعقدته المترسخة العميقة جدا من النساء العربيات..
وأخشى ما يخشاه تراجع فرات.. وليس من أجل فكرة الزواج بحد ذاتها وإن كانت فكرة الزواج هامة جدا عنده..
لكنه يخشى على العلاقة الفريدة بين فرات وشهاب أن تتأثر..
لذلك كان إصراره أن يتمم الزواج بأسرع صورة وألا يترك لفرات فرصة أطول للتفكير أو التراجع..
للسببين كلاهما، الزواج بحد ذاته كقضية حياة أو موت.. وعلاقته بشهاب التي تعد أيضا قضية حياة أو موت..
وهذا ماكان.. وإجراءات عقد الزواج تتم بسلاسة..
ويكون تركي ومساعد هما شاهدا عقد الزواج.. بحضور العم عبدالمحسن ومتعب وحتى حزام الصغير..
طلب الشيخ الذهاب لأخذ موافقة العروس.. ذهب معه مساعد وشهاب..
وعاد به مساعد للمجلس بعد توقيعها على العقد بعدما قـبّـل مساعد رأسها وهو يقول لها بشجن عميق: مبروك يا أخيش.. مبروك.. أنا بهج من البيت عقبش..
بينما شهاب بقي مع الجليلة..
الجليلة خلعت نقابها وشيلتها وهي تشعر بالخجل أن تنظر في عيني شهاب بشكل مباشر...
فهي مهما كانت قوة شخصيتها.. تبقى صبية عذراء تخوض هذه التجربة لأول مرة..
ذلك الخجل الفطري والإحساس بعدم التوازن وحزن شفاف غريب.. كلها مشاعر طبيعية.. تمر به أي أنثى في تلك اللحظات..
احتضنها شهاب بقوة وهو يهتف بشجن أعمق فيه نبرة عميقة من الحزن:
مابعد شبعت من القعدة معش يا أخيش..
17 سنة غياب.. كل الناس راحوا فيها..
مابقى لي غيرش أم وأب وأخت ورفيقة..
يعزيني إنش عند فرات اللي أكثر من أخ لي.. وإنش قريب.. وإني باتطمن عليش ويرتاح بالي من صوبش..
وأشوف عيالش وعيال فرات حولنا...
لم تستطع الجليلة أن تحتمل.. فبكت وهي تتعلق بعنقه.. معه وحده تشعر أنها رمت أحمالها عليه.. وأنها تستطيع أن تبكي وتفرغ عن الكبت الذي تشعر به..
إحساسها أنها تترك بيت أهلها الذي قضت عمرها كلها فيه.. وأشقائها الذين ربتهم.. لتبدأ حياة مختلفة تُنشئ فيها عائلة جديدة.. ليس بالأمر السهل..
فالإنسان بطبعه يعتاد حياة الرتابة الهانئة والروتين ويألفها.. لأنه تشكل له الأمان والسكينة والراحة..
فكيف وهذه الحياة كانت مع أشقائها الذين كانت لهم أما؟!!
فرغم تفكيرها المطول في موضوع الزواج من فرات وصلاة الاستخارة التي هدأت بالها للموافقة.. إلا أن بداخلها قلق لا تستطيع تجاوزه..
قد يكون سبب موافقتها الأول هو أنها رأت بالفعل أن فرات يناسب متطلباتها..
فهي بطبعها تظن أنها لا تستطيع أن تكون زوجة رومانسية أو منثالة العاطفة..
لذلك أي زوج آخر غير فرات الذي صارحها بطبيعة الحياة بينهما.. قد يستشعر في جديتها جمودا أو حتى حدة..
عدا أنها كانت بالفعل تخشى أن يشكل الزواج عائقا بينها وبين الاستمرار في مسؤولياتها تجاه أشقائها.. المسؤوليات التي يستحيل أن تتخلي عنها أو حتى تتخفف منها..
لكن فرات كفل لها هذا الحق ووعدها من هذا الجانب..
عدا عن مميزات فرات المتعددة التي لا تظن أنها قد تجتمع في رجل واحد بهذه الصورة.. وأهمها كما سبق وذكر قربه من شهاب..
فهل تضمن وهي في هذا العمر أن تأتيها فرصة أخرى مثل فرات؟!
وخصوصا أن فرص الانجاب تتضاءل مع التقدم في العمر.. والأمومة هي سببها الأبرز لرغبتها في الزواج..
تعلم أن أشقائها سيتزوجون كلهم لا ريب.. فهل تعيش ضيفة على بيوتهم وأم عند الحاجة لأولادهم.. بدلا من أن تكون هي صاحبة البيت وأما لأولادها هي؟؟
كل هذه الأمور فكرت فيها مطولا قبل أن تنطق بالموافقة...
هناك عيبان اثنان فيه صارحها فيهما.. معقد من المرأة العربية.. ويريد علاقة رسمية حتى في علاقتهما الخاصة..
وازنت بين عيوبه ومزاياه.. فوجدت بتفكيرها المنطقي وحساباتها أن كفة المميزات ترجح.. لذا كانت موافقتها..
كان هذا سبب موافقتها الأول..
ولكن كان هناك سبب آخر لابد منه.. وماحدث مؤخرا جعلها تتأكد من أهميته..
تعلق أميرة بها..
كان لابد أن تبتعد عن الساحة قليلا حتى تسمح لشخصية أميرة بالتبلور والنضوج..
أميرة بوضعها الحالي ستكون عاجزة عن إنشاء أسرة والانفصال في حياة خاصة بها مع أنها تخطو نحو عامها الحادي والعشرين..
شدد شهاب من احتضانه للجليلة.. وتركها تفرغ دموعها على كتفه وهو يهمس لها بمودة صافية:
لا تحاتين أبد يا قلب أخيش أي شيء..أنا دايما جنبش.. والبيت ذا بيتش أنتي قبلنا وعقبنا..
بس الزواج خطوة كان لازم تصير وبدون تأجيل أكثر من كذا..يكفي ماراح من عمرش..
وفرات خيرة الناس.. عنده عقدة غبية من المرأة العربية..
لكن مثل ماقلت لش عقدة غبية لها أسبابها..
وأنتي قادرة إنش تفككينها.. أو على أسوأ الأحوال ما أظن فرات يحسسش فيها..
أنا متأكد من ذا الشيء..
ولو ماصار ذا الشيء.. ترا أنا أعرف أتفاهم مع فرات..
ومستحيل أسمح له مهما كان قربه مني إنه يضايقش بأقل شيء حتى لو كان مثل الشعرة..
"يعني بس شهاب اللي تبكين عنده..
وأنا عندي تمثلين المرأة الحديدية"
كانت هذه عبارة مساعد المرحة الحزينة وهو ينزل كيسين كبيرين بالغا الفخامة كانا في يده..
ويشد الجليلة من حضن شهاب ليحتضنها بقوة وهو يهتف بحزن عميق:
أشهد أن بيتنا بيفقدش..أمحق بيت عقبش يا جليلة..أمحق بيت..
ثم أردف وهو يمنع دمعة خائنة أن تفر من عينه: حتى ما عطونا فرصة نتعود.. بكرة بتروحين لبيتهم.. أشهد أنهم ربحوا وحن خسرنا..
ثم حاول أن يردف بمرح فاشل: ماعندنا إلا أميرة والكوبة.. بنموت أنا وشهاب من الجوع..
وإلا يمكن نموت في غرفنا مادرت عنا..
الجليلة رغما عنها تصاعد صوت نشيجها بخفوت.. ماعادت تحتمل..
شهاب لكم مساعد في كتفه غاضبا لينتبه لما يقوله.. حينها انتبه مساعد وهتف بمرحه الفاشل:
أنتي صدقتي.. ترا أنا وشهاب بنسوي حفلة إذا رحتي.. نبي نتزوج وأنتي كاتمة على أنفاسنا..
وبنزحلق أختش الدلوعة وراش..
الجليلة جلست على الأريكة القريبة وهي تدفن وجهها بين كفيها..
كانت تشعر بالخجل من عدم قدرتها على السيطرة على نفسها.. ولكن رغما عنها.. رغما عنها..
كل ماحولها يدفعها للبكاء.. الاثنان جلسا حولها وكل منهما يضع يدا على كتفها..
وتركاها حتى هدأت.. وهمست بسكون بصوت خافت وهي تحاول أن تبتسم بفشل كبير:
لا أحد يعلّم أميرة وبثينة عليّ إني صرت بكاية..
شهاب وقف وهو يقول بحزم: لازم أطلع لأميرة أعلمها.. خليني أنا اللي أمتص ردة فعلها مهوب أنتي..
الجليلة شدت كفه لتعيده جالسا: مهوب الحين.. ضي عندها فوق.. إذا راحت كلمها..
أنا ما أقدر أقابلها لين تعرف وتهدأ..
حينها قام مساعد وأحضر الأكياس.. ووضعها عند قدمي الجليلة وهو يهتف بعفوية:
هذي هدية عمش أبو فرات لش..
همست الجليلة بثقة خجولة: ماكان فيه داعي.. فرات معطيني مهر وش كثر..
مساعد هز كتفيه بذات العفوية: والله قلت له.. بس هو لزّم.. قال ماعليه من مهر فرات.. وإن هذي هديته لش..
ويقول الليلة بيرسل عشاء وبكرة بيرسل غداء هنا.. والعشاء بكرة عندهم لش إذا تبين تعزمين أي حد اعزمي..
هزت الجليلة كتفيها بحزم: ماله داعي ذا الشكليات.. خلها لين يجي فرات..
الحين أنا رايحة بيتهم ماهو ب صفة العروس..
طالبتك قل له لا يسوي شيء..
وأنا بكرة بالليل جايتهم إن شاء الله..
ولا أبي أدخل عليهم بشكل رسمي مبالغ فيه..
خصوصا إنه عم فرات تعبان..
خلهم لين يرجعون بالسلامة.. وعقب يسوي اللي يبيه..
***********************************
" أنا ممكن أعرف أنت ليه ما انخمدت..
من يوم صلينا الصبح وأنت مرتكز كنك سكني..
وياما قمت وياما قعدت"
زفر فرات بحزم وهو يعود للجلوس: ليه هو أخيك أبوفرات يخلي حد يتهنى في نومه؟!..
وإلا حد يروح يتملك الصبح..
إخيك مطلع الفحوصات من البارحة.. ولو أنها ماطلعت إلا متأخر، وإلا كان ملكني نص الليل والناس نايمين.. وبدون مايقول لي بعد..
والحين من يوم صلى الفجر.. وهو يقول بروح لهم..
وأنا أهدي فيه.. أقول له على الأقل انتظر لين الساعة 10 بتوقيت الدوحة..
لا تفشلنا في الناس..
أبي أعرف وش معجله كذا؟؟
ابتسم حامد بنعاس: معجله إنه يعرف إن ولده خريش.. وماصدق إنه فقد الذاكرة وقال بيعرس..
لازم يصيده قبل ترجع له الذاكرة..
زفر فرات وهو يصمت... بداخله فوضى عارمة.. إعصار هادر مدمر..
يعرف أنه في الدقائق القادمة.. يُقدم برضاه على كارثة حقيقية...
يخطو بقدميه نحو المقصلة وهو مفتوح العينين..
كم بقي لديه من العمر ليعيشه والأعمار بيد الله.. هو الآن في التاسعة والثلاثين وصحته ممتازة.. هل يعيش بجوارها ثلاثين عاما قادمة مثلا؟؟
ماهذه المصيبة؟!!
"يا الله.. أكثر من حكم السجن المؤبد حتى!!"
"ماعليه بتجيب لي عيال صغار ألهى فيهم.. وهي تلهى فيهم عني
يا الله ياربي أشغلها عني..أشغلها عني..
خلها تلهى في أخوانها وعيالها وتتركني برقبتي كأني غير موجود
يا الله ياربي أترجاك خلها تعتبرني غير موجود وتفكني من شرها"
**********************************
" أخيرا السفر بكرة الصبح.. مابغت ذا الأيام تخلص..
مرت علي مثل مشي السلحفاة كلت من روحي يارفعة
الليل ما أنام.. وأنا كل شوي أفتح غرفة إبي وأمي.. وأشيك على إبي..
أحيانا أجيب كرسي وأقعد مقابله.. أخاف يصير له شيء وهو نايم.."
رفعة زفرت بغضب وهي تنظر نحو مزنة : ودام سفرش بكرة مثل منتي قايلة لي قبل أسبوع يا أم هطيبل.. ممكن أعرف وش جايبش المدرسة؟؟ (أم هطيبل= حمقاء لكن بالطريقة المرحة)
ليه ما انطقيتي في بيتكم.. ورتبتي قشش مثل الأوادم الطبيعين اللي وراهم سفرة طويلة.. (القش= الأغراض)
مزنة بعفوية صادقة حازمة: ليش أغيب وهو يوم عمل وأنا موجودة في الديرة؟؟..
وبعدين خلاص اليوم بختم المادة مع الطالبات.. عشان أتطمن إني سويت اللي علي بالكامل.. وتطمنت على طالباتي..
رفعة تمسك جبينها بغيظ: طالباتش الزعاطيط هم في مقطعة؟؟.. (طالباتك الصغار هل هم في مكان خال؟)
تراهم في مدرسة فيها خمسين معلمة... ازهليهم..
أنا بخلص معهم المادة.. أنا بخليهم ياكلونها.. أنا بخليهم يشربونها مثل الماي..
بس قومي انقعلي لبيتكم..
لا أسحبش من كراعش في ساحة المدرسة وممراتها لين سيارتش.. (الكراع=الساق)
مزنة زفرت: رفعة تكفين خليني براحتي.. والله شنطتي جاهزة.. لا وأزيدش من الشعر بيت..
والله شناطنا كلها إني نزلتها من البارحة وكلها مرتبة عند باب الصالة من داخل..
حتى شنطة يدي رتبتها والجوزات والتذاكر.. كل شيء جاهز..
بس الله يجيب الصبح على خير .. ونسافر وبس..
*************************************
" يا الخاينة..
دخلتيني الغرفة عند اميرة وأنتي آنسة..
أطلع منها وأنتي متزوجة..
وش ذا الخيانة؟؟
أنتي ماقلتي لي شوفي لي أميرة... وتعطيني الأمبريالي..
ذا كله عشان ما تعطيني إياه يا الحسودة"
زفرت الجليلة بضيق: قولي لي أميرة وش مسوية؟؟..كلت؟؟
ضي همست بخفوت : أول قولي لي.. أخوانش هنا؟؟
الجليلة باستغراب لجواب ضي عن سؤالها بسؤال: لا راحوا لصلاة الظهر..
حينها وقفت ضي لتزغرد بصوت عال.. وهي تفك شعرها الطويل من رباطه.. وتلوح به وهي تغني: مباركن عرس الاثنين .. ليلة ربيعن وقمراء..
كانت ضي تهتف بحماس من بين لفحات شعرها: أنا حالفة عند الهنوف.. إن أنوّش عندش إذا دريت بملكتش.. (أنوّش= أرقص بشعري تلويحا به)
كانت الجليلة تنظر باسمة لضي في جنونها وصخبها وهي تزغرط حينا وتغني حينا وترقص حينا ثالث..
كانت المرة الأولى التي أحست فيها الجليلة فعلا أنها عروس هناك من يحتفل بعقد قرانها..
الاثنتان كانتا تجلسان في الصالة العلوية..
على مقربة من غرف النوم.. منغمستان في المشهد الكوميدي المرح..
لتتفاجأ الاثنتان بمن كانت تراقب المشهد قريبا منهما..
كانت عينا أميرة ممتلئتين بالدموع..
نظرت نحو الجليلة لثانيتين..
ثم فقدت وعيها وسقطت على الأرض..
****************************
" جليلة ماعليش..
مافيها شيء..حتى الدكتورة اللي أنتي أصريتي تجيبينها تقوله
شوي ضغط .. مع إنه لها يومين ماكلت
فلازم تكون النتيجة يُغمى عليها"
زفرت الجليلة بضيق: لأول مرة ألقى نفسي عاجزة عن التصرف يا صيتة..
ما أعرف كيف أتصرف مع أميرة؟؟
كيف أساسا أتصرف معها وهي رافضة حتى تشوفني..
صيتة قامت من مكانها لتجلس جوار الجليلة وتربت على كفها بقوة وتهتف بحزم:
يا بنت الحلال هذا البنات كلهم معها داخل
بثينة والهنوف والبندري وضي.. كلهم معها ويكلمونها وبيهدونها..
تنهدت الجليلة: هذا أنتي قلتيها.. كلهم معها.. إلا أنا..
حتى أنتي كنتي داخل معهم..
كل الناس وافقت تشوفهم إلا أنا..
ابتسمت صيتة لتخفف عنها ابتسامة تخفي ما هو داخلها: أختش هذي غير نمونة..
أنا والهنوف والبندري جايبين ورد وشكولت لش.. وجايين نبارك ونفرح معش..
لقيناكم مسوين دراما وأكشن..
ثم أردفت بحزم رقيق:
أهم شيء جليلة ما تخلين موقفها يأثر عليش.. بكرة تروحين بيتش يعني تروحين..
زفرت الجليلة بإرهاق: من جدش أروح وأميرة كذا؟؟
صيتة بذات الحزم الرقيق: إيه تروحين.. اميرة مافيها شيء.. ولا رح تتقبل اللي صار بين ليلة وضحاها.. أكيد إنها مطولة.. عطيها وقتها..
وبعدين أميرة كلنا معها.. أنا بأخذها لبيتنا معي أنا والهنوف والبندري..
مارح أخليها هنا بروحها أبدا..
لكن بيت فرات مافيه حد.. ولد فرات طيارته بعد بكرة.. ولازم تكونين هناك قبل يسافر..
****************************
"مي ليش ماجيتي الليلة عند بيت عمي طالب..
كنت متوقعة إنش بتجين..
قعدت عندهم من ظهر لين الليل انتظرش"
زفرت مي بحزن وهي تعدل غطاءها على ساقيها:
ماعليه البندري سامحيني..
أنتي ماعليش مخبى..
أنا أبي لي وقت لين أتقبل فكرة وجود زوجة لأبي..
وما أقدر أكون منافقة.. وأجي أبارك..
وأنا موب مبسوطة...
ضحكت البندري: ماعليه خبلة ... بس وضعش أهون من الخبلة الثانية.. أميرة..
الناس تزوجوا.. مادروا عنكم.. ولا طقوا لكم خبر..
ومصيرش أنتي وإياها ينطحن الحب اللي رأسكم..
زفرت مي بضيق: زين لين ينطحن الحب.. عطوا الخبلات جوهم يحزنون..
تحول صوت البندري من المرح إلى جدية لطيفة لا تليق بها:
يا الخبلة احمدي ربش إن إبيش تزوج الجليلة موب وحدة غيرها..
ترا والله موب عشان الجليلة بنت عمي..
بس إبيش لو يلف أقطار الأرض السبعة مالقى مثلها..
والشيء الأكيد إنها بتحيي بيتكم الميت.. بيت الأشباح..
أنتي بروحش مو طايقة بيتكم من قد ماهو موحش وممل..
الجليلة حية بكل معنى الكلمة..
ثم أردفت بابتسامة: الحي يحيك.. والميت يزيدك غبن..
(نستخدم في لهجتنا وصف المرأة أنها حية أو الرجل أنه حي.. بمعنى أنه نشيط وحيوي ويدفع الحياة في ماحوله باهتمامه بالتفاصيل)
ردت مي بيأس: ما أبغي حي ولا حياة.. أبغي إبي وأخي وعمي حامد..
بموت يا البندري من الشوق لإبي بالذات..
أول مرة بيبطي عليّ كذا..
وبعد بكرة حمد بيروح بعد..
وحامد تعبان ولا قدرت أشوفه..
وفي هذا الوقت بالذات يدخل أسرتنا فرد جديد.. وأنا ماعندي أي رغبة في فرد جديد..
لأني مستنزفة من الشوق للأفراد القديمين..
فلا تلوميني إني ماجيتكم..
لكن أوعدش بكرة أقوم بواجبها لا جات بيتنا..
*****************************
"خليني أدخل وأتفاهم معها..ذا اللي ما تستحي..
مسوية جنازة.. بدل ما تفرح لأختها"
الجليلة شدت شهاب وأوقفته وهي تهتف برجاء:
تكفى شهاب ما يصير تكتمها مرة وحدة..
بتسكت عشانك..
لكن في داخلها ماهي ب راضية..
خلها.. عطها يوم يومين.. الحين بثينة عندها وبتنام عندها وبتهديها..
شهاب بحزم ثابت يقاوم فيه غضبه: وبثينة تخلي بيتها وتنام عندها ليه؟؟
وش صاير في الدنيا عشان الحالة المأسوية اللي هي عايشتها؟؟
زفرت الجليلة بحزم: ياربي يا شهاب..
مايصير كل شيء يصير بالمسطرة مثل ما أنت تبي..
هذي نفس.. فيها حزن.. فيها فقد..
مهوب هين عليها إني أبتعد عنها فجأة.. عقب سنين عمرها كلها.. وهي لازقة فيني..
شهاب عاود الجلوس وهو يقول بحزم:
زين إنش عارفة إن لزقتها فيش خربتها.. وخربت شخصيتها..
وإلا هذا تصرف وحدة عاقلة؟!!..
فضحتنا حتى في بيت عمي..
تركي ومتعب الليلة يسألوني عنها؟؟ أشلونها؟؟ وعساها بدت تتقبل زواجش؟؟
حلفتش بالله هذا شيء طبيعي؟؟
زفرت الجليلة بحزم شديد: بدون ما تحلفني.. مهوب شيء طبيعي..
بس أنت قل لي وش كان ممكن أسوي..
طفلة يتيمة... لا أم ولا أب.. ومتعلقة فيني..
ماحتى عندنا خالة ولا جدة ولا عمة.. ممكن تروح لهم لو أنا أبعدتها عني..
قل لي يا شهاب وش ممكن أسوي؟؟
أعرف إنه غلط.. وأعرف إنه المفروض أبعدتها شوي شوي..
بس أنا حاولت.. ورب الكعبة حاولت.. مئات المرات حاولت..
هي كانت رافضة كل محاولاتي..
ويوم صار الأمر غصبا عنها.. شوف ردة فعلها.. مع إنها كانت قايلة لك إنه مصلحة الجليلة تهمني ومارح أسوي شيء..
بس القناعة بالشيء نظريا.. غير لما تصير قدام عيونك..
وخلاص الحين غصبا عنها بتنفصل عني..
عشان كذا أرجوك شهاب ..وقف عتابك..
وعط أميرة شوي وقت تعبر عن غضبها..
ترا غضبها مني أنا بس.. مازعلت من حد منكم..
وأنا راضية بزعلها ومتحملته...
*******************************
"مبروك يا عريس..
والله دخلت القفص الذهبي يا أبو حمد"
(حتى لو هو ذهبي.. يبقى قفص) كانت هذه العبارة التي تدور برأس فرات وهو يرد على حامد بثقة عفوية مدروسة حتى في عفويتها:
الله يبارك فيك..
ترا هذي يمكن المرة الخمسين اللي تقول مبروك..
ضحك حامد: يا أخي ماني مصدق.. ورب الكعبة ماني مصدق إنك سويتها..
تخيل إنه أشوف معجزة تتحقق قدامي.. فرات متزوج..
يا أخي جبهتك كان مكتوب عليها (عازب للأبد)
هتف فرات: عقبال ما نكتب على جبهتك.. متزوج للأبد..
ابتسم حامد: آمين .. حد قال لك إني بسوي نفسك.. أنا كنت أنتظر اعتزالي.. وخلاص صار اعتزالي إجباري الحين..
لا رجعت الدوحة إن شاء الله واستقر وضعي.. تزوجت..
ابتسم فرات: اللي بتزوجك أمها داعية عليها... خصوصا لو فكرت أمك إنها تقوم بدور الحماة الشريرة اللي يليق فيها طبعا..
بتهج بنت الناس من ثاني يوم..
هتف حامد بغضب: فرات ألف مرة قايل لك.. ما أحب حد يتكلم عن أمي.. حتى لو كنت أنت زعلان عليها..وحتى لو أنا زعلان عليها..
بس هذي أمي.. جنتي وناري.. ما أرضى حد يمسها بكلمة...
زفر فرات باعتذار حازم: السموحة يا أخيك.. اللي سووه أمي وأمك أفلام..
زفر حامد: أمك الله يرحمها.. وأمي الحين كافية خيرها شرها ومبتعدة..
فأرجوك يا فرات أرجوك.. خلها في حالها..
***************************
صباح اليوم التالي..
موعد سفر العم هادي.. أخـــيـــرا..
والاستنفار الكلي عند آل جراح جميعا..
الكل في بيت العم هادي بين مسافرين ومودعين..
خالد أخذ الحقائب من الصباح الباكر..وذهب بها للمطار ومعه محمد..
على أن يحضر سعود بقية المسافرين مع دانة التي أصرت على توديعهم حتى المطار..
لا يعلم خالد هل سبب ذهابه المبكر هو للاستعجال في إجراءات السفر..
أو حتى لا تلمح عينه ولو صدفة أحدا من المودعين الذين سيحضرون إلى البيت؟!!!
والآن.. سعود في باحة البيت في سيارته..
وكل سيدات آل جراح في داخل البيت.. حتى بثينة التي حضرت للسلام والوداع..
كان أكثر الجميع تأثرا غالية والجازي.. الاثنتان لم تتوقفا عن البكاء..
مها لكزت الجازي في جنبها وهي تهمس بغضب مكتوم: الجازي عيب اللي تسوينه..
حتى مهوب زين لنفسية عمي.. تنحطين كنه ميت!! (تنحطين=تبكين بعنف)
الجازي مسحت سيلان أنفها المحمر وهي تهمس بصوت مختنق: أنتو ليش ناشبين لي؟؟ هذي غالية ماحد قال لها شيء..
حتى الحزن عندكم لازم نكتمه ويكون بإذن..
كانت تقول عبارتها وهي تشير لمها بطرف عينها إلى غالية التي كانت تجلس على الأرض عند ركبة والدها وتسند رأسها إلى فخذه..
بينما أبو خالد يمسح على شعرها ويهدئها بينما مزنة تنظر لها كما تنظر مها للجازي.. نظرة عتب غاضبة...
مها همست للجازي بذات الغضب المكتوم بصوت خافت: ترا غالية ما تبكي عمي بس.. غالية تبكي إنه أهلها كلهم رايحين.. حتى دانة بتروح..
فأكيد لازم تبكي.. إلا تموت من البكي..
الجازي عاودت مسح أنفها: مها والله إني حاولت ما أبكي.. بس ماقدرت.. ماقدرت.. أخاف تكون ذي أخر مرة أشوف إبي هادي..
قالتها وانفجرت في بكاء خافت.. لتصب دموع مها بصمت رغما عنها وهي تهتف بغضب: فالش ماقبلناه..
إن شاء الله بيسوي العملية ويرجع طيب وبخير..
دانة وقفت وهي تقول بحزم بصوت مختنق: يبه.. سعود أحرقني تلفونات يقول لازم نمشي..
يا الله فديتك.. يا الله يمه.. ماعاد باقي على الطيارة شيء..
غالية انفجرت بالبكاء وهي تحتضن وسط والدها.. أبو خالد بدأت دموعه تسيل بصمت..
لا يخشى الموت أبدا.. بل ينتظره كل يوم.. انتظار المستبشر بلقاء ربه...
ولكن حزن هؤلاء الصغيرات اخترق روحه..
يخشى عليهن من الدنيا بعده..
يخشى عليهن من الضيم..والقهر.. والحزن..
يخشى أن تبات إحداهن في ضيم ولا تجد لها أبا أو عما يرد لها حقها..
يعلم أنه أكثر الوصايا على خالد وسعود ومحمد وحتى جابر ومتعب.. وصاهم مطولا ببناته وبنات أخيه وأم خالد... وحتى أم سعود وبثينة..
وصاهم وصية مودع.. واثقل عليهم أنها أمانة يُسألون عنها يوم القيامة..
ولكن حين تغيب عينيه عنهم... من يؤكد له ان إحداهن لن تنام حزينة أو مقهورة..
زفر وهو يبعد غالية بخفة وحنو... ويهمس في إذنها بحنو شديد:
يا أبيش انا كلمت جابر يجيبش...
قال لي قبل يسافر بأخته بيجيبش عندنا ... لا تبكين يا أبيش... خلصي امتحاناتش وتعالي..
انحنت تقبل كفه ثم احتضنته بقوة وهس تهمس في إذنه بابتسامة حزينة: يبه ماعليك من بكاي..
هذا كله دلع ..وأنت اللي خربتني بالدلع.. وعقب صدعت رأسك..
غالية أنهت عبارتها وتأخرت لتتيح للباقين السلام..
الكل سلم.. وبقت الجازي لتي كانت تقف على مقربة بوجهها المحمر وعينيها الغائرتين من كثرة البكاء..
هتف أبو خالد بحزن وحنان عظيمين: تعالي يا أبيش..
الجازي ألقت نفسها في حضنه وانفجرت في البكاء..
سالت دموع العم هادي بصمت.. مازالت هذا الصبية بالذات مستقر حزنه الأعظم.. بقي محتضنا لها ويهدئها حتى سكتت..
حينها همست في إذنه بشيء..
فرد عليها بهمس مشابه.. لم يسمعه سواهما...
ثم أشار بيده للجميع مودعا تجاوره أم خالد..
وتتبعه مزنة ودانة..
لتنفجر غالية والجازي بالبكاء وهما تجلسان متجاورتين على نفس الأريكة..
************************
" ممكن تشرحين لي
سبب ذا كله ؟؟"
صمتت أميرة التي كانت تجلس على طرف سريرها...دون أن تنظر إلى شهاب الذي كان يجلس على مقعد مكتبها..
استحثها شهاب للرد بحزم: ردي علي لو سمحتي..
أنا أبي افهم بس..
لأنه اللي صار كله مهوب مفهوم ولا معقول...
ولا يتقبله حد في راسه ذرة مخ..
وحدة أختها الكبيرة اللي طول عمرها مبديتها على كل شيء
تزوجت...
المنطقي واللي مفروض أي وحده عاقلة تسويه أنه يكون أفرح يوم في عمرها...
أختي اللي شايلتني على رأسها طول عمرها تزوجت..
لازم أبارك لها وأهنيها وأروح معها أرتب أغراضها في بيتها الجديد..
وأحسسها بفرحتي لها..
لكن اللي أنتي سويتيه ماهو ب معقول أبد..
حينها همست أميرة بحزم غريب: خلاص اعتبرني مجنونة .. ماني ب صاحية
تصرفاتي موب معقولة...
انا ما أقدر اتقبل زواج جليلة..
ولا أنها بتروح وتخليني..
ما أقدر أتقبل ولا أتخيل..
ثم انحدر صوتها قليلا: ولا أقدر أعيش من دون وجودها في حياتي...
أنت الحين ياشهاب... عندك إني ماحاولت وفكرت.. وتعوذت من ابليس وقلت يا بنت لا تحزنين الجليلة
ما تستاهل منش كذا...
بس ماقدرت ماقدرت... أنا من غير وجود الجليلة جنبي ما أعرف أتصرف في أي شيء.. ولا حتى أحس بطعم أي شيء...
قالت عبارتها ثم انفجرت باكية...زفر شهاب وهو يقوم عن مكانه ليجلس جوارها...
ويحتضنها بحنو وقوة... أميرة تعلقت بعنقه وهي تنتحب بينما شهاب يحاول تهدئتها: يا أميرة يا حبيبتي..
أنا إبيش وإخيش وهذا أنا موجود..
وأنتي حتى منتي ب محتاجتني..
تقدرين تصرفين حياتش أنتي..
ترا محد يحتاج حد عشان يعيش..
.
.
.
"بثينة تكفين... لا تخلينها الليلة"
كانت الجليلة تجلس على طرف سريرها بينما بثينة تغلق حقيبتها وتهمس باهتمام: ازهليها... بس انتي ليش مودية شنطة وحدة بس...
ماخذتي شيء من أغراضش..
زفرت الجليلة: ذا البنت خلت فيني مخ... يادوب خذت كتبي وكم لبسة...
وهذا البيت قريب... كل مابغيت شيء جبته..
همست بثينة بحماس: وأول ماتخلص امتحاناتش.. نبي نبدأ نتشرى لش أغراض العروس
وأولها الفستان...
أبي ارد لش لو شوي من تعبش معي أيام تجهيز عرسي.. وأنتي مهتمة بكل شيء.. بكل صغيرة وكبيرة أكثر مني..
زفرت بضيق: دام أميرة على هذا الحال.. مارح يكون لي نفس أسوي شيء...
ولولا خاطر أبوفرات.. وشهاب اللي ترجاني أروح..عشان طيارة ولد فرات بكرة الصبح..
ماكان رحت وأختي وبنتي كذا...
بثينة بحزم: ماعليش منها...هذا كله دلع..
أنا عارفتها... تبي تضغط عليش بذا الطريقة
جليلة بحزم: لا تقولين على أختش كذا..
بثينة بذات الحزم: هي تستخدم ذا الأسلوب معش من عادها بزر..
ولين الحين كان ناجح معها . فهي مازالت تحاول تستخدمه...
لكن لا وريتيها أن إسلوبها ماعاد يجيب نتيجة.. صدقيني بتنضبط..
*******************************
" عمش اليوم وش كثر وصاني عليش الله يرده بالسلامة..
حتى وهو في المطار كلمني تلفون يأكد علي"
نظرت مها نحو متعب وسكتت..لم ترد.. مرهقة ومستنزفة مماحدث اليوم كله..
وفي انتظار تطمين سعود لها بوصول عمها بالسلامة إلى لندن..
استحثها متعب أن ترد عليه وهو يجلس غير بعيد عنها في صالتهما العلوية رغم أن غرفته اللي يستخدمها حاليا في الطابق الأرضي.. هتف بنبرة مقصودة:
مارديتي علي يعني..
زفرت مها: وش تبيني أقول؟!
تبيني أقول يا خسارة وصية عمي اللي ب تنكب في التراب!!
متعب وقف بشكل غاضب ومفاجئ وهو يهتف بغضب حقيقي:
أنتي شكلش استخفيتي.. لأنش شفتي صبري عليش.. وفهمتيه غلط..
البارحة تغزلين برجال قدامي بدون أدنى احترام للطوفة اللي اسمه رجالش.. وكبرت عقلي وقلت أنا اللي ضايقتها.. وهي ترد على مضايقتي..
والليلة تحقريني وتشوفيني ماني ب كفو حتى وصية.. وأنا ماضايقتش بكلمة..
أنتي وين تبين توصليني؟؟
صمتت مها.. عرفت أنها إن تكلمت أكثر من ذلك ستأتي بطامة كبرى.. خصوصا وهي ترى غضب متعب الشديد..
وإلا كانت على وشك أن تقول له (ماشاء الله وهذا هو أول تنفيذك لوصية عمي اللي وصاك عليّ!!)
أنقذها اتصال سعود وهو يطمئنها أن عمها وصل بالسلامة وتوجه من فوره للمستشفى، وكل أموره على خير مايرام..
***********************************
" ها يا دانة.. خالد أو مزنة ردوا عليش؟"
دانة التي كانت تروح وتأتي بقلق وبيدها هاتفها ردت على الجازي بهذا القلق:
مفترض الطيارة تنزل الحين..
خالد واعدني أول ما يفتح تلفونه أول اتصال لي..
بعد دقائق وردها الاتصال المنتظر واسم خالد يضيء على شاشة هاتفها.. ردت بسرعة أقرب للهلع: خالد فديتك طمني على إبي..
وصلها صوته واثقا مطمئنا: أبشرش كانت الرحلة زينة.. وإبي وضعه ممتاز..
بس نخلص إجراءات الدخول.. الملحق الطبي للسفارة في انتظارنا.. هم بيأخذون إبي للمستشفى..
وأنا بودي أمي وومزنة للشقة وبروح لهم..
ولا تقعدين تحتاحين مثل عادتش..
ترا كل شيء زين..
زفرت دانة بعمق وارتياح: الله يريح قلبك يا أختك مثل ماريحت قلبي..
خلاص ما أبي أطول عليك.. سلم عليهم كلهم... وقول لمزنة أول ما توصل الشقة تكلمني..
دانة أغلقت الاتصال والجازي قفزت واقفة وهي تسأل دانة بقلق: بشري..
ابتسمت دانة: أبشرش.. الحمدالله.. أمور إبي تمام..
*********************************
قبل ذلك بساعات.. في الطائرة التي أقلعت من الدوحة إلى لندن..
بعد استقرار وضع الطائرة والركاب..
كان خالد يجلس بجوار والده... بينما مزنة تجلس بجوار والدتها..
كانت أم خالد صامتة وتفكر كعادتها مؤخرا.. ورغم أن التفكير بات جزءا منها منذ علمت بمرض أبي خالد..
ولكن ذلك التفكير الغريب الذي برز منذ أيام يشغل تفكير مزنة بشدة..
مزنة ربتت على كف والدتها بحنو:
يــمــه..
ردت أم خالد بسكون حان: لبيه يا أمش..
همست مزنة وهي تشد على كف والدتها بمودة خالصة وتقدير عظيم: لبيش أنا.. ولبي أرجيلش..
ثم أردفت برجاء: يمه فديتش.. طالبتش.. علميني وش شاغل بالش؟؟..
زفرت أم خالد: يا أمش مافيني شيء..
مزنة بعتب: كذا يمه تدسين على مزوّن؟؟
أم خالد وضعت يدها الحرة فوق يد مزنة التي تمسك بكفها وهمست بسكون:
يا أمش وضع هادي يشغل بال اللي ماينشغل باله..
وإن شاء الله يتعافى هادي.. ويزين كل شيء يا أمش..
قالت كلمتها ثم عادت بظهرها إلى الخلف وعادت للانغماس في التفكير..
وما تهربت من إخبار مزنة به يعود إلى تفكيرها..
وهي تستعيد ماحدث قبل أيام.. حين غادرت في مشوارها مع أبي خالد..
كان مشوارا متوقعا رغم ثقله الشديد على نفسها.. وصاها على بعض البيوت التي يكفلها.. وأخذها للبنك وأخبرها بعض التفاصيل..ووصاها على تفاصيل أخرى..
كانوا في مشوار العودة للبيت وهي تجلس معه في الخلف وتهمس بحنو:
هادي فديتك.. تعبت نفسك في ذا المشوار كان علمتني بذا التفاصيل وحن في البيت..
زفر أبوخالد بإرهاق: أنا ماطلعت أنا وإياش من البيت عشان المشوار بس..
لكن أبي أتكلم معش كلام ماحد يسمعه.. وفي البيت ممكن حد يسمعنا..
وخصوصا إنه شوفة عينش.. مزنة على طول معنا.. حتى في الليل ماترقد وهي كل شوي تطل علي..
والكلام اللي أبي أقوله لش يخصها..
نجح في إثارة قلقها للحد الأقصى..الأقصى.. شهقت بجزع شديد: وش فيها مزنة؟؟
****************************
" يا الله يا نظر عيني.. انزلي..
العشاء بيأذن الحين.. وبأروح أصلي..
شنطتش خلاص نزلتها عند الباب"
زفرت الجليلة بحزم وهي تستعد للنزول من سيارة شهاب:
شهاب طالبتك تخلي بالك من أميرة..
تحملها ذا الأيام..أدري بتتعبك.. بس عشاني يا أختك.. عشاني تحملها..
كان على وشك الرد عليها.. لولا أن هاتفه رن برقم مميز يعرفه جيدا..رد برسمية بالغة:
مرحبا أستاذ عبدالرحمن.. وعليكم السلام..
.................................
الحين؟؟
................................
طيب قول لسعادته بس أصلي العشاء ومشوار الطريق وأكون في مكتبه..
حين أنهى الاتصال.. همست الجليلة بقلق: شهاب وش فيه؟؟
هتف شهاب بحزم وثقة: مافيه شيء.. بس الشغل طالبيني..
الجليلة بذات القلق: ذا الحزة؟؟
شهاب بذات الحزام والواثق: عادي يا بنت الحلال.. أنتي الحين انزلي..
وخلي بالش من نفسش.. ومن هل البيت..
ثم زفر وهو يردف بضيق لم يستطع إخفائه: والله يا اخيش ماني براضي على ذا الطريقة اللي تزوجتي فيها..
كان ودي تدخلين بيتش بصفة عروس صدق..
لكن أبشري بالعوض.. الشيء اللي سويتيه يا إخيش ماتسويه إلا نادرة مثلش..
وحدة مثلش تعودت إنه كل الناس عندها أولوية وتقدمهم على نفسها..
كان حقش تفرحين وترتاحين عقب تعب ذا السنين كلها.. لكن ما أقول إلا أبشري بالعوض..
الجليلة مدت جسدها لتقترب منه على مقعد السائق وتقبل رأسه وتهمس بحنين عميق:
رجعتك هي تعويضي عن كل شيء ياقلب أختك..
العوض هو رأسك..
ولا تحاتي أختك.. أختك عقلها أكبر من ذا الشكليات كلها..
ابتسمت بذات الحنين: وترا عقب اللي أنا مريت فيه السنين اللي فاتت في غيابك..
المرحلة الجاية باعدها استجمام حقيقي..
أنهت كلمتها بتقبيل رأسه مرة أخرى ثم كتفه.. ونزلت.. وهي تدعو الله أن يحفظه من كل شر.. وييسر كله كل طريق..
رأت أمامها خادمة.. كانت تسحب حقيبتها للداخل..
سمت بسم الله وهي تدخل خلفها.. ودعت الله عز وجل بالتيسير والحفظ والتوفيق..
تــنــهــدت.. وزفرت..
تدخل هذا البيت للمرة الثانية.. وفي كل مرة يكون دخولها أشبه مايكون بعملية حفظ مصالح أو إنقاذ أو رعاية.. أيا كانت التسمية..
قادتها الخادمة حتى مجلس النساء.. مكان لم تدخله المرة الماضية...
كان مجلسا ضخما بالغ الفخامة.. والبرودة..
وبدا لها جديدا ولامعا بصورة مبالغ فيها.. ربما تكون هي أول من يدخله..
حين دخلت كانت مي في الاستقبال ومعها مضيفتين بالغتي الأناقة وحسن الهندام.. وبوفيه استقبال راقي جدا في طرف المجلس..
سلمت الجليلة.. فاستقبلتها مي بخجل.. وسلمت وهي ترحب بخجل:
سامحيني ماقدرت أجيكم.. لأنه حمد بيسافر بكرة.. ولهيت معه..
الجليلة برقي وتقدير: عادي ياحبيبتي.. أنا عارفة..
زفرت مي بخجل تخفي خلفه ضيقها: ومبروك ألف مبروك.. ومبروك لنا إحنا جيتش عندنا..
الجليلة بمودة: الله يبارك فيش.. ثم أردفت وهي تتلفت حولها: وين عمي حمد.. وحمد الصغير أسلم عليهم..
مي بعفوية: راحوا الصلاة وجايين..
ثم أردفت وهي تشير للخادمة التي مازالت تقف والحقيبة جوارها:
روحي ودي الشنطة غرفة بابا فرات..
الجليلة شهقت في داخلها وهمست بتلقائية واثقة مدروسة: خليها توديها أي غرفة ضيوف عندكم أحسن.. لين يرجع فرات..
وخصوصا إني أغراضي واجد ومابعد جبتها كلها.. ما أبي أضيق عليه دولايبه..
مي برفض وإصرار: مايصير.. تبين إبي يزعل عليّ.. ويقول إني ما أعرف السنع..
وبعدين إبي غرفة ملابسه أكبر غرفة ملابس في البيت وموب مستخدم إلا أقل أقل من ربعها..
تعرفين الرياجيل أغراضهم مو مثلنا..
حللي دولايبه الفاضية صار لها سنين فاضية..
الجليلة بإصرار رقيق حتى لا تشعر مي أن هناك أمر غير طبيعي:
ماعليه خليها لين يجي فرات وأرتب أغراضي مع أغراضه..
مي بإصرار أشد: لا والله مايصير.. رتبي أغراضش من البداية.. وأغراض إبي كيفش فيها بعد.. الترتيب عندش...
الجليلة صمتت.. لا تستطيع الإصرار أكثر.. حينها سيبدو الأمر مريبا.. فالأمر الطبيعي أن تكون في غرفته..
(أحسن خلني أخذ الغرفة الكبيرة.. وهو لا رجع يختار أي غرفة يبيها.. بالطقاق)
مي بدأت تقوم بدور الضيافة للجليلة مع المضيفات... ثم همست بأدب: أنا بروح أشوف العشاء.. ثم بصلي..
ممكن بس تنتظرين شوي هنا لين يجي جدي وإخي لأنهم يبون يسلمون عليش.. وعقب بجي أوديش تصلين..
ثم نتعشى كلنا سوا..
مي غادرت.. والجليلة زفرت وهي تنظر حولها وتتناول كوبا من العصير من المضيفة التي أصرت عليها..
كل ماحولها يبدو غريبا.. غريبا جدا.. المكان.. الأحداث.. الشخصيات.. وكأنها في فيلم ما..
وحتى تكتمل تراجيدية المشهد..
كان رنين هاتفها برقم طويل..
يحمل فتح خط ألمانيا في أوله..
#أنفاس_قطر#
.
.
.
فضاءات اليأس والامل /تكملة الجزء الرابع والثلاثون
كان مشوارا متوقعا رغم ثقله الشديد على نفسها.. وصاها على بعض البيوت التي يكفلها.. وأخذها للبنك وأخبرها بعض التفاصيل..ووصاها على تفاصيل أخرى..
كانوا في مشوار العودة للبيت وهي تجلس معه في الخلف وتهمس بحنو:
هادي فديتك.. تعبت نفسك في ذا المشوار كان علمتني بذا التفاصيل وحن في البيت..
زفر أبوخالد بإرهاق: أنا ماطلعت أنا وإياش من البيت عشان المشوار بس..
لكن أبي أتكلم معش كلام ماحد يسمعه.. وفي البيت ممكن حد يسمعنا..
وخصوصا إنه شوفة عينش.. مزنة على طول معنا.. حتى في الليل ماترقد وهي كل شوي تطل علي..
والكلام اللي أبي أقوله لش يخصها..
نجح في إثارة قلقها للحد الأقصى..الأقصى.. شهقت بجزع شديد: وش فيها مزنة؟؟
شد أبو خالد نفسا عميقا ثم هتف بحزم بالغ: ما أبيها تبرع لي.. ولا أبي أسوي العملية أساسا..
اتسعت عينا أم خالد بصدمة حقيقية وهي تستدير بجسدها كاملا نحوه وتمسك كفه برعب:
وش ذا الكلام يا أبوخالد.. وحن سفرنا عقب كم يوم؟؟
زفر بذات الحزم الغريب: أعرف.. وبنسافر..
بنسافر عشان يرتاحون كلهم.. لكن مارح أسوي العملية..
ثم أردف بحزن يائس: وضحى كم باقي من العمر؟؟ عمري 60 سنة.. خذيت ماكفاني من الدنيا..
ولا ني ب جازع من الموت..
شدت أم خالد على يده بقوة وهي تهمس بتهدئة: هادي ذا إحساس طبيعي.. أي حد مقبل على عملية وبنته بتبرع له أكيد بيخاف عليها..
بس أنت وإياها فحوصكم ممتازة.. ونسبة نجاح العملية عالية.. وكله بيد الله..
ليه ترد أسباب ربي؟؟
هتف أبو خالد بيقين وعيناه مثبتان أمامه: لأنه ربي عز وجل يرسل لي رسالة مالها إلا تفسير واحد..
إنه مزنة لو سوت العملية بيصير لها شيء..
أم خالد بجزع واستغراب كبيرين: وش ذا الحكي يا هادي؟؟
تنهد أبو خالد بحزن عميق: صار لي شهر يا وضحى وحتى قبل تطلع نتايج البنات..
يجيني هاتف في الحلم يقومني من نومي قبل صلاة الفجر يهمس في إذني.. مزنة لا تروح.. مزنة لا تروح..
كل يوم يا وضحى.. كل يوم..
شددت أم خالد من قبضها على يدها وهي تهمس بتهدئة عميقة: هادي فديتك هذي وساوس.. أنت ما تبيها تبرع.. وذا ينعكس في أحلامك بس...
هز أبو خالد رأسه بإصرار: لا يا وضحى.. لا.. أنا عارف وحاسس.. قلب المؤمن دليله.. أنا ماني ب بايع بنتي عشان كان كم سنة بعيشها..
حتى لو هي وساوس.. كيف أسوي عملية ماني متقبلها؟؟
أوشكت أم خالد على البكاء: زين ليه ماقلت قبل؟؟.. كان قلنا للجازي هي اللي تبرع..هذي كانت بتموت تبي تتبرع..
زفر أبوخالد بحزم شديد: لأني ما أبي مزنة ولا الجازي يتبرعون.. ولا أبي أسوي العملية من أساسه..
أدري لو قلت ذا الكلام من الحين.. خالد مستحيل يسكت.. وإلا يخليني..
لكن لا جينا لندن عينت لي حجة وماطلت...
أم خالد بتهدئة قلقة: مارح يخلونك يا هادي .. والأعمار بيد الله .. خل مزنة تسوي العملية.. لأنها مستحيل توافق ما تسويها..
واللي ربي كاتبه هو اللي بيصير..
كان هذا ماقالته لها يومها.. ولكنها لم تستطع منع نفسها من التفكير والقلق المتزايدين..
هل حقا قد يحدث لمزنة شيء في العملية؟؟
قد تكون كلها وساوس رجل مريض يخشى على ابنته...
فحتى اليوم يوم سفرهم.. أخبرها وهو متوجه للمسجد لصلاة الفجر أن البارحة جاءه نفس الحلم ثلاث مرات متفرقة..
كلما غفى.. أيقظه ذات الحلم.. بذات العبارة (مزنة لا تروح).. لذلك فقراره نهائي.. لن يجري العملية..
وحتى لو كانت مجرد وساوس..
شيء مهم وعظيم في روحه انكسر.. وهو الرغبة في إجراء العملية..
بات يشعر عمليا أنه يقايض حياته بحياة مزنة...
وهذه مقايضة خاسرة عنده..
خاسرة بكل معنى الكلمة!!
فمن يقايض الحياة بالموت؟!..
مزنة هي الحياة عنده.. فهل يحكم على نفسه بالموت مرتين؟!!
*******************************
مي غادرت.. والجليلة زفرت وهي تنظر حولها وتتناول كوبا من العصير من المضيفة التي أصرت عليها..
كل ما حولها يبدو غريبا.. غريبا جدا.. المكان.. الأحداث.. الشخصيات.. وكأنها في فيلم ما..
وحتى تكتمل تراجيدية المشهد..
كان رنين هاتفها برقم طويل..
يحمل فتح خط ألمانيا في أوله..
نظرت الجليلة نحو هاتفها (زين تذكر يتصل!!..
شكله كان ناسي إنه تزوج مدبرة المنزل التي اتفق معها على صفقة الزواج!!
وذكرّه سكرتيره بضرورة الاتصال للاتفاق على التفاصيل!!)
شدت نفسا وهي تعتصم بكل الرزانة التي تتصف بها..
وتتذكر أن هذا مهما يكن هو زوجها..
مع أنها كانت مستاءة جدا من تأخر اتصاله بها...
ليس لأنها تريده أن يتصل.. بل ربما كان اتصاله أخر شيء تريده..
فما الذي سيقوله وسيكون مصدر سعادة لها؟!!
ولكن لأن الواجب والذوق واللياقة كانت تتوجب أن يتصل بها فور انتهاء عقد القران..
وخصوصا أنها قدمته هو ووالده على نفسها..
ووافقت على موعد الملكة غير المعقول تقديرا لهم وتقديرا لظروفهم..
وهما ليسا مجرد زوجين في عقد قران حتى لا يتصل..
بل زوجان فعليان لظروف زواجهما الغريبة..
كان شهاب أخبرها بعد عقد القران أن فرات أخذ رقمها وسيتصل بها فورا..
ولكن هذه الفورا تأخرت.. تأخرت كثيرا..
مر أكثر من يوم دون أن يتصل بعد عقد قرانهما صباح أمس..
كانت تظن أنه سيتصل ويشكرها أو يبارك لها.. أو يظهر تقديره لها بأي طريقة..
ولكن هذا التجاهل الطويل بدا لها قلة ذوق غير مقبولة إطلاقا..
ومع ذلك قررت تنحية كل هذه المشاعر السلبية..
وكانت على وشك الرد.. لولا الباب الذي فُتح ودخل منه رجلان طويلان متأنقان..
كانا أكثر رجلين يلفتان الانتباه رأتهما في حياتها بشكل شخصي وعن قرب..
وضعت هاتفها على الصامت.. وقامت لاستقبالهما بابتسامة وتقدير..
كانت قد رأت حمد الصغير مسبقا في لمحة سريعة وفي الصور.. ولكن الرؤية على الطبيعة مختلفة تماما..
لم يكن وسيما كوالده وجده.. ولكنه كان جذابا بشكل مختلف عن المعايير المعتادة..
بشرته لوحتها الشمس.. وفي خديه حروق محمرة من أثر الشمس أشبه بالنمش..
عيناه واسعتان خضروان صافيتا الاخضرار..
وشعره الذهبي ينسدل على عنقه.. درجة من الشعر الذهبي الناري لم يسبق أن رأتها على الطبيعة إطلاقا..
توليفة عجيبة لفتى بدوي شديد البداوة كما سمعت عنه من شهاب الذي أخبرها تفاصيل كثيرة جدا عنهم..
أما الجد فحكاية أخرى لا تشبه أي حكاية مهما كان غرابتها..
لم تظن يوما أنها قد تقابل رجلا في مثل هيئته.. بل ويكون أحد محارمها..
كان أكثر وسامة من ابنه الزفت الوسيم بمراحل..
وجديلتاه الفضيتان حكاية لوحدهما..
شعره يكاد يكون أطول من شعرها وأنعم وأكثر كثافة..
ابتسمت رغما عنها لرؤيتهما متجاورين وهي تتقدم نحوهما..
وكلاهما ابتسما لرؤيتها.. كانت رؤيتها تبعث على السعادة..
ومن لا يبتسم وهو يرى مثل هذا الوجه الشديد البهاء تتوسطه ابتسامة رائعة..
كانت ترتدي جلابية مغربية أنيقة ولكنها خجلت أن تقابلهما مكشوفة الرأس لأول مرة فأبقت شيلتها على رأسها وخصلاتها تتناثر حول وجهها..
قبلت رأس العم حمد.. وقبل حمد الصغير رأسها..
وهتف أبو فرات بترحيب حقيقي كبير: تو ما نور بيتنا يا بنت طالب.. قصدي تو مانوّر بيتش..
ترا البيت بيتش.. وكلنا ضيوف عندش..
تصرفي في البيت مثل ما تبين ولا تشاورين حد.. حتى لو كان فرات..
جلسا.. حمد الكبير والصغير.. والجليلة تتناول الدلة كي تصب القهوة بعفوية..
فيحلف عليها حمد أن تجلس ويصب هو.. ولكنها تحلف عليه..
وتشير للمضيفات بالقدوم وبدء عملية الضيافة..
وحمد الصغير يهتف بمودة: سامحينا كلنا.. إنه أربكناش وجبناش عندنا بسرعة..
بس إن شاء الله يرجع إبي ونسوي عرس كلنا نستانس فيه..
وأرتز جنب إبي بالبشت وأنافسه..
ابتسمت الجليلة بتقدير: عقبال ماتوقف بالبشت مرتين.. في تخرجك.. وفي عرسك..
عادت مي.. وانضمت لهم.. دار الحوار بينهم لأكثر من ساعتين تخلله ذهاب الجليلة للصلاة..
والعشاء المبكر الذي ضمهم أربعتهم.. وكان رائعا ومرتبا بعناية.. وبالغت مي في الاهتمام بتفاصيله احتفاء بالجليلة..
كان الحوار بينهم مريحا ومتشعبا.. استشفت فيه الجليلة بذكائها تقبل الرجلين الكبير لها.. بل سعادتهما الكبيرة بوجودها..
وتحفظ مي الكبير على دخولها حياتهم..
التحفظ الذي تفهمه تماما.. فهي تركت خلفها أميرة مع تحفظ أكبر منه بكثير..
رغم أن مي حاولت جاهدة أن تكون مرحبة وودودة..
ولكن لم يكن تحفظها ليخفى على عين خبيرة كعين الجليلة.. التي ربت فتاتين..
كان مما لاحظته الجليلة أن شخصية الجد وحفيده مثيرة جدا وجذابة جدا..
مثقفان.. ومتحدثان لبقان جدا..
والعجيب والجميل أنهما كانا يكملان جمل بعضهما بطريقة لطيفة محببة..
كان حديثهما ممتعا ويعرفان كيف يديران الحوار بذكاء وتهذيب رفيع..
(طيب.. وفرات سقط سهوا من بينكم يعني؟!..
كيف يكون الجد والحفيد يهبلون كذا.. والأب بينهم يعل الكبد؟!)
وهم في جلستهم بعد العشاء في صالة البيت الرئيسية التي انتقلوا لها.. رن هاتف أبي فرات.. رد بمودة راقية باسمة:
تبي تتأكد إنه قمنا بواجب المدام؟؟
هي اللي قامت بواجبنا.. احنا ضيوفها..
...........................................
الحمدالله.. أبشرك
............................................
إن شاء الله..
تفاجأت الجليلة أنه مد هاتفه نحوها.. وهو يقف ويهتف بمودة: فرات يقول دق عليش كم مرة تلفونش مسكر..
اخذي التلفون وكلمي براحتش..
أنا بروح لمرسمي.. إذا خلصتي المكالمة تعالي أوريش المرسم واللوحات..
في ذات الوقت وقف كل من مي وحمد واستأذنا للمغادرة... على أن يعودا لاحقا..
زفرت الجليلة وهي تنظر لهاتفها قبل أن ترد عليه ...
وجدت 4 اتصالات منه لم يُرد عليها واتصالان من شهاب.. واتصال من مساعد واتصال من صيتة واتصال من بثينة..
لم تتعمد عدم الرد... ولكنها نسيت انهاء وضع الصامت..
شدت نفسا.. وردت بعفوية واثقة.. فهي لم تتعمد عدم الرد..
لذا لا تشعر بالذنب ولا بالحرج من أي نوع ولكن عفويتها كانت مشوبة بخجل فطري شفاف..
فهذه هي المرة الأولى التي تكلم فيها من أصبح زوجها بعد أن أصبح زوجها:
هلا أبو حمد..
*************************************
"بثينة إذا خلصتي.. تعالي أبيش"
كانت بثينة في غرفتها في بيت أهلها تقرأ وردها..
بعد أن رفضت أميرة رفضا قاطعا أن تنام معها...
أنهت الورد.. وخرجت تبحث عن شهاب..
وجدته في غرفته يرتب بعض الأوراق..
همست بمودة واحترام: تأخرت واجد فديتك.. تبي عشا جعلني قبلك؟؟
زفر شهاب بحزم: لا ما أبي عشا يا أخيش..
بس أبي منش خدمة..
بثينة بذات المودة العذبة: أنت تأمر أمر..
هتف شهاب بحزم: أنا مسافر واحتمال أطول شوي..
اتسعت عينا بثينة بصدمة وجلست بانهيار: شهاب تونا ما شبعنا معك.. تكفى..
زفر بذات الحزم رغم تأثره: ماعليه يا أخيش السموحة.. شغل ضروري جدا.. تكليف رسمي حكومي على أعلى مستوى..
وقفت بثينة وهي تقول بحزن: مانقدر نقول شيء دامه تكليف رسمي..
لا تحاتي فديتك.. ازهلنا.. وأميرة بأخذها بيتي.. أو الجليلة بتاخذها عندها لا سافر ولد فرات..
التفت شهاب نحوها بحزم بالغ: لا طبعا.. مارح تروح لبيت وحدة منكم..
اتسعت عينا بثينة دهشة مرة أخرى: حرام عليك تبيها تقعد في البيت.. وتحرم مساعد سفرته عشان يقعد معها؟!!
تكفى شهاب.. حرام.. مساعد مخطط لسفرته.. حرام تحرمه منها.. خلاص أنا بأجي أقعد عندها.. ومحمد بيكون في المجلس..
بس خل مساعد يسافر..
شهاب زفر بنصف ابتسامته: سكري الراديو شوي.. واسمعي وش أبي أقول..
لأنه هذي هي الخدمة اللي أبيها منش..
زفرت بثينة وهي تعود للجلوس..
توقعت كل شيء.. إلا هذا الشيء..
إلا هذا الــــشـــيء!!
#أنفاس_قطر#
.
.
.
وصلنا خير يا نبضات قلبي
والحين أقول لكم توقع ليلوسا بتفاصيله
وليه استحقت نجمات نجمات
أول شيء هي اللي قالت إنه شهاب بيسافر وهذا بيقلب الأحداث..
وانتبهت إلى شيء أكبر من ذلك.. كنت من زمان أقول من أول وحدة بتنبه له
أول وحدة تستحق نجمة كبيرة جدا..
فكانت ليلوسا..
ما انتبهتم إن معظم الشخصيات مسافرة أو بتسافر..
هل تظنون إن هذا صدفة؟!!
أبدا.. هو مقصود جدا من بداية الرواية وأنا أحيك إنه بتجي فترة الأحداث الرئيسية كلها بتكون برا الدوحة
لسبب بتعرفونه بعدين..
وليلوسا انتبهت لكل هذا .. قالت عدد كبير من الأبطال سافروا أو بيسافرون.. ومستحيل تكون صدفة..
.
نجماتك يا حضرة العقيد ليلوسا
قربي كتفك قربي..