📌 روايات متفرقة

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الثاني عشر 12

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الثاني عشر 12 بقلم شروق عبدالله

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن pdf الفصل الثاني عشر 12 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن pdf الفصل الثاني عشر 12 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الثاني عشر 12 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الثاني عشر 12
رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 بقلم شروق عبدالله

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الثاني عشر 12 بقلم شروق عبدالله


ابتعدت هاجر عن الباب من وصلها صوت خطواتهم القريبة تدل على خروجهم، وأسرعت بخطواتها لغرفتها
ووصلها صوت أمها فاطمة: هاجر ما تبين غداء!
هاجر اللي أخفت ملامحها: معدتي تعورني
تنهدت فاطمة وجلسوا يلتمّون حول طاولة الطعام بنفس الوقت اجتمعوا الشباب في بيت الشعر مع حاتم و راجح اللي جلس يتوسّط المجلس، يبتسم لصخبهم وضجّتهم اللي يحبها
أما في الصالة ناظرت حصة حولها: وين هاجر؟
فاطمة: معدتها تعورها
حصة عقدت حاجبها تاخذ صحن لهاجر: ماهو عندي هالكلام! قولوا لها حصوص ما يهنى لها بال لين تاكل هاجر
ابتسمت وتين وقامت: اعطيني أخذ لها صحنها
مدّت لها حصة الصحن: الله يرضى عليك يا بنتي
ومشت وتين لغرفة هاجر اللي جلست على سريرها تحس باختناق أنفاسها، ما زالت تحت تأثير صدمة الكلام اللي سمعته عن جدّها
التفتت لصوت الباب وطلّت وتين بابتسامه: نداء خاص من حصوص
صدّت هاجر تمسح دموعها ودخلت وتين باستغراب تترك الصحن على الطاولة وتسرع بخطواتها لها
وجلست جنبها بقلق: هاجر؟ وش فيك تبكين!
هاجر نفت تحاول تتماسك لكن دموعها خانتها و صوتها يخنقها
وبكت باستسلام وتقدمت وتين تحضنها: بسم الله عليك
شهقت هاجر بألم تبكي خوف على جدّها وخبر مرضه اللي نزل عليها مثل المويه الحاره تلسعها وتعوّرها
وتين تراجعت: علميني وش فيك؟ مين مزعّلك ادعس بطنه
هاجر نفت ببكاء، وتقدمت وتين تمسح دموعها: علميني
هاجر نطقت بصوت مختنق: أبوي راجح
عقدت وتين حاجبها: وش فيه؟
هاجر بكت تغطي ملامحها ما تقدر تبوح لها، وتنهدت وتين تسحبها لحضنها تهدّيها من انهيارها ورجفتها
ونطقت هاجر تاخذ نفس: أبوي راجح تعبان
وتين بقلق: وش فيه!
هاجر مسحت دموعها برجفة: ورم في الراس
وتين وسعت عيونها بصدمه، وكملت هاجر: سمعت أبوي يتكلم معه عن ورم و علاجات، ما قدرت أشوف ولا اسمع شيء ثاني بعدها حسيت الدنيا ضاقت علي
شهقت هاجر ببكاء، ومسحت وتين على ظهرها تهدّيها رغم رجفة دواخلها، ما مرّها الخبر بسهوله، تدرك تعلّقها في راجح رغم معرفتها القليلة فيه لكنها تشوف فيه الأب اللي فقدته ويقلقها تعبه و يزعّلها
وتين نطقت تواسيها بثبات: ما تدرين عن التفاصيل يمكن الورم في بدايته! يمكن له علاج ويتشافى بحول الله وقوته اذكري الله
هاجر هزت راسها تهدّي نفسها و تذكر ربها بهمس
ومدّت وتين يدها تاخذ الصحن: يالله مابي أنزل لهم لين اتأكد إنك أكلتي
فتح باب الاسطبل بعد أيام من الغياب، دخل يناظر مكان الرعد فارغ ووقف يناظره بشرود، تقدّم لباقي الخيول يشيّك عليهم
يعطيهم أكلهم وينشغل بترتيب المكان
والتفت لصوت مشاري: أبو الرعد
ضحك تميم: لقب جديد هذا
هز راسه مشاري يناظر مكان الرعد: نجدّد ذكر الطيب
تميم تنهد: والله المكان فضى
نفى مشاري يأشر على الخيول: و ذولي؟ يملون العين
ابتسم تميم يفهم مواساة مشاري له من ليلة موت الرعد كان مشاري يخفّف عنه بطريقته
التفت مشاري يسولف له، وقاطعه تميم: مشاري
ناظره بفضول، وكمّل تميم: اسف ياخوك
مشاري سكت يناظره يعتذر له رغم إنهم قفلوا الموضوع بطريقتهم وتناسوه بعد كل اللي صار إلا إن تميم ما نسى و شال شعور الذنب بصدره كل يوم
كمّل تميم: ضربتك وعوّرتك قبل لا أفهم شعورك، اعذرني
قاطعه مشاري يحاوط كتفه: ما بين الأخوان اعتذار، حتى انا فقعت راسك بصحن الفواكه وما اعتذرت
تميم ضحك: لأنك ما تستحي
مشاري التفت يشوف بتّال يمشي باتجاههم وأشّر: هذا اللي ما عنده كرامه تونا كاسرين راسه ويجيك يضحك
بتّال سمعه: هذي السماحه
نفى تميم: هذي الثوَاله
ووصلهم صوت وجد: تجتمعون في الاسطبل بدون وجد بدري عليكم!! وسعوا الطريق
ابتسم مشاري يشوفها تمشي باتجاهه تبتسم له ويفزّ قلبه لها
والتفت تميم للبنات اللي اجتمعوا في الحديقة ومن بينهم حنين
جالسه على كرسيّها تناظرهم في الاسطبل من بعيد
ناظرها ترفع خصلاتها خلف اذنها من يحرّكها نسيم الهواء، تسرق نظره له ويبتسم لها وترتفع نبضاتها لابتسامته الواضحه لها
كان المكان صاخب بضحكاتهم، من الحديقة للاسطبل لبيت الشعر اللي طلع منه عناد يتسند على جذع النخله بجنبه
يناظرهم من بعيد عاقد حاجبه، يلمح جلوسها بينهم تلاعب القطاوه بين يدينها وتبتسم لسوالف البنات رغم شرودها الواضح له، يفهم و يدري إنها مو على بعضها و ضايق خاطرها.

أظلمت سماءهم وزادت برودة الجو كل ما زاد ظلام الليل
مشت وتين متكتفه تشد عبايتها حولها وتمشي باتجاه دكّة الشباب تدري إنها فاضية بسبب أصواتهم في بيت الشعر
مشت تجلس على المرجيحة تناظر الدكّة بشرود
ما طلع كلام هاجر من بالها ولا ثانية، ما زال مرض راجح يقلقها
تفكر بكل لحظة عاشتها هالفترة، من إصابة حنين لخصامها مع عناد و مرض راجح المُفاجئ
بلعت ريقها تحس باختناقها، والتفتت وطاحت عينها على عناد اللي مشى باتجاهها ووقفت تناظره من بعيد
وقف عناد مكانه يناظرها والتفت يرجع للبيت ولانت ملامحها بضيق
ونادته: عناد!
أسرع بخطواته يختفي عن أنظارها ويدخل للبيت
وصدّت بتنهيده، تفتقده وتلاحظ تأثيره عليها، تحتاجه قربها بعد كل هذا الشتات، تحتاجه يلملمها ويمسك يدينها ويدلّ ضياعها
ثواني وسمعت صوته: كنت بجيك، شفتك جالسه وما حولك ضوّ قلت بجيب لك جاكيت
ناظرت بالجلسة حولها تفهم إنه يشيل هم البرد بسبب إن الجلسه مافيها شبّة نار
ومشى يحط الجاكيت حول أكتافها، ونطقت: مو مره برد
نفى يجمع الحطب ويشبّه: الجو يبرد آخر الليل خصوصًا اذا المكان خلاء مثل المزرعة، والمكان اذا صار خالي يا بنت سلطان يهب البرد عليه من كل محل
سكتت وتين تفهم كلامه، وكمل عناد: مثل مكانك ليلة أمس في غرفتي، ما نمت من البرد
نزّلت نظراتها للنار اللي شبّت، و مد يده يمسك فكّها: ناظريني
ناظرته وابتسم يدوّر لمعة العسل بعيونها: زعّلك أحد غيري؟
وتين: معترف إنك مزعلني يعني؟
عناد جلس جنبها: اعترف، بس لو دريت إن فيه شخص ثاني مزعّلك والله لأضيق دنياه
وتين ضربت صدره: انطم روح قول هالكلام لتهاني
ارتفعت ضحكاته ورفع راسه يمسك صدره يضحك بقوه
وابتسمت وتين تناظر خط خده، وناظرها مبتسمه وتقدم يعدم المسافة ويحط عيونه بعيونها العسلية يسمح لنفسه يغرق فيها ويرضى بالغرق
تقدم يبوس عيونها: اسف، تضيق الدنيا في عيني لو أزعّلك
ارتجف قلبها تسمعه يعتذر بكل صدق، يعترف بخطأه ويطلبها تسامحه
تناست أسباب الخصام وتلاشت بعيونها كل الغلطات ورمت نفسها بحضنه و شدّ على حضنها بتنهيده يفهم إنها كتمت بصدرها كثير و كبحت رغبتها بإنها ترمي كل شيء خلف ظهرها و ترتمي بحضنه
ابتعدت ورفعت نظراتها له: اسفه تصرفت بدون شعوري، أدري خوّفتك بس
قاطعها: ما زلت على وعدي، قلت لك إني سيفك و سلاحك و عنادك وانتِ بوجهي! خليني قدامك لا تتركيني وراك وتخوفيني
هزت راسها بابتسامه تفهم إنه مستعد يخوض الحرب كامله لنهايتها، مستعد يوقف جنبها يده بيدها
مسكت يدينه تفتقد دفاها وابتسم يحس ببرودة يدها كالعادة، مسح عليها يدفيها وتقدمت تحط راسها على كتفه وشدّ عليها يقربها ورفع راسه ياخذ نفس تحوم حوله ريحة عطرها وابتسم براحه ورفعت نظراتها لابتسامته
يكفيها من كل هذا كله شوفته قربها، يبتسم ويضحك لها
بلعت ريقها تتذكر موضوع راجح وانقبض قلبها تجهل كيف تعلمه؟ أخفت عنه سلاح و شافت انهياره كيف لو كان السرّ راجح؟ كيف تنطق بهالخيبه قدامه وهي اللي اعتادت ضحكاته و غمّازاته اللي تحبها؟
٤:٠٠ م

دفعت وجد كرسي حنين بيدها وسكّرت عيونها بيدها الثانيه وخلفها وتين المبتسمه
حنين حاولت تبعد يدها: تستهبلين وجد وخري يدك ما أشوف!
وجد ضحكت تدفعها داخل غرفتها: عندي لك مفاجأة لا تشوفين
ابتسمت حنين من حست بتوقف وجد وسط الغرفة وابعدت يدها عن عيونها تسمح لها تشوف قدامها الباقة على الطاولة وبجنبها البوكس المغلف
قفلت وجد الباب بضحكة: تميم وصّاني توصلك الهدية بكل سرية
ضحكت حنين بذهول وتقدمت تاخذ البوكس تحت نظرات وتين اللي نطقت: افتحيها
فتحت حنين الغلاف تكشف عن محتوى البوكس واللي كان خوذة و شوز خاص لركوب الخيل ولمعت عيونها تناظرها بإعجاب
وجد ابتسمت: ولدنا تحمس و جاب هدية الخطوبة قبل يعرف الجواب
تسندت وتين على التسريحة تناظر تورّد ملامح حنين اللي تتلمس الخوذة
وكملت وجد: تلبسينها اذا طابت رجلك ان شاء الله ورجعتي أقوى رجعه للاسطبل بعد ما تاخذين تميم طبعًا
ناظرتها حنين بعيون لامعه وقلب مضطرب، تدري بإن رحلة شفاءها صعبه و طويلة لكنها تشوف وجود تميم معها و تشجيع وجد لها
وجد ضخّمت صوتها تقلد تميم: ابيها بكسرها ولا كسرت رجلي مثلها، تخيلي إنه قال كذا لأمي!
فز قلب حنين، وأشرت لها وجد: لازم تستخيرين هذا مو صاحي
ضحكت حنين وابتسمت وجد لضحكاتها، وناظرت حنين الورد بشرود ونطقت: اشكريه عني
نفت وجد: ما يبي شكر، يبي جواب ايه أو ايه
حنين غطت ملامحها بضحكة تتعبها ردود وجد وتحرجها
وهزت راسها وجد قبل تطلع من الغرفة: فهمنا فهمنا خلاص لا تصيحين
ضحكت وتين من طلعت وجد وتقدمت لحنين تجلس قدامها
ونطقت: لا تخلين شيء يضغط على قرارك، اذا تحسين رجلك ما تشيلك تقدرين تخلين الملكة بعد ما تطيبين
ناظرتها حنين ثواني ونفت: طول حياتي مع شدّاد كنت مُسيّره، ما اذكر إن كل شيء جاء باختياري إلا هالمرة، اخترت وأنا راضية، حتى قلبي قدر يختار بدون ضغط وبدون إجبار
ابتسمت وتين ترفع خصلاتها خلف اذنها، تفهمها و تفهم إنها "تبيه" تبي تميم بكسرها وألمها و حيرتها، تبيه لأنه تميم
كملت حنين: وقف قدامي بعد موت الرعد يعتذر لي متخيله؟ انشغل عن كل أحزانه وما التفت إلا لحزني، بكيت قدامه ما قدرت أرد وقتها عرفت إنه هو المقصود وهو اللي اختاره قلبي

انفتحت بوابة المزرعة ودخل عناد راجع من دوامه لابس بدلة الدفاع المدني، شال نظاراته يمشي باتجاه البيت وابتسم يلمح راجح اللي يمشي بعصاه وجنبه حاتم
التفت راجح يرحّب: يا مرحبا و مسهلا
عناد تقدم يبوس راسه، ونطق راجح: رحت لدوامك وخليتني مع ذا المجانين
حاتم بمزح: عساني مو من ضمنهم
نفى راجح بضحكة يأشر على تميم ومشاري وبتال اللي جالسين في بيت الشعر
ودخلوا للصالة ترتفع ضحكاتهم، والتفتت حصة: يا جعله حسّ ما ينقطع
ابتسم راجح يجلس بجنبها والتفت: وين البنيّات؟
غالية ابتسمت: لقوا لهم شيء يشغلهم
ضحكت حصة تفهمها وهزت راسها: موضوع ملكة حنين و تميم
راجح ابتسم: الله يتمّم لهم على خير
و التفت يوصّي غالية: علميني يا بنتي عن أي شيء تحتاجونه بالذات حنين تراها تستحي
التفت عناد من سمع صوت خطواتها وابتسم يشوف وتين اللي لفت عبايتها حولها و اتسعت ابتسامتها من شافته
ورحّبت حصة: تعالي يا بنيّتي
مشت تجلس بجنب عناد اللي مد باطن يده يطلبها تمسكها وابتسمت تلبّي طلبه تحضن كفّه بيدها والتفتت تسمع سوالفهم
مشت وجد و بجنبها حنين اللي بدأت تستخدم عكّاز للمشي
وفزّت حصة: بسم الله عليك حنين ليش تقومين من الكرسي
نفت حنين تطمنها: ما عليك يمه العكّاز أسهل لي
غالية: اذا تعورك ارجعي للكرسي
ابتسمت حنين لخوفهم: ما تعورني
ابتسم راجح من التمّوا البنات بجنب حصة، والتفت من دخلت هاجر شايله صينية القهوة
ورحّب بعلوّ صوته: والله هذي شيخة الشيخات
لمعت عيونها وتقدمت تبوس راسه، وضحكت وجد: كل اسبوع شيخه جديدة! اخر مره كانت أنا
هاجر ناظرتها: طاح سوقك خلاص
ضحك راجح وكحّ يمسك صدره و فزّ عناد يعطيه مويه واستمر راجح يكحّ وعقد حاجبه حاتم يفهم إنها نوبة من نوبات مرض أبوه وقام يركض لغرفة راجح
كحّ يضرب صدره وارتبك عناد يكرّر: بسم الله عليك يبه خذ نفس
قامت وتين من بدأ الموضوع يصير جدّي، و فزت حصة تمسح على ظهر راجح اللي استمرّت كحّته لين بلّل الدم فمه
ومسكت وتين قلبها تشوف الدم ينزف من أنف و فم راجح
ارتبكت هاجر تاخذ مناديل تساعدهم، وارتجفت يدين عناد اللي مسح الدم بيده ويكرّر: يبه خذ نفس، بسم الله عليك
حاتم رجع و معه علاج راجح اللي أخذه من يده برجفه ياكله تحت نظرات القلق من عناد اللي ما زالت يدينه ترجف
ناظرت وتين الرجفة بيدين عناد ورفعت نظراتها لملامحه وحواجبه المعقوده، تشوف خوفه و قلقه على راجح وعضت شفايفها
راجح أخذ نفس يضغط على راسه: نسيت أكل حبوب الضغط
حصة أنّبته: ذكّرتك تاكلها كم مره ما طاوعتني! وثقت في حاتم قلت أكيد إنه أعطاك إياه
حاتم اللي يدري إنه مو بسبب الضغط: نسيت يمه
عناد تراجع يمسح صدره: أهم شيء إنك بخير يبه؟
راجح هز راسه يطمنه: بخير يا ولدي
وجد ناظرته بتنهيده: خوفتنا يبه
صدّت هاجر من حست بتجمّع دموعها، والتفت عناد يبتعد عن الصالة بتنهيده ويتجه لغرفته ومشت خلفه وتين بخطوات متسارعه
عند تميم اللي وقف من شاف وجد تمشي باتجاه الاسطبل وركض باتجاهها
وقرّب يهمس: وافقت؟
وجد مسحت على الخيل عناد وناظرته: يبي لها وقت تستخير
تميم: تستهبلين! طيب وش قالت عن الهديه؟
وجد ناظرت لهفته وترقّبه لجواب حنين، وضحكت: اعجبتها
ابتسم والتفت بيمشي للبيت ونادته: تميم!
التفت لها، ونطقت: وافقت ترا
ارتفعت نبضاته، هي الوحيدة اللي تربك نبضاته بعد ما اعتاد ارتفاعها وقت ركوبه الخيل، هالمره حنين عيّشته شعور ركوب الخيل والفوز ببطولة استصعبها أيام طويلة، عيّشته شعور الانتصار والبهجة، شعور الحب واللهفة، بعد ما كان يعد الأيام لبطولاته و تدريباته اليوم صار يعد الأيام لليلة اللي يجتمع فيها مع حنينه، لليلة اللي يرتبط فيها اسمها بإسمه من مدرب ومتدربه لتميم و حنينه زوج و زوجة.

دخل يخلع جاكيت البدله، ودخلت خلفه تناديه: عناد
وقف والتفت لها: وتينه
قفلت الباب وتقدمت بتردّد: بتكلم معك عن موضوع
ناظر الجدّية بملامحها وعقد حاجبه يشوفها تجلس على الكنبه وتأشر له يجلس جنبها
مشى يجلس وناظرها: ماني مرتاح لك يا بنت سلطان وش عندك؟
بلعت ريقها وناظرت ابتسامته وغمّازة خدّه ومدت يدها تتلمّسها بتفكير، شافت خوفه على راجح و ما فاتتها رجفة يدينه و صوته وهو يناديه، خاف على راجح و خافت هي على عناد
التفت عناد يناظر نعناعه اللي جلست بينهم ورفعت وتين وجهه باتجاهها: بقول لك شيء، ناظرني طول ما أنا اتكلم لا تبعد عيونك عني طيب؟
عناد ناظر عيونها: أضيع اذا ضيعت عيونك يا بنت سلطان، غريب أنا و عينك لي وطن
بلعت ريقها بدون رد وانقبض قلب عناد يفهم إن الموضوع اللي بتقوله ما هو شيء عادي
عدّل جلسته يناظرها: وش فيك وتين؟
وتين ما زالت ماسكه وجهه بكفوفها: انت تدري أبوي راجح عنده الضغط والسكر و تعبان شوي
عقد حاجبه وهز راسه بالإيجاب، وعضت وتين شفايفها تطير حروفها و كلماتها
عناد بقلّ صبر: تكلمي وتين
صدّت تاخذ نفس وناظرته: شفت خوفك عليه، خفت يصير له شيء بدون علمك و اعيش عمري كله ندمانه، خايفه يا عناد خايفه
عناد سكت يفهم إن الموضوع يخص أبوه، يخص صحّته تحديدًا
وكرّر: تكلمي
وتين مسحت كفّها على خده: أبوي راجح مريض، أبيك تدري عن هالشيء مني قبل يصير شيء لا سمح الله
قاطعها ووقف: كيف يعني مريض! هو بس عشانه ما أكل حبوب الضغط
وتين نفت ووقفت قدامه: مو بس الضغط، عنده مشكلة ثانية
مسكها من أكتافها يشدّها ناحيته تحس بارتجاف صوته: وش فيه؟
مسكها من أكتافها يشدّها ناحيته تحس بارتجاف صوته: وش فيه؟
وتين تقدمت تحاوط رقبته وتحضنه قبل تجاوبه، تهدّي روعته قبل تروّعه، وغمض عيونه ياخذ نفس: علميني
وتراجعت تناظره تسرد لك الحقيقة: أبوي راجح عنده ورم في الراس
لانت ملامحه يناظرها بعدم استيعاب، وكمّلت وتين: بس ان شاء الله هو بخير، ما ادري عن تفاصيل حالته بس هو
قاطعها يبتعد ويلتفت للباب وأسرعت وتين بخطواتها تناديه بتكرار و سبقته تقفل الباب بالمفتاح وتوقف قدامه
عناد ناظرها و رجف صوته: ابعدي وتين!
نفت و حطت يدينها على صدره تبعده: محد يدري عن الموضوع غير حاتم وهاجر حتى أبوي راجح ما عنده علم إني أدري!
تقدم يحاول ياخذ المفتاح: بروح اشوفه! لازم اشوفه!!
ودفعته من صدره تمنعه: تكفى عناد اهدأ! ان كان لي خاطر عندك لا تطلع لهم بهالحاله وهو تعبان
ناظرها بصمت وبلعت ريقها تخاف سكوته، لكنها تلمس بيدينها ارتفاع نبضاته وسرعة أنفاسه، ترتجف رموش عيونه وتنعقد حواجبه
ما يصدق كلامها لأول مره، يكذّبها، ينكر حروفها و ينفي براسه
ويكرّر: أبوي ما فيه شيء
احمرّت عيونه وصدّ من حس بعبرته تخنقه، نزل نظراته لدم أبوه بيدينه، يتكرر مشهد نوبته في الصالة، يفهم سبب صداع راجح المتكرّر، فقدانه للشهّيه، الأرق اللي يعيشه كل ليلة، و شحوب ملامحه
مسك عناد راسه وتراجع يمشي بالغرفة يشد خصلاته بين أصابعه
ونطق بحسره: كيف ما انتبهت! كيف ما لاحظت
وتين تقدمت بخوف تشوفه ينهار ويضرب المرايا اللي اهتزت تلطّخها قطرات الدم من انجرحت يده
وتقدمت وتين تمسكه تمنعه يأذي نفسه أكثر: عناد!
وناظرها بتعب: كيف ما دريت إنه يعاني؟ كيف؟
تقدمت تحضنه بقوه: ان شاء الله إنه طيّب، أبوي راجح قوي و عنيد مثل عناد!
ابتعدت تمسك يده المجروحه وتسحبه للكنبه بعد ما أخذت كومة المناديل تضغط بها على جرحه وتمسحه
و صدّ يمسح وجهه بيده الثانية يمرّرها على شنبه و ذقنه بتنهيده ولاحظت وتين رجفة أصابعه تدري إنه وده ينهار، وده يصرخ ويلوم ويبكي لكنه يتلبّس الثبات
ثواني والتفت لها: كيف دريتي؟
وتين: دريت من هاجر، سمعت أبوها وهو يتكلم عن علاجات وأدوية
عناد عقد حاجبه بضيق: يعلم حاتم وما يعلمني
وتين ناظرته: ما ألومه! ما شفت نفسك في عيني وانت تضحك؟ كنت بضعف وأخبي عنك، وحتى هو ما يبي يضايقك ما يبيك تشيل همه و تناظر له بحزن
سكت يسمعها تواسيه، تخفّف لوعة قلبه، تعلّمه إن راجح يطيب اذا طاب خاطر عناد، يضحك إذا ضحك عناد، كيف لو شافه حزين وضايق؟ وهو اللي اعتاده ضحوك و بشوش الوجه؟
رفعت يدها تتلمّس خده: يخبّي عنك عشانك وعشان نفسه، تزين نفسيته إذا شافك تدري؟ انا علمتك عشان يكون عندك خبر، عشان تسنده وانت قوي و تقوّيه، اسأل حاتم اذا ودك تتطمن عليه، وخلك مع أبوي راجح وأنا معك
تقدم يسند ذراعينه على ركبته ويدفن وجهه بين كفوفه بتنهيده
ناظرته وتين بضيق تدري إنه يحترق من داخله على أبوه، يخاف وخوفه باين من صوته و رجفة يدينه، ترعبه فكرة إن الورم ينهش بجسد أبوه ويأكل من عمره وهو ما بيده حيله
وتين نطقت تكسر الصمت: ناظرني عناد قلت لك لا تبعد عيونك
ناظرها وبلعت ريقها تشوف الذبول بعيونه، ونطقت: نروح البحر؟

نادت وجد: هاجر!
صحت هاجر من شرودها والتفتت لوجد اللي تورّيها صورة فستان بجوالها
وكرّرت سؤالها: وش رايك فيه لملكة حنين وتميم؟
هاجر ناظرته وهزت راسها: حلو
حنين التفتت لهاجر: تعبانه هاجر؟ وش فيك مو على بعضك
نفت هاجر تطمنها: بس خمول
وابتسمت هاجر تحاول تطرد أفكارها وتسولف: ما وريتيني فستانك؟
حنين ابتسمت: وتين بتصممه لي
هزت راسها هاجر والتفتت لتهاني اللي مشغوله في جوالها تكتب
ونادتها تجذب انتباهها: من جلسنا وانتِ على جوالك مين تكلمين؟
تهاني قفلت جوالها؛ أدور لي فستان
حنين سألتهم بتوتر: راح يجون ناس كثير زي يوم زواج وتين وعناد؟
وجد ابتسمت ونفت: في الملكة محد راح يجي إلا اهلنا والقريبين، بس إذا طابت رجلك أمي حصوص متحلفه ترقصين معها على الكوشه قدام جماعتنا وأهل الخبر كلهم
ضحكت حنين، وابتسمت وجد تناظر جوالها ترجع تنشغل فيه
ثواني والتفتت لهاجر تورّيها: شوفي مو هذا البراند اللي يحبه مشاري؟ منزلين كولكشن بلوفرات
ناظرت هاجر وهزت راسها: ايه هو نفسه
وجد طلبت لمشاري منه باعتياديه: باخذ له منهم يغيّر عن البلوفرات اللي عنده
ناظرتها هاجر ثواني وسألتها فجأة: ما علمتيني وش صار على سعود؟
تلاشت ابتسامة وجد ما تبعد عينها عن جوالها: تسرعت بالحكم عليه
شهقت حنين: يعني ما عاد فيه وينه سعود القلب؟
سكتت وجد تستحي تعلمهم عن استغلاله لها وخداعه
ونطقت هاجر: تسرعتي بالحكم عليه ولا في قلبك غيره؟
ناظرتها وجد بصمت، ووسعت حنين عيونها بذهول: فيه سعود ثاني؟
غمزت هاجر لوجد تأشر لها على جوالها: البلوفرات، اطلبي الأزرق يحبه
شهقت حنين و مدت وجد رجولها تحاول ترفس هاجر: تبين اسدحك عند حنين وتتشاركين معها العكاز؟
حنين ناظرتها: بدون تجريح واطلبي البلوفر وانتِ ساكته
ارتفعت ضحكاتهم والتفتت تهاني من سمعت صوت الباب تشوف خروج وتين مع عناد وعقدت حاجبها من شافت تشابك يدينهم
التفت عناد لبيت الشعر بصمت ولاحظت وتين نظراته
ونطق عناد: ودي اشوفه قبل نطلع
وتين هزت راسها بتفهّم: بنتظرك
مشى عناد لبيت الشعر يسمع ضحكات العيال وصوت راجح اللي رحّب بعناد من شافه
ابتسم وتقدم يجلس بجنبه وطبطب راجح على كتفه: ما نمت عقب تعب الدوام، عسى ما تعبت!
ناظره عناد بصمت، يشوف نظرات القلق بعيون راجح اللي شال هم تعب عناد و تناسى تعبه
يشوفه يلتفت للعيال وينطق: صبوا لعناد يطيب راسه، عطوه من التمر زين لصحّته
أخذ فنجاله والتفت لراجح المبتسم، كان المكان مزدحم بأصواتهم، سوالف حاتم وبتّال وصرخات مشاري وتميم يتبعها صوت معلّق المباراة اللي ارتفع من شاشة التلفزيون، لكن بالنسبة لعناد كان الهدوء قاتل، وكأنه يشوف المشهد من خلف الكواليس، يدري عن تعب راجح اللي يخفيه خلف ابتسامة باهته، يدري عن قلق حاتم اللي يخفيه بثرثرته مع العيال، وهو؟ يخفي معرفته خلف ملامح الجهل

التفتت وتين للبنات بالحديقة وتقدمت لهم
حنين التفتت لها: تراضيتوا أخيرًا
وجد بضحكة: ليتكم طولتوا شوي كنتم تضحكوني
حنين ابتسمت: حتى انا ضحكوني بس كنت خايفه اضحك عند وتين وهي معصبه
وجد ناظرت هاجر: تخيلي جيناهم للبحر كل واحد فوق راسه شياطين، وحتى وتين رمت مفتاحه بالبحر
عقدت تهاني حاجبها وصدّت: طفله!
وتين سمعتها، ونطقت هاجر تتدارك الموقف: ليش تخاصمتوا؟
وتين رفعت يدها تشكّل سلاح باصابعها: رميت شدّاد وزوجته
وصوّبت يدها لتهاني بتهديد وتكمل: نثرتها حولهم وما رمشت عيني
تهاني اللي استفزّها أسلوب وتين: فقدت جنينها بسببك ما عندك ضمير؟
هاجر ناظرت تهاني بصدمه من فهمت إنها تتواصل مع فريدة
ونفت وتين: فقدته بسببها هي و زوجها! مافي أُم ترضى تأذي بنت بريئة وتكسر حلمها! المفروض خافت على بنتها من الشر اللي تسويه في بنات الناس
تهاني بحقد: انتِ مو أقل منها شر
وتين لانت ملامحها: أنا كنت أخاف على الطير لا طاح ريشه وأبكي عليه، تعرفين وش معنى "كنت" ابكي؟ الطفلة اللي ناديتيني بها هم موّتوها، حرموها حتى من البكاء
عقدت حنين حاجبها بضيق تسمع الغضب بنبرة وتين اللي تراجعت من وصلها صوت عناد يناديها
التفتت ومشت ولانت ملامحه يشوف الغضب بعيونها
ومسك ذقنها يلفّها له: وش فيك؟
وتين مسكت ذراعه: مشينا
عناد التفت باتجاه البنات يرفع صوته: وش فيها!
وتين سحبته وكرّر عناد سؤاله يناظر البنات: والله لو أدري إنكم مزعّلينها
قاطعته وتين: خلاص عناد
ولوّحت وجد لهم: الله يحفظكم
طلعوا والتفتت حنين لتهاني بغضب: لا تتكلمين مع اختي كذا! ما أرحمك يا تهاني والله ما تشوف عيني ولا أكبر راس فيكم واموّتك بيدي تفهمين؟
قامت تهاني ومشت تبتعد عنهم ومشت خلفها هاجر
دخلت الغرفة ودخلت هاجر: تكلمتي مع فريدة؟ وش ناويه عليه تحسبيني غبيه ما أفهم؟
تلاطمت الأمواج وانتشر نسيم البحر بالمكان وجلست بجنبه تتلمّس الرمل بيدينها وتناظر شروده بالبحر ونجوم السماء الواضحة
ابتسمت وتين تكسر الصمت: اخر مره جينا هنا كنا زعلانين
ابتسم عناد يتذكر أصواتهم العالية ونقاشهم الحاد والتفت لها
وسكتت وتين تشوف الهدوء بملامحه والشرود بعيونه، تدري إن باله مشغول عند راجح
وتقدمت تعدم المسافة تحاوط ذراعه بيدينها: تكلم معي عن أبوي راجح، علمني عنه
ابتسم يفهم إنها تحاوله، ودّها تسمعه يتكلم و يخرج عن سكوته
من وين يبدأ يتكلم؟ يعلمها عن السنين اللي قضاها تحت ظل راجح ولا عن النار اللي رمته بأحضانه؟
عناد نطق ينثر حروفه اللي اشتعلت في جوفه: أبوي راجح هو أول شخص عرفته بعد ما فقدت ذاكرتي، أول اسم حفظته كان راجح
عقدت وتين حاجبها بعدم فهم، وكمّل عناد: رمى نفسه وسط النار و شالني بيدينه، ما كنت في وعيي وما أتذكر شيء إلا شوفته واقف جنب راسي في المستشفى، أذكر حروق ثوبه وأدري إن ما وراه إلا لسعات موجعه، يخفي ألمه ويفز لي كل ما ونّيت من حروقي
التفت عناد ينزّل طرف جاكيته يكشف لها عن آثار ندوبه خلف رقبته
تلمّست وتين ندوبه، وكمل عناد: مسح علي وقتها و نسى حروقه، فقدت قدرة الكلام و تكلم لسانه بدالي "عناد يبي مسكن يا دكتور، عناد يعوّره راسه، عناد جوعان يا حصة"
بلع ريقه يحس وكأنه يبلع جمره: شدّ ظهري و علّمني إن الصوت ولو راح يبقى له صدى، علّمني إن الندوب ولو إنها توجع تقوّي، علّمني وما انتظر مني ردّ، يردّد "عناد رجّال، عناد قوي، عناد ولد سيف"
امتلت عيونها بدموعها من سمعت نبرة الحزن بصوته
وناظرها عناد: علّمني إن أبوي سيف وأمي عايشة، يردّدها علي كل يوم وكأنه يعلمني إن حتى لو فقدت الذاكرة ما نسيتهم
مسكت كفّه تلمّها بين كفوفها تسمعه يلفظ كل اللي في جوفه
عناد ناظرها: وبعد سنتين من الصمت نطق لساني وأول من ناديت كان أبوي راجح، ناديته يوم زلقت رجله عند باب المزرعة، خفت عليه لأول مره
وابتسم عناد للذكرى القديمة: ما اهتم لألم رجوله من طيحته وبكى من سمع صوتي، وبكيت أنا أحسبه متعوّر
وتين تقدمت تبوس غمّازته وناظرها بذهول تصدمه بحركتها وسط كلامه، وابتسمت: كمّل
ضحك وصدّ للبحر بتنهيده: أبوي راجح شخص عظيم بعيوني ما ينصفه كلام مهما طال
وتين سندت كفها على خدها: وأمي حصوص؟
عناد ناظرها: لو بتكلم عن أمي حصوص بيصبح الصبح ما سكت
وتين: لا تسكت، لا تسكت يا عناد بسمعك
عناد مد يده يفرد رجولها ويحط راسه عليهم وابتسمت تحط يدها على شعره
ونطق بتنهيده: أمي حصة تلمس الجرح يبرى، تزرع بدال الشوك ورد، وتخلّي طعم المُر حلو
ابتسمت وتين تفهم كلامه، جربت لمسات حنّيتها، ذاقت مُر أعشابها وتلذذت بحلاوتها
عناد رفع نظراته لها: مع إني ما قد طلبتها شيء من صغري إلا إنها تعرف وش يشتهي خاطري، ما فرّقت بيني وبين عيالها، حطت مصروف المدرسة بيدي كل يوم، درّستني، لمّتني عن التعب و سهرت تداريني وما اشتكت
ابتسمت تتلمّس خصلاته، وسكت ثواني يناظرها ونطق: وانتِ؟
وتين: أنا وش؟
عناد اللي ما فاته ضيق عيونها: وش مزعّلك
وتين تنهدت و رفعت راسها تناظر البحر، تدري إنه يقراها وما يرتاح له بال لين ينبّش في جوفها ويبعد الضيق عن وتينه
وتين: يزعّلني إني لبست الشر مثل لبسي للثياب، سعيت عشان أعيش، وضيعت أيام عمري عشان انتقم وما جنيت إلا كسور، و في الأخير ماتت روح بريئة
سكتت وعقدت حاجبها بضيق يأثر عليها كلام تهاني ويوجعها
وقام عناد يعدل جلسته: ما ماتت بسببك! كل اللي صار إن حقد أمها والغل في قلبها ما قوى يشيل براءتها
وتين نزّلت نظراتها للرمل بعقدة حاجبها: مع إنهم انتظروا الضنى سنين بس ما قد رحموا صغر سنّنا، بكّانا اليُتم، شكينا الظلم، و كبرنا مع كل شهر سنه
وتين ضحكت وناظرته: ما عشت طفله تدري؟ يوم بكت حنين تبي دُميه خيّطتها لها بيديني، أكلنا الحلويات خلف جدار البيت، جمعنا الجرايد ندوّر بين سطورها قصة تنوّمنا
اقترب يمسك وجهها بين كفوفه يبوسها ويقاطعها، وابتسمت تفهم إنه يردّ لها حركتها
ونطق يصحّح كلامها: لبستي الخير مثل لبسك للثياب، وشفت خيرك مع اختك، و معي
وتين بتساؤل: معك؟
رفع يده يأشر على دبلته بإصبعه: هذا أول خير لمسته يديني
لمعت عيونها تفهم إنه يقصد جيّتها لحياته أكبر خير، جت مثل الضنى بيدين محروم، جته تشاركه نار جوفه و تخفّفها، مثل ما هو جاها يعوّضها سنين الفقد و العناء.
وتقدمت تحاوط رقبته بيدينها تحضنه و شدّ عليها يغمض عيونه بتنهيده، يرمي كل ثقل صدره بين أحضانها يهدأ ويسكن ضجيج عقله.
ارتفعت أصواتهم بالغرفة، تستمر تهاني بالإنكار ويرتفع صوت هاجر بالتهديد: ما فيني طاقة للمشاكل يا تهاني! كم مره حذّرتك ونصحتك وما يفيد! والله ما يردني شيء وأعلم أبوي عليك
ناظرتها تهاني بصدمه: تعلمينه!
هاجر هزت راسها: ايه اعلمه وش فيك انصدمتي؟ شفتيني جاهله و أغمض عيوني عن اللي تسوينه طول الوقت تحسبيني بشوفك تأذين وتين و بسكت للأبد؟
تهاني بحقد: ما عرفتيها يا هاجر! ما عرفتي حقيقتها هي أصلًا أخذت عناد عشان تنتقم
قاطعتها هاجر: وانتِ وش دخلك؟ وش تبين؟
صدّت تهاني بتعب، وحذّرت هاجر للمره الأخيره: ارجعي لعقلك!
طلعت هاجر تقفل الباب خلفها بقوه تاركه تهاني تشد على يدها بقهر، يتكرر في راسها كلام فريدة اللي نفثت سمومها بعقل تهاني
جلست على طرف السرير تهز رجولها بتوتر وتغرق بأفكارها

دخلت وجد و عينها على جوالها والتفتت تسمع أصواتهم في المطبخ
نطق مشاري: والله يا عناد سحب علينا سحبه
تميم اللي مشغول يسوي الشاهي كعادتهم كل ليلة: بيجي اخر الليل يدور العود مثل المجنون خلّه
مشاري تسند يناظره: وبكره تتزوج انت وتتغير علي مثله واقعد وحيد
وصلهم صوت وجد: ميشو بسرعه اختار ازرق ولا اسود
فز والتفت، و ردّ تميم: اسود
وجد ناظرته: اوكي بقول لحنين
والتفتت لمشاري تكرّر: اختار!
مشاري بعدم فهم: أزرق
هزت راسها والتفتت تطلع، ورفع تميم صوته: وش بتقولين لحنين؟
وصله صوتها ترد: بقول انك تحب اللون الأسود
طلع تميم بعد ما شال الشاهي: امش للدكّه بس
طلع تميم يشوف البنات بالحديقة وابتسم من طاحت عينه على حنين اللي صدّت تمثل الانشغال باحراج
مشى مشاري ووقف مكانه من شاف وجد جالسه في الصالة لوحدها تطلب له بلوفراته باندماج
ووقف جنبها يلقي قصيدته: يا وجدي وجد منهو طول ليله يتململ، لا رقد ولا تهنّى
وجد رفعت نظراتها له: مين اللي ما رقد ولا تهنّى؟
مشاري تسند يكمل بابتسامه: غايته صعبه ولا عنده وسيله، غير شعرٍ فيه خلق الله تغنّى
وجد: والله انك شاعر المليون بس اشرح لي وش قاعد تقول
مشاري انحنى يهمس: انا اللي ما رقدت ولا تهنيت، وانتِ الغاية اللي قصدتها
لانت ملامحها وارتبكت نبضاتها، وكمّل: سألتيني عن اللون تغافلتي اني أحب الأزرق من حبك له؟ يا الغبيه
ابتسم وتراجع يطلع من الصالة ومسكت وجد قلبها تحس إنه نبت له جنحان و يحاول يطير من جوفها
ومشى مشاري يشوف تميم يصب الشاهي وجلس معه تتسع ابتسامته، تفوح ريحة الشاهي ويتطاير دخان الحطب وسطهم، ترجع لهم لياليهم اللي يحبونها، يسمع سوالف تميم في الدكّة، و يتغنى بأشعاره لوجد مثل العاده، ويتحرّون جية عناد يعزف لهم فنّه.
صباح جديد، أشرقت شمس انتظروا شروقها أيام طويلة
صباح يشبه صبح اليوم الأول من العيد، صبح كتب عنه طلال الرشيد "مع كل صبح يجددني لشمسك حنين" صبح تسطّر بين قصايد فهد المساعد يوم قال "يا ضي في عيوني يمر ويطري على بالي حنين" صبح كأنه أغنية عنوانها حنين، الحنين اللي ما مرّ قلوب العاشقين غير قلب تميم اللي ناظر الساعه بابتسامه ونزل للصالة يشوفهم جالسين يفطرون
الفوضى تملأ الصالة و تنتشر الطاولات والكراسي بشكل عشوائي يتوسطها الورد اللي انتثر ينتظر ترتيبهم له
ونطقت حصة: تعال يا عريس محد موجود غير أنا وأمك وخالتك فاطمة
تميم مشى ياكل اللقمه اللي مدتها له حصة
ونطقت غالية: كلّمت أبوك؟
هز راسه تميم: يقول في الطريق توه جاء من المطار
حصة: الله يصلحه عبدالمحسن ليته أخذ اجازة من شغله من بدري
غالية بتنهيده: يعني ما تعرفينه يمه؟ دام عنده وقت للشغل ماهو تاركه لين ينهيه
حصة ناظرت غالية: كلمي عناد ووتين شوفي وينهم ومتى بيجون

رفعت وتين راسها من سمعت صوت الانذار من الدفاع المدني المُقابل للمحل الخاص فيها
وتنهدت تكلم نفسها: مدري متى بتعوّد على هالصوت
تأففت والتفتت تمسك المانيكان تلبّسه فستان حنين اللي صار جاهز وابتعدت تناظره بعد ما حطّت لمساتها الأخيره عليه
والتفتت تفتح الجهاز تشيك على آخر الطلبات، مو منتبهه للباب اللي انفتح ودخل يمشي على مهله يناظرها مندمجه بجهازها
مشى ووقف خلفها وتراجعت تاخذ نفس وتشرب كوب نعناعها وابتسمت من وصلتها ريحة عطره تدري بتواجده خلفها
ونزل لمستواها يهمس عند اذنها: يا المهووسه
ضحكت ولفّت بالكرسي باتجاهه ورفعت راسها له تشوفه ببدلته
ورفعت حاجبها: متأكده إني سمعت صوت الانذار كيف جيت هنا
عناد تقدم يتسند على كرسيّها يناظرها: تدريب طلاب ماهو بلاغ
ابتسمت تناظره قريب منها، يحط عينه بعيونها كعادته وكأنه يعيش وسطها
ورفعت يدها تلمس خده: حنين تنتظرني، نروح؟
هز راسه وتراجع: حتى أمي حصوص تسأل عننا
وتين قامت تشيل الفستان تجهّزه ومشت مع عناد للسيارة يتجهون للمزرعة تزامن مع وصول عبدالمحسن اللي تهلّلت ملامحه يشوف ولده تميم يستقبله وابتسم يحضنه ويغمره بدعواته
ورحّب راجح: حياك الله أبو تميم
اجتمعوا الشباب في بيت الشعر يسولفون والتفت راجح لبتّال: كلمت ثنيان وعزمته؟
هز راسه بتّال: كلمته وارسلت لراكان و فواز
اجتمعوا الشباب يتقهوون و يقضون وقتهم مع بعض
الوقت اللي ما طاع يمشي بالنسبة لتميم، وطار بسرعة البرق بالنسبة لحنين اللي جالسه قدام المرايا تناظر انعكاس وجد وهي ترتب شعرها لها
التفتوا للباب اللي انفتح ودخلت هاجر لافه راسها بالمنشفة
وشايله بيدها الميكب ترتبه على التسريحة وابتسمت حنين تشوفهم يجتمعون في غرفتها ويتجهزون معها
دقايق قليلة ودخلت وتين شايله الفستان: وينها سندريلا فستانها وصل
ضحكت حنين تستقبل حضن وتين لها، ونطقت هاجر: مو صاحيه! أول مره أشوف عروس تستلم فستانها في نفس يوم ملكتها!
حنين ناظرتها بابتسامه: لأن مصمّمتي وتين فستاني في أمان معها
ابتسمت وتين وتقدمت تحاوط كتف وجد: خليني اكمل عنك
هزت راسها وجد وابتعدت: بروح أشوف اذا يحتاجون شيء في الصالة
تقدمت وتين تكمّل ترتيب شعر حنين المبتسمه وناظرتها وتين من انعكاس المرايا ثواني وسألت: وش شعورك؟
حنين بضحكة: قاعده اعيش شعور ما تخيلت بحياتي أعيشه، قلبي بيوقف
ابتسمت وتين وناظرتها: تحسين بألم في رجلك؟
نفت حنين تناظر جبيرتها ثواني وضحكت: ما تلاحظين انتِ تزوجتي عشان تقهرين شدّاد وانا تزوجت ورجلي مكسوره؟ مدري هو نحس ولا حظ
وتين ضحكت ونفت: النحس بالموضوع هو شدّاد
حنين بتساؤل: والحظ؟
وتين ابتسمت تهمس: حظي هو عناد، وحظك تميم
اتسعت ابتسامة حنين وتورّدت ملامحها، وكملت وتين: تستاهلينه و يستاهلك، بس قولي له لو يزعّلك السلاح صار لعبتي
حنين شهقت: لا تقولين كذا!
وتين رفعت أكتافها بابتسامه: بس أعلّمك، عندي عينين بس ما عندي إلا حنين وحده وما أشوف إلا بها
لمعت عيون حنين بنفس اللحظة اللي لمعت فيها عيون وجد من دخل تميم الصالة بثوبه بعد ما تجهّز وخلفه عبدالمحسن
وتقدمت وجد تحضن أبوها: واحشني!
ابتسم عبدالمحسن والتفت لغالية اللي مشت باتجاههم معها المبخره
ورحّب يناظرها بشوق: هلا بالغالية أم الغالين
ابتسمت غالية باحراج تسمع ضحكات عيالها يتبعها ضحكة حصة اللي رحّبت فيه، تنتشر صدى ضحكاتهم مع انتشار ريحة البخور
والقهوة اللي توزعت فناجيلها على الطاولة مع صحون الحلا والكيك بأنواعه ينكتب عليها اسم حنين مرتبط مع تميم

وقف قدام المرايا يلف شماغه يسمع صوت نعناعه تماوي تحاول تلفت انتباهه والتفت لصوت الباب يشوفها تدخل بيدها صحن أكل القطاوه
سكت يشوفها بفستانها النعناعي وهي تنادي: نودي، نعناعه
تراكضوا باتجاهها وضحكت تحط لهم أكلهم وتسند عناد يناظرها بابتسامه، يدرك تأثيرها عليه يفزّ لها كل ما فيه ويتقدم يلفت انتباهها ووقفت بابتسامه تناظر ذقنه: حلّقت!
تقدم يعدم المسافة ومسك يدها يحطها على خده وناظرت غمّازته اللي برزت أكثر
ونطق عناد: زرعتي النعناع وشربتيه وشرّبتيني إياه، واليوم لبستيه؟ ناويه تزرعينك في قلبي؟
ضحكت واقترب يبوس طرف خدها، وغمض عيونه يحس بتأثيرها عليه أقوى من النعناع، يهدأ صخب أفكاره ويرتفع صخب نبضاته
دقايق وامتلأ مجلس راجح بضيوفه: حياك الله أبو راكان
وابتسم بتّال يسلم عليهم مع تميم اللي مبتسم مثل ابتسامة حنين من وقفت تسندها وجد تناظر انعكاسها
تتأمل حنين بفستانها الأبيض اللي يلتف حول جسمها يبرز جمالها أكثر وابداع تصميم وتين
وجد بذهول: صار يجنن عليك!
ثواني ودخلت وتين بابتسامه: وصلوا الضيوف جاهزه نطلع؟
حنين هزت راسها وتقدمت تمسك يدها تسندها ومشت معها للصالة اللي تزيّنت بالورد وابتسمت حصة ترحّب بضيوفها
حصة ناظرت مريم: الله يسعدك يا أم راكان يوم لبّيتوا الدعوه وجيتوا
مريم ابتسمت: أبرك الساعات شوفتكم
شموخ التفتت من دخلوا البنات ووقفت بابتسامه تسلم عليهم
وتقدمت حصة تحضن حنين: قمر تبارك الله
مريم تقدمت تسلم عليها وتبارك لها وجلست حنين بجنب حصة
لمعت عيون وتين تناظر اختها بفستانها جالسة بين الورد
توزّع ابتسامتها وتستقبل تباريك الضيوف، تشوفها قدامها بفستانها الأبيض كأنها طير رغم كسر جناحها إلا إنها ما زالت تحوم حولهم من فرط سعادتها الواضحه بعيونها

وقف راجح يلف البشت عليه، يمينه حاتم ويساره عبدالمحسن ويلتمّون الشباب حولهم يباركون لتميم
اتسعت ابتسامته يشوف ارتباط اسمه مع حنينه، بعد أيام من الانتظار تبصم حنين بصمتها في حياة تميم
وترتفع زغاريط حصة، وتحضن وتين اختها: مبروك يا روح وتين
دقايق مرّت امتلت بالتباريك والدعوات وكلمات المدح
وانفتح الباب يدخل تميم بجنبه أمه اللي حاوطت ذراعه
ويرتفع صوت الأغنية وتراجعت وجد تصوّر دخوله و ردة فعله من طاحت عينه على حنين اللي واقفه ماسكه يدها حصة اللي امتلت عيونها بدموعها تشوف حفيدها اللي شالته بيدينها مولود و زفّته الليلة عريس
تقدم يبوس راس جدته ونطقت حصة: الله يجعله عقد الهناء والسعاده
تمتم بآمين والتفت أخيرًا تتلاقى نظراته مع حنينه، فرحة أيامه و سُرورها، وارتجفت يدينها من مد يده يصافحها وينحني يسلّم عليها وغمض عيونه يحس بقربها لأول مره، يرتبط قلبها بقلبه واسمها باسمه و يدّها بيده
مدّت غالية الخواتم وابتسم ياخذها يلبّسها خاتمها يلاحظ ارتجاف اصابعها ومسح على يدها يهدّي رجفتها
يمسح وكأنه يمسح على قلبها، يعلّمها إنه صار جنبها بدون حواجز و حدود، يحبّها بالحلال ويشيلها بقلبه بدون خوف، يسند كسرها ويصير لها الضماد والعكّاز
ابتسم من لبّسته خاتمه ورفع يدها يبوسها، واقترب يهمس: والله إني ما حبيت أكثر من الخيل إلا انتِ، يا فرحة تميم وحنينه
شدّت على يده تناظره بحُب، كان لها نار و خيل و صار لها نور و خليل، كان اللقاء صدفة وصارت الصدفه لهم عُمر جديد و حب ما يهزّه كسر و لا يخترق جوفه رصاصه، حب أقوى من الحديد و أرقّ من ريشة الطير
تراجع ووقف بجنبها يناظر فلاش الكاميرا اللي نوّر بوجههم
يلتفت كل ثانيه يناظر حنين بجنبه يتأكد إنها مو خيالاته وإنها صارت له قدامهم كلهم
وابتسمت حنين لحصة اللي تقدمت تحضنها: الله يوفقك يا بنتي
والتفتت حصة تحضن تميم وتردّد دعواتها لهم، وامتلت عيون غالية بدموعها من اقترب تميم يحضنها ويبوس راسها وبجنبها عبدالمحسن اللي تقدم يبارك لحنين: على البركة يا بنتي
لمعت عيونها تسمعه يناديها "بنتي" ياخذها بجنبه مثل وجد ويعدّها بنته رغم قلّ معرفتها فيه إلا إنها آلفت وقوفه بجنبها
يناظرون كلهم للكاميرا اللي نوّر فلاشها تلتقط صورتهم وهم ملتمّين حول حنين
وابتعد تميم يترك للبنات مجال يسلمون على حنين
ومشى مع الجدة حصة للباب يلتفت خلفه كل خطوة
وتقدموا البنات يسلمون على حنين ويباركون لها
ولمعت عيونها من حضنتها وتين وطاحت دموعها
وشهقت هاجر: لا تبكّينها وخري بتصور معها
ضحكت وتين تمسح دمع حنين بأصبعها والتفتت تتصور معهم بابتسامه

دقايق واجتمعوا البنات حول طاولة الطعام اللي امتلت بألذ الأطباق
تختلط أصواتهم مع أصوات ارتطام الملاعق والصحون
وتبتسم حصة لسوالف مريم وغالية، وترتفع ضحكات وجد اللي تسمع سالفة شموخ
شموخ كمّلت سالفتها: لما وصلت الفندق و دخلت اكتشفت ان المدير بتّال هو نفسه الأثوَل اللي دعمني! كان كابوس حياتي
وتين مسكت بطنها تضحك وشرقت هاجر تكح وضربت حنين ظهرها بضحكة وابتسمت تهاني تناظر نوبة ضحكهم
وجد بضحكه: احمدي ربك إن بتّال روحه رياضيه ما يشخصنها مع أحد
شموخ وسعت عيونها: مستحيل! كل يوم يخليني أعيد كتابة التقرير بدون أي سبب! يغثني
ارتفعت ضحكاتهم ومسحت هاجر عيونها: الله يسعدك شموخ من زمان ما ضحكت من قلب
وتين ابتسمت: بس صدقيني، بتّال شخص كويس وطيب قلبه
شموخ بعدم تصديق: امبيه بتّال هذا ساحركم؟ أخواني يوم عرفوا عن الحادث كانوا يبون يطقونه طق وعقب عرفوا بتّال صاروا يموتون عليه
وجد: هو صدق أثوَل بس إنه داعمي الأول في مجال الأعمال
هزت راسها هاجر: بتّال له تأثير كبير علينا مع إنه يغيب كثير بسبب الشغل
وتسندت شموخ تسمعهم يبرّرون لها و يعلمونها عن بتّال اللي ما زالت تجهله
وتين ابتسمت: ما عرفته إلا من قريب بس بتّال ساعد عناد بدون ما أطلب منه و فتح محل لجَناحي بالخبر
شهقت وجد: احلفي!
وتين هزت راسها: المحل توه افتتاح تجريبي، راح أخذكم له من يجهز كله
حنين تقدمت تحضنها: فخوره فيك!
دقايق قليلة وقامت مريم تودّعهم مع شموخ اللي مشت للباب بعد ما سلمت على البنات
بنفس اللحظة اللي وقف بتّال مع راجح يودّعون ضيوفهم
و مشى مع راكان وفواز بابتسامه
طلعت مريم بعد ما لفّت حجابها مع شموخ اللي همست لأمها بتكشيره: يمه، شوفي هذا هو مديري
مريم التفتت لبتّال وتقدمت: استاذ بتّال! كيف حالك؟
بتّال فز من عرفها: هلا بك أم راكان، الحمدلله بخير
مريم ابتسمت: الله يوفقك ويسعدك والله اننا نحبك و عيالي وبنتي دايم تثني عليك، نعم الرجُل و خير مدير
وسعت شموخ عيونها من كذبة أمها، وابتسم بتّال يناظرها وهي صادّه عنه
بتّال: ابد ما حبيتوا الا اللي يحبكم، نوّرتونا والله
مشى راكان وفواز بعد ما سلّم عليه ومشت شموخ تسرق نظره له تشوفه مبتسم لها وصدّت تستغفر بهمس

دخلت وجد مع هاجر للمطبخ ووقفت تشوفها تقطع من الكيك
وسألت: لمين؟
هاجر ناظرتها: مشاري، ارسل لي يبون يحلّون بعد العشاء
وجد التفتت تاخذ صحن تحط له من باقي الحلويات تحت نظرات هاجر المبتسمه
ناظرت هاجر حولها، وهمست: متى تعلميني وجد؟
وجد بغرابه: أعلمك ايش!
هاجر ابتسمت: تحسبيني ما أشوف؟ اعجابك لسعود واعترفتي فيه مع إنه كله كان غلط، ليش الحين يصعب عليك تعترفين؟
وجد بلعت ريقها: يمكن لأنه هالمره صح
ابتسمت هاجر تفهم إن مشاعرها واعجابها بمشاري هو الصح عكس مشاعرها المغلوطه لسعود
وجد كمّلت: هالمره شعوري له مختلف، ميشو اللي كان يستفزني ويضحّكني صار يربكني ويوترني وجوده
ابتسمت هاجر وقطع عليهم دخول مشاري اللي نطق: هاجر وين..
سكت من انتبه لوقوف وجد بفستانها الأسود وتراجع وصدّ بابتسامه
وصدّت وجد بارتباك، ونطقت هاجر: الواحد يتنحنح قبل يدخل!
مشاري حك جبينه: الضيوف راحوا
مدّت هاجر صحونهم وناظرها مشاري: مسكين أخوك يا هاجر مسكين
رفعت هاجر حواجبها: ليش مسكين؟
مشاري أشر بيده على وجد بدون ما يناظرها، يصدّ عنها يدري إنها بكامل زينتها قدامه لكنها مو حلاله، ولا يقدر يتأملها حتى لو ودّه
ونطق: اسأليها هي تدري
طلع بابتسامه وناظرت هاجر وجد بذهول: وش يقول ذا!
وجد مثّلت الانشغال بصحون الحلويات: مدري
بنفس الوقت جلست حنين على سريرها تناظر رسائل تميم لها بابتسامه، تشوف اسمه بجوالها لأول مرة، ما يجمعهم الخيل ولا ياخذون الاسطبل عذر، هالمره يجمعهم رابط الحب وميثاق غليظ انكتب بحبر ما ينمسح، حبر انطبع بين أصابعهم على هيئة خواتم
تلمّست خاتمها بعيون تلمع بنفس اللحظة اللي انسدح تميم يرفع يده قدامه يناظر الدبله باصبعه بشرود
٤:٥٥ ص
في مكان ثاني، رفعت نظراتها عن جوالها بعد ما قرأت رسائل تهاني
وناظرت شدّاد اللي جالس بهدوء يناظر الشاش اللي التفّ على كامل رجله
ونطقت فريدة: حنين اخذت تميم
هز راسه شدّاد بصمت، وكمّلت كلامها: عاشوا حياتهم بكل برود بعد ما ذوّقوني طعم الفقد! فقدت ضناي يا شدّاد ليش ساكت
ناظرها بدون رد، كان ساكت لأنه عاجز يتحرك، رغم الغضب اللي بان بملامحه والقهر بصدره إلا إنه عاجز ياخذ حقه، يزيد حقده على التوأم و عناد وحتى راجح
التفت بجمود: قلتي لبنت حاتم؟

تهاني ناظرت جوالها بارتباك ورفعت نظراتها لهاجر اللي نامت بجنبها بتعب بعد ما سهروا الليل كله
ومشت تطلع من الغرفة تمشي على أطراف أصابعها تترك طرف الباب مفتوح، وتحرّكت هاجر بانزعاج
مشت تهاني بهدوء مثل الهدوء اللي انتشر بالصالة بعد ساعات من الصخب، ناظرت باتجاه غرفة عناد تشوف النور الخافت تدري بإنه وقت خروجه لدوامه والتفتت تناظر خلفها تتأكد من خلو المكان
ومشت للحديقة وتلف شالها حولها وجلست بهدوء تناظر السماء و زُرقتها الداكنه وتستنشق نسيم الفجر البارد

تثاوبت وتين بنعاس تناظره: ما نمت الا ثلاث ساعات ليش ما تغيب!
عناد ابتسم يلبس جاكيت بدلته: تحسبيني جامعي وبزر مثلك اغيب متى ما بغيت؟
رفعت حاجبها: مين البزر؟
عناد أشر على القطوه: نودي
ضحكت وتين وقرّب لها ينحني ويبوسها وابتسمت تشوفه يبتعد وياخذ أغراضه وفتح الباب وناظرها يغمز لها قبل يطلع ويقفل الباب خلفه
مشى والابتسامه ما زالت مرسومه بملامحه وفتح الباب يناظر باتجاه بيت الشعر المظلم يدري إن راجح ما زال نايم
التفت وطاحت عينه على تهاني اللي جالسه بالحديقه وصدّ يكمل طريقه
ونادته: عناد
التفت لها وعقد حاجبه يشوفها تمشي باتجاهه وتناظر خلفها
تهاني: بتكلم معك شوي
عناد صدّ يناظر الفراغ: عندي دوام
قاطعته: دقيقه وحده، اسمعني
تراجع خطوتين وصدّ: بعدين، الوقت متأخر ما يصير أحد يشوفك
قاطعته تتقدم: الموضوع عن أمك، اسمعني عناد
جمد مكانه والتفت لها: أمي؟
تهاني بلعت ريقها بارتباك تتذكر كلمات فريدة لها وهي تسرد لها ماضي عناد وعلاقته بالتوأم، تقرر تسرد له الحقيقة بنفسها وتكسب قُربه الوهمي لها بهالطريقه، تجذب انتباهه لها بهالطريقه
تهاني تشجعت تنطق: بقول لك هالشيء لمصلحتك، أدري إنك تدوّر على أهلك من سنين و لين اليوم تدوّرهم، وأنا عرفتهم
عناد ناظرها يسمعها بدون رد، وكملت تهاني: لأنك تهمني، يهمني تعرف الحقيقه وتعرف أهلك مين
عناد تراجع والتفت يتجاهلها ونطقت تهاني: شدّاد يصير خالك
عناد تراجع والتفت يتجاهلها ونطقت تهاني: شدّاد يصير خالك
وقف مكانه بذهول، وكملت تهاني: أمك عايشة و خالتك جميلة يصيرون أخواته
عقد حاجبه بعدم تصديق: من وين جبتي هالكلام!
تهاني: من فريدة، زوجة شدّاد
سكتت تلاحظ احمرار عيونه وناظرت يدينه اللي يشد عليها
تقدمت و نطقت بتتكلم وقطع عليها صوت هاجر: تهاني!
التفتت بصدمه تشوف هاجر تمشي باتجاهها، وتراجع عناد يبتعد يمشي لسيارته بشرود وملامح مذهوله، ركب السياره تتكرّر كلمات تهاني على مسامعه وينكرها قلبه، يحس بالضياع والشتات وتضيق أنفاسه بسبب تراكم الرماد بصدره، مثل ما تراكمت وتزاحمت ذكرياته الباهته وكوابيسه
يتذكّر صوته الطفولي وهو ينادي في حلمه "خالي شداد"
يتذكّر حيرته و شكوكه، و صوت شدّاد وهو ينطق اسم أمه
"يا ولد عايشة"
شدّ على الدركسون وشغل السياره بيدين مرتجفة، والتفت يحرّك السيارة بسرعه يطلع من المزرعة ويسرع باتجاه مزرعة التوأم شبه المهجورة
نزل يناظر أسوار المزرعة اللي اختفت داخلها ذكرياته و عائلته، واليوم يوقف قدامها وهو يعرف حقيقتها، يعرف أمه، يعرف جميلة و بناتها التوأم، يعرف شدّاد عدوّه، و يعرف وتينه
دخل و فتح باب المستودع يمشي بخطوات متسارعه بين الرماد وبقايا الحريق اللي ما زالت آثاره باقيه، فتح الصناديق يردّد بين أنفاسه: مستحيل، مستحيل!
نثر الصندوق وصرخ بغضب يشوف لون السواد يغطي كل شيء، ما يلقى دليل ولا شيء يهدّي روعته، يشوف ألعاب طفولية، تماثيل وأوراق جرائد و كتب عشوائية
فتح الصندوق اللي امتلأ بالصور المحترقه، يلمح التوأم بعمر الشُهور تشيلهم خالته اللي ما بانت ملامحها، كانت هي الصورة الوحيده الواضحه بين عشرات الصور، شدّ عليها بين يدينه يناظر التوأم و يناظر وتينه بعيون مُحمره يلمع الدمع داخلها بدون ما يسمح لها تبلّل خده
يمنعها تنزل بأي طريقه، يحبسها داخل محاجر عيونه مثل ما يحبس حريق جوفه
ضاقت أنفاسه، و نزّل راسه يتسنّد على الصندوق و ياخذ نفس ويضرب صدره بتكرار، و تنهد بتعب يردّد "الآه" ببحّة صوته
حرفين من الـ "آه" لكنها ثقيله كأنها عشرين عام، حرفين من الآه لكنها تحمل معها حروف الأسى والوجع والفقد
عشرين عام وهو يركض في الفراغ، عشرين عام وهو كأنه غريب يدوّر له وطن، عشرين عام يدوّر جواب لسؤال اشتعل داخله و يحس بلسعاته في كل ليلة يزوره فيها طيف أمه

هاجر مسكت ذراع تهاني: ليش كنتِ واقفه معه هالوقت لوحدكم!
تهاني ابتعدت: اتركيني
هاجر ارتفع صوتها: جاوبيني تهاني
دفعتها تمشي للبيت بغضب وخلفها هاجر اللي التفتت: ما عاد اتحملك تدرين! بقول لأبوي كل شيء
تهاني مسكتها تمنعها: لا تقولين له
قاطعتها هاجر بصرخه: اتركيني!
تهاني بترجّي: هاجر
هاجر ناظرتها بغضب: متزوج يا تهاني! متزوج و زوجته وتين! ما تستغفلينها وتلحقينه حزّة فجر والناس نايمه وتتكلمين معه! وش كنتِ تقولين له علميني وش!
تهاني امتلت عيونها بدموعها: قلت له الشيء اللي المفروض يسمعه من زمان! قلت له عن اللي ما قدر لا أبوي راجح ولا أحد ثاني يقوله
لانت ملامح هاجر من جابت طاري راجح، وكملت تهاني: قلت له عن أهله الحقيقيين
التفتوا لصوتها: أهله الحقيقيين؟
هاجر بارتباك: وتين ما نمتي!
وتين نفت: ما جاني نوم وسمعت أصواتكم
صدّت تهاني، وتقدمت وتين تناظرها: وش قلتي له عن أهله؟ وش يعرّفك عنهم أصلًا
تهاني التفتت لها تشوف نظرات الفضول اللي اختلطت بالغضب
ونطقت تحس بالانتصار: أعرف أشياء كثير ما تعرفينها
تقدمت وتين بغضب، وقاطعتهم هاجر بصرخة: خلاص!
تراجعت تهاني يخوّفها صوت هاجر اللي ارتفع بهالحدّه لأول مره، تصرخ وكأنها تفرّغ اللي كتمت داخلها
هاجر صرخت بقلّ صبر: خلاص! تهاني خلاص ماني ناقصه
تقدمت وتين تمسكها وتهدّيها بقلق بنفس الوقت اللي طلعت فاطمه من وصلها صوت هاجر المنهاره
وتقدمت بخوف: هاجر بسم الله عليك!
بكت هاجر تجلس على الكنبه بانهيار وجلست فاطمة تحضنها
وناظرت تهاني: وش فيها ليش تصرخ!
سكتت تهاني تجهل الرد وتناظر اختها اللي تمكّن الغضب منها يختلط مع حزنها و خوفها، تتعبها فكرة إن تهاني تحاول تفرّق عناد عن وتين، تكره فكرة إنها توجع عناد ووتينه و توجع راجح وتوجع نفسها، تتعبها فكرة تعب راجح اللي كان السبب الأول بانهيارها بحضن أمها
تراجعت وتين تشوف هاجر تهدأ والتفتت لتهاني اللي ابتعدت تمشي لغرفتها، احتدّت ملامح وتين ومشت خلفها
مسكت ذراعها وهمست بحدّه: وش قلتي لعناد؟
تهاني ابعدت يدها عنها: اسأليه بنفسك
وتين تقدمت تمسك فكّها تضغط عليه بأصابعها: وش تبين توصلين له؟
ناظرتها تهاني بدون رد، ودفعتها بعيد عنها ومشت للغرفة تاركه وتين تناظرها بغضب، ما زال تفكيرها مشغول بعناد و تجاهلت تهاني والتفتت تسرع بخطواتها للغرفة وأخذت جوالها تحاول تتصل عليه

في نفس الوقت بمكان ثاني
مشت شايله صينية الفطور تحطها على الطاولة بجنب شدّاد
ونطقت: يالله افطر عشان تاخذ أدويتك
تقدم ياكل وجلست جنبه تناظره بصمت، ثواني وكسر هالصمت صوت الباب العالي وعقدت حاجبها فريدة باستغراب
وعدّل شدّاد جلسته: عطيني العكّاز
ضرب الباب بتكرار ماسك بيده صورة خالته والتوأم، يضرب بكل قوته متجاهل الألم وينادي بتكرار: شدّاد افتح
انفتح الباب وتقدم عناد يمسكه من ياقته وتراجع شدّاد وطاح العكّاز منه
ونطق عناد بغضب يرفع الصوره قدامه: كنت تدري! كنت تدري عن كل شيء
ناظره شدّاد بجمود يدري إن الحقيقه انكشفت له
جن جنون عناد يشوف البرود بملامحه وصفعه يطيّحه على الأرض وصرخ عناد: كنت تعرفني! تعرف عن أمي واستغفلتني
شدّاد ابتسم باستفزاز: أعرفك وأعرف أمك وخالتك وبناتها تدري ليه؟ لأني خالك
عناد نزل لمستواه يخنق رقبته بيدينه: تخسي! تخسي تصير خالي وتخسي يربطني بك دم
صرخت فريدة اللي طلعت من البيت تلف شالها عليها برعب
ونطقت: اتركه!
عناد تجاهلها يناظر شدّاد بعيون مُحمره، ما يشغل باله إلا سؤال واحد يدور في راسه من سنين
عناد شد على رقبته: وين قبر أمي؟
ناظره شدّاد بدون رد، وكرّر عناد يرتجف صوته: وين قبر خالتي؟
فريدة اللي توترت تشوف اختناق شدّاد: اتركه وأعلمك أنا أعرف
رفع راسه لها يدفع شدّاد عنه، وكملت فريدة تسرد له اسم المقبرة
صدّ عناد وحشر يدينه بجيوبه يطلع مفتاحه: تعال معي وعلمني مكانها
شدّاد قاطعه: ما أعرف وينه
وقف مكانه والتفت له: ما تعرف وين قبرها؟
هز راسه شدّاد: دفنتهم قبل عشرين عام وما عاد دخلت المقبرة، ما أدلّه
لانت ملامح عناد يناظره بصمت، ارتجفت يدينه وصدّ ياخذ نفس وكأنه يستنشق دخان ناره، انحرم من أبوه وأمه بعمر صغير، عاش غريب و يتيم يدوّر خيط واحد يعيش على قيده، ضاعت دروبه سنين ويوم لقى درب واحد يمشيه ضيّع قبر أمه وضيّعها
عناد تقدم يمسك ياقة شدّاد ويلكمه بتكرار: حتى قبر أمي حرمتني منه! حتى أمي
صرخت فريدة تسحب شدّاد عنه، وابتعد عناد يسمع بكاءها وهي تنادي شدّاد بتكرار، تحرك شدّاد بألم يمسح الدم عن فمه
وطلع عناد يحس باهتزاز جواله بجيبه ويتجاهله، ركب سيارته ومشى بسرعه يصدح صوت كفراته بالمكان

جلست تناظر جوالها بشرود تتصل عليه وترسل وما يجاوبها لأول مره
تدق بتكرار ويوصلها اللّا رد، ناظرت الساعة اللي قربت لنهاية دوامه و دفنت راسها بين يدينها بتنهيده تنتظره يتصل عليها
تفكر بكلام تهاني وتاخذها أفكارها لعناد
عناد اللي وقف وسط المقبرة يناظر القبور حوله بشرود، يدري إن أمه هنا لكن ما يدلّ مكانها
مشى يناظر القبر اللي قدامه، والتفت يناظر اللي جنبه واللي خلفه
جلس بضعف ما تشيله رجوله، تسنّد بيدينه على الرمل ونزّل راسه وبكى عند القبر المجهول، بكى بكاء النحيب والأنين يحس بتهشّم ضلوعه من ضرباته المتكرره على صدره
ذاق طعم المُر وجرّب حر الحريق، عاش وسط الكوابيس وتغرّب في بلاده سنين، وما بكّاه إلا قبر مجهول يتلمّس ترابه بيدين مرتجفة، كان مثل اللي ركض يتبع الماء ولقاه سراب، يدرك مدى خيبته و ضياعه، يوجعه تصدّع قلبه و رضوضه و خدوش ذاكرته و ندوبه، يوجعه جلوسه على الأرض اللي شالت أمه في جوفها وهو اللي شالها سنين في صدره و ذكرياته.
٨:٣٠ م
أظلمت سماءهم واشتغلت أنوار الاسطبل وممر المزرعة اللي مشت عليه حنين بعكّازها تستنشق النسيم البارد وجنبها وجد المشغوله بجوالها
التفتت حنين لصوت الصهيل وابتسمت تشوف تميم في الاسطبل لوحده
وجد ناظرت جوالها: طلبية بلوفرات مشاري وصلت بروح استلمها
هزت راسها حنين تشوف وجد تركض باتجاه باب المزرعة تستلم بلوفرات مشاري
والتفتت لتميم اللي تقدم يتسند على السياج يناظرها بابتسامه
وتقدمت بعكّازها باتجاهه تشوفه يفتح لها الباب ووقفت تناظره قريب منها
وتقدم يسندها عليه ويمسك ذراعها: جيتي عشاني ولا عشان الخيل؟
حنين ناظرت حولها: وين الخيل؟
ضحك من فهم ردّها ومشى معها ما يصدق تشابك يدينهم، ما يصدق وقوفها بجنبه بعد ما كان يترك مسافات بينه وبينها
حنين ناظرت الخيل البُني اللي مشى باتجاههم بعد ما صفّر له تميم ولمعت عيونها بلهفه
ناظرها تميم يدري بلهفتها وشوقها للخيل: فيك حيل ت
قاطعته حنين وناظرته: فيني حيل
ناظر تميم رجلها: ولو عوّرتك؟
نفت حنين تطمنه: ماراح تعوّرني
تقدم يشيلها وشهقت تحاوط رقبته خوف من إنها تطيح
وابتسم يسندها بيده ويمسك الخيل بيده الثانيه وصعد بخفّه يسمع ضحكاتها من حست بارتفاعهم وتنهد من ثبّتها قدامه
وناظرته باحراج: كيف شلتني! لو شافنا أحد
قاطعها تميم يناظر ملامحها القريبة منه: شلتك بقلبي ماهو صعب علي أشيلك بيدي، خليهم يشوفون
ابتسمت والتفتت من حست بحركة الخيل وتمسكت باللجام وتراجعت تحس بيدينه تحاوطها يتركها تتسند عليه ويمسك اللجام عنها يتحكم بالخيل اللي مشى بهدوء لأجل ما يعوّرها

رش من عطره بعد ما لبس وفتح باب غرفته بيطلع ووقف مكانه من شافها تحط الكيس على الأرض
وفزّت وجد بتوتر: بسم الله احسبك نايم!
نفى مشاري يناظر الكيس ونطق: وش هذا؟
وجد رفعت أكتافها يوترها وقوفه قدامها و ريحة عطره اللي انتشرت حولها والتفتت تبتعد عنه تحت نظراته وابتسم من اختفت عن أنظاره وأخذ الكيس يناظر اللون الأزرق داخله و عرف إنها بلوفراته اللي يحبها، يحبها لأنها من اختيارها
التفت ودخل غرفته يلبس واحد منها والابتسامه ما زالت مرسومه بملامحه
بنفس الوقت فزّت وتين من غفوتها تستوعب إنها نامت وهي تنتظر رد عناد
أخذت جوالها بلهفه ولانت ملامحها تشوف الصمت وعدم الرد
قامت تغسل النعاس عن وجهها ومشت تطلع للصالة تناظر تجمّعهم المعتاد هالوقت
التفتت حصة ترحّب فيها، وتقدمت وتين بقلق: ما كلمكم عناد؟
هاجر التفتت تناظر القلق بعيون وتين، وحوّلت نظراتها لتهاني بحده
حصة ابتسمت تطمنها: ماهي أول مره يتأخر تلقين عنده مهمه أو بلاغ
وتين ناظرت تهاني بدون رد، وصدّت تهاني تبعد نظراتها عنها
ونطقت غالية: ارتاحي أكيد راح لبيته يريّح بعد الدوام
هزت راسها وتين و ما شالت عيونها عن تهاني: تهاني، بغيتك شوي
مشت للحديقة الخارجية، وقامت تهاني تطلع من الصالة تبتعد عن نظرات الفضول
وتين التفتت لتهاني بحدّه: بتعلميني كل شيء قلتيه لعناد وكيف عرفتي عن أهله! كل شيء!
تهاني ارتبكت من حدّة نبرة وتين و نظراتها، تشوف غضبها و قلقها الواضح على عناد المختفي
تهاني تشجعت تنطق: قلت له اللي المفروض ينقال!
وتين بقلّ صبر: ايه وش اللي قلتيه! ليش ما صار يرد!
تهاني نطقت بتجاوبها وقطع عليهم صوت السيارة اللي دخلت أسوار المزرعة تجذب انتباه وتين اللي فزّ قلبها من انتبهت لسيارته
ومشت له تحت نظرات تهاني تشوف عناد اللي وقف السيارة بدون ما ينزل منها
سند راسه على المقعد يشوف وتين تسرع بخطواتها باتجاهه
مشت لشبّاكه المقفول ووقفت تنتظره ينزل لكنه ما نزل
يناظرها بصمت، ينقل نظراته بين ملامحها، هيئتها ووقوفها قدام شبّاكه، يعرفها تمام المعرفة ويشوف فيها أهله، أمه، و خالته
بلع ريقه يحاول يستوعبها، يناظرها وكأنه يناظرها للمرة الأولى
وتين تقدمت بقلّ صبر تفتح بابه: ليش ما ترد!
سكتت من انتبهت لاختلاف حاله، ناظرت الخمول بملامحه و الذبول الواضح بعيونه، وتراب المقبرة اللي لطّخ ملابسه
وانقبض قلبها بقلق: عناد! ليش ملابسك كذا؟
تقدمت تعدم المسافة تشوفه يعدّل جلسته بدون ما يفصل تواصل نظراتهم، وبلعت ريقها تدري إنه مو بخير
وتين مسكت وجهه بين كفوفها: وش قالت لك تهاني؟ لا تخوّفني
سكت يناظرها بدون رد، وكملت وتين: عرفت مين أهلك؟
قاطعها عناد ببحّة صوته: احضنيني
تقدمت بدون تردد تسحبه لحضنها بخوف وقلق، تمسح على ظهره و تهدّي روعته و حزنه المجهول بالنسبه لها، يراودها ألف سؤال و يقتلها الفضول لكنها تمتنع و تصب كامل تركيزها على إنها تخفّف عنه
تسمعه يتنهد وتحس بثقله على جسدها، يشدّها له و يدفن راسه بحضنها أكثر ويغمض عيونه بتعب، بعد ما تخبّط بين أكوام الذكريات و صناديق الرماد و بين قبور المقبرة المجهولة و ترابها
يرمي نفسه بحضنها، يلقى ملاذه و أمانه بعد ما تزعزع عشرين سنة، يلقى وطنه بعد الغربة و يلقى باقي أهله بعد سنين اليُتم
تحت نظرات تهاني اللي شهدت على حضنهم قدامها وكأنه اعلان لخسارتها وفشل خطتها الوهمية
وصلها صوت هاجر: استوعبتي موقعك بحياة عناد؟
تهاني ناظرتها بقهر، وكملت هاجر اللي تناظر وتين وعناد من بعيد: عناد ما يشوف إلا وتين مهما سويتي و حاولتي تنكرين هالشيء، حتى يوم سويتي فيه خير و علّمتيه عن أهله ركض لها، تدرين ليش؟ لأنها من ضمن أهله
بنفس الوقت نطق عناد يجاوب سؤال وتين بعد صمت بدون ما يبتعد عن حضنها: انتِ أهلي
عقدت وتين حاجبها بعدم فهم وتراجعت وشدّ عليها عناد يمنعها تبتعد: خليك
صدّت تهاني تبعد نظراتها عن حضنهم والتفتت تمشي بغضب لمدخل البيت وخلفها هاجر اللي نطقت: وش بتسوين!
تهاني ارتفع صوتها: اتركيني لوحدي!
نفت هاجر: ما بتركك لين اتأكد إنك وقفتي تتواصلين مع فريدة وتتركين وتين و عناد في حالهم! ما يكفي إنك أذيتيهم بحقيقة أهلهم؟
قطع عليهم صوت الباب والتفتوا لوقوف حاتم عنده يناظرهم بجمود
ارتبكت تهاني ونطقت هاجر اللي فهمت إن أبوها سمعهم: أبوي؟
حاتم ناظرهم بحدّه: ادخلوا داخل
هزت راسها هاجر ودخلت بصمت وخلفها تهاني اللي ناظرها حاتم بحدّه وبلعت ريقها تبعد نظراتها عنه
ونطق حاتم بهدوء: لي كلام ثاني معك يا تهاني
ارتفعت نبضاتها بتوتر و اسرعت بخطواتها تبتعد عنه
و حوّل حاتم نظراته لعناد اللي يمشي بهدوء وبجنبه وتين
ورفع صوته ينادي: عناد
التفت عناد لحاتم اللي لمح الذبول بملامح عناد، ونطقت وتين: روح له، بنتظرك داخل
هز راسه يشوفها تبتعد عنهم تترك مجال لحاتم اللي تقدم يناظر عناد بشرود، سمع كلام هاجر وما فاته الحزن بعيون عناد
يدري إن الحقيقة بانت له واللي سردتها له هي بنته
حاتم: تهاني اللي قالت لك؟
نفى عناد يبعد طاريها: عرفت من شدّاد
قاطعه حاتم: أدري ان تهاني تتواصل مع زوجة شدّاد
عناد صدّ ثواني و سأل: مين يعرف غيرها؟ انت؟ أبوي راجح؟
سكت حاتم، وكمل عناد: أمي حصة؟ كلهم يعرفون؟
حاتم بتنهيده: كانوا بيعلمونك بس
عناد قاطعه بقهر: بس وش؟ خبّيتوه مثل ما خبّيتوا مرض أبوي؟
حاتم ناظره بصدمه وسكت يشوف نظرات القهر من عناد
ونطق حاتم: أبوي مريض يا عناد، يعدّ أيامه الأخيرة ظنك بيعلمك بسهوله؟
سكت عناد ونزّل راسه يتعبه طاري مرض أبوه و يضعفه طاري حقيقة أهله اللي ما زالت تنهش عقله
حاتم أشّر على بيت الشعر: تبي تواجهه وتلومه هذا هو هناك يتحرّاك من الصبح
بلع ريقه عناد و مشى لبيت الشعر تحت نظرات حاتم اللي راقبه لين اختفى عن أنظاره والتفت يدخل البيت
ورفع صوته ينادي: تهاني

دخل بيت الشعر وابتسم بخفوت يسمع ترحيب بتّال ومشاري له
وفزّ راجح: تأخرت يا عناد
عناد ناظره بدون رد، وكمّل راجح: وين رحت؟
بتّال التفت: يبه وش فيك نسيت؟ قلت لك إنه في الدوام
راجح عقد حاجبه: الدوام؟ وين يداوم؟
جمدت ملامح عناد وعقد مشاري حاجبه: بسم الله عليك يبه! عناد في الدفاع المدني
سكت راجح يناظره بضياع، رجفت يدين عناد وشدّ عليها يفهم إن المرض تمكّن من ذاكرة راجح و صار ينسى أكبر و أصغر التفاصيل
تعليقات