📌 روايات متفرقة

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 بقلم شروق عبدالله

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 بقلم شروق عبدالله

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن pdf الفصل الاول 1 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن pdf الفصل الاول 1 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1
رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 بقلم شروق عبدالله

رواية غريب يدور في طرف عينها حضن ووطن الفصل الاول 1 بقلم شروق عبدالله


عاش عمر من النسيان
تاهت دروبه
وسط ليل طافي سراجه
يدوّر جواب بلا سؤال
مثل شمعة بلا فتيل
طير مكسور الجناح
يحاول إنه يطير
يحترق جوفه و خارجه بردان
طاحت احلامه من كتف السنين
مثل حلم قديم
عن رحلة غريب يدوّر في غربته أنيس
يلقى فيها سؤال و جوابه
يشعل فتيل شموع ذكرياته
يخيط من الأمل جناح
ويطير لأبعد مدى
حتى ولو عكّر سكون السماء ريح.

الشخصيات

الأبطال:
عناد و وتين

عائلة الجد راجح آل منصور
زوجته الجدة حصة
أبناءهم:

١-حاتم بن راجح (٥٥ سنة)
و زوجته فاطمة (٥٠ سنة)
مشاري بن حاتم (٢٦ سنة)
هاجر بنت حاتم (٢٤ سنة)
تهاني بنت حاتم (٢٢ سنة)

٢- غالية بنت راجح (٤٨ سنة)
زوجها عبدالمحسن (٥٤ سنة)
-تميم بن عبدالمحسن (٢٧ سنة)
-وجد بنت عبدالمحسن (٢٣ سنة)

٣- بتّال بن راجح (٣٠ سنة)

٤- عناد بن سيف (٢٦ سنة)

الخال شدّاد آل عبدالله (٥٠ سنة)
وتين بنت سلطان (٢٢ سنة)
حنين بنت سلطان (٢٢ سنة)
٢٠٠٣ - مدينة الدمام
منتصف شهر ديسمبر، منتصف الليل، وسط المزرعة الضخمة اللي تبعد عن قلب الدمام كيلومترات قليلة، على حدود البحر بمسافة قريبة امتدّت أسوارها اللي تحاوطها أشجار النخيل العالية، يتوسّطها البيت الخشبي بتصميمه الراقي
انتثرت ألعاب الأطفال على الأرض، وشاشة التلفزيون الصغيرة اللي تعرض أفلام الكرتون للأطفال اللي استسلموا للنوم
مشت جميلة بهدوء بين كومة الألعاب، قفلت التلفزيون والتفتت وكتمت أنفاسها بعد ما داست على الدُمية اللي ارتفع صوتها تغني
أخذتها بسرعه وهي تحاول تسكّرها وعينها على سرير الأطفال اللي تحركوا بإنزعاج
بكت الطفلة وتقدمت أمها تهدّيها: حنين البكّايه ليش تبكين؟
خفّ صوتها و التفتت لبنتها الثانية اللي هادية عكس اختها التوأم البكّاية
وبابتسامه: وتيني؟ وتين قلبي ما تبكي
التفتت لولد اختها صاحب الست سنوات اللي نايم بينهم
قربت تمسح على راسه وانسدحت بعد ما تلحّفت وغفت بتعب
انتشر صوت الهدوء عدا صوت عقارب الساعة
تمرّ ساعات الليل بكل صمت وسكينة
ساعة
ساعتين
كسر هالهدوء صوت الارتطام يتبعه شرارة انتشر لهبها بكل زاوية
وسط الصالة اللي كساها الدُخان اللي تسرّب أسفل باب الغرفة
تحركت جميلة من حسّت بالحرارة وفتحت عيونها
ارتجف قلبها وصرخت تنادي أخوانها: شدّاد ، عايشه!
ما وصلها ردّ وفزّت لبناتها التوأم تشيلهم بخوف، والتفتت حولها تدور الطفل الصغير واللي كان فراشه فارغ
ركضت برا الغرفة شايله التوأم وتنادي: عايشة!
كحّت بكتمه وحضنت توأمها والتفتت تمشي للباب بصعوبة
تحاول تنقذ بناتها بأي طريقة، تراجعت من حسّت بالباب ينفتح ويدخل أخوها شدّاد المرتعب
تراجع شدّاد بخوف وهو يشوف النار تاكل كل شيء قدامها
و صرخت جميلة تمدّ التوأم لشدّاد: خذهم بعيد! بنادي عايشة
شدّاد شال التوأم وسط الدخان وطلع برا البيت بدون ما يلتفت وراه، ركض بين أشجار النخيل يسمع صوت الناس اللي تجمعت حول المزرعة الملتهبة ويحاولون يخمدون نيرانها
التفت شدّاد يراقب البيت من بعيد برعب، وسع عيونه اللي انعكس فيها لهب النيران وانهيار البيت الخشبي، واختل توازنه يطيح بالأرض ما تقوى رجوله تشيله
و بكت وتين الصغيرة اللي ما تبكي، وتين قلب أمها بكت
أكواب الشاي الذهبية اللي كانت شهيدة على أخر جلسة عائلية تحوّلت رمادية، بقايا روج عايشه على طرف الكوب انمحت، كوب شدّاد اللي ينساه لين ما يبرد كالعادة انسكب وتبخّر بين النيران، وارتفع صوت الدمية تغني للمرة الثانية بعد ما انهار جسد جميلة عليها، اختفى صوت الدمية وماتت عايشة.
"‏وأموتُ.. لا يدري أحد
هل عشتُ يومي في شقاء
أم نمتُ أحتضن الكبد
هل في عيوني دمعةٌ؟ أم نارُ حزنٍ تتقِد؟
٢٠٢٤ - مدينة الدمام

تبدّد ظلام الليل يعلن بدايات الفجر وشروق شمس الدمام الدافية
وسط المزرعة الضخمة، انعكست أشعة الشمس على شباك الغرفة المفتوح تنوّر زواياها اللي امتلت بالصور المعلّقه على جدرانها، صورة لجسر لندن الشهير، صورة للثقب الأسود والكواكب الشمسية، وصورة للمغنية الأجنبية تايلور سويفت
والمانيكان بالزاوية اللي غطّته الأقمشة بشكل عشوائي، وبجنبه انتثرت دفاتر القصائد ورسومات الفساتين وأدوات الخياطه
مشت بين اغراضهم المتراكمة ورمت نفسها على السرير وكحّت اختها تأنّبها: وتين ما تشوفين الغبار؟
ضحكت وتين مستمتعة كالعادة على عصبية اختها التوأم
وتنهدت وهي تتأمل المكان: يمه يا حنين! متخيّله هالمكان كان فيه حريق قبل تقريباً عشرين سنة وماتت عائلة كاملة
حنين اللاهية بشنطتها تنهدت والتفتت لوتين: مع انهم رمّموا المكان بس اشتقت لبيتنا في الخبر أحلى
وتين ابتسمت تلطّف الجو: بالعكس يفتح النفس وجنبنا البحر!
حنين ضحكت باستهزاء: واثقه ان شدّاد بيخليك تطلعين له
وتين اللي قامت ترتب أدوات الخياطة اللي تستخدمهم لتصاميمها: تكفين خليه ينطم! ما بسمح له يحرمني اشوف الطبيعة وأشم ريحة البحر!
ابتسمت حنين لحب وتين للطبيعة: بنطلع، حتى لو بغيتي نزرع نعناع ونسوي أحلى شاهي منعنع عشانك
وتين ابتسمت: عمري الحنونين اللي ماخذين من اسمهم نصيب
حنين ضربتها: ماله دخل! اسمي حنين مو حنان
وتين تسنّدت على الجدار بضحكه: كله واحد
حنين بإصرار: لا! اسمي معناه الشوق و الاشتياق
وتين ابتسمت: ووتين؟
ردّت حنين: شريان القلب اللي اذا انقطع يموت الانسان، وانتِ وتين قلب حنين
وتين ضحكت وسكتت ثواني وسألت: و شدّاد؟
حنين بقرف: يعني الشديد القوي
وتين رفعت يدها وتعدّد بأصابعها: المتشدّد، الشايب، المتنمّر، العنيف، الغبي
حنين بصوت عالي: المتخلف!
ضحكت وتين وارتفعت معها ضحكات حنين المستمتعه
ورجعوا يكملون ترتيبهم لشنطتهم، قضى يومهم الأول بالمزرعة بين أغراضهم، يرددون معاني الأسماء، ويشتمون خالهم شدّاد اللي رفع الفأس وضرب الخشبة بكل قوته وتكسرت
وضرب مرة، مرتين وثلاث ورمى الفاس بتنهيده
دخل جوا البيت ينادي: وتين!
وتين تأففت بملل: ما يعرف يسكت شوي
ضحكت حنين، ونادى شدّاد: وتين
وتين طلعت للصالة تناظره: نعم
رمى نفسه على الكنبه: خذي الحطب اللي برا ودّيه للمستودع الخارجي نحتاجه للشتاء
وتين ناظرت الحطب: شدعوه تبيني اشيل كل هذا؟
قرب منها باستفزاز: ما تقوينه؟
قرب منها باستفزاز: ما تقوينه؟
وتين ناظرته بتحدّي متجاهله نبرة صوته المستفزه، و نظرته القاسية
أخذت الحطب الثقيل وشالته ومشت للمستودع الخارجي
دخلت المستودع و رمت الحطب بالأرض بقهر: الله يقص لسانك وش طوله
تأففت وناظرت حولها، انقبض قلبها وانكتمت أنفاسها بعد ما استوعبت بشاعة المكان، جدران سوداء، أثاث محترق، زجاج متكسّر، كتب قديمة وكتابات ورسومات طفولية، و فأر في الزاوية
كشّرت ملامحها تناظر الفار بقرف، والتفتت تمشي بين الصناديق السوداء تناظرها بفضول
انتبهت لبرواز الصورة شبه المحترق، أخذته تحاول تناظر أصحاب الصورة
ما كانت ملامحهم واضحة، لكنها تشوف أطفال بأحضان أمهاتهم
الحضن اللي تجهله وما تعرف شعوره، شردت بالصوره وتراجعت من حسّت بالفار اللي تحرّك من مكانه
وأشّرت تهدد: لا تقرب، أدوسك لين تختنق يا قبيح
التفتت من وصلها صوت حنين تناديها وطلعت من المستودع بعد ما أخذت نظره أخيره للمكان
استنشقت الهواء النقي عكس كتمة المستودع، والتفتت لحنين اللي كانت تدوّرها
حنين تقدمت تناظر باب المستودع باستغراب: وين كنتِ؟
أشرت وتين: هنا، المكان غريب
حنين مشت للباب بفضول، ونطقت وتين: ترا فيه فار، كبر راس شدّاد
ارتجفت حنين تبتعد عن الباب بصرخه وضحكت وتين

بمكان ثاني يبعد عن المزرعة مسافة قليلة
انفتحت بوابة المزرعة الكبيره بطابعها الراقي والتراثي اللي تتوسّط أشجار النخيل والمُطلة على اسطبل الخيول الواسع والمُرتب، دخل بسيارته السوداء
وابتسم من لمح تميم اللي راكب على الخيل ويلوّح له من الاسطبل
وفتح الشباك يسمع مشاري يناديه: عناد! تعال شوف مهرنا الجديد
رفع حاجبه عناد ونزل من السيارة ومشى لمشاري وتميم اللي نط من الخيل يسلم عليه
وتقدم يمشي معه يورّيه صغير الخيل اللي مرّت أيام قليلة على ولادته
وابتسم عناد ينزل لمستوى المهر الصغير: وش سمّيته؟
تميم ابتسم: سمّيته عناد، عليك
ضحك عناد يطبطب على الخيل والتفتوا للصوت اللي وراهم: عناد، حيّ الله بطل المطافي!
فزّ عناد من سمعه يناديه باللقب اللي يحبه، وتقدم يبوس راسه ويسلم عليه بلهفه
وابتسم مشاري: ايه يا جدّي! تفز وتشتاق لعناد ما كأني حفيدك
ضحك راجح يمسح على كتف عناد: عناد غير وكلكم تدرون
تميم ضحك وتقدم يسلم على جدّه: الشكوى لله ما نقدر نقول شيء
سأل راجح تميم: خوالك موجودين؟
تميم هز راسه يأشر على بيت الشعر اللي خلف الاسطبل: ينتظرونك
حاوط راجح كتف عناد يمشي معه لبيت الشعر: تعال نشوف علومك! غبت عني اسبوع كأنه دهر
ابتسم عناد لراجح اللي من صغره شرّع له أبواب بيته واستقبله بأحضانه بدون تردّد، وأخذه بين ذراعينه وكأنه واحد من عياله وأحفاده، وعاش عناد وكبر تحت ظل راجح ووسط مزرعته.
جلس الجد راجح وبجنبه ولده الكبير حاتم اللي يمسح على شنبه ويناظر عناد الواقف يسولف مع تميم ومشاري
وأصغر عيال راجح بتّال اللي دخل مبتسم: صباحو بابا
راجح رفع حاجبه: تكلم زي الناس والمسلمين
تقدم بتّال يبوس راس أبوه راجح ويسلم على أخوه حاتم
وجلس معهم: أشوف المكان منوّر إثر عناد جاء
عناد ابتسم يناظر راجح: يبه اشتاق لي و جيت
راجح هز راسه: مشتاق يا عناد مشتاق، وكل مره بترجع ومكانك ثابت
صدّ حاتم بملل من حب أبوه لعناد وتعلقه الشديد فيه رغم انه مو ولده
بتّال ناظر عناد: كيف أمور بيتك الجديد؟
عناد: أبشرك تمام و البيت مثل ما بغيته
ابتسم الجد راجح يتأمل عناد بفخر، عناد اللي كافح واشتغل واجتهد عشان يعتمد على نفسه، اشترى لنفسه بيت وسيارة بدون ما يطلب ريال من راجح رغم ان راجح ما يقصر معه ولو طلب منه عيونه يعطيه
دقايق وقام عناد يستأذنهم وطلع لغرفته اللي كانت بالدور الأرضي من البيت بعيده عن باقي الغرف
والتفت حاتم لأبوه: عاجبك؟ يدخل المزرعة وبناتنا فيه؟ عناد ما عاد هو البزر اللي تعودنا عليه، ما تشوف خط شاربه؟
راجح هز راسه: عاجبني، وبناتنا ما عليهم خوف عناد ما هو غريب، و خط شاربه دليل انه رجال
تأفف حاتم وصدّ يناظر العيال اللي واقفين عند الاسطبل
بتّال ابتسم يناظر المهر: سمّيته عناد؟
هز راسه تميم: عناد سميّ العناد
بتّال بابتسامه: عساه ياخذ صفات العناد ويفوّزك ببطولاتك
تميم ناظر الخيل بشرود وابتسم يتخيل فوزه وفرحته بالبطولة
بنفس الوقت دخل عناد غرفته اللي عاش فيها طفولته ومراهقته، تنهد ورمى نفسه على السرير وهو يحس بالكائن اللطيف يدخل بحضنه
ابتسم لقطوته وهمس: كاتي، اتركيني أنام
دقيقة، دقيقتين، ثلاثين دقيقة وكابوسه المعتاد صار ضيف النوم الليلة، عقد حواجبه، تصبّب العرق من جبينه، تحرك بانزعاج واضطربت انفاسه
طفل الست سنوات يبكي ويركض بخوف بين ألسنة اللهب
يهز كتف أمه ويناديها ببكاء، خشبة ملتهبة تعلن استسلامها للأرض ودلّت طريقها له، ونّ بألم وفزّ من نومه وهربت قطوته من حضنه
مسح عناد على جبينه بتنهيده يناظر الفراغ بصمت
وقام يغسل وجهه بتكرار، يطرد أفكاره الوهمية
طلع من الغرفة يسمع ضجة البنات وأصواتهم في الصالة الكبيرة اللي متجمعين فيها كالعادة
وتنحنح وفزّت الجدة: عناد حبيبي تعال
عناد ابتسم يشوفها تقوم له بعصاها اللي ترتكز عليه
ومشى يسندها: أمي حصوص أمداك عجّزتي! رحت اسبوع ما طولت
ضربته حصة بعصاها: لا عاد تروح
ووصله صوت غاليه: عناد تعال تقهوى
عناد نفى: لا يا خالتي، طلعت اجيب لي مويه وبرجع انام
والتفت لجهة البنات: وجد عندها بنادول؟
وجد اللي كانت أقرب البنات لعناد وتعدّه بحسبة تميم أخوها
فزّت لشنطتها: أجيبه لك
الجدة حصه ناظرت السواد تحت عيونه: رجع لك الأرق يا وليدي؟
ابتسم عناد لكلمة "وليدي" اللي تكررها حصه له أكثر من أولادها
وسحبته حصه تمشي معه للمطبخ: تعال أسوي لك ذاك البابونج اللي يحبه قلبك
مشى عناد معها للمطبخ بعد ما أخذ البنادول من وجد
ورجعت وجد تجلس بالصالة تسمع سوالف أمها غالية مع زوجة خالها فاطمة
وبجنبها هاجر اللي همست لاختها تهاني: سمعتي؟ تقول فيه أرق
تهاني ناظرتها بقلق: تتوقعين تعبان؟
هاجر كتمت ضحكتها تشوف ملامح الخوف والقلق بعيون تهاني
.

٦:٠٠ صباحًا
همست وتين اللي فتحت الباب: يلا حنين لا يصحى شدّاد
حنين مشت مع وتين على أطراف رجولها بعد ما قرروا يتمشون بالمزرعة
طلعوا يمشون بين أشجار المزرعة اللي بانت ملامحها بسبب النهار الساطع، استنشقت وتين ريحة الجو النقي ومُلوحة البحر اللي تشمّ ريحته لكن ما تشوفه
التفتت حنين حولها تستكشف زوايا المزرعة وأشرت: هناك! نزرع نعناعك
ابتسمت وتين لتركيز اختها على كل تفاصيلها وتفضيلاتها
وكملت حنين تعدّد لها: ونزرع ليمون وإكليل الجبل بعد!
هزت راسها وتين ومشت مع حنين للمستودع اللي أرعب قلب وتين ليلة أمس
فتحت حنين الباب وطلّت بفضول تشوف لون الرماد بالجدران
وتقدمت تناظر الأثاث المحترق والكراتين المتجمّعه بالزاوية
والتفتت لوتين: شكلها أغراض العائلة اللي ماتت
ارتجفت حنين من حسّت بالقشعريره ومشت تطلع من المكان
ووراها وتين اللي تنهدت: شوية تنظيف للمكان ونتقبله
رفعت وتين راسها للسماء تحسّ بنسيم الشتاء البارد وعطست حنين
وضحكت وتين: تعالي ندخل لا تمرضين
و رجعوا لغرفتهم بعد جولتهم السريعة بزوايا المزرعة
ورمت نفسها حنين على السرير بتعب تاخذ كتابها تكمل قراءتها لقصائدها وتكتب باندماج
أما وتين اللي أخذت لها شاور دافي ووقفت قدام المرايا تعدل شعرها الكيرلي وتلفلف خصلاته بأطراف أصابعها وتتركه على طبيعته، ناظرت انعكاس عيونها العسلية بالمرايا ومرّرت أصابعها تتلمس حدود فكّها ورسمة حواجبها
وقطعت الصمت بسؤالها: حنين، تتوقعين أمي تشبهنا بملامحنا؟
قطعت الصمت بسؤالها: حنين، تتوقعين أمي تشبهنا بملامحنا؟
تجمدت يد حنين ووقف قلمها عن الكتابة، أمي؟ كانت هالكلمة الوحيدة اللي ما حصلت معناها الأصلي رغم انها قارئة متشبّعة بفصاحة الكلمات ومعاني الأسماء، كانت هالكلمه محظوره من كل مصطلحاتها اللي تحفظها
سكّرت الكتاب وتركت القلم: لا تجيبين طاري شخص تركنا وراح بدون أدنى تفكير!
وتين نطقت وقاطعتها حنين: احنا عرفنا هالدنيا بدون أم ولا أب! أبونا توفى قبل ننولد وأمنا تركتنا مع شخص يُقال انه خالنا ومربينا من صغرنا
سكتت وتين، ورغم ان قلوبهم تنكر كلامهم لكن انتهى الحديث، وبقت قصيدة حنين بدون تكملة، وكلمة أمي بلا معنى.
تنهدت وتين وفتحت شنطتهم وابتسمت لعلبة الجبن والزيتون والعسل وكيسة الخبز، رتبت الطاوله وفتحت شباك الغرفة واخذت نفس وهي تتأمل أشجار المزرعة
ضحكت للشمس وللعصفور اللي وقف على طرف الشباك
و همست تكلم العصفور: هاي! جيت عشاني ولا عشان الخبز؟
تراجع العصفور بخطواته وضحكت وتين وهي تقطع له خبز: أها عشان الخبز؟ جوعان؟ وين أمك؟ وأخوانك أكلوا؟
قامت حنين بيدها كتابها وجلست على طاولة الفطور اللي جهزتها وتين بكل حب
وابتسمت وهي تصب الشاهي: أقول تعالي لا تتكلمين مع العصافير يحسبونك مجنونة!
ضحكت وتين و ابتسمت حنين وما طالت ابتسامتها الا وتلاشت!
ارتفع صوت شدّاد يناديهم وطار العصفور بعيد، وتأففت حنين
وتين: نعم!
شدّاد بصوته العالي: جيبي لي شاهي
وتين تنهدت وصبت له شاهي وقامت تطلع من الغرفة تشوفه جالس بالصالة وبيده ايباده يناظره بعقدة حاجبه
تركت وتين الشاهي على الطاولة والتفتت تناظر الحوسة
شدّاد ببرود: نادي اختك و رتبوا المكان وامسحوا الغبار
وتين سألت: بنستقر هنا لمتى؟
شداد رفع عيونه لها: للأبد
وتين رفعت حاجبها: والجامعه؟
شدّاد التفت لايباده يتجاهلها، وكرّرت وتين سؤالها: والجامعة!
شدّاد قاطعها: انسيها
سكتت وتين بصدمة ونزلت حنين من سمعت أصواتهم العالية
شدّاد ناظرها: تعالي خذي اختك ورتبوا المكان
وتين هزت راسها وارتفع صوتها: بس تخلص الاجازة! بنرجع للجامعة وما بتحرمنا من دراستنا على اخر سنة ونتخرج
شدّاد ترك الايباد بعصبية وقام بيضربها ووقفت حنين بوجهه تمنعه وتبعد وتين: خلاص!
شدّاد تراجع يناظر وتين بغضب مثل نظراتها اللي كانت أكثر منه غضب، تحس بحرارة جوفها واختناق أنفاسها من حسّت بحنين تحضنها وتهمس: اهدي!
شدّاد رجع يجلس: انقلعوا عن وجهي
مشت حنين تسحب وتين يرتبون حوسة المكان ويمسحون الغبار
شالت وتين بقايا الغبار والأكياس ومشت لمدخل المزرعة وفتحت الباب ترميهم بعصبية
نفضت يدها تكلم نفسها بغضب: ليتني رميت الغبار بوجهه!!
تحركت خصلات شعرها من النسيم حولها وابتسمت تتسند على الباب تناظر أشجار النخيل اللي امتدّت قدامها ورفعت راسها للسماء المغيّمه بتنهيده
التفتت من سمعت الصوت اللطيف وطاحت عينها على القطوة الصغيره المتخبيه
ابتسمت وتقدمت: قطوه! من وين جيتي؟
وتين نزلت لمستواها: أكيد صاحبك نساك ولا وش يجيبك هنا لوحدك
تنهدت وجلست تحطها بحضنها تمسح عليها وبدت تسولف معها كعادتها: تجين معاي؟ عندي تونه
وتين بتفكير: بسمّيك نعناعه! لأنه أكثر شيء أحبه بعد حنين
انسدحت القطوه بحضن وتين اللي كملت: تعرفين حنين؟ اختي التوأم
وبمكان مو بعيد عنها عيون تراقبها بهدوء وهو واقف يتأمل قطوته المبسوطه
قطوة عناد اللي فقدها وطلع يدورها ولقاها بين يدين وتين المبتسمه
ثواني ورفعت وتين راسها من سمعت صوت خطوات قريبة منها وارتبكت من شافت شخص غريب يمشي باتجاهها
شالت القطوه تحضنها وتراجعت تناظره بعقدة حاجبها
عناد تقدّم وصدّ يحك جبينه بطرف مفتاحه وتنحنح
وتين رفعت حاجبها: وش بغيت؟
عناد أشّر على القطوه: قطوتي
لانت ملامح وتين وناظرت القطوه تسألها: نعناعه هذا صاحبك؟
رفع عناد حاجبه وهمس يناديها: كاتي!
نطّت القطوه من حضن وتين وركضت لصاحبها اللي شالها
وتراجعت وتين: انتبه لها لا تطلع بهالمكان لوحدها مره ثانيه
ومشت تدخل وتسكّر الباب قبل تسمع رد عناد اللي رفع حاجبه
والتفت لقطوته: نعناعه؟
والتفت للمزرعة يناظر بوابتها و سورها العالي بشرود
وتنهد ومشى طريقه لمزرعتهم واللي ما كانت بعيده ودخل يشوف تميم ووجد اللي يدوّرون بزوايا المزرعة عن كاتي
ورفع عناد صوته يناديهم: لقيتها
تنهدت وجد براحة وتقدمت تاخذ القطوه من عناد
وسأل تميم: بتروح للدوام؟
هز راسه عناد: عندي مناوبة

بعد حوسة التنظيف، صار المكان هادي بإضاءة أشعة الغروب اللي تسلّلت من شبابيك الصالة
انتشرت ريحة الفُشار بزوايا البيت، جلست وتين على طاولة المطبخ تتأمل حنين اللاهيه مع الفشار
تاركين شدّاد لوحده يتوسط الكنبة في الصالة وقدامه كوب الشاي ويترقّب قناة تنال إعجابه
وتين وصلها صوت التلفزيون العالي والتفتت لحنين تهمس: بقولك شيء
حنين همهمت، وكملت وتين: شفت قطوه برا
حنين بضحكة: طيب؟
وتين نفت: مو بس قطوه، فيه شخص معها
حنين عقدت حاجبها: أي شخص؟
رفعت وتين أكتافها: واضح انه ساكن قريب من هنا، يعني فيه ناس حولنا
حنين ناظرت توأمها وتكتّفت: وتين، وش تفكرين فيه علميني؟
وتين همست: وش أفكر فيه يعني؟ نطلع نستكشف برا المزرعه
حنين بتتكلم وقطع عليهم صوت التلفزيون العالي واللي رفع عليه شدّاد…
عدّل شدّاد جلسته يسمع صوت المذيع باهتمام
"اشتعال حريق في محطة وقود في الخُبر عصر اليوم وعمليات الإنقاذ مستمرة من قِبل الدفاع المدني"
ومع كل خبر حريق، ذكرى قديمة تمرّ في ذاكرة شدّاد
ومو بس شدّاد..
بصرخه: عناد!
عناد التفت وأشّر له: المكان فاضي
ركض عناد بمعدّات الإطفاء، سيارات الاطفاء منتشرة حول المحطة، تقاوم النيران بالأنابيب الضخمة
تردد صدى أصوات الإنذارات، وقف مكانه يراقب تفاصيل الحريق، ما رمشت عينه، يراقب ويراقب وكأنه صار يشوف النار تضحك له، تتمايل وترددّ: عناد، أنا نارك تذكرني؟ أنا الدفء اللي حضن جسمك البارد
عناد؟
صحى على نفسه والتفت لزميله اللي سأل: انت بخير؟ ابعد عن الدخان
معاذ التفت للمحطة ووصلهم صوت قائد الفريق اللي صفق بابتسامه: يعطيكم العافية عملية انقاذ ناجحة كالعادة!
ارتفعت أصوات التصفيق حولهم، ورجعوا يلملمون بقايا الحريق، ويمحُون آثار الرماد اللي مازالت عالقة في ذاكرة شدّاد، وعناد.
حنين التفتت لريحة الحريق من الفشار وشهقت من شافت النار
وفزّت وتين تطفي الغاز: لا فشاري احترق!
التفتوا لدخول شدّاد يناظر الدخان بجمود وسكتوا التوأم يناظرونه بغرابه
شدّاد سأل: مين حرقه؟
وتين رفعت حاجبها: طفّينا النار ما صار شيء
شدّاد التفت لحنين: انتِ حرقتيه؟
حنين تراجعت من شافته يتقدم بيضربها ووقفت وتين تمنعه: خير عسى ما شر؟
شدّاد صفعها يبعدها عنه و سحب شعر حنين اللي صرخت بألم
شالت وتين صحن الفشار المحروق ورمته بوجه شدّاد اللي صدّ من حس باللسعات
وأشّرت وتين: اطلع مارس عُقدك النفسية بعيد عننا
تقدم شدّاد لها بعصبيه ووقف من رنّ جواله تحت نظرات التوأم
أخذ جواله وطلع برا المطبخ ومشى لغرفته يصفع بابها بقوه
ساد الصمت بالمكان وناظرت حنين الفشار المنتثر بالأرض وضحكت من تذكرت وتين وهي ترميه بوجه شدّاد
وضحكت وتين على ضحكات حنين الهستيريه
ثواني وسكتت حنين من نوبة ضحكتها وعطست
تحت نظرات وتين اللي انتبهت للتعب الواضح بملامح اختها
وتين بقلق: تحسين بتعب؟
حنين التفتت تلمّ الفشار بتنهيده: شكلها بداية سخونة
وتين سحبتها: اتركيه انا انظفه، تعالي ارتاحي بالغرفة
يوم جديد
٤:٣٠ م
تحرّك بانزعاج، يحس بحرارة النيران حوله، يشوف هيئته الصغيره ويسمع شهقاته وبكاءه وهو يحاول يزحف بعيد عن النار
فتح عيونه بوسعها يصحى من كابوسه المعتاد، مسح على صدره يلقط أنفاسه وقام من سريره بثقل
ومشى ياخذ له شاور سريع، وطلع ينشف شعره بمنشفته
وقف قدام دولابه وأخذ هودي أبيض وشورت أسود يلبسهم
ومشى يخرج ووصلته أصواتهم بالحديقة الخارجية للمزرعة
يسمع صوت صهيل خيول تميم من الاسطبل والتفت يشوف تميم يدرّب وجد اخته اللي توارثت حب الخيل من أخوها تميم
والتفت يسمع الجدة حصة تناديه: عناد، تعال يا وليدي
عناد ناظر حاتم اللي صدّ بتنهيده وحكّ عناد جبينه
وناداه راجح: تعال يا عناد، ما ناداك الا مشتاق
عناد ابتسم يمشي باتجاه جلستهم ويجلس بجنب راجح اللي طبطب على كتف عناد
الجدة حصة ابتسمت تناظر عيالها واحفادها ملتمّين حولها: ليت كل الأيام اجازة عشان أشوفكم مجتمعين حولي
بتّال بمزح: يمه لا تعمّمين وقولي انك تقصديني لحالي
غالية نفت: تقصدني أنا وحيدتها!
راجح قاطعهم: ما تقصد أحد أمكم تجاملكم مافي غيري اللي يملأ عينها
ضحكت حصة، وابتسمت غالية: الله يطوّل بأعماركم ويخليكم
تهاني ناظرت عناد اللي ابتسم والتفت يتأمل الخيول بشرود
حوّلت تهاني نظراتها لهاجر اختها اللي قرصتها بهمس: أكلتيه بنظراتك لا تشك فيك أمي!
والتفت عناد لراجح وقرّب يهمس: يبه
ابتسم راجح لكلمة "يبه" اللي يحب يسمعها من عناد ويجدّد فيه شعور الأبوّة رغم إنه ماهو أبوه ولا يحمل دمه بعروقه
كمّل عناد كلامه بهمس: مرّيت عند المزرعة اللي جنبنا وشفت فيها ناس
تلاشت ابتسامة راجح وعقد حاجبه: المزرعة المهجورة ما غيرها؟
هز راسه عناد وبلع ريقه: اللي احترقت
سكت راجح، ونطق عناد بتردّد: ما يمدي نسأل عن راعيها؟
راجح ناظر الضياع والفضول بعيون عناد: بس انت تدري انها أرض البلديه
عناد نزّل نظراته لفنجاله: ادري، بس يمكن استأجرها أحد يعرف عن الحريق واتذكر
راجح ناظر عناد بصدمه، كانت هذي المره الأولى اللي يطري فيها عناد ذاكرته وأول مره يجيب فيها طاري المزرعة بعد سنين طويلة
عاش عناد عمره وهو يمرّ طريق المزرعة وكأنه يمر طريق مجهول
يشم ريحة الرماد ويتهيأ له لهيب النيران، لكنه يسكت
يتعايش مع ذاكرته الصغيرة ويتهرّب من ذكرياته ويخافها
مسك راجح يد عناد يشد عليها: لا تضغط على نفسك وأنا أبوك وانت تدري ان راسك ما يتحمل كثرة التفكير
رفع عناد نظراته لراجح اللي كمّل كلامه بهمس: يكفي تدري انك ولد عايشه وأبوك سيف
بلع ريقه عناد، وتنهد راجح يختم كلامه: و راحوا، الله يتولّاهم برحمته
سكت عناد يخلّل أصابعه بين شعره بشرود، يفكر بالمزرعة اللي جنبهم ويتذكر جلوس وتين قدام باب المزرعة تلعب مع قطوته
تنهد وقام ورفعت عيونها حصة: وين بتروح؟ لا تقول بترجع للخبر؟
عناد ابتسم: اذا حصوص ودها أروح؟ بروح
الجدة حصة مسكت قلبها بشهقه: هذا كلام؟
ضحك راجح، وابتسم عناد: ماني رايح
صدّ حاتم يشرب قهوته ومشى عناد مبتعد عن جلستهم بتنهيده
مشى متجه للاسطبل يشوف مشاري متسند على السياج يلوّح لوجد اللي تحاول تتوازن فوق الخيل وتلوّح له بضحكه
نطّ عناد السياج ومشى يسمع تميم اللي رفع صوته: عناد تسابق؟
التفت عناد يصفّر للخيل اللي مشى باتجاهه ومسكه يصعد فوقه: اللي يوصل البحر أول يفوز؟
وجد تحمست: بتسابق معكم
مشاري وتميم بتزامن: لا!
وجد كشّرت، ومشى مشاري يفتح باب المزرعة لتميم وعناد اللي يستعدون لسباقهم

وبنفس الوقت عند التوأم
مدّت وتين يدها تتلمّس جبين حنين اللي نايمه بتعب
لحّفتها وتين وطلعت من الغرفه تشوف باب غرفة شدّاد المقفول
ومشت للمطبخ تسوي لها كوب النعناع اللي تحبه، وطلعت تشم ريحة الطبيعه وتشرب نعناعها بهدوء
التفتت لباب المزرعة من وصلها صوت صهيل الخيل المجهول
و فز قلبها من فكرة تواجد خيل بهالمكان
أسرعت بخطواتها وفتحت الباب وطلّت تناظر حولها وطاحت عينها على أسوار المزرعة اللي كانت قريبة منهم وتسمع ضجّتهم
ناظرت الخيول بذهول وعقدت حواجبها تحاول تلمح أصحابها
ما كانت واضحه ملامحهم لكنها تسمع ضحكاتهم وصرخاتهم المتحمسه وهم يتسابقون، تسنّدت تراقب سباقهم بابتسامه لين اختفوا عن أنظارها والتفتت لبوابة مزرعتهم بشرود
دخلت تقفل الباب ومشت لغرفتهم تدخل بهدوء لأجل ما تزعج توأمها
تركت كوبها على الطاولة اللي امتلت برسومات الفساتين والتصاميم وجلست تشغل نفسها فيهم
ساعه تجرّ ساعه، مرّ الوقت وأظلم الليل مع وتين الغرقانه بين قطع الأقمشة، تسمع صوت الأغنية اللي تغنيها تايلور سويفت بصوتها الهادي
تخيط بيدها الفستان اللي صمّمته بنفسها، وتسرق نظره لحنين اللي صحت من نومتها وفتحت عيونها تتأمل وتين
وتين همست: صحيتي
ابتسمت حنين تشوف انشغال وتين: أشوفك أكبر مصممة ناجحة
وتين لمعت عيونها وناظرتها: بحقق هالنجاح بيوم من الأيام؟
هزت راسها حنين تأشر على صورة المغنية بالجدار: حتى تايلور بتلبس تصاميمك
ضحكت وتين بصوت عالي، تحب أحلامها مع حنين وتحب تتخيل المستحيل معها
وتين تسندت بابتسامه: وش بعد؟
حنين بخمول: و راح تشترين السيارة اللي تبينها
وتين كملت بضحكة: جي كلاس!
حنين غمضت عيونها: وراح نكمل دراستنا ونعيش في بيتنا الخاص
ابتسمت وتين والتفتت تناظر تصاميمها ورسومات الفساتين
تسمع صوت الأغنية اللي انتشر بالغرفة الهادية، وناظرت حنين اللي غفت بتعب
وتين تركت اللي بيدها ومشت باتجاهها تلحّفها ومدت يدها تمسح على شعرها وانقبض قلبها بعد ما حسّت بحرارة جسمها
وتين بخوف: حنين؟ حرارتك مرتفعه جسمك يحترق
حنين بخمول: ابي انام
قطع عليهم صوت شدّاد اللي ينادي بصوت عالي
قامت وتين وطلعت له: نعم
شدّاد اشّر لها بتهديد: انا طالع، تتحركين برا المزرعة انتِ واختك ادفنكم!
وتين: طيب، حنين تعبانه وحرارتها مرتفعة وما عندي أدوية لها
صدّ يمشي للباب: تطيب
ناظرته ببرود، وأخذت نفس ومشت للمطبخ تجهز كمادة باردة تطرد بها الحرارة اللي اشتعلت بجسد حنين اللي تأنّ بخمول
عقدت حاجبها وتين تشوف تعرّق حنين اللي غابت عن وعيها مستسلمه للحرارة
وهزّتها تناديها: حنين؟
ما ردّت حنين، وجمدت ملامح وتين اللي فزّت تاخذ جوالها تحاول تتصل على شداد
تأففت من وصلها عدم الرد، والتفتت تهز حنين وتناديها: حنين تكفين!
رجفت يدها تحاول تتصل على الاسعاف وناظرت جوالها بتفكير
تدري إن وصول الاسعاف راح ياخذ وقت طويل بحكم منطقتهم البعيدة
مشت لعبايتها تلبسها بعشوائية تترك طرحتها على أكتافها
ومشت تسرع بخطواتها لباب المزرعة وطلعت تشوف أنوار المزرعة اللي جنبهم
تتذكر أسوارها اللي لمحتها الصبح والخيول اللي شافتها
تدري بتواجد ناس حولهم، ومستعده تستنجد فيهم لخاطر سلامة توأمها

بنفس الوقت في مزرعة الجد راجح
انتشر الهدوء بين أسوار المزرعة، ما ينسمع فيها الا فرقعة الحطب المشتعل بوسط جلسة العيال
ابتسم تميم يصب كوب الشاهي ويمدّه لعناد اللي متسند
يناظر مشاري اللي متربع يعدّل أوتار العود بحضنه
ورفع عناد راسه للسماء يتأمل لمعة النجوم، ويسمع نقاش تميم ومشاري عن الأغنية اللي راح يعزفها مشاري
تميم رفع حاجبه: انا فزت بالسباق انا اختار الأغنية
مشاري حرّك اصابعه على أوتار العود: عناد وش ودّه؟
تميم بملل: هذا بيقول لك خالد عبدالرحمن كالعادة
رفع عناد أكتافه بابتسامه: أكيد مخاوي الليل، اعزف وأنا بغني له
عدّل مشاري جلسته يعزف لعناد اللي غنّى بصوته الهادي كلمات خالد عبدالرحمن اللي يحبه: من أول خفقة بصدري وأنا فيك أرسم الأحلام، من أول طاري الأشواق وانت أول أطيافي
كان صوت العزف واضح لوتين اللي وقفت عند الباب
تسمع صوت عناد اللي يغني ببراعة ووقفت بمكانها بتردّد
و كمّل عناد كلمات الأغنية: نذرت العمر لعيونك عسى تقبل بك الأيام، عسى باكر يجيبك لي و توقد ليلي الطافي
ومدّت وتين يدها تطق الباب وانقطع صوت عناد
التفتوا العيال لمصدر الصوت باستغراب…
رجعت وتين تطق الباب بقوه وتناظر خلفها جهة مزرعتهم
عقد حاجبه تميم: مين يجي هالوقت للمزرعة؟
قام عناد، وترك مشاري العود يقوم معه: تعالوا نشوف مين قبل لا يصحى الشايب من الصوت
فتح عناد الباب ولانت ملامحه من شافها واقفه تناظرهم بقلق
تعرّف عليها من أول نظرة، ما نساها هي اللي مسحت على راس قطوته و شالتها بأحضانها
تميم ناظرها بتساؤل، وتشجعت وتين تنطق: اختي تعبانه
عقد عناد حاجبه وناظرها مشاري بعدم فهم وسكتت وتين من انتبهت للشخص اللي ماشي باتجاههم
الجدة حصة سألت: وينها؟
التفتوا العيال للجدة اللي واقفه وراهم والواضح انها سمعت ضجيج الباب وطلعت لهم
وناظرت وتين خلفها تأشر على مزرعتهم: هناك، ارتفعت حرارتها ومافي أحد ياخذها للمستشفى
مشت حصه باتجاه وتين: خذيني لها
وتين ناظرتها بامتنان ومشت حصه بجنبها والتفتت للعيال اللي مشوا وراها بفضول
ورفعت حصة حاجبها: اقعدوا مكانكم!
ناظروها بدون رد، والتفتت حصه: عناد، تدل درج الأعشاب بالمطبخ، أبيك تجيب كل اللي في الدرج وتلحقني
هز راسه عناد وأسرع بخطواته للمطبخ و مسكت حصة ذراع وتين ترتكز عليها ومشت معها
مشاري رفع صوته: طيب نجي معك يا يمه؟ لا تضيعين دربك
حصة أشرت لهم بتهديد: لا أحد يجي! أدل طريقي وحافظه المكان
مشت مع وتين يبتعدون عن مزرعة راجح وثواني قليلة ووصلوا
دخلت وتين والتفتت من حسّت بخطوات عناد
شايل بيده كيسة علاجات حصة وأعشابها، مدّها لها وأخذتها منه بعجله
ودخلت وتين مع الجدة حصة اللي ناظرت حولها: وينها اختك؟
وتين أسرعت بخطواتها لغرفتهم ودخلت مع الجدة اللي طاحت عينها على حنين النايمة وأثار التعب مرسومة بملامحها
تقدمت تلمس جبينها تتحسّس حرارتها وتأملت ملامحها اللي كانت تشبه ملامح وتين رغم بعض الاختلافات
وابتسمت الجدة: توأمك؟
هزت راسها وتين بالإيجاب، وأشّرت حصة على كيس الأعشاب
وناظرت وتين: هالأعشاب مفيدة لنزلات البرد والتعب دايم استخدمها لوليدي عناد
عناد اللي واقف برا البيت ويتأمل بتفاصيل المزرعة حوله وزوايا البيت بتصميمه الخشبي وديكوراته الدافية
يلمح جلسة الصالة من طرف الباب المفتوح، يكشف له طرف شاشة التلفزيون الصغيرة وعلبة الفشار بوسط الطاولة
يتهيأ له جلوس أمه وتلوّح له من بعيد بابتسامه
يتهيأ له اللهب والدخان اللي انتشر بكل زوايا البيت
غمض عيونه يطرد أوهامه و ابتعد عن الباب من حس بخطواتها وصدّ يناظر حوله
طلّت وتين وناظرته: جدتك تناديك، ادخل عن البرد
هبّت الرياح حولهم وشدّت وتين على عبايتها وأبعدت خصلاتها عن ملامحها تنتظر دخول عناد اللي ما زال بمكانه يناظرها…
تثير فضوله بوقوفها على أرض المزرعة اللي تبعثرت فيه ذكرياته
يناظرها بدون ما يبعد عينه، يلمح لون العسل بعيونها ويلاحظ ارتباك ملامحها من طالت نظراتهم
وتين همست تكسر الصمت: ما بتدخل؟
ووصلهم صوت الجدة: عناد
تقدم عناد يخطي خطواته داخل البيت اللي نامت عين أمه فيه للأبد
ودخلت وتين بعد ما قفلت الباب عن البرد ووقفت تترك مسافة بينها وبينه
ناظر عناد حوله يحس بأُلفة المكان رغم غرابته عليه، نزّل نظراته للسجّاد اللي تحته يناظرها بشرود ويتخيلها ملتهبة
قطع عليه صوت وتين المُمتنة: ما ادري وش أقول لكن شكرًا على مساعدتكم لولا الله ثم انتم ما كنت راح اعرف كيف اتصرف
نفت حصة تمسح على كتفها بابتسامه: أبد ما سوينا شيء! اعتبرينا جيران
ابتسمت وتين والتفتت تناظر جهة غرفتهم بقلق على حنين النايمة
انتبهت حصة للقلق بنظراتها: بتصحى بعد فترة وهي طيّبة، اذا ارتفعت حرارتها أعطيها من الأعشاب مرة ثانية
هزت راسها وتين وفزّت: ما ضيّفتكم، وش تشربون؟
أخذت حصة كيس الأعشاب: تحبين البابونج؟ عناد يحبه
وتين التفتت لعناد اللي يتأمل زوايا البيت بصمت
وقامت حصة تمسك ذراع وتين: تعالي يا بنتي، أعلمك كيف تسوينه
وتين ابتسمت ومشت مع حصة للمطبخ تغلي المويه وتجهّز الأكواب
حصة بفضول: متى جيتوا هنا؟ المزرعة لكم؟
وتين نفت بتنهيده: مو لنا، قبل كم يوم استأجرها خالي
تسنّد عناد على الجدار بجنب المطبخ يسمع سوالفهم بشرود
بلع ريقه يناظر حوله يسمع صدى صوت أمه ويحس المكان يضيق عليه، يتخيل النيران ويتهيأ له اللهب اللي يحوم حوله وصدّ يمسح شنبه بأطراف أصابعه
الجدة ابتسمت تسولف لوتين: انا عايشه بمزرعتي مع راجح زوجي، و يجوننا عيالي وأحفادي كل إجازة
وتنهدت حصة تكمل كلامها: ووليدي عناد، يسكن عندنا مرّات ومرّات يمشي للخبر كم يوم عشان شغله
هزّت راسها وتين تصب البابونج بالأكواب بحذر
وابتسمت الجدة تختم كلامها: زورونا بكره، تعرّفوا على حفيداتي واجلسوا معنا توسعون صدوركم، ومنها اتطمن على اختك
هزت راسها وتين: ان شاء الله
سألت الجدة: وعد؟
وتين ابتسمت: وعد
والتفتت حصة شايله كوب عناد ومشت تطلع من المطبخ
ووراها وتين اللي شربت من البابونج ورفعت راسها تسمع همسات الجدة لعناد: فيك شيء يا وليدي؟
عناد نفى: بنتظرك برا
تنهدت الجدة تشوفه يسرع بخطواته برا البيت، والتفتت لوتين اللي تتلمّس كوبها بصمت
وسألتها: ساكنين هنا مع مين؟
وتين التفتت لها: مع خالي
سكتت حصة تناظر الذبول بملامح وتين من جابت طاري خالها
ورغم الفضول اللي ملأ صدرها إلا إنها سكتت، غيّرت الموضوع تسولف لوتين عن المنطقة حولهم، عن البحر اللي يبعد دقائق، وعن اسطبل الخيل اللي بمزرعتهم
انتبهت الجدة لكوب عناد ونطقت بضيق: أول مره يتركه مليان وما يشربه
وتين ناظرت الكوب بدون ردّ، وقامت الجدة بتنهيده: بغيت الحمام وانتِ بكرامه
أشّرت لها وتين تعلمها مكانه ومشت الجدة بعصاها تحت نظرات وتين المبتسمه
تعيش شعور جديد على قلبها، تشارك مشروبها مع الجدة الغريبة عليها لكن آلفتها ومالت روحها لحنّيتها وكأنها أُم، الأُم اللي ما ذاقت وتين حنانها
طاحت عينها على كوب عناد اللي على الطاولة وأخذته تناظره بتفكير
عناد اللي جلس على عتبة البيت يستنشق الهواء البارد عكس الحرارة اللي عاثت بجسمه قبل دقايق
ذكريات النيران ما زالت تلاحقه، يواجهها بشجاعته وتغلبه حرارتها، يتناساها ويتذكرها من ندوب حروقه اللي ملَت ظهره
دخل يده بجيبه يطلع سيجارته وولّعها يناظر شرارتها ودخانها بشرود
التفت لصوت الباب ولانت ملامحه يشوفها تمشي باتجاهه شايله كوبه بين يدينها
وقفت وتين تترك مسافه بينهم ومدّته له: ما شربته، الجده سوّته عشانك
ناظر الكوب ومدّ يده يطفّي سيجارته بالتربه اللي على طرف الجدار
ونطقت وتين باندفاع: لا تطفيها عند نعناعاتي بتموّتها!
عناد ناظر التربة باستغراب: وين نعناعاتك؟
وتين تركت كوبه ونزلت لمستوى الشتلات تنفض الرماد عن التربة: توها ما كبرت
عناد مد يده يتلمّس التربه: الرماد زين للتربة ما يموّتها
وتين بتساؤل: الرماد زين؟ الرماد يشوّه كل شيء
ناظرها عناد بدون ردّ يتكرّر صدى كلماتها براسه، ورفعت وتين عيونها له تناظر شروده
صدّ يقطع تواصل نظراتهم، ونطق يطمنها: نعناعك بيعيش تطمني
هزت راسها ووقفت وأشّرت على كوبه: اشربه لا تزعّل الجدة
ومشت تدخل البيت تاركته يشرب كوبه ويناظر الفراغ
يفكر بكلامها، و يتذكر جلوسها بجنب شتلاتها
يتذكر لمساتها للتربة، صوتها الناعم ونظراتها له
تسنّد ينتظر الجدة و حوّل نظراته لغصن البابونج وسط كوبه، شاله بطرف أصابعه
وتقدّم يغرسه مع نعناعات وتين، وينثر التربه حوله يتأكد من ثباته
نفض يده من انتهى وقام بعد ما سمع صوت الجده وهي تودّع وتين اللي حضنتها بامتنان
حصة طبطبت على كتفها: اذا احتجتوا شيء تعالوا لي، صرنا جيران لا تستحون
ابتسمت وتين: ما تقصرون
ودّعتها وتين وقفلت الباب بعد ما سرقت نظرة لعناد اللي مشى مع الجدة حصة
دخلت وتين غرفتهم ومشت تتلمّس حرارة حنين النايمة واللي صارت أخف وأحسن
وانسدحت جنبها براحة وعيونها على سقف غرفتهم، تتذكر تواجد الجدة وعناد حولها وشعور الراحة اللي حسّته معهم لأول مره من وقت طويل، طول حياتها ومصدر راحتها الوحيد هو حنين، وهالمره زار قلبها شعور جديد مع ناس غريبة، شعور الراحة والأمان، والأُلفة
فتحت وتين عيونها من حست بسطوع الشمس بالغرفة
فزّت تشوف الفراغ بمكان حنين والتفتت حولها بقلق تدورها
حنين اللي كانت في المستودع، منشغله بترتيبه وتبتسم لانجازها من شافت التغير الحلو اللي صار بالمستودع بعد ما كان الخراب والرماد يغطيه، والتفتت تناظر الصناديق والأغراض المحترقه وتقدمت تبعدهم على جنب مقرّره ما تلمسهم ولا ترميهم
التفتت لصوت وتين: يا حيوانه خوفتيني!
حنين تركت اللي بيدها وتقدمت تحضنها: طولتي بالنومه
وتين: سهرتيني طول أمس احاتيك
ولمست جبين حنين بتساؤل: كيف حرارتك؟
حنين: زي ما تشوفين! الأعشاب هذي لها مفعول قوي، من وين جبتيها؟
ابتسمت وتين و مشت تنسدح على الكنبه وتسولف لحنين عن ليلة أمس ومساعدة الجدة حصة لهم
شهقت حنين: يا مجنونه طقيتي باب مزرعتهم بهالليل! تخيلي لو صار لك شيء
رفعت وتين أكتافها: ما صار شيء وبالعكس لولا الله ثم هم ما كان صرتي بخير الحين
حنين بتساؤل: كيف عرفتي بوجودهم؟
وتين: سمعت صوت خيول ولمحت المزرعة أكثر من مره وعرفت ان فيها ناس وطلعوا ناس طيبه
حنين فز قلبها: خيول؟
ابتسمت وتين: وعدت الجده اننا نزورها، اذا ودك تسلمين عليها وتحققين امنيتك وتشوفين الخيل
ابتسمت حنين للفكرة وتلاشت ابتسامتها من تذكرت خالهم شدّاد
وناظرت حولها: وشدّاد؟
ابتسمت وتين بخفّه من اسم شدّاد اللي نطقته حنين بدون ما تسبقه بكلمة "خالي" كالعاده تعرّيه من مسميات الاحترام، تذكّر نفسها وتذكّر وتين بتهميش خالهم ووجوده بحياتهم، حتى لو عاشوا سنين تحت ظلّه وتشاركوا اللقمة، يبقى شداد فكرة مكروهه، مُهمّشه ومنبوذة بالنسبة لهم
وتين قامت بتنهيده: نطلع من المزرعة بالوقت اللي ما يكون متواجد فيه، الحين مثلًا
حنين عقدت حاجبها بتساؤل: ما رجع من الليل؟
هزت راسها وتين: قلعته جعله ما رجع
حنين بقلق: ولو رجع واحنا مو موجودين؟
وتين رفعت حاجبها: تخافين؟
سكتت حنين، وكملت وتين: خفنا منه كثير، بس أنا بطّلت أخاف
بلعت ريقها وتين وكملت: من شميت ريحة البحر وشفت الخيل، وركضت بين النخيل، ولمست الحنّية من شخص غريب، بطّلت أخاف
تقدمت تمسك يدين حنين تحضنها بين كفوفها: بنلمس الموج برجولنا، وبنلعب مع الخيل زي ما نحب، وبنتعرف على ناس حنونة، عشان كذا خلينا ما نخاف، لو خفنا ما راح نعيش
حنين ابتسمت: متى ودك نروح؟
وتين بتفكير: ما نروح بيدين خالية، نسوي كيكتنا؟
في مزرعة راجح
تحديدًا في بيت الشعر اللي مجتمعين فيه العيال
تسنّد عناد يسمع سوالف بتّال اللي يلعب بالمسبحه بين أصابعه
بتّال ناظر تميم ومشاري: تدري انت وياه اني ما جلست معكم الا من تواضعي
تميم هز راسه بتسليك، وكمّل بتّال: ولا انا انسان مشغول
مشاري بضحكه: انت مشغول بس مو انسان
ضحك عناد، والتفت بتّال: لا يا أبو سيف ما هقيتك بتضحك
عناد بضحكه: ما عليك منهم، كيف أمور الشغل؟
بتّال: الحمدلله الأمور زينه والفندق على وشك يجهز
ابتسم عناد يتأمل بتّال اللي يسولف عن شغله بشغف
بتّال اللي لعب معه كوره بين أسوار المزرعة وهم صغار، اليوم يدير سلسلة فنادق أبوه راجح ويكمل مسيرة أخوه حاتم بإدارة أعمالهم
تميم سأل: بتفتح فرع بالبحرين؟
بتّال هز راسه: الله الله
تميم ومشاري بتزامن: بتعزمنا؟
بتّال ناظرهم: من انتم؟
مشاري أشّر على نفسه: انا ولد اخوك وهذا ولد اختك
بتّال: يعني انا عمك
مشاري نفى: تخسي
بتّال رمى المسبحه عليه وارتفعت ضحكاتهم وقطع عليهم دخول الجد راجح وفزّوا يسلمون عليه
راجح مشى يجلس بصدر المجلس: ترا بعد المغرب جاييني ضيوف و ابي من يضيّفهم
بتّال: أبشر
راجح ناظر الشورت اللي لابسه مشاري: وانت غط سيقانك والبس ثوب قبل يجون الشيبان
مشاري رفع حاجبه يناظر عناد: حتى عناد لابس مثلي
راجح ناظر عناد يصغّر عيونه: وينه؟ ما اشوف زين
عناد ضحك وتقدم يبوس راس راجح: ما تشوف الا خير يبه
مشاري هز راسه وقام: قوم غيّر الشورت بس
مشى عناد بابتسامه يسمع ضحكات راجح وسبقه مشاري يركض للبيت
دخل عناد وتنحنح وابتسمت الجدة تهلّي وترحب فيهم كعادتها
عدّلت تهاني جلستها تسرق نظراتها لعناد اللي دخل الصالة
غالية ابتسمت: تعالوا مسويه البسبوسه اللي تحبونها
مشى مشاري يجلس مع عناد اللي اخذ الصحن من يد الجدة
التفتوا لنزول حاتم من الدرج و احتدّت ملامحه من شاف تواجد عناد بينهم
نادته زوجته فاطمة ومشى يجلس وعينه على بناته بحدّه
توترت تهاني من نظراته تشد على وشاحها اللي لافته على راسها
فهم عناد نظرات حاتم وترك الصحن وقام بهدوء
وفزّت حصة: اجلس ما كملت أكلك
نفى عناد: استأذنكم بروح اتجهز
مشى عناد يدخل غرفته، والتفت حاتم لغالية بعصبيه: كم مره قلت لا تنادونه يجلس معكم؟
حصة ضربت بعصاها بالأرض: اقطع الصوت! محد له كلمة على كلمتي بهالمكان
حاتم: بس يا يمه
حصة ضربت بعصاها مره ثانية: اقطع!
وجد كتمت ضحكتها وعضّ مشاري شفايفه يمنع ابتسامته
حصة: عناد ما هو غريب، كبر و تربّى بيننا مثله مثل تميم ومشاري
أشرت حصة على البنات: مثل ما تميم ومشاري أخوانهم، عناد أخوهم
نزلت تهاني نظراتها لكفوف يدها، وابتسمت وجد لكلام جدتها وسكت حاتم بقهر
أما عند التوأم اللي بدأوا بتنفيذ خطتهم لزيارتهم للجدة
وتين وقفت عند الثلاجه تكمل سالفتها: تخيلي طفّى زقارته على نعناعاتي! نقدت عليه صراحه
حنين ابتسمت وهي تجهّز خليط الكيك وتسمع وتين تسرد موقف ليلة أمس
وتين أكلت من الفراولة وكشّرت: يقول الرماد مفيد للتربه يحسبني غبيه!
حنين بضحكة: طيب هو صادق الرماد مفيد للتربة الزراعية
وتين رفعت حاجبها: لا! بكره يطلع طعم نعناعاتي رماد
ضحكت حنين بصوت عالي ومشت وتين: بروح أشيك عليهم لا يكون ماتوا
مشت وتين وهي تسمع ضحكات حنين، فتحت الباب وطلعت تدل طريقها لشتلاتها ونزلت لمستواها تناظر أوراق النعناع الصغيره
لمستها بطرف اصبعها: ما فيكم شيء؟
انتبهت للنبته الصغيره واللي كانت جديده عليها والواضح جدًا إنها مو نعناع
وتين قربت تكلمها: مين انتِ؟ متأكده إني ما زرعتك
ناظرتها بغرابه، تلفتت حولها وطاحت عينها على كوب عناد عقب أمس على عتبة الباب
وهمست: بابونج!
ناظرت النبته بذهول والتفتت تكلم النعناع بضحكه: زرع بابونج!
مدّت اصبعها تتلمس النبته برقّه ورفعت راسها لصوت حنين اللي تناديها: الكيكه بالفرن، قومي نتجهز
قامت وتين تنفض يدها ومشت خلف حنين: المعتوه كان بيقتل نعناعاتي بس زرع بابونج، فيه خير
حنين ضحكت: روقيني وتين لك ساعه على نفس السالفة
وقفت وتين قدام المرايا تلفلف أطراف شعرها الكيرلي باصبعها وتبتسم كل ما تذكرت غصن البابونج المغروس وسط شتلاتها
حنين بتفكير: الجده قالت عندها حفيدات يعني ممكن نشوف بنات بنفس عمرنا؟
رفعت وتين أكتافها وهي تحط روجها: اتمنى
التفتت حنين تلبس عبايتها بعد ما سرقت نظرة للساعة: مشينا قبل يداهمنا شدّاد

بنفس الوقت في مزرعة راجح
وقف قدام مرايته ينشف شعره المبلول، لبس ثوبه البني وعدّل شماغه بعد ما رشّ من عطره
وطلع بخطوات متسارعه يسمع ضجّة العيال من بيت الشعر
ومشى يفتح باب المزرعة الكبير استعداد لاستقبال ضيوف راجح
تسنّد عناد على باب المزرعة بشرود، يناظر الفراغ قدامه ويلمح أسوار المزرعة المُظلمة من بعيد
عدّل وقفته من سمع صوت الخطوات والتفت يشوفها تمشي باتجاهه وجنبها حنين اللي شايله الكيكه وتناظر خطواتها بحذر
وتين همست لحنين: هذا هو المعتوه
حنين رفعت راسها لعناد اللي يناظرهم، ونطقت بربكه: السلام عليكم
عناد رد: عليكم السلام
سألت وتين: الجدة حصة موجودة؟
هز راسه عناد: موجودة، حياكم
دخل ومشت وتين وراه وبجنبها حنين اللي همست: مبين عليه محترم
وتين نفت بهمس: قاتل النعناعات
ناظرتها حنين بملل و تلفتت حولها وطاحت عينها على الاسطبل ولمعت عيونها تتأمل المكان بذهول
وصلهم صوت ضحكات الجدة وغالية وفاطمة وسوالفهم
ورفع عناد صوته: يمه، عندك ضيوف
حصة التفتت وطاحت عينها على حنين ووتين اللي واقفين عند الباب
وفزّت حصة بلهفه: يا هلا و مرحبا!
تراجع عناد وطلع بعد ما سرق نظرة لوتين اللي ابتسمت بامتنان لاستقبال الجدة لهم وفرحتها بشوفتهم
التفتت حصة لحنين بعد ما سلمت عليهم: وش اخبارك الحين؟
حنين هزت راسها: أحسن بكثير، شكرًا ما قصرتي
مدّت حنين صحن الكيكة: وهذا شيء بسيط مني أنا ووتين
ناظرتهم الجدة بامتنان وأشرت لهم: ادخلوا ادخلوا، ودي بناتي يشوفونكم
كان المكان رغم اختلافه وغرابته على التوأم الا انهم حسّوا بحفاوة الاستقبال من الجدة وبناتها وكأنهم يعرفون بعضهم دهر
جلسوا حنين ووتين جنب بعض ومدّت لهم تهاني فناجيلهم
وجد ناظرت التوأم بذهول: مبين انكم توأم بنفس الوقت أقدر أفرّق بينكم بسهوله
هاجر هزت راسها تأشر على حنين: حنين أطول بشوي وعندها شامه تحت عينها
وجد بضحكة: ووتين شعرها كيرلي وعيونها أفتح شوي
الجدة حصة صغّرت عيونها تناظر التوأم: والله يا بناتي ما به فرق
ارتفعت ضحكاتهم، وابتسمت غالية: احرجتوا التوأم
نفت وتين بضحكة، وقامت وجد بحماس: تعالوا نجلس برا واوريكم المكان


بجهة ثانية وسط بيت الشعر اللي امتلى بالضيوف
واقف عناد بجنب الجد راجح اللي يتباهى فيه ويأشر عليه: هذا ولدي عناد
ابتسم عناد لحُب راجح له والواضح لكل المتواجدين
ومنهم حاتم اللي يناظر عناد ويشدّ على يده بصمت
يكره تواجد عناد بينهم ويكره قربه لأبوه واللي المفروض يكون هو الأقرب لأبوه من عناد الغريب
وبزاوية ثانية همس مشاري: يا ولد مليت وابو صالح ما يسكت
تميم التفت له: ودك نطلع؟ نخلي بتّال يصب القهوه
سمعه بتّال ورفع الفنجال يهدده: خالك بتّال، خالك
مشاري بترجّي: بتّال تجمّل معنا والله من العصر ما جلسنا
بتّال رفع اصبعه: عمك بتّال
مشاري بتنهيده: عمي
التفت بتّال لتميم يناظره ينتظر مُراده
تميم صدّ: خالي
بتّال ابتسم و شال القهوه ومشى يصب للضيوف يترك مجال لتميم ومشاري يتنفسون
أشّر تميم لعناد اللي انتبه لهم وطلع يمشي وراهم يبتعدون عن ضجة ضيوف راجح

أما عند البنات اللي اندمجوا مع بعض وطلعوا يتمشون بالمزرعة مع وجد اللي تسولف للتوأم بحماس
ووراهم هاجر وتهاني اللي يمشون معهم بصمت
وجد بضحكه: أمي حصه تعالج كل شيء بالأعشاب
حنين ابتسمت: والله فادتني كثير
وتين: خصوصًا البابونج نمت نومه عميقه بعده
وجد: معروف البابونج للنوم عشان كذا عناد يحبه
عقدت حاجبها وتين بدون فهم، وكملت وجد: عناد يعاني بصعوبه بالنوم من كان صغير
وتين هزت راسها بصمت، و طرى ببالها غصن البابونج اللي زرعه وسط نعناعها وابتسمت
حنين ناظرت وجد بتساؤل: البحر قريب من هنا؟
هزت راسها وجد: قريب نقدر نروح له برجولنا
وتين التفتت: نقدر نروح؟
وجد بتفكير: بس الحين ظلام، اذا ودكم بكره قبل الغروب نتقهوى هناك
لمعت عيون وتين وابتسمت حنين: أكيد ودنا
هزت راسها وجد بابتسامه: تم!
مشت وجد للاسطبل و نطّت السياج والتفتت لهم: تعالوا!
وتين نطّت بحماس ووقفت حنين تناظر الخيول بعيون لامعه
تهاني بقرف: انا ما بدخل جوا المكان مقرف!
هاجر هزت راسها: ولا أنا
وجد التفتت: وحنين تجين؟
حنين فز قلبها من فكرة تواجد الخيول بمسافة قريبة منها بعد ما كانت تشوفهم أقرب للحلم الصعب
مدّت وتين يدها تساعد حنين تنط السياج ومشوا مع وجد اللي تشرح لهم المكان بشغف وحب واضح من عيونها
وتين بإعجاب: تعرفين تركبين الخيل؟
هزت راسها وجد: تميم علّمني، من صغره وهو يشارك في بطولات و فاز بميداليات كبيرة
وتين انتبهت للمهر الصغير وشهقت: خيل صغير!
وجد بضحكه: هذا عناد
وتين مسحت على ظهر المهر: عناد؟
وجد: تميم سمّاه على اسم عناد
حنين ناظرت الخيل الأبيض وقرّبت تتأمل لونه والتفتت تأشّر عليه: وهذا وش اسمه؟
وجد ناظرت خيل تميم وابتسمت: الرعد
مدّت يدها حنين ناويه تلمسه، وحذّرتها وجد: انتبهي! تراه ما يحب أحد يلمسه غير تميم
حنين قربت يدها للخيل تسمح له يشمها ويتعرف عليها وبيدها الثانيه مسحت على راسه بتردّد تحت نظرات وجد المنصدمه من هدوء الخيل
وصلهم صوت تميم: وجد ليش مشغله كل أنوار الاسطبل؟
دخل تميم ووقف مكانه يشوف يد حنين على خيله بصدمه
ودخل وراه مشاري وعناد اللي طاحت عينه على وتين الواقفه جنب المهر الصغير
وجد التفتت للتوأم تعرّفهم عليهم: هذا تميم أخوي، ومشاري ولد خالي حاتم
وأشرت على عناد: وولدنا بطل المطافي عناد
وتين رفعت حاجبها تناظر عناد اللي ما شال عينه عنها وصدّت
مشاري ناظرهم بحيره: مين اللي كانت تعبانه منكم؟ تتشابهون
وجد أشّرت: شدعوه واضح الفرق، حنين
ونطقت حنين بربكه: شكرًا لأنكم لبّيتوا طلب اختي وساعدتونا أمس
مشاري نفى: ابد ما سوينا شيء، جيران ونقوم بالواجب
تميم أيّده: أي شيء تبونه احنا موجودين
وجد ناظرتهم: اللي يشوفكم يقول انكم تراكضتوا لين المزرعة ونقعتوا البابونج مع أمي حصه
ابتسمت وتين من جابت طاري البابونج وناظرت عناد بطرف عينها
و ابتسم عناد بخفّه يقرّب يمسح على ظهر المهر ورفع نظراته لها
تميم حك حاجبه: عمومًا منورين المكان بس اتركوا الخيول ترتاح
حنين عقدت حاجبها بضيق والتفتت تناظر الرعد وتمسح عليه
وجد انتبهت للضيق بعيونها: ولا يهمك بكره نسوي لك احلى جوله على ظهر الرعد وعند البحر بعد
تعليقات