رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1 بقلم حور الحسيني
رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1
رواية ثأري فغفرانك الفصل الاول 1
المقدمة
قبل قرن و نصف...احدى البوادِ العراقية.. مضيف قبيلة كبرى معروفة
يجلسون في مضيف كبير ممتد.. يترقبون شيخهم للبتّ بقرار مهم يخص شؤون قبيلتهم الكبيرة و جاء طلبه للاجتماع بهم اليوم...فلبوا جميعا النداء....خبر مهم تناقلته الألسن منذ ايام و أشعل فتيل فتنه أُطفئت بحكمه صونا و حفظا للدماء.. و قرر اليوم شيخ القبيلة أن يتخذ به قرارا يعلمه القاصي و الداني اخمادا لنيران الفتنة التي باتت تشتعل من بعض أشباه الرجال.. من كلا الطرفين المتخاصمين....
كبيرهم الشيخ "ضاري" يجلس كعادته في صدر المجلس يحيطه أبنائه و أعمامه و بقية عشيرته.. حاد النظره..سديد الرأي نافذ البصيرة.. لا يتهاون ولا يرده عن الحق..إلا الحق.. يتكىء على مسند ارضي مفكرا.. يستمع الى احد وجهاء القبيلة بإنصات يفسح لهم مجال التشاور و الأخذ و الرد في اتخاذ القرار
- شيخنا إذا رضينا معناته دخلوا بقبيلتنا و اختلطت انسابنا و حنه ما مجبورين نتحمل حملهم لاهم من عربنا ولا حتى تربطنا بيهم قرابة دم أو نسب.... فزعنا لهم و حاولنا نساعد و صدينا عنهم الي نقدر عليه..ياشيخ هم لهم كل يوم مشكل مع العربان بسبب گاعهم إلى ثابتين فيها..ليش ندخلهم معنا؟ و نتحمل وزرهم. حنا بدو رحل كل يوم بمكان و گاع جديدة نسعى بأرض الله الواسعة...
ويضيف رجل آخر من الوجهاء
- ياشيخ بيض الله وجهك وما قصرت.. وهاي الهم من وقت ما صدينا عنهم الغزوة..العز وكل الحفاوة لكن نشاركهم اسمنا هذي هي الي ماحسبنا حسابها .. شنهو الي يجبرنا وحنا عرب لنا صيتنا و جاهنا؟؟ ياشيخ هم يعتبرون من الحضر.. مكانهم ثابت مو رحاله مثلنا.. وحنا بدو كل يوم بديرة.. لا سلومهم سلومنا ولا عاداتهم مننا. رجعناهم لأرضهم الي خذتها منهم قبيلة **** وعرفت جميع القبايل انهم بحمايتنا... ليش ننطيهم اسمنا؟ ياشيخ هذي تشعل نار الفتنه و كل يومن راح يروح لنا قتيل منهم او مننا....
فيعود الوجيه الأول يكمل مرة اخرى حيث توقف
- يعلم الله انهم ناس اجاويد لكن ان نشاركهم لقبنا هذي ما مقبوله.. راح يشاركونا بكل شي..خيرنا و حلالنا.. يجوز حتى بزعامتنا ياشيخ وانت شايف رجالهم رغم قلة عددهم حباهم الله بالفصاحة و المال وانا اشهد انهم ناس و النعم وكل الزود فيهم لكن ان دخلوا معنا معناته صار النسب واحد.. والدم واحد.. يجري علينا ما يجري عليهم والقرار لك ياطويل العمر .. فيسود المجلس الهمهمات بين مؤيد و معارض و الشيخ ضاري يتأمل سارح الفكر يضع جميع الحلول أمامه... فيقول بعد وقت تأمل بصوت واثق جهور يضع حدا أدرك انه سيُحترم وسيكون على حد الرقاب
- ياجماعة الخير.. رايكم جميع على العين و الراس.. لكن مو من عوايدنا نرد المستجير بينا.. وانا كشيخ لقبيلتنا قررت و ان شاء الله انه راي سديد....عرب الشيخ **** صاروا مننا... يجري عليهم اللي علينا... و يجري علينا الي عليهم...عهد بيننا و بينهم نوثقه بالدم.. أنسابهم لهم وانسابنا لنا.. لكن اسمهم يتبع اسمنا .. دخلوا عندنا و ما ارضى بضيمهم.. و هذا قرارا يحترم من الجميع الكبير قبل الصغير.. ناخذ منهم و ننطيهم.. حزام ظهر لنا و سند لو مال الوكت بينا.. ماتعودنا نرد الدخيل وهم دخلوا عندنا لان ضيم صابهم بسبب قلة عددهم . وهذي وصيتي لجميع الحاضرين.. الحين و حتى بعد مماتي.. دمنا واحد..وعرضنا واحد.. يجري علينا ما يجري عليهم.. سلاحنا نتقاسمه معهم و هم ما يقصرون معنا.. الحاضر يعلم الغايب.. كاعهم الي رديناها لهم تبقى الهم... واحنا نبقى على ترحالنا.. لكنهم تابعين لنا الي يضرهم يضرنا
و ينفض المجلس بين مؤيد و معارض ناقم.. فما يطلبه كبيرهم أمر استصعبه البعض.. وشحنت بعض النفوس بالغيظ و الكره.. من كلا الطرفين .. فالعشيرة الأخرى صغيرة.. استغاثت بهم كي تكون جزء منهم.... تكون في حمى إسمهم.. فهم لا طاقة لهم على الغزوات و النزاعات العشائرية التي عرفت بها المنطقة آنذاك... هم من الحضر... لهم مكانهم الثابت الخاص قرب احدى مناطق نهر الفرات الخصبة جدا... فكانوا مرارا عرضة لمطامع بعض القبائل و العشائر... فهم يعتبرون من البدو الحضر كما كانوا يلقبون ذاك الوقت.. لا يعترفون بالقيد و الشرط و سنن البادية إلا القليل منها..
وتمضي الايام وتستمر النزاعات بين الطرفين ... و الغاية كانت ان يكونا جسدا واحد.. اتحاد قوه لا بئر للضغائن..بلا اختلاف.. ومرة أخرى تطفو الغايات و الاحقاد.. فهناك من كان يرى أن العشيرة الصغيرة باتت تأخذ حيز واتساع.. حظوة عند شيخ القبيلة.. الذي تزوج زوجته الرابعة منهم.. فصار بينهم أرحام و دم.. والشيخ كان يظن وقتها أنه بهذه الطريقة لا يزيد قبيلته إلا تلاحما و تراحم.. لم يعتقد ابدا ان هناك من يريد التفرقة و هدم جسور المحبة التي يبنيها بشكل حثيث..
كان الشيخ ضاري مثالا للعدل و المساواة يُحتذى به.. لا تفاضل عنده بين نسبا و اخر... حكيم في قراره فرغم سيئات الاتحاد الكثيرة... إلا أنها عادت بالنفع على كلا الطرفين.... فزادت مَنَعتهم.. و كَثُر عتادهم.. و ازدادت مصادر ارزاقهم... فكانت قبيلة قوية البأس و الشكيمة... وكان الشيخ ضاري يوصي كثيرا خلفه من بعده بالمحافظة على هذا الاتحاد.. قوله الدائم ان التحالف قوة.. وكل المشاكل التي كانت تحدث هي من صغائر الأمور.. . بل كان يحاول أن يوازن بين رعاياه..حتى وافته المنية.. قبل ان يرزق بذرية من زوجته الأخيرة... وعادت ارملة شابة مطرودة الى عشيرتها الصغيرة.. وتستقبلها بعض الصدور المشحونة زيفا بعزة و كرامة... تشحن النفوس بغضا تريد مجددا الانفصال.. مالهم بقبيلة لها غزوة كل فترة واخرى؟ تحكمهم بسننها وأعرافها؟
قبل قرن تقريبا..
احدى اجتماعات العشيرة الصغيرة التي باتت تعقد تلك الفترة بأستمرار.. يحدثون كبيرهم الذي كان يجلس منصتا لما يدور.. يقلّب الكلام في عقله علّه يصل الى حل يرضي هذه الاطراف الناقمة
- شيخنا ليش نبقى تحت رحمتهم والله منعم علينا؟؟ هذا مكانه نبقى بي نرعى حلالنا و نحرث هالگاع..هالمنطقة مثمرة نزرع ونحصد خير بيها من الله..حنا حضر موش بدو رحل.. و الحكومه الانجليزيه انطتنا رخصة گاع نبقى هنايه.. القبيلة كل يوم مسوية كمين للانجليز و شبابنا تروح بيها موش شبابهم... يدورون بطولات وحنه ناس على گدنا.. نحرث و نرعى .. خلينا يا شيخ نرجع لاسمنا و نفض معاهدتنا أسلم لنا والهم و كثر الله خيرهم وكفو ويانه و ما قصرو ..
يصمت الشيخ وهو يفكر.. فالأمر ليس بهذه السهولة التي يفهمها البعض.. المعاهدة تحتوي على حماية مشروطة لهم.. لا قبائل او عشائر اخرى تعتدي عليهم.. حتى الانجليز ادركوا ذلك.. لذلك كانت الخطوة الاولى هي تقسيم تلك القبيلة حتى تكسر شوكتها التي باتت تقوى في مقارعة الانتداب الإنجليزي منذ فترة.. يقول صوت آخر بحكمة
- ياشيخ عيب بحقنا اذا نفضّ المعاهدة الي بينا.. ماقصروا ويانه ليش نتركهم الحين؟ شيخلصنا من باقي العربان.. نصير حديث المجالس.. جنا وياهم بالرخاء و من صارت شدة عليهم انفصلنا؟ عيبه جبيرة بحقنا..و شبابنا ما يرحون عبث.. رايحين فدى للگاع وهم موش احسن منه.. نبذل في سبيل الوطن المال و العز و الجاه..
و ينفضّ المجلس مرة أخرى بقرار متزعزع.. بين رفض لاتباع القبيلة فهناك من يريد له الزعامة.. لا يرى ضرورة من الاتحاد.. بل يرى أن الأمر يمس الكرامه.. و للحق.. كانت النزاعات تصل للقتل بين الطرفين بسبب اللقب و الاحقيه بحمله.. لذلك بات عدد المقبلين على انفصال العشيرة في تزايد.... واستمر الحال ...بين تصميم بالمضي و الاستمرار... و بين الانفصال و بزعامة جديدة..
حتى جاءت ثورة العشرين.. حيث اجتمعت العشائر كلها.. بقوتها و ضعفها... لدحر الانتداب البريطاني.. فسطرت اروع الانجازات رغم قلة الامكانيات.. ثورة شرسه خلدت دور القبائل و العشائر العراقية.. فقدمت القبيلة و العشيرة على حدا سواء خيرة الرجال.. و المال و السلاح.. كانت نقطة التقاء حسبت للطرفين.. لا نزاعات..لا خلافات.. كلها وأدت في وقتها عندما اشتد النزال..
قبل سبعين عاما تقريبا ..مضيف القبيله
-شيخنا يرجع اسمكم لكم و اسمنا لنا والوجه من الوجه ابيض.... كل فترة يصير نزاع بين شبابنا بهلخصوص .. صرنا نتعيّر اننا تابعين لكم وانكم انتم الي عزيتم و رفعتم اسمنا... حنه ناس استقرينا بمكان و انتم استقريتم بمكان.. هسع الامور ماهي مثل گبل .. كل واحد مننا له وزنه و ثقله وحنه نرفض نكون تابعين.. صرنا نشوفها عيبه بحقنا ... نرجع لاسمنا و كفى الله المؤمنين شر القتال
-اشهد بالله انكم منا وبينا.. ماعادكم اغراب..بيننا ارحام و نسب ..سناين و سنايد مكتوبه.... اذا بعض الجهّال يغلطون بحقكم گعدوهم للحگ وانه بخدمتكم.. هذي هي سناينه و اعرافنا...لكن طالما هذي رغبتكم الي تشوفوه ما نوگف بوجه طلعتكم.. حددوا وقت طلعتكم واحنا نقوم باللازم.. نشوف وجهاء بقية القبايل و العشاير و نجيب الشهود و تطلعون براحتكم و وجهنا من وجهكم ابيض..
وهكذا تم ما ارادته بعض شخوص العشيرة منذ زمن بعيد.. والغاية كانت الزعامة و التفرد بها.. وتم الانفصال.. لكن بقيت النعرات تظهر.. و العداوات تكبر خاصه في اجتماع القبائل او العشائر عندما تنسب العشيرة للقبيلة سهوا.. فتثور ثائرة رجال العشيرة.. اضافة الى النزاعات التي كانت تحدث بشكل مستمر بين الشباب فتراق جهلا بينهم الدماء...
و تمر الأعوام.. و تُعرف بين المجالس العشائرية العداوة بين تلك القبيلة و العشيرة.. فلا يجتمعون في مجلس الا يكون هناك جفوة بينهما.. عداوة مبطنة منفرة.. تفوح منها رائحة الحقد و الضغينة بعض الأحيان.. وكان شيخ القبيلة آنذاك يحاول جهده أن يكف هذا الصراع الذي بات يحصد منهم الأنفس و الارزاق دون وجه حق بعض الاحيان.. إلا أنه لا فائدة ترجى..
و ازدهرت أحوال العشيرة وقد بُنيت مدينة على أرضهم و كان هذا سببا لاثارة سخرية بعض شباب القبيلة منهم عند الاجتماع... فكانوا ينعتونهم بالحضر وانهم خلعوا ثوب البداوة الأصيلة... و رغم صدق القول.. الا ان بعض شباب العشيرة كانوا يدخلون في قتال دامي تذهب ضحيتة الأنفس والأموال...
وبقي الصراع رغم مرور الزمن قائما.. حتى كُتب بينهم سند.. موثق من كبار القبائل.. أن لا يلتقي الطرفان أبدا في المجالس.. وان تُقطع كل سُبل الالتقاء.. و من يخالف ينال الجزاء...
↚
اوجاع الماضي...
إحدى مدن الوسط.. قبل ثلاثين عاما تقريبا..
مجلسا انيق ارضي فخم ذُهبت أطرافه بأناقة شديدة . يدل على ذوق أصحابه الرفيع.. يجلس أربعة أشقاء باسترخاء بعد وجبة عشاء دسمة اجتمعوا عليها بعد أدائهم صلاة العشائين جماعة.... يتداولون الان الأحاديث فيما بينهم. وقد رصت أمامهم اطباق من الحلويات الشرقية و طبقا ضخم من الفاكهة الموسمية ... الهدف من هذا الاجتماع قرار سيخرجون به ..يتم الاتفاق عليه... بإجماع منهم هم الاربعه .. وهو أمر قد تم نقاشه كثيرا منذ فترة طويلة...
الأشقاء كانوا جميعا من أثرياء المدينة الصغيرة آنذاك.. تجار و تختلف تجارتهم....فالشقيق الأكبر صالح كان يملك بساتين شاسعة يزرع فيها انواع التمور.. يصدرها بشكل منتظم الى الدول العربية المجاورة لندرة نوعها..و الشقيق الثاني احمد.. صائغ احترف صنعته وذاع صيته وكان يعرف بالفطنة و الطيبة و الذكاء.. مرجعا لأشقائه في حل مشاكلهم و رأب ثغرات احتياجهم المادي أن دخلوا في مشاريع كبيرة تفوق ميزانيتهم النقدية... أنعم الله عليه بالمال و الذرية فكانت ذريته تقتصر على الذكور فقط... و الشقيق الثالث ناصر ..كان تاجر أقمشة معروف أنعم الله عليه بكثرة المال إلا أنه دون ذرية الى الان..
أما الشقيق الأصغر فكان لا يزال طالبا في كلية الهندسة.. يصغر أشقائه بسنين عديدة ...مرهف القلب.. حسيّ الطبع.. يميل إلى اللهو و الطرب.. كتابة الشعر ومجالس الأنس لا تخلو لياليه منها.. ورغم محاولة أشقائه الدؤوبة على إصلاح أمره.. إلا أنه لا حياة لمن تنادي.. كان يستقيم على السطر يوما.. ويضيع بين السطور لأيام و ايام.. إلا أنه هذا اليوم جاء منصاعا مطيعا.. فالجلسة في بيت شقيقه الصائغ... لذلك وجب عليه حضور هذا الاجتماع.. فهو يحتاج إلى المال.. والمال عند شقيقة الصائغ.. ذاك الذي يَخبُر سره من نظرة واحدة.. ورغم أنه ورث من ابيهم كما ورثوا من مال.. إلا أنه و برضى نفس.. رضي أن يكون شقيقه الصائغ وصيا عليه.. حبا به.. و تعلقا.. يرى به ابا و صديقا.. يدمح له الخطأ و يغفر له الزلة.. دون تقريع شديد و شماتة..
- والله يا ابو علي تعبنا من هالشغلة.. احنه ناس تجار ما فارغين كل يوم والثاني لفصول و روحه و جية.. يريدون فلوس والله حاضر وبالخدمة.. بس للحق احنه مو بعازة العشيرة.. من يوم ما تولاها الشيخ**** و امورها بالنازل.. كل يوم طلابه شكل.. واحنه كلنا نريد نستقر ببغداد.. اني اشوف نطلع بسند وكان الله غفورا رحيما.. قالها صالح الشقيق الأكبر متناولا كأس الشاي العراقي( الاستكان) يرتشف منه ببطء متلذذ..
يصمت أحمد لبرهة يرتشف من كأسه أيضا.. ثم يقول بهدوء و حكمة
- الموضوع مو سهل صالح.. واله تبعاته و اني اكون صريح وياكم.. يعز عليه نطلع.. بس اتفق وياك.. من يوم ما صارت الشيخه عند الشيخ**** خربت امورنا.. وصارت المشاكل بكثرة مع الأسف.. الشيخه مو ثوبه.. بس اذا نحجي راح يگولون يردوها الهم.. واحنه بس شغلنا كافي علينا
فيقاطعهم الشقيق الثالث..ناصر وقد جلس مسترخيا في مكانه.. يسبح بمسبحته العقيق
- اني رايي من راي اخوية صالح.. الموضوع زاد عن حده.. ذاك اليوم جماعة كاتلين ثلاثة من قبيلة****** طلابه الماتفض.. و السبب مثل العادة تافه.. و تعالو روحو فصل و گعدوا گعدة حگ.. ضاعت سناينه من ورى هالجهّال.. ثم يلتفت ناصر الى شقيقهم الأصغر المنصت لهم بعدم اهتمام.. يقلب بسكين الفاكهة و بيده تفاحة يقتطع منها أجزاء عبثية يأكلها ساهما...
-نورنا برايك استاذ راضي.. لو انته كالعادة.. راضي بكل شي ما تدوخ راسك.. فينتبه راضي له مبتسما و تلتمع عيناه الرمادية بنظرة ما قائلا بمداهنة عرف بها
-خوية شعندي غيركم.. انتو فصلوا و اني البس.. نطلع من العشيرة.. سمعا وطاعه نطلع.. نبقى بالعشيرة هم سمعا و طاعه..نبقى.. انتو الكبار و اني خادمكم المطيع.. من هالأيد لهلأيد....فيهز صالح رأسه ساخرا من هذا الأخ الذي يجيد المراوغه دوما.. ينفذ بوسامته المفرطه.. و ابتسامته الطفولية المشاغبه.. يغمز ناصر لاحمد مشيرا نحو راضي الباسم
- انطيته المقسوم لو بعدك؟؟ لان گاعد عاقل و شحلاته.. فيضحك راضي هازا رأسه فهو الشقيق الاصغر الذي لا وزن له في نظرهم.. عدى شقيقه احمد.. الذي يكن له كل المعزة و الاحترام..فيقول احمد باسما
- كُلي اله.. الي يريده انطي بس خلي يتخرج من الهندسة بيضّت عيوني و بالي يمه رايح جاي لبغداد... فينهض راضي باسما يقترب من احمد و ينحني على رأسه.. يقبله بأحترام..
-على راسي ابو علي.. الله يقدرني و ارفع راسك.. فيضحك احمد و يمد يده في جيبه يناول شقيقه الاصغر المقسوم.. فينحني راضي بأحترام بالغ يود تقبيل يد شقيقه الذي يكبره بعشرة اعوام.. الا ان احمد يسحب يده مستغفرا داعيا له وهو يقول
-خليني اشوفك.. لا تغط (تغيب) راضي.. بالي يبقى مشغول عليك خوية..فيعود راضي ويقبل رأسه بمودة و يستقيم واقفا باحترام.. فيظهر طوله الفارع و جذعه القوي.. رجلا جمع الوسامه.. مع قلب طيب صافي لا يلائم صفعات الايام...
بعد وقت
ينفض المجلس وقد وصل الاشقاء الثلاثة اضافة الى صوت رابعهم الغائب الى اتفاق.. انسحاب تام من العشيرة.. بسند يوقعون عليه.. و توقع عليه بقية العشائر اضافه الى الشهود. فلا حاجه لهم بحماية العشيرة.. وهم قائمين بذاتهم.. لهم صيتهم بين جماعاتهم و قد تطور الامر في المدن.. فما عادت العشائرية امر محبذ مشروط.... خاصه وانهم سكنوا المدينه منذ زمن و استقرت أوضاعهم.. هم يرون ان قيادة العشيرة تسير نحو اتجاه لا يرضونه.. وحاولوا مرارا التدخل و الإصلاح و تقديم النصح.. الا ان الامر لم يكن الا مضيعة للوقت و الجهد..
يدخل احمد الى الصالة الداخلية بتعب فيومه كان طويلا وقد ودع اشقائه قبل قليل.. تستقبله زوجته الفاتنة..راغدة.. الجميلة بملاحة عربية تحتسب لها.. يمسي عليها باسما فور ان رأها.. فهي صبوحة الوجه مريحة للنفس يراها دوما باسمه..
- مساج الله بالخير و العافية.. فتنهض اليه باسمه تقبل كتفه تهمس له بمودة باسمه
- مساك الله بالخير و السرور حبيبي الله يساعدك... راحوا الله يحفظهم؟.. فيومىء بتعب باسم وهو يجلس
- راحوا قبل شوية و يخصوج بالسلام.. ثم يسأل ناظرا حوله بأستفهام
- وين الولد؟ علي و جعفر ما رجعوا؟؟
فتتنهد راغده .. تخبره متجهمة
-والله احمد تعبوني ولدك.. ما اجو و كم مره نبهت انته عليهم ما يتأخرون.. ادري ما يرحون مكان بس والله اخاف عليهم عمرهم صغير و انته يا احمد ما فارغ الهم.. مهاب و خالد فوگ نايمين..و الصغار هم نايمين بغرفتنا بس ذوله الثنين الي مايفيد وياهم حجي ولا تعنيف.. يومىء احمد واجما وقد تعكر مزاجه.. فعلي و جعفر جامحي الفكر رغم صغر سنهما فعلي يبلغ من العمر السادسة عشر و جعفر الرابعة عشر..قد برزت عليهما اثار الرجولة المبكره... فمن ينظر اليهما يجزم انهما توأمين قد دخلا العشرين منذ زمن.. تعود و تسأله راغدة وقد شعرت ان مزاج زوجها قد تعكر صفوه..
- وصلتوا لاتفاق؟؟ فيصمت احمد يحاول ان ينظم انفاسا باتت تزداد سرعة تواكب غضبا يشتعل في نفسه مع تزايد افكاره..يراقب ****ب الساعه التي تشير الى العاشره الا ثلث مساء.. اين ذهبا؟؟ شدد عليهما مرارا عدم البقاء خارجا لوقت طويل.. فعلاوه على صغر سنهما.... الا ان الوضع السياسي غير مستقر في المدينة.. وهو اب و يخشى كثيرا عليهما.. وقبل ان يجيبها ظهرت له هيئة علي و جعفر امامه يتحدثان بخصوص موضوع ديني ما. يلقيان السلام بصوت باسم خشن ظهرت به ملامح الرجوله المبكرة... وقبل ان يقتربا كان احمد قد استقام من جلوسه و اقترب منهما .. و بثانيه واحده ارتفع صوت صفعتين مدويتين في المنزل الساكن...
ذهول اصاب وقتها ثلاثة وجوه.. علي و جعفر.. و راغدة التي وضعت كفها على فمها مرعوبة شاهقه وقد اتسعت عيناها رعبا.. اما احمد فكان وجهه غاضبا لا يفسر وهو يقول بصوت حاد غاضب
- وين جنتوا؟ كم مره حجيت و گلت ممنوع الطلعه بعد المغرب؟؟ الحجي الي احجي صعب؟؟ ما ينفهم؟؟ الف مره حجيت و عدت.. تردون تدرسون.. درسوا هنا.. ليش تطلعوني عن طوري.. قالها بغضب حاد هز اركان منزلهم الواسع... فأقتربت منه راغده تهدأ من فورته.. تمسح على ذراعه.. و تهمس بأسمه الا انه استمر معنفا بصوت غاضب و كل من علي و جعفر ينكسان بأنظارهما ارضا باحترام.. يعود و يسأل بغضب
-وين جنتو؟؟
يجيبه علي بصوت واثق هادىء وهو لا زال ينظر الى الارض باحترام بالغ
- بالمسجد.. فيصمت احمد يحاول جهده كتم غضبه.. فمن يقف امامه هو علي.. بكره.. البار به كثيرا.. و المرضي لوالدته دوما.. حسن الوجه.. جميل الطبائع.. يلحقه جعفر بخلقه.. الاثنان خير ذرية .. خير قدوة لاشقائهم.. يهمس احمد فجأه بتعب وقد تغيرت نبرته تماما..
-علي رجعنا بوية.. شكم مره حجيت؟؟ شكم مره فهمتكم؟؟ انتو ما تردون رضاي؟؟ فيسرع علي و جعفر ينحنون يقبلون يدي والدهم.. بينما تبدأ عينا راغدة بذرف الدموع وهي تعلم قلق احمد.. تعود و تسمع صوت احمد هامسا بقلة حيلة..
-بوية اهج بيكم؟؟ انتو شايفين الوضع شلونه؟؟ وين اروح بيكم و الله كرهت هالمدينة من وراكم.. شهر شهرين و اخذكم لبغداد و استقر هناك و اشوف حل الكم.. اني لا تفكرون بيه.. فكرو بأمكم تموت والله اذا يصير شي بيكم.. و اشار الى راغدة الباكية الأن بقوة.. فيقترب علي وجعفر منها هي الاخرى يقبلون رأسها و يدها و يحتضنانها بحنان و ود بالغ.. الا ان احمد يكمل بتعب وقد ثقلت اكتافه بحمل هذين المراهقين الجامحين.. والوضع مخيف مرعب.. وهو يعلم ان الجميع تحت المجهر.. لن يشفع له ماله و اسمه او وساطته ان وقع الفأس بالرأس.. يعود ويقول بصوت خافت
- اذا تردون رضايه بوية بطلوا.. روحة المسجد عوفوها.. شوفو مكان ثاني تجتمعون بي... فيهمس جعفر يود طلب الرخصة للحديث
-يابه من رخصتك بس..وقبل ان يكمل يرفع احمد كفه متعبا مكتفيا.. يقول بخفوت و كأنه كبر اعواما..
- حجاية افهموها زين بابا.. الوضع هسه مابي شقى.. وانتو دا تشوفون ناس هواي دا تنسجن علمود روحة المسجد.. لخاطر الله.. لخاطري.. لخاطر امكم هاي المسكينه رحموا بحالي.. اذا اخذوكم بعد ما نشوفكم بوية.. تعمون على الكل... مايعرفون ذوله صغير و جبير...فهموا.. يصمت احمد وهو يراقبهما ويعلم انه لا فائده من الكلام.. فهذه ربما المره العاشره التي يدار به ذات الحديث.. المتغير فقط هو فقدانه لاعصابه و ضربهما.. يصمت مبتعدا يتجه نحو الاعلى.. مهموما..قد ضاق صدره..
ولم يعلم احمد ان هناك عيون متتبعه ترصدهم بخبث منذ فترة... و ان ولديه سارا على طريق اللا عودة...
**************************
منزلا اخر.. منزل الشقيق الاكبر صالح
يدخل الى المنزل مكفهر الوجه..عبوس.. وقد نال التعب منه هو الاخر.. فقد كان يرافق الفلاحين طوال فترة النهار من اجل تصدير كمية تمور خاصة كعينة الى احدى الدول المجاورة... وقد جاء اجتماع اشقائه كحمل متعب لم يكن له طاقة عليه.. الا انه يدرك انهم بحاجه الى البت بالامر سريعا فالامور زادت عن حدها...
فور دخوله الى الصاله الداخليه يرى زوجته سعاد جالسه تنتظره... تتابع احدى الأفلام العربية عبر جهاز الفيديو الخاص... فهي من عشاق السهر و السمر ... يلقي السلام و يجلس .. فترده هامسه تتأمله وقد شعت عينيها بالفضول و شيئا اخر تحاول دوما دفنه عندما يعود صالح من لقاء شقيقة احمد.. تتصنع الابتسام و تسأل صالح ذو المزاج الحاد دوما
-جنت يم بيت احمد؟ فيرمقها صالح بتجهم ويده تفتح ازرار قميصه الابيض.. يخبرها ببرود
- اي.. تصمت سعاد وهي تعلم اي تفكير يفكر زوجها الان .. فملامح وجهه الساهمه العابسه بتفكير عميق يبلغها اين يرتحل فكره.. لطالما عقد المقارنة بينها و بين زوجة شقيقة راغده... تلك المرأه الودود الولود.. التي انعم الله عليها بغنى المال و كثرة الذرية من الذكور.. و صالح.. الذي يجلس امامها له من الاناث خمس لم يُرزق الى الان برائحة الذكر.. ولا يبذل هو جهدا في إخفاء استيائه من الامر. بل يقولها صراحة بعد كل لقاء مع شقيقه.. يعيرها بخلفتها.. يريد عزوة... وهي لا تقدم له سوى الاناث...
تحاول الدخول الى عالمه فتسأله بمودة مصطنعه مرة اخرى.. فهي لا تطيق اخلاقه.. غضوب..عصبي حاد المزاج و الكلمة.. ان ابتسم يكون يوم عيدا في دارها الفاره الواسع...
- و ان شاء الله اتفقتوا؟
فيجيبها صالح بصوت هادىء واجم..
- اتفقنا الحمد لله.. يجوز الاسبوع الجاي نطلع لبيت الشيخ ***** نبلغه بقرارنا.. فتصمت سعاد لبرهه و تعود تسأله وهي تميل لاخذ حبات من الفستق المحمص من الاناء امامها.. تبعد القشر المملح تقول بخفوت باسمه
- وراضي وياكم متفق؟ اجى؟ فيلتفت صالح اليها ببرود مقيت.. يرمقها بنظرة اخرستها و ازالت بسمتها.. فتتوتر وهي تعود و تنظر امامها.. يصلها صوته محذرا
- وليش تسألين؟ اي اجى راضي.. و ماطلع من شورنا.. فتلتفت سعاد ناحيته بشجاعة زائفه تهمس له
-ليش صرت عصبي و ضجت.. اني شحجيت.. سوأل سألتك.. فيصمت صالح يتأملها لوهله.. يعرفها و يعرف الى ماذا ترمي
- انتي ما حجيتي.. نبرة صوتج الي حجت.. راضي اخوي ما ارضى عليه حرف.. مو كلمة.. الولد كافيج خيره شره.. فتعود سعاد بذات النبره المصطنعه تهمس
-يابه ما سبيت العنب ترى.. هو سوأل سألت. بعدين ليش تتحسس كلما سألت عن راضي؟؟اخيك راد اختي و اختي رفضت.. الوجه من الوجه ابيض.. من يومها انته شايل سيفك عليه.. اني شبيدي.. اختي الي رفضت.. فيقاطعها غير مبالي
-اختج ثوله مثلج.. فتلتفت عليه سعاد ترمقه بكره يعلمه جيدا.. فيكمل غير مبالي
-والله ما گلت غير الحق.. انتي مابيج خير و هي هم مابيها خير.. والا اكو وحده ترفض راضي؟؟ و ياريت رفضت بأدب و احترام.. و نعت شقيقتها بشتيمة ما ثارت لها سعاد بغضب
-صالح شنو اله داعي هالكلام؟؟ كولشي قسمة و نصيب و راضي نسى الموضوع و كم مرة سمعت من راغدة يريد يخطب وياه بالكلية.. فيتمتم صالح وهو يسترخي في مكانه
- ثوله ثانيه جايبلنا غير.. بعدين تعالي هنا.. انتي ليش مابيج حظ؟؟ اليوم نسيبج خابرني.. بنتج ندى مجزعته و مكفرته بدينه... انتي ما تخابريها؟ ما تحجين وياها تعقليها؟؟ بس حايرة ترحين و تجين تشترين ذهب و هدوم و فلانه گالت و فلانه حجت.. فتنهض سعاد واقفه ترمي حبات الفستق من يدها بغضب تجاه الاناء... فقد سمم بدنها بكلامه اللاذع
-لاحظ كلما ترجع من بيت اخوك تسوي عرس هنا.. بعدين بنيتك موصوجي اذا انته زوجتها وهي بعدها طفله.. طايح تزوج ببناتك وهنه بعدهن كولشي مايعرفن.. بنات صغار يادوب يدخلن ال 14 تشيل و تنطي.. ذاك اليوم مو اجتك ندى زعلانه و ضاربها رجلها.. شسويت؟؟ رجعتها من الباب و اتحداك تگول خابرت و تطمنت عليها.. يقاطعها صالح ببرود
- ماعندي بنات يعوفن بيوتهن.. و ضربها رجلها شصار يعني؟؟ غير هي مسويتلها عملة و دگه.. فتشهق سعاد بحنق وهي تنظر اليه بكره لا يستره شيء الان
- صالح اتقي الله و خاف ربك.. ندى طفله توها صارت 17.. و تدري بيها شگد هاديه.. مافكرت بكسرتها؟ ما فكرت رجلها شراح يگول من يشوفك مرخصها؟؟ يلتفت صالح اليها يرمقها بنظره مقيته ويعود ليقول بصوت بارد يستفزها و يثير جنونها
-خابرته و لعنت خيره هو هم.. لا تخافين.. و بناتي ما رخصتهن و انتي تدرين زين قصدي.. كل وحدة منهن اخذها ابن الحسب و النسب.. اتبعت السُنه لو هاي هم تعترضين عليها؟؟ ماتبقى بنية تغسل ببيتي.. ازوجها و رجلها اولى بسترها.. ليش اني اريد الولد و انتي مابيج حظ خلفتج بس بنات قالها بحنق ناقم.. فتهمس سعاد بملل
- رجعنا على سالفة الولد.. يابه روح تزوج.. خلي اشوف الولد.. اريد اشوف الله شلون يرزقك وانته هيجي تفكيرك.. فينهض صالح هذه المره.. يجذبها من شعرها بقوة
- تستهزئين ولج؟ على بالج ما اسويها؟؟؟بسيطة سعاد.. بسيطة.. قالها و خرج بعد ان دفعها بعنف على الاريكه خلفها.. فتجلس سعاد محترقه بغيضها.. كارهه ناقمة تريد الفرار من عشرته.. الذي يمنعها فقط هو العز الذي تعيش فيه. فلا تنكر ان صالح رغم كل عيوبه الا انه كريم يغدق بالعطاء المادي.. حتى على بناته.. لكل منهن بستان مثمر... يودع ريعه في احدى البنوك الخاصه.. لكن سوء طباعه تفسد عشرته.. سوء خلقه منفر حتى لاخوته.. كلامه حاد لاذع.. يجرح كحد السكين.. ولاتزال تذكر انه بعد كل ولادة لها.. وفي فترة نفاسها المتعبه لها..كان يمر عليها صدفه كي يراها.. فيهمس لها ساخرا
- الي يشوفج يگول جايبه ولد.. گومي بابه هي بنية الي جبتيها.. ولا تنكر.. ولا تنسى.. انها عند كل طلقه كانت تشعر بها اثناء ولاداتها.. كانت تدعو الله ان لا يرزقه الولد.. لسوء خلقه.. فأي حياة زوجية غير سوية كانت تعيشها سعاد
**********************
منزل اخر.. منزل ناصر الشقيق الثالث
يدخل المنزل حيث صالتهم الداخليه يبحث بأنظاره عنها.. حبيبته و سيدة بيته.. فاتنته السمراء.. المنزل غارق بالهدوء و السكينة.. و رائحة عطرية نظيفة طيبه تريح اعصابه تفوح من ارجاء منزله بأثاثه الراقي.. يدخل الصالة فيراها مسترخيه على الجلسه الارضيه بلونها الازرق الغامق المصنوع من القطيفه الفاخرة.. تجلس بأسترخاء و امامها اناء كبير رصت فيه اصناف من الفواكة بطريقة مميزه.. و صحيفه ذهبيه انيقه امامها تحتوي على عدة الشاي الذي يعشقه من يديها السمراء.. يتأملها وقد وقفت تنتظر دخوله بعد ان ابصرته وقد ارتدت هذه الليلة غلاله بيضاء رقيقة.. تعلم جيدا انه يحب اللون الابيض عليها.. يفتنه و يجعله يغرق اكثر بسمارها الداكن.. يقترب منها باسما.. فتقطع هي المسافه المتبقيه.. تدخل احضانه باسمه بموده صادقه.. تقبل كفه و كتفه و رأسه.. فلا يزداد مكانها الا اتساعا في قلبه.. تهمس له بمودة
-تأخرت.. گلت راحت سهرتنا.. فيبتسم بفخامه يقبل جبينها و جانب ثغرها.. يهمس لها
- منو گال؟ جيتج طاير.. فتضحك برقه تجلسه و ترتب الوسائد حوله.. فيسترخي تماما.. يتأملها باسما وهي تنحني عليه مره اخرى تقبله و تقول متعجلة تنوي النهوض
- العشى جاهز.. فيجذبها اليه بحزم يضحكها بغنج لا يكون الا معه..
-ما اريد تعشيت .. سويلي فواكه بس.. فتجلس بطاعه تتناول احدى الاطباق الانيقة و تقوم بتقطيع قطع من الفواكه وقد استرخى ناصر في مكانه ممدداً ساقيه.. يتابع مع زوجته احد افلام عادل امام الجديده في ذاك الوقت.. تهمس له بعد حين وهي تطعمة..
- ان شاء الله اجتماع خير جان حبيبي؟؟
يجيبها وهو يتابع الفيلم بأسترخاء لذيذ اعتاده قربها.. يفتح فمه فتلقمه بقطعة تفاح صغيرة يمضغها بهدوء وهو يجيبها
- الحمد لله.. يسلمون عليج هواي و احمد يگول راغده هواي عتبانه عليج.. من وقت ما انقطع التلفون عدنه ما مارتلها؟؟ ليش حبيبتي راغده طيبة و دوم تسأل عنج.. فتهمس له شهناز باسمه و تلقمه قطعة موز صغيرة
- والله صح.. التلفون جان هواي مريحني.. تدري ناصر من بعد جلطة رجلي صرت بسرعه اتعب من امشي.. فيلتفت لها بحنان بالغ.. تمتد يده الى ساقها الايمن الممتلىء يدلكه و يسألها بخفوت..
-ليش ما تحجين لعد شهناز؟؟ باجر نروح للدكتور.. فتقاطعه وهي تسحب كفه تقبلها بعمق تهمس باسمه..
-حبيبي شي عادي.. سبحان الله من طيحتي ذيج ما شفت العافية.. زودتني فوك عمري عمر...احس نفسي عجّزت... فيقاطعها ناصر بعشق.. يرفض الامر
- شنو هالحجي شهناز؟ فتتسع ابتسامتها تجيبه
- اني اكبر منك ب ثلاث سنين الي بگدي عدها اولاد بطولها.. فيصمت ناصر ينظر اليها عاتبا... و يحاول ان يغير المزاج فهو لا يحب هذا الموضوع كثيرا.. فيقول مازحا..
-والله انتي الي مكبره نفسج والا انتي بعدج بحيلج.. ما اشوفج غير غزال فتان اسمر.. بعدج وينج و وين الكبر يابه. اصلا هالفكره السلبيه شيليها من راسج..... بعده ذاك اليوم الي دخلتي المحل عندي كأنه البارحه.. تردين اللون الوردي واني الح عليج بالابيض لان يوالمج.. بيومها رفعتيلي عيونج الشهله هاي گلتيلي انته شگد ما تستحي وينه صاحب المحل عنك... فتغرق شهناز بالضحك و تفتنه اكثر فيقبل دون ان يشعر نحرها باسما
- والله الى الان استغرب شلون سكتت عنك.. طحت تتغزل..گولي شلون وثقت بيك و قبلت اتزوجك وانته هالگد تغزلت من اول مرة؟؟
يضحك وهو يعبث بشعرها و حلق اذنها الناعم الرقيق..
- والله العظيم وياج فقدت.. اني احب السمر.. وانتي على المرام شهناز.. حيل على المرام.. من شفتج گلت اريدها و ماخذها ماخذها .. و لا تنكرين بيومها بالليل اني اجيت يمكم اخطب.. و تعززتي عليه.. شلعتي گلبي حد ماوافقتي.. فتسرح هي باسمه تعبث بأزرار قميصه تهمس له
- اني على گد حالي.. ابوية جان رجال فقير.. و امي مره مقعدة و اني ايدهم و رجلهم جنت.. وحيدتهم... امي جابتني على كبر قالتها متنهده بحسره و تكمل.. الله يرحمهم و يرحم موتاك حبيبي.. فيرفع ناصر كفيها يقبلها بمودة وهو يترحم عليهم بخفوت ثم يخبرها بصدق باسم
- المهم تزوجنا.. و نورتي بيتي.. فتقاطعه بحزن شفاف باسم
- بس من دون جهال ناصر.. ترفع انظارها الحزينة اليه.. تهمس له وهي تعتدل .. تعبث بذقنه بأبهامها
- ناصر الله عليك تزوج... فيصمت هو و تتغير ملامحه يخبرها بجدية
- ترضين وحده ثانيه تاخذني منج؟؟ ما تغارين شهناز؟؟ فتتأمله بحزن و دموع رقيقه شفافه اكتست عينيها الواسعه برموشها المصطفه السوداء
-علمودك بكلشي ارضى والله.... شنو ذنبك انته فهمني؟ ... حملي صعب مثل امي... وطيحتي الاخيرة كبرتني سنين.. صار عندي جلطة ولوما رحمة ربك جان انته هسه بلا شهناز...قالتها ضاحكه ملتمعة العينين تحاول جهدها ان تنسى تلك الأيام الماضية.. تعود و تكمل بأصرار مقنع
-اخذ وحده ثانيه.. فيتأملها هو صامتا.. تكمل بلهفه علها تثير به رغبه ما عازف هو عنها بأصرار
-اخذها صغيرة..عودها ريان... خلي تملي هالبيت اطفال..تونسك و ترضيك.. حقك ناصر ذرية تشيل اسمك.. فيتقدم هو بكل هدوء يأخذ شفتيها... يغيبها بعالمه الذي تعشقه..ثم يهمس لها وقد غابت معه تماما
- ذريتي اريدها منج شهناز.. النفس ما تريد غيرج.. انتي سكني.. راحتي.. مؤنستي.. شلي بالذرية اذا ماتكون من عندج.. الي ربج كاتبه نشوفه.. يعود و يقبلها فتبكي هي برقة تخبره بألم
- عمرك يمشي ناصر و عمري هم.. اريدلك طفل يشيل اسمك ..هالخير الي احنه بي نحتاج احد يشيله من بعدنا.. ما تريد يكون النا ذاكر بهالدنيا.. يقربها منه متجاهلا يخبرها بصبر
- ذرية اخواني ذريتي ماكو فرق... اريد منج.. ماصار شهناز ..ماقاسملي ربي هالنعمه ما اعترض ابد.. بس لا تطلبين مني شي يفرقنا و ما يكون بطاقتي.. ٧ سنين وانتي تلحين واني نفس قراري ما اغيره لو شما يصير.. الحمد لله مرتاح.. و صابر العوض من رب العالمين.. فتصمت و تتحسر وهي تراه امامها قد دخل الثلاثين دون ان يرزقها الله منه بحمل سليم.. يهمس لها بشغف
- غيري الموضوع و داريني اليوم تعبان و ضغط شغل اخذ كل وقتي.. فتقترب منه بحنان بالغ كأنه طفلا صغير.. تغرقه بعاطفه عذبه رقيقه فلا يزداد الا حبا و تعلقا بها..
***************
ذات الوقت مكان اخر... مدينة اخرى غربية
يجلس بجوار والدته في المجلس الداخلي الواسع .. وقد تفرق مجلسه الخارجي منذ وقت.. و انتشر الجميع من حوله..حتى اولاده الكبار كل عاد لداره ... فعاد الى المجلس الداخلي يختص والدته بالحديث عن احوال قبيلته و شؤون اخرى يحب دوما مشورتها فيها... فهي صاحبة رأي سديد حكيم..
امامه صحيفه رصت عليها اطباق زجاجية صينية تحوي مالذ وطاب رغم ان شهيته للطعام غائبه تماما ...ففكره مشغول جدا على تلك الصغيرة التي لا يعلم كيف تحمل جسدها الناعم الحمل تسعة اشهر....
ترقب و هدوء حذر يعم المكان..وعيون ترتفع باضطراب تبصره في سوء سريرة تراقب ولا تتعب .... وقد جلس ارضا بهيبته غير مبالي ..وعلى حجره يجلس ابنه الصغير ذو الاعوام الخمسه.. يطعمه بيده بين حينا و اخر .. فهو يحب دوما من يشاركه طعامه.. والدته بجانبه الان تسبح مستغفره وهي الاخرى تراقب ملامح الشيخ السارحه ..
بعيدا عنه جلست زوجته (ابنة عمه).. بحجرها طفل صغير بأعوام ثلاث.. تربت على ظهره وقد قلبته على بطنه على فخذها الممتلىء.. تود ان يغفو .... الا ان حركتها القوية السريعة كانت لا تزيد الطفل الصغير الا نشاطا.. تُخرج بحركاتها السريعة غيضا دفينا.. و حقدا شوه دواخلها..تبصر ملامح زوجها السارحه بهمّ فتغلي كالمرجل.... تهمس لاخت زوجها ( سعدية) التي جاءت في زيارة ما سريعة..
- من الصبح تطلگ.. ما جابت الخاتون؟؟ فتهمس لها تلك بخفوت
- نظمية لمي لسانج لا يسمعوج.. انتي شايفه الوجوه شلون مگلبه.. ولادتها عسرة الله يعينها.. فلا تزداد نظمية ( ام حامد) الا غيضا.. وتشعر ان نيران حقدها تلتهم صدرها.. نيران حارقه تغيّب عقلها..
كلما تتذكر مهين بجمالها الباهر الحُسن وصغر سنها... تشب نارها.. تعود و تهمس
- و نرجس وينها.. ولا كأنها ضرتها... بويه شلون قلب عدها.. تخدمها و بناتها وياها.. سارة رايحه جايه.. فوگاها معلمتها ما تحجي حرف.. شلون تعلوم تعبان.. فتراقب سعدية وجه شقيقها الشيخ .. منغلق الاسارير و الملامح فتهمس بصوت خافت
- يعني شتردين تسوي؟ مهين حالها حالكم.. مرة الشيخ... فتقاطعها ام حامد بحقد مشتعل ..
- قصدج فصليه.. وتخسى تصير مثلنا... انه مرة الشيخ و بنت عمه.. بنت شيوخ ابا عن جد.. و نرجس مثلي حالها من حالي.. مهين فصلية.. اخذها الشيخ لبيته ..فتمد سعدية كفها تقرص خفيه فخذ نظمية الغاضبه.. تهمس لها بغضب واضح النبرات
-كافي حجي زايد والله هسه اگوم من يمج... انتي شنو تكسرين كلام الشيخ؟؟ الشيخ گال مهين مو فصليه حتى لو اجت بهلعنوان..و تدرين كلش زين شنو گال على الفصلية بوقتها.. هالعادة شيخنا دفنها من زمان.. لا يرضى بفصلية ولا يرضى بذلة الحرمه عدنا.... مهين حالها من حالكم.. و كافي حجي زايد الجو من گاعه مكهرب.. لا ينفجر بيج الشيخ...
فتلتهم نظمية الشيخ بنظراتها مجددا.. تراه سارحا يترّقب باب الصالة الداخلي منتظرا خبرا ما يريحه..قلق.. فمهين في حالة ولادة منذ الفجر والان تجاوز الوقت الحادية عشر مساءا... والدته (صفية) تميل كل حين عليه تهمس له بأمر ما يومىء هو له فقط.. او يهمس بكلمة او اثنين لاغير.. فكره مشغول وهي تعلم بل تجزم .. ان مهين اخذت مكانه ما في قلبه...كيف لا وهي صغيرة السن...مليحة ناعمة القد.. خضراء العينين بسمره عراقيه.. تحمل ملح الجنوب و نكهته....
تعود نظميه و تنظر بحنق الى ما يحتوي حجر زوجها الان.. طفله الصغير الذي يكبر ابنها حامد بعامين فقط.. عزيز ابيه و قرة عين جدته ....قيس. تراه طفلا صغير بلسان موزون... فهو رغم صغر سنه الا أنه فصيح اللسان.. واضح الفكره..ثابت الحجه.... يرسم دوما ابتسامة الفخر على شفتي والده عندما يحضر معه المجالس... يحفظ رغم حداثة سنه الشعر بتمكن يعجب والده فهو لا يزال طفلا قارب السادسه... طفل صغير جميل... يتوسد حجر والده الآن.. وقد ذهب في اغفائه من شدة تعبه و انتظاره لطفل جديد ينظم لاشقائه.. يميل عليه الشيخ برأفه يبعد شعره الاسود الفاحم عن جبينه يلثمه بحنان بالغ. فتزداد نيران نظمية غيرة اخرى و حقدا اخر ... تشعر بالنبذ.. قد طالها و طال ولدها حامد دون وجه حق.. تشعر ان الشيخ ينفر منها.. تزوج منها منصاعا لتقاليد و اعراف.. فهي ابنة العم التي كان يفر منها الجميع لحدة لسانها..وضيق عينها حسدا... ذريته كلها من نرجس ابنة عمها ايضا.. تلك الرقيقه طيبة القلب.. المتسامحه جدا... تتحمل الكثير... فمنزل الشيخ لا يخلو من الضيوف.. وهي لا تكل ولا تمل.. بل لا تشتكي ابدا .
اما هي نظمية فالشيخ لا يزورها الا كل حينا و اخر.. و حتى عندما يزورها يكون باردا.. مستعجلا.. تعلم انه لا يميل لها بسبب لسانها اللاذع و اخلاقها المريضه... تعلم ذلك.. وحاولت كثيرا اصلاح نفسها.... كسبه لصفها فهي لم ترزق بأولاد منه الى الان سوى صغيرها حامد.. فترى ان مكانها غير واضح و حتى مكان حامد... فالشيخ لدية العديد من الذكور ولا تعلم ما تحمل مهين في بطنها... تعود و تتحسر ...تلوم نفسها...لما لم تسمع كلام من قالوا لها انهم يستطيعون قتل الجنين؟ لما استخفت بالامر و كانت تظن ان مهين لن تستطيع إكمال حملها لشدة ضعفها... فقد كانت طريحة الفراش طوال مدة حملها تقريبا...
. تعود نظمية و تتنهد... تنفث حممها.. مرهقه ومتعبه لكنها تريد ان تعلم ماذا ستنجب مهين... يحرقها الفضول...و الكثير من الحسد... فهي كأن رحمها قد عقر من بعد ولادة حامد...
ومهين تلك التي دخل عليها الشيخ..حملت من ليلتها.. مهين فصلية الشيخ التي اهديت اليه حقنا للدماء بين عشيرتهم و عشيرة اخرى... لذلك لطاما استهانت بها نظمية.. تراها فصلية مهانه ليس الا..وكانت هذه نظرة نظمية للكثير من حولها..
تراهم عبيدا لها.. فهي ذات الحسب و النسب... صاحبة العرق العربي الاصيل.. و مهين ليست استثناء ابدا.. اعتبرتها خادمة لديها.. وكم كان يثير غيضها عطف نرجس عليها و تقربها منها.. و نظرات الود التي يرمقها الشيخ بها..وتلك المكانه التي رفعها اليها.. امور كانت تؤمن نظمية ان مهين الفصلية لا تستحقها ابدا
ترفع نظرات محترقه الان بغيظ وهي ترى نرجس تدخل مرهقه متعبه.. لكنها باسمه.. ترتسم ابتسامه دافئه على وجهها الحنون.. تتبعها سارة ذات الاعوام الثمانية تقف خلفها بهدوء.. فتتلهف انظار الشيخ ترتفع اليها منتظره.. يسمعها تقول باسمه
-البشاره يالشيخ.. فيومىء الشيخ بلهفه
-طلبي الي تردي نرجس بس طمنيني.. بشريني
-ولد شيخي ولد.. بدر مثل اخوانه..قوي الله يحفظة و تشوف خيره و بره.. ينهض الشيخ من مكانه وهو يحمل قيس يقبله و يضعه بحجر والدته الضاحكه.. و يقترب من نرجس يقبل رأسها يهمس لها بتقدير
- گواج الله .... ماقصرتي..ماقصرتي يالشيخة.. ثم يردف هامسا وقد اقترب منها.. طمنيني مهين شلونها.. فتبتسم نرجس بمودة
-زينة لا تخاف عليها.. بس شافت ابنها ردت روحها.. فيعود الشيخ يقول باسما بصوت واضح
-جاسر.. ابنها اسمه جاسر على اسم ابوها.. سويلي درب اريد اشوفها..
↚
وجع الماضي...
يقف منذ نصف ساعة تقريبا امام بوابة كلية الآداب.. يراقب بتركيز الطلبه المغادرين...و يتمنى فقط ان يلمح طيفها.. فقد كان الاتفاق ان يلتقيا في مقهى كلية الهندسه اليوم...لكنها لم تأتي.. و كم سبب الامر خيبة امل جديدة لا تفاجأه معها.. قاسية احيانا...متململه... كثيرة الدلال... وهو عاشق متيم..معها تعلم الصبر و رحابة الصدر و اتساعه..يغفر لها كثيرا حتى خروجها احيانا عن حدود الأدب اللفظي معه.. بها سحر ما يخرسة.. يرفع يده ينظر الى ساعته و يتذمر في داخله اكثر.. ثم يعود للجلوس داخل سيارته الحديثه بلونها الغامق و رقمها المميز
على الجانب الاخر
تراقبه صديقتها منذ ان توقف امام مدخل الكلية قبل وقت.. تتنهد كل حين معجبة به ولا تكتم ابدا اعجابها.. بينما تقف سحر لا مبالية تتحدث مع مجموعة من الزميلات حول مشغل خياطة جديد افتتح في احد مناطق بغداد الراقية فيتفقن على زيارته الاسبوع القادم لتفصيل بعض القطع التي تخص الدوام الجامعي... تلتفت صديقتها اليها تهمس عند اذنها
- ياظالمة الولد انشلع گلبه بهلحر.. طلعي كافي خطية والله
فتجيبها تلك لا مبالية
- انتي معليج.. طلعي منها.. فتهز صديقتها رأسها عجبا منها.. ثم تعود و تتأمل ذاك الوسيم الذي اخرج سيجاره الان يدخنها بأحتراق..
بعد وقت
يلمحها خارجه بصحبة احدى صديقاتها.. ترتدي طقم مكون من تنورة عريضه تصل لاسفل الركبه.. وقميص ابيض رقيق.. شعرها النحاسي يتمايل معها حتى حدود خصرها.. كثيف لولبي ملتمع.. يأسر النظر.. قدها مياس.. تتمايل بخطوات لعوبه مدروسة... تعلم انها فتنه.. حباها الله بجمال الطله و هيبة الطلعه.. ولا يزيدها الامر الا غرورا مرضيّ متعب لها ولمن حولها.. تقترب منه وقد ترجل هو هائما بها من سيارته.. يراقب اقترابها منه بأفتتان خالص.. تلمح طيف ابتسام على شفتيه..و تعترف انه يخطف ابصار زميلاتها..وسيم بفخامه.. غني ذو حسب و نسب.. يدرس الهندسه في سنته الاخيرة.. فلا تزداد الا غرورا ... مثله من يلائمها لا سواه
تسمع صوته هامسا بشغف
- تأخرتي حبيبتي.. بالي بقى يمج.. مو على اساس نلتقي اليوم؟.. فتجيبه هي وقد وقفت على مقربه منه.. ترفض يده التي مدها اليها ...تتحاشى النظر و تصطنع الزعل
- ماصار عندي مجال.. حازم وصلني لان جنت متأخره.. فيتجهم وجهه تماما و يتكدر... يكرر متسائلا
- حازم؟
- ابن خالتي.. انته تدري بي يوصلني من اتوازى بالوقت.. فيصمت راضي.. يكتم غضبا غيورا يشعر به يحرق جوفه.. يمد يده مرة اخرى لمرفقها يسحبها برقه شديدة..
- دتعالي خلي نگعد بالسيارة الجو حار.. فتسحب يدها مسرعه تهمس له بغضب مصطنع..
- ايدك راضي احنه بره.. شيگولون عليه الناس... فيتوقف راضي يرمقها بنظره مستغربه.. يخبرها بصوته العميق الهادىء عاقدا لحاجبيه
- نغمه جديدة هذي سحر.. شنو الي صاير فهميني؟
فتتغير ملامح وجهها الجميلة.. تحتد.. و تلتمع نظرة ما بعينيها العسلية الساحره التي تقتله
- ماصار شي.. اني ترى بت عالم و ناس.. لا تنسى ثنينه من نفس المدينه.. يعني الحجي يوصل لاهلي بسهولة.. ياريت تخفف الجيه لهنا.. اخاف حازم يشوفك ... فيلتفت راضي جانبا يشتم بشتيمه ما خارجه لم تسمعها سحر جيدا .. فتبتسم في داخلها... مطمئنه انها على الطريق الصحيح.. تعود و ترسم نظره الغضب المصطنعه تهمس له..
- روح عفية لان واعدني يجي عليه بعد شوية ارجع وياه لل**** تدري دوام ما عندي الاربع ايام الجايه و حابه انزل لاهلي... فينظر لها ساخرا بغضب يقول بصوت محترق
- اي؟ و حازم افندي شعليه؟ ركبي اني هم نازل ل****.. ننزل سوية ماكو أشكال... قالها يوليها ظهره منتظرا ان تتبعه.. فيتوقف بعد خطوات يستدير لها مجددا ويراها لاتزال واقفه في مكانها تهز قدمها ناظرة حولها تشتت نظرها ..تنظر لكل شيء عداه .. فيعود مستغربا و ينظر الى ملامح وجهها الفاتنه فترتسم عقدة حاجبيه بشدة هذه المرة. يعود و يقترب منها يميل عليها يسألها
- شنو الي صاير؟؟ اليوم شو مو سحر الي اعرفج؟ فترفع انظارها اليه لبرهه.. و تلتقي نظراتهما.. هو بعيون بنية دافئه و ملامح رجولية عذبه فخمه.. وهي بنظرات عسليه ساحره وملامح وجه منمنم فاتن.. تخبره بوضوح.. سوأل صريح دون تردد
-شوكت تخطبني؟ يصمت راضي وقتا وهو ينظر اليها.. يدرس ملامح وجهها.. يرى الجدية و نظرة ما ارعبته في عينيها... نظرة استغناء ان تعّذر لها....فهناك العديد امثاله ممن يركض خلفها يتمنى الرضى.... يسألها بصوت خافت
-هذا الي مضوجج؟؟ ماجان ممكن نگعد و نحجي سحر؟؟ بدل وكفتنا هذي؟؟ فيرتفع حاجبها الايمن و ابتسامه ساخرة ترتسم على شفتيها.. تحيرة بابتعادها عنه خطوه ...
- يعني ما حددت وقت ويه اخوانك مو؟؟ مو وعدتني راضي؟؟ لو كلام بالهوى بس؟ يجيبها وهو يتأمل وجهها عله يجد سبب التغيير الذي يشعره منها
- اليوم من نرجع ان شاء الله افاتحهم.. فتطلق ضحكه مبحوحه تعلم انه ذائب بها.. ضحكة تجمع الغنج و كل الاغراء.. ورغم انه رجل عارف.. مجرب.. الا انه معها يفقد زمام النفس و يطلق عنان الرغبات.. فيدق قلبه في صدره بشده.. يبتلع ريقه و نظراته تلتهمها.. تهمس له بمكر
- لعد توكل راضي... ولهنا بعد لا تجي... و تلتفت تبتعد عنه.. فيمد يده يسحبها اليه من كفها.. و تنفض كفها عنه ملتفتة اليه بنظرة صقيعيه باردة.. تخيفه دوما بها.. تهمس له ببرود قاتل..
- شوف عيني... الظاهر انته بعدك طفل.. رايك مو بيدك.. من تصير گدها.. عود تعال.. و لا تتعب نفسك... لو خطبه مثل الاوادم.. لو لا تجي ما اريدك.. فينظر اليها بذهول.. و تنظر هي اليه بتحدي.. لا تبالي.. وقد انسحبت الدماء من وجهه... ثم تحتد عيانه لغضب يكتمه... لا يود ان يخسرها.... يريدها... كمرض انتشر في عقله لا علاج له سوى قربها... لذلك يكظم غيضه دوما معها... و في المقابل تعلم سحر انه عاشق لها... كخاتم في اصبعها... مهما زادت العيار... سيتبعها....
تسمع صوته متسائلا مرة اخرى
-سحر احنه مو متفقين؟ مو گتلج كم شهر و اتخرج... وبعدها نتزوج رأسا..وحتى بيت هنا صارلي فترة ادور حتى اشتري.. شنو هالحجي الجديد بعد... تبتعد عنه اكثر.. تعدل حقيبة كتفها.. ثم تنظر الى ساعة معصمها الانيقه.. تهمس له بمسكنه تدعي الاضطراب و الانكسار
- هالحجي من واعدتني تحجي مبدئيا ويه اخوانك..ولسه كولشي ماشفت.. انته تخاف منهم ما ادري ليش؟؟ اني شنو ناقصني؟؟ ترى هم بت حسب و نسب.. اخاف شايف نفسك بأهلك... لوما احبك و گلبي رايدك جان فلا وگفت وياك و حجيت و انته تدري زين.. هنا شگد تقدمولي... بس اني غبية ما افتهم.. متعلقه بيك.. قالتها وهي تصطنع نبرة بكاء.. بل بتمثيل محترف متقن تستدعي دموعا تحشّدها في عينيها الجميلة.. فيرق قلبه النظيف لها.. يهمس لها برجولة ساحره فاتنه لمن سواها..
- الي تردي يصير والله.. بس انطيني مهله سحر فدوة لعينج.. رايدج وربي يشهد.. صبري شوية بس... اخلص دراستي ماباقي شي و ارتب وضعي هنا.. انتي مو تردين تعيشين ببغداد؟.. فتصمت سحر تعض شفتيها تدعي التردد فيصمم هو اكثر غايته اقناعها.. لا يعلم انها لا تبالي... هدفها زوج عالي الشأن ..غني... وهو الى الان خير زوج لها.. كامل من جميع الجوانب... يخبرها بصوت خافت راجي
- شنو رأيج نطلع نشتري هسه خواتم.. خلي الحلقه يمج.. حسبي شهرين ثلاثه و تلبسيها.. وعد مني و عمري ما اخلفت وعدي... فتنظر اليه بطرف عينها... فيبتسم لها راجيا.. فتضحك هي تهز رأسها كأنها عاجزه عن مجاراته وقد غلبها واضعف قرارها... تمضي معه نحو سيارته.. تراه يفتح لها بابها.. فتجلس بغرور شديد.. كأنها ملكة متوجه.. تنظر بنظرة رضى تتعطف بها على راضي.. الذي كان في ذلك الوقت عاشق..هائم.. اعمى
البصيرة....والبصر..
**********************
عصرا.. احدى مدن الوسط
تجلس سعاد في حديقه المنزل الخضراء... سورالمنزل العالي مرتفع جدا.. يزيد من خصوصية المكان.. فلا ينكشف ستر المنزل لاحد... تحيط به نخيل باسقات.. علقت عليها انارة لطيفه تنير تلقائيا عند حلول المساء.... فصالح مهتم تماما بحديقة منزله الواسعه جدا... وربما بحكم انه صاحب بساتين غنّائه ... كان يهتم بها كثيرا.. زرع بها بتنظيم أشجار الحمضيات .. الليمون والبرتقال و النارنج ... وجانب اخر زرع فيه أنواع الورود كالورد المحمدي اضافه الى القداح التي ما ان تغرب شمس النهار و يحل الغروب حتى تفوح رائحته العذبه في الارجاء... تريح النفس و تهدء الأعصاب... وقد تبرع بالاهتمام بحديقتيّ احمد و ناصر ايضا... فكانتا نسخ أصلية من حديقته العامره.. بل زاد على حديقة احمد بجزء خاص زرع فيه أنواع نادرة من المزروعات اضافه الى أشجار الرمان... حدائقهم هم الثلاثه بهجة للناظر... جنة مصغره تريح النفس كثيرا....
صالح كان رجلا صاحب مزاج .لذلك يعتبر الحديقه ركن الرجل الخاص صيفا .. يقضي جميع امسياته الصيفيه فيها.. يفترش النجيل بجلسة عربية.. يصاحبة صوت ام كلثوم احيانا عندما يكون رائق المزاج.. واحيانا اخرى يستمع الى اذاعات الاخبار كأذاعة مونتكارلو او اذاعة الشرق الاوسط.. ودون منازع او جدال الرفيقه الدائمه لهذه الاجواء هي "الارجيله".. لذلك اكثر مكان مميز في المنزل.. هي الحديقه الغنّاء...
واليوم اختارت سعاد التمتع بالجلوس فيها.. خاصه و ان الشمس قد انكسرت حدة شعاعها... فهبت عليها نسمات عطره عليلة ... يثيرها جهاز السقي الصغير الذي وضعته وسط النجيل حتى يقوم بالسقي من خلال رشات لطيفه من الماء.. .. ترافقها شقيقتها الصغرى.. ميعاد.. تجلسان متجاورتين على اريكة خشبيه مريحه امامهما طاوله منخفضه وضعت عليها عدة الشاي المهيّل و طبق كعك التمر خبزته سعاد قبل وقت...
تسكب ميعاد الشاي لاختها.. ثم لها ..و تتناول قطعة من كعك التمر التي تعشق.. تخبر شقيقتها باسمه
- مشتاقه للكليجة مالتج سعاد.. ولا اعرف شلون تسويها.. طعمها خرافي..هشششه ... فتبتسم سعاد و تلتقط هي الاخرى قطعة تتذوقها ... تهمس لشقيقتها بعد مدة
-اخذي وياج للقسم الداخلي.. مسوية هواي.. ما عندي احد ياكل.. فتومىء ميعاد باسمه ثم تهمس متسائله
-شلونه عمو؟؟ ما شفته اليوم...فتصمت سعاد واجمه.. منذ تلك الليلة قبل ايام.. لم ترى وجهه... غاب عن الدار... يرسل فقط صانعه عند الظهر لاخذ الغداء لهم... وهي مرتاحه تماما للامر.. فلم تعد طاقة تحملها تستوعب اخلاقه السيئة و نوبات غضبه المرعبة... تجيب شقيقتها وهي ترتشف شايها
-زين.. مشغول بالشغل فتومىء ميعاد سارحه.. مشغولة الفكر.. تعود و تقول بخفوت بعد فترة صمت وقد غرقت كلتيهما بعالم خاص
-سعاد.. عفية اريد اگولج شي..بس ما اريد تعصبين او تزعلين.. فتنظر اليها سعاد عاقده لحاجبيها بتفكير.. تقول بخفوت..
- اظوج من هالمقدمات... خير ميعاد؟؟ محتاجه شي؟ احد مضايقج؟ فتصمت ميعاد تعض شفتيها ثم تبللها بلسانها تهمس لسعاد وهي لا تنظر اليها
- لا خيرج مغركني سعاد فدوه لعينج... تصمت فتره ثم ترفع نظرها لشقيقتها تراها تراقبها بصبر محتار... فتكمل هي وتدعو الله في سرها ان يعينها
-تعرفت على ولد.. فتصمت سعاد وقد ارتفع حاجب عينيها لحدهم الاقصى.. و ملامح غضب بدأت ترتسم وهي تهمس
-نعم!!! فتردف سعاد مسرعه
-اخو صديقتي.. اخوها سعاد.. شافني مره من اجى يوصل اخته للقسم.. همه اصلهم من بغداد بس اخته طلع قبولها بمعهد*** و البنية ويانه بالسكن الجامعي.. فتقاطعها سعاد بقلة صبر
-اي؟؟ فتبتلع ميعاد ريقها.. تهمس لسعاد بتردد..
-اي.. يريد يتقدملي.. ثم تسرع بالقول وهي ترى علامات الرفض واضحه على ملامح سعاد
-سعاد سمعيني عفيه.. الولد حباب..درة مال الله.. فتقاطعها سعاد
-راضي هم درة مال الله.. شبيج يحظي رفضتي اذا تردين تتزوجين قبل ما تكملين دراستج؟؟ فتمتعض ملامح ميعاد... بل تتغير نظرتها لنظرة حانقه.. فهي تحملت الكثير بعد ان رفضت راضي..وصل الامر الى الضرب من اهلها..لانها رفست النعمه... و تعترف.. مثل راضي لا يُرفض.. الا ان قلبها تعلق بشقيق صديقتها.. ولم تعد تهتم لاي رجل عداه..
تسيطر ميعاد على اعصابها.. تلجم لسانها....و تستعيد هدوئها.. فالمعركه لم تبدء حتى.. تقول لسعاد بصبر
-راضي الله يرزقه باللي احسن مني.. كلشي يجي بالاقناع سعاد الا الزواج لازم يكون بي قبول.. واني ما متقبله راضي.. مو لعيب بي لا والله كامل و الكامل الله... بس هيجي.. ما نتراهم واني جنت صريحه وياه..
فتمتعض ملامح سعاد اكثر متذكرة كلام صالح قبل عدة ليالي بخصوص الامر.. لكنها تتجاوز عن الذكرى... همها الان ان تعرف موضوع شقيقتها..
-و العينتين شيشتغل؟.. شنو شهادته؟ شگد عمره؟؟ من ياعشيرة؟؟ فتعض ميعاد شفتيها و تدور بعينيها قلقا..فهي تشعر انها الان ستدخل داخل الاعصار... اعصار مدمر و يجب ان تكون قدميها ثابته.. فسعاد خير نصير لها عند اهلها.. كلمتها مسموعه بسبب زوجها صالح.... و الان تكاد تشعر بردة فعل سعاد الاوليه وهي مستعده تماما لها.. سعاد التي لا تُخفي ابدا امتعاضها من الامر الان و عصبيتها.. تجيبها متردده
-هو من بيت***** .. خريج معهد التجاره.. اكبر مني بخمس سنوات... بس هو يشتغل ميكانيكي سيارات.. فتطلق سعاد صوتا ساخر.. تتحول إلى ضحكه هازئه تماما وهي تضرب كفا بكف.. تصمت بعدها وقتا تتأمل ميعاد المضطربه امامها.. ترى بعيني شقيقتها نظرة تصميم و عناد تعرفها سعاد جيدا..
-ولج تخبلتي؟؟ رفضتي راضي المهندس الي يخبل.. وبعد كم شهر ياخذ ورثه و يستقر .. رفستي برجلج.. ورايحه تاخذين واحد فيترجي؟؟ مخبله عاقله انتي؟؟ فتنتفض ميعاد واقفه وهي تقول غاضبه الان... فهي ترى بطريقة كلام سعاد اهانه لها و لحبيبها ففقدت حنكتها..
-يابه ترى ذبحتوني بفلوس راضي و صفات راضي الي ماتخلص.. اني راح اتزوجه لو اتزوج فلوسه؟؟؟ فتقف سعاد بدورها.. تجذب ميعاد من شعرها..
-صوتج ولج لا تعلي عليه افتهمتي؟.. انتي مو وجه نعمه والله ما ينلام صالح من حجى عليج.. جايبه واحد لا اصل ولا فصل فيترجي يرجعلج كل ليلة مصخم فتقاطعها ميعاد وهي تسحب شعرها بقوة من يدي سعاد الغاضبه.. تهمس دون مبالاة
-الشغل مو عيب.. واني راضيه... اريدج بس تحجين ويه امي و ابويه.. فتصمت سعاد وهي تهز رأسها يائسه.. هل تحتاج هما اخر حتى تأتيها ميعاد و تكمل عليها؟؟
تقول بخفوت وهي تجلس تتناول كأس شايها الصغير ترتشف منه وقد فقدت اللذه لأي شيء
- صحيح الشغل مو عيب و الشاهد الله مو قصدي انتقص من الشخص نفسه بس الله شافوه بالعقل مو بالعين... انتي ماقاصرج شي .. ما تردي مو مشكله اكو غيره هواي.. صديقاتي يدورون على بنات لاخوانهم ... اجيبلج صورهم و اختاري بس ابعدي عن الشقى ميعاد كافي فقر كافي ما مليتي؟ ترفع سعاد انظارها مره اخرى تراقب وجه شقيقتها علها ترى نظرة تراجع واحده ... الا ان شقيقتها لم تزدد الا تصميما...
تتمنى ان تُسعد اختها.. فحال اهلها بفقرهم المدقع مؤلم.. كم تمنت ان يصمم راضي على ميعاد حتى توافق.. لكنه انهزامي متذبذب.. تقبل رفضها من اول مرة رغم انها لمحت نظرات اعجاب خص ميعاد بها عندما التقاها هنا منذ عدة اشهر... تعلم جيدا ان صالح أقنعه بل عرض ميعاد عليه لكن ميعاد رفضت متحججه بدراستها... تريد ان تكملها.. ولا تزال سعاد تذكر كلام صالح الساخر وهو يهمس لها بعد ان ردّت له قرار شقيقتها بالرفض
- اختج شايفتلها شوفه... الله يستر عليها... فهل علم صالح بأمرها مبكرا و اخفاه عنها؟؟
ميعاد جميلة.. جمالها هادىء مريح.. تعلم انها طيبة القلب تحاول ان تصنع ذاتها المستقلة نوعا ما... وللحق سعاد ساندتها كثيرا.. حتى عندما رفض والدهما موضوع السكن في القسم الداخلي... فوالديّ سعاد و ميعاد يسكنان احدى القرى البعيدة عن المدينة... لذلك لم يكن امام ميعاد سوى خيارين عندما ارادت إكمال تعليمها بدراسة المختبرات التحليله... الأول ان تسكن عند سعاد وقد رفضته ميعاد بقوة فصالح شديد عسر وهي لا طاقة لها على الشد و الجذب... او السكن الداخلي... والأمر الاخير كان مقبول اكثر لميعاد التي تود كسر قيود تحكم والدها
تتنهد سعاد وهي تلمح جلوس ميعاد مره اخرى بجانبها.. لم تقتنع بعرضها الجديد...لا تبالي الا بطلبها و قرارها الذي على ما يبدو لا رجعة فيه...
تتناول ميعاد ببرود شايها.. و تتحدث مره اخرى بهمس مترجي
-سعاد اني معجبه بي.. فترد سعاد بهدوء وهي تهز رأسها رفضا..
-لان معجبه بي.. عوفي.. ما يناسبج... كولشي يگوله الگلب خالفي ميعاد... لان انتي هسه عميه... ما تشوفين زين... كولشي بعينج وردي بس الواقع اسود... فتتنهد ميعاد تهمس بنبره مؤكده واثقه
-هاي انتي خالفتي هواج و اخذتي صالح.. وين السعادة خية؟؟ بناتج الخمسه اصغر وحده بيهن زوجها رجلج ذاك اليوم.. عمرها توها 13 وانتي راضيه و ساكته.. ان حجيتي ضربج و رجعج لاهلنا.. وهاي انتي ساكته و قانعه.. او مقنعه نفسج.. وانتي خالفتي هواج و اخذتي صالح.. الله يخليج سعاد لا نحجي بمثاليات.. عايشه وحدج بهالبيت محد يردلج الصوت
تبقى سعاد على صمتها.. تتناول قطعة اخرى من كعك التمر.. تأكلها وهي تشعرها مُره .. لا حلاوة فيها.. تتذكر ابنتها الاخيرة التي تزوجت منذ اشهر.. طفله صغيره.. بعمر الثالثة عشر حتى ثوب الزفاف كان مضحكا عليها.. الذي يريحها الان فقط ان زوجها رجلا رؤوف رحيم... لم يقربها الى الان.. بل يعاملها كأنها طفله.. يشتري الالعاب لها عوضا عن لمسها .. يعاملها كطفلة..
هل صار الغريب اشد رحمه و رأفه من زوجها؟؟ تهز رأسها رفضا وهي تخرج صالح وظلامه من فكرها.. تهمس بصوت بارد خالي من الاحساس
-ميعاد.. اني ما الي اي علاقه بزواجج.. تردين ذيج امي روحيلها.... البيه مكفيني.. شي واحد افهمي... اني ردت الزين الج.. بس طالما انتي مصممه و اعتقد الموضوع اكبر من اعجاب فأنتي حره.. بس لا تجين ابد يمي تبجين بعدين.. فتلتفت ميعاد اليها عاقده حاجبيها.. لم تعتقد ابدا او تتخيل ان سعاد ستحسم امرها و تسحب نفسها بهذه السرعه.. فهي تحتاج الى مساندتها...
فالخاطب السعيد.. لا يريد ان يدفع فلسا واحدا.. اخبرها انه يريد ان يكّون نفسه لذلك سيأخذها بعبائتها فقط... لاحفل خطوبة ولا حفل زفاف فكل هذه شكليات... وهو يحبها لا يريد ان ينتظر .. صور لها ان الدنيا معه ستكون وردية.. زاهية الالوان.. و ستكون هي فراشته التي ستسعد ايامه و تزيد بسمتها.... سيعوضها فور ان يسير عمله على ما يهوى...وهي بغباء وافقته.. تمني نفسها بعش صغير و حياة زوجية سعيدة..
تتنهد ميعاد صامته... ستكون لها جولة اخرى... فلا زواج دون مساعدة سعاد لها... جولة اخرى.. و ستكون هي مؤكد... الرابحه
********************
ذات الوقت.. ذات المدينة.. منزل اخر
تجلس راغده تقابلها شهناز.. انيقتين... جميلتين .. ولكل منهما جمالٌ خاص... لكنهما متناقضتين تماما.. فراغدة زاهيه.. منيرة.. بعينين واسعه جدا كأنها عين غزال.. تحيطها رموش سوداء طويله معقوفه.. كحيلة.. وجهها مستدير بجمال فاتن.. فخدها ممتلىء وغمازه تفتت القلب تتوسطه.. تظهر بوضوح عندما تبتسم او تضحك.. بيضاء البشره بشكل صافي تماما.. بها جاذبيه مريحة تجعل الذي يجالسها مبتسما مستبشرا دوما..
اما شهناز.. فهي سمراء.. سمراء بسمره داكنه.. محمره.. و تعترف دوما ضاحكه ان الامر سبب لها عقده... لطالما لقبوها في صغرها ب "السوداء" .... خاصه عندما تُقارن بوسامة ناصر المفرطه.. ناصر وسيم جدا.. بل الوسامه وراثه في عائلته. فكان البعض يستغرب من اختياره.. بل يستغرب عشقه لشهناز و صبره على عدم حملها.. لا يعلمون ان لشهناز قلبا من ذهب سحرته بنقائه.. فصارت هي الامره الناهيه على قلبه و سيدة بيته بلا منازع ..فصار هو المنيع ضد اي اغراء.. خاصه و انه تاجر اقمشه معروف.. و النساء تزور محله بشكل مستمر.. وللحق كانت شهناز في البداية تغار.. بل تغار كثيرا.. فناصر انفاسها التي تجعلها على قيد الحياة.. هو كل ما تملك بعد وفاة والديها منذ عدة اعوام.. الا انها و بعد اكتشافها صعوبة حملها.. باتت توطّن نفسها على الشريكه.. تشعر ان ناصر سيفعلها يوما ما.. سيأتي بشريكة تشاركها فيه.. لها ذات حقوقها.. فمالذي يجبر ناصر على الصبر على تأخر حملها؟؟ الشرع حلل له مثنى و ثلاث و رباع.. لما تمانع وهي تعلم انها لن تنجب له؟؟
تنحني راغدة... تناول شهناز طبق الفواكه.. تقشر لها البرتقال باسمه.. فترفض شهناز ضاحكه
-كافي راغدة.. شنو حالفه عليّه يصير مغص عندي اليوم.. مستلمتني من الظهر.. فتضحك راغده برقه شديدة تجيبها
-يمعودة شوفتج عيد.. صايره تهلين عليه كل كم شهر مره.. هاي و احنه فرق بينا شارعين بس... ضوگي هذا برتقال حديقتنا.. علي اليوم الله يرضى عليه قطفهن . فتجيبها شهناز باسمه و هي تتناول شريحة البرتقال حلوه لذيذه
-الله يحفظة حبيبي صاير رجال .. خطت شواربه و وضحت و يابه شگد صاير يستحي مني.. فتتنهد راغدة وهي تضع البرتقال المقشر في طبق شهناز
-يستحرم حبيبتي.. مو بس يخجل.. هو وجعفر راح يخبلون ابوهم والله.. الله يحفظهم و يحميهم.. فتسأل شهناز متحيرة
-ناصر هم حجى ذاك اليوم... گال احمد هواي متأذي علمودهم.. فتصمت راغدة تهز رأسها بحيرة وهي تقول بخفوت
- احمد باله يمهم لان دا نسمع هواي كلام.. ذاك اليوم جوارينا من بيت **** ابنهم توه ما كمل ال 17 اخذوه الامن و بعد ما رجع.. حتى اجو لاحمد يتوسط الهم.. و احمد ما قصر بس ماكو اي خبر.. هسه اني اعرف علي و جعفر وين يرحون و ويه منو يمشون.. و الله العظيم ذاك اليوم من حلاة روحي و شوغتها ( حرارتها) حلفتهم على القران الكريم مالهم علاقه باي حركه لو حزب.. يمشون بدربهم بس.... بعدهم صغار يا شهناز و بسرعه يتأثرون شمعرفهم..شكد الح على احمد نروح لبغداد.. هنا الوضع شوفة عينج يغلي غلي.. بس احمد اموره واگفه من فترة و العين هم عليه.. تصمت راغدة و تتأملها شهناز صامته متألمه فما تسمعه احيانا مرعبا..
تتحدث راغدة بعد وقت باسمه تحاول تغيير الموضوع...
-راضي يريد يخطب.. فتبتسم شهناز وهي تتناول قطعة برتقال اخرى تتلذذ بها بينما تستمر راغدة باسمه بموده وهي تقول
-البنية منا.. من بيت ******... فتتوقف شهناز عن المضغ و ترفع حاجبيها بأستغراب.. فتقرء راغدة ردة فعلها و ما ارتسم على ملامح وجه شهناز فتقول متسائله
-تعرفيهم؟؟ فتهز شهناز رأسها بموفقه و تقول
-ناصر يعرف ابوها.. حتى احمد.. بس اصلهم مو عربي!! ناصر هم ما حجى شي الي معناته ما مقتنع... تصمت راغدة وهي تعقد حاجبيها.. تتذكر ردة فعل احمد وهو يخبرها.. كان واجما متضايقا.. هل السبب انهم ليسوا عربا؟؟
-احمد هم اعتقد ما مقتنع.. راضي جاي نهاية الاسبوع.. اعتقد راح يعقدون قمة جديدة هنا.. قالتها راغدة باسمه... فتضحك شهناز برقه تهمس لها مازحه
-نيالج على القمم الي دا تنعقد ببيتج حبيبتي.. ذاك الاسبوع قمة علمود يطلعون من العشيرة.. و القمه الجاية خطبة راضي.. قمم يشهدلها التاريخ العائلي.. فتضحك راغدة وهي تهز راسها متفقه..
بعد وقت
يتمدد احمد على سريره الوثير.. يتأمل راغدة مفتونا بها.. و ابتسامة رائقه ترتسم على شفتيه.. يراها ترفل بثوب اخضر فاتح جدا طويل لائم بياض بشرتها الناصع..وشعرها الاسود يزيدها فتنة و اغراء... ترش رشات خفيفه من عطرها المميز الذي جلبه لها هدية من الكويت في رحلته الاخيره.. تقترب منه تخلع مئزرها.. تخفف انارة الغرفه و تكتفي بضوء خفيف جانب سريرها.. فيبرز له حسنها المنير برقه لا تليق الا بها.. يستقبلها باسما هامسا عندما توسدت صدره
- كلما تكبرين تحلين راغدة.. ماشاء الله تبارك الرحمن... كامله خلق و خُلق... فتقبل راغدة كفه الذي يعبث بخصلات شعرها القصيرة تهمس له بود
-عيونك عيون محب حبيبي.. و عيون المحب تشوف المحبوب دوم باقصى الكمال... الله يحفظك الي... فيكمل هو باسما رائقا
-امنيتي الله يرزقني بنية تشيل كل حِسنج راغدة... فتضحك راغدة بضحكه مليئة باغراء لا تطلقها الا معه.. تهمس له بفطنه
-ما تضحك عليه بهالكلام بعد.. ارحمني.. جبتلك ست ولد احمد.. اعتقني لوجه الله.. صاحبك حلو لا تاكله كله.. اخذتني بنت 14 و استلمتني.. فيضحك احمد بفخامه يقبل جبينها بأحترام شديد بالغ
- ودودٌ ولود... امي مفرعه( مكشوفة الرأس) و دعتلي بيج.. بس والله اريد بنية.. امنيتي و دعوتي هاي من ربي كل يوم.. فتهمس له راغدة مراقبة ملامح وجهه السارحه..
-ليش احمد؟؟ شعجب هالگد تحب البنات.. قاطعت صالح اشهر من بعد زواج مريم بنته الاخيرة و اتذكر شگد انقهرت حتى خفت عليك لأن بس تحرگ بروحك... ولا توقعت هيجي ردة فعلك.. فيتنهد احمد بألم.. يتذكر صالح و يدعو له في سره.. يقول لراغدة بصوت متأثر
-البنية نعمة... الي يحسن تربيتها يدخل الجنة.. مؤنسات غاليات.. شمعة البيت راغدة.. حنينة و تصير ام امها و ابوها.. فتقبل راغدة كتفه الذي يحتويها بحنان.. تهمس له
-سبحان الله احمد... انته وين.. وفكر صالح وين.. فيتنهد احمد مهموما.. يصمت وقتا مفكرا.. ليهمس بعد وقت
-صالح تزوج.. فتشهق راغدة و ترتفع عن صدره تنظر اليه.. فيرى احمد نظرات ذهولها تحت الانارة الخافته... تهمس له بعدم تصديق
-صدگ؟ شوكت؟ خطية سعاد تدري؟؟ فيتنهد احمد وهو يقول عاقدا حاجبيه بضيق
-ما اعتقد.. بس اكيد راح تدري اول و تالي... تعرف صالح ناوي يسويها من زمان.. هو اكثر من مرة گال سعاد تريدني اتزوج.. ماعدها مانع.. يصمت احمد برهه ثم يكمل.. البنية الي اخذها من العشاير.. يريد ولد.. صاير عنده هووس.. الله يرزقه الولد الصالح و اتمنى والله.. بس بناته حوبتهن ما تتعداه و الله وحده يدري شگد خايف عليه.. دعاء وحده منهن يكسر ظهره.. يصمت يهز رأسه مستغفرا.. فتربت راغدة على صدره بموده.. تخفف عنه..
-حبيبي الحمد لله الله يسعدهن.. صالح عسر.. هم لو باقيات يمه جان سوه بيهن شي.. الحمد لله نصيبهن زين.. اني گدامك مو اخذتني بنت 14.. ولو انته ماكو منك.. والله ماكو منك.. الله يحفظك الي يا دعوة امي وقت فجرية.. فيبتسم احمد رائقا وقد تحسن مزاجه مره اخرى و رقيقة الكلمة هذه تزيح همه بكلمه واحده.. يقبل شفتيها يهمس لها بشغف حار
-هسه ما يهديج ربي و نسويلنا غزاله مثلج حليوه.. فتضحك راغدة وهي تغلق الاناره بجانب سريرها..
-وعيونك الرمادية الحلوة هاي.. شطبنا.. خلص بعد گول الحمدلله.. يهمس لها بشيء ما فتغرق بالضحك... فهو لا يستسلم ابدا...
**************************
بعد ايام... مدينة غربية على ضفاف الفرات
تدخل غرفة ضرتها النفساء باسمه.. تراقب ملامح مهين المأخوذه بطفلها جاسر الذي لا ينزل من ذراعيها... كيف لا وهي تراه قطعة منها... سندا لها و عوضا لكل ايام شقائها... تسمع صوت نرجس الباسم يحدثها بمودة
- صبحج الله بالهنا و السرور.. ها بشريني شلونج اليوم ان شاء الله أحسن... فترفع مهين انظارها الممتنه لهذه المرأه الطيبة تهمس لها بود تكتم وجعا سلبها انفاسها
- صباحج رضى الرحمن ام رضوان.. الف الحمد و الشكر لله .. فتومىء نرجس برضى وهي تجلس على حافة السرير .. تمد يدها تداعب رأس جاسر المكشوف حاليا تقول باسمه بحنان بالغ
- ماشاء الله تبارك الرحمن شعره حلو و طويل و الشيخ ما قبل نحلقه كله حلق من ورى اذنه و اطراف شعره و تصدق عن كل شعره ذهب.. و اليوم ذبح عقيقته بيده... نيالج مهين جاسر نافس كل اخوانه بمعزته....قالتها بمودة غامرة فتبتلع مهين ريقها خوفا و يشحب وجهها.... أيقنت الان لما دخلت عندها نظمية قبل ساعات ترغي و تزبد و قد أقفلت الباب خلفها...ابرحتها ضربا و رفسا حتى كادت مهين ان تلفظ انفاسها..
تبلل مهين الان شفتيها الجافه ... تشعر بهمّ و قلق يجيش في صدرها.. فيصل الامر واضحا لنرجس المراقبه لتغيير وجه مهين و ذاك الشحوب المفاجىء الذي أفسد رونق وجهها ...سرعة انفاسها و ارتعاشها تنبىء بقلق و خوف .. فتمد نرجس يدها تهمس لها
-مهين اكو شي؟ خيرج شو انخطف لونج على ساعه... فتغرق مهين في بكاء رقيق يرق له قلب نرجس تقول بخفوت مرتعش
- ام رضوان عفية خلي يرجعني عمي الشيخ لديرتي ... احجي وياه انتي بلكن يسمع منج.. ثم تسحب يد نرجس تود تقبيلها و تكمل.. الله يخليج و يطول بعمرج.. فتسحب نرجس يدها مسرعه تهمس لها بذهول
- مهين شتحجين؟ وين ترجعين؟ انتي مرة الشيخ وهسه عندج طفل منه... ولد مهين....وين تردين ترجعين و منو يرجعج؟ الشيخ فرحان بيج و طاير من الفرح...هيجي تجازينه؟ شصار فهميني؟
فتشهق مهين بالبكاء.. تحاول ان تكتم انينها.. فجسدها يؤلمها و ازرقاق شديد انتشر في بعض اجزائه خاصة جانبها الايمن... تشهق بوجع باكي فتعقد نرجس حاجبيها تتساءل
- احد غثج؟ منو دخل عندج؟ نظمية دخلت؟؟ فتشهق مهين بذعر تنظر نحو الباب وهي ترفع ابنها لصدرها ... فتفهم نرجس الامر فتحترق نظراتها غضبا.. تقف وهي تقول بخفوت غاضب
- شسوتلج مهين؟؟ هم ضربتج؟؟ احجيلي فتصمت مهين وتستمر دموعها فقط بالنزول... تنحني نرجس تتلمسها... تقول قلقه
- وين ظربتج احجي... انتي نفسه و ولادتج جانت عسرة... ظربتج على بطنج؟ فتنفي مهين بأشارة باكية من رأسها تهمس بألم
- رفستني برجلها هنا و هنا و تشير نحو جنبها الايمن المتوجع و جانب صدرها المزرق.. فتستغفر نرجس و تحوقل وهي تتلمس مهين بيدها... و تتوجع الاخيرة كثيرا... تكشف نرجس عن كتف مهين الايمن فترى كدمات زرقاء فتقول بغضب
- الله لا يبارك بيها كسر لايدها اي والله كون كسر ... ماخافت ربها بيج و انتي نفسه توج طالعه من الموت ...عقلها شصغره ياربي.. انه اعلمها قالتها نرجس بحنق غاضب وقد نوت الخروج من الغرفه فتتمسك بها مهين راجية
-حلفتج بلله عوفيها لا تحجين شي..من دون شي هي كارهتني و مراويتني الويل.. ضرب و حجي هسه والله اني بعد ما اخاف على نفسي.. اخاف على ابني بس.. اخاف الاذية توصله.. فتعقد نرجس حاجبيها تقول بغضب يستعر
-انتي مرة الشيخ حالج من حالنه مهين.. والله لو الشيخ يدري بسواياها جان عرف شلون يتصرف وياها بس انتي تخافين و ما تحجين و ما ترديني هم احجي.. نظمية ترى مو هينة فتهمس مهين بتعب باكي
- ادري والله ادري..اني هم ما تشوفيني اتجفى(اتقي شرها) شرها ..
تعود نرجس و تقول بتصميم
- بس هذا مو حل مهين .. ثم تصمت نرجس تعقد حاجبيها بتفكير.. تراقب مهين وهي تربت على ظهر طفلها بحنان شابه صغيرة لم تتجاوز الثامنه عشر من عمرها رقيقة جدا..مالها و مال النزاعات القبلية و الثارات العشائرية... تتنهد نرجس مستغفرة .. تعلم ان مهين يتيمة الأبوين. عاشت كخادمة في منزل عمها... علمت من الشيخ انهم أخذوا اموالها و ذهب امها... و بقيت تخدم في منزل عمها .. اكملوا ظلمهم لها بدفعها كفدية للصلح عند نزاع عشائري مقيت..
تعود نرجس و تجلس و عيناها سارحه بتفكير عميق.. فالشيخ لا يتدخل في أمور النساء ابدا... و الحاجه صفية لا تتدخل بين نساء الشيخ الا اذا وصل الامر لنقطة ما.. فترى نرجس نفسها عاجزه.. نظمية ليست سهلة.. و يبدو ان حقدها و غيرتها بدأت تعمي بصيرتها.. ان وجدت
ذات الوقت... كانت نظمية تقف خلف الباب تتنصت.. داخلها يغلي كمرجل.. تضع في فكرها.. عشرات الخطط.. تشمل مهين و طفلها...
↚
يجلس امام شقيقة منذ وقت وقد صليا الظهر سويا.. وتناولا وجبة الغداء التي ارسلتها راغدة اليهما في محل الصاغه الكبير الذي يدير من خلاله احمد جميع محال الذهب التي يملكها في المدينه.. .. الصمت يخيم عليهم و جهاز التبريد يشيع جوا لطيفا منعشا.. يضع احمدعدسة صغيرة تساعده على التدقيق اكثر في عمله... و يراقب راضي باهتمام حركات احمد ساهما مترقبا.. فهو منذ ان طرح عليه امر خطبته مره اخرى.. حتى صمت احمد تماما .. لم يجبه برفض او ايجاب.. لم يناقشه ابدا..
حتى ظن راضي انه لم يسمعه.. يعود راضي و يراقب اصابع شقيقه الرشيقه.. تصوغ تحفة فنية ذهبية.. بنقوش يدوية خلابه.. و للحظة يتذكر اصابع سحر الفاتنه منتقية المصوغات الذهبية من احد الصاغة المشهورين في بغداد.. فرحة مسرورة.. وقد فتن اكثر بكفها الرشيق الابيض..و اظافرها المزينه بلون زهري فاتح.. اثار في نفسه لوعة.. هي السهل الممتنع.. تقترب خطوة و تبتعد عنه اميال.. وكم يثير الامر جنونه.. اتراها رغبة تحرقه؟؟ ام عشقا صافيا يغرقه؟؟ لا يعلم ولا يفهم.. وهي ماهرة في جذبه.. كأنها تسحره.. تلاحقه.. يتذكر تصميمها قبل يوم وهي تلح عليه ان ينهي الامر و يتحدث بالخطوبة مع اشقائه فلا طاقة لها على المزيد من الصبر.. و الخطاب باتوا كثر.. فهي الحسناء.. خارقة الجمال.. مثلها يتزوج بسن مبكر..
يعود راضي و ينتظر شقيقه بأحترام بالغ.. احمد... هو والده و ليس شقيقه فقط.. هو اقرب اليه من الجميع.. يرى به حنان الوالد..و صداقة الرفيق المخلص الناصح.. لكنه ولا يعلم لما.. يشعره مترددا بخصوص امر زواجه.. يسمع بعد حينا صوته..
- شغلتنا بالذهب علمتنا هواي شغلات.. يرفع احمد وجها باسم ينظر الى راضي.. ثم يكمل.. اول شغله تعلمناها ان مو كلشي نشوفه يلمع.. يعني ذهب.. من نظرة وحده نميز الذهب.. حتى عياره.. و باللمس نعرف تقريبا وزنه دون ميزان.. و من الذهب تعلمنا نقيس بقية المعادن.. و صرنا نعكس هالامر على حياتنا العامه.. صرنا نعرف احيانا الناس من نظره.. و احيانا نحتاج الى تجربة بسيطة راضي حتى نعرف المقابل شنو هو.. قبل فترة اجيتني و ردت بنت**** .. واني راضي اكون صريح وياك ما مقتنع.. وهسه زاد تصميمي على الرفض.. مدينتنا صغيره و احنه بالعاميه نگول (ولد الگريه..كلمن يعرف اخية) الجماعه يا خوية مو من ثوبنا.. فيتساءل راضي بهمس
- لان مو عرب؟؟؟ فيجيبه احمد متنهدا مبعداً قطع ذهبيه صغيرة بيده ينظف مكانه بدقه
-لا.. لا تتخيل ابدا هذا هو الحاجز.. ماكو فرق بين العرب و العجم الا بالتقوى.. بس مو ثوبنا راضي.. هواي اكو شغلات ما اگدر احجيها بسهولة لان مو من حقي.. بس صدگني اني اخوك اريد مصلحتك.. هالجماعة نبتعد عنهم اسلم..فيسأل راضي بحرقه
-ليش ابو علي؟؟؟ گولي.. صارحني لان البنية اني هاويها.. اريدها على سنة الله و رسوله.. شايف عليها شي؟؟ سمعت عنها شي؟؟ فيصمت احمد يتأمل ملامح وجه اخيه الاصغر.. يرق قلبه له كثيرا و يحن عليه كأبن.. يرى على ملامح وجهه صور عشقا مرتسمه بوضوح كأنه شرا مستطر.. لا امل له .. سيكون هو الوحيد فيه..الخاسر.. اتراه تأخر في الحديث مع راضي حول الامر؟؟ هل ترك العشق يتشعب و يتشعب دون ان يدري؟
يجيبه احمد وقد التفت اليه بكله..
- عدى عن كونها منفتحه.. رايحه جايه براحتها بين بغداد وهنا دون حسيب و رقيب.. اكو كلام على ابوها... فيبهت راضي.. يستغرب اتجاه الحديث .. فيكمل احمد وهو يعلم اين ذهب فكر راضي
- ابوها يكتب تقارير راضي... برگبته دم هواي عالم.. اني من اول مره اجيتني تريدها ما عرفتها لان انته ما نطيتني اللقب.. ناصر هو الي سأل و بحث... و جاب الخبر.. و بوقتها گلنا يجوز نزوة... انته اكيد راح تصد عنها... لان مو ثوبك راضي.. انته وين وهي وين.. البنية اني سألت عنها.. وكلفت راغدة تسأل و تشوف... البنية عدها علاقات هواي.. منفتحه و انته افهم.. فيبهت راضي.. بل يشحب وجهه هل يتحدث عن سحر؟ ام ان شقيقه قد اختلطت عليه الامور و الالقاب؟؟
-خوية البنية حبابه و مؤدبة مالها علاقه بأي شي من الي ذكرته قالها بتأكيد فيهمس احمد متساءل
-اكذب يعني اني؟؟ لو ناصر يكذب؟؟ فينتفض راضي يعتدل في جلوسه ...يرى بوضوح امارات الانزعاج على ملامح احمد البشوشه المنيرة
-لا خوية لا.. حشاك.. حشاكم.. تاج راسي انتو بس والله كأن دا تحجي عن وحده ثانيه.. سحر بنية مؤدبه وتخلي دوم حد..
-وياك بس.. قالها احمد بهدوء ثم اكمل وهو يرى انعقاد حاجبي راضي بحيرة.. تتعزز عليك و تدلل حد ما تعلقت بيها .. وهسه اني اشوف حب و حالة من العشق .. مو بس تعلق.. وهذا يمكن صوجي.. المفروض اول ما صار عندي علم همه منو و شنو كان المفروض ابلغك.. گلبك صافي و ابيض راضي.. يمكن ما حسيت بدغشها.. والله العظيم ما تفيدك..
يصمت راضي وقد تغيرت ملامحه الى الخيبة.. خيبة لا اكثر.. يعود و يهمس وامل ضعيف يحاول ان يتمسك به..
- ابوها يجوز كلام بس عليه.. هالوكت الي ما يعجبنا نگول عليه مو من جماعتنا.. فيصمت احمد لوقت.. ينهض من كرسية و يتقدم ناحية اخية.. ويقف راضي بدوره احتراما لاحمد.. الذي ما ان اقترب حتى جذبه اليه مقربا
-ما تهزك مره يابن ابوي و امي.. يشهد ربي عليه لو بيها ذرة صالح الك جان قنعت اخوانك و نمشيلها اليوم.. بس ما تفيدك خوية والله.. كلها بلا و مصايب ما اگدر احجيها.. ثم يصمت احمد متنهدا مستغفرا وهو يرى عقدة حاجبي راضي الغير مصدق لما يسمع.. يعود و يقول له بصدق يعلمه راضي جيدا
- ازوجك تاج راسها.. الي تنسيك اسمها... من اليوم تخطبلك راغدة.. هسه اتصل بيها راضي و زينة البنات جمال و دين تصير من نصيبك قبل المغرب... انته مو قليل.. مو قليل ابد خوية......
يصمت راضي ثم يقول بعد بتفكير حائر مرتبك..
-ما تقصر ام علي ادري.. اني بمثابة اخوها الصغير.. بس خلص خوية خلي الموضوع يهدء شوية.. البنية مثل ما تفضلت انته.. تعلقت بيها هوايه.. اخذت مكانه ما وصلتلها وحده قبلها بگلبي.. فيمسك احمد بزند راضي بحزم.. يرفع وجهه اليه ناظرا بقوة في عينية
- الكلام ندفنه هنا و خاطرك بالبنية انساه راضي.. انساه.. ادري صعب.. بس حاول علمود نفسك.. و كلنا وياك.. والله نريد مصلحتك.. لان صدگني راح تندم اذا اخذتها و راحت منك سكرة لذتها.. عذاب و ضيم ابتعد عنه.. هي مو مثل ما انته متصور.. مو كل الي يلمع ذهب اخذها مني واني اخيك الجبير.. فيومىء راضي وملامح وجهه متغيره.. يتذكر انه يجب ان يتصل بها فهي تنتظره.. اخبرته انها ستلازم مكانها بجانب الهاتف حتى اتصاله.. ويعود و يفكر بكلام شقيقه بخصوص والدها... هل يعقل؟؟
يراقب احمد ملامح وجه راضي المتغيره.. يعلم انه مصدوم.. محتار.. يعود يقول له بهدوء متساءل
-تريد تجي ويانه لل**** بلليل عدنه گعدة ويه الشيخ علمود طلعتنا.. تعال ويانه ..فيسرح راضي ناظرا الى شقيقه.. مفكرا.. فيتنهد احمد وقد لمح نظرة الخيبة في عينيه و التوهان اللحظي.... فيعود و يحدثه بود اخوي صافي يعلم انه يحتاج الى الدعم المعنوي و في ذات الوقت يجب ان يتركه لوحده فترة.. حتى يخرج بقرار نابع من قرارة نفسه....
- تحب نرجع للبيت و نطلع مناك... فيسحب راضي نفسا عميقا... ينفثه بهدوء بعد ان هدأت ضربات قلبه السريعه.. يجيب احمد بعزم
-لا خوية...رايح لبيتي.. يجوز امرلكم قبل المغرب ثم يرفع رأسه ينظر لأحمد بوضوح
-احتاج ابقى وحدي ابو علي.. فيتأمله احمد لبرهه ثم يومىء برضى و اتفاق.. يربت على زند راضي القوي يخبره بثقه
- حقك و ادري بيك راح تتجاوز الموضوع.. انته مو اول ولا اخر واحد خوية.. الزواج عمر مو يوم و يومين. اطفال و مسؤولية .. الي تختارها لازم تكون وحده بت عالم و ناس.. تشد ظهرك.. تربي اولادك.. تكون خير بديل الك بغيابك.. سوأل اسألك و انته جاوب بينك و بين نفسك.. البنيه الي تريدها... تشوفها ام مناسبة لاولادك؟ فيصمت راضي.. يتخيل سحر ام .. فيراها لا تتطابق ابدا مع مخيلته.. يعلم انها تحب نفسها كثيرا.. تحمل الكثير من الانانية.. فنفسها اولا.. رغباتها اولا.. يتذكرها عند لقائهم.. عندما يخبرها بحالمية عن احلامه ببيت دافىء .. تنتظره فيه مساء .. و اولادا يشبهونها جمالا ينامون في رغد و نعيم.. فتضحك كثيرا.. بل تغرق بالضحك وهي تخبره ان احلامه ساذجه جدا.. سطحية جدا.. فهي لا تفكر بالاولاد اصلا.. اخبرته انها تود التمتع اولا.. السفر.. السهر..بعدها ربما.. بعد خمس اعوام او اكثر.. ستفكر بأنجاب طفل.. فهي تكره الاطفال..
يعود من ذاكرته متنهدا.. يومىء برضى لاحمد وهو يخرج مفاتيح سيارته يستعد للمغادرة.. فيسمع صوت احمد
-نتحرك منا ورى صلاة المغرب مباشرة.. نتجمع ببيت ناصر قبلها.. اريدك تحضر ويانه..
- ان شاء الله ابو علي. اروح ارتاح شويه و امرلكم .. في امان الله . قالها راضي متحركا نحو الخارج مغادرا.. تشيعه نظرات احمد يتمتم في امان الله في خفوت يدعو الله ان يثبت شقيقه على الطريق الصحيح.. فهو و بقية اخوته لا يملكون اي حل اخر سوى الكلام.. النصح و الارشاد.. راضي رجل.. له حق القرار.. مهما كان.. رغم رفضه التام للفتاة.. لكنه لا يملك طريقة الاجبار.. عدى الكلام و النصح..وكم يخشى ان يضعف راضي.. فما يراه احمد هو عشق قد استحكم.. استحكم بقوة
بعد وقت..منزل اخر
ترتدي ثوب منزلي قصير.. عاري الذراعين..مكشوف النحر بكرم.. جميلة.. حسناء.. متحرره تماما في ملابسها تحررا فجا.. فمن يراها لا يتوقف عن تتبع محاسنها البارزه خاصه بطريقة جلوسها هذه.. فهي تجلس مائله على اريكه وثيره.. تشد اطراف ثوبها على فخذها الابيض الصافي.. فتبرز ركبتيها المستديره و ساقها المرسوم بانوثه ناعمه بأتقان.. شعرها النحاسي رفعته فتهدلت خصل عديدة منه بفوضويه فاتنه.. تعض شفتيها المحمره اساسا كل حين.. تراقب جهاز الهاتف الموضوع بجانبها.. تتأكد من وجود الحراره فيه عبر رفع سماعته كل حين.. و تتأفأف عندما ترى ان الامور كلها لا خلل فيها.. عدى مرورالوقت و عدم اتصاله...
ترى والدتها تقترب منها.. وكم تشبهها.. بل انها نسخه مصغره منها ... الفارق فقط ملامح والدتها الحادة التي اكتسبتها من تجاربها عبر الزمن.. من يراها يجزم انها امرأه قوية.. مسيطره.. متجبره .. تجلس الان بجانب ابنتها.... تقول لها ساخرة
-ها.. اتصل؟؟ فترمقها سحر بنظرة حادة لا تحمل من الاخلاق شيء.. ثم تشيح عن والدتها ناقمة. فتصلها ضحكة والدتها الشامتة
-گتلج ما راح يتصل ولا راح يجي يخطب.. وانتي راكبة راسج.. غبية شگد رفضتي لحد الان علموده... لج رتب رفضتي و ابوج لحد هسه اني مسيطره على اعصابه و اهدي بي.. فهميني شتردين انتي؟
تصمت سحر وقد ارتسم البرود على وجهها تصطنع اللامبالاة .. فتثور والدتها اكثر تهمس لها بتساؤل بعد ان رأت صمت ابنتها و عنادها
- حبيتي ولج؟ ثم تضرب على فخذها بغضب كانها اصابت الحقيقه .. تكرر
- صرتي فاهيه و تعلقتي بي؟؟ گتلج المره من تحب تضعف..صيري قوية مثلي.. خلي يركض و يحفي وراج يصير خاتم بأصبعج.. بس غبية شسويلج.. هاي هسه لا اخذتي ولا راح تقبلين تاخذين غيره... شحصلتي گاعده مگابلتني تنتظرين اتصال منه وهو ولا معبرج.. ولج كلامي مافاد وياج.. صيده سهله ما عرفتي تصيدين.. فارغه بس شكل حتى عقل ما عندج.. فيحتقن وجه سحر غضبا و تقدح عينيها الجميلة شرارا و تستدير لوالدتها تهمس بفحيح
- اني مو مثلج..افهمي.. ما افكر مثلج..الرجال ما يجي بالعنتكه( التأمّر و التكبر) يجي ساعه دلال و ساعه جفى.. و راضي بيدي هاي و أشارت لقبضة يدها المضمومه.. تكمل بتأكيد.. بس ينرادله وقت..وعهد عليه اخلي يجي و يخطبني و يصير خاتم مثل هذا ...و اشارت لخاتم ذهب كان قد اشتراه راضي لها في جملة ما اشترى ذاك اليوم.. فتسخر والدتها منها وهي تهز رأسها و ابتسامه ساخرة ترتسم على شفتيها.. تهمس لها باسمه بأبتسامه صفراء..
- كتلج اخوته ما يعوفوه... جايين سألين علينه.. ما مخلين احد ما سأليه.. من اول ماجيتي و حجيتيلي عنه گتلج ما يفيد.. شوره مو بيده.. بيد اخوته .... ولج رجال شطوله شعرضه مصروفه لسه ياخذه من اخوه... تردي يغضبهم و يجي علمودج؟؟ لا انتي الي قنعتي تمشين برايي ولا انتي هسه حصلتي شي.. بس ضيعتي من ايدج عرسان جان غرگوج بالذهب... عبث.. الحجي وياج عبث يا بت بطني.. ثم تصمت والدتها تلهث من شدة حنقها.. تعود و تهمس لسحر مهددة
-شوفي ولج منا لكم يوم مااجى تحلمين بعد اخليج تضيعين الفرص.. فترمقها سحر بطرف عينيها بنظرة غير راضية.. وداخلها يتفجر حمما.. اين هو؟؟ لما لم يتصل بها؟؟
***************************
بعد ساعات.. منزل احمد
يدخل المنزل الشبه مظلم.. مرهق و متعب...والافكار تعصف في رأسه.. فمشاكل العمل كثيرة.. هناك صمت و هدوء مريب في الاجواء.. جميع التجار اوقفوا عمليات الشراء الكبرى وقد نصحهه اكثر من صائغ اليوم بتجميد اي عملية كبيرة نقدية في مجال ال****.. و تحويل النقد الى ذهب.. فالعراق وضعه السياسي مريب جدا هذه الفترة.. وهو بحس التاجر يشعر بالامر.. حذر و ترقب يلمحه في وجوه الجميع.. حتى شيخ عشيرتهم اليوم... حاول مرارا ان يثنيهم عن امر خروجهم.. اخبرهم ان الوضع مريب.. هدووء يستبق العاصفه.. اليس من الافضل البقاء بأمان العشيرة؟؟
يتنهد متوجها نحو الاعلى.. فالطابق الارضي مظلم تماما.. فعلى ما يبدو ان الجميع قد توجه الى النوم.. و راغدة كعادتها تنتظره في الاعلى.. فصغاره فارس و ياسر ينامان بالغرفة المجاورة لغرفتهما.. وهي تخاف عليهم.. ان يبكيا ولا تسمع صوتهما.. توأمين بعمر العامين.. فترتسم ابتسامة شوق اليهما.. الى اولاده.. فيمر عليهم في طريقه..
يدخل غرفة علي و جعفر اولا يطمأن عليهما.. فيرى علي جالس خلف مكتبه الصغير.. يراجع احدى كتب الدراسه.. وسيما.. بوسامه مفرطه.. حسن الوجه..بشوش.. وقد خط شاربه فبرزت ملامح فتوة وليده باتضاح... و جعفر كان واقفا بجانبه يسأله عن امر ما.. الاثنان منصهران بشكل غريب.. لا يختلفان الا نادرا.. و للغرابه.. يشبهان بعضهما كأنهم توأم.. يلتفتا سويا لدخول والدهما عليهما.. فينهض علي و يقترب منه جعفر باسما.. ينحني يقبل كف والده.. يتبعه علي بالفعل وهو يرحب بوالده قائلا بمحبه
-الله يساعدك يابه..
- و يساعدكم بابا... يجيبه احمد باسم مربتا على كتف علي و يده الاخرى على خد جعفر الباسم.. يسألهم بمودة متقدما في غرفتهم و يجلس على سرير علي..
-سهرانين شعجب.. فيتبسم علي وهو يجلس امامه على سرير جعفر.. و بجانبه يجلس جعفر باسما.. فيزهو قلب احمد بهما... رجالا صغارا.. يرعشون قلبه الابوي لفخره بهما.. يجيبه علي
-نراجع بابا.. ماباقي شي على الامتحانات.. .... فيومىء احمد باسما بفخر..
-ان شاء الله متفوقين مثل كل سنه...يشهد الله ادعيلكم بكل صلاة.. يحفظكم و ينجح مساعيكم..طمنوني عنكم بابا.. شنو اخباركم... محتاجين شي. هالفتره لاهي عنكم.. بس ادري انتو ترفعون الراس.. فيقترب علي منه يقبل كفه مره اخرى وهو يجلس بجانبه باسما.. علاقه غريبه فريده تربط هؤلاء الثلاثه... فأحمد يشعر دوما انهم لا يكلفوه شيئا.. لا يرى ولا يسمع لهم اي مشاكل.. يبحثون عن رضاه دوما.. منذ صغرهم.. هادئيين جدا.. يكاد لا يشعر بوجودهم حوله.. وبحكم عمله وسفره الدائم احيانا.. يرى انهم يكبرون وهو لا يشعر بهم..
يجيبه علي بأحترام ودود بالغ
-نريدك سالم ابو علي.. فيتنهد احمد.. لطالما احب كنيته.. يلتفت الى علي يخبره
-الصيف هذا ان شاء الله مسافرين.. ماريد اعذار بدورات الصيف الله يرضى عليكم... لان تخربطون برامجنا كلنا.. امكم محتاجه تغير جو و اذا تبقون تبقى .. فيقبل علي كتف والده بموده..
-امرك وصار يابه... اني و جعفر ماخذين بالنا لذلك اي دورة صيفيه ما سجلنا بيها.. شعدنا غيركم انته و ام علي الله يحفظكم خيمة على راسنه.. فيبتسم احمد بفخر .. يقول لهم
-عمكم راضي هنا.. باجر معزوم يمنا على الغدى .. قنعوه يحجز ويانا يغير جو.. اعتمدعليكم.. فيضحك كلا من علي و جعفر.. يشعرون ان والدهم يحاول جهده ان يكون قريبا منهما.. يشاركهم يومهم... يشعرون بخوفه و قلقه عليهم.... والامر على ما يبدو يشمل عمهم الاصغر الان... فهم قريبين جدا من راضي.. يعتبروه صديقا اكبر لهما.. و بحكم دراسته في بغداد و انشغاله باتت لقائاتهم قليلة و معدوده..
يتبادل احمد بعدها الحديث حولهم كأب يود ان يتأكد من حسن مسارهم... يتأكد من هم اصدقائهم.... من الجديد في مجموعتهم.. وكان علي و جعفر يجيبانه بموده خالصه.. و احترام بالغ.. حتى ارتاح فكر احمد من جانبهم نوعا ما .. فما يسمعه حوله مرعب له كأب...
ينهض بعد وقت.. يخرج من غرفتهم داعيا لهم بمحبه راضيه.. يتوجه لغرف بقية اولاده.. يتفقدهم.. يقبل جباههم و خدودهم... يشم رائحتهم.. فعمله يأخذ وقته .. و بعض المهام التي اوكلت اليه تثقل كاهله.. موضوع راضي وحده يأخذ كل وقته الان ..افكار عديدة تموج بداخله.. قلق و حيرة .. فهو يود ان يأمن مستقبله.. و بات يجهز له وديعته البنكيه..ينوي ان يسلمها له فور تخرجه..وفكرة سفر راضي ايضا خارج العراق باتت تسيطر عليه الان وهذا بحد ذاته موضوع اخر يحتاج الى جلسة تفكير عميقه ..
امورا كثيرة تقلقه.. فهو ينوي ان يتحدث معه ايضا بشأن الزواج بشكل جدي.. يثق تمام الثقه ان راضي يحتاج الى وقت كي ينسى سحر.. حتى يتعافى من صدمته.. لكنه يخاف الانتكاسه... يخاف ان يجرف راضي الشوق الى تلك الفتاة..خاصة وان كلية راضي قريبه على كليتها.. يخاف اللقاء.. يخاف ان تتجدد الرغبه.. رغم انه كان له جلسه اخرى طويلة مع راضي بعد اتمامهم امر الانسحاب من العشيرة.. بقيا في سيارة احمد الخاصه.. يتحدثان مطولا..وكان احمد صريحا جدا.. اخبره ان لها علاقات متعدده.. ان كان هنا او في بغداد.. فتاة منفتحه لا تعترف بالقيم او الاعراف.. والدتها امرأه قوية... مسيطرة .. ووالدها تابع للسلطات.. يكتب تقاريرا.. مسند من الدوله.. لذلك البعد عنهم غنيمة.. عالم لا يعلمون عنه شيئا.. فلما يرمون بأنفسهم الى التهلكه بدعوى الحب و العشق؟؟
↚
يتنهد احمد وهو يدخل الى غرفة نومه.. فيرى حسنائه تصلي في مكانها المعتاد.. بلباس صلاة ابيض.. منيرة.. بل مبهره... يقترب بهدوء يجلس على اطراف السرير ... فيراها تسلم و تلتفت اليه باسمه بعشق
- الله يساعدك حبيبي.. نورت بيتك.. فيبتسم احمد بأرهاق ويده تفتح ازرار قميصه يراقبها بصمت و تأمل.. سيدة بيته...التي يحمد الله على نعمة وجودها في حياته.. تنهض راغدة تخلع رداء صلاتها ترتب مكانها وتقترب منه.. فلا ينزل احمد عينيه عنها... ثوبها ابيض رقيق طويل... انيقة في كل وقت... فاتنه يختلج قلبه دوما لها.. تقف امامه وهي تبعد يده تقوم هي بمهمة اكمال خلع قميصه... يرد عليها هامسا بعشق
-ويساعدج حبيبتي.. تقبل الله... فتنحني تقبل كتفه العاري... و تصله رائحتها الرقيقه و تداعبه خصلات شعرها القصيرة الناعمه.. ثم تجلس بين قدمية تسحب جوربه فيقبل رأسها هامسا
-الله لا يهينج... فتجيبه بخفوت هادىء
-ولا يهينك حبيبي...شكلك تعبان ... جوعان اسويلك شي خفيف.... فيمسح احمد بعشق جانب خدها.. يهمس لها..
-تعباان راغدة.. ما اريد شي مو جوعان.. بس جهزيلي الحمام الله يرضى عليج.. فتنهض راغدة ملبيه.. تجمع قميصه و تفرغ جيبه.. تساعده دون تذمر.. تقدر تعبه و تحترم صمته.. تهتم به و تراعية كطفل صغير... تدللة بعطاء امرأه عاشقه... تدور حوله.. تعمل على راحته فهو خير من يستحق..
يغيب فتره عنها ثم يعود يرتب شعره امام المراه.. يرش من عطره على صدره العاري الا من قطعه داخليه بيضاء اشتدت على جذعه المتناسق ... ويأتي دورها كي تتأمله من مكانها في سريرهما الواسع...زواجهما كان زواجا تقليديا.. والدته رحمها الله قد خطبتها له.. كان عقد قران و زواج مباشره.. دون فرصه للتعرف.. و تعترف انها تحمد الله كل يوم لانه زوجها... عطوف رؤوف حنون جدا.. يغرقها بعاطفه لا تهدء.. تشعر انها اميرة بينهم.. بينه و بين اولاده الاحباء... اعز ما تملك في الدنيا...
يدخل سريرهما وهو يجذبها اليه.. فتقترب منه طائعه تقبل خده.. ويبتسم هو بموده... يهمس لها بشغب
- هاي بوسه اخوية؟؟ فتضحك برقه ولا تجيبه.. و يتنهد هو صامتا فترة.. باسما.. ثم يهمس لها
- وقعنا سند طلعتنا من العشيرة.. فتهمس له تتأمله متساءل
-ان شاء الله يكون قرار صائب احمد.. شگال الشيخ؟؟
-ما گال شي اكيد ما يگدر يجبرنا بس راد يعرف السبب و شرحناله.. الي يردوه حاضرين بس تصرفات البعض غير مسؤوله واحنه تقريبا بعيدين عن المجالس.. وقعنا تعهد و اقرار.. راح يتوزع على الجميع. فتهز رأسها راغدة سارحه.. تعلم ان زوجها و اخوته بعيدين نوعا ما عن العشائرية.. اهتمامهم ينصب على تجارتهم. فقط... تسمع صوت احمد مره اخرى يحدثها بصوت هادىء
- باجر جاي راضي يمنا غدى.. حبيبتي شوفي شنو يحب من الاكلات و بلا امرا عليج سويها اله... فتهمس له متساءلة
- حسمت موضوع زواجه.. فيتنهد احمد بعمق.. يخبرها ببوح هادىء
-خصمته... و ترجيت صالح و ناصر ما يتدخلون.. صالح جلف و ناصر الموضوع موتره.. هواي سامع عن ابو البنية.. وخايف راضي ينضر من الموضوع... لذلك مصمم نزوج راضي بسرعه و نخلي يستقر.. وبيني و بينج راغده فكرة دا تدور ببالي و حيل قالقتني.. فترتفع راغدة عن صدره تتأمله و هو سارح الفكر يغرق في عالم آخر..
-خير حبيبي.. فضفض اني اسمعك.. و الكلام ما يطلع مني وانته تدري.. فينتبه احمد لها.. يقبل جبينها.. يهمس لها
-ادري.. بس اني مرعوب من الفكرة.. و الموضوع مابي شقه اذا صدگ.. يصمت وقت ثم ينفث انفاسه بضيق... يكمل
-احتمال يسحبون مواليد راضي.. الوضع مو تمام.. صارلي فترة اسمع من التجار.. وحتى صالح و ناصر نفس الشكل سامعين.. و اليوم بمجلس الشيخ.. حذرنا گال مو خوش وقت مختارين تطلعون.. الوضع مو امان .. يغلي.. ثم نظر لراغدة الذاهله غير مصدقه .. ينظر لها بعمق وهو يقول
-راضي احتمال اطلعه للبنان.. بس انتظر يتخرج.. فتقاطعه راغدة هامسه بخوف
-يعني داخلين على حرب احمد؟؟ تونا ودعنا حرب ايران ما صارلنا.. فيقبل احمد شفتيها الهامسه يخبرها بخفوت
-اهدي.. اهدي راغدة... اني ما گلت حرب.. بس الوضع مو شي.. فتهمس له جالسه
-توك تگول احتمال يسحبون مواليد راضي؟؟ يعني الشغله صدگ... فيمسك احمد وجنتيها هامسا بهدوء يحاول بث الامان فيها...
-راغدة.. اذا حرب ماتبقى هنا لحظه حتى لو نطلع تهريب .. اهدي اهدي خليني اشوف الوضع.. لا تخليني اندم گتلج.. فتهمس له باكية برقه
-حرب ايران اخذت كل شبابنا احمد.. طفت شموع بيتي لا تنسى... فيغمض احمد عينيه شاتما نفسه ... يرى دموعها فيحتضن وجهها يلثم خدها المبتل.. يهمس لها
-اني شجاني و حجيتلج.. ثم ينظر لها عاقدا حاجبيه بندم متألم ..يكمل مقبلا جبهتها مره اخرى .. اهدي ياروحي.. لا تفكرين اني راح انتظر... صارت صدگ كللكم اطلعكم للبنان او اي دولة ثانية برمشة عين... حتى لو نطلع بره... اهدي فدوه لعيونج راغدة... فتعود و تهمس له وقد جلسا متقابلين..
-طلعنا للكويت.. الكويت امان... عمتي هناك احمد الها عمر... زوجها من الامراء.. عفيه لا تنتظر.. اذا حرب احمد هالمره ماراح نخلص منها.. راضي تنسحب مواليده... و لو اموت ما اخليه يتحرك.. راضي مثل اخويه .. اخوان راحتلي احمد بحرب ايران.. لو نسيت.. فيصمت احمد و حزنا شاع في نفسه الان.. يجذبها لصدره يكتم دموعا صارت مدرارا .. شهقاتها تقتله.. يقبل رأسها.. جبينها يهمس بعمق صادق
-اسف... اسف يانور عيني.. اسف يكرر اسفه وهو يرى انهيارها.. تتذكر اخوتها الذين استشهدوا ببداية حرب ايران.. حرب احرقت الاخضر و اليابس.. وتركت في الذاكره جروح لا تلتئم.. ولا تزال صور التوابيت الملتفه بعلم العراق كل يوم.. يراها احيانا في كوابيسه في المنام.. رعبا.. ترك العراق اجمع في حقبه مظلمه لا بصيص للأمل فيها...
وتستكين راغدة بعد وقت على صدر احمد الساهر الساهم...تتنهد كل حين برقه ثم تنهض وهي تنظر الى احمد .. فيراقبها ساهما يداعب خدها.. تقترب تقبله بعمق.. فيحتويها بذراعيه.. يبثها عشقا و حنانا.. يعلم حاجتها الان لكل الامان..
يهمس لها بعد حين محتضنا
-المؤمن يسلم مقاديره لرب العالمين راغدة... وانتي مؤمنه.. الدنيا دار بلاء و اختبار.. سعيد من فاز و نجح بأختبار رب العالمين.. اوعدج الضيم ما يصيبكم طالما راسي يشم الهوى.. فتغمض عينيها راغدة.. تدعو الله بصمت.. تبتهل.. فلا طاقة لها على المزيد..ودعت احبابا .. وقد كسر ظهرها مرارة فقدهم..
*******************************
قبل ذلك الوقت بساعات..
يعود بعد غياب دام ايام الى المنزل.... متجهم كالعادة... مجبرا تقريبا للعودة .. فهي مهما كان زوجته.. وهذا بيته... يدخل الصاله الرئيسية... يرى سعاد جالسه تتحدث في الهاتف...وحولها عدة السمر... شاي و بعض المكسرات المملحه.. فيضحك ساخرا يهز رأسه وهو يستمع الى بعض حديثها.. تتحدث مع احدى صديقاتها على ما يبدو... لا تهتم لوجوده.. بل تستمر بالحديث متجاهله... حتى انحنى ببرود... يضغط على زر ما يقطع الاتصال.. و يميل الى نقطة الهاتف القريبة.. يفصل السلك بهدوء.. فتنظر اليه سعاد ذاهله من سوء تصرفه.. كم تكرهه و تكره بروده المستفز.. تخبره بغضب
-هاي شسويت؟؟
-شسويت؟؟ رجلج غايب اله ايام.. تشوفيني و عندج عادي؟؟ شنو من مره انتي؟؟ يسألها ببرود ساخر
- والله گلت ماراح اشوف الطلعه البهيه الا بعد شهر... شعجب جيت؟؟. غير تعزمني اني و بناتك على عرسك؟؟ فيغرق صالح بالضحك.. وهو يرى ملامح وجهها الغاضبه.. يهمس لها مستفزا
-تغارين؟؟
-اني؟؟ على شنو عيوني؟؟ عيد عندي من فارگتني صالح.. احمد ربي و اشكره الف مره من كفيتني شرك... خلي الجديدة تشيل شوية من تعبي و معاناتي..
فيتقدم هو منها بشر حاقد.. يهمس لها
-لسانج طولان .. طلعت عينج.. بس مو مشكله معذورة.. الضره مره... و انتي مخيرة تردين تبقين.. تردين تولين.. براحتج.. بس ادري انتي باقية وين ترحين سعاد.. ترجعين للفگر يم اهلج؟؟فتصمت سعاد ترمقه بحقد يتعاظم.. تهمس له
-الله ينتقم منك صالح... اريد الله يبليك بلاء يزيد ذنوبك بس.. على القهر الي اشوفه وياك... ماخذ وحده بگد بناتك.. واني اخر من يعلم؟ اسمع من الناس؟؟
فيجيبها صالح ببرود يثير جنونها
-توج گلتي عند عيد.. شكو بعد.. عموما جيت اخذ كم شغله.. كرم مني مخليج هنا ترى... شفقه عليج لا اكثر.. ام البنات... ينهض من امامها يسير ببرود مختالا... فتدعو هي بحرقة قلب
-الله يحرمك الولد... الله يبليك ياصالح بلاء ما تاخذ عليه اجر... اريده بلاء يزيد ذنوبك... ولا تعلم سعاد ان دعوتها محققه.. وان الزمن يخبأ لصالح بلاءا لا يُبَدّل لحُسن صبره عليه اجرا.... بل يزيده ذنبا و اثماً.. يزيده عذابا و طول مكوث بين يدي الرحمن في الاخرة....
************************
بعد ايام... احدى المدن الغربية .. مجلس الشيخ
فرغ المجلس تقريبا من الحاضرين.. لكن الشيخ لرغبة ما في نفسه.. كان لا يزال جالسا مسترخيا يتكىء على احدى المساند الارضيه.. يستمع الى احد المقربين منه.. يجلس بجانبه الان يحدثه
-شيخنا سمعت عن طلعة اولاد ****** من عشيرتهم؟؟ فيومىء الشيخ وهو لازال سارحا يفكر بالحديث الذي اسرته به نرجس قبل خروجه لمجلسه اليوم قبل ساعات قليلة.. ثم يلتفت الى محدثه المسترسل
-الشغله صارت سهله ياهو الي يريد يطلع.. يطلع,,.. هاي عيبه تعتبر بحق العشيرة.. فيقاطعه الشيخ وهو يعلم اين الغاية
-الناس احرار.. و هالوقت الغالب صار يميل للمدنية .. فيعود محدثه يخبره بألحاح
-شيخنا من فتحنا عيونا على الدنيا و احنه ما عدنا غير العشيرة و شيخها الي يجيبلنا حگنا.. شنو المدنية؟ .. لا سناين لا اعراف ولا عادات
فيلتفت الشيخ اليه هذه المره.. يخبره ببرود و عدم مبالاة وهو يشير بكفه
-ناس و طلعت و وجهم ابيض.. انته شغاثك يابو كاسب.. الله وياهم.. بعدين العشيرة و القبيله عزوة صح.. بس احنه بزمن لازم القانون هم يفعل.. وهم ناس تجار .. ما يردون دوخة راس .. الله يصلح حالهم و حالنا فيصمت محدثه وهو يستشعر رفض الشيخ الخوض بهذا الحديث اكثر.. يصمت و داخله غير صافي... فالحديث كثير عن الشيخ في الفترة الاخيرة.. فيقول له الشيخ بحنكته المعروفه و صراحته كأنه يقرء افكاره بوضوح
-ذبها للحجايه ابو كاسب... شنو الخبر؟؟ فيتردد ابو كاسب ليقول بعد فترة صمت
- ياشيخ.. ناسنا ماخذين على خاطرهم منك و كلام و لغطا جبير صاير... يگولون انته تريد نطلع من اعرافنا و عاداتنا... كثير عادات انت ضدها و بديت تأمرنا ما نتعاطى بيها... ياشيخ هاي عادات اجدادنا و سلومنا شلون نتخلى عنها؟؟ فيصمت الشيخ متأملا امامه... ثم يلتفت بعد وقت لمحدثه
- هالكلام كله لان نهيت عادات جاهليه حتى ما تمت للاسلام و الدين بصله؟؟ وين الغلط اذا اريد للجميع الزين؟؟ وين الغلط اذا اريد اسوي منهاج نمشي جميع عليه؟ علما يوصلك انت.. وكل من يريد نرجع لورى خطوات... هالعادات احاربها اليوم و باجر و حتى بعد الممات.. الي ياخذ الشيخه بعدي يتعهدلي و يحلف على كتاب الله.. انه يمشي على نفس خطاي.. القانون موجود الي يخالف و يتعدى و يتجاوز جزاءة معروف.. والي ما يعجبه هالقبايل موجوده.. يطلع منا و يروح دخيل عند الي يعجبه.. فيصمت ابا كاسب تماما.. ثم يكمل الشيخ وهو يعتدل في جلوسه يستعد للمغادرة
-عازكم و رافع شانكم.. مدينتنا الي احنه بيها من احسن المدن.. اتحدى واحد منكم ينكر.. اريدلكم و لاولادكم الخير.. اريد نتسلح بالعلم مو بالجهل... بلغ ناسك.. الي ما عاجبه.. باب العشيرة مفتوح.. براحتهم.. خلي يصيرون بشجاعة اولاد*** الي جبتلي خبرهم قبل شوية.. و يطلعون.. الشجاعه هنا.. بدل ما نمشي و نذب حجي ثم ينهض واقفا ينهي الكلام... فيقف ابا كاسب هو الاخر احتراما.. يكتم بتمكن ثورة على هذا الشيخ الذي يريد ان يرمي عباءة القبلية و يتجه بخطى ثابته نحو المدنية في بعض الامور المهمة..
يدخل الشيخ منزله وحنقا ما يملأ صدره ... يعلم ان ما يقوم به صعب.. و لا يتقبله البعض.. وربما الكثير منهم لا البعض.... لكنه منهاج وضعه ولن يغيره.... دربا سيسلكه حتى من يأتي بعده.... العلم .. و التخلي عن عادات جاهليه مقيته تشحن النفوس عداء و حقدا...
يريد ان تنمو مدينته.. ان تزداد عطاءا و خيرا.. والامر يعني ان يتخلو عن العديد من العادات القديمة التي لا تزيد في النفوس الا الاحقاد.. كالفصلية.. او الثارات التي تحصد ارواح و اموال... يتنهد متذكرا الفصليه .. تلك العادة التي يحاربها بقوة.. فهو يؤمن ان المرأه يجب ان تصان.. لا ان تهان... المرأه هي امه.. زوجته.. و ابنته... كيف يرتضي ذلهن؟؟ و يتذكر مهين.. فيرق قلبه الصلب لها.. اخذها اجبارا كفصلية.. و يعلم مدركا ماهي الغاية.. يعلم ان بمهين ارادو كسر قراره.. و كسر قواعده.. لذلك و بأعتراف تام اخبرهم انها دخلت بيته كزوجه لها كل الحقوق.. اولها مكانتها المعززه المكرمه.. فقلب الامر عليهم بكل هدوء و سلاسه.. و أنقلب السحر على الساحر... فنالت مهين مكانه و حصانه في بيته.. وفي قلبه..
يدخل مخدع والدته... فيراها جالسه في سريرها تسبح بمسبحتها التي ورثتها عن اجدادها.. وقد حلت عصبتها السوداء التي تعودت ارتدائها عندما تكون خارج غرفتها.. تتدلى جدائلها السوداء الطويله يتخللها الشيب... على اكتافها و صدرها.. هادئه تنظر اليه الان بأبتسام دافىء تخصه به دوما.. قرة عينها.. فينظر الشيخ الى ملامح وجهها المطمئنه يراها تسبح بمسبحتها المتدليه من كفها الممهور بالحناء.. ينحني عليها يقبل رأسها باحترام.. هامسا لها
-شلونها الحجيه... فتبتسم بفخر متذكرة انها حجت سبع مرات الى الان و من بعد اول حجه لها رفضت ان ينادوها بالشيخه... انما ينادوها بالحاجة صفيه... فهي معتزه جدا بهذا اللقب الاثير الى قلبها... تجيبه بود
-زينه طالما وليدها زين.. الله يحفظك يمه و يرعاك... تعال اگعد .. استريح يمه. تربت لمكان ما جانبها .. فيجلس مراقبا قيس النائم عندها .. يقول لها بخفوت باسم
-الشيخ الصغير يمج نايم.. فتقول بفخر
-شيخي هذا اكيد يجي يمي .. دعوتي الله يرزقني عمر و ازفه بيدي.... فيقبل الشيخ كفيها العطره هامسا بدفىء و مودة ..
-امين حجيه.. امين.. و يصمت و ينظر الى قيس بتفكير.. فتسأله والدته بتفهم
-حملك ثگيل يمه؟؟ فيجيبها بهدوء وعينه لا تزاح عن ولده الصغير
-كلشي بالبداية صعب حجيه و الطريق طويل .. طويل.. والي داير مدايري ما يفهمون غايتي ولا يوعوها هسه.. يتنهد بتعب فيشعر بكف والدته تربت على كفه برفق
-طالما انته صح وليدي لا تخاف...خليك على رايك.. يجي يوم و توصل للي تريده... فيومىء هو متفقا... تعود و تهمس له والدته و نظراتها متعمقه بحبات مسبحتها
-يمه... مريتك انتبه عليها... فيرفع الشيخ رأسه بأنتباه فيسألها عاقدا حاجبيه بتساؤول
-مهين؟ فتصمت والدته قليلا ثم ترفع نظراتها اليه تبصره وقتا.. ثم تهمس
-نظمية... فيصمت الشيخ فاضل وقتا .. ثم يهز رأسه تعبا فتكمل والدته
-وليدي لا تزرع نار الغيره و الضغينه و تغذيها دون ما تحس... نظمية حاسه بالنبذ وليدي.. وانته مو يمها... اعدل يمه.. اعدل فيصمت الشيخ وهو يستمع بأنصات لوالدته التي اكملت وهي تشد على كفه
-اكسبها ترتاح... نار الغيرة ترى تحرگ بيتك.. نظمية مو مثل نرجس.. الي تزرعه تحصده وانته سيد العارفين.... فيهمس لها بتقرير
-اخبارها توصلني.. مكسره ضلوعها لمهين قبل كم يوم.. ونرجس ضامه عليه مفكره الشيخ اخر من يعلم... ما تدري كلشي يوصلني.. وذيج الفاهيه (مهين) بعدها ما فاهمه هي مرة الشيخ حالها من حالهن ماكو فرق... واني ياحجية مطول بالي هواي على نظمية.. سوالفها كلها يمي بس لخاطر الدم باقي عليها والا لسانها و تصرفاتها تنفرني منها... فتشد والدته على كفه
-يمه ادري مجزعتك و تطلعك دوم عن طورك بس تبقى بت عمك... وام ابنك.. ولا تنكر انته ايدك و الضرب وياها لو الهجر و الاثنين وليدي يزودن نار الكره عدها.. فيصمت الشيخ مفكرا.. تعود والدتها تهمس بعقلانيه
-وليدي ولد عندك.. تريدهم يتعاركون على الشيخه بعد عمرا طويل بعدك ؟؟ اعدل بين نسوانك حتى ينصلح حال اولادك.. مهين هسه ام ابنك.. و نظميه مخليه دوبها من دوب مهين.. اعدل بينهن حتى تستكن و تخف عن مهين... وخلي المحبه بين اولادك وليدي يجتمعون عليها... فيصمت الشيخ و يطول صمته وهو يعلم صحة قول والدته.. ينفر من نظمية..بل يراها شر اجبر على جلبه لنفسه
ينهض بعد وقت مستأذنا من والدته... يتوجه الى قسم نظميه.. فيراها تجلس تستمع الى احدى الاذاعات الطربيه القديمة في الراديو و حامد لا يزال مستيقضا... تنهض مسرعه فور رؤية الشيخ في قسمها.. تتلهف واقفه ترتب شعرها و ملابسها فيرمقها الشيخ بنظرة سريعه و تتقدم اليه مسرعة متلهفة تقبل كفه و تأخذ عبائته تهمس له بصوت تحاول ان يكون رقيق مزين بلين الكلام ... تهلي و ترحب به وقد علمت انه سيقضي ليلته معها فتتوجه انظاره الى حامد يسألها ببرود
-ليش گاعد لهسه؟؟ راح نصير تالي الليل...اخوانه كلهم نايمين... فتكظم نظمية غيضها و حقدها.. مقارنة اخرى!... لا بأس المهم انه هنا... لا بأس.. فتجيبه تصطنع الابتسام
-هسه انيمه.. اصلا جنت ناويه .. فيهز رأسه وهو يتجه لمخدعهم يهمس لها ببرود
-علمي علنظام كلشي فالت عنده نظميه فتهمس له وهي ممتعضه تخفي ملامح وجهها المتذمره بأبتسامه مصطنعه
-ان شاء الله.. ان شاء الله
ويقضي الشيخ تلك الليلة مجبرا عند نظمية... ونية في داخله تتنامى ان يفتح صفحة جديدة معها... فوالدته محقه.. اجادت نظميه بغباء في ابعاده عنها بسوء اخلاقها و قبح سريرتها.... لكن له طفلا منها و هو لا يريد التفرقه بين نساء بيته... هي زوجته كحال نرجس و مهين.. مؤمن ان التفرقه ستطال اولاده ايضا.. لذلك لأجل عين... تكرم الف الف عين....
*******************
بعد ايام.. بغداد الحبيبه.. امام كليه الهندسه
تقف منذ فترة تنتظره.. تعمدت ان يكون مظهرها شاحبا خاليا من اي انواع الزينه..فحتى ملابسها كانت بلونا كئيب غائم لا اشراقة فيه ابدا.... وقد ذبل عودها و اختفت ملامح الفتنة عن وجهها.. فبات مظهرها هشا قابلا للكسر.. تلوح بعينيها الجميلتين نظرة حزنا أتقنت ببراعة رسمها... و شفاهها الذابلة أتقنت كذلك دور ارتعاشها... شعرها النحاسي قد رفعته بأهمال.. فمن يراها يشتبه ان كانت تلك الفاتنه ..سحر... تحمل بيدها كتبها و حقيبة صغيرة اخرى.. تصطنع بتمثيل يقارب الحقيقه اضطرابا هو موجود فعليا في نفسها المريضه... تراقب باب الكلية وهي تعلم متى يخرج... وفعلا لم يطل انتظارها .. فماهي الا لحظات حتى خرج راضي امامها.. بطولة الفارع و جذعه المميز يضع نظارة شمسية زادته جاذبيه.. انيق الملبس يحمل بيده عدة الهندسة.. كان يسير مع مجموعه من أصدقاء دفعته حتى لمحها تقف اسفل احدى الأشجار الخضراء.. تقف بحيرة و نظرتها ترنوا برجاءا نحوه... فلا تمر سوى دقائق حتى تراه يقترب منها مسرعا و قد حيره وقوفها وهو الذي ابتعد تماما عنها و عن ذكرها لايام.. يعلم تماما ان الرسالة قد وصلتها بوضوح.. فهو رغم حبه..رغم عشقه..لا يخرج عن طوع اخوته.. يثق بهم تماما... يعلم انهم يريدون مصلحته و ماهي إلا اشهر قليلة جدا حتى يتخرج.. و يسافر.. فهذا ما اتفق عليه مع شقيقه احمد .. لذلك قطع كل اتصال معها.. حتى انه بقي لايام مع اخوته.. حتى يتخطى فقدها..
لكنه الان يقترب منها و يلمح حالها المضطرب...يرى ابتسامة مرتعشه ضعيفه ترسمها بجهد على شفتيها..و دموعا زائفه سالت بصفاء يتتبعها هو بحيرة.. فالتي امامه ليست سحر.. انما بقايا منها.. من صورتها الجميلة.. يقترب اكثر حتى وقف امامها.. يخلع نظارته باهضة الثمن فتظهر لها عيناه الصادقه الصافية.. و للحظة.. للحظة فقط تمنت ان تكون هي الاخرى صافية.. لا ماضي لها.. ان يكون ماستقوله الان حقيقيا لا زيف فيه.. لكنها تعلم.. بقرارة نفسها ان هذا مستحيل.. فراضي بالنسبة لها أصبح رهانا يجب ان تفوز به.. ستخرج به من مستقنعها المظلم العفن... ستبدأ معه من جديد... وربما..ربما ستكون صادقه معه في بناء حياة سعيدة من جديد.
ينحني بهامته لها يسألها بحيرة
- سحر خير شبيج؟ فتجهش ببكاء مرير أتقنت كالعادة تمثيله فيحمر وجهها الشاحب و ترتعش شفتيها تحاول كتم دموعها بكفيها فيقترب راضي اكثر ملتاعا لمظهرها البائس.. يعترف انه اشتاق لها.. ان قلبه يعدو لها مسرعا.. ناسيا كل الوعود و كل الاختلافات.. يصمت وقتا يتأملها بملامح حزن ارتسم بوضوح على وجهه الوسيم برجولة طاغية.. عمياء هي حينما عجزت عن ابصارها و ارتشاف عمقها بصدق... تهمس له بعد وقت
- ساعدني عفيه... الله يخليك راضي ما الي غيرك... ساعدني.. اخذني لأي مكان ظمني بي... اهلي ساعات و يكونون ببغداد.. فيسألها راضي مستغربا..
- خير؟ شنو الصاير؟؟ فتقترب هي خطوه مترنحه منه.. تهمس له بوجع
- من وقت ما عفتني و اني محبوسة بغرفتي حد ما اقنعت ابوية ارجع لبغداد علمود ارتب اموري.. زواجي اليوم.. راح يجون اهلي يزوجوني لواحد من الضباط اكبر مني بعشرين سنه راضي.. فتزداد ملامح راضي حده.. وقد استخدمت سحر الكلمة التي اوجعته( عفتني) تعود و تهمس له بالحاح بصوت مبحوح...
- وديني اي مكان بس لا ترجعني الهم.. اي مكان راضي بس كم ساعه بعدها اني اتصرف... فيصمت راضي متجهما مفكرا ينظر اليها فيرى استحالة تمثيلها.. صادقة هي نظرتها و نقية هي دموعها.. ربما تكون مظلومه اجبرتها ظروفها.. تعود و تلح بطلبها
- مالي غيرك ببغداد وخالتي تخاف.. ما اكدر ابقى يمها .. الكل تخلى عني حتى امي... فيأخذ راضي حقيبتها منها.. يحملها بصمت و يشير لها بيده ان تتقدمه..
بعد وقت
جفت دموعها.. ورقت ملامحها الجميلة.. تلتفت الى راضي الصامت ... تراه يقود سيارته بهدوء.. يمر على شوارع بغداد في تلك الظهيرة عابسا متجهما و مفكرا.. تهمس له باعتذار
- اسفه راضي.. كنت اتمنى اشوف الدنيا الصح وياك.. بس الي ماعنده حظ..لا يتعب ولا يشگى.. ما ألومك ابد.. حقك تريد وحده توالم نفسيتك الطيبة بس اني ما اختاريت اهلي.. لا اختاريت ابويه ولا امي.. علمودك كنت أرفض هواي ناس.. من ظمنهم أصدقاء لأبويه.. من عفتني و ما رديت خبر .. اخذوها عليه شوف.. تهمس له بوجع ترفع كم قميصها القصير فيلتفت هو اليها للحظة يرى زندا مزرق من اثر ضربه ما.. تكمل بوجع باكي.. هذي رحمة..ايام حبسوني لا ماي ولا اكل و ظربوني علمود أوافق اتزوج واحد شايب بس لان رتبة .. فعض راضي على نواجذه يكتم غضباً استحكم... يقول لها بأحتراق
- ابوج ...و يصمت مستغفرا .. فتهمس هي وقد تلتمست لينا منه الان.. وقد تغيرت نظرتة اليها كثيرا..
- ابوية مغلوب على أمره... عثر مره و مرتين و من بعدها صعب يطلع من الهوه بي.. بس الناس حقها تاخذني بذنبه .. حق ما ينزعل منه... تصمت و تترك له مجال التفكير.. تعلم انها تقود فكره بذكاء.. تعلم الى اين توجهه.. فقد زرعت الان برعم تأنيب الضمير ولكونها تعلم من هو راضي.. دخلت له من هذا الباب . . تعود و تحدثه تضغط عليه اكثر فهي لا ترى سوى صمت بدأ يخيفها.. ولم تكن تعلم ان صراعا محتدما يشتعل في دواخله.. تراه يدور في الشوارع على غير هدى
- نزلني بأي مكان اذا صعبة عليك.. نزلني راضي اني هم غلط مني ادخلك بمشاكلي ثم بكت..بكت كثيرا حتى فقدت الأمل في ان يتحدث.. حتى تَسّرعت بطلب ما بعد ان خَفُت بكائها و بُحّ صوتها.. ورقة اخيرة سترميها... بعدها ان رفض....سيكون الفرار... تهمس له بجرأه وهي تنظر اليه بنظرة اما الانتصار او الانتصار... لا عودة ولا تخاذل
- تتزوجني راضي.. فتتجمد يدي راضي على المقود... و يلتفت اليها ببطء و تذهله نظرة التصميم الواضحه بجلاء امامه في عينيها.... و للحظة.. شعر انه وقع ببئراً عميق لا قرار له....
↚
بعد ثلاثة اشهر .. مدينة تقع في الوسط
غضب عارم يعتري سعاد التي تتوهج ملامح وجهها الان بسبب كبتها لغضبها.. تجلس امامها ميعاد باكية و تهمس لها راجية
-الله عليج سعاد احجي ويه ابويه.. علاء يريدني والله بس المهر هواي.. فتنتفض سعاد بغضب اكبر تهمس بفحيح
-انتي تخبلتي؟؟ شنو مهر هواي.. ميعاد الولد ماخذج ببلاش.. مايريد يدفع شي .. ولج حتى ذهب ناوي يشتري بس گلادة .. وياريت بيها شوفه.. شي خفيف.. انتي شنو قاصرج ميعاد لا تخبليني.. فيزداد بكاء ميعاد وهي تدرك ان ما تقوله شقيقتها صحيح.. علاء لا طاقه له على المهر الذي طلبه والدها.. رغم ان والدها لم يطلب مهرا مرتفعا.. انما طلب المهر المتعارف عليه.. لكن علاء لا يملك الامكانية .. يريدها ان تسكن مع والدته و شقيقتيه فهو رجل البيت بعد وفاة والده.. وهذا ما اثار غضب سعاد اكثر.. تعود و تسمع صوت سعاد متسائلا بحزم تتلمس به الاتهام
-تعالي فهميني شنو الموضوع بالضبط.. ميعاد انتي بينج و بينه شي.. فتصمت ميعاد بصدمه و تنظر بذهول لسعاد.. فتكمل سعاد موضحه بغضب
-لعد شبيج كاتله نفسج؟ ولج يريدج ببلاش.. مايريد يدفع شي.. والي يجي برخيص يروح برخيص فهمي.. لازم يحس انتي عزيزه... لا ترخصين نفسج.. انتي كولشي ما مكلفته.. لا مهر لا ذهب لا سكن لا حفلات.. شنو ماخذج فصل عشاير واني ما ادري؟؟ اذا ما عنده امكانيه ليش يتزوج فهميني؟؟ يريدج تسكنين ويه اهله...مو مشكله بس تدرين شنو يعني هذا؟؟ يعني كل خصوصية ما عندج.. فكري زين انتي بعدج على البرالرجال ما يتنازلوله من الاول ..بعدج ما تعرفين معدنه شنو.. يجوز كل هذا ما يغزر بعينه و يعيرج بعدين .. لكن ميعاد لم تفهم.. رغم استمرار سعاد بالاقناع .. رغم جهدها المستمر لتوعية ميعاد .. الا ان ميعاد كانت مصممه... تأخذها العاطفه بل انها باتت ترى كل ما تقوم به سعاد هو غيرة منها.. لانها لم تجرب الحب .. لا تعرف لذته.. فسعاد كانت كالبيت الواقف بعد زواج صالح الثاني.. غيابه صار بالاسابيع.. يرسل فقط كل يومين احد صنّاعه الذين يعملون لديه يرى طلباتها .. و سعاد لم تعترض.. بل ارتاحت كثيرا لغيابه و ادراك يتعاظم داخلها انها ليست بحاجه الى صالح في حياتها الا لرعايتها ماديا.. فماذا تريد اكثر.. لذلك تفرغت للزيارات النسوية و الحضور الاجتماعي..فعرفت في مجتمع المدينة وملئت مكانها في طبقته الراقيه...
بعد ايام
تقف ميعاد امام سعاد بثوب ابيض بسيط و زينة وجها بسيطه.. فقد تم عقد قران ميعاد منذ ساعات بحفل بسيط جدا.. كان الحضور فيه من المقربات فقط.. عدد بسيط يكاد لا يتجاوز عددهم اصابع اليد.. و كانت ميعاد فرحه..مسرورة بزوجها علاء..بل تتعلق بذراعه كأنه احدى المعجزات... والان تقف سعاد تساعد شقيقتها حتى تزف الى زوجها.. تفتح سعاد حقيبتها بعين دامعه... تخرج علبه مخملية حمراء وهي ترمق القطعه الخفيفه التي اشتراها علاء لشقيقتها.. قطعة ذهبيه خفيفه صغيرة تكاد لا ترى و خاتم زواج رفيع جدا.. لكن ميعاد كانت مأخوذه به.. كأنه خاتم الماس.. اقتربت سعاد جاذبه يد ميعاد اليها... تلبسها سوار ذهبي ثقيل.. حديث التصميم.. ذهلت لشكله ميعاد.. والحقته بقلادة فخمه جدا ثقيلة الوزن ايضا.. تهمس سعاد بعبره تخنقها
- مايهون عليه تطلعين دون شي..باجر عگبه اخاف يجي احد يباركلج ببيت اهله.. هذي هديتج..وبره جهزتلج جنطتين..وحده بيها ملابس و وحده بيها عطور و مكياج و اشياء تحتاجيها.. ما اريد يحسون انتي بلا عزوه.. ثم امسكت بوجه ميعاد تنظر اليها بود..
- هذا ذهبج ..لو مهما صار لا تبيعي..احتفظي بي ميعاد.. اتمنى من كل گلبي يطلع ظني مو بمحله.. بس بالج و اياج تبيعين شي..تحتاجين فلوس تعالي بلغيني.. اني اختج..رايحه لبغداد..عالم ثاني عن هنا ميعاد.. انتبهي لنفسج.. ثم تصمت وقتا تتأمل ملامح شقيقتها المليحه.. و تكمل بعد صمت ميعاد.. كثر التنازل ببداية الزواج يعود الرجال... ما اگولج صيري متطلبه.. بس لا تعودين علاء انتي بكل شي ترضين.. ترى رجلج من النوع الاتكالي.. ثم تتنهد وهي تقول دعائي الكم الله يسعدكم.. انتي بنتي و كلامي لمصلحتج.. فتبكي ميعاد و ترتمي في حضن سعاد.. تحتويها الاخرى بين ذراعيها بمحبه صافية لا تلون فيها..
و تزوجت ميعاد.. وكانت ايامها الاولى عسل..حتى انقشعت الغمامة الوردية... وبانت لها كل الحقائق... و أستيقظت على واقع متعب مؤلم.. فزوجها مديون.. لا يملك سوى منزل والده ... الذي احتكر حقوق اخواته فيه لنفسه.. اقنعهن ان يبعن المنزل له و ان يتم سداد المبلغ على شكل دفعات..ولثقتهن به.. وقعن دون استلام المبلغ... وبدأ علاء يماطل بالدفع لهن.. فشحنت انفسهن بالغيض و المتلقي الوحيد كان ميعاد... مشاكل يوميه لا تنتهي.. وقد سحبن ايديهن من الاعمال المنزليه... فكانت ميعاد اشبه بالخادمه لهن.. فأخواته غير متزوجات... شقاء و تعب يكافئه علاء بالسهر خارج المنزل..يسهر حتى الصباح.. ولم تكن تعلم ميعاد وقتها ان زوجها...مقامر
*****************
منزلا اخر.. مدينة تقع في الوسط
تجلس راغدة و امامها شهناز.. تساعدها في تنظيف الخضار الورقية في مطبخ راغدة الواسع جدا.. بأرضيته الرخاميه الملتمعه.. و الوانه العصرية الحديثه.. كانت راغدة ساهمه وهي تفرم الاوراق الخضراء النظيفه استعدادا لوجبة الغداء التي دعي لها ناصر و صالح.. وكانت سعاد قد اعتذرت عن المجيء وتفهمت راغدة ذلك.... فراغدة تعلم بأحساس الانثى ان هناك جفوة بين صالح و سعاد..ولا تستطيع لومها ابدا.. من ترضى ان تحل اخرى محلها؟؟ لكن الغريب في الامر ان صالح لم يعرفهم الى الان بزوجته الجديدة.. يكتفي بالقول فقط انها تسلم عليهم.... ولانشغالهم بموضوع راضي لم يلح احد عليه لتعرف بزوجته الجديدة.. تتنهد شهناز وهي تهمس
- الوضع صاير لا يطاق.. ناصر روحه بخشمه ... اعصاااب ما ادري من الوضع.. لو من موضوع راضي.. فتصمت راغدة وهي تفكر ايضا.. فالامر مشابه عندها.. احمد متجهم دوما.. صامت ولا تستطيع الولوج الى افكاره..فهو يحجب كل شيء عنها بمهارة... تهمس بخفوت لشهناز
-صدمة راضي الى الان ما متقبليها شهناز.. ما الومهم.. وبنفس الوقت ما الوم راضي.. بس و تصمت راغده عاقدة لحاجبيها.. فترفع شهناز رأسها لها.. تتأمل راغدة ترى عقدة حاجبيها المحتاره.. فتسألها
-بس شنو راغدة؟ فتهز راغدة رأسها رفضا كأنها تخبرها انه لا شيء مهم.. فتصمت شهناز و تعود لعملها تغرق به.. تسمع بعد وقت صوت راغدة هادئا عميقا بتفكير
- اعتقد رياجيلنا دا يصفون ( يقومون ببيع ممتلكاتهم) .... فترفع شهناز رأسها مستغربه وهي تردد
-يصفون؟؟ قصدج يبيعون املاكهم؟؟ صدك تحجين؟؟ فتبتلع راغدة ريقها وهي تهمس بتوتر ترمق شهناز المستغربه امامها
-سمعت صدفه احمد ذاك اليوم.. طلعلنا جوزات و ناصر هم.. و من سألت احمد گال علمود نسافر بالعطلة.. بس شهناز الموضوع اكبر.. هاي شوفة عينج دخلنا بنص العطلة و ماسافرنه...من اسأل احمد يگول عنده كم شغله بس تخلص مسافرين.. حتى ما ادري وين يريد يطلعنا.. تصمت مفكره ثم تكمل بحيرة .. شهناز احمد صفى كم محل اني متأكده.. المشكله ما يحجي .. يشتغل بسرعه و سكته واني حايره.. تسألين شلون عرفت ذاك اليوم ام حسين تعرفيها.. متعودة تشتري ذهبها و ذهب بناتها و جناينها ( كنائنها) من احمد.. شافتني بمجلس جوارينه و سألتني شعجب ابو علي بايع محلاته.. احتاريت شجاوبها..گتلها نريد نستقر ببغداد.. بس شهناز احمد من سألته گال محتاج سيوله... و اني اعرف بأحمد لو شمايصير ما يبيع **** ... ما افهم والله.. عندي احساس على ساعه يجيني يگول يله.. فتصمت شهناز ذاهله.. تتذكر ناصر.. طلبها قبل فترة اوراقا ثبويته و صور شخصية.. اخبرها وقتها انه يريد استخراج بعض المستمسكات التي يحتاجها.. لكن ما تسمعه الان يثير كل حيرتها.. تكمل راغدة هامسه
-من بعد ماصارت شغلة راضي و الامور غريبه شهناز.. حتى احمد الي بالعادة يكون بشوش و هادي صاير متوتر و دايما متجهم و مهموم.. فتخبرها شهناز وهي تعود لعملها
-راضي من حقه يختار الي يريدها.. احنه ليش اخذناها بذنب ابوها؟؟ فتخبرها راغدة وهي تنهض تأخذ معها اوراق الخضار المفرومه لطبخها..
-والله نفس كلامي.. بس احمد يسكت من احجيله هيجي.. و راضي هم انقطعت اخباره من اخير صدام بينه و بين اخوانه... تعود و شهناز تتنهد وهي تهمس
-الله يهدي الامور.. كأن عين و صابتنه.. وين جنا و وين صرنا.. سبحان الله راحة البال شگد مطلوبه... ثم تهمس باسمه تغير الموضوع
- اخبار اولادج؟ علي و جعفر..شلونهم بالعطلة..فتبتسم راغدة بهدوء وهي تغسل يديها و تنشفها بمنشفه معلقه بجانبها..
-الحمد لله عاتبو ابوهم ذاك اليوم لان لا راحوا دورات صيفيه ولا سافروا.. گتلهم ماما استراحه هالعطلة.. اذا تردون درسوا اخوانكم مهاب و خالد..حفظوهم سور طوال .. و الموضوع عجبهم.. من يومها و الحمد لله الدورات التعليمية تحولت عندي بالبيت.. حتى فارس و ياسر مشمولين بالموضوع رغم صغر سنهم.. بس علي و جعفر دوم شايليهم و يفترون.. الله يرضى عليهم رضى قلبي و ربي.. فتبتسم شهناز بمودة هي الاخرى..
-فدوه لعينه علي شگد صاير يشبه احمد سبحان الله... بقية السنافر وينهم.. مشتاقتلهم ..مالت عض والله فتضحك راغدة وهي تعود للجلوس
-مو گتلج علي و جعفر متوليهم.. اعتقد بالحديقه الخلفيه اليوم يردون يسبحون.. و علي و جعفر من عرفوا انتي هنا شردوا گالوا خلي خاله تاخذ راحتها لا تتقيد بالحجاب.. فتهمس شهناز بأحترام و مودة بالغه
-حبايبي الله يحفظهم و افرح بتخرجهم و زواجهم.. يوم المنى فتسرح راغدة باسمه.. وهي تقول بتأمين
-اللهم امين..امين يا شهناز و اشوفلج طفل يفرح قلبج الطيب.. فتتنهد شهناز تقول بهم
-اللهم امين ولو راحت عليه.. ويني و وين الحمل راغدة... فتضربها راغدة بمودة على ساعدها تهمس لها
-مو بعيدة على ربج.. يقل للشيء كن فيكن.. خليها على الله .. فتهمس شهناز وهي تومىء برأسها بهزات خفيفه
-و النعم بالله.. والنعم بالله
بعد ساعات....
تدخل غرفة نومهم بعد ان اطمأنت على اولادها.. فيومهم كان طويلا متعبا.. تنظر اليه فتراه عاقدا حاجبيه يقلب في مجموعة اوراق افترشت حجره.. وهو جالسا مسترخي على جهته من سريرهم.. تتعمن في اساريره المنغلقه فترى بها تعبا و ارهاقا بات يغطي ملامح وجهه الوسيمة.. تقترب بهدوء تخلع مأزرها الخفيف فيظهر ثوب نومها الرقيق بلونه الوردي..يبرز جمالا اخاذا يزداد كلما مرت بها السنين.. تسأله برقه
-حبيبي اخفف الانارة.. فيرفع احمد وجهه اليها لفتره..كأنه شعر بها لتوه.. وبقي ينظر اليها يتأمل طلتها البهيه الانيقه.. قبل ان يومىء موافقا وهو يجمع الاوراق من حجره..يضعها على الطاولة الصغيرة بجانبه.. تقترب منه راغدة بعد وقت باسمه.. تحاول ان تمتص قلقا و توترا تشعره مع احمد في الاونه الاخيرة.. تدخل سريرهما و تقترب منه.. تقبل خدة تهمس له بأشتياقها.. فيغيبها بعناق دافىء . فاتن.. يهمس لها بعد حين ..عندما توسدت صدره
-راغدة... فتجيبه هامسه وهي تسترخي تماما بين ذراعية
-نعم حبيبي..
-احتمال يومين و تطلعون للبنان.. منتظر الحجوزات.. فتتجمد راغدة مكانها.. ثم ترفع نفسها اليه ببطء .. تملؤها الصدمة.. تهمس له بتساؤل
-تطلعون؟؟ فتراقب ملامح وجهه التي لا تتضح لها بسبب العتمه.. تسرع يدها الى الانارة الخفيفه الجانبيه تشعلها.. وتعود ببصرها نحو احمد الصامت بوجوم.. تعود و تهمس له بحيرة
-مافهمت احمد.. لو اني سمعت غلط؟؟ تريدني اطلع وحدي ويه الاولاد.. فيقاطعها و هو يرفع رأسه لها بهدوء ينظر اليها يراقب ملامح وجهها المندهشه
- ناصر وياكم و شهناز..و احتمال راضي و زوجته وياكم هم..... تروحين وياهم اني اكمل كم شغله و اطلع وراكم.. فتنتفض راغدة برعب هذه المره .. تسأله بجزع
-شنو يعني تلحگنا احمد... فهمني لان اني ما افتهم حاليا الي يصير؟؟ انته بايع جزء من محلاتك؟ فيصمت احمد وهو ينظر امامه.. فتعود و تسأل بألحاح مجددا
- فهمني احتاج اعرف.. شنو الي دا يصير احمد؟؟ انته مو احمد الي اعرفه.. فهمني حبيبي..احجيلي لان هيجي تدمرني.. شنو الي صاير.. فيخبرها احمد بخفوت و صوت هادىء.. تتكسر حروفه بحيرة هو الاخر..يرى نفسه غريبا و الوضع حوله موحشا.. يريد ان يعبر بهم لبر الامان.. فالوضع مريب
-راغدة.. اني صفيت كم محل هنا.. الوضع ما يبشر بخير.. داخلين على حرب و الله يعلم شوكت تعلگ.. و هالمره القاضيه... شعب مستنزف ما عدنه شي نقدمه بعد.. لذلك قررت نستقر خارج العراق.. تهمس له ذهولا وقد شحب وجهها.. و التمعت عينيها و ارتجفت لهول ما تسمع شفتيها.. يستقرون خارج العراق؟
-قررت؟ و نستقر خارج العراق؟ و اني احمد اخر من يعلم.. و تبدأ عاصفه من الدموع تتجمع في عينيها الريميه الواسعه.. تنذر بهطول زخاتها في اي وقت.. فصوتها الرقيق قد تهدج.. و انفاسها المنتظمه باتت تتسابق.. صور لامور كثيرة ترتسم الان امامها.. يهمس لها احمد متقبلا لاي ثورة لها
-راغدة.. ماعدنا اي حل.. العراق كله يغلي.. يجوز باجر نصبح يگولون حرب... مناورات على الحدود و العاقل يفتهم .... و اني لازم بأسرع وقت اطلعكم.. بس قبلها لازم ارتب كم شغله وما اريد بنفس الوقت الفت نظر... لذلك ناصر و شهناز هم وياكم.. تاخذين الاولاد اني رتبت كولشي بلبنان.. لبنان اامن مكان النه حاليا.. فتصمت راغدة وهي تهز رأسها رفضا.. و دموعا شفافه تسيل على خدها الريان.. تنظر لاحمد الذي يتحدث بتصميم.. قد جهز كل شيء ..تسأله باكيه بصمت
-ليش احمد؟ خلينا نطلع لبغداد... فيصمت وهو يتحسر ثم يهمس لها وهو ينظر اليها بتعب و نظرة لن تنساها ما حييت
-اخاف عليكم راغدة.. بغداد هم مو امان.. اوعدج.. اوعدج فترة قصيرة و نرجع.. بس نطلع من هالازمه.. راغدة ساعديني الله يرضى عليج.. ساعديني .. ولاول مره منذ زواجهما.. لاول مره .. يرى انتفاضة راغدة الرافضه.. تهمس له بقرار حاسم دون جدال
-خطوة ما اتحرك دونك احمد.. لو كلنا نطلع.. لو كلنا نبقى.. خطوة ما اتحرك دونك.. قالتها مؤكده.. ثم اكملت وهي ترى نظرات احمد الرافضه لقرارها..
-شگد و تخلص .. اسبوع؟ اسبوعين؟؟ ننتظر .. انتظر وياك ما اعوفك.. فيصمت احمد عاجزا.. يهز رأسه اسفا.. فراضي هو ما يعيقه..خائفا عليه... صالح اخبره انه باقي لن يغادر مكانا.. لكن راضي هو من يجب ان يسافر فورا.. تعود راغده لاحضانه وهي ترى تعبه... شدة ارهقاقه من تفكيره.. تدفن نفسها في عنقه.. تخفي خوفا و فزعا.. فيحتضنها احمد يدعو الله في سره ان يترفق بهم و ان يكون القادم ليس كما ترسمه ظنونه و مخاوفه...
***************
ذات الوقت.. بغداد
تفتنه بسحر مغوي.. وجهت كل اسحلة الانوثه المشروعة واللا مشروعه فيها.. وهو مسحور... سحره عشقه لها.. سار طائعا خلفها..تزوجها ذاك اليوم.. ولا ينكر انه كلما يتذكر طلبها ان يتزوجها.. تصيبة نشوة لحظية..تختفي الان فورا ما ان يرى شخصيتها التي ادركها بعد ايام فقط من زواجهما .. شخصية لا تناسبه ابدا.. عكس ما كانت عليه ذلك اليوم عندما اخبرته برغبتها..
يومها... كانت هشه... ضعيفه... وهي تطلب منه المساعدة... ترى به السند و الملجأ ... وقتها تردد كثيرا.. احتار كثيرا.. لكن بهمسه منها اتخذ قراره... اخبرته انه رجل.. صاحب القرار لا غيره.. و هي تريده.. تريد الامان و لاشيء اخر... ليتزوجها و يخفيها عن العالم.. وكي يكون منصفا.. اغراه الامر كثيرا... بل زاده زهوا.. وهو يرى صدقها بدموعها التي امطرت ... فازهرت رضى في قلبه.. يومها اخذها لاحد المساجد.. وعقد قرانه عليها.. ولم تغب عن عينيه نظرة انتصارها فور ان اتم عقد قرانه بها... بل كأنها فازت بجائزه قضت عمرا..تسعى نحوها... واصرت ان يتمما زواجهما.. رفضت اي اقتراحات عرضها.. اخبرها ان لا يستعجلا.. فهي باتت زوجته الان.. لكنها بداخل نفسها كانت تخبره انها ليست غبية.. لن تضيعه مره اخرى.. لن تسلمه من جديد لاخوته.. ستغرقه في بحر عشقها... ستملأ قبله حتى يختنق بيدها.. لذلك صممت ان يتمما زواجهما.. طلبت فقط ان يمهلها فقط وقتا لساعات حتى تستعد له كما تستعد العروس لعريسها و تتمنى..اخبرته انه الان سيد قلبها.. سيد روحها... طلقت الدنيا حتى اهلها... سترضى ان يضعها في منزله فقط.. لهفتها له فقط.. حبها له فقط... و كالعادة اسرته دِقة حرفها.. غذّت شراهة عشقه لها...
وكانت ليلة.. لم ينساها.. غرق بها.. وارتوى و ارتوى...
يراها الان تسير نحوه بخطوات متمايله.. ترتدي ثوبا لا يكاد يستر شيئا.. بلون صارخ مشتعل وقد اتحد مع نحاسية شعرها و بياض بشرتها بشكل مذهل ساحر.. يعترف انه معها رأى معنى الانثى الحقيقه.. كجسد... ناعمه جدا.. دقيقة جدا.. تمتلأ كيدا نسائيا و الكثير من الجرأه.. كحالها الان وهي تقترب منه مغوية... تجلس على حجره.. تقبل بجنون شفتية..و ترفع كفية كي يحيط بأوراكها امرا.. لا طلبا.. فيجرفها معه... بنوبة حارة تقودها هي ..
بعد وقت
تهمس له و يدها تداعب صدره العاري..
-شوكت تروح لاخوانك مره ثانية؟؟ فيصمت راضي.. متنهدا... يتذكر لقائه بأحمد بعد ايام من اتمام زواجه.. وقتها رأى نظرة خيبة الامل بعيني اخيه الذي يكن له كامل الاحترام و التقدير.. اخبره راضي انه تزوج بسحر.. بأنه سيبدأ من جديد معها...دون اهلها.. فهي قد هربت من اهلها اليه وهو لم يستطع خذلانها.. بكل بساطة لم يستطع.. وقتها رأى راضي نظرة الاسف بعيني احمد.. نظرة غائمه كأنه بخطوته تلك زاد احمد هما فوق هما..ويومها.. ثار كل من صالح و ناصر بفورة غضب لن ينساها راضي ابدا.. اخبروه علنا ان نسب زوجته لا يشرف ابدا.. .. سحر كانت تحييه.. كانت تشعره بمشاعر لم يدركها قبلها.. متخم.. تعرف كيف تعزف على اوتاره وترا وترا..
يقول لها بخفوت ويده تداعب شعرها
-ليش؟ ترديني اروح؟؟ تناقشنا هواي سحر بالموضوع.. بس شكلج ما مقتنع؟فتصمت سحر لوقت.. ثم ترتفع تتكىء بذقنها على صدره.. تجيبه بخفوت مماثل
-طبعا ما مقتنعه ..هاي تخرجت راضي.. صار الوقت بعد تاخذ ورثك.. فيصمت راضي... مفكرا.. خلال زيارته الاخيرة لاحمد رأى توترا لم يره من قبل.. هناك ما يشغل فكر احمد و بقية اخوته .. امر مبهم بات يثير قلقه هو الاخر .. تعود سحر وهي تلح وقد تغيرت نبرة صوتها و احتدت قليلا عندما شاهدت سرحان راضي..وقد ظنت انه خائف متردد بشأن المطالبه بحقه..
-ليش ساكت راضي؟ عاجبك كل كم يوم تنزل تاخذ مصرفك؟ اسحب فلوسك كلها راضي هذا حقك الى متى يبقى يم اخوك.. اصلا يجوز انته حتى ماتعرف شگد عندك..هسه اذا تسأل احمد يجوز يگلك صرفتهن كلهن و باقي تفاليس.. فيلتفت لها راضي..ينظر لها بعمق.. يقول بهدوء
-اخوية مأمنه على روحي سحر..و اني و فلوسي فدوة اله.. بعدين احمد رجال يخاف الله ... واني الخير عندي هواي ما انزل لاخوية علمود مصرف.... احمد فلوسي يشتغل بيهن فتقاطعه بحده قبل ان يكمل ولم يدرك هو لما احتد الحوار بينهما..
-هاهي لعد راحت فلوسك... طالما يشتغل بيهن...و انته گتلي احمد دا يبيع معناته داخل مشروع خسران و فلوسك يجوز من ظمن الخسرهن.. باجر من الصبح تروحله تسحب فلوسك الي يمه و الوديعة.... فتهمت؟؟؟ لان ما ادري شتنتظر؟؟ فيبقى راضي على هدوئه يتأملها.. تكره احمد.. دون اخوته ولا يعلم لما... يجيبها هامسا يكتم فورة غضب بدأت تشتعل فهي لها ايام تكرر ذات الامر و تلح فيه
-يصير خير سحر.. فتنتصب جالسه هذه المره في مكانها.. تتجاهل عُريها وقد اعماها الغضب.. فكانت صورتها غريبة.. مزيجا غريب.. من الجمال الساحر..القاسي بشكل مؤذي..وقد برقت عيناها بنظرات تجمع بين البرود و الكره...و الكثير من الغضب
-تضحك عليه؟؟كل مره تگولي يصير خير؟؟ انته عندك شي يم اخوك لو لا؟؟ فيستقيم راضي جالسا.. يسحب ملابسه يرتديها ببطء وهي تراقبه مشتعله.. ثم يلتفت لها
-لاحظي هذي خامس مره نختلف بيها على هالموضوع و تسألين نفس السوأل و ارجع اجاوبج نفس الرد.. اي عندي بس هسه ما مفكر اطلب شي اريد افكر بمشروع ياله.. و احمد ما مقصر و الحمد لله عندي بيتي هذا وان كان صغير مال عزاب بس ماشي حاله حاليا.. وبيت اهلي ب*****.. خلي فلوسي يم احمد منا لمن استقر على مشروع.. ينهض واقفا فتثور هي تقف على ركبتيها لا تبالي بأن منظرها فج.. وان حيائها المفترض,, لم يمنعها وهي تقف امامه عاريه ترفع صوتها كما اعتادت مؤخرا عندما يفتحان هذا الموضوع تهتف بجنون
-الوضع هذا ما يعجبني.. ما تزوجتك حتى اعيش هيجي... حياة عزاب.. ما افهم وجهة نظرك.. فيقول لها ببرود بات تستشفه في شخصيته فهو ليس طوع امرها كما ظنت
-ستري نفسج و نصي صوتج سحر.. فيزداد جنونها وهي تراه مدبرا. يبتعد عنها ببرود.. فتنتفض تسحب شرشف سريرها تلفه حول جسدها وهي تهمس له بحقد
-كلام اهلي صحيح.. طفل و مالك شخصية... صوجي اخذتك.. حقك ضايع و انته تستحي... اخوك لو بي خير جان حفظ اولاده.. فيتوقف راضي.. بل تتجمد اقدامه وهو الذي كان ينوي الخروج هربا من نكدها في هذا الموضوع.... لكنه الان يلتفت اليها ببطء.. ينظر اليها كأنه يراها لاول مره... يقترب بخطوات حذره مشتعله.. يسحبها من زندها العاري الابيض فتتوجع وهي تحاول الابتعاد عنه.. يسألها وقد عقد حاجبيه
-يحفظ اولاده؟؟ شنو قصدج؟؟ شبيهم اولاده؟ فتصمت وهي تتحاشى النظر اليه... يقربها اليه بعنف يترك زندها و يسحب شعرها الى الاسفل فيرتفع اليه وجهها الابيض الجميل اليه وهو ينظر الى عينيها الوقحه وهي ترمقه دون ان ترمش.. يعود ويهمس لها بفحيح هذه المره.. وقد ادرك مقصدها..
-من وين تعرفين اولاده؟؟؟ يسحب شعرها اكثر فتشهق وجعا و هي تهمس له
- ايدك راضي لا تمدها والله تندم... صدگني...مو اني الي تستخدم العنف وياها .. فيتجاوز عن قولها وقد اشتعلت عيناه... الا احمد و اولاده..يمسك هذه المره ذقنها الناعم بقوة وكم ود تهشيمة...وهو يعود و يهمس لها
-احجي لا احرگج هسه... من وين تعرفين اولاد احمد؟؟ و شنو قصدج؟؟ همه بس ثنين و الباقي صغار.. و ثنينهم ينحلف براسهم من الادب و الاخلاق و الدين.. فيسمع صوت استهزاء اطلقته وهي ترمقه بوقاحه تهمس له
-خلي دينهم ينفعهم.. احمد اذا ما تعرف عليه دائره حمره و اولاده ما مقصرين جايبين الهم كل العين.. و للعلم هسه دا يبيع و يصفي ايام بس و كلشي يروح... وانته خليك.... خايب ما منك رجى.. فيصمت راضي لوقت.. تختنق انفاسه... يتذكر كلام احمد و تحذيره.. يرى بشاعتها و بشاعة اهلها.. كيف اجرم هكذا بحق نفسه؟ هل اعماه الحب... و تشعر هي بالسرور لنظرات ذهوله و تفكيره... غبي يحتاج الى صدمه كي يستيقظ من المثاليه. تعود و تهمس له كأنها افعى تبث سمومها
-لذلك اريدك تروح تاخذ حقك... لان وقبل ان تكمل يسألها ببرود وقد انغلقت اسارير وجهه تماما
- من وينلج هاي الاخبار سحر؟ من وين تعرفين اولاده؟؟ من وين تعرفين احمد عليه دائره حمره على گولتج... ثم ينحني عليها يسألها بهمس مخيف
- انتي تتصلين بأهلج؟ فتصمت و هي تنظر في عينيه.. ترى نظرة ادراك متأخره... كأنه تذكر توا عمل والدها.. كأنه ادرك توا حدود شرها.. يعود ويسأل وقد بدأت ملامح وجهه ترعبها
-تتصلين بأهلج وهمه ينطوج الاخبار؟؟؟ لذلك ترديني اروح اخذ حصتي،؟ انتي مو گلتي گطعتي كل اتصال بينج و بينهم؟ لو هذا تمثيل .. و كل الي صار خطة منهم و منج اجيتي لهنا و مثلتي عليه سحر؟؟ فتبتلع هي ريقها وقد بدأت تشعر ان راضي ليس كما يبدو.. انما حليم حتى يغضب.. عندها يتحول لشيء اخر لا تستطيع وصفه.... يعتصر فكها بين اصابعه وهو يهمس بغضب مشتعل
- احجي لج.. بعدج تتصلين بيهم؟؟ فتجيبه بهمس غبي متحدي
- اي بعدني اتصل بيهم.. اهلي و مالي غنى عنهم...و اني الي صممت عليك و خططت لان اريدك... لان انته جنت احسن واحد من بين الي يتقدمولي.. كلهم رايدين متعه و رغبه.. كلهم من نفس مستنقع ابويه.. ردت اشد بيك ظهري و اشوفك سند.. بس طلعت مابيك خير... ضعيف شخصية و رايك بيد اخوانك... تابع لاخوانك ... ردتك رجال تملي مكانك.. مو تابع حتى حقك تستحي تطلبه.
يقذفها عنه بعيدا نافرا مشمئزا وهو يرى نفسه غرا صغيرا تتبّعها حتى الكمين الذي وضعته له بكل سهولة.. يسمع صوتها غريبا كأن بها لوثة
- روح باجر جيب فلوسك و اخذ هم من احمد گله اريد و محتاج و خلينا نطلع...نسافر و نبدي بره حياة جديدة.. شعدنه هنا راضي.. اسمع كلامي شعليك أنته بأحمد و اولاده.خلي الدنيا تحترگ.. المهم اني و انته....اخذ فلوسك لا تروح ببطن الحكومة احمد و اولاده يجوز كم يوم و ...فيثور عليها .. كأسد غاضب يعود و يسحب شعرها.. تتوالى صفعاته على خدها حتى ادمى شفتيها يسبها و يشتم اهلها.. ولم تقاومه سحر..بل علمت ان الرجل امامها قد فقد رشده لهول اكتشافه لحقيقتها التي عُمي لغرامه بها عنها...لذلك لم تقاوم بل استسلمت لصفعاته وقد ظنت انه سيهدء و يندم بعدها الا انه عاد و همس لها بصوت حاقد كاره
- سحر.. والله العظيم اذا يصير شي بأحمد او اولاده من ورى ابوج النجس.. حسبي نفسج ميتة و محد ما يشفعلج عندي... اخواني افديهم بروحي.. و احمد و اولاده اذا يصير بيهم شي دمج و دم عشيرتج كلها ما يرويني.. ابوج الفرحانه بي حسابه عندي قالها وهو يرميها على الأرض.. يخرج و هو يسحب سترته و بقية أغراضه و اوراقه.... بينما استقرت هي على الأرض تراقبه تثيره بقولها
- فكر بكلامي زين.. و ارجع لعقلك راضي.. فلم تتلقى مسامعها سوى صوت الباب الخارجي الذي اغلق بعنف مدوي...
بعد ساعات
دار في شوارع بغداد حتى اصابه التعب.. ندم يأكل روحه.. يقتات على اعصابه.. يتذكر قول احمد ... تغيب النشوه.. وتحضر الفكرة.. وهو الان في قمة يقظته.. يرى انها خدعته.. لا تريد سوى مصلحتها التي وجدتها معه.. وهو بغباء شديد استسلم لها.. وقع في فخها و فخ اهلها.. لما لم يرفض الزواج بها؟ لما لم يفكر انها جريئة تجاوزت الاعراف بهروبها من اهلها.. لماذا اوجد الاعذار لها.. لماذا سمح لها ان ترسم له صور البراءة بكل الوانها.. حبه لها غيّبة عن الواقع.... ومن دون اي تخطيط او شعور.. قاد نحو مدينته.. نحو مسقط رأسه.. خائبا... نادما.. هاربا منها..
يصل الى مدينته بعد منتصف الليل.. بذهن غائبا محتار.. يريد ان يذهب لاحمد.. لكنه يخاف ان يفزعه فالوقت متأخر جدا.. و رغم ذلك شعر بأنه يحتاج الى اخيه.. يحتاج الى سنده.. الى عونه.. لذلك لم يتردد اكثر وهو يقود في شوارع مدينته الجميلة.. وقد انيرت شوارعها النظيفه الانيقه... وزينت ارصفتها بجزر خضراء مزهره..وكان راضي غائبا عن كل جمال امامه.. يريد اخيه.. ان يرمي احماله على كتفه.. . توقف بعد وقت امام منزل اخيه احمد.. منزلا شامخا.. بنخيل يحيطه... و حجر الرخام الفاخر يزين مدخل المنزل مع بوابه عالية عريضه فخمه بلون اسود و ذهبي تشير الى رفعة شأن ساكنيه.. يترجل راضي متعبا مرهقا من سيارته.. و يتجه بهدوء الى باب صغير جانبي.. يرن الجرس بتردد..
بعد وقت
يصمت احمد وهو يتأمل راضي امامه... جالسا وقد اسند كوعية على ركبتيه... متعب وقد نكس رأسه بخذلان..يجر حسرة تلو اخرى.. و كلمات تلك ترن في اذنه وهو يخاف ان يخبر احمد فيقلق اكثر.. ..
يربت احمد على ظهره.. يخبره بمؤازرة..
-لا تأذي نفسك خوية.. و الحمد لله الله كفاك شرها.. انته هسه هنا.. يمي... طلگها و دزلها ورقتها .. انته حتى بالمحكمه ما مثبت زواجك لهسه.. ارتاح كم يوم و يصير خير.. فيبقى راضي على صمته.. يكمل احمد
-احجزلك باجر على لبنان و تطلع ويه راغدة و الاولاد.. فيقاطعه راضي بخفوت.. يخشى على احمد من ان يذكر له ما سمعه من سحر... لذلك اخبره فقط
-احجزلي باجر.. اذا اكو مجال العصر نطير... ماعندي شي هنا.. وسحر باجر لو عكبه ورقتها توصللها.. شيخ دين و شهود ثنين و انهي موضوعها.. يوافقه احمد وهو يتأمل وجع اخيه.. لا يعلم مالذي حدث بينهما.. و لماذا هو هنا في هذا الوقت و لم ينتظر للغد هل الامر ساء بينهما لهذه الدرجة؟
صباحا...
لم يغمض جفنه.. مُسهد متعب.. يتقلب في سريره و الافكار تعصف به.. حائر لكنه لم يتردد ابدا بخطوة السفر... ادرك منذ اول ايام زواجه ان سحر لم تكن كما تمنى.. رغم عشقه لها.. رغم انجذابه الجسدي لها.. الا انه ادرك منذ اول ايام ان بها ضجيج لم تستوعبه نفسه المتزنه الهادئه.. متذمره... متطلبه... تريد ان تكون كلمتها هي العليا دوما و ان جادلها برجولة تركن الى المسكنه.. حتى تتمكن.. في بادىء الامر لم ينتبه ابدا.. لكن بمرور الايام بات يلاحظ مثلا تحرر شديد بطريقة اختيار ملابسها.. و ان وجههّا غضبت و نفرت.. و ان غضب منها..بكت و تدللت.. كان معها بين المد و الجزر...الكر و الفر.. امرأه متلونه لا يستطيع الوصول لدواخلها الخفية.. عيناها تسرح عنه احيانا.. فتعود و تخبره ان يبيع منزل والديه الذي تركه اشقائه له و يشتريا بيتا هنا..و يعود و يخبرها ان الامر مستحيل.. هو متعلق جدا بمنزل والديه... منزل الطفولة و الذكريات... تثور ثم تهدء ...و تعود بعد حين تطلب ان يسحب حقوقه من احمد ... و عندما يخبرها انه يؤجل الامر تزداد حنقا و غضبا مزعجا.. مزاجيه حادة الطبع و تذكر قول شقيقه احمد عندما اخبره انه عِرق امها المسيطر المستبد ... ينهض بعد وقت.. رغم تعب وجهه الا انه كان عازما. مصمما.. سيخرج برا مع راغده و الاولاد .. فهي ليست المره الأولى التي يسافر بها برا الى سوريا او الاردن و لبنان... و يستطيع احمد اللحاق بهم بعد حين.. هو يحتاج للنقاهه و فترة يجمع بها افكاره بعيدا عن أي تأثير و السفر هو الحل..
يخرج بعد وقت من جناحه الذي خصصه له احمد منذ زمن في منزله..جناح في الطابق الارضي..متطرف... له مخرج مستقل عبر الحديقه.. المنزل كان هادىء في مثل هذا الوقت المبكر.. لكنه يعلم ان احمد من عادته الاستيقاظ باكرا.. و زوجته تطبعت بطبعه .. تستيقظ دوما معه.. يفطران سويا و يتبادلا الاحاديث قبل خروج احمد لعمله.. و اليوم ليس استثناء..فراغدة علمت بوجود راضي منذ الفجر و علمت ايضا سبب قدومه إليهم.. و كم أثقل فؤادها ما أصابه فهي تعتبره شقيق اصغر لها لطالما ذكرها بأخوة رحلوا عنها....
دخل راضي المطبخ الواسع..فيرى شقيقه و بجانبه راغدة..ترتدي ثوبا منزليا واسعا..و حجاب رأس مناسب.. يتناولان الإفطار بهدوء و الساعه لم تتجاوز التاسعه صباحا.. القى التحية بهدوء ليرتفع له رأس احمد بشوش الوجه مبتسم يرد و راغدة سلامه.. فيشيع جوا مريحا في نفس راضي المنهكه .. جلس امامهما بهدوء و صمت تام.. تحدثه راغدة و هي تتأمله بطيف حزن شفاف
- الله يعوضك خير خويه.. الدنيا قسمة و نصيب.. الله يكتبلك الصالح لا تضوج ولا تزعل ربنا اله بكل شيء حكمه.. فيومىء راضي برأسه صامتا متأملا.. يسمع صوت شقيقه احمد يسأله
- جوزاك و اوراقك هنا لو ببغداد.. فيجيبه راضي وهو يتابع حركات راغدة وهي تسكب له الشاي بكأسه الصغير الموضوع امامه و تقرب له قطع السكر..
- أوراقي ببيت اهلي اخلص و نطلع سوية نجيبهم.. ابو علي اذا ام علي جاهزه خلينا نطلع اليوم بالسيارة.. ندخل من سوريا نبقى كم يوم و نتوجه للبنان وراها.. نغير جو و تلحگنا انته بعدين بطيران.. شنو رايك؟
يصمت احمد مفكرا فيقاطع افكاره صوت راغدة مستغربا
- نسافر بر؟ ليش راضي الطريق طويل و متعب و اني عندي أطفال لا تنسى.. خلي أحمد يحجزلنا و نطلع اذا مو هالاسبوع فالاسبوع الجاي.. انته ليش مستعجل؟ فينظر راضي الى احمد الذي تجهمت ملامحه و انغلقت بتفكير.. وقبل ان يجيبها تكلم احمد بهدوء
- السيارة صعب تسافر بيها راضي.. الطريق طويل و متعب... خلص ريوگ و نطلع لبيت اهلي ناخذ اوراقك و اليوم بلكت نحصل حجز.. وقبل ان يكمل احمد كلامه.. سمع رنين جرس الباب المتواصل.. ففزعت راغدة وهي تنظر الى احمد ثم راضي الذي وقف وهو يعقد حاجبية مستغربا الطارق.. يحدث احمد
-اني افتح احمد.. خليك... و تحرك راضي مسرعا للخارج يفتح الباب الخارجي.. وفور فتحه للباب ظهرت له ملامح ناصر بوجهه المحتقن القلق.. فيستغرب ناصر وجود راضي في هذا الوقت المبكر لوهله.. ثم يدفع راضي و يدخل مغلقا الباب خلفه.. يهمس لراضي بخفوت وهو يحث الخطى الى الداخل يتنحنح بصوت عالي حتى تعلم راغدة انه سيدخل
-همزين شفتك راضي... احمد وين؟؟ جوه؟ فيجيبه راضي وهو يجاريه سرعه بخطواته
-موجود جوه.. خير ناصر... شكو شصاير وجهك ما يبشر بخير؟؟؟ وقبل ان يجيبه كان احمد قد خرج يستقبله من باب المطبخ الواسع عاقدا لحاجبيه مستغربا زيارة ناصر المبكره جدا.. وقبل ان يتفوه بكلمه قال ناصر بقوة و قد توقف امام احمد
-العراق دخل الكويت نص الليل.. و مواليد راضي انسحبت.. ساعات ولازم يلتحق بأقرب وحده..
بعد ساعات
وجوم و قلق يرتسم على الوجوه.. الجميع اجتمع في بيت احمد... صالح و سعاد.. و شهناز التي اتى بها ناصر بعد ان اخبر احمد بالخبر.. الكل مذهول.. فوقع الخبر كان صادما على الجميع.. امر غير متوقع ... رغم التوتر الذي شاع في الاجواء تلك الفترة.. الا ان امر غزو الكويت لم يكن امرا واردا ابدا في اذهان الجميع..
راضي يجلس مستغربا.. مذهولا.. يحتضن رأسه وهو يرى المصائب تنهال عليه.. يسمع صوت صالح الحاد
- وين نوديه احمد.. انته من كل عقلك؟ راضي مالازم يبقى هنا.. لازم نشوف مكان يختفي بي.. اصلا ايام و يجون يدورون عليه.. هذي سحب مواليد مو شي سهل.. فيقاطعه احمد بغضب
-وين اودي؟؟ وين اخفي انته فهمني ... اذا تخلف عن الالتحاق يعتبر من المتخلفين عن خدمة العلم.... هاي بيها اعدام اذا يلزموه.. يعود احمد ليصمت وقد تغيرت ملامح وجهه تماما.. كأنه زاد عمرا فوق عمره.. يتحدث ناصر مقترحا
-نطلعه للعشاير.... خلوناا ناخذه لهناك.. بلكت الموضوع بسيط... كم يوم و تفض.. فيضحك احمد ساخرا وهو يهز رأسه.. يقول بسخريه
-شوف الاخبار الامه محترگه.. الساعات الجايه حياة او موت.. تگلي كم يوم و تفض؟.. يلتفت الى راضي يسأله بصوت واضح لا مواربه فيه
-راضي انته شنو قرارك؟؟
-ما اخدم لو ادري بيها موتي.. دولة مسلمه حالها حالنا... اهلنا و ناسنا شلون ارفع سلاحي بوجههم؟؟ انساب بينا.. على شنو اروح احارب و ارفع سلاحي؟؟ ارجع لبيتي ببغداد و الي يصير خلي يصير.. قالها راضي بعدم اهتمام
-راضي.. الشغله مو مثاليات و شعارات.. قالها صالح بتفهم.. ثم اكمل.. يجروك يجروك بعدين.. و تعم على الكل.. فيسأله راضي وهو يتأمله باحتراق
-و انته رايك؟؟ اروح اخدم؟؟ احارب دوله ياما مسافرلها و ماكل من خيرها... صالح كل فترة جنا ننزل للكويت.. حافظيها شارع شارع لو نسيت.. فيصمت الاخوة .. و تفكير عميق حائر يأخذهم.. احمد قلق على شقيقه و اولاده ولا يعلم لما بات امر علي و جعفر يقلقه.. يهمس احمد بعد صمت مطول
-صالح خوية.. اخذ سعاد و روح يم اهل مرتك الثانيه.. بالعشاير.. هذا اامن مكان حاليا... ترى الشغله مو غزو.. هاي حرب... الله يستر من باجر... ثم يلتفت الى ناصر يكمل.. وانته ناصر رتب وضعك خلال ساعة انته هنا يمي انته و شهناز.. ثم يلتفت الى راغدة...
-حضري غراضج.. ذهبج و فلوسج كلها.. كله ينجمع راغدة ساعه گدامج..
بعد ساعات
خيم الظلام الموحش ... و سيارة احمد بقيادته تسير مسرعة.. همه ان يصل بأهل بيته الى بر الامان.... تدخل السيارة بعد وقت احدى الاقضية الغربية.. وبجانبه راضي.. واجما منعقد الاسارير.. وراغدة مرعوبه تجلس في الخلف بجانبها علي و جعفر و بقية الصغار... الكل حذر.. خائف.. مترقب.. فالاخبار لا تبشر بخيرابدا.. تتبعهم سيارة ناصر مع زوجته شهناز .. القضاء كان هادئا ساكن وقد ترك انطباعا مريحا في نفس احمد وأهل بيته .. وجهته كانت معروفه و هدفه واحد و يعلم انه قصد المكان الصحيح
ذات الوقت.. مجلس الشيخ فاضل... احدى المدن الغربية
كان الشيخ فاضل يجلس وسط اولاده و بعض الجلساء من وجهاء عشيرته.. وقد انتشر خبر الاجتياح في القضاء الصغير انذاك... الكل مترقب ينظر الى الشيخ فاضل الذي امر الجميع بتخزين الطعام و الوقود تحرزا فلا احد يعلم ماهو القادم.. لحظات حتى مال عليه ابنه رضوان يهمس في اذنه
- شيخنا.. ضيوف دخلوا عدنه بالمجلس الثاني...
بعد وقت
تجلس راغدة مهمومه وقد اعتلى تعبا رقيقا ملامحها...و بجانبها تجلس شهناز.. وقد انتهو توا من وجبة العشاء التي لم يعرفن طعمها لشدة التفكير الذي يعشن فيه... شهناز تحتضن ياسر و خالد.. وقد ناما من شدة تعبهما بعد ان اطعمتهما راغدة.. وقد رُتِب على مقربة من مكان جلوسهما فراش ارضي وثير مريح.. نام عليه مهاب و فارس.. و بقي علي و جعفر مع والدهما و اعمامهما في مجلس الشيخ فاضل..
على مقربة منهما تجلس نظمية... تنظر بأنبهار نحو راغدة الحسناء.. وقد فتحت الاخيرة حجابها فبان لها بياض نحرا اخاذ... و وجنات ريانه محمرة بغمازة ظاهره عندما تبتسم بمجامله تثير غيض نظمية و حسدها.. امامها انثى خلابه حتى في حزنها..
تميل شهناز على راغدة تهمس لها..
- راغدة مافهمتي من احمد شنو نيته؟ شگد راح نبقى هنا؟ ناصر كلما اسأله ساكت ما يجاوب.. فتتنهد راغدة.. تهمس لها مجيبه
- علمي علمج شهناز.. احمد هم ساكت.. اسحب الكلام منه سحب و راضي هم بعد اكثر.. الله يساعدهم.. و يستر علينا و تمر هالايام علينا على خير.. تصمت شهناز وهي تعود و تجلس مستقيمة تتأمل زوجة الشيخ (نرجس) المقبله عليهن .. تجلس امامهن تهمس لهن بمودة خالصة
-رتبت فراشكم حبيبتي و اي شي تحتاجي ام علي او خيتي شهناز اني بالخدمه.. البيت بيتكم.. الله عليكم لا تخجلون لو تنحرجون من شي... فتهمس لها راغدة باسمه
-بيتاً عامر حبيبتي... ما تقصرون والله... و ما الوم ابو علي جابنه رأسا هنا... بيت عز و كرم و مشهود الكم.. الله يحفظ الشيخ فاضل و يطول بعمره.. فتتنهد نرجس وهي تقول
-الله يعدي الايام هذي على خير و ترجعون لدياركم بخير و سلامه.... و منا لذاك الوقت انتو اصحاب البيت و احنه خطاركم.. فتتنهد راغدة و تهمس شهناز شاكره و يبدأن بحديث نسوي لطيف للتعارف.. وقد جلست مهين بجانب نرجس.. تتجاوز عن نظرات نظمية الساخرة..فهي باتت تنعتها بظل نرجس... تذهب اينما ذهبت..
في مجلس الضيوف الثاني...
يجلس الشيخ وعلى يمينه يجلس احمد و اولاده ..وعلى شماله يجلس ناصر و راضي... يفكر الشيخ سارحا وهو يمسح على لحيته التي شابها الكثير من البياض..يتأمل في كلام احمد و يفكر.. ثم يقول بعد صمت
-ابو علي.. اخيّك يبقى هنا منا لمن تهدء الامور.. و اهل بيتك يمي.. اعتبرهم من اهل بيتي ما يصيبهم ضيم وانه حي.. كمل امورك و ارجع.. بس نصيحة اخو جبير الك.. لا تطول.. يومين اقصى حد و انته هنا.. الوضع مو امان.. احسبلها اربع ايام و الحرب تگوم.. لذلك رضوان راح يطلع وياك الفجر.. الي تريده يسوي.. فيقول له احمد بوضوح رافض
- الله يعزك و يرفع شانك شيخنا.. رضوان خلي الله يحفظة ما ازحمه... اني و اخوي ناصر نحتاج بس نأمن كم شغله و نرجع.. احسبلنا يومين هنا ان شاء الله ... امانتي يمك اهل بيتي و اخوي هذا و اشار الى راضي..اني ماعندي احد اامن اهل بيتي عنده غيرك.. و النعم منك.. صاحب وگفات و المضايف كلها تشهدلك.. فيقاطعه الشيخ بمودة
-منا و بينا انتو و اهل بيتك مثل ما گتلك همه اهل بيتي.. توكل على الله.. اطلعوا الفجر و لا تطولون علينا... اما شغلة وليدي راضي لا تشيل همها.. محلوله ان شاء الله.. فيومىء احمد برضى وهو ينظر نحو راضي الغارق بأفكاره... يعلم اين رحل فكره
بعد صلاة الفجر
تقف راغدة تضع وشاحا على رأسها.. تقف جانب باب المجلس الذي تنام فيه مع اولادها الصغار و شهناز ... امامها يقف احمد مرهقا لم ينم الى الان.. تهمس له بحنان خالص و حزن شفاف وقد بدأت عيناها بذرف الدموع و البكاء
- وين رايح احمد؟ مو گلت صفيت و رتبت وضعك قبل ما نتحرك؟ ليش تعوفنا والله اني خايفه و ما مرتاحه رغم الجماعه ما مقصرين والله بس مستوحشه كولش.. يمد احمد يده يمسح دموعها وهو يهمس لها
- راغدة والله تعبان و حيلي مهدود لا تزوديها عليه بمنظرج هذا... لازم انزل لبغداد... مرة ( زوجة) راضي وحدها لازم ارجعها لأهلها .. ما تبقى وحدها بهاي الأوضاع.. فتسأله راغدة واجمه
- و منو گال بعدها ببغداد وحدها يجوز اهلها اجو يمها.. او هي راحت يمهم ... احمد استر عليه ما بيه حيل يصيرلك شي اني اموت والله.. فيسحبها احمد يقبل جبينها هامسا
- حتى لو.. لازم اروح اتطمن عليها مهما كان هاي عرضنا ... لازم اامن عليها اشوف مكانها.. حسبي يومين ان شاء الله راغدة اني يمج.. المهم انتي انتبهي لنفسج و لشهناز و الاولاد راغدة.. ادري بيج گدها.. فلوسج و ذهبج كلهن عند الشيخ اودعتهن.. فتبكي راغدة اكثر وهي تودعه.. تقبل كتفه و نحره.. و يقبل هو جبينها و يبتعد مغادرا يدعو الله ان يتلطف بهم.. و ان يكون قراره باللجوء لعشيرة الشيخ فاضل صحيحا و ان لا يجلب المتاعب لهذا الشيخ الجليل
قبل ذلك بوقت... مخدع الشيخ فاضل...
يدخل مخدعه صامتا.. وقد غرق بأفكاره.. تستقبله نرجس باسمه فالليلة ليلتها.. وقد ارتدت ثوبا ازرق حريري خفيف ابرز سمار بشرتها الرقيق.. مليحه بشوشة الوجه.. استقبلت شيخها بحفاوة رغم انشغال فكره.. فيلهج لسانه دون ان يدرك بالترضي عليها.. تهمس له
- فكرك مشغول شيخنا... فيلتفت لها الشيخ فاضل يتأملها للحظه ثم يشيح عنها وهو يخلع عقاله
- حرب يا نرجس و شكلها راح تاكل الاخضر واليابس.. الجماعه داخلين عدنا.. ضيوفنا...ما اريد شي يأذي اهل بيتهم.... كل طلباتهم مجابه لو مهما كانت.. الله يجعل ايامنا الجاية ايام خير و يبعد عنا و عن اولادنا السوء فتتنهد نرجس مؤمنّة على كلامه ..تدعو الله في سرها ان يبعد عنهم الحرب و دمارها..
و تمر الأيام.. يعود احمد وقد علم ان سحر عادت الى اهلها.. و لم يجازف في الاقتراب منها.. فهو بات يعلم سلطة والدها و حدودها..و قد خاف وقتها انها بدافع الانتقام تدفع بوالدها نحوه... فيضيع تعبه هباءا.. وكانت الحرب في تلك الفترة قد وضعت اوزارها.. و اشتد حرابها.. و اول المتضررين في بادىء الامر كانوا التجار.. فخسروا أموالهم بسبب العقوبات الاقتصادية.فاشتعلت الأسعار..و شحّ الوقود... ثم بدأت الحرب تحصد الأرواح.. و تخرب البنى التحتية في المدن والعاصمة بغداد.. حربا غاشمه راح ضحيتها الشعب... لا القيادة العمياء...
كل هذا و راضي متخلف عن الخدمة العسكرية... يحترق حرفيا وهو يشعر بالخيبة فمهما يكن هذا بلده يراه امامه شمسا تغيب لا امل لشروقها و لو بعد حين.. يتسمر كحال اولاد الشيخ حول المذياع.. يتتبعون الاخبار بترقب و خوف على عِرض و ارض ان ذهبت فلا نجاة بعدها. و بانت ملامح الهزيمة تعلو جباه القادة العسكريين انذاك.. فلا توازن بين القوى المتقاتله.. شعبا اُبيد... و قيادة باتت هزيلة سياسيا.. حتى بدأ الانسحاب.. و اتضحت صورة الهزيمة بكل معانيها.. فالحرب باطلة و كل ما بُني عليها كان باطلاً.. انهاك و شقاء عاشه المواطن..خذلان بائس لم يعد ينفع معه البوح او الكلام.. و عادت الحياة بعد انتهاء الحرب... شاحبه.. هزيله.. لا ملامح مشرقه فيها.. فاللذين تخلفوا أمثال راضي كثر خاصه في بعض مدن الوسط لذلك بدأت حملة جديدة... لنوع اخر من الابادة...
في ذلك الوقت عاد احمد بأسرته و اولاده الى منزلهم وقد ظن ان الحرب انتهت.. و بقي راضي في بيت الشيخ فاضل حتى تهدأ الأوضاع قليلا.. و توجهت تلك الفترة انظار القادة المتخاذلين بحنق نحو المتخلفين عن خدمة العلم....وصفوهم بالجبناء و العملاء..و باتوا ملاحقين سياسيا و المخابرات وقتها كانت ناقمه... تبحث عمن يطفىء جمرة غضبها لهزيمتها..
احدى الصباحات الكئيبة الصامتة.. كانت سحر ضيفه غير مرحب بها في بيت احمد... تجلس بصلافه تضع ساقا فوق اخرى في صالة المجلس الداخليه.. تقول بغرور مقيت
- ابو علي بلغ اخوك الشارد.. خلي يجي و يسلم نفسه ابوية يطلعه منها مثل الشعره من العجين ... بس خلي يسلم نفسه و نخلص إلى متى يبقى هارب؟ خلي يجي و يستغل العفو العام الي طلع.. تصمت وقتا وهي تتأمل ملامح احمد الهادئه الفخمه.. ثم تعود و تهمس له بأنتصار باسم
- اني حامل...
↚
هدوء يعم المكان..الجو غائم في الخارج و قد حجبت السُحب الداكنة نور الشمس الشتوية الخجولة...فازداد الجو كآبه و وحشه....ككل شيء مظلم كئيب في تلك الفترة في العراق..****ب الساعه الجدارية تصدر صوتا مقيتا رتيبا.. كأنه عدّاد موت..لا حياة.... يحصد ارواحا في كل ثانيه بسبب العدوان الثلاثيني الذي تلى الاجتياح... وفي تلك الصالة الفخمة المظلمة رغم وقت الصباح.. وقد باتت ساعات انقطاع التيار الكهربائي مشكله يعاني منها المواطن.. فترافقهم الظلمة.. وصوت مذياع يعمل على بطاريات الشحن البسيطة.. يذيع اخبار النكبه..و الهزيمة لا غير... يجلس احمد..بجانبه راغدة التي كانت تمر بوعكة صحية تلك الفترة تركت ظلالها عليها..كانت شاحبه.. متعبه.. تراقب سحر.. الجالسه امامها بوقاحه... ترتدي بنطالا اسود انيق تعلوه سترة رسمية بلون اسود و قميص داخلي حريري بلون اخضر اضفى لجمالها رونقا خاصا... شعرها كان مموجا بدقة و قد اشتدت حمرته و وجهها كان بزينة انيقة جميله ابرزت جمالها الفاتن... يستره وشاحا ابيض وضع على رأسها كيفما اتفق...هيئتها كاملة..بهية..لا عيب فيها.. تعود راغدة و تتأمل بطنها..تحاول ان ترى انتفاخا ..فيلوح لها بعد تدقيق..انتفاخ بسيط.. لتخبرها سحر دون خجل
- دخلت السابع..و حامل بولد.. ثم اضافت باسمة ناظرة بجرأة في عيني احمد ...ابنكم
فيصمت احمد..وقد غامت ملامحه.. و كأنه ازداد عمرا.. فالمصائب تنهال عليه كالمطر.. استدعائه لمركز الامن بشكل متكرر بات يتعبه و يؤذي نفسيته.. و التفكير المستمر بمشكلة راضي يسلب راحته.. فالاخير لايزال متواري عند بيت الشيخ فاضل.. وهو يخشى ان ينال الشيخ سوء .. والان جاءه هذا الخبر ولا يعلم هل يفرح له.. ام يحزن.. يعود و يتأمل الجالسه امامه.. يتخيلها اما لاولاد اخيه.. فيراها لا تستحق... بها شيء منفر.. ربما هي تلك النظره الخبيثه التي تطلقها نحوه.. تعود و تخبره
- بلغ اخوك الشارد.. خلي يجي و يسلم نفسه ابوية يطلعه منها مثل الشعره من العجين ... بس خلي يسلم نفسه و نخلص إلى متى يبقى هارب؟ خلي يجي و يستغل العفو العام الي طلع.. تصمت وقتا وهي تتأمل ملامح احمد الهادئه الفخمه.. تكمل .. اوراقه جاهزه و كامله ويايه بجنطتي.. تقرير طبي.. و التحاق بوحدة مفككه..ابويه مرتب كولشي بس خلي يجي.. فيتساءل احمد بهدوء يريد ان يعرف المزيد منها.. ان يسمع اعتراف صريحا لمهام والدها... حتى يخمد ضميره الذي انبه كثيرا..
-ابوج؟
فتجيبه بثقه
-ابويه واصل وانته تدري ابو علي... حتى روحاتك لمركز الامن اذا تريد يوقفها.. و للعلم.. المركز الى الان ما مستخدم اسلوبه الصح وياك.. اذا استخدمه.. يوصل حتى لاهل بيتك.. و نظرت بنظرة متعالية نحو راغدة الصامته.. فيعقد احمد حاجبيه لقوتها و جرأتها.. التي لا تمت للاعراف التي تربى عليها بصله.. ماذا رأى بها راضي؟؟ عدى جمالها بالطبع.. تعود و تخبره بوضوح و بصوت بارد
- الامور الى الان جوه ايد ابويه.. بس ما اوعدك تبقى هيجي.... القوات بدت تنسحب و احسب ايام و تبدي التصفيه.... و الحرب خسرانه ... خلي راضي يجي الوضع ماراح يتحسن وهاي شوفة عينك المدن الي داير مدايرنه تدمرت من الحرب.... يعم الهدوء المكان مره اخرى.. و احمد صامت .. يتأمل الجالسه امامه و في عقله يوزن الامور و يحاول ان يرى العواقب.. الا انه لاول مره يشعر بنفسه عاجز.. فالمشهد امامه واضح.. راضي يجب ان يخرج للنور مره اخرى.. والا ستزداد الامور سوءا.. لكن المشكله انه لا يستطيع الثقه بسحر.. يشعر ان بها بها شيء منفر.. شيء لا يريح نفسه السويه.. يرى.. مكرا..خبثا.. كرها ..في عينيها.. تسأله مره اخرى بتصميم و قوى
-انطيني عنوانه.. من حقي اعرف زوجي ابو ابني وين.. اني اتناقش وياه و اقنعه.. الحرب ما خلت شي الى متى ابقى انتظره.. فيسألها احمد متجاوزا عن طلبها
-شنو الضمان؟ فتردد هي وقد عقدت حاجبيها بأستهانه
-ضمان لشنو بالضبط؟؟ فيسترخي احمد في جلوسه يوضح لها و نظراته تقع في عينيها دون اهتمام
-شنو الي يضمن انتي تكونين صادقه و راضي يطلع من الامر ببساطه؟؟ فتضحك سحر بوقاحه.. ثم تتنهد وهي تهز رأسها باسمه
-هسه لو احلفلك ما راح تصدگني اكيد..بس شنو مصلحتي راضي يتأذى؟؟ تره هو زوجي و ابو ابني واني المتضرره مو انته! بعدين ترى ماعنده ولا عندك خيار ثاني.. اني بس الي اگدر اساعده.. لذلك اتمنى يكون ذكي و يستغل الفرصه اليوم قبل باجر لان الوضع ما يساعد... ثم تنهض واقفه وهي تقول
-عندك فرصة منا لليل ابو علي.. وصله خبر لراضي.. انطي عنوان باجر الصبح يراجعه و الامور كلها تنحل.. فينهض احمد تتبعه راغدة وهو صامت.. يفكر بكلام سحر و احساس ما بالقلق يشعره..
تخرج سحر بعد سلام بارد القته دون انتظار للرد.. تسير بكعبها العالي لخارج المنزل تشيعها نظرات احمد المفكره.. الذي ما ان اغلق الباب حتى سألته راغدة بقلق
-راح تسمع كلامها؟؟ فينظر اليها احمد لبرهه عاجزا محتار ثم يقول وهو يسير معها للداخل
- ما ادري.. هالسحر مو هينة و ما تنحزر.. و بنفس الوقت كلامها صحيح راضي لازم نشوفله حل لان ما يگدر يبقى متخفي هيجي ببيت الشيخ.... الوضع للأسوء راغدة.. راح يبدون يدورون بالدفاتر وهاي شوفة عينج كل يومين ثلاثه دازين عليه و على كم تاجر.. وين فلان و وين علان و ليش بعت و ليش حطيت.. حتى والله العظيم كلامهم ولا نظراتهم افهمها.. حتى راضي ما يسألون عليه.... بس تخويف و إثبات مكانه اخاف نفكر ننتفض مثل المدن الباقية . تصمت راغدة تبتلع ريقها ثم تعود و تسأله وهي تراه يقودها الى المطبخ حيث اعتادا الجلوس هناك كونه مكان حميمي دافىء.. تجلس خلف الطاولة الخشبيه و تسأله بحيرة
- يعني راح تروح الراضي؟؟
فتراه يتوجه الى (السماور) الفضي الانيق يسكب الشاي لها وله.. ثم يعود بقدحي الشاي الشفافين يقدم احدهما لها ويحتفظ بالاخر له ثم يعود جالسا
-اروح.. بس مو هسه و يجوز مو اني الي اروح.. ناصر الظهر يمرلنا.. يجوز هو يروح لان سحر اكيد تريد تعرف مكانه وين.. يصمت احمد بوجوم ثم يعود ليقول بخفوت.. يجوز اني ابالغ بخوفي على راضي.. بس والله ابني هو الي ربيته و تعبت عليه دون اخوتي.. لذلك ما اريد السوء يصيبه راغدة.. فتضع راغدة يدها على كتفه تدلك اسفل رقبته و تهمس له بتفهم
-محد يلومك حبيبي.. حرصك علينا كلنا هاي حتى اولادك حابسهم بالبيت.. بس راضي رجال هو هم لازم يقرر.. هو هم مل من الخوف و لا تنسى.. وشاية بسيطة على بيت الشيخ.. تقضي على العشيرة كلها.. فيتنهد احمد بتعب و همّ هامسا
-والله العظيم جميل الشيخ فاضل برگبتي طول العمر و الروح اله ترخص و تهون.. دين اله عليه جبير ما اظن اگدر بيوم اسده.. فتصمت راغدة بتفهم وهي تدرك عمق كلام احمد.. فالشيخ فاضل حملهم جميعا.. ورفض قطعا ان يغير راضي مكانه.. ائتمنه احمد على جميع ذهبه و امواله...فكان هو مثال الامانة و الحرص.... حتى اهل بيته لم يقصروا مقدار ذرة معها.. بل حملوها و اولادها الصغار على اكف الراحة حتى خجلت من فضلهم.. اناسا الجود و الكرم من خصالهم.. تسمع صوت احمد مجددا
- فكرتها منطقية و سمعت بيها من الشيخ... ممكن نسويها و يلتحق باي وحده قريبة.. اليوم ان شاء الله اشوف ناصر و نشوف راي الشيخ...
بعد ساعات
تعبت من الانتظار.. تراقب الشارع المؤدي الى منزل احمد.. علها تلمح سيارته او سيارة احد اخوته.. الا ان الهدوء يعم المكان.. تسمع تذمر السائق من جديد
-ستنا صارلنا كم ساعه هنا.. و عبرنا وقت الغده.. فتقاطعة بحزم متعب
-انتظر و اكرمك.. ماباقي شي و نتحرك.. تنظر الى ساعتها فتراها تشير الى منتصف الثالثه ظهرا.. وقد اخبرت والدتها انها لن تتاخر.. ستراجع طبيبتها التي تفتح صباحا فقط و تعود... تتنهد بضجر وهي ترفع رأسها فتتهلل اساريرها وهي ترى سيارة ناصر التي عرفتها في الايام الماضية.. فهذه ليست المره الاولى التي تقف على مقربة مراقبه.. بل هو امرا اعتادته في الايام الاخيرة.. وكانت تنتظر ان يتوجه احد الاخوه الى مخبأ راضي.. الا انها و لحيرتها تراهم لا يخرجون خارج المدينة ابدا.. حتى شقيقهم الاكبر صالح لم تره منذ ان بدأت المراقبه...
ويمر الوقت ببطء وتتأمل هي ساعتها مجددا ترى ان ساعة قد مرت منذ دخول ناصر.. وقبل ان تهمس بشيء للسائق.. رأت ناصر و احمد يخرجان من الباب الرئيسية و يتوجه كل منهما نحو سيارته.. فتحتار.. بمن تثق.. و من تتبع .. فيقع اختيارها على ناصر.. ستقامر و تتبعه.. فحدسها يخبرها انه سيقودها الى راضي...
*************
احدى الاقضية الغربية..العراق الحبيب
تمر ايامه متشابهه.. غريبة.. رغم لذتها البسيطه.. فالجميع هنا يحيطونه بمودة صادقه .. بأخوه و ابوه يكاد يلتمسها بكل قول و فعل.. لكنه يشتاق الى اخوته.. والى اولاد اخوته..يشتاق الى بغداده.. اصدقائه الذي لا يعلم اين هم الان.. يشتاق كثيرا إلى حياته السابقه.. يتنهد بحسرة و يدعو الله ان يحفظ الجميع من نيران العدوان الغاشم..
ولا بنكر هنا انه عوض فقده و اشتياقه.. مختار و رضوان.. و شقيقهم الاصغر قيس.. يبتسم راضي وهو يتذكره.. طفلا صغيرا جميل المحيا.. فصيح اللسان.. بذكاء و فطنه يشَهد بها.. كان الطفل يرافقه اغلب الاوقات.. يتعلم منه و يحفظ الشعر.. يخبره بفخر انه سيصبح مهندسا مثله عندما يكبر.. فقد كان قيس لا يخفي ابدا انبهاره الطفولي براضي.. بل كان الامر مثار غيرة اخوته الكبار.. فهو تجانس مع راضي بشكل مذهل.. رغم ان راضي لم يكن يكف عن مناغشته ابدا.. فالامر كان يمتعه كثيرا خاصة بطلاقة لسان قيس الصغير.. و وضوح بيانه و ثبات حجته...
احدى الليالي الشتويه المظلمه.. وعلى انوار الشموع المنتشره بسبب انقطاع التيار الكهربائي. .. كان قيس يجالس راضي و اخويه رضوان و مختار.. رفض تماما ان يذهب للنوم.. بل كان يتكىء على فخذ اخيه من ابيه.. رضوان ..كعادته... يستمع الى احاديث راضي الممتعه عن حوادث تاريخيه حدثت في العهود الماضيه..و رباطا شفافا جميلا بات يربطه بالضيف راضي.. فراضي يرى بقيس طفلا ذكيا يملأ عليه ساعات وحدته و فراغه. أما قيس الطفل الصغير .. كان يرى براضي عالم جميل اخر جذبه اليه راضي بثقافته الواسعة و عشقه العام للأدب... و التأريخ بشكل خاص.. فكان يروي في ليالي الشتاء الطويلة بطولات عنتره و عشقه المستحيل لعبلة.. و عن قيس و عشقه المجنون للعامرية.. عن جميل و بثينه.. عن قيس و الكعبيه. يسمعهم شعرا حديثا.. ثم قديما.. يحدثهم عن ابي نؤاس.. عن المتنبي.. عن ابو العلاء المعري...عن عوالم لم يطرقوها قبلا.. وكان قيس الصغير يدخل هذه العوالم بشغف فريد.. ينبهر.. و يزداد فضولا.. و اقترابا متأثرا براضي..
تلك الليلة كانت حميمية بما يكفي بسبب برد الشتاء و الظلام المنتشر و قد زادت رغبتهم للسمر رغم توتر الاجواء بسبب الاخبار المفزعه عن الضربات الجوية التي وقعت بمدن مجاورة حتى بغداد...
وقتها التفت راضي لقيس الذي كان يجلس بينه و بين رضوان باسما..
- شيخ قيس.. تعرف اسمك مرتبط بأشهر العشاق بالتاريخ العربي القديم؟ قيس و ليلى العامرية ...و قيس و لبنى الكعبية؟
فيصمت قيس متمعنا ينظر لراضي الباسم الذي اضاف له بتنهيده متذكرا عشقه الأعمى
- الله يكفيك شر الحب و العشگ و لوعاته.. فيقهقه رضوان قائلا
- والله ما ظنتي يا راضي.. الي گدامك گلبه رهيف من هسه مشبع بنات العم غزل... و كل يوم ينطيه الشيخ فاضل درس بغض البصر... فيضحك الجميع عدى قيس الذي كان يرمقهم بنظرات حانقه وهو يقول بفصاحة تُحسب له دوما
- ان الله جميل..يحب الجمال.. فيبتسم راضي مداعبا شعر قيس الناعم الفاحم و يقول بخفوت معجب بشخصية هذا الطفل الصغير جدا
- أحسنت.. بس مو كل جمال ...جمال ... اهم شي جمال الروح.. لا يغرك المظهر و يسرح راضي بفكره..يتذكر سحر..بأنوثتها.. بسحرها الذي ربطته به.. فيتنهد بأحتراق يتمنى ان يعود خطوات الى الوراء لكان راضي آخر. يعود و ينظر الى قيس مره اخرى يخبره بابتسامه متعبه مستنزفه يتذكر ضعفه بعشقه لسحر
-يالشيخ.. لا تجيب راسك الا شيخه.. مهرة جفول..تعسفها ( تروضها) بيدك.. وياها صير بين الصلد و اللين .. لا يغرك زينها ولا حلاة مبسمها.. حتى لو لعبت بگلبك لعب..خليك انته سيد گلبها.. بعض الفاتنات من كثر حِسنها.. تقسى .. تموّت كل من يقربها... فيضحك مختار و يقول ضاحكا
- راضي خويه عوف قيس الصغير وركز ويانا.. زودنا اني وهالمگرود البصفك.. حجاياتك مشفرة خوش حجايات فيغرق راضي و رضوان بالضحك و ينظر إليهم قيس بعدم فهم سوى ابتسامه يشاركهم بها و كلام راضي يترسخ في عقله.. يستقر في مكان ما في قلبه..
يقول راضي مربتا على كتف رضوان
- العريّس هذا ما يحتاج سوالف و ارشاد..متزوج ثنين و داخل على الثالثه...طلعه منها لا يصفهن اربعه.... بقيت انته الوحيّد .. و اشوفك هم ما محتاج....خبرة ماشاء الله... نتعلم منك دروس و عبر.. فيرد عليه مختار مازحا وهو شاب يماثل راضي في السن لكنه يعاني من عيب خلقي في ساقه الايسر منعه من خدمة العلم
- تعلمت منك غير .. بس الشعر المفسده الي تگوله كافي.. فيجيبه راضي وهو ينظر اليه بطرف عينه ساخراً
- شسويلك اذا نيتك سوء تدور شكو شعر مفسدة تحفظة .. فيقطع رضوان حديثهما متنحنحا
-يابه اللاّقطه گاعد بنصنا.. غيروا الموجه.. ثم يشير بحركه سريعة نحو قيس الذي لا زال يفكر بكلام راضي له يسأله بمودة
- شعلمك هالاستاذ الحضريّ ..سمعني .. فينظر قيس نحو راضي بيتسم بفخر و هو يقول بلسان عربي فصيح..
- على قدر اهل العزم تأتي العزائم
و تأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
فيقول رضوان بفخر
- الله الله.. و بعد... ليقول قيس باسما
- جاءت معذبتي في غيهب الغسق
كأنها الكوكب الدري في الافق
فقلت نورتني ياخير زائرة
اما خشيت الحراس في الطرق؟
فجاوبتني و دمع العين يسبقها
من يركب البحر لا يخشى من الغرق
فقلت هذي احاديث ملفقة
موضوعةً قد اتت من قول مختلق
فقالت وحق عيوني عز من قسم
وما على جبهتي من لؤلؤ الرمق
اني احبك حبا لا نفاد له
مادام في مهجتي شيىء من الرمق
فقمت ولهان من وجدي اقبلها
زحت اللثام,رأيت البدر معتنقِ
قبلتها,قبلتني وهي قائلةٌ
قبلت فايّ, فلا تبخل على عنقي
قلت العناق حرام في شريعتنا
قالت ايا سيدي , واجعله في عنقي
فينظر رضوان رافعا حاجبه نحو راضي قائلا بينما يغرق مختار في الضحك
- هاي الما مقبوله منك ولا من العلمك.. فيغرق راضي بالضحك و يضحك معهم قيس بصفاء سريرته فهو يفهم مؤكدا بعض معاني المفردات بفطنته..
وتمر لياليهم هكذا.. بين شعر و حديث و قصة.. على ضوء الشموع.. وقد اشتدت الايام.. و عصفت رياح الاقدار خارج اسوار هذا القضاء البسيط.. و الأخبار لا تسر ابدا..
والليلة لم تكن استثناء. فقد حل الظلام سريعا و أشعل المجلس بالشموع و جلس راضي بعد انتهائه من صلاته مسبحا مستغفرا يجلس ساهما.. مهموما وقد اجتمعت عليه الليلة غربة و وحشة اثقلت صدره.. فتغيرت ملامحه.. هذه الازمة انضجته.. و اوضحت الرؤيا لديه.. كان الصمت يعم المجلس الداخلي الفارغ الذي اعتاد على البقاء فيه.. فهو لا يريد جلب المشاكل للشيخ فاضل.. يكفيه ما يقومون به من اجله و الحماية المطلقه التي يوفرها له الشيخ و اولاده.. لذلك يلتزم دوما مكانه لا يخرج الى المجلس الخارجي ابدا الا عند استدعائه من الشيخ او احد اولاده..
حتى وصله صوت لغطا ما و ضوضاء في القاطع الفاصل بين المجلس الخارجي و الداخل.. و عادة ما يكون هذا المكان مخصص لاهل بيت الشيخ لا يقترب منه ولا ينظر نحوه راضي ابدا... لكنه لاستغرابه كان يسمع صوت ناصر اخيه.. و صوتا اخر رقيق لامرأه لم يتبين لراضي من تكون صاحبته.. لكنه آثر الانتظار .. فليس من حقه الخروج الى ذلك القاطع..
مرت دقائق حتى رأى باب المجلس يُفتح.. فيرفع انظاره ببطء نحو الباب.. و تتسمر نظراته هناك.. فعيناه تُبصر غادة حسناء قد انكشف شعرها النحاسي الطويل ملتمعا في النور الخافت فينهض بغضب اعمى يخطو نحوها مسرعا و قد اجتاز المجلس الكبير في خطوتين .. يعلو صوته و يسحبها بعنف من ذراعها يقول لها بغضب مشتعل متفاجئ
- الله ياخذج شجابج لهنا... شلون جايتني هيجي.. ينظر لهيئتها بأحتراق متخيلا العيون التي ابصرتها بهيئتها هذه.. وهو الذي تعود الان غض البصر و التكتم كثيرا على العِرض... لكنها لم تبالي .. تهمس له بفحيح باسم
- جيت انقذك غير.. ظام نفسك صارلك كم شهر.. هاي بدل ما تشكرني.. فيدفعها امامه قائلا بحقد
- الله مغنيني عنج و النفع الي من وراج ما اريده... شجابج لهنا سحر؟ احمد ما يدليج ثم صمت ليتذكر صوت شقيقه ناصر فيعقد حاجبيه بتساؤل
- وينه ناصر؟ جيتي وياه؟ فتضحك سحر بغنج وقد توقفت منتصف المجلس.. يرى راضي خيال وجهها فقط بسب الظلمه
- ناصر جابني لهنا.. لحگته..و هو بكل غباء وصلني يمك.. احمد لو ابقى اتوسل بي ما يسويها و يجيبني...فيقترب راضي منها.. يراها بنظره اخرى مغايره.. فالوقت الذي قضاه هنا وحيدا زاده عمق تفكير و بُعد نظر في مشكلته معها.. لذلك همس لها بكره يعنيه بكل معانيه
- شلون جنت معمي عين و ما شفت حقارتج؟؟؟ فتبتسم هي بسخرية هازئه مقتربة منه تهمس له
- تؤ تؤ تؤ.. ما مقبولة منك بحق ام ابنك.. فينظر اليها بذهول.. يحدق في وجهها وقد ارتسمت ملامح الصدمه و الذهول على وجهه الوسيم.. يهمس لها غير مصدق وقد عقد حاجبيه بتساؤل
-ام ابني؟؟ انتي حامل؟ .. فتبتسم بأنتصار وهي ترى ما تبغي مرتسما بجلاء على ملامح وجهه.. تقترب منه.. بل تلتصق به.. تضع كف يدها الابيض الدقيق على صدره.. تهمس له بغنج
-جزء منك عندي.. راح تصير ابو قريبا.. جنت اظنك ملتحق.. واني سمعت بموالديك انسحبت للخدمة.... تتنهد وهي تتمسح بصدره العريض تهمس له مره اخرى.. -عيني على الدرب اگول هسه يرجع.. حد ما عرفت انته ما التحقت.. فريت من الخدمة.. فيقاطعها مصدرا صوتا هازئا
-سمعتي من ابوج اكيد... فترفع سحر وجهها جامدا اليه.. تنظر الى وسامته وقد ارتسمت ملامح الكآبه عليها.. تراه رجلا مهزوما.. هاربا.. لكن به قوة رهيبة تجذبها.. تعترف انها اشتاقت اليه.. هل احبته؟ ام انه لم يكن سوى رهان!.. تهمس له تلتهمه بنظراتها
- ليش تاخذني بذنب ابوية؟؟ هذا العدل بنظرك راضي؟؟ فيبعدها عن صدره.. يدفعها عنه وقد استشعر بروز بطنها.. فيراقب لثواني عينيها ثم ينزل بنظره لمسكن طفله فيها.. فتمتد يده ببطء شديد نحوها يود لمس بطنها .. لتجذب يده بحده تصلقها ببطنها.. تهمس له بحرقه
-لخاطر هذا الي ببطني انسى كولشي راضي.. تعال ويايه.. ننسى كولشي و نبدي من جديد .. نسافر.. فيرفع انظاره اليها هازئا و ابتسامه ساخر ترتسم على شفتيه.. يرى جنون ما يسمع.. البلد مشتعل في حرب وهي تخبره عن السفر؟.. هو الهارب قانونيا!.. فتؤكد له وهي تهز رأسها وقد جرفتها عاطفة اللحظة فغيبتها عن مرارة واقع.. و ظلام حقبه لم يكن بها اي بصيص من الامل او النور..
-اي نسافر... ابوية يگدر كولشي يسوي راضي.. بس ظبط وضعك قانونيا.. انته هسه بنظر القانون هارب.. حياتك كلها متوقفه.. فيقاطعها هامسا بتساؤل ساخر باسم
-تردين تقنعيني انتي خايفه عليه؟؟ سحر.. شنو الي تردي بالظبط؟
تجيبة دون تردد
-اريدك.. صدگ او ما تصدگ ..اني اريدك.. ما اختاريتك عن عبث.. احبك و اريد ابقى وياك.. و هسه برحمي طفل منك.. منك راضي.. لا تضيعه و تضيعني بسبب شي اني مالي ذنب بي... ما اختاريت ابويه ولا اهلي.. خلي احمد يساعدك بالفلوس و نطلع منا.. والله انسى اهلي وعد مني...وعد.... فيضحك راضي هازئا يسحب يده عنها..
-مثل وعدج من اجيتي قبل كم شهر.. من حلفتي نبدي من جديد.. اسف.. ماعاد اكو شي يغريني بيج سحر.. ظگت طعمج.. شفته طعم باهت.. ما يستحق التعب.. و مابي اي لذة.. لذلك ابني من يصير الوقت و اذا الله كاتبلي عمر اخذه.. لان الي مثلج ما تحب التقييد .. وراها حقج و ورقتج توصلج.. وكل واحد منا يروح بطريقة.. فتتحول بثانيه الى امرأه اخرى يعرف انها مختبأة في دواخلها المظلمه... تهمس له بفحيح ونظراتها مشتعلة
-مو بكيفك راضي.. اطلع منا بوجهي للامن ابلغ عليك وعلى هالمكان.. والله اسويها و اني ترى مو عاقله.. و بلحظة هاي العشيرة الي انته هسه بسدها تحترگ.. اني دا انطيك فرصه.. خليني اساعدك لان ما نعرف باجر شيصير.. تعال ويايه كولشي يترتب.. انته لا تهتم.. ابوية يطلعك.. يهمس لها ساخرا مجددا وهو يوليها ظهره يسير نحو مكان جلوسه في صدر المجلس و تتبعه هي بالحاح.. تسمع صوته الساخر فتتوهج نارها اكثر
-ابوج المجرم اخلي يسوي عليه فضل.. لا والله.. شوفي لج.. كرهتج هسه اكثر.. ناصر موجود ترجعين وياه.. و خلقتج ما اشوفها.. تجذب يده بقوة وهي توقفه
- تندم راضي.. والله العظيم تندم.. راح تجيني تبوس الايادي حتى ارجعلك.. و ابنك تحلم تشوفه.. وقبل ان تكمل.. سمعا طرقا على باب المجلس الحديديه.. ثم صوت ناصر يعلو مناديا
-راضي..راضي.. فيتجه راضي نحو الباب الذي اوصدته سحر بعد دخولها.. بينما تتقدم سحر نحو مكان جلوسه وهي تنظر حولها في المكان.. تتأمل كل شيء بعين ناقده.. حاقده.. تجلس مكانه ترى وسادته و فراشه المرتب فتبتسم بسخرية.. ترفع نظرها فترى تقدم ناصر المتجهم الذي يرمقها بكره.. فقد نعتها بسليطة اللسان بعد المشادة الكلامية التي وقعت بينهما قبل قليل عند باب مجلس الشيخ فاضل الذي كان فارغا لحسن الحظ.. فقد كانت جسورة وهي تطالبهم بزوجها راضي.. تريد ان تتحدث معه.. وقد صممت بشكل مزعج متجاوزه عن نظرات ناصر المحذرة..
يجلس ناصر وهو يتجاهل وجودها.. يقول بخفوت لراضي..
↚
- ما ادري شلون لحگتني.. فقاطعته هي بسخرية
-جنت الصبح يم بيت احمد.. ما گلك؟؟ و انتظرتك بره كل ذيج المده وبعدين اجيت وراك لهنا.. فيهز ناصر راسه بحنق وهو يتمتم بشيء ما... ثم يعود و ينظر اليها
- و شتردين منه؟؟ لو بس جايه تخجلينا و تفضحينا بين الناس؟؟ فتعتدل سحر في جلوسها .. ترتب وشاحها الابيض على كتفها تقول بهدوء
- شريد يعني من زوجي و ابو ابني.. اريده يجي يسلم نفسه حتى نخلص من هالشغله.. كولشي جاهز بس يراجع باجر..صدر عفو عام.. وهو ما يحتاج شي... سويتله ورقة التحاق بوحدة تدمرت.. بس يقدم اوراقه باجر بالمركز و يدلي باقواله و نخلص..و تخرج سحر خلال حديثها ملف شفاف به عدة اوراق .. قدمته الى ناصر الذي اخذه منها ولا تزال عقدة حاجبيه تخبرها انه لا يثق بها.. تكمل وهي تراقب ملامح راضي المنغلقه
- العفو العام صدر يردون يحتوون الازمه.. الوضع سيطرو عليه بمدن الجنوب.. راضي اسمع كلامي ما تندم.. خبر العفو انطوه بالراديو... يجوز هسه يذيعوه.. يردون يسيطرون مم جديد بعد الانتفاضه الي صارت بمدن الجنوب.. الجيش انتشر ببعض المدن راضي . راجع باجر قبل ما يشتد الوضع و تنحسب من الي زعزعوا الامن اسمعو مني... يصمت ناصر وهو يقلب الاوراق فيراها اوراق قانوينه بأختام صحيحه.. حتى اسم الوحدة.. و رقم تسلسلها.. فيعيد بهدوء الاوراق الى سحر التي كانت تراقب ملامحهما.. ناصر عابس مفكر.. وراضي مشيحا عنها.. يتأمل كفه بتفكير..فأنقبض قلبها خاصه وضوء الشموع كئيب.. يترك ظلال قاتمه على ملامحهم جميعا...
بعد ساعات
زعزعه امنية بدأت جذوتها في احدى اكبر مدن الجنوب. منذ شهر تقريبا.... الغاية و الهدف هي اطاحة النظام الذي استهلك الشعب و استنزف قواه.. جذوة اشتعلت و انتشرت بسرعه.. كالنار في الهشيم.. و مع ذلك كان هناك تكتم اعلامي مرعب.. كل الذي اذيع هو ان هناك حركه عبثيه هدفها هز نظام الدولة و العبث بأمنها و سيادتها.. لذلك و لاحتواء الازمه صدر العفو العام الذي اصدرته الحكومه بحق الفارين من الخدمة...حكومه تريد بشتى الطرق احتواء الموقف.. فأغلب المنتفضين كانوا من مدن معينة.. عاشوا خذلان الهزيمة لحرب مرفوضه... تحملوا قصفا غاشم من ثلاثين دولة.. اجتياح لدولة مجاورة سلب راحتهم ثم عدوان غاشم جردهم من البقية الباقيه... فلم يتقبل البعض ماجرى بسهولة.. فأعلنوا العصيان المدني..
كانت فترة زمنية مريرة.. لا تتضح معالمها.... نار الانتفاضه ضد ظلم النظام آنذاك تستعر و تشتعل.. و بدأت السنتها تتقدم بسرعة نحو العاصمه و المدن المحيطة.. و تحت القصف الجوي الذي تحول بين يوما وليلة الى قصف عراقي عراقي.. و اجتياح من نوع آخر كان ايضا عراقي عراقي..للسيطرة و خنق كل نفساً لثورة او انتفاضة..
فكانت المجازر.. و النتيجه حرب داخلية شعواء اخرى قمعية ضد الشعب.. ومجددا اختلفت فيها القوى و لم تتوازن.. رغم ان الاثنان كانا من نفس الوطن...
بذلك الصباح المبكر وقف راضي.. يقبل كتف الشيخ فاضل مودعا.. اخبره انه سيستغل قرار العفو الذي صدر.. فهذا هو الحل الاسلم.. خاصه مع الوضع الراهن.. وقد اذيع في الاخبار المحلية الخاصه بمدينة راضي ان هناك اجتماعا لقوى الامن في احدى الفنادق الكبرى والتي كانت قيد الانشاء ذلك الوقت بعيدا عن المدينة.. هناك سيتم التحقيق بشكل روتيني سريع .. وبعدها ستدون معلوماته.. و سيطوي هذه الصفحه.. سيسافر فور استقرار الاوضاع.. الى خارج العراق.. ربما الى الاردن..
-ابني متأكد من قرارك؟؟ ليش ما تنتظر الوضع فد مره صاير و الاخضر و اليابس دا يحترگ... ابقى هنا و اني وعدتك اشوف حل... ايام و الوضع يهدء وليدي... فينحني راضي مره اخرى يقبل كتف الشيخ وهو يقول بصفاء
-شيخنا اقدارنا بيد رب العالمين.. يشهد الله انتو ما قصرتوا.. جميلكم على راسي.. و الله العالي بسماه يجازيكم.. مو اني... بس اني هم تعبت.. اشهر صارلي محبوس هنا... فيهز الشيخ راسه حيرة وهو يرى راضي يحتضن رضوان..ثم مختار.. فيحتضنه راضي وهو يضحك و يقول له بصوت واضح
-دير بالك على قيس عشيرتكم.... بلغه مني السلام و بوسلي خديداته لان ما يرضى ابوسه.. فيربت مختار على ظهر راضي بمودة وهو يودعه و ابتسامه حزينه ترتسم على شفتيه ..يقترب الشيخ من سيارة ناصر الذي كان يقف منتظرا.. يخبره بخفوت
-طمني عنكم ناصر و بلغ سلامي لابو علي.. ديروا بالكم على نفسكم.. هنا بيت ابوكم اي شي تحتاجوه لا تترددون.. عين غطى و عين فراش.. فيتشكر منه ناصر بشدة وهو يراقب اقتراب راضي منهم وهو يفتح باب المقعد الأمامي...يجلس بهدوء باسم و خلفه مباشرة تجلس سحر وقد وضعت وشاحها الابيض على رأسها.. فقد باتت ليلتها في المجلس مع راضي.. الذي ادبر عنها و اعطاها ظهره دون اهتمام..فقضت ليلتها وهي تضع خطط و ترسم وعودا و احلام.. ولم تعلم ان للقدر كلمة اخرى...
مرت الساعات بطيئة و كل ما يراه راضي كان يشير الى انها الساعات الاخيرة.. الشوارع فارغه بتوتر .. و الخراب و الدمار يعم الشوارع..... الوجوه شاحبه.. و السيطرات الامنية منتشره بشكل مرعب.. وعند كل سيطرة كان يبرز راضي ملفه يخبرهم عن وجهته.. فيمر بسهولة.... كان قد ارتدى الزي العسكري منذ انطلاقه من بيت الشيخ فاضل.. فوجهته كانت الفندق الذي اعلن عنه في المذياع.. كان صامتا.. و بجانبه ناصر ايضا.. صامتا متجهما.. بينما سحر في الخلف باسمه.. تشعر انها قدمت لراضي فرصه سترفعها عنده.. ستزيل الكدرة بينهما.. لا بأس ان كان غاضبا الان.. فالقادم سيكون اجمل.. هي متأكدة.. تسمع صوت ناصر وهو يسأل
- نمر لبيت احمد اول؟؟ فيهمس راضي له
-لا خلينا نخلص من هالشغله ناصر.. اسلم اوراقي و ارتب وضعي و اروحله فد مره.. بس قبلها ناصر.. وصل سحر لبيت اهلها.. فيصله صوت سحر مقاطعا بلهفه كاد ان يصدقها
-لا.. ابقى وياك انتظر ويه ناصر بالسيارة
فيخبرها بقسوة دون ان ينظر اليها
- انتي ما عندج اهل يسألون عليج؟؟ هاجه من البارحه بره البيت و هسه احنه قريب الظهر؟؟ روحي لبيتكم عود ارتب وضعي و يصير خير.. فتمد يدها اليه من جهة نافذته.. تتلمس كتفه و تقول برجاء لا يفهمه
-راضي اجي وياكم و ابقى فد مره.. فيلتفت لها بحزم هذه المره.. يخبرها بقوة
-وين تجين؟ ناصر الي هو اخوية ما راح اخلي يقرب من المكان.. ينزلني بمنطقة بعيدة و اروح مشي.. ما رايح اتونس لو العب.. لخاطر الله لا تلحين لان اني من دون شي روحي من وراج صايره بخشمي.. روحي لاهلج اخلص و اشوف شلون يصير وضعنا..
و مضى راضي.. وحيدا.. لكمين وضع له و لامثاله بأحكام.... ورغم ان اوراقه التي قدمتها له سحر كانت صحيحه.. الا انه كان بالمكان الخطأ وفي الوقت و الزمان الخطأ.. فبدل ان يذهب الى بغداد لتسليم نفسه في المركز الرئيسي.. قام بتسليم نفسه في مركز محلي.. وكانت الاوامر في المركز المحلي.. الاعدام..
تلك الظهيره المظلمة.. تم اعدام مئات الشباب.. من ظمنهم راضي.. كانت تلك احدى نكبات الشعب.. احدى جراحاته النازفه.. و امثال هذه الكمائن الكثير.. الذنب كل الذنب انهم شباب رفضوا الظلم.. و شعروا ان الحروب اثقلت انفاسهم.. فهبوا رفضا لواقع وضعوا داخله اجبارا...
و طويت صفحة راضي... شاب في ربوع العشرينات من عمره.. ذهب مظلوما.. كحال الكثيرين في تلك الفترة الداميه..
وهناك بعد ساعات في منزل احمد.. كان عزاء اخر قائم.. فعليّ و جعفر من ظمن المفقودين.. خرجا ظُهرا.. ولم يعودا.. و النار اشتعلت في المدينه خلال ساعات بسيطة.. فالمدينه انقسمت الى قسمين.. قسم بيد الجيش.. و القسم الاخر بيد المعارضه.. رصاص حي.. و طيران حربي مكثف.. ضحايا تسقط.. ولا عزاء.. هم ضحايا الحرب.. ضحايا التفكير بالحرية....
راغدة منهارة تريد اولادها.. و احمد محتار وقد جاءه صالح مسرعا.. حائرا هو الاخر بنساء بيته.. يجمع بناته في سيارة حمل كبيرة.. يخبر احمد انه سيخرج بهن الى بغداد. سيفر من المدينة قبل وصول الجيش الى ( الحزام الاخضر) و يطلب منه بحزم ان تأتي راغدة و الاولاد و ليبقى هو ينتظر علي و جعفر و يلحقون بهم مع ناصر و شهناز ... الا ان راغدة ترفض بشدة.. تبكي منهارة وهي تنحني على اقدام احمد تقبلها بغياب ذهن تتوسله الصبر و البقاء ... فينحني احمد يحملها بوجع... يطمأنها انهم سيعودون... لكنها يجب ان تغادر .. المدينة سقطت خلال ساعات بيد الجيش.. فالثوار كانوا قله قليلة.. ابيدت ثورتهم خلال ساعه.. لذلك من الاسلم ان يخرجوا الان.. و ترفض راغدة مرة اخرى تتوسل البقاء .. تريد علي و جعفر قبل ان ترحل.. حتى يرون ناصر الباكي امامهم.. يبكي كالنساء.. يخبرهم ان راضي رحل شهيدا.. انه رأى بعينه اعدامه فقد تم تصفيتهم في الساحات الخارجيه للفندق.. و حالة الهرج و المرج قد عمت انحاء المدينة من اقصاها لاقصاها.. لا امان فيها..
الصدمة شلت الالسن.. حتى راغدة همدت في مكانها.. تنظر فقط بعيون دامعة في الوجوه المسودة الكاظمة بحنق و الم غيضها و فجيعتها.. احمد.. تغيرت ملامحه.. فأيهم يبكي و يندب.. شقيقا رحل وقد كان ربيب يديه؟حمله امانه على ظهره... ام اولادا هم فلذة كبد اختفوا في لمح البصر.. تجّلد و تصبر.. حوقل و استغفر.. رفع رأسا شاكيا الى السماء.. يطلب العون.. ومن حوله يرى نسوة و اطفال يبكون.. صغاره لا يشعرون بالامان.. فيقود الجميع هو بصبر.. و بقوة تهد الجبال.. و بصوت حاد جهور يأمر
-طلعي بطانيات (اغطية شتوية).. خليهن على روس الاولاد راغدة.. و يلتفت الى صالح يخبره بحزم..
-شد على سيارتك رايات بيض صالح.. و انته ناصر يلتفت الى ناصر المنهار تماما.. شد حيلك و صعد شهناز بسيارة صالح .. ثم صرخ بهم وهو يرى تجمدهم جميعا في اماكنهم..
-تحركوا.. و بلمح البصر تسرع راغدة وهي تبكي محمرة تماما. اختنق صدرها.... تجمع اولادها.. تغطي رؤسهم بغطاء وثير.. تجمعهم وهي تقودهم نحو سيارة صالح الكبيرة العالية.. تركب كيفما اتفق وقد تجرحت ساقها ونزفت لكنها لم تهتم.. تجمع اولادها الاربعه الباكين حولها.. تكتم انفاسهم عن رائحة الموت.. و تغطي ابصارهم عن مشاهد القتل.. وخلال دقائق سارت مركبة صالح.. بقيادة صالح وقد جلست بجانبه سعاد باكية بجانبها ضرتها الممتعضه فهي كانت تود الذهاب لاهلها... شهناز تجلس نادبه تبكي راضي.. و راغدة ترتعش بشدة.. عيونها نازفه.. تتابع احمد الذي يقف بكل شموخ.. بمؤخرة سيارة الحمل.. يحمل بيده راية بيضاء يرفعها و يقابله ناصر المنهار على الطرف الاخر يحمل بيده راية مماثله..
رائحة الدماء تزكم الانوف.. و الظلام الكئيب يؤلم النفس... يملئها وحشة... احمد يتصبر.. يحوقل ولا يتعب لسانه من الحوقله.. يسترجع ولا يكل لسانه من الاسترجاع.. يُقصي راضي عن فكره.. يقصي كل شيء يخصه.. ويقصي اولاده ايضا.. قُرة العين... عن حزن قلبه.. يؤجل كل شيء.. يرى بعينا لا ترى مظاهر الموت.. في مدينته التي كانت ضاحكه .. زاهره في يوما ما.. الم يمزق روحه.. و وجعا يفتك بجنانه.. لكنه يتصبر.. يتجلد.. فكل شيء يهون.. كل شيء يهون..
يدور بنظرة في الشوارع التي اكتظت بالعوائل امثالهم عند السيطرات الامنية.. يحملون مثلهم رايات بيضاء.. نظرة واحده فقط يُلقي العسكر عليهم.. يرون الذعر المرتسم على وجوه الصغار.. و يرون الحزن المفجع على وجوه الكبار.. وربما ترق قلوبهم.. فيطلبون منهم الاسراع بالخروج.. فالجيش قادم.. سيمشط بغضب كل المدينة.. و من تخلّف فيها.. سيكون من النادمين..
راغدة مصدومة بكل تلك المظاهر الجديدة.. رغم انهم عاشوا العدوان قبل ايام.. الا انه لم ينل من مدينتهم كما الان.. لم ترى الخراب الا الان... لم تزكم انفها رائحة الموت و الغدر الا الان.. ترى انها تعيش كابوسا.. حالك السواد لا نور فيه...لا منفذ ولا امان.. مفجعا.. اليما.. تنظر الى الاحياء التي كانت تزورها في دعوة ما لصديقات لا تعلم اين هم الان.. فترى بيوتهم .. موحشه.. فارغه.. مهجورة.. لا حياة فيها.. و ما افجع قلبها حتى شعرت بنصل حاد يفتك بها.. هي تلك الجثث لشباب بملابس بيضاء تتناثرت جثثهم الهامدة..في الشوارع.. فتغمض بحرقه عينها.. تبكي راضي.. و تبكيهم
بعد ساعات
يدخل احمد مجددا مجلس الشيخ فاضل.. يحيطونه أحفاد الشيخ و اولاده الكبار.. يحلقون حولهم بعزاء.. فالقضاء هادىء..من المدن التي لُقبت بالبيضاء.. يستقبلهم الشيخ بحزن شديد وقد علم سقوط مدينتهم.. يحتضن احمد بشدة فيرى به صلابه لم يعهدها.. يربت على كتفه مواسيا
- الصبر.. الصبر عند وقوع البلاء.. فيسترجع احمد مره اخرى بعيون غائمه محمرة.. يصله بوضوح عويل النساء.. وقد اخذوا راغدة و شهناز مع الأطفال الى الداخل... اما صالح فقد اصرت زوجته الجديدة على البقاء عند اهلها لذلك لم يتوانى صالح وهو ينزلها عند اهلها سابا شاتما لها..
يدخل الاخوة الثلاثه الى داخل المضيف الداخلي.. حيث كان راضي.. فيرفض ناصر الدخول.. بقي خارجا يرافقه رضوان و مختار الواجم بحزن.. اليوم صباحا كان راضي معهم.. كيف رحل بهذه السرعة؟
في الداخل يراقب احمد بصمت كل مكان... عله يرى أثرا لحبيبه راضي.. فيبتلع غصة.. و يكبح بقوة شهقة.. يتجّلد وهو يجيب على أسئلة الشيخ فاضل و ابنه البكر مشعان.. وقد كان ناصر طوال الطريق إلى القضاء يحدثه عن أحداث الأمس بعد لحاق سحر بهم.. حتى ايصاله لراضي للفندق.. ثم كيف انه اقترب فور سماعه صوت الرمي العشوائي... كيف رأى راضي معصب العينين . مربوط اليدين... يجلس بكبرياء.. حتى قضى نحبه..
الشيخ كان يعلم ان احمد تحت تأثير الصدمة.. فمنظره كان يوحي بذلك لذلك شدد عليه الشيخ بالبقاء
- شيخنا جبت عيالي يمك.. ماعندي احد غيرك اامنه على عرضي.. اخويّ راح.. و البقاء لله.. بقوا اولادي لو ارجع بيهم لو اگطع منهم الظنه .. امهم يمكم امانة الله و رسوله.. فيصمت الشيخ ينظر لأحمد المصمم بحزن. فيلتفت لمشعان ابنه البكر والذي كان يستقر مع عائلته خارج القضاء ... يقارب احمد عمرا..
- حضّر نفسك انته و مختار.. تطلعون ويه ابو علي.. وقبل ان يرفض احمد منتفضا..يرفع كفه الشيخ منهي الجدال
- اقسم بالله العظيم ما يبقون هنا.. وياك مثل ظلك... وليدي راضي عليه الف رحمه و نور راح و ما أخذ بحجايتي و انته يا احمد تطلع عن شوري والله والله اربطك هنا..
فيصمت احمد.. يعض على نواجذه كمدا.. فمصابه يريد ان يبكيه وحده.. يريد ان يعود للمدينة.. يبحث عن اولاده.. يصفي حسابه.. و يدفن جثة شقيقه..
و ينبلج الصبح الجديد.. حاملا معه اوجاعا لم تهدء او تستكين.. في الداخل عند مخدع النساء.. ترقد راغدة و قد اصابتها الحمى.. تنتفض بصراع.. حولها شهناز و سعاد.. باكيات بضعف و هشاشه.. فرجالهن الثلاثه رحلوا منذ ساعات الفجر الاولى.. دون وداع.. دون اي كلام.. غايتهم العودة باولاد احمد.. و دفن جثة راضي التي مؤكد انها رميت بقارعة الطريق كحال بقية الجثث ..
تلتف حولهم نرجس بهمه و حرص ... وقد فجع قلبها لحالهم.. تتبعها مهين كظلها... تساعدها و تحاول جهدها بذل المستحيل لاعانة راغدة المنهكة وقد قضت الحمى على كل طاقتها... و الحاجه صفيه تسبح و تستغفر وهي تراقب حال راغدة المنتفضه... بحزن فهي تعلم الوجع و مقدار الالم... . توجه بأرشاد مهين و نرجس و لسانها لا يتوقف عن الدعاء.. فالحال لا يسر.. وصوت الطيران المحلق بين فترة و اخرى يثير رعب الاطفال و خوفهم..
على بعد كيلو مترات... المدينة الوسطية
انتهوا توا من دفن راضي.. وبعض الجثث الاخرى.. فقد تُرِكوا في هذا المكان الشبه مقفر منذ الظهيرة.. وقد تركت القوى الامنية هنا مراكزها بعد ان تمت تصفية الجميع .. فالفندق قيد الانشاء.. يقع على مداخل المدينه.. و كان احمد متماسكا وهو يدفن راضي.. يقبل كفيه المربوطه... و عينيه المعصوبه.. دفنه كما هو.. ولم يجادله احد و هو يوسد شقيقة الشاب الثرى.. و دفن جزء من قلبه معه.. يرى انهيار صالح.. و تخاذل ناصر.. بينما مشعان يقف يشد على سبحته.. و بجانبة مختار.. يكز على اسنانه قهرا و حزنا...
يتحركون بسرعه بعد وقت بسيط.. فهم لا يملكون رفاهية التريث و الانتظار.. او حتى وداع من يحبون بوقار... فالوضع متأزم جدا.. يحتاج الى السرعه.. لا التهمل.. سيلعقون جراحهم لاحقا.. سيواسون بعضهم لاحقا.. فالفقيد قد غادرهم باكرا..رحل.. خطفه الغدر منهم... دون سابق انذار
بعد وقت..
الشوارع فارغه.. وهدوء الموت ينتشر.. فاللموت هيبة.. لا تنكرها اي نفس.. راية بيضاء ترفرف على سيارتهم.. واذن بالدخول حصل عليه مشعان من اول سيطرة امنية عند مدخل المدينة.. فقد اخبرهم ان اولاد اخته ضاعوا هنا وقد عاد مع ابيهم للبحث عنهم.. اسم مشعان بعشيرته المعروفه تعرف عليها احد القادة العسكريين.. والذي صدف انه من ذات المدينة الغربية .. لذلك تسهلت نوعا ما امورهم.. وسيارة خاصة من الامن تتبعهم حرصا على ارواحهم وقد تعاطف من كانوا بالسيطرة مع احمد الجامد الملكوم و المفجوع بفقد احبته..
كأن الزمن توقف بأحمد وهو يرى بعين متفحصه الجثث المنتشره.. يبحث بعينيه عن ولديه بينهم.. لكن لا اثر يقتفى.. حتى ابواب المسجد المشرعه اقترب منها باحثا.. يتبعه مشعان.. و احد عناصر الامن.. لكن لا اثر.. و يعود احمد الى منزله ينادي من الباب بصوت مرتفع
-علي.. جعفر.. يكرر النداء لكن لا جواب.. فيعود ادراجه خائبا وقد اقترب الظلام... يقول له مشعان بخفوت
-ابو علي.. خلي نرجع.. و باجر نرجع نسأل.. انطيني الليلة بس.. فيصمت احمد وهو يرى انهاكهم و تعبهم معه.. فيومىء بموافقه وهو يتأمل مدينته.. و لشدة غيضه يرى على الشارع المقابل.. سيارة حمل كبيرة.. تقوم بحمل الجثث.. و بجانبها يقف والد سحر.. بيده ورقه.. يسجل بها على ما يبدو الاسماء وهو يحدث رجال الامن ... فتمتد يد احمد دون شعور.. تشتد على ساعد مشعان بجانبه يطلب منه الترفق بالقيادة وهو يلتفت بكله نحو والد سحر وهو يهمس بكره شديد و حقد وصل لحدود الطلب بالثأر
-الحقير الخسيس.. لازم ورقه و يحسب بولدنا.. فيلتفت اليه مشعان يقول له بخفوت
-الصبر.... ابو علي.. الصبر... اوعدك يسبح بدمه بس خلي تعدي هاليومين على خير.. بيدك تاخذ ثارك منه...
↚
بحزن خفيّ و ضيق نفس يكاد يقتلها.. تمضي ساعاتها.. تشعر بالخسارة .. و بعض الندم.. لم تتوقع ابدا ان تكون هذه نهاية زواجها... ان تترمل و تصبح اما وحيدة.. تعترف الان ان راضي مسّ شيئا من روحها المريضه..بصدقه.. بنقاوة سريرته.. بحُسن خُلقه.. ساعاته الاخيرة تتذكرها جيدا.. لازال صوت تلاوته للقرآن الكريم فجر ذاك اليوم المشؤوم ترن في اذنيها... ولا زال صوته المستغفر وهو يقف امام نافذة المجلس في بيت الشيخ فاضل يرقب الشروق...يحضرها.. رجلا لم تستحقه.. ام هو لم يستحق زوجة مثلها!
ذلك اليوم عندما عادت بعد ان اوصلها ناصر لباب منزلها.. كانت والدتها تنتظرها بغضب في الداخل... صفعات نالتها... و شتائم و سباب اغرقتها بها.. كانت والدتها غاضبه جدا... فالوضع سيء يوحي باقتراب الساعة لشدة هول الأحداث المتسارعه... تلك الظهيرة الدموية سحبتها والدتها من شعرها.. و رمتها داخل سيارة كانت جاهزه في اي وقت للانطلاق.. بكت..رفست.. الا ان صفعات والدتها كانت تنالها في كل وضع... حتى ادميت شفتيها.. و ازرقت وجنتها و جانب عينها... راقبت بذهول من نافذة السيارة التي عبت المسافه ..عبا.. الخراب ينتشر و الفوضى مرعبة.. تلتصق بمقعدها من اصوات الرمي العشوائي الحي حولها.... السائق كان من عناصر الامن ... و كانت هي والدتها فقط من خرجوا.. فوالدها بقي في المدينة... و كان الطريق إلى بغداد طويلا.. ترى مشاهد الدمار بشكل موحش.. قتلى و ملاحقات امنية .. و سيارتهم تسير مسرعة بأمان... تعبر السيطرات الامنية بسرعة دون توقف طويل او استجواب.. فعلى ما يبدو ان العنصر الأمني الذي كان يقود بهم..كان على مستوى..
حتى وصلوا مشارف بغداد... فكان الموقف اخر تماما.. فشوارع بغداد كانت آمنه.. هادئه... كأنها تقع في دولة اخرى غير عراق الدمار وقتها... الحياة كانت مبهجه.. التيار الكهربائي مستمر في أحياء كثيرة راقية.. كالحي الذي كانت والدتها تتجه اليه.. حيّ راقي جدا.. به الضباط و القضاة.. بهرت به سحر رغم عويلها الذي لم يتوقف.. فتفكيرها كان عند راضي.. رغم كل شيء هي ارادت فعلا ان تبدأ من جديد معه...ان تترك عار اهلها.. ان تترك المستنقع المظلم و تبدأ مع راضي... او ربما تجرب ان تبدأ معه... لكن لوالدتها رأي آخر.. فوالدتها كانت معارضه تماما اي مساعدة لراضي... بل انها نقمت بشدة على زوجها وهي تراه يقدم اوراق التقارير و الالتحاق لسحر ... اساسا هي كانت ضد زواجها من راضي من البداية.. كونها تعلم ان راضي لن يكون طوع يد سحر... لقد عرفت شخصيته من كلام سحر لها.. رأت به رجلا سيفيق من نشوته و لذته فور نيله ابنتها... لذلك رفضته..فهي تعلم نزق ابنتها.. حدة طباعها.. و تشوه نفسها... وراضي لم يكن يناسبها..
يدخلون منزل راقي.. ببوابه عريضه فخمه بيضاء.. و مدخل واسع من الرخام توقفت عليه سيارتهم بعد ان ترجل العنصر الأمني لفتح البوابه.. الحديقة الواسعه كانت تتنوع ببراعم الزهور المبكرة فقد كانوا على مشارف الربيع .رغم برودة الجو.. و ارجوحه انيقه بحجم كبير تزين احدى جوانب الحديقه الجميلة...
لكن سحر لم يغريها اي شيء.. ولم يثر فضولها... ترفض الترجل من السيارة بأصرار.. رغم انها رأت ان البوابة قد أقفلت بأحكام....
تعود والدتها و تقرصها من زندها الغض وهي تحاول إخراجها
- نزلي ولج لا اجنزج ( احمل جنازتك) هسه.. رحمي الي ببطنج لان شبعتي كتل مني.. فتجيبها سحر باكية وهي ترى العنصر الأمني لا يتدخل.. بل يترجل هو الاخر لكي ينزل أغراضهم و حقائبهم
- ما اريد انتي ليش ما تفتهمين؟ اريد ابقى ب ***** راضي راح يرجعني
فتجيبها والدتها بحقد وهي تسحبها من ساقها هذه المره
- ياخذج ربي و ياخذ راضي و اخلص و ارتاح منج و من همج.. نزلي ولج ما بيه حيل بعد.. فترفض سحر وهي تتشبث بقوة بالكرسي وقد غيبها عنادها و رفضها عن أي تصرف سليم
- رجعيني ل**** و ابقي انتي هنا .. شعليج بيه..
فتتوقف والدتها وهي ترمقها بقسوة.. قسوة مميته.. ثم همست لها بفحيح
- شوفي ولج.. ابقي هنا موتي من الجوع وخلي البرد ياكل عظامج... راضي بح .. انتهى.. اخاف عبالج ابوج انطاج على مايج (حسب رغبتك)؟ ابوج رتبله كلشي وهسه راضي يم ربه.. انتي غبية.. غبية... على گعدتج هنا سمعي راديو... سمعي اخبار ال***** يجوز .. يجوز يجيبون طاري للي صار.. ولج لقبوهم "بالمتخاذلين".. كلهم اعدام..و تستدير والدتها عنها تشير بعينيها للعنصر الذي وقف بعيدا يراقبهم بجمود .. ثم تدخل الى داخل المنزل غير مبالية بملامح سحر المذهولة .. التي فغرت فاهها بصدمة شديدة وقد عقدت حاجبيها الانيقين تحاول جهدها نفي ما فهمته من والدتها
لحقتها بعد وقت.. مشتعله.. غاضبه.. حطمت كل شيء في طريقها.. كانت زوبعة حسناء حتى شعرت بصفعات والدتها تتوالى على وجنتها مجددا.. تضرب زندها و متنها.. و تتحاشى الاقتراب من بطن سحر الذي اتضح حجمه الصغير خلال فورة اعصابها. تهمس لها والدتها بفحيح وقد تغيرت نظرتها هي الاخرى الى نظرات حاقدة مخيفة
-مجنونه .. مجنونه.. والله العظيم لوما حامل جان شفتي شسويت بيج.. راحمتج علمود هالي ببطنج.. فتسمع هلوسة سحر وهي تهمس لها بتساؤل مذهول
- ليش ماما ليش.. فهميني؟؟ جنا ناوين نطلع.. بس تخلص هالهوسة و نطلع و ما تشوفين خلقتي.. ليش دمرتي كولشي.. ليش تساءلت بحرقة باكية فنظرت اليها والدتها لثواني.. تنظر اليها لثواني بأستغراب.. كأنها امام مسأله معقدة.. ثم تستدير عنها.. تجلس مكانها في صالة واسعة فخمة وهي تهز بيدها ساخرة تمتم بشيء ما لم تستطع سحر سماعه..
تقترب من والدتها بعد وقت.. تجلس بقنوط بائس.. تنشف الدماء من شفتها السفلى بيدها.. و تتوجع قليلا في بطنها فتدلك برفق اسفل بطنها ساهمه.. يصلها صوت والدتها باردا.. جافا
- انتي على بالج يطلع منه راضي؟ لج ذوله تخلفوا عن خدمة العلم...خانو البلد و رفضو قرار عسكري.. اسمائهم متسجله الف واحد مثل ابوج ما يمسحها لان بكل بساطة الكل يخاف.. راضي خلو عليه وعلى اهله خط احمر خلص.. راح يبقون مدمغة للحكومه منا لمن يصفون واحد واحد.. و منا اولاد احمد هم راحوا يعني كل امل ماكو تعيشين مثل الاوادم.. كل يوم راح يدگون بابهم.. يضيقون عليهم عيشتهم.. لذلك انسي... انسي هالنسب الي ما شفنا منه غير شلاع الگلب.. بعدج سنه ما مكملة رجعتيلنا شارد منج راضي و يريد يطلگ.. فوگاها حامل.. تصمت والدة سحر لفترة وهي تنفث انفاس محترقه وهي ترمق ابنتها التي نكست رأسها.. تدلك جبينها بتعب.. فتكمل والدتها ببرود
-هذا الي ببطنج اول ما تولدين نشمره عليهم.. فتهمتي؟ لا تعلگين نفسج بطفل و تدمرين حياتج.. توج بالعشرين و ارملة.. ياريت هم زوجة شهيد قالتها ساخره وهي تشيح عن ابنتها و تكمل.. زوجة واحد فار من خدمة العلم علمود حلال و حرام و مثاليات ما ادري منين جابها.. فتصمت سحر.. لا تعقب على شيء.. كأنها مقتنعه بكلام والدتها و فكرتها..
**********************
بعد ثلاثة اشهر .. المدينه الغربيه
هائمه في عالم اخر.. وقد جفت دموعها.. فباتت راغدة اخرى لا ملامح للرغد فيها.. تجلس دوما ساهمه تنظر من نافذة المجلس المنخفضه المطلة على البساتين المثمره.. وجع يجتاح روحها.. فيجعل حتى من اخذ النفس معاناة تعانيها.. بل انها فعليا باتت تدخل في نوبات اختناق تفزع كل من حولها.. حتى احمد المرهق و المتعب كان يفز من المجلس الخارجي فور سماعه بخبر اختناقها.. حتى جلب لها بخاخ يساعدها على التنفس بات من المستحيل توفره مع الحصار الاقتصادي الذي دخله البلد الا بشق الانفس.. شخصوا حالتها بعدعناء انها حالة نفسية فقط .. بسبب الفزع و الالم النفسي الذي اصابها..
جعفر و علي عثرعلى جثتيهما مرميه بالرصاص. بعد ايام من دخول الجيش المدينة.... شهود عيان من المعارف تعرفوا عليهما و تم دفنهم في مقابر مطموسة الاثر ..و كان احمد من نقل الخبر الى راغدة.. يومها انهارت.. وانهار الجميع حولها في بيت الشيخ فاضل بكاءا.. فأمل صغيركان يداعب راغدة.. يخبرها انهما ربما اخذا خطأ.. الا ان علي و جعفر كمئات الشباب الذين قتلوا دون ذنب.. عن طريق الخطأ.. تشابه اسماء او حتى تشابه مظهر.. لذلك رحلا عنها حتى دون وداع..
علي و جعفر كانا حلما جميلا.. لم تعشه و تستوعبه راغدة ... لم تشبع منه كما تقول دوما.. كانا كما يقال من اولاد الجنه.. اختفيا بلمح البصر... كذرات من رائحه عطرية تفرقت في الهواء... وراغدة ملتاعه تذوي كأنها شمعه.. تعيش على ذكراهم .. وذكراهم فقط
مشعان.. ابن الشيخ البكر..كان من اخفى اي معالم قرابة .. لدرجة انه زور اسماء علي و جعفر.. و السبب حتى يعيش احمد و عائلته بسلام.. حتى لا يطاردهم الامن بدعوى ان اولاد احمد من الغوغاء.. من الذين اشاعوا الفوضى في المدينه.. .
اليوم كعادتها كانت تجلس بعد صلاة الظهر تسبح وقد لفت وجهها البدري الذابل بحجاب ابيض.. تسبح و تستغفر و عينها دامعة.. تقترب منها نرجس.. تجلس بجانبها وهي تضع امامها قطع من التمر و اللبن تهمس لها بمودة صافية
-الله عليج راغدة فكي ريگج ( الريق) من البارحه ما ماكله شي.. والله هيجي تهلكين.. حرام عليج عندج اولاد صغار.. رحميهم و رحمي حالج.. فتهمس راغدة ببكاء رقيق
- ما اريد نرجس عفية... ما اريد شي الاكل يصير جمر من اكله.. فتتنهد نرجس وهي تبصر عمتها الحاجه صفية تدخل المكان وهي تشير لها برأسها..وتفهم نرجس فورا فتنهض تترك المكان.. تقترب الحاجه صفية بهيبتها.. ترتدي ثوبا اسود و تربط على رأسها بعصبه من الحرير.. تدلت منها قصبات من الذهب رفيعة.. ملامحها الصارمة نوعا ما تتأمل راغدة بحسنها الذابل.. وطيف ملاحتها الراحل.. فالحزن.. الهم.. يذهب رونق الوجه وكل صفائه...
تجلس بجانبها وهي تتنهد فتنتفض راغدة وهي تعدل من جلستها تهمس بأحترام بالغ
-خالة الگاع صلبه.. خليني اجيبلج شي تگعدين عليه.. فتمسك الحاجه صفيه بركبة راغدة تنهاها بحزم
-گعدي.. اني مرتاحه هيج.. عندي حجي وياج ام علي.. واريد تفهمي زين.. انتي بنية من بنواتي واني سمي و موتي المره الضعيفه.. وانتي ترى طولتي بحزنج..و راحوا اولادج.. هاي الله منطيج غيرهم اربعه.. عطايا الرحمن.. تجزعين علمود ثنين راحوا و ان شاء الله عند الله شهداء؟ هذا امتحان.. ما تصبرين عليه؟ شگد صارلج على هالحال بينج وبين الموت شعره.. شيفيد؟ رجلج ظهره منكسر و اولادج الصغار ما تدرين عنهم.. من ايد لأيد؟ لشوكت؟ قالتها الحاجه صفيه وهي تتامل راغدة الباكيه
-البواجي لو تفيد جان اني اول الناس اگعد انحب و انوح.. اربعه انطيت و ما بقى عندي بس عمج الشيخ.. غير الي راحوا سگط .. و حمدت ربي.. و شكرته.. و گلت الهي صبرا على قضائك.. العوض بالجنه اريده.. و هاي شوفة عينج.. عمج الشيخ ترس البيت احفاد.. حمدي ربج و شكري يمه.. عندج اقمار.. الله يساعد الي راحوا كل اولادها.. ذاك اليوم عمج الشيخ يگول واحد من جماعته خمس اولاد راحوله... نسله كله انگطع... شباب يسدون عين الشمس راحوله.. هذا شيگول؟ خانعه و بس تبجين.. الله يحاسبج والله على هالاذيه.. فتشهق رغدة باكية وهي تغطي وجهها.. تهمس بوجع مؤلم
-والله خالة ما اگدر.. والله .. روحي هي الي توجعني.. اولادي قرة عيني راحوا مني والله اتمنى الوقت يرجع لا احمل بيهم ولا اجيبهم.. ريتني عاقر قالتها وهي منهاره تضرب بطنها و تكرر ريتني عاقر ولا اشوف هالوجع.. فتعقد الحاجه صفيه حاجبيها اكثر وهي ترى انهيار راغدة امامها تهمس لها بغضب
- استغفري ربج هاي وانتي صايمة مصلية وهيج جزعج.. اولادج جانوا على حق لو لا؟ جاوبيني؟ اذا جانوا على حق و رغم صغر سنهم متمسكين بدينهم معناته بالجنة ان شاء الله.. شتردين اكثر من شفيعين ( اثنين) الج بالجنة راغدة.. اصحي من هالحزن الي انتي بي و سندي رجلج.. فقد اخوه.. الي رباه و تعب عليه.. وفقد اولاد ثنين.. غايبه بعالم ثاني.. لا ليلج ليل ولا نهارج نهار.. اصحي بنيتي.. خليج قوية.. هاالفقد خلي يقويج ما يضعفج.. رجلج محتار مگابلج و گاعد.. حلالكم منهوب .. ربج ابو علي باع ال**** و حوله ذهب والا جان حال الضيم حالكم.. كله يتصادر... تجار مثل رجلج خسروا كل فلوسهم.. حمدي ربج يمه و گولي ياالله .. فتصمت راغدة و تكف عن البكاء.. فما تقوله الحاجه صفيه اصاب كبد الحقيقه.. اهملت الجميع و اولهم احمد.. التهت بلعق جراحها.. و سكنت الى وجع روحها.. تحاول لملمة شتات نفسها دون جدوى .. تستمع الى صوت الحاجه صفيه الناصح مجددا
-ابو علي احتمال ينقلكم لبغداد.. صارله فترة و عمج الشيخ يجهزون لهذا الامر.. شوفي يمه رجلج و احجي وياه.. شايل همج و همكم كلكم.. فتمسح راغدة انفها وعينيها وهي تقول بصوت واضح
-ان شاء الله خالة.. ان شاء الله فتضع الحاجه صفية يدها على فخذ راغدة وهي تخبرها بحزم ودود
-يمه كلامي لمصلحتج.. لا تزعلين مني.. المره اذا مالت لو تعبت ينطفي البيت كله.. وانتي شمعة البيت الزاهيه.. خليج قوية.. و عينج بعين رب العالمين.. احتسبيهم عند ربج.. ادري والله بوجعج ... اني الي ادري بي.. بس الحزن ما يفيد يمه.. خلي حزنج بگلبج و شوفي رجلج و بيتج.. اولادج الي متبهذلين .. الله يساعدج و يصبرج..
تومىء راغدة لها موافقه وهي تمسح عيونها المحمرة.. و تراقبها الحاجه صفية التي يوجعها قلبها لحال هذه الام الفاقده.. ترها مترفه لا طاقة لها على الحزن..و الدنيا دار اختبار.. ليست منصفه ولا عادلة.. و تعود الحاجه تمسك بمسبحتها تتأمل راغدة التي سرحت تفكر بما قيل لها..
على الجانب الاخر
تدخل نظمية متذمرة.. تزم شفتيها الغليظه بحنق.. فهي لا يعجبها وجود الضيوف الذين اطالوا بجلوسهم عندهم.. تهمس لنرجس الواقفه تراقب قدور الطبخ
-هاي مو حالة.. صايرين خدم لست الحسن راغدة و ست الحسن شهناز... لشوكت يعني ترى رحم الله من زار و خفف.. فترمقها نرجس بنظرة مستنكرة و تهز رأسها عجزا من تصرفات ابنة عمها.. و ضرتها ذات الوقت.. تعود نظمية تهمس وقد استشفت من نظرات نرجس الاستنكار لما قالت
-ما يعجبج الحجي مو.. طبعا اذا انتي صايره صحبه وياها.. مثل ظلها وين ما تروح ترحين وياها.. بعدين ماصارت هاي كأنما هي الوحيده الي راحوا ولدها.. كل بيت عنده مصيبة ترى مليت والله و جزعت.. فتسمع صوت نرجس المنخفض وهي تقول لها
-ماصار شي.. ذاك بيتج روحيله وخلي الشيخ يكسر رجلج و نخلص..كل يوم جايه بهالحجي والله لو يسمعج الشيخ لو الحجيه.. لسانج ينگص.. ضبطي نفسج نظمية.. بيت الشيخ متعودين بي خطار و ضيوف كل فترة.. فتقول نظمية بسخرية
-انتي گلتيها ضيوف و خطار.. ذولة بعد صاروا اهل بيت.. رجلها بالمجلس وهي و مرة حماها و اولادها بالمجلس الثاني .. واحنه طبخ و نفخ و سفره نشيل و سفره نحط.. فتغضب نرجس لقولها. تستدير نحوها بفورة اعصاب نادرا ما تصيبها
-انتي ما تخجلين؟ ما تستحين؟ ناس ضيوف عدنا.. داخلين بيت الشيخ و مصيبتهم مصيبة و هذا كلامج؟ والله لو انقله للشيخ فلا تبقين ثانية على ذمته.. كافي نظمية.. ظبي لسانج شويه عيب .. والله عيب هاي و انتي بنت العم و مرة الشيخ.. فتزم نظمية شفتيها بحنق وهي تدور بعينيها الواسعه التي تقترب الى الجحوظ حولها بحنق.. فترى لحقدها مهين تدخل المطبخ.. تهمس لنرجس بصوت خفيض يكاد يسمع
-الحجية تريدج ام رضوان.. فتلتفت عليها نرجس تخبرها بحزم
-عينج على الجدور.. لا يحترگ غدانا.. و ترمق نظميه بحنق و تخرج.. فتراقبها نظمية بنظرات هازئة وهي تهمس
-والله شايفه نفسها شوفه.. ما تدري لو اخليها ببالي اجزعها.. ثم تقترب بمكر من مهين تقرصها بقوة من خصرها اللين.. فتفزع مهين وهي تشهق.. تسمع صوت نظمية الخافت بفحيح مزعج
-ولج مو نبهتج؟ البارحه الشيخ يمج جان مو؟ فتدعك مهين مكان القرصه بألم و تنظر بخوف نحو نظمية... تكمل نظمية وقد حشرت مهين في احدى زوايا المطبخ وحجبتها بجسدها الضخم نوعا ما
- عبالج ما اعرف.. الظاهر ما خايفه على ابنج... فتنتفض مهين وهي تهمس لها بخوف
-ام حامد والله مو بيدي انتي ليش تظلميني.. الشيخ ما ينرد ولا ينگاله لا .. اجى يمي يعني اطرده.. شهالحجي الله يخليج.. فتسحب نظمية نفسا غاضبا وقد التمعت عينيها بشر.. تقول بخفوت حاقد بعد وقت وهي تتأمل وجه مهين الشاب الصبوح..
-سويتي الي گتلج عليه.. فتبعد مهين نظراتها عنها.. تشعر بالخوف و الخجل فتشتعل نيران نظمية.. و تحتد انفاسها وهي تمد يدها الى شعر مهين اسفل حجابها البسيط الذي تضعه دوما على رأسها عند خروجها من غرفتها تحسبا لاي طارىء.. فتراه رطبا.. و يجن جنونها.. تقرص مهين مجددا وهي تهمس لها
-يا*** ..يا ****.. شگتلج ولج .. اني شحجيت .. مو نبهت الشيخ ما يقرب منج.. فتقفز مهين مبتعدة عنها وهي تهمس بلوعة
-والله مو بيدي.. مو بيدي.. ثم بلحظة عميت فيها نظمية و غرقت بغضبها.. تهرب مهين وتركض خارجة من المطبخ.. تلعن حظها و ضعفها.. و تترك نظمية وحدها.. يغلي حقدها كمرجل لا يهدء ولا يستكن لحظه..
تخرج نظمية بعد وقت من المطبخ.. معمية تماما.. يعميها غضبها الذي لا يهدأ.. تتجه الى غرفتها الخاصه.. تدخل فيها وهي مشتعله.. نيران تأكل جوفها.. تخلع حجاب رأسها الاسود و تفتح اعلى ثوبها.. تشعر بالاختناق.. تدلك بهوس رقبتها الممتلئة البيضاء و عينيها تقدح شررا مخيفا.. تهمس بهوس
-بنت ال**** بنت ال**** راح تشيل ابن الشيخ من جديد.. تضرب خدها بهوس مغيب وهي تكرر..
-راح تترس البيت جهال واني عاقر الشيخ ما يقرب مني الا بالسنه مره.. وهي ليالي الشيخ صارت كلها الها.. تعود و تضرب خدها بمقت وجنون و تدور حولها بدوران وقد غيبها حقدها .
. و نرجس الفاهيه قابله .. اي طبعا.. ظامنه كلشي .. اوف ياقهري وين اروح.. شسوي قالتها وعادت تدور حول نفسها.. تنظر حولها بجنون و لوثه عقلية ما اصابتها... نيران تشب ولا تنطفىء فيها.. تعود وتضرب خدها عندما تتذكر صبا مهين.. تتخيلها بثوبها الاحمر الحريري الطويل.. و تتذكر نظرات الشيخ التي تتبعها اينما حلت دون خجل... فتحترق فعليا بغضبها.. تعود و تقف امام مرأتها تنظر لنفسها بشرود.. ثم تهمس بشر
-بسيطة مهين.. هو لو اني... لو انتي بهالبيت... فاهية قابل اني مثل نرجس.. اخلي الساحه الج براحتج.. بسيطه
بعد وقت.. مجلس الرجال
ساهما و مثقلا بهموم.. لا هم واحد.. يشعر انه يعيش كابوسا مريعا.. لا صحوة منه.. كابوس سيرافقه بقية ايامه التي بات يشعر انه فقد كل طعمها و لذتها.. علي و جعفر.. اول فرحة.. قرة عين.. وفلذة كبد.. فقدهما برمشة عين.. و ذاك.. الوجع الذي لا يهدء.. الحزن الذي لا يصغر..راضي.. فيهز رأسه وجعا فور ان تذكره.. يغمض عينيه مستغفرا.. محوقلا.. يحاول ان يهدء و يبعد بعزم غيمة الجزع عنه.. يدفعها بقوة مستعيذا من الشيطان الرجيم.. فحاله يحتاج منه القوه.. حمل عائلته يستوجب منه القوة و الصلابة و هو رجل مؤمن.. يؤمن بقضاء الله و قدره.. يؤمن ان الله جل جلاله يختبره في اعز ما يملك.. وهو قد اختبر بفقدان الضنى و فقدان السند.. راضي كان ولدا لم ينجبه.. وصية والده.. يتنهد بحرقه و يمسح وجهه.. يستغفر كثيرا فيشعر بجلوس مشعان بجانبه يحدثه
-ابو علي.. الوضع رتبته الك.. اسم راضي قدمت عليه تظلم لان اوراقه مستوفيه وراح بيها غلط.. اما الاولاد فيرفع احمد كفه مقاطعا بحزن شديد قائلا بحزن لا يخفيه
-كل اوراقهم يمي ما ناقص اي شي .. انته تدري همه ما طلعوا لمكان.. راحوا يودون كتاب لصديقهم بالدوام بنفس حينا.. بعد كم بيت عن بيتنا... و انفقدوا.. لذلك ماكو اي شي يثبت اسمائهم حتى اعمارهم صغيرة وهاي شوفة عينك بقينا شگد نسأل عليهم خاصة انته و جماعتك.. ما وصلنا لشي.. معناته ما معروفين.. راحوا ويه الراحوا.. راحوا و همه تحت رحمة رب العالمين... وانته هم للاحتياط خليتهم يتسجلون بغير اسماء ..اخفيت الموضوع و انتهينا منه ما اظن ينفتح بعد. يصمت و يصمت مشعان ثم يهمس له
- حتى بيت ***** من دخلوا بي الجماعه لگوا ملف كامل عن علي و جعفر... لكن الملف ما متسلم... يهز احمد رأسه بتفهم وهو يتذكر مقتل والد سحر.. لقد قتل اعداما.. وقد علقت جثته امام باب بيته.. لقد وصلت اخباره الى احمد فجر الليلة التي عاد فيها الى منزل الشيخ.. اخبره مشعان صباحا ان والد سحر وجد مقتولا وقد مثلت بجثته و علقت على باب بيته.. ولم يحزن عليه احد.. حتى قوات الامن لم تقم وزنا لمقتله.... عميل عاش خسيسا و مات ذليلا بخزي وعار.. يكمل مشعان بهدوء وهو يراقب اولاده مع اعمامهم مختار و رضوان يمدون سفرة الغداء
- المهم انه اخوك الجبير اشوف البيت تعوفه ما تبيعه حتى لا تلفت نظر الك.. اشتري بيت جديد و اذا تريد اول فترة خلي بأسمي و بعدين انقله الك.. و حتى محلاتك مستعد ادخل شريك ابو علي و اذا تأمن بيه و تشوف اكو ضرر عليك اني حاضر و بالخدمة.. خلي بأسمي.. اخيك و برسم الخدمة.. فيربت احمد على فخذ مشعان بمودة تامه هامسا له بأمتنان خالص
-ما تقصر.. بيض الله وجهك و وجه والديك.. افضالكم غرگتني و اتمنى رب العالمين يمد بيه العمر و اردها الكم.. فيجيبه مشعان باسما بأعتزاز
-عزيز و غالي ابو علي... عزيز و غالي فيصمت احمد ويعود للتفكيربصمت .. راغدة لا تعينه وهو لا يعتب عليها ابدا... والدة فقدت قطعة منها.. بل قطعتين... فكيف يعتب عليها... يحزنه حالها.. و يحزنه انه لا يستطيع ان يخفف عنها كثيرا.. فهي تعتصم بجانب النساء طوال الوقت..وهو هنا في جانب الرجال.. قد عفت نفسه عن كل متاع و زينه.. يحزن قلبه وهو يتأمل اولاده.. يراهم كالايتام بين الاطفال... فراغدة ساهية عنهم و شهناز من تقوم بهم وقد صممت ان تبقى هنا رغم ان ناصر قد بدء فعليا بالانتقال الى بغداد جاء الى هنا بغية اخذها لكنها كل مرة ترفض بأصرار ليس غريبا عليها... احتوت اولاده كخالة... و ساندت زوجته كأخت وفيه مخلصه.. لا تتعب ولا تتذمر.. تحدثه احيانا من الحد الفاصل بين المجلسين.. تخبره بوضع راغدة.. خاصة عندما كانت تشتد عليها نوبات الاختناق.. وهو يخجل من التجاوز و الدخول الى الداخل بسبب اكتضاض منزل الشيخ بالنسوة.. و راغدة لا تساعد ولا تعين... معتكفه في مكانها كما تخبره شهناز دوما...
ينتبه لاولاده فيفتح ذراعية بمحبة لمهاب الوقور جدا نسبة لعمره ذو السبعة اعوام و وسامته المفرطه تجذب الانظار اليه.. نظراته حادة و حاجبه مرسوم بدقة غريبة .. انفه دقيق و فمه رقيق محمر دوما.. بياضه مشربا بحمره تضايقه كثيرا ولطالما اثارت ضحك راغدة و احمد... يليه خالد ذو الخمسه اعوام.. مرحا ضحوك.. بل ان من يراه لابد له ان يضحك.. فعلاوه على شقاوته.. كان منظره المحبب يدخل القلب دون استئذان.. فشعره اشقر لا يعلم من اين ورثه.. يلتف بشكل مضحك بلفافات شقراء.. عينيه رمادية غامقه.. اما بشرته فكانت سمراء خمريه.. كان مزيجا مذهلا محببا في نفس الوقت.. كحال شخصيته رغم انه لم يكن سوى طفل الا انه كان يملك من الفطنه الكثير.. حنون جدا على والدته الباكية دوما.. مراعي دوما اخوته الصغار فارس و ياسر .. بل انه ينتبه عليهم بشكل يثير الاعجاب.. وقد شعر هو مهاب انهم باتوا مسؤلين عن بعضهم البعض بشكل غريب.. رباط شفاف قوي يربطهم.. فكاون يحلقون حول احمد كسد منيع... و حول راغدة بحنان و عطف يذيب القلب..
يجلس خالد على حجر احمد وهو يقبل خده.. فيتنشق احمد رائحته العطرة الطيبة فيهمس له بمحبة ابوية صافية
-ريحتك طيبة شنو عريسنا غاسل اليوم و يدغدغ بطن خالد بموده فيضحك خالد وهو يجيبه
-ماما غسلتلي و غدتني و بدلتلي.. و دزتني يمك تگول عيب نگعد ويه النسوان
فيعقد احمد حاجبيه مستغربا فيسأله للتأكد
-ماما! فيصمت خالد وهو يقبل خد والده ضاحكا.. و يجيبه مهاب باسما
-اي بابا ماما و اني ما قبلت اتغدى گتلها اروح بمجلس الزلم ماريد غدى النسوان.. فيصمت احمد يسرح بفكره و امنيه تداعب قلبه.. ان تعود ايامهم صافية كسابق عهدها.. ان تعود راغدة و ان يعود هو احمد براحة البال التي فقداها.. لكنه يعلم ان هذا محال.. فسهم الحزن اصاب قلبيهما معا.. ومهما مرت من ايام.. مهما مرت من سنين. سيبقى الوجع ذاته.. سيبقى عمقه ذاته.. الذي سيختلف فقط.. هو طريقة تعاملهم مع هذا الحزن الطاغي.. طريقة التراقص معه دون صدام..
بعد ايام.. احدى الليالي
تجلس راغدة وقد تخلت عن حجابها.. وقد حلت شعرها.. الاسود الفاحم.. فأنسدل بجمال اخاذ حتى اعلى صدرها بتموجات جميله رغم نعومته الا انه كان كثيفا مبهرا.. وجهها منير كالبدر و عينيها تبتسم رغم الحزن الشفاف تجلس بجانبها شهناز وقد تخلت عن حجابها هي الاخرى وقد رفعت شعرها بكعكة رقيقة.. امامهن عدة الشاي و بعض المكسرات المملحه.. و قد نام اولاد راغدة.. فعم الهدوء المكان.. عدى اصواتهن التي ترتفع احيانا بالحديث الهامس... وقد رافقتهن نرجس تسهر معهن باسمه.. وقد استرخت في جلوسها.. تمد ساقيها بأريحيه تكمل حديثها
- لذلك عمتي روحها من الدنيا الشيخ فاضل.. رغم ان الشيخ الجبير الله يرحمه عنده اولاد هواي .. بس من غير نسوان.. عنده ابو سلام قريب على الشيخ هواي.. و ابو عدنان.. هم قريب على الشيخ الباقين متطشرين بأرض الله الواسعه.. يجون بالاعياد و المناسبات... فتهمس شهناز وهي تتناول كأس شايها ترتشف منه
↚
-ماشاء الله عائلتكم كبيرة بس شلون ترهم نرجس انتي مو مرة الشيخ الاولى؟
فتجيبها نرجس باسمه
-لا.. الشيخ متزوج قبلي.. من الاولى عنده مشعان و رضوان.. و توفت الله يرحمها جانت مره جبيره و حيل طيبة.. هي تصير مرة اخوه للشيخ.. الله يرحمه اسمه شيخ محمد.. مات بمرض ورى زواجه من ام مشعان.. و عافها ارمله.. جانت بنت شيوخ الله يرحمها.. بوقتها زوجوها من الشيخ فاضل رغم فرق السن بينهم.. و الشيخ فاضل جان توه خاط شاربه( شاب صغير).. تزوجها و جابت منه مشعان و رضوان و بولادتها برضوان توفت..جانت مره جبيره.. ورى سنين اخذني الشيخ.... هم مو برغبته.. بنت عمه و رجلي الله يرحمه توفى بدگة عشاير (نزاع).. تزوجته و صار عندي مختار و سارة و قيس... بس الناس يصيحولي ام رضوان احتراما و عبالهم رضوان ابني و هو ابني الله يشهد... فتبتسم شهناز و بحس فكاهي تقول
-الله يساعد الشيخ فتضحك راغدة لاول مره وهي تقرص شهناز التي فزت من مكانها ترمق راغدة تصطنع الغضب وهي تقول
-يابه شگلنا.. مستلمات الشيخ ...الله يساعده و اني اگول ليش صاير من حصة هالفقيرة مهين.. حقه الرجال صاير حامي الحمى فتضربها هذه المره راغدة على فخذها وهي تعض شفتيها تهمس لها
- ولج عيب مرته گاعده گدامج.. فتضحك نرجس بصفاء سريرة وهي تقول
-عادي راغدة ما گالت شي غلط الشيخ الله يحفظة ما مقصر ويانا كلنا.. حتى نظمية الي ما يعجبها العجب ما مقصر وياها... بس للصدگ مهين عدها مكانه يم الشيخ.. واني هم شوفة عينكم ما امانع ابد.. الشيخ اخذنا كلنا مجبر حتى مهين.. بس الفرق مهين صغيرة و حلوة و اجت على مرام الشيخ و بكر مو ثيب مثلنا.. ليش امانع طالما الشيخ فوگ راسنا
فتنتبه راغدة و تسأل مرتشفةشايها
-ليش نظمية فتكمل نرجس متنهدة
-لا نظمية مطلقه.. فتحت راس رجلها بليلة من الليالي و طلگها بليلة ظلمة.. صار بينهم نقاش وهي هم حطي و ضربي .. فتحت راسه للرجال .. و رجعت لابوها وهي وحيدة ابوها.. فتمتم شهناز مجددا وهي ترتشف شايها
-مو اگلكم الله يساعد الشيخ.. نسرة.. مو مره.. زين شلون فتحت راسه؟ فتضحك نرجس وهي تعيد كأس شايها الفارغ امامها و تقول
-بالكرك ( اداة زراعة تستخدم لتقليب التربة)... فترفع شهناز حاجبيها تعجبا و تهز راغده راسها تفهما لطبيعة نظمية الحادة المخيفه احيانا.. فهي تتحاشاها تماما.. بل تنفر منها و من نظراتها الحاقده.. تهمس نرجس وهي سارحه
- سبحان الله جنت اتمنى بنية بعد.. سارة الله يرضى عليها مرضية هواي بس اني من اخير اسقاط بعد ما صار عندي... فتتنهد شهناز وتسرح بفكرها.. و تذهب يدها دون ان تشعر الى بطنها تدعو الله في سرها .. ان يرزقها رائحة الطفل فهو القادر على كل شيء.. يقطع افكارها صوت نرجس
- اليوم قيس گال بيج قصيدة راغدة.. فتضحك راغدة وهي تضع كفها برقه على فمها و تضحك معها شهناز وهي تقول
-هو ابنج سالمه منه وحده.. يمشي و يذب حجايات ولا كأن عمره قريب السبعه.. فتضحك نرجس وهي تقول
-اليوم من راد ينام گلي يمه اريد عروسه مثل خالة راغدة.. فتضرب راغدة خدها برقه و تهمس بوجنة محمرة حياءط
-عزه نرجس ابنج مصيبه.. والله بعد ما انزع حجابي گدامه... عيونه تحجي حجي الله يعين الي تاخذه... فتضحك شهناز و نرجس سوية وهن يشاهدن خجل راغدة... فتعود راغدة وهي تهمس بجدية
-والله رغم الله يحفظة ثگيل تگولين رجال صغير.. حجاياته اكبر منه و سوالفه سوالف مجالس بس كارثي من هسه بموضوع النسوان.. فتهمس شهناز وهي تتناول حبات لوز مملح تقول بيقين
-من شابه اباه ما ظلم امه.. حبيب الولد ليش نستغرب .. ينطينا الله عمر و نشوف الي يحبها . فتبتسم راغدة بحزن و تبتلع ريقها.. تنظر الى كفها وهي تحاول ان تكتم غصة تقول بخفوت
-هواي متعلق براضي الله يرحمه و يجعل مثواه الجنه.. هواي حجالي عنه الله يحفظه.. حتى الشعر راضي معلمه الفصيح منه.. فتصمت نرجس بحزن و تبتلع شهناز ريقها وهي تضع حبات اللوز امامها وقد فقدت لذتها بها.. راضي و علي و جعفر.. غصة.. يحاولن جهدهن هي و راغدة الالتفاف عليها.. عدم الانصياع لها.. ثلاث اشهر مرت و الوجع نفسه... و الالم نفسه لا فرق سوى تقبلهن للواقع الحزين... و التصنع احيانا..... الا ان الوجع لا يزال ذاته في نفوسهن
تهمس نرجس
-راح اشتاقلجن.... هواي تعودت عليجن... فتبتسم راغدة بحزن وهي تمد يدها تمسك بيد نرجس امامها تشد عليها بأمتنان عفوي
-واحنه هم نرجس.. بس صار الوقت نرجع و نحاول نصلح الخراب الي موجود بينا.. اكذب اذا اگول تخطيت و نسيت.. الي صار غصة تموتني كل يوم بعدد اللحظات و الثواني... بس مجبره امشي.. تصمت راغدة وقتا.. ثم تهز رأسها رفضا لما تمر به.. فتشعر بيد شهناز تواسيها.. تربت على ظهرها.. و نرجس تشد على يدها بمؤازرة وهي تهمس
- الله يرحم الماضين راغدة.. الصبر يا حبيبتي.. لا تفقدين الاجر بالجزع.. الله يصبر قلبج.. و يعينج يا نور عيني..
و ينفض مجلسهن تلك الليلة.. كل واحده منهن في قلبها امنيات و دعوات.. فنرجس تتمنى الحمل قريبا و شهناز تتمنى رائحة طفل يغمرانفاسها.. اما راغدة.. فكل ما كانت تتمناه هو النسيان..تحتسب اولادها عند الله شهداء شفعاء.. فتصبر نفسها و تدعو الله مجددا ان يهبها نعمة النسيان.. تتمنى فقط النسيان وهذا ما لا تستطيعه ولا تقواه..
بعد ايام..
تجلس بهيبة مصطنعه.. ترمق المرأه الشاحبه امامها.. وجهها لا نورانية فيه ابدا.. بل قبيح .. يثير في النفس نفورا و اشمئزاز.. تمد يدها بجشع معتاد قائلة بصوت مزعج
-ايدج على الاتفاق قبل ما اسلمج اي شي.. فتصمت نظمية ترمقها بحقد و كره
-اول شي اشوف شنو سويتي.. نفذتي الي طلبته.. فتتذمر المرأه امامها قائلة بوقاحة
-شتشوفين؟ تردين تجربين ما عندي مانع؟ مثل ما طلبتي و اكثر.. يموت الجنين بساعته.. فتكرر نظمية بتفكير وهي تحك ذقنها شاردة الذهن
-يموت الجنين؟؟
فتعقد المرأه حاجبيها بتساؤل وهي تقول
-اي انتي مو طلبتي شي ينزل الجنين؟ ترديها تحمل اول و تحس بالجنين بعدين يموت؟ مو ؟ فتهمس نظمية بموافقه سريعة وقد التمعت عينيها برضى خالص وهي تكرر
-اي.. اي اريدها تضوگ الفرحه بعدين يموت الي شايلته.. فتهز المرأه رأسها بموافقه
-اي هذا هو.. مرة وحده شربيها و خلص... ما تحتاج اكثر.. كلما تشيل نطفه تنزل ورى كم شهر .. فترمقها نظمية بنظرة منتصرة وهي تقول
-اعتمد عليج يعني! فتجيبها تلك وهي مشغولة بأخراج السائل الاصفر
-ولا يهمج.. مرة و حده و كلما شالت نطفه تموت ورى كم شهر .. اكيد اكيد... فتضحك نظمية بفرح.. تنقد المرأه التي تتعامل بالسحر الاسود امامها بمبلغ وقدره.. و تتشكر منها... تخرج مسرعة تحمل كنزها الثمين ..تعد نفسها بأيام ممتعه مع مهين و مصائب مهين...
بعد ايام
لحظات وداعها مع نسوة الشيخ فاضل كانت لحظات لا تنسى.. كانوا لها اهلا و سند.. عون ونعم العون في ساعة الشدة.... خاصة الحاجه صفيه... التي انحنت راغدة دون خجل تقبل كفيها و رأسها بموده خالصه.. ثم تحتضن نرجس و مهين بمحبه وهي تبكي تشكرهم على حسن ضيافتهم وصبرهم .. فقد عاملوهن كالاميرات هي و شهناز.. رغباتهم منفذه و طلباتهم وان عدمت.. اوامر.. تقف نظمية ترمق راغدة بسخط و شيء من الغيرة وهي تراها بعودها الطويل الرشيق.. تلتف بعباءة رأس و حجاب اسود ابرز ملاحة معانيها.. يحيطونها اولادها الصغار وقد ساعدتها شهناز بحمل ياسر ذو العامين وقد غرق في نومه في هذا الصباح الباكر..
تهمس لها نرجس في اذنها
-سويت تمتوعه ( عدة الاكل الخاص بالسفر) الكم حبيبتي راغدة ان شاء الله بيتكم ببغداد ما عايز شي.. كله جاهز.. مختار وليدج طالع وياكم الي تحتاجوه ابد لا تترددون.. طلبوه من عنده ادري ابو علي راح يكون مشغول شوية.. فتبتسم راغدة بأمتنان
-عاشت ايدج حبيبتي.. صاحبة واجب.. الله يقدرنا و نرد جمايلكم الي غرگتنا.. فترد نرجس بمودة
-لا تگولين هيج.. بيت الشيخ بيتكم راغدة وهنا خواتج.. الله يجعل بيتكم الجديد عتبة خير عليكم.. فتتنهد راغدة وهي تدعو الله ان يكون كذلك.. فهي تعلم ان احمد بذل جهدا حتى يبدء من جديد.. ناصر كذلك قد انتقل الى جوارهم فهو لا يستطيع البقاء في المدينة وحده.. فحتى صالح انتقل مع نسائه الى بغداد و قد اسكن كل واحدة بيتا حفاظا على هدوء اعصابه و راحة باله... فسعاد لم تتقبل زوجته الثانية ابدا.. و الاخيرة لا تقصر من حيث اختلاق المشاكل ..لذلك لسلامته قرر ان يسكن كل واحدة منهن بيتا وقد اختار الاخوة جميعا السكن في ذات الحي.. احد أحياء بغداد الهادئه العريقة و البعيدة عن ضوضاء المدينة
تستقر راغدة في منزلها الجديد بعد مدة .. بيت واسع بحديقه كبيرة .. تبذل جهدها ان تبدء حياة جديدة.. ورغم سوء الوضع الأمني انذاك الا ان الحياة كانت زاهرة بالنسبة لهم في بغداد..
أحمد الذي للصدفه كان قد حول ال**** و امواله بالعملة المحلية الى ذهب.. و كذلك حال ناصر بعد ان اشار احمد اليه بذلك , لم يتضررا كثيرا خاصه بعد سقوط العملة العراقية الى ادنى مستوى...اما صالح فخيره كان في أرضه وقد تحول التصدير الذي كان يقوم به إلى توريد داخلي.. اضافة الى مساعدة احمد و ناصر الماديه.. فبقي وضعهم مستقر نوعا ما. ... هذا لا يعني ان العراق كان في أحسن اوضاعه.. فالوضع المادي كان حرجا بائسا بسبب الحصار الاقتصادي و المضايقات الامنية.. ولم يزدد الفقير الا فقرا مدقعا زاده الضغط و الحصار السياسي المرعب الذي كان يجهز على انفاس المواطن العراقي.. و اشد المدن التي كانت تعاني ذاك الوقت.. هي مدن الجنوب.. تعسفا و فقرا هد البقية الباقية من البنيان المتين لتلك المناطق
صباح احدى الايام.. كانت شهناز ضيفه على الغداء.. وقد جاءت مبكرا.. كي تساعد راغدة.. في اعداد وجبة الطعام..التي نوت راغدة ان يهدى ثواب بذلها لروح راضي و علي و جعفر.. وقتها كانت راغدة منهمكة بأعداد الطعام و تحدثها بين وقت واخر شهناز عن اخبار صالح
- الله يساعده...هاي المره الثانيه الي تسقط مرته الجديده.. يگولون رحمها ما يشيل.. فتصمت راغدة ثم تهمس بهدوء وهي تحرك الارز الابيض قبل ان تخفض النار كي ينضج
- الله يرزقه الذرية.. هو اخذها علمود الولد و سبحان الله ولا يثبت حملها.. بس هي هم الله يحفظها مستعجله.. لازم بين كل اسقاط و الثاني تاخذ استراحه حتى الرحم يعدل نفسه.. هي تريد بسرعه بسرعه.. فتقول شهناز وهي تقف تحمل بيدها انواع الخضار للسلطه.. تقوم بغسلهم بدقة
-تريد تلحگ.. تدرين صالح مزاجي ماله خلگ وقبل ان تكمل رن جرس الباب بشكل متواصل.. فنظرت شهناز مستغربه الى راغدة وهي تعقد حاجبيها
-منتظره احد؟ هذا مو وقت ابو علي ولا ناصر.. بعد وقت على جيتهم فتهز راغدة رأسها بحيرة وهي تنشف يدها في منشفه مخصصه بالمطبخ.. قبل ان تتجه الى عباءة رأسها تضعها على رأسها و تخرج من باب المطبخ المطل بشكل جانبي على ممر المنزل الواسع الرخامي المعشق بشكل جذاب بالوان عديدة.. تلحق بها شهناز بعد ان وضعت عبائتها هي الاخرى على رأسها وقد اثار الجرس اهتمامها.. فراغدة لا علاقة لها مع الجيران.. بل ان منزلهم متطرف يقع نهاية الحي..
بعد وقت
تجلس راغدة هادئه برزانه و بجانبها شهناز الواجمة.. تتأمل المرأه القوية امامها.. امرأه جميلة فاتنه.. رغم كبر سنها.. ممتلئة القوام.. تضع ( شيلة) من قماش معروف فاخر.. وقد فتحتها.. فبان لون شعرها النحاسي المصبوغ حديثا.. و جمال وجهها رغم ملامحه الصارمة.. تضع عبائتها العراقية على كتفها وقد تدلت من جانبي العباءه بقماشها الفاخر سلاسل من الذهب الخالص.. تنتهي ب كرات ذهبية فخمة تعرف عراقيا ب ( بلابيل) او (العميلة) .. تدل على غنى صاحبتها و رفعة شأنها..
كانت امرأه قوية.. تظهر ملامح السطوة و القوة على ملامحها البيضاء المحمره... لا وجود لملاح فقد او حزن .. فهي قد فقدت زوجها ايضا منذ عدة اشهر.. لكن ملامحها الصارمة تخبر انها امرأه قوية لا وجود للحزن في حياتها . تحمل بيدها طفل رضيع.. لف بقماط ابيض فاخر... استخوذ بفضول منذ اللحظة الاولى على اهتمام راغدة و شهناز..
- هذا ابنكم.. سحر جابت قبل شهر تقريبا و انتم احق بي منا.. تصمت و هي تتأمل وجه راغدة و شهناز و تكمل
- حتى اسم ما سميناه..سحر مسافرة.. واني حبيت اجيبلكم الامانه و الوجه من الوجه ابيض.. بنيتي حللتكم و وهبتكم كل حقوقها ...وهذا ابنكم قالتها وهي تمد بالطفل الرضيع لراغدة.. و تكمل .. ربوا انتو ومايكم يتصافى بينكم.. بنيتي بعدها صغيرة.. والف واحد يتمنى ظفرها... فتمد راغدة يدها نحو الطفل الرضيع.. يعتصرها قلبها حزنا.. فهذا بقية راضي.. طفل راضي... رائحته.. تنهمر دموع راغدة وهي تسمي على الرضيع و تتبعها شهناز التي لم تخفي دموعها ولا صوتها وهي تسبح الرحمن.. فالطفل جميل.. جميل جدا.. لكنه قطعة حمراء.. بريئه
تقف والدة سحر وهي تجمع عبائتها حولها تقول ببرود
-الامانة وصلت والي عليه سويته.. ياريت تنسون بنتي سحر مثل ماهي راح تنساكم.. و ابنكم اذا سأل عنها.. گولوله ماتت.. مثل ما مات ابوه..
وخرجت والدة سحر وقد طوت سحر بيدها صفحتها و خرجت من حياة احمد و عائلته... لكنها تركت فيها ثمرة.. اسمها.. سيف..