📌 روايات متفرقة

رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2 بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2 بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2

رواية اسي الهجران بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الثاني 2

مشعل ألقى جملته وكأنه يزيح هما عن كاهله: أنا أفكر أتزوج مرة ثانية..

لطيفة مازالت لم تستوعب.. وكأن الخطاب غير موجه لها
وكأن المتحدث ليس زوجها..

أحرفها مقطعة تائهة:

أنت.. أنت تبي تزوج علي أنا؟؟ أنا ؟؟؟؟!!!!! علي أنا؟؟!!


فكرة الزواج كانت تطوف ببال مشعل منذ زمن..
ليس هناك امرأة معينة في باله..

ولكن في مجال عمل مشعل المتحرك
يقابل يوميا عشرات النساء الناجحات قويات الشخصية
وسيدات أعمال يدرن شركات ضخمة بكل براعة وثقة..

هؤلاء السيدات فتحن عين مشعل على سبب عدم تقبله للطيفة
رغم عشرة السنين..
يريد امرأة من هذا النوع..
امرأة قوية واثقة تعرف كيف تدير حوارا ذكيا..
تقف أمامه ندا..
فلا يعقل أن يكون هو بكل قوة الشخصية والثقة هذه
وزوجته امرأة سلبية مسالمة لا يوجد أي تكافؤ بين شخصيته وشخصيتها؟!!..

نعم الرجل يحب أن يكون هو المسيطر..
لكن إذا وجد امرأة سلمت له كل المقاليد من البداية
فأين متعة السيطرة ؟!!

هو لا يفكر أن يتزوج فورا أو قريبا
هي مجرد فكرة تطوف بباله وينوي تنفيذها في الوقت المناسب
ولكنه –في اعتقاده- ظن أن لطيفة لابد أن تعلم بأفكاره وتتهيأ لها
من باب احترامه لها ولنفسه
فهو يرى أنه لا بأس أن يتزوج أخرى تتناسب مع تفكيره
وتبقى لطيفة هي زوجته الأولى وابنة عمه وأم أولاده
ولها احترامها وتقديرها كما كانت طيلة السنوات الماضية


لطيفة تكرر جملتها وهي تسحب نفسا عميقا:
مشعل جاوبني.. أنت تبي تتزوج علي؟؟

مشعل بهدوء: إيه.. أفكر

لطيفة سحبت نفساً أعمقَ وهي تقول بهدوء:

مشـــعــل اطـــلــع بـــرا بــيــتــي..


مشعل اعتقد إنه سمع خطأ: وش تقولين؟؟

لطيفة بغضب رغم أنها تحاول السيطرة على نفسها:
أقول اطلع برا بيتي..

ثم أكملت بسخرية مريرة:
ورتب شنطتك بنفسك.. لأن الخدامة اللي اسمها زوجتك قدمت استقالتها

مشعل مازال غير مستوعب ما تقوله: لطيفة أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟

لطيفة ثارت ثورة عارمة غير مسبوقة..
لأول مرة تثور.. كانت تصرخ بعنفوان
كانت أشبه ببركان خامد.. ثارت حممه فجأة لتغرق كل ما جاورها :
أنا كنت مجنونة وعقلت
13 سنة وأنا شايلتك على رأسي.. حبيتك حب ما عمر مره حبته لرجّالها
صبرت على برودك معي.. صبرت على بخلك بمشاعرك
صبرت على تجاهلك لي كني طوفة قدامك
كل شيء صبرت عليه عشانك
وأنا أسكب مشاعري اللي كانت بدون قيمة عندك
وأحط قلبي بين يديك

خذتني عمري 18 سنة توني مخلصة ثانوية..
قلت لك يا مشعل أنا نسبتي 93 وأبي أدخل جامعة
قلت لي: المره مالها إلا بيتها..
قلت لك: إن شاء الله..
مهوب سلبية مني..
لكن من كثر ماكنت أحبك وما أبي شيء يزعلك مني

وكنت كل ماقلت لي شيء
قلت لك إن شاء الله، وحاضر، وتم، وتامر
وعمري ماكسرت لك كلمة
وهذي أخرتها.. هذا ردك عليّ؟!!

الله يلعن الحب اللي ذلني لك.. وخلاك تدوس على رقبتي
جاي تقول لي أنا أبي أتزوج.. وبكل برود
كنك تقولها للكرسي اللي قدامك
ما كنك تكلم زوجتك اللي أنت عارف ومتأكد إنها تتنفس هواك
لكن وش يهمك أنت؟؟!!
هي تتنفس هواك.. وأنت عطها من قسوتك وبرودك على رأسها!!
لأنها بدون قيمة عندك..لا هي ولا مشاعرها

لو كنت أنا مقصرة في حقك في نص شيء، مهوب شيء..
نص شيء.. كان يمكن بغبائي أدور لك عذر

بس أنا عمري ماقصرت في حقك ولا بأقل شيء.. واخرتها تبي تتزوج..
روح تزوج يابو محمد..روح
وبدل الوحدة تزوج عشر..
بس بيتي يتعذرك..
اطلع ..
اطلع ما أبي أشوف وجهك قدامي
أنت أصلا ما تستاهلني.. ولا تستاهل حبي لك


مشعل كان مصدوما وغير مستوعب..
أولا من الكلام الحاد الذي تقذقه فوق رأسه
وثانيا من رفعها لصوتها

(معقول هذي لطيفة!!
عمري ما تخيلت إنها تعرف ترفع صوتها..
عمري أصلا ما تخيلت إن حبالها الصوتية تمتلك هذي الدرجة العالية من الصوت
وعمري ما تخيلت إنها كاتمة في قلبها كل هذا
أو حتى تعرف تتكلم بهذي الطريقة الحادة القوية)

كان مشعل يرى أمامه مخلوقة أخرى
مخلوقة تنتفض كنمرة مفترسة
كانت لطيفة تنتفض من الغضب
وكلماتها تخرج متدافعة كطلقات رصاص متلاحقة

ومشعل يتأملها بدهشة..
ارتعاش فكها
لمعة عينيها
اهتزار جسدها بعنف..

"هي كانت حلوة كذا طول عمرها؟؟!!
أو أنا اللي ما كنت أشوف؟؟!!"

كانت عينا مشعل تجول بلطيفة بتمعن
وكأنه يراها للمرة الأولى
يتمعن فيها جزءا جزءا
وعيناه ترتحلان بين تفاصيل جسدها تفصيلا تفصيلا
لتسكن نظراته على شفتيها المرتعشتين غضبا وانفعالا
والكلمات تتدافع عبرهما كسيل كاسح ناري منهمر

"نعنبو.. وش ذا الشفايف الموت اللي عندها؟!!"

شعر مشعل برغبة عارمة مجنونة أن يسكتها بقبلة طويلة
يطفيء بها ولعه الذي شعر به يجتاحه فجأة.. وبعنف..وبدون منطقية

وكأنه لم يحفظ تضاريس هاتين الشفتين طوال السنوات الماضية
ما الجديد بهما هذه المرة؟؟
لِـمَ يشعر برغبة جارفةٍ لم يشعر بشيء شبيه لها قبلا؟!!
لِـمَ تقتله الرغبة في تقبيل هاتين الشفتين المرتعشتين ؟!!

ولكن يستحيل أن يفعلها..
أ يذل نفسه لها، وهي تطعنه بكل هذا السيل من الكلمات؟!!

لطيفة تستكمل ثورتها: مشعل اطلع من بيتي
أنا ما أبي اشوفك..
أنا ماراح أقول لك طلقني
عشان عيالي مهوب عشانك
لكن من اليوم مالك أي حق علي.. تبي تجي للبيت
تجي تشوف عيالك وتطلع..
مثلك مثل أي ضيف
وغير مرغوب فيه بعد
أطلع.. يالله اطلع الحين
ماني بمستحملة أشوفك قدامي ولا دقيقة وحدة
اطلع.. اطلع

مشعل مازال مستغربا ثورتها.. لكنه يعتقدها ثورة وقتية:
خلاص لطيفة خلاص هدي..هدي
أنا ماقلت أني أبي أتزوج الحين..
أنا أفكر أتزوج.. وشفت إنه حقش إنش تعرفين

لطيفة بثورة هادرة أحد.. كسيل جارف اكتسح كل السدود:
صدق ماشفت مثل وقاحتك
تقتل القتيل وتمشي في جنازته
حقي أعرف الخبر اللي بينشر السعادة في روحي يعني؟!
وش أعرف يا مشعل؟؟ وش أعرف؟
إنك خنتني وتفكر تتزوج غيري
وش أعرف؟؟
إني ما أسوى عندك شيء؟؟
وش أعرف؟؟
إنه مره ثانية بتشاركني فيك
يا سلام على الخبر اللي أنت جاي تتحفني فيه
عمرك أصلا ما اعتبرتني شريكة لحياتك بمعناها الكامل
عمرك ما أشركتني في أفكارك
ولا شكيت لي همومك
دايما مهمشني ومقصيني عن حياتك
كأنك تستكثر علي الجملتين الباردة اللي تمنن فيهم علي

عمرك ماقلت لي إنك تحبني
عمرك ما طيبت خاطري بكلمة
عمري في حياتي ما سمعتك تقول: أنت حلوة
أو هالفستان حلو عليش..
أو حتى سمعت مجاملة صغيرة منك
الحين صار عندك حب الحوار المشترك وتبي تقول لي؟؟
بس تدري مشعل
شكرا على الخبر
وشكرا على أنك اشركتني أخيرا في التفكير معك
حتى لو ما كنت ناوي تتزوج قريب
زين قلت لي
ضاع من عمري 13 سنة
وأنا عايشة على أمل اليوم اللي بينهد السد اللي بيننا
وبلاقي لمشاعري صدى في قلبك
زين قلت لي
خلني ألم مشاعري المبعثرة اللي مالها قيمة
خلني أعرف أن السد اللي أنت بينته بيننا عمره ماراح ينهد
لأن الشيخ مشعل مشاعره بتكون لمره ثانية
خلاص مشعل خلاص
اطلع.. اطلع..
أقول لك ماني بمستحملة شوفتك
اطلع.. اطلع..
مشعل مازال مستغربا ثورتها.. لكنه يعتقدها ثورة وقتية:
خلاص لطيفة خلاص هدي..هدي
أنا ماقلت أني أبي أتزوج الحين..
أنا أفكر أتزوج.. وشفت إنه حقش إنش تعرفين

لطيفة بثورة هادرة أحد.. كسيل جارف اكتسح كل السدود:
صدق ماشفت مثل وقاحتك
تقتل القتيل وتمشي في جنازته
حقي أعرف الخبر اللي بينشر السعادة في روحي يعني؟!
وش أعرف يا مشعل؟؟ وش أعرف؟
إنك خنتني وتفكر تتزوج غيري
وش أعرف؟؟
إني ما أسوى عندك شيء؟؟
وش أعرف؟؟
إنه مره ثانية بتشاركني فيك
يا سلام على الخبر اللي أنت جاي تتحفني فيه
عمرك أصلا ما اعتبرتني شريكة لحياتك بمعناها الكامل
عمرك ما أشركتني في أفكارك
ولا شكيت لي همومك
دايما مهمشني ومقصيني عن حياتك
كأنك تستكثر علي الجملتين الباردة اللي تمنن فيهم علي

عمرك ماقلت لي إنك تحبني
عمرك ما طيبت خاطري بكلمة
عمري في حياتي ما سمعتك تقول: أنت حلوة
أو هالفستان حلو عليش..
أو حتى سمعت مجاملة صغيرة منك
الحين صار عندك حب الحوار المشترك وتبي تقول لي؟؟
بس تدري مشعل
شكرا على الخبر
وشكرا على أنك اشركتني أخيرا في التفكير معك
حتى لو ما كنت ناوي تتزوج قريب
زين قلت لي
ضاع من عمري 13 سنة
وأنا عايشة على أمل اليوم اللي بينهد السد اللي بيننا
وبلاقي لمشاعري صدى في قلبك
زين قلت لي
خلني ألم مشاعري المبعثرة اللي مالها قيمة
خلني أعرف أن السد اللي أنت بينته بيننا عمره ماراح ينهد
لأن الشيخ مشعل مشاعره بتكون لمره ثانية
خلاص مشعل خلاص
اطلع.. اطلع..
أقول لك ماني بمستحملة شوفتك
اطلع.. اطلع..


في موقف حياتي آخر..
لم يكن مشعل ليسكت على هذا السيل الحاد من الكلمات
فمشعل محاور ذكي وواثق
ولا يُغلب في حوار
وكان سيرد هذا السيل بسيل أحد ويقلب الطاولة على محاوره
وخصوصا أن لديه أسبابه التي هو مقتنع بها

ولكن مشعل الآن كان مصدوما بعنف
والصدمة أضاعت الكلمات من بين يديه
لم يخطر بباله ولا حتى لجزء من الثانية أن هذا قد يكون رد فعل لطيفة

توقع أن تصمت..
تبكي..
تقول كلمتي عتب وتسكت..

ولكن هذه لطيفة أخرى.. ليست هي من يعرف..
لا شكلا ولا مضمونا
لم يرها يوما بهذا الجمال الموجع الكاسح!!
ولا بهذه القوة المثيرة الهادرة!!

" لِـمَ لا تقل يا مشعل أن هذه هي لطيفة الحقيقية..
زوجتك التي أعميت عينيك عن رؤيتها؟!"


نهض مشعل وارتدى ملابسه..
شعر بالضياع وهو يبحث له عن حقيبة صغيرة يضع فيها ملابسه
وبضياع أكبر وهو يرتب ملابسه فيها
فهو اعتاد أن تفعل له لطيفة كل شيء

أخذ حقيبته وخرج دون أن يتفوه بأي كلمة
ولطيفة مازالت تقف بجمود وثقة
ما أن خرج.. حتى أغلقت الباب خلفه بالمفتاح
لأنها خشيت أن يعود
ويرى كل قوتها التي تسلحت بها انهارت

وهي تلقي بنفسها على سريرها
و تنخرط في بكاء حاد موجع
بكاء كان مخزنا في روحها المرهقة منذ دهور
كانت تبكي ألما سرمديا كونيا
لا حدود لاتساعه وآلمه الممزق للشرايين
تبكي بحرقة حبيب قلبها
الذي لم يحفظ عشرة السنين..
ولم يقدر مشاعرها التي سفحتها له وبين يديه
تبكي خيانته وتفكيره في سواها
وهي التي ما عرفت للحب معنى سواه
تبكي حبها الكبير العميق الذي اكتشفت أنه لم يكن قيمة

تبكي ثلاثة عشر عاما مرت
كان كل يوم فيها يزيد حب مشعل في قلبها ويتجذر
بينما هو يتباعد أكثر، ليذبحها في الختام أنه يريد أن يكون لأخرى

تبكي مجرد تخيلها مشعل بين أحضان أخرى
أخرى يكون لها الحق في لمس مشعل والنظر إلى ملامحه
تنحرها الغيرة واليأس والحزن

تبكي بُعد مشعل عنها الذي تعلم أنه سيسلخ روحها
فروحها معلقة بهذا المشعل اللعين!!

(لعنة الله على الحب يامشعل..
كم أحبك..
ولكن ..
يكفي يا مشعل..

يكفي..)
صباح اليوم التالي في الدوحة
و ليل ذات اليوم في واشنطن

كانت ليلة طويلة جدا على الكثير من القلوب
حملت السهد..
والسهر..
والكثير من الوجع..
الكثير الكثير منه...
وجع صِرْف..حاد..متوحش


الضحية الأكبر
ذات النصيب الأكبر من مرارة الوجع الذي لا حدود له
لطيفة
المطعونة في عمق قلبها وأنوثتها

مرٌّ هذا الشعور الذي يلتهمها
أن تقضي السنوات
وأنت تذوب حبا لشخص ما
تهتم بنفسك من أجله وحتى تعجبه
وتضغط على نفسك حتى يكون هو سعيدا
وتهتم بأدق تفاصيل حياته
وتعيش على أمل أن يشعر بك يوما

لتكتشف أن كل هذه السنوات ذهبت هباء
لا قيمة لجهودك عنده
ولا صدى لمشاعرك في قلبه
وأنك مجرد حثالة لا قيمة لها..

هكذا كانت تشعر لطيفة!!!



الساعة 8 صباحا في غرفة لطيفة
لم تنم مطلقا
ووجهها منتفخ من آثار البكاء

استحمت لتنشط جسدها المهدود

(حياتي لن تنتهي على أعتاب خيانتك يا مشعل
لدي أطفال ينتظرونني
هم من يهمونني في هذه الحياة
ولدي مخططات أخرى
بعيدا عن تمحور حياتي حولك)

وتنفيذا لأحد هذه المخططات
أخذت لطيفة هاتفها وأرسلت رسالة قصيرة لشخص ما

ثم ذهبت لتوقظ ابنائها لتفطرهم وتبدأ المذاكرة لهم

غصبا عنها: طاف مشعل ببالها
كيف نام البارحة؟؟
فلطالما كان مشعل ابنها الخامس!!

ولكنها نفضت ذكراه من مخيلتها
(يرقد وين مايبي..
خله يروح ينام عند المدام الجديدة
ماعاد لي شغل فيه)

ولكن كان لها (شغل) فيه
ففكرة (المدام) الجديدة أشعلت نارا حارقة في جوفها
مهما حاولت الإنكار!!



**************************


تلا لطيفة في السهد والسهر والوجع واختلاج المشاعر
فارس



قبل ذلك بساعات
بعد صلاة الفجر
بيت فارس بن سعود

فارس يعود من المسجد بعد أن صلى الفجر
لم ينم مطلقا
يشعر أنه منهك ومُستنزف
ويريد إلقاء جسده المتعب على سريره لينام

ولكن هل سيتركه تمزقه وتبعثر مشاعره
بين إهانتها المرة وصوتها الساحر ينام؟!!

لم يشعر يوما بالضياع كما يشعر الآن!!
لطالما كان جبارا واثقا لا يهتز

ماذا فعلت به إهانتها؟؟
ماذا فعل به صوتها؟!!

لم يخطر بباله يوما أن قلبه الصلب ستهزه مشاعر كهذه
مشاعر لذيذة عذبة وشفافة
تماما كصوتها اللذيذ العذب الشفاف

ولكن هل سيترك كبرياءه قلبه على هواه؟!!



*************************


ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
الساعة السادسة والنصف مساء في واشنطن

كان مشعل يعود لبيته من صلاة المغرب في المسجد الملاصق
كان قد خطط في بداية النهار
أن يزور زوجة عمه بعد صلاة العصر
ليرى أحوالهم وإن كانوا يحتاجون شيئا
ولكنه بعد موقفه مع هيا
يشعر بحرج شديد
حتى الآن لا يعلم كيف فقد السيطرة على نفسه لدرجة إمساكها
تصيبه هذه الفتاة بالجنون!!

ما أن فتح باب شقته
حتى رن هاتفه المحمول..
ألتقطه نظر للاسم وابتسم من أعماقه:
هلا والله.. هلا هلا هلا من واشنطن للدوحة.. ولا تكفي

أم مشعل بحنان غامر: أصدق بعدين يأمك..

مشعل بحنان: صدقي جعل عيني ما تبكيش.. أشلونش يالغالية؟؟

أم مشعل بحنان أكبر: طيبة فديتك.. أنت اللي أشلونك؟؟
تاكل زين؟؟ ترقد زين؟؟ تدرس...

مشعل يقاطعها بمرح: والله إن كل شيء زين فديتش..
وش ذا النهار المبارك اللي سمعنا صوتش الحلو..
بالعادة ما تكلموني ذا الحزة..
الساعة مهيب 4 ونص الصبح عندكم الحين؟؟

أم مشعل برقة: بلى.. بس جدتك من يوم درت ببنت ولدها..
ماجاها رقاد تبي تكلمها

توتر مشعل: ذا الحزة؟؟

أم مشعل رجاء: تكفى يا مشعل.. من يوم صلت الفجر
وهي تحن تبي تكلمها
روح لهم وأتصل على تلفون مشاعل
لأني بأروح المطبخ.. ابيك عنده فطور رياجيل..

مشعل يبتسم: ليتني على يمين أبو مشعل بس.. والله ما أخليه يتعب روحه

أم مشعل بحنان: جعلنا مانذوق حزنك يأمك ويردك لنا سالم غانم..
يالله يأمك فديتك.. روح عند بنت عمك.. وخلها تكلم جدتك..


لم يكن مشعل يريد الذهاب لشقة هيا
فهو أصبح يكره رؤية هذه الهيا
التي تستمتع بإيلامه وبمحاولة التقليل من احترامه

ولكنه لا يستطيع رد رغبة جدته الغالية ولو كان في ذلك قطع عنقه
فكيف بأمر سخيف مثل مقابلة ثقيلة الدم المدعوة هيا؟!!



**************************



بيت محمد بن مشعل

ناصر وراكان يعودان سويا
بعد ليلتهما المارثوانية

ليلة كشف الأسرار التي استنزفت كلا منهما
استنزفت راكان بوحا
واستنزفت ناصرا تضامنا

صلوا الفجر في سوق واقف
وأفطروا في مطعم بيروت وأحضروا معهم فطورا للبيت
ووضعوه في المطبخ الداخلي
وصعدا لغرفة مريم

باب غرفة مريم يُطرق
كانت مريم تستعد للنوم بعد أن صلت الفجر

"ادخل"

يُفتح الباب وتدخل خطوات ثقيلة

مريم تبتسم : وين مسربتين الشباب البارحة؟؟
جيت أذهنكم لقيت سرايركم باردة
يعني مابعد نمتوا.. يالله اعترفوا!!

ناصر بمرح: يالله صباح خير.. ترا منتي ببنت عبدالله عشان تحاسبيني
أنا ما يحاسبني إلا المدام فديت عينها

راكان بابتسامة: أم محمد تحاسب اللي تبي..
وكلمتها تمشي على رقبتك ورقبتي

مريم تبتسم بحنان: جعلني ما خلا من عين الناس الذوق..
مهوب الغجر اللي ربي بلا مشاعل فيهم..

ناصر يضحك: دايماً ظالميني.. كني ولد البطة السوداء.. ماكني بأخيكم..

راكان بهمس وهو يميل لمريم: عروستنا وش علومها؟؟

انقبض قلب مريم
فالعنود قضت الليل كله تشهق وتكتم شهقاتها
حتى لا توقظ مريم التي تظنها نائمة..بينما النوم جافاها
(كيف تنام وصغيرتها المدللة العذبة تعاني؟!)

أجابت راكان بهدوء: مستحية شوي.. بس زينة..

راكان بحنان: فديت روحها ماني بمتخيلها مره متزوجة..

ناصر بذات الحنان: ولا أنا.. لا.. وإلا لو تجيب عيال..
أشلون تربيهم وهي بروحها بزر..

مريم برقة: بزر في عيونكم.. بس العنود ما ينخاف عليها.. مره ماشاء الله


*************************


فندق الريتز
الدوحة

مشعل يتمدد على سريره بعد أن صلى الفجر
يشعر بأسى يخنق روحه

لم يخطر بباله ولا حتى في أسوأ أحلامه
أنه قد يُطرد بيته
ومن الذي يطرده؟؟

لطيفة
لطيفة
لطيفة التي بات لا يعرفها
أو ربما لم يتح لنفسه فرصة التعرف عليها
13 عاما وهذه المرأة زوجته
ثم يكتشف أنه لا يعرفها

كلما تذكر ثورتها عليه
يشعر بقشعريرة تجتاح جسده
قشعريرة لا يعلم لها سببا

قشعريرة باردة.. وملتهبة في آن
تهز سلسلة ظهره الفقرية بعنف ككهرباء لاسعة

يتقلب الجسد الضخم المثقل بالهم
يحاول أن يرتب أفكاره
ليجدها تعود للتبعثر

كيف سيتصرف الآن؟؟

لا يستطيع فرض وجوده على لطيفة
لا رجولته ولا كرامته يقبلان ذلك على نفسه

ولا يستطيع أن يعود لبيت أهله
فأي خزي يعود به كشاب مراهق بعد أن أصبح في الثامنة والثلاثين؟!!
لا يحتمل أن تهتز صورته أمام أحد منهم

هل يؤجر له بيتا أو شقة؟؟
ماذا سيقول الناس ؟!!
سيسلخون وجهه سخرية وأقاويل فارغة وإشاعات مغرضة
هو في غنى عنها

"بل أنت كنت في غنى عن هذا كله!!"

(أي مصيبة جلبتها لنفسك يا مشعل؟!!!)

هل يعجل بفكرة الزواج؟؟
حتى لا يتكلم عليه أحد حين يؤجر أو يشتري بيتا!!

أولاده كيف سيبرر غيابه عنهم..
مشتاق للشيطانة الصغيرة المسماة جود
فهو اعتاد أن يمر سريرها كل يوم قبل ذهابه لعمله
ليطبع على وجنتيها المدورتين قبلاته
نعم.. هو كثير الانشغال
ولكنه مغرمٌ بأولاده.. واعتاد على رؤيتهم كل يوم
فكيف سيتقبل فكرة "الضيف غير المرغوب فيه"؟؟

النوم جافاه وعشرات الأفكار تغتاله
أبرزها
فكرة واحدة
اسمها
لطيفة



***********************


الساعة الثامنة صباحا
في بيت مشعل بن محمد


لطيفة في غرفة أولادها توقظهم

محمد يفتح عينيه وهو يقول بنعاس: يمه كم الساعة؟؟

لطيفة بحنان: 8 الصبح

محمد قفز من سريره: يمه الله يهداكم مابعد صليت..
ليش ابي ماقومني أروح معه للمسجد مثل كل يوم..

لطيفة ابتلعت ريقها (بدأ اللي أخاف منه): ابيك عنده شغل ..
عشان كذا يبي ييبي يبات قريب منه

قفز عبودي الصغير الذي كان يسمع: أشلون عنده شغل
هو قايل لي إنه إذا حمود خلص امتحاناته بيودينا النقيان ويخلينا نركب الرينو..

لطيفة تحضن عبودي وهي تحرك شعره بنعومة وتقول بحنان مصفى:
فديت راعي الرينو يا ناس.. بيرجع ويوديكم لا تستعجل على رزقك..
وبعدين يالنصاب ابيكم يوديكم النقيان كل أسبوع
يعني فرقت ذا الأسبوع..

كانت لطيفة تعلم أن مشعل إذا وعد أبناءه فهو لن يخلف..
ولكنها ستحرص ألا تراه حينها..
ستجهز الأولاد وتجعلهم ينزلون له..

هل بدأ قلبك يقسو يا لطيفة؟!!

أ حقا لا تريدين رؤيته؟!!


*****************************




أمام شقة هيا يقف
يشعر أن رؤيتها ثقيلة على نفسه
ولكنه يفعلها من أجل جدته

رن الجرس رنة واحدة
وهو يتمنى ألا تفتح له
حتى يجد عذرا لنفسه
لم يكن يريد أن يراها اليوم بالتحديد بعد ماحدث في الجامعة
كان يريد تأجيل رؤيتها ليوم آخر
ولكنه لم يكد يرن حتى فُتح الباب

كانت باكينام من فتحت
وكانت أصلا على وشك فتح الباب لتغادر
حين رن مشعل الباب..

صُدمت باكينام برؤيته
ولكنها ألقت التحية عليه بأدب
ونزلت باستعجال قبل أن يقفل سكن الطالبات في وجهها

مشعل مازال واقفا عند الباب الموارب
"يا أهل البيت"

هيا ما أن سمعت صوته حتى تناولت عباءتها واختبأت خلف الباب ترتديها
وترتدي حجابها وهي تشير لأمها أنها لا تريد رؤيته

ثم دخلت للمطبخ

أم هيا بهدوء: ادخل يمه مشعل

مشعل خطا خطوة واحدة للداخل وترك الباب مفتوحا: مساش الله بالخير يمه

أم هيا بحنان: مساء النور.. اقعد يمه نحط لك عشاء

مشعل برفض: تو الناس على العشاء.. جعله عامر
ثم أكمل بهدوء: ادعي لي هيا يمه.. أبيها ضروري

هيا كانت تسمعه من مكانها في المطبخ توترت..(وش يبي بعد؟!)

هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..



*****************************



باكينام وهي في طريقها للسكن
قررت أن تمر المقهى المجاور لسكن هيا
لتأخذ لها عشاءً خفيفاً على استعجال
لتتناوله في السكن
لم يخطر ببالها مطلقا أنها قد تصدف النادل إياه

ولكنها صدفته وهو خارج بعد أن أنهى فترة عمله
هزت رأسها كتحية وهي تدخل
وهو هز رأسه وهو خارج

خرج
بدا لها وسيما جدا في لباسه اليومي
بنطلون جينز وقميص أبيض
بعيدا عن لباس المقهى

ثم قطبت باكينام جبينها
وهي تتذكر لباسه
لا يمكن أن يفوت عينها الخبيرة
كيف لنادل محدود الدخل
أن يرتدي بنطلونا من (دولتشي آند غابانا)
وقميصا من (بربريز)؟؟!!
القميص لوحده ثمنه يوازي راتبه لشهرين!!!

هزت رأسها:

"أكيد تئليد، بس بصراحة تئليد بيرفكت!!"



**********************


هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..

مشعل أخذ نفسا عميقا (اللهم طولك ياروح..):
الخير بوجه هل الخير إن شاء الله طال عمر جنابش..

هيا ببرود: تمسخر حضرتك..

مشعل بنفس برودها: كلن يرى الناس بعين طبعه..

هيا بحدة: اخلص وش تبي؟؟ ما أعتقد إنك جاي في ذا الليل تنغزني بالحكي..
(كانت هيا تحاول أن تزيح إحساسها بالحرج بهذه الحدة)

أم هيا بغضب: هيا احشمي ولد عمج يا قليلة الحيا.. واحشميني..

هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة
لأنه ما يستحقها..

مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..
شقة هيا
حيث اندلعت النيران

هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة لأنه ما يستحقها..


مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..


صوت غاضب اقتحم المعركة الدائرة بينهما
كانت أم هيا تتعكز بصعوبة وتقف على قدميها وهي تقول:
أنتو اثنينكم احشموني.. عجوز واقفة بينكم ماحشمتوا شيباتي

مشعل باحترام: يعني يرضيش يمه تطويلها لسانها عليّ؟؟
ثم أكمل وهو يقول بغضب:
أنا ما أدري الشيخة هيا وش كانت تبيني أسوي
تبيني أقول لجدي لا تطرد عمي وأنا عمري سنتين؟؟

أم هيا ألتفتت لهيا المعتصمة بالصمت: هيا اعتذري لولد عمج..

هيا باستجداء: يمه تكفين لا تصغريني قدامه..

مشعل يسحب نفسا عميقا: يمه أنا ما أبيها تعتذر مني..
الله المغني عن اعتذارها
بس قولي لها تكلم جدتي زين
جدتي متشفقة عليها.. لا توجعها بالحكي.. جدتي جاها ماكفاها..

هيا بحدة: هي جدتي مثل ماهي جدتك..
بأكلمها زين عشانها أم سلطان وبس
وإلا أنت...

أم هيا تقاطعها بغضب: بس يا هيا

مشعل أخذ نفسا عميقا مرة أخرى
(الله يعدي ذا الليلة على خير لأذبحها)
تناول هاتفه ليتصل.. وأم هيا تشير له ليجلس..

جلس ..وهاتفه على أذنه..
وهيا توجهت وجلست بجوار أمها وهي تمسك بكفها

فسماع صوت جدتها بعد كل هذه السنين.. كان شيئا فوق احتمالها
حتى لو تصنعت القوة أمام مشعل

مشعل يبتسم وهو يسمع صوت مشاعل
(استغربت هيا ابتسامته فهي كانت تظنه لا يعرف الابتسام)

- هلا والله مشمش هلا بشيخة هل الدوحة وأحلاهم
- ..........
- إذا أنتي اشتقتي لي شوي انا اشتقت لش واجد.. أشلونش يا قلبي؟؟

شعرت هيا بشعور فضول غريب.. وبشعور آخر آخر مختلف..
وأفكار شتى تصطخب في مخيلتها
(من هذه التي تبرق عيناه وهو يسمع صوتها؟!!
من هذه التي يتغزل بها ويهبها كل هذا الحنان؟!!
أ يكون متزوجاً؟؟ وهذه زوجته؟؟
لا لا ليس متزوجا..
وما الذي يمنع أن يكون متزوجا فهو على أعتاب الثلاثين؟؟)

غصبا عنها شعرت بضيق غير مبرر من فكرة كون مشعل متزوجا

(خليه يتزوج بالطقاق.. الله يعين مرته على مابلاها!!)

- إيه أنا عندهم.. عطيني جدتي..
- ..............
- هلا والله.. والكاذب جعل ابيه النار..
- ...................
- طيب جعلني ماذوق حزنش..
- .....................
- والله أني طيب.. أنتي بشريني منش؟؟ أشلون صحتش يالغالية؟؟


انتفضت هيا بعنف.. لانها علمت أنه يكلم جدتها الآن..
كانت ترى مشعل وكأنه نسي وجودهم
وهو ينغمس في حديث ممتع مع جدته
شعرت ببعض الغيرة وبكثير من الحزن..
طوال السنوات الماضية كل أحفادها تمتعوا بحنانها إلا هي..
كلهم تمتعوا بقربها وحكاياتها وأحضانها إلا هي..
هي أحق بها منهم جميعا
لأن سلطان كان يعشقها
وما يعشقه سلطان هي تعشقه..
شيء بقي لها من ذكرى سلطان الغالية..

مشعل يرفع عينيه في هيا، وهو يقول بنبرة محايدة:
إيه يمه أنا عندهم ذا الحين

شعرت هيا بريقها يجف ويتشقق كأنه أرض بور..
وقلبها يكاد يثب من بين ضلوعها
ربما كانوا سكان الصين يسمعون دقات قلبها الآن!!

كان مشعل يقول بابتسامة (وبعيارة):
بس ترا بنت ولدش ما تعرف تحكي..
حكيها ما أدري وشو قايل.. حكي حضران..
ما أدري تفهمين عليها وإلا لا
.................
مشعل بشيء من الجدية: والله أني صادق يمه..
إذا جات عندش علميها حكيش الزين
ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..

على الطرف الآخر كانت الجدة تشعر باللهفة تخترق أحشائها
كان مشعل يقول : ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..


- ما يهم يا أمك إن شاء الله تحكي هندي المهم أسمع صوتها
- لذا الدرجة متشفقة عليها (مشعل بحنان)
- الله لا يفجعك بالولد يأمك (الجدة بنبرة غارقة في الحزن)

مشعل ألتفت لهيا وهو يقول: هاش يمه كلميها

تناولت هيا الهاتف وهي تشعر أنها تكاد تسقط من فرط ارتعاشها وتوترها



*****************************



هيا تناولت الهاتف وهي ترتجف، والجدة استعدت لمكالمتها
والاثنتان يهزهما سيل من مشاعر متطابقة في عمقها ولهفتها

كيف هو صوتها؟؟
أيحمل رائحة صوت سلطان؟؟
أتحمل بعضا من بحته وحدته في نطق الحروف؟؟
أ لها العمق الحنون نفسه؟؟
أ سيهز صوتها روحي كما كان صوت سلطان؟!!

هيا بتردد: ألو..

الجدة بصوت مخنوق: هلا والله.. هلا ببنت سلطان.. هلا ببنتي..

هيا لم تحتمل.. لم تحتمل.. لم تهتم لكون مشعل موجودا..
وكونها تتمنى أن تموت ولا يراها ضعيفة
كل هذا لم تهتم له وهي تنخرط في بكاء حاد موجع
حين سمعت صوت جدتها النقي الهادر كأمواج البحر
كانت هيا تنشج كطفلة ضائعة أعادوها لوالديها

فُجع مشعل من ردة فعلها
لم يتوقع أن هذه الباردة الوقحة الحقودة تحمل قلبا بين جوانحها
لم يحتمل منظرها الباكي ولا لحظات ضعفها..
هزت دموعها مشاعره النبيلة بعمق
لا يحتمل دموع أي امرأة.. فكيف بابنة عمه؟!!

قام ووقف وخرج لينتظر عند باب الشقة من الخارج

وهيا مستمرة في نحيبها المؤلم والجدة بعبرات مخنوقة:
بس يأمش.. قطعتي قلبي.. فديت عينش

أم هيا تناولت الهاتف من يد ابنتها
في الوقت الذي هيا قفزت للحمام لتغسل وجهها وتحاول تهدئة نفسها

أم هيا باحترام: هلا يا أم محمد.. أنا أم هيا.. يا هلا والله فيج

الجدة بنفس الصوت المخنوق: الله يحيش هلا والله.. وش فيها هيا؟؟

أم هيا: مافيها شيء.. مستانسة اللي سمعت صوتج
هيا تحبج وايد من محبة سلطان لج
الحين تغسل ويهها وبتيي وبتكلمج..

بعضا من كلام أم هيا.. لم تفهمه الجدة..
لكن مايهمها أنها ستسمع صوت هيا

أم هيا نادت مشعل.. الذي دخل بتردد..
وأعطته هاتفه بعد أن أغلقت الخط

مشعل باستغراب: وينها هيا؟؟

أم مشعل: قامت للحمام وبتيي..

بعد لحظات خرجت هيا بوجهها المحمر وهي تعاود الجلوس بجوار أمها
وتقول لمشعل بهدوء وعينها على الأرض: كلم لي جدتي..

مشعل أعاد الاتصال وأعطاها الهاتف..

هيا باحترام وهدوء: هلا يمه.. سامحيني فديتش..
ماقدرت أتحمل صوتش
ذكرني بأبي الله يرحمه..

كان مشعل يعتقد أنه أخطأ سماع اللهجة التي تتكلم بها هيا
لذا ارهف السمع وهو يعود للجلوس في مكانه..

الجدة بحزن: حي الطاري وراعيه.. جعل مثواه الجنة.. وجعلها برايد عليه..

هيا بذات الحزن: آمين..

الجدة بحنان: أشلونش يأمش؟؟

هيا بنعومة: طيبة طاب حالش.. أنتي أشلونش؟؟ وش وقعش؟؟

الجدة تبتسم: زينة.. زان وقعش..

هيا بذات النعومة: أشلون من يعز عليش؟؟ أشلون عماني وعيالهم؟؟
بشريني منش طال عمرش في الطاعة؟؟

الجدة تتسع ابتسامتها: طيبين كلنا..
هذا حكيش زين.. وازين من حكي خوات مشيعل
اللي ألسنتهم متلوية
وش قومه عليش يعذرب حكيش؟؟

هيا تلتفت لمشعل الذي كان مصعوقا من طريقتها في الكلام
كانت تتكلم كجدته.. بنفس طريقتها.. وبلهجة حادة كحدتها
كانت تتكلم كمن اعتاد أن يتحدث هذه اللهجة طوال عمره
( إذن كانت تسخر منه!! وتصغره كعادتها!!)


هيا تجيب بابتسامة جانبية وهي تنظر لمشعل: يمه مشعل ما يعجبه شيء
كلامي مهوب عاجبه.. يقول ما أعرف احكي

الجدة تبتسم وتقول بحنان: ماعنده نظر.. جعلني ما أبكي منطوقش الزين

استمر الحوار بين الجدة وهيا لأكثر من عشر دقائق
ومشعل غضبه يتصاعد
(وش تقصد بحركتها يعني؟؟
تبي تطلعني غبي قدام جدتي
زين يا هيا زين)

كانت كلما استغرقت في الحوار كلما زاد غضب مشعل
كان يمني نفسه أنها تمثل اللهجة حتى لا تنتصر عليه
ولكن لهجتها كانت صميمية
لهجة من عاش حياته كلها بين أهلها ولم يمارس غيرها
من أين تعلمت أن تتكلم بهذه الطريقة القديمة؟؟
حتى شقيقاته لا يعرفن أن يتكلمن مثلها
تبدو لهجتها صافية لم تخالطها لهجات أخرى
كما يحدث لكل البنات اللاتي يتأثرن من لهجات صديقاتهن في المدرسة.
والحقيقة الصارخة أنها أقرب لمفردات مجالس الرجال
ولكن بألقها الساحر وعذوبة صوتها
وهنا قفزت المعلومة لذهنه
إنها طريقة عمه سلطان في الكلام.. لا شك..


أنهت هيا المكالمة وابتسامة صافية شفافة ترتسم على محياها
يالله كم هي رائعة جدتها!! (هذا مايجول بأعماقها)
وعدتها هي بنفسها أن تأتي للدوحة في أقرب وقت
(بأروح لها بس مهوب مع مشعل
بنروح بروحنا)

أعادت الهاتف لمشعل وهي تحاول أن ترسم تكشيرة على وجهها
ولكنها فشلت وظلت ابتسامتها ترتسم معبرة عن فرحتها العميقة
(من فرحتي بجدتي.. بأبتسم حتى للجن الأزرق!!)

مشعل وهو يأخذ هاتفه ويقول ببرود:
وش قصدش من الحركة اللي سويتيها؟؟

هيا بنفس بروده: أي حركة؟؟

مشعل بنبرة ثلجية: يوم لسانش يلوط أذانش..
ليه تطلعيني كذاب قدام جدتي..؟؟

هيا بسخرية: والله ماحد قال لك تألف كلام على كيفك..

مشعل بحدة: أنا ألفت كلام؟؟ أنا ماقلت غير اللي أنتي قلتيه
ثم أعاد كلامها الذي قالته له اليوم صباحا بطريقة ساخرة:
"والله هلي اللي انت تقول رموني، من وين أتعلم كلامهم من الهوا"

هيا بسخرية: بس ماقلت لك أني ما أعرفه؟؟
ثم أكملت بحنين: هذا كلام سلطان ، اشلون ما تبيني أعرفه؟!!

أم هيا تبتسم وهي تقول بحنين بنكهة أخرى: تدري يمه يامشعل
كان رأسها برأس سلطان طول اليوم
والله العظيم ما كنت أفهم شيء من كلامهم من سرعتهم ووشوشتهم


#أنفاس_قطر#





أسى الهجران/ الجزء الحادي والعشرون


بيت جابر بن حمد
الصباح الباكر
الصالة السفلية

أم حمد تجلس عند (دلالها) وترتب الفطور
استعداد لنزول زوجها وبناتها
اليوم عندهن تدريب على اختبار التوفل لكل المدرسة
لذا سيذهبن يوم السبت

معالي أول الواصلات تقفز على الدرج وتدندن بقصيدة حربية قديمة

تبتسم أمها: أنتي رايحة للمدرسة وإلا رايحة الغزو؟؟

معالي تصل أمها وتطبع على خدها قبلة كبيرة وهي تقول:
الاثنين.. المدرسة أصلا جهاد أكبر..

أم حمد بابتسامة: إلا تعالي ذا القصيدة من وين تعلمتيها؟؟
ما أتذكر إني قد قلتها لش..

معالي تضحك: من جدتي هيا فديت عينها..
وإلا أنتي صايرة بنوتية ضيعتي قصيد الأولين كله..

أم حمد تضحك: واللي يقابلش أنتي وخواتش يبقى فيه مخ..
ضيعتوا مخي الله حسيبي..

أصوات ضاحكة مازالت تنزل الدرج:
يعني عشان محترة على معالي تدخلينا معها

معالي تبتسم: حياهم الله رقية وسبيكة

عالية تبتسم: يعني اليوم مهوب كوبي وبيست..

معالي تنظر في لبسهم المدرسي وتسريحة شعورهم وتضحك:
إلا أبو الكوبي والبيست وأمه
نعنبوا داركم المدرسات يشتكون أنهم ما يفرقون بينكم..
وأنتو حتى الكلبس نفس الشكل وعلى نفس المكان كنكم قايسينه بالمسطرة
غيروا على الأقل البلايز والا الكلبس اللي في شعوركم يالمغبرات

علياء (بعيارة): محترة يا الكويحة..

معالي ترفع أنفها وهي تقول بغرور: السمار نص الجمال..
ياللي لونش كنه لون مريضة ما شافت الشمس..يالمومياء..

عالية: عشتو.. حبو لي خشمه ما أطوله...

صوت حازم يقاطعهم: أصبحو وأفلحوا.. ذا النقرة كل صبح لازم..

قفزن الصبايا الثلاث باحترام وهن يرين والدهن ينزل الدرج
وتسارعن إليه كل واحدة تقبل أنفه بمحبة واحترام..

علياء وعالية جلستا صامتتين باحترام
ولكن معالي قفزن لجوار والدها، وأمها تصب القهوة عليه، معالي بدلال ولؤم:
جبوري حبيبي.. طلع اللي في مخابيك
وأتحف بنتك المزيونة بخمسين ريال، مية، خمسية ما نقول لا..
اللي بيطلع من ذمتك.. وأنت كريم واحنا نستاهل

أم حمد بغضب: اقطعي واخسي.. احشمي أبيش يا قليلة الخاتمة..

أبو حمد يضحك: خليها تقول جبوري كود أعود ولد..
وتجوزني حد من بنيات المدرسة اللي معها..

معالي تضحك: بأزوجك المدرسة كلها.. بس قبضني..

البنات ووالدهن يضحكون، بينما أم حمد عقدت ناظريها وهي تقول:
إيه جايز لكم الحكي..
الله لا يبلانا.. البنات وأبيهم استخفوا


**********************


غرفة راكان
الساعة التاسعة صباحا
منبه هاتفه يوقظه
فلديه اليوم تدريب رماية استعدادا لبطولة آسيا في الرماية
التي سُتقام في سنغافورة

أطفأ الجرس ثم أنتبه لرسالة تنتظر الفتح
فتحها كانت من لطيفة:
" لو سمحت راكان إذا صحيت دق علي ضروري"

استغرب راكان وشعر بالقلق
اتصل بلطيفة
التي كانت وقتها مستغرقة في الاستذكار لأولادها

ردت لطيفة بهدوء: هلا والله

راكان بقلق: صبحش الله بالخير يا أم محمد عسى ماشر؟؟
فيكم شيء؟؟

لطيفة ابتسمت: مافيه شيء يا ابن الحلال..
يعني أختك الكبيرة مالها حق تقول اتصل علي أسلم عليك

ابتسم راكان: تمونين يا أم محمد.. الله يكبر قدرش..
بس أكيد إنش تبين شيء.. آمريني..

لطيفة برقة: ما يأمر عليك عدو أبي منك خدمة كبيرة شوي

راكان بشهامة: أفا عليش.. الغالي يرخص لش يامرت الغالي..

توترت لطيفة من مرور ذكر مشعل، ولكنها أكملت بهدوء:
أدري راكان إنه واسطتك كبيرة.. ومعارفك كثير..
وأبيك تخدمني في موضوع..

راكان بثقة: آمري..

لطيفة استمرت بذات هدوؤها:
أنا ادري أني السنة الدراسية بادية لها تقريبا شهر..
بس أنا أبي أرجع أسجل ثالث ثانوي منازل..
وأدخل اختبار الثانوية العامة ذا السنة.

راكان باستغراب: بس أنتي مخلصة ثالث ثانوي.. وش عندش؟؟

لطيفة بثقة: شهادتي صارت قديمة.. وأنا أبي أدخل الجامعة..

راكان ابتسم: حلو ذا الطموح المتأخر.. تمونين يأم محمد..
هي صحيح صعبة وخصوصا إنه ثالث ثانوي وهم خلاص جهزوا القوائم
يعني لو ثاني مثلا كان اهون
بس حاضرين.. ماطلبتي شيء..

لطيفة ابتسمت: خلاص بأخلي الخدامة تجيب لكم في البيت الحين ظرف فيه أوراقي
ومشكور يا أبو محمد الله يوفقك دنيا وآخره..


****************************


منتصف الليل في واشنطن دي سي
كولومبيا ديسكرت

قلبان ساهران
في مكان مختلفان

تغمرهما مشاعر مختلفة.. عميقة..

هيا الليلة سعيدة جدا
تكاد تلمس من النجوم من فرط سعادتها
تريد أن تحتضن العالم كله
حتى مشعل الكريه لو لم يكن من آل مشعل لاحتضنته الليلة!!!!
يالله كم جدتها رائعة !!
كم يشبه كلامها كلام سلطان!!
كم تتمنى رؤيتها واستنشاق رائحة سلطان فيها

"أضناني الشوق يا سلطان
وأضنتي الوحدة في غيابك!!"


مشعل يشعر بالغيظ منها والشفقة عليها
كيف اجتمع هاذين الشعورين لا يعرف
مغتاظ منها لسخريتها منه
وتقليلها من احترامه
من حدة لسانها الدائمة
وهي دائما مستعدة بكلماتها القاسية

ولكن بكائها اليوم آلمه في العمق
لم يتخيل أن هذه المخلوقة الحاقدة الساخرة المرة يمكن أن تبكي
وأن لها قلبا نابضا ومشاعر رقيقة
آلمه ضعفها وحزنها وإحساسها بالوحدة
أحاسيسها التي اقتحمته بعنف موجع!!


*****************************


الساعة 9 والنصف صباحا
بيت حمد بن جابر

موضي تجلس في الصالة
تشاهد أخبار الجزيرة
مازال حمد نائما

بعد دقائق
حمد ينزل عليها

توترت
هكذا علاقتهما.. حينما تراه تتوتر حتى تعلم كيف مزاجه

ألقى التحية بعذوبة
(الحمدلله.. اليوم زين.. ويارب ما يقلب)
اقترب وجلس بجوارها

موضي على وشك النهوض
حمد برقة: وين بتروحين؟؟

موضي بهدوء: بأروح أجهز ريوقك

حمد يتناول يدها ويطبع في باطنها قبلة عميقة ويقول بحب:
اقعدي عندي حبيبتي.. شوفة وجهش تكفيني عن الريوق

شعرت موضي بالأسى
حمد حين يكون رائق البال
يكون عاشقا ولا أروع
لا في كلامه ولا في لمساته

ولكن كل هذا لم يعد يحرك في مشاعرها شيئا
سوى الأسى
الكثير من الأسى
والخوف
لأنها ماعادت تثق فيما سيحدث بعد دقيقة

هاهو الآن يضع رأسه على فخذها
يحتضن يدها
ويغمر أناملها بعشرات من قبلاته الحنونة

ولكنها لا تستبعد أن يكسر الأنامل التي يقبلها بعد دقيقة واحدة
فكيف تأمن على يديها بين يديه؟!!

كما لو أنك تعطي يديك لشخص ما ليقبلها
وأنت متيقن تماما أنه سيقبلها ثم سيعضها بوحشية
فكيف سيكون إحساسك بملمس شفتيه على يديك؟!!

مرٌّ هذا الإحساس..مرّ..
أن يصبح من يفترض أن يكون مصدر الأمان في حياتك
هو مصدر الرعب والخوف
فتصبح كالهارب من الرمضاء إلى النار



***************************



الساعة العاشرة صباحا
غرفة فارس
كان يستقيظ من نومه
لم ينم حتى ساعتين متواصلتين
كان يحلم بها حتى وهو نائم..

(ماهذه المصيبة المسماة العنود التي ابتلاه ربه فيه؟!)

تفكير مجنون يخطر بباله
وليس هو من يتردد في تنفيذ قرار

تناول هاتفه واتصل برقم مخزن عنده
ولكنه قليل الاتصال به
إنه رقم مريم
فقد اعتاد أن يتصل بها لتهنئتها في الأعياد

لحظتها كانت مريم تستيقظ من نومها لتوها وتريد التوجه للحمام
سمعت هاتفها يطلق اسم فارس في الجو
استغربت وتوترت
(وش يبي فارس؟؟!!)

مريم ردت باحترام: هلا فارس..

فارس بهدوء: هلا والله.. صبحش الله بالخير يا بنت محمد

مريم: صباحك أخير..

فارس: أشلونش طال عمرش؟؟

مريم واستغرابها يتزايد: طيبة طاب حالك

فارس تنحنح ثم قال بثقة: مريم لو سمحتي عطيني العنود أبي أكلمها؟؟

مريم توترت: (وش يبي بالعنود؟) قالت بهدوء:
فارس يأختك.. ترا العنود مافيه أبيض من قلبها
والكلام اللي قالته أمس والله أنها ماتقصده..
تكفى أنك ما توجعها بالحكي.. تراها ما تستحمل..

فارس توتر من تذكيرها له بالموضوع ولكنه قال بهدوء:
الكلام اللي هي قالته شيء بيني وبينها.. لو سمحتي عطيني إياها..

مريم بتوتر: الحين العنود نايمة..

فارس بثقة: روحي صحيها.. أبيها ضروري


*********************


بيت مشعل بن محمد
الساعة العاشرة صباحا..
كانت لطيفة في غرفة أولادها
تذاكر لمحمد ومريم
بينما عبدالله في غرفة الألعاب يلعب بلاي ستيشن وجود تشاهده

جاءت الخادمة ودخلت على لطيفة المنهمكة مع أولادها:
مدام.. بابا مشعل تحت يبي انته..

انتفض قلب لطيفة بعنف
لم تمضِ حتى 12 ساعة على معركتها الأخيرة معه
المعركة التي استنزفتها
لِـم جاء؟؟؟
غير مستعدة لمواجهته؟؟
لِـمَ جاء؟؟
لِـمَ جـــاء؟؟؟؟
يوم جديد
ومشاعر جديدة
وقوالب الثلج المشعلية أحرقتها شموس أميرات آل مشعل
فما الذي ينتظرهم؟!!



الساعة العاشرة وعشر دقائق صباحا
غرفة العنود

مريم تدخل بهدوء
فارس مازال على الخط مصراً على مكالمة العنود

مريم تقترب وتهزُّ العنود برفق: عنادي قومي ياقلبي

العنود بصوت ناعس متعب: تعبانة مريم فديتش..
خليني أنام شوي
تدرين إني مانمت إلا عقب ما شرقت الشمس

مريم بهمس: قومي كلمي فارس.. فارس يقول يبيش ضروري

العنود قفزت لتجلس، وهرمون الأدرينالين يرتفع إلى حده الأقصى
وهي تقول بهمس: وش يبي؟؟

مريم بذات الهمس: ما أدري

هذا الحوار وصل إلى فارس بكل وضوح..
وقلبه ترتفع دقاته إلى حده الأقصى وهو يسمع صوتها المرهق.

العنود تناولت الهاتف وهي تقول بهدوء بصوتها المبحوح من أثر النوم:
ألو

لم تكن هذه مجرد (ألو)
كانت سهما انغرز في قلب فارس
انغرس نصله في غشاء قلبه إلى نهايته .. نهايته
يكاد يقسم أنه شعر بألم السهم يخترق قلبه بوحشية حقيقية..

تماسك وهو يجيب بهدوء غلفه ببرود بارع: صباح الخير

العنود بخجل ذائب: صباح النور.. فيه شيء فارس؟؟

كانت العنود تريد أن تنهي الاتصال في أسرع وقت

بينما فارس حلق في عالم آخر
لاسمه بين شفتيها وبنبرة صوتها نكهة أخرى
طعم أشبه بالسكر المصفى
وإحساس أشبه بالخيال الأبدي

(كرري اسمي ألف مرة
امنحي اسمي بعضا من سحركِ
اسكريني بلحنه من بين شفتيكِ
انفثي في روحي نسيم همساتكِ
فروحي تذوب.. أقسم أنها تذوب)

ولكنه تماسك وهو يقول لها بثقة: أشلون الوالد والوالدة؟؟

استغربت العنود (أقول له وش تبي، يقول لي أشلون الوالد والوالدة)
ردت بخجل وهي تتمنى أن تنتهي هذه المكالمة بأسرع وقت:
طيبين طاب حالك..

فارس من الأساس ليس لديه شيء يقوله
يريد أن يسمع صوتها فقط
حين صحا من نومه صباحا
كان يشعر أنه سيجن إن لم يسمع صوتها
كان يمني نفسه أنه حين يسمعه هذه المرة
سيجده لا يستحق الزخم الأسطوري الذي ارتسم في أعماقه لسحر صوتها
سيفقد رونقه.. ويكتشف أنه صوت عادي لفتاة وقحة بليدة
وسينفك عنه سحر هذا الصوت الذي أصابه بالجنون

ولكنه اكتشف أن كل تفكيره لم يكن أكثر من هراء غبي
وهاهو يسمع صوتها ويكتشف أنه كالعطشان
الذي يشرب من ماء البحر ليزداد عطشا
لا يريدها أن تتوقف عن الكلام
يريد أن يسمعها كل يوم وكل ساعة وحتى أخر دقيقة في عمره
هكذا شعر!!
ويالاوقع اكتشافه المرعب لشعوره في نفسه!!

أكمل فارس بذات الثقة أسئلته التي لا معنى لها
سوى أن تكون وقودا يدفعها للكلام، ويدفعه لمزيد من الذوبان:
شأخبار الجامعة إن شاء الله زينة؟؟

العنود بارتباك: كل شيء زين.. فارس مريم تقول إنك تبيني ضروري..
وش فيه؟؟

(كرري اسمي مرة أخرى..
أرجوكِ كرريه
أيتها الأسطورة العذبة
يا أجراس النغمات
وساحرة العبارات
لم أكتشف أن لاسمي هذا الجمال
حتى سمعته منغما من بين شفتيكِ
حتى سمعته يتسربل بروعة همساتكِ)

ولكن فارس وجد أن موقفه أصبح محرجا
وأنه لابد أن يجد له سببا وجيها للاتصال: إيه أبيش ضروري..

ثم صمت..
يريدها أن تستحثه للكلام.. أي وسيلة ليطيل سماعه لصوتها

العنود بتوتر: هاه فارس.. شنو؟؟

(آه يا قلبي خلاص ماني بمتحمل
والله العظيم مافيني أتحمل)

فارس بهدوء: عطيني رقم حسابش.. أحط مهرش فيه..

العنود بحرج ووجهها يشتعل باللون الاحمر:
فارس هالموضوع بينك وبين الوالد
أرجوك لا تحرجني..

(أ أحرجتك يا صغيرتي؟!!
كم أتمنى أن أراك هذه اللحظة بالذات
أرى حمرة الخجل تكتسح خديكِ
ألمسهمها.. لتزهر أصابعي!!)

(صوتها أسكرني.. وأنساني التفكير بشكلها
من لها هذا الصوت المطرز بالسحر.. كيف يكون شكلها ياترى؟!!)

فارس بهدوء: أنا ماقلت شيء غلط.. أنا أتكلم في حق..

العنود بحرج بالغ: خلاص فارس الموضوع هذا بينك وبين ابي
ثم أكملت وهي يخطر لها خاطر أرعبها: فارس أنت استاذنت ابي تكلمني أو لا؟؟

فارس بذات بروده: لا.. وما اعتقد إنه عشان أكلم مرتي لازم أخذ أذن..

العنود هنا شعرت انتهت من الخجل
صوتها أصبح أكثر ارتعاشا وفي قلب فارس أكثر تأثيرا:
خلاص فارس ممكن أسكر..؟؟

( أ مستعجلة هكذا على نحري؟!!
نحرتني أولا بإهانتكِ
ونحرتني ثانيا بصوتكِ
فماذا تخبئين لي أيضا؟!!)

فارس بثقته المعتادة رغم أن داخله يذوب ويذوي: خلاص يالله مع السلامة

العنود بخفوت وهي تشعر بالسعادة لانتهاء التعذيب: مع السلامة

انتهت المكالمة

فارس مبعثر..
مبعثر..

يـــــــــــــــحــــــــ بـــــــها

متأكد أنه يحبها..
ليس طفلا ليجهل هذه المشاعر التي اكتسحته بعنف..

إنه الحب.. وليس سواه..

ولكن متى؟؟
متى؟؟
بالأمس فقط سمع إهانتها وسمع صوتها
بالأمس فقط كان لا يريدها
وكان يريد فسخ كل ما بينهما


لا لا يحبها
هو يكرهها.. يكرهها..

إذن : هو يكرهها بقدر ما يحبها!!

أ يعقل أن طوفان المشاعر هذا كان ينتظر صوت العنود لإيقاظه من سباته

يا صوتها!!
ماذا فعلت بي يا صوتها!!

أحبها.. أحبها
لا شك في ذلك
ولكن كرامتي فوق كل شيء
لعنة الله على الحب
إن كان سيجعلني أنسى إهانتها لي..
لعنة الله عليه



**********************


بيت مشعل بن محمد

مشعل يجلس في الأسفل
كان قد طلب من الخادمة حين ذهبت لتنادي لطيفة
أن تحضر له جود

وهاهي جود تجلس في حضنه
وتقرص خديه
وتطبع قبلاتها على أنفه
وصوت ضحكاتهما يعلو في الجو

حين نادت الخادمة لطيفة
نظرت لطيفة لوجهها في المرآة
كان ذابلا وباديا عليها قلة النوم والبكاء

(ماني بمفرحته فيني
يدري إني قعدت طول الليل أبكي عليه هو ووجهه
خله يدري إنه ماهمني)

توجهت لغرفتها
أبدلت ملابسها ووضعت (ميكب) خفيف.. ونزلت

قبل أن تنزل
رأتهما من الأعلى
هو وجود
منسجمان ..سعيدان
آلمها قلبها
وهكذا هي الأم.. إحساسها بأولادها قبل إحساسها بأي شيء

قبل تنزل
شعر مشعل بشعور غريب يجتاحه
شعور يقول له إنها قادمة
رفع عينيه للدرج
كانت تنزل.. شعر أنها توقع خطواتها
على وقع دقات قلبه

(وش فيك يا أبو محمد؟؟ خرفت؟؟)

كانت لطيفة تنزل بثقة
وقلب مشعل يتزلزل بدون أن يعرف السبب لذلك

بدت له أشبه بأميرة أسطورية
تنزل من عليائها
هذه الثقة.. بل هذا الغرور المرتسم على وجهها
كأنها ثقة من اعتادت على أن تأمر فيستجاب لها
أو يأمر حسنها فتنصاع الرقاب له

(فعلا الجمال مرحوم..
سبحان من خلقها وصورها!!)

(أما أنك استخفيت صدق يا مشعل
المره مرتك لها سنين توك تكتشف انه
سبحان من خلقها)

(توني أدري إن زينها يوجع كذا)

لطيفة وصلت وجلست بعيدا عنه وهي تقول لجود:
جودي.. مامي.. روحي العبي مع عبودي..

جود برفض: لا لا.. بأدعد عند بابي..

مشعل بهدوء: أشفيش لطيفة عليها.. خليها تقعد..
ثم أكمل بحنان وهو يحتضن جود: أنا أصلا مشتاق لها فديت عينها

(لعنة الله عليك يا مشعل
كم تبدو قريبا.. وبعيداً!!)

قبّل مشعل جود
ورفع عينيه لتشتبك مع عيني لطيفة في نظرة كثيفة
ولكن لطيفة سارعت بتغيير اتجاه نظرتها
لا تريده أن يقرأ نظرة عينيها ويحس بمشاعرها.. إذا كان لديه إحساسٌ أصلا!!

لطيفة بثقة وهدوء: ممكن أعرف انت جاي ليه؟؟ وش تبي؟؟

مشعل بهدوء: أنتي مهوب قلتي إني أقدر أجي كضيف غير مرغوب فيه
اعتبريها زيارة من الضيف غير المرغوب..

شعرت لطيفة بالألم.. لم تعتد أن تكون لئيمة..
هو من دفعها لهذا..

لطيفة ببرود: والزيارة ما انتهت؟؟

رفع مشعل عينيه إليها

(لم تكوني قاسية هكذا يوما لطيفة
أ أنا من زرع هذه القسوة في قلبك
وحان وقت حصادي!!)

( لا تنظر لي هكذا مشعل
نظرتك تذيبني
كما فعلت وتفعل بي طيلة سنوات!!
لا تعبث بي يا مشعل
لا تعبث بي..
فقد انتهيت من عبثك.. انتهيت)

مشعل بهدوءه المعتاد: وفيه سبب ثاني للزيارة

لطيفة ببرود: خير؟؟

مشعل بذات الهدوء: ملابسي.. الملابس اللي خذتها أمس كلها غلط
ماخذت فوطة.. وخذت سراويل بدون فنايل
جيت بأسبح ماقدرت..

"ما أوهى عذرك ياهذا!!
ولكن لا بأس.. لاعبْ لطيفة
فالحرب خدعة!!"


شعرت لطيفة غصبا عنها بالألم
فهو لم يعتد أن يرتب ملابسه بنفسه
بل حتى ملابسه الداخلية هي من تشتريها له منذ سنوات مع أولادها

تنهدت (لن أضعف) ردت ببرود مصطنع: والمطلوب مني؟؟

مشعل تنهد: رتبوا لي شنطة على الأقل.. (رتبوا، وليس رتبي!!)

لطيفة وقفت.. وهي تقول ببرود:
ناد اللي تبي من الخدامات.. وخلها ترتب لك اللي تبي

آلمه ذلك
آلمه حتى النخاع
كأنها تقذف به كشيء بلا قيمة

مشعل بعتب: ويهون عليش تخلينهم يحوسون في أغ**** الخاصة؟!!

(أيها الخبيث
تعلم قدرك وتأثيرك
ولكن لن أسمح لك بهزيمتي)

لطيفة بعتب أكبر: مثل ما هنت أنا عليك
بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية

لطيفة واقفة
ومشعل يجلس وجود على فخذه وتعبث في أزرار ثوبه

الجو مشحون حولهما
وفي عيني كل منهما نظرة عتب

مشعل بهدوء خبيث: خلاص بأتصل في العنود تجي ترتب لي شنطتي..

(عرفت تلعبها صح يا مشعل!)
أجابت لطيفة بهدوء عميق: مافيه داعي حد يدري إنه فيه شيء بيننا يا مشعل
تشغل بال هلي وهلك..
ثم أكملت بسخرية: خلها لين أنت تتزوج ويدرون كلهم مرة وحده..

مشعل بذات الهدوء المدروس: خير إن شاء الله

لطيفة تشتعل في داخلها (يا لوح الثلج الموبوء
كم أتمنى أن أغرز أظافري في وجهك البارد الوسيم)

لطيفة ببرود: خلاص أنا بأرتب لك شنطتك.. شيء ثاني..

مع أنها كانت تنوي في الأساس أن ترتبها
فهي يستحيل أن تترك الخادمات يعبثن في أغراض مشعل
لكنها أرادته أن يظن أن الخادمات هن من رتبن له
لأنها ليست مسئولة عنه أو عن أغراضه
ولكنه لم يتح لها الابتهاج بنصرها الصغير
وهاهو يجبرها على تنفيذ رغباته بطريق غير مباشر

(خبيث..
خبيث..
وآسر..)


مشعل بهدوء: لو سمحتي ادعي حمود ومرايم وعبودي
أشوفهم على ما تجهز شنطتي..


********************


فارس
مريض العشق الجديد..
القلب الملتاع بجدارة..
من عرف كيف يكون الاكتواء بنار الغرام من ليلة واحدة
فكيف يصبر لثلاثة أشهر؟؟ كيف؟؟

يريدها..
يريدها..
يريد أن يعذبها
يستمتع بصوتها..
لا يعلم أي جنون يعصف به..
سيجن بهذه الطريقة؟؟ سيجن؟؟

كان في سيارته متوجها للبنك
يريد سحب مهر العنود ليعطيه لعمه..
يالا حجته السخيفة التي خطرت بباله اليوم
حين طلب من العنود رقم حسابها!!
ولكن لم يجد حجة غيرها

فأي حجج سيخترع بعد؟!!


***********************


مر عشرة أيام
على الأحداث الأخيرة
مشعل مازال نزيلا للفنادق
يكاد يجن من انعدام الاستقرار الذي يعيش فيه
ومن شوقه لأولاده
ومن شوقٍ غريبٍ حادٍّ لمن كانت تنام جواره كل ليلة
اعتاد على حركتها الناعمة بجواره
وصوت تنفسها الهادئ ينبئه أن هذا العالم بخير

زار بيته عدة مرات
لم ير لطيفة.. رأى أبنائه فقط
أبنائه الذين يسألون بشكل مستمر
أين هو؟؟ وما كل هذا الغياب؟؟
محمد بالذات بدأ يشعر أن هناك شيء بين والده ووالدته
فهو في الثانية عشرة
وذكاؤه يتجاوز سنة حتى
شعر بالمشكلة منذ اليوم الأول ولكنه اعتصم بالصمت
ينتظر ما تسفر عنه الأيام
والموضوع يحز بعمق في روحه
روح المراهقة المبكرة
مشعل كان يحضر يوميا للمجلس
حتى لا يلحظ أحد غيابه عن بيته
ولم يكتشف أحد أن هناك شيء بينه وبين لطيفة


لطيفة
سجلها راكان في المدرسة
وأحضر لها الكتب
وبدأت في الاتصالات بالمدرسات
حتى تلحق مافاتها
وبدأت في الاستغراق في الدراسة
علها تتناسى غياب ذلك المسيطر المتغلغل في روحها حتى النخاع
فطالما هي غير مشغولة بأبنائها ودراستهم
فهي تدرس دروسها
حرصت ألا ترى مشعل خلال الأيام الماضية
رغم أنه حضر لرؤية أبنائه أكثر من مرة
أو لنقل
حرصت أن يعلم أنها لم تراه ولم تهتم لحضوره
بينما هي رأته في كل مرة جاء فيها!!!


فارس أصبح كثير الصمت
راكان وناصر هم من لاحظ عليه هذا الطبع الجديد
ولكنه كان دائما يطمئنهما بأنها مشاكل في العمل
حتى لا يعلم أحد بالطوفان الذي يزلزل القلب


موضي وحمد
مازال الحال على ماهو عليه
لكن حمد هذه الأيام هادئ عموما
وهي تتجنب قدر الإمكان استفزازه


هيا ومشعل سكان واشنطن
خلال الأيام المنصرمة
هيا هاتفت جدتها أكثر من مرة
فهي أخذت رقم البيت من مشعل في المرة الأولى
التي كلمتها فيها
ولكنها لم ترَ مشعل مطلقا بعدها
رغم أنه زار أمها عدة مرات
وكان يحضر أغراض المنزل
ولكنه كان يتعمد المجيء في وقت ذهاب هيا للجامعة
فهو غير معتاد على جو المشاحنات العاصف
الذي تحقنه فيه هيا بلا هوادة
كما أنه لا يريد فرض وجوده عليها مادامت تكره وجوده
المهم أن يطمئن عن أحوالهم ويؤدي واجبه تجاههم




شقة هيا
الساعة الثانية ظهرا

مشعل بعد أن خرج من الجامعة
وصلى الظهر
اشترى مايعتقد أن أهل عمه قد يحتاجونه وتوجه لهم

يعلم أن هيا في الجامعة
فهو أصبح يعرف جدولها من أمها

طرق الباب
فتحت له الفتاة المكسيكية التي ترافق أم هيا وقت تواجد هيا في الجامعة
أخذت منه الأغراض وأدخلتها للمطبخ

دخل مشعل وألقى التحية على أم هيا
التي كانت تجلس كعادتها في الصالة

سلم وجلس كعادته على المقعد الأقرب من الباب
وترك الباب مفتوحا

أم هيا بعتب: يمه مشعل.. لمتى وأنت تجنب تشوف هيا؟
هذي وصاتي لك؟!!

مشعل بتعب: يمه أنتي وصيتيني عليها..
وأنا قلت لش لا تحاتينها ولا تشيلين همها
وإن شاء الله إنها ما تنضام وأنا رأسي يشم الهوا

أم هيا بقلق: أشلون وأنت حتى شوفتها ما تطيقها؟؟

مشعل ابتسم: لو إحنا في الدوحة، كان مستحيل أشوفها..
ثم أكمل بعمق: وبعدين يمه هي اللي ما تطيق شوفتي
أول ما تشوفني تركبها السكون .. (السكون= العفاريت أو الجن)
وأنا بصراحة ماني بمتعود على المناقر مع الحريم

أم هيا بنبرة خاصة: زين ولو مرتك تحب النجره، منت بمناجرها؟؟

مشعل يضحك: لا يمه جعلني ماذوق حزنش.. أنا واحد حار..
صحيح قلبي طيب..
بس مافيني صبر على حنه.. أبي وحدة مثل خواتي..
فديت خواتي مافيه مثلهم في كل الدنيا..

أم هيا بنفس النبرة الخاصة: يعني وحدة مثل هيا ما تنفع لك؟؟

مشعل لم ينتبه مطلقا لمقصدها: لا لا يمه..
لو أخذ وحدة مثل هيا بيتنا بيصير ساحة حرب..
اللي مثل هيا ينفع لها واحد مثل ولد عمي محمد راكان.. أعصابه في ثلاجة..

أم هيا بعمق: والله هيا مافيه في طيبة قلبها
بس مجروحة من جرح سلطان.. لا تلومها..
هيا كانت روحها معلقة في أبوها
كانت تحبه أكثر مني.. أكثر مني بكثير..
أنا كنت مثل جدة لها..
بس سلطان كان أبوها وأمها..
أنا أعترف إني كنت أعاملها مثل ما الجدة تعامل حفيدتها
تدلعها.. وشفقانة عليها.. وماتحب حد يقول لها شيء
يعني لو علي.. أنا كان يمكن خربتها بالدلع
بس سلطان هو اللي رباها..
وكان يعرف متى يشد عليها ..ومتى يرخي

مشعل باحترام: الله يخليش لها.. أنتي الخير والبركة

أم هيا بحزن: أنا مرة كبيرة ومريضة وللمرة الثانية أقولها لك
لو صار لي شيء.. ترا هيا أمانة في رقبتك

مشعل وهو يقوم ويقول بثقة: والله العظيم إنها في رقبتي
وأنها ما تضام.. وأنها المبداة حتى على خواتي
لا تحاتين شيء.. والله يخليش لها
والحين اسمحي لي أستاذن
عندي دراسة
وبأمرش بعد بكرة نفس الوقت إن شاء الله
وأي شيء تبينه دقي علي..

خرج مشعل..
وعادت أم هيا تطوف مع أفكارها
وقلقها الدائم على ابنتها
والذي خف كثيرا مع ظهور مشعل في حياتهم
الذي أشعرهم بقوة السند الذي يقف خلفهم

بعد نصف ساعة وصلت هيا
ألقت التحية على أمها وقبلتها وهي تخلع عباءتها وتعلقها

ودخلت لتحضر لها كأس ماء
خرجت والكأس بيدها وهي تقول بنبرة محايدة: مشعل كان هنا؟؟

أم هيا بهدوء: إيه

هيا بغيظ: يمه قولي له لا عاد يجيب شيء من أغراض البيت
احنا موب محتاجينه..

وسبب غيظ هيا الرئيسي أنه أصبح يتعمد المجيء وقت غيابها
آلمها إحساسها أنه يكره رؤيتها
وهكذا هي غرابة الأنثى.. المخلوق العصيّ على التفسير!!

أم هيا بغضب: إلا محتاجينه..محتاجين ريال يكون سند النا
موب كفاية إنج كل ما تشوفينه صار لسانج شبرين وهو مستحملج
زين ماعطاج من أولها طراقين

هيا بعتب: يمه الله يهداج.. وش فيج صايرة مع ولد آل مشعل علي

أم هيا وغضبها يتزايد: وانتي بعد بنت آل مشعل وهو ولد عمج

هيا وهي تحاول تهدئة أمها وتقول بحنان: خلاص يمه خلاص فديتج
لا تعصبين.. تدرين العصبية موب زينة عليج

أم هيا بغضب: لو تهمج أعصابي.. ماكان كل ماشفتي مشعل حرقتي أعصابه

هيا بنعومة: خلاص ولا يهمج.. مشعل فوق رأسي.. المهم رضاج..


***********************



الساعة الثامنة مساء
لطيفة في غرفة بناتها
تمشط شعر مريم بعد أن حممتها استعدادا للنوم

مريم بتردد: يمه أنتي وابي بتطلقون؟؟

لطيفة صعقت..وانتفضت بعنف: من اللي قال لش ذا الكلام؟؟

مريم بخوف: حمود يقوله..

لطيفة احتضنتها وهي تقول لها بحنان: أبيكم مشغول شوي وبس..
ما أدري من وين جبتوا ذا الأفكار؟؟

لطيفة تشعر بحزن عميق
عميق جدا.. لا حدود له
ما ذنب هؤلاء الأطفال تنفتح أذهانهم على مشاكلها هي ومشعل التعيس
الخائن الذي يريد الزواج عليها
تريده أن يكون الآن أمامها لتمزقه بأسنانها
تضربه.. تعضه
أي شيء قد يبرد بعضا من قهرها
كل شيء قد تتقبله إلا شيء يمس صغارها
حينها هي مستعدة للحرب مهما كانت خسائرها
المهم أن يكون صغارها بخير
وهكذا هي الأم!!


توجهت لطيفة لغرفة أولادها
لمحمد تحديدا

كان يتمدد على سريره بيده مجلة "ماجد" يقلب فيها
بينما هو سارح عنها..

جلست بجواره
فجلس احتراما لها

لطيفة بهدوء: حمود حبيبي.. وش ذا الكلام اللي أنت قايلة لمريوم؟؟

صمت
وعبق روحه المتأرجح بين الطفولة والمراهقة يحضر بعنف

لطيفة بحنان: جاوبني حبيبي

حمود بنبرة بين البكاء وإدعاء التجلد.. نبرة مؤلمة للنخاع:
ماقلت لها غير الصدق
خلهم يدرون
إبي صار له عشر أيام وهو مخلي البيت
لمتى بتدسون علينا يعني؟؟؟


**********************


ذات الوقت
ولكن في بيت عبدالله بن مشعل
رن هاتف المنزل

كانت هيا من يتصل
الساعة هي السادسة صباحا في واشنطن
أرادت أن تلقي تحية المساء على جدتها
بالعادة كان من يرد عليها جدتها
وأحيانا أم مشعل
ولم تسمع غير صوت الاثنتين

ولكن اليوم رد عليها طفل
كان يتكلم بنبرة رجولية مسلية
التقط الهاتف: أرحب طال عمرك
هنا بيت عبدالله بن مشعل.. أرسل

هيا ابتسمت: السلام عليكم

شعر الطفل بالخجل فهو لم يعرف الصوت
فهو رأى رقم طويل في الكاشف وظنه مشعل


ابتسمت هيا: وين جدتي؟؟

ضحك الطفل: ليه أنتي مضيعة جدتش عندنا..

ضحكت هيا (كم هو ظريف!): جدتي هيا أم محمد..

ضحك الطفل وهو يقول: أووووه بنت عمي..
يا هلا والله ببنت عمي هيونه الامريكية
شوفي كنش مزيونة تراش مقروعة
فويرس خذ عنود الصيد وأنا كنت أبغيها
لكن كنش شينة.. السموحة
دوري حد غيري.. ما عطلش..

ضحكت هيا حتى كاد يغشى عليها

الطفل: بسم الله عليش.. لا تطيح حنوكش بس..
شكلش كويحه يا بنت عمي

هيا بصوت متقطع من كثرة الضحك: خلك بس لين تشوفني..
ماعادك بممسي الليل

ضحك الطفل: هويا.. قولي وراي: يا ليل ما أطولك

ضحكت هيا مطولا ثم سألت بابتسامة:
زين وولد عمي المزيون قاعد يخطب
وهو حتى اسمه ماقاله لي

الطفل وهو يفخم صوته: سلطان طال عمرش حطيه على يمناش

شهقت هيا والاسم يخترق أذنها كسهم عذب:

سلطان.. سلطان
شقة هيا
الساعة 6 وربع صباحا

مازال رنين ضحكات سلطان الصغير يعمر أذنها
يا الله ما أروعه!!
هل الروعة كُتبت لكل من اسمه سلطان؟!!

هزها بعنف أن عمها سمّى ابنه على والدها
مشاعر مختلفة غزت روحها
هل كانت تتمنى أنه لم يسمِ على أبيها
حتى تبقى تقنع نفسها أنهم نسوا والدها وألغوه من حياتهم؟؟!!
حتى تبقي سببا لحقدها عليهم وكراهيتها لهم

هاهو سلطان آخر يعيش بينهم
سلطان صغير تشعر بلهفة عميقة لرؤيته
فرد جديد ربطها أكثر بعائلة آل مشعل بعد جدتها هيا
هناك الآن اثنان تتلهف لرؤيتهما في الدوحة
جدتها
وسلطان الصغير
فهل هناك من مزيد؟!!


*********************


الدوحة
بعد صلاة العصر
يوم الخميس

مشعل بن محمد يصل لبيته
حتى يأخذ أولاده للنقيان كما اعتادوا غالبا عصر كل خميس
حين يكون الجو معتدلا

لطيفة تقرر أن تنزل له

لم يتوقع مطلقا أن يراها
فهي كانت تتجنبه طوال الأيام الماضية

رآها تنزل.. مبهرة
مبهرة تماما..
في دراعة صفراء ذكرته بشروق الشمس
كأن الشمس لم تبزغ إلا من أجل أن تنير على وجنتيها

كم تؤلمه رؤيتها..
تذكره بخسارته التي يرفض كبرياءه الاعتراف بها!!

كانت لطيفة تقترب وأولادها يحيطون بوالدهم مستعدون للذهاب

اقتربت لطيفة وهي ترسم على وجهها ابتسامة
رغم أنها ترغب في أن تعضه لا أن تبتسم في وجهه

لم تفتها نظرة حمود المنكسرة المراقبة
نظرته نحرتها في الصميم.. وجعلتها أكثر عزما على تنفيذ ما نزلت من أجله
اقتربت من مشعل
ومشعل مستغرب اقترابها هذا

مالت على مشعل وطبعت قبلة على جبينه
ثم جلست لجواره

حين شعر بها مشعل تميل إليه
شعر برائحة عطرها تخترقه حتى النخاع
ثم ملمس شفتيها العذبتين على جبينه
(ما الذي يحدث؟!!
أي لعبة تلعبينها اليوم يا لطيفة؟؟)

لطيفة قبلته وهي ترغب في البصق في وجهه
ثم جلست جواره وهي تتمنى لو ترفسه
ثم احتضنت ذراعه وهي تتمنى لو تكسرها

همست في أذنه من قرب: ترا حمود داري إنه فيه شيء بيننا
وقايل لاخته إنه احنا بنتطلق

كلماتها نحرت مشعل تماما وهو ينقل نظراته بين أولاده

لطيفة قالت بصوت عالي: ها حبيبي مشعل .. شغلك ما خلص..
خلاص الليلة إن شاء الله بترجع صح؟؟

مشعل بهدوء: إن شاء الله.. خلصت الشغل اللي كان عندي وبأرجع

مشعل ولطيفة معا كانت نظراتهم مركزة على حمودي
الذي نفرت من عينه دمعة بريئة
مسحها بسرعة وهو يظن أن لا أحد رآها ويبتسم ابتسامة شاسعة:
يالله يبه تأخرنا.. ولا تنسى بكرة تقومني أروح معك صلاة الفجر


*******************************


بعد صلاة العشاء
بيت عبدالله بن مشعل
جميع فتيات العائلة يجتمعن اليوم
عدا لطيفة التي اعتذرت بأنها تريد الدراسة
مادام أبناؤها ذهبوا مع والدهم

البنات أخذن راحتهن لأن عبدالله سيبات الليلة عند إبله بالقرب من الشحانية
ومعه ذلك العفريت الصغير المسمى سلطان الذي اعتاد على إزعاجهن
و على إزعاج معالي بالذات
وكثيرا ماكانت أمها تصرخ فيها " أنتي لمتى وأنتي مناشبة ذا البزر؟"
ومعالي تصرخ بدورها: خلي ذا البزر يفتك من رقبتي
وسلطان يصرخ بدوره: من البزر أنتي وياها؟؟.. أنا الشيخ سلطان بن عبدالله


البنات يجلسن في صالة البيت الرئيسية
التوأم الثلاثي ومشاعل وموضي ومريم والعنود

والسيدات الكبار في غرفة الجدة
أمهات مشعل وأم حمد

معالي تجلس على الأرض وتمدد ساقيها

وموضي تقول لها وهي تضحك: أنتي يالعجوز اللي يشوفش يقول أكبرنا
قومي فزي..

معالي وهي تئن بطريقة تمثيلية: ماعلي منكم.. رجيلاتي توجعني..

مريم تبتسم: حلوة رجيلاتي ذي من وين جبتيها.. أكيد مسروقة من قاموس جدتي

معالي تضحك: جعلني ماخلا منها.. قاموسها جاي على كيف كيفي
ثم أكملت معالي كمن تذكر شيئا: إلا تعالي موضي..
صدق مشيعلوه الزرافة لقى بنت خالي سلطان في أمريكا؟؟

موضي تضحك: أولا إخي اسمه مشعل.. واكبر منش ب12 سنة، احشميه ياقليلة الحيا
ثاني شيء.. إيه لقاها معه بنفس الجامعة..

عالية وعلياء أخيرا نطقتا وفي وقت واحد: واو.. أكشن فله والله..

الجميع ضحكوا من كلامهما مع بعضهما..
فلطالما تكلمت الاثنتان في نفس الوقت وبذات العبارة

معالي بحماسة: والله حلو.. وجه جديد يدخل العائلة
لانه أنا بصراحة تمللت من وجيهكم اللي تجيب الكآبة..
أول حد يجيب الكآبة خواتي المبجلات الكوبي والبيست
كل ما أشوف وجيههم تجيني كآبة مزمنة
أحس إن الثنتين طالعين من فيلم قديم بالأبيض والأسود
أما الكآبة الأكبر فهي من نصيب عرايسنا مشاعل والعنود
الثنتين مسوين فيها مستحيين
وأنا متاكدة إنه الحين وحدة تفكر في نويصر والثانية في فويرس..

مشاعل خجلت من ذكر من ناصر
لكن العنود ابتسمت وهي تقول لمعالي:
الحين نسينا ما كلينا معاليوه.. رجعتي علي..

معالي تضحك: شوفي أنا مستعدة أرجع معاهدات السلام بيننا إذا زوجتيني فويرس
لأن أنتي من بدأ بالخيانة والاستيلاء على المزيون الموت الحمر

العنود تضحك: روحي زين..إذا كذا ما أبي معاهدات سلام معش..
خلي الحرب أحسن

في وقت جملة العنود كان هاتف موضي يرن، موضي تضحك:
كان ذكرتوا لنا مليون ريال بدل فارس
الظاهر درا إن حبيبة القلب جايبة طاريه قام ودق

العنود اشتعل وجهها بالاحمرار.. ومعالي تطلق سهام تعليقاتها عليها

بينما موضي قامت لترد على فارس بعيدا عن هذا الإزعاج.



************************



بعد صلاة العشاء
مشعل يعود لبيته..

كان يحمل جود التي نامت في الطريق على يديه
دخل بها لغرفتها
وضعها في سريرها وخلع حذائها
ثم قبلها وهو يهمس: اشتقت لبوستش وانتي نايمة يالشيطانة

توجه لغرفته وهو يشعر بنوع من التردد والتوتر
فهو حتى الآن لا يعلم ماذا تخطط لطيفة

دخل
استغرب التغيير الحادث

طقم جلوس جديد
وفي طرف غرفة الجلوس يوجد مكتب جديد
عليه الكثير من الكتب المكدسة
ولطيفة غير موجودة

اقترب من المكتب تناول كتابا
"كتاب جغرافيا للصف الثالث ثانوي"
ماذا يحدث؟؟؟

خلع غترته ووضعها على السرير
وهو يمرر يديه فوق شعره بإرهاق
وجلس ينتظر لطيفة التي علم أنها في الحمام

خرجت لطيفة دون أن تنتبه للمخلوق الضخم الجالس على طرف السرير
فغرفة نومهما غرفة شاسعة
كانت ترتدي روبها ومنشفتها
أخرجت بيجامتها والتفتت تريد العودة لغرفة التبديل
فجعت بالعينين المراقبتين: بسم الله الرحمن الرحيم
تنحنح.. قول شيء

مشعل بهدوءه المستفز: خفتي يعني؟؟!!

لطيفة بنفس هدوءه: لأ طبعا.. وليش أخاف

مشعل بهدوء: ما أدري.. انتي اللي خفتي مهوب أنا

لطيفة ببرود رغم أنها تشتعل من بروده:
دقيقة أبدل واجيك..بيننا كلام

سابقا كانت تحتمل بروده..
لأنها كانت تعيش على أمل أن هذا البرود سيذوب يوما
ولكنها الآن غير قادرة على احتمال بروده هذا.. وهي تعلم أنه لا أمل لها

ارتدت ملابسها وعادت

حين عادت كان مشعل انتقل للجلوس في غرفة الجلوس
توجهت لطيفة بتلقائية للسرير والتقطت غترته
ولكنها تذكرت.. فرمتها
ولكن مشعل انتبه لها
عضت على شفتها "أوف"

جاءت وجلست بعيدا عنه
مشعل بهدوء: حلو الطقم هذا.. وش طاري عليش مغيرة؟؟

لطيفة ببرود: غيرته عشانك..

قامت لطيفة وضغطت طرف الأريكة فانفتحت وتحولت لسرير
وهي تكمل بذات البرود: هذا سريرك

يستحيل أن تخبره أنها اشترت هذا الطقم لتنام هي على هذه الأريكة المتحولة
لأنها من بعد مغادرة مشعل لم تحتمل أن تنام على سريرها
بدون إحساسها أنه إلى جوارها


ولكن مشعل رد عليها بهدوء: أنا أفضل أخذ غرفة ثانية

(اطعنيني وسأطعنك
تريدين أن تبعديني عن سريركِ
سأبعدكِ عن غرفتي كاملة)

( أيها البارد الخبيث السادي!!) تنهدت لطيفة وهي تقول ببرود:
بكيفك يا بو محمد
أريح بعد.. أنا لو علي كنت مرتاحة يومك تجينا ضيف وتروح
بس أنا عشان عيالي
حمود صاير حساس بزيادة وكل شيء يلاحظه ونقل أفكاره لمريوم

مشعل يقف وهو يقول ببروده الشهير: مايصير إلا الخير..

لطيفة تشعر أنها تشتعل.. تتمنى أن تصفعه
تريد أن ترى هل وجهه هذا مصنوع من ألواح من الثلج أم ماذا؟؟

مشعل يريد أن يعجل بانسحابه..
فهو على الجبهة الأخرى ماعاد يحتمل حضورها الجديد الآسر
ماذا يحدث يا مشعل؟!!

أكمل بهدوء وهو يتوجه للحمام: خلاص أم محمد أنا بنام هنا

كانت لطيفة تكور يديها وهي تفرك أناملها حتى أبيضت من غضبها عليه
وعلى بروده
لِـمَ هو صامت كصمت قبر مهجور؟!!
تريده أن يصرخ بها
حتى تصرخ به..
تريد أن تفرغ كل طاقتها السلبية فوق رأسه
قبلا كان (يعصب) أحياناً
تريد بعضاً من هذه العصبية الآن
حتى تجد سببا لتشفي بعضا من غليلها فيه!!
هل يستمتع بجعلها تشعر أنها غير ذات أهمية بالنسبة له؟!!


قبل أن يدخل مشعل الحمام تذكر شيئا فعاد:
أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟

كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة

مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!

وكانت لطيفة تنتظر جملة كهذه لتنفجر انفجارها الثاني فيه..


**********************


بيت عبدالله بن مشعل

موضي قامت لمجلس الحريم الخالي حتى ترد على فارس

موضي بمحبة: هلا هلا هلا بالشيخ فارس

فارس بهدوء: هلا والله بالقاطعة.. نعنبوا دراش ماكن لش إخ تسألين عنه

موضي تضحك: مشاغل مشاغل

فارس يبتسم: زين أنا عند باب مجلس النسوان..
افتحي لي اسلم عليش..وأروح

موضي فتحت له فورا

فارس يبتسم: أنتي قاعدة لابدة عند الباب

موضي تحتضنه وتقبل خده وهي تقول: أنا أصلا كنت هنا..
طاقة من البنات مسوين إزعاج

فارس شعر بالحرج ولكنه قال بهدوءه الواثق:
أنتو عندكم نسوان.. مادريت والله..
يالله بأروح..أنا كنت جاي اسلم عليش وبس
لأنه جدتي وأمي أم مشعل ومشاعل جايهم اليوم العصر..

كان فارس يستعد للخروج حين ضحكت موضي وقالت:
إلا قول إنك دريت إن حبيبة القلب هنا..
وقلت على الأقل نشم ريحة الحبايب..

فارس توقف وهو يشعر كما لو كان سكب على ظهره ماء مثلج
وهو يقول بهمس هادئ: العنود هنا..؟؟

موضي تبتسم: يس، هنا.. وتدري لازم نستلمها شوي بما إنها العروس الجديدة

فارس سحب نفسا عميقا
وهو يقول لموضي برجاء عميق واثق أشبه بالأمر:
موضي أبي أشوفها..

موضي صُعقت: أنت مجنون..
أشلون تشوفها البيت مليان عالم.. وهي مستحيل توافق؟؟

فارس بهدوء وثقة: أنا ماطلبت شيء حرام في الشرع.. هذي مرتي..
وأصلا أنا ابي اشوفها بدون ماتدري هي..
والموضوع بيني وبينش وبس

موضي ابتسمت بخبث: كذا مقدور عليها

موضي أطفئت أضواء المجلس ثم سحبت فارس من يده
وأوقفته بجوار الشباك الخلفي المطل على مطبخ البيت الخارجي
وقالت له بهمس: وقف هنا وأنا بجيبها الحين بوديها معي المطبخ

ثم خرجت..
وطبول الحرب تستعر في قلب فارس
وأعماقه التي ما عرفت التردد يوما يهزها زلزال من الترقب واللهفة

أي لعبة تلعبها يا فارس؟؟
أنت لم تحتمل حتى صوتها فكيف ستحتمل رؤيتها؟!!

" أنا محترق.. محترق
وحالتي حالة من يوم سمعت صوتها
وش بيضر شوفتها زود"
بيت عبدالله بن مشعل

موضي تعود للبنات في الصالة وعينيها تبرقان بحماسة
فحمد لم ينجح بعد في خنق كل روحها المرحة

تقترب من العنود وتشدها من يدها لتوقفها:
قومي معي المطبخ خلينا نجيب عصير للبنات

العنود نهضت معها

ثم قفزت معالي: وأنا بعد بأروح معكم

موضي بغيظ منها فهي ستفسد مخططاتها:
اقعدي.. بأقول لها كلام نسوان.. وش ملقفش؟؟

معالي وهي تجلس وتقول بلهجة منكسرة مصطنعة:
الله حسيبكم كسرتوا خاطري الرقيق

مريم تضحك: لا تخافين على خاطرش.. يكسر كل الخواطر طال عمرش

وموضي والعنود توجهتا للمطبخ الخارجي

وقتها كان فارس يشتعل من الترقب
ويشعر بخطورة ماهو مقبل عليه
هو لا يخشى شيئا لأنه يعرف أنه لا يفعل شيئا محرما في الشرع
وهو لا يخاف من أي كان..فالخوف والتردد ملغيان من قاموسه منذ طفولته
ولكنه بات يخشى هذا القلب الذي أصبح يجهله
وكأنه ليس قلبه
بعد أن فقد سيطرته عليه

بعد دقيقة رأى شبحين يقتربان
دقات قلبه تتزايد
أغمض عينيه وهو يتنهد بعمق

وقتها كانت موضي وصلت باب المطبخ المقابل تماما لشباك المجلس
قالت للعنود بنبرة تمثيلية: يوه المطبخ ريحته بصل مايصير نبخرش بصل
وقفي هنا وأنا بأجيب الأغراض تساعديني نشيلهم داخل

العنود وقفت وهي تسند ظهرها للحائط بجوار باب المطبخ

لحظتها فتح فارس عينيه
ثم عاد لإغلاقهما وكأن نور الشمس الساطع غشا عينيه
ليس "كأن"
بل فعلاً
فنور شمسه (هو) غشا عينيه حقيقةً..

فارس وصل لمرحلة غريبة من العشق
أنه مهما يكون سيكون شكل آسرته
فهي أسرته.. وانتهى
لا يهمه أن تكون جميلة أو قبيحة

وعين الرضا عن كل عيب كليلة # لكن عين السخط تبدي المساويا


وربما كان في ذلك حالة معاكسة لمشعل
فمشعل لم ير جمال لطيفة
وفارس سيرى العنود جميلة على كل حال
فكيف وهي جميلة فعلا
بل هي أجمل من كل أحلامه وأعذب!!

حين فتح عينيه كانت تقف أمامه..أمامه تماما
بكامل بهائها وأناقتها
تمازج قميصها الزهري مع صفاء بشرتها
وشعرها الأسود المدرج يحيط بهالة القمر

كانت حكايته الخيالية
الشعر.. الوجه.. النحر.. الجسد
سلسلة من الحكايات المرسومة بإبداع
كل شيء مرسوم من أجله..
له هو فقط..

فارس غير متواجد على الكرة الأرضية
فارس يحلق في كوكب آخر
كوكبها هي!!

" ماذا فعلتي بي أيتها الصغيرة؟!!
ماذا فعلتي بي؟!!
لِـمَ أنتي ساحرة هكذا؟!
وفاتنة هكذا؟!
ورائعة كهذا؟!
وبريئة هكذا؟!
لماذا تدفعينني لأحبك أكثر؟!
لا أريد أن أحبك أكثر!!
أريد أن أكرهكِ أكثر
أريد أن أمزقكِ!!
أريد أن أنتزع قناع البراءة الذي تتسربلين به
حتى أرى كيف تجرأتي وطعنتني في رجولتي
لأرى أي لسان سليط قميء تخبئين
ذاك اللسان الجارح القاتل الذي يقف بيني وبينك
وسيبقى حائلا بيننا مهما تغلغتي في روحي وتمكنتي"

مازالت العنود واقفة وهي تهتف لموضي:
موضي هذا كله تجيبين عصير
بتجين وإلا رحت؟!!

فارس يهتف في داخله
" لا لا تروحين.. لا تصيرين قاسية كذا
ماشبعت من شوفتش!!"

كان ينظر لها بتمعن
كأنه يريد أن يخزن كل تفصيل من تفاصيلها في ذاكرته
شعرها السرمدي
عيناها الناعستان
شفتاها الشهيتان
نحرها المبهر

وصوتها!!
غرامه الأبدي!!

(أريد أن أسمع صوتها مرة أخرى)

ابتعد عن النافذة قليلا
واتصل بموضي وهمس لها: موضي خليها تسولف وطولوا شوي

موضي بهمس: تراك مسختها

فارس بثقة: نفذي وأنتي ساكتة..

موضي من داخل المطبخ:
العنود ماقلتي لي وش سويتي في المادة اللي أنتي خايفة منها؟؟

بدأت العنود في الحديث وهي تسترسل تماما
فموضي عرفت كيف تختار الموضوع
فهذه المادة بالذات هي مأساة العنود التي ما أن يفتح موضوعها
حتى تبدأ بالشكوى التي لا تنتهي

كانت تتحدث بحماس حينا وبشكوى حينا آخر
عيناها تلمعان
ويداها تتحركان
تبتسم حينا وتعبس حينا

وكل حركة وإيماءه وهمسة وابتسامة تذيب قلب فارس المتيم
ونبرات صوتها طيور نوارسٍ حلقت به فوق البحر الشاسع
جعلته ينفصل عن عالمه لعالم آخر
عالم يحلق فيه مع صوتها الملائكي المثير

(أي مخلوقة أنتِ
أ اعتدتي على نحر القلوب؟؟
أ تنحرينها وأنتي لاهية يا طفلتي؟!
متعب أنا أيتها الصغيرة
متعب
متعب منكِ
وبسببكِ
أحبكِ
وأريد أن أكرهكِ
أريد أن أكرهكِ كثيرا
كثيرا
اجعليني اكرهكِ
أرجوكِ لا تكوني عذبة هكذا!!
وشفافة هكذا!!
ولذيذة هكذا!!"

موضي خرجت أخيرا وهي تعطي العنود صحنا
وتعود لتحضر هي صحنا آخر
وتغادران

وتتركان المأسور المصاب بحمى العشق واقفا أمام شباكه

ما أن رأهما تغادران حتى جلس
يشعر أن قدميه لا تحملانه
كثير كل هذا عليه وعلى رجولته
أن تعبث هذه الطفلة به
تطعنه وتهينه
ثم تجعله يذوب فيها ومن أجلها
أ هكذا تكون العدالة؟!!
بدلا من أن ينتقم منها
يكون قلبه أسيرها؟!!!

وماذا ؟ ليكن أسيرها.. ولكن هي لن تعلم!!

موضي ما أن أوصلت العصير حتى عادت له وهي تغلق الباب خلفها
أشعلت الأنوار
وجدته جالسا
موضي بقلق: بسم الله عليك فارس وش فيك؟؟

فارس بهدوء وكأن صوته قادم من عالم آخر: مافيني شيء.. أنا باروح

موضي بنعومة: تبي تطق وما تقول لي رأيك في المدام

فارس وهو يخرج ليلملم مشاعره المبعثرة، يقول بثقته المعتادة:
بعدين بعدين موضي

موضي هزت كتفيها وعادت للبنات


***************************


معركة من نوع آخر
على جبهة أخرى
أحدُّ وأنضج
وأكثر خطورة


غرفة مشعل ولطيفة

المعركة على وشك الاحتدام

مشعل يتساءل: أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟

كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة

مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!

لطيفة كانت تنتظر منه إشارة حتى تنفجر، وهاهي انفجرت:
نعم؟؟
استشيرك؟؟ وليش استشيرك؟؟
سنين وأنا ماشية ورا شورك
وش لقيت يعني في أخرها
لا حشيمة ولا قدر ولا محبة

مشعل بهدوء: أم محمد لا تكونين مثل ماقال صلوات الله سلامه عليه
من مكفرات العشير..
أنا ما حشمتش ولا قدرتش؟؟ اتقي الله تبهتيني وأنا واقف؟؟

لطيفة مازالت مستمرة في ثورتها وصوتها يعلو:
وليه أنت تسمي تعاملك البارد معي طول ذا السنين حشمة؟!!!
ويا سلام على الحشمة اللي أخرتها كذا
حشمتني وأنت حتى مشاعري ما احترمتها
حشمتني وأنت تبي تزوج علي بدون سبب
حشمتني وأنت طول عمرك متجاهلني وتعاملني كني طوفة


مشعل اقترب منها
وفي عينيه بريق غريب مختلف
خافت لطيفة
أ يعقل أن يضربها؟!!
وهو الذي لم يفعلها يوما
ومع ذلك لم تتراجع وبقيت تصرخ في وجهه
بكل قهر السنوات المكتوم
فهي مازال لديها الكثير لتقوله.. ولن تتراجع


ولكنها صدمت بتصرف آخر لم يخطر ببالها
مشعل يمسك وجهها من ناحية ذقنها بيد واحدة
ويسكتها بقبلة طويلة كما أراد في المرة الأولى تماما
لطيفة صُعقت
حاولت تخليص نفسها وهي تضرب صدره العريض
ولكنها لم تفلح
حينما أروى غليله.. أفلتها هو بنفسه
وهو يعطيها ظهره عائدا للحمام

لطيفة تصرخ بغضب وقهر:
يا الحقير أنا أم عيالك ماني بوحدة رخيصة تسوي فيني كذا!!

مشعل يلتفت عليها ويقول بهدوء:
أنتي أم عيالي وأنا ما أني بأصمخ أسمع زين..
وكل ما طولتي صوتش بأسكتش بذا الطريقة
أظني عيالنا غرفهم قريبة منا مافيه داعي تسمعينهم

وثاني شيء أنا سمحت لش تعصبين
بس ما أسمح لش تسبين
ذا المرة بأعديها بكيفي.. بس إياني وإياش تعيدينها

لطيفة بغضب مكتوم وهي تخفض صوتها: أكرهك.. أكرهك..

مشعل ببرود: كذابة..

لطيفة بذات الغضب المكتوم: إلا .. أكرهك وكل يوم أكرهك أكثر

مشعل عاد إليها وهو يقول بهدوءه المثير الذي أثار القشعريرة في جسدها:
يالله..حطي عينش في عيني وقولي إنش تكرهيني

أشاحت لطيفة بوجهها وهي تقول: أكرهك.. أكرهك

ابتسم مشعل وهو يعود للحمام: كذابة

(لعبةٌ مسلية..
قاوميني قليلا أيتها الشهية..
واجعلي اللعبة أكثر متعة
فأنا أعرف أنك ستستسلمين لي في النهاية!!
فأنا معتاد على المعارك
نفسي طويل
وصبري أطول
فماذا عنكِ؟!!)

ولطيفة تشتعل.. تشتعل
(حقير
حقير
وخبيث
ولئيم)


***********************


الساعة 2 ظهرا
واشنطن دي سي

مشعل قادم لزيارة زوجة عمه
يطرق الباب
لكن لا رد
استغرب

توجه لسؤال حارس المبنى إن كانوا قد ذهبوا لمكان معين

ليصعقه بالجواب:

أم هيا في المستشفى من البارحة بعد أن جاء الإسعاف وحملها
الساعة الثانية والربع ظهرا
مستشفى جامعة جورج تاون
الملاصق للجامعة من ناحية اليمين في 3800 Reservoir Road NW

كان مشعل يصل المستشفى
وهو يقطع ممراته ركضا بخطواته الطويلة
سأل عن أم هيا
وأخبروه أنها في العناية الفائقة
ارتعب
ماذا حدث
قبل أمس حين زارها كانت بخير
ولكنها كانت توصي بابنتها
أ كانت تشعر بشيء؟!!

(لا.. إن شاء الله.. بأتفاول على المره.. مافيها إلا الخير)

كان يشعر بالغضب على هيا لأنها لم تتصل به
من المفترض أنها ابلغته فور تعب والدتها

وصل مشعل للمكان
ولم يحتج أن يبحث عن الغرفة لأنه عرف مكانها
من الخيال الأسود الذي يدفن وجهه بين يديه

اقترب مشعل منها بهدوء وهو يهمس: هيا

رفعت هيا وجهها له
صُعق من ذبول وجهها وانتفاخه
يبدو أنها لم تتوقف عن البكاء منذ البارحة


مشعل بهمس: الوالدة وش فيها؟؟

هيا بصوت باكي: تعبانة يا مشعل تعبانة.. أمي بتروح وتخليني
سلطان راح وخلاني.. والحين أمي بتروح وتخليني بروحي في ذا الدنيا

مشعل بحنان وهو يجلس على الكرسي المجاور ولكن بدون أن يقترب منها:
أفا عليش هيا
وش ذا الكلام.. احنا هلش وأنتي في ذمتنا

هيا بحزن: أنتو ما بغيتوني وابي حي.. تبوني الحين

مشعل بذات الحنان: الله يهداش أنتي عارفة إن ذا الكلام في رأسش أنتي وبس
والوالدة إن شاء الله مافيها إلا كل خير.. هدي نفسش بس
وأنا بأروح أكلم السفارة والدكاترة..


************************



بيت فارس بن سعود
الساعة 2 بعد منتصف الليل

فارس يصل غرفته بعد سهرته مع أبناء عمه
ويبدو أن سهرته ستطول كثيرا

فهو طوال تواجده مع أبناء عمه
كان تفكيره فيها هي

وصورتها تتضخم حتى سيطرت على كل خلية في دماغه
يكره هذا الضعف
وليس فارس من يضعفه حب أنثى
ولكنها ليست أي أنثى
إنها العنود
بلسانها السليط
ثم بصوتها الساحر
ثم بتفاصيلها المبهرة وطلتها الملائكية الساحرة
فأين المفر؟؟

(ولكن أنا أيضا فارس بن سعود!!)

توضأ .. وصلى قيامه
فور تسليمته
رن هاتفه
استغرب
من يتصل به هذا الوقت؟؟

التقط الهاتف.. نظر للاسم ورد باحترام رغم استغرابه:
هلا والله بحضرة العميد

صوت ثقيل على الطرف الآخر: هلا والله أبو سعود
ماأدري أقول صباح الخير وإلا مساء الخير

فارس برزانة: تقول اللي تبيه يأبو أحمد.. آمر..

العميد بنبرة رسمية مهذبة: أدري أنه الليلة جمعة
والمفروض إنه إحنا بلغناك قبل
والسموحة يا أبو سعود
بس احنا عندنا مداهمة كبيرة
ونبي حد من النيابة العامة معانا
وأنا ما أمون إلا عليك..

فارس باحترام: ربع ساعة وأكون عندكم في المركز

العميد بامتنان: جعلني ما أخلى منك..
ماعمرك رديتني.. مع أنه حقك ترفض بدون تكليف رسمي

فارس برجولة: أفا عليك أبو أحمد.. ما بيننا ذا السوالف

فارس أنهى الاتصال وهو يلبس ملابسه بسرعة
مر بغرفة والدته وجدها نائمة
كان يخشى أن يتأخروا للفجر
وألا تجده في سريره وتقلق عليه
لكنه لم يرد تكدير نومها

(إن شاء الله قبل الفجر راجع)



**************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة 4 الا ربع فجرا

لطيفة تطفئ منبهها وتصحو

البارحة كانت ليلة عصيبة عليها

بعد معركتها مع مشعل
هي خرجت لأولادها لترى أحوالهم بعد عودتهم
وبقيت عندهم حتى ناموا و تأكدت إن مشعل خرج
فهي تحفظ جدوله
وتعرف أن الليلة جمعة وأنه لابد سيسهر في المجلس

عادت لغرفتها ووظلت تدرس حتى اقترب موعد عودته
لا تريده أن يظن أو يخطر بباله إنها بقيت تنتظره
تمددت على سريرها
ومثلت النوم
وكم أصبحت بارعة في التمثيل!!
وكم تتعبها هذه الحياة
فهي ما اعتادت على هذه الحياة المعقدة الكثيفة
حتى حينما كانت تتعذب بهجران مشعل وبروده
كانت هي تتصرف بسجيتها

لكن الآن برود مشعل.. وتضطر أن تمثل برودا يشابهه!!

عاد مشعل
وجدها نائمة
كان لديه أمل غبي أنها ستنتظره
كان لديه أمل أنها قد تنسى كل ما قاله وستسامحه
ولكن هو يستحيل أن يطلب السماح
فلا بد أن تسامحه من تلقاء نفسها
هل أجرم أنه قال أنه يريد الزواج؟!!
هي من دفعته لهذا التفكير
وهي من دفعته لإلغاءه

نعم .. إلغاءه!!!!!!


فأي مجنون يتزوج على فتنة مثل هذه؟!!

دفعته للتفكير فيه طيلة سنوات
ودفعته لإلغاءه في دقائق

ذلك الحماس المتوقد خلب لبه
وطعم شفتيها الجديدتين أذابه

هي من عبثت به
هي من عبث به منذ البداية
وهي من لا بد أن ترضيه وتسترضيه
هو يستحيل أن يتنازل
أو يقول لها إنها غير رأيه عن فكرة الزواج
لن يصغر نفسه أمامها!!

ينظر لها وهي نائمة
كم هي رائعة
وكم هو مشتاق لها!!

"أوف"
خرجت تنهيدته عميقة وحادة جدا

لطيفة بداخلها (تأفف لين بكرة .. أحسن)

توجه لسريره الجديد وفتحه لينام
تقلب مطولا
قبل أن يحل النوم بأطراف عينيه


وهاهي الآن لطيفة تصحو
وحان دورها لتتأمله وهو نائم
اقتربت منه لتصحيه لصلاة الفجر

تمعنت فيه وهو نائم على جنبه اليمين وكفه تحت وجهه كما اعتاد
لحية عارضه أكثف
وبدا لها أكثر وسامة

هل هو متعب؟؟ مرهق؟؟
موعد الحلاق عنده كالساعة تماما
مابه أهمل عارضه هذه المرة
ما الذي يشغله؟؟

أ هي العروس الجديدة؟؟

الحقير.. كم أتمنى أن أقتله وأقتلها
ولكن لن أشمته فيني
ليذهب ويتزوج
ليشبع بها ويملأ عينيه التي لا يملأها التراب

لطيفة بنبرة باردة: مشعل.. مشعل.. الأذان أذن.. قوم
ولا تنسى تأخذ حمود.. حتى عبودي صحه وأخذه معاكم


*********************


مستشفى جامعة جورج تاون

الساعة الخامسة عصرا

سمحوا لهم بالدخول لرؤية أم هيا..
هيا ومشعل وباكينام التي حضرت فور معرفتها بالخبر


كانت أم هيا تعاني من جلطة.. وهذه هي الجلطة الثالثة
ووضعها الصحي متدهور.. فهي في السابعة والستين
وتعاني من السكر والضغط والكوليسترول
الثلاثي المتلازم


هيا انكبت على يد والدتها وهي تبكي
وباكينام وقفت خلفها وهي تربت على ظهرها
وبعينيها دمعات متعلقة
وببلعومها تختنق العبرات وهي تحاول تهدئة هيا

مشعل ذهب من الناحية الأخرى
ومال إلى أذن أم هيا وهو يقول بحنان وثقة:
ماعليش شر يمه.. تجربين غلاش علينا
تراش غالية.. ومافيش إلا العافية

أم هيا بصوت هامس: هيا أمانتك يا مشعل.. هيا أمانتك

مشعل بثقة ورجولة: هيا في عيوني وانتي بعد..
وماعليش شر.. تعب بسيط..لا تدلعين

هيا حين سمعت أمها توصي بها
انهارت في بكاء مر
باكينام مالت على أذن هيا: هيا يا حبيبتي.. اللي بتعمليه مش كويس ئدام ماما
لازم تباني جامدة ئدامها

هيا ارتمت في حضن باكينام وهي تقول بنشيج: ما أبي أكون قوية
تعبت وأنا قوية.. أبي أمي.. أمي وبس

فرت دمعة قاتلة من عين أم هيا

ومشعل يشعر بنفسه يختنق.. يختنق
يــخــتــنــق

فخرج ووقف خارجا


*************************


بيت فارس بن سعود

أذان الفجر

أم فارس تصحو من نومها
تتوضأ وتتوجه لغرفة فارس لإيقاظه

وهي تفتح الباب شعرت بإنقباض كتم على أنفاسها
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم

وفتحت الباب
شعرت بالرعب وهي ترى سريره خاليا ومرتبا
أي أنه لم ينم عليه

عادت لغرفتها وهي تلتقط هاتفها
وترن الرقم المخزن عندها في رأس قائمة الاتصال السريع
كان مغلقا

وكأن إغلاقه كان إغلاقا لأنفاسها
شعرت أنها عاجزة عن التنفس
وكل الأفكار المرعبة تتزاحم في مخيلتها

استعاذت بالله من الشيطان الرجيم للمرة الثانية
وهي ترن على الرقم الثاني في قائمة الاتصال السريع

كان يخرج لتوه من الحمام متوضئا لصلاة الفجر
ويريد إيقاظ أولاده
استغرب الاتصال رد بسرعة وقلق: عسى ماشر يا وضحى؟؟

جاءها صوتها المخنوق ليرفع قلقه للحد الأقصى: سعد تكفى يا أختك
فارس ما أدري وينه.. وأدق عليه جواله مقفول
تكفى يا أختك بأموت من الخوف عليه.. بأموت
ولو كان الحزن رجلا لقتلته
.
.





أسى الهجران/ الجزء السابع والعشرون


بيت محمد بن مشعل

كان ناصر عاد قبل وقت من صلاة الفجر ويستعد للنوم

رن هاتف ناصر.. رد باستغراب: هلا والله أبو فيصل

سعد على الطرف الآخر: ناصر تكفى روح لأم فارس وجبها للمستشفى

ناصر يقفز عن سريره ويقول برعب: عسى ماشر؟؟

سعد بقلق وحزن مرٍّ: فارس متعور عوار بسيط..
وأنا قلت لها وطمنتها
بس هي حالتها حالة.. ومهيب مصدقتني
روح جيبها تكفى
أنا لو رحت لها أبي لي ساعة
وأنا خايف عليها...

ناصر برعب: وفارس صدق بخير.. أمنتك الله تقول لي الصدق

سعد بقلق وحزن عميق: دامك أمنتني..
ما أدري.. ما أدري.. ماخلوني أدخل عليه
قبل الصلاة دقت علي أم فارس تقول ما تدري وينه
أنا قلبي نغزني جيت على طول طوارئ حمد
لقيت المستشفى مقلوب ومليان ضباط
وفارس كان معهم في مداهمة أخر الليل وانصاب فيها


ناصر باستعجال ورعب متوحش: خلاص جاينيكم الحين..


ناصر قفز وارتدي ملابسه بسرعة صاروخية
ثم خرج يتسحب لا يريد أن يراه والده أو راكان حتى يتأكد من وضع فارس

توجه لغرفة العنود
كانت العنود قد نامت بعد أن صلت الفجر
ناصر حركها وهو يقول لها بقلق مكتوم:
العنود قومي البسي عباتش وامشي معي

العنود قفزت مرعوبة: عسى ماشر؟؟

ناصر وهو يحاول التمسك بالهدوء: مافيه شر.. بس أبي أروح لأم فارس
وما أقدر أدخل على المره بروحي

العنود شعرت بقلبها يغوص بين قدميها: وفارس وينه؟؟

حتى لو كانت مشاعرها مازالت تتأرجح ناحية فارس
بين التوجس والإحترام والمودة
فالأنثى السوية ما أن يرتبط اسمها باسم رجل ما
حتى تجد مشاعرها الطبيعية تتدفق ناحيته بتلقائية
وهذا ما يحدث
ففارس أصبح نصفها الآخر
وبالغصب عنها مشاعر القلق اقتحمتها: فارس فيه شيء؟؟

ناصر باستعجال: خلصيني يا بنت الحلال بدون كثرة أسئلة
فارس مافيه إلا العافية

بالفعل العنود ارتدت عباءتها ونقابها على عجل
وهي تخرج خلف ناصر لبيت فارس
العنود دخلت أولا وناصر بقي خارجا في السيارة
وطلب منها إحضار أم فارس

دخلت العنود ووجدت أم فارس منهارة من البكاء
انقبض قلب العنود بشدة
أم فارس حين رأت العنود انهارت أكثر
اعتقدت أن فارس مصابه جلل
لذا قدمت العنود
ارتمت على صدر العنود وهي تنتحب

العنود ليست مهيأة كفاية بنعومتها ورقتها لمثل هذه المواقف
ولكنها جينات آل مشعل
الجينات التي تعمل بأعلى كفاءاتها تحت الضغط وفي أسوأ الظروف

العنود أمسكت بأم فارس وهي تقول لها بحزم
رغم أن داخلها يذوي قلقا على فارس: وين عباتش يمه؟؟

أشارت أم فارس لعباءتها الملقاة على المقعد..
تناولتها العنود وألبستها إياها وخرجت بها وهي تسحبها تقريبا

أركبهما ناصر
ولأن بيوتهم متجاورة
عاد لبيتهم وقال للعنود بحزم: انزلي..

العنود فُجعت وهي تقول بهمس موجع: ما أقدر أروح معكم؟!

ناصر بحزم: وين تروحين ..المستشفى مليان رياجيل عنده الحين
باودي خالتي أم فارس تطمن عليه.. وبارجعها على طول

نزلت العنود وهي تشعر كأنها تنحر..
اقتربت من شباك ناصر وهمست له:

تكفى طمني



**************************



مقر حزن آخر
مستشفى جامعة جورج تاون

حالة أم هيا تزداد صعوبة
ووضع هيا النفسي يزداد سوءاً

باكينام ومشعل مرابطان مع هيا في المستشفى

ولكن هيا أصبحت عدائية جدا مع مشعل
فهي تريد أحدا تفرغ فيه غضبها وحزنها
ووجدت أن واحدا من آل مشعل هو خير من ينفع للدور
مشعل متعاطف معها جدا ويقدر ظرفها وحزنها
ولكنه إنسان بشري له حدود طاقة
وهو ليس أي أحد
بل واحد من آل مشعل بكبريائهم الثمين
الذي تحاول هيا دوسه بقدميها

مشعل يقترب من هيا ويقول لها بهدوء:
هيا أنتي ماكلتي شيء ولا ارتحتي من البارحة
روحي للبيت أنا بأقعد عندها

هيا بعدائية غريبة: ما أبيك تقعد عندها..
أصلا من يوم شفنا وجهك ماشفنا خير يا وجه الشوم

باكينام هي من ردت وهي تقول لهيا بغضب مكتوم:
عيب اللي بتئوليه ياهيا..الراجل ما طلعتش منه العيبة
ودي حاجة مكتوبة عند ربنا.. وماما حصة ست تعبانة من زمان

هيا بغضب ونحيب: كله منه وجه النحس.. خليه يفارق ما أبي أشوف وجهه

وجه مشعل بدأ يتغير من فعل غضبه الذي يحاول كتمه لأنه ليس وقته ولا مكانه

باكينام وقفت وهي تهمس: ماعليش يادكتور مشعل ياريت تروح انته
أنا ئاعدة معاها

مشعل كان على وشك الذهاب لأنه كان وشك الانفجار فعلا
لولا أنه رأى أحد منسوبي السفارة القطرية يتوجه إليه
فابتعد مشعل عن مكان تواجد البنات وألتقى به وألقى التحية عليه

مشعل بترحيب: هلا والله أستاذ طلال.

طلال بهدوء: الله يرحب بك.. ترى السفير موجود هنا في المستشفى
جاي يزور السفير التونسي ويوم درا إن مرت عمك في المستشفى
لزم يمر يزورها ويشوف وضعها

مشعل بهدوء: حياه الله

مشعل عاد وأعطى هيا تنبيها أن السفير سيمر بهم
هيا عدلت وضع جلال والدتها الملفوف فوق غطاء شعر المستشفى
وقالت له بحنان: يمه بييي ريال يزورج

بعد دقائق وصل السفير ومعه سكرتيره وطلال

هيا وباكينام كانتا تقفان في زاوية الغرفة بعيدا عنهم

السفير اقترب من أم هيا وهو يقول لها: ما تشوفين شر ياخالة ماعليج شر

أم هيا بضعف وهي تضع طرف الجلال على الناحية السفلى من وجهها: من أنت؟؟

السفير يبتسم: أنا السفير القطري.. تبين شيء.. قاصرج شيء.. ترانا حاضرين

أم هيا بضعف ولكن بنبرة حازمة: إيه أبي..

السفير بهدوء وثقة: آمري ياخالة

أم هيا بحزم الضعف: هذي بنتي.. وهذا ولد عمها

السفير يقاطعها: أعرف مشعل زين يا خالة..

أم هيا تكمل: أبيك تاخذهم اثنينهم الحين معك للسفارة.. وتجيب الشيخ
وتزوجهم

هيا ومشعل صُعقا.. ومن شدة الصدمة لم يستطيعا الكلام
وقع الصدمة عليهما معا كان أكبر من كل وصف
طلب أم هيا نزل فوق رأسيهما كالصاعقة..

السفير القطري بتهذيب: ولا يهمج يا خالة
إن شاء الله إذا قمتي بالسلامة زوجناهم وسوينا لهم عرس بعد

أم هيا بحزم رغم ضعفها البادي: يمه هذي وصاة مره تموت.. أحطها أمانة في رقبتك
أبيك تزوجهم الحين.. ما أبي أموت وأخلي بنتي مابعد تطمنت عليها

السفير ارتعب.. فالأمانة أمر جلل.. فكيف وهي أمانة امرأة تحتضر؟!

هتف بحزم لهيا ومشعل: يالله قدامي للسفارة

هيا تكاد تجن.. ومشعل وقف صامتا بحزم

هيا توجهت لإذن أمها وهي تقول باستجداء مر هامس ودموعها تغرق وجهها:
يمه تكفين.. كله ولا مشعل.. كله ولا مشعل
تبين أتزوج من اللي ذبحوا أبوي.. ومشعل بالذات وجهه كان نحس علينا
أكرهه يمه.. أكرهه

أم هيا بحزم: إذا تبيني أموت وأنا غضبانة عليج.. أنتي وضميرج..

هيا مسحت دمعتها وهي تتوجه لمشعل
وتقف بجواره استعدادا للذهاب مع السفير


************************


الدوحة

ناصر يصل بأم فارس لطوارئ مستشفى حمد
وطوال الطريق وهو يطمئنها
إن إصابة فارس إصابة بسيطة
ولكن أم فارس كانت مستمرة في نحيبها الذي مزق ناصر


من لها بعد فارس؟؟
من؟؟
هو الشيء الوحيد الذي خرجت به من هذه الحياة
وتعيش من أجله

إذا ذهب فارس فما قيمة الحياة؟؟
لِـمَ تشرق الشمس إن كانت لن تشرق على وجهه؟؟
ولِـمَ تغرد العصافير إن كان فارس لن يصحو على تغريدها؟؟!!
ولِـمَ يهب النسيم إن كان لا يحمل رائحة عطره؟!!


زواجه بعد شهرين ونصف
تحلم بهذا اليوم منذ سنوات
تحلم بأولاده.. أحفادها
فكيف يذهب والدهم.. وهم لا يأتون؟!!
أ ستكفنه بالبشت الأسود الذي اشترته منذ سنوات وخبئته ليوم زفافه؟!!
أ تغسله بدهن العود الثمين المخبئ في قواريره الفاخرة لذلك اليوم؟!
أ تزفه لقبره بدلا من أن تزفه لعروسه؟!!


(ارفق بي يارب.. ارفق بقلبي الثاكل)



************************


واشنطن

بعد حوالي ساعة
هيا ومشعل يعودان للمستشفى
خرجا أبناء عم
وعادا زوجين
طوال طريق العودة في سيارة الأجرة
كلاهما معتصم بالصمت
وكلاهما يلتزم مكانه ملتصق ببابه
وكأن المساحة الفاصلة بينهم ليست أشبارا
ولكنها مئات الكيلومترات
هوة عميقة لا حدود لعمقها واتساعها
عالمان مختلفان
لا يجمع بينهما أي مشاعر طبيعية
هيا تكره مشعل أو تظن أنها تكرهه
ومشعل يريد حمايتها أو يظن أن هذه أسبابه


وصلا للمستشفى
كانت باكينام عندها

دخلا على أم هيا
أم هيا حين رأتهما معا ابتسمت بشفافية
مشعل اقترب منها
وطبع قبلة على جبينها لأول مرة
فهي أصبحت من محارمه شرعا بعد أن أصبحت أم زوجته
أم هيا بابتسامة سماوية: تزوجتوا؟؟

مشعل ابتسم وهو يميل عليها: تزوجنا.. ونتناش تطلعين من المستشفى
عشان نروح شهر عسل جماعي

أم هيا وضعت كفها على خد مشعل وهي تهمس له:
اصبر عليها.. قلبها مليان حقد صحيح.. بس ترا قلبها ذهب
اصبر عليها يمه.. أوصيك فيها.. تكفى ما تقهرها يوم

شعر مشعل أنه يختنق: يمه والله إنها في عيني.. والله ما تقهر ولا تُضام وهي في بيتي

هيا كانت تنتحب.. أشارت لها أمها فانكبت على يدها تقبلها
أم هيا وضعت يدها الأخرى على رأسها وهي تقول بحنان: يمه هيا ارفعي راسج

هيا رفعت وجهها المغرق بالدموع
وأم هيا تقول لها: يمه وصاتج مشعل.. ترا مشعل ريال مافيه مثله
لا تثقلين عليه يمه

هيا صمتت

أم هيا بضعف: يمه هيا أنا أقول مشعل وصاتج

هيا بصوت باكي: في عيوني يمه.. مشعل في عيوني
بس تكفين لا تعبين روحج بالكلام
اللي تبينه بيصير

باكينام انزوت في الركن وبدأت تبكي بصمت

وأم هيا تكمل بضعف: أنا الحين ارتحت.. اللهم لك الحمد والشكر
اللي طوّل في عمري لين ذا اليوم
الله الله في أنفسكم

ثم وجهت حديثها لمشعل: مشعل يمه.. وجهني للقبلة


هيا صُعقت..كلماتها مبعثرة: يمه لا تقولين كذا.. تكفين لا تفاولين على روحج

مشعل بحزم حنون: هيا وخري عنها

توجه لها وهو يوجهها للقبلة
ثم وقف عند رأسها وهمس في أذنها: يمه تشهدي.. تشهدي
قولي أشهد ألا إله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله

باكينام اقتربت وهي تمسك بهيا التي رمت بنفسها على صدرها
هيا كانت تنتحب وترتعش: أمي بتخليني يا باكي
أمي بتخليني..

أم هيا تشهدت 3 مرات ومشعل يعيد عليها التشهد كل مرة
ارتعشت رعشة خفيفة ثم سكن جسدها
سكن للمرة الأخيرة
في رحلة الراحة الأبدية
لدار المقر

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)

مشعل أغلق عينيها وهمس بحزن عميق:
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها

هيا حين سمعت مشعل يقول ذلك
انهارت
انهارت تماما وهي تنتحب على أرضية الغرفة
مشعل اقترب منها
وهو يرفعها عن الأرض بخفة
ويحتضنها بعنف حانٍ ويهمس في أذنها:
إنما الصبر عند المصيبة الأولى
قولي إنا لله وإنا إليه راجعون
مستشفى جامعة جورج تاون
هيا تجلس على كرسي في الممر
تبكي بصمت وهي تكرر:
إنا لله وإنا إليه راجعون

وباكينام تجلس إلى جوارها ودموعها تنساب بصمت

مشعل أنهى بعض الإجراءات
وعاد لهيا وهو يميل عليها ويهمس:
هيا.. أنا أبي جوازاتكم عشان الحجز

هيا بنبرة غارقة في الحزن: أي حجز؟؟

مشعل بمساندة: للدوحة عشان نرجع الوالدة ندفنها
ونسوي عزاها في الدوحة

هيا بحزن مرير: مافيه داعي مشعل مافيه داعي
أمي موصيتني من أيام ماكنا في بريطانيا
وحتى عقب ماجينا أمريكا
إنه المكان اللي تموت فيه تندفن فيه
كانت تقول الأرض كلها أرض الله

أنت قبلنا هنا بسنين
شوف لها مقبرة مسلمين ومسجد يُصلى عليها فيه

باكينام تؤيد كلام هيا: فعلا ماما حصة كانت دايما بتقول
الحته اللي أموت فيها ادفنوني فيها

مشعل تنهد
وهو يجري اتصالاته بالسفارة وبنادي الطلاب القطريين
وبسعيد وبأصدقائه وبإمام المسجد
استعدادا للصلاة عليها ودفنها بعد تغسيلها


************************


الساعة 6 صباحا
طوارئ مستشفى حمد

ناصر يصل بأم فارس للطوارئ
وجدا سعد واقفا في الممر
والمستشفى مزدحم من كثرة الضباط
فكل من كانوا في عملية المداهمة
أصروا أن يبقوا حتى يطمئنوا على فارس
الذي كان الوحيد الذي أصيب في عملية المداهمة

سعد توجه لأم فارس وهو يبتسم ويقول لها:
أبشرش الدكتور الحين طلع من غرفة العمليات
ويقول إصابة بسيطة في كتفه وطلعوا الرصاصة خلاص..

أم فارس تنتحب بخفوت: تكفون أشوفه..

ناصر بحزم: الحين بأوسع لش درب يا خالة..

ناصر توجه للضباط المتجمهرين أمام الباب
وسلم عليهم وتحادث معهم قليلا
ثم ابتعدوا

كان فارس في غرفة الاستراحة

دخلت أمه وناصر وخاله

ما أن رأى أمه حتى ابتسم وهو يتحامل على نفسه ليجلس
سارع له ناصر ليساعده وفي ذات الوقت طبع قبلة على رأسه
وهو يقول له: سلامات سلامات خارجن من الشر
وش لك يا الملقوف بشغل المداهمات أنت وكيل نيابة
قر في مكتبك الله يرضى عليه

لم يكن ذهن فارس مع ناصر
فعيناه كانت على المخلوقة الغالية الأثيرة خلفه
بعينيها الدامعتين الظاهرتين من فتحات نقابها
وهو يبتسم ويقول: والله إني طيب يمه
اعتبريها من أيام الهدود اللي أنتي خابره
يوم كل يوم أجيش مفلع.. دمياني تصب

أمه اقتربت منه واحتضنته بحنان وخفة حتى لا تؤلمه
وهي تقول وعبراتها تخنقها: كبرت يأمك كبرت وماعاد قلبي يستحمل

سعد بمرح: هذا هو طيب يا بنت الحلال وأمشي خليني أرجعش للبيت
وأشوف عيالي.. خليتهم بروحهم في البيت ما عندهم إلا أبو صبري

ناصر باحترام: إيه خالتي روحي.. الضباط يبون يسلمون عليه يرجعون بيوتهم

غادرت أم فارس

ودخل الضباط للاطمئنان على فارس
وخرجوا
وبعدها نقل فارس من الاستراحة لغرفة في الأعلى

بعد ساعة

رن هاتف ناصر.. نظر للاسم وهو يضرب رأسه ويقول :المسكينة نسيتها

فارس باستفسار: أي مسكينة؟؟

ناصر بمرح: حرمكم المصون.. موصيتني أطمنها عليك وأنا نسيتها

انتفض قلب فارس بعنف
(أ حقا قلقة أنتِ علي؟!
هل لأني فارس الذي ذاب من أجلكِ؟
أم لكوني مجرد زوج فرض نفسه عليكِ؟!)

كان ناصر يرد ومشاعر فارس تتحفز مع كل كلمة
هلا عنادي
.............
طيب
.............
والله العظيم إنه طيب.. تعويرة بسيطة
..........
يا بنت الحلال والله العظيم إنه طيب (ناصر بدأ يمل منها)
...............
يعني أشلون.. تكلمينه عشان تتأكدين.. بأكذب عليش يعني؟!! (ناصر بعصبية)

(أجل ناصر
أرجوك..
دعني أكلمها
أسمع صوتها
أريد أن أستمتع بخوفها علي
هل هي حقا خائفة علي؟!!)
هكذا كان فارس يهتف في نفسه.. رغم أنه يعلم استحالة ذلك

ناصر ينهي المكالمة ويلتفت لفارس ويقول: مرتك ذي أذوة
مهيب ****ة تصدقني.. خايفة عليك.. ياحليلكم يا جوز الكناري


***********************


ذات اليوم بعد ساعات

مساءً في غرفة فارس
رجال عائلة آل مشعل يجتمعون عند فارس
حتى الشباب الصغار
سلطان بن عبدالله
ومحمد وعبدالله أولاد مشعل بن محمد

فارس بهدوء يلتفت عليهم ويقول: لا أحد يقول لمشعل بن عبدالله شيء
مافيه داعي تشغلون باله..

عبدالله أبومشعل بتأثر: مشعل الله يعينهم هو وبنت عمه
مرت سلطان توفت عندهم

محمد انتفض: إنا لله إنا إليه راجعون..لازم يجيبها تدفن هنا.. ونسوي عزاها

عبدالله بهدوء: المره موصية إنها تدفن في المكان اللي تموت فيه
ثم صمت عبدالله قليلا
وأكمل: وفيه شيء ثاني أبي أبلغكم فيه.. مشعل تزوج بنت سلطان

محمد بغضب: أشلون يتزوج بدون مايشورنا
وحتى ما أنتظر لين يرجعون الدوحة ونزوجهم على سلوم العرب وسنعهم

عبدالله بهدوء: مرت سلطان كانت موصيته عليها..
وهو تزوجها عشان أمها تطمن عليها
ومايصير البنت تقعد بروحها وهو مهوب حلال لها
فالسفير القطري زوجهم قبل ما تموت مرت سلطان

صمت الكل
وهم يتبادلون نظرات الاستغراب

وكان أول من قطع الصمت سلطان الصغير وهو يقول بمرح:
أما أنتو يا عيال ال مشعل مشافيح
يوم أني أبغي العنود جاء الشيخ فارس وخذها
وذا الحين يوم حطيت عيني على بنت عمي الأمريكية
جاء أخي الشيخ العود وخذها
ذا الحين لأحط عيني على خدامتنا فاطمة القردة نط الشيخ راكان يبغيها

ضحك الجميع فلطالما كان سلطان مصدر تندر دائم
ومحمد يلتفت لأبنه راكان المبتسم ويقول:
هذا هو خويك عرس.. ماعاد باقي إلا أنت

صمت راكان وهو يتبادل نظرات عميقة مع ناصر

ثم نهض راكان ليتصل بصديقه
لا يعلم هل يعزيه أو يهنئه؟!!


********************


بعد المغرب

بيت حمد بن جابر

موضي كانت غاية في الحزن والضيق
منذ علمت بإصابة فارس
كانت تريد زيارته ولكنه طمئنها أنه بخير
ويزوره كثير من الرجال
وسيخرج من المستشفى خلال يومين
وتستطيع زيارته في البيت

حمد يدخل عليها
حمد بنبرة غامضة: أنت لمتى وأنتي قالبة وجهش كذا؟؟
فارس طيب ومافيه إلا العافية

موضي بضيق: حمد أنت عارف فارس وش كثر قريب مني

حمد بسخرية: والله لد الخال ذا راعي مشاكل من صغره
مهوب منتهي لين يموت في وحدة من ذا المداهمات اللي ماله شغل فيها

موضي وقفت وهي تقول بغضب: حمد ما أسمح لك تفاول على فارس
جعل عمره طويل والله يحفظه من كل شر

حمد بغضب: نعم.. نعم.. ما تسمحين لي..؟؟

موضي بغضب مشابه: إيه ما اسمح لك.. على الأقل راعي مشاعري
وأنت تفاول على أخي قدامي

كان رد حمد عليها صفعة مباشرة قوية على وجهها

موضي حافظت على توازنها
حتى لا تسقط من قوة الصفعة التي أشعلت خدها باللون الأحمر
وهي تتماسك أمامه وتقول بقوة: مد يدك على مرة ثانية
والله ما يردني إلا بيت عبدالله بن مشعل
وأظني إنك عارف من عبدالله بن مشعل.. ومهوب بناته إللي يضامون
إذا أنا تحملتك وتحملت ضربك وإهاناتك ذا السنين كلها فعشان خالي وعمتي
وعلى أمل إنك بتتعالج يوم
والحين خلاص أنا كفيت حق خالي وعمتي ووفيت
وأنت خلاص مافيه أمل أنك بتوافق على العلاج

حمد بغضب مجنون: تهدديني.. تهدديني؟!!!

موضي بقوة: لا أهددك ولا تهددني.. بس أنا خلاص صبري خلص
ماعاد فيني صبر
إذا أنت رجّال بتحشمني وتحترمني
أو رجعني للبيت اللي خذتني منه
أنت ما خذتني من الشارع
أنت ماخذني من بيت شيوخ..


**************************


غرفة فارس في المستشفى
الساعة العاشرة مساء

كان فارس يصلي صلاة العشاء بعد أن ذهب أخر زائر من عنده
راكان هو من أصر أن يبقى مرافقا له
لأن ناصر تقريبا لم ينم منذ البارحة
وهو مع فارس منذ الصباح الباكر

بعد أن أنهى صلاته وتأكد راكان من وضعه
استأذنه راكان أن يستحم
ودخل للحمام الملحق بالغرفة

حينها رن هاتف فارس
كانت مريم بنت عمه
استغرب فهي اتصلت به العصر وهنئته السلامة

رد باحترام: هلا والله ببنت محمد

لم يكن صوت مريم
كان صوتا آخر
آخــــــر
آخــــــــــر




أسى الهجران/ الجزء التاسع والعشرون


الساعة 10 وعشر دقائق ليلا
غرفة فارس في المستشفى
رن هاتفه
كانت مريم بنت عمه
استغرب فهي اتصلت به العصر وهنئته السلامة

رد باحترام: هلا والله ببنت محمد

لم يكن صوت مريم
كان صوتا آخر
آخــــــر
آخــــــــــر

صوت أحلامه يصله يذوب خجلا وترددا: مساء الخير فارس.. أنا العنود

(عرفتكِ
منذ همستكِ الأولى
منذ أن وصل رنين أنفاسك إلى أذني)

لأول مرة يجد فارس نفسه مرتبكا
لم يخطر له ولا في أعذب أحلامه أنها قد تتصل به
ولكنه رد عليها بهدوء بثقته المغروسة فيه غرساً: هلا العنود

العنود بخجل: ما أبي أطول عليك.. بس قلت لازم أقول الحمدلله على السلامة

(يا آلهي.. ما أعذبكِ)
(حرام عليش.. اللي تسوينه فيني!!)

رد عليها بهدوء: الله يسلمش (خطر له أنها أنهت مهمتها وستنهي الإتصال الآن
وهو مازال عطشانا مشتاقا لهمساتها، لذا قرر أن يشاكسها)

أكمل بذات الهدوء قبل أن ترد الرد الذي يعلم أنه سيكون (مع السلامة):
ويا ترى أنتي استاذنتي عمي قبل تكلميني؟!! (يعيد لها الجملة التي قالتها له)

شهقت العنود بعذوبة وفارس شعر أن قلبه ذاب مع شهقتها
ثم قالت بحرج كبير: لا ما استاذنته.. استحيت.. أستاذنت مريم.. ما يكفي؟!!

(والله العظيم أنتي مخلوق غير طبيعي
معقولة فيه حد عنده هذا الكم الخرافي من البراءة والعذوبة
ذبحتيني.. ذبحتيني وأنتي ما تدرين)

أكملت العنود بحرج أكبر: فارس أنت زعلان إني كلمتك..

(محرجة.. أعلم هذا!!
هذه المرة أستطيع تكوين الصورة الكاملة
لإحمرار الوردتين المسماة وجنتيكِ
بعد أن سكنت صورتكِ خيالي
وهذه المرة لن أكتفي بحلم لمسهما لتزهر أصابعي
هذه المرة أتمنى لو كنتِ أمامي
لأدفن وجهك المحمر في صحراء صدري القاحلة
لتعشوشب أرجاء هذا الصدر المجدب دون ندى وجنتيكِ)

فارس رد عليها بهدوء رسمي: وش دعوى أزعل.. حياش الله..
وشكرا على ذوقش وعلى الاتصال

زاد خجلها.. هتفت بارتباك: خلاص أنا أستاذن.. مع السلامة..
ومرة ثانية الحمد لله سلامتك..

(يا آلهي.. ستتركني
ستتركني معلقا بين الحلم بها
والحقد عليها
معلقا بين وجع حبي لها
ورغبتي أن أكرهها)

فارس بهدوء: مع السلامة

أغلقت لتتركه مبعثرا كالعادة

(ليش ما أتصلت من تلفونها
على الأقل كان عرفت الرقم
ولقيت لي حجج أكلمها عليه)



**********************


مرت أياما ثلاثة


فارس خرج من المستشفى
وهو في إجازة مرضية لمدة أسبوعين

مشعل ولطيفة
مازال الحال على ماهو عليه
زوجان بالاسم فقط
كلاهما معتصمان بكبريائهما
هي تشتعل من الغيرة كلما خرج من المنزل

(لا بد أن يراها
وربما كان يخططان لزواجهما
ويسخران من الغبية المسماة لطيفة)

تعامل مشعل ببرود بارع
وما لم تكن مشغولة بأولادها فهي تدرس
أما مشعل فهو بطل لعبة البرود
رغم أن مفاصله تبدأ بالإنصهار كلما رأى لطيفة
ويشعر بالجنون من تجاهلها له
ولكنه يظهر عدم اهتمامه بأي شيء أمامها
سوى عمله وأولاده
فهو يرى أن هذه معركة كرامة
وهو ما اعتاد على خسارة معاركه!!


سكان واشنطن
انتهت أيام العزاء الثلاثة
التي قضتها هيا في بيت السفير القطري
الذي أصر على استقبال العزاء في بيته

خلال الأيام الثلاثة الماضية
تلقت هيا على هاتفها عشرات الاتصالات من أفراد عائلتها
عائلة آل مشعل
الجميع اتصل بها وعزاها
جدتها وأعمامها وعمتها وزوجات أعمامها وبنات أعمامها
الكل اتصل بها وأكثر من مرة
شعرت هيا أن كل هذا كثير عليها
كثير عليها
لم تتوقع أن يحيطوها بكل هذه المشاعر الدافئة
وأكثر من تأثرت بإتصاله كانا عميها محمد وعبدالله
شعرت برائحة أعمق لسلطان فيهما

لم ترَ مشعل خلال الأيام الثلاثة الماضية
ولكنه كان يتصل بها كثيرا ليرى إن كانت تحتاج شيئا
كانت ترد عليه ببرود عجزت هي نفسها عن إيجاد سبب له
وهاهي على وشك تقبل كل آل مشعل إلا هو

اتصل فيها ليأخذها للبيت
سلمت على زوجة السفير وشكرتها كثيرا

وخرجت بحزن مر يلتهم روحها وشوق مرير لأمها

خرجت

لتبدأ حياتها الجديدة مع زوج فُرضت عليه وفُرض عليها


************************


الساعة العاشرة مساء
غرفة لطيفة

لطيفة تدرس بعد أن نام أولادها
متأنقة كعادتها
لم تهمل عادتها في التأنق
سابقا كانت تتأنق من أجل مشعل
ولكنها الآن تتأنق من أجل نفسها
وحتى تبقى نفسيتها مشرقة

كان شعرها مرفوعا فوق رأسها بفوضوية
وخصلها تتناثر على وجهها بعذوبة
وقد غمست في شعرها قلماً نسيته

دخل مشعل
(غريبة وش عنده الأخ جاي بدري
مهوب عوايده)

لم ترفع رأسها عن كتبها
سلم ببرود
وردت بذات البرود

ثم دخل ليستحم
خرج وهو مازال في طور التعود على تصريف أموره بنفسه
مشتاق للمساتها الرقيقة في حياته
وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة
خرج وأخذ ملابسه بنفسه
ولكن ما لا يعرفه
أن لطيفة أصبحت ترتب ملابسه بطريقة يسهل عليها تناولها
فهي تضع ماسيرتديه في الأعلى لأنها تعلم أنه لن يبحث بالتاكيد
وسيأخذ ما سيجده في الأعلى
تناول ملابسه
ارتداها
وجدها معطرة
ابتسم

(لا تستطيع إهماله مهما ادعت
يعرف ذلك!!)

تعطر كعادته.. ثم جاء وجلس في الجلسة
سألها بهدوء: أقدر أشوف الأخبار أو بأزعجش؟؟

لطيفة بهدوء مماثل: عادي حط على اللي تبي..

مكتب لطيفة في الزاوية خلف التلفاز من ناحية اليمين
ووجهها لظهر التلفاز.. حتى لا يلهيها شيء

مشعل أصبحت لديه متعة جديدة
اسمها مراقبة لطيفة الجديدة
فهو يضع على الأخبار ويقصر على صوت التلفاز لحد ما
ثم تبدأ طقوس المراقبة
كيف تعقد ناظريها
كيف تكتب؟؟
كيف تركز؟؟
تتأفف!!
تعض شفتيها!!
عالم جديد ممتع ومثير يتكشف أمام عينيه

يشعر كما لو كان يعود مراهقا
يتمتع بتصيد ومراقبة محبوبته
مشاعر لذيذة ومنعشة
نفضت ركام حياته السابقة
بدأ يتذكر بالكثير من الحنين الكثير من مواقف حياتهما السابقة
قلقها عليه
تدفقها ناحيته
ارتعاشها بين يديه

كم هو مشتاق لها!!


يلوم نفسه في اليوم ألف مرة على غبائه
ولكن لومه لنفسه هو في نفسه!!
يستحيل أن يتنازل أو يتراجع
هي أيضا عبثت به
كما أخطأ هو
هي أيضا أخطئت
هي من دفعته للتفكير بسواها
وهي من أطالت لسانها عليه
يستحيل أن يكون البادئ في إرضاءها
هي من لابد أن تعتذر

(ألف أفٍ على كل هذا
كم أنا مشتاق لها!!)

الساعة تقارب الثانية عشرة
وكلاهما يمثلان دوريهما بإتقان

مشعل نهض ليصلي وينام

قبل أن يتوجه للحمام
توجه إليها
انتفضت لطيفة حين رأته يقف إلى جوارها
اخترقت رائحة عطره الثمين حويصلاتها الهوائية

(كم أشتقت لكَ أيها الخبيث!!)

مال عليها
انتفضت أكثر
انتزع القلم من شعرها برقة
ووضعه أمامها على المكتب
وغادرها
بعد أن نجح في بعثرتها
بعثرها كأنها مجموعة من أحجار الليغو
هو وحده قادر على جمعها وتركيبها


**********************



واشنطن
بعد صلاة الظهر


مشعل يصل بهيا إلى بيته

هيا بتوتر: وش فيك وقفت هنا؟؟

مشعل بهدوء: انزلي الحين.. وباشرح لش داخل

هيا صعدت معه لشقته
فتح الباب
ودخلت بخطوات مترددة
كانت شقته أكبر من شقتها وأفخم بكثير

هيا بتوتر: أنت ليش جبتني هنا
أنا أبي أروح لشقتي

مشعل بهدوء: شقتش سلمت مفاتيحها
وأغراضش جمعتها باكينام كلها
وجبتها كلها هنا

هيا بثورة: أنت أشلون تسمح لنفسك تصرف من رأسك
ومن سمح لك تسوي كذا

مشعل بذات الهدوء: اللي سمح لي إني رجالش الحين إذا أنتي ناسية

مشعل كان تفكيره ينحصر أن يجنبها العودة لشقتها
حيث كانت المكان الأخير الذي جمعها بأمها
لم يرد لجروحها أن تنفتح من جديد
أرادها أن تبدأ حياتها الجديدة من مكان جديد

هيا تستكتمل ثورتها: ولو رجّالي على قولتك
مهوب المفروض تشركني في قرار مثل هذا
لأن هذي حياتي أنا مهيب حياتك

كانت تتكلم بذات لهجته وحدتها
ولكن ماضايق مشعل أنه شعر أنه يتحاور مع رجل
وليس مع أنثى
فحدتها كحدة الرجال وليست حدة أنثوية مطلقا

مشعل بتعب: هيا اسمعيني
أنا مهوب صعب علي أكوفنش الحين
أخليش تحاسبين ألف مرة قبل ما تعلين صوتش علي
كف واحد مني بيخليش تحرمين
لكن عمر هذا ماكان أسلوبي
ولا هذي بالمرجلة في نظري
أنا رجالش الحين
برضاش.. غصبا عنش.. رجالش
وأظن أخر شيء وصتش أمش فيه هو أنا
مثل ما أنا حفظت وصاتها.. أتمنى أنتي تحفظينها
أنا وأنتي باقي لنا ذا السنة بس ونخلص دراستنا
خلينا نخلصها بالطول وإلا بالعرض
وما فيه داعي تحولين حياتنا جحيم


هيا شعرت بالخجل
الكثير من الخجل
من تساميه فوق عصبيتها
وثورتها غير المبررة

هيا همست بهدوء: إن شاء الله مشعل إن شاء الله
ثم قالت بخفوت: غرفتي وينها؟؟
ثم أكملت وهي تبتلع ريقها: مشعل أنا أبي لي غرفة بروحي
أعتقد أنك فاهم إنه إحنا تزوجنا في ظروف غير طبيعية
وأنا مازلت غير متقبلة لفكرة الزواج كلها
وما أعتقد إنك بتطالبني بحقوق أنا مهوب مستعدة لتقديمها
شقة مشعل بن عبدالله

هيا تقول بخفوت:
مشعل أنا أبي لي غرفة بروحي
أعتقد أنك فاهم إنه إحنا تزوجنا في ظروف غير طبيعية
وأنا مازلت غير متقبلة لفكرة الزواج كلها
وما أعتقد إنك بتطالبني بحقوق أنا مهوب مستعدة لتقديمها

مشعل يتجاوزها وهو يلقي بنفسه على الأريكة ويقول بإرهاق:
فيه غرفة نوم فاضية جنب غرفتي الحين بأشيل شناطش فيها
ولا تخافين ماني مطالبش بشيء غير إنش تخفين من عصبيتش
تراني مافيني صبر على الحنّة الواجدة..

هيا بنبرة غضب: تهددني؟؟

مشعل بتأفف: الله يهداش بس.. دائما متحفزة ومستعدة للهجوم
ترا أنا ما أنا بعدوش.. عشان أهددش

هيا أخذت نفسا عميقا.. وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم

ثم دخلت لداخل الشقة لإكتشافها ولفسخ عباءتها
تشعر بالخجل من خلع عباءتها والجلوس أمام مشعل بدونها
ولكن لابد أن تعتاد على ذلك عاجلا أو آجلا

فتحت باب الغرفة الأولى
اكتشفت فورا إنها غرفة مشعل
مكتب مكدس عليه كتب
وملابس ملقاة على السرير
ورائحة عطر رجولي فخم داعبت أنفها فور فتح الباب
شعرت بالخجل يكتسحها
أغلقت الباب وتوجهت للغرفة الأخرى

كانت غرفة نوم أنيقة ونظيفة وخالية تماما
سوى من بعض ملابس رجالية في الدولاب
أزاحتها هيا إلى الجانب
لأنها لا تعلم ملابس من هي

خلعت عباءتها وحجابها وعلقتهما
نظرت لنفسها في المرآة
كانت ترتدي بنطلونا واسعا أسود اللون
وبلوزة سماوية لنصف فخذها
وشعرها مجموع في صرة أسفل رأسها
مطلقا ليس منظرا مناسباً
ليكون المرة الأولى التي يرى فيها زوج زوجته
ولكن هل هما زوج وزوجة فعلا؟؟

وهي سارحة في أفكارها
طُرق الباب
كان مشعلا يحمل حقائبها
حقيبتان ضخمتان يحملهما بخفة
همست بخجل: ادخل

دخل مشعل ثم وقف في منتصف الحجرة ليضع الحقائب
وهو يشعر بحرج غير مفهوم
بدت له رقيقة وضئيلة
بعيدا عن العباءة التي كانت تخفي معظم تفاصيلها
اعترف لنفسه أنه مبهور بعنقها الطويل الشامخ

قال كمحاولة لتبديد احساسه:
الملابس اللي في الدولاب ناسيهم راكان ولد عمي لما زارني العام..
حطيهم في كيس وفضي الدولاب لش..

هيا بهدوء: إن شاء الله

أجابها بذات الهدوء: محتاجة شيء ثاني؟؟

هيا بهدوء: لا شكرا
ثم استدركت بحزن عميق: مشعل أغراض أمي وش سويتوا فيها؟؟

مشعل بهدوء: الملابس كلها في شناط وخليتها عند إمام المسجد
لين أشوف إذا أنتي موافقة خليته يدخلها في التبرعات
وباقي الأغراض بتلاقينها في شناطش
والكراتين اللي برا فيها كتبش
وبكرة باشتري لش مكتب


**********************


بيت مشعل بن محمد
وجبة الغداء

أسرة مشعل تجتمع كاملة على الغداء
يجلسون على الأرض حول سفرتهم
لطيفة مشغولة بإطعام جود
ومشعل مشغول بمراقبتهما

لا يعلم أي ولع غريب أصابه
كل ما تفعله بات يفتنه
حتى في إطعامها لابنتها يتتبع حركة أناملها الرشيقة
ابتساماتها لها
تدليلها ومناغاتها لها
تبدوان كما لو كانتا جزءا من صورة مبهرة
الصورة قائمة بذاتها لا تعلم ماذا فعلت بقلوب معجبيها واندهاشهم

لطيفة انتبهت أنه لا يأكل
سألته بعفوية: مشعل الأكل ما عجبك؟؟

رد عليها بهدوءه الماكر: ولو قلت ما عجبني؟؟

كانت على وشك الرد بردها الاعتيادي الذي ربما كان يتوقعه
(بأسوي لك غيره الحين)
ولكنها ردت بهدوء متقن مغلف ببرود بارع
وهي ترسم ابتسامة من أجل أبنائها:
بأقول بكيفك يا بو محمد.. تسوي ريجيم أحسن..

ابتسم.. بل كان على وشك الانفجار ضحكا
لولا أنه تحكم في ردة فعله (كم أنتِ لئيمة!!)
أجابها بابتسامة: وأنا بأقول كثر الله خيرش يأم محمد
يجي منش أكثر..

(كم أنت بارد!!
لِمَ هذه الابتسامة؟!!
هل قلت نكتة ما أيها السخيف؟!!)

لطيفة ردت عليه بنفس مستوى خبثه:
وأنا بأقول خيرك سابق
وأنت راعي الأولة يا أبو محمد
وراعي الأولة ما ينلحق..
وأظني إنك فاهمني..

"تقصد أنك من بدأ وليس أنا!!"

لطيفة أنهت عبارتها له..
وحملت ابنتها وغادرت..
وهي تقول لأبنائها: إذا خلصتوا تعالوا لي في غرفتكم أدرسكم
عشان العصر أخليكم تشوفون الكرتون..

ومشعل يبتسم وهو ينظر إلى ظهرها وهي تغادر
(يعني أشلون؟؟
ياحليلش!!
تعتقدين سكتتني كذا؟!!
توش ماعرفتي مشعل يا لطيفة
انطري علي شوي بس)



*************************



بعد صلاة العصر

بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية

الجدة تتقهوى قهوة العصر وناصر وفارس عندها
جاءا للسلام عليها
فارس مازال متعبا ولكنه يمر للسلام على جدته
حتى لا يرهقها بأن تأتيه بنفسها

مشاعل في الأعلى
تسأل وكالة الأنباء ريم: من اللي عند جدتي؟؟

ريم (بعيارة): فارس أبو نص ذراع.. (لأن يده معلقة برقبته)

مشاعل قرصتها في ذراعها: عيب يا قليلة الادب

ريم تفرك مكان القرصة: ول قبصتها والقبر..
جعل نويصر يصرقعش كفين ليلة العرس

مشاعل بغضب: زين يا قليلة الأدب.. دواش عندي

ريم ترقص حاجبيها: إذا مسكتيني يا مرت ناصر سوي اللي تبينه

وخرجت تركض ومشاعل خلفها

ونزلت للأسفل وهي تركض على السلالم ومشاعل مازالت خلفها
وهي تقسم بأن تأدبها اليوم

كان فارس وناصر يجلسان متجاورين ووجهيهما للدرج

استغربا أولا نزول ريم كالإعصار وصوت ضحكاتها يتعالى
ثم المخلوق الآخر خلفها
مشاعل وصلت نصف الدرج ثم انتبهت لوجود مخلوق آخر يجلس بجوار فارس
مشاعل بقيت لنصف دقيقة وهي مازالت غير مستوعبة
وعيناها مثبتتان عليه
ثم رمشت بجزع وعيناها تمتلئان بالدموع وتعود ركضا للأعلى


الآخر هو..
كان فاغرا فاه..
على كثرة ما زار جدته لم يصدفها يوما..
رغم أنه تمنى كثيرا لو يلمحها فقط
فهل انفتحت له أبواب ليلة القدر اليوم؟؟
وهل دعت له أمه اليوم من قلبها
وقالت: "روح ياناصر الله يحقق لك أمانيك"

فارس رغم أنه غضب أولا
ولكنه لم يستطع منع نفسه من الانفجار من الضحك
وهو يرى ناصر مغفور الفم

فارس يمد يده السليمة ويغلق فم ناصر وهو يقول (بعيارة):
يا أخ سكر البلاعة ذي لا يدخلها الذبان

الجدة لم تنتبه لشيء مطلقا لأن ظهرها كان للدرج

ناصر يضع يده على قلبه ويقول بطريقة تمثيلية وهو يهمس لفارس:
فارس يا أخيك..
تكفى زوجوني الليلة.. لا أستخف عليكم
نعنبو داركم.. داسين ذا الملاك علي.. حرام عليكم يالمجرمين



في الأعلى مشاعل انخرطت في موجه بكاء حادة
آخر ما خطر ببالها أنها قد ترى ناصر
وفي هذا الوضع المحرج!!
خجلها منه يخنقها..
تكاد أن تموت خجلا وحرجا
وكلما استعادت الموقف وهو يبحلق فيها
بدأت في موجة جديدة من البكاء


************************


المقهى القريب من جامعة جورج تاون
قبل صلاة العصر
كانت باكينام تصل وتضع كتبها على طاولة خالية وتجلس
تريد أن تتناول شيئا خفيفا وتعود للسكن لتصلي وترتاح


كانت تضع ملاحظات في كتابها
حين اقتحم سكونها الصوت العميق الدافئ إياه:
وأخيرا عدتي لزيارتنا.. خشيت أن تكوني قد كرهتي شاينا الإنجليزي

رفعت باكينام عينيها
يبدو أكثر وسامة من المرة الماضية
هذه النظرة الغامضة في عينيه تفتنها

ابتسمت باكينام: انشغلت قليلا مع صديقتي
فوالدتها توفيت

هو بتأثر: خالص تعازيّ

باكينام بعذوبة: شكرا..
ثم قالت باللهجة المصرية: يخرب بيت زوئك وحلاوتك (حتى لا يفهمها!!!!)

ثم اكملت بالإنجليزية: هل تعلم أنك مصدر محيرة؟؟

ابتسم بغموض: أنا؟؟

ابتسمت: نعم أنت..

بذات الغموض: ولماذا؟؟

ابتسمت: مكسيكي يتحدث الانجليزية بنبرة بريطانية فاخرة..
وحوارك يدل على ثقافة.. وتعمل نادلا
أي من هذه الأشياء لا يثير حيرة..؟!!

بغموضه المثير: قابليني بعد أن أنهي عملي.. وأزيل حيرتك..
لأني لا أستطيع الثرثرة مع الزبائن؟؟

ابتسمت باكينام وهو تقول بذكاء: ومادمت أنا زبونة.. أحضر لي كوراسون وعصير برتقال لو سمحت..

ابتسم بدوره..
كلاهما يجيدان اللعب..
كلاهما ذكيان..
وخطيران..
خطيران جدا..



****************************



شقة مشعل بن عبدالله

مشعل بعد أن أدخل كل أغراض هيا لغرفتها
دخل إلى غرفته وأغلق الباب
وبدأ العمل على إطروحته
التي يقضي ساعات طويلة عليها يوميا
مرت أكثر من ساعتين حتى سمع أذان العصر
توضأ وخرج للصلاة

حين عاد كان يشعر بالجوع
تعوّد طيلة السنوات الماضية أن يخدم نفسه بنفسه
رغم أنه تعود في الدوحة على تدليل أمه وشقيقاته له
ولكنه هنا تعوّد أن يقوم بكل شيء بنفسه
وخصوصا أنه كان يعرف نوعا ما أن يطبخ
من رحلات القنص التي كانت تستغرق أسابيعَ
ولكنه الآن وكأي رجل شرقي يستحيل أن يطبخ لها
ولكنه أيضا لن يطلب منها أن تطبخ له
فهو مازال يجهل هذه الهيا التي تبدو له غامضة ومتباعدة

وهاهو يتوجه للمطبخ
سيعد له شطيرة وكأسا من الشاي

حين دخل رأى أمامه شيئا غريبا
اعتقد أن عينيه تخونانه
ولكنه كان فعلا شيئا غريبا ومبهرا وأخاذاً


********************


الساعة الواحدة والنصف ليلا

غرفة مشعل ولطيفة

كلاهما مستغرقان بالنوم
كلاً في مكانه
لطيفة في سريرها
ومشعل على أريكته

رن هاتف لطيفة
لطيفة نومها خفيف
مع الرنة الثانية كانت تصحو مرعوبة
تنظر للاسم وتلتقطه برعب: موضي عسى ماشر؟؟

صوت موضي يصلها متقطعا: لطيفة تعالي الحين.. الحين.. أنتي ومشعل

لطيفة برعب: وشفيش موضي؟؟

موضي بنفس الصوت المتقطع: مافيني شيء بس تعالوا الحين بسرعة

لطيفة تقفز لمشعل وتهز كتفه بسرعة: مشعل مشعل

مشعل يمسك يدها ويحتضنها وهو نائم ويهمس: أخيرا جيتي حبيبتي حرام عليش قلبي ذاب وأنا أتناش..

انتزعت لطيفة يدها (يحلم بحبيبة القلب) عادت لتهزه بعنف أكبر: مشعل مشعل

قفز مشعل مرعوبا: وش فيش لطيفة؟؟

لطيفة بقلق: موضي متصلة تقول تبينا نجيها الحين

مشعل برعب: عسى ماشر؟؟

لطيفة وقلقها يتصاعد: ماقالت لي شيء.. بس قالت تعالي أنتي ومشعل

مشعل يقفز لارتداء ملابسه: يالله بسرعة البسي..

لطيفة لبست وأيقظت خادمة البيت العجوز..
ووصتها أن تنام في غرفة بناتها حتى تعود


وهم خارجين من البيت
صدفهم راكان في الشارع وهو يدخل لداخل بيتهم
راكان اتصل بمشعل وهو يقول له بقلق: عسى ماشر مشعل؟؟
وين رايح أنت وأم محمد في ذا الليل؟؟

مشعل بقلق: موضي متصلة تبينا.

راكان بقلق: ذا الحزة.. طمني عقب.. لا يكون فيها وإلا في حمد شيء

بعد دقائق كان مشعل الذي قاد سيارته بسرعة جنونية
يقف أمام باب بيت حمد ويجد جميع الأبواب مشرعة
ويدخل هو ولطيفة وقلقهم يصل للحد الأقصى

ليفجعوا بما رأوه داخل البيت
أسى الهجران/ الجزء الحادي والثلاثون


شقة مشعل بن عبدالله في واشنطن

كان مشعل يدخل إلى المطبخ
ليرى أمامه صدمة بكل المقاييس
هيا كانت تقف أمام المغسلة وتغسل وظهرها للباب
ليست هذه الصدمة بالتأكيد..

الصدمة كانت في الليل الأخاذ السرمدي الذي يصل طوله إلى ركبتيها


قبل حوالي ساعتين..بعد أن دخل مشعل لغرفته
رتبت هيا بعض أشياءها الضرورية واستخرجت بعض ملابسها
ثم قررت أن تطبخ
ظنت أن هذا قد يكون تصرفا لائقا تجاه مشعل
وحتى تتلهى عن الحزن العميق الذي يخنق روحها
والأفكار المرة التي تأخذها في دوامات الذكريات
بعد أن أنهت الغدا..ء تركته ينضج
واستحمت.. جففت شعرها سريعا ثم تركته مسدلا ليستكمل جفافه
وعادت للمطبخ لتنهي غسل الأواني
وهاهو مشعل يقف خلفها..
مشعل كان مبهورا..
بل كلمة الانبهار وصف أقل بكثير عن الاحساس الذي اكتسحه
كان يعتقد أن طول الشعر المفرط هذا قد انقرض
ولم يكن شعرها طويلا فقط بل كان مبهرا في طوله وسواده ونعومته وكثافته
كان تماما كما كانت جدته تصف شعرها في شبابها
بل إن شعر جدته مازال طويلا نوعا ما.. وهي تجدله في جديلتين طويلتين
لطالما عشق مشعل في طفولته الالتفاف بهما
وكان يقول لها: ماني بمتزوج إلا وحدة شعرها مثل شعرش طويل
وجدته تضحك وتقول: فاتّنّك.. ماعاد فيه يأمك.. خلصوا..

وربما حاول مشعل متعمدا تناسي الشرطين الآخرين
كان دائما يقول لها: يمه أنا أبي وحدة اسمها هيا وتشبهش.. وشعرها طويل نفس شعرش أيام الشباب على قولتش..

وجدته تضحك طويلا وترد عليه: هذي بيصنعونها على حسابك!!!

فهل كانت الأقدار تلعب لعبة ما!!
هاهو على أعتاب الثلاثين وكان لم يتزوج بعد
رغم أن أمه كانت تلح في كل مرة يعود فيها للدوحة
أن يتزوج ليجد من يؤنس وحدته في الغربة
ولكنه كان يرفض دائما دون سبب مقنع
فأي الأسباب كنت تنتظر يا مشعل؟!!


تنحنح مشعل.. التفتت له هيا وهي تشعر بالخجل
مشعل ابتسم: ماشاء الله هذا كله شعر..

هيا بخجل: ابي كان يحب الشعر الطويل يقول يذكره بجدتي
كان يقول إني طالعة عليها
عشان كذا ماكنت أقصه ولا قصيته ..عشانه
ثم أكملت بحزن صميم: وأمي كانت تهتم فيه واجد

كان بود مشعل أن يعبر عن إعجابه به
أو حتى يكتب قصيدة في هذا الشعر الأسطورة
ولكنه صمت.. فليس في موقع يسمح له بالغزل
وليست في وضع يسمح لها بتقبله

هيا بهدوء: تبي غدا؟؟

مشعل بذات الهدوء: وش طبختي؟؟

هيا رسمت ما يشبه ابتسامة باهتة: كبسة.. تمشي الحال؟؟

مشعل ابتسم : أكيد تمشي الحال.. أنا أصلا كانت أقصى أمنياتي سندويشة وكأس شاي


**************************


بيت حمد بن جابر

الساعة 2 إلا ربع قبل الفجر

كان مشعل الذي قاد سيارته بسرعة جنونية
يقف أمام باب بيت حمد ويجد جميع الأبواب مشرعة
ويدخل هو ولطيفة وقلقهم يصل للحد الأقصى

ليفجعوا بما رأوه داخل البيت


كانت موضي تجلس على الأرض الرخامية وتسند ظهرها على الكنب
والدم يسيل من جميع أنحاء جسدها ووجهها متورم
مشعل فقد عقله وهو يراها على هذه الحال
لم ينتبه ولم يهتم إلى أنها كانت بدون غطاء أو عباءة والكثير من جسدها ظاهر
اقترب منها وهو يحملها بين يديه بخفة
أنت موضي أنة ضعيفة..
وولطيفة صرخت برعب وهي تصرخ في مشعل: مشعل يدها مكسورة
مكسورة.. مكسورة

وبالفعل كانت يدها مكسورة كسر سيء والعظم مزق جلدها خارجا

موضي فتحت عينيها بضعف ومشعل يركض بها للسيارة ويسألها بصوت غضب مرعب:
من اللي سوى فيش كذا..؟؟

موضي بضعف: طحت من الدرج..
لم تكن موضي تريد حماية حمد لكنها تريد تجنيب عائلتها النزاع ومرارة الانتقام

لطيفة تجهز مكانا في الخلف وتركب أولا لتتناولها
وتقول له بغضب وحزن وهي ترتعش وتختنق بعبراتها القاتلة:
لا ماطاحت .. أكيد حمد ضاربها..
مثل ما يضربها من يوم خذها
بس خلاص لهنا وخلاص.. لهنا وخلاص..

وقتها كان مشعل ركب في مقعده وهو يلتفت على الخلف
ويقول بغضب ناري مرعب كاسح.. غضب بركاني: وشو؟؟ يضربها؟؟
الكلب.. النذل الحقير
ماعاد إلا بنت عبدالله بن مشعل تضرب
وأنتي وإياها دواكم عندي بعدين.. يعني ذا السنين كلها يضربها وأنتوا ساكتين
مخلينه متوطي شيخته ماكن وراها رياجيل
وأنتي يا لطيفة بالذات دواج عندي.. هذا وانتي الكبيرة

لطيفة ابتلعت ريقها..
ومشعل يقود بسرعة جنونية وهو لا يرى أمامه من الغضب الذي أعماه..
بعد أن ألقى غترته على لطيفة لتفتحها وتحاول تغطية موضي بها

بعد دقائق رن هاتفه.. كان راكان الذي سأله بقلق:
مشعل.. حمد وهله أربهم طيبين..

مشعل بغضب ناري:حمد الكلب.. يا من يمسكني رقبته بس والله ما يخلصه مني شيء..

راكان قفز واقفا وهو ينتفض من الحمية: وشو مسوي حمد؟؟

مشعل بذات الغضب الملتهب: ضاربن موضي ومكسرها..
جسمها ماعاد ينشاف من الضرب والدم.. الحيوان من خذها وهو يضربها

راكان لم يحتمل أن يسمع أكثر.. أقفل هاتفه..
وهو يخرج ليركب سيارته بدون أن يغير ملابسه حتى..

مشعل عرف ما سيفعله راكان، ويعرف أن راكان وإن كان أكثرهم حلما
إلا أنه عندما يغضب فغضبه لا حدود له..

مشعل أعاد الاتصال براكان، راكان رد عليه بكلمة واحدة: نعم

ومشعل رد عليه بجملة واحدة: آجعه بس لا تذبحه !!


**********************



قبل ذلك بحوالي ساعة

كان حمد في غرفة المكتب
وموضي كانت نائمة منذ الساعة التاسعة
حوالي الساعة 12 قامت من نومها وهي تشعر بالعطش
قررت أن تحضر لها ماءً لتشرب

في طريقها للمطبخ وجدت باب المكتب مفتوحا ونوره مضاء
دخلت لترى إن كان حمد يحتاج شيئا
وجدت المكتب خاليا
والخزنة التي يحرص حمد على إغلاقها بشكل دائم مفتوحة
وفوقها ظرف بني يحمل اسم مستشفى
شعرت موضي بالفضول
ابتعلت ريقها
وفتحت الظرف
لتفجع بما وجدت فيه...


لحظتها تماما دخل عليها حمد الذي كان في الحمام
نظر لها والظرف بيدها
وعيناه تنقلبان من الغضب: وش تسوين؟؟

موضي ابتلعت ريقها مرة ثانية وحاولت أن تقف بثقة وهي تقول له:
أنا ما كان عندي مانع إني أعيش معك
حتى لو كان معك عيب خلقي يمنعك من الانجاب
بس إنك طول ذا السنين وأنت تذلني وتضربني على عيب مهوب فيني وأنت داري
فهذا خلاص هو الفراق بيني وبينك
طلقني يا حمد..طلقني..

حينها حمد فقد عقله تماما
كيف يطلقها.. كيف؟؟ وروحه معلقة فيها؟؟
لا حياة له بدونها.. هي سبب استمراره في هذه الحياة

وكيف تتجرأ عليه وتتهمه؟؟ كيف؟؟
كيف تتجرأ وتكتشف سره؟؟
كيف سيواجهها بعد أن فقد مصدر قوته أمامها؟؟؟


أدخل يده في شعرها وسحبها للصالة وهو ينهال عليها ضربا ورفسا
بصورة لم تحدث مسبقا ولا في أي مرة من المرات السابقة
لأن هذه المرة ليست كأي مرة سابقة



***********************


حمد عاد لبيته بعد دقائق من أخذ مشعل ولطيفة لموضي
فهو استعاد وعيه
وعاد يريد أن يذهب بها للمستشفى
لم يجدها..
أخذ يدور في البيت كالمجنون وهو يناديها

حينها دخل عليه راكان..


حمد بتوتر: هلا راكان..

راكان كان رده عليه أن صفعه على وجهه صفعة أسقطته أرضا
وهو يقول بصوت اختلطت نبراته من الغضب الذي لا حدود له:
هذا ردي على سلامك
والحين قوم وقف..
ويومك رجّال يدك طويلة.. ورني فعل يدك

لم يستغرق حمد في يد راكان أكثر من 5 دقائق
تركه راكان بعده ملقى على الأرض غارقا في دمه
وراكان يميل عليه ويبصق عليه: اللي يمد يده على مره هو مره مثلها
ولولا حشمة مره هي عمتي نورة وإلا والله واللي رفع سبع سموات بليا عمد
يا الليلة ممساك أبو هامور.. (أبو هامور=منطقة في الدوحة فيها مقبرة كبيرة باسمها)
والحين إتصل في حد يوديك للمستشفى لا بارك الله فيك


بذل راكان جهدا خرافيا ليحكم عقله وحتى لا يقتل حمد أو يصيبه بعاهة مستديمة
من أجل شخصا واحدا يحمل له معزة كبيرة
هي عمتهم الوحيدة نورة
فحمد هو وحيدها

كان غضب راكان لا حدود له.. غضب صِرْف ملتهب..
أولا لأن موضي واحدة من بنات آل مشعل
ولو حصل لأي واحدة منهن ما حصل لموضي كان هذا سيكون تصرفه

الشيء الآخر الذي آلمه حتى النخاع
آلمه حتى أعمق أعماق روحه الموجوعة
أنه فضّل هذا الحيوان المدعو حمد على نفسه
ترك حبيبة قلبه له
على أمل أنه سيكون أفضل لها منه
على أمل أنه سيصونها وستكون هي أميرته الوحيدة
أراد لها الأفضل
كان يظن أن حمد هو الأفضل
فكيف وهي عاشت تتعذب معه
وراكان عاش حياته يتعذب
لو أنه كان يعلم فقط!!
لو أنه كان يعلم فقط!!
كان جنّبها وجنّب نفسه كل هذا العذاب
مهما يكن.. كان آلمها بكونه متزوجا صوريا أخرى
سيكون أهون من عذاب الإهانة التي عاشتها سنوات

ولكن ماعاد للتمنيات معنى!!
فموضي أصبحت طيفا ومجرد ذكرى باهتة
وهو مات قلبه!!
وأجدبت عروقه..

راكان عاد للبيت
وغير ملابسه
وتوجه للمستشفى


**************************


طوارئ مستشفى حمد
الساعة 3 قبل الفجر

راكان يصل للمستشفى
وجد مشعل يقف في الممر
وثوبه الأبيض غارق بالدم
كاد راكان أن يجن
وهو يتمنى أن يعود ليقتل حمد
لانه علم أن هذا الدم هو دم موضي
وما منعه من ذلك إلا أنه ترك حمد أشبه بجثة
وليس هو من يستقوي على من لا يستطيع مجابهته

اقترب من مشعل وهو يقول بتأثر: وش أخبارها؟؟

مشعل بغضب: أربك عرفته جزاء سواته فيها؟؟

راكان بهدوء: عرفته وزود.. موضي شاخبارها؟؟

مشعل يشتعل غضبا: الحيوان الله يأخذه.. ماخلا فيها عظم سالم..
عندها كسرين.. من غير الرضوض في كل جسمها..

راكان يشعر بالكثير من الغضب
والكثير من الأسى..

مشعل يستكمل: سووا لنا سالفة والشرطة جات..
بس الضابط كان يعرفني.. وعرف إن الموضوع حساس
واحنا قلنا له إنها طاحت من الدرج
مع إن الدكتور كان مصر إنه تعذيب وضرب
وقدرت ألم الموضوع.. ولو أني كنت أتمنى أخليه يدخل السجن ويعفن فيه

راكان كان صامتا.. يشعر أن كل الكلمات لا معنى لها
ككل حياته!!
تضحيته كانت بدون معنى..
ضحى بها من أجل سعادتها..
فإذا هو يضحي بها حقيقة
ويجعلها قربانا لقسوة حمد وجنونه
كيف صبرت هي كل هذه السنوات؟؟
كيف صبرت؟؟
شعر بضياع مر قاس
كان يعيش حياته كلها في كذبة اسمها

"تضحيتك لها قيمة!!"

مشعل يهمس لراكان: مشعل لا يدري بشيء
المجنون لو درى مهوب بعيد ياتي.. ويذبح حمد
طوارئ مستشفى حمد
أذان الفجر

راكان خرج من المستشفى
ولكنه لم يعد للبيت

مشعل يقف على باب غرفة الملاحظة
و طلب من إحدى الممرضات أن تنادي له لطيفة
لطيفة خرجت له
كانت عيناها الباديتان من فتحتي النقاب متورمتين من البكاء
فما تراه في موضي ذبحها من الوريد إلى الوريد

مشعل يخاطبها دون أن ينظر لها
تعلم لطيفة أنه غاضب
وتعلم أنها لم ترَ بعد شيئا من غضبه
وتعلم أنها مخطئة
أكثر من 3 أعوام ونصف وهي تعلم أن حمد يضرب موضي ضربا مبرحا
كانت الوحيدة التي تعرف
ولكن موضي أمنتها ألا تخبر أحدا
ولكنها الآن تشعر بعظم جنايتها
مر عام والآخر ألم يكفيا لتعلم استحالة العيش بينهما؟!
أكان يجب أن يصل الوضع لهذا الحال حتى تعلم؟!!
كانت تعلم أن كسور موضي وجروحها ستطيب يوما
لكنها تعلم أن في أعماقها جرحا نازفا لن يطيب
فحمد كسر روحها قبل جسدها
ليتها تحركت قبل ذلك.. ليتها!!
ليتها تحركت قبل أن تُذبح برؤية أختها الصغيرة على هذا الحال

مشعل بنبرة باردة دون أن ينظر لها:
أنا بأروح للبيت بأبدل وبأصلي وبأشوف العيال.. وبأرجع عليكم

لطيفة بهدوء وعيناها في الأرض: زين..


**********************


كورنيش الدوحة
قبل آذان الفجر
يحمل الجو نسمات باردة
أصبحنا في أواخر أكتوبر

يجلس على الحاجز الحجري
غترته إلى جواره
ونسمات الهواء تعبر خصلات شعره
لم يعتد مطلقا أن يخلع غترته في مكان عام

ولكنه مخنوق.. مخنوق
يتمنى أن يتخفف من جسده الضخم لو استطاع
يتمنى أن تحلق روحه
بل يتمنى أن يجد روحه أولا ليجعلها تحلق
الروح التي خُنقت حين تزوج من زوجة صديقه
ثم استلت تماما وغادرته حين تزوجت موضي

مرٌّ هذا الإحساس الذي يكتسحه
تضحيته بدون قيمة
ضحى بسعادته وسعادتها معاً
بدون ثمن
فلا هي عاشت سعيدة!!
ولا هو عاش سعيدا!!

موضي ذاتها لم تعد سوى ذكرى
لم يعد لها في داخله أي مشاعر خاصة
ولكنها ذكرى ثمينة
فهي حبه الوحيد

مازال يحتفظ بالدفتر إياه
الدفتر الذي خبئه منذ أربع سنوات ونسيه
الديوان الذي طمره كما طمر مشاعره حين تزوجت موضي من حمد
يشعر برغبة كاسحة أن يستخرجه الآن ليكتب فيه قصيدة أخيرة يسميها

"موضي ضحيتي"!!!


**************************


طوارئ مستشفى حمد
بعد صلاة الفجر
تم نقل موضي لغرفة خاصة في الأعلى

لطيفة صلت
وأخذت تتأمل وجه أختها الذي لا يكاد يظهر من كثرة الضمادات
تشعر بألم لا حدود له
فهي كان لها دور كبير في ألم أختها
كما قال مشعل "هي كانت الكبيرة"
كان لا بد أن تتصرف قبل هذا بكثير!!

قرار يتشكل في ذاتها.. آن وقت تصحيح الأخطاء
وحضرت روح آل مشعل المقاتلة

أخذت هاتفها واتصلت برقم معين

كان يصل لبيته بعد أن صلى الفجر
رن هاتفه
توقع أنه أحد (ربعه الشياب) يريده أن يفطر معه
فمن سيتصل غيرهم في هذا الوقت

استغرب حين سمع صوت لطيفة، رد بقلق: عسى ما شر يا أبيش؟؟

لطيفة سحبت نفسا عميقا وهي تقول بثقة: اسمعني يبه
أنت داري إن غلاك من غلا إبينا والله الشاهد
بس خلاص طال عمرك.. خلاص
تروح الحين لولدك وتخليه يطلق أختي أول ما تطلع الشمس

أبو حمد برعب: طلاق؟؟ ليه يا أبيش؟؟

لطيفة اختنقت بعبراتها: يبه حن زوجنا حمد شيختنا.. نحسب إنه بيصونها
لكنه توطاها كنه مطية لها
من يوم خذها وهو يضربها.. والبارحة ضربها لين ما خلا فيها عظم سالم
إبي ما بعد درا.. وأظني إنك تعرف عبدالله بن مشعل إذا درا وش ممكن يسوي
مهوب بعيد يذبح حمد وأنت داري
خل حمد يطلق موضي.. ويسافر لين تعافى موضي

أبو حمد مصدوم.. والصدمة ألجمته.. تمتم بنبرات متقطعة:
يصير خير يا أبيش يصير خير..


أبو حمد شعر بغضب كاسح يتصاعد في روحه (هذي أخرتها يا حميّد.. هذي أخرتها!!)

أبو حمد ركب سيارته وتوجه لبيت حمد..
وجد الأبواب مفتوحة..

دخل ليجد حمد ممددا على كنبة في الصالة
وملابسه غارقة في الدم

أبو حمد ارتعب حين رآه لكن ذلك لم يمنعه أن يلكزه في كتفه:
من اللي سوى فيك كذا؟؟

حمد بصوت ضعيف: راكان..

أبو حمد بغضب: حجت يمين راكان أنا أشهد إنه رجّال..
والله ثم والله لو أني ماجيت وعينتك كذا
ما كان يفكك من يدي شيء

ثم أردف: فيك كسور؟؟

حمد بذات النبرة الضعيفة: لأ..

أبو حمد بقوة: قم أوديك للمستوصف.. وعقبها ورانا مشوار

حمد وهو يحاول الوقوف: أي مشوار؟؟

أبو حمد بثقة: المحكمة عشان تطلق موضي..

حمد برعب وهو يشعر بالجملة تنزل على رأسه كالصاعقة:
لا يبه تكفى.. كله ولا طلاق موضي..

أبيه وهو يسحبه للسيارة: ليه أنت متوقع إن عبدالله وإلا ولده بيخلونها عندك
عقب اللي أنت سويته فيها يا أسود الوجه..

حمد بعبرات مختنقة: كله منك يبه.. كله منك..
أنت السبب... أنت السبب
كل اللي فيني من سبتك


أبو حمد وهو يركب سيارته ويشغلها يقول له باستنكار:
أنا؟؟ ليه وأنا وش سويت؟؟

حمد بذات العبرة المختنقة: أنت كنت عارف إني عندي مشكلة
لكن بدل ما تعالجني ضربتني.. ضربتني لأنك تحبني
وأنا أضرب موضي لاني أحبها
هذي اللغة اللي أنت علمتني..

أبو حمد بغضب: أنا ماضربتك غير مرة وحدة لأنك كنت غلطان
لكن أنت لك سنين وأنت متوطي موضي
ماحشمت إنها بنت عمتك وبنت خالك

حمد بدأ بالبكاء وهو يقول: كله منك كله منك..

أبو حمد بغضب: إقطع يالخاسي بتبكي مثل النسوان..

حمد صمت وهو يطوي مرارته في ذاته
وأبو حمد صمت وهو يقود وتعود ذاكرته لحوالي 20 عاما مضت


كان حمد في الصف السادس الابتدائي
استدعته إدارة المدرسة
مدير المدرسة كان رجلا منفتحا
أخبر أبو حمد أن حمد يعاني من عنف غير مبرر
وأنه أكثر من مرة ضرب طلاب في الصف الأول الابتدائي ضربا مبرحا
وأخبره المدير أنه حجز لحمد موعدا في الصحة النفسية
حتى يتابع مواعيده هناك
فحمد يبدو أنه يعاني مرضا نفسيا يحتاج العلاج
وأنه من الأفضل أن يتداركوه قبل استفحاله

ولكن أبا حمد بأفكار مجتمعه المتغلغلة فيه رفض فكرة العلاج النفسي
وأرجع تصرفات حمد إلى أنه أفرط هو ونورة في دلاله
لأنه ابنهما الوحيد

فكان تصرفه أنه نقله لمدرسة أخرى
وعاد به للبيت وأغلق عليه باب غرفته
وضربه ضربا مبرحا
ونورة تسمع صراخ ابنها وتصرخ عند الباب
هذا الموقف عاش في روح حمد وتغلغل
يعرف أن والده يحبه.. لذا ضربه
والعلاج النفسي عيب

توقف عن إبداء أي تصرفات عنف
ولكنه أصبح متباعدا لا يعبر مطلقا عن مشاعره
حتى حينما جئن شقيقاته وهو في الرابعة عشرة
لم يشعر بشيء تجاههن
بل كان يتمنى أحيانا لو يضربهن
ولكنه يستحيل أن يفعلها
فهو لا يحبهن.. فلماذا يضربهن؟!!

حينما تزوج موضي
تدفقت مشاعره ناحيتها بعنف
ومع مشاعره تدفق عنفه
كلما ازداد حباً لها
كلما ازداد عنفاً معها!!!

وهاهو والده وسبب مشكلته
يريد أن ينحره
يريده أن يطلق المخلوقة الوحيدة التي ينتمي لها وتنتمي له
لذا كان سكناه في بيت وحده
كان يريدها أن تكون له وحده
حتى أهله لا يشاركونه فيها
وحتى لا يعلم أحد كيف يعبر عن حبه الغريب لها

بضربها!!


*************************


بيت مشعل بن محمد
الساعة 6 وربع صباحا

لطيفة اتصلت بمشاعل لتذهب إلى بيتها
حتى توقظ أولادها وتجهزهم للمدرسة

بيت لطيفة ملاصق لبيت أهلها وبينهما باب مفتوح
وترتيب بيوت آل مشعل على النحو التالي
بيت مشعل بن محمد أولا
بجواره منزل عمه عبدالله
ثم بيت محمد
ثم بيت فارس ملاصقا لبيت محمد
وبينها جميعا أبواب
ولكن كل الأبواب مغلقة لا تفتح إلا لحاجة
عدا الباب بين لطيفة وأهلها

لطيفة أخبرت مشاعل أنها مرضت في الليل لذا أخذها مشعل للمستشفى
وأنها تستطيع أخذ راحتها في البيت لأن مشعل معها
طلبت منها تجهيز الأولاد محمد وعبدالله ومريم للمدرسة
وستساعدها خادمة البيت الكبيرة التي ستأخذهم مع السائق للمدرسة
وبعدها تأخذ جود وتعود بها معها لبيت أهلها

مشاعل ارتدت جلالها وتوجهت لبيت لطيفة

مشعل لم يعرف عن ترتيب لطيفة هذا
لذا كان له ترتيب آخر
طلب من الخادمة أن تجهز الأولاد للمدرسة
واتصل بناصر ليحضر العنود ويأتي بها ليأخذان جود بعد أن يذهب أخوانها للمدرسة
ناصر أطل على العنود وجدها تدرس لامتحان سيكون المحاضرة الأولى
فقرر أن يذهب لوحده ويحضر جود بعد أن يتأكد من ذهاب أخوانها
ثم يتوجه لعمله

وهاهو ناصر يصل لبيت مشعل
في ذات وقت وصول مشاعل له
بيت مشعل بن محمد
الساعة 6 وثلث صباحا

مشاعل وصلت
و دخلت من ناحية باب المطبخ الداخلي لأنه الأقرب للباب النافذ بين بيتهم وبيت لطيفة
وقتها كان ناصر يصل مع باب الصالة الرئيسي
ويتوجه للمطبخ الداخلي ليضغط جرس مناداة الخادمات من غرفتهن بجوار المطبخ الخارجي

تلاقيا
كان ناصر يدخل المطبخ
في الوقت الذي كانت مشاعل ترفع الجلال عن وجهها وشعرها
صُدمت صدمة حياتها برؤيته أمامها
وشعرت بارتعاشة خجل وخوف حادة تجتاحها
كانت تريد العودة وراءها
ولكنه لم يمهلها لتنفيذ مخططها
كان أسرع منها وهو يمسك ذراعها بقوة وحنان.. ويثبتها في مكانه

لم يكن ناصر يقصد سوءا مطلقا
حين رآها أمامه
شعر أن هذا اليوم فعلا هو يوم رضى والدته عليه وبركة دعائها له
أراد فقط أن يراها عن قرب
فهو شعر بارتعاشة ناعمة ومختلفة في ذات وقت رفعها للجلال عن وجهها
ورؤيته لشعرها القصير الناعم ينزل ليداعب عنقها بعذوبة مصفاة
فأراد أن يرى كيف هي ملامح هذا الملاك من قريب!!


ولكن ما فجعه هو نظرة الرعب التي ارتسمت على وجه ملاكه
لم يكن خوفا!!
لم يكن خجلا!!
كان رعبا صِرْفا!!

أفلتها وهو يقول لها بحرج: أنا آسف.. والله ماقصدت أضرش بشيء.. آسف

لم ترد عليه وهي تعود أدراجها راكضة

شعر ناصر بالألم.. بالكثير من الألم
يعلم أنه أخطأ في تصرفه..
ولكن ردة فعلها بدت له غير طبيعية أبداً

لم يعرف كيف يتصرف.. كيف يبرر
لم يجد أمامه غير سيدة المهمات الصعبة
أخته مريم

اتصل بها وأخبرها بكل شيء
مريم عاتبته مطولا
ناصر بضيق: والله العظيم إني داري إني غلطان
بس والله العظيم ماكان قصدي أضايقها
كنت أبي أشوفها بس..

مريم بضيق: مشاعل خجولة بزيادة.. بس خلاص لا تحاتي
أنا بأتصرف..

ناصر أغلق منها وصعد ليرى أبناء شقيقه ويأخذ جود..

ومريم أغلقت منه واتصلت فورا بمشاعل التي كانت وقتها في غرفتها
لم تكن تبكي
كانت مذهولة
مرعوبة
مصدومة


رن هاتفها.. كانت مريم
ردت عليها بجملة واحدة فقط:

خليه يطلقني.. ما أبيه..


********************


الساعة 8 صباحا

حمد ووالده يقفان أمام المحكمة الشرعية
حمد جسده مغطى بالضمادات
عانى والده في إقناع الطبيب حتى لا يتصل بالشرطة
وسكت في النهاية على مضض احتراما لسن أبي حمد ورجاءاته

حمد طوال الطريق يحاول إقناع والده بالتراجع عن فكرة الطلاق
ولكن أبا حمد كان مصرا
لأنه يعلم أنه لا أمل أن يوافق أحد على عودة موضي له
إن كان هو بنفسه لا يوافق على عودة ابنة شقيقته لإبنه.. فكيف بأهلها؟؟

يقفان أمام القاضي
بعد أن طلب أبو حمد من أحد الموظفين أن يأتي ليشهد معه على الطلاق
القاضي حاول أن يثني حمد عن فكرة الطلاق
وكان يريد تحويل قضيتهم لمركز الاستشارات العائلية على أمل الإصلاح كالعادة
ولكن أبا حمد همس في أذن القاضي بعدة عبارات جعلته ينظر لحمد شزرا بغضب

وبدأ بكتابة العقد..
أبو حمد بثقة وقوة قال للقاضي: طلاق بائن يا شيخ ثلاث طلقات محرمات

حمد فُجع.. كيف قرأ والده أفكاره..
فهو كان يفكر أن يطلقها طلقة واحدة ليسكتهم.. ثم يعيدها قبل نهاية فترة العدة
وستكون حينها قد شُفيت وأهلها خف غضبهم..

حمد همس لوالده بألم عميق: تكفى يبه تكفى طالبك.. طلقة وحدة..
عطني فرصة
والله بأعالج وأتغير..

أبو حمد همس له بغضب: أوص ولا كلمة..
تطلقها وأنت كلب ثلاث طلقات ذا الساعة..
والله ماعاد تعرفها ..دامك ما عرفت قيمة الجوهرة عندك
خلاص ما تستاهلها..


********************


ليل واشنطن
الليلة الأولى التي تقضيها هيا في بيت مشعل
الساعة 10 مساء


بعد غدائهما الصامت مع بعضهما
الذي تبادلا فيه النظرات فقط
نظرات دون كلام
نظرات لا معنى لها
ولها كل المعاني

رتبت هيا المطبخ وعادت لغرفتها
ترتب أغراضها فيها
ومشعل لم يخرج من غرفته حتى صلاة المغرب سمعت بابه يفتح
ولم يعد إلا بعد صلاة العشاء حوالي الساعة 9 وربع

الآن تقرر هيا الخروج من غرفتها
تريد أن ترى إن كان يريد عشاءً رغم أن هيا ذاتها غير متحمسة
للقيام بدور الزوجة المتفانية في خدمة زوجها
فهذا الدور لا يليق بها
وخصوصا مع مشعل بالذات
ولكن هيا يحضرها شيء واحد
أن مشعل كان الشيء الوحيد الذي وصتها به والدتها وهي تموت

وجدته في الصالة
يشاهد أخبار الجزيرة
الساعة في الدوحة الآن الثامنة صباحا
عشر ساعات تفصل بينهما

(وليتك تعلم يا مشعل أين إحدى أميراتك الأثيرات الآن
وكيف ظُلمت أختك وضُربت وأنت لا تعلم؟!
أنت الذي أردت أن تحميهن من هبوب النسيم
فإذا ضلوعهن تسحق
ليتك تعلم أن الثلاث كلهن يعانين هذه اللحظة
لطيفة
وموضي
ومشاعل
قلوبهن مجروحة .. مجروحة حتى النخاع
رحمك الله بالبعد يا مشعل!!)

هيا اقتربت منه بهدوء: مشعل تبي عشاء؟؟

مشعل نظر لها بتمعن (أشلون صغيرة ورقيقة.. لكن ليش لمت شعرها؟؟)
أجابها بهدوء: لا.. أنا وسعيد مرينا كوفي عقب صلاة العشاء وتقهوينا
ماني بمشتهي..

هيا هزت كتفيها وتوجهت عائدة لغرفتها
استوقفها مشعل: هيا

هيا التفتت عليه: نعم

مشعل بهدوء: اقعدي معي شوي..

هيا عادت وجلست بعيدا عنه، مشعل ابتسم: أنتي خايفة مني؟؟

هيا بحرج: لا.. ليش تقول كذا..

مشعل بنفس الابتسامة: شوفي وين قعدتي..

هيا قامت وجلست في كرسي أقرب..

مشعل بهدوء: سولفي لي عن دراستج بريطانيا..أي جامعة دخلتي؟؟ أنا أعرف بريطانيا عدل ولو أني ممنوع الحين من دخولها..

مشعل كان يريد فتح حوار معها.. وحاول أن يختار موضوع البدء بذكاء
لم يرد أي موضوع قد يفتح أيا من جروحها
وموضوع دراستها في بريطانيا قد يكون موضوعا مناسبا..
ولديه من الحكايات حولها الكثير..


******************


ناصر في مقر عمله في وكالة الأنباء القطرية..(العلاقات العامة)

كان في غاية التوتر من بعد موقفه مع مشاعل صباحا
وخصوصا أنه علم أن مريم توجهت لبيت عمها قبل ذهابها لعملها
لم يتوقع أن الموقف سيكون له كل هذه التبعات
نادم على تصرفه الأهوج
ولكن نيته كانت صافية
لم يرد مطلقا أن يؤذيها
أراد رؤيتها فقط

يتصل بمريم ولكن مريم لا ترد

بالتأكيد ناصر ليس عاشقا مثل فارس مثلا
ولكنه يحمل مشاعر رقيقة لمشاعل
مشاعر طبيعية بما أنها زوجته التي ارتبط اسمها باسمه
مشاعر شاب طبيعي يميل نحو نصفه الآخر ويتمنى قربه

أعاد الإتصال بمريم
وأخيرا ردت

ناصر بلهفة: مريم الله يهداش وهذا وأنا موصيش

مريم ابتسمت رغم أن داخلها غير مطمئن: خلاص يا ابن الحلال
حط في بطنك بطيخة وكبر مخدتك

ناصر ابتسم: يعني خلاص أتطمن إنها مهيب زعلانة

ابتسمت مريم رغم قلقها: إن شاء الله

وهي تستعيد ماحدث بينها وبين مشاعل قبل أكثر من ساعتين
الأمر الذي أثار قلقها على حياة ناصر ومشاعل معا..



**********************


غرفة موضي الساعة 11 صباحا

مشعل مر بهم صباحا ليرى إن كانت لطيفة تريد شيئا
وأحضر لهم بعض الاحتياجات الضرورية
ثم توجه لعمله حوالي الساعة الثامنة بعد أن اتصل بالسائق وأوصاه أن يعيد أولاده لبيت أهله


زائر يصل
صوته المتأثر يصل لطيفة من خلف الباب: لطيفة لطيفة

لطيفة قفزت وهي تقول باحترام: ادخل يبه

دخل.. قابلته لطيفة عند الباب.. وقبلت رأسه

دخل للداخل .. فُجع بمنظر موضي
بل الفجيعة كانت شعورا أقل بكثير مما شعر به
لم يتخيل أن وحشية ابنه وصلت لهذا الحد
شعر أن داخله يتمزق لمئات الشظايا
لطالما كان أبناء شقيقته مقربين منه
وخصوصا موضي بعد أن أصبحت زوجة ابنه
كانت دائما أشبه بنسمة رقيقة
فماذا فعل ابنه بهذه النسمة؟!!

أبو حمد بتأثر بالغ: ماتشوف شر
ثم استدرك بتأثر أشد: أم مشعل وخالتي أم محمد دروا؟؟ (هيا الكبيرة:خالته)

لطيفة بنفي: لا ماحد يدري إلا انا ومشعل
خايفة على أمي وإبي إذا دروا

أبو حمد بحزن: والله يا أبيش ما أدري وش أقول لش
الحكي مافيه فود.. والله مالي وجه.. قطع وجهي حميّد

لطيفة بتأثر: تكرم يبه ويكرم وجهك

أبو حمد أعطاها ظرفا بيده: هذا طلاق موضي قعدت فوق رأسي القاضي لين خلصه ووثقه..
وهذا شيك مني لبنتي موضي أدري فلوس الدنيا كلها ما تعوضها
بس خلها تعتبره هدية من إبيها الشيبه
وتعتبره بشارة مخلاصها من ولده

موضي تناولتهما وهي تقبل رأس خالها مرة أخرى وتقول بتأثر:
الطلاق وكثر الله خيرك.. جميلك ما ننساه جعل عمرك طويل
لكن الشيك جعلك سالم..(قالتها وهي تمزقه) ما نقبل العوض يا خالي
وعوضها في مخلاصها من حمد.. وأنت تكرم عنه وعن أفعاله..

خالها تأثر كثيرا وهو يحضنها ويقول:
أنا أشهد إنش بنت مشعل العود جعل عظامه الجنة

ثم التفت لموضي الغائبة عن الوعي وقبل رأسها فوق الضمادات

ثم ألتفت على لطيفة وقال لها بحزن: حمد حجزت له غصبا عنه
وهو قال بيسافر لمصر يعالج.. بس لا حد يدري بسالفة العلاج يا أبيش
وخلاص الحين هو رايح المطار بيسافر

ثم غادر أبو حمد

حينها قررت لطيفة أن تتصل بأمها ووالدها وفارس وتبلغهم
فحمد سافر بعد أن طلق موضي
وماعاد هناك شيء تخاف منه..
ولكن لنقل هناك شخصان تخشى مواجهتما في الدوحة عدا ساكن واشنطن
والدها
وفارس
غرفة مشاعل
حوالي الساعة 7 إلا ربع


مريم وصلت.. شعرت بحرج شديد وسائقتها تدخلها
وهي تبرر سبب زيارتها المبكرة لجدتها وأم مشعل اللاتي كن عند قهوتهن في الصالة السفلية
لو كانت قالت أريد السلام على جدتي كان سيكون أمرا اعتياديا
ولكن ما يثير الريبة أنها أرادت رؤية مشاعل
الجدة أخذت الأمر على ظاهره
ولكن أم مشعل بنظرتها البعيدة علمت أن هناك شيئا ما..
لكنها سكتت وتركت سائقة مريم توصلها للأعلى

كانت مشاعل تجلس صامتة مذهولة
في قلبها رعب هائل من ناصر
فأفكار مرعبة جدا خطرت لها
أفكار عمقت خوفها من الزواج بشكل عام ومن ناصر بشكل خاص


مريم تدخل..
تتلقاها مشاعل بخجل..
والسائقة وقفت تنتظر عند الباب المغلق من الخارج

مريم بعتب: وش الكلام اللي قلتيه لي في التلفون؟؟
عرسش بعد شهرين وتجيبين طاري الطلاق

مشاعل بحزن: طبايع ناصر مهيب عاجبتني خلينا نتطلق وإحنا على البر..

مريم باستفسار ثم شرح: أي طبايع؟؟ ناصر ماكان يبي يضرش بشيء..
كان يبي يشوفش من قريب
وهو ما سوى شيء عيب وإلا حرام في الشرع
يمكن هو تصرف طايش شوي منه.. بس ناصر رجّال ما تطلع منه العيبة..

مشاعل بحزن: أمس يطالعني ويبحلق فيني وفارس قاعد جنبه
قلت ما عليه.. النظرة ماينلام عليها
بس اليوم يمسكني في بيت مشعل وماحد منهم موجود
وشو يعني أنتظر صدفة ثالثة يسوي فيني شيء يعني؟!!

مريم باستغراب: بصراحة أفكارش غريبة..
ناصر رجّالش.. وقبلها ولد عمش.. مستحيل يضرش بشيء

مشاعل لم تعد تحتمل وطأة أفكارها رمت نفسها على صدر مريم
وبدأت في الانخراط في كل البكاء المكتوم في صدرها
مريم انفجعت من ردة فعلها.. لكنها احتضنتها بحنان وهي تقول لها:
مشاعل الله يهداش.. ترا ردات الفعل عندش مبالغ فيها شويتين

مشاعل بهمس: خايفة يا مريم خايفة..

مريم باستغراب عميق: من ويش خايفة؟؟

مشاعل بعمق باكي: من ناصر ومن الزواج.. ومن الحياة الجاية كلها

مريم بحنان: والله العظيم مهوب عشان ناصر أخي.. بس ناصر مافيه مثله
طيب وحنون ومرن.. وقبل أي شيء رجّال صدق
وهذا هو حالته حالة.. خايف تكونين زعلانة منه.. وش تبين أرد عليه يعني؟؟

مشاعل بتردد: ما أدري.. ما أدري


**********************



واشنطن/ شقة مشعل بن عبدالله
قبل صلاة الفجر

البارحة بقي مشعل وهيا يتحدثان حتى حدود الساعة 11
لاحظ مشعل أنها غير راغبة بالحديث
شاردة حينا..ومتباعدة أحيانا كثيرة
لذا تركها تعود لغرفتها
وهو عاد لغرفته

والآن صحا من نومه منذ وقت
صلى تهجده.. وينتظر آذان الفجر
توجه للمطبخ يريد شرب ماء

سمع صوتا خافتا
كان صادرا من غرفة هيا
توجه للحجرة وأرهف السمع
كانت تبكي
بدا له أنها تنتحب وتحاول كتم شهقاتها
شعر بألم عميق
ولكنه احترم حقها في التعبير عن حزنها
توجه للمطبخ وشرب الماء.. وعاد
مازال الصوت مستمرا

لم يحتمل أن يتركها وهي على هذا الحال
أن يتركها تغرق في عوالم حزنها لوحدها دون مواساة

اقترب
لم يطرق الباب
شعر إن حدة الطرقات جارحة في مقاطعة حزنها
فتح الباب بخفة

كانت منكبة على سريرها تبكي وبجوارها صورة لها ولوالدتها
في حفل تخرجها من كوينز قبل عام

اقترب جلس إلى جوارها
فور شعورها بحركة جوارها رفعت رأسها
وهو يضع يده على ظهرها ويقول بحنان:
اطلبي لها الرحمة..

مشعل صُدم من ردة فعلها
فهي نهضت واستوت جالسة
ورمت بنفسها فوق صدره
وهي تنخرط في بكاء حاد

هيا حين وصلها مشعل
كان لها ساعات وهي تبكي
تعبت من البكاء والوحدة والوحشة
لو كانت رأت أيا كان في هذه اللحظة
لارتمت في حضنه
تحتاج أن تشعر بلمسة إنسانية حانية
وهاهو مشعل يقدمها لها

مشعل احتضنها بحنان
وهو مستغرب من اقترابها منها
فهي تبدو متباعدة وشحيحة جدا بأي مشاعر طيبة تجاهه

لطالما كان صدره ملاذا لشقيقاته الأربع
ويبدو أنه أُضيف لهن شقيقة خامسة!!!

ولكن لَمَ إحساسه برأسها المدفون في عرض صدره مختلف عن إحساسه بشقيقاته؟!!
لَمَ إحساسه بأنفاسها الدافئة التي تلفح عضلات صدره مختلف؟!!
لِمَ إحساسه بملمس شعرها الناعم تحت ذقنه مختلف؟!!!

هيا ابتعدت قليلا
وعيناها في الأرض وتقول بصوت مبحوح: أنا آسفة

مشعل تنحنح: ليش تعتذرين.. أنا اللي المفروض اعتذر أني دخلت بدون استئذان
بس ما قدرت اسمع صوتش تبكين وأخليش..

هيا تنهض وتقوم عن سريرها وتبتعد: أنا بأروح أتوضأ


************************



بعد صلاة الظهر
غرفة موضي/ مستشفى حمد

لطيفة اتصلت بوالدها وطلبت منه أن يحضر معه والدتها وأن يحضر فارس أيضا
ففارس لا يستطيع أن يقود السيارة حاليا مع إصابة كتفه

كان والدها وفارس أكثر شخصين تخشى مواجهتهما
ولو كان شقيقها مشعل هنا كان سيكون صاحب النصيب الأوفر من خوف المواجهة

لذا يكفيها الآن القلق من مواجهة الاثنين!!

وفعلا كانت على حق في قلقها

فوالدها وفارس ثارا ثورة هائلة وهما يريان وضع موضي
التي لم يكف الممرضات عن حقنها بالمهدئات حتى لا تشعر بالألم قبل أن تتحسن قليلا

كانت ثورة الاثنين أشبه بثورة بركان مرعب
ألقى كل حممه النارية خارجا
وكان على لطيفة تحمل كل هذه الثورة
وخصوصا وهي أخبرتهما بكل صراحة أن حمد يضرب موضي منذ سنوات
ولكنها أخبرتهما أنها ومشعل أصرا أنها سقطت عن الدرج
وهذا ما سيخبرونه لكل الناس


فارس لم يتوقف عن إجراء الاتصالات أراد التأكد أن حمداً سافر حقا
وليست مجرد محاولة من لطيفة لتهدئته وحماية ابن خالها
شعر بخيبة أمل مرة حادة وهو يتأكد من إقلاع طائرة حمد قبل نصف ساعة
كان يشعر بغضب كاسح وهو يرى أخته الأثيرة على هذا الوضع
بينما من فعل بها هذا هرب وهو لم يروي غليله منه
كان يريده أمامه ليمزقه تمزيقا ألف مرة
على كل دمعة ذرفتها موضي
على كل صفعة صفعها إياه
على كل قطرة دم أراقها من جسدها

لطيفة بهدوء: يبه أنت وفارس الله يهداكم
حمد طلق موضي خلاص
وراكان ماقصر فيه
ضربه لين الله شاف له
وهذا هو راح في طريقه
وأنا طالبتكم ما حد يوجع خالي بالحكي
خالي ماله ذنب.. ولا قصر
من الصبح جاب لي ورقة طلاق موضي موثقة..
والمسكين متفشل من ولده وغصبه على الطلاق
واللي فيه يكفيه..

كانت أم مشعل تسمع وتتمزق
ماتراه في ابنتها نحرها
كانت تشعر بعذاب موضي منذ زمن
هي أيضا مسؤولة.. مسؤولة
لطالما اكتفت أن تقوم بدور الام الحنون فقط
وتركت التصرف كله لعبدالله بقوة شخصيته وحضوره المسيطر
كان إتخاذ المواقف الحاسمة يوترها
وترى أنها زرعت جزءا من هذه الصفة في بناتها
لطالما شعرت أن بناتها الثلاث الكبريات ينقصهن القدرة على اتخاذ الموقف الحاسم في الوقت الصحيح
لأنها ربتهن أن يفضلن الجميع على أنفسهن
كانت أم مشعل تعلم بمشاكل بناتها الثلاث وهي صامتة

لطيفة تعلم أن مشعل متباعد عنها
ولكنها عجزت عن مواجهته لنسف البرود المتجذر بينهما

وموضي كانت تعلم أن حمد يؤذيها بطريقة ما
وإن كانت لم تتصور أنها وصلت للضرب
ولكنها تعلم أنها صبرت عليه حفاظا على مشاعر كل الناس إلا هي..

ومشاعل.. ماذا تخبئ الأيام لها؟؟..
تعلم أنها خجولة جدا ومرعوبة من فكرة الزواج..
فهل ستستطيع مواجهة خوفها قبل فوات الأوان؟؟


هذه هي الأفكار التي كانت تغرق أم مشعل في دواماتها
وهي تنفصل عن الحوار الحاد الذي يدور بين لطيفة وعبدالله وفارس
دون أن تنتبه إن كبرى بناتها بدأت بالتخلي عن إرثها لها (إرث المهادنة)
فلطيفة حضرت روحها المقاتلة
وهي غير مستعدة للتفريط بها مهما حدث!!!
ولكنها روح غلفتها بكل تهذيبها الرفيع
واحترامها الكبير لوالدها وأخيها


******************


الصباح الباكر/ واشنطن

مشعل ارتدى ملابسه
وأعد لنفسه كوبا من القهوة
هاهو يشربه في غرفته وهو يجهز أوراقه وحاسوبه
ليتوجه للمكتبة كعادته

قطع إنهماكه في عمله صوتها
كانت تقف أمام الباب المفتوح من الخارج
سألته بتوتر غامض: بتروح الجامعة الحين؟؟ بدري

ابتسم: تعودت.. عشان أستغل النهار من أوله.. وخير النهار البكور

هيا بنبرة اعتيادية: أنا عندي محاضرة الساعة 10
باص أي ساعة أخذ؟؟

مشعل بهدوء: أنا بأرجع بأوديش..

هيا برفض: لا أنا بأروح بروحي.. مافيه داعي ترجع

مشعل بثقة وعند: خلاص يا بنت الحلال أنا قلت بأرجع أوديش..
أنتي قبل كنتي تروحين مشي..
بس الحين أنا مسؤول عنش وماراح أخليش تلتهين في الباصات

هيا بنبرة غضب خفيفة: مشعل أنت ناسي إني لي كم سنة أنا أصرف أموري

مشعل ينهي كوبه ويضعه على الطاولة ويقول بهدوء: هذاك أول..
الحين أنتي مرتي ومسؤولة مني..

كانت هيا مرهقة وتريد أن تعود لتنام قليلا قبل محاضرتها
فهي لم تنم منذ دخلت هذا البيت.. لذا صمتت ليس لأنها مقتنعة
ولكن لأنها لا رغبة لها في الحديث الآن.. وقررت تأجيله لوقت لاحق


**************************


الساعة 8 مساء
غرفة موضي في المستشفى
مازالت موضي لم تفق بعد
وهي تُحقن بالمهدئات بشكل مستمر

عندها لطيفة ومشاعل وأم مشعل

يصل عامل التسليم ويطرق الباب الخارجي
تلبس لطيفة نقابها وتخرج

كانت باقة ورد ضخمة كُتب عليها:

"ألف حمدا لله على سلامتكِ
خطاكِ الشر

أخوكِ الأكبر
مشعل بن محمد"

توترت لطيفة نوعا ما

أمها تسأل: من؟؟

لطيفة بهدوء: مشعل مرسل ورد..

أمها بذات الهدوء: إذا جاء رجالش روحي معه..

لطيفة برفض: لا يمه بأقعد عند موضي

أمها باستنكار: وعيالش منهم في ضوه؟؟ (جملة تعني من سيهتم بهم)
من البارحة ما تدرين عنهم
وأنا ومشاعل ما عندنا شغل
وحدة منا بتقعد عندها والثانية بترجع البيت مع عبدالله إذا جاء عقب شوي

بعد دقائق طرقات واثقة على الباب

تلاه صوت مشعل عند الباب دون أن يدخل:
الحمدلله على سلامة موضي يمه..

أم مشعل بهدوء: الله يسلمك يا أبو محمد.. جعلك ما تزار
وكثر الله خيرك.. وجعل شيبانك الجنة
أنت ولطيفة وماقصرتوا.. إخذ مرتك وروحوا لبيتكم
لطيفة على قعدتها من البارحة

مشعل بهدوء وهو واقف عند الباب ولا يرى أحدا منهم لأن الستارة ممتدة بينهم:
هاه لطيفة تروحين؟؟

أمها تأشر لها أن تذهب، فردت على مضض: إن شاء الله جايتك
الممر أمام غرفة موضي
الساعة 8 وربع

لطيفة تخرج لمشعل الذي ينتظرها خارجا
مازال يوجه لها الحديث دون أن ينظر لها:
تحبين تنتظرين عند موضي لين أجيب السيارة عند الباب وتنزلين علي
أو بتروحين معي للمواقف؟؟

لطيفة بهدوء: بأروح معك..

مشعل ببرود: يالله امشي..

خرجا متوجهين للمواقف دون أن يتبادلا أي حوار حتى وصلا السيارة
وركبا..

تحركت السيارة..
مشعل بهدوء وعيناه مثبتتان على الطريق كيديه المتمسكتين بقوة بالمقود:
أظني إنش عارفة إني مابعد حاسبتش على إنش دسيتي علي إن حمد يضرب موضي..

لطيفة بذات هدوءه: ما يهمني حسابك ولا أي شيء بتسويه

مشعل ألتفت عليها بقوة لدرجة إنه توازن السيارة اهتز وهو يقول بنبرة غضب: نعم؟؟

لطيفة دون أن يهتز منها شعرة: اللي سمعته.. أنا موجوعة يا مشعل موجوعة
موجوعة من قبل.. واللي شفته في موضي نحرني
وش بتسوي فيني زود؟؟
أنا ما أحتاج حد يحاسبني..لأني حاسبت روحي..
لو حتى تجيب سكين وتقطعني ماراح أحس بألم..
لأن خلاياي كلها غرقانة ألم وندم..

صمت مشعل.. كان مبهوتا.. مصعوقا
لم يتخيل يوما أن لطيفة لديها هذا الاسلوب القوي في التعبير عن مشاعرها وأفكارها..
استطاعت سحب كل مشاعره السلبية بعدة جمل
كان غاضبا جدا عليها
فإذا مشاعره تنقلب

ولكنه مع ذلك رد عليها: كان ممكن إنش توفرين ذا الألم على نفسش
وعلى أختش..لو إنش بلغتي حد فينا..
أنتي أختها الكبيرة.. شفتيها صبرت عليه شهر شهرين سنة سنتين
خلاص كفاية كذا..
وبعدين أنتي عارفة إن الضرب عمره ماكان أسلوب حد منا
أشلون رضيتي أختش تعيش في ذل ضرب حمد..

لطيفة بحزن: حمد كان يموت في التراب اللي تمشي عليه موضي..
كان عندي أمل أنه حاله بينصلح يوم دامه يحبها ذا الحب كله..

مشعل بدأ يغضب: يعني أنتي مستعدة تعيشين معي وتتحملين وأنا اضربش
عشاني أحبش وبس..

لطيفة بهدوء مدروس بارد: إذا موضي استحملت ضرب حمد وهو يحبها
فأنا استحملت برودك وأنت ما تحبني..
يعني لا تقلل من قيمة تحملي لك لأنه فوق ما تتخيل!!

وقتها كان مشعل يفتح الباب الخارجي بجهاز التحكم
ويُدخل سيارته ويقف في موقفه الداخلي ويلتفت عليها ويقول بنبرة غامضة:
يعني أنتي الحين متحملتني؟؟

لطيفة وهي تفتح بابها وتنزل: مستحملتك لحد ما تتزوج..
وعقبها خلاص
ماعاد لك أي حق عندي وأكون كفيت ووفيت..

شعر مشعل برغبة عارمة أن يوقفها.. يجذبها لصدره المشتاق لها ..يحتضنها ويقول لها:
تحمليني العمر كله
لأني ماني بمتزوج أبد
لأني..
لأني.....
لأني..........


"كم هو صعبٌ على كبرياءه اعترافه بمشاعره حتى لنفسه!!!"



************************


المقهى بالقرب من جورج تاون
الساعة 12 ظهرا

هيا وباكينام تصلان المقهى
هيا يبدو عليها الإرهاق عكس إشراق باكينام

باكينام بقلق وهما تجلسان: هيا حبيبتي .. مالك؟؟

هيا بتعب: مافيني شيء مرهقة شوي بس.. ما نمت نهائي..

باكينام بذات القلق: كده مش كويس عليكي
لازم تهتمي بنفسك شوية
ثم أردفت باهتمام: ومشعل مش مهتم فيكي وإلا إيه؟؟

هيا بنبرة محايدة: مشعل ما يقصر..

باكينام بنبرة خاصة: وهو عامل معاكي ايه؟؟

هيا بذات النبرة المحايدة: مثل ما قلت لج مايقصر..

باكينام تبتسم: إيه حكاية قصر طول دي.. إذا ما كنتيش واخدة بالك يعني
مشعل ده يهوس بره وجوه.. ستايله وشخصيته تجنن..
يمكن أنتي اتجوزتيه غصبا عنك
بس الغصب ده من بركة دعاء ماما حصة ليكي
اعرفي ئيمة الراقل وما تطفشيهوش..

هيا ابتسمت بالغصب: تدرين إنج متفرغة..

باكينام تضحك: يارب ابعت لي بس.

وهم تتحاوران اقتربت منهما النادلة وابتسمت باحترام: ماذا تشربن آنساتي؟؟

باكينام نظرت إليها وابتسمت: أين النادل الآخر؟؟

الفتاة بابتسامة: أيهم؟؟

باكينام وهي تضحك: الأسمر الوسيم..

الفتاة تنهدت بعمق: أوووه جو الوسيم.. إنه في المدرسة اليوم؟؟

ضحكت باكينام وهي تهمس لهيا: البت هتسيح في مكانها
وأكيد المستر جو في مدرسة محو الأمية زي كل المكسيكان اللي هنا
(جو اختصار جوزيف.. واختصار اسم آخر آخر رديف!!!!)

كثير من اللاتينين المهاجرين لأمريكا يدرسون في مدارس مسائية حكومية لتعليمهم المناهج الأمريكية


*************************


غرفة موضي
الساعة 10 مساء

مشاعل من أصرت أن تبقى مع شقيقتها
ووالدتها غادرت مع عبدالله من أجل أم محمد وولديها الصغيرين: سلطان وريم

كانت مشاعل تنظر لموضي بجسدها المغطى بالضمادات
وتشعر أنها تختنق
وأن روحها تنزف وجعا لا نهائيا
تشعر بألم مرٍّ يتسلق روحها
ويغرس رماحه.. ليتجذر في أعمق أعماق روحها الشفافة

أخبروها أن موضي سقطت عن الدرج وهي تحمل حقيبتها بعد أن طلقها حمد
(هل يعتقدون أني غبية أو طفلة؟؟!!)

مشاعل علمت أن مافي موضي هو من ضرب حمد لها

شعرت بحقد عميق على حمد
وخوف متزايد من ناصر

(هل يعقل أن يفعل ناصر بي يوما مافعله حمد بموضي؟!
يضربني ويمتهن إنسانيتي؟!!
أو حتى يتعامل معي كجسد لتلبية رغباته دون أي حب كمشعل ولطيفة؟؟!!
أي أن أعاني القهر في كلا الحالتين!!
لا أريد الزواج.. لا أريد
لا أريد أن أكون لرجل يهينني جسدا أو روحا
لمن أشكو؟؟ لمن أتوجه؟!
من سيفهمني؟!!
الكل يمدح ناصر.. لن يتفهم أحد مخاوفي!!
يا آلهي.. يا آلهي
خائفة.. خائفة
ماذا تخبئ لي الأيام؟!!)


*************************

مابعد منتصف الليل
غرفة فارس

مازال فارس ساهرا
ويبدو أن سهرته ستطول
شعور مر يجتاحه
شعور بالخديعة والقهر والغبن

عاجز عن إغلاق عينيه
فكلما حاول إغلاقهما تعلقت صورة موضي بأهدابه
صورتها والضمادات البيضاء تغطيها
كأنها حمامة بيضاء مهيضة الجناح

عاجز عن تخيل كيف تجرأ حمد على ضربها طوال هذه السنوات
تحت أنظارهم وأنوفهم وهي تعاني وتتعذب وهم لا يعلمون

كيف تجرأ ذلك الحقير المسمى حمد على خدش جوهرته
وإهانتها والتطاول على كرامتها وجسدها

كلما استعاد هذه الأفكار وجد نفسه يغلي من الغضب
يكاد يكسر يديه من عصرهما غضبا

(أشلون يجي له قلب يمد يده عليها؟!
أشلون وصلت حقارته يهين بنت عمته وبنت خاله في نفس الوقت!!)

" وأنت يافارس ماذا تسمي ما تنوي عمله
بالعنود ابنة عمك؟؟!!"

(لا لا
أنا مستحيل أهين مره أو أمد يدي عليها
لكني بأعرف أشلون أنتقم منها على طريقتي أنا!!)



****************************



الساحة المقابلة لكلية الإدارة
جامعة جورج تاون
الساعة 4 عصرا

هيا تتوجه للساحة حيث اتفقت مع مشعل على الإلتقاء هناك
ليعودا للبيت
هيا وهي تقترب رأت شخصا يقف مع مشعل
ويوجه الحديث له باهتمام
بل كانت ملامح الشخص الآخر تكاد تذوب ولهاً
وهي تلتقط كل حرف ينطق به مشعل باهتمام

شعور غريب اكتسح هيا
فالشخص الآخر كان قنبلة ذرية بكل المقاييس
سمراء لاتينية بشعر أشقر وعينين عسليتين
فتنة متجسدة في كل تفصيل من تفاصيل وجهها وجسدها

شعرت هيا بشعور أشبه بغضبٍ غريب
اقتربت وسلمت ببرود
مشعل ابتسم لهيا وهو يعرفها على محدثته: دكتورة باتريشيا من كولومبيا
أستاذة زائرة هذا الفصل..ولديها اهتمام شاسع بالقضايا العربية

هيا حاولت أن تدفن أحاسيسها التي هي استغربتها
وهي تبتسم وتقول: تشرفنا دكتورة باتريشيا

ولكن الكولومبية الحسناء لم تستطع الابتسام وهي تقول:
تشرفنا.. لم نتعرف بكِ؟؟

مشعل بهدوء: هذه زوجتي هيا..

لم يفت هيا مطلقا انقلاب ملامح الدكتورة التي تجاهلتها وهي توجه خطابها لمشعل:
لم تخبرني سابقا أنك متزوج.. كما أنك لا ترتدي خاتما في يدك

مشعل بدأ يشعر بالغضب من الدكتورة التي شعر أن في أسئلتها رائحة فضول غير مريحة:
أنا تزوجت منذ أيام.. ونحن في ديننا وعاداتنا لا نرتدي الخواتم

الدكتورة بنبرة سخرية: وهي أيضا لن ترتدي خاتما؟؟

مشعل بنبرة غضب: هي اسمها هيا ونحن متوجهان الآن لشراء خاتم لها إذا سمحتي لنا..

مشعل قال جملته وأمسك يد هيا التي بقيت صامتة وهي تشعر بغضب يتصاعد في روحها ليغادر بها

في الوقت الذي هتفت به الدكتورة وهي تمنحه ابتسامة رائعة:
تهاني لكما معا...ولا تنسَ احضار ماطلبته منك أرجوك..

ما أن ابتعدا قليلا حتى انتزعت هيا يدها من يده
مشعل لم يستغرب موقفها..
بل استغرب أصلا أنها سمحت له بمسك يدها طوال هذه الفترة ولم تنتزعها قبلا

مشعل لم يعرف بعد مشاعر الأنثى العصية التفسير..
مشاعر التملك
فهيا شعرت بالخطر من هذه الحسناء
وأرادت أن تثبت لها أن مشعل ملكها.. لها هي فقط
لذا تركت يدها له..
فالأنثى تفهم الأنثى..
وعرفت أن حجة الدكتورة واهتمامها بالقضايا العربية ليس أكثر من اهتمام بمشعل شخصيا
هذا الشيء قرأته بوضوح في نظرة عيني باتريشيا
النظرة التي توجه دعوة مفتوحة فاضحة ربما لم يلحظها مشعل بتدينه وتهذيبه
ولكنها لم تفت أنثى مثلها!!

فور ركوبهم السيارة.. هيا سألت مشعل بلهجة حاولت أن تكون اعتيادية جدا:
من متى تعرف الدكتورة؟؟

مشعل بلهجة اعتيادية فعلا وليس اصطناعا: شفتها عند مشرفي قبل حوالي شهر
ولما عرفت إني عربي.. قالت إنها مهتمة بالقضايا العربية واللغة العربية
خذت رقم تلفوني..وطلبت مني أجيب لها كتب عربية..
والحين بعد طالبة مني كتب بعد..

هيا بذات اللهجة الاعتيادية المصنوعة: أمممممم بس مهيب صغيرة على أنها دكتورة؟!!

مشعل بلهجته الاعتيادية الفعلية: ما اهتميت ولا سألت..

سكتت هيا لأنها لا تستطيع قول المزيد
ولا تستطيع تفسير شعور الغضب الغريب الذي اكتسحها
ما تعرفه أن مشعل زوجها
ولا يرضيها مطلقا أن يكون محط أنظار أي امرأة أخرى

هيا كانت غارقة في هذه الأفكار فلم تنتبه إلى أين أخذها مشعل
الذي لم يبتعد عن منطقة جورج تاون بل دخل في عمقها
حتى توقف عند محل معين يحتل قلب جورج تاون..

هيا انتبهت أن السيارة توقفت.. استغربت مكان توقفها: ليش وقفنا هنا؟

مشعل ابتسم: انزلي وأقول لش داخل

هيا دخلت ومشعل يقول لها بعذوبة: هذا أتيليه كارنيس..
أحسن ناس يسوون دبل ألماس في واشنطن.. اختاري على ذوقش اللي تبينه

هيا بحرج: مشعل أرجوك لا تحرجني..

مشعل ابتسم: أنا واحد غشيم في ذا السوالف..
أختي موضي هي اللي سألتني أمس لو كنت شريت لش دبلة على الأقل
وعلى فكرة ترا من يوم عقد زواجنا في السفارة خذت رقم حسابش منهم
وحطيت مهرش فيه قبل أمس..بس ماصارت فرصة أقول لش..

هيا تشعر بحرج شديد: مشعل ليش تسوي كذا؟؟

مشعل بابتسامة: وش سويت؟؟ ليه تبين تتزوجين بدون مهر..
أنتي بنت سلطان بن مشعل.. منتي بأي وحدة...

هيا بخجل: بس أنت ماخذتني برضاك عشان تسوي ذا كله..

مشعل بغضب: والله العظيم لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية
بيكون لي تصرف ثاني معش..
مضى شهر على الأحداث الأخيرة
وأصبحنا في أواخر شهر نوفمبر
تبقى حوالي 20 يوم على عودة مشعل للدوحة
وحوالي شهر على زواج ناصر وفارس


موضي خرجت من المستشفى بعد حوالي أسبوع من حادثتها
طابت الكثير من رضوضها بقي فقط الجبس في يدها اليسار المكسورة كسرين
أخبروا الجميع أنها سقطت من الدرج بعد طلاق حمد لها
وهي تحمل حقيبتها عائدة لبيت أهلها
لا أحد يعلم بالحقيقة عدا لطيفة ومشعل وراكان وعبدالله وفارس وأم مشعل
ومشاعل التي عرفت لوحدها
حتى مشعل أخبروه فقط أنها طُلقت
وأخبروه أنها مصابة برضوض بسيطة
وكانت موضي هي من اتصلت فيه بنفسها وأبلغته
حتى يطمئن حين يسمع صوتها

موضي تحاول أن تبين للجميع أنها بخير
وتبدي الكثير من المرح لكل من حولها
ولكن كسرها الداخلي العميق لم يخفَ على ثلاثة أشخاص
لطيفة ومشاعل وفارس
موضي كانت مجروحة بعمق..
فحمد حطم روحها وثقتها بنفسها وأنوثتها وإنسانيتها

مشعل ولطيفة
مازال الحال كما هو عليه
يلعبان لعبة الفأر والقط
بين كر وفر
لا وجود لأي تلامس جسدي بينهما ولا حتى في أدنى حدوده
فلطيفة تحاول جاهدة ألا تقترب منه حتى
ومشعل يستحيل أن يتنازل ويكون هو من يقترب لا روحيا ولا جسديا
معاناتهما تتعمق واشتياق كل منهما للآخر يتجذر
ولكن لطيفة مجروحة منه
ومشعل يمنعه كبرياءه من الإعتذار
ومازالا عاجزين عن التوصل لمنطقة الوسط
وخصوصا إن لطيفة مقتنعة أنه سيتزوج
ومشعل لا يبذل أي جهد لإلغاء هذه الفكرة من رأسها


مشعل وهيا
الزوجان الجديدان
أو لنقل رفيقا السكن بمصطلح أفضل
فهما هكذا
رفيقا سكن لطيفان!!
مازالا في طور تعرف كل منهما على الآخر
فكل منهما يبدو للآخر كلغز عصي على الحل والتفسير
فردات فعلهما غير متوقعة
وبينهما تدور مشاعر كثيفة غير مفهومة
خليط من الاستلطاف والإعجاب والغيرة

هيا اكتشفت أنها تغار عليه بجنون من كل النساء
وخصوصا من المدعوة باتريشيا
في أحيان كثيرة حين يرن هاتفه ويكون غير موجود
وتكون باتريشيا هي المتصلة
تقوم بمسح الاتصال من القائمة حتى لا يعيد الاتصال بها
حين تفعل ذلك تحس بالغرابة
(لِمَ أفعل ذلك؟!)
ولكنها تعجز عن الإجابة على تساؤلها!!

مشعل معجب بها وبعمق..
ولكن يضايقه عنادها غير المفهوم.. ولكنه لا يستطيع أن يقسى عليها
اكتشف أنها تعرف الكثير عن عائلته من حكايات والدها
ولكن معلوماتها تحتاج فقط لتحديث قام به مشعل
وهي الآن في غاية التوتر من لقاء بقية أسرتها بعد أسابيع معدودة
رغم أنه انكسر حاجز خوف كبير لأنهم يقومون بمهاتفتها بشكل دائم


فارس العاشق المتجبر
مازال عاشقا ومتجبرا!!
لم يرَ العنود أو يسمع صوتها منذ المرة الأخيرة قبل أكثر من شهر
يشعر بشوق قاتل لها
رنين صوتها لا يفارق أذنه
وملامحها سكنت خياله
وحقده لم يتغير عليها!!!


العنود
تتجهز لعرسها القريب
لطيفة غالبا هي المرافقة التي تأخذ العروسين معا
العنود ومشاعل
وشتان بين حماسة العنود وفتور مشاعل الذي كان يحز في أعماق لطيفة بوحشية
فمشاعل مع اقتراب موعد زفافها يزداد توترها وهواجسها
وخوفها!!!


ناصر
الحال كما الحال
بين عمله وأهله و تدريبات الفروسية
تبلورت فكرة اعتزال السباقات الرسمية في باله
ولكن رئيس الفريق يطلب منه تأجيلها قليلا


راكان
بين عمله والرماية والشطرنج
والبطولات والميداليات
والحزن المقيم في قلبه دون تفسير!!!


مريم
الحال كما الحال
القلب الحنون الذي يحتضن الجميع
النور المطفئ الذي ينير للجميع
اهتمامها الأكثر حاليا هو بمشاعل
تحاول إزالة الإفكار السلبية من رأسها عن الزواج بشكل عام
وعن ناصر بشكل خاص


حمد لم يعد من مصر
والدته لم تعرف بضربه لموضي
تألمت كثيرا للطلاق وتتألم أكثر لغياب حمد


والتوأم الثلاثي لاهيات في عوالمهن الخاصة ومدرستهن


باكينام
بين دراستها وهيا
ومقهى جو الوسيم
الذي ألمح لها أكثر من مرة أنه يريد مقابلتها بعد عمله
لكنها كانت تقطع تلميحه بذكاء
فآخر ماتريده هي علاقة من أي نوع
مع شخص ليس من مستواها المادي أو الفكري



*************************



واشنطن
الساعة 9 صباحا
يوم الأحد
يوم سكون واشنطن الأسبوعي

مشعل لم ينم بعد صلاة الفجر
وهو يعمل على أطروحته

الجو بارد جدا خارجا
ولا يفكر أن يخرج من البيت رغم أن سعيد هاتفه الآن
و يصر أن يقابله لموضوع مهم كما يقول
لذا عرض على سعيد أن يزوره في البيت
ويريد أن يخبر هيا حتى لا تخرج من غرفتها
ولكنها لم تخرج منها بعد
لذا قرر أن يطل عليها
رغم أنه محرج من دخوله لغرفتها
فهي مطلقا لا توحي له بأي نوع من الترحيب
وهو لا يستطيع أن يغامر بإبداء أي محاولة تقرب قد ترد عليها برفض له
والرفض سيكون مهينا لكبرياءه لأبعد حد

مشعل يطرق باب غرفتها بهدوء
لا رد
يفتح مشعل الباب بهدوء

صدمه بعمق عذوبة منظرها ورقتها وهي نائمة
وشعرها الطويل متناثر حولها
اقترب قليلا
تمنى لو يستطيع لمس خدها.. احتضان شعرها بين أنامله
استنشاق عطرها الرقيق

تنهد بعمق وهو يبعد أفكاره التي جرحته بعمقها وعنفوانها
وهو يتذكر أن سعيد على وصول

همس وهو يبتعد قليلا: هيا.. هيا

هيا فتحت عينيها ببطء وهي تقول باستغراب: نعم مشعل


مشعل بهدوء: سعيد بيجيني الحين.. يقول يبيني ضروري
خليش في الغرفة لين يروح

هيا وهي تجلس وتلم شعرها وتقول بحرج: إن شاء الله
(أكيد شكلي يفشل!!)


مشعل خرج ومع خروجه رن جرس الباب
ابتسم مشعل (نعنبو هذا شكله كان يكلمني وهو تحت)

فتح الباب ورحب بسعيد الذي بدا متوترا على غير العادة

جلسا.. شعر مشعل بتغير سعيد قال له بقلق: وش فيك سعيد؟؟
محتاج فلوس يا أخيك ترا الجيب واحد جعلني ماخلا منك

سعيد ابتسم رغم توتره: لا جعلني ماخلا منك.. الخير واجد
أنا أبي منك شيء أغلى من الفلوس إلا لو أنا ما أستاهل

مشعل ابتسم: أفا عليك.. العين ترخص لك

سعيد تشجع: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟



************************



ذات اليوم يوم الأحد
الساعة 12 ليلا
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي

مشاعل وموضي ساهرتان
موضي تسند ظهرها لرأس السرير ويدها المجبرة جوارها
بعد أن وضع لها الطبيب مؤخرا جبيرة خفيفة

ومشاعل تضع رأسها على على فخذ موضي
وموضي تداعب شعرها بيدها السليمة
وتقول وهي تبتسم: ياحظه ناصر بذا الشعر
بس بيقول خليني ألعب فيه.. ملمسه يونس ماشاء الله

توترت مشاعل من مجرد تفكيرها بلمس ناصر لشعرها
ولكنها لم ترد أن تشغل موضي بتوترها ومخاوفها
فما في موضي يكفيها.. لذا حاولت أن ترد بمرح:
والله شعرش هو اللي ماعليه زود
بس طايل واجد ويبي ترتيب.. منتي بناوية تعدلين قصته؟؟

موضي ابتسمت ابتسامة باهتة: مالي نفس أقصه.. خليه.. لويش أقصه؟؟

مشاعل بنعومة: تقصينه عشان نفسش ونفسيتش..
شوفي لطيفة ماشاء الله عليها مع إنشغالها بعيالها ودراستها إلا أنها مهتمة بنفسها
وأنتي أصلا كنتي أكثر وحدة تحب تكشخ فينا..

موضي بنفس الابتسامة الباهتة: لطيفة حلوة يحق لها تتعدل..
بس وحدة مثلي ليش تتعدل..
ثم أكملت بغصة كأنها تحادث روحها: تدرين إن حمد كان دايما يعايرني بلطيفة
يقول ماحد حظيظ غير مشعل.. خذ المزيونة اللي تجيب عيال

مشاعل قامت عن فخذ موضي وهي تهتف بانفعال: أنتي ماعليش قاصر
لا تخلين حمد الحيوان يهز ثقتش بنفسش
ماشاء عليش موضي أنتي الواحد مايشبع من شوفة وجهش
مابعد شفت حد فيه ملح وجاذبية مثلش..

موضي تقرص خد مشاعل وتقول بحنان:
شكرا على المجاملة ماي ليتل سيستر



************************



المقهى بالقرب من جورج تاون
اليوم الأحد
فلايوجد طلاب
وعدد الرواد قليل

باكينام تجلس وهي تضع دفترها على الطاولة
كانت تريد أن تتناول إفطارها
ثم تتوجه لزيارة هيا

جاءها جو .. فكل العاملين أصبحوا يعرفون أنها لا تريد أن يخدمها سواه
وجو يريد أن يكون الوحيد الذي يكلمها

اقترب جو بابتسامته المعتادة: صباح الخير آنسة باكي..
وهو يصب لها بعض الماء في الكأس الخالي أمامها

باكي ترد ابتسامته بابتسامة شديدة العذوبة: صباح الخير جو..
كيف أخبار مدرستك.. إذا كنت تحتاج مساعدة أنا مستعدة؟؟

ابتسم جو : أي مساعدة؟؟

باكينام بمرح: في المدرسة..

ضحك جو ضحكة قصيرة: قد أسألك أنا إن كنتي أنتي تحتاجين للمساعدة في المدرسة..

ضحكت باكينام: ولكني ماجستير ولست في مدرسة وأنت تعلم..

ابتسم لها جو ابتسامة لم تخلُ من سخرية:
آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة..
فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة!!!)



***************************



ذات الليلة
بيت مشعل بن محمد
الساعة 10 مساء

لطيفة تدرس بعد أن نام أطفالها
وفي ذات الوقت تترقب عودة مشعل
الذي لم يعد يتأخر مطلقا في العودة عدا نهاية الأسبوع لأنه يسهر في المجلس
ما أن تسمع صوت فتحه لباب الغرفة الرئيسي
حتى تمثل الاستغراق الكامل في الدراسة
رغم التوتر غير المفهوم الذي يجتاحها
فهي تشعر أن الوضع الساكن بينهما أصبح هشا جدا
وعلى وشك الإنفجار.. وهي تكاد تموت رعبا من هذا الانفجار!!
الذي تخشى أن يكون إعلانه لقرب موعد زواجه
فهي الآن مكتفية بمجرد قربه حتى لو كان متباعدا ويستنزفها شوقها إليه
يكفيها أنها بقربها ولها وحدها وينام قريبا منها كل ليلة

أصبحت الساعة 11 ولم يعد
الـ12 ولم يعد
شعرت أن أعصابها تذوب توترا وقلقا
لم تعد تستطيع الجلوس على مكتبها
أخذت تدور في غرفتها كالاعصار
(إش فيه تأخر؟؟ يالله سترك.. يالله سترك)

حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتفها الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين
واشنطن
الساعة 9 وربع صباحا
شقة مشعل

سعيد يقول لمشعل بتوتر: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟

مشعل تنهد بعمق ثم قال بهدوء: بس أختي اللي تقصد أكبر منك بشهور

(سعيد طالب ماجستير في آواخر ال25)

سعيد تشجع أكثر: لو هي أكبر مني بسنين بعد أبيها
وأشلون والفرق شهور بس
أنا أشتري نسبكم

مشعل بهدوء: ماتشوف إنك مستعجل
أختي توها تطلقت من شهر وباقي لها شهرين
إذا رجعت الدوحة يصير خير

سعيد برجاء حاد: أنا دريت إنها تطلقت نهائي
يعني دام رجّالها مهوب مرجعها
أتمنى إني أكون المقدم على أي حد

مشعل بحرج: أنا ما أقدر أوعدك.. لأنه إحنا مانقدر نجبرها على شيء

سعيد برجاء عميق: تكفى مشعل أنا شاري نسبكم وأبيك أنت تصير خال عيالي
والله العظيم أن أحطها في عيوني وفوق رأسي
ما أبي منك وعد.. أبي بس أحط عندك خبر أني أبيها قبل ماحد يتكلم عليها
أنا أبي نسبكم من زمان
بس كنت عارف إن خواتك كلهم اللي متزوجة واللي متملكة
ويمكن الله كاتب أختك ذي من نصيبي


***********************


غرفة لطيفة


حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتف لطيفة
الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين

لطيفة برعب: مشعل اشفيك؟؟

كان راكان هو من رد عليها وهو يقول بمرح:
يا أم محمد وسعوا لي درب.. رجالش الدب كسر كتفي

لطيفة ارتعبت وهي تلبس بسرعة عباءة مغلقة فوق بيجامتها
وترتدي شيلتها ونقابها بسرعة
وقتها كان راكان وصل لباب غرفتهما وهي تفتح الباب
ويدخل وهو يسند مشعل
شعرت لطيفة بريقها يجف وقلبها ينزل في قدميها
ولكنها اعتصمت بقوتها الظاهرية وهي تفسح لراكان الطريق
حتى أوصله راكان للسرير

حينها رأت ظهر مشعل

وكادت تنهار.. وهي ترى ثوبه ممزقا من الخلف وملطخ بالدم
وخلف تمزيقات الثوب يظهر الكثير من طيات الشاش الأبيض

لطيفة حاولت أن تسأل راكان بهدوء مصطنع: وش فيه أبو محمد..؟؟

راكان وهو يمدد مشعل على بطنه: الحمدلله على سلامته يا أم محمد
رجالش قطوة بسبع أرواح.. الليلة كان يعاين مشروع وطاح خشب من فوق عليه
بس الحمدلله مالمس إلا طرف ظهره وهو نازل
تسلخ شوي.. بس الحمدلله إنها جات على كذا

راكان مد كيس كان في يده: هذي غياراته والمطهر
لأنه احتمال يحتاج تغيير الشاش في الليل لو نزفت جروحه
لو ما أحتاج.. بكرة الصبح أنا بأجيه أوديه يغيرون عليه

لطيفة كانت تسمع كلمة .. وكلمة تعجز عن استيعابها
فبالها كله كان مع مشعل الذي لا ترى سوى ظهره
ولم ينطق بكلمة منذ وصوله

استاذن راكان وغادر
لطيفة بقيت لدقيقة واقفة عاجزة عن احتمال انفعالها

ثم ابتلعت ريقها: الحمد لله على سلامتك يا مشعل
ما تشوف شر..

صوته الهادئ جاءها مكتوما قليلا لأن وجهه ناحية المخدة: الشر مايجيش.. بسيطة يا أم محمد
أصلا حتى روحة المستشفى مالها داعي بس راكان لزم..

لطيفة خلعت عباءتها ثم اقتربت منه وهمست: مشعل خلني أبدل لك ملابسك

مشعل بهدوءه المعتاد: لا..تعبان أبي أنام.. عادي أنام هنا الليلة؟؟ أو أقوم لفراشي؟؟

(تدري إنك سخيف وبارد وماعندك مشاعر!!) ولكنها ردت عليه:
أكيد تقدر تنام.. وأنا قريبة منك إذا بغيت شيء نادني..

مشعل نام بعد دقائق من شدة تعبه
ولكن لطيفة لم تستطع النوم وهي تتمدد على الأريكة وتطل عليه كل 5 دقائق

حينما أصبحت الساعة الثانية والنصف بدأ مشعل يئن بشكل مؤلم
لطيفة انتفضت بعنف وهي تقفز وتتوجه له



***********************



واشنطن
المقهى
الساعة 9 ونصف صباحا


ابتسم جو لبكينام ابتسامة لم تخلُ من سخرية: آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة.. فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة)


حينها قفزت باكينام وهي تقول بغضب كاسح باللهجة المصرية:
ومصري كمان؟!!
لكده وكفايه.. يعني كل ده بتستغفلني.. بتستغفلني..
واسمك جو كمان والا دي استغفلتني فيها كمان

جو بحرج حاول تغليفه بالثقة: اسمي يوسف..
وانتي عارفة انه يوسف بنقول له جوزيف جو..
وبعدين أنا لا استغفلتك ولا حاجة.. أنتي اللي كدبتي الكدبه وصدقتيها
وكل مائلت لك نتئابل اشرح لك.. انتي بتتهربي..

باكينام لم ترد عليه ووجهها يحمر من الحرج والغضب وتغادر بسرعة
وتنسى دفترها على الطاولة
الدفتر الذي تناوله يوسف وهو يشعر بالألم من الموقف غير المتوقع


*************************


شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 9 ونصف بعد مغادرة سعيد
وخطبته الغريبة التي أثارت حرج مشعل واستغرابه

عاد ليطل على هيا التي كانت نهضت من نومها واغتسلت وبدلت ملابسها
وهاهي تمشط شعرها أمام المرآة
كانت تمشطه وهي واقفة حتى تستطيع التحكم فيه

مشعل بهدوء: خلاص سعيد راح

هيا بنفس هدوءه: غريبة جاي هالحزة؟؟

مشعل ابتسم: جاي يخطب موضي

ابتسمت هيا: ماشاء الله عليها موضي.. مابعد خلصت العدة ويجيها خطّاب
لهالدرجة مزيونة؟؟

ضحك مشعل: موضي أملح خواتي.. ولطيفة أحلاهم.. ومشاعل أرقهم

ضحكت هيا: يعني لكل وحدة ميزة

ابتسم مشعل: تقدرين تقولين كذا!! ولا تنسين ريم فديتها أشطنهم..

وقتها هيا كانت أنهت تمشيط شعرها وتريد رفعه..
فوجئت بمشعل يقترب منها يمسك بيدها اللي كانت تلف شعرها
ويقول بنبرة خاصة: خليه

ارتعشت هيا بعنف.. وهي تشعر بملمس يده على معصمها كسعير نار لاهبة

كان بود هيا أن تسأله (وليش أخليه؟) لكنها شعرت أن ريقها جاف جدا
والكلمات تقف في بلعومها

أعاد مشعل كلمته وهو يفلت يدها ويقول بذات النبرة الخاصة: خليه
ليش دايما رافعته؟؟

أنهى جملته وخرج لأنه شعر أن طاقة تحمله على وشك الانهيار النهائي
فهو مهما يكن رجل.. وهي زوجته وأمامه
وهذا الشعر وهذه الرقة يفتنانه حتى الثمالة

خرج
ليترك هيا مبعثرة المشاعر خلفه!!



**********************



عودة لغرفة لطيفة
الساعة 2 ونصف قبل الفجر

لطيفة قفزت وهي تسمع مشعل يئن بألم
اقتربت منه وهي تشعل الأباجورة جواره
لترتعب من مظهر ظهره
فالشاش غارق بالدم

لطيفة جلست جواره وهي تهزه بلطف وتهمس بحنان: مشعل مشعل

مشعل رد عليها بهدوء وهو يحاول أن يكتم إحساسه بالألم ويلتفت ناحيتها: نعم لطيفة

لطيفة برعب: لا تتحرك خلك على بطنك..
ثم أكملت بانفعال: الشاش غرقان دم.. خلني أغيره..

مشعل برفض: لا لطيفة لا..

لطيفة باستغراب عميق وألم أعمق: ليش مشعل؟ لهالدرجة ما تبيني أقرب منك؟؟

مشعل بهدوء: لطيفة الله يهداش أنتي وين راحت أفكارش
أنا حانّش بس.. (حانش = رأفة بكِ)

لطيفة باستغراب: تحني من ويش؟؟ كله شوي شاش بأغيره عقب ما انظف الجرح

مشعل بذات هدوءه وهو متمدد على بطنه: وبتستحملين منظره.. ترى ظهري كله منسلخ!!

لطيفة لم ترد عليه وهي تقرب المقص وتقص ثوبه أولا
ثم تقص الشاش بخفة
وتبدأ بفكه
لتنفجع من شكل التسلخات العميقة النازفة
شعرت أن عبراتها تقفز لبلعومها وعيناها تمتلئان بالدموع غصبا عنها

بدأت بالتنظيف
شعرت بألم عميق يمزق روحها
لأول مرة تلمس جسده منذ شهرين
ويكون بهذه الحال
يغتالها انفعالها بآلمه.. تكاد تشعر أن جروحه تنزف في جسدها هي

أنهت التنظيف وهي تعرف أنه يكتم إحساسه بالألم
شعرت أن شهقاته التي يكتمها كسكاكين حامية تنغرز في روحها وجسدها
كانت تعرف أنه يتألم كثيرا
كلما مسحت الجروح بالمطهر ارتعش جسده دون أن يبدي أي صوت
ومع كل ارتعاشة كانت هي تشهق في داخلها وتبدأ دموعها بالإنهمار
وكأنها تتألم نيابة عنه

ثم بدأت تغطي جروحه بالشاش بعناية
حين أنهت مهتمها كانت قد وصلت قمة انهيارها العاطفي
لم تعد تحتمل
فمالت على أذنه
وارتعش مشعل وهو يحس بأنفاسها قريبة منه هذا القرب

همست في أذنه بصوتها الباكي المرتعش: ليته فيني ولا فيك

ثم نقلت شفتيها لكتفه العاري وهي تقبله بحنان

ارتعش مشعل في داخله
شعر أن انفعاله أكبر من أي كلمات
همساتها الناعمة في أذنه
ثم ملمس شفتيها العذبتين على كتفه
كان أعذب من كل أحلامه

كان مشعل أشبه كما يكون بصحراء قاحلة
فوجئت بانفتاح السماء عليها بأمطار غزيرة
فتحتاج هذه الصحراء بعض وقت
لامتصاص المياه ولتزهر بعد جدب..


ولكن لطيفة المحرجة كانت تنتظر منه ردة فعل ما
ردة فعل على مشاعرها ناحيته
مجرد كلمة ما كانت ستكفيها
لكن مشعل مازال انفعاله العميق يهزه..

شعرت لطيفة بألم كبير وهي تشعر بإهانة حادة قاسية
(للمرة الثانية أكون غبية.. غبية
المفروض أني حفظت درسي من أول مرة
أبعثر مشاعري قدامه
وأنا عارفة إنه مشاعره مع وحدة غيري)

قفزت لطيفة للحمام لتغلق على نفسها
وتنخرط في بكاء حاد
في الوقت الذي التفت فيه مشعل لها ليقول لها:
لطيفة حبيبتي


ليجد مكانها خاليا..!!



*************************



شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 10 إلا ربع صباحا


بعد الموقف بين مشعل وهيا
مشعل خرج للصالة ليشاهد الأخبار في محاولة للسيطرة على انفعاله

في الوقت الذي كانت فيه هيا تعاني انفعالا أكبر مازالت في غرفتها

رن جرس الباب
فوجئ مشعل بباكينام عند الباب
ووجهها غارق في الدموع
وهي تقول بحرج وعيناها في الأرض:

دكتور مشعل ممكن أدخل عند هيا..
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 3 إلا ربع

مشعل تحامل على نفسه ونهض ليقترب من باب الحمام
نحره صوت شهقاتها المكتومة القادمة من داخل الحمام
شعر بألم عميق حاد
وكم هو قاسٍ هذا الألم على رجلٍ متخمٍ بالكبرياء مثله!!

لم يعرف كيف يتصرف
ممزق بين مشاعره العميقة وكبرياءه الثمين

عاد ليجلس على السرير ووجهه لباب الحمام
استغرقت لطيفة عشر دقائق لتخرج
وهي تحاول التجلد

فألمها كان عميقا متوحشا غائرا في أعماقها
هذه المرة ألمها كان أقوى وأحد وأقسى
فكل ما تبقى لديها من الأمل تبخر
فمشعل في ظنها عاجز عن مبادلتها أدنى شعور
كان إحساسها مرا جارحا ومهينا
شعور مؤلم لا حدود لألمه الممتد في كل شريان من شرايينها
كانت تنزف ألما ويأسا ومرارة!!

فور خروجها.. همس مشعل بهدوء: لطيفة

لطيفة قاطعته ببرود وثقة: أرجوك مشعل لا تقول شيء
أي شيء بتقوله بيحرجني زيادة
اعتبرني ما قلت شيء وانت ماسمعت شيء

مشعل بذات هدوءه العميق: بس لطيفة....

قاطعته لطيفة (لا تريد أن تسمع.. لا تريد أن تسمع
كانت تظن أنه سيخبرها عن سبب عدم قدرته على مبادلتها مشاعرها
وشعرت أن مصارحة كهذه ستكون قاسية جدا على مشاعرها وكرامتها):
خلاص مشعل أرجوك
لو لي أي احترام عندك.. ما أبي اسمع شيء

صمت مشعل.. فكبرياءه لا يحتمل أكثر من هذا!!
فهو حاول أن يفسر .. يشرح.. يعترف

يعترف الاعتراف الذي انتظرته لطيفة 13 عاما
ولكنها لم تمنحه الفرصة
وهو يستحيل أن يستجدي الفرصة منها!!

تركها تتوجه لأريكتها وهو تمدد على السرير


ولم ينم أي منهما!!



**********************



غرفة هيا
الساعة 10 وربع صباحا

مازالت باكينام تبكي وهي تهتف بانفعال: أنا غبية غبية
أنا ينضحك عليا كده وبالطريئة دي
أكيد هو كان طول الوئت بيضحك عليا وأنا عاملة زي مراهقات المدارس

هيا بمساندة وهي تحتضن يد باكينام: باكي حبيبتي تراج مزودتها
مافيه شيء يستاهل
الولد ما غلط بشيء.. وحتى لو أنتي شايفته غلطان
خلاص السالفة كلها إنه أنتي خلاص ماتروحين هناك وبس

باكينام مازالت تبكي: يعني أنتي شايفة أنه ماخلانيش مسخرة
دا أنا كنت بأتغزل فيه بالمصري وهو ساكت

ابتسمت هيا: وحد قال لج تغازلينه؟!!

باكينام ابتسمت وهي تدعك أنفها المحمر:
أهو عبط وخلاص..
وهو يخرب بيته كان شكله وزوئه ينطء الحجر

هيا ضحكت: زين ابتسمتي.. فكيها
يمكن ربي بعث لج هالمصري عشان ينتقم لكل المصريين اللي لوعتي قلوبهم

باكينام بعمق: بس هو جرحني بجد يا هيا..
يعني أنا كنت باقول له أنت مكسيكي.. وكان بيسكت..
ليه ما ئاليش إنو مصري.. ليه يجرحني كده؟!!

هيا بنبرة خاصة: ما نحس بالجرح إلا من الناس اللي نحمل لهم مشاعر خاصة

باكينام وقفت وهي ترتعش: إيه مشاعر خاصة دي
أنا أخرتها هأبص لجرسون لا راح ولا جا
بعد ولاد الوزراء والسفراء اللي ماحدش منهم ملا عيني

ابتسمت هيا: جرسون بس طالب دكتوراه..

باكينام باستنكار: حتى ولو.. جرسون حافي مش لائي ياكل..



**********************



اليوم التالي

غرفة لطيفة

لطيفة نائمة
نامت بعد ذهاب أولادها للمدرسة
وبعد مجيء راكان وأخذه لمشعل
فهي لم تنم مطلقا من البارحة

تركت لطيفة هاتفها بجوارها ونبهت تلفونها على صلاة الظهر
رن جرسها
صلت الظهر ومشعل لم يعد بعد

بعد الصلاة
عاد مشعل وشكله متعب أكثر
كان راكان من أدخله

ثم همس لطيفة بصوت منخفض: جروحه ملتهبة
الدكتور كان يبي ينومه في المستشفى بس هو مارضى
انتبهي له.. تلفوني جنبي.. لو تعب عليش أي وقت دقي علي
وهذي أدويته.. أهم شيء المضاد الحيوي الحين

تحاول لطيفة تنحية شعورها العميق بالألم
ولكنها عاجزة
فكل مافيها ينطق بالألم
شرايينها تصرخ ألما له ومن أجله


(هذا مشعل
مهما كابرت.. مشعل
مهما دسيت مشاعري.. مشعل
حتى لو هو ماعرف.. يظل مشعل
مشعل اللي أتنفسه
مشعل اللي يمشي في عروقي بدل الدم
ليش ماقدرت تحبني يا مشعل ليش؟!!
يعني كل ذا الحب اللي أحبك ماحرك شيء في مشاعرك!!)

لطيفة هزت رأسها لتنفض أفكارها
خلعت عباءتها
واقتربت من مشعل الذي كان ينام على بطنه
همست: مشعل أجيب لك شيء؟؟

مشعل على الجبهة الأخرى اجتمعت عليه كل الآلام الروحية والجسدية
همس بهدوء: لا شكرا

لطيفة بذات الهمس: أشلون يعني؟؟ منت بمتغدي؟؟

مشعل بذات هدوءه: والله ماني بمشتهي

كثيرٌ عليهما كل هذا الألم
يتمدد هو السرير
وتجلس هي إلى جواره
قريبان
بعيدان
متألمان
يدور حولهما إعصار من المشاعر الكثيفة العميقة ينتظر لحظة الإطلاق
لحظة الإطلاق التي يبدو أنها أضاعت الطريق في ضبابية الكبرياء


**********************


خبر إصابة مشعل انتشر
والكل بدأ بزيارته أولهم والده وعمه وجدته


بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر

موضي تتصل بفارس

فارس يبتسم: من وين الشمس شارقة؟؟
الشيخة موضي متصلة
تدرين كان من المفروض مخلين حمد يطلقش من زمان
عشان تكلميني كل يوم

موضي تألمت من ذكر حمد الذي أعاد لها الذكريات المرة
لكنها ضحكت وهي تقول:
يا ملغك بس
هم المزايين كلهم مليغين وإلا أنت بس؟؟

فارس ينهرها: مويضي..

موضي تبتسم: قول مويضي على كيفك
المهم منت بعندي تزنطني

فارس ضحك: لو أني مني برايح لمشعل الحين
كان مريتش وزنطنش

موضي قفزت في بالها فكرة شيطانية: لا تروح لمشعل الحين
روح له عقب المغرب

فارس باستغراب: وليش بعد المغرب؟؟

موضي بخبث: حبيبة القلب بتكون هناك عقب المغرب
لأنها عندها محاضرات بترجع منها لبيت مشعل
هي قالت لي قبل شوي في التلفون

فارس شعر أن قلبه يغوص بين قدميه
ومجرد ذكرها بعث قشعريرة انفعال هزت جسده
ولكنه رد ببرود: وخير يا طير

موضي وهي تصطنع لهجة عدم اهتمام: صح خير ياطير
كنت بأخليك تشوفها بس

هذه المرة شعر فارس أن قلبه انتزع من مكانه بقوة قاهرة
ولكنه رد بذات بروده: أنتي نصابة
أشلون أشوفها وبيت مشعل الحين مليان ناس
أمه وأخته مريم.. حتى أمي راحت لهم واكيد أمش بعد

موضي تضحك: اعترف أول أنك أنت اللي تبي تشوفها
وعقب خلها على قدرات أختك الذهبية

فارس لا يريد أن يراها فقط
بل سيجن ليراها.. ولكنه ليس هو من يتنازل
لذا رد بكل بروده وثقته الشهيرة: والله بتخليني أشوفها بدون ما تحرجيني بخبالش
زين على زين
بتكثرين علي البربرة اقلبي وجهش المغبر

موضي تضحك: يمه منك
أدري أنك مستحيل تقول لي لو سمحتي يا أختي خليني أشوف عنودتي
لأني من يوم شفتها المرة اللي فاتت وأنا ما أمسي الليل
بس أختك قلبها طيب.. يا الله موب لازم أني أنا أنبسط يوم تترجاني شوي
المهم أنت تنبسط والله يعطيني على قد نيتي

خلاص أنت تعال بعد المغرب.. وخل الباقي علي..


**************************


شقة مشعل بن عبدالله
بعد العشاء

كانت هيا ترفع صحون العشاء عن الطاولة
ومشعل يشرب شايا أمام التلفاز

رن هاتفه
ألتقطه بهدوء ورد بهدوء: أهلا دكتورة باتريشيا

هيا ارتعشت يدها
وسقط الصحن من يدها على الطاولة
ليحدث دويا بسيطا ولكن دون أن ينكسر
لأن المسافة كانت قريبة..

لكن الصوت كان كافيا لجلب انتباه مشعل
الذي هتف بهدوء: لا بأس دكتورة باتريشيا
سأحاول الحضور إن استطعت

ثم أغلق الهاتف
وتوجه لهيا وقال لها بهدوء: سلامات.. فيش شيء؟؟

هيا لم ترد على سؤاله ولكنها قالت بغضب مكتوم: وش تبي باتريشيا هانم؟

مشعل بهدوء: عندها بكرة ندوة.. تعزمني عليها

هيا بذات الغضب المكتوم: وبتروح؟؟

مشعل بهدوء: ما أدري ما بعد قررت..

هيا وهي تصر على أسنانها: لا تروح

مشعل بحدة: نعم؟؟

هيا بحدة مشابهة: أقول لا تروح..

مشعل بغضب: أنتي تامريني أنا..

هيا بغضب أكبر: اعتبره مثل ما تبي

مشعل بغضب ناري: يظهر إنش فهمتي حلمي عليش ومراعاتي لش غلط
وخلتش تبين تحطين رأسش برأسي
أعتقد إني الرجّال هنا.. فاحفظي حدودش
وإعرفي أشلون تحشمين رجالش

هيا لم ترد عليه
وهي تتوجه لغرفتها وتغلق بابها عليها بصوت مدوٍ

كان بود مشعل أن يتوجه خلفها
لأنه لم ينهِ كلامه معها بعد

فهذه ليست المرة الألى التي تحتد فيها حين تكلمه باتريشيا بالذات
ولكن حدتها وقلة أدبها –كما يرى- تجاوزت الحد هذه المرة
لذا تحتاج لمن يوقفها عند حدها

عاجز عن تفهمها وتفهم تصرفاتها الغريبة
وأتعبته محاولة الفهم
لذا قرر أن يتصل بإحدى شقيقاته ويسألها
فالأنثى أكثر فهما للأنثى
مبدئيا كان يريد الاتصال بلطيفة
فهو يثق في بعد نظرها كثيرا
ولكنه يعلم أن مشعل مريض –كما أخبروه- لذا لابد أنها مشغولة معه
لذا قرر الاتصال بموضي

موضي التقطت الهاتف بلهفة: هلا والله بقلب أخته
هلا برجّال هيونه

مشعل ابتسم: هلا والله بالغالية.. ورجال هيونه يبي استشارة نسوية
عشان هيونه حيرته

موضي تبتسم: حاضرين.. وبدون ما تقول: الاستشارة بيني وبينك
بس مهوب تنسى أتعابي..

مشعل ابتسم: فديت اللي فاهمني يا ناس

مشعل حكى لموضي كل شيء
وكان رد موضي عليه إنها استغرقت في ضحك عميق
ثم حاولت التماسك وهي تقول: وحضرة الدكتورة باتريشيا مزيونة؟؟

مشعل يضحك من ضحكها: بصراحة ما اهتميت.. بس إيه مزيونة

موضي مازالت تضحك: مزيونة شوي وإلا واجد؟؟

مشعل يبتسم: فوق الواجد بواجد..

موضي لا تستطيع مسك نفسها من الضحك: قول كذا يا ابن الحلال!!

مشعل مبتسم: خلصيني يا بنت الحلال..
والله إني عجزت أفهم ليه تركبها العفاريت عند طاري ذا الدكتورة

موضي بحنان: ولو أنك أنت اخي الكبير وبتصير دكتور بعد كم شهر..
بس بريء الله يرج عدوينك
مرتك غيرانة عليك.. زين إنها مافقعت من الغيرة لحد الحين
وأنت ولا مهتم ولا داري

مشعل باستغراب: هيا غيرانة علي أنا؟!!

موضي برقة: لا غيرانة على ولد الجيران..
حرام عليك مشعل.. راعي مشاعرها شوي
إذا هي ما تكلمت.. المفروض أنت تفهم من تلميحاتها لك
المسكينة ترا فاض بها
زين ما ثارت عليك من زمان..
وإذا تبي نصيحتي
بلاها سالفة ذا الدكتورة.. مافيه داعي تجرح زوجتك من أولها


مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء
شقة مشعل بن عبدالله

مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء

همس: هيا.. هيا

شعرت هيا بحرج شديد.. وهي تراه أمامه
وتشعر أنها عارية أمامه بدموعها وضعفها
لذا كانت ردة فعلها أنها صرخت به وهي تحاول إخفاء دموعها والتسلح بالقوة:
اطلع من غرفتي
أظني احنا متفقين إنه لكل واحد غرفته
ومالك حق تدخل غرفتي بدون استئذان..

مشعل شعر بالغضب فعلا من أسلوبها المستفز، وهو من كان قادم لاسترضائها:
وأنا أظني إن هذا مهوب أسلوب تكلمين فيه رجّالش
إذا أنا مستحملش واحترمش
مهوب تستغلين ذا الشيء وتستغلين صبري عليش

هيا قفزت وهي تقول بغضب مر: إيه قول كذا
قول إنك مستحملني لأنه أمي فرضتني عليك
وإلا لو عليك كان رميتيني من زمان
مثل ما جدك رمى أبي

مشعل بغضب: أنتي ما تنسين الحقد اللي قي قلبش؟؟

هيا بغضب أكبر: أنا غلطانة يوم حاولت أنساه

غضب هيا وغيرتها جعلتها تدخل القضايا في بعضها
وهي تكيل العبارات القاسية لمشعل
تراكمات حقدها ومشاعرها الكثيفة وحزنها وحبها الوليد لمشعل
الحب الذي تحاول إنكاره
والذي اكتشفت أنه بدأ يتعمق في روحها
وأن مشعل لابد اكتشف ذلك من غيرتها غير المبررة

مشعل يتنهد بعمق وهو يحاول ألا ينفجر فيها
فهي مهما كان أنثى ضعيفة لا ملجأ تلجأ له في هذه الغربة سواه
ولا يمكن أن يكون مصدر الحماية لها هو ذاته من يجرحها
لذا قال بغضب مكتوم: تدرين الحكي معش ضايع
أنا ماراح أرادش في الحكي
وباشتري رأسي لأنه أنا مهوب ناقص حنة..

قال جملته وخرج
وفي الوقت الذي كانت هيا تصرخ خلفه:
إيه كلامي ثقيل على قلبك
بس كلام غيري عسل..



**************************



بيت مشعل بن محمد
بعد صلاة المغرب

مشعل مازال في المسجد
فهو رغم تعبه إلا أنه كان يصر على الصلاة في المسجد

في مجلس الحريم
كانت نساء عائلة ال مشعل
أم محمد وأمهات مشعل وأم فارس ولطيفة وموضي ومريم
مشاعل في البيت رفضت المجيء
والعنود في طريق العودة من الجامعة بعد أن ذهبت سائقة مريم لإحضارها

بعد دقائق اتصل مشعل بلطيفة يخبرها أنه وصل هو وراكان
ويريدان السلام على جدتهما

جميع من في المجلس أضفين عباءاتهن ونقاباتهن عليهن عدا مريم
دخل مشعل وراكان يسنده
سلموا على جدتهما وأمهما ومريم
وألقوا التحية على الباقين
وجلسا في الزاوية..

مشعل وجه خطابه بهدوء لموضي: بنت عبدالله.. أشلون يدش الحين؟؟

موضي بهدوء وهي تضفي عباءتها على يديها رغم أنه لا يظهر منها شيء بتاتا:
الحمدلله طال عمرك.. أنت اللي أشلونك؟؟ ومعافى من الشر

مشعل بهدوء: طيب طاب حالش..
ثم أشار لراكان أن يأخذه للأعلى

راكان وقتها كان مستغربا كيف تحولت مشاعره فعلا
قبل زواج موضي كان مجرد ذكر موضي يحرك زلازل مشاعره وفيضاناتها
الآن هي متواجدة معه في ذات المكان
ولا يشعر بأي شيء مطلقا
وجودها كعدمه..

سخر بمرارة من نفسه (الله يرحمه قلبي
كان قلب حنون ومتدفق
عظم الله أجرك يا راكان في قلبك!!)

راكان خرج بمشعل لغرفته
في الوقت الذي لطيفة همست لموضي أن تتولى مهمة صب القهوة
حتى ترى مشعل وتعود

موضي بمرح: أشلون أصب؟؟ بيد وحدة؟!!

لطيفة غير قابلة للمرح قالت بهدوء: صرفي روحش أو ادعي حد من الخدامات

وقتها رن هاتف موضي كان فارس المتصل..
موضي همست له: شوي لا تجي الحين

راكان أوصل مشعل وغادر
في الوقت الذي صعدت فيه لطيفة لمشعل الممدد على سريره

لطيفة همست له: مشعل تبي شيء؟؟

مشعل بهدوء: جيبي لي جود.. وأنتي روحي لضيوفش
لا تهتمين مني..

(كيف لا أهتم؟؟
كيف؟؟
قد أكون معهم.. ولكن تفكيري كله معك
ليتك تعلم كم يمزقني قلقي عليك!!
أي قلبٍ جليدي تحمل يا هذا!!
أيجري بعروق قلبك دم ساخن كدماءنا
أم أن مايجري بقلبك هو محض ماء بارد؟!!
ألا تشعر بشيء مطلقا؟!!)



*************************



مجلس الحريم في بيت مشعل بن محمد

العنود وصلت سلمت على الجميع
ثم صعدت ركضا لأخيها

دخلت عليه بهدوء كان يتمدد على جنبه
وجود تتمدد على ذراعه وتلعب بلعبة في يدها
وهي تثرثر على والدها
وهو يبتسم لكل شيء تقوله رغم إحساسه بألم عميق يمزق خلايا ظهره
كان جزؤه العلوي عاريا وظهره كاملا مغطى بالضمادات

ما أن رأت العنود منظره حتى انخرطت في بكاء حاد

مشعل جلس وهو يفتح ذراعيه لها ليحتضنها ويقول بحنان:
انتي تفاولين علي يعني
مافيني شيء وتبكين ذا البكاء كله
أجل لو أنا...

العنود وضعت يدها على شفتيه وهي تقول برقة باكية: تف من ثمك
جعل يومي قبل يومك

جود تسأل والدها: بابي ئميمية ليش تكي؟؟

مشعل ابتسم: تبكي عشانها غبية ودلوعة..

جود توجه حديثها للعنود: ئميمة أنت كبيه ودلوئة؟؟

العنود تمسح أنفها المحمر وتبتسم: وأنتم عيلة ماعندها مشاعر من الأبو العود
للبنت المفعوصة..

مشعل يحتضن جود بحنان مصفى: فديتها ذا المفعوصة حبيبة إبيها

العنود تجلس بجوار مشعل دموعها مازالت مستمرة بالانهمار:
انت طمني عليك.. أمانة أنت طيب؟؟

مشعل يحتضنها من كتفها ويقول بحنان: والله إني طيب
تبين أشلش على ظهري مثل يومش صغيرة عشان تتأكدين

العنود تطبع قبلة على خده: لا فديتك بلاها الشلة ذي

حينها رن هاتف العنود كانت موضي المتصلة:
العنود بسرعة روحي لغرفة مريوم لأنه فارس طالع يسلم على مشعل

العنود حينما سمعت اسم فارس وأنه قادم
شعرت كما لو كان سُكب فوق دماغها ماءً مثلجا جمد خلايا مخها
وقلبها يرتعش كأجنحة عصفور مبلل

قفزت
سألها مشعل باستغراب: وش فيش؟؟

العنود بخجل: بيجيك رجّال ويبوني أطلع

مشعل باستغراب: ومن اللي بيطلع لي غرفتي.. خله وأنا بانزل له..

العنود بخجل أكبر: فارس

مشعل بتفهم: فارس ماعليه.. أنتي روحي وبخلي لطيفة تجيبه


وقتها كان عقل موضي يعمل بسرعة حتى تحكم مخططها

كانت لطيفة تريد أن تصعد مع فارس
لكن موضي قالت لها: خليش أنتي مع النسوان
مساكين ما تقهوا وانا قاعدة أقهويهم بيد وحدة
أنا بأوصله فوق وباروح للعنود في غرفة مريوم


مريم بنت لطيفة كانت عند خالتها ريم في بيت جديها
مثل عبدالله ومحمد اللذين كانا عند خالهما سلطان

لطيفة أخذت الأمر على ظاهره وتركتها تصعد مع فارس
بعد ما أتصلت على مشعل وأخبرته
وتأكدت أن العنود خرجت من عنده

فارس وموضي يصعدان الدرج
فارس يهمس لها بهدوء: أنتي وش أنتي مهببة؟؟
قلبي ناغزني منش

موضي تضحك: أنت مهوب تبي تشوفها
بتشوفها
بس ترا دقيقة وحدة لك

فارس رغم أن قلبه يذوب شوقا لها
ولكنه غير مطمئن لمخطط موضي الذي لا يعلم عنه شيء

حين وصلوا للأعلى
موضي همست له روح افتح الغرفة اللي هناك

فارس باستغراب: بس هذي مهيب غرفة مشعل

موضي بنفاذ صبر: لا تصير مسبه.. روح على أساس أنك غلطان في الغرفة
والغلطان ماعليه حرج

فارس تنهد وهو يأخذ نفسا عميقا
ثم يفتح الباب



*************************



بعد ذلك بوقت
ولكن بتوقيت آخر
الساعة 2 بعد منتصف الليل


غرفة باكينام في السكن
باكينام مازالت ساهرة
فموقف اليوم لا يغيب عن بالها
وهي تستعيده مرارا وتكرارا
كأنه شريط سينمائي يمر أمام عينيها
تشعر بالكثير من الألم
تشعر أنها أهينت
لو كان طالب دكتوراة فقط ولكنه مكسيكي كما تظنه
كان سيكون أمرا اعتياديا

ولكن ماجرحها بعمق
أنه ابن بلدها ومع ذلك استمتع بالعبث بها والسخرية منها

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سبيني اتكلم لو سمحتي









أسى الهجران/ الجزء الأربعون


بيت محمد بن مشعل

فارس يقف أمام غرفة مريم الصغيرة
تنهد وأخذ نفسا عميقا
ثم فتح الباب

وقتها كانت العنود تجلس على سرير مريم المواجه للباب
وظهرها مسند لرأس السرير وساقاها مطويتان للخلف تحتها بشكل مائل
و تتأرجحان على طرف السرير ليظهر طرف (البوت العالي) الذي ترتديه

كانت مازالت ترتدي عباءة الجامعة المغلقة
ولكن شيلتها على كتفيها
وشعرها كانت فكته للتو لتريحه من الربط تحت الشيلة
وهاهو يتناثر على كتفيها
مازالت آثار البكاء واضحة عليها
ووجهها الخالي تماما من أي زينة كان محمرا

كانت متوترة نوعا ما
لأنها تعلم أن فارس قريب منها
متوترة من مجرد إحساسها بقربه
فإذا بها ترى الباب يُفتح
وسبب توترها يقف أمامها


لم تره يوما من هذا القرب وبهذا الوضوح
خطوات فقط بينهما
شعرت أن حضوره ألتهم مساحة الحجرة لتضيق عليها
حتى باتت عاجزة عن مجرد التنفس
وعيناها ضارعتان للوجه البالغ الوسامة والحضور المبهر الرجولة

حاولت أن تقفز للحمام
أن تختفي من أمامه
ولكن قدميها عاجزتين عن حملها
وهي تنظر له بجزع
ودقات قلبها طبول مجنونة
(كم يبدو وسيما
ومهابا
ورجوليا لحد الوجع!!!)


فارس حلق في عالم آخر
رؤيتها هزته بعنف عميق
أعنف وأعمق من المرة الماضية بكثير
فهذه المرة هي قريبة.. قريبة..
العين في العين ودقات القلوب تتناغم

منظرها الباكي ووجهها الطفولي المحمر
كان ممزقا لشرايينه بعنف
بدت له أصغر من المرة الماضية وأكثر عذوبة وبراءة وسحرا
بدت مخلوق ملائكي لا ينتمي إلى البشر
فالبشر ليس لهم مثل هذه الطلة التي تنغرز في الروح وتهزها بعنف

( يا آلهي ماذا فعلت بنفسي؟!!
لماذا وافقت أن أراها
لماذا؟؟
رؤيتها تشطرني نصفين
تمزقني
تبعثرني
أي مخلوق هي؟؟ أي مخلوق؟؟
ليتني لم أرها.. أشعر أني ضائع.. ضائع
عاجز عن إيجاد روحي)

صوت موضي من الخارج قاطع المشهد:
فارس تعال
غرفة مشعل من هنا

فارس أغلق الباب بهدوء وملامح وجهه لم تتغير مطلقا
رغم الزلزال الذي يضربه بعنف
أغلق الباب وهو يشعر أنه ترك قلبه خلف هذا الباب
تركه حقيقة لا مجازا
يشعر أن يسار قفصه الصدري خال من قلبه
الذي حلق ليحط بين بيدي أميرته الصغيرة

يشعر أن خطواته ثقيلة وهو يتوجه لغرفة مشعل
وموضي تمسك به وتهمس في أذنه: وش الأخبار؟؟

لم يرد عليها فارس بغير كلمات معدودة أثارت أقصى استغرابها:
ماسويتي فيني خير.. ليتني ماشفتها
نحرتيني يا أخيش وأنتي ما تدرين



*********************



غرفة مريم الصغيرة
العنود بدأت بالبكاء من حرجها من الموقف

موضي فتحت الباب ودخلت

العنود قفزت وهي ترتمي على صدر موضي التي حضنتها بيد واحدة
وهي ترتعش وتهتف بصوتها الباكي: تكفين موضي لا حد يدري إن فارس شافني هنا

موضي ابتسمت وهي تمسح دموع العنود: أنتي غبية
أكيد ماحد بداري .. لا تحاتين

ثم ابتسمت العنود وهي تقول بعذوبة بين دموعها:
ويعني مالقى يشوفني إلا وأنا حالتي حالة
أكيد الحين بيهون.. ويقول ما أبيها.. جيكرة ..أنا أحلى منها

ضحكت موضي: لا تحاتين من هالناحية.. ياحظه اللي بيضويش بس (يعني محظوظ من ينالك)
ثم أكملت وهي تغمز لها: وش رأيش في فويرس من قريب كذا؟؟
عشان ما تنصدمين ليلة العرس

تنهدت العنود بعمق وهي تقول بخجل وحالمية:
ما تخيلته يجنن لذا الدرجة يا موضي
جذاب فوق الحد والوصف.. وإلا عبق رجولته.. ياويلي.. ياويلي
تحسين المكان حوالينه غرق رجولة..

ابتسمت موضي: يا سلام على وصف العشاق..

أحمر وجه العنود وهي تكح من الحرج: عيب ياموضي..
الشرهة على اللي يعطيش رأيه بس



***********************



غرفة باكينام

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سيبيني اتكلم لو سمحتي

باكينام قفزت عن سريرها وهي تهتف بغضب:
أنت جبت نمرتي ازاي؟؟

يوسف بهدوء: من النوت بتاعك اللي سبتيه في الكوفي النهاردة

باكينام تحاول التحكم بأعصابها: خلاص صاحبتي هتيجي تاخده من عندكم

يوسف بعتب: للدرجة دي مش عايزة تشوفيني.. تبعتي حد ياخده

باكينام بلهجة استعلاء مصطنعة تحاول بها تغطية جرحها العميق:
وأنت تكون مين عشان أجي أشوفك

يوسف يتنهد ويقول بنبرة عميقة هزتها بعنف:
إزا كنتي انتي مش شايفاني حاجة أنا شايفك كل حاجة
بليز باكي اديني فرصة اشرح لك
خلينا نتعرف على بعضينا وبصراحة المرة دي

شعرت باكينام أن قلبها يغوص في قدميها غصبا عنها
ونبرته العميقة الدافئة تذيب خلاياها
ولكنها مجروحة منه لذا قررت أن تجرحه:
العب على ئدك ياشاطر
شوف لك جرسونة زيك
وما تبصش فوق أوي عشان رئبتك ما تنكسرش..

الإهانة وصلت يوسف حادة جارحة مؤلمة ولئيمة:
دا أخر كلام عندك؟؟

باكينام تتمزق ولكنها أجابته ببرود مصطنع: وماعنديش غيره

كبرياءها اللعين حضر بقوة
خليط من كبرياء عربي وتركي وإيرلندي صنع مخلوقاً مختلفا
متخما بالكبرياء
مستعدة هي أن تدوس قلبها ومشاعرها في سبيل كبرياءها

وتكبرها أيضا !!
التكبر الذي ورثته من عرق اللوردات الإنجليزي الفخم


*********************



الساعة 9 ونصف مساء
غرفة مشعل بن محمد

بعد أن عاد مشعل من صلاة العشاء
وتأكدت لطيفة من تناوله لعشائه
توجهت لابنائها درستهم قليلا
ثم بقيت عندهم حتى ناموا

ثم عادت لمشعل
قد يكون مشعل في ظنها لا يحبها ويريد الزواج بأخرى
ولكنه مهما يكن زوجها ووالد ابنائها وابن عمها
وهي كامرأة أصيلة مسؤولة عنه حتى تصح جروحه وتشفى

"هل هو هذا فقط يالطيفة؟!!"

كان مشعل ينام على جنبه
كان متعبا ويشعر ببوادر حرارة من آثار الإلتهاب
ولكن لطيفة حين سألته: شأخبارك الحين مشعل؟؟

أجابها: بخير تمام
ثم أردف بهدوء: اليوم مادرستي كلش
أشغلتش معي.. روحي ادرسي.. انا بأنام أصلا

لم تكن لطيفة تريد أن تدرس
كانت تريد أن تبقى لجواره
ولكنها لا تستطيع أن تقول ذلك له

(الرجّال بروحه زهقان مني
ومهوب طايق يشوفني
يبيني أروح أدرس يفتك مني)

تشعر بألم عميق من مرارة أفكارها المهينة
ولكنها قالت له بهدوء: خلاص أنا بأروح أدرس
وهذا أنا قريبة منك
إذا بغيت شيء نادني

لطيفة توجهت لمكتبها
وبدأت بالدراسة التي لم يكن تركيزها معها
بل تركيزها في شيء آخر
أجبرت نفسها على الدراسة قليلا
ثم أطلت عليه ووجدته نائما
أطمئنت وعادت للدراسة
حوالي الساعة 11 عادت لتطل عليه

صدمها منظر العرق على وجهه
فالجو كان باردا
اقتربت منه وجلست جواره
وضعت كفها على جبينه
كان ملتهبا
ارتعبت

أحضرت له كمادات ماء بارد
وأحضرت دواء الحرارة
ثم همست قريبا منه: مشعل مشعل

مشعل بتعب: نعم لطيفة

لطيفة بحنان: قوم مشعل اكل الحبوب هذي

مشعل بإرهاق: ما أبي حبوب.. أبي أنام

لطيفة وضعت يدها خلف عنقه وهي تحاول أن تقعده
ولكنها عجزت
فجسده الضخم المتخم بالعضلات كان كجبل مثبت بأوتاد

لطيفة همست له: مشعل تكفى قوم..

مشعل حاول أن يجلس وهو يشعر بدوار حاد
فسقط على ظهره فأن بعمق من ألم جروحه التي ارتطمت بالفراش
شعرت لطيفة أنها تتمزق: تكفى مشعل بس ارفع رقبتك شوي

بعد عدة محاولات نجحت في جعله يبتلع الأقراص
ثم بدأت تضع الكمادات على جبينه وهو متمدد على جنبه
وهي تجلس بجواره

كان يرتعش
ولطيفة ترتعش لارتعاشه

بقيت لطيفة لحوالي 40 دقيقة وهي تغير الكمادات
حتى انخفضت حرارته من تاثير العلاج والكمادات

حينها كانت لطيفة أنهت مهمتها
وعلى وشك القيام

لولا أنها فوجئت بيد تطبق على معصمها
وصوت عميق يقول لها: خليش جنبي

انتفض قلب لطيفة بعنف
كان بودها أن ترفض
فهي ليست مجرد محطة انتظار يرتاح هو بها
حتى موعد ذهابه لمحطته الرئيسية

ولكنها عجزت أن ترفض طلبه
تمددت جواره وهي تترك مساحة فاصلة بينهما

مشعل بهدوء وعيناه مغلقتان: ترا احنا مهوب مراهقين عشان تخافين تقربين مني
إلا لو كنتي أنتي ماتقدرين تتحكمين في انفعالاتش وخايفة إنها تخونش

(وقح
ومغرور
وقليل أدب
وشايف روحه..)

هذا مادار بخلد لطيفة التي أجابته بهدوء مستعر وهي تلتصق به :
خل نشوف من اللي انفعالاته شكلها بتخونه

مشعل بذات هدوءها البارد المستعر: نشوف

والاثنان ينخرطان في لعبة جديدة أكثر خطورة
مستوى جديد أخطر في لعبتهما
لعبة الكر والفر

"مستوى احترق بالقرب وادعي البرود"



******************



منتصف الليل
غرفة فارس

يبدو أن السهر والشجن أصبح رفيق هذا الشاب المتيم

ممزق تماما هذه الليلة.. ممزق
يشعر أن مايحدث له ظلم سافر له
فهي لا تستحق أن يحبها كل هذا الحب
فلِمَ يحبها حباً هو فوق الحب ذاته؟!!
يشعر أن هذه المشاعر الرقيقة العذبة لا تنتمي لشخصيته الصلبة القوية
مشاعر لا تشبهه.. ولكنها تشبهها!!

(يا الله
ما أعذبها وأرقها!!
عذوبتها ورقتها فوق الخيال
ليش يارب؟؟ ليش؟؟
اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك
مهوب اعتراض على حكمك
بس هي ما تستاهل كل ذا الحب
يا الله..
ماعاد اللي أحسه ناحيتها حب وبس..
أنا مذبوح من حبها
قلبي ذاب.. والله العظيم ذاب
أنا واحد شخصيتي ما تنفع تحب بذا الطريقة
لا ومع العنود بالذات
اللي قلبي مليان حقد عليها
وفي نفس الوقت مليان عشق لها!!)

ينقلب على جنبه
وصورتها تقتحمه
تقتحمه بعنف
لتنسف خلاياه وتنثره شظايا في فضاءها
فضاءها هي فقط..
هي فقط..



************************



اليوم التالي

واشنطن دي سي

شقة مشعل

بعد مواجهة البارحة العاصفة
هيا ومشعل لم يتقابلا ولم يتكلما
هيا بقيت معتصمة بغرفتها
ومشعل اعتكف على أطروحته حتى نام
ثم نهض لصلاة الفجر
وبقي يعمل بعد الصلاة حتى موعد ذهابه المعتاد للجامعة

وهاهو يعود في موعد ذهاب هيا ليأخذها للجامعة
ولكنه فوجئ أنها غير موجودة

اتصل فيها: هيا وينش؟؟

هيا ببرود: رحت للجامعة

مشعل بغضب: أشلون تروحين بدون ما تقولين لي
أنتي عارفة إنه أنا بأرجع أوديش
ممكن تفسرين لي سبب روحتش كن رجّالش طوفة مهوب رجّال

هيا بذات البرود: ماحبيت أتعبك..

مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد

هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني
الحوار مستمر بين مشعل وهيا


مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد

هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني

مشعل كان مصعوقا.. لا يتخيل حتى أنها تجرأت لتفكر بالفكرة
فكيف تقذفها هكذا على مسمعه
حاول مشعل أن يتمسك بالتفكير المنطقي وهو يتنهد ويكتم غيظه منها:
عمري ما تخيلت أنه ممكن أهون عليش لدرجة إنش تقولين ذا الكلمة
بدون أدنى احترام لي أو لمشاعري

اسمعيني وماراح أعيد كلامي
متضايقة مني وما تبين تشوفيني؟؟
خلاص ارجعي أنتي وباكينام
واقعدوا في الشقة
أنا اللي بأطلع وبأروح أقعد عند سعيد
وأنتي فكري عدل في الكلام اللي قلتيه لي
وشيلي فكرة الطلاق من رأسش لأنها مستحيل تصير


على الخط الآخر كانت هيا تحاول مغالبة دموعها التي بدأت بالانهمار بغزارة
ففكرة الطلاق كانت عليها أكثر قسوة
ولكنها بدأت تسيطر عليها فكرة أنها مفروضة على مشعل
وأن مشعل متضايق منها
ومايصبره عليها هو أن والدتها وصته عليها
وهذا الإحساس كان جارحا لها ولكبرياءها
بينما مشاعرها ناحيته تأخذ منحى آخر أعمق.. أعمق بكثير!!!

مشعل يتنهد: هاه هيا..؟؟

هيا لم ترد

مشعل يتنهد للمرة الألف لكتمان غضبه: عطيني باكينام أدري إنها معش

جاءه صوت باكينام الهادئ: نعم دكتور مشعل

مشعل باحترام: باكينام لو سمحتي جيبي هيا وارجعي معها البيت
وارجوش اقعدي معها ذا اليومين
ثم أكمل بهمس: وبليز حاولي تعقلينها شوي
أنا عجزت وأنا أسايرها

باكينام باحترام: ما تشيلش هم
وأديني باقول لك ئدامها
أنا معاك مش معاها


***************************



غرفة مشعل ولطيفة
قبل آذان الفجر

مشعل يفتح عينيه
ورائحة عطر خفيف مثير تداعب أنفه
عطر طال اشتياقه لصاحبته

كان يظن أنه يحلم
(الظاهر من قد ما أنا مشتاق لها
ومع السخونة البارحة بديت أخرف واتخيل
وأشم عطرها بعد)

حاول أن يركز بصره مع الإنارة الضعيفة
وهو يمد يده بعفوية لتصتدم بالمخلوق النائم إلى جواره

انتفض مشعل وهو يرفع رأسه قليلا ليراها تنام بهدوء
ووجهها ناحيته

ثم تذكر ليلة البارحة القاسية عليه وعلى رجولته
وجسدها اللين ملاصق لجسده المشتعل
لو لم يكن مرهقا من أثر الحمى وألم الجروح
وإلا لكانت سيطرته على نفسه انهارت لينهار معها كبرياءه الثمين

كم مضى عليها لم تنم جواره .. شهرين.. بل أكثر من شهرين
آلمه العميق ليس لمجرد حاجة جسدية..
لكنه محتاج نفسياً لقربها.. قربها الذي كان يسكن روحه
كم هو مشتاق أن ينام على ذراعها..
يسمع دقات قلبها
يتنفس عطرها حتى يملأ كل خلاياه
كم كان مكابرا وغبيا حين أبعدها عنه.. بعد أن كان ينعم بجنة قربها

تمعن في ملامح وجهها الساكنة بوداعة وسحر وفتنة
كان يتمنى لو يمد أنامله ليلمس خدها.. شفتيها.. حاجبيها
يمزقه شوقه لها لأشلاء متناثرة

ولكنه أكتفى أن همس في داخله:
(وربي اشتقت لش!!
والله العظيم وحشتيني!!
ما تحسين بالنار اللي تشعل جوفي كل ما أشوفش
ما تشوفين رعشة يدي لأنها عاجزة توصل لش
ما تسمعين دقات قلبي اللي تناديش؟!!
متى بتحنين علي ياقلبي؟؟
متى؟!!
تعرفيني طول عمري مغرور وغبي
لا تكسريني على آخرها
لا تكسريني)



**************************



شقة مشعل

هيا تعود للشقة هي وباكينام
بعد أن اتصل مشعل بباكينام وقال لها أنه جمع أغراضه وسيقيم مع سعيد
مشعل عاتب بالفعل على هيا
لذا لم يهاتفها هي
فهو يشعر أنها تختبر صبره وكرامته

توجه لسعيد بعد أن قال له أنه سيقيم عنده لعدة أيام
لأن صديقة زوجته لم تجد مسكنا بعد
لذا قرر ترك الشقة لهما

هيا فور دخولها للشقة.. وإحساسها برائحة مشعل تعبق في أرجائها
انخرطت في البكاء
وهي ترمي بنفسها على الأريكة

باكينام اقتربت منها جلست جوارها واحتضنتها بحنان:
ممكن أعرف بتعيطي له؟؟

هيا من بين دموعها: ما أدري.. ما أدري

باكينام بثقة: لا عارفة.. وإزا كنتي عاوزة تخبي علي
ما تخبيش على نفسك كمان
أنا عاوزة أعرف : جوزك وبتحبيه
بتعزبي نفسك وتعزبيه ليه؟!!

هيا لم ترد عليها وهي مازالت مستمرة في البكاء



*********************

بيت محمد بن مشعل

بعد صلاة الفجر
راكان وناصر يعودان من الصلاة

مريم تجلس في الصالة السفلية مع والدها الذي عاد قبلهما بدقيقة

ناصر بمرح: وش ذا؟؟ اجتماع قمة مبكر
يالله سترك وش عندكم؟؟

أبومشعل يبتسم: ماتعرف تقول السلام عليكم بالع رادو

ناصر يبتسم: لو أن بنت عبدالله قاعدة معكم كان سلمت

أبو مشعل بغضب: ليه حن صلب ما تسلم علينا

ناصر يميل على أذن راكان ويهمس: مشكلتهم الشيبان مايفهمون المزح

راكان يلطف الجو: سامحه يبه خلاص ماعلى باله إلا بنت عبدالله
عرسه قرب واستخف

أبو مشعل بنبرة خاصة: إن شاء الله الفال لك تستخف بعد

راكان كح.. وناصر يضحك ويهمس له: استلم الموال الصباحي

ثم قال ناصر بصوت عالي: اسمحوا لي ياجماعة الخير بأروح أرقد شوي قبل الدوام

وترك راكان بين يدي موال والده المعتاد
وهو يعرض عليه ابنة أحد معارفه التي اقترحتها عليه مريم للتو..



**********************



الساعة السابعة والنصف صباحا
لطيفة تعود لغرفتها بعد ذهاب أولادها لمدرستهم

كان مشعل مازال نائما
ولطيفة كانت تريد أن تعود للنوم حتى موعد قيام جود من نومها
ولكنها لا تريد أن تنام بجوار مشعل
تريد أن تنام على الأريكة

ولكنها مجبرة أن تتمدد جواره بل وقريبا منه
فهي يستحيل أن تشعره بضعفها أمامه
وأنها عاجزة عن السيطرة على مشاعرها أمام لوح الثلج

اقتربت وهي تتمدد بهدوء حتى لا تزعجه
الامر فوق طاقة احتمالها

(إذا هو ما يحبني وعادي عنده أكون قريبة أو بعيدة
أنا مهوب عادي
إذا كنت بالكاد محتملة قربه أول
أشلون الحين وهو قريب كذا
بس ماعليه يا مشعل.. ماعليه
ماراح أفرحك فيني
بتكون عندي أنت والطوفة واحد
مثل ما أنت تعاملني بأعاملك)

لطيفة تقلبت قليلا ثم نامت

حوالي الساعة العاشرة صحت جود من نومها
وتوجهت لغرفة والديها كعادتها
فتحت الباب ودخلت

بالعادة لا تجد إلا أمها
لكنها اليوم وجدت والدها لذا توجهت له أولا
لتطبع قبلة على خده وهو نائم

صحا مشعل وابتسم بعمق وهو يرى وجه جود العذب أمامه
احتضنها بحنان وهو يهمس في أذنها:وجهش أحلى صباح

جود همست في أذنه: دوم مامي أبي همام (قوم مامي.. أبي الحمام)

مشعل مد يده ليهز كتف لطيفة لكن جود أمسكت يده: كلط.. أنا هبيتك أنت هبها ( غلط أنا حبيتك أنت حبها.. تقصد أن يوقظها كما أيقظته)

مشعل ابتسم بخبث (والله إنش تونسين يا أبيش.. وينش من زمان
صدق بنت أبيش.. تعرفين وش اللي في خاطره)

مشعل اقترب من لطيفة المستغرقة في نومها
ورغم أن نوم لطيفة خفيف لكنها لم تشعر بجود لأنها كانت تتهامس مع والدها

اقترب أكثر وطبع قبلته السريعة الدافئة على خد لطيفة
كان بوده أن يطيل ويتعمق ويروي بعضا من شوقه العنيف
ولكنه لا يريد أن يكون مفضوح المشاعر لهذه الدرجة

(يا الله كم أشتقت إليكِ
لقربكِ
لهمساتكِ في أذني
لحنانكِ واحتواءكِ
أيتها العذبة البهية!!)


لطيفة فور شعورها بملمس شفتيه.. فتحت عيناها بجزع
كان وجهه مايزال قريبا جدا
شعيرات عارضيه المحددة باستقامة
عيناه الواسعتان الغامضتان
حاجباه الغليظان
كل التفاصيل التي تفتنها حتى النخاع

انتفض قلبها بعنف
كان ريقها جافا جدا وهي تقول بخفوت: فيه شيء؟؟

مشعل ابتسم وهو يبتعد ويقول بهدوء:
جود شرطت علي أذهنش مثل ماذهنتي هي

شعرت لطيفة بريقها أكثر جفافا..
(كان هذا ملمس شفتيه على خدي!!)

كان بود لطيفة أن ترفع يدها لمكان قبلته على خدها لتلمسها
ولكن يستحيل أن تفعلها
أو تظهر له تأثرها

لذا قالت بهدوء بارد وهي تنهض عن السرير:
جود مامي.. تعالي أوديش الحمام وأبدل ملابسش..




***********************



شقة سعيد
الساعة 11 مساء

سعيد يدرس امتحان وفي غرفته

ومشعل يجلس في الصالة
يشعر بضيق يكتم على روحه
لم يتخيل أن هيا قاسية لهذه الدرجة
بالكاد أكملا شهرا منذ زواجهما
وتفاجئه بطلب الطلاق

فاجأه رنين هاتفه.. انتفض قلبه ( أيعقل أن تكون هي؟!!)

نظر للاسم وابتسم ابتسامة حنونة فيها كثير من الشجن:
هلا موضي..

موضي برقة: صباح الخير

مشعل بلطف: عندنا مساء..

موضي بمرح: وعندنا الساعة 9 الصبح.. وأنا أسلم بتوقيت الدوحة

مشعل بحنان: وش مقومش بدري؟؟

موضي تضحك: اي بدري الله يهداك..
أنا وحدة نشيطة وما أحب نومة الضحى ذي
خليناها لأختك ميشو الدلوعة

مشعل باهتمام: زين يوم أنتي وحدة نشيطة.. ليه ما ترجعين للشغل
حرام موضي أنتي عبقرية حواسيب.. حرام تدفنين موهبتش

موضي بتوتر: ما أدري مشعل أفكر أرجع.. أنا أصلا متصلة استشيرك
فيه صديقة لي من أيام الجامعة.. تقول محتاجين مبرمجين لمشروع الحكومة الالكترونية
تقول بيكون فيه قسم خاص للنساء.. بس محتاجين ناس كفاءة على أعلى مستوى

مشعل بهدوء: دام حريم بروحهم.. عادي توكلي على الله

موضي بتوتر حزين: أخاف أني ما أكون قد الشغل..

مشعل يبتسم: لا لا.. مهوب موضي اللي تقول ذا الكلام..
إذا أنتي منتي بقدها.. يبقى ماحد قدها..

موضي بهدوء متأمل حزين: بأستشير إبي وبأفكر زيادة

مشعل بنبرة خاصة: ويمكن يكون فيه بعدين حد ثالث تستشيرينه

موضي باستغراب: عقبك وعقب ابي ما لحد حكم علي..

مشعل يضحك: ولا حتى رجّالش..

موضي برعب: أي رجّال..

مشعل يضحك: شوي شوي لا يطير قلبش..
فيه واحد من ربعي كلمني عليش.. يعني عقب ما تخلصين العدة
رجّال والنعم.. شهادة حق..

موضي اطمأنت وضحكت: أنا أعرف إن المطلقة ماعاد تلاقي حد يبيها
وش فيهم الناس علي؟؟.. مابعد خلصت العدة ونازلين الخطاطيب علي

مشعل باستفسار: ليه فيه حد تكلم عليش بعد؟؟

موضي تبتسم: فيه ثنتين عجايز كلموا أمي.. وواحد كلم ابي..
ووحدة كلمت لطيفة
والله يوم أنا بنت ماجاني خطّاب ذا الكثر..
شكلي بأوزعهم على عوانس الحارة..

مشعل بحنان: وأنتي وش رأيش؟؟ ترا ماحد بغاصبش على شيء

موضي بهدوء: لا فديتك.. لا..
أنا خلاص زواج ما أبي

مشعل بحنان مصفى: بس أنتي توش صغيرة..

موضي بحزن: وين صغيرة؟؟ خلاص يا أختك أنا جربت نصيبي
وخلصت من سالفة العرس كلها نهائي..



**********************



واشنطن دي سي
الساعة 1 بعد منتصف الليل
قلبان سهران

هيا تنظر لبكينام النائمة جوارها
ومشعل ينظر لسعيد النائم في السرير المجاور

وكلاهما يفكر في شخص غير من ينام لجواره

لِمَ صعب على كلاهما أن يفهم الآخر؟؟
أين مشكلة التواصل بينهما؟؟
هل هي قوة شخصية كل منهما؟؟
هل هي تراكمات العداء؟!!
هل هي المشاعر التي بدأت تتجذر بينهما؟؟

مشعل بدأ يفكر أن الهروب من مواجهة المشكلة هو مشكلة بحد ذاته
وتأجيل التفاهم سيأزم الوضع بينهما
كان يريدها أن يمنحها فرصة للتفكير
ولكنه الآن لا يريد منحها فرصة
يريد اقتحامها
إرباكها.. إثارة الفوضى في صفوفها
وقلب أوراق اللعبة عليها

لذا تناول هاتفه وخرج من غرفة النوم للصالة ليرن عليها بثقة
حينها هيا كانت جالسة تفكر.. كانت مليئة بالهم والحزن
والــــــــشــــوق

اقتحم هدوء الجو رنين هاتفها
التقطه بسرعة حتى لا توقظ باكي
رأت اسمه
شعرت زلازل أرضية عنيفة تضرب أرض قلبها
وهي ترد بصوت مرتعش غصبا عنها:

هلا مشعل
تعليقات