📌 روايات متفرقة

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2 بقلم تميمه نبيل

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2 بقلم تميمه نبيل

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2

رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثاني 2

ليلة .... ليلة طويلة جدا ..... مشحونة بكل انواع المشاعر الهوجاء المجنونة .... هل من الممكن ان يكون الانسان فى لحظة و كأنه طائرا فوق السحاب ... يكاد يلمس السماء ..... يكاد ان يطول النجمات .....ان يكون الانسان فى لحظةٍ محاطا بوهجٍ ذهبى يغشي نظره و يدفىء قلبه ..... ان يتسائل فى كل لحظة كيف سيكون لو......كيف سيشعر لو.......لتأتى الإجابة لتفوق كل التصورات و الخيالات ..... تكاد تطيح بقلبٍ عاشقٍ يدور فى دوامة حبه ... يدور .... يدور .
ثم تأتى لحظة اخرى .....مجرد لحظة ......لحظة واحدة ......يرتكب فيها غلطة ....غلطة غبية لتقذف به من فوق السحاب ليسقط متحطما على صخور الكراهية و يتحطم لشظايا تنزف الما ... حبا ...ندما على لحظاتٍ لن تعود ابدا .
تحول فى لحظةٍ واحدةٍ الى وحشٍ همجى تطل النيران الشيطانية من أعماق عينيه لتصيب اعماقها برعبٍ لا مثيل له .
كانت لاتزال مستلقية وهو كالمارد حولها حين شعرت بمخالبٍ تنشب فى ذراعها تزداد ضغطا و غرزا فى بشرة ذراعها الرقيقة حتى لم تعد قادرة على كبت صرخة انطلقت من اعماقها ... كانت تشعر برعبٍ هائل وهى تراه على وشكِ ان يلتهمها كوحشٍ آدمى .
امتدت يده فجأة لتقبض على عنقها الرقيقة الهشة بقوةٍ كادت ان تحطمها و اقترب وجهه من وجهها و أنفاسه المشتعلة تكاد تحرق وجنتيها
أخيرا قال بصوتٍ كالفحيح
(لا تستطيعين المتابعة؟.......هل شعرتِ بالنفور ؟.......أم ماذا ؟......)
ظلت صامته عيناها متسعتان برعب وهى تحاول رفع حمالات قميص نومها و هى تهز برأسها علامة النفى , بينما هو يكمل وصوته يزداد وحشية
(ام هل ؟........ ام شعرتِ بالخجل ؟.....هل هذا هو السبب سما ......هل شعرتِ بالخجل ؟.........اذن دعينى اطمئنك )
و بحركةٍ واحدةٍ سريعة لم تسمح لها حتى بأن ترمش بعينيها , استقام فوقه ومد يديه وقبض على جانبي قمة قميص نومها ليمزقه من اوله وحتى خصرها بصوتٍ عالٍ جعلها تصرخ بشدة , بينما صرخ هو ايضا فى نفس الوقت
(لا داعي للخجل ..... فأنا لاأستطيع أن ارااااكِ )
ظلت سما تصرخ وهى تتلوى بين ذراعيه برعبٍ لايوصف وهى تبدو كسمكةٍ وقعت بين كفي دبٍ شرسٍ ضخم .... هبط فارس برأسه كالصقر و اخذ ينهل من شفتيها كاتما صرخاتها ..مكبلا مقاومتها بذراعيه .
لم تستطع تصديق ان الحب ممكن ان يكون فى لحظةٍ كنارٍ ذائبةٍ تسرى فى عروقها لتذيبها عشقا و فى لحظةٍ اخرى يتحول الى تعذيب نفسي لايحتمل , شعرت انها على وشكِ الانهيار من هذه المعاملة التى لم تعرفها قبلا و حتى من فارس نفسه ....... وبعد مرور دقائق طويلة فقدت كل أمل فى التحرر منه .
انسابت دموعها بمرارةٍ على وجهها وهى تعلم انه بعد لحظاتٍ قليلة سيقتل حبها له للأبد ......
شعر برطوبةٍ لامست وجهه ... فتوقفت انفاسه لحظة ....اخذ يحرك ذقنه على وجنتيها ليتأكد مما يشعر به ..... توقف تماما .... لتلتقط آذانه صوت نشيجٍ منخفض و شعر بجسمها يرتجف بدرجةٍ مرعبة لم يشعر به الا الآن ..... فجأة مد أصابعه و اخذ يتلمس دموعها ....
ابتعد عنها ببطء وهو يسمع شهقاتها التى أخذت تتعالى بعد افاقتها من الصدمة و التى كانت الدليل الوحيد له على ما كاد ان يقترفه .....ما الذى اصابه .... كيف استطاع ان يتصرف بهذا الشكل القذر .......
منذ وقتٍ قليل دخل الغرفة و هو يحيط نفسه بمظهرٍ هادىء . ليفاجأ ان خلف هذا المظهر بركانا على وشكِ ان يطيح بهما معا ....لم يشعر بنفسه حين سمع جملتها الخرقاء ... أحس وكأنها اشمأزت منه فجأة .... بعد ان اصبح الأمر واقعيا وليس مجرد خيالا عاطفيا فى ذهنها المراهق .
كانا وحدهما تماما بالخارج اثناء سنواتِ زواجهما .... لم تقابل الكثير من الرجال سوى الأطباء ....لم تكن لهم اية حياة اجتماعية ...لذا لم تجد سواه لتحلم بحبه ....اما الآن ....فما الذى حدث ؟.......
هل تكون رؤيتها لادهم و شعورها بان هناك من يستطيع ان يطرى جمالها قد انعشها و اشعرها بانوثتها ....... بالطبع .
ثم جاء هو الآن ليشعرها بالفرق بين رجلا يراها ... و رجلا يكاد يموت رغبة من مجرد استنشاق نسائم الياسمين التى كادت ان تطيح بعقله منذ لحظات ...... بالتاكيد المقارنة لم تكن فى صالحه ..... عليه اذن ان يتحمل نتيجة قراره .... فهو من جاء بها الى هنا ...الى عالمها القديم ... الى الناس .... و لن يكون هو محور عالمها بعد الآن .....
لقد بدأت نهاية الرحلة يافارس ...... و قد كان هذا قرارك ...... فتحمله ...
اصوات بكائها تكاد تمزقه.....لماذا لا تزال تستلقى بجانبه ... لماذا لا تهرب الآن ... ماذا تنتظر بعد ... انها تكاد تحرقه رغبة فيها و حزنا عليها....هل يمكن ان يجتمع الشعوران ......نعم فهذا ما يشعر به الآن ......ندمٍ لايمنع رغبة جارفة .....دناءة وتملك لايمنع ..... ماذا ؟.....
بعد ثلاث سنواتٍ من كبت احتياجاته كرجل ٍ لايقبل ان يستغل مراهقة صغيرة اخطأت الاختيار بسبب جشعها و أمها .. فتاة صغيرة تقوم على رعايته ليل نهار ..... ليأتى اليوم و يدمر كل قناعاته بتصرفه القذر .... وهذا مجرد اليوم الاول من عودتهما .... اذن مالذى سيحدث بعد ذلك ؟.......
اخذت انفاسها تهدأ تدريجيا , مدت يدها لتمسح دموعها ببطء ثم اخذت تلملم اجزاء قميص نومها و هى تستوى جالسةٍ بارهاق , لكنها فجأة شعرت بيدٍ كالقيد الحديدى على ذراعها و هو يستوى جالسا بسرعة ثم يقول بعنف
(الى اين انتِ ذاهبة ؟.......)
ارتجفت بشدة دون ان تستطيع النظر لوجهه و هى تجيب بصوتٍ هامس
(سأذهب للحمام ....)
ظل صامتا لحظاتٍ دون ان يترك ذراعها و كأنه لن يسمح لها بذلك .... اخيرا دفع ذراعها عنه بقسوةٍ وهو يقول بعنف
(اياكِ ان تفكرى بمغادرة هذه الغرفة........)
صدرت عنها شهقة بكاءٍ صغيرة ثم انطلقت تجرى الى الحمام موصدة الباب خلفها ..و ما ان اغلقته حتى استندت بظهرها اليه و اخذت تهبط منزلقة عليه حتى جلست على ارض الحمام وهى تبكى و تشهق دون ان تهتم ان كان يسمعها ام لا .....
بينما كان هو واقفا خلف الباب مستندا عليه بكفيه مخفضا رأسه يستمع الى نحيبها العالى .... وهو يعلم انها ستبيت ليلتها هناك
همس لنفسه بالم (ستذبلين قربي ..ياسمينااا....).
.................................................. .................................................. ......
ظل الليلة كلها ساهرا بجوارها يتلمسها وهى نائمة .. يتلمس وجهها .. يتلمس خصلات شعرها الطويلة التى تغطى كل مكان بجانب وجهه .... ما اجمل شعرها ...كالذهب و العسل معا ...طويل ...طويل ....اخذ يتخلل خصلاته الطويلة باصابعه و يدنيها من وجهه ليتحسس نعومتها ... الى متى ...الى متى سيظل يرضى بأقل القليل منها ......الى متى سيتعذب ... و الى متى سيعذبها ....
كان يظن ان بامتلاكه لها سيجعلها ملكة على عرش قلبه , الا انه لا يرى الآن سوى الحزن و الالم المحيطان بها ...
لقد افزعها اليوم وهويعرف ذلك ...لكنه ايضا كان على وشكِ الانفجار من شدة غيظه ... من شدة حنقه .... ومن شدة رغبته فيها .... انه يشعر بان بركانا يغلى باعماقه ...بركانا لن يرحمه من حممه اللاهبة الا هى ....
اقترب منها ببطء ليقبل عنقها الناعمة المكشوفة له , كما يفعل كل ليلة بينما هى لا تشعر به , لكن ما ان اقترب منها حتى احس بها تتقلب و تئن ...ها هى من جديد... تسقط فى بئر احلامها السوداء ...تنهد بعمقٍ وينحنى ناويا اخذها بين ذراعيه ليهدئها كما يفعل دائما ...
الا ان انينها اوقفه و جعله يعقد حاجبيه .. فقد كانت تنشج هامسة (طلال.... طلال)
ليس هذا ما اجفله , ولكن ما اجفله هو الطريقة التى كانت تنادى بها اسم طلال .... كانت و كأنها.... وكأنها تستنجد به ..... بل هى بالفعل تنادى على طلال مستغيثة به .
ابتعد عنها ببطءٍ وهو ينظر اليها بقسوةٍ ...... وظل ينظر اليها دون ان يغمض له جفن .
.................................................. .................................................. ......
فتحت باب الحمام ببطء و خرجت منه تجر اقدامها و هى لا تعرف كيف ستواجهه ...
كان منظرها مرعبا ... و لاول مرة تشعر بالارتياح لانه لن يراها بهذا المنظر ... فقد كانت ترتدى روب الحمام الذى يبدو وكأنه سيبتلعها ... وجهها شديد الشحوب كالأموات ... و عيناها حمراوان كالدم مخيفتان للغاية .... و عنقها تحمل علاماتٍ حمراء ....اما شفتيها ....آه كيف ستنزل ليراها الجميع بهذا الشكل ..... شفتيها متورمتين مجروحتين , و لن يحتاج احدا للذكاء ليستنتج ما حدث بينهما .
دخلت الى الغرفة ترتجف , فلم تجده فيها , اخذت تدير عينيها بسرعةٍ حولها لتتأكد من عدم وجوده بالفعل .. فجأة احست بالخوف ..اين ذهب؟.. المكان مختلف هنا عليه ....هل استطاع هبوط الدرج وحده؟....
بالامس ارتطم بالاناء الزجاجى الضخم فاسقطه متحطما ,فماذا سيحدث اليوم حين يتجول بمفرده ..اخذت تدعو الله ان يكون ادهم مستيقظا ليساعده عند نزوله , فهى لن تستطيع مواجهة احد بمنظرها المخزى هذا......
فجأة سمعت صوت طرقات ناعمة على الباب و قبل ان تجيب , فتح الباب ... اندهشت لدخول حلا ببطءٍ الى الغرفة
وقفت امامها لحظة صامتة تنظر اليها ثم قالت بصوتٍ خافت ...
(انا و ادهم ننتظرك لتشاركينا الافطار )
لم تجب سما و ظلت مطرقة برأسها تتمنى ان تبتلعها الارض من شدة خجلها .
تابعت حلا حين لم تجب
(ادهم مصر على نزولك )
ظلت سما صامته لحظات ثم قالت اخيرا بصوتٍ لايكاد يسمع
(اين.....اين فارس؟)
صمتت حلا لحظة و هى تتفحصها بنظراتها ثم قالت
(رفض تناول الافطار معنا و اصر على الجلوس فى الحديقة وحده )
صمتت سما وهى تنظر الارض دون ان تجيب , فاستدارت حلا لتخرج من الغرفة بعد ان يأست من ردها , لكن بعد عدة خطوات التفتت اليها مرة اخرى ثم عادت اليها ببطء و تردد وقالت بصوتٍ خافت
(هل آذاكِ؟.....)
رفعت نظرها الى حلا بسرعةٍ ثم هزت رأسها علامة النفى سريعا , الا ان حلا ظلت تنظر اليها بعدم اقتناع ثم قالت اخيرا
( سما انا اكثر شخص فى الدنيا يستطيع ان يميز الاذى حين يراه ...... فلا تكذبى )
رفعت سما عينين متسعتين الى حلا ..... لا تعلم بماذا تجيبها فلاول مرة منذ سنوات تشعر ان حلا من الممكن ان تهتم باى شيء يخصها ...لكن هل اهتمت هى ؟........هل اصرت على معرفة ما حدث لحلا الجميلة التى كانت تضيء الدنيا بضحكتها ....
وفجأة شعرت بأن كل شىء ضغط عليها دفعة واحدة .... حلا الرقيقة الواقفة امامها كأختٍ لم تراها منذ سنوات طويلة .....انهيارها العاطفى مع فارس .....و ما تبع ذلك من ذلٍ و رفض .....كل هذا فاق احتمالها فلم تشعر بنفسها الا وقد انفجرت ببكاءٍ عالى يمزق القلب وهى تندفع لتحيط عنق حلا بذراعيها مخفية رأسها بحضنها كطفلةٍ صغيرة لم تعرف ما معنى ان تجرى لحضن امها يوما .......
ظلت حلا جامدة لحظات ... مصدومة لا تعرف كيف تتصرف ... ثم اخذت عضلاتها المتشنجة تسترخى تدريجيا ... و رفعت يدا بطيئة و اخذت تتلمس شعر سما ببطءٍ و قد بدأت عيناها فى الامتلاء بالدموع .....
ظلتا واقفتين طويلا تشعران بحاجتهما لاحضان بعضهما اكثر من الحاجة للكلام .... ثم قالت حلا اخيرا بصوتٍ متحشرج
(يجب ان تنزلى ..... والا سيصعد ادهم بنفسه )
ثم اكملت بما يشبه المزاح بينما الدموع تغطى وجهها
( حين امرنى ان اصعد اليكِ ....شعرت من لهجته ان بامكانى اعتبار نفسى مرفودة من العمل اذا لم تنزلى معى )
ضحكت سما ضحكة صغيرة من بين بكائها و هى تحاول اسكات شهقاها ... ثم قالت اخيرا بصوتٍ مرتجف و هى تشير الى وجهها
(لن استطيع مواجهة ادهم بهذا المنظر ...)
اخذت حلا تفكر قليلا ثم سحبتها من يدها وهى تقول
(تعالى الى غرفتى ..انا ساتصرف )
نظرت فى الممر يمينا و يسارا و حين لم تجد احدا جريتا على اطراف اصابعهما حتى وصلتا الى غرفة حلا ....... بعد وقتٍ قصير كانت بالفعل سما تكاد تكون طبيعية تماما بفعل الزينة التى وضعتها حلا و التى غطت تورم وجهها و احمرار عنقها .
التفتت الى حلا و قالت لها بابتسامة رقيقة
(شكرا حلا ...انا ...انا فعلا لم ......) لم تستطع ان تكمل كلامها من شدة انفعالها
وضعت حلا اصبعها على شفتي سما و هى تقول
(اياكِ ان تبكى ......فسيتلف كل مافعلناه .... هيا الآن اذهبى لإرتداء ملابسك بسرعة قبل ان يأمر ادهم بإعدامى )
أومأت سما برأسها ثم استدارت لتغادر ..... لكن حلا امسكت بيدها فجأة قبل ان تتحرك و لفتها لتواجهها ثم قالت
(سما ... لم يعد هناك ما يجبرك على الاحتمال ...انا سأساعدك ....لن أخاف من ادهم .....أستطيع مواجهته )
نظرت سما اليها و ابتسمت برقة ٍ وعينيها تحملان عطف العالم تجاه حلا المسكينة , فمنظر حلا و هى تتكلم بدا و كأنها تحاول اقناع نفسها وليس اقناع سما .
اخيرا قالت سما بحزم
(بلى يا حلا هناك ما يجبرنى .......أنا احبه )
ثم استدارت وخرجت من الغرفة بسرعة قبل ان تعطى حلا فرصة للرد
ظلت حلا واقفة مكانها ... تحدق أمامها و صدى كلمة سما يتردد فى عقلها
انا احبه ......... انا احبه
.................................................. ............................................
كانت حلا جالسة على مائدة الإفطار شاردة تماما .. غافلة عن نظرات ادهم المسلطة نحوها طوال الوقت , لم تفارقها تقريبا ......
كانت تشعر بالإرهاق ....لقد انتابها نفس الحلم الأسود ليلة أمس ... أسوأ كوابيسها على الإطلاق .....
حين ترى الوجه المقززينظر اليها و العينين الزائغتين تكاد تعريانها من ثيابها .... و صوت لهاثه القذر و هو ينظر اليها بينما يدين منتفختين قصيرتي الأصابع تمتدان لتمسحا على جسدها و هى تحاول ان تصرخ ...... ذارعين كزوجين من الأفاعى تمتدان لتحاوطها وتكاد ان تمتص روحها و كانت هى تحاول ان تناديه لتستنجد به اثناء مقاومتها المستميتة ....طلال ..... طلال
الا انه لا يجيبها ....تشعر بالاختناق من انفاسٍ مقرفة مختلطة برائحة السكر و صوتٍ كالفحيح يقول
(لن يجيبك .....طالما انا هنا ) و بعدها ضحكة حيوانية بشعة صمت اذنيها .... وهى تحاول مرة اخرى طلال .... طلاااااااال
(حلا ..... انا أكلمك )
انتفضت حلا بشدة حين قاطع هذا الصوت الصارم افكارها السوداء لتنظر بسرعة الى ادهم الذى كان يحدق بها عابسا ...
ظل صامتا لعدة لحظات ثم قال اخيرا
(لقد كلمتك مرتين و لم تجيبي ....)
أجابت بارتباك و هى مدركة لعيون سما المراقبة لهما
(آسفة .... كنت شاردة قليلا ...)
شعرت بالخوف من نظرته القاسية و هى لا تعلم ماذا فعلت لتغضبه الآن منها .... اجاب بوجوم اخيرا
(سألتك ان كنتِ تريدين الذهاب مع سما ....)
اجفلت حلا قليلا و هى ترمش بعينيها قائلة
(أذهب معها ....الى أين ؟......)
تنهد ادهم بغضبٍ شديد , فسارعت سما تقول لتتدارك الموقف
(لقد اخبرت ادهم الآن برغبتى فى زيارة سابين )
اتسعت عينا حلا و أدارت وجهها الى الناحية الأخرى و هى تجيب بسرعة
( لا لن اذهب ...... ربما مرة اخرى )
تنهدت سما وحاولت مرة اخرى
(ارجوكِ يا حلا....... ستكون مفاجأة رائعه لها ....ان ترانا معا )
نظرت حلا لادهم و كأنها تطلب نجدته الا ان تعبيرات وجهه كانت متصلبة بشدة .... عادت حلا تنظر لسما مترددة ثم قالت اخيرا
(ربما .....مرة اخرى )
يئست سما من اقناعها فقامت من مكانها و هى تقول
(اذن سأذهب انا الآن ....)
لكنها ظلت واقفة مكانها مترددة ثم قالت لادهم بتردد
( فارس ....)
قاطعها ادهم فى الحال قائلا بخشونة
(لا تقلقى عليه انا ارغب فى التحدث معه و لن اتركه حتى تعودى .....)
أومأت سما برأسها شاكرة لادهم ثم ابتسمت لحلا و انطلقت بسرعة يدفعها شوقها المهلك لسابين
ظل ادهم وحلا جالسين صامتين ... هى تنظر فى كل مكان الا هو ...و هو لا يرفع عينيه عنها الى ان قام اخيرا منسحبا من الغرفة دون ان يعيرها اى اهتمام .....
زال توترها بعد ذهابه .....الا ان احساسا آخر طاف بداخلها .... احساسا فظيعا بالخواء.
قامت من مكانها بعد فترة و اخذت تمشى فى القصر على غير هدىٍ حتى وصلت الى غرفة الجلوس الضخمة فدخلتها ... الا انها ما ان دخلت حتى تصلبت مكانها حين شاهدت فارس واقفا فيها يوليها ظهره ووجهه الى النافذة وكأنه ينظر منها ..... لم تكن تعلم انه دخل الى هنا و الا كانت صعدت الى غرفتها .....حاولت الانسحاب بصمتٍ ... الا ان صوته اوقفها فجأة
(لماذا تنصرفين يا حلا .....)
تسمرت فى مكانها لحظات ثم قالت اخيرا بصوتٍ متلعثم
(كيف عرفت .. انها ..انا )
اجاب بنبرة ساخرة (رائحتك ....)
عقدت حاجيها وهى تردد (رائحتى ؟!!.....)
اجابها بنفس النبرة الساخرة ( رائحتك كالتفاح ....)
سألته بوجوم (هل تتعرف على كل الناس من روائحهم .....)
التفت اليها وعلى وجهه ملامح بدائية ثم اجابها
(ليس دائما .... فاحيانا من الاصوات التى يصرونها ...)
سألته رغما عنها بينما قدميها تتحرقان لتخرج من هذا المكان الذى اصبح خانقا فجأة
(كيف؟!!...)
اخذ يقترب منها ببطءٍ و هويقول بقسوة
( انتِ مثلا .....خطواتك متعثرةٍ خرقاء )
صمتت وقد اتسعت عيناها بينما هو يقترب منها اكثر قائلا
(انتِ تكرهيننى ...اليس كذلك ؟.... استطيع سماع الكراهية فى صوتك )
ظلت حلا صامتة تشعر انها على وشكِ الاختناق من اقترابه البطىء منها خطو خطوة ...ثم اندفعت فجأة لتقول بعنفٍ و هى غير قادرة على التحمل اكثر
( اكره ما تفعله بها.....)
توقف عن السير فجأة و ضاعت السخرية من وجهه وملامحه تتصلب بشدة اثارت رعبها ... ثم قال ببطءٍ بعد لحظات وقد عادت اليه السخرية السوداء
(هذا اهتمام مفاجىء ...... بالرغم من انكِ لم تسألى عنها لمدة ثلاث سنوات )
لم تعرف بماذا تجبه الا انها لن تسمح له بالانسحاب بعد ان وصلت الى هذه المرحلة فقالت بعنفٍ يخالطه الخوف
(لقد آذيتها ليلة أمس ....وكان هذا ظاهرا بآثاره على وجهها )
إن لم تشاهد عرقا نبض بعنفٍ فى رقبته لقالت انه تحول الى تمثالٍ حجرى ... ظل ينظر امامه حتى بات الوقوف امامه مخيفا ..لكنها صرخت به فجأة وهى تشعر ببدء فقدانها السيطرة على نفسها
(كيف تفعل بها ما فعلته .......الا يكفى انك تسجنها بقربك )
شعرت انها رمت قنبلة فى الغرفة و بدا الصمت المحيط بها كدوى المدافع فى اذنيها .....شاهدته برعبٍ وهويعود للاقتراب منها فتراجعت تنوى الهروب من الغرفة ...الا ان مع اول خطوة سريعة منها كانت خطواته اسرع فوصل اليها وقبض على ذراعيها بقسوة و هو يديرها ناحيته ثم اخذ يدفعها الى ان حشرها فى زاوية الغرفة ..ظلت واقفة امامه تلهث بشدة بينما قال هو اخيرا و تعبير شيطانى يظهر على وجهه
(اذن فقد اظهرتِ مخالبك اخيرا ... كنت قد بدأت ان اشك انكِ ابنة ايثار الراشد ) اظلمت عيناها بشدة بينما هو يتابع
(تمتلكين شجاعة فائقة بالنسبة لمن تزوجت من طلال مهران )
اخذت الدنيا تدور من حولها و هى تشعر بالهواء يسحب من رئتيها ....
كان قد بدأ يتكلم بهدوء قائلا (لقد حاولت الوصول اليكِ فلم ....)
الا انها وضعت كفيها على اذنيها و هى تصرخ بشدة اجفلته و قطعت كلامه ........
لم تكن تدرى انها بدأت تبكى بشدة و تصرخ بصوتٍ عالى ....صدم فارس تماما من شدة بكائها , لم يكن يعلم انه آذاها الى هذا الحد و خاف ان يصيبها مكروه ٍ فمد يديه الى ذراعيها مرة اخرى يحاول تهدئتها ... الا انها كانت قد عبرت حاجز الواقع و انفصلت تماما عن كل ما حولها و قد بنت بشهقاتها جدارا يحميها مما حولها ...
فجأة شعر فارس بقوةٍ هائلة تدفعه بشدةٍ ليرتطم بالحائط المقابل ... وصوت ادهم يصرخ كالمارد يهز ارجاء القصر
(ابتعد عنها يا فارس .....اياك و الاقتراب من حلا )
ظل فارس واقفا مكانه صامتا ينظر امامه ... يكره نفسه اكثر و اكثر
اقترب ادهم من حلا التى كانت لا تزال تبكي بشدة و حاول جذبها بين ذراعيه الا انها ظلت تقاومه بشدة فماكان منه الا ان حملها بين ذراعيه بقوة و خرج من الغرفة صاعدا الى غرفتهما .. وبعد ان وضعها برفقٍ على الفراش استلقى بجوارها و ضمها بشدةٍ بين ذراعيه الى ان استسلمت تماما منخطرة فى بكاءٍ شديد .....ظل يهمس فى اذنها بكلماتٍ رقيقة و هو يهدىء من روعها حتى راحت فى سباتٍ عميق و هو يتخلل شعرها باصابعه لا يريد ان يتركها ... شعر فى هذه اللحظة انه لو انفصل عنها فستاخذ معها قطعة من قلبه ....
افاقت من نومها لتجد نفسها وحيدة فى الفراش كعادتها فى الايام الاخيرة.. تنهدت ثم قامت من فراشها و اتجهت الى المرآة ثم اخذت تمشط شعرها ببطءٍ وهى شاردة .... ما الذى حدث له .... انه لم يعد يهتم ... يعاملها بأدب .. يراعيها فى كل شىء ...احيانا تفيق من نومها ليلا وهى تنتفض اثر كابوسٍ مزعج لتجد نفسها بين ذراعيه و هو يهدهدها .....الا انه لا يتكلم ابدا ... يستمر فى تخلل شعرها باصابعه الى ان تعود للنوم مرة اخرى .. وكانها طفلة رضيعة , يرجعها الى النوم مرة اخرى ....لم يسألها ابدا عن احلامها
نظرت الى وجهها فى المرآة بشرود وسألت هامسة ..... وان سألك ... فهل ستجيبي .....بالطبع لا ....الموت عندها اسهل من اخبار ادهم باى شىء ..... انه لايحتاج لان يعرف اى شىء ....لو عرف ....آه لو عرف ...
زوجة ادهم مهران .... لن يقبل باقل من ذلك ...لكن ماذا لو علم ان زوجة ادهم مهران كانت يوما ما ارخص من......
هزت رأسها بشدة و هى تنتفض و تهمس لنفسها ....سأنسى....سأنسى....سأنسى .....و سأكون كما يجب ان تكون زوجة ادهم مهران
اغمضت عينيها لحظة و كتفت ذراعيها و اخذت تتذكر لحظاتٍ قليلة جعل منها زوجته حقا ....حركت يديها تتلمس ذراعيها ... تكاد تشعر بلمساته ..مر وقت طويل لم يلمسها فيه ... يلمسها حقا...... كليلة زواجهما و بعدها ....لماذا لم يعد يقترب منها .....
منذ حركتها الحمقاء بجلوسها على سور الشرفة و هو لم يعد يقترب منها .... لابد و انه ظنها مجنونة ...لقد شعر بالنفور منها بالتاكيد ..لكنه ظل رقيقا معها ... احيانا تشعر بحاجتها ل... انها تحب رقته ,لم تكن تظن ان الشيطان الاسمرسيكون رقيقا معها لهذا الحد و لا حاميا لها لهذه الدرجة الخانقة .... لم يحميها احدا ابدا من قبل لا بهذه الدرجة ولا بأى درجة .....
لكنها احيانا تشعر ان هناك ما ينقصها ...لقد حملها معه الى عالمٍ لم تكن تعرفه قبلا ,..... ثم تركها ... رغم رقته معها الا انه ايضا قاسٍ فى بعده عنها ...الم يعد يريدها ...هل كانت رغبته فيها ضئيلة الى هذا الحد ام انها لم تستطع ان ترضيه .... بالتاكيد.... فهى لا تستطيع ان ترضى احدا ... هى تعلم انها دمية بلا روح ... ورجلا كادهم لن يشعر بالرضا الا مع امراءة متفجرة بالحياة و الاثارة ...... كسابين مثلا ...... لطالما اعتقدت ان سابين ستكون لادهم يوما ما ... هما يليقان ببعضهما للغاية
تذكرت حين حاولت سابين منعها من الزواج بادهم .... يومها صرخت حلا بوجهها قائلة لها انها تفعل ذلك لانها تريده لنفسها , بعدها امتنعت سابين تماما عن التدخل فى اى شىء يخصها .....
لا تدرى حتى هذه اللحظة لماذا فعلت ما فعلته ..... كانت فى هذا الوقت فى حالة يرثى لها ولم تتحمل اى ضغط آخر فهربت الى احضان ادهم ما ان اشار لها .... لم تكن تظن ان الشيطان الاسود من الممكن ان يفكر بها يوما , كانت تخافه دوما و تتجنبه ..... الا انها لم تفكر مرتين بعد ان عرض عليها الزواج .....هى باعت و هو اشترى ......مجرد صفقة كسابقتها ... لماذا هى الآن تتحرق على صفيحٍ ساخن
ماذا تريد بعد...هل هى ابنه ايثار الراشد فعلا كما قال فارس .... لا يملا عينيها الا التراب ....مالذى ينقصها بعد ان تزوجت ادهم مهران .... الا تكفى حمايته لها ....تضيق بحمايته الخانقة و تتمنى .... وتتمنى ان .... ان يشعرها بما أشعرها به سابقا .... لم تكن تعلم انها امراءة قبل ان تتزوجه .... وبعد ان علمت ....ابتعد عنها
ايكون زواجها الماسوي الاول يظل يدور فى رأسه لينفره منها ..... اذن ماذا سيفعل لو عرف التفاصيل القذرة ..... ستكون ملعونة لو تركته يعلم اى شيء من ماضيها ....لاتريده ان يبتعد اكثر...... منذ متى وهى تشعر بالحنين اليه ؟!!!.........هى نفسها لاتعلم
تنهدت بالم و هى تفكر ان عودة فارس كانت لها تاثيرا مدمرا عليها ..... تذكرت اياما سوداء قضتها سجينة الجدران البيضاء و جسدها لا يحوي جزءا واحدا سليما .... علمت انهم سيوقعون بها مرة اخرى ..... فاستطاعت باعجوبة ان ترسل لفارس رسالة من مجهول لتخبره بما حدث لها .... كان الوحيد الذى تعرفه و الموجود معها بنفس البلد ...... اخذت تدعو كل ليلة ان ياتى اليها ..... الا انه لم ياتى ابدا ...حمقاء هى ان ظنت انه سوف يساعدها .......
لو كانت تعلم ان ادهم مهران على هذه الدرجة من الحماية و الروعة لكانت استنجدت به ........ الا انها لم تكن تظن يوما انه ممكن ان يهتم بما يصيبها ......
تنهدت مرة اخرى بعمقٍ و الم اقوى ......ماذا لو اخبر فارس ادهم بما كان فى الرسالة ...... غبية ..غبية كيف لم تفكرى فى هذا من قبل ...آه يالهى لو عرف ادهم فسيرميها من حياته على الفور ....
اخذت تدعو همسا ان يكون فارس قد نسى هذه الحادثة كلها .....و الا ستكون نهايتها , لن يرحمها ادهم ابدا ان علم انه اقترن بمن لها مثل ماضيها المخزى ....
مسحت دمعة وحيدة انزلقت على و جنتها ثم مشت الى صديقتها الوحيدة لتنظر منها ....
ها هو نفسه .... يرقص مرة اخرى امام نافذتها ....
ضحكت بصوتٍ عالٍ و كأنها كانت تنتظر اي شيء ليضحكها .... اى شيء .... ها هو يلوح لها من جديد , الا انها هذه المرة لم تجفل بل ابتسمت برقةٍ و هى تدير نظرها عنه ..... لمحته بطرف عينها , و هو متسمرا مكانه مذهولا من ابتسامتها .....
هل هى كئيبة الى هذا الحد ... لدرجة ان يذهل حين تبتسم ......اتسعت ابتسامتها اكثر و هى تقرر انها ستبتسم كثيرا منذ اليوم .....
.................................................. .................................................. ....................
اخذ يراقبها بصمتٍ وهى منحنية بجواره تناوله بعض الاوراق ..... وجهها قريبا منه للغاية .... خصلة سوداء حريرية طويلة ساقطة على جانب وجهها , بينما عطرها المسكر يلفهما معا بجوٍ من السحر الغامض
بعد ان انتهت استقامت فى وقفتها ...ضامة ملف الاوراق الى صدرها , ثم منحته اجمل ابتسامة رآها فى حياته وقالت بصوتها الناقوسي الرائع
(أية اوامر اخرى ؟....)
لم يجبها بل ظل ينظر اليها بطريقةٍ اربكتها بينما ظهرت ابتسامة على زاوية شفتيه ثم نقل نظره الى الاوراق و اتسعت ابتسامته اكثر
ما باله اليوم ... سألت نفسها . من يوم ان عرض عليها الزواج و هو لا يرفع عينيه عنها و كأنه لم يرى نساءا من قبل .....
حين لم يرد استدارت برشاقة مدروسة استعدادا لمغادرة المكتب .....
(لم تعطيني ردك سابين .....)
انطلق هذا الصوت العميق ليزلزل اعماقها , التفتت ببطء ثم نظرت اليه من فوق نظارتها لتقول بصوتٍ واثق مغرى
(و انت لم تذكر سبب رغبتك فى الزواج منى .....)
نظر اليها لحظة بغموض ثم قام من مكانه متجها ناحيتها ببطء دون ان تترك عيناه عينيها ,
ظلت متمسكة بسيطرتها على نفسها بقوةٍ تثير الاعجاب حتى وصل الى بعد خطوةٍ منها , و فجأة رفع يده و انتزع نظارتها من فوق عينيها قبل ان تستطيع منعه ... طوى نظارتها بهدوء ثم وضعها فى جيب سترته الداخلى ....
ظلت تنظر اليه مبهورة لحظة ثم استطاعت النطق اخيرا بصوتٍ مبحوحٍ رائع
( اعد نظارتى الى مكانها ....)
اجابها و الابتسامة تداعب شفتيه
(حين تجيبين طلبى ....)
ردت عليه وهى تقترب منه نصف خطوة
(حين تطلعنى على السبب ....)
اقترب وجهه من وجهه حتى كاد ان يلامسه و ما ان شعرت بانفاسه الساخنة تلفح بشرة وجهها حتى اغلقت عينيها و رفعت وجهها تلقائيا و هى تنهل من رائحته العذبة ... مرت عدة لحظات لم يحدث فيها شىء ففتحت عينيها ببطء لتجده يبعد وجهه عنها و على شفتيه ابتسامة انتصار ثم قال بصوتٍ عميق
(هذا هو السبب ....)
ظلت للحظاتٍ طويلة متسمرة تنظر الى عينيه ليست واثقة مما يقصده ثم قالت اخيرا مخرجة تنهيدة مع كلماتها الناعمة
؛(لم افهم .....)
ابتسم وقال بصوتٍ خافت
(تزوجينى و انا سأعمل على ان تفهمى جيدا ......)
ارتجفت بقوة و هى تشعر بساقيها لاتكادان تحملانها ثم اخفضت رأسها لاول مرة امامه و كانت هذه معجزة فى حد ذاتها .... قالت اخيرا بصوتٍ خافت
( لدي شروط ...)
( بالطبع.....)
رفعت نظرها اليه لتتاكد من سخرية قد سمعتها فى نبرته الا انها لم تواجه الا تعابيرٍ مبهمة ,فما كان منها ان قالت
(لن اترك عملي ابدا....)
لم يرد للحظاتٍ حتى احترقت اعصابها ثم اخيرا اومأ برأسه ... فقط ايمائة ... لكنها كانت اكثر من كافية لها
(لن نتكلم عن مازن ابدا ....)
قست عيناه لوهلة لدرجة انها ظنته سيضربها.....الا انه قال بابتسامة قاسية
(من هو مازن اصلا ......)
ابتسمت برقةٍ تذيب الاحجار و اسبلت رموشها لاتصدق ان احمد مهران اصبح عابدا فى محرابها الى هذا الحد .. لكن لماذا ظنت انه سيختلف اليست سابين الراشد .... لكنها لاول مرة ٍ تشعر بالزهو لكونها هى سابين الراشد التى اسقطت احمد مهران عند قدميها ..اسقطت المارد ....
افاقت على صوته القريب من اذنيها و هو يقول هامسا
( ماهى باقي شروطك .....)
واجهت عيناها عينيه بكل تحدى و هى تقول بلهجة ملكة تخاطب حاشيتها
( لن اقبل التدخل فى حياتى .. باى شكل من الاشكال , ستظل لي شقتى و سيظل عملى موجودا , لن اكون زوجة خاضعة لاحد ابدا ....)
ظل وجهه مبهم بدون اى تعبير ثم قال اخيرا
(هل اعتبر الآن انك اصبحت خطيبتى .....)
اخذت نفسا عميقا وامالت رأسها جانبا و هى تقول بتفكير مستفز
(اريد مهلة قصيرة لاقرر...)
ثم بدون مقدمات ادخلت يدها الناعمة الى داخل سترته و تمهلت وهى تلتقط نظارتها .... شاعرة مضخة تضرب بعنف تحت اصابعها , مما جعلها تبتسم بانتصار و هى تفتح نظارتها و تضعها على عينيها باغراء لا تملكه غيرها ثم ابتعدت برقة وهى تقول
( بعد اذنك سيد احمد ساعود لعملى الآن ......)
سارت الى الباب دون ان تنتظر رده ثم خرجت مغلقة الباب خلفها دون ان ترى ابتسامته التى اختفت و ملامحه التى تصلبت بقسوة
.................................................. .................................................. ......................................
عادت الى شقتها بعد يومٍ طويل متعب ..... ومشحون بالمشاعر المجنونة ....
ما ان خطت عدة خطوات ٍ حتى جاءها صوتٍ كالفحيح من خلفها اوقفها مكانها
(انتِ تلعبين بالنار .......)
التفتت ببطء لتلتقى عيناها بعينين ذات لهبٍ ازرق ..لطالما كرهت تشبيه الناس لعينيها بهاتين العينين القادرتين على احراق من يتحداهما
قالت بصوتٍ كالجليد
(فلتحرقنى اذن .... انا المسؤولة )
اشتعلت عينا ايثار مهددة بفقدان سيطرتها ثم قالت
( ستفقدين كل شيء يا غبية ... احمد مهران مستحيل ان يسلم لكِ بهذه السهولة )
اتسعت عينا سابين بحدة و اقتربت من ايثار الواقفة امامها بتحفز و قالت ببطءٍ خادع
( ماذا تقصدين بالضبط ...)
ارتفع صوت ضحكةٍ قاسية من فم ايثار لتقول لها
( لا تخبرينى ان واحدة فى ذكائك قد وقعت فى فخ عرض الزواج الزائف هذا ....)
لو كانت النظرات تقتل لكانت ايثار قد سقطت الآن قتيلة السهام التى اصابتها من عيني سابين التى قالت تتهجى ببطء اكثر
( من اخبرك بعرض الزواج ........)
صمتت ايثار لهذه الخطوة الغير محسوبة منها ثم قالت اخيرا
( لا تغيري الموضوع ......)
قاطعتها سابين بصوتٍ كالسوط اللاسع
( لم تجيبي ايثار .....)
اخيرا قالت ايثار ببطء وبصوت الفحيح
(دعى ذكائك يخبرك ... فقد تقتنعين وقتها ...)
ظلت سابين صامتة تحاول السيطرة على نفسها لا تريد ان ترتكب عملا دنيئا كضرب تلك الواقفة امامها والتى لا تستحق ان تحتقر نفسها بسببها .....فما كان منها الا ان تركتها واقفة لتدخل غرفتها سريعا و هى تعلم انها لن تحصل على اجابة لسؤالها
تقدمت من مرآتها بغضب و استندت بكفيها على سطح طاولة الزينة و هى تاخذ نفسا عميقا لتهدىء نفسها.....
كيف علمت؟!!...... لا يعلم بهذا العرض الا هى و احمد مهران ... اذن من اخبر هو ...... وكيف وهى لم تعطيه موافقتها بعد ....
عادت اليها الكلمات الخبيثة ترن فى اذنها ......
"لا تخبرينى ان واحدة فى ذكائك قد وقعت فى فخ عرض الزواج الزائف هذا ...."
نفضت سابين رأسها بسرعةٍ وهى تفكر .....انها لن تستطيع انكار الذبذبات التى تنطلق حولهما حين يكونا معا ... هى ليست طفلة او ساذجة كيلا ترى تاثيرها عليه .......وهو ليس من النوع الذى يحاول الحصول على غايته بطريقٍ غير الزواج ....
انه يريدها بشدةٍ .... وهذا ما هى متأكدة منه تماما ......
نعم هى ذكية لدرجة انها تعلم بكرهه لها ...... نعم هى تعلم انه يكرهها .... لكنه سقط اسيرها ولا طريق امامه الا الزواج بها .....فهل تقبل هلى هذا الاساس؟......
ولما لا اليس هذا حالها ايضا ؟........لكن لماذا يختلط شعورها بالانتصار بشعورٍ آخر من الخواء لا تستطيع تفسيره .........
و من مكانٍ لا تعلمه , انطلقت نفس الجمله تطوف فى رأسها
لقد تحطم والدى عند وفاتها ..............لقد تحطم عند وفاتها ...... لقد تحطم .......
رفعت عينيها لتنظر الى صورتها فى المرآة ..ثم مدت يدها لتحل عقدة شعرها لينساب كالامواج الليلية على ظهرها و حتى خصرها ....
هل كان شعرها طويلا كشعري ؟.....هل كان يتخلله باصابعه ؟..............
ظلت سارحة بافكارها الغريبة و هى تميل برأسها قليلا وتلف خصلة طويلة حول اصبعها .........
ابتسمت فجأة حين تذكرت السؤال السخيف من تلك المخادعة الصغيرة تالا وهى تقول
(هل تنظرين الى مرآتك كل يوم لتسألينها ان كانت هناك من هى أجمل منكِ.....)
اتسعت ابتسامة سابين وهى تتذكر تالا الصغيرة ... كم تشبه والدها .....وكيف لم تلحظ هذا التشابه من قبل ......لا تعلم لماذا ذكرتها تالا بسما .... بينهما تشابه غريب مع انه ليس فى الشكل ابدا .... الا انهما تشتركان فى شيءٍ ما لا تعلمه .....
ظلت تنظر الى نفسها مبتسمة تتأمل جمالها و كأنها لم تره من قبل ................
(ستظلين الأجمل دائما...........)
انطلقت هذه الجملة من خلفها فجأة لتجعلها تستدير شاهقة غير مصدقة عينيها وهى تراه واقفا بباب غرفتها المفتوح يتاملها بعيونٍ شرسة تكاد تلتهمها التهاما
(مازن .....) انطلقت صرختها القوية المذهولة و هى لا تصدق ثم حاولت الكلام
( كيف دخلت الى هنا ؟....... متى عدت اصلا ؟......)
لم يجبها بل ظل يقترب منها و هو ينظر اليها بعينين جائعتين شرستين ..... لم ترى عينيه بهذه النظرة ابدا , كان دائما ينظر اليها بخفة روح ولطف و هو يحاول اضحاكها دائما و كأن هذا هو واجبه فى الحياة ....... اذن من هو هذا الكائن امامها و ماذا يفعل هنا و كيف دخل ......
صرخت به بشدة
(اخرج من هنا حالا .. كيف دخلت )
وصل اليها فى لحظة و امسك بذراعيها بقسوة آلمتها ثم هزها لترفع رأسها الى عينيه المتوحشتين و قال بهجومٍ شرس
( هل ستتزوجينه حقا ...)
يا الهى ما هذا الجنون هل اصبح الناس جميعا يعرفون بزواجها من احمد مهران حتى قبل ان تعطيه موافقتها ....اشتعلت السنة النيران الزرقاء بعينيها الهمجيتين وهى تصرخ به و تقاومه بشدة
(وما شأنك انت .....اخرج من بيتى حالا ...اخرج قبل ان استدعى لك الشرطة )
ضحكة بسخريةٍ فجة و هو يقول بهمسٍ وقح
(وماذا ستقولين لهم ... ارض الغرفة انبتت رجلا فجأة دون ان اعرف كيف دخل )
اخذت تقاومه بشراسة و هى تصرخ
(ايثار .... ايثاااااااار )
الا ان احدا لم يجيبها فظلت تقاومه وهى تشعر بانفاسه تحرق وجهها و تسمعه يهمس فى اذنها
(لن تكونى لغيري ابدا سابين .... انتِ ملكى ... هل نسيتي ما كان بيننا ....)
اخذت تصرخ بجنون لا تصدق ان الحقير يحتجزها بهذه الطريقة
(لم يكن هناك شيئا بيننا ابدا ايها الاحمق ....)
ترك ذراعيها ليعتقل خصرها بسرعةٍ و بقوةٍ كادت ان تقسمها نصفين و هو يقول امام شفتيها
(اعلم انكِ غاضبة منى لأننى تركتك .... الا اننى لن اكررها ابدا ... و ساتركها لأجلك حبيبتى )
اخذت تتلوى وهى تبعد وجهها عن مرمى شفتيه يمينا و يسارا بينما يديها تضربانه على كتفيه دون جدوى وهى تصرخ
( ايها الحقير .. تتركها الآن وهى تحمل طفلك....اين كنت تخبىء وجهك القذر هذا )
اخذ يهذي فى تجويف عنقها بينما هى تقاومه بشراسة
(سابين .... انا سأحقق لكِ اكثر احلامك جنونا ..... سأعطيكى اكثر مما قد تحلمين به يوما .....كل ما املك سيكون ملك يديكى ....فقط كونى لي .....)
حين وجدت انه لا سبيل للخلاص منه بكرامة ..............رفعت ركبتها بسرعة لتعاجله بضربة قاضية بينى ساقيه وهى تصرخ
(انا لست للبيع ايها الحقييييير.....)
جحظت عيناه الما وتأوه بصوتٍ مكتوم .......لكن قبل ان يسقط ارضا ......جذبته قوة عظمى من كتفه ليفاجأ بلكمة اصابت فكه ليسقط ارضا كالثور .....
اتسعت عينا سابين وهى ترى احمد مهران ينحنى نحو مازن بعد ان لكمه ليسحبه من ملابسه سحبا خارجا به من غرفتها .....
ما الذى حدث للتو ؟!!......هل كان احمد مهران هنا فى غرفتها منذ لحظات ..... كيف جاء فى هذا التوقيت بالذات و كيف دخل هو ايضا ..... انه اشد الايام جنونا فى حياتها ....
كانت لاتزال فى حالة صدمة حين دخل احمد مهران الى الغرفة.... يالهى ... اول مرةٍ تراه بهذا الشكل ... متوحش ,همجى ..مستعدا لان يقتل من يقف امامه الآن .....يلهث بشدة بينما ينظرالى ازرار قميصها التى تفتح معظمها ..... نظرة ارعبتها فأخذت تحاول اغلاقها بأصابع مرتجفة .....
تقدم منها بخطواتٍ سريعة ثم جذبها من ذراعها بقسوةٍ نحوه ليرتطم صدرها بصدره الذى لازال يعو ويهبط بعنف ....ثم صرخ فيها بقوة
( هل ستعطيني ردك الآن .......)
ظلت تنظر اليه بعيناها اللاهبتين المتسعتين بذهول ... ثم بدون ان تنطق بكلمة أومأت برأسها
ترك ذراعها وهو يزفر بشده بينما لم يتبدد غضبه الأعمى بعد.....و دون ان يسألها ان كانت قد أومات بمعنى أنها نعم سترد عليه , أم نعم موافقة على الزواج منه .......قال
( سنعقد قراننا بعد يومين ....)
ثم تركها مذهولة ليخرج دون ان يضيف حرفا آخر ...وسمعت هى صوت باب الشقة يصفق بعنفٍ هز أرجائها ......
.................................................. .................................................. ...........
كانت تذرع غرفة الجلوس ذهابا وعودة دون ان تهدأ .... الى ان سمعت باب الشقة يفتح .....
نظرت اليها بعيونٍ حمراء من شدة الغضب واتجهت ناحيتها وهى تقول بصوتٍ شرس
(أين كنت ....؟)
بادلتها ايثار النظر بهدوء دون يرف لها جفن ثم قالت (كنت اريد شراء شيئا ....)
ابتسمت سابين بسراشة و هى تقول
(وهل تتركين الباب مفتوح خلفك حين تخرجين ؟...)
رفعت ايثار حاجبيها بدهشة وهى تهمس
(هل تركت الباب مفتوحا ... يالهى ..مالذى يحدث لى.... أنا أنسى كل شىء هذه الأيام)
ثم ابتسمت بسحرٍ وهى تمد اصبعا ناعما لتمرره على وجنة سابين وهى تقول بصوتٍ مبحوح ساحر
(المهم انكِ بخير يا جميلة ....)
نفضت سابين وجهها بعنف لتبعد إصبع ايثار عن وجهها ثم صرخت
(أى أم أنتِ ؟.....هل وصل جشعك الى هذه الدرجة ... هل وصل بكِ الحال الى تسليمى لمازن بهذه الطريقة بعد ان يئست من زواجى به)
ابتسمت ايثار باغراء وهى تقول بصوتها الناعم
(مالذى تقولينه حبيبتى ؟.... وهل أنا بهذا الغباء لأسلمك له دون زواج ...سأكون كما لو أننى أهديه اياكى مجانا .....لا يا جميلة ... الزواج هو أساس كل شيء )
ظلت سابين تنظر اليها لحظات محاولة استيعاب ما يحدث ... ثم همست دون تصديق
(هل اتصلتِ باحمد مهران ليأتى ؟........)
صرخت فجأة بشدة
(هل فعلتِ؟........)
لم تجيبها ايثار على الفور بل ظلت مبتسمة ابتسامة ساحرة ثم قالت اخيرا بهدوء
(أنا اريد مصلحتك .... هل رأيتِ الآن ؟ ...ها قد تركك أحمد مهران .... و مازن الآن هو المكسب الرابح و المضمون لنا ..)
ظلت سابين واقفة أمامها تنظر اليها بدون أى تعبير على وجهها ثم قالت أخيرا بابتسامة توازى ابتسامة ايثار سحرا
(هنئينى ... أنا سأتزوج أحمد مهران بعد يومين ............يا أمى )
لكن بالتأكيد لم تكن هناك تهنئة ... كانت هناك نيرانا زرقاء اندلعت نافثة الحقد حولها .... فهاهى ثانى صفقاتها تضيع منها بعد ان سرق أدهم حلا بلا مقابل ...ليأتى المارد ويسرق سابين .... أيضا بلا مقابل .....أما من سبيلٍ لها للخروج من هذا الجحر .....بعد ان كانت زوجة الامبراطور ... ينتهى بها الأمر لأن تصبح نكرة ....لا و ألف لا ...ستأخذ حقها الذى سلبه اياها الامبراطور و الذى راهن على حياة بناتها الثلاث فى لعبةٍ واحدة كانت هى الخاسرة فيها .....فهل كبرت الصغيرات ليتحررن منها ؟.....هل هذه هى مكافئتها بعد أن غرزتهن فى امبراطورية آل مهران ؟......بالفعل هن بناتها ... من يردن التخلى عنها فى نهاية المطاف بعد كل ما فعلته لهن ......
لن يكون الأمر بهذه البساطة ....هى زرعت وقد آن أوان الحصاد ....حسنا يا سابين افرحى قليلا ....ها قد عادت سما.........
.................................................. ................................................
هل يمكن أن يكون هناك سعادة على وجه الأرض اكثر من التى تعيشها ... ادمنت هواء البحر ... ادمنت عطره .. ابتسامته التى لم تراها قبلا ... حنانا لم تعرفه منه ابدا ... حبيبها الذى يحاول ان يكون صديقها .....و هى ستكون أمه , أخته ,ابنته و اى شيء يريده حبيبها
كانت واقفة مكانها على الشاطىء مغمضو عينيها تستنشق نسيم البحر بعمق .... انه الشروق , لم تكن تعلم انه يحب الشروق ..كانت تظن أنه من محبى السهر ... ستظل تعلم عنه شيئا جديدا كل يوم .....فجأة احست بيدين قويتين تمسكان بذراعيها و شعرت بالأنفاس الحبيبة بقرب أذنها ..... كيف يستطيع تحديد مكانها بهذه الدقة ؟..... فى الأيام الأخيرة ظلت كثيرا تبتعد عنه قليلا لتجده كالطفل الذى لازال يتعلم المشى .. يمشي خطوة خطوة حتى يصل اليها و يمسك بها دون ان تصدر أى صوت ...كيف يفعل ذلك ... هل يناديه قلبها ... هل يشعر قلبه بنداء وليفه .....
فتحت عينيها و ابتسمت برقة و هى تشعر بتحرك يديه على بشرة ذراعيها الرقيقة ...... اقترب فمه من أذنها وهمس صفى لى شكل الشروق .....
اتسعت ابتسامتها و همست برقة
(البحر هادىء للغاية كبركة زيتية ... و السماء لاتزال رمادية لكن هناك شعاعٍ صغير يتسرب ليلون اجزاءا منها بدرجاتٍ وردية و برتقالية ........ وهناك طائر نورس يطير امامنا تماما .... انتظر )
ابتعدت عنه قليلا ثم عادت اليه بسرعة لتضع شيئا صلبا باردا على اذنه سمع همس امواج البحر بداخله .. ابتسم وقال
(هل هى صدفة جميلة؟.....)
ابتسمت بسعادة وهى تقول
(انها رائعة للغاية.... كبيرة بيضاء موشحة بخطوط ٍ صغيرة ارجوانية )
اتسعت ابتسامته و همس و هو يعود ليمسك بذراعيها
(صفى لى شكلك ....)
ارتبكت و ذهلت من طلبه لكنها قالت
(لا احد يستطيع ان يصف نفسه ..)
(هل أنتِ جميلة ؟.....)
ضحكت بعصبية و قد احمرت وجنتيها ثم قالت
(لو قلت لك اننى جميلة فسأكون حمقاء ...)
ضحك بخفة ولم يرد عليها بل سألها
(هل انتِ سمراء .... وشعرك ناعم أسود كالليل ....وعيناكِ عسليتان واسعتان )
اتسعت عينيها و هى تقول بدهشة
؛(هل هكذا ترانى؟.......)
غبية ....غبية ...ها أنتِ أخطأتِ مرة أخرى ....الا ان للعجب لم يغضب أبدا بل على العكس ابتسم بشرود وقال
(هكذا اشعر بكِ ... قوية دافئة )
قال كلمته الأخيرة هامسا ... مما جعلها تشعر بالالم فقالت له بحب
(سأكون كما تريدنى أن أكون .....)
لم يستطع التحمل اكثر من هذا فسحبها بقوة بين ذراعيه ليلتهم شفتيها من جديد بشفتيه ...وبالطبع لم يجد سوى الاستجابة الناعمة منها ...غابت عنهما الدنيا طويلا.... طويلا حتى سحبها معه ليستلقيا على الرمال الباردة بينما الاشعة الدافئة بدأت فى الظهور لتشاركهما بدفئها .....
لم يتوقف الايام السابقة عن تقبيلها ابدا ,,و كأنه كان ينتظر طيلة ثلاث سنوات ليتفجر هذا البركان بينهما .....ما الذى فعلته به هذه الساحرة الصغيرة التى لم يراها ابدا ...... ما مقدار السحر الذى تمتلكه فتاة صغيرة بالضافة الى صوتٍ كالنغم و رائحة الياسمين
ازداد الهوى بينهما حتى كاد ان يفقد نفسه فيها ... هنا ... على رمال الشاطىء ... وحين شعر بقرب فقدانه السيطرة على نفسه , ابتعد عنها لاهثا محاولا استجماع انفاسه ..... وهذا هو ما يحدث دائما ....لن يفقد سيطرته على نفسه معها ابدا ثانية بعد ما فعله بها آخر مرة ..... سيقترب منها تدريجيا حتى تستريح لقربه .....حتى تذوب به ..... ثم ستكون له .....لن يحصل عليها غيره ابدا ......
عاد يقبلها لكن برقة ليطفىء النار التى اندلعت بداخله .... وظل يلامس شفتيها بشفتيه حتى هدأت انفاسهما أخيرا ....تنهد ضاحكا برقة وهو يقول
(أنا اعتمد عليكِ يا صغيرة فى مراقبة المكان حتى لا يرانا أحد ....)
احمرت وجنتيها بشدة و هى تشهق بصوتٍ خافت فازدادت ضحكته عبثا و هو يعود ليقبلها مرة أخرى
قاطعهما رنين هاتف سما فجأة ليخرجهما من جوهما الحالم .... عقد حاجبيه وهو يبتعد عنها ليتسائل من سيكلمها فى مثل هذا الوقت المبكر .....بينما شعرت هى بالأسى لضياع اللحظات النادرة بينهما , لكنها لم تجد بدا من التقاط هاتفها من جيب بنطالها و هى ترى فارس يكاد ان يفترسها لمعرفة المتكلم ..... تنهدت وهى تجيب برقة لتفاجأ بصوتٍ لم تسمعه منذ ثلاث سنوات فهتفت مصعوقة
(أمى......)
أغمض فارس عينيه بشدة .....كل الظروف تسحب سما منه .....لكن قسما بالله لن يترك أحدا يأخذها منه أبدا .........
.................................................. .................................................. .........
صعد سلالم القصر بتعبٍ شديد وهو يشعر بارهاق لم يعرف مثله ابدا .....كانت الأيام السابقة كالجحيم ......كان يدور فى حلقاتٍ مفرغة .....فرقة كاملة أوكل لها عملية البحث السرية ............. الا ان الامر ليس هينا أبدا
حادثة منذ اربع سنوات .... تقارير مشفى معدلة بينما الحقيقية اختفت تماما ......الحقير الذى يلاحقه و يجمع عنه كل ما يمكن من معلوماتٍ حتى تأتى الفرصة و يقتلع عنقه بيده ...........
كل هذا الارهاق النفسي ليعود فى النهاية ليستلقي بقربها و هى نائمة .... يشعر بدفء جسمها و رائحتها العطرة و شعرها الهمجى الطويل و الذى تصر على ان تطلقه وهى نائمة ليلامس وجهه .......
كم يتوق اليها و كم يريدها ....... الا ان كل شىء تعقد فجأة و علاقتهما ستحتاج وقتا لتتداوى اكثر مما كان يظن ..... بالتأكيد هى الآن مرتاحة من رغباته التى فرضها عليها يوما ... لا تشعر بما يعانيه من عذابٍ بقربها ... على الأقل يعود ليجدها نائمة كل ليلة و يخرج باكرا قبل أن تستيقظ ..... كان ينتظر منها ان تطلب منه البقاء أو تشعره بحاجتها اليه ... لكان ترك الدنيا كلها لو فعلت ...... لو فعلت ....لكنها لا تريد منه سوى الحماية ..... كانت صريحة معه عند زواجهما .... الحماية فقط ... و هو بالتأكيد يعذرها بعد كل ما مرت به ...... لكن هو من سيعذره
تنهد بتعبٍ و هو يفتح باب الغرفة و يدخل .......
لم يصدق عينيه حين رأها واقفة أمام النافذة تنظر منها ......فقال بسرعة
(حلا .... لماذا لا زلت مستيقظة .... هل انتابتك الكوابيس مرة اخرى .....)
التفتت اليه برقة ...... يا الهى انها رائعة ... مدمرة ... هذا اقل ما يمكن ان توصف به ... كانت ترتدى قميص نوم رائعا لم يره عليها من قبل لونه نبيذى دافىء ...طويل يحدد انسيابية جسدها الناعم ... بينما صدره مخرم يظهر اكثر مما يستطيع احتماله ......
انها تنوى قتله بالسكتة القلبية لا محالة .... كيف سيقاومها الآن و هى واقفة أمامه بهذه الروعة .. تنظر اليه بعينين تغويان قديس
ابتسمت برقة وهى تقول
(لا انا لم أنم بعد .... كنت انتظرك )
خفق قلبه بشدة حتى كاد ان يتوقف منه و هو يقول بصعوبة
(لماذا حبيبتى ..... هل تحتاجين شيئا )
اهتز قلبها حين سمعت كلمة حبيبتى التى صدرت منه بعفوية ثم اقتربت منه ببطء عاقدة العزم على عدم التراجع حتى وصلت اليه وهى تضع يدها برقةٍ على صدره وهى تقول
(انت تبدو متعبا للغاية ....)
ظل ينظر اليها بلا تعبير على وجهه مما افقدها الثقة التى ظلت تجمعها طوال فترة انتظاره ..... قالت اخيرا
(انا لم اعد اراك كثيرا ....)
شده العذاب الذى يعانيه جعله يجيبها بحدة غير مقصودة
( كنت لا تكادى تصدقين متى ساخرج من هنا ...... حددى موقفك يا حلا لاننى لا افهمك )
ابتعدت عنه بسرعة آخذة معها قطعة من قلبه ثم قالت بصوتٍ خافت
(آسفة لم اقصد ازعاجك .....)
لم يستطع التحمل اكثر من ذلك هذا كثير عليه ...... فليكن ما يكن .... انها زوجته و ستظل زوجته .... غدا سيعالجها اما الليلة
جذبها من ذراعها بشدة حين استدارت ... لتعود اليه مرتطمة بصدره بينما هو يلقى بسترته على الارض ليسحب حلا بين ذراعيه مقبلا اياها بكل شغف الايام السابقة .......
ها هى عادت الى مكانها بين ذراعيه .... الشيطان الاسمر .... موطنها الدافىء ..... جدارها القوى ....
حملها بين ذراعيه بنفاذ صبر ليلقى بها على الفراش ليعود اليها حاملا اياها لعالمٍ غابا فيه و قد تركا خلفهما كل ما حدث سابقا .... ليقلقا عليه صباحا ..... وليس الليلة .......
كان يضمها بين ذراعيه و هى مستلقية على صدره , يده تداعب بشرة ذراعها بحنان بينما ترتسم على فمه ابتسامة نمر نجح فى اصطياد فريسته ..لامست شفتاه خصلة الشعر الساقطة بنعومة على جبهتها ثم همس فى اذنها
( هل آلمتك حبيبتى ؟......)
احمر وجهها بشدة فدفنته اكثر بصدره و هى تهز رأسها علامة النفى ,ضحك برقة وهو يزيد من ضمها اليه مستمتعا بخجلها الذى يلهب مشاعره ..
انه لا يصدق ما حدث ... منذ ساعات قليلة كان فى أسوأ حالاته المعنوية و كان جحيم شوقه اليها يهدد بحرقه حيا ... لم يكن يتخيل ان تنتهى هذه الليلة بهذا السحر الذى فاق كل توقعاته و كل جنون خياله ....
لا يصدق تدفق عاطفتها الذى كاد ان يصيبه بالجنون .. لقد ذابت بين ذراعيه فى لحظةٍ واحدة ليذوبا معا كنارٍ سائلة احرقتهما معا ...
من كان يظن ان صغيرته حلا قد كبرت و اصبحت امراءة غاية فى الروعة و السخونة ...... بالرغم من كل ما حدث لها .....
اللعنة هاهو يعود للواقع الأليم مرة أخرى .................تنهد بعمق يريد ان يبعد هذا الواقع عن ذهنه المخدر بها حاليا .....
شعر بشفتين ناعمتين تلامسان صدره مرة بعد مرة فخفض نظره اليها مذهولا بما تفعله , لكن لم يستمرذهوله للحظتين حتى اندلعت نيران الرغبة فى داخله من جديد ليدفعها لتستلقى على الفراش ناظرة اليه مذهولة من عمق النيران المشتعلة بعينيه , ليغيبها من جديد فى عالمٍ مجنون أسرهما معا بجنونه ......
أخيرا ابتعد عنها قليلا لينظر لعينيها و هولايزال يلهث من عمق ما تشاركاه للتو .....فطالعته عيناها النجلاوان تنظران اليه باستسلام شتت أعماقه .......
يا الهى ... ما أجملك يا حلا .... وما أعذبك ....ما تلك العاطفة المجنونة التى كنتِ تخبئينها بجدارٍ الماضى القاسى ..........
استلقى بجانبها لا يفصله عنها نفسا واحدا .. يريد ان يعتصرها حتى تدخل صدره .....تنهد مرة أخرى و هو يقول هامسا ضاحكا برقة
( أنتِ رائعة حبيبتى ...... رائعة للغاية )
على قدر ما أشعرتها جملته بالخجل الفظيع الا أنها أشعرتها أيضا بسعادةٍ لا توصف , و احساسٍ بثقةٍ لم تكن تظن أنها ستشعر بها يوما ....نظرت اليه بجرأة لم تعرف أنها تمتلكها و ابتسمت له باستحياء ....
ظلا ينظران الى بعضهما البعض و عيونهما تتبدلان حوارا هما نفسهما لايسمعانه .........
انها غاية فى الروعة .... لا ينقصها شيء ابدا ... انها مثالية فى هذه اللحظة ...اذن لماذا لا يترك الأمور عند هذه النقطة ليبدآ بداية جديدة تماما ....الا انه لا يستطيع , بداخله يعلم انها تحتاج لمساعدة .. والا فسيظل مرعوبا عليها لآخر يومٍ فى حياته ....
ناداها برقة (حلا ....) فأجابته بعذوبةٍ خجولة
(نعم ...)
أخذ يداعب ذراعها برقة ٍ ثم قال
( هناك خبرا لا تعلمينه بعد ....)
نظرت اليه متوجسة بتساؤل فأكمل
(سابين ستتزوج بعد يومين ....)
استقامت جالسة بسرعة و هى تسحب غطاء الفراش الى صدرها و تقول مصعوقة
(ماذا ؟!!..... من ستتزوج ؟...)
أجابها بهدوء و هو يلامس ظهرها بنعومة ليهدىء من انفعالها
(ستتزوج أحمد مهران ....)
ظلت تنظر اليه مذهولة لا تدرى ماذا تقول ...أحمد مهران ابن عمة أدهم ؟!!.... القطب الثانى فى الامبراطورية؟!...
... مع انه خبرا منطقيا ان تتزوج سابين من رجلٍ غير عادى كأحمد مهران ... انهما يليقان ببعضهما للغاية .....بينما هى !!.......
جلس ادهم هو ايضا و هو يلاحظ وجومها فأمسك بذراعيها و هو يقبل كتفها برقة ليعيد اليها الوهج الدافىء الذى كانت تعيشه بعيدا عن اى توتر , لكن حين لاحظ تصلبها ابتعد قليلا و هو يقول بقلق
( حلا ... ماذا بك حبيبتى )
نظرت اليه باستسلامٍ ضعيف مزق قلبه ... لوهلةٍ شعر بما تشعر به و احس بأوجاعها الصامتة القديمة , فجذبها الى احضانه بحنانٍ وهو يربت على شعرها حتى ترتاح ثم اكمل بصوتٍ خافت
(سأكون انا و فارس شاهدين على العقد .... ثم بعد عدة أيام سيقيمان حفل الزفاف )
ظلت حلا مختبئةٍ بأحضانه و هى تفكر أن سابين تستحق الأفضل ... واحدة مثلها تستحق أدهم ...وهو يستحق واحدة مثلها , فهل يشعر بالندم على ضياعها منه ., و فوز أحمد مهران بها .....
افاقت من افكارها المريضة على صوت ادهم وهو يقول بينما يشدد من احتضانها
(بالطبع سنحضر الزفاف ... ستكون اول مناسبة نحضرها كزوجين )
انتابها الهلع من هذا الموقف الغير متوقع .... تحضر زفافا كهذا ... سيحضره كل من عرفوها وعرفوا طلال .... سينظرون اليها ....قد يكون هناك من يعرف ما كان عليه طلال .... قد يكون هناك من سمع عن الحادثة القديمة .....لا ... لا ... لا ...لن تستطيع مواجهة احد ابدا .....
قالت فجأة بدون مقدمات
( لا اريد الحضور ...)
تنهد ادهم وهو يعلم ان هذا هو الرد الذى توقعه .. وهو حقا لا يهتم لحضور زفافهما كثيرا و خاصة أنه زفاف سابين التى اوقعت باحمد مهران بهذه السرعة بمقدرة ٍ فذه ذكرته ب...... اقشعر بدنه وهو يتذكر الافعى السوداء
الا ان المهم لديه الآن هو ان لا يكون لدى حلا اى خوفٍ من اى شيء .... لذا فهو يريد منها الحضور بكل ثقة متحدية مخاوفها ... و سيرى من سيجرؤ على الاقتراب منها ......آآآه فقط لو كان موجودا وقتها ... لقد كان بعيدا عنها آلاف الأميال .... وهم جميعا عملوا على إخفائها اكثر و اكثر .... وكان هو من النذالة بان يتركها لهم بهذه البساطة ....
اجل الجدل معها عن حضور الزفاف حاليا ليفاتحها فى الموضوع الأهم و الذى اخره طويلا حتى الآن .... قال بصوتٍ خافت حتى لا تجفل
( حلا .... سنذهب غدا انا و انتِ ....لمكانٍ ما )
رفعت رأسها اليه بسرعة و هى تنظر اليه بقليل .. قليل من الحماسة المتوجسة و هى تشعر بأنه قد يكون اعدد لها مفاجأة ممتعة فهمست بسرعة
(اين ؟....)
تنهد ادهم بقلق وهو ينظر الى الحماسة المنبعثة من عينيها الضعيفتين و التى مزقت قلبه لانه يعلم انه سيبدد حماستها حالا ....
ثم لم يجد بد من ان يقول ببطءٍ شديد
( الى الطبيب ....)
ظلت تنظر اليه بعدم فهم و بدون اى تعابير على وجهها.....فتابع وهو يدعو الله الا تنفعل
( طبيب ... سيتحدث معكِ قليلا .... و... قد تحكين له ما يضايقك ....)
لم يتغير اى شىء ولم تتحرك عضلة واحدة فى وجهها و هى تنظر اليه .... ثم فجأة صرخت
(هل تظننى مجنونة ....)
امسك ادهم بها بقوةٍ وهى تقاومه بضعفٍ و ارهاق بينما اخذت الدموع تنساب على وجنتيها
( حلا ..... اسمعيني اولا ...)
ظلت حلا تقاومه و قد بدأ صوت بكائها يتعالى و هى تقول بصوت متقطع
( انا لست مجنونة ... انا فقط ... احتاج لبعض الوقت .... ان كنت تشعر بالنفور منى فلماذا......)
قطع باقى كلماتها الحمقاء بشفتيه يقبلها بكل مايحمله من ضغوطٍ تكاد تخنقه ...و استمر يقبلها باجتياح حتى هدأت تماما بين ذراعيه ....اخيرا رفع رأسه وهويصرخ من بين أنفاسه المتقطعة
( هذا هو ما أشعر به من نفورٍ نحوك .....)
ارتمت على صدره وهى تبكى تكاد ان تنهار بعد كل هذا الارهاق العاطفى الذى تعرض له فى الساعات القليلة السابقة ......اخذ ادهم يهدهدا وهويهمس فى اذنها مطمئنا لها و مؤكدا بأن كل شيء سيكون عل ما يرام .....
تشبثت به بقوةٍ تستمد منه كل ما تستطيعه من قوة ٍ وحماية ... ثم اخذت تهمس بضعف متقطع
( لا تجبرنى على الذهاب يا ادهم ارجوك ..... ارجوك .... سأكون كما تريدنى ان اكون ..... سأكون كما تتمنى ان تصبح زوجتك .... لكن لا تجبرنى .... ارجوك )
(هششششش ...... كفى ... كفى .... لن اجبرك على شىء ابدا ...... سننتظر حتى تكونى مستعدة )
هدأت بين ذراعيه فسحبها معه ليستلقيا على الفراش مدثرا اياها بالغطاء .... واضعا رأسها على كتفه حتى نامت اخيرا و لاتزال دموعها على وجنتيها .....
ظل ينظر اليها وهى نائمة .... وهو يتحسر على اللحظات الساحرة التى ضيعها بيده فى غمرة موجة العقل و الحكمة ....تبا فليذهب العقل للجحيم ........
.................................................. .................................................. .....................................
استقظت حلا من نومها ... وحيدة فى فراشها مرة أخرى ... كانت تتمنى ان يوقظها قبل ان يذهب الى عمله , كانت تظن ان بعد الليلة السابقة ستختلف حياتهما معا .... الا انه تركها وحيدة مرة اخرى .... لكن اليست هى السبب , هى من دفعته دفعا للعودة الى حياته ... لم تكن تعلم انها من الممكن ان ..... تشتاق اليه قليلا ..... كما تفعل الآن .......
نظرت جانبها فلاحظت ورقة مطوية ..... رسالة منه مرة اخرى ... تناولتها وهى لا تعقد امالا كبيرة .......قرأتها ببطء و قلبها يخفق بسرعة
(اضطررت للذهاب للعمل باكرا ...... شكرا على ليلة من الأحلام حبيبتى )
ابتسمت ببطء ورقة ..... ها استطاعت اسعاده حقا ؟!!...... ما الذى يجده فيها ؟... هل هى حقا الوحيدة فى حياته الآن ؟.......
لم تعرف لما شعرت باحساسٍ جارح عند هذه النقطة ........ وحتى ان كانت الوحيدة الآن ..فهى مسألة وقت لن يستطيع التمسك بإخلاصه لها طويلا.....سرعان ما سيجد امراءة قوية آسرة .....تسلب عقله و حينها يقارن بينها وبين زوجته الضعيفة ذات الماضى البائس و التى لم تستطع تحقيق أى نجاح يذكر بحياتها ........
عادت بتفكيرها الى سابين وزواجها من احمد مهران ....انها تستحقه .... بل كانت تستحق ادهم ..... انها مرأة مستقلة تحمل كل ما يتمناه الرجل .... بعكسها هى .....
أغمضت عينيها متألمة ..... وهى تعود للشعوربالكره لكل حياتها ....ولكل من آلموها و قهروها ......متى ستنسى .... متى ستنسى ....
شعرت أنها تكاد تختنق فى هذه الغرفة المسجونة بها ليل نهار .... تكاد تعد الأيام الباقية على نهاية حياتها ......
قامت من مكانها ببطء عازمة على النزول للحديقة ..... حتى لو احتملت رفقة السيدة اسراء سيكون افضل من بقائها هنا اكثر من ذلك ...
اخذت حمامها و ارتدت بنطالا من الجينز و قميص طفولية قصيرة بيضاء و جمعت شعرها الرطب على هيئة ذيل حصان طويل ...
نظرت الى صورتها فى المرآة فابتسمت بحزن وهى لا ترى صورة ترقى لمستوى زوجة ادهم مهران ابدا .... نفضت رأسها من افكارها التى كادت ان تصيبها بالجنون .... تريد الهرب من ضغط زوجة ادهم مهران ..... انها الآن حلا فقط .....
نزلت على درجات السلم درجة ..درجة .. منتظرة ان تسمع صوت السيدة اسراء الصارم ... اخذت تسير ببطء ناحية الباب الضخم ...لم تشعر بها بعد .... فتحت الباب بهدوء تحاول الا تصدر صوتا ... ثم خرجت ....... ها قد نجحت و اجتازت الباب وحدها................
اخذت تستنشق الهواء الرائع ملىء رئتيها ......نزلت درجات المدخل بسرعة ثم انطلقت تمشى فى الحديقة ...... لم تدرى الا وقدماها تقودانها الى الحديقة الخلفية و التى لم تزرها الا مرة واحدة ......مشوشة بالنسبة لها , الا انها تبحث عن حوض ورودٍ رائع لايزال يداعب مخيلتها الى الآن ......سارت ببطء حتى وصلت اليه ...... ها هو...... ما اجمله , انه رائع كما رأته أول مرة .....
ذهبت اليه وانحنت لتدفن وجهها فى وردة جميلة .... تماما كأول مرة .... لم تستطع مقاومة جمالها فقطفتها لتستنشق عطرها الرائع....
(لقد قطفتى وردة من ورودى ....)
استقامت بسرعة و هى تستدير ناظرة اليه بعد ان قال جملته بحزم .....
شعرت باحراج بالغ و هى تمسك بالوردة فى يدها لا تعلم ماذا تفعل بها .....بينما ظلت مطرقة لا تستطيع الرد .........
كان مستمتعا للغاية برؤية خجلها و ارتباكها .... لم يكن يظن ان زوجة ادهم مهران من الممكن ان تحمر خجلا و توترا بهذه الدرجة الساحرة ..... يا الهى ما اجملها ... انها تبدو كطفلةٍ رائعة الجمال ....
قال لها مبتسما مقررا ان ينهى ارتباكها
(أنا امزح معك ِ ...... الحديقة كلها ملكك سيدتى ....)
ابتسمت ابتسامة صغيرة بخجل .... ثم قالت بصوتٍ خافت
(ورودك ...... رائعة )
رد عليها بصوتٍ اجش منخفض
(نعم .... رائعة للغاية )
تجرأت و رفعت نظرها اليه فوجدته يحدق بقسماتها فازداد احمرار وجهها بشدة الا انها لم تستطع الا ان تلاحظ وسامته المحببة و عيناه الصافيتين بلونٍ اخضر فاتح .... شعرت بأن نظرته ودودة للغاية ..... لا يشبه باقى العاملين هنا بالقصر ....انه غريب للغاية .... غريب لكن طريف .... تشعر بالرغبة فى الابتسام كلما رأته .....
سألته بتردد وهى لا تصدق قدرتها على ان تتكلم مع شخص غريب ...... لكن للعجب انها احبت هذا الشعور
(هل تعمل هنا منذ وقتٍ طويل ...)
اجابها مبتسما برقة
(فقط منذ عدة أشهر ...)
ابتسمت اكثر وهى تقول برقة
(اذن لم تسبقني كثيرا فى المجيء الى هنا ...)
اتسعت ابتسامته من روعة ابتسامتها و هو يقول
(نعم ... لقد جئت فى الوقت المناسب تماما ...)
لم تفهم تماما ما كان يقصده الا انها آثرت عدم الاهتمام وتشاغلت بالنظر حولها بينما هو لا يفارقها بعينيه ثم قال محاولا الا يغلق باب الحوار معها
( طالما انك ِ احببت الورود ... لماذا لا تنزلين هنا كثيرا )
ظلت صامتة مترددة فادرك انه ضايقها بسؤاله فاكمل كلامه
(لو احببت .. تستطيعين زراعة ورودك الخاصة من الآن ....)
رفعت رأسها اليه بسرعةٍ و هى تقول بلهفة ٍ طفولية
(حقا ..)
ابتسم ليبعث الثقة بداخلها وهو يقول مؤكدا
(بالتأكيد ... لقد أخبرتك ان الحديقة كلها ملكك سيدتى ..)
صمتت لحظة ثم قالت بتردد
(لا احب... كلمة سيدتى ..ابدا)
رد عليها برفق
(اذن بماذا استطيع ان اخاطبك )
قالت له بصوتٍ خافت
(انا ..حلا )
رد عليها مبتسما
( وانا ... هلال .. تشرفت بمعرفتك ...يا حلا )
أمومأت برأسها مبتسمة و هى ترد بخفوت
(و أنا أيضا .....هلال )
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت تقف بباب الغرفة كعادتها دائما تراقبه وهى تشعر بذبذبات غضبه تتردد فى ارجاء الغرفة ....آه يا حبيبى .... كيف أستطيع ان أريحك ... ماذا افعل الآن ....
اقتربت ببطء من الاريكة التى يجلس عليها و هو يستند بذراعيه على ركبتيه بينما ملامحه الشرسة متصلبة لا تعرف معنى الهوادة ..
وصلت اليه ثم جثت على ركبتيها أمامه واضعة يديها الصغيرتين على ذراعيه و هى تهمس
( الا زلت غاضبا منى ...)
شعرت بأنفاسه الملتهبة تضرب قمة رأسها بينما بدا لها و كأنه يحاول جاهدا السيطرة على غضبه ... فانهار قلبها له , لم تعهده يحاول السيطرة على غضبه منها أبدا .... لكن الآن ....
قالت محاولة الوصول الى داخل قلبه
( فارس .. انها أمى و هى تحتاجنى )
رفع رأسه بشراسة و عيناه المحتدتان تكادان ان تحرقانها و هو يقول بعنف يكاد ان يكون صراخا
( أمك ؟....أمك التى باعتك لرجلا أعمى و أنتِ لازلتِ فى الثامنةِ عشر ؟...... أمك التى لم تسأل عنكِ لمرة واحدة لمدة ثلاث سنوات كاملة ؟.......)
طعنها الألم بشدة فأغمضت عينيها لا تريد ان تبكي الآن من اهانته الغير مقصودة لها ...حاولت ان تأخذ عدة أنفاس ثم همست
( هى لاتزال .....أمى )
مد يديه بسرعة و أمسك وجهها بقوةٍ جاذبا اياه ليقترب من وجهه ثم همس أمام شفتيها
؛(اذن اذهبى للجحيم ....ولا تعودى )
لم تخف منه هذه المرة ... ليس بعد كل ما تشاركاه الأيام السابقة.....حررت وجهها منه ببطء ثم أدخلت نفسها بين ركبتيه لتحيط عنقه بذراعيها الناعمتين واضعة خدها بنعومة على ذقنه الجارحة .....وحين شعرت بتغير سرعة أنفاسه همست بأذنه
( لن اذهب للجحيم .... و لن أذهب اليها ان كنت لن تعود معى )
قال بخشونة وهو يحيط خصرها بذراعيه بتملكٍ سافر
(أنتِ تعلمين جيدا اننى لن أعود.... فمن تختارين ؟؟....)
تنهدت بعمق ثم همست
(أنت تعلم جيدا...من أختار دائما )
لم يستطع التحمل اكثر فجذبها اليه بشدة ليلتهم شفتيها بشفتيه و كأنه يريد ان يثبت تملكه لها و يثنيثها عن التفكير بأى شىء سواه ....
آآآآه.... ما اجمل استجابتها ... يكفى فقط ان يلمسها لتذوب بين ذراعيه ....آآآه يا قطعة الحلوى ما أعذبك .. و ما أحلا من مذاقك ...
الى متى يا سما .... الى متى ستظلين محرمة علي ... ولماذا اشعر انه ليس من حقى لمسك بعد .....
حاول رفع رأسه الا انها استمرت فى جذبه اليها و قد ضاعت تماما كما تضيع كل مرة .... ابتسم ببهجة تحت شفتيها و هو يشعر بلهفتها المتزايدة .....انها تماما كما يجب ان تكون وردة فى مثل عمرها ..... انطلاقها العاطفى لا حدود له .... وهذا ما يشعره بانه ما يزال حيا يتنفس ....
لكن بالطبع حين شعر ببدء فقدان سيطرته على نفسه ابعدها عنه برفق و هو يتنفس بصعوبه ثم قال بصوتٍ متحشرج
(هيا لنسبح فى البحر ..)
نظرت اليه بصمتٍ و لم تستطع ان تجيبه لعدة لحظات .....ثم اخيرا همست باحباط
(لكن ... قد يكون ماء البحر باردا قليلا الآن )
ابتسم بشرود ثم قال لها بصوتٍ مغوى
(انا سأدفئك ....)
ظلت صامتة تظر اليه .... لماذا يبتعد عنها كل مرة ... أ لايزال يتلاعب بمشاعرها ؟.... لا ... بالتاكيد لا....لكن لماذا يذيقها حبه ثم يبتعد عنها .... الازالت طفلة بالنسبة اليه ؟..... لكن مايظهره نحوها يؤكد انه لايراها طفلة ابدا ..... لكن هل يراها حقا ؟....
انه يراها بشكلٍ مختلف عنها تماما .... ولا يزال يناديها بين حين وآخر ب (ياسمينا ..) شعرت بطعنة الألم لدى تذكرها لهذا الأسم الذى لا ينطق به الا وهما فى غمرة الهوى ... لم تواتيها الجرأة لتسأله عنها .... اتكون هى حبيبته التى تركته بعد اصابته ....الايزال يتذكرها .. ويتخيلها بين ذراعيه حين يكونا ....
اغمضت عينيها لا تريد ان تخرب روعة ما يحدث بينهما .... ولن تدع ذكرى قديمة تستولى على حبها ابدا .....فارس لها ... فارس طفلها الذى لن تتركه لغيرها ابدا .....
تنهدت بعمق ثم قالت بحزم
(سأذهب لأعد نفسي ....)
كانت تشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها .. تستنشق رائحته الرجولية الرائعة .. شعرت بلمسات أصابعه على وجنتيها ...وهو يقترب بوجهه من وجهها ببطء ثم ....
2
أيقظها صوت رنين هاتفها لتفتح عينيها بحنق و هى تلعن من ايقظها من هذا الحلم الرائع .... الا أنها ما أن رأت الإسم الفذ أمامها حتى هبت جالسة فى فراشها وهى تلتقط نفسا عميقا ... ثم أجابت بصوتٍ يكاد يسحر قلوب أعتى الرجال ببحته المميزة
( نعم ...)
اجابها بصوته العميق النبرات دون مقدمات
( أمامك عشر دقائق و سأكون تحت بنايتك لأقلك معى ........)
هتفت بجذل
(عشر دقائق ؟!!!...... أنت تمزح )
رد عليها بحزم
(عشر دقائق سابين ..... ثم أصعد لآخذك كما أنتِ .....)
ضحكت بإغراء وهى تقول
( وقتها ستثير فضيحة فى العمل ........فقد أكون لا أزال ملتفة بالمنشفة )
9
شعرت بالسعادة العابثة وهى تسمع صدى أنفاسه المتحشرجة و التى وصلت سخونتها اليها عبر الهاتف .....ثم رد عليها أخيرا بصوتٍ أجش
(عشر دقائق سابين....)
ثم أغلق الخط دون أى كلمةٍ أخرى ....فقفزت سابين من فراشها فى لحظةٍ واحدة لتتسابق مع الزمن ... بينما الابتسامة العابثة الواسعة تغطى شفتيها الجميلتين .......
بعد عشر دقائق تماما سمعت رنين هاتفها لينبئها عن وصوله فالتقطتت حقيبتها و حذائها و انطلقت تجرى .......
أخذ ينظر اليها و هى قادمة نحوه وهى تقفز على قدمٍ واحده بينما تعدل حذاءها العالى الكعب فى قدمها الأخرى .....ما أجمل رشاقتها ...وقوامها ...إن ساقيها تذكرانه بساقى البيانو الموجود فى بيته...... وابتسامتها ..... ها هى تنظر اليه الآن ...و تبتسم ابتسامة قد تسحر قديس من روعتها .....
اخذ يراقبها تقترب منه بعد ان اعتدلت و هى تسير بطريقة عارضات الازياء ... بل و افضل منهن ايضا .... ليس من العدل ان تمتلك امراءة واحدة كل هذا القدر من السحر .......من حقها اذن ان تكون بكل هذا القدر من الأذى ......
كتم أفكاره حين فتحت الباب و جلست برشاقة بجواره ...... التقت عيناها بعينيه حاملة معها كل قدر الإغواء الذى تستطيعه .....ابتسمت و هى تشعر ببدء اقترابه منها فأغلقت عينيها مترقبة و هى ترفع رأسها قليلا لأعلى .......
(لقد اشتقت اليكِ جدا ......)
انطلقت هذه الجملة من خلفها فا نتفضت سابين شاهقة بصدمة فى نفس اللحظة التى قفزت فيها تالا مظهرة نفسها بعد ان كانت مختبئة .....
رمشت سابين عدة مرات تستوعب وجود تالا معه ....بينما كان احمد يراقبها مبتسما باستفزاز ثم قال اخيرا حين لم ترد سابين على تالا
(لقد اصرت تالا على تمضية اليوم كله معكِ فى العمل .... انها متحمسة للغاية )
7
لحظة ... لحظة ... ماذا ؟!!!! .... من سيمضى اليوم مع من ؟!!!.......لا.... لا .... بالـتأكيد لن يحدث .... انها لا تتحمل ان تكمل كلمتين مع اى طفل فكيف بقضاء يومٍ كامل معه .... وفى العمل أيضا ؟!!!.......
ظلت سابين صامتة تحاول التظاهر بالابتسام .... بينما هى بداخلها تغلى غضبا منه ..... انه اول يوم بعد عقد قرانهما ... كيف يفكر ؟!!!!
5
ابتسم بخبث ثم ادار وجهه لينطلق بالسيارة ....... بينما هى تتميز غيظا ....... و شوقا ......
تنهدت سما بعمق .... مغمضة عينيها ,جاثية على ركبتيها بينما تمسح برأسها على حجر ايثار والتى اخذت تمسد شعر سما بنعومة ....تنهدت سما مرة أخرى ثم همست
(لقد اشتقت اليكِ يا أمى ..... اشتقت اليكِ جدا)
6
ابتسمت ايثار بسحرٍ رائع و هى تقول بدلال
(نعم اشتقتِ الي .... و الدليل انكِ منذ عدت ِ لم تأتي لزيارتي الا الآن وبعد ان طلبت انا منكِ )
اخذت سما تطبع قبلاتٍ حانية على ركبتي ايثار ... ثم همست بحزن
( انا آسفة ..... آسفة جدا أمى ..... كانت ظروفى .....صعبة قليلا )
قالت ايثار بصوتٍ اودعت به كل حزنها
1
( كنتِ دائما اكثر بناتى عطفا علي ..... الا انكِ تغيرتي منذ ان تزوجتِ من فارس )
ارتبكت سما ثم قالت وهى تهمس بحزنٍ عميق
(انتِ تعرفين ظروف فارس يا امى ..... انه يحتاج الى كل ما يمكننى من رعاية )
ثم تابعت بهمسٍ فيه ظل عتاب خجول
(لم تهاتفيني مرة واحدة أمى ..... كنت فى امس الحاجة اليكِ ... حاولت مكالمتك لكنك ....)
صمتت و قد اختنق صوتها بدموعها التى بدأت تترقرق فى عينيها ........ قالت ايثار بصوتٍ هامس
(هل كبرتِ يا سما و اصبحتِ تحاسبيننى ....)
اغمضت سما عينيها بعد ان سقطت منهما دمعة وحيدة على وجنتها ... وهى تحاول نسيان ايام كانت تظل ليلتها ساهرة تبكي من قسوة حبيبها عليها .... من وحدتها .... من غربتها .... و كانت وقتها فقط تهفو لكلمة من أمها .. او حتى ان تسمع صوتها حتى لا تشعر بمثل ما كانت تشعر به ...... لطالما كانت سابين هى القلب الذى تلجأ اليه دائما لكنها لم تستطع ابدا ان تستفيض فى اخبارها بما يحدث لها لمعرفتها بشدة سابين و بأنها لن تسكت على ما يصيبها فتبدأ باشعال الحرب على فارس ووالده الذى كان قادرا على سحق سابين لو عارضت مخططاته .... الوحيدة التى كانت تعلم هى امها .... وكانت تنتظرها يوما بعد يوم ليرق قلبها و تأتى اليها فى منفاها البعيد لتؤنس وحدتها .... كانت بحاجة اليها بشدة ...لكنها لم تأتِ ابدا ..... وقد كسر هذا قلبها كما كسره فارس مرارا ......
3
لكنها الآن ما أن ارتمت فى حضن أمها حتى شعرت بأنها قد نسيت كل آلامها و أحزانها ....
استمرت ايثار فى مداعبة شعر سما ثم قالت بصوتٍ خافت
(ان فارس يمنعك من رؤيتى اليس كذلك ؟....)
اسرعت سما بالنفى سريعا و هى لا تعلم انها لا تستطيع الكذب ابدا ..... فابتسمت ايثار برقة وهى تقول
(هل يعلم انكِ هنا الآن ؟.......)
رمشت سما بعينيها ..كما تفعل عندما تكذب دائما ....فابتسمت ايثار اكثر وقالت
(هذا ما كنت اظنه ......)
ارتبكت سما ثم قالت وهى تنظر الى ايثار
(انه لا يقصدك انتِ شخصيا .... لكنه لا يجعلنى اختلط بالناس كثيرا )
اتسعت ابتسامة ايثار و لمعت عيناها بشدة كالنجوم و هى تهمس بشرود
(يبدو انه متعلق بكِ بشدة ....)
لم ترد سما بينما شردت هى الاخرى بعيدا .... بعيدا عند حبيبها .... هل حقا هو متعلق بها بشدة .... هل باتت مهمة لديه ام انه مجرد امتلاك ...... هل يحتاجها هى ام يحتاج رعايتها .....
ظلت عيناها الجميلتان شاردتان بعيدا وهى لا ترى الابتسامة الظافرة لايثار التى تراقبها دون ان يفوتها اى تعبير خرج من قلب سما الصغيرة ....لطالما كنتِ المفضلة لدى يا سما .... لم اشعر ناحية حلا و سابين بما اشعر به ناحيتك ..... و بالتاكيد انتِ من ستنقذنى حبيبتى .....
6
ارتفع رنين هاتف سما لتنتفض من شرودها حين طالعها اسم فارس فارتجفت بشدة و هى تعلم عمق المصيبة التى ستلقى عليها ....ابتلعت ريقها ثم ردت عليه بهمسٍ
(ن...نعم فارس ...)
صرخ فيها من الجانب الآخر
(اين انت؟.....)
ارتجفت سما بشدة و قالت متلعثمة
(أ...أنا ....ك...كنت ....)
قاطعها صوت صراخه من جديد ليهز الهاتف فى يدها بذبذباته
(انتِ عندها اليس كذلك ؟...... اجيبينى عليكِ اللعنة .... ذهبتِ دون ان آذن لكِ ....خرجتِ دون ان اعلم ....حسابك سيكون عسيرا يا سما ...)
6
كانت دموعها قد بدأت فى رسم خطوطا بيضاء على وجهها و اخذت ترتعش بشدة و هى غافلة عن ايثار التى تراقبها بصمت هازىء
2
حاولت سما الكلام وهى تهمس
( فارس لم يحدث .....)
قاطعها كالمجنون دون ان يعطيها فرصة للكلام
(اصمتى ... دقائق و اجدك امامى ...هل تفهمين ....)
هدأت سما تماما و صمتت للحظاتٍ بينما جفت عيناها تماما ثم اخذت نفسا عميق و قد بدأت تحس باحساس غريب يسري فى عروقها ليبعث سخونة فى اعصابها .... دفعتها هذه السخونة الى القول بمنتهى الهدوء
( سأبقى ... فارس )
5
ساد صمتا قاتلا فى الجهه المقابلة و لم تسمع الا انفاسا هادرة تكاد تحرق اذنيها .... ثم بعد عدة لحظات سمعت صوته يأتى منذرا بهبوب عاصفة هوجاء
( ماذا قلتِ ؟......لم أسمعك جيدا ....)
ردت بمنتهى الهدوء
(قلت اننى سأبقى فارس .... أمى تحتاجنى الآن و سأعود بعد ان انتهى من مساعدتها )
ساد نفس الصمت القاتل للحظات ثم همس فجأة
(اذا لم تأتِ حالا فلا تزعجى نفسك و تأتِ ابدا .......)
صمتت هى و صمت هو ...... بعد ان القى قنبلته و التى اصابتها فى مقتل و لم تتحدث الا انفاسهما المصدومة
1
تمكنت اخيرا من النطق همسا
( حسنا اذن .... ان كان هذا هو قرارك )
11
لم يجبها .... لم يستطع .... لم يستطع ان يصدق انها سما التى تكلمت الآن ..... مالذى حدث ؟.... كيف استطاعت ان تنطقها ... ولما الآن ؟....
سنين وهو يجرحها و يدفعها دفعا لتركه ... الا انها كانت تقاتل بشراسة لتبقى بجواره مهما فعل .....فما الذى حدث الآن ؟؟.....من اول مرة ترى فيها ايثار .... تنقلب عليه لتتخلى عنه بمنتهى البساطة ....
1
نعم ... نعم .... ما كان يخاف منه قد حدث ... وها هى سما تتسرب من بين اصابعه .... بعد ان كانت تتشبث به كأمٍ تأبى التخلي عن طفلها .....
اغلق الهاتف دون ان ينطق بكلمة ثم اغمض عينيه و هو يشعر لأول مرة بألمٍ كاسر ينهش اعماقه .... الما فاق الالم الذى شعر به حين فقد بصره ... و الذى شعر به حين فقد حبيبته .... و اى الم شعر به يوما ما
4
فالتى فقدها الان هى..... سما .....
سقط الهاتف من يد سما وهى لا تشعر بنفسها الا وقد بدأت تشهق بعذابٍ لا يمكن وصفه .... اخذت تبكي وتبكي حتى سحبتها ايثار الى احضانها الناعمة و هى تمسد شعرها .... ثم همست فى اذنها
(لا تقلقى ...سيأتى اليكِ حبيبتى ... لن يستطيع الاستغناء عنكِ ..ومن ذا الذى يستطيع تركك ؟.....سيأتى بعد ان يكون عرف قيمتك فى حياته ......وحينها.......وحينها تستطيعين املاء شروطك )
الا ان سما لم تكن تسمع شىء الا صوت بكائها بعد ان انهارت فى احضان امها
اخذت حلا تتسلل على اطراف اصابعها حتى وصلت الى السيدة اسراء و التى لم تشعر بوجودها بعد , الا حين شعرت بذراعين تلتفان حول اكتافها من الخلف و قبلة ناعمة انطبعت على وجنتها وصوت حلا الرقيق يهمس
(صباح الخير سيدة اسراء )
ابتسمت السيدة اسراء ابتسامة صارمة يتخللها بعض الحنان ثم قالت
(صباح الخير سيدتى ...)
ابتسمت حلا و هى تلف حولها لتواجهها ثم قالت بصوتها الرقيق
(لقد قلت لكِ سيدة اسراء الف مرة لا احب كلمة سيدتى هذه ابدا ......انا حلا ...حلا فقط )
عبست السيدة اسراء بعدم اقتناع و هى تقول
(هذا لا يليق ابدا سيدتى ....)
تنهدت حلا بيأس من هذه السيدة التى اختارها ادهم لحمايتها .... لا تعلم من ماذا تحديدا ... فهى الآن تشعر بأنها فى احسن حالة ...لا ينقصها شىء ابدا .... تستطيع النسيان ..... بل ستعمل جاهدة على ان تنسى......
لكن اولا يجب عليها ان تجد طريقة للتعامل مع السجن الذى فرضه عليها ادهم .... و اول اركانه هو السيدة اسراء التى تعمل على استمالتها اليها منذ عدة ايام لكن باستجابة ضئيلة جدا من السيدة اسراء التى لا تعرف التهاون ابدا ...... اذن سيكون عليها التحايل ... ابتسمت بحزنٍ بداخلها .....وهى تتذكر اياما بعيدة جدا ... جدا .... كان التحايل هو لعبتها المفضلة ..... حين كانت تتحايل على سابين و تجعلها تركض ورائها فى اروقة هذا القصر و هى تصرخ من شدة غيظها .... حتى يأتى هو ..... لينقذها من مخالب سابين المتوحشة ....كان يكلم سابين دائما بلهجةٍ جافة و هو يخبرها انها هى الاكبر سننا فيجب عليها الا تخيفها بهذا الشكل ......
تذكرت مرة حين انصرفت سابين من أمامه بغضبٍ تضرب الارض بقدميها و هى تشتم بلسانها السليط ., وما ان اختفت حتى حاولت حلا الجرى هاربة من الوحش الضخم الذى يرهبها بالرغم من دفاعه عنها دائما .... الا انها شعرت به يمسكها فجأة ليرفعها عاليا حتى اصبحت عيناها تواجه عينيه .... اصابها الرعب و اخذت تتلوى لتنزل الا انه امسكها باحكام و هو ينظر اليها عاقدا حاجبيه ثم قال بقسوةٍ
(الن تكفى عن مقالبك .....) ظلت صامته مرعوبة منه بينما تابع هو بنفس القسوة (انا اعلم انكِ عبثتِ باشيائى الخاصة امس)
لا تزال تتذكر كيف اصابها الرعب وقتها و هى تواجهه العينين الرماديتين القاسيتين ...... عادت الى لحظاتها الحالية الى نفس العينان الرماديتان التى لازالت ترهبها لكن...... لكن ..... لكنها رهبة مختلفة .....اصبحتا قادرتين على اشعال النار بداخلها لتسيل دمائها كحممٍ بركانية داخل عروقها .... احمر وجهها بشدة حين تذكرت ليلتهما السابقة معا ......
عادت الى السيدة اسراء نافضة سطوته الحديثة على عقلها ......ثم ابتسمت بسحرٍ و قالت برقة
(ماذا تفعلين سيدة اسراء؟ .....)
اجابتها بأدب
( اسجل ما نحتاج اليه , و احدد مهمات زينب و أمل وهدى لأوزعها عليهم .. بينما ارى ما لم يتم انجازه بالامس لاعيد اضافته الى اعمال اليوم ....)
كادت حلا ان تتثاءب الا انها منعت نفسها فى آخر لحظة و هى تحاول التظاهر بالاهتمام مومئة برأسها ....وحين انتهت السيدة اسراء من سردها الطويل ..... نظرت الى حلا من فوق نظارتها بتركيز ثم قالت بحزم
(انتِ لم تستمعى لأي شىء مما قلته اليس كذلك ؟.... حسنا سيدة حلا انتِ تردين قول شيئا ما فما هو ؟...)
ابتسمت حلا بدلالٍ مقصود وهى تحاول استرجاع سحرها القديم وهى تقول باحراج
(آآآ.... أريد النزول الى الحديقة قليلا ...)
أومأت السيدة اسراء برأسها وهى تقول بينما تجمع اوراقها
(حالا سيدتى ....)
قالت حلا بسرعة وهى تحاول السيطرة على نفسها
( لا داعى لأن تتركى ما بيدك سيدة اسراء .... لن يحدث ما يسيء ثانية ... أعدك ...)
لكن حين رأت علامات الرفض التى بدأت فى الظهور على وجه السيدة اسراء المتصلب قالت بسرعة و هى تجلس على الكرسي المقابل لها
( سيدة اسراء ... انا اعلم ان لديكِ ابنة متزوجة من سنى .... ماذا سيكون شعورك حين ترين ابنتك مسجونة مثلي بهذا الشكل ...)
تجهمت السيدة اسراء قليلا ثم قالت بتذمر بعد لحظات
(انتِ لستِ مسجونة .... السيد ادهم قلق عليكِ فحسب ...)
حاولت حلا الابتسام الا ان ابتسامتها جاءت مرتجفة بينما قلبها يصرخ عاليا من القلق وهى تقول بتلعثم
( هل ... اخبر...هل قال لكِ ...اى ...)
قاطعتها السيدة اسراء قبل ان تكمل
(لم يقل سوى انه يخاف عليكِ بشدة ...)
ابتسمت حلا بضعف و هى تفكر فى هذا الوحش الرقيق الذى يأبى ان يطلق سراحها .... اصبحت الآن فى الخامسة و العشرين و سيظل هو كظلها دائما .... حتى دون ان يكون موجودا ........
4
همست حلا اخيرا بضعفٍ يمس القلب
(انت لن تدعيننى اخرج وحدى ابدا اليس كذلك ؟......)
تنهدت السيدة اسراء ثم قالت باستسلام
(اسبقينى انتِ .... حتى اذهب لاحضار الافطار للسيد فارس ..و الاطمئنان عليه كما طلبت منى السيدة سما قبل ان تغادر..... فهو لم يتوقف عن ركل الجدران منذ الصباح الباكر )
ابتسمت حلا بسعادة مشرقة للمرة الاولى منذ ان عرفتها السيدة اسراء ...ثم قامت من مكانها بسرعة لتطبع قبلة ثانية على وجنتها و ابتعدت تكاد تجرى الى الحديقة بسعادة جعلت السيدة اسراء تعبس و هى تتسائل ... هل رفقتها مملة الى هذا الحد ......
2
لكن بعد لحظة من عودتها لاوراقها رفعت رأسها و هى تفكر ..... لماذا لا أشعر بالارتياح ...... اشعر ان اعصارا على وشكِ الهبوب مطيحا بالاخضر و اليابس .....وانا قلبى لم يخذلنى من قبل ابدا.........
.................................................. .................................................. ..............................................



اقتربت منه ببطءٍ و هى تكاد تضحك من منظره و هو يرقص نفس رقصته الغبية .... مغمضا عينيه واضعا السماعات باذنيه ,منعزلا عن العالم كله .... لكنها الآن وهى قربه انه لا يرقص فقط بل يغنى اغنية غربية ... بصوتٍ اقل ما يقال عنه ..... انه الصوت الاكثر نشازا من بين الاصوات ....
4
ظلت واقفة خلفه تضحك و هو يروى الجزء الذى يقف فيه بالخرطوم و هويراقصه فى نفس الوقت .... ثم فجأة دار دورة سريعة و هو لا يزال يرقص مغمضا عينيه فاغرقتها المياه الباردة جاعلة اياها تشهق بصدمة عالية من برودة الماء ....فقفزت يمينا و يسارا لتتفادى الماء وهى تصرخ به ان يتوقف الى علا صوتها عن صوت الانغام الصاخبة فى اذنيه ..ففتح عينيه و احتاج لحظة ليستوعب ما فعله ..فترك الخرطوم على الفور و ازاح السماعات عن اذنيه ... وظل واقفا امامها لحظة لا يدرى ماذا يقول .... حتى انفجرت ضاحكة فجأة و هى تمسح الماء عن عينيها ....ابتسم من ضحكتها الرائعة وظل لحظاتٍ قليلة مستمتعا بهذه الضحكة الناعمة .... ثم قال اخيرا
3
(صباح الخير يا حلا ....)
توقف عن الضحك ببطء و هى لاتزال تشهق ثم تمكنت اخيرا من القول بعبوسٍ زائف
(صباح الخير يا هلال .... على فكرة انت احمق !!)
اتسعت ابتسامته ثم قال بسعادة
( انا اعتذر حقا ... لم اشعر بوجودك )
ابتسمت برقة تذيب القلب ثم قالت بهدوء
(هلال ... اردت ان اخبرك بشىء منذ فترة طويلة ............ انت ترقص بشكلٍ فاشل )
ضحك بخفة وهو يقول (اعلم هذا ..... انا لست اعد نفسي لمسابقة رقص )
قالت تبتسم (اذن لماذا ترقص ؟......)
اجابها بهدوء (لاننى احب ذلك ....)
قالت حلا (وهل تفعل كل ما تحب دون ان تهتم باحد ؟.......)
اجابها بخفة (ولما اهتم باى احد ؟......المهم ان افعل ما يرضيني )
1
خفضت عينيها تشعر بقرب دموعٍ آ تيه من اعماقها ... الا انها هزت رأسها قليلا و هى تهمس بداخلها ....سأنسى ...سأنسى ... حياتى رائعة و مكتملة ..... سأنسى ....سأنسى
راقبها وهو يشعر بتصارع غريبٍ للانفعالت على وجهها البرىء الذى لا يخفى شيئا مما بداخلها .....و لا يدرى لماذا يشعر بشعورٍ غريب يتملكه ... يريد ان يستحثها لتصرخ .... فقط ان تصرخ بصوتٍ عالى ....يشعر انها ستكون بخير ان فعلت هذا ...... لا يعلم لما يخبره احساسه بهذا ......
2
ظل ينظر الى شعرها الطويل المتطاير حولها بهمجية متناثرا فى كل مكان ...... يا الهى ما اجمله انه يلمع كالذهب رائحته الناعمة تصل الى انفه لتداعب قلبه .....
قال لها فجاة دون مقدمات (ماهو لون عينيكِ حقا ؟.....عسليتان ام خضراوان)
4
ارتفعت عينيها المتسعتين بدهشة اليه و هى لا تعلم ان كان من المناسب ان يسال مثل هذا السؤال ..... الا انها شعرت بداخلها انه يبدو شخصا لطيفا لا ضرر منه .....ظلت صامتة مترددة ... فقال هو بعد لحظات
5
(انهما مزيجٍ غريب بين اللونين ... لكن يتغير تمازجهما بتغير ما تشعرين به )
ظلت تنظر اليه فاغرة فمها قليلا .. ثم رمشت بعينيها و هى تقول محاولة تغيير مجرى الحديث بينما هى ترتجف قليلا
( لقد اخبرتني ان بامكانى زراعة ورودي الخاصة ....)
لمعت عينيه لحظة ثم قال (بالتاكيد تستطيعين ........ لكن اولا اذهبي لتغيير ملابسك المبتلة ....لا نريد ان تصابي بنوبة رئوية )
نظرت الى نفسها فذعرت من منظر ملابسها الملتصقة بها فاستدارت بسرعة لتجري و هى تقول
( لحظاتٍ و اعود لن اتاخر ....)
و انطلقت عائدة الى القصر و هى تتسابق مع الوقت لتعود الى حوض الورود الذى يكون لها فيه وردة باسمها قريبا ....
كانت تنزل درجات السلم بسرعة لتعود الى الحديقة بعد ان بدلت ملابسها .... لكنها اصطدمت بالسيدة اسراء فى طريقها ....فحاولت الكلام الا ان السيدة اسراء سبقتها الى الكلام وملامح القلق تبدو عليها
(السيد فارس .... فى حالة فظيعة لقد حطم كل ما بغرفته ...انه يبدوعلى وشكِ ارتكاب عملا متهورا ....)
لم تكد تكمل كلامها حتى وصلت الى اسماعهما صوت لعناتٍ و صراخ ... رفعت حلا و السيدة اسراء انظارهما الى اعلى السلم ليجدا فارس يحاول نزول السلم وهو فى حالة من الهمجية و الوحشية مما جعل منظره مرعبا بملابسه المشعثة و لحيته النامية اكثر من المعتاد و عيناه الحمراوان المتسعتان بوحشية تطل منهما ... نزل عدة درجاتٍ بتعثر فسارعت السيدة اسراء الى الصعود مرة اخرى حتى وصلت اليه لتحاول مساعدته الا انه دفعها حتى اوشكت على الوقوع ..... بينما هو يصرخ
( سأذهب لآتى بها ..... حتى لو اضطررت لأن اجرها من شعرها )
1
تمكن من نزول درجات السلم مرورا بحلا التى ما ان اقترب منها و هو بحالته الشرسة حتى صرخت مبتعدة عن طريقه دون ان تحاول مساعدته ....
لكنها استطاعت القفز جريا الى غرفتها لتتناول هاتفها و طلبت ادهم باصابعٍ ترتجف و ما ان اجابها حتى استطاعت بالكاد النطق ببعض الكلمات المتعثرة و هى ترتجف بشدة من الرعب الذى حاق بها منذ لحظات و تحاول فى نفس الوقت التقاط انفاسها بصعوبة و هى تشعر بالدوار يحيط بها و يجمع سحابة سوداء على ادراكها .....لكنها استطاعت سماع صوته الصارم و هو يتخلل الضباب المحيط بها ..
( حلا .... حلا ....استمعى الي جيدا .. حاولى اخذ نفسا عميق حالا ... لا داعى للذعر حبيبتى ... انا تحركت منذ ان تكلمتِ لحظات و سأكون عندك .... فقط خذى نفسا عميقا ببطء ....و لاتتحركى من مكانك ...ابقى مكانك يا حلا هل تسمعيننى حبيبتى ...)
ظلت ترتجف بشدة و هى تهمس بغير وعى
(سيقتلها... ستقفز من النافذة ... لو ...)
1
وصل اليها صوت ادهم و قد بدأ يعلو محاولا اقتحام الحواجز التى تبنيها بسرعة على حواف ادراكها
( حلا ... لا تخافى حبيبتى انا هاتفت حارس المدخل الآن و سيمنعه من الخروج الى اى مكان ..... خذى نفسا آخر و ابقي معى على الخط حتى اصل اليكم ...)
استمرت المكالمة بينهما ... من طرف ادهم فقط الذى اخذ يبعث اليها بكل الكلمات المهدئة التى تعلمها يوما .... اطمئن قليلا الى ان صوت انفاسها اخذ يهدأ تدريجيا بالرغم من انها لم تتكلم ... المهم الا تقوم بعملٍ متهور ...اللعنة يا فارس متى ستتعقل ...حتى الاطفال لا يتصرفون مثلك ....
وصل ادهم الى بوابة القصر ....لكنه لم يرى اى مما توقعه من قتالٍ بين فارس و حارس المدخل ... بل كان الهدوء المقلق يسود المكان ...ما ان دخل بسيارته حتى استقبله الحارس ... فسأله ادهم عن فارس ... اشار الحارس برأسه بعلامة ذات مغزى الى باب القصر فوجد ادهم فارس جالسا على السلالم الرخامية للمدخل بينما اغرق رأسه بين كفيه ...... فما كان من ادهم الا ان دخل بسرعة وهو يعيد الهاتف الى اذنه و يقول بهدوء
(لقد وصلت يا حلا .... فارس لا يزال هنا و لقد هدأ تماما ... اغلقى الخط الآن حبيبتى ... دقائق فقط و أكون عندك ....)
لم يغلق حتى سمع صوت تنهد ناعم من حلا ثم سمع همستها اخيرا
( الحمد لله ..اخيرا)
2
بالرغم من كل قلقة على فارس و كل الضغوط التى يعانيها ... الا ان همستها كانت لها تأثيرها عليه اشد من تأثير كل كلام الغرام الذى سمعه يوما ... ولم يشعر ان ظل ابتسامة ظهرت على شفتيه .....
وصل الى فارس ... الذى لم يرفع رأسه ... فجلس ادهم بجواره على السلالم و ناداه بهدوء ... الا ان فارس لم يرد و لم يرفع رأسه .. فمد ادهم يده ليربت على كتف فارس و هو يناديه مرة اخرى .... ظل فارس صامتا عدة لحظات ثم قال اخيرا بصوتٍ مهزوم
( لم استطع الوصول الى بوابة القصر يا أدهم ..... ظللت ادور و ادور و لم استطع الوصول اليها ....)
23
شعر ادهم بتمزق قلبه و لم يستطع الرد على فارس و هو يراه بمثل هذا الانكسار .... لحظاتٍ وصرخ فارس فجأة
(لما ستبقى معى ؟......اخبرنى يا ادهم ما الذى سيجعلها تبقى معى... )
رد عليه ادهم بصوتٍ هادىء واثق
( ستبقى لأنها تحبك ....)
ارتسم الألم بكل صوره على وجه فارس الذى اغمض عينيه ... ثم قال بعذاب
( تحب رجلا ... ظلت طوال معرفتها به تقوده من مكان لآخر ......)
قال له ادهم بعنف ( لا تكن اعمى يا فارس .... الا تستطيع ان ترى حبها لك ... ان كنت لا تراه فانت فعلا اعمى ...)
2
ظل فارس صامتا يحاول تصديق ما يراه الجميع و يشعر به فى داخله ..... لكن ان كانت تحبه فلما ليست هنا الآن بجانبه ....قال اخيرا لأدهم بعنف
1
( لقد اختارت البقاء مع ايثار يا ادهم ..... من أول مرة تذهب اليها .. اختارت البقاء معها ...الحقيرة التى لم تأتى مرة لزيارتها )
اقشعر جسد ادهم و نبض الغضب برأسه حين سمع الاسم الملعون .... الاسم الذى دمر حبيبته شر تدمير لا يعلم كيف يصلحه الى الآن
قال له ادهم يصرخ بصوتٍ خافت حتى لا يفقد اعصابه
( وهل ستتركها لها .... هل ستتركها يا فارس ... اياك ... هل تسمعنى ... اياك ان تقع فى نفس الخطأ الذى وقعت انا به حين تركت حلا ..... هل ترى كيف اصبحت حلا .... هل تتخيل ما الذى ممكن ان تفعله بسما ... والتى ستكون املها الوحيد الآن فستفعل كل ما فى وسعها لتستطيع السيطرة عليها ....)
2
صمت ادهم قليلا يحاول التقاط انفاسه بعد الغضب الاعمى الذى اطاح بعقله ... ثم قال بهدوءٍ صارم
( لقد قامت سما برعايتك طوال الفترة السابقة يا فارس ..... لقد آن الآوان لأن ترعاها انت الآن ... )
1
هدر فارس و قد انتقل غضب ادهم و خوفه اليه على سما الصغيرة
( هذا ما كنت انويه يا دهم ... كنت اريد الذهاب لآتى بها .... ولو بالقوة ...)
تنهد ادهم بنفاذ صبر وهو يقول حانقا
( لا تكن احمقا .... الا تتعلم ابدا ....سما لن تأتى بالقوة ابدا ....تغلب على ايثار يا فارس .. لا عطها الفرصة ابدا ...)
2
ظل فارس صامتا للحظات ثم قال اخيرا بتصميم
( ادهم هل تقلنى اليها ؟....)
ابتسم ادهم برفق وهو يقول
( بالتاكيد ... لن ندع سما لها ولو لليلة واحدة ....)
صمت لحظة وهو ينظر لاعلى ثم قال
( سأصعد لأطمئن على حلا قبلا .... لقد اثرت رعبها .... فارس سأحطم اسنانك لو اخفت حلا مرة اخرى ....)
1
ابتسم فارس شبح ابتسامة و هو يقول
( ومن الذى يجرؤ على الاقتراب من زوجة وحش آل مهران .....)
ابتسم ادهم و هو يصعد بسرعة الى حبيبته ... وهو يفكر .. فليفكر اى احد من الاقتراب من زوجة الوحش لينتهى عمره .......
رن جرس الباب فى شقة سابين ... فذهبت سما بتعب الى الباب و هى تتسائل ان كانت سابين قد نسيت مفتاحها .... لكن ما ان فتحت الباب حتى تسمرت مكانها و فتحت عينيها المتورمتين من شدة البكاء و نسي قلبها ان يخفق عدة مرات و هى ترى عشقها الوحيد وسبب عذابها واقفا امامها شامخا كفارسٍ مغوار اتى ليخطفها على حصانه ... ما هذه الابتسامة التى تغمر وجهه ... هل جاء ليجرحها ... هل جاء ليلقي الكلمة القاتلة ليغتالها بها بعد مافعلته صباحا ....هل جاء ل.... كيف جاء اصلا ؟.... قاطع صوته الهامس الحازم افكارها اللاهثة و هو يقول
(ياسمينااا.....)
اصابها الاسم فى مقتل ليعيد تمزيق جروحها فصرخت و هى غير قادرة على التحمل اكثر
(انا لست ياسمينا يا فارس .... انا سما ... اسمى سماااا ... اذهب الى ياسمينتك.. هى ليست هنا )
انفجرت فى البكاء بعد انفجارها المجنون و الذى جعل عينيه تتسعان بدهشة من كلماتها المجنونة ثم تلمعان بشدة بينما انفاسه تتسابق للخروج من صدره فهمس اخيرا
( لكن انتِ هنا يا سما .... وانا لن اذهب بدونك ....)
توقفت عن البكاء تماما وهى ترى العزم على وجهه بينما عيناه تلمعان بشدة .. لكنها ابت ان تستسلم فقالت بهمس
( لكن انا مصممة على المجىء لمساعدة امى .....)
لم ينفعل لدهشتها و لم يظهر على وجهه اى تعبير حتى قال بهدوء
( لن امنعك عنها ... ستأتين لمساعدتها .... طالما ستعودين معى فى النهاية ...)
لم تصدق ما تسمعه ... ما الذى حدث له منذ الصباح الى الآن ... الا انها لم تستغرق سوى لحظة واحدة لتفكر فى الامر ثم قالت اخيرا
( دوما سأعود معك يا فارس .....)
تحرك الى الامام فى خطوة واحدة الى داخل الشقة دافعا سما للخلف بينما اغلق الباب خلفه ... ثم فى اللحظة التالية جذبها اليه مودعا كل انفعال هذا اليوم المجنون فى قبلته التى سحق بها شفتيها ......بينما طوق خصرها بذراعيه الحديديتين ليرفعها اليه قليلا ....... ارتفعت ذراعيها تلقائيا لتحاوطا عنقه بلهفة وهى تجاوب قبلته العنيفة بقبلاتها الناعمة حت كاد ان يفقد صوابه .....
(انا آسفة ..... انا آسفة ....) اخذت تهمسها بين شفتيه مرة بعد مرة حتى تأوه و هو يشدد من ضمها اليه ثم همس على بشرتها الناعمة
(هيا يا سما الآن حالا .... اريد ان اكون معكِ وحدنا ....)
(ما اجمل هذا .....) انطلقت هذه الجملة من خلفهما بصوتٍ مبحوح جعل ذراعى فارس تتصلبان حول سما فى حين تشنجت عضلاته وهو يرفع رأسه عن سما ببطء........
احمر وجه سما بشدة و حاولت التملص من بين ذراعى فارس الا انه كان كالقيد الحديدي حولها فأبى تركها مما ضاعف من احمرار وجهها فحاولت على قدر ما استطاعت ان تبتعد قليلا ثم قالت
( امى لقد جاء فارس ليأخذنى معه الآن ... لكننى سآتى اليكِ باستمرار )
قالت ايثار بصوتها الخافت الساحر
( اذن فقد رضى فارس عنى اخيرا ........رائع حبيبتى )
قال فارس لسما بهدوء محاولا عدم الانفعال
( اذهبى و جهزى نفسك يا سما لقد تأخرنا على ادهم هو ينتظرنا فى السيارة )
قالت سما بعد ان تركها فارس وهى قلقة من الجو المتوتر حولها
( فقط لحظة ... لن اتأخر ...)
وما ان اختفت حتى قالت ايثار بصوتها المخادع
(لقد مر وقت طويل منذ رأيتك آخر مرة يا فارس ....)
قال لها بسخرية ٍ حاقدة
(منذ يوم زواجنا انا و سما ....... كما لم تري سما من وقتها )
ردت عليه بهدوءٍ قاتل
( كنت مطمئنة من انها تحت رعايتك .....)
لم يفته تشديدها ال خفى على كلمة رعايتك .....الا ان ملامح وجهه المتصلبه لم تظهر اى شيء من حقده الدفين نحوها ثم قال اخيرا بهدوءٍ يماثل هدوءها
( على العموم ... سوف تجديننى امامك باستمرار .... فانا وسما لا نفترق طويلا ....)
ابتسمت ايثار ثم همست ( ان هذا يسعدنى بالتأكيد ......)
جاء صوت سما وهى تكاد تجرى من شدة لهفتها للعودة مع فارس ( انا جاهزة ..... )
مد فارس ذراعه فاتجهت سما اليه بتلقائية لتتعلق به و هى تقبل امها ثم ينطلقان معا ...... تاركين خلفهما عينين زرقاوين داكنتين تشتعلان نارا .....
اغمضت سابين عينيها و هى تحاول السيطرة على حنقها الشديد بينما تنقر بظهر قلمها على سطح مكتبها محاولة التركيز على الاوراق امامها .... الا ان صرخة اخرى من تالا جعلتها تزفر بغضب ثم قالت بحدة
( تالا .... كفى لا استطيع التركيز ابدا )
ضحكت تالا بمرح ثم قالت
(الن تكفى عن هذا العمل الممل ....لن يغضب منكِ ابي ...هو اراد منكِ ان تجالسيننى , قال ان هذا سيكون عملك الاهم ...)
رفعت سابين رأسها تحاول ان تستوعب ما سمعته ... ثم قامت من مكانها ببطء و اتجهت الكرسي المقابل لمكتبها و جلست امام تالا لتسألها ببطءٍ خادع
( اعيدي الي ماذا قال والدك ؟........)
قالت تالا ببراءة وهى تؤرجح ساقيها بسعادة
(قال ان هدفك الاول سيكون الاعتناء بي ........ولن يشغلك عملك عنى ابدا ....)
لم تتغير تعابير وجه سابين و لم ترمش حتى بعينيها ثم حاولت استدراج تالا اكثر وهى تقول
( وماذا قال والدك عنى غير ذلك ؟..........)
ابتسمت تالا بخبث و ترددت مماجعل اعصاب سابين تحترق اكثر ... ثم قالت تالا
( حين قلت له انكِ تبدين ..... اقصد انكِ لستِ كصورة امى ....)
استحثتها سابين اكثر بابتسامة تسحر اى طفل
( ماذا قال تالا ؟........ سيكون هذا سرنا الخاص )
اتسعت ابتسامة تالا بسعادة و قد وقعت فى الفخ بسهولة فقالت
(قال ...انه ليست هناك من هى مثل امى ابدا .....)
رجعت سابين الى ظهر الكرسي ببطء بينما شعرت فجاة ببركانا من الغضب طاف فى اعماقها ... مالذى يحدث لها ؟..... كيف ان كلمة ساذجة من طفلة سخيفة تقلب كيانها الى هذا الحد ..... انها كلمة طبيعية منه لطفلة يتيمة نسيت امها ..... لكن لماذا هذه النيران المشتعلة فى اعماقها .....هل حقا هذا ما يراه ....
قالت سابين بنعومة ( اخبريني يا تالا هل أمك جميلة ؟........)
ردت عليها تالا بحماس ( انها رائعة الجمال .........)
شعرت سابين بالتحفز اكثر و اكثر ..... ثم قالت مرة اخرى و هى غير قادرة على التوقف
(و هل والدك ........)
( ماذا به والد تالا ؟.............)
انبعث هذا الصوت العميق الذى اعتاد ان يرسل الذبذبات الى اعماقها من باب مكتبها ..... راقبته سابين و هى ترفع حاجبها الايسر قليلا من منظره الضخم الرائع و هو يدخل الى المكتب كبطلٍ من الابطال بينما عيناه تجريان عليها بشغفٍ اثارها فى الحال
وصل اليهما بينما قفزت تالا لتتعلق به ....ثم قالت سابين بصوتٍ كصوت القطط الناعمة
؛(لقد وصلت اخيرا .....)
ابتسم احمد بخبث و هو ينظر اليها بشغف ثم قال
(هل تأخرت عليكما ......)
ردت سابين بابتسامة ساحرة زائفة وهى تهمس
( لا ....ابدا .... فقط اليوم كله تقريبا .....)
اجابها احمد و هو ينظر الى تالا المشعة من السعادة و المرح
( هل سببت تالا لكِ اى ازعاج ؟........)
نظرت تالا الى سابين منتظرة اجابتها .... بينما ظلت سابين صامتة عدة لحظات ثم اجابت
( لم يكن هناك ازعاج على الاطلاق ...... فهذا هدفى الاول ....)
نظر احمد الى تالا بعتابٍ مازح ثم قال اليها
(حسنا ايتها الواشية الصغيرة ....... يمكنك النزول للعب فى قسمك المفضل حتى نأتى و نصطحبك ....)
انطلقت تالا تجرى الى الباب و هى تلوح لسابين قائلة ( لا تتأخرا .....)
لوحت سابين الى تالا بصمت ثم قامت من مكانها لتعود الى كرسي مكتبها وتقول بعملية
( امامك القليل من الوقت لتنجز اعمال اليوم معي .....)
عبس احمد و هولا يزال مبتسما ثم سار حتى وصل الي سابين التى تتظاهر بتجميع اوراق العمل بينما كل اعصابها تلتهب من وجود هذا الكائن المفرط فى الرجولة و الذى يطل عليها من علو .... ثم لم يلبث ان انحنى عليها و همس فى اذنها
( يبدو ان الجميلة غاضبة مني .....)
لم يظهر اى انفعال على وجه سابين وهى ترد عليه ببرود
(ولما اغضب سيد احمد ......)
ضحك احمد ضحكة مغوية تغلغلت الى اعماقها لتقلبها رأسا على عقب ثم استقام و هو يقول
( حسنا آنسة سابين احضرى الاوراق و تعالي الى مكتبي ........)
ثم سار مبتعدا الى مكتبه وما ان اختفى حتى ابتسمت سابين ابتسامة ساحرة بينما قلبها ينتفض ثم سارعت الى لملمت بعض الأوراق دون ان تأخذ حاسبها .... فالعمل ليس فى تفكيرها حاليا ......وهما بالتاكيد لن يضيعا وقتهما فى شىء ممل مثل العمل .....
سارت الى مكتبه و دخلت بهدوء لتراه جالسا على كرسيه ..... شعرت باحساسٍ غريبٍ عليها من حنان لم تشعر به سوى تجاه شخص واحد فى حياتها و هى تراه يسند رأسه الى كفيه و قد بان عليه التعب ......
سارت بهدوء هى تعلم انه يسمع نغمة كعبي حذائيها العاليين .... التفت حول مكتبه ووضعت الأوراق عليه بلا مبالاة .... ثم دارت حول كرسيه لتصبح خلفه وهى تضع يديها على كتفيه و تبدأ فى تدليكهما ..... شعرت في البداية بعضلاته تتشنج تحت اصابعها ثم استرخى تماما وهو يتأوه بصوتٍ خافت ..... ظلت دقائق طويلة تمسد عضلات كتفيه و تصعد اصابعها الى عنقه .......بينما شعرت بأن صوت انفاسه بدأ يعلو قليلا مما جعلها تبتسم .......الا ان الابتسامة لم تلبث الا ان اختفت و حلت محلها الصدمة حين سمعت سؤاله الفظ دون حتى ان يرفع رأسه
( هل كنت ِ تفعلين ذلك مع مازن ؟.......)
تركت اصابعها اكاتفه فى لحظة ٍ و كأن نارا احرقتها بينما تصاعد الغضب فى داخلها كالاعصار .......ثم لم تلبث ان ابتعدت تنوي الخروج الا انه لم يسمح لها سوى بالتحرك خطوة واحدة قبل ان يرفع رأسه و يمد يديه الحديديتين ليمسك بها من خصرها و يجذبها الى حجره رغم مقاومتها الواهية
صرخت سابين به وهى تتلوى (اتركني احمد ......)
رد عليها بصرامة وهو يحكم امساكها (ليس قبل ن تجيبينني .....)
كفت عن المقاومة و هى تنظر اليه بشراسة ثم قالت بعنفٍ كنمرة ( لقد اتفقنا الا نذكر اسم مازن بيننا ابدا ......)
رد عليها بنفس الشراسة وهو يشدد على خصرها بيديه ( اجيبيني سابين ......)
اخذا يتنفسان بسرعةٍ كمصارعان فى الحلبة و عيناهما لا تحيدان عن بعضهما البعض .... ثم قالت سابين اخيرا
(وهل ستصدقني ........)
اجابها بكل ثقة ( نعم سأصدقك ......) اصابتها كلمته البسيطة فى الاعماق فهى تقريبا لم تسمعها من غيره قبلا .....
ردت عليه بعد عدة لحظات بمنتهى الوضوح ( لم يلمسني مازن يوما و لم المسه انا ايضا ......)
ظل ينظر الى اعماق عينيها دون ان يظهر عليه انه سمعها .... ارادت ان تعيد ما قالته الا انه لم يمهلها فمد يده و سحب نظارتها من على عينيها ليرميها على سطح مكتبه بإهمال .....ثم يمد نفس اليد ليجذبها من ذقنها اليه و يلتهم شفتيها بشفتيه .......غابت عنهما الدنيا .... وغاب عنهما مازن كأنه اصبح شخصا وهميا ......
نزلت اصابعه بعد عدة لحظات من الجنون الى عنقها تلامسه برقة ثم تابعت نزولها .... وما ان شعرت به يحاول العبث بأول ازرار قميصها حتى ابعدته بسرعة و هى تلهث .....ثم قالت بصوتٍ مرتجف
( لقد نسينا اين نحن .........)
رد عليها بصوتٍ عميق بينما صدره يعلو و يهبط ( لقد انسيتني نفسي......)
ابتسمت برقةٍ بينما تشعر بداخلها بأعاصير السعادة .... احمد مهران بنفسه يطلق هذه الجملة ... شعرت فى هذه اللحظة بأنها مدت يدها و استطاعت لمس نجوم السماء ..........
.................................................. .................................................. ............................
كانت خرافية ..... اسطورة .... اسطورة اغريقية قديمة ..... ساحرة خرجت من كتب الاساطير ... لم يكن هناك عروسا وجدت اكثر منها جمالا وسحرا .... خطفت اليها الأنظار و سبت القلوب بروعتها ....و تعالى الهمس من حولهما و هو يراقصها و هى بفستان زفافها .......كان المكان مظلما نوعا ما ... لا يضيئه الا انوارا ضعيفة اظهرت روعة العروسان وهما يرقصان على انغامٍ ناعمة
همس و فمه يلامس اذنها ؛( لا أصدق اننى امسك شيئا بهذه الروعة بين ذراعي .......)
رفعت نفسها لتلامس فكه الصلبة بأنفها و هى تستنشق رائحه التى اسكرتها.......بينما اخذ هو يضمها اليه اكثر غير مبالي بنظرات مئات المدعوين فى هذا الزفاف الأسطوري ....
بعد لحظاتٍ لا تعلم ان كانت طويلة ام قصيرة شعرت به يتصلب بين ذراعيها و هو يرفع رأسه و ينظر خلفها .... لكن قبل ان تستدير سمعته يقول بصوتٍ اجش ...
(اذن فقد تمكنتِ من الحضور ؟..........)
التفتت سابين تنظر خلفها لترى امرأة مهيبة ... وقورة تبدو عليها العظمة وآثار جمالا قديم ابى ان يفارقها .......ثم سمعتها تجيب بصوتٍ مهيبٍ خلاب تتذبذب فيه رقةٍ تأسر الروح
( لم اكن لافوت زفاف ابني الوحيد ......)
صدمت سابين تماما حين وجدت نفسها امام والدة احمد مهران و عمة ادهم وفارس .... كان هناك لهذه السيدة روعة خفية تجعل من يقف امامها يفقد القدرة على النطق او التحرك فى محرابها .......ثم همست السيدة المذهلة
( كما اننى كنت اتحرق شوقا لرؤية عروسك الجميلة ......)
اقتربت اكثر من سابين .... ثم مدت اصابعها لتتلمس وجه سابين بنعومة ٍ افقدتها القدرة على النطق و هى ترى ملامح السيدة المأسورة بها .......و التى همست اخيرا
(قال الجميع انكِ نسخة من أمك ....... الا اننى الآن ارى صلابة والدك تنبعث من داخل عينيكِ ......)
اتسعت عينا سابين و هى تهمس (أبي.......)
بينما لم ترى الملامح الشيطانية لأحمد من خلفها ...............................
كان اليوم منذ الصباح الباكر , يوما مشحونا متوترا لدى الجميع .... بل قد يكون يوما لمثار فضول و احاديث البلدة لها .... فاليوم زفاف احمد مهران من امراءة شديدة الجمال تدعى سابين الراشد ... لمن لا يعرفها ....
الجميع ينتظر حفلة الزفاف الأسطورية فى المساء ..... حفلا تم الاعداد له بمعجزة خلال ايام معدودة .... فستان زفاف تم طلبه من الخارج ليأتى للعروس على جناح السرعة ..... الوردود و الطعام تم توصيلهم صباحا من الخارج ايضا .....
الجميع على احر من الجمر يتنظرون حلول المساء لحضور هذا الحلم ... . من لا يعرفها يتسائل من هى وهل هى على هذا القدر من الجمال الذى يحكى عنها ..... ومن يعرفها يمط شفتيه ليتسائل كيف استطاعت ان تسقطه بهذه السرعة و السهولة وهى التى لا تحمل نفس الاصل و النسب .... مجرد موظفة فى مجموعته حتى وان كانت تملك سلطة اكبر من حجمها فى المجموعة فمهما كان ستظل موظفة و من عائلة الراشد .....
ومن يعرف انها ابنة ايثار الراشد تحديدا ...... يصدم صدمة عمره من قدرة الابنة على الايقاع بالمارد بعد ان اوقعت امها بالامبراطور .....و من يعرفهم جيد ... لا يندهش كثيرا ... فهذه هى الحلقة الناقصة فى سلسلة وقوع رجال مهران فى فخ ثلاث فتيات ... هن بنات زوجة الامبراطور .....
مشاعر مختلفة لدى قلوبٍ عديدة من اثارة... فضول..... غيرة ....و قد تكون حقد..... الان المشاعر الايجابية التى تحمل فرحا صادقا قد تكون منعدمة ..... اللهم الا صغيرة جميلة اسمها سما .... وطفلة لا تختلف عنها كثيرا اسمها تالا .......
و هذا الصباح....... فى قصر آل مهران كانت المشاعر المشحونة على أشدها ............
............. .................................................. ..................................
( لا أريد الذهاب يا ادهم ..... أرجوك )
خرج صوتها الرقيق يحمل نعومة ٍ محتالة.......تجعل قلبه يشتعل نارا وتثير فيه همجية الرجل البدائى الذى يرغب فى الانقضاض عليها و التهامها كلها دفعة واحدة ........
نظر اليها و هى مستلقية على صدره كقطةٍ بيضاء ناعمة ....... ما اجمل الاستيقاظ وهى بين ذراعيه ......لقد اغرقها ليلة امس فى بحر مشاعره الهوجاء مرارا ..... حتى خاف عليها اخيرا و قرر تركها ....
منذ ان استسلم لها و استسلمت له تلك الليلة و هو لا يكتفى منها ابدا ...... اصبحت تجري فى عروقه و تتداخل مع انفاسه ....الا ان هناك فى داخله همسا يطل برأسه القبيح ليسأله ان كان ما يفعله صحيحا او ان استسلامها المطلق له طبيعي .....
شعور من تأنيب الضمير يمزقه .... فهو ينهل من نبع السعادة معها...... او بالاصح منها , و يؤجل الأمر المحتوم الى ان يشبع منها ... الا ان الظاهر امامه انه لن يشبع منها ابدا .... فالى متى سيؤجل علاجها ........
لو كان الأمر يقتصر على كوبيسها ليلا .... وعلى الذعر الذى ينتابها فى الكثير من المواقف المخيفة بالنسبة اليها ..... لكان حاول ان يخدع نفسه ......
الا ان ما يقلقه هو انها أحيانا كثيرة تنسى بعض التفاصيل من الانهيارات التى تصيبها ..... احيانا اخرى تهذى بكلمة ٍ او بأخرى دون ان تدري .... كحين اتصلت به و هى فى حالة ذعر من غضب فارس ..... اعتقدت ان سما ستقفز من النافذة حين تواجهه غضبه ......لكن حين ذكرها بما قالته , انكرت تماما .......
لكم هو خائف عليها .... يذهب الى عمله كل يوم تاركا روحه بجانبها تحرسها من أشباحها ....... هل من الممكن ان تؤذى نفسها ؟...
لا يظهر عليها ذلك , فهى تبدو و كأنها تحاول استجماع قطع حياتها المكسورة تحاول جاهدة ان تعود لإشراقها القديم .... تحاول رسم ابتسامة ترميم على شفتيها باستمرار ....... تحاول ان تسعده .....آآآآآه ولكم تسعده .... لا .... انها تلقيه فى فوهة بركانٍ من البهجة و السعادة ...... لو مات من نوبة قلبية قريبا , فستكون هى السبب بالتأكيد ......
عاد يتطلع اليها مبتسما و هو يقول بحزمٍ يداخله الضعف من دلالها الماكر عليه
( بل سنذهب يا حلا ...... لن يكون من اللائق ابدا الا نحضر زفاف احمد مهران )
اخذت حلا نفسا عميق و هى تحاول عدم الاستسلام
( اذهب انت ...... فلست انا من يهم وجودى )
زفر ادهم و هو يقول بحزمٍ اكثر
( اخبرتك اكثر من مرة يا حلا بما يتوجب عليكِ كزوجة ادهم مهران ......لقد آن الأوان لتتحملى المسؤلية )
انقبض قلبها و هى ترى الطرق تغلق امامها .... لن تستطيع ... لن تستطيع مواجهة هذا الجمع الضخم من البشر .... لن تستطيع و لاتريد .... لحظاتٍ وقالت مرة واحدة بصوتٍ متشنج عالى وصارم
(لن أذهب و هذا قراري النهائي ...)
نظر اليها بدهشةٍ وهو لا يصدق نبرتها التى خاطبته بها ..... يمكن للمرة الأولى , صمت قليلا و هو يشعر بانفعالين متناقضين احدهما الغيظ منها ومن جدالها فى امورٍ غير مقبولة على الإطلاق و الغضب من لهجتها الحادة التى لا يجرؤ احد على مخاطبته بها ...... وشعورٍ خفىٍ آخر نبع فى داخله فجأة بالسعادة من فورة الشجاعة المفاجئة التى واتتها لتواجهه بهذه النبرة ..... ......
كتم الشعور الثانى بداخله و قال بلهجةٍ حاول ان يودعها بعض الحسم
( لا تخاطبينني بهذه اللهجة يا حلا .........)
زمت شفتيها و هى تعبس كالأطفال بينما شعر بقلبها يضرب بشدة تحت يده كأرنبٍ مذعور ......لم يستطع مقاومة حلاوتها و هى عابسةٍ ترفض النظر اليه ..... فانكب عليها فجأة بقبلةٍ جائعةٍ متوحشة قبل حتى ان تستطيع اخذ نفسا قبلها .... ظل يقبلها و هو يحرك شفتيه فوق شفتيها يمينا و يسارا حتى كادت ان تختنق بين ذراعيه فدفعته بضعف لتحاول التقاط انفاسها ......
تركها على مضض ليتنفس هو الآخر بصعوبة بينما استغلت هى الفرصة لتقفز من الفراش بسرعة و تلتقط روبها وترتدية تحت انظاره العابثة حتى جرت الى الحمام و اغلقت الباب خلفها .....الا ان بعد لحظةٍ واحدة سمعته من خلف الباب يقول بلهو
( لا تتأخرى حلاى ....اريد ان ..... اهمس لكِ بشيءٍ سري )
ابتسمت بخجل و هى غير قادرة على التنفس بشكل طبيعي بعد...
سمعت صوته الذى يزداد عبثا يقولبعد فترةٍ ليست بطويلة
( افتحى الباب يا حلا و الا فلا تلومى الا نفسك .......)
ضحكت ضحكة صغيرة خائفة قليلا وهى تعض على شفتها السفلى متخيلة بماذا يريد ان يهمس لها ..... اخيرا سمعته يقول بصوتٍ بان فيه الجفاء
( حسنا ..... انا خارج ابقي انتِ كما تشائين )
ثم سمعت وقع اقدامه الغاضبة و هى تبتعد .... شعرت ان قلبها سقط بين قدميها .... لقد غضب مني... وسيذهب ....
فتحت الباب ببطء وخرجت و هى تشعر باحباط فظيع .... كانت تحاول ان تمزح معه فقط ....لكنها صرخت بشدة حين شعرت بذراعٍ حديدية تلتف حول خصرها و ترفعها لأعلى و صوته القوى يهمس فى أذنها
(اهدئى حبيبتى .... انه انا )
اخذت تتنفس بسرعة محاولة السيطرة على ضربات قلبها بينما اخذ هو يقبلها اسفل اذنها برقة ٍ حتى هدأت تماما و استسلمت له وهو يهدهدها بين ذراعيه ثم لم لبث ان ادارها لتواجهه و رفعها مرة أخرى بين ذراعيه لتصبح عينيها المشعتين تواجهه عينيه ظل صامتا عدة لحظات ينظر فى عمق عينيها بينما هى تبدو كالمنومة مغناطيسيا .... الى ان قال لها أخيرا
(هل تثقين بي ؟.....)
أومأت برأسها بصمت .... فابتسم و السعادة ترفرف بداخله من هذه الايمائة الغالية عليه ثم قال بثقة
( اذن سنذهب معا ... و سنواجهه العالم كله )
همست بصوتٍ مرتجف و هى مطرقة ٍ برأسها
( لم اواجه احد منذ ما يقارب العامين ...... ان تعرف احدا علي الآن س .......)
قاطعها بحزم و هو يقول (لن يجرؤ احد على مس شعرة منكِ حبيبتي )
اقتربت بوجهها منه ببطء ثم اخذت تلامس ذقنه النامية بشفتيها الناعمتين ثم همست بإغواء تحاول اتقانه
(ولما لا نبقى نحن الاثنين ......هنا وحدنا )
تأوه وهويضحك ضحكة صغيرة ...... مدركا ابعاد لعبتها و التى تحاول ان تلعبها هذه الايام كثيرا حين تريد شيئا ..... وهو ببساطة يريد الوقوع فى خداعها اللذيذ لأبعد الحدود ..... بطيب خاطر وهو مفتوح العينين .... الا انه قاوم نفسه و هو يأخذ نفسا عميقا ثم يقول
( بل سنذهب ..... زوجة ادهم مهران لا يجب ان يخيفها اى شيء فى هذه الدنيا ..... وحتى ان لم اكن على قيد الحياه اريد ان تعدينني ان تظلى دائما ......)
انمحت باقي كلماته تحت صدمة شفتين ناعمتين انفرجتا برقةٍ على شفتيه ......... لكن قبل ان يذوب بها تماما سمعها تهمس بعذاب متوتر
(سأذهب .... طالما لن تتركنى )
همس بوحشية و هو يعتصرها اكثر بين ذراعيه ( ابدا .... ابدا يا حلا ...طالما فى صدري نفسا يتردد)
ثم همس بعنفٍ لها بعد لحظات من الشوق العاصف بينهما وهو يضع ذراعه تحت ركبتيها و يرفعها ليتجه بها الى الفراش
( و الآن اخبريني ...... ماالذى كنتِ تنوين فعله ان بقينا هنا هذه الليلة )
تعلقت بعنقه وهي تعبس بشقاوة ثم تقول
( هذا غش .....نحن لن نبقى )
مال بوجهه عليها بينما يده تعبث بربطة روبها ثم يقول بلهو
(كان يجب ان تفكري مرتين قبل ان تعبثي مع الوحش ......)
ثم لم يعد هناك مكانا لأي كلام بينهما ..........
.................................................. .................................................. ...........................
وفى غرفة اخرى من غرف القصرتعالى هتافا حانقا نافذ الصبر
(لن أذهب ..... لا أريد الذهاب لأكون التسلية الجديدة لهذا الوسط )
اقربت سما ببطء من خلف هذا الطفل الصعب المراس و هو ينظر من النافذة عاقدا حاجبيه زاما شفتيه بحنق .... فمدت ذراعيها لتحيط خصره و تسند خدها الى ظهره تتنهد بيأس ثم همست برقة
( وهل سأهون عليك يا فارس لتتركني اذهب بمفردي ؟........)
اخذ يهز ساقه بعصبية و هو يعانى من صراعا بداخله ثم قال بعصبية
( لا تذهبي .... ابقي معي )
رفعت سما رأسها بسرعة وهتفت بجزع
( لا يا فارس ارجوك ..... انها سابين ... انه زفاف سابين , انا احترق لرؤيتها بفستان الزفاف .... )
وحين لم يرد زادت من ضم خصره اليها و هى تهتف
( ارجوك يا فارس ..... ارجوك ....ارجووووووووك )
لم ترى وهى خلفه ابتسامته الحانية التى لا تظهر الا نادرا ...... ثم قال بصوتٍ اجش
( الن تخجلى من مرافقة رجلا اعمى الى حفلا كهذا .........)
ادارته اليها و هى تنظر اليه بدهشة ثم قالت بقسوة
( اخجل منك ؟!!! انت فارس مهران ..... اياك ان تنسى هذا ابدا ... انا لن اسمح لك بأن تنسى حتى و ان اردت انت ......)
ظل ينظر اليها و صوتها ينفذ الى اعماقه ليفجر ذكرى قديمة لفتاةٍ اعطاها قلبه و البسها خاتمه ...... كان صوتها حين سمعه لآخر مرةٍ يهمس بخجلٍ ( انا آسفة يا فارس ..... انا آسفة حقا .... لا استطيع مواجهه مجتمعي بزوجٍ اقل من المستوى الذى رسموه لي ....انا لست بهذه القوة ..... لكن سأظل احبك دائما ...) ثم شعر وقتها بأصابعها تلمس يده وتفتحها لتسقط فيها شيئا معدنيا باردا عرف انه خاتمه ....
و كان يظن ان قلبه تحطم وقتها ...... الا انه عندما ظن ان سما تركته و اختارت ايثار .....عرف حينها معنى الموت حيا ....صغيرته ..ملكه ... لن يتركها ابدا .....
مد يده الى وجهها الناعم و اخذ يتحسسه برفق ليرى الملامح التى حفظها بيده آلاف المرات.... ما اجملها .... الصغيرة المقاتلة ....
قال اخيرا و ظل ابتسامة يلوح لى شفتيه
( ماذا ستدرتدين ؟...............)
نظرت اليه فاغرة فمها دهشة من استسلامه السريع ... و لحظة واحدة ثم استطالت لتتعلق بعنقه شاهقة و هى تقفز من السعادة بينما هو يضحك بخفة شاعرا ان كل مايحمله من هموم ٍ قد القى من على ظهره و لو مؤقتا .......
.................................................. .................................................. ..................................
؛( لا اصدق هذا ...... لا استطيع تصديق انك تمكنت من اقناعي باصطحابك معي!!!!.......)
نظر اليها فارس ببراءة و هو يقول
( وما العيب فى ان يصطحب زوج زوجته لشراء فستان ..... الا يحق لى ان ابدي رأيي ؟.......)
نظرت اليه عابسة ثم تطلعت حولها لترى ان كان هناك من يراقبهما ...... ثم قالت هامسة بغضب
( بهذه الطريقة ؟!!!!....... فارس ما تفعله غير لائق على الاطلاق .......)
ابتسم بخبث و هو يمرر يديه على طول جسدها ليستطيع رؤية الثوب الحريري الذى ترتديه .... الا انه اضطر ان يعيد ما يفعله للمرة الثالثة نظرا لأن الثوب هو آخر ما يفكر به ...... ماهذا القوام ؟.... متى كبرت بهذه الطريقة المتفجرة ؟...... هل يراها الجميع بهذه الأنوثة المتفجرة الا هو ...... شعر بالنار تشتعل فى اعماقه من كل عين نظرت اليها قبله .......كبت شعوره الخانق بداخله حتى لا يظهر على وجهه فيخرب فرحتها ......
لقد آن الأوان ..... لم يعد يطيق الإنتظار اكثر .... الليلة .... الليلة سيجعل منها زوجته , وما المانع فى ذلك ؟ .... انها تبدي نحوه استجابة تذيب الحجر ..... من الذى يستطيع مقاومة هذه المهرة الجامحة..........
لقد قضي الأمر و ستصبح ياسمينا ملكه الليلة ...... انها فى حالة عاطفية متوهجة بسبب زفاف سابين وهذا سيخدم هدفه ..... اخرجه من تفكيره صوتها الهامس و المختلط بضحكة خفية غاضبة و هى تقول
( يا الهى لن اتعجب ان طردونا من المتجر الآن ......... لقد نظرت الينا سيدة رفيعة المستوى باشمئزاز للتو يا فارس )
اجابها بسرور ( دعكِ منها ...... انسيتي انك ِ مع فارس مهران .... استطيع جعل صاحبة المكان تطرد جميع الموجودين ..... وتغلق علينا المتجر ...... لأجعلك تقيسين كل ثوب موجود هنا )
احمر وجهها بشدة و هى تقول ؛( كفى عبثا يا فارس ..... لم اكن يوما بمثل هذه الصفاقة )
تظاهر بالتفكير لحظة ثم قال مبتسما بمكر
( استطيع تذكر بعض المناسبات كنتِ فيها اكثر صفاقة بكثير ........)
اصبح وجهها الآن بلون الكرز و هى تعلم تماما اي المواقف يقصد ..... المخادع ....... تذكرت حين اقنعها بتغيير ثوب السباحة امامه .... كيف كانت بمثل هذا الغباء ففعلت ما طلب ..... فما ان انتهت من خلعه بصعوبة وتعثر تحت انظاره التى لا ترحم و المصوبة تجاهها بدقة السهم , حتى رأته برعبٍ يقترب منها ببطء و عينيه كعينا دبٍ مفترس ..... وقفت لحظة ذاهلة ثم صرخت
( لم انتهى فارس عد الى مكانك ..... )
الا انه لم يعد بل ظل يقترب منها دون ان تختفى الابتسامة المفترسة من على شفتيه ..... تمكنت لحظتها من الجرى يمينا تبتعد عنه الا انه غير اتجاهه يلحق بها ..... فصرخت مرة اخرى ( فارس توقف هذا ليس مضحكا ......)
فضحك بعبثٍ و هو يتجه نحوها محددا اتجاهها بكل دقة ....... فجرت الى ناحية اخرى و هى تصرخ ( فارس .... لقد وثقت بك )
اجابها ضاحكا ( اذن فهى غلطتك ..... كيف تثقين فى رجل يرى امامه .....)
لم يكمل كلامه ... بل اندفع مرة واحدة ليعتقلها بين ذراعيه وهو يضع يده تحت ركبتيها و يرفعها اليه مقبلا اياها بشغفٍ قاتل و هو يدور بها ..... يدور و يدور وقبلاته لا تتوقف ..... حتى ظنت انها فى دوامة وسط بحرٍ هائج ........ و هى التى كانت تظن انها فشلت فى اغواءه ......
لكن كالعادة تركها و هو يلهث مبتعدا عنها و هو يخبرها انه سينتظرها فى الخارج ........ بعد ان كادت تذوب به تماما ......
عادت من افكارها لتنظر اليه بغضبٍ يخالطه الاحباط ...... الى متى سيظل يتلاعب بها و يعطيها دروسا فى الحب غير مكتملة .....
ابعدت يديه عنها بحزمٍ وهى تقول بعد ان عاد اليها الاحباط ( توقف يا فارس...... لقد احرجتنى للغاية )
ابتعد عنها حين لاحظ تغير مزاجها ..... و هو يشعر تماما بمثل ما تشعر به , بل لا يقارن به اصلا .... لكن صبرا ياسمينا فالليلة ستكونين انتِ العروس صغيرتي .... ابتعد اكثر عند هذه النقطة حتى لا يفقد اعصابه هنا فى هذا المكان ........
قال اخيرا بصوتٍ اجش من العاطفة ( يبدو انكِ قد اخترتى الثوب اخيرا ......)
قالت عابسة ( لم اختره انا فهذا هو الوحيد الذى لم تبدي اعتراضك عليه ......)
سألها و هو يبدو مهتما ( صفيه لي ......)
قالت له ( اطمئن فكما تكفلت بنفسك و تأكدت .... هوحريري طويلا يصل الى الأرض لكن اكمامه شفافة قليلا تصل المرفقين و عليها تطريز رقيق .... هو ضيق حتى الوركين ثم يتسع اتساعا بسيطا الى اسفل .....)
سألها بهمس اضعفها ( ما لونه ؟............)
قالت له برقة و الابتسامة بدأت فى الظهور مرة اخرى على شفتيها من اهتمامه الجدى هذه المرة
( انه مزيج بين الذهبي و الوردي ........ لون رائع لم أره من قبل )
قال بهمسٍ حزين مزق قلبها ( لابد انكِ تبدين كالحلم ...........)
اقتربت منه و هى تحاوط عنقه بذراعيها وتهمس فى اذنه
( اذا كنت حلما فستستطيع و قتها ان ترانى ..........)
ضمها اليه مسندا ذقنه على رأسها يتنشق عطرها الناعم بينما تبدو هى بضغطها على صدره كالضماضة على جروحه الأزلية ........
.................................................. .................................................. .........................................
نظرت سابين الى صورتها فى المرآه .....لم تتخيل فستان زفاف ابدا بمثل هذه الروعه من قبل ...... لم يطرأ على بالها فستان زفاف ابدا ..... حتى مع مازن لم تتخيل نفسها ترتديه ابدا .......
لكنها حين تنظر اليه الآن تشعر انه صنع خصيصا لترتديه هى ........ كان فستان ملكة بحق ....
كان محكما تماما على نصفها العلوى و قد غطته الماسات اللامعة تماما حتى بات كالثريا من شدة لمعانه بينما ينزل من اسفل خصرها بقليل ليلتف قماشه الحريري حول وركيها باحكام ثم يتسع فى طبقاتٍ تظهر كل واحدة منها خلف الأخرى حتى تنتهى بالطبقة الأخيرة و التى يصل اتساعها الى درجة ان تغطى دائرة من الأرض حولها تتسع لشخصين معها ........بينما تم التوصية فى وقتٍ قياسي على سترة قصيرة تصل الى اسفل الكتفين فقط لتغطى الاكتاف المكشوفة للفستان بناءا على رغبة العريس الغيور للغاية ......
ابتسمت سابين و تتذكر صوته الصارم حين سألها ان كان فستانا يظهر منها اي شيء ...... ضحكت وقتها و هى تفكر بداخلها انه شخصا غريب يعيش فى عالم أغرب لم تعرفه من قبل ..... الا انه و ياللغرابة يشعرها بأنوثتها اكثر من اى عالم عاشته من قبل ......
تشعر انه يريد ان يخفيها عن اعين الناس التى تلتهمها ........ ابتسمت بعبث و هى تعاود النظر الى صورتها و تفكر ...... لا مانع لديها ابدا فى ان يخفيها عن اعين الناس فلنقل الشهر القادم على الأقل ............
الا انه بعدها عليه ان يتعلم العيش مع نظرات الناس اليها فهى ستعود الى حياتها الطبيعية المستقلة و عليه ان يتقبل ذلك ....... لكن بعد ان تكون قد اشبعت شوقها و جوعها اليه .......... فى شهر العسل الذى يعد سرا حربيا الى الآن يرفض البوح به ...........
قاطع رنين هاتفها افكارها فالتقطته من على طاولة الزينة لترى الاسم المثير يضيء ليضىء اعصابها معه , اشارت الى الفتاة التى تهتم بزينة وجهها ان تنتظر قليلا ......ثم ردت عليه باغوائها المعتاد هامسة
( ماذا تريد الآن ؟...... الا تعلم اننا نسابق الزمن )
رد الصوت العميق عليها
(اشتقت اليكِ ..... المكتب كان مظلما اليوم )
ارتفع حاجبيها بصدمة وهى تقول
(هل ذهبت الى العمل اليوم ؟........)
ساد الصمت بينهما عدة لحظات ليقول أخيرا بتملق
(كان لابد ان اذهب لأنهى آخر شيء ممكن ان يعطلني في شهر عسلنا .......)
احمر وجهها و هى تشعر بسخونة فى خديها من الصور المتلاحقة فى رأسها ........لتهمس أخيرا
( لن اسمح بأى شيء يشغلك عنى ......سأكون انا فلكك الذى تدور به الشهر المقبل )
ساد الصمت مرة أخرى محرقا اعصابها لتسمع صوته يأتى اليها بارد و هو يردد كلماتها
( ستكونين فلكى الذى ادور به الشهر المقبل .........)
صمتت وهى تتنهد بصمتٍ ثم قالت بعد لحظة بصوتٍ ساحر
( دعنى الآن لأنتهى ...... و سأراك قريبا )
همس بصوتٍ أجش ( بالتاكيد سترينني قريبا .... قريبا جدا )
اغلقت الهاتف و هى تعض على شفتها من الاثارة ...... هل يمكن ان تكون الحياة اجمل من هذا ....
بينما العريس كان واقفا هو الآخر ينظر الى نفسه فى المرآة لكن بوجهٍ متجهم و عينين قاسيتين ...... كم شخصا سيدمر فى طريقه ؟..... لم يبالى بأي احد .... الا صغيرته تالا التى تبدو وكأنها تعلقت بسابين لدرجةٍ مقلقة .....لم يكن يتصور ان تحبها تالا ابدا .... ماهذا السحر فيكي يا سابين اليس هناك شخصا على وجه الأرض لا تسبينه بسحرك .......
ارتفع رنين هاتفه لينظر اليه و هولا يزال بيده فقطب جبينه حين نظر الى الاسم ...... رد بهدوء بعد ان اخذ نفسا عميقا
(كيف حالك أمى ......)
وصله الصوت الناعم الذى عشقه من صغره
( كيف حالك حبيبي .....هل لازلت عند قرارك ؟)
زفر بغضب ثم قال و هويحاول السيطرة على صوته
(أمى انا الآن ارتدى بدلة العرس ........ باقي وقتٍ معدود على حفل الزفاف )
سمع تنهدها المرتجف ثم صوتها الحزين و هى تقول
(فكر قليلا يا احمد .... ليس من العدل ان تحاسبها هى على مافعلت انا فى الماضى .......)
قاطعها احمد بحزمٍ وهو لا يريد الاستماع لأى شيءٍ من الماضى المؤذى
( أمى انا لن احاسب احدا ...... انا اتزوج الم تكن هذه هى امنيتك منذ ان رحلت .......)
لم يستطع نطق اسم حبيبته الغالية فشعر بغصةٍ فى حلقه تمنعه الكلام ...........
تكلمت أمه بصوتٍ تخالطه الدموع الصامته و هى تشعر بحزنه المتجدد والذى لم يندمل بعد .......
( انا الآن فى طريقي اليك حبيبي ........اتمنى ان استطيع الوصول قبل انتهاء الحفل )
اخذ احمد نفسا عميقا و هو يشعر بحلول كارثه لدى حضور أمه الى الحفل الا انه لا يستطيع منعها .......فليحدث ما يحدث .......
23

You'll also like
مقيد بأكاذيبها by HadeerNourelden220
مقيد بأكاذيبها
9.4M
301K
حياتها بائسة...فالعيون الجائعة تترصدها بكل مكان فتجعلها تعيش الجحيم في كل لحظة من لحظات يومها البائس ..ظلت تقاوم و تحارب بطرقها الخاصة كما اعتادت منذ صغرها..الى ان اتى ا...
كبرياء عاشقة by HadeerNourelden220
كبرياء عاشقة
6.7M
32.4K
اجبرها والدها علي ان تعيش حياتها متنكرة في هيئة الرجال وعندما رفضت حياتها تلك و سعت للخلاص منها والتشبث بانوثتها ... استنجدت بمن تحب فرفضها وسخر منها وخذلها لتشعر بعالم...
شفاه مخملية by zhralsalami
شفاه مخملية
17.3M
954K
واگف گدامي وعيونه يتطاير منهه شرار وكلهن حقد وغيض، گلب شعره الاسود الكثيف اليزيده جمال وجاذبيه وضحك بأستهزاء، گال بنبرة صوت ماكرة - انتي ياهو يگلبچ؟ هو انه وگوة دبسوچ بي...
Obsessed and The ballerina by Amira_aj_
Obsessed and The ballerina
10.3M
478K
راقصة باليه هاوية للرسم ، و رجل مافيا ..أليس هذا متناقض !! بالفعل إنهما كذلك .. "انتِ ترسمين بفِرشاتك ،وانا أرسم بسلاحي ، انتِ ترقصين على أطراف أصابعك وانا أرقص على...
وردة الفهد  by SollSooo
وردة الفهد
6.3M
120K
هو أدم المنشاوي ملك الاقتصاد لقبه الفهد لشده ذكائه قاسي مغرور الكل يحسب له الف حساب وسيم جدا ذات شعر اسود كسواد الليل و عيون كعيون الفهد كل النساء تتمني نظره منه هي ورد...
(واااااااو ...... لا اصدق هذا , عفوا سيدتى الجميلة , لكنك تشبهين فتاة صغيرة حملتها و عمرها عامان اسمها سما ..... الا انك سيدتى تبدين كملكة من ملكات الجمال ..... فلا يعقل ان تكونى انتِ سما الصغيرة يبدو اننى اخطأت ......)
ضحكت سما بخجل من غزل ادهم الرقيق لها وهم يقفون فى مدخل القصر مستعدين للتوجه الى حفلة الزفاف ثم قالت باحراج
( هل ابدو جميلة حقا يا ادهم ...... لا تمزح )
قال لها ادهم بدهشة ضاحكا ( الم تنظري الى نفسك فى المرآة سيدتى الجميلة ؟....... ستحطمين ثقة كل المدعوات الليلة ... وقد يغطى جمالك على جمال سابين ..... لكن احذري من مخالبها )
اخذت سما تضحك و هى تتصور منظر سابين ان سمعت كلام ادهم .......
( الن نكف عن هذا العبث ....... انا اصلا اقنعت نفسي بالكاد ان اذهب ..... لاجد نفسي وافقا استمع الى احاديثٍ سخيفة )
انطلق صوت فارس متجهم حانق كطفلٍ مدلل يريد احد اخذ لعبته منه ..... فابتسم ادهم بخبث و هو يغمز بعينه الى سما التى احمرت خجلا ..... لكن حين استدار ليلتقط يد حلا فوجىء بها تنظر اليه عابسة هى الاخرى وهى تميل برأسها قليلا كأنها لا تصدق ما سمعته فارتفع حاجبيه من ردة فعلها الغريبة التى تبديها للمرة الأولى لكنه رفض ان يصدق املا زائفا انطلق بداخله ..........
مد يده ليأخذ يدها بين يديه و يرفعها الى شفتيه يقبلها بنهم و هو يكلم سما دون ان يرفع عينه عن عيني حلا
( لكن اعذريني سما ..... فحلا الليلة فاقتكما جمالا بلا منازع ......)
ضحكت سما بسرور و هى تقول ( لا مانع عندي على الاطلاق ...... لطالما كانت حلا الأحلى كما كان يقول الجميع سابقا .....)
استمر ادهم فى النظر الى حلا و هو يقول بهدوءٍ صلب
( كان هذا سابقا ...... فليجرؤ احد على قول هذا الآن عنها .... لتكون آخر حياته )
ابتسمت حلا قليلا و هى تخفض عينيها بينما احمر وجهها بشدة ...... تطلع ادهم اليها بشغف و هو يراجع نفسه فى الذهاب بها و هى على هذا الشكل الرائع ...... فقد كانت ترتدى ثوبا كثوب الأميرات بلون السماء الشاحبة الزرقة ....خصره مرتفعا الى اسفل صدرها بشريطٍ حريري ثم يهبط مسترسلا هفهافا الى كاحليها يتطاير حول ساقيها بنعومة كلما تحركت ..... بينما تركت شعرها الطويل مسترسلا براقا بنعومة على ظهرها بعد ان رفعت بعض خصل من جانبي وجهها بمشبكين ماسيين اضاءا و جهها .......
اقترب منها ببطء و هو يرفع شالها الذى سقط عن كتفيها بنعومة ....ليعيده مكانه ثم ابقى يديه على كتفيها و هو يقول بصوتٍ منخفض ( احرصي ان يظل هذا مكانه و الا ساجعلك ترتدين سترتي طوال الحفل .....)
اومأت برأسها بكل أدب ووداعة مما جعله يرغب فى اكلها دفعة واحدة ...... تنحنح يجلي حلقه ثم قال بهدوء
( هيا حتى لا نتأخر .........)
ثم امسك يدها الصغيرة و التى كانت باردة كالثلج و هى ترتجف .... فقبضت بأصابعها على يده تتشبث بها و هى غير قادرة على التحرك من مكانها و قد تصلبت ساقيها فنظر ادهم الى و جهها و همس فى اذنها دون ان يسمعه فارس و سما
( الا تثقين بي ...... لن اتركك لحظة واحدة )
أومأت على مضض بينما قلبها يرتجف من الخوف و الذى ظهر جليا بعينيها ثم مدت يدها الأخرى لتتعلق بذراعه ..... ثم يتجهون جميعا الى السيارة ...... فى رهبةٍ لا يعلم احد سببها ......
.................................................. .................................................. ...................................
كان ادهم يراقص حلا تحت الأضواء الخافته و هى مستندة برأسها على كتفه ... مغمضة عينيها تحاول ايهام نفسها بأنهما معا فى القصر ..... وحدهما ....لا يراقبهما هذا الجمع الغفير من البشر بينما ادهم يتمايل معها مسندا ذقنه على قمة رأسها و هو يفكر فى هذه السعادة التى اهدت له دون ان يدري ............
وكذلك سما كانت متعلقة بعنق فارس الذى بدا و كأنه يحترق من شوقه لإنتهاء هذه الليلة ليحمل عروسه بعيدا ... بعيدا جدا.......لتصبح له بعد عذاب السنوات السابقة .....قاطع تفكيره صوت سما المشع و هى تهمس بأذنه فجأة
( ما اجملها يا فارس ..... لن تستطيع ان تتخيل مدى روعة سابين فى فستان الزفاف .....و الحفل ايضا ... الورود و الشموع ....كل شيء رائعا يا فارس ..... عروسا كسابين تستحق كل هذا )
شعر و كأن احدا قد غرز خنجرا مسموما بصدره فجأة ..... انسحبت ذاكرته الى الصوت الطفولى الذى ابدى موافقته على عقد القران منذ ثلاث سنوات فى مكتب والده لينسحب بعدها خارجا تاركا الجميع خلفه بمن فيهم الزوجة الطفلة التى سميت باسمه للتو .....
ولاول مرة منذ سنواتٍ عديدة حدثت معجزة ان تبللت عينيه بدمعةٍ لم تسقط منها ابدا و لم يشعر بها غيره ...... همس لها بصوتٍ مختنق
(صفى لي شكل سابين .....)
نظرت اليه بدهشة تتعجب من نبرة الألم فى صوته و من اهتمامه المفاجىء بسابين .... لكنها اخذت تصفها له بصوتها الناعم الذى ينافس فى نعومته نعومة الأنغام التى يتمايلان عليها .........
كان ادهم يتحدث الى احد رجال الاعمال بينما تقف حلا بجواره صامتة متعلقة بيده لا تتركها ابدا و هى تعد اللحظات ليعودا الى القصر .... ملجأها الآمن .......
فجأة شعر بمخالبٍ كمخالب قطةٍ صغيرة تتشبث بكفه حتى جرحتها من شدة ضغطها عليه .... فنظر بسرعةٍ اليها فهاله شحوب و جهها الذى بدا كالقطن الأبيض و هى تنظر مرعوبة أمامها ......
فنظر تلقائيا الى ما ارعبها الى هذا الحد فوجد رجلا يقف فى زاوية بعيدة من القاعة و هو ينظر اليها ايضا لكنه ادار وجهه بسرعة ما ان لمح نظرات ادهم المتوحشة اليه ...... لحظاتٍ قليلة بعدها و كان اسم هذا الرجل لديه ....... فالتقط هاتفه فى غفلةٍ وحيدة من حلا و هو يقول لمحدثه ( الاسم الذى سأمليه عليك ..... اريد عنه كل المعلومات الممكنة , و فى اسرع وقت )........
ثم اخذ يبحث عن حلا بسرعة فهاله الا يجدها فى اي مكان اخذ يدور فى القاعة بهياج يبحث عنها حتى وجد فارس يقف وحيدا فاتجه اليه على الفور و سأله عن حلا فاخبره فارس بقلق انها منذ لحظات اخبرت سما بشعورها بغثيان فذهبت سما معها على الفور الى حمام السيدات .......
تركه ادهم حتى قبل ان يكمل كلامه و هو يسرع الخطى الى حمام السيدات ففتح الباب دون استئذان و دخل يبحث عنها و هو يسمع الصرخات المستاءة من السيدات دون ان يبالي بها , حتى وصل الى الحجرة الصغيرة المفتوحة فى النهاية حيث تقف سما مرعوبة وهى تحاول مساعدة حلا الجاثية على ركبتيها و هى تتقيأ فى المرحاض امامها بشكلٍ افزع الموجودات اقترب ادهم منها بسرعة و جلس القرفصاء بجانبها و هو يضعط على ظهرها مبعدا شعرها عن وجهها برفق بيده الأخرى .......
بينما اخذت سما تعتذر للسيدات عن وجود ادهم نظرا لحالةٍ طارئة ..............و بعد لحظات كان ادهم يوقف حلا على قدميها و يغسل لها و جهها و هى لا تتوقف عن الارتجاف ..... وما ان انتهى ادهم حتى اخذها بين ذراعيه و هو يهمس بأذنها ( لقد تكفلت بكل شىء .... لا تخافى ).........
اغمضت حلا عينيها وهى تدفن وجهها بصره , لا تريد ان تنفصل عنه ابدا ........ الماضى ... الماضى ... سيظل يلاحقها الى ان تموت .... لن تجد منه مهربا ابدا ......
خرج ادهم من حجرة السيدات و هو ممسكا بحلا التى تحاول جاهدة السيطرة على نفسها و هى تحاول الا تنظر حولها حتى لا تجده أمامها ......
همس ادهم فى اذنها ( هيا لننصرف يا حلا ......)
ظلت صامتة عدة لحظات ثم قالت بارتجاف
( لقد وعدتك يا أدهم ....... و سأبقى )
لم يصدق تلك القوة التى تحاول التمسك بها ...... فامسك وجهها بين كفيه يرفعه اليه وهو ينظر فى عمق عينيها المعذبتين قائلا
(الم اخبركِ قبلا كم انتِ رائعة ....... وكم انا فخور بكِ )
ابتسمت قليلا و هى تنظر الى وحش آل مهران .... وحشها المغوار ....وهى تتسائل متى سيتركها , هى و كل ماضيها بكل سواده .....
وصلت سما اليهما و هى تحتضن حلا بشدة و تقول
( الحمد لله انك بخير يا حلا ..... لقد ارتعبت )
ابتسمت حلا و هى تربت على شعر سما قائلة بضعف
( لا تخافي سما ...... هذه المواقف تحدث لي كثيرا )
دمعت عينا سما و هى تشدد من احتضان حلا التى بدت مثالا للعذاب و الألم ........وصلت اليهما اصوات الموسيقى الناعمة لتخرجهم من جوهم الحزين فانتهز ادهم الفرصة ليقول مبتسما
( اعذرينا الآن يا سما .....سآخذ هذه الجميلة لأرقص معها )
لكن حلا قالت بضعف ( لن استطيع الآن يا ادهم حقا .......)
لكن قبل ان يرد عليها سمع سما تسأله ( ادهم من هذه السيدة التى تحدث سابين ؟.........)
التفت ادهم لينظر الى احمد وسابين .....و السيدة التى تقف معهما فقال بدهشة وهو غير مصدق ( عمتى ؟!!......)
لينبعث صوتي سما و حلا فى وقتٍ واحد هاتفتين بدهشة اكبر ( أمى ؟!!.......)
.................................................. .................................................. ........................................
همست سابين تسأل السيدة الجميلة الواقفة امامها ...... والدة زوجها ....تلك الهالة الناعمة البيضاء التى تجلت أمامها فجأة كالملكة الأم
( هل قابلتِ أبي قبلا ؟...........)
بان حزنا دفينا فى اعماق عينيها الرماديتين الحانيتين والتى شردتا بعيدا .... بعيدا عنها و عن احمد الذى كادت نظراته ان تقتلهما معا الا ان سابين لم تكن تنظر اليه ..... كانت تنظر الى والدته مبهورة و التى تبدو و كأنها فتنتها........... تماما كما فتنت هى تالا الصغيرة.....
لكن قبل ان تسمع جوابها سمعت صوتا مبحوحا ساحرا بنعومة الافاعي جعل جسمها يقشعر غضبا يقول
(بالتاكيد قابلته حبيبتي ........ فهى كانت السبب فى ترك والدك لنا و الذهاب للموت فى احضانها )
اغمضت سابين عينيها من هول ماقالته تلك المرأة التى لن تتوقف عن اذيتها ابدا .... لكن ان تتجرأ و تأتى الى زفافها لتهين والدة احمد امامه بأكاذيبها الفجة ..... لقد اتت لتفسد زفافها و قد تأكد لها هذا حين سمعت صوت احمد يقول من خلفها بنبرة خافته جعلت الدماء تتجمد فى عروقها
؛( ان لم تحترمى من هم أعلى منكِ شأنا , فمن الافضل ان تغادري حالا ....... و الا فلا تلومي غير نفسك )
التفتت والدة احمد ببطء دون ان تهتز منها شعرة واحدة لتقابل بعينيها الرماديتين الصافيتين , عينا ايثار ذات اللهب الازرق الحاقد .....
ثم قالت بكل هدوء ووقار ( لن تتغيري ابدا ايثار ..... ستظل روحك الحاقدة تحرقك الى ان تقضي عليكِ فى النهاية )
قالت ايثار بهمسها الأجش ( تماما كما قضيتِ انتى على والد بناتى .......)
اندفع احمد هادرا بغضب صاعق ( هذا يكفي .... اخرجي من هنا حالا ......)
كاد ان يمسك بذراعها ليلقي بها خارجا .... الا ان سابين تشبثت به بقوة ٍ تقول ( ارجوك يا احمد لا اريدها ان تخرج بهذه الطريقة .........)
نظرة احمد اليها ارعبتها و سمرتها مكانها .... لكن من يلومه فايثار الليلة لم تكن لتفعل احقر من هذا ابدا ......لكنها بالرغم من ذلك تتكلم بثقةٍ و كأنها تحكي الحقيقة ....... ما الذي يحدث هنا ......شعرت سابين بالدوار من هذا الكابوس الذى تعيشه خاصة و ان معظم المدعوين الآن قد لفت نظرهم ما يحدث من فضائح العائلة الكريمة .......و اخذت اضواء الكاميرات تغمرهم حتى كادت ان تغشي عينيها ......
وصل اليها صوت ادهم الحانق المتوحش من خلفهم وهو يقول
( كيف تجرأت على الظهور هنا .... قسما بالله ان لم تخرجي حالا فلسوف القي بكِ خارجا بنفسي )
هذا ما كان ينقصني همست سابين فى داخلها بغضب ...ان يتدخل ادهم الآن ليفسد الموضوع اكثر و اكثر ..... لكنها التفتت اليه و قد فجرت كلماته الغضب الذى تحاول كبته فهتفت به
( ادهم لا تخاطبها بهذه الطريقة .... )
وصلت سما الي ايثار و اخذت تجذبها من ذراعها و هى تهمس بتضرع من شدة رعبها من الخراب الذى احدثته من حولها
(أمي ارجوكِ اخرجى معي الآن ...... ارجوكِ )
الا ان ايثار و والدة احمد ظلتا تنظران الى بعضهما و الماضي الأسود يندفع من بينهما ليعود بكل شروره مدمرا كل من حوله .......
قال ادهم مرة اخرى محاولا السيطرة على غضبه من تلك الأفعى التى ذبحته فيما مضى
( اخرجي الآن ايثار بما تبقى لكِ من كرامة .......)
و جاء صوت احمد و هو يقول بقسوة ( سيأتى من يصحبك خارجا الآن ثم سيقلك حتى باب بيتك .........)
ظلت ايثار واقفة مكانها و لحظاتٍ قليلة الى استسلمت جاذبة ذراعها بقسوة من يد سما لتندفع خارجة تلحقها شياطينها الحاقدة ......
تساقطت دموع سما مما حدث لايثار امامها بينما ظلت سابين متسمرةٍ مكانها تظر الى الارض وهي تقبض عل تنورة ثوبها بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعها و قد انحنت كتفيها من هول ماحدث لها فى هذا اليوم ...... ما الذى يمكن ان يحدث اسوأ من ذلك ......
وصل نادلا قلقا متوترا الى ادهم الذى لا يزال و اقفا قرب عمته بعد انصراف ايثار ليهمس فى اذنه
( سيدي .... السيد شقيقك يمسك بعنق مدعوٍ من المدعوين و يكاد يزهق روحه )
التفت ادهم اليه مصعوقا يسأله (اين ؟.....)
اجابه النادل بقلق ( فى الحمام سيدي .....)
نظر ادهم الى السماء وهو يتسائل بغضب ..... متى سينتهي هذا الزفاف المشؤوم ......
اخذ ادهم يدفع الجمع المتجمهر امام باب الحمام الى ان استطاع اخيرا ان يدخل ليفاجأ بفارس جاثما على شخصٍ ملقى على الأرض و هو يمسك بعنقه لا يريد افلاته بينما اثنين من الأمن يحاولان سحب فارس و تخليص الرجل من قبضته دون جدوى ..... اتجه ادهم اليه بسرعة و هو يمسك به من ثيابه ليشده و هو يصرخ
( كفى فارس ...... كفى ستقتله )
تمكن ادهم بمساعدة الامن من خليص الشاب بأعجوبة من يدي فارس ...... و الذى ما ان تحرر حتى قفز واقفا وهو يمسح الدم من زاوية شفتيه و هو يهدد ان والده سيدمر العالم من حولهم .......
اشتعل فارس مرة اخرى و هو يحاول الوصول اليه لكن ادهم و الحارسين امسكا به بشدة ......و صرخ ادهم
؛( ماذا فعل يا فارس ليستحق كل هذا .......)
هتف فارس الذى بدا فى هذه اللحظة كحيوانٍ مفترس همجى
(كان الحقير يتحدث هو و آخر عن سما ..... لقد سمعتهما وانا بالداخل )
صرخ به الشاب يستفزه من خلف ادهم ( انا اتكلم عن من تحلو لي ايها الأعمى ......)
حاول فارس الهجوم عليه مرة اخرى و هو يصرخ الا ان ادهم و الحارسين تشبثوا به مرة اخرى بكل قوتهم و صرخ ادهم
( كفى فارس ..... لا تنزل الى مستواه )
ثم لم يلبث ان استدار بسرعة ليلكم الشاب لكمة اسقطته ارضا و هو يكمل لاهثا
(دعني انا انزل بالنيابة عنك .......)
اندفع ادهم خارجا و هو يسحب فارس معه الى الخارج امام الأعين المذهولة بينما يتعالى من خلفهما صراخ الشاب الأحمق الذى اوقعه غبائه بين براثن اثنين من آل مهران ......
قال ادهم لفارس بغضب ( من اين علمت انه يتحدث عن سما نفسها .......)
قال فارس بصوتٍ لاهثٍ خافت ( كان يسأل صديقه ان كان رأى الشعلة الأنثوية التى تجر الأعمى خلفها .......)
صمت ادهم لحظاتٍ ثم قال له ( هيا بنا لنرحل .... لم اعد اطيق ان اظل هنا لحظة واحدة ......كان يجب ان اتوقع كم المآسي التى ستحدث فى زفاف الكارثة المسماة سابين ....)
وصلا الى سما التى صرخت حين شاهدت وجه فارس المكدوم الا ان ادهم اشار اليها لتصمت حاليا ثم اتجه الى حلا التى كانت الدموع تغطي و جهها راسمةٍ خطوطٍ سوداء على وجنتيها فأخذها بين ذراعيه و هو يهمس
( لقد انتهت الليلة حبيبتي ......انا آسف لأننى عرضتك لكل هذا )
دفنت و جهها فى صدره و هى تبكي ثم سمعها تقول
؛( لماذا لم تكتب السعادة لأي منا يا أدهم ......)
اندفع الألم حادا فى اعماقه وهو يتسائل.......الم تجدي سعادتك بعد يا حلا ؟.....
.................................................. .................................................. .....................................
كان يقود السيارة و لا يضيء وجهه الا الانوار الضعيفة الآتية من الليل الممتد حولهما ... فلم تستطع ان تتبين ملامح وجهه جيدا ....
الا انها كانت متأكدة ان ايثار نجحت فى مسعاها بكل اقتدار ...... يالها من ليلة ... ويالها من فضيحة ستظل الأجيال تتحدث عنها .... الا انها لم تكن تهتم لكل هذا .... فقط تتمنى ان تدخل الى عقله الآن لتعرف فيما يفكر....و كيف يشعر تجاهها الآن .....
عادت اليها كلمات ايثار التى القتها كالقنبلة الليلة ..... ماذا كانت تعنى بانها السبب فى ترك والدها لهن .... وأنه مات فى احضانها ....
كيف هذا ؟..... هناك فرق فى العمر بين والدة احمد وبين ايثار ...... هذا يبدو جليا , فايثار تبدو وكأنها لازالت شابة فكيف تعرفان بعضهما ....وما علاقة والدها بكل هذا ........
نظرت الى احمد مرة اخرى .... لقد بدا الليلة و كأنه كان يعلم عما قالته ايثار ........و لكنها لم تكن لتجرؤ على سؤاله الآن ......
وحين شعرت انها لن تستطيع احتمال الصمت اكثر همست بصوتٍ ساحر حتى فى حزنه
( اخبرني على الأقل الى اين نتجه ؟............)
التفت اليها الا ان ملامحه ظلت مختبئه فى الظلام ...... ثم قال اخيرا بصوته العميق
( ستعرفين حالا ..... اتمنى ان تعجبك مفاجاتي )
ابتسمت بدلال ٍ وقد ارتفعت روحها قليلا ثم مدت يدها ووضعتها على فخذه بنعومة و هي تهمس مبتسمة
(بالتأكيد ستعجبني ما دمت معى ....)
التقط يدها بيده و رفعها الي شفتيه و هو يهمس
(دوما سأظل معكٍ .....من هذه اللحظة وحتى آخر عمري سابين )
القت راسها على كتفه و هي تتنهد بارتياح بعد هذه الكلمات الآسرة التى سحبتها معها الى عالم الاحلام بعد هذا اليوم القاتل......
شعرت بأصابع حانية تتجول على و جنتها ثم تلتها ملمس شفتين رقيقتين اخذتا تمسحان شفتيها برفقٍ لتوقظها من نومها العميق ......صوته يخرج هامسا بين شفتيها
( سابين استيقظي ...... لقد وصلنا )
اخذت تتمطى بين ذراعيه التى اشتدتا عليها .... ثم ارتفع جفنيها ببطء لتطالعها عيناه اللامعتان المفترستان والتى جعلت قلبها يتفجر بألعابٍ نارية و مفرقعات ........
همست له بنعومة ( مرحبا .....)
رد عليها يهمس و هو يلامس شفتها السفلى بسبابته (مرحبا ......)
ظلا ينظران الى بعضهما و قد ابتلعهما الظلام من حولهما تماما سامحا لهما فقط بالنظر لأعين بعضهما .........
اخيرا همس احمد مرة اخرى ( لقد وصلنا .....)
انتبهت للمرة الأولى انه توقف بالفعل ..... فاستقامت بقدر ما سمحت لها ذراعاه ...... تنظر حولها , الا انها لم ترى سوى خيالات مبنى ضخم مغرق فى الظلام .....شعرت بالخوف فجأة لا تعلم ما سببه....... فهمست مرتجفة
(اين نحن؟..............)
نظر الى نظرة الخوف التى لم يراها فى عينيها مطلقا من قبل ..... كم بدت جميلة و ناعمة و صغيرة ..... كطفلة تقريبا بالرغم من انها فى السابعة و العشرين .....الا انها تصغره بتسع سنوات كاملة ........
كتم شعورا بالانقباض بداخله و رسم ابتسامة رقيقة على شفتيه .......ثم قال بهمسٍ اجش
(لقد احضرتك لقلعة الوحش ...... لالتهمك بمفردي )
احمر و جهها بشدة و اسبلت جفنيها ....شعر وقتها انه على وشك ارتكاب عملا احمقا , فتركها بسرعة لينزل من السيارة و يدور حولها ليفتح الباب المجاور لها , ثم مد يده يلتقط يدها و يسحبها اليه .....
و قفت سابين تحاول تبين المكان المظلم من حولها .... الا انها لم ترى سوى منزلا ضخما فى منطقةٍ منعزلة لم تتعرفها ......
قال لها احمد بغموض
( اعرف انكِ تشعرين بالاحباط ...... فربما كنتِ تودين السفر الى احد المتنجعات الراقية )
رفعت نظرها اليه و اهدته اشد الابتسامات سحرا و هى تهمس
( بل افضل تماما ان نكون وحدنا ,,,,,,)
شعرت فجأة باختفاء الأرض من تحتها حين مد ذراعيه و حملها بسرعة.....فشهقت ضاحكة و هي تقول
( احمد ...هذا الفستان يحتاج الى اربعة اشخاص ليتمكنوا من حملي .......)
ضحك احمد ثم قام بقذفها لأعلا لعدة سانتيمترات ثم التقطها مرة اخرى و هى تصرخ ضاحكة ............ثم اتجه بها اخيرا لتلك القلعة الغامضة ......
حين دخل احمد وسابين .......اخذت تنظر الى ذلك المنزل الضخم الذى يفوح منه رائحة الماضي المثيرة ..... بتصميمه الاثري و اثاثه القديم لكن فى نفس الوقت رائع ..... اللوحات الزيتية الضخمة .... الثريات الفخمة المتدلية ...... السجاد العتيق و الوانه التى يتداخل بها الأحمر الياقوتي الدافىء
صعد بها احمد مباشرة على السلالم الرخامية الى الطابق العلوي .... بينما اخذ قلبها يصرخ بشدة مما ينتظرها ........
دخل بها الى غرفة نوم ضخمة .... ذات فراشٍ ضخم يعتبر تحفة فنية فى حد ذاته بالستائر الشفافة التى تحيط به من كل جوانبه ......
انزلها على قدميها ..... فاخذت تدور حول نفسها مغمضة عينيها فاتحة ذراعيها ....... لا تصدق السحر الذى تعيشه ......اخذت تدور وتدور .... الى ان شعرت بذراعيه يعتقلان خصرها بشدة ...فارتفعت اقدامها عن الارض قليلا و فمه يلتهم فمها بقسوةٍ بينما اخذ يكمل الدوران هو وهويحملها .....وظلت سابين مغمضة عينيها لتعيش كل لحظةٍ من هذا الحلم .........
لحظاتٍ بعدها و كانت قدميها تقفان على الارض مرة اخرى بينما يده تمتد لتنتزع ترحة الزفاف و تلقيها بعيدا ...... لتشعر بعد ذلك بسحاب ثوبها يهبط ببطءٍ كاد ان يحرقها ...........
و بعد صراعٍ مع هذه الكومة الضخمة من الحرير ..... حملها اخيرا الى الفراش و القاها عليه .......ثم هجم عليها ليقضى على عذاب الأيام التى عرفها فيها ..... بينما ضاعا تماما و ضاع الماضى و المستقبل و كل شيء الاهما و اللحظات التى يعيشونها.....
فتحت سابين عينيها على صوتٍ اخترق نومها الهش لينتزعها من احلامها الرائعة ..... فقفزت جالسة و هى تحاول التأكد من الصوت الذى سمعته ...... وحين نظرت الى الجانب الخالي بجوارها ..... قفزت من الفراش و هى تجر اغطيته اليها لتلف بها نفسها ثم جرت الى النافذة و هى تحاول التبين من الظلام الذى لا زال يسود الدنيا بالخارج ........الا ان ما لم تخطئه ابدا ......هو سيارة احمد الذى انطلقت بسرعة ٍ محدثة صوتا عنيفا و مخلفة و رائها الرماد الهائج ......... وعروسا تقف فى النافذة مذهولة و هى لاتزال ملتفة بغطاء الفراش
كان شعاع الضوء الشاحب يتسلل من بين الستائر العتيقة ليرسل بعض الأمل الى الغرفة الصامتة المهيبة والتى تجعل من يدخلها يشعر بأنه دخل الى زمن العصور الوسطى .....بستائرها المخملية الداكنة الحمرة و المرايا ذات الاطارات المذهبة و السجاد البارز رسومه
والفراش الضخم بأعمدته النحاسية المزخرفة و ظهره المغطى بلوحةٍ مشغولة على الحرير ..... و الستائر الشفافة المتطايرة تحيط بهذه الاعمدة .......
وكانت اغطيته وو ساداته المبعثرة فى كل مكان هى الدليل الوحيد على وجود حياة فى هذه الغرفة ..... وعلى المعركةِ الطاحنة التى دارت به منذ ساعاتٍ قليلة ........
بينما فى ركن من اركان هذه الغرفة الاسطورية و لتكتمل لوحتها الخيالية .... كانت تجلس على الارض امراءة رائعة الجمال , ملتفة بغطاء حريري رافعة ركبتيها الى صدرها ......و شعرها الاسود الهمجي ينساب متموجا على اكتافها وظهرها حتى كاد ان يلامس الارض التى تجلس عليها ......
لا تتحرك ..... لا ترمش , بعيناها التى تشبه الاحجار الكريمة ليس فقط فى لونها بل ايضا فى صلابتها و هى تنظر امامها بلا اى تعبير يدل على انها حية تتنفس ............
مشاعر ميته .... فراغ .... فراغ هائل بداخلها يجعلها لا تكاد ترى ما حولها .......
"لا تخبرينى ان واحدة فى ذكائك قد وقعت فى فخ عرض الزواج الزائف هذا ...." عادت هذه الجملة تطل بصوتِ الافاعي الناعم الى عقلها ...... كما ظلت تتسرب اليها طيلة الايام السابقة و هى تحاول اخمادها و ابعادها عن ذهنها بكل غباء .........
كيف فعل ما فعله ؟................ هنا تركها وحيده فى هذا المنفى .......بعد الليلة السابقة , كيف استطاع ان يكون معها بكل هذه الروعة و الصبر حتى حررها من كل حواجزها لتدخل عاصفته المهلكة و تذوب منه وفيه ..... كيف نجح فى منحها هذه السعادة بينما كان ينوي تركها على هذا النحو ........
ماهى ابعاد خطته الجهنمية ..... هل ظهور ايثار بالامس هو السبب .... ام كلامها البشع .... ام ان يكون قد خطط لانتقامه منذ وقتٍ ابعد ..... انقاذا لزواج دراين مثلا ؟........ هل وصل به الغباء لهذه الدرجة السوداء ؟..........
متى سيظهر ؟...... هل ينوي تركها هنا لتموت ؟........ ابتسمت ابتسامة مريرة و هى لا تتعجب ان فعلها ....... فانتقامه كان اسوأ من القتل الف مرة .....
حين نظرت اليه من النافذة و هو يطير مبتعدا ...... جرت فى لحظة تبحث عن هاتفها الا انها تذكرت انها تركته فى السيارة , فجرت تجر غطاء الفراش خلفها لتخرج من الغرفة و تهبط السلالم جريا و هي تبحث عن اي هاتف حتى و جدت هاتفا لا تتذكر انها رأت مثله الا فى الأفلام القديمة لكن حين رفعته الى اذنها بلهفة لم يواجهها الا الصمت المطبق الذى كاد ان يخرق طبلة اذنها ...... فانزلت السماعة عن اذنها ببطءٍ شديد و هى تنظر امامها و هى تشعر بالفخ الذى ُنسج لها ......... فاخذت نفسا عميقا تحاول تهدئة نفسها ثم صعدت السلالم مرة اخرى متجهة الى الغرفة ثم فتحت الدواليب الضخمة بعنف .... فلم تفاجأ كثيرا بانها فارغة تماما تنبعث منها رائحة ماضي غريب ......اغلقتها بعنفٍ وهى تصرخ بصرخةٍ شرسة تردد صداها فى ارجاء هذا المنزل العملاق ..........
لقد اخذ حقيبة ملابسها التى كانت اعدتها لقضاء شهر العسل و تركتها بسيارته .......... تركها وحيدة عارية فى مكانٍ مجهول بلا اى وسيلة مواصلات , ما كل هذا الكره الذى كان يحمله بداخله تجاهها ليفعل بها هذا ..... كيف استطاع ان يرغبها مع كل هذا السواد بداخله ..... استندت بظهرها الى الحائط و نزلت ببطء تجلس على الارض غير قادرة على التحرك بعد ان تكسرت الى الف شظية ..... ومن وقتها و هى تجلس بهذه الحالة ... حتى تسرب الشعاع الفضي من النافذة .........
.................................................. .................................................. ...........................................
كان مستلقيا على فراشه و اضعا ذراعه على عينيه كأنه يحاول محو الصور المتلاحقة لسابيةٍ همجيةٍ آتيةٍ من العصور السحيقة ......
تحاوط عنقه بذراعيها.... تتأوه و تتنهد بدفء ..... شعرها الأسود الهمجي يتناثر من حوله كستارة حريرية مظلمة تلقى على وجهه لتسحب منه و هى تلسع بشرته بنعومتها .......
كان يظن نفسه دائما من النوع المتزن المسيطر على نفسه ..... لا تهزمه مشاعر او رغبات ..... كل شىء كان يقوم به باعتدال الى ان عرفها .....
كما لم يظن ان تكون ناعمة الى هذه الدرجة المجنونة ................ و لا ان يكون بداخلها هذا النبع من البراءة التى ظهرت عليها لتجعلها تتجمد قليلا و تظهر عليها معالم عدم الثقة وهى تنظر اليه بعينين متسعتين فى رهبة بينما كان وجهها احمرمثل الورود الحمراء
لكن ما ان اخذ يهدئها حتى استسلمت بين ذراعية و ذابت معه فى عاصفة مجنونة اطاحت بهما معا .......
رفع ذراعه عن عينيه ببطء ليقوم و يجلس على حافة الفراش ....... ثم التقط الصورة الغالية الموضوعة بجوار الفراش ....... اخذ ينظر اليها طويلا .............حبيبتى اشتقت لعينيكِ الحنونتين ..... اشتقت ليديك التي كانت تمسح تعبي ...... صوتك ..... ابتسامتك ........
اخفض رأسه حتى لامس الصورة بجبهته ...... ثم همس
(سامحيني يا ليال .......... سامحيني حبيبتي )
وضع الصورة مكانها ....... ثم اخذ نفسا عميقا و مسح وجهه بيديه لتعود القسوة و البأس الى ملامحه ........ ثم نظر الى ساعة يده لحظة قال بعدها بهمسٍ شرس
(لازل اليوم امامك طويلا يا زوجتي ....... فانعمي بوحدتك قبل ان اصل اليكِ ايتها الشرسة )
.................................................. .................................................. .........................................
في نفس الوقت من الصباح الباكر الذى يتسلل شعاعه الفضى على غرفة اخرى حيث كانت تلاعب خصله شارد من شعره و هي مستلقية بجواره تستند على مرفقها و تنظر الي وجهه المجروح المتجهم .........همست له اخيرا
( تكلم معي يا فارس ....... مالذى يغضبك الى هذه الدرجة ؟....)
ظل مستلقيا على ظهره ناظرا امامه و ملامحه متصلبة لا يظهر عليها اي تعبير سوى القسوة ...... حاولت سما الكلام معه مرة اخرى فاقتربت منه و قبلته برقة على جبهته و هى تهمس
( لماذا لا تكلمني هل فعلت ما يغضبك ؟.............)
ارتجفت عضلة بجانب فكه الا انه لم يتحرك او يتكلم معها فقالت فى اسى
( اذا كنت قد اغضبتك فانا اسفة ......اصرخ بي كما تشاء لكن لا تصمت هكذا )
انسابت دموعها بنعومة على وجهها وهى لا تدري لها سببا .....بلى تدري ..... تدري اسبابا عديدة لدموعها.....انها كانت تظن انهما اقتربا من بعضهما كثيرا فى الايام السابقة ..... اقتربا كثيرا جدا ليطلعها على كل شىء يؤلمه .........
تبكي لانها كانت شبه لانها لا تتحمل رؤيته يعود الى انعزاله و يعاود الالم للظهور بعينيه من جديد ...... بعد ان كانت بدأت ترى ابتساماته و ضحكاته ...............
تبكي لأنها تغار من حلا ومن سابين .............. شهقت شهقة صامته و هى تغص بدموعها حتى لا يسمعها ...........
الليلة و هي تنظر الى كلا من حلا و سابين ..... كانت تشعر بالغيرة ..... ترى كيف ينظر ادهم الى حلا .... كيف يتشوق الى ان يقبل وجهها ..... كيف يبتسم لها .......كيف يتحين الفرص ليحيط خصرها بذراعه ......... و منذ يومين كانت واقفة فى الحديقة فى الظلام فى ركنٍ لا يراها احدا منه فشاهدت حلا واقفة فى شرفتها تستند بكفيها على سور الشرفة و هى تتأمل المنظر من امامها ...... ليأتي ادهم من خلفها ليفاجئها ثم اخذ يضاحكها .... الى ان حملها بين ذراعيه و دخل بها الى غرفتهما ...... ظلت تنظر الى شرفتهما طويلا و هى تشعر بتسارع دقات قلبها و سخونة فى خديها .....بينما اخذ الاشتياق ينهش اعماقها الى هذا الوحش الغبي بجوارها الذى يأبى ان يحرر انوثتها الى الآن ..... يذيقها حبه مراتٍ ومرات ثم يبتعد عنها ليتركها تحترق فى نار حبه التى اشعلها ...... لماذا يفعل بها هذا ......الازال يكرهها ...... هل يراها اقل من ان تصبح زوجة فارس مهران ......
سقطت دمعة من على وجهها بنعومة على وجهه ..... رمش بعينه مرتين ثم مد يده ببطء الى وجنتها يتلمسها و هو عاقدا حاجبيه ثم قال اخيرا بصوتٍ اجش
(لماذا تبكين ؟.......)
ابتلعت ريقها و هى تصدر صوت بكاءٍ منخفض بينما لم تستطع النطق .... فما كان منه الا ان ازداد عبوسا و جذبها بذراعه لتسقط على صدره ........ فلم تستطع ان تتحمل اكثر فاخذت تشهق باكية و هو يزيد من ضمها اليه دون ان يحاول تهدئتها ....... كيف يهدئها و هو لا يستطيع تهدئة نفسه .........
بعد ان بكت على صدره كثيرا تنهدت تنهيده كبيرة بعد ان هدأت قليلا من الاعصار المؤلم الذى اصابها ..... ثم رفعت نفسها بعد لحظات لتستند على مرفقها مرة اخرى وتعود الى النظر اليه ......... وحين شعرت ان قدرتها على الصبر نفذت اقتربت ببطء من وجهه لتلمس شفتيه بشفتيها الناعمتين برقة فشعرت به يتجاوب معها بخفة فتشجعت اكثر لتعمق قبلتها ..... شعرت به بعد لحظاتٍ يتشنج ثم امسك وجهها بكلتا يديه ليبعدها عنه و هو يلهث , فتجهمت لا تصدق انه يبعدها عنه .... حتى قبلاتها اصبح لا يريدها ؟........همست بتحشرج
( فارس ....لماذا تبعدني عنك ؟....)
صمت لحظة و انفاسه الغاضبة الساخنة تضرب وجهها بقسوة ثم قال لها بصعوبة
(انا لا ابعدك .......)
مدت يديها لتبعد كفيه عن وجهها ثم همست بجرأة
(اريد ان اقبلك .......)
ابتلع ريقه كأنه يسيطر على نفسه بمعجزة ولم يستطع النطق ..... فاقتربت من وجهه مرة اخرى لتقبل كل جزء من وجهه ..... وجنتيه ....عينيه ..... ذقنه .....لتنتهى بشفتيه مرة اخرى ...... هذه المرة جذبها اليه بشدة فوقه ليُسقِطها على الجهة الأخرى من الفراش و يميل فوقها وهو يغرقها بقبلاته الحارقة التى انسابت على عنقها و شفتيها ........و احاطت هى عنقه بذراعيها تتنهد بشوق و تحرك وجهها برقة يمينا و يسارا بتناغم مع وجهه ......... و بعد ان غابت تماما فى دوامه المشاعر التى تجمعهما , لم تشعر بنفسها وهى تهمس
( احبك .....احبك ........يا الهى كم احبك )
تجمد في مكانه فجأة , ما ان وصلت هذه الهمسات الملتاعة الى اذنيه ........رفع وجهه ببطء وهو ينظر اليها مذهولا ثم قال اخيرا
(ماذا قلتِ؟!!......)
نظرت اليه برعب وهى لا تصدق ان الكلمات التى قالتها فى قلبها آلاف المرات قد تحررت منها اخيرا و غادرت شفتيها ليسمعها هو .....قالت له مذعورة بتلعثم
( لم اق.....لم اقل شيئا.....)
مد يده ليقبض على ذقنها و اقترب منها بوجهه و همس بعنف ولوعة
( ماذا قلتِ يا سما ؟.....اريد ان اسمعها مرة اخرى )
ظلت صامته ترتجف و هى لا تعلم ان كان غاضبا ام سعيدا ...... وان كانت تستطيع ان تعيدها لاذنيه ام تسكت حفاظا على حياتها
اقترب ابهامه و سبابته من شفتيها فضغط عليهما برفق و اقترب منهما وهو يهمس مرة اخرى
(قوليها يا سما ......قوليها)
همست بدون وعي (احبك ....)
تأوه بعنف ثم وضع شفتيه على شفتيها المفتوحتين و همس فيهما ( قوليها ....)
همست بتحشرج لتخرج همساتها الى شفتيه مباشرة ( احبك ..... احبك .....احبك.....احب.. )
التهم كلمتها الأخيرة قبل ان تكملها ........وكاد ان يلتهمها هى كلها بينما يدور بها مرة اخرى الى الجانب الآخر دون ان يترك شفتيها ....مرت الدقائق المشتعلة بينهما و هو يدور بها من جانب لآخر حتى كاد قلبيهما ان يتوقفا من شدة صراعهما ...... وحين ظنا ان هذه هى نقطة اتحادهما اخيرا ....بعد عذابِ السنوات الفائتة ........
ارتفع صوت طرق صارم على باب الغرفة , ليأتي بعده صوت اكثر صرامة
(سيدتي .....السيد ادهم و السيدة حلا ينتظراكما على مائدة الافطار .......)
رفع رأسه عنها قليلا و هو يرتجف ثم اخذ يشتم بعنف بينما اخذت سما تعيد اكتاف ثوبها الى مكانها ثم وضعت اصابعها المرتجفة بسرعة على فمه لتكتم شتائمه البذيئة وهمست بسرعة وهى غير قادرة على التقاط انفاسها بعد
(اصمت يا فارس ستسمعك ......)
قال وهو يلهث تحت يدها المرتجفة (دعكِ منهما .....لن ننزل )
ثم عاد يقبلها بعنف يحاول استعادة اللحظات المجنونة بينهما , الا ان سما قالت وهى تتملص من تحته و تحاول الابتعاد عن مرمى شفتيه.......ثم استطاعت الهمس اخيرا
( ان لم ننزل سيعرفان ماذا نفعل ......)
ضحك فارس ضحكة صغيرة و همس وهو يهجم عليها مرة اخرى
(و ماذا نفعل ؟.........)
احمر وجهها و قالت تترجاه و تحاول الابتعاد عنه ( فارس ... ارجوك سيصعد ادهم ليطمئن عليك بالتأكيد ان لم ننزل )
قال لها بعنف وهو يزفر( الا يوجد اي خصوصية فى هذا المكان ؟........ )
قالت له سما فجأة بجرأة وعنفٍ يكاد يماثل عنفه (لقد كنت موجودة بجوارك طوال الليل .......بل كنت موجودة طيلة ثلاث سنوات فماذا كنت تنتظر .....)
نظر اليها مذهولا مما سمعه بينما ادركت هي ما نطقت به .........فساد بينهما صمتا مطبقا قاتلا للحظات طويلة , انهاها فارس حين همس
(هل تريدين ان تصبحي زوجتي يا سما ..... زوجتي بالفعل )
احمر وجهها بشدة الا انها قالت بعنف (غبي.......)
ثم قفزت من الفراش بسرعة وهربت الى الحمام بينما ظل هو بالفراش يبدو عليه الذهول من السرعة التي انتزع بها كل الاعترافات التى يريد منها .........ظهرت على شفتيه ظل ابتسامة اخذت تتسع تدريجيا حتى شملت وجهه باكمله , ثم همس لنفسه
(ستضطرين للانتظار لفترة اخرة يا سيدة سما ....... فترة بائسة قصيرة......... قصيرة جدا )
نظرت سما الى نفسها فى مرآة الحمام ...... ماهذا الذى قالته لفارس ....... كيف استطاعت ان تكون وقحة الى هذه الدرجة ......لقد ادى الكبت بها الى حافة الانهيار ...... ترى هل يشعر الآن بالنفور منها لأنها اعترفت له بهذه البساطة عما تريده ...... لكنه كان يعرف قبلا ان هذا ما كانت تنتظره ..... والا فلما كانت تسمح له بالاقتراب منها الى هذه الدرجة ........ الا اذا ...... الا اذا كان يتسلى بها فقط ...لا يريد التزاما ........لا .... لا .....فارس يريدها ..... هى تعلم بذلك .......حتى وان كان هو لا يعلم بعد انه يريدها زوجة ...... واما لاولاده ........
ابتسمت برقة و هى تتخيل اطفالا صغارا ...بنين وبنات .... يشبهون فارس ..... بكل جماله وروعته ........
آآآآه يا ادهم ..... هل كان من الضروري ان ترسل فى طلبنا الآن ..................تنهدت باسى ....... ثم عاودت الابتسام وهى تفكر
انت لى يا فارس ........ مهما طال الوقت انت لي .........
.................................................. .................................................. .............................................
كانت تجلس ممددة على الاريكة ينساب شعرها الاسود الناعم على اكتافها تتخلله بعض الشعيرات الفضية ......الدليل الوحيد على مرور السنين على هذا الشعر الرائع .....بعض الخطوط الدقيقة تشق هذه البشرة الرائعة التى تهافت الرجال للمسها يوما ...... عيناها ذات اللهب الازرق و التى لم تظهر سوى الحقد و الاغواء ..... هما فقط ما عرفتهما طوال عمرها .........
اخذت تنظر الى الصور القديمة بين يديها ......تنظر الى ابتسامته...... لعينيه ...... كم مرت السنوات بسرعة على فراقهما ........ سنواتٍ هى من عمر سما تماما .... احدى وعشرون عاما .....
كان وسيما جدا ..... رجلا بحق بالرغم من فرق العمر بينهما .....الا انه كان وسيما رجوليا... جذابا لاقصى حد ......
ابن عمها ....عماد ..... كان فخر عائلة الراشد , اكثرهم طموحا و مثابرة .... اكثرهم بأسا وصلابة ......كانت جميع فتيات الراشد تتمناه ....... الا انه فى النهاية اصبح من نصيبها هى .......يوم زفافهما كانت تشعر بانها ملكة و هى تسير متعلقة بذراعه وهى تنظر الى نظرات الغيرة العمياء من كل الفتيات من عمرها و الاكبرعمرا ايضا ........
لقد تزوجته وهى من عمر سما حين تزوجت فارس .......فى السابعة عشر ...... بينما كان هو في السابعة والثلاثين .... الا انها لم تكن لتهتم بفارق العمر بينهما ......ففى عائلة الراشد لم يكن هناك اي رجل يوازيه فى المكانة .......
لقد تعبت كثيرا وهى فى هذه السن الصغيرة لكي تلفت نظره وتوقعه فى حبائلها .......الا انها لم تيأس ابدا .....الى ان استطاعت اخيرا جره الى فخ الزواج ....... وقد حدث هذا بعد ان تعمدت افتعال فضيحة كبيرة , اجتمع بعدها رجال العائلة و ارغموه على الزواج من ابنه عمه المراهقة التى اغراها بدون اى ضمير ........
الا ان الحقيقة كانت انها ظلت تلاحقه و تلاحقه وهو لا يلقي بها بالا ابدا .........بالرغم انها اعتادت منذ ان بدأت تشب عن الطوق على ان يقع الرجال أسرى لسحرها الفتاك .........و كان كلما اهملها , ازدادت شراسة فى ملاحقته و اغواءه .......الى ان حانت اللحظة الحاسمة حين بدأت تشعر اكثر من مرة ببدء استسلام رجولته تجاه حرب الإغواء القاتلة التى شنتها عليه , فتعمدت حينها الاختفاء لفترة قصيرة عنه حتى اصبح كالمجنون ....... وحين ظهرت له فجأة بكل ما استطاعت جمعه من اسلحة الأنوثة و مقوماتها .......حتى لم يتمالك نفسه , ليهجم عليها محاولا اشباع القليل من جوعه الرجولي الذى ظلت تنميه طوال هذه الفترة .........ليفاجأ بعدها .....بهجوم عائلي حوله من كل جهة .........ودموع التماسيح و الافاعي تسقط من عينيها الزرقاوين لتسترحمه و تستجديه ......
و حين اجتمع رجال العائلة لمواجهته و سؤاله عن نيته .......رد ردا قاطعا لا يقبل النقاش بأنه سيتزوجها ......يومها .......يومها نالت ايثار الراشد حلمها الأول ...... وعرفت من وقتها ان طريق تحقيق الأحلام المستحيلة ليس صعبا .......ليس صعبا ابدا ...........
فلقد تغلبت على ارادة عماد الراشد........ وتغلبت فى لحظة على حبه القديم الذى استمر لمدة عشر سنوات قبل ذلك .......... والذى انتهى بفضيحة كبيرة لعائلة مهران .......فضيحة لم يغفرها ابدا آل مهران و كانت على وشك اراقة الدماء بسببها بين العائلتين ......
وقد انتهت بتحطم قلب عماد ليعيش على ذكرى اميرته الحبيبة لمدة عشر سنوات كاملة ....... الى ان ظهرت ايثار بكل انوثتها الفجة و اسقطته بعد كفاح مرير .......
و حين انجبا فتاة صغير ذات عيونٍ فيروزية كالاحجار الكريمة .........كانت الاميرة اصبح لديها ولدا فى التاسعة من عمره .......
رفعت ايثار عينيها من الصور القديمة و قد اشعل الحقد الاسود اللهب الأزرق فى عينيها لتطل النظرة المخيفة منهما ...... نظرة من يعرفها , يدرك ان هناك من سيتأذى أذى شديد .........
ليلة الأمس قررت انها لن تكون الخاسرة الوحيدة فى هذه الصفقة .... فتأنقت و اصبحت من الجمال بما يوازي جمال بناتها الثلاث .....و ذهبت بكل عزم الى زفاف سابين ...... لكن ما ان رأت أميرة القصة القديمة حتى احرقتها نيران الغضب الأعمى و لم تستطع تمالك نفسها فدخلت تلك الدخلة المسرحية التى افسدت كل شىء .......
لم تكن تتصور ان الأميرة ستظهر فى زفاف السابية التى سبت زوج ابنتها الوحيدة ...... كانت تظن انها ستظل بعيدة تتحسر على سقوط ابنها الوحيد فى نفس الفخ الذى سقط فيه زوج ابنتها ....... و اقد ارضاها هذا الاعتقاد , ارضاها تماما , بالرغم من انها لن تستفيد شيئا من هذه الصفقة عكس ما كانت ستحصل عليه من زواج سابين بمازن ........ الا ان مجرد تخيل الاميرة القديمة تبكي وتتحسر و تحاول اقناع ابنها بالعدول عن هذا الزواج ..... ارضاها تماما و جلب الى نفسها سعادة وحشية ........
لكن حين رأت الأميرة بكل سيطرتها وهيبتها وطلتها الملكية .......وهى تتلمس وجه سابين بتأمل و كأنها تستعيد الماضى منه ........حتى اشتعلت ايثار و اندفعت لتلقي قنبلتها الموقوتة كما فعلت , لتخسر المارد الى الأبد .......
التقطت هاتفها و طلبت رقما ثم اتاها الرد المقتضب ......فسألته بصوتٍ خافت مخادع
( كيف حالها ؟....... انت لم تكلمني منذ فترة )
لم تغفل اذنها عن صوت تأفف خافت من الطرف الآخر .... ثم ساد الصمت قليلا ليأتى الصوت البارد ليقول
( انها بخير ...... لا تطورات حتى الآن , ان حدث أى شىء سأخبرك )
اغلقت الهاتف وهى تبتسم بسخرية ...... الأحمق , يبدو انه سقط فى حبها كما كنت اتوقع تماما .......ومن يعرفها عن قرب ولا يحبها ؟.........
لكن هذا يخدم كل مخططاتها ..... فليحبها اذن كما يشاء , لكن عليه الا يأمل كثيرا فهى ابعد اليه من النجوم .......لكن ماذا ان احبته هى ؟........ ستكون هذه هى الكارثة...... لا..... بالتاكيد لا .......لا داعي للقلق ......
تنهدت بسخط وهى تتطلع حولها ......جميع بناتى اصبحن يسكن القصور و انا هنا فى هذا الجحر .........كتفت ذراعيها و اخذت تتلمسهما بكفيها وهى تتطلع حولها مرة اخرى ....... الصمت يخيفها ..... ها هي قد اصبحت وحيدة ...... الصغيرات لا يردنها فى حياتهن .........لكن ليس الامر بهذه البساطة .......هى السبب فى ما هن فيه الآن ..... هى من ادخلتهن الى مملكة آل مهران ......هى السبب فى انهن تربين فى القصور منذ صغرهن ...... و الآن يدرن ظهرهن اليها ........ لقد رحلت سابين دون تلقى بالا بها ...... تركت لها من المال ما تنفقه فى شهرٍ واحد فقط .......سما لم تأتي لخدمتها منذ فترة ...... الغبية ....تسلم دفتها الى فارس بشكلٍ ميؤوسٍ منه ....... لم تاخذ سما منها اي شىء ......انها ضعيفة للغاية .... تتحمل وتتحمل دون مقابل ..... لكن لن يظل الوضع هكذا طويلا ......ستدفع ديونك يا فارس .....لقد اخذت اغلاهن لدي .... ويجب ان تدفع ثمنها .......لقد دفعت قديما ثمن الطفلة التى حصلت عليها لترعاك ...اما الآن ......فقد حان الوقت لتدفع ثمن المرأة الدافئة التى تقدم اليك سببا لتحيا من اجله .........
ارجعت رأسها الى الوراء و هى تهمس ...... لابد انكِ تعيشين حلما اسطوريا الآن يا سابين .....لقد حظيتِ بكل ما تمنيتِه .....قد تكونين بالفعل اذكى منى ..... فأين انتِ و اين انا الآن ........
ظلت مكانها طوال اليوم تتحسر على أيامٍ ضاعت منها ..... على الرجل الأول فى حياتها و الذى تركها ...... على الامبراطور الذى لفظها بعد مماته من مملكته .......
وبعد وقتٍ طويل غفت مكانها على الأريكة التى لم تتحرك من عليها طوال اليوم ......... والصور القديمة مستقرة بين أحضانها ....
.................................................. .................................................. .............................................
مضى اليوم سريعا وانتشر الظلام مرة اخرى ليحيط بقلعة المارد ليحيطها بجوٍ رهيب من الخيالات و الظلال التى تشبه الأشباح و الصمت الذى لا تتخلله الا أصوات الحشرات الليلية .........
ثم فجأة انطلق صوت إطارات سيارة تقترب بسرعة جهنمية من باب القلعة , لتقف مرة واحدة مصدرة صريرا صارخا ....
صوت باب السيارة يفتح ثم يصفق بعنف ..........صوت باب القلعة الضخم يفتح مصدرا صوت مزلاقه القديم من الصدأ ....... ثم صوته وهو يغلق ليهز ارجاء المكان........
أقدامٍ سريعة تصعد الدرج ...درجتين ..درجتين .....تقترب وتقترب الى ان توقفت امام باب الغرفة لعدة لحظات ..... مقبض الباب يدور فى مكانه ببطء..... ليفتح الباب .....
سمعت صوت الأقدام تقترب منها بصمت على السجاد السميك ...... حتى وقفت هاتين القدمين أمامها مباشرة و هى لا تزال جالسة على الأرض ملتفة بغطاء الفراش ..... ناظرة أمامها بصلابة كتمثالٍ من الرخام .........
( كيف حال عروسي الساحرة ......)
انطلق صوته الذى تغير من الهمس العاشق ليلة أمس الى سخريةٍ هازئة ٍ الآن نفذت الى اعماقها لتطعنها فى صميم قلبها .......
ارتفع رأسها ببطء لتنظر اليه من مكانها دون ان تتحرك و دون ان تهتز عضلة واحدة بوجهها ..... ظلت عيناها الفيروزيتان تسبران عمق عينيه البنيتين الصلبتين .......ثم أخيرا همست بصوتٍ لا تعبير له
( لماذا تزوجتني ؟.........)
نظر اليها من علو ..... وسكت لا يملك الا الإعجاب بشدة بأسها و صلابتها .....لا يصدق انه لا يرى عينيها الجميلتين متورمتين من البكاء كما تخيلهما ........أى فتاة تستطيع ان تمر برعب الساعات السابقة وتظل بهذه الصلابة ؟................
لا انهيار .... لا حالات هيستيرية .... فقط سؤالا باردا مسلما به ...دون ان تحاول ان توهم نفسها بآمالٍ زائفة ........رغما عنه اعترف بأن هذه المقاتلة الشرسة , خصما لا يستهان به .......
انحنى ليجلس القرفصاء أمامها ..... ثم مد يده ليقبض على ذقنها ويرفع وجهها اليه ... ثم قال بعد لحظة بكل وضوح
(تزوجتك .... لأننى أردتك ان تكونى زوجتي )
جذبت ذقنها من يده بعنف و شراسة ثم قالت بغضبٍ أعمى
( دعك من التلاعب بالألفاظ و أخبرني عن خطتك الجهنمية ......... ماذا تريد منى ؟...)
نهض على قدميه ثم انحنى ليسحبها بعنفٍ من ذراعيها لتقف أمامه بينما ظلت تتلوى بشراسة كالنمرة بين يديه الى ان قال يتهجى كلماته ببطْء أمام وجهها
(أريد ان اطهرك ......)
سكنت تماما بين يديه لتنظر اليه بذهول محاولة استيعاب ما قاله للتو...... وحين وجدت أنه لا يمزح من الجدية المرتسمة على وجهه قالت تتأكد بصوتٍ خافت
( ماذا قلت ؟.......)
اجابها بنفس الوضوح وهو يشدد قبضته على ذراعيها
( لقد سمِعتِني.......سأطهرك من كل الافعال السوداء التي قمتي بها فى حياتك المسمومة )
ظلت صامته لعدة لحظات ...... ثم فجأة و كأن بركانا من الغضب انفجر بعد كل هذا التماسك الصلب خلال الساعات السابقة ...... لتصرخ صرخة عالية دوت كصوت الرصاص ....... بينما اخذت تتلوي وتضربه بأقصى قوتها بقبضتيها على صدره .... ثم اخذت تصرخ به بكلماتٍ بالكاد فهمها و هو يحاول السيطرة على مقاومتها الوحشية
( ايها النذل .... ايها المتوحش ..... من تظن نفسك لتحاكمني بهذه الطريقة ......)
ظلت تصرخ وتصرخ حتى بدأ صوتها فى التحشرج مهددا بجرحِ حنجرتها ........فاخذت تسعل قليلا وهى تقاوم ذراعيه بضعفٍ بدأ فى التسلل اليها حتى و قفت تماما تحاول التقاط انفاسها بصعوبة .....رفعت عينيها المجروحتين اليه و التى لا تزال الشراسة بهما تهدد بقتله ......وقف هو الآخر ينظر الى آثار الدمار الذى تسبب به ليحطم كيانها , لكنه لم يشعربأى نوع من أنواع الإنتصار ....بل على العكس الجرح الذى شاهده فى عينيها شتت عزمه ..... تماما كما حدث الليلة الماضية .... الا انه الآن لن يستسلم .....سيمضى معها الى نهاية الطريق .....قالت له اخيرا كفريسةٍ مجروحة
( ماذا تعلم عن حياتي لتقرر ان تحاسبني بهذه القسوة ؟..........)
شد على ذراعيها مرة أخرى و هو ينظر فى عمق عينيها ... ثم قال هامسا بشراسة
( انتِ ستخبرينني .........)
عقدت حاجبيها و هى تحاول الفهم الذى بات مستحيلا مع شدة التعب التى حلت بها ..... ثم همست تقول
( أخبرك بماذا ................)
تركت إحدى يديه ذراعيها لتقبض على فكها بقسوة و هو يصرخ بها بغضب
( ستخبريني بكل ذنبا ارتكبته يوما ....... كم رجلا اوقعتي فى حبائلك .... كم اسرة دمرتِ بعبثك .....كم رجلا ذاب فى حبك و اوهمتيه بأنك تبادلينه الحب بينما انتِ تتسلين به........كم لعبة اغواء مارستها لتتقدمي في عملك و تصلي الى المكانة التى انتِ فيها الآن ...... ستخبريني بكل هديةٍ ثمينة تلقيتها فى حياتك و ما كان المقابل )
كانت تنظر اليه مشدوهة من صراخه بهذا الكلام البشع .... لكن الأبشع ان الكثير منه كان صحيحا و هو يريد قائمة بكل التفاصيل الدنيئة لم يمهلها لتنطق حرفا واحدا فاخذ يكمل بوحشية
( ستخبريني بكل تفاصيل اللعبة المحكمة التى لعِبتها انتِ و أمك لتدمرا دارين .......او بالأصح تدمرا أمى تصفية لحسابات الماضي ....وفى نفس الوقت الحصول على الصيد الثمين الذى سيؤمن لكما المستقبل .... بالطبع من يكون غير مازن مهران )
صمت قليلا هو يحاول التقاط انفاسه ثم همس أخيرا
(لن تخرجي من هنا يا سابين الا بعد ان تعترفي بكل ما اقترفته من جرائم فى حق البشر فى سبيل مصلحتك الشخصية ........ و بعد ان تعترفي بها كلها .... سنجد الوسيلة التى تكفري بها عن جميع أخطائك المخجلة .......)
ظلت تنظر اليه برعب ٍ مما يطلبه وما يعتقده..... غير قادرة على الكلام ..... لم تكن تظن انه يحمل كل هذا القدر من الضغائن لها..... لم يكن الأمر مجرد زواج دارين ..... ان الامور معقدة اكثر مما تخيلت يوما .......استطاعت أخيرا الهمس بتحشرج وهى تنظر اليه بجرحٍ عميق
( طالما ان هذه هى مخططاتك فلماذا الليلة الماضية ..........)
لم تستطع ان تكمل كلماتها ....... بينما ظل هو صامتا و لم يجبها ......ففسرت صمته على الفور بالطريقة الوحيدة التى أوحت بها تصرفاته القاسية ..... فهتفت فجأة برعب ٍ تسأله و هى تجيب قبل ان تسأل
(كنت تريد ان تتأكد .... اليس كذلك .... كنت تريد ان تتأكد ان المرأة الحقيرة التى تزوجتها لم يمسها غيرك ........اليس كذلك ؟....)
اخذت تنشج بضعف دون ان تسمح بسقوط دمعة واحدة من عينيها .......ثم صرخت بضعف
( أيها المنافق ......تتصور أنك حامي الفضيلة .... بينما انت مناااااافق .... لست اكثر من منااااافق )
شدها من ذراعيها و صرخ بها ( الزمي حدودك يا سابين ......لن اسمح لكِ ابدا فى تخطي الخطوط التى وضعتها بيننا ....)
ظلت تقاومه و هى تصرخ ( لقد شهدت امام الله ان تكون زوجى ...... بينما فى ضميرك كنت تخطط لانتقامك القذر ..... الا تعلم ان هذا نفاقا أيها الفاضل ..... هل تخدع الله أم تخدع نفسك )
قال لها بهدوء بعد ان سمعها للنهاية ( لا نفاق يا سابين ..... انتِ زوجتى ولا نية لدي للانفصال عنكِ .... لقد تعهدت بحمايتك , و سأحميكِ حتى من نفسك ......)
ترك ذراعيها ثم ابتعد عنها و هو يقول
( سأتركك الآن لتفكري فيما قلته لكِ ....... فانا كنت اتكلم بجدية )
استدار ليبتعد ...الا انه لم يلبث ان استدار مرة أخرى و هو يقول بهدوء
( يجب أن تكوني شاكرة يا سابين .....فلكل انسان مهما بلغ شره الحق فى الحصول على فرصة ......فان اضاعها.. حُكِم عليه ان يعيش مع شره للنهاية ........ وانا اقدم لكِ هذه الفرصة فلا تضيعيها )
سار عدة خطوات الا انها هجمت عليه كالنمرة لتحاول خدش وجهه بمخالبها و هى تصرخ.....الا انه كان اسرع منها فامسك بها بشدة ليحملها بوحشية .... ثم سار الى الفراش وهى تقاومه بكل قوتها , وما لبث ان القاها بكل قوته لتطير عبر ستائر الفراش الشفافة لتسقط عليه بعنف ..... و ما ان حاولت الجلوس حتى خرج هو مندفعا من الغرفة ..........
قامت من الفراش و هى تحمل بيديها اطراف الغطاء الذى يلفها .......ثم جرت خلفه و هى تصرخ
( احمد ..... احمد .....)
كان هو بنهاية السلالم .... و هي تجرى خلفه و الغطاء الحريري و شعرها الهمجي الطويل يتطايران خلفها ..... اخذت تصرخ
( احمد لا يمكنك تركي هنا مرة أخرى ......... احمد )
وصل الى الباب فى نفس اللحظة التى وصلت فيها اليه ..... فجذبته من ذراعه بشدة و هى تكمل صراخها
؛( لن تخرج ..... اسمعتني .....لن تخرج و تتركني هنا )
ظلت تتشبث به بعنف وهو يحاول التخلص منها ....... الى ان حملها فى النهاية بذراعه من خصرها ليلقي بها بعيدا ..... فسقطت على الأرض تتأوه بضعف .....
قال لها اخيرا وهو يعدل سترته
( لا تنسي ان تأكلي شيئا ..... المطبخ مليء بالطعام ......وها هى حقيبة ملابسك بجوارك .......تصرفي بحرية فهذا بيتك ايضا )
ثم خرج دون ان يسمح لها بالنطق و هو يوصد الباب الضخم خلفه بصوتٍ زلزل أعماقها ..............
كانو جميعا يجلسون الى مائدة الأفطار صباحا .....يسودهم الصمت و الوجوم و كأنهم لم يتعافوا
 بعد من أثارحفل الزفاف بمهاذله .....فقد كان ادهم و فارس متجهمين بشدة .... وحلا تعلو ملامحها الصدمة ...... أما سما فقد كانت تجلس متألمة و هى تمسك فى يدها مجلة من المجلات العديدة الموضوعة أمامها .... تنظر الى الصور العديدة التى التقطت لهم فى مواقف متعددة من حفل الزفاف ..... ثم همست و قد تساقطت دمعة على و جنتها
( يا الهى لقد شوهوا الحقائق تماما ............)
اكملت وهى تختار بعض المقاطع من المجلة ( حفل الزفاف الأسطوري يتحول الى مهزلة .........شجارخفي بين والدتي العريس و العروس ينتهي برحيل والدة العروس دون حضور باقي الحفل ...........فارس مهران يضرب رجلا خلال حفل الزفاف ......ومن المواقف التى اذهلت المدعوات .. اقتحام ادهم مهران لحمام السيدات ......حيث فوجئت بعض المدعوات بوجود ادهم مهران مع زوجته داخل حمام السيدات ..........)
سكتت سما غير قادرة على المتابعة من شدة صدمتها ......... و ظل الصمت مخيما عليهم عدة لحظات ...... الى ان انفجر فارس فجأة بالضحك , رفعت كلا من سما وحلا رأسيهما اليه وهما تعبسان من مزاحه فى مثل هذا الموقف ثم قالت سما بحنق
( فارس ..هذا ليس مضحكا )
لم يستطع فارس السيطرة على نفسه و ظل يضحك بصوتٍ عالى حتى دمعت عيناه و هو يقول من خلال ضحكه
( كان هذا رائعا ....... اقصد اقتحام ادهم لحمام السيدات , سيظل هذا الخبر يلاحقه لسنين عديدة )
انطلقت ضحكة ادهم تعقب ضحكات فارس بشدة ........فهتفت حلا به
( أتضحك الآن يا ادهم ..... بعد تلك الفضيحة التى تسببت بها ..... لهذا لجأت الى سما عين شعرت بالتعب .... كنت اعلم انك ستقوم بعملٍ متهور )
ظل ادهم وفارس يضحكان بينما كلا من حلا و سما تنظران اليهما بغضب .... الى ان قال ادهم و هو يضحك
( الموقف الحقيقي ليس مضحكا .... لكنهم صورره و كأني حاصرتك فى الحمام ......و كأننا لم نستطع الصمود ضد اشواقنا )
احمر وجه حلا بشدة و هى تصرخ بينما علت ضحكات فارس اكثر
( ادهم ........توقف )
التققط ادهم يدها برقة يقبلها وهو لايزال يضحك ثم قال
( و الحقيقة اننى اقتربت كثيرا من فعل هذا لولا تعبك .........)
سحبت حلا يدها بسرعة و هى تهتف حانقة ( ادهم إن لم تتوقف ..... فسوف أغادر الآن )
ظل ادهم يضحك بشدة ثم جذب مقعدها ليجره اليه بكل سهولة وهى جالسة عليه حتى اصبحت ملاصقة له ....ثم احاط كتفيها بذراعه وجذبها اليه ليقبل زاوية فمها بكل رقة الى ان ذابت تماما و همست
( ادهم توقف نحن لسنا وحدنا .........)
همس لها فى اذنها دون ان يسمعهما فارس وسما ( ما رأيك ان تسبقينني الى الحمام لنحصل على الخصوصية التى نريدها .......فلقد اغرتني الفكرة تماما )
احمر وجهها بشدة حتى اصبح بلون الكرز الشديد الحمرة فأدارت وجهها وهى تحاول الإبتعاد عنه قليلا هامسة
( ادهم ارجوك .....توقف )
الا أن ادهم لم يتركها وهمس مرة أخرى فى أذنها بصوتٍ اكثر انخفاضا و اكثر دفئا لتدخل أنفاسه الساخنة الى أذنها مباشرة
(للأسف أنا مضطر الآن للذهاب الى العمل ...... لكن حين أعود ...... لن نخرج من الحمام الى صباح اليوم القادم )
شهقت حلا آخذة نفسا عميقا وهى تكاد تسقط تحت المائدة من مشاعرها الهوجاء التى اشعلها ادهم بكلماته الخارجة عن إطار الأدب .....
كانت سما تراقب ادهم وهو يتهامس مع حلا بينما اصبح وجه حلا على وشك الأنفجار من شدة احمراره .... فتشوشت الرؤية أمامها فجاة بسبب غمامة الدموع التى غطت عينيها .......و هى تتذكر فارس الذى ما ان صعدا الى غرفتهما الليلة الماضية ..... حتى انقلب على جانبه موليا ظهره اليها وهو يتمنى لها ليلة سعيدة !!!........
كان يجب ان تتوقع هذا .........لقد أفزعته باعترافها الأحمق بحبها له , انه الآن بالتأكيد يشعر بها حملا ثقيلا على أكتافه , لا يريد ان يلتزم به .........الى متى ستظل تتعذب بقربه منها على هذا النحو ......
( بماذا شردتِ ؟........)
نظرت سما الى فارس الذى همس لها بهذا السؤال .... فقالت بصوتٍ منخفض بعد لحظة صمت
( كيف عرفت اننى كنت شاردة ؟.......)
قال لها بابتسامة رائعة سحرت عينيها
( انكِ تتشبثين بكفي .........)
اخفضت نظرها بسرعة لتفاجأ بأنها تمسك بيده الموضوعة على المائدة أمامها و هى غارزة اظافرها القصيرة فى باطن كفه بشدة دون ان تدري ......
تركت يده على الفور و كأنها لسعتها .......ثم ابتلعت ريقها وهى تقول بجفاء ٍ لم يخف على أذنه الحساسة
( كنت شاردة فى ........ لا يهم ..... شيئا لا أهمية له ......لا تهتم )
ابتسم و قد لمعت عيناه ببريقٍ مشتعل وهمس بداخله ...... صبرا ياسمينا ....صبرا .....
اقترب منها وهمس فى اذنها .......( يبدو انكِ غاضبة من شيءٍ ما ........ان ظللتِ غاضبة لن اخبرك بالمفاجأة التى أعددتها لكِ )
التفتت اليه بسرعة و هى تهتف بتوهج ( أي مفاجأة ؟.........)
ارتفع رأسي ادهم وحلا ينظران الى سما التى هتفت بسؤالها بصوتٍ عالى دون ان تدرك .......فاحمر وجهها بشدة و صمتت تماما
فقال فارس مبتسما ( لقد كنت اخبر سما عن المفاجأة التي حضرتها لها الليلة .........)
فابتسم ادهم وهو يقول بغموض ( حقا ........ )
أوما فارس برأسه مبتسما ثم التفت الى سما يقول ( الليلة ....... سنذهب لتناول العشاء في الخارج مع أدهم و حلا )
شحبت سما و بهتت ابتسامتها ... وظلت تنظر اليه طويلا و هى تشعر أنه القى عليها دلوا من الماء المثلج ...... المتبلد ... عديم الإحساس ....عشاء ؟!!!!...... ومع ادهم و حلا ؟!!!!!....... هل هذه هى المفاجأة التى اتعب نفسه فى تحضيرها ؟.........
بالطبع بالنسبة له يعتبر هذا عملا بطوليا و تضحيةٍ لا مثيل لها ..........فهو منذ اكثر من ثلاث سنوات تقترب من الأربع حتى الآن ....لم يخرج معها الى أي مكان ........لذا فهو الآن يعتبر نفسه قد قدم اليها نجمة من نجوم السماء ..........
لم تشعر يوما بنفسها حانقة عليه كما تشعر الآن ............تريد ان ترفض ..... لكن نظرات ادهم و حلا المسلطتان عليها منعتاها من التفوه بكلمة ........
الا انه بدا وكأنه يريد أن يثير غضبها اكثر و اكثر ........فقال بتلهف ساذج
( الست سعيدة ؟...........كنت اظنك ستقفزين كما تفعلين دائما حين تتحمسين لشىء ........)
قال كلمته الأخيرة بصوتٍ اكثر خفوتا و دفئا فاحمر وجهها بشدة حين تذكرت الأيام التى كانت تقفز فيها بأحضانه و هما وسط الأمواج الى ان يكبلها بذراعيه فيسقطا معا فى الماء ........
عديم الإحساس ....... عديم الاحساس ......يذكرها دون خجل بتلك الأيام التى اعطاها فيها دروسا غير كاملة فى الحب ليتركها تتلهف اليه اكثر واكثر ........
قالت ببرودٍ غير قادرة على إخفائه ( انا سعيدة ...... سعيدة للغاية ...... اكاد اطير من البهجة )
عبس فارس وهو يقول بعتاب ( انا اشتم رائحة السخرية فى كلامك .......هل هذه هى المكافأة التى احصل عليها فى النهاية ؟......)
مكافأة ؟!!!.........مكافأة ؟!!!!.........هل يعتبر اناء العصير الثقيل هذا خطيرا اذا كسرته على رأسه ؟.........
اخذت نفسا عميقا و هى تحاول تهدئة نفسها ...... تُردد بصمت .....اهدئى .... انه فارس حبيبك .....يكفي انه يحاول ابهاجك حتى وان كان بشىءٍ بسيط ...... الا تتذكرين اياما كنتِ تتمنين فيها وردة او حتى ابتسامة من شفتيه ......يكفي انه بجوارك ....... انه حبيبك فارس يكفي انه بجوارك لا يهم أي شيئا آخر .........لا يهم .......
التفتت تنظر اليه بعينين مجروحتين .... ثم ابتسمت اخيرا برقة حقيقية و هى تقترب لتقبل وجنته قائلة
( انا آسفة ...... لم أقصد اغضابك , انا حقا سعيدة .....شكرا لأنك فكرت بي )
مد يده ليغرز أصابعه في شعرها و هو يجذبها اليه ثم يطبع قبله قوية على خدها كادت ان توشمه من شدة قوتها ..... ثم قال اخيرا
(أنتِ تستحقين الأفضل ...........)
لم تفهم ماذا يقصد .....و ما هو الأفضل ؟..........لكنها رفعت يدها لتلامس قبلته المطبوعة على خدها و التي كان تأثيرها يضاهى تأثير أشد قبلات الغرام ..................
.................................................. .................................................. .................................
دخل ادهم مهران بكل هيبته و عنفوانه الى المكان .... فتوتر الجميع رهبة منه , تقدم الى الفتاة الجالسة على المكتب و التى رفعت رأسها اليه مشدوهة من جاذبيته الخارقة ........وصلها صوته الرجولي العميق يسأل
( هل السيد أيمن وحده ؟.......)
اجابت الفتاة بتلعثم (نعم وحده سيدى .... من نخبره ....)
الا انها لم تكمل سؤالها حيث فوجئت بأدهم يتقدم مباشرة الى المكتب المقابل بكل ثقة .... اندفعت الفتاة خلفه لتقول
(سيدي يجب ان تحدد موعد أولا ........سيدي لا يمكنك الدخول دون أن اخبر السيد أيمن )
كان ادهم قد فتح الباب بالفعل ودخل قبل ان تستطيع ايقافه ........اتجه ادهم الى الرجل المذهول الجالس خلف المكتب.....ووقف امامه ينظر اليه نظرة اثارت الهلع في نفسه من شدة بأسها ........
قال ادهم بكل ثقة وهدوء (اعتقد انه من الأفضل ان نتكلم بمفردنا......)
اشار الرجل المصدوم الى الفتاة بأن تخرج و تغلق الباب خلفها ..... و ما ان خرجت حتى قام الرجل من مكانه ليلف حول المكتب و يتقدم مادا يده ليصافح ادهم وهو يقول بتلعثم
( سيد أدهم ..... انه شرف كبير ان تأتي بنفسك الى مكتبي )
تجاهل ادهم يده الممدودة ......و قال بصوتٍ صلب
( اجلس...... هناك حديث بيننا و قد يطول )
جلس الرجل على احد الكرسيين امام المكتب بينما جلس ادهم على الآخر مستندا بظهره , واضعا ساقا فوق الأخرى بكل عظمة ......ظل ينظرلحظاتٍ قليلة الى الرجل المرتبك الجالس أمامه يتهرب من عينيه ....... ثم قال أخيرا بكل حزم
( دون أي مقدمات ..... أريد جوابا مباشرا على سؤالي .......من أين تعرف زوجتي ؟.....)
اتسعت عينا الرجل و ارتبك اكثر واكثر ثم قال يتلعثم اكثر من الأول
( زو....زوجتك ؟!!...... انا لا اعرف ..... انا لا اعرف زوجتك سيدي )
تظاهر ادهم بالنظر الى سترته بلا مبالاة .... ثم قال بصوتٍ اكثر هدوءا
( فلنجرب بطريقة ٍ اخرى ........)
فجأة انزل ساقه و هجم على الرجل الجالس امامه بسرعةٍ لم يتداركها .... ليجذبه بعنف ٍ اليه من أعلى ربطة عنقه ليضيق الخناق على عنقه اكثر و اكثر حتى كاد الرجل ان يختنق و قد اتسعت عيناه على اقصى مدى .......فقال ادهم بنفس الهدوء
( حسنا الآن ......هل سأحصل على اجابة أم اثير فضيحة هنا انت فى غنى عنها ؟.......)
أوما الرجل برأسه رعبا ..... فتركه ادهم بشدة ليسقط على كرسيه مرة اخرى ......... تحرك الرجل من مكانه يريد ان يستدعي الأمن الا ان صوت ادهم انطلق قاصفا
( اياك ان تفكر في التحرك من مكانك لأنك لن تستطيع الوصول سليما الى اي مكان...... كما احب ان اعلمك بأن لدي ملفا قد يودي بك خلف القضبان لسنين عديدة.... بالتأكيد انت اعلم بهذا الملف اكثر مني ..... فانا أحبائي كثيرين وقد سرهم للغاية ان يخدمونني في هذا الموضوع )
عاد الرجل الى الاعتدال فى مكانه محاولا التقاط انفاسه ثم قال اخيرا بخوف
( ماذا تريد ان تعرف ؟....... لكن يجب ان تعطيني الأمان اولا...... فما ستسمعه لن يعجبك )
كتم ادهم الشعور المقبض بداخله ....... وظل وجه صارما بلا اي تعبير بينما اعماقه تغلي من التوجس وهو يقول
(اعطيتك الأمان ..... تكلم )
قال الرجل و هو يحاول السيطرة على نفسه متحاشيا النظر الى عيني ادهم المتوحشتين
( لا أعرفها حقا ..... فقط قابلتها مرة فى حفل منذ عدة سنوات...... حفلا كان يقام كل فترة .....لم اكن اعرف وقتها من تكون , كنت اظنها ......)
ابتلع ريقه وهو يخشى على حياته من الوحش الجالس أمامه و المستعد للإنقضاض عليه في أي لحظة ..... فماذا ان سمع الباقي ؟......
اكمل يرتجف وهو لا يملك سوى ان يصل للنهاية
(حاولت ان اكلمها و قتها ......حين وجدتها تقف وحيدة , الا انها قامت بصدي بشدة ...... حينها اقترب مني احد أصدقاءنا وجرني بعيدا .... ليسألني ان كنت مجنونا لأتجرأ وأكلمها هي بالذات ...... فسألته عمن تكون اذا كانت موجوده فى مكانٍ كهذا ......)
ابتلع ادهم ريقه وهو يقول بصوتٍ خافت مرعب
( أي حفلا كان هذا ؟.......)
اخفض الرجل رأسه غير قادر على الرد مرتعبا من هول ما سيحدث بعدها ......لكن حين شاهد ادهم يتحرك قال بسرعةٍ بلا تفكير
( حفلا ..... من الحفلات التي .....)
لم يجرؤ على الإكمال و هو ينظر يمينه و يساره بتوتر ......لكن ادهم فهم ....فهم و اصابته الحقيقة فى مقتل .... الا انه سأل محاولا الا يتحشرج صوته .....
( مع من كانت ؟..........)
قال الرجل و أعماقه تتآكل من الخوف
( لم اكن اعرف وقتها ..........الا ان صديقي الذى سحبني من جوارها قال ....... قال .....انها ملك لرجل من رجال عصابات كان يحضر مثل هذه الحفلات دائما وكنا نراه كل حفل مع امراءة مختلفة ....ومعظمهن من سيدات المجتمع , الا ان هذه الحفلات كانت تتسم بالسرية ..... وفي هذا الحفل تحديدا كان المقربون منه يعرفون انه جاء لينال هدفه اخيرا من سيدة شهيرة ..... زوجة رجل أعمال فى امبراطورية ضخمة ......و قد جاء معها زوجها ...... فهذه الحفلات ..... انت تعرف .....)
سكت وهو يعلم انه أعطى للرجل الجالس أمامه السلاح الذى سيقتله به ........ثم قال ادهم اخيرا دون أي تعبير
(وما الذى حدث بعد ذلك ........)
قال له الرجل بسرعة ( أنا لا أعلم حقا باقي التفاصيل ...... فأنا ما أن سمعت اسم رجل العصابات هذا .. حتى ابتعدت عنها على الفور .....فهو كان رجلا لا يرحم ...... ولا يتوانى عن سحق من يقترب من ممتلكاته ......وقد انصرفت على الفور مبتعدا عن مشاكل انا فى غنى عنها .......لكن ما سمعته بعدها ........ان هذا الحفل انتهى بنهايةٍ مأساوية ..... بسقوطها من النافذة !!!......وقد ارعبني هذا , ان المرأة التى كنت أكلمها منذ عدة ساعات ... سقطت من النافذة !!!...... وقد دارت في خلدي كل القصص المحتملة من ان يكون سقوطها متعمدا أو تم القاؤها من النافذة ........كنت أظنها ماتت طيلة هذه السنوات ...... لذا فقد صعقت حين رأيتها مرة أخرى ..... ولم أخطئها ... فوجهها لا يُنسى بسهولة .......)
سقطتت من النافذة ..... سقطت من النافذة ...... لا لم تسقط .. لقد قفزت من النافذة ..... لقد نطقت بها حلا أمامه .... و هو اعتقدها تهذي ..... قام من كرسيه ببطء فقام الرجل خلفه لا يصدق بقاؤه على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ...... كان خلف ادهم مباشرة حين استدار ادهم بسرعة ليقبض بكلتا يديه على عنق الرجل الذى جحظت عيناه بشدة ...... ثم قال ادهم بشراسة و قد تحول فى لحظةٍ الى شيطان
( ان انتشرت كلمة واحدة مما سمعت الآن ...... فستكون من عداد الموتى أفهمت ؟.....)
أومأ الرجل مذعورا و قد أزرق وجهه من شدة الإختناق ..... ثم تركه ادهم أخيرا ..... الا أنه لم يتمالك نفسه ففقد السيطرة على أعصابه و لكم الرجل لكمة قاتلة اسقطته على الأرض مغشيا عليه ........ ثم اندفع خارجا وهو يحل ربطة عنقه بعنف....... يطلب هواءا نظيفا و هو يشعر بالإختناق من كل القذارة التى سمعها للتو ...........................
.................................................. .................................................. ................................................
أخذ يقود سيارته ......يقود و يقود .....بأقصى سرعة ..... انطلق كالسهم ناظرا أمامه بنظراتٍ شرسةٍ وحشية ......زاد السرعة أكثر ....حتى خرج من البلدة الى الطريق السريع ....... وظل يقود ويقود الى ان ابتعد كثيرا ........ اوقف السيارة فجأة الى جانب الطريق ... فدارت حول نفسها بعنف ٍ اكثر من مرة محدثة صريرا عاليا الى ان توقفت تماما بعد هذا الجنون .........
خرج منها و هو يصفق الباب خلفه بعنفٍ رج السيارة .........غرز اصابعه فى خصلات شعره يكاد يقتلعه من جذوره ...... ثم نزع سترته و القاها دون اهتمام فى الصحراء الممتدة امامه .... و تبعتها ربطة عنقه ......
ثم فجأة ترك كل سيطرةٍ كان يتحلى بها .......فأخذ يصرخ .. و يصرخ ... صرخاتٍ وحشية شيطانية ...وهو يركل اطارات السيارة بعنفٍ مرات ٍ بعد مرات .......
وظل على هذه الحال الى ان هده الإرهاق .....فانحنى ممسكا ركبتيه بيديه مخفضا رأسه .... محاولا التقاط انفاسه بصعوبة شديدة .....
استقام اخيرا وهو يلهث ....ثم مسح وجهه بكفيه و نظر في ساعة يده ببطء و تثاقل ..... لابد أن يعود من أجل فارس ......لا يعلم كيف سيواجهها .... لكن لابد ان يعود الآن.......اخذ نفسا عميقا ثم دار حول السيارة ليركبها و ينطلقا عائدا من رحلة الموت التى خاضها .....
.................................................. .................................................. ..........................................
ما أن دخل من باب القصر حتى واجهته حلا و هى تهتف
( ادهم ......... لقد تأخرت جدا .........هل نسيت موعدنا مع فارس و سما ..........)
اندفع اليها بعنف ثم مد يده ليقبض على مؤخرة رأسها ليجذبها مقبلا شفتيها بقوةٍ أوهنتها و أضعفت ساقيها ..... ظل يقبلها و كأنه كان عطشانٍ وجد ضالته ليرتوي دون ان يكتفي .......
ابتعد عها أخيرا ليترك لها الفرصة لتتنفس ..... ثم همس لها
(لقد اشتقت اليكِ ..................هل تدركين الى أي مدى ؟........هل يمكنك تخيل ما أشعر به من شوقٍ مضني اليكِ ؟.....)
نظرت الى عينيه بعينيها الجميلتين البراقتين اللتين عشقهما فى طفولتها .......ثم همست بقلق
( ماذا بك يا أدهم ؟..................انت تخيفني )
ضمها بين ذراعيه بقوةٍ حتى كاد ان يحطم أضلاعها ......ثم همس بقرب اذنها
( هل يخيفك شوقي اليكِ ......يجب ان تعتاديه حبيبتى .... فشوقي لكِ لن ينضب ابدا ....)
دفنت وجهها بصدره وهى لا تعلم لماذا شعرت فجأة بالرغبة في البكاء ............ ظلا يترنحان في احضان بعضهما قليلا الى ان حاولت حلا الابتعاد برفق وهى تهمس
( هيا يا ادهم لقد تأخرنا ..........)
ظل ممسكا بها بشدة و هو يهمس ( لا أريد تركك ...... أخشى أن اتركك لحظة واحدة فتضيعي مني للأبد .......)
عقدت جبينها و همست ( أدهم ما بك اليوم ؟..........أنا لن أذهب الى أي مكان ...و لن أضيع منك أبدا فلا تقلق )
مدت يدها الصغيرة ولمست بها جانب فكه الغير حليق و نظرت الى معالم التعب و المعاناة المرتسمة على وجهه ثم همست مرة أخرى
( كيف أضيع و انا لم أعد اتمكن من التحرك بدونك ......لا أطمئن الا حين اتشبث بأصابعك .....لا أنام الا بين ذراعيك ......هل تعلم...... الليلة الماضية انتابني كابوسا فظيعا كما يحدث لي دائما ..... الا أننى هذه المرة أدركت انه كابوسا ... وانا لازلت بداخله اخذت أنادي عليك ....ايقظني ادهم .... ايقظنى )
ضمها اليه بشدة وهو يتأوه بصوتٍ عال ....ثم اخذ يهمس (سامحيني يا حلا .....سامحيني )
ابتعدت قليلا لتسأله بحيرة ( أسامحك ؟......... على ماذا ؟!!.......)
لم يستطع ان يجيبها فصمت وهو يقبلها برقة ..... ثم قال بعد وقتٍ طويل بصوتٍ متحشرج
(معكِ حق لقد تأخرنا .........سأذهب لأستعد )
ثم تركها ليصعد السلالم جريا ...... وهى تنظر اليه بقلق .... و تسأل نفسها ان كان مريضا أو حدث شيئا أزعجه .........
.................................................. .................................................. ..........................................
كانت سما تقود السيارة بهدوء تستمتع بالنسيم الناعم و هو يدخل من النافذة ليتتطاير شعرها بنعومةٍ معه ........كانت شاردة تماما فى احلام اليقظة التى أصبحت تراها دائما .......... أحلامٍ وردية ٍ رائعة تجمعها بحبيبها ..............
تنهدت بعمق ووجهها يحمر من تخيلاتها المجنونة ...............
( لماذا تتنهدين ؟........) وصلها صوت فارس ليقطع احلامها المبهجة فالتفتت تنظر اليه وهو جالسا بجوارها و تبدو على وجهه معالم الراحة و الانشراح ..... هل هو سعيد لأنهما سيخرجان معا للمرة الأولى منذ أن تزوجا .........هل لهذا أصر ان يأتيا بمفردهما فى السيارة وهى تقودها ...... اذن لماذا دعى ادهم وحلا ؟..... لماذا لم يخرجا للمرة الأولى بمفردهما ......
مدت يدها تمسك يده و هى تهمس ( اتنهد لأننى سعيدة .......) ولم تكن تكذب ....سعيدة بالفعل لكن تتألم ..........
ثم عاد الصمت يسودهما الى ان وصلا أخيرا .......ووصل حلا و ادهم فى نفس الوقت ......فوجئت سما بالمكان الشديد الرقي الذي حجزه فارس ...... انه رائع و عالى المستوى جدا ......يا حبيبي فارس كنت تريد اسعادي و انا اظل اتذمر .... لكن ماذا افعل و انا اتألم من شدة شوقي اليك .......
دخلو جميعا الى هذا المكان الراقي الخرافي في جماله ..... حتى وصلو الى طاولة مميزة أعدت لهم خصيصا .....لكن قبل ان يجلسوا قالت حلا وهي تمسك بيد سما
( اعذرانا قليلا .....سنذهب للحمام )
تنهدت سما باحباط اصبح لا فارقها مؤخرا ..... ثم قالت بوجوم
( اذهبي انتِ يا حلا ......لا اريد الذهاب )
سكتت حلا لحظة ثم همست في اذن سما ( لا اريد الذهاب وحدي فقد اتعب مثل المرة السابقة )
تنهدت سما للمرة الألف منذ الصباح لكنها همست (حسنا ....هيا )
خرجتا من قاعة الطعام و سارتا معا فى ممرٍ طويل .....تضيئه الاضواء الخافته و قد سمعت سما صوت الحانٍ ناعمةٍ من بعيد .... روعة المكان و سحره اثرا في سما بشدة و بسرعة امتلأت عينيها بالدموع ..... فتوقفت مكانها غير قادرة على التحرك ....
التفتت حلا تنظر خلفها حين شعرت بسما تتوقف ...ففوجئت بسما تنظر اليها في أسى و عيناها مبللتان بالدموع ...فاقتربت منها حلا بسرعة وهمست لها
( ماذا بكِ سما .؟.......)
شهقت سما شهقة صغيرة لم تستطع كبتها ثم قالت وهى تبكي
( حلا انا متعبة .......متعبة جدا .....)
سألتها حلا بقلق ( بماذا تشعرين ......هل تريدين ان استدعي ادهم )
اشارت سما برأسها علامة النفى ....فمدت حلا يديها لتمسك بوجه سما و سألتها
(اذن ماذا بكِ ؟..........)
ازداد بكاء سما و تحول الى شهقات معذبة ثم قالت وهي تنشج
( لم أعد أستطيع التحمل اكثر ........انا .....انا احب فارس جدا ....احبه جدا ..جدا)
عبست حلا بحيرة و قالت ( اعرف انكِ تحبينه لكن لماذا تبكين ؟...هل آذاكِ مرة أخرى ؟.......)
هزت سما رأسها مرة أخرى و صمتت ثم همست أخيرا بعجز
( حلا .... انا لم اصبح زوجة فارس بالفعل الى الآن .......)
ازداد عبوس حلا وهى تسأل ( لا أفهم .....ماذا تعنين ؟........)
احمر وجه سما بشدة فاخفضته وهى لا تصدق أنها تتكلم مع حلا ..... فى هذا الموضوع الخاص ........ وهنا حيث من الممكن ان يسمعهما اي شخص ......الا انها لم تعد تملك القدرة على التحمل.....تريد ان تفضي بألمها الى أحد ...... ليت سابين كانت موجودة الآن .........
همست بعد عدة لحظات و هى تحاول السيطرة على بكائها
( فارس لم يقترب منى ابدا ........)
حسنا .... في الواقع .... لقد اقترب ..... و اقترب جدا ......لكنها لن تخبر حلا عن هذه التفاصيل ابدا ..... وخاصة حين ارتدت ثوب السباحة !!!!.....
ابعدت تلك الأفكار عن خيالها المجهد ....وظلت صامتة تنتظر ردة فعل حلا على ما قالته .....و بعد لحظات هتفت حلا بعدم تصديق
( هل لازلت ؟!!!!.........)
أومأت سما برأسها ببطءٍ و بخجل .....لكن ما لم تتوقعه هو ان تنفجر حلا بضحكةٍ عالية للغاية ......عبست سما ونظرت حولها ثم قالت بحنق
( حلا هذا ليس مضحكا ........انا اتألم و احتاج الى دعم وليس الاستهزاء )
حاولت حلا كتم ضحكاتها بصعوبة وهي تمسح الدموع من عينيها ثم قالت بذهول
( آسفة عزيزتي .....لكننى لا استطيع تصديق تشابه قدرينا بهذا الشكل ........)
سألتها سما بحيرة ( ماذا تقصدين ؟...........)
سكتت حلا لحظاتٍ وهي تنظر الى سما بشرود ثم قالت اخيرا وهى تمد اصابعها لتلامس وجنة سما بنعومة
( لا تهتمي حبيبتي فأنتِ بالتأكيد قدرك أهون من قدري )
ثم اكملت بحزمٍ رقيق ( اذن فانت تبكين لأنك ِ لم تصبحي زوجة فارس بعد ...........لكن اعتقد ان هذا على وشكِ التغيير حبيبتي )
لم تفهمها سما لكن حلا سحبتها من يدها و اتجهت بها الى الغرفة الموجودة فى آخر الممر ..ثم فتحت الباب ودخلت امامها لتقول وهى مبتسمة بكل رقة ونعومة
(سيداتي ........لقد وصلنا )
ثم وقفت حلا على طرف الباب و مدت يدها بحركة دعوى لسما بأن تدخل من الباب و قالت ( تفضلي ......)
دخلت سما بحيرة الى غرفةٍ انيقةٍ واسعة .... ففوجئت بفريقٍ من عدة فتيات ينظرن اليها مبتسمات فالتفتت لحلا تقول
( حلا انا لا أفهم ... ماذا يجري هنا )
ابتسمت حلا وهمست بنعومة ( انظري خلفك ..........)
نظرت سما خلفها ..................... فوجدت فتاة من الفتيات يتمدد على ذراعيها فستانا ..........فستانا أبيضا طويلا ...... استغرقت سما عدة لحظات لتدرك انه....... فستان زفاف ...........
رفعت سما يديها الى فمها و هي تشهق بصوتٍ عالي .........
وضعت حلا يدها بخفةٍ على كتف سما و همست ( لا وقت للصدمة الآن ..... فهناك عريسا وسيما ينتظرنا بالخارج ......فان تأخرنا قد يخطفك و يهرب )
.................................................. .................................................. ...............................
كان فارس واقفا في اول الممر ..... فارسا بحق ....يرتدي بدلة الزفاف ......وسيما ....وسيما جدا ......يبدو عليه الشوق و اللهفة والتوتر ......و بجانبه وقف ادهم ينظر مبتسما .......
سمع فارس صوت ادهم وهو يقول بانبهار
( ياالهي ......انها تبدو .........)
قاطعه فارس بعنف ( لا تكمل ......استحلفك بالله الا تكمل يا ادهم .......يكفيني انى لا اراها ......لا اتحمل ان يراها الجميع الا انا ...)
ابتلع غصة فى حلقه و هو يشعر بأدهم يربت برفق على كتفه .......انها تقترب .... تقترب ....يسمع حفيف ثوبها وهي تجره خلفها على الأرض ......
وصلت اليه وهمست بتحشرج وهي تغالب دموعها
( انا هنا حبيبي )
سألها فارس برقة ( هل أعجبتكِ مفاجأتي ؟........)
همست سما بضعف ( وما أروع من هذا ؟........)
.مد يده لتصل الى خصلاتٍ ناعمة انسابت كلها على جانبٍ واحد لتسترسل على كتفها و تغطيه حتى تصل الى منتصف ذراعها .......
مد يده الى الجانب الآخر فشعر بنعومة عنقها المكشوف تحت اصابعه ..............رفع يده الى أعلى رأسها ليجد طوقا من الورود الصغيرة مثبتا على قمة رأسها لتنساب منه ترحة الزفاف الناعمة الخفيفة........
مد لها ذراعه فتعلقت به على الفور .......ثم سارا الى قاعة الطعام التى خفتت انوارها و انسابت فيها الموسيقى الناعمة ......فوجئت سما بكل المتواجدين يصفقون بشدة و يصفرون لهما فاحمر وجهها بشدة .....فهمست لفارس
( فارس من هاؤلاء ؟.......)
قال لها فارس مبتسما ( انهم اشخاص ٍ جاؤا ليتناولوا عشائهم اليوم هنا .......)
قالت سما بدهشة (الم تدعو احدا ؟........)
اجابها ببهجة (لقد دعوت كل الموجودين هنا على العشاء ...........)
ضحكت سما بذهول ( لا أصدق ...... لا أصدق ..... انا احضر زفافي مع أشخاصٍ غريبة عنا متواجدين هنا بالصدفة )
ضمها فارس اليه وهو يهمس ( انهم يحملون بداخلهم الآن مشاعرا حقيقية اكثر ممن نعرفهم ..........)
لم تشعر انه قد بدأ يميل بها على أنغام الموسيقى الناعمة ........ظلا يتميلان فى أحضان بعضهما .....وهو يدفن وجهه فى عنقها لايتوقف عن تقبيله حيث لا يرى أحدا شفتيه ...... بينما تشعر هي بالنار الذائبة تسري في عروقها ........
وحين انتهت الموسيقى تعالا تصفيق الحضور .......لتفاجأ بفارس يتركها ثم ينحني ليجثو على ركبةٍ واحدة أمامها ثم مد يده الى داخل سترته ليلتقط شيئا ...... و سرعان ما أمسك يدها ليدخل بها خاتما رائع الجمال ........ثم همس بصوتٍ اجش
( نسيت ان أسألك منذ ثلاث سنوات ........أتتزوجيني ياسما ؟.)
وقتها لم تحاول السيطرة على دموعها أو المحافظة على زينتها فأخذت تشهق باكية بصوتٍ عالي ......
عقد فارس حاجبيه ليسأل ( هل هذه موافقة ؟............)
أومأت برأسها وهى لا تستطيع النطق ...... لكنه بالطبع لم يرها فتكفل جميع الموجودين بالهتاف انها موافقة .......
فنهض فارس ليحملها بين ذراعيه و يدور بها ..... بينما يطير فستانها حولهما ......
.................................................. .................................................. ..........................
جلس فارس بجوار سما فى السيارة بينما اخذت هى تلوح لأدهم وحلا .... فقال أدهم بعدم اقتناع
( لازلت غير مقتنع ان تقود سما السيارة الى بيت الشاطىء وهى بفستان الزفاف ........هذا لا يليق )
قال فارس بانفعالٍ عاطفي
( بل ستأخذني قائدتي الخاصة الى هناك .........ولن أقبل بغيرها )
بعد ان ودعاهما انطلقت سما بالسيارة يتطاير شعرها ........... وترحة زفافها هذه المرة ..................
مدت يدها لتمسك بيد فارس الموضوعه على فخذه ....... بينما أمسكت أعلى المقود بيدها الأخرى ...........فقال فارس باثارة
(أنت تقودين بيدٍ واحدة بمنتهى المهارة ............)
نظرت اليه ثم أعادت نظرها الى الطريق و هى تقول بعبث
(أنا ماهرة في كل شىء حبيبي ........)
اتسعت ابتسامته وهويقول بهمسٍ اجش (سنرى مدى مهارتك ما ان نصل سيدة سما .....)
لم تستطع سما الرد عليه فاكتفت بأحلام اليقظة و التى ستتحول الى واقع الليلة .................. أخيرا
مع كل دقيقة تمر تزداد خفقات قلبها جنونا .... حتى صارت فى النهاية دويا عميقا يعصف فى اذنيها ....و اخيرا انتهى الطريق و صفت سما السيارة امام المدخل ...... التفتت الى فارس الذى كان صامتا منذ فترة و سألت نفسها بما يفكر ..... هل يعيد أفكاره ....هل غير رأيه ..... لم تعد فجأة واثقة من نفسها ..... فثلاث سنوات ليست فترة هينة .... ثلاث سنوات افقدها فيها فارس ثقتها بنفسها تدريجيا حتى باتت معدومة .....حتى لحظات اقترابهما العاطفية , ظنت اكثر من مرة انه لا يفعل ذلك الا ليؤلمها بتركها بعد ان يرفعها لسماء المشاعر المجنونة ......لكن ما فعله الليلة ...... ما فعله الليلة كان حلما فوق الخيال ..... لم تشعر يوما بأنها سعيدة لهذا الحد المجنون ... الحد الذى اشعرها بالرعب .....الرعب من فقدان هذه السعادة .......آه يا فارس ... لا تفسد علي سعادتي .....ارجوك حبيبي لا تفسد علي سعادتي ...... قد اموت وقتها .... لم اعد استطيع التحمل اكثر ... لم اعد قوية بما يكفي .....
همس برقة و تردد
(لقد وصلنا يا فارس ........)
ظل صامتا لحظة غاص فيها قلبها رعبا ثم قال بصوتٍ يحاول فيه كبت الكثير
(هل انتِ مترددة ؟........)
اتسعت عيناها و هى لا تفهم سؤاله , او فهمت منه انه يتمنى ترددها ليظهر تردده هو الآخر .......فقالت وهى ترتجف
(ماذا تقصد ؟........)
اجابها بصوتٍ مكبوت و هو يحاول اخفاء انفعاله
(اسمع نبرة التردد فى صوتك ...... هل تعيدين التفكير فى علاقتنا ؟ لقد فاجأتك الليلة و لم اعطكِ الفرصة للتفكير فى تطور علاقتنا ....)
اخذ ارتجافها يتزايد و هى لا تصدق انهما جالسان فى السيارة يتحدثان بمنتهى الموضوعية فى أمرٍ كانت تظن انه بات جليا لديه ........
تنفست بصوتٍ مرتجف مسموع ثم سألته هامسة
( وهل تعطيني الآن الفرصة للتفكير بجدية ؟..........)
مد يده و نزع حزام الأمان ثم فتح الباب المجاور له و هو يقول بصرامة
(انزلي .......)
ثم نزل و صفق الباب بعنف و انتظرها الى ان وصلت اليه ثم سحبها من يدها و اندفع الى مدخل المنزل متعثرا وهو يجرها خلفه تتعثر هى الاخرى فى فستانها الطويل و هى تقول لاهثة
1
( انتظر يا فارس ...... انتظر سنسقط معا )
حاولت التوقف و هى تقول بارتجاف
( انتظر على الأقل لأحضر حقيبة ملابسنا من السيارة .....)
قال لها بعنف ( اتركيها ........)
حاولت جذب يدها منه مرة اخرى وهى تقول ( لكن ليس لدينا ........)
الا انه جذبها من خصرها اليه بشدة و هو يقول ضاغطا على اسنانه
قلت لك ِ اتركيها والا القيتها في البحر و بقينا هنا بدونها ..........)
اخرج المفتاح من جيب سترته واعطاه لها وهو يقول بصلابة
( افتحي الباب ........)
فتحت الباب بعد عدة محاولات فاشلة من شدة ارتجاف اصابعها ثم شعرت به يدفعها أمامه بخشونة ........ الى ان دخلا ثم اغلق الباب خلفه بشدة و ما لبث ان التفت اليها ليمسك بكتفيها بقوة وهو يصر على اسنانه
( اذن ....... فانتِ تحتاجين فرصة أخرى للتفكير ؟.......بعد كل محاولاتك المستميتة لإغوائى ؟........الآن .... الآن يا سما تترددين حين يصل الأمر الى نقطة اللا رجوع ......)
صمت لحظة وهو يلتقط انفاسه الهادرة ..... ثم اكمل بما يشبه الفحيح اللاهب و وجهه يقترب من وجهها ليلفحه بأنفاسه الساخنة
( ثلاث سنوات ...... ثلاث سنوات و انا مرتبط بكِ , مخلص لكِ , اسمع همساتك التى تزداد نعومة كل يوم . اشعر بخطواتك من حولي و كأنك ترقصين لي دون ان اراكِ ....... تخرجين من شرنقتك يوما بعد يوم لتتحولين الى فراشة ناعمة تطير من حولي فى كل مكان ....... تلقي بسحرها الأخاذ علي لتهدد السيطرة الهشة التى فرضتها على نفسي ...........)
1
تركت يداه كتفها و امسكت بخصرها تشدها اليه بقسوة مما جعلها تشهق بشدة بينما حطت شفتاه على عنقها تداعبها وهو يأخذ نفسا عميقا منها ثم يهمس
(استنشق عطرك الذى تتعمدين اغراق نفسك به كل يوم ........ثلاث سنوات و انا امنع نفسى عنكِ .... لا اجرؤ على الاقتراب منك ِ وانتِ ملكى ........ )
تحرك وجهه ببطء ليمر بأنفه على صدغها و هولايزال يستنشقها بعمق و كأنه يتنفسها .......
(الى ان قررت ِ انتِ يا صغيرة لعب العاب الكبار .......منذ اشهر و انتِ تلعبين لعبة الإغواء والتى تجهلين قواعدها تماما .........)
اخذ فمه يقترب من فمها وهو يتابع همسه فوق جانب فكها
( هل تعلمين بماذا اشعر حين اجد تلك الصغيرة البريئة تحاول جاهدة استمالتي بكل الطرق الساذجة و البريئة التى تعرفها ........ و العجيب فى الأمر انها بكل سذاجتها اصبحت تشكل لي هوسا مع مرور الأيام ......... اصبحت اشد انواع جنوني ...... بت لا ارى غيرها ...... اتخيل نفسي معها , الامسها , اعلمها الحب كما تستحق , اذيبها بداخلي ....... اعلمها الا تعبث بلعبة الا ان كانت تدرك عواقبها ............عواقبها المجنونة ....جدا .....جدا )
كانت سما اثناء همسه الأجش تتنفس بصوتٍ يتعالى شيئا فشيئا حتى بات كشهقاتٍ لا تستطيع السيطرة عليها ........ وقتها ابتسم فارس بوحشية و جذبها اليه بعنف يهمس فوق شفتيها
( اذن يا سيدة سما ........ هل تحتاجين فرصة لإعادة التفكير ؟.... لانك لو كنتِ تحتاجين اليها ..... فيؤسفني ان اخبرك ان وقت التفكير قد انتهى منذ زمن ....... وآن وقت الأفعال )
ثم لم يلبث ان انحنى وحملها بحركةٍ واحدة جعلتها تشهق بصوتٍ اعلى و سار بها محددا مكان غرفة النوم بمنتهى المهارة ..........و ما ان دخل بها حتى انزلها على قدميها و مد يديه يتلمس ترحتها لينزعها عن رأسها و يلقي بها بعيدا ......ثم اعاد شفتيه الى الجانب المكشوف من عنقها و الذى يبدو انها تركته مكشوفا فقط ليقبله كما يشاء .........
شعرت سما بساقيها تذوبان من تحتها لا تقويان على حملها حين شعرت بيديه تجذبان طرفي الرباط المعقود اسفل ظهرها ثم تصعدان لتسحبان الرباط من عقداته المعقودة واحدة تلو الأخرى على طول ظهرها ..... ببطءٍ شديد كاد ان يحرقها الى ان انزل الثوب عن كتفيها و نزل بشفتيه معه .....حينها فقد الوقت معناه لكلا منهما و باتت الدقائق تمر بهما لا يشعران الا ببعضهما .... الى ان فقد فارس صبره اخيرا و حملها مرة اخرى وهو يتأوه هامسا
( اين الفراش ؟.........)
2
استطاعت سما النطق بصعوبة بصوتٍ لا يكاد يسمع وهى تنظر الى الفراش بعيونٍ زائغة
( بضع خطوات الى يمينك ...........)
ابتسم فارس حين سمع موافقتها المستترة اخيرا ثم سار بها الى الفراش بسرعة الى ان اصطدمت ساقاه به فالقى بها فوقه وهو يسمع صرختها الصغيرة فاخذ يخلع سترته بعصبية ثم يلقي بها ارضا ... تلاها قميصه ........و اخيرا وصل اليها و هو يميل بوجهه عليها يلهث من العاصفة الطاحنة بداخله ........ظل صامتا لحظة واحدة ثم قال بشراسة
( انتِ صغيرة جدا يا سما ....... و بريئة جدا .....جدا .... لا اريد ان اؤلمك اكثر مما آلمتك سابقا ...... لكنى لا استطيع الانتظار اكثر من ذلك ..........)
ثم هجم عليها ينهل من نبع حبها الذى حرم منه طويلا ..... طويلا ..... وظلت الغرفة صامتة لا يتعالى فيها الا اصوات تنفسهما و صوت امواج البحر الواصلة اليهما من النافذة التى ترسل بشعاع القمر ليغطيهما بوهجه الفضي ..............
.................................................. .................................................. .................................................
افاقت من نومها على اشعة الشمس الدافئة التى تداعب وجهها و على لمساتٍ كرفرفة اجنحة الفراشات تداعب كتفها و ذراعها .....رفعت يدها لتزيح شعرها الطويل عن وجهها ....... فرأت الوجه الحبيب يطل فوقها مبتسما بعبث ثم همس
( صباحا مباركا يا عروستي ...........)
3
احمر وجهها بشدة وخيالات الليلة الماضية تطوف برأسها فى لحظةٍ واحدة ......لم تستطع منع ابتسامة من الظهور فوق شفتيها فسألها
(لماذا تبتسمين ؟..........)
اتسعت عيناها و قالت هامسة
(كيف عرفت اننى ابتسم ........)
اجابها وهو يضحك بخفة
( الآن عرفت ...........)
ازداد احمرار وجهها و عبست بدلال ثم قالت ( لن تتغير ابدا .......)
ازداد اقترابا منها وهو يجذبها اليه هامسا ( الم اتغير ليلة امس عن فارس الذى عرفته قبلا .............)
شعرت ان وجنتاها ستنفجران من شدة اندفاع الدم اليهما و قالت بحنق ( فارس ........ توقف عن هذا )
اخذ يقبلها على شفتيها بكل رقة الى ان ذابت تماما بين ذراعيه ثم قال بصوته الأجش
( هل كانت ليلة أمس كما تمنيتِها وحلمتِ بها ...........)
عبست مرة أخرى وهى تقول ما بين الغضب و الخجل
(لم أتمنى شيئا ......... تجعلني أبدو يائسة )
5
اخذ يضحك بشدة و هو يقبل وجنتها و يقول
( نعم كنتِ شديدة اليأس و الإحباط ........ الا تعلمين اننى كنت استطيع تبين ذلك من صوتك الرائع بكل سهولة )
حاولت سما سحب نفسها منه وقد بدأغضبها يتزايد من مزاحه الثقيل و الذى احرجها بصدقه الا ان فارس ابى ان يتركها تبتعد عنه اطلاقا وهويشدد من تطويقه لها وهو يهمس لها بجدية
(لكني كنت اكثر منكِ يأسا و احباطا ...... هل كنت قاسيا عليكِ ليلة أمس ؟.....)
اسبلت جفنيها بخجل و هى تهمس ب (لا ) ناعمة دافئة جعلته يشعر بمشاعر غريبة بداخله فقال لها بوجوم
(لم ارد ان اؤلمك يا سما ......لكننى شعرت بتملك فظيع مؤلم لكِ ........انتِ تعلمين انكِ اصبحتِ ملكي اليس كذلك؟.......كنتِ دوما ملكي الا انكِ اصبحت كذلك قولا وفعلا ........... ولم يعد هناك مجالا للتراجع الآن , لن تكون حياتك لغيري ابدا فهل انتِ مدركة لذلك ؟........)
1
ارتجفت بين ذراعيه مع ارتجاف قلبها ..... لقد قال كل كلمة تسعدها ....يملكها ...يريدها ....يراها ...الا انه لم ينطق بالكلمة التى تتمناها اكثر من أى شىء فى هذا العالم .........جعلها تقولها له و ترددها كثيرا كثيرا الليلة الماضية فى غمرة هواهما ......لكنه لم يرد بها كان يسمعها ترددها كل مرة ليزداد جنونه .....لكنه لم ينطقها ولو لمرة واحدة ......ولم ينطقها الآن بعد ان هدأ جنونه ......... هل من الطمع و الجنون ان تشعر بلسعة الم خفية فى احدى زوايا قلبها ؟........بعد كل السعادة التى لم تعرفها قبله و جعلها تحياها ليلة أمس ........هل هى مجنونة .........ابعدت تلك الأفكار عن رأسها و حاولت تناسيها ثم نظرت لعينيه البراقتين الرائعتين و ما لبثت ان همست
(لطالما كنت ملكك يا فارس .....فكم مرة يجب ان أعيدها عليك لتصدقها ؟......)
ارتسمت ابتسامة شيطانية على شفتيه و هو يقترب منها بعينيه اللتين عادتا الى عبثهما من جديد و هو يقول
( ستكرريها للساعة الآتية ..........)
دفعته فى صدره و هي تقول ضاحكة
(كفى عبثا يا فارس ........... هل تتكرم و تخبرني كيف سنخرج الآن بهذا الشكل لنحضر حقيبة ملابسنا من السيارة ......)
اخذ يضحك وهو يقبلها قائلا
(و من قال اننا سنخرج من هنا ؟..........)
ابتعدت عنه تضحك بينما هو يشن هجوما جديدا عليها لينتهي بإسكات ضحكاتها تحت ضغط شفتيه المتوحشتين وهو يرفعها فوقه بحركةٍ سريعة و هو يعلمها الدرس الثاني من دروسه الفعالة...........الى ان غابت تماما عن العالم من حولها ........و بالتأكيد نسيا حقيبة الملابس تماما .........
1
كانت تجلس معه فى الشرفة صباحا .....الافطار معدا امامهما لكنه لم يُمس من أيا منهما .......الصمت يسودهما و الهواء البارد يلفحهما و قد شرد كلا منهما بافكاره ....... هى بعيدا ...بعيدا جدا .......تمسك بالغطاء السميك الذى لفه حولها منذ قليل و كأنه حبل النجاة الذى تتشبث به ........
بينما هو شاردا بأفكاره فيها هى ...دون غيرها .....يراقب وجهها الاحمر من لمسات الهواء الباردة ....ينظر مفتونا الى شعرها الطويل الذى يطيره الهواء و يبعثه ليكاد يلمس وجهه .......
مرت عدة أيام منذ زفاف فارس وسما و من يومها و هو يعاني معاناة قاتلة .....يحاول اخفاء ما يعانيه عنها , الا انه متأكد تماما انها تشعر بتغيره لكنها لا تتكلم .....فقط تنظر اليه بين كلِ لحظةٍ و أخرى .... نظرةٍ متألمة و كأنها تسأله عما به لكنه يتظاهر بعدم ملاحظة نظراتها التى فى الحقيقة تقتله قتلا ........
لا يستطيع كلما نظر اليها الا ان يتخيل خيالات مؤلمة مرت بها طوال الفترة التى بعدتها عنه ..... مما يجعله كالمجنون لا يريد ان يفارقها لحظة واحدة .....
تقريبا طوال سنوات حياتها و منذ ان كانت في الخامسة و هى فعليا تحت حمايته .....حتى و ان كانوا جميعا لا يدركون ذلك , منذ ان كان صبيا فى السادسة عشر من عمره وهو يعتبرها ملكه ومسؤليته الخاصة اكثر من أختيها دون ان يدري لذلك سببا .....الى ان كبرت أمام عينيه سنة بعد سنة و أصبحت صبية رائعة تخطف الأنظار .........لتشعل الوحشية الفطرية بداخله و التى كان يحاول السيطرة عليها على مدار السنين ........و فى المرة الوحيدة التى غفل عنها .........ضاعت منه ,........ضاعت لمصيرٍ أسوأ من الموت ......فكيف يحتمل ؟...... كيف يحتمل كل ما عرفه ؟........وهو الذى يغلق عليها الأبواب لا يحتمل نظرة أى كائن بشري لها .......يخاف عليها من نسمات الهواء ......
أعاد نظره اليها ففوجىء بها تشهق دون أن تصدر أى صوت و خطوطٍ من دموعٍ صافيه ارتسمت بنعومة على وجنتيها ......شعر ان قبه قد تلقى لكمة من منظرها الصامت .......فاندفع من مكانه ليجثو القرفصاء أمامها ...... ثم أمسك بيديها الصغريتين اللتين اختفيتا تماما داخل كفيه الضخمتين ....... ثم سألها برقة حتى لا تجفل
( حلا حبيبتي ........لماذا تبكين ؟.......)
نظرت اليه بحيرة و كأنها لم تفهمه ثم لم تلبث ان سحبت احد يديها منه لتمررها على وجنتها لتتأكد من وجود دموعٍ عليهما .......لم تدري بماذا تجيبه , لم تكن تدري أنها كانت تبكي ..... ها هي تثبت له من جديد انها لا تزال شخصية غير متزنة كما قال لها ذات مرة ........لقد بدأ يتغير .... ومن يلومه .....انه ادهم مهران الذى يستحق الأفضل .......وهى بالتأكيد ليست الأفضل..........
نظرت اليه تحاول الابتسام ثم قالت باهتزاز
(هل تصدقني لو أخبرتك اننى اشتقت لسما ؟........)
نظر اليها بجموح يهزه ضعفها ........بالرغم من أنه متأكد ان هذا ليس سبب بكائها الا انه صدق اشتياقها لسما .....وهذه علامة جيدة ...جيدة جدا ......فابتسم لها برقة و مد يده ليمسح دموعها بنعومة كادت ان تذيبها ....فاكملت هامسة
(كنت قد بدأت أعتاد على وجودها بجانبي الأيام السابقة .......)
ابتسم ابتسامة رائعة ثم قال لها بجدية تكاد تكون صارمة
( ان كنتِ تحتاجين اليها فما عليكِ الا ان تقولي و سآمرهما بالعودة ......ولو رغما عنهما ...)
ضحكت برقة وعذوبة وهى تقول
( كنت قد نسيت كم من الممكن ان تصبح وحشا ..........)
ازدادت ابتسامته عبثا وهو يقول بهزل أجش
( نسيت بهذه السرعة ؟.......بإمكانى ان اذكرك كل ليلة حتى لا تنسي أبدا .....)
احمرت وجنتاها بشدة و اطرقت بنظراتها بعيدا عن نظراته المشتعلة اليها ......هو لا يعلم كم هى تريده ان يذكرها بهذا كل يوم و كل ليلة وكل لحظة .......حين تكون معه .....حقا معه بين ذراعيه فى لحظاتهما المجنونة , تنفصل تماما عن واقعها وتنسى كل ما مر بها قبلا ....لذلك تتعمد اثارته دائما دون ان يشعر بتعمدها .......ليذهب بها الى عالم غير العالم الذى عاشته , والذى يبقى قابعا فى زوايا عقلها الى الآن .....آبيا ان يتركها لحياتها النظيفة التى لم تعرفها الا ببيته هنا .......
رفعت نظرتها اليه لتبتسم لعينيه اللتى تأكلها أكلا ......ثم همست
( انا لا أريد ان ازعجهما ........سما تستحق السعادة أخيرا لقد تألمت كثيرا هى أيضا .......)
شتمت نفسها بصمت حين شاهدت نظرته تتغير وتتصلب و تعود الى الغموض الذي يسكنها منذ أيام ......لماذا لم تفكر قبل أن تنطق كلمتها الأخيرة الغبية و التى عادت لتذكره بما لا يعرفه بعد عن ماضيها .........
رفعت يدها لتلمس خده برقة وهمست تحاول اعادته الى مشاعره الجامحة
(أدهم ابقى معي اليوم ........لا تذهب للعمل انا اشتاق اليك كثيرا )
ابتلع ريقه بصعوبة وهو لا يريد ان يضعف أمامها ثم قال بلهجةٍ حاول ان يخفي الألم فيها
( انا اشتاق اليكِ اكثر و اكثر يا حلا .........لكن ......لكن لابد ان اذهب اليوم .......اسمعي ....لقد اخبرت السيدة اسراء ان تصطحبك الى المجمع التجاري ما رأيك ؟........)
اتسعت عيناها بدهشة لا تصدق ما يقوله فى لم تخرج منذ تزوجته الا لزفاف سابين و زفاف سما....ثم قالت مصدومة
( حقا يا ادهم هل ستسمح لي بالخروج ؟.........)
اخذ نفسا عميقا وهو يتمنى ان يتراجع عن قراره ليعود ويغلق عليها ألف باب بألف مفتاح ........الا انه قوى قلبه ليقول لها بتأكيد لا يمتلكه
(نعم .......ستكون فرصة لكِ لتستمتعي قليلا , هل انتِ سعيدة ؟........)
بدت فجأة خائفة غير واثقة بالرغم من تمنيها سابقا للخروج من أبواب القصر .......ماذا لو حدث وقابلت اي شخص عرفها سابقا مثلما حدث في زفاف سابين ......وقتها لن يكون أدهم موجود لينقذها .......حاولت ان تهمس بتردد
( لِما .....لِما لا نؤجلها ليومٍ آخر ؟.......يوما تكون متفرغا به لتخرج معي )
اغمض عينيه وهو يتمنى بداخله ان يوافق على هذا الاقتراح الرائع ........لكنه اخذ نفسا آخر وقال بحزم
( سأخرج معكِ كثيرا يا حلا .....أعدك بذلك ......لكن اليوم اريد ان تخرجي قليلا .......اتفقنا؟.....)
أومأت برأسها بتردد وهى تحاول الابتسام ........فقام من أمامها وهو يمسك بيديها ليجذبها لتقف معه .....ثم ترك يديها ليمسك بوجهها بين كفيه وينظر لعمق عينيها .....وظلا هكذا لحظاتٍ طويلة الى ان قال اخيرا
(اعتني بنفسك جيدا يا حلا .........أتعديني بذلك ؟....)
اومات براسها مرة اخرى وقلبها يهتز في اعماقها من لهجته القوية ِ الدافئة .........ثم انحنى عليها ليقبل شفتيها بقوة عاطفته المتقدة ثم ابتعد ليتركها قبل ان يضعف من جديد ..........و ظلت هى تنظر لظله المبتعد طويلا
2
.................................................. .................................................. ................................................
اخذ يراقبها وهى جاثية على ركبتيها ترتب التربة الناعمة حول النبتة التى زرعتها بيديها و هى وردة من عدة ورود زرعتها على مدى الايام السابقة ........
ان وقتها الذى تقضيه مع هلال كل يوم هو الاتصال البشري الوحيد الذى اصبحت تملكه بعد رحيل سما ....هذا باستثناء السيدة اسراء التى بدأت تعتادها و تألفها مع مرور الأيام ........الا انها تتوخى الحذر تماما حين تتكلم معها فى اى موضوع لانها تخشى انتقاله مباشرة الى ادهم .......
أما مع هلال فالوضع يختلف فهو وأدهم لا اتصال بينهم ......لكنها لم تستفيض معه فى الحديث كثيراعن أمورٍ تخصها فقط تستمتع بصحبته ....فى الأيام السابقة تكلما كثيرا عن كل شيء وعن أى شىء .......حكى لها عن دراسته ودهشت حين علمت تعليمه الراقي و انه يعمل هنا فقط لأنه أحب هذا العمل الى ان يحقق طموحه ......اخبرها عن سفره الى العديد من البلاد لا لشىء الا ليتعرف على بشرٍ جدد عليه ......لا شىء يفعله بحياته محسوبا او ذو هدف معين فقط يعيش بنفسه و لنفسه ........
1
الا انها كانت حقا تعتاد عليه بسهولة و سرعة بالرغم من خوفها من الجميع ......لا تعلم لماذا هل لأنه من سنها ام لأنه غريبا تماما عن عالمها الذى تريد الهرب منه لايعلم شيئا عن ماضيها ولا يثقلها بالاسئلة .........أم لأنه يمثل كل العفوية والانطلاق و الحريةِ التى افتقدتها .......
ضحكا كثيرا ومرحا كثيرا حتى باتت شخصا منفصلا تماما عن حلا القديمة المخزية .......وعن حلا التى يعرفها ادهم و التى لا تعرف الا ان تذوب به وتستمد منه الحماية .........
لم يحاول عقلها التطرق ولو لمرةٍ واحدة لردة فعل ادهم ان علم بتساهلها مع احد العاملين بالقصر .......بالتأكيد سيغضب كثيرا لأنها لا تلقي بالا بمركزها الحالى لكنه لا يمكن ان يؤذيها ..........ادهم لا يؤذيها ابدا .......حتى فى اشد حالات غضبه كان بسبب خوفه عليها
4
( ماذا بكِ يا حلا .......)
التفتت مجفلة الى هلال الذى يقف يراقبها بنظراته المتفحصة ......فسألته بوجوم
( ماذا بي ؟..........)
أجابها وهو يقترب ليجلس على الأرض بجانبها
(انتِ شاردة اليوم اكثر من أى يومٍ آخر ........الم يحن الوقت لتخبرينى بما يؤلمك كنت اعتقد اننا اصبحنا اصدقاء ؟)
2
ظلت صامتة و هى تكمل عملها الذى ادمنته و احبته ثم رفعت ظاهر يدها لتزيح خصلة شعر سقطت على وجهها .....كان ينظر اليها مأسورا ببراءةٍ مختلط باغراء فطري لم تتعمده ......ما اجملها و ما اعذبها .......وما اشد رقتها حين تعلو نظرة الحزن عينيها كما هى الآن .......
4
كان خرطوم الماء على الأرض بجانبه تتساقص منه بعض قطرات فمد يده ليجمع القليل منها ثم قذف بها الى وجه حلا التى انتفضت مذعورة ثم صرخت بحنق
(هلال كف عن سخافاتك .....لا اريدها اليوم )
اجابها وهو يبتسم ببراءة
(اذن اخبريني ما بكِ ؟...........)
تنهدت بحنق .....ها هو بدأ يسأل ......وهى لا تريد التحدث ابدا معه او مع غيره ........لا تريد الاعتراف ان ما يشغل بالها هو سبب التغير الذى طرأ على ادهم منذ عدة أيام ......لدرجة أنه سمح لها أخيرا بالخروج من القصر ........كانت تريد ان تتحرر من حمايته المفرطة وتخاف من سجنه .......فلماذا هى تعيسة الآن ......هل لأنها غير متزنة بالفعل ام ......أم لأنها تشعر ببدء هروب ادهم منها .....ان تركها ادهم تموت ......هو السبب.....هو الذى اذاقها الأمان الذى لم تعرفه قبله ........هو السبب ......لن تستطيع الحياة فى هذه الدنيا الواسعة المخيفة من بعده ......كيف يجرؤ و يتركها بعد ذلك .........هل تركها ؟!!.........هل سيتركها ؟؟؟.......
( حلا ..........) انتفضت مرة اخرى على صوت هلال فقالت بتذمر
(لقد أصبحت لحوحا جدا يا هلال .......)
رد عليها مبتسما ( ردي علي لتتخلصي من الحاحي .......هل تريدين ان ارشك بالماء مرة أخرى , لكن هذه المرة سأغرقك بخرطوم الماء ......)
عبست ونظرت اليه نظرة املت ان تخيفه الا انها زادت من اتساع ابتسامته فقالت بصرامة
(يبدو انك تتناسى انك تتكلم مع زوجة ادهم مهران .......)
بهتت ابتسامته قليلا الا انه رد بهدوء ( لا تلعبي هذا الدور يا حلا .......انه لا يليق بكِ )
اخفضت نظرتها بيأس ......نعم ....معه حق انها غير مقنعة تماما فى لعب دور زوجة ادهم مهران .....ان كانت لا تليق به شخصيا ....
قامت من مكانها ببطء وهى ترجع شعرها الذى ربطته على هيئة ذيل حصان الى خلف ظهرها ثم اخذت تنفض بنطالها الجينز من الاتربة ثم ابتسمت برقة حزينة
( لم أقصد هلال ......اعذرني انا لست فى افضل حالاتى اليوم ........لكن قد يتغير هذا حين اخرج )
سألها بدهشة و بسرعة قبل ان يستطيع ان يمنع نفسه
(هل ستخرجين ؟..........أين ستذهبين ؟......)
نظرت اليه بدهشة فتدارك نفسه و قال ( لم اركِ تخرجين وحدك منذ ان اتيتِ الى هنا ....هل نسيتِ ما حدث حين حاولتِ الخروج سابقا )
احمر وجهها احراجا و اغتاظت منه حين ذكرها بهذا اليوم المحرج .......فقالت بارتباك
(كان هذا وضعا مؤقتا .......وها انا سأخرج )
قال لها بغضبٍ لم يستطع كبته ( اذن فقد قرر فتح باب القفص لكِ قليلا ......ما أروع هذا )
3
رفعت عينيها اليه وقد ظهرت فيهما شراسة جديدة عليهما تماما .....ثم رفعت له اصبعا محذرا وهى تقول بصوتٍ خافت
(اياك .....اياك ياهلال ان تهين ادهم بكلمة أمامى .......قد اتساهل فى ما يخصني لكن أدهم مهران ....ادهم مهران فى منزلةٍ لن يصل اليها غيره ابدا .....)
12
ثم استدارت مبتعدة بخطواتٍ غاضبة ......الا انه قام من جلسته بسرعة وهو يلحق بها , فأمسكها من معصمها ليديرها ناحيته .....لكنه فوجىء بها تصرخ و قد بان عليها الخوف و هى تنتزع معصمها من يده و تدفعه في صدره بكل ما تملك من قوة ......
رفع هلال يديه امامه وهو يقول بلهفة
(اهدئى يا حلا .......لم أقصد اخافتك , أنا آسف )
اخذت تنظر اليه متحفزة وهي تلهث بعنف ........فقال لها يرجوها
(صدقيني لم أقصد اخافتك ........حلا لقد اصبحتِ مهمة جدا لدي ......ألم تدركي ذلك )
3
نظرت الى عينيه الخضراوين الفاتحتين بتشوش وهى لا تدرك ما قاله للتو .....ثم استدارت دون كلمة ٍ واحدة لتنصرف تاركة اياه ينظر اليها بندم على تسرعه الاحمق ........قد يقضي ما فعله على نيته بتحريرها ........
3
كانت حلا تسير واجمة بجانب السيدة اسراء تتطلع الى واجهات المحلات بصمت ......كانت تظن ان الخروج لازال ممتعا كما كانت تتذكره منذ خمس سنوات .......بما كان يسمح به وحش مهران وقتها ......لكنها اليوم لا تشعر بالحماسة التى من المفترض ان تشعر بها .......
كانت السيدة اسراء تثرثر جاهدة محاولة الهاء حلا و كأن هذه هى المهمة الخاصة التى كلفها بها ادهم .......قاطع رنين الهاتف ثرثرة السيدة اسراء لتلتقط حلا هاتفها مبتسمة وهى ترد برقة
( ادهم انها المرة الثالثة التى تكلمني بها .........ولم تكد تمر ساعة منذ ان خرجنا من القصر )
وصلها صوته العميق الرائع وهو يقول بابتسامة سمعتها في صوته
( هل مللتِ من اتصالاتي ؟.......)
اتسعت ابتسامتها وهى تخفض نظرها و ترجع خصلة ناعمة خلف اذنها ......ثم همست وهى تحاول الابتعاد قليلا عن عيني السيدة اسراء الحادة كعيون الصقر
(لم أمِل منها .....لكن كنت افضل وجودك معي )
ساد الصمت عدة لحظات ليقول بعدها بصوتٍ أجش (حقا ؟...)
اجابته هامسة ذائبة من روعة صوته ( انت تعلم هذا جيدا .......)
جاءها صوته يسأل برفق (هل تقضين وقتا ممتعا .......)
أجابته كاذبة لتسعده (نعم .....كثيرا , السيدة اسراء لطيفة للغاية )
اجابها بصوتٍ خشن ( يبدو اننى سأبدأ فى الغيرة من السيدة اسراء المسكينة .....وعواقب ذلك لن تكون جيدة )
ضحكت بمرحٍ افتقدته منذ عدة أيام ثم همست (مسكين .....لا تشعر بالغيرة أبدا , سأعوضك حين تعود الليلة )
سمعت بابتهاج صوت جذبه الحاد لأنفاسه ثم أتاها صوته اكثر خشونة و هو يسألها (متى أصبحتِ بمثل هذه الوقاحة ؟.......)
4
اجابته بجرأة وهى تضحك (منذ تزوجتك ......)
رد عليها بعنفوان (لازال لدي القليل من الوقاحة لأكسبها لكِ ..........)
أخذت تضحك بأنوثة و قد تناست كل مخاوفها و هواجسها التى كادت ان تخنقها صباحا ......ثم سمعته يقول بصرامة
(لا تضحكين بهذه الطريقة وانتِ بالخارج أنسيت ان هناك ناس حولك.............ثم أخبريني ماذا ارتديتِ ؟..أياكِ أن تكوني قد أرتديتِ واحدا من بناطيلك الجينز التى تكاد تلتصق بساقيكِ ؟........)
اختفت ابتسامتها بسرعة و هى تخفض عينيها لتنظر الى بنطال الجينز الأزرق الذى ترتديه .......لكنه غير ملتصق بساقيها لهذه الدرجة , الا أنها لم تحاول استفزازه بقول ذلك .......لكنها سمعت صوته يهدر
( لقد ارتديتِه يا حلا اليس كذلك ........حين أعود ستودعينها لأننى سأحرقها جميعا )
حاولت استرضاؤه فقالت بوداعة (انا ارتدى عليه معطفا يكاد يصل الى ركبتي ...........أدهم ....أدهم لا تغضب مني )
سمعته يأخذ نفسا وقد شعرت به يهدأ ثم قال أخيرا بوجوم ( حسنا لا أريد ان افسد لكِ نهارك .........استمتعي بوقتك لكن أريد منكِ ان تسيري كالعسكر ........)
1
عادت تضحك مرة أخرى من هذا الوحش رقيق القلب الى ان نبهها بصرامة (حلا ماذا قلت عن الضحك بالخارج ؟ .............)
صمتت لكن ظلت ابتسامة جميلة تنير وجهها ثم سمعته يقول برقةٍ خشنة ( أراكِ الليلة ............حلا)
اجابته برقة (نعم )
ظل صامتا عدة لحظات ثم قال أخيرا ( لا شيء حبيبتي ..........استمتعي بوقتك )
همست برقة (سأفعل ......لا تقلق )
استدارت لتعود عدة خطوات جريا بسعادة الى السيدة اسراء التى كانت تراقبها باهتمام ......ثم تعلقت بذراعها بمحبة وهى تقول
( هيا سيدة اسراء فلنستمتع بوقتنا .......هذه أوامر السيد و لا يجوز الا ننفذها )
نظرت اليها السيدة اسراء بتعجب ثم قالت بابتسامة صارمة
( سبحان مغير الأحوال ...........حسنا يبدو ان هذه المكالمة كان لها مفعول قوى )
ضحكت حلا بسعادة ثم تذكرت تنبيهات ادهم فاخفضت ضحكتها و ظلت تبتسم ........طوال الوقت
بعد قليل رن هاتف السيدة اسراء فاستاذنت من حلا و ابتعدت لتتكلم بانتباه ......ظلت حلا تراقبها وهى تقترب منها وقد ظهرت على وجهها علامات الانزعاج .......فسألتها حلا بقلق
(ماذا هناك سيدة اسراء؟...........)
أجابتها السيدة اسراء بتوتر ( لقد تشاجرت ابنتى مع زوجها شجارا عنيفا .........سيدة حلا يجب ان اذهب اليها الآن )
قالت حلا (حسنا لا تقلقي هيا بنا .........)
أسرعت السيدة اسراء تقول ( لا داعي لأن تأتي معي سيدة حلا ..... انها تسكن بالقرب من هنا سأذهب اليها أنا و أعود اليكِ بسرعة )
6
توترت حلا وشحب وجهها و هى تقول ( لا .....لا أريد ان أبقى وحدي , دعي السائق يأخذني الى القصر )
قالت السيدة اسراء برجاء ( و أنا كيف سأعود ......المسافة من هنا بعيدة جدا و انا لا احتمل )
تشنجت حلا وهى تنظر حولها الى المجمع الذى اصبح فجأة يبدو كعالمٍ شديد الأتساع و قد يحدث به أى شىء .....او أن تقابل أى شخص يعرفها ........فهمست
( سأعيد السائق اليكِ بعد ان يعيدني ........)
تنهدت السيدة اسراء و قالت بحزن ( لا لن أقبل بهذا .......اذن لا مفر سأذهب و أعود بمفردي و أمري الى الله )
أخذت حلا تتردد بطيبة قلبها وهى لا تعرف كيف تتصرف و السيدة تبدو شديدة القلق على ابنتها التى من الممكن ان يكون زوجها المتوحش قد ضربها أو أصابها .......همست حلا أخيرا
( ادهم لن يعجبه أبدا ان أبقى هنا بمفردي ............)
نظرت السيدة اسراء لها بأمل و قالت بسرعة ( لن أغيب عنكِ اكثر من نصف ساعة .......ولن يعرف السيد ادهم بما حدث )
اخذت حلا في السيدة اسراء الطيبة التى سمحت لها أخيرا بالنزول الى الحديقة بمفردها دون ان تخبر ادهم في الأيام السابقة .....
قالت لها أخيرا على مضض ( حسنا هيا اذهبي .......لكن عديني ان تعودي سريعا ....سيغضب أدهم بشدة ان اتصل وعلم اننى بمفردي وأنا لا انجح في الكذب عليه طويلا .......)
أومأت السيدة اسراء بامتنان ثم قبلت حلا من وجنتيها بحنان ......فعادت حلا تقول بترجي
( أرجوكِ سيدة اسراء عودي سريعا ......لقد بدأت أشعر بالدوار من الآن .....)
غالبت السيدة اسراء قلبها و قالت بحنان ( لا تقلقي حبيبتي ......ستكونين بألف خير )
ثم سارت مبتعدة بسرعة قبل ان تغير حلا رأيها .........ظلت حلا تنظر حولها بضياع ..... منذ متى لم تخرج بمفردها ....منذ نفس الخمس سنوات المشؤومة .....
ظلت تسير على غير هدى .......ترتعب حين يقترب رجلا منها ....لماذا لا تشعر بهذا النفور ناحية ادهم ....فقط ادهم ......و أين هو ادهم الآن .....تشعر بالخوف ,هل تتصل به .....لكن لو اتصلت به سيصب غضبه على السيدة اسراء المسكينة .....يكفيها ما هى فيه
ظلت تسير وهى تشعر باختناق من ذلك الاتساع العملاق وهذه الكمية من البشر ........الى ان اصطدمت فجأة بأمراءة كانت تسير فى الاتجاه المواجه لها .......
انتفضت حلا بشدة بينما اخذت المراءة تعتذر برقة وهي تقول ( أنا آسفة .....آسفة حقا كنت أسير شاردة )
اخذت حلا تلتقط أنفاسها بارتجاف بعد ان ظنت للحظة انها اصطدمت برجل ........حسنا لا داعي للخوف انها شابة لا تخيف
نظرت حلا اليها فوجدتها شابة قد تكون في منتصف الثلاثينات ....طويلة, أنيقة ,جميلة القوام و جذابة للغاية بعينيها العسليتين و شعرها البني الناعم الداكن و المنسدل برقة حتى يلامس كتفيها ......كانت تبدو عليها معالم الرقي و الثقة بالنفس فشعرت حلا بارتياح لوجهها المبتسم برقة .......
تكلمت الشابة مرة أخرى و هى تمد يدها لتلامس ذراع حلا برفق
(هل انتِ بخير ....لقد أخفتك اليس كذلك )
هزت حلا رأسها بصمت ثم قالت بضعف
(مما أخاف ؟.........انا ايضا كنت شاردة , وداعا )
حاولت حلا الابتعاد قليلا الا ان هذه الشابة عادت لتلمس مرفقها وهى تقول ببشاشة
( هل انتِ متأكدة ؟.......تبدين شاحبة )
أبعدت حلا ذراعها بحدة عن يد الشابة و هى تدقق النظر لها لترى ان كانت عرفتها سابقا , لكنها واثقة انها لم ترها ابدا من قبل ...لكن مع ذلك يجب عليها ان تنصرف فقالت مرة أخرى
(أنا بخير شكرا لكِ ... وداعا )
لكن الشابة قالت لها بود و كأنها لا تنوي تركها
(هل أنتِ وحدك ؟....لا أريد تركك )
قالت حلا بنفاذ صبر وهى تبعد ذراعها للمرة الثانية (لا انا لست وحدي ..... ومن فضلك انا لا أحب ان يلمسني أحد )
رفعت الشابة يدها سريعا و اعتذرت برقة ( أنا حقا آسفة ......الجميع نبهوني الى هذه النقطة من قبل )
ندمت حلا على حدتها و قالت بصوتٍ أهدأ (أنا أيضا آسفة .......يبدو أننى متوترة قليلا اليوم )
ابتسمت الشابة و قالت ( لا بأس ..... ما رأيك أن نجلس فى أى مكان لنشرب قهوة او شيئا ما , فأنا أيضا انتظر أصدقائي و يبدو أننى حضرت مبكرا و لا أحب ان أجلس وحيدة .....)
2
ترددت حلا ....مستحيل أن تجلس مع شخص غريب فقد تكون انسانة غير سوية بالرغم من منظرها الراقي ........ وهى تعلم جيدا عدد الاشخاص الغير الأسوياء الذين من الممكن ان يقابلهم المرء ......لكنها لا تريد ان تسير وحيدة مرة أخرى .......
انها تبدو لطيفة ....لا يمكن ان تكون خطيرة ....ثم ان السيدة اسراء قاربت على الوصول
أخيرا أومأت حلا برأسها قليلا وهى تقول بتردد ( حسنا ......)
اتسعت ابتسامة الشابة ومدت يدها مصافحة الى حلا و قالت ( أنا سمر ....)
3
ابتسمت حلا بتردد ومدت يدها وهي تقول بخفوت يكاد لا يسمع ( و انا ح....حلا...)
.................................................. .................................................. ................................................
كانت واقفة أمام الجدار الأثري تنظر الى نفس الصورة التى تقف أمامها كل يوم .....صورة أميرة جميلة ذهبية الشعر بعينان رماديتان تبتسم برقة للفنان الذى رسم صورتها ......انها هى .... والدة أحمد مهران , لم تخطئها رغم مرور السنين على هذه الصورة ....لكن العينين و الابتسامة لا يمكن نسيانهما أبدا .....
انها جميلة الآن كما رأتها في حفل زفافها .... لكن فى شبابها .....كانت حلما ...أميرة حقا و قد اكتشفت ان اسمها أميرة ....لكم يليق بها ...
اثناء الأيام السابقة كانت تتنقل فى هذه القلعة لتعبث بكل ما تقع يدها عليه ..... فتحت كل الدواليب التى فوجئت بوجود بعض الفساتين القديمة المخبئة بها .... فساتين رائعة من فساتين زمنٍ ماض ....بضع سترات لا تزال تحمل عطرا رجوليا أخاذ .......
فتحت كل الأدراج ....لتجد رسائل قديمة صفراء اللون من مرور الزمن عليها .....رسائل بث فيها عاشق ٌ كل حبه و هيامه للأميرة الحالمة .....صورا قديمة تآكلت أطرافها ....صورا عديدة للأميرة الصغيرة التى تضحك بولهٍ وهيام للعاشق الذى يصورها .....و بعض الصور جمعت الحبيبين .....الأميرة يلفها ذراع رجلا شديد الوسامة .....رجلا لم تره منذ اكثر من أكثر من عشرين عاما ....لكن هذه الصور أُخذت له و هو أصغر سنا ....بحوالي عشر سنوات ......هو العاشق الذى نقش اسمه فى نهاية كل رسالة غرام ........ ......عماد الراشد .......
سمعت الصوت المعتاد لقفل باب القلعة و هو يفتح ثم صوت الباب الضخم وهو يغلق ليهز أرجاء المكان ...........
( هل تنتظرينني يا زوجتي الجميلة ؟.........)
وصلها صوته الساخر من خلفها .....ككل ليلة من ليالي الأيام السابقة ..... لكن الليلة ..........
مدت يدها فى حركةٍ خاطفة و امسكت بعنق المزهرية الثمينة الموضوعة على الطاولة الصغيرة أسفل الصورة الضخمة ..........
ثم التفتت بسرعة قاذفة المزهرية بكل قوتها ناحيته وهى تطلق صرخة شرسه تردد صداها فى أرجاء القلعة ..........
انحنى فى لحظةٍ واحدة لتمر القذيفة الموجهة نحوه من فوق رأسه مباشرة لترتطم بالجدار خلفه و تتحطم الى عشرات القطع اللامعة ....
اعتدل مرة أخرى دون ان يكلف نفسه بالنظر الى المزهرية المنفجرة خلفه ......بل تركزت نظرته المتوحشة على الجميلة الواقفة أمامه ترتدي بنطالا أبيضا خفيفا و قميصا تركوازية قطنية بحمالتين رفيعتين و قد انسدلت موجات شعرها المجنونة حول وجهها و أاكتافها بهمجيه حتى وصلت الى خصرها .... بينما كانت عيناها تلمعان بشرٍ لا يمكن وصفه فى أقدم كتب السحر ......
اخذ يقترب منها ببطءٍ شديد وعينيه لا تحيدان عن عينيها .......ثم قال بصوته العميق الخادع
( لقد كانت مزهرية قديمة ثمينة ذات ذكرى لا تقدر بثمن ...........يبدو ان علي تلقينك درسا يا زوجتي العزيزة لتتعلمي الأدب )
ثم اندفع مرة واحدة ...فما كان منها الا ان صرخت مرة أخرى و اندفعت تجري الى السلم بأقصى سرعتها لتحتمي بأحد الغرف .....لكنه أدركها قبل ان تنهي آخر درجات السلم ليجذبها بعنف و يلقى بها على كتفه و يكمل صعود الدرج بينما أخذت تصرخ بشدة و هى تضربه بقبضتيها ..... وترفسه بساقيها التى احكم ذراعه حولها ........ظلت تضربه و تضربه الى ان شعرت بقبضته القوية تصفعها على مؤخرتها بقوة ....فازداد جنونها جنونا و هى تصرخ بكل الشتائم البذيئة التى تعلمتها يوما ......فما كان منه الا ان صفعها مرة أخرى ....حين وصل أخيرا الى الغرفة التى ضمتهما معا ذات ليلة ........و بعد ان دخل القى بها على الفراش بقوة حتى كادت ان تسقط على الأرض من الجانب الآخر لولا تمسكها بحافة الفراش ......استندت الى الفراش بمرفقيها وهى تحاول الجلوس وهى تلهث بعنف و تشتم بصوتٍ اشتدت بحته من كثرة الصراخ الى ان كاد يختفي تماما ..........
راقبته وهو يخلع كنزته الصوفية من فوق رأسه ثم يلقي بها بعيدا , ثم اخذ ينزع ازرار قميصه واحدا تلو الآخر الى ان قذف به هو الآخر اتسعت عيناها لحظة وقد تسمرتا على عضلات صدره القوية و التى حبست أنفاسها اللاهثة في صدرها ....شاهدته يقترب منها بابتسامة ذئب ... فاستطاعت النطق بصعوبة بصوتٍ مبحوح مجروح من الصراخ
( ماذا تظن نفسك فاعلا ؟..........)
هجم عليها ليمسكها بقسوة من كتفيها و هو ينفث لهبا الى وجهها ثم قال بوحشية
( ألم أخبرك أننى سألقنك درسا يا زوجتى الشرسة ...........)
ثم لم يلبث ان هجم على شفتيها ليقبلهما بكل عنف ..... بينما أخذت تقاومه بشراسة نمرة فأمسك بقبضتيها و لوى ذراعيها خلف ظهرها ليكبلها بامساك معصميها بقبضةٍ واحدةٍ منه ....ثم جذبها اليه لترتطم بصدره و هو يعود ليكمل تعذيبه البطىء .......
مرت لحظاتٍ لا تعلم أو دقائق .......و قد سكنت تماما بين ذراعيه و قد هدها التعب و الصراع .......... و الشوق المضني لرجلٍ سحبها الى نجوم السماء ذات ليلةٍ مقمرة ......
ترك شفتيها المتورمتين أخيرا و همس بأذنها و هو يتنفس بصعوبة
( أعترفي سابين .......وفري على نفسك كل هذا و اعترفي )
لم تصدق انه يعيد على مسامعها أمر كل ليلة ........عادت لتتلوى بعنف وهى تصرخ
(أيها الأحمق .... الغبي ....أيها ..........)
كتم كلماتها البذيئة قبل ان تخرج من شفتيها لكن ليس بشفتيه هذه المرة بل مد سبابته و ابهامه ليطبقهما على شفتيها بشدة فاخذت تصدر أصواتا مكتومة و هو ينظر اليها ضاحكا ......ثم زال الهزل من عينيه ليقول بهدوءٍ مخيف
( تعلمي الأدب حين تخاطبينني يا سابين فأنا لن أصبر عليكِ كثيرا ......)
ثم عاد ينظر لعمق عينيها الفيروزيتين اللتين تقدحانِ شرا و قال مرة أخرى
( اعترفي سابين ..... اعترفي بخطتك القذرة مع أمك لتحطيم أمي و دارين .......)
ظلت تنظر اليه بكرهٍ عميق فترك شفتيها ببطء ..... ليعود و يلتقطهما بشفتيه برقةٍ هذه المرة أذابت عظامها .......ثم مد يده ليزيح حمالة قميصها برفقٍ أهلكها .....أنزل الحمالة الأخرى و هى ساكنةٍ كقطةٍ وديعة .....
مال بها ببطء الى ان استلقت على الفراش و هو فوقها يقبل زوايا شفتيها ....فكها عنقها ....التجويف الناعم بين عظام الترقوة .....
( لقد رسمت هى الخطة لتحطيم قلب أمك ......و أنا نفذتها )
توقفت شفتاه عند مقدمة صدرها............. ليرفع رأسه ببطء و ينظر الى عينيها القاسيتين الجليديتين ...............
.................................................. .................................................. .................................................. ...
دخل ادهم غرفته مساءا ليرى حلا نائمة فى الفراش تعطيه ظهرها الناعم الظاهر من قميص نومها الأسود الحريري .....على الضوء الخافت لمصباح الفراش ...........
نزع سترته ووضعها على الكرسي ثم اقترب منها ليستلقي بجوارها وهو يمسك بذراعها الناعمة .....ثم انحنى ليقبل كتفها برقة و هو يهمس
(حلا ....)
لم تجبه ...لكنه شعر بالاهتزاز الضعيف لجسدها ....فجذبها برفق لتستلقي على ظهرها ,فرآها كما توقع و الدموع تغطي وجهها بصمت
وهى تنظر اليه بعينيها المبللتين .........فهمست و بكائها يزداد ؛(ادهم......)
ضمها بين ذراعيه بقوة و هو يهمس (هششششش حبيبتي ...... ارتاحي)
دفنت وجهها بصدره وهى تبكي بألم ..........لقد أخذت تحكي اليوم لإنسانة غريبة تماما أشياءا كثيرة ......لم تحكيها لأحد عن ذكرى قديمة لوالدها ....... و عن عنفٍ تعرضت له لكن دون تفاصيل و عن ماضٍ لا تعلم كيف تتخلص من ذكراه .......
كم ارتاحت لها وكم ظلت تسمعها و هى تبتسم لها متعاطفة دون ان تنطق بالكثير ......الى ان امسكت بيدها فى النهايه و اعطتها منديلا لتمسح دموعها ...ثم قالت أخيرا
( حلا .....لما لا نتقابل مرة أخرى , أشعر اننا أصبحنا للتو من أعز الصديقات )
اخذت حلا تشهق لتبلل صدره بدموعها وهى تعلم انها لن تستطيع ان تقابل صديقتها الجديدة مرة أخرى ......ادهم لن يسمح لها , هى لن تستطيع ان تخبره حتى لا يعلم انها ظلت وحيدة فى المجمع التجاري لمدة ساعتين برفقة انسانة غريبة ...... سيجن جنونه لو علم بهذا و قد يعود لحبسها مرة أخرى ........
أنها متعبة ...... متعبة للغاية .... وحزينة للغاية .........
رفعت نفسها ببطء ليصبح وجهها أمام وجهه ثم مسحت دموعها بيدها و هى ترسم ابتسامة جميلة على شفتيها .......ثم اقتربت لتقبل شفتيه برقة وهى تطوق عنقه بذراعيها ..... همست أخيرا و هى تشعر به يحاول السيطرة على نفسه
( الم اخبرك اليوم أننى سأعوضك عن خروجي بمفردي ......)
استلقى على الفراش و جذبها اليه لتريح رأسها على صدره .....ثم اخذ يتخلل خصلات شعرها الطويلة بأصابعه وهو يقول
(نامي الآن حبيتي ....... تبدين متعبة جدا , التعويض الذى يكفيني أنكِ هنا فى بيتي ....آمنة بين ذراعي )
و كانت هذه آخر الكلمات التى سمعتها قبل ان يخطفها النوم بعيدا
رفع رأسه عنها ببطء ..... وقد توقفت أنفاسه بعد أن كانت تتصارع منذ لحظة فوق بشرتها الحريرية .مد يديه الاثنتين ليستند عليهما على الوسادة من جانبي وجهها و قد اصبح وجهه فوق وجهها ينظر اليها ......بلا أى تعبير , و كأنه لم يسمع اعترافها منذ لحظة ......
ظلت مستلقية على ظهرها تنظر لعينيه المشرفتين عليها ......و قد تسمر كلاهما كتمثالين حجريين ....أو متصارعين يلعبان لعبة التحدي بالنظرات ........
قام فجأة ليجلس على الفراش ثم سحبها بوحشية من ذراعيها لتجلس أمامه هى الأخرى .......اخذت تنظر اليه وقد علت شبه ابتسامة مستفزة على زاوية شفتيها , و ارتفع حاجبها الايسر باستهتار أمام عينيه الجائعتين اللتين تحاولان التركيز على عينيها دون جدوى , ليعودا و يضيع منهما الطريق ........
ازداد الاستهزاء فى عينيها الوقحتين وهى تراه يحاول استعادة سيطرته ليركز على الاعتراف الاجرامي الذى طلبه ......... وقد حصل عليه .........
استطاع اخيرا النظر الى عمق عينيها ...... وما ان شاهد نظرة الاستهزاء و الابتسامة الساخرة حتى اشتعلت عيناه بنيران الحقد الدفين و لمعتا بالغضب الاسود فمد يده ليقبض على خصلة من مؤخرة راسها و يجذبها بقسوة الى الخلف لترجع راسها ....... اغمضت عينيها من شدة الألم , لكنها لم تنطق بحرف ....... ان كان يظنها ستستجدي منه الرحمة فهو اذن واهم .........
( أعيدي ما قلتِه ........)
ضربتها كلمتة المتوحشة وصدمتها بالكره الذى غلف كل حرف منها , لكنها سيطرت على الشعور المؤلم الذى طعن قلبها و قالت ببرود جليدي وهى لا تزال مغمضة عينيها راسمة نفس الابتسامة التى
( لقد سمعت ما قلته جيدا ..........)
مد يده الحديدية ليقبض على فكها ويهزه بعنف وهو يهدر
( افتحي عينيكِ .........)
فتحت عينيها ببرود لتنظر لعمق عينيه وهى تحضر نفسها لرؤية حقده عليها والذى ما ان رأته حتى عضت باطن خدها دون ان يلاحظ هو سوى البرود المسيطر عليها .........
نظر اليها بازدراء مخفي داخل التوحش المندفع من عينيه ........اخذت حدقتاه تتحركان عى وجهها و كأنه يستشف الجواب من ملامحها الضعيفة بعد ان يئس من قراءة عينيها الباردتين القاسيتين ........ولم تفهم هى ماذا ينتظر قبل ان يبدأ تعذيبه لها , كانت تظن انها ما ان تلقي اعترافها اليه حتى يسارع الى رميها الى الجحيم , لكن ما لا تفهمه هو سبب لمحة التردد التى ظهرت حاليا لعينيها ........ألم يصدقها ؟........مستعدة ان تهبه روحها ان اخبرها الآن انه لا يصدقها ............
( أمتِعيني بكل التفاصيل القذرة ................)
غار قلبها و عاد ليندلع بنيران القهر.............القهر من ذلك المتوحش الذى خدعها برقته يوما .........ليذيقها ليلة من السحر المجنون و يشعرها بما لم تشعره مع غيره أبدا ...... علمها ما لم تعلمه من كل حياتها التى عاشتها لتعبث بقلوبِ العابثين ليخروا تحت قدميها طالبين الرضا من صاحبة السحرالأسود ........ والتى كانت تركل قلوبهم دون أى شعور بالندم ..........
و الآن جاء دورها .........لتشعر ببعضٍ مما اذاقته لعبيدها ......كيف سقطت له بهذه السهولة والغباء , كيف انخدعت بعاطفةٍ كاذبة أطلت من عينيه ..... حتى وان لم تكن حبا و كانت مجرد رغبًة وجنونا ,لكنها كانت تعتقده قد تقيد بها بسلاسل سحرها التى لم تخيبُ هدفا ابدا ........لينجح هو في تكبيلها بسلاسلها ..........
عاد ليرعد فيها بوحشية وهو يهز فكها اكثر حتى كاد ان يخلعه من وجهها ( انطقي ايتها ال........انطقي سابين وارحمي نفسك من غضبي ......... منذ متى قررتما تصفية حسابات الماضي لتكون دارين هى الضحية بينكما ......)
اغتاظت من لفظة ضحية ...... هل هو من السذاجة ليعتقد ان تحرُر دارين من زواجٍ برجلٍ مثل مازن مهران يجعل منها ضحية .........
ذلك الوغد الحقير الذى كان لا يتورع عن وصفها بأقذع الالفاظ أمامها ....حتى تصورت أنه متزوج من انسانة لا يتحملها بشر ,لكن تصرفه الأخير جعلها تدرك كم هو حقير ...... و الكلام الفاسق الذى تعمد ايصاله لأحمد عن مدى تطور العلاقة بينهما جعلها تتأكد ان اى شيء مما قاله سابقا هو كذب حقير لمجرد ان يحصل على تعاطفها و بالتالى يحصل عليها فى نهاية الأمر ...... ولو بأى طريقة , بزواج او بغيره .........ولو كان هذا الغبي الجالس أمامها الآن يحاسبها على ضياع مازن مهران من شقيقته , سمع كلامه عن دارين لكان قتله بيديه ..........بدلا من ان يعذبها هي تحت ادعاء ...... تطهيرها ...... المنافق ......المجنون .......
لم يظهر على ملامحها الرخامية الناصعة أيا من العذاب العاصف الذى يهيج بداخلها فى هذه اللحظة .......و ظلت تنظر اليه بمنتهى البرود ثم قالت اخيرا بصوتٍ قد يجمد اى رجل ......غير احمد مهران
( بماذا تهمك التفاصيل ؟......أردت اعترافا و قد حصلت عليه )
ثم نظرت اليه نظرة الهبت كيانه وهى تضيف بفحيح ( و أنا كلي شوق لأرى خطواتك الفذة لتطهيري من جرائمي ........)
تركت يده فكها الذى كان لا يزال ممسكا به الا إنه عبس قليلا حين شاهد أصابعه منطبعة بعلاماتٍ حمراء على خدها دون ان تظهر له انها كانت تتألم .......لكنه قال بقسوة متعمدة
( ليس الأمر بمثل هذه السهولة ........ ليس قبل ان أعرف .....كيف ..... ومنذ متى .......)
نظرت اليه وهى تبادله القساوة بقساوة اشد و اعلى وقالت وهى تشدد على كل حرف ليصله جيدا
( كيف ؟...... انت تعرف خطوات الخطة جيدا و التى انتهت بتدمير زواج دارين .... حتى وان كنت تتوهم بأنك أنقذت زواجها بزواجك مني !!.......لكنى فى الحقيقة سأظل بينهما طوال العمر , لن يتمكن مازن من نسياني أبدا .........فقد عمِلت على ضمان ذلك جيدا ....
أما منذ متى ؟؟؟........ فذلك أنت تعرفه جيدا ....منذ ان جعلت أمك والدي يترك زوجته و بناته ليرتمي في أحضانها ...........)
لم تكد تمر لحظة منذ ان نطقت الحرف الاخير في كلامها البشع حتى شعرت بلسعة شديدة فى خدها بعد ان ارتفعت يده عاليا لتهبط مرتطمة بوجهها , في صفعةٍ قوية القت بها على الوسائد خلفها ............
رفعت يدها ببطء لتتلمس اثار صفعته على وجهها و التى يبدو و كأنها انطبعت على قلبها ....هل هذا هو شهر عسلها ؟ .......... هل تلك هي الايام التى اخذت تعد اللحظات قبلها لتصل اليها ؟................. غامت عيناها وهى تنظر اليه بشرود دون ان تذرف دمعة واحدة .........
قام من مكانه بعنفٍ وهو يغرز أصابع يديه بخصلات شعره وهو يغمض عيناه هامسا
(يا الهي .......)
ظلت تنظر الى الصراع الذى يعانيه ..... جانبا منها يتلذذ بمعانته و كرهه لذاته لأنها تمكنت من إيصاله لذلك المستوى الذى بالتأكيد لم يصله مع غيرها أبدا .........
لكن جانبا آخر منها ...... مخفي عميقا بداخلها , كان يحثها لتنهض و تضربه و تصرخ بوجهه الا يصدقها ...... الغبي الذى لم يحركه نحوها الا انتقاما طويلا عمره من عمرهما معا , ولا ذنب لهما به ...........
فتح عينيه بصعوبة لينظر اليها بأسى طويلا الى ان قال اخيرا بصوتٍ متعب
(اياكِ ان تدخلى أمي فى الحربِ بيننا سابين ........و قتها لن اضمن ردة فعلى تماما كما فعلت الآن )
همست وهى تنظر اليه بحقدٍ دفين
(انت الذى طلبت ادخالها .......انت من أحضرتني الى هنا .....الى صندوق ذكرياتها مع ابي )
استقامت و نهضت من الفراش لتندفع اليه وتواجهه وهى تكمل بشراسة
(لم تفكر الا بانتقامك انت ...... ليس لدارين فقط بل لتكن صادقا مع نفسك يا احمد بل انت تريد الانتقام مني بسبب الماضي الذى لم تستطع غفرانه او التعامل معه ...........فكان زواج دارين المهدد هو فرصتك الذهبية لتنتقم من ذلك الرجل الذى أسر قلب أمك الى الآن .....حتى وان كان ميتا فابنته موجودة لتنتقم منها .......اليس كذلك ؟......لم تفكر الا في غضبك أنت من الماضي ....... لم تفكر أنك لم تخسر شيئا حقا ......لم تفكر فى أنا ......أنا يا احمد ..... أنا من تركني والدي ...... أنا و إخواتي ......نحن من فقدنا والدنا ...... بسبب حبه الذى لم يستطع التغلب عليه ابدا ........سما التى كنت تساعدها فى الخارج بمنتهى الشهامة , تركها والدها وهى لا تزال رضيعة.... لم تعرفه ابدا ..... بسبب حبه .....بسبب تلك العاطفة الأنانية المسماة حبا ......و أنا .... أنا اتذكره جيدا , أتذكر ابتسامته , أتذكر حنانه علي أنا وإخوتي.......لكن أتذكر أيضا اننى رأيته يصفع امي ذات مرة ...... تماما كما فعلت أنت الآن .......لم تفكر بكل ذلك حين أحضرتني الى هنا بالذات ..... الى المكان الذى تعمدت ان أجد فيه تلك الذكريات عن ذلك الحب البائس الذى عرفت الآن أنه السبب في ترك والدى لنا ........سنواتٍ وسنوات و أنا اسأل نفسي عن سبب اختفائه من حياتنا ........عما ارتكبناه من خطأ ليتركنا ....... اتذكر آخر مرة رأيته بها ....... حين قبل وجنتي وهو يقول لي انه آسف و ان لا خيار له سوى ذلك ....... ولم أفهم وقتها قصده... لم أعرف سوى أننى لم أره ثانية ....و الآن ......الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا ....من أجلها ..... من أجلها هى .....)
كانت آخر كلماتها خرجت من شفتيها همسا حزينا مقهورا و قد أغمضت عينيها ........ و استدارت و هى غير قادرة على النظر اليه فى تلك اللحظة .......
أخذ ينظر اليها بعد انفجارها منذ لحظات وهو مشدوها مما سمعه ..... لقد قلبت كل الحقائق ......لقد قلبت كل زوايا الأمور بداخله .....لم يكن ينظر الى سابين التى عرفها من قبل ....... لم يعرف من هى تلك الطفلة الواقفة أمامه الآن بعد ان ضاع منها والدها .....
تمنى فى هذه اللحظة ان يأخذها بين ذراعيه لينسى أمه و والدها ....لينسى دارين وذلك الحقير مازن ......لينسى ايثار بكل الآلام التى سببتها لعائلته ........لكن ليس بعد ..... لازال هناك الكثير بينهما .......لازال يبعده عنها الكثير و الكثير .........
همس لها ( سابين .......)
التفتت له بشراسة حين سمعت همسه باسمها و نظرت اليه نظرة أوقفته عن التحرك اليها ......ثم قالت له بكرهٍ لا حدود له
( لن أسامحك ابدا يا احمد مهران ........تذكر هذا حين تأتى الي تستجدي السماح .....و ستفعل...... وعدا مني ستفعل .......حينها تذكر اننى لن أسامحك ابدا ........)
تجمد فى مكانه و ملامحه لا تعبر عن اى شيء ........ثم عادت القسوة لتغلف نظرته وهو يقول بصوتٍ منخفض
( لن يأتى هذا اليوم أبدا سابين ..........فلا تنتظريه ........يا زوجتى )
انحنى ليلتقط كنزته وقميصه ثم اندفع مغادرا الغرفة صافقا الباب خلفه بكل عنف .................
نزل درجات السلم و شياطين الغضب تطارده ........... الغضب من الجميع , و الغضب من نفسه قبلهم جميعا .........
و عبارتها تتردد فى ذهنه ........... (الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا )
لم تكن تعرف ...... لم تكن تعرف ما حدث بالماضى ....... لم تعرف الا الآن ....... أى انه لم يكن هناك انتقامٍ من امه بسبب الماضي
........
أخذ يخاطب نفسه بغضب ........ها قد حصلت على أول اجابة ......ولا تزال بقية الأجوبة التى يريدها و سيحصل عليها ......
كان قد وصل الى سيارته و هو ينهي ارتداء كنزته بعنف .......ثم حثه شيئا ما لرفع رأسه الى نافذتها ........ليراها تراقبه منها بملامحٍ استطاع ان يرى بها الشر الاسود .... وما ان التقت نظراتهما حتى شدت الستائر لتغلقها بعنف و هى تبتعد عن النافذة........
هدرت أنفاسه بغضب وهو يتذكر اعترافها الغبي الزائف ..........
لماذا تفعلين ذلك .......لماذا تصرين على إخراج اسوأ ما فيكي.............
وعاد اليه صوتها الذى خرج من عمق روحها و هى تقول بكل ثقة ( تذكر اننى لن أسامحك أبدا ........)
سنرى هذا فى وقته يا سابين ....سنرى ........وحين شعر أنه على وشكِ الانفجار دخل الى سيارته و انطلق بها , يكاد لا يرى ما أمامه من شدة الجنون الذى يشعر به فى هذه اللحظة .......
.................................................. .................................................. .................................................
استيقظت سما صباحا من نومها الحالم على أصواتٍ مرتبكة آتية من المطبخ , و حين انتبهت و تيقظت تماما كانت نهاية هذة الاصوات هو صوت تحطم عالى أفزعها ........ نظرت بجانبها فذعرت حين وعت الى الفراغ الذى كان يحتله منذ ساعات .......فشهقت وهى تهمس ( فارس ......)
اندفعت لتنهض من الفراش بسرعة .... واخذت القميص الملقى باهمال على حافة الفراش لترتديه وهى تغلق ازراره باصابع مرتجفة اثناء جريها باتجاه المطبخ ...... و ما ان وصلت الى بابه حتى فوجئت بالمنظرالماثل أمامها .......
فعلى أرض المطبخ كان فارس جاثيا على ركبتيه و هو يشتم هامسا بينما أخذت يداه تحاولان تلمس الاشياء المرمية امامه و من بينها العديد من القطع المكسورة ........
أمعنت سما النظر الى هذه الاشياء ففوجئت بوجود صينية كبيرة ملقاة على الارض ..... و بجوارها تناثرت العديد من قطع التوست المسخن.....بالاضافة الى كأسٍ محطمة تماما و تحتها العصير المسكوب منها ...... وبعض قطع الحلوى المتناثرة كذلك ......وفى وسط هذه الاشياء استقرت وردة حمراء كبيرة تعرفها تماما كانت قد ذكرت لفارس مدى جمالها و هى مزروعة بالقرب من باب البيت .....
أمالت سما برأسها لتستند الى إطار الباب دون ان تصدر صوتا و هى تضع يدها على قلبها الذى يخفق بكل معاني العشق الموجودة فى هذا العالم ........
يالهى .....هذا الأسد الاعمى كان يحضر لها الفطور ......لقد جهز كل شىء بمنتهى المهارة ......حتى الوردة لم ينساها .......
دمعت عيناها وهى تشعر بغصةٍ فى حلقها .......لكم تتألم من أجله ......ولكم تحبه ...بل ان كلمة الحب تبدو بسيطة جدا بالنسبة الى ما تشعر به فى هذه اللحظة ..........كانت تعلم ان هذا هو فارس الحقيقي ...... هذا هو حبيبها الذى راهنت على حبه رغم قسوته عليها ......كانت تعلم بان فارسها هو طفلها ........لم يخدعها قلبها ابدا ........انتظرته طويلا ليأتى اليها ...... حبها المستحيل .....حبها الصعب المستحيل ........
مدت يدها لتمسح دموعها بصمت ثم دخلت الى المطبخ وهى تسير حافية على الارض الناعمة الى ان وقفت بقربه .........
رفع فارس رأسه و هو عابسا ..عاقدا حاجبيه , ينظر أمامه بوحشية .......ثم همس بغضبٍ لم يستطع السيطرة عليه
( ما الذى أيقظك الآن ؟..........الا أستطيع الهروب منكِ للحظة ؟.......)
ابتلعت ريقها ثم اخذت نفسا عميقا و هى تهبط ببطء لتجلس بجواره على ركبتيها , ثم مدت يديها وهى تلتقط الاشياء المتناثرة من امامه و تضعها فى الصينية ثم اخذت تجمع القطع المكسورة ...........لكن حين حاول النهوض هتفت بصوتٍ منخفض
( انتظر لحظة يا فارس حتى لا تجرح نفسك ..............)
زفر بحنقٍ ثم عاد ليجلس هو يخفض نظراته المتألمة .......بينما أخذت تمسح الارض من العصير و القطع المكسورة .و حين انتهت عادت لتجلس بجواره ......ثم همست بدفء
( هل كان هذا الفطور لي ؟..............)
اجابها بحنق و هو يشعر بصدره يضيق
( إن لم يكن لكِ فلمن هو اذن ؟..........هل تجدين أحدا غيرنا هنا ؟...........)
عادت عيناها لتدمع مرة اخرى ...بل هى لم تجف اصلا لكنها لن تسمح له بان يلحظ بكائها ......... مدت يدها لتلمس وجهه برقة ثم أخذت تحدد معالمه بأصابعها بكل نعومة حتى شعرت بعضلاته تستريح من تشنجها ...... الى ان استسلم متنهدا وهو يستمتع بملمس أصابعها ...........حينها همست برقة
( لم يفعل أحدا هذا لى من قبل .............ماذا فعلت لأستحق كل هذه السعادة ؟.....)
مد يديه ليجذبها من خصرها و يجلسها على ركبتيه و هو يستند بظهره الى الخزانات خلفه .........ثم همس وهويداعب شعرها
( بل ما الذى لم تفعليه الى الآن .........أنتِ تستحقين ان تكوني أميرة .... لا ان تتقيدين برجلٍ أعمى لتظلي تخدميه دون مقابل )
أمسكت بوجهه بين يديها و هى تقول بغضب
( لا تقل هذا عن نفسك .........كف عن التذمر فأنت أفضل من الجميع في نظري و لن أسمح لك بقول هذا عن الرجل الذى أحب مرة أخرى ........)
ارتسمت الابتسامة على وجهه اخيرا فتنفست الصعداء و هى ترتمي بأحضانه لتنعم بدفئها ......بينما أخذ يمرر يده على ساقها الناعمة حتى وصل الى القميص فقال لها بعبث
( هل ترتدين قميصي ؟.....................)
رفعت رأسها قليلا لتنظر اليه ثم قالت بهزل رافعة حاجبها
( نعم ........ هل لديك مانع ؟....)
أجابها بشغفٍ عابث
( المانع الوحيد هو أننى لا أستطيع رؤيته عليكِ ......)
قضبت جبينها و هى تتذكر بعض المناسبات ثم قالت بجرأة و هى تبتسم
( ومنذ متى كانت تمنعك عيناك عن رؤيتي ............)
ابتسم ابتسامة مفترسة تنم عن تأييده لكلماتها ........ ............
فانتهى بهما الأمر بأن سقطت سما من على ركبتيه جالسة على الأرض الصلبة الباردة بقوة...... فضحكت بتأوه و تهتف عابسة
( فارس ............لقد آلمتنى )
الا إنه لم يهتم وهو يميل بها و قد غابت عنهما الدنيا فى عالمٍ رائع من العواطف الدافئة ................
استطاع فارس النطق اخيرا بتقطع
( هل أخبرتك سابقا كم أنتِ رائعة ؟............)
ازدادت سما اقترابا منه وهى تهمس بارتجاف
( لا بأس أن تكررها كل لحظة ............)
أخذ فارس يضحك و عاد ليقبل كل جزء من وجهها و هو يدغدغها قائلا بجموح بين كل قبلة
( أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة )
بينما كادت سما ان تختنق من شدة الضحك الى ان أحمر وجهها بشدة و أخذت تسعل و المرح يملأها
خاف فارس عليها من شدة سعالها فاكتفى بذلك وهو يضمها اليه متنهدا بسبب هذا الصباح الرائع ........
بعدها بساعة ٍ واحدة كانا يتمشيان وهو يلفها بذراعه و وجهها مستقرا على صدره ......على الشاطىء المهجور و الذى بدا ملكهما فقط ليشهد على سعادته ....وحبها .......
همست سما برقة ( لقد اشتقت لسابين جدا يا فارس .......أنا أكلمها كثيرا لكنها لا تجيبني )
قال لها فارس ضاحكا ( هذا لأنهما مشغولان ......يفعلان ما نفعله كل يوم )
أحمر وجه سما و هى تضربه فى معدته برقة ضاحكة ......ثم قالت بعد فترة
؛( أتظنها قد حصلت على سعادتها أخيرا ؟..........................)
امتنع فارس عن التعليق على سابين حتى لا يبدد النظرة الرومانسية التى تنظر بها سما الى زواج سابين بينما هومثل الجميع لا يرى سوى أنها أوقعت بأحمد مهران بكل اقتدار ......فحاول ان يغير الموضوع وهو يمد يده ليتلمس وجهها برقة ليتبين ملامحها ثم همس لها بشوق....................
( و ماذا عنكِ سما هل أنتِ سعيدة حقا ؟..........)
قبلت صدره برقة ثم همست بنبرةٍ اخبرته الكثير
( الم أخبرك ذلك للتو ..........أنا سعيدة ...سعيدة جدا لدرجة أننى بدأت أنظر للحياة بنظرة مختلفة تماما )
ابتسم فارس بمرح و هو يلاعب شعرها و يقول
( وما هى نظرتك الجديدة للحياة يا سيدة سما ؟.........)
أجابته بحماسٍ يتوهج ( أنا أفكر أن أكمل دراستي .........................)
كانت لا تزال ملصقة جانب وجهها بصدره فلم ترى وجهه الذى اختفت منه الأبتسامة ..... و النظرة المتوحشة التى علت عينيه ....
لكنها شعرت بتوقفه عن السير فجأة فرفعت وجهها اليه متسائلة.......حينها شاهدت تلك النظرة التى أخافتها و جعلتها تهمس
( فارس ...... ماذا حدث ؟)
خفت قليلا تلك النظرة بعينيه .....ثم قال بهدوءٍ قدر الإمكان
( ما الذى جعلك تفكرين بالدراسة الآن .......بعد كل هذه السنوات ؟..)
شعرت سما بالتوجس من نبرته الهادئة و غضبت من نفسها بشدة لأنها القت اليه اقتراحها مرة واحدة دون ان تمهد له الطريق أولا.......كانت تشك فى موافقته و قررت ان تنتظر الوقت المناسب الا ان روعة هذا الصباح جرفتها ........لتجعلها ترغب في ان يشاركها حماسها ..........لكنها الآن تستطيع رؤية انها افسدت الأمر تماما ........
همست اليه وهى ترفع يدها لتلامس صدره
( لم يكن هناك مجالا من قبل .........أما الآن فأنا اشعر بأننى قادرة على النجاح و تعويض ما فاتني .........هل تمانع يا فارس )
قال بنفس النبرة الهادئة
( وماذا كانت دراستك ؟.............)
اجابته مندهشة و مصدومة من عدم معرفته الى الآن ...............
( كنت أدرس الطب ........ فالواقع لم أدرس سوى سنة واحدة فقط ثم تزوجت بعدها .......)
ارتفع حاجباه بصدمة وهو يهمس ( الطب ؟؟......هل تردين ان تصبحي طبيبة ؟......)
ظلت سما تنظر اليه بوجوم وهى غير قادرة على قراءة أفكاره ........يا الهى ما اكثر ما يجهله عنها ......لم يفكر ان يسألها مرة واحدة عن دراستها التى اختطفها منها بعد ان كانت تحلم باليوم الذى ستصبح فيه طبيبة .......الا ان حبها لفارس أوقف كل مشاريع حياتها و كل أحلامها عن المستقبل .....ليصبح كسب حبه هو حلمها الوحيد .........
أبعدت تلك الأفكار السلبية عن رأسها ...........و هى تحاول أن تنقل حماسها اليه قائلة
؛( نعم ...... نعم يا فارس ,كان ذلك حلمى الوحيد قبل ان ألقاك ..........و الآن أتمنى ان احققه )
ظل ينظر امامه و هو يخفي ما يشعر به تماما ........فهمست مرة أخرى
( فارس .............)
رفع يده فجأة ليوقفها عن الكلام باشارة منه ثم قال بحزمٍ لا يقبل المناقشة
( سما ......انسي هذا الموضوع تماما ,فانا لن أقبل ان تعملي أصلا ,فلما تتعبين نفسك بالدراسة ؟)
شعرت فى لحظةٍ واحدة بتكسر كل أحلامها على صخور قلبه القاسي ......و امتلأت عينيها بالدموع فى لحظة واحدة .....فهمست كمحاولة أخيرة
( لكن يا فارس ...................)
سحبها بين ذراعيه وهو يقبلها بشدة موقفا كلامها ..الى ان ضمن استجابتها الكاملة.......... ثم قال اخيرا بعد ان رفع رأسه عنها ..بصوتٍ اجش من العاطفة
( سما نحن فى شهر عسلنا الذى طال انتظاره ........فهل هذا وقتا للكلام فى الدراسة ؟)
شدد من ضمها اليه..... ليشعر برطوبة دموعها على بشرة صدره العارية ....الا انه لم يظهر انه شعر بدموعها .....وهو يهمس فوق وجنتها
( هل هناك ما هو أغلى عندِك منى ؟........سما )
اجابت سما هامسة وهى تهز رأسها بينما دموعها تنساب على وجهها ....(لا......)
و ليتأكد من جوابها أعاد نفس السؤال فوق شفتيها ....الى ان حصل على نفس الاجابة وهى تمد ذراعيها لتطوق عنقه ........تخبره بقبلتها عن كل ما يريد معرفته فى الوقت الحالى ............
تلك الليلة حين كانت تنام بقربه ....ظل هو مستيقظا بجوارها .....يتخلل شعرها باصابعه , ناظرا أمامه بألم ......
اليوم شعر بتمزق قلبه تحت دموعها على صدره ...... لكنه قاوم ألمه .......لأنه يحمي ممتلكاته , وسما أصبحت أغلى ممتلكاته و سيكون ملعونا اذا تركها تفلت بعيدا .....كما ضاع منه حبه الأول ......لكن الآن ان ضاعت سما منه فهو لن يجد سببا آخر ليحيا من أجله ......حتى وان لم يكن هذا حبا .......يكفى ما تجلبه الى حياته من أمل ...... وسعادة ......
اقترب منها ليتلمس شفتيها بكل رقة ......ثم أخذ يهمس فى أذنها
( أنتِ تتسربين من بين أصابعي بمنتهى السرعة ياسمينا ..........حتى وان لم تدركي ذلك بعد , لكن الرياح تريد أن تحملكِ بعيدا....... ,لكن وعدا منى ان ذلك لن يحدث ابدا مادام فى صدري نفسا يتردد ......أنتِ لي ياسمينا .....لقد خلقتِ لي وقد وقعت أنا على عقد امتلاكك قبل حتى ان تعرفي معنى الحياة .......قد أكون قاسيا لكن هذه هى الحياة , و انا أنوى ان آخذ حقي بها ...........الم يكن هذا هو طلب الجميع ........لا أفعل الآن سوى أننى انفذ ما رسمتوه جميعا منذ ثلاث سنوات .........فلا مجال للندم او لتأنيب الضمير عندي .....)
تململت سما فى نومها قليلا وهى تئن الى ان استيقظت فجأة شاهقة بعنف .........ففوجئت بوجه فارس الشرس مطلا فوقها ,فهمست بخوف
( فارس .......ماذا هناك حبيبي ..هل يؤلمك شيء )
ابتسم ابتسامة باهته ثم قال بعد فترة
(نعم .......نعم يا سما ,أشعر بصداعٍ فظيع ,لقد عاد أسوأ من السابق .......)
استقامت سما جالسة بجواره وهى تقضب جبينها بقلق تتلمس جبينه وتهمس
( مرت فترة منذ ان أصبت به ........فلماذا عاد اليك الآن )
تردد قليلا ثم قال وهو يتعمد تضييق عينيه بألم
( يبدو اننى لم أحتمل التوتر أبدا ..........هل تجلبين لي الدواء يا سما من فضلك )
فى لحظةٍ واحدة .....كان القرص بيده وكوب الماء فى يده الأخرى وبعد ان انتهى ......همس لها بخشونة
( سما أعرف اننى أحتاج الى كل دقيقة من يومك .......خاصة ها قد بدأت الأوجاع تعود الي مرة أخرى..... أنا حقا آسف )
جذبت سما رأسه بكل رقة لتريحه على صدرها وهى تدلك له جبهته هامسة بحب متألمة لألمه
( هششششش.........لا أريد ان أسمع هذا الكلام السخيف مرة أخرى , لن تعود أوجاعك باذن الله ...قد يكون هذا صداعا لأنى وترتك صباحا ......أنا التى يجب ان تعتذر حبيبي ........ويجب ان تعرف أنك الأول فى حياتى دائما ولو استطعت زيادة دقائق يومي لأعطيها لك , لفعلت بدون تردد ........)
ارتسمت ابتسامته المفترسه على شفتيه وهو ينعم بحضنها الدافىء ......... والكلمات التى أراد سماعها , والتى سيحرص على سماعها كل لحظة لو أمكن ...............
.................................................. .................................................. ................................................
كان ينظر اليها بشغف ٍ فى المرآة وهى تساعده فى ارتداء سترته ....... إنها تداوم على فعل ذلك منذ عدة أيام .....وهى لا تعلم ان هذه الحركة البسيطة تلهب مشاعره وتحثه على عدم مغادرة هذه الغرفة الى مكانٍ ممل كالعمل .......
كانت واقفة خلفه تمرر يديها بعدم تركيز على كتفيه بعد أن ألبسته السترة .......ثم حانت منها التفاته الى المرآة .....لتفاجأ بنظرته الجامحة اليها تساندها ابتسامة مفترسة على زاوية فمه .......فاحمر وجهها بشدة و هى تخفض نظراتها بسرعة ...... فضحك بشغفٍ وهو يجذبها بين ذراعيه ليقول
( أعتقد أنكِ علمتِ ما أفكر به فى هذه اللحظة اليس كذلك ؟..........)
ازداد احمرار وجهها وقد فلتت منها ضحكة رقيقة خجولة .........فلم يستطع المقاومة اكثر فجذبها اليه يقبلها بشغفٍ افقدها الوعى بكل ما حولها ........
ابتعد عنها أخيرا وهو يتنهد بعمقٍ حتى كاد ان يسحبها مع الهواء الداخل الى رئتيه محملا بعطرها العذب .........عطرها الذى لم تضيفه ابدا الى نفسها .... بل منحته إياها الطبيعة بكل بساطة ........هذه الرائحة استنشقها حين حملها بين ذراعيه للمرة الأولى وهى طفلة صغيرة لم تتعدى الخامسة .......وقتها لم يعلم لماذا سكنت هذه الرائحة خياله طويلا و قد فسر الأمر بأنها رائحة الأطفال الناعمة المحببة ......لكن بمرور السنوات ,ظلت هذه الرائحة تسكن قلبه ...تداعبه كلما اقترب منها متعللا بأى شيء , ليدرك ان هذا هو عطرها الطبيعي
...............
عاد ليقترب منها مرة اخرى ليدفن انفه اسفل عنقها عله يصدق أخيرا انها هنا بين ذراعيه وقد أصبحت ملكه .........
ابتسمت بحزن و هى تميل برأسها ليلامس خدها خده بنعومة لتستمد منه كل الحماية التى تحتاجها .....همست بداخلها ....أين كنت ....لماذا لم تنتشلني من قبل .......لو كنت أعلم أنك قدري لكنت انتظرتك .......لما كنت ضعت من دونك ........كنت أخى الصارم , وكنت أخاف من قسوتك .......لو كنت أعلم ......لو كنت أعلم ......
لم تدري ان كلمتها غادرت شفتيها بهمسٍ معذب .......الا حين رفع رأسه و هو ينظر الى عينيها المبللتين طويلا .....ثم همس أخيرا
( لو كنتِ تعلمين ماذا حبيبتى ؟..............)
لعقت دمعة وحيدة انحدرت ووصلت الى شفتيها بنعومة ......ثم هزت رأسها بعلامة ٍ لا معنى لها .......ظل ينظر الى عينيها طويلا لا يمل منهما دون أن يثقل عليها بالاسئلة ........فدائما ما يتركها تبكي كما تريد حتى تكتفي دون يحاول العودة الى الماضي ........ وهذا ما كان يريحها وما كانت ممتنة له .......
أمسك بوجهها بين كفيه ..... و ابتسم لها مطمئنا بان كل شيء سيكون على مايرام .لكن دون أن يحتاج الى الكلام .......ثم قال لها أخيرا
( هل تحبين الخروج مع السيدة اسراء مرة أخرى ؟.......)
نظرت اليه مندهشة تماما كالمرة السابقة ...... ما هذا التطور ؟ هل يفعل ذلك لإرضائها ..........مع انها متأكدة من عدم رغبته في خروجها من باب القصر .......لكنها لم تستطع كبت حماسها هذه المرة .....فلقد مر اسبوع على خروجها مع السيدة اسراء الى المجمع التجاري ......و كانت تعتقد ان هذه كانت المرة الأولى و الأخيرة التى سيسمح فيها ادهم بخروجها .......لذا لم تعلق الآمال كثيرا على إعادة الكرة .......و احتمال مقابلتها لصديقتها الجديدة مرة أخرى ..... مع أنها كانت تتوق لذلك بشدة .... لم تكن تدري متعة أن يتحدث المرء الى شخصٍ غريبٍ لا يعرفه ..... ليفضي اليه بما لا يستطيع البوح به لمن يعرفهم ......شعرت المرة السابقة بشعورٍ غريب ... شعورٍ من راحةٍ محملةٍ بالألم .........و لكم كانت تريد أن تعيد هذا الشعور مرة أخرى .......بالاضافة الى شعورها بأنها عادت انسانة سوية تجلس مع أمرأةٍ شديدة الأناقة .... شديدة الثقة بالنفس ... والتى تمنت ان تكتسب جزءا من ثقتها ...... وتصبح بمثل جاذبيتها و اناقتها .........و تختفى منها تلك الفتنة ِ الهمجيةِ القذرة التى تجذب اليها وحوش الأرض ......كما وصفها أحد تلك الحيوانات الذين عرفتهم سابقا .........فقط جذابة ...... جذابة و راقية .... لاتثير غرائز كل من يراها .........كما قيل لها سابقا ........
فهل تجرؤ على رؤيتها مرة أخرى ؟؟.....لقد كانت ..سمر ...مبدية أشد الاهتمام برؤيتها مرة أخرى , مما جعل حلا تشعر بالزهو قليلا و ارتفاع روحها المعنوية .......هناك من يريد رؤيتها لشخصها ..... وليس لأغراضٍ دنيئة ......
همست لادهم تحاول التأكد مما سمعته
( حقا يا ادهم ؟.....مرة أخرى ؟.......كنت أظنك تخاف من خروجى وحيدة , لكن ها أنت تسمح لي بالخروج بمفردي مرتين خلال أسبوع ؟.......)
ثم تابعت و قد أصابها دلال الأنثى العاتبة بالرغم من حماسها الخفي
( ألم تعد تخاف علي يا أدهم ؟..........)
فى حركةٍ واحدةٍ مباغتة مد ذراعيه ليعتقل خصرها ثم رفعها عاليا ليصبح وجهه فى مواجه عينيها المتسعتين ببراءة ...........اخذ نفسا عميقا و هو ينظر لعينيها عابسا ......ثم قال أخيرا باندفاعٍ غاضب
( تبا يا حلا ... انا أحاول أن ......لكن أنتِ لا تساعديني بما تقولينه ....بنظرة عينيكِ البريئتين بسذاجة ......)
لم تفهم تماما ما يحاول قوله ......لكنها ظلت تنتظره لأن يكمل ....شعرت ان كلامه الغير مفهوم يدفىء قلبها .......
قال أخيرا وهو يتنهد بيأس
( فى قرارة نفسي لا أريد ان تخرجي من باب القصر ..........لكنى أعلم ان ذلك مستحيلا , فها أنا أحاول ان أروض نفسي بالرغم من شدة ما أعانيه من خوفٍ عليكِ )
أحاطت عنقه بذراعيها و هى تقول بتردد تحاول ان تقنع نفسها قبل ان تقنعه
( ادهم .....أنا لست طفله , صحيح أننى لم أفعل سابقا ما يجعلك تثق بي ...... لكنى .....لكنى أحاول , فلا تخف على و لا تلم نفسك )
أنزلها ادهم على قدميها ثم ضمها الى صدره بكل قوة حبه و خوفه عليها ..... لا يريد ان تبتعد عن قلبه أبدا .......
اخيرا ابتعد عنها قليلا و هو يقول بحزمٍ حاول تجميعه قدر الإمكان
( اذن ... فلنحاول خطوة خطوة ......فلتخرجى مع السيدة اسراء اليوم ......و .... وحاولى الاسترخاء قدر الامكان )
مد أصابعه ليتلمس و جنتها برقةٍ اذابت قلبها و هو يهمس بعد لحظة
( ليس معنى اننى أخاف عليكِ ..........ان يكون هناك ما يخيف لا أريدك ان تشعري بالذعر , لا تقلقي حبيبتى فعيوني عليكِ دائما )
شردت بعيدا لحظة و هى تتذكر نفسها تسير هائمة مذعورة تنظر الى كل شخصٍ يقترب منها على انه سينقض عليها فى أى لحظة .......لو كان رآها فى هذه اللحظة لكان شعر بالخجل منها بكل تأكيد ......... الحمد لله أن عيونه لم تكن عليها كما يحاول ان يطمئنها و الا لكان صُدم من منظرها المخزى و هي تسير وحدها بعد رحيل السيدة اسراء ..........
أومأت حلا برأسها موافقة و هى تبتسم ابتسامة مترددة ترد على ابتسامته المشجعة لها ........ابتعد عنها متثاقلا بعد ان قبلها على جبهتها مودعا .......الا إنه عاد اليها مرة أخرى ليمسك بذقنها يرفعه اليه وهو يقول بصرامة محببة
( لا أريد ان انبهك لملابسك مرة أخرى .........)
ابتسمت ابتسامة واسعة وهى تومىء برأسها له ........ وقد عادت لذاكرتها نفس الجملة حين كانت فى السادسة عشر وهو يقولها بصرامة أشد منها الآن .........
عادت لتهمس بعد أن خرج من الغرفة ..........أين كنت .......لو كنتُ أعلم ..........
ظلت حلا تنظر الى قائمة الأسماء الموجودة على شاشة هاتفها الخاص ......و التى لا تحتوى الا على اسمين اثنين فقط .....اسم ادهم يليه اسم ........سمر ....و التى أصرت ان تعطيها رقم هاتفها مؤكدة عليها ان تهاتفها و قتما شعرت بالرغبة فى الخروج معها .....بينما لم تملك حلا الجرأة لتعطيها رقمها ........
أخذ إصبعها يتردد كثيرا فى الضعط .........هل ستتذكرها ..... قد تكون مجرد انسانة ودودة و لا تعتقد بالفعل ان حلا ستأخذ الموضوع بجدية و تحاول مقابلتها مرة أخرى .........لكنها تحتاج اليها نوعا ما , احساس غريب طرأ عليها منذ ان قابلتها ...... هل هذا هو معنى الصداقة التى لم تعرفه قبلا ..... حتى مع هلال .....احتياجها لأنسانة غريبة كسمر اكثر ضرورة من احتياجها لعفوية و مرح هلال ....
اخذت نفسا عميقا فى النهاية ثم ضغطت على اسمها ........كانت لحظة واحدة وهى على وشك ان تغلق الهاتف بعد ان غلبها ترددها ....الا ان الصوت الجذاب ذو النغمة الموسيقية وصلها قائلا
( مرحبا .....)
كرهت حلا غباءها على هذه الخطوة الغير محسوبة ,. الا إنها لم تجد سبيلا سوى أن تكمل للنهاية ...........فهمست متلعثمة
( س..سمر مرحبا .....آآآ....أظن أنكِ لن تتذكرينى , لكن ....لكن أنا كنت ...........)
قاطعها الصوت المحبب و هو يأتي اليها حاملا الثقة و الألفة
( مرحبا حلا ........)
ابتسمت حلا قليلا و هى تلصق الهاتف باذنها و تسير بخطواتٍ متعثرة فى الغرفة ..... لقد تذكرتها ......
ثم همست بإحراج ( لقد تذكرتِنى ..................)
جاءها صوت سمر حاملا الابتسامة معه
( بالطبع تذكرتك فأنا لا أنسى أصدقائي ابدا .........ثم أننى أنا من طلبت منكِ مكالمتي )
ترددت حلا وهى لا تعلم بماذا تكمل كلامها .......لقد شعرت بنشوى غريبة حين أخبرتها سمر بأنها تعتبرها من أصدقائها .......
قاطع ترددها صوت سمر و هى تقول بعذوبة
( حلا انا أشعر بالملل ......ما رأيك ان نخرج اليوم ؟)
اتسعت عينا حلا و هى لا تصدق ان هذا ما كانت تريده لكنها كانت محرجة من رفض سمر لرفقتها , خصوصا و أنها لم تمهد لها الأمر قبل اليوم فقد تكون مشغولة ........لكنها انبهرت بعفوية سمر الشديدة و هى تخبرها بمنتهى البساطة أنها تريد أن تخرج اليوم ......لكم تتمنى أن تصبح في نفس ثقتها ........همست حلا و هى تبتسم
( سيكون ذلك رائعا .......... هل من الممكن ان نتقابل في نفس المكان , أنا لن ......لن أستطيع الذهاب الى غيره )
جاءها الرد من سمر مطمئنا ودودا ( بالطبع حبيبتي لا مشكلة ........سأكون في انتظارك هناك بعد ساعتين )
ضمت حلا الهاتف الى صدرها و هى تبتسم متحمسة ..... ها هى أول خطوة من خطوات ترميم نفسها ......لقد عادت للإختلاط بالناس .......
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت حلا تنظر اليها مبهورة بحركات يديها و هى تبعد بها شعرها الناعم القصير عن عينيها ..... تؤرجح ساقا فوق الأخرى وهى تجلس أمامها بكل أناقة ......تتحدث بثقة , شديدة المرح ....... و أيضا مستمعة رائعة , فقد كانت حلا هى التى تثرثر معظم الوقت .....حتى حين كانت تسكت خوفا من أن تضجرها ........ كانت سمر تقول لها بمحبة ..... لماذا توقفتِ عن الكلام ...........
لم يبدى أحدا إستعداده لسماعها من قبل .......حتى ادهم .........منعه توحشه من الإستماع الى الماضي , خوفا عليها من ردة فعله ؟... او خوفا مما قد يسمعه و يكون فوق احتماله .... المهم أنه من بعد المرة الأولى التى سألها فيها .......لم يحاول إعادة الكرة , صحيح أنها شعرت بالارتياح من عدم إلحاحه , ........ لكن في زاوية من زوايا قلبها ......كانت تشعر بالألم من ردة فعل ادهم الذى تظاهر بأن شيئا لم يكن ...... و أن حمايته المبالغ فيها هى شىء طبيعي و منطقي ..........
عادت حلا من أفكارها على لمسة يد سمر الناعمة على يدها وهى تهمس حتى لا تجفلها
( حلا.........أين شردتِ ؟)
التفتت حلا اليها بسرعة ثم أخفضت نظرها الى يد سمر الممسكة بيدها ...... الا أن سمر لم تسحب يدها هذه المرة , ثم قالت مبتسمة
( الم تخبريني انكِ لا تفضلين أن يلمسكِ أحد ؟........لكنك لم تعترضي الآن )
سحبت حلا يدها ببطء ....ثم قالت بعد فترة
( أنا أتوجس من الأشخاص الغريبين عني .........لقد مررت بعددٍ لا بأس به من الأشخاص السيئين في حياتي )
قالت سمر بمرح ( لا تبدين لي كبيرة في العمر لهذه الدرجة ............)
سبحت غمامة حزن على وجه حلا و هى تعود للشرود هامسة
( قابلتهم جميعا فى الخمس سنوات الأخيرة من حياتي .......أو على الأصح في ثلاثٍ منها فقط )
نظرت سمر اليها باهتمام ثم قالت أخيرا بهدوء
( الن تحكِ لي ما حدث معكِ اليوم أيضا .............)
ظلت حلا ناظرة الى يديها المتشابكتين أمامها ثم همست بتقطع
( أنا لا أستطيع ..... هناك أشياءٍ حدثت لى و لست فخورة بها )
قالت سمر بصوتٍ منخفض ( هل تعرضتِ لعنفٍ من أى نوع ؟........)
قالت حلا بعد فترة بهمس ( قد أكون تعرضت لكل أنواع العنف ...........)
سحبت سمر نفسا عميقا ثم حاولت مرة أخرى ( قد يريحنا أن نحكي لأشخاصٍ غير أنفسنا ما يؤلمنا ........فلماذا لا تحاولي )
عادت تلك الدمعة الوحيدة لتنحدر على وجنتها لتجد مكانها ككل يوم ...... و ظلت صامتة قليلا ثم قالت
( لا أريد .....لا أريد ان يتركني ادهم ......لم أعد استطيع الحياة بدون حمايته لي , ماذا لو قرر فجأة أننى أصبحت غير ملائمة له , كيف سأعيش و أين سأذهب ........ أنتِ لا تعلمين كيف كانت حياتي من قبله .........كنت انهار ببطءٍ كل يوم ...الى أن جاء هو وانتشلني )
تقبلت سمر أن حلا قد اتجهت بتفكيرها الى طريقٍ آخر تماما غير الذى كانت تحادثها فيه و سايرتها فى الكلام قائلة
( ادهم هذا زوجك بالتأكيد اليس كذلك ؟....... لكن مما أخبرتني به شعرت أنه يحبك جدا , فلماذا تخافين أن يتركك ؟)
رفعت حلا عينيها بسرعة ٍ الى سمر و كأنها قد القت اليها بقنبلة .........و ظلت تنظر اليها طويلا ثم قالت هامسة
( يحبني ؟........ لا الوضع بيننا مختلف , إنه ليس حبا كالقصصِ الرومانسية ِ و الأفلام .......إنه فقط .... يشعر بالمسؤليةِ نحوي , هذا هو ادهم ... يجيد حماية من هم تحت مسؤليته .......)
نظرت اليها سمر باهتمام و كأنها لا تصدق أن هذه هى نظرة حلا الى زواجها .......ثم قالت
؛( وهل كان يجب ان يتزوجك ليتحمل مسؤليتك ؟..........لا أعتقد انه يصل الى هذا الحد فى الحماية )
ظلت حلا تنظر اليها طويلا و كأنها انفصلت عن هذا العالم ثم همست بشرود
( قلت لكِ ان وضعنا يختلف ......ادهم كان أخى الأكبر منذ اكثر من عشرين عاما )
ابتسمت سمر ابتسامة خبيثة و هى تقول بمرح
( وهل يتعامل معكِ الآن على أنه أخاكِ ........لا أصدق هذا عن أدهم )
نظرت حلا اليها بدهشة و قد احمر و جهها من ملاحظة سمر الا أنها قالت ( و كيف تعرفين أدهم ؟........)
لم ترمش عينا سمر لكنها قالت بعد فترة ( طبقا لما أخبرتِنى عنه .....أظن انه لا يشعر نحوك بأى نوعٍ من الأخوة أبدا )
ازداد احمرار وجه حلا وهى تطرق برأسها .........كيف تخبرها بأن زواجها من أدهم كان صفقة بينهما .......صحيح أنه يحميها بشكلٍ رائع و هو دائما و أبدا سيظل الصخرة الصلبة فى حياتها ........ الا أن ذلك لا يمنع أنه تزوجها بالطريقةِ الوحيدة التى تتزوج بها نساء آل الراشد.........
( حلا ......) رفعت حلا رأسها لتواجه صاحبة النداء الناعم , فقالت سمر بثقة
( أعتقد ان خوفك الغير منطقي على زواجك هذا له علاقة بالماضي اليس كذلك ؟...........)
ابتلعت حلا ريقها و هى تومىء برأسها بتردد قم قالت بهمسٍ مختنق
( أنا ......أنا كنت متزوجة .....قبل أن أتزوج أدهم )
ظلت سمر تنتظر البقية ...... فأكملت حلا و هى تشعر بغصةٍ في حلقها
( كنت متزوجة من انسانٍ سيء للغاية ........فعل بي أشياءٍ ........لو عرفها أدهم ......)
قالت لها سمر بصوتٍ منخفض ( و لماذا تزوجتِه؟............)
تحررت خيوط الدموع من قيودها و هى تأخذ مسارها فوق وجه حلا التي قالت أخيرا بما يشبه النشيج
( ظننت وقتها أن لا خيارٍ لي ........ظننت أن بقاء أمى و أخوتي فى القصر مرهون بموافقتي )
سألتها سمر بخفوت ( و بالطبع لم يكن ذلك صحيحا .......... من أوهمكِ بذلك )
شهقت حلا و هى تهمس ( من عرفت لاحقا أنها باعتني و قبضت الثمن ..........)
لم تحاول سمر التطرق اكثر لهذا الموضوع .....فقد بدت حلا على وشكِ الانهيار ......ثم قالت لها بعد لحظات
( حلا هل تعرفين ماذا أفعل حين أشعر بالضيق و لا استطيع مخاطبة أحد ..... أكتب كل ما أشكو منه , وهى طريقة فعالة جدا حين أكون غير قادرة على المواجهه ........لذا أريد منكِ أن تكتبي عن كل شىءٍ سبق و ضايقك ووقتها لن يكون لديكِ أى قلق فأنت لا تواجهين الا نفسك ........و من يعلم , قد تثقين بي يوما و تسمحين لى بقراءة ما كتبتِ )
ابتسمت حلا بضعف و هى تعدها بالمحاولة ..... بعد فترة سألتها سمر بحذر
( حلا أخبريني شيئا .........هل النفور الذى أخبرتني به تشعرين به تجاه كل الرجال مثلا ....أم أشخاصٍ معينين كالغرباء مثلا )
همست حلا بعد أن هدأت قليلا ( إعتقدت لوقتٍ طويل أننى أنفر من كل الرجال .......الا أدهم )
ابتسمت سمر و قالت ( ولماذا الا هو ؟............)
احمر وجه حلا و هى تقول بتلعثم ( لا أعلم ......حقا لا أعلم ....كل ما أعرفه هو أنه يشعرني بالكمال حين أكون معه , و هذا مالم أشعر به مع أي انسانٍ غيره .........لكن ....في بعض الأحيان لا أشعر بذلك النفور على هذا النحو الشديد فأنا فقط أخاف من العنف و الصراخ و لا أحب أن يلمسني أحد .......لكنى أكتشفت أننى أستطيع التعامل كأى شخصٍ طبيعي فى ظل هذه الظروف ...... فأنا مثلا لا أخشى من صديقي هلال .......)
اختفت ابتسامة سمر تدريجيا و هى تسأل بحيرة ( هل لديكِ صديقٍ اسمه هلال ........ كنت أظن أنك لا تخرجين من القصر أبد )
ابتسمت حلا قليلا وهى تقول ( بالطبع ......هو موجود معنا فى القصر )
نظرت اليها سمر بتوجس ثم قالت ( هل يراه أحدا غيرك ؟ .......)
فأجابتها حلا بعفوية ( لا .......)
عبست سمر وهي تنظر اليها بتركيز ثم قالت ( حلا هل من الممكن أن تكوني قد اخترعتِ صديقا فى خيالك ........خوفا من الإختلاط بأصدقاءٍ حقيقين )
اتسعت عينا حلا بعدم تصديق للحظة ثم انفجرت ضاحكة و هى تقول
( ماذا ؟!!......هل تظنيني مجنونة الى هذه الدرجة ؟!!..................اذن دعيني اطمئنك , هلال انسان حقيقي من لحم ودم و هو يعمل فى حديقة القصر )
ابتسمت سمر ابتسامة مهزوزة لا تحمل أى مرح ثم قالت
( وهل يعلم أدهم بصداقتك له ؟.........)
قالت حلا بسرعة ( يا الهى لا بالتأكيد ........أدهم سيجن ان عرف أننى تساهلت مع أحد العاملين فى القصر , انه لا يؤمن بالعفوية و المساواة بين البشر وهذا ما يضايقني به ...... بالنسبة لى كل الأشخاص متساوون .......فأنا مثلا عرفت آخرين من الوسط المخملي أشد قذارة من الحشائش الضارة التى يقتلعها هلال .......)
ظلت سمر تنظر اليها فاغرة فمها قليلا ..غير مستوعبة تفكير حلا الذى ابتعد كليا عن الكارثة التى قد تنكب عليها يوما ما ..... وبالتأكيد لن يكون السبب ... الفروق الإجتماعية بين الطبقات .......
حاولت سمر التكلم بعقلانية ( حلا .....استمعي الي جيدا ..... هل هلال هذا تربى معكم في القصر مثلا ؟.....)
نفت حلا قائلة ( لا .... لقد بدأ العمل في القصر قبل أن أتزوج أدهم بعدة أشهر .....)
عبست سمر و هى تقول ( اذن الا ترين انه شديد الجرأة ليصادق زوجة صاحب القصر الذى يعمل به ........حلا أنا لا أريد أن أخيفك لكن أنتِ في بداية مراحل التعامل مع الناس بعد انقطاعٍ قد يقرب من السنتين.. و من قبلها ما تعرضتِ له فى زواجك السابق .........لذا فحكمك على الغرباء قد يكون فى غير محله ....... وقد تعطين ثقتك الى من لا يستحقها من شدة رغبتك فى بدء حياة طبيعية بين الناس )
توترت حلا قليلا ثم همست ( أنتِ تبالغين .....إن رأيتِ هلال ستدركين إنه يبدو كطفل فى مرحه وعفويته , لا أعتقد أنه مؤذى ......كما أنه حتى و أن كان ماذا يستطيع أن يفعل و أنا بداخل القصر ..........لا ... أنتِ فقط شديدة الارتياب )
ابتسمت سمر بضيقٍ وهى تشعر بعجزها عن التصرف ..... الا أنها آثرت ترك الموضوع حتى لا تثير خوف حلا ......
ظلتا طيلة ساعتين من الزمن تتحدثان فى أشياءٍ كثيرة ... تتطرق أحيانا الى حياة حلا و التى كانت تشعر بمرور الوقت بزيادة تعلقها بالرائعةِ سمر ..... و كأنها تعرفها منذ زمن .......
حتى أنها اصطحبتها بعد ان انتهيتا من الحديث الى جولةٍ فى محلات الملابس الراقية ..... و ساعدتها فى انتقاء طقما أنيقا رائعا ......
و ما أن ودعتها حتى شاهدت السيدة اسراء تأتى اليها مهرولة من بعيد ...... وما أن وصلت اليها حتى قالت و هى تلهث
( اعتذر جدا سيدة حلا على التأخير .......لكن أنا ممتنة للغاية لسماحك لي بزيارة ابنتي فهذا يوفر على الطريق الطويل من القصر اليها )
ابتسمت حلا و هى تتعلق بذراع السيدة اسراء و تقول
( لا عليكِ سيدة اسراء .......فأنا استمتعت اليوم جدا ....لكن بالطبع تسعدني رفقتك جدا )
.................................................. .............................
؛( ما رأيك يا أدهم ؟.........)
نظر اليها و هو مستلقيا في فراشه بكسل تلك الليلة واضعا ذراعيه خلف رأسه ينظر اليها بشغف و هى تختال أمام المرآة مرتدية زيا كلاسيكيا أنيقا , أبيض اللون ذو تنورة ضيقة تكاد تلامس ركبتيها ... و سترة ذات أزرار محكمة تظهر نحول خصرها بينما انساب شعرها الرائع خلف ظهرها فى موجاتٍ ذهبية و عسلية متفاوتة في درجاتها ...... لم تكن يوما أروع منها الآن ......
استدارت لتنظر اليه منتظرة سماع رأيه ...... فقال مبتسما
( رائع .........)
لم تكد ابتسامتها تظهر على شفتيها حتى أكمل بصوتٍ قاطع
(لكنه مرفوض .......)
اختفت ابتسامتها و عبست وهى تقول بحنق
( ماذا ؟؟!!.........ان ثمنه يعادل ثروة صغيرة , ثم إنه رائعا ,لم أرتدي شيئا في مثل روعته من قبل )
ظل ادهم هادئا بمكانه و هو ينظر شغوفا ببرائتها و طفولتها التى لم تقتلها أيامها الحزينة ......قال برقة
(يمكنك ارتدائه هنا داخل القصر ....)
ازداد عبوسها وهى تهتف ( أدهم ..... الا ترى أنه زيا رسميا؟ ,ماذا يمكنني ان أفعل به داخل القصر ؟!!)
ازدادت ابتسامته عبثا وهو يشرد ببعض التخيلات التى رفعت من ضغط دمه ....... فقاطعه صوت حلا الحانق
( ادهم .......أعرف الى أين ذهب تفكيرك ..... توقف عن ذلك )
اتسعت ابتسامته بمرح بينما استدارت هي الى المرآة مرة أخرى , فدارت موجات شعرها معها .......فقالت بعد تأمل
؛( أعتقد فعلا أنه سيكون أفضل لو قصصت شعري .......إن طرازه قديما للغاية )
عبس ادهم فجأة و اختفت ابتسامته و هو يقول بصرامة
( ماذا ؟..... من اقترح عليكِ هذا الاقتراح الأحمق ؟ ......)
ارتبكت حلا و هي تستدير اليه ....ثم قالت بتلعثم
( ومن سيقترحه ؟.......أنا فقط رأيت كل النساء اليوم يقصون شعرهن بأشكالٍ جذابةٍ حديثة )
قال لها أدهم بصرامة ( إنسي هذا الموضوع تماما ......هل فهمت ...أنتِ تعجبيني تماما كما أنتِ )
ابتسمت قليلا و هى تنظر لعينيه المخيفتين .......ثم همست برقة
( أنت متصلت للغاية .........)
رد على ابتسامتها بابتسامة رائعة ثم أشار اليها بإصبعه لتذهب اليه دون أن يكلف نفسه بالتحرك من مكانه ......فذهبت اليه بكل وداعة الى ان وصلت اليه فجذبها من يدها لتسقط جالسة على الفراش بجواره ......ثم قال برقة
( أنت اليوم أفضل بكثير منكِ في المرة السابقة )
ابتسمت حلا و أطرقت برأسها لتنزلق خصلات شعرها الناعم لتخفي عنه وجهها .....لكنه استقام جالسا و هو يمد يديه معا ليزيح شعرها عن وجهها و كأنه يرفض أن يفصله أى حاجز عن ملامحها .......جذب وجهها اليه و همس أمام شفتيها
( حلا أنا فخور بكِ جدا ...... جدا.... و لم أكن لأجد زوجة أفضل منكِ أبدا )
نظرت اليه بدهشة من جملته التى لم تسمعها منه قبلا ......لم تظن يوما أنها قد تسمع شيئا مماثلا من في أى يوم من الأيام ......تذكرت بداية زواجهما و كيف كان الإزدراء يظلل نظراته اليها ......لتتحول كل نظراته بمرور الأيام الى ذلك الوهج الدافىء ......ويأتى اليوم الذى تسمع منه مثل هذه العبارة ......هل حقا هذا هو مسار حياتها .......أم أنها تحلم حلما طويلا ستسيقظ منه على صخور الواقع المرير الذى عايشته من قبل ..........و هل من الممكن ان يكون حبه لها جزءا من هذا الحلم ؟.......هل من الممكن أن يحبها و لو قليلا كما قالت سمر ؟...........
أجلت قبلته الناعمة التفكير فى أجوبةٍ لهذه الأسئلة ........ فلتتركها للأيام ِ القادمة ..... فقد تجيبها .......
.................................................. .................................................. .................................................
كانت يديها تعبثان بالرسائل التى لم تنتهي من قراءتها كلها ...............رسائل الحب و الغرام ......مع كل كلمة عشق تقرأها , كان يزداد غضبها شراسة ......غضبٍ من هذا العشق الأناني الذى دمر حياة الكثيرين ....وهى أولهم .......
كل كلمة حب .... كل همسة عشق .....كل أغنيةٍ خطتها أصابعه على الاوراق القديمة الصفراء ......لتنتهى كلها بتوقيعه ....عماد الراشد أخذت تقلب الأظرف القديمة المبعثرة في درج المكتب و الموجود في حجرة المكتبة الضخمة الأثرية ............
فجأة توقفت أصابعها ..... تسبقها توقف أنفاسها .......اتسعت عيناها الكريمتين و نفثت اللهب الازرق و هى تتحقق مما تراه ..........
ظرفا قديما ناعما تحت أصابعها ككل الأظرف ......لكن الكلمة المخطوطة عليه قتلتها ........نفس الخط الناعم المائل بانسيابية ....خطت حروفه لتشكل كلمة واحدة ..........." سابين " ...........
التقطت الظرف بأصابع مرتجفة وهى لا تدري ماذا يفعل اسمها وسط بحور عشقه و لوعته .......
فتحت الظرف ببطء وهى تأخذ نفسا عميقا ..... أخرجت الورقة المطوية و فتحتها لتتسابق عيناها في ملاحقة الأسطر المخطوطة بوهنِ من كتبها ........
صغيرتي سابين ......
حين تقرأين هذه الكلمات .... أكون أنا قد غادرت بعيدا عن هذا العالم و سيكون قد حدث هذا منذ سنواتٍ عديدة بالنسبةِ لكِ
أستطيع تخيلك الآن واقفة أمامى , شابة رائعة السحر و الجمال ..تسبي القلوب , تماما كما سبيت قلبي حين نظرت لعينيكِ الزرقاوين لأول مرة وأنا أحملكِ رضيعة بين ذراعي .......
قد لا أملك الحق في طلب السماح منكِ صغيرتي .....لكن لا أملك سوى ان أترجاكِ لتكملي الرسالة لنهايتها .......
شعرت سابين بالتخاذل في ساقيها فجلست على الكرسي الضخم خلف المكتب و هي تشعر بعالمها يدور من حولها ....وعادت بعينيها الزائغتين لتكمل قراءة كلماته .....
لم يكن هناك ما يمكنني فعله سوى ذلك سابين .....فقد كانت النهاية ...وقررت ان أرتاح في لحظاتها ......
كنت مستعدا لأمضي عمري فقط من أجلك انتِ وإخوتك ...فلا سبب آخر قد يعطيني البهجةِ التى جلبتموها الى حياتي ......و قد عاهدت نفسي ان تظل روحي لكُن... طالما في صدرى نفسا يتردد .......لكن شاء القدر ان يكون هذا النفس قد أوشك على الرحيل بلا عودة ....
ستكون الصورةِ الأخيرة لي شديدة القسوة عليكِ صغيرتي ......قد لا تتذكرني حلا , لكن أنتِ ستتذكريني لذا أردت ان أحميك من رؤيتها ......فضلت ان تبقى في ذاكرتك صورة لي لا تتألمين حين تريها .......
شعرت بتداخل الأاسطر , و بعثرة الأحرف حين غطت غمامة مشوشة عينيها ......فقد كان الحجرين الكريمين لامعين بقطرتي مطرٍ في يومٍ علت سماؤه الغيوم .......
ازداد ثقل قطرتي المطر في عينيها فرمشت لتسقطا بنعومةٍ على وجنتيها .......
شعرت فجأة انها مراقبة فرفعت رأسها لتجده و اقفا بالباب.... ينظر اليها نظرة غامضة وقد عقد حاجبيه .......طوت الورقة الموجودة بيدها بسرعةٍ و أعادتها الى الظرف وهي تدسها في جيب بنطالها من تحت المكتب .....ثم قامت من مكانها , تعطيه ظهرها حتى لا يلحظ الدمعتين الوحيدتين اعلى وجنتيها ........لتمسحهما بيدها و كأنها تزيح خصلتي شعر من على جانبي وجهها ....ثم أخذت نفسا عميقا و هى تستدير لمواجهته .....
متى وصل ؟....وكيف لم تسمع صوت زلزلة باب تلك القلعة ......الهذه الدرجة كانت مسافرة فى الماضي ......
نظرت اليه بقساوة , لعل عينيها تستطيعان تجميده ببرودتهما ......ثم قالت بكل عجرفة
( لماذا عدت ؟.......)
ارتفع حاجبيه قليلا ثم قال بقسوة
(يبدو أنكِ تتصرفين و كأنِك ببيتِك ...... وها أنتِ تسألين عن سبب عودتى وكأن لكِ الحق بذلك )
اقتربت منه ببطء وقد اعتادت الا تحيد بعينيها عن عينيه مهما بلغت قساوتهما ......وصلت اليه حتى وقفت على بعد خطوة منه , فرفعت راسها اليه وهمست بنعومة فحيح الافعى ...من بين شفتيها المكتنزتين
(أعدك .....أعدك ان ترى مني اياما لم ترها في حياتك من قبل ...احمد مهران )
ابتسم .....ابتسم حقا وهو ينظر الى شراستها الناعمة , ثم فجاة مد يده وجذب خصلة من شعرها الطويل ..مرة واحدة ..لينجذب راسها معها الى الجانب بشدة فتأوهت متالمة ....ثم تركها قائلا بهدوء مستفز
(الم يحن الوقت لتتعلمي كيف تخاطبين زوجك .......)
فجأة شعرت بأن موقفا مشابها قد مر بها منذ سنين عديدة
كانت تقريبا فى السابعة او الثامنة من عمرها ....تسير متعثرة خلف ايثار التى كانت تمسك بيدها وتجرها خلفها بعنف في حديقة منزلٍ أنيق الى ان وقفت أمام باب المنزل , فالتفتت اليها ايثار بشراسة و هي تقول بصوتٍ ينفث حمما لهبية
(انتظريني هنا .....)
ثم اندفعت لتصعد الدرجات القليلة و تدق جرس الباب .... وما ان فتحته الخادمة حتى اندفعت ايثار الى الداخل و هي تدفعها امامها صارخة بكلامٍ جارح لم تتبينه سابين وقتها ......الا أنها لم تهتم , فقد كانت معتادة على مظاهر الجنون المفاجىء التى تصيب ايثار في كثيرٍ من الاحيان ......
فظلت مكانها تركل الحصوات من الارض بشدة ..... الى ان إرتطمت احداها بساقٍ طويلة في بنطالٍ ثمين , مخلفة بقعة بيضاء من الأتربة .....
رفعت عينيها بسرعةٍ الى صاحب هذه الساق , فوجدت أمامها صبيا قد يكون في السادسة عشر ,فهو يبدو من سن أدهم البغيض و في نفس حجمه الضخم
نظر اليها عابسا ثم قال بقسوة
( هل أنت حمقاء ؟.......ما هذا الذى تفعلينه )
توحشت عيناها الشرستين الصغيرتين .....ثم بدون تفكير ركلت حصوة اخرى لترتطم بساقه الثانية ......
فما كان منه بعد لحظة الذهول الاولى الا ان وصل اليها في خطوة ٍ واحدة .......ثم أمسك بخصلةٍ من شعرها الطويل الطليق ليجذبها بشدة فصرخت متالمة وهى تركله وتشتمه بشتائم لا تلائم سنها .......فترك خصلة شعرها ليمسك بأنفها بين سبابته وابهامه ليسد نفسها حتى كادت ان تختنق فتوقفت عن الشتائم لتتنفس من فمها و هى تتلوى محاولة التحرر منه بينما اخذ هو يضحك قائلا
(يجب ان تتعلمي كيف تخاطبين من هماكبر منكِ .........)
عادت من ذكرياتها لتنظر اليه الان .....فوجدته ينظر اليها مدققا في عينيها الشاردتين ......فهمست
(كان هذا انت ......)
همس هو الاخر بغموض (هل تذكرتِ ؟.........)
قطبت جبينها بشدة وهي تهتف حانقة
(يا الهى......لقد كنت بغيضا منذ صغرك )
ضحك قليلا وهو يقول بصوتٍ اجش
(بينما أنتِ شرسة منذ صغرك .......شرسة و وقحة )
شدت نفسها وهي تقول ( لماذا عدت يا احمد ؟........هل تريد المزيد من الاعترافات الليلية )
قست عيناه وقد غاب عنهما الهزل ثم قال
(لا تزال افعالِك المشينة تحتاج الى ليالٍ وليالي لتكفيها كلها )
ابتسمت بسخريةٍ مستهينة بكلامه ثم استدارت تنوى المرور به لتخرج من باب المكتبة لتشعره بمزيدٍ من الاهمال ......
الا ان قصفا مدويا ضرب مزلزلا المكان بنوافذه .....فشهقت متسمرة في مكانها و عيناها تتسعان وهى تضع يدها على قلبها الخافق
نظر احمد اليها بدهشة ......ثم قال عابسا
( انه الرعد ...... هل تخافين من العواصف ؟....)
انزلت يدها بسرعةٍ وهى تنظر اليه عابسة و تقول بصرامة
( أنا لا أخاف من اي شىء .....فلا توهم نفسك )
نظر اليها مليا مدققا في ملامحها التى شحبت قليلا ........ الى قصف الرعد مرة اخرى ... فتعمدت ان تقف امامه دون ان تحرك ساكنا , مظهرة اللامبالاة .......فقط ارتجافة بسيطة في حدقة عينيها اعطته الجواب ........
مرت دقيقة كاملة الى ان عم الصمت المكان فزفرت في الخفاء..... ثم أعادت النظر اليه وهى تقول بصلابة
(اذهب من هنا يا احمد .......فلن تحصل على ما تريده الليلة )
نظرته المتوهجة اليها اليها خطفت انفاسها .... فعلمت الى اين ذهب بتفكيره ....... تماما الى حيث ذهبت هى بتفكيرها , الا انه بعد لحظة خلع سترته بكل هدوء ليعلقها على كتفه ممسكا بها باصبع واحد ثم تحرك مبتعدا ومتجها الى السلم قائلا بكل هدوء
(سأبيت الليلة هنا ...........)
ماذا ؟......ماذا؟.......الليلة ؟.....معها هنا ؟......عادت اليها صورا من ليلة زفافها لتتدافع مشعلة النار بداخلها
( ولا تتعبي نفسك يا سابين بالخروج في المطر لتقودي السيارة ......فلن تجدي المفاتيح او الهاتف )
وصلت عبارته السمجة اليها من اعلى السلم ثم ابتعد ليتركها تنظر الى ظله اعلى السلم بوجوم
........فالسيارة والهاتف لم يطرآ على تفكيرها ابدا ............
قصف الرعد مرة اخرى فقفزت من مكانها ........يا الهي ان الرعد في هذه المنطقةِ البعيدة يبدو كدوي المدافع .......ثم شعرت فجاة بالحنق الشديد من الارتياح الخائن الذى تسلل بداخلها بسبب بقاؤه معها هنا الليلة ......................................
ظلت سابين مكانها طويلا .... طويلا ....تمشي بضع خطواتٍ ثم تقف , ثم تعود للسير مرة أخرى , رافعة رأسها الى أعلى السلم بين الحين و الآخر .... و كأنها ستراه بهذه الطريقة , .....كانت العاصفة المجنونة تضرب جدران هذه القلعة منذ وقتٍ طويل .. تقفز من مكانها كلما قصف الرعد , تريد الجري على السلالم و الدخول الى ذلك الفراش الضخم المغطى بالستائر الشفافة .... و الذى بدأت تعتاده في الليالي الأخيرة .....الفراش وحده يبدو كحصن وهى تتمنى في هذه اللحظة الصعود اليه ودفن نفسها بين أغطيته السميكة ........ إنها ترتدي ملابس خفيفة كالعادة ... فهى لا تهتم أبدا ببرودة الجو , لكن الآن الجو في هذه المنطقةِ البعيدة يبدو وكأنه يلسع بشرتها الناعمة بسياطٍ باردة .......
هل هو البرد ما يلسعها بهذا الشعور المؤلم ..أم وجوده هو بالأعلى ... في نفس الغرفة التى بثها فيها أشواقه المجنونة ...
و يجرؤ الآن على النوم هنالك بمنتهى التبلد و البرود .... ماذا كانت تمثل له حقا ؟.... الهذه الدرجة كانت مجرد نكرة بالنسبة له ..... استغلها فقط ليداوي جروح ماضيه الصدىء .....الا يشعر بقليلٍ من الشوق اليها ....
حتى ليلة أمس حين ضعف أمامها ..... لم يتطلب الأمر سوى بضع كلماتٍ ليبتعد عنها تاركا إياها وحيدة بعد أن كادا يذوبان شوقا لبعضهما ......
ابتسمت ابتسامة مريرة و هى تتذكر رجالٍ أشداء كادو ان يخروا أمامها طلبا لنيل كلمة منها او حتى نظرة .... والآن ها هي تقف وحيدة , بالأسفل ..تتساءل ان كان يتمنى ان تصعد اليه .....
لكن سواء تمنى ام لا .... فستصبح ملعونة وتستحق كل ما يصيبها ان استسلمت له ........ليست هي من تسلم لعدوها بهذه السهولة ..مهما بلغت سطوته عليها .......
وضعت يدها برفق على جيب بنطالها تتحسس الظرف المخبىء به ...... تحترق لتخرجه و تكمل ما به , الا انها لن تجرؤ على ذلك الآن ......
عادت للتفكير مرة أخرى بهذه الرسالة الآتية اليها من الماضي ..... كيف وصلت الى هنا ... او كيف عرف والدها انها ستكون هنا يوما ما .......
هل قرأه احمد ..... لكن الظرف كان مغلقا باحكام مما يدل على ان يدا لم تلمسه من قبل.....لكنه كان يعلم بالرسائل الأخرى بالتاكيد , ومن المؤكد قد قرأ اسمها على هذا الظرف في وسط الأظرف الأخرى .... فكيف لم يغلبه فضوله ليفتحه ........
شعرت فجأة بالارهاق من كل ما مرت به اليوم ... وأشدها رسالة عماد الراشد المهلكة لها ......فجلست بتعب على الكرسي الضخم المذهب ذو الفرش المخملي الوثير و رفعت ركبتيها الى صدرها و هي تتنهد مسندة رأسها على ركبتيها .......... وسرعان ما سحبها النوم بعيدا وهى تعلم ان لا شيء ممكن ان يقلقها الآن ....... طالما هو موجودٌ بالأعلى ........
داعبت اشعة الشمس الدافئة وجهها بنعومة لتدغدغها و هي تشعر بجسدها مسترخي بشكلٍ رائع خرافي ....ما أجمله من حلم .... كانت ذراعاه محيطتان بها و لمساته تحرق بشرتها الناعمة ..... صوته الهامس يتسلل اليها ضاحكا بنعومة
ساعديني قليلا سابين .......
ثم شعور رائع بالدفء ملأها بهجة خالصة ........فتحت عينيها ببطء وهى تتمطى باسترخاء ممتع ....فجأة و بعد ان عاد اليها وعيها بالكامل , تذكرت انه هنا معها في القلعة في نفس الوقت الذى أدركت أنها تنام في الفراش الضخم .........
استقامت جالسة فجأة و هى تنظر حولها فوجدت نفسها وحيدة في الفراش...... لقد نامت الليلة السابقة على الكرسي الضخم بالطابق السفلي هى متاكده انها لم تصعد الى هنا ....... انعقد حاجباها و لمعت عيناها بوحشية وهي ترى أمامها الاحتمال الوحيد المطروح .... كيف جرؤ ........كيف جرؤ ان يلمسها بل و يحملها الى هنا .......عديم الاحساس ....... عادت اليها فجاة صورا من حلمها الناعم ..... ثم تساءلت بهستيرية ان كان حلما بالفعل وهى تكاد تشعر بلمسات يديه تجري على بشرتها بينما هى تتنهد باستسلام لتسمع صوت ضحكته الصغيرة ......نظرت الى أسفل الغطاء برعب و هى متوجسة مما ستراه ...الا ان الرعب كان مصيره لحظة واحدة قبل ان تدرك بدون ان تنظر الى أنها ترتدي منامتها الفضفاضة و المفضلة لديها ....والمضحكة بشكلٍ مخزي.. فهى سوداء ومنقوشة من أولها لآخرها بصور ساحراتٍ يطِرن على مكانسهن السحرية ...تحول الرعب في لحظةٍ واحدة الى طوفان من الغضب الأعمى ...... لقد أبدل لها ملابسها ....... لقد أبدل لها ملابسها .....نقلها الى الفراش ثم أبدل لها ملابسها كما يفعل مع ابنته ...........
لا تعلم ما الذى أشعل فتيل الغضب بداخلها الى هذه الدرجة الخطيرة .......اهو تجرؤه على ان يلمسها بهذه الوقاحة و هي ليست في كامل وعيها .......ام ...... ام استطاعته ان يختار لها مثل هذه المنامة بالذات من بين ملابس نومها الحريرية الشديدة الاغراء .....ثم ينام بجوارها بمنتهى البرود دون ان يتاثر بقربها منه و كأنه ينام بجوار ابنته ......لكن هل نام بجوارها فعلا ........آخر ما تتذكره هو همسته الضاحكة ثم ....... الآن تذكرت ...... ملمس شفتان ناعمتان على شفتيها وهمسه باسمها بكل نعومة وهو يقبلها ........و بعدها تذكرت انه لمس شعرها وهو يهمس باذنها ( لا تخافي ..... انه الرعد ....سأظل هنا فنامى ولا تخافي )
أرادت ان تعيد مرة اخرى أنها لا تخاف من اى شيء الا ان سحر النوم شدها بعيدا .......أفاقت من شرودها على صوت جريان الماء في الحمام الملحق بالغرفة و الذى لم تنتبه اليه الا الآن ........فقفزت من مكانها و اخذت تتلفت بحثا عن ملابسها حتى وجدتها مطوية على الكرسي فالتقطت بنطالها تتحسس جيبه , ثم شعرت بالراحة حين وجدت الرسالة لاتزال بمكانها ......القت البنطال من يدها و هى تشعر بالحنق يتزايد بداخلها من تحكمه في كل ما يخصها في هذا المنفى الذى اختاره لها ...........
ثم حانت منها التفاتة فأبصرت بدلته مطوية على الكرسي الآخر .......فلمعت عيناها وهى تتجه اليها بكل سرعة لتفتش جيوبها ....لا تعلم عن ماذا كانت تبحث تحديدا , فهو بالتأكيد ليس من السذاجة ليترك المفاتيح في أحد جيوبه حيث تستطيع ايجادها بكل سهولة .... التقطت أصابعها محفظته و على الفور فتحتها ........كانت تحتوي فى قلبها على ثلاث أغلفة شفافة لوضع الصور بها .........و قد كانت بالفعل هناك صورة فى كلا منها ........
أول صورة كانت لتالا وهى تضحك بأقصى اتساع لشفتيها ,ابتسمت سابين قليلا وهى تنظر الى هذه الصورة المضحكة , ثم قلبت الغلاف الثانى .....لتختفي ابتسامتها ويلمع غضبا مجنونا بعينيها ....فقد كانت هناك صورتين متقابلتين , الاولى كانت لوجه امراءة مبتسمة جذابة , شديدة النعومة بعينيها اللتين تشبهان بندقتين ..... و قد انسابت موجات شعرها البني الناعم حول وجهها و كتفيها و قد تطايرت بعض خصلاته مع الهواء ...... كانت امراءة عاشقة ..... هكذا فكرت سابين بغضب , من نظرة عينيها الى من التقط لها هذه الصورة فهى بالتاكيد امراءة عاشقة ........و في الصورة المقابلة كانت هناك نفس المرأة تنظر ضاحكة لكن الاختلاف الوحيد انها لم تكن وحيدة في هذه الصورة .... بل كان هو واقفا خلفها يحيطها بذراعيه وهى تميل عليهما من شدة ضحكها بينما اختفت معظم ملامح وجهه داخل موجات شعرها المتطاير ............
اذن .....هذه هى ...... وهو لا يزال يحتفظ بصورتها ملاصقة لقلبه أينما ذهب , ألما مفاجىء ضرب صدرها , لم تعرف له سببا .... قد تكون رغبته يوما .. واستسلمت لجنون مشاعره ذات ليلة ....قد تكون مشتاقة لقبلاته احيانا ......لكن هذا لا يفسر الألم الحارق الذى يكاد يعصف بها الآن من مجرد رؤيتها لامرأة لم تعد موجودة معها فى هذا العالم .......
لم تعرف يوما شعورا اطلق عليه الناس اسم الغيرة ..... رأت امامها أشد النساء سحرا و نسبا و ثراءا .....الا أنها كانت تنظر اليهن بإستهزاء مشعلة هذا الشعور المجهول بالنسبة لها في قلوبهن ...... لتأتى الان مجرد صورة عمرها عدة أعوام لتعطيها فكرة واضحة عن هذا الشعور الذى اذاقته لمن عرفنها من النساء ......
رفعت رأسها وهى تلقي المحفظة بعنفٍ على الكرسي .... لم تتخيل انه أحبها أبدا , لكنها و بالرغم من ذلك كانت واثقة من سلطانها عليه , لكن الآن تشعر باختلال في جميع موازينها ........
لم يحتج الامر منه سوى ليلة واحدة ليكتفي منها تماما ......ليلة لم تكن كافية لتجعله يخرج هذه الصورة من قلبه الى الآن ......وها هو الليلة الماضية حيث كانت مستسلمة مغيبة بين ذراعيه مكشوفة له .....لم يتطلب منه الأمر سوى ان يلبسها منامتها الحمقاء التى لم تعرف بأى عقلٍ جلبتها معها فى حقيبة ملابس شهر عسلها البائس بكل معنى الكلمة ..........
فجأة شعرت ان سيطرتها على نفسها بدأت فى التداعي وعرفت أنها ستقوم بعملٍ أحمق الآن...............
خرج أحمد من الحمام وقد لف منشفة كبيرة حول خصره وهو يقوم بتجفيف شعره بأخرى صغيرة ....ليفاجىء بسابين تقف امام النافذة توليه ظهرها .......تفاجأ تماما بهذا الهدوء الخادع فقد كان يظن أنها ستثور محطمة كل ما حولها ما ان تستيقظ , لكن ما ان وجدها واقفة أمامه بهذا الهدوء و ضبط النفس حتى ازداد توجسه ...... لكن ذلك لم يمنعه من ملاحقة خطوط جسدها الفارع و التى لم تستطع منامتها الخرافية ان تخفي سحر معالمه ....... تذكر نفسه ليلة أمس حين نزل في وقتٍ متاخر من الليل ليبحث عنها فوجدها جالسة على الكرسي الضخم رافعة ركبتيها الى صدرها دافنة رأسها بينهما , بينما انسابت موجات شعرها السوداء لتكاد تبتلعها كلها حتى لم يكد يظهر منها سوى كومة الشعر الحريري وذراعين بيضاوين ناعمتين تحيطان بركبتيها ..... عرف من قبل ان يخاطبها انها راحت في سباتٍ عميق من صوت تنفسها المنتظم .....
لم يستطع مقاومة الاغراء القاتل الذى حثه على التحرك اليها ثم أحاط كتفيها بذراعه و هو يدس الأخرى أسفل ركبتيها ليرفعها الى صدره الذى ارتمى عليه رأسها و هى في عالم غير العالم ....... استمرت رحلته في الصعود عبر السلالم دهرا .... او قد يكون هو الذى اخذ يتلكأ عند كل درجة ليستمتع بدفء جسدها الملقى على صدره .......و ما ان وصل الى الغرفة حتى اتجه الى الفراش لكنه لم ينزلها على الفور بل ظل يتمايل بها قليلا كما كان يهدهد تالا وهى رضيعه لتغمض عينيها وتنام ........وحين استشعر برودة ذراعيها اللتين صارتا كالرخام اضطر الى انزالها للفراش على مضض ...... واتجه الى الدولاب الضخم ففتحه ليبتسم من رؤية ملابسها معلقة و أخرى مطوية بترتيبٍ و انتظام و كأنها عروس صفت ملابسها في بيتها الجديد على استحياء ......
اخذت أصابعه تمر على الأقمشة الحريرية لقمصان النوم المهلكة التى جلبتها معها .........ثم تركها ليجد شيئا أسودا ثقيلا مطويا عرف بعدها انه عبارة عن منامة منقوشة بالكامل كالتى ترتديها تالا في الشتاء ......لكن منامات تالا كانت وردية ذات قططٍ او ارانب , أما هذه في سوداء ذات ساحراتٍ يطرن على مكانسهن ......كادت ضحكة ان تفلت من بين شفتيه وهو لا يتخيل ان يناسبها شيئا اكثر من هذة المنامة التى شعر بالجنون يقتله ليراها على سابين صاحبة السحر الاسود ..........
وكانت الطريق أمامه ليلبسها لها صعبة للغاية وهى تتلوى بين ذراعيه الى ان قبلها وهو يهمس لها بأن تساعده وتكف عن التلوي بهمسٍ أجشٍ مما يهيج في صدره.. فاستسلمت بعد لحظة لتتنهد بنعومة .......
ولكن الأصعب هو الاستلقاء بجوارها طوال الليل دون ان يحاول ملامستها ..... كان هذا كحرقٍ متعمد لأعصابه , و الآن وهو ينظر اليها في منامتها المغرية تلك.. يتساءل ما الذى منعه عنها الليلة الماضية ؟... هو ليس متأكدا من أى شيء بعد الآن ......
الى متى ستظل ساكنة على هذا النحو المريب متى ستنفجر بتلك الإنفجارات المجنونة ...... والتى بدأ يتسلى بها , ....قرر هو أخيرا استفزازها فقال بتهكم
( صباح الخير يا زوجتى العزيزة .........أرجو ان تكوني قد نمتِ جيدا ليلة امس )
التفتت سابين اليه ببطء بعد ان وصلها صوته السمج ..و ظلت تتطلع اليه قليلا بتحدٍ سافر رافعة أحد حاجبيها بطريقة زادت من ريبته ..الا انه أخفي ما بداخله ليطغى عليه شعوره بالتسلية .... تحرك من أمامها ليلتقط بدلته لكنه وجدها مكومة على الكرسي بشكلٍ غريب فمد يده ليمسكها ليصعق بأنه ممسكا بجزءٍ صغير منها ..... شعر بأن عينيه تخدعانه فمد يده الأخرى ليلتقط كومة من الاجزاء الصغيرة الممزقة التى كان يطلق عليها هذا الصباح بدلة ..........
أقفلت قبضتيه بشدة على الكومتين من القطع الممزقة حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هاج غضبا شرسا في أعماقه و هو يصرخ بصوتٍ رجرج الغرفة
(ساااااااابين ........)
لم يهتز لها رمش من صرخته الحيوانية المتوحشة ودفعها التحدى المجنون لأن تبتسم باستفزاز وهى تقول بصفاقة
( كان يجب ان تخفي المقصات .......)
رمى القطع من يده على الأرض ثم هجم ناحيتها في لحظةٍ واحدة كنمرٍ يثب لاقتناص فريسته ...حاولت الهرب منه وهى تجري الى الفراش لتقفز من عليه لتتجه الى باب الغرفة , الا انه أمسك بها من ذراعيها وأدارها لاويا ذراعها خلف ظهرها الملتصق بصدره ....أخذت تصرخ به ان يتركها وهى تقاومه بشراسة , الا انه شدد من قبضته عليها حتى تأوهت و صمتت فهمس فى اذنها بصوتٍ كالفحيح
( ستعتذرين الآن و حالا عن فعلتك الحمقاء سابين ..اتقاءا لشري ) قالت وهى تحارب الألم النابض بذراعها من جراء ضغطه الشرس عليها
( لن اعتذر و لو قتلتني ........)
ترك ذراعها ثم أمسكها من أعلى ذراعيها ليديرها ناحيته و هو يصرخ بها
( الن تتعلمي الإحترام أبدا ....ستظلين وضيعة طوال عمرك )
لمعت عيناها بشراسة وهى تنظر الى عمق عينيه.......ثم همست بقسوة
( من أنت لتنعتني بالوضيعة ..... أيها المنافق ...ال ......)
أمسك بشفتيها بين أصابعه ليغلقهما ثم همس بتهديدٍ خطر
( لا تزيدي من رصيدك السيء لدي يا سابين ......فأنتِ بالتاكيد من ستخسر )
صمتت تماما وهدأت تحت ضغط أصابعه على شفتيها و بدا وكان عينيها فقدتا وحشيتهما الا انهما لا زالتا تبرقان لكن ببريقٍ مختلف و يبدو ان هذا البريق قد نفذ مثل السهم الى عمق عينيه ..... لحظاتٍ ثم رفع أصابعه عن شفتيها المكتنزتين و التى زاد من احمرارهما ضغطه عليهما .......كم بدت في هذه اللحظة ........لا يعرف تحديدا , متوحشة ......طفلة ......امرأة مغوية شديد الإغراء ......وقد تكون كل هذا .......ما يعرفه انه يشعر الان انه يقبض على شيءٍ نادر لم يره من قبل ........
همس همسا أجشا ( هل تعرفين انه من المفترض ان أقتلك الآن ........أنا لم اكن مستعدا و ليس معى ملابس غيرها )
ارتفعت زاويتي شفتيها قليلا ثم همست هى الاخرى ( اذن هذا خطؤك .......لقد فعلتها معي من قبل وتركتني بدون ملابس )
عبس قليلا ثم قال بتجهم ( لم أكن أنوي ذلك ......نسيت ليلتها ان حقيبة ملابسك داخل السيارة حين غادرت )
ظللت غيمة من الألم عينيها لتطفىء من اشعاعهما .... ورأى هو لمحة الألم لكن الغريب انه لم يشعر بأي لذة انتصار ....بل شعر بثقلٍ فى صدره جعله يزداد عبوسا ........ثم قال اخيرا بصوتٍ عميق يظلله لمحة من التسامح
( اذن فقد اصبحنا متعادلان الآن ...... وهذا فقط ما رحمك من غضبي )
ثم اكمل بعبوسٍ زائف ( هل تخبريني كيف اتصرف الآن ...........) اخذت ابتسامة شيطانية ترتفع تدريجيا على شفتيها حتى همست أخيرا ( ليس لك سوى حلا واحد ....... يا زوجي الحبيب )
توجس من نبرة صوتها التى لم تستطع اخفاء الشر بها ........فتابعت بعد لحظات
( ما أجمل ما ساشعر به حين أرى زوجي حبيبي يرتدي ملابس والدي ........... وانا أعرف كم كنت تحبه )
تجلت الوحشية بكل وضوح في نظراته و قد أوشك ان يبطش بها الآن انها لم تشعر باى ذرة خوف منه وهى تكمل بتحدي قاتل
( ليس هناك حلا اخر الا اذا أردت الاتصال باي أحد ليأتي الى هنا محضرا معه بعض الملابس لك .......)
شعر انه على وشكِ خنقها او رميها من النافذة من شدة الغضب الآن و لم ترحمه هى بل اكملت
( المشكلة ان عمر ملابسه قد تعدى العشرين عاما ........ لكن ليست مشكلة ضخمة ستبدو ظريفا بداخلها بلا شك )
أمسك بذقنها بين أصابعه بشدة .......لكن عدة لحظات من النظر الى عينيها المشتعلتين ببريق الهزل جعله يبتسم قليلا .... ثم قال بهدوء
( بإمكانك ان تكوني مرحة يا سابين .......لم أعرف هذا الجانب بكِ من قبل )
همست من بين اصابعه
( انت لم تعرف اي جانب مني أبدا ... احمد مهران , لقد اخترت ان تعرف ما أردت ان تعرفه )
نظر الى عمق عينيها الحادتين ثم قال بعد لحظة
( لهذا أنتِ هنا يا سابين ..... لأعرف ما لا أعرفه عنكِ و أرى ان كنتِ تستحقين عناء المحاولة )
انتزعت ذقنها بشدة و هى تكمل بشراسة نمرة
( نعم ... نعم .... عناء محاولة تطهيري اليس كذلك ؟؟ اذن أخبرني احمد ان كنت لم تتزوجني لتنتقم مني بسبب الماضي و بسبب دارين فلماذا تكلف نفسك مثل هذا العناء ........ ما الذى ستستفيده من كل هذا ؟..... لا بد انك تعتقد أنك تخاطب طفلة لتقنعها بما تقول )
لم يجد ردا لها ..... لم يستطع ايجاد حلا لما هو فيه ....... و ماذا بعد ؟.... الى متى سيظل مغلقا عليها ابواب قلعته ؟........
أخفض نظره امام نظرها للمرة ِ الاولى ...... متهربا من سؤالها و قبله متهربا من نفسه ......ثم قال أخيرا بصوتٍ منخفض
(بالمُناسبة .....إن تالا تسأل عنكِ كل يوم .........)
لم يكن هذا الرد الذى تنتظره ..... تالا ؟؟ ..... ما دخل تالا فيما تقوله الان ؟.......فقررت مجاراته و هى تقول هازئة
( وماذا تخبرها ؟.........بالطبع لم تقل الحقيقة ....لن تدعها تعرف ان والدها يتصرف كرجال العصابات فحبس زوجته فى مكانٍ بعيد بعد خطفها ليلة زفافها )
عبس وهو يتظاهر بالتألم قائلا
( هيا الآن يا سابين ...... الا ترين نفسك أصبحتِ درامية للغاية ...خطف و حبس ؟.......لم تكن ليلة زفافك خطفا على ما اتذكر ) احمر وجهها لملاحظته الوقحة لكنها رفضت ان تظهر له ارتجافها و ظلت واقفة أمامه بوجهٍ متحجر ثم قالت أخيرا بتصلب
( و ماذا عن الأميرة والدتك ؟..... هل كانت تعرف بمخططاتك منذ البداية ؟.........هل اتفقت معك على الانتقام أولا بسبب زواج دارين الفاشل وثانيا ان الفرصة سنحت للانتقام من ابنة ايثار الراشد التى خطفت حبها قديما )
يا الهي لكم هى معقدة حياتهما معا ...... وها هى تتهمه بنفس الاتهام الذى رماها به ....... وتظل لعبة الانتقام تدور من حولهما كحلقة ٍمفرغة .......
قال لها بكل وضوح ( أمي ايضا تسأل عنكِ سابين تكاد تنهار من شدة قلقها عليكِ ............على ابنة عماد الراشد و ان كنت قد تجرأت و آذيتك )
اهتزت قليلا حين سمعت ما قاله و رمشت مرة بعينها ........ لقد صدقت ما قاله فقد قاله بكل ثقة لكن ما ادهشها هو شعورُ بالخواء قد نبت في داخلها ...... منذ ان رأت هذه المرأة في حفل زفافها و هي تشعر برابط خفي يجمعهما ..... من المفترض ان تكرهها الا ان هذا بداخلها لم يحدث ابدا....... حتى بعد قرأتها لرسائلهما التى تقطر من جروحِ حبهما ..........لم تستطع ان تكرهها حقا و ها هى تسمع بقلقها عليها و رغبتها في معرفة مكانها ............
هل من الممكن ان تكون ايثار خائفة عليها الآن .......خوفا , قلقا , رغبة فى الاطمئنان ....... أى شىء من هذا الذى يسمى أمومة ..... ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها و هى تسخر من هذا التفكير الغبي الذى طرأ على ذهنها المشوش .........
نظر احمد الى نظرتها الشاردة و ابتسامتها الحزينة فسألها بخفوت
( ما معنى هذه الابتسامة ؟.............)
أفاقت على صوته العميق فقالت وهى تسترد انفاسها
( لا شيء ......... تذكرت شيئا محبطا )
اقترب منها اكثر ليهمس في أذنها و قد اشعلته نعومتها التى لم يعرفها الا لحظاتٍ قليلة
( و انا لا أريد ان تشعري بالإحباط يا زوجتى .......زوجة احمد مهران لا يجب ان شعر ابدا بالاحبإط وهو موجود )
نظرت اليه بغيظٍ و أوشكت على النطق بردٍ سفيه من ردودها المجهزة الا أنه لم يمهلها فقد التقط شفتيها لتضيع كلماتها المتهورة بين شفتيه الدافئتين المتطلبتين .........
لحظاتٍ أعادتهما معا احمد و سابين ...... اللذان يملان الجو من حولهما بشراراتٍ و العابٍ نارية متوهجة ...........
امتدت يداه لتحاوطان ظهرها بتملكٍ سافر اقوى من اى تحدي كان بينهما يوما و ازدادت قبلاته عمقا لتغيب عن واقعها المؤسف و ترفع ذراعيها لتحاوطا عنقه و تغيب به و فيه عن كل ما حولهما .............
دفن وجهه في موجات شعرها المجنونة و أخذ يستنشقها عله يهدأ من جنونه الا أنها زادته جنونا وهوسا وهو يهمس في اذنها
( ماذا تفعلين بي أيتها السابية .......أيتها السابية التى سبيتها في قلعتي بعيدا عن كل البشر )
ارتجفت قليلا فشدد من ضمها اليه حتى كاد ان يحطمها وهو يكمل بعاطفةٍ وحشية
( هل تعلمين مقدار ما أشعر به من سحرٍ وانا في طريقي الى هنا كل ليلةٍ ......... متشوقا لرؤية تلك الهمجية ذات الشعر المجنون كليلةٍ سوداء )
حملها بين ذراعيه بعنفٍ و هو يتجه بها الى الفراش ... لكنها استجمعت بعضا من تركيزها المشتت و هى تقول بوهن
( هل ستأخذني من هنا و نرمي كل الماضي بعيدا ؟..............) توقف تماما و ظل ينظر الى عينيها المتحديتين و هى محمولة بين ذراعيه .......ثم قال وصدره يصعد و يهبط بصعوبة
( لن تخرجي من هنا الآن يا سابين ...... ستخرجين من هنا عندما تصبحين كما أريدك ان تكوني )
لم تصدق ما سمعته ...... اشتعل غضبها في لحظةٍ ليطغى على اي مشاعرٍ اخرى فاخذت تتلوى صارخة بين ذراعيه بينما هو يحاول التمسك بها الى ان افلتت منه في النهاية لتسقط منه على الارض بشدة آلمتها ........
مد يده اليها لتنهض الا انها ضربته على ظاهر يده بشدة لتبعدها و هى تنهض متألمة ......ثم قالت بشراسة
( تقصد كما كانت حبيبتك الوديعة التى لم تستطع مفارقتها الى الآن ...........تريد ان تجعل مني صورة لها , سيكون ذلك افضل من صورةٍ تحتفظ بها قرب قلبك منذ يوم ان رحلت )
لوهلة شعرت أنه سينقض عليها ليقتلها من الجحيم الذى ظهر بعينيه و قبضتيه اللتين انقبضتا بشدة ....... ظل صامتا طويلا ثم قال أخيرا بصوتٍ هادىء لكن أوجع روحها
(هل فتحتِ محفظتي ؟..........)
ندمت للحظة على تهورها و تطرقها الى موضوعٍ من المفترض الا يهمها بشىء ..... لكنها اضطرت ان تجيبه بثبات
( نعم فتحتها الست زوجي ؟............كم احزننى الا أجد صورة لي بجوارها )
أجفل بشدةٍ من السخريةِ الواضحة في لهجتها فقال بهدوء
( انتِ لا ترقين لأن تكوني بجوارها..............)
لو ان احدا لكمها في معدتها لن يكون ذلك اشد الما مما شعرت به في هذه اللحظة .... ارادت ان تجرحه بشدة , ارادت ان تصيبه في مقتل بجرح حبيبته الغالية , الا انها لم تستطع ..... طالعتها الابتسامة الحانية لصاحبة الصورة و النظرة التى تبدو وكانها تنظر اليها لتوجه اليها رسالةٍ ما .........فلم تجد سوى ان تهمس بتحدي
( سنرى ...... سنرى يا احمد مهران )
( سنرى .......سنرى يا سابين الراشد ) أعاد جملتها بلامبالاة زادتها غضبا
ابتعد عنها و هو يتجه ناحية الدولاب قائلا بهدوء
( اذن بما انكِ لستِ في مزاجٍ جيد للحب ........فاسمحي لي بالاستعداد للذهاب )
مزاج جيد للحب ...... لم تشعر في هذه اللحظة انها كرهت شخصا اكثر مما تكرهه الان , تماما كما تكره جسدها الخائن الذى يضعف امامه باستمرار
نظرت اليه وهو يلتقط احدى البدلات القديمة ذات اللون البني المحروق و يتجه بها الى الحمام مرة اخرى دون ان يلقي عليها نظرة واحدة
اخذت انفاسها الساخنةِ تلهث من شدة غضبها من نفسها قبل ان يكون منه .........اتجهت الى النافذةِ مرة اخرى لتتطلع منها و لم تعلم كم ظلت تنتظر الى ان سمعته من ورائها يقول باستهزاء
( ما رأيك يا زوجتي ؟..........)
التفتت لتنظر اليه .....شعرت فجاة بالدوار , للحظةٍ شاهدت عماد الراشد أمامها , نفس الحجم والطول , نفس الهيبة و الاتزان , نفس الجاذبية القاتلة .......نفس اللون الذى اعتاد ارتداؤه ........
تزايد احساسها بالدوار فتراجعت خطوة لتستند على النافذةِ خلفها و قد زاغت نظراتها ليختفي وجه احمد ويحل مكانه وجه عماد الراشد ...لحظة واحدة وعاد وجه احمد مرة اخرى وهو ينظر اليها مقطب الجبين و يسألها بقلق
( سابين ..... سابين هل انتِ بخير )
رمشت بعينيها اكثر من مرة وقاومت هذا الدوار لتنظر اليه بثقة وهي تقول بثبات
( للاسف انتما من نفس الحجم ..... كم كنت اتمنى ان تخرج من هنا ببنطالٍ قصير و اكمامٍ تكاد تصل الى مرفقيك )
عاد الهزل يتلاعب بشفتيه وهو يطمئن الى انها سليمة ٍ كالهررة ثم قال لها
( اذن فقد خاب ظنك .......)
ظلت تنظر اليه دون ان ترد ..... ما أشد وسامته , انه يبدو كابطالِ الافلامِ القديمةِ المتانقين ......جاذبيته مهلكة في الماضي والحاضر أفاقت على صوته وهو يقول باتزان
( سأذهب الآن ....... لا داعي لأي حركاتٍ متهورة يا سابين )
( متى ستعتقني يا احمد ........الا ترى انك بالغت , الا تخاف ان انتحر مثلا )
التفت ينظر اليها للحظة ثم قال اخيرا
( أنتِ لستِ ضعيفة لتفعلي ذلك ..... ولوكان لدي شكٍ واحد بذلك لما كنت تركتك هنا )
لمعت عيناها وهى تقول بعنف
(لكم سيسعدني ان افعل ذلك فقط لأمحو ثقتك )
ابتسم هازئا ثم قال ( لكنك لن تفعلي .......)
استدار مرة اخرى ليغادر فنادته دون تفكير ( احمد ....)
توقف مكانه دون ان يلتفت لندائها الملهوف فقالت بتردد ( ذاك اليوم ...... عندما رأيتك و أنا صغيرة .....ماذا كان هذا ؟...أنا لا اتذكر )
ظل صامتا لا يلتفت اليها ......ثم قال أخيرا بخشونة وجفاء
(كنتِ في بيتنا ..... جئت مع أمك , والتى تكرمت يومها بالصراخ في وجه أمي و طعنها باتهاماتٍ بشعة , وحين دخلت الى المنزل كانت أمى على وشكِ الاغماء من هول ما سمعته )
ابتلعت سابين ريقها بصعوبة ثم سألته هامسة
( وما كان سبب ما فعلته ؟............)
ظل صامتا لحظاتٍ طويلة ثم تنهد بتعبٍ اخيرا وقال
( كان هذا اليوم بعد فترة وجيزة من موت والدك سابين ......وكانت هى قد تزوجت من خالى بالفعل الا إنها حين علمت بموته صارت كالمجنونة )
همست سابين بلهفة ( هل حزنت عليه ؟........)
ضحك احمد ضحكة خاليةٍ من اى مرح ثم قال بمقت
( نعم بالتأكيد لقد حزنت عليه بشدة ..... خاصة حين علمت انه لم يترك لكن أى شىء ...... حينها جاءت من عند المحامي الى بيتنا مباشرة وكنتِ انتِ معها ....لتصرخ بأمي انها هي السبب فى ضياع كل ما كان يملكه ......بالرغم من اننى أعلم انه ترك لها الكثير قبل ان يتركها .....الا أنها كانت تتخيل وجود المزيد )
أغمضت عينيها من كلِ ما سمعته ...... كيف تستطيع التعامل مع كل هذا ....... كيف ........
لم تفتح عينيها الا بعدما سمعت صوت اغلاق باب الغرفة لتجد نفسها وحيدة في الغرفة فالتفتت الى النافذةِ من خلفها لتستند بجبهتها الباردة على زجاجها ......الى ان رأته خارجا متجها الى سيارته لكن قبل ان يدخلها رفع رأسه اليها تماما كما فعل المرةِ السابقة .......
لكنها لم تبتعد هذه المرة ....ظلا يتبادلان النظر طويلا الى ان شدت الستائر الناعمة ببطء لتخفي بها وجع قلبها ..............
مرت أياما سريعة و تعددت اللقاءات بينها و بين سمر و كل مرة كانت تشعر بانها حصلت على
 شيئا جديدا لا تستطيع تفسيره ....لكن المؤكد انها تشعر براحة لم تشعر بها منذ زمن
جالسة في فراشها رافعة ركبتيها , تستند عليهما مفكرة اوراقها بيضاء تنتظر ان تحمل اوجاعا اهلكتها .....كيف تكتبها ...لقد دربت نفسا منذ اكثر من سنتين على النسيان .....او بمعنى اصح التجاهل , فكيف تعود لتنبش ما فات , هل سيكون هذا في صالحها ......تخشى ان يصيبها الجنون مرة اخرى ...... لقد اكدت لها سمر انها تراها اكثر من طبيعية فلتنسى فكرة الجنون هذه تماما ........ أخبرتها ان نفسها هى المتوجعة و ليس عقلها .......
أمسكت القلم بتردد و بدات تحاول
لا اعرف ماذا افعل الآن , فانا لم اكتب شيئا في حياتي من قبل .... وما اكتبه لن يكون قصة بل سيكون واقعا سيئا جدا ......من اين أبدا .....اخبرتني صديقتي الوحيدة ان ابدا من النقطة التى اريدها ......فلاختار البداية التى اريد ........
و انا اريد البداية منذ ان كنت سعيدة .... أياما كنت فيها لا يشغلنى فيها الا اللعب و الانطلاق , لم أعرف للخوف معنى ......
بلى عرفت قليلا ..هههههه كنت اخاف من وحشٍ له أعين رمادية دائما ما كانت تراقبني بقسوة و غموض , لا اعلم ماذا يريد مني .....
هذه هي بداية حياتي ...... اول ذكرى كانت لشخصٍ مخيفٍ ضخم يسالني بصرامة عمن اكون و ماذا افعل هنا في هذا القصر بالذات الذى انا فيه الان ......يومها كنت ارقص مسحورة من هذا القصر المذهل كقصور الحكايات و الذى اخبرتني امى اننا سنعيش به .......
لم اصدق روعة ما يحدث معي ...الى ان رأيته .....كان واقفا بشموخ ينظر الي بعينين صارمتين ....يومها ظننت انه لن يكون هناك من ينغص علي حلمى سوى هذا المخلوق الضخم , فعزمت منذ اول مرة رايته فيها على ان أحاربه والا أعطيه الفرصة لكي يبعدنا عن قصر أحلامنا .........
اليس من الغريب ان هذه هى أول ذكرى بحياتي ...... انا لا اتذكر اى شىء حدث من قبل دخولي الى القصر هنا .......أحاول ان اعتصر ذاكرتي لكن .......لا شيء .......
اتذكر أحيانا قسوة يد أمي ......كانت قاسية و مؤلمة جدا ......صوتها عالٍ حين يصيبها الجنون , لكن كان هذا قبل ان نأتي الى هذا القصر , فبعد ان أتينا ..... كان واجبا على أمي الالتزام بقواعد هذا المجتمع ان ارادت البقاء به .........
كما انها كانت تحرص على الا تمسني.......... طالما كان هو موجودا ...........وحش آل مهران ..........
يوما حين كنت في السابعة عشر فعلت شيئا اغضبها فلم تتمالك نفسها ..... وهبطت على وجهى بصفعةٍ من ظاهر يدها أدمته من خاتمها الثقيل الذى كانت ترتديه .........وحين استدرت و انا اضع يدى على وجهى مرعوبة شهقت حين وجدته واقفا ورائي وفى عينيه نظرة متوحشة لن انساها ابدا ..........لم ينطق بكلمة ....ظل ينظر الى يدي الموضوعة على وجنتى المجروحة ........
وحين نطق اخيرا لم يقل سوى ( ايثار .....تعالي الى حجرة المكتب , اريد ان اتحدث معك ......)
العجيب ان رغم عبوسها الشديد وكرهها له الذى قفز من عينيها .....تبعته دون ان تجادل فهي ايضا كانت تخاف من سطوة هذا الشاب و مكانته في هذا القصر ولدى الامبراطور .......مع انه كان يومها لا يتعدى الثامنة والعشرين , الا انه تكلم معها بكل صلف و كانه يفهمها انه قادرا على رميها خارج القصر لو تجرات على الاعتراض .......و هذه هي المكانة التى حددها لها الامبراطور بنفسه حتى لا تتجاوز حدودها مع ايا من آل مهران ..........لكم كانت منزلة وضيعة رضتها لنفسها .......
اقتربت من الباب على اطراف اصابعي و نظرت من الشق المفتوح به .......كان ادهم واقفا ظهره لامي بينما هى تحاول التظاهر بالصلابة ....الى ان التفت اليها بسرعة و أمسكها بشدة من ذراعها فارتعبت انا و شهقت بصمت بينما هتفت هي تسأله ان كان نسي انها زوجة والده .......الا انه قال لها جملة لن أنساها الى الآن
( حلا بالذات .........تخصني انا فاياكِ ان تكرريها ايثار , والا فقسما بالله ان أرد صفعتك لكِ المرة القادمة ........دون اعتبارٍ لاحد )
ارتعبت مما قاله ......لا أعلم هل هو الخوف ,..... الغضب من طريقته مع أمي ....., كلمة تخصني التى ارسلت الرجفة في أوصالي ....لم أعلم ماذا قصد بها ........
صحيح أننى سمعته يقول بعدها بكل هدوء
؛( لست محتاجا ان انبهك ان هذا ينطبق على سما وسابين ايضا ..غير مسموح لكِ ان تمسي أيا منهن بسوءٍ تحت سقف هذا القصر )
ثم اكمل بازدراء ( ولو انى أعلم انكِ لا تؤذين الا حلا ......لكن لا مانع من تحذيرك )
رأيت امى واقفة امامه صاغرة تحاول التظاهر بالكرامة من نظراتها الوقحة المستهينة لكنها كانت ترتجف بداخلها ......انا شعرت بذلك .....و من ذا الذى لا يرتجف حين يخاطبه وحش آل مهران بهذه الطريقة .........
لم ينسى سما وسابين .....لكني لم انسى انا ايضا تاكيده الاول على اننى أخصه ....... وسألت نفسي مرة أخرى ..... ماذا كان يقصد .....
ترى هل لو كان والدي موجودا كانت حياتي ستختلف ..... كم اتمنى ان اتذكره , وجهه يضيع مني تماما , وصوره اختفت من كل مكان .....اتذكر اننى كنت أجلس دائما على كتفين قويتين تحملانى الى السماء وانا اضحك بلهفة باسطة كفي اليها ......
لكن ما أتذكره جيدا ان شخصا آخر حملني على أكتافه لرؤية الالعاب السحرية .... في عيد ميلاد سابين الاسطوري بالنسبة الى باقي الاطفال والذى لم احظى بمثله ابدا ....... يومها كنت أحاول ان أرى من وسط ازدحام الاطفال الاطول منى ولم استطع رؤية اى شىء .....لكن فجأة شعرت بيدين حديديتين ترفعاني من خصري في لحظةٍ واحدة لأستقر على كتفين قويتين حتى أصبحت الرؤية مفتوحة أمامى تماما ..... لم احتج لأن انظر لأرى من كان يحملني..... فقد كنت أعلم .......
يوم ميلادي الثامن عشر
لما قفزت كل هذه السنوات ؟...... لأنى لا أملك الكثير مما يثير ذكرياتي , دائما كنت مطيعة لا أسبب المشاكل .... لكنى كنت مبتهجة أحب القفز و المرح .....هههههههه احب المقالب كثيرا ..... وخاصة حين أرى سابين وقد أصابها الجنون .......فهى حين تغضب تصبح مجنونة كأمي تماما ....... لكنها ليست مؤذية مثلها فالامر لم يتعدى يوما بعض الخدوش .........ترى هل هي سعيدة الان , لم تسنح لي الفرصة أبدا لكي اخبرها اننى لم اتمنى لها سوى السعادة .....حتى وان كان هذا لا يظهر علي ......
المهم .....اعود الى عيد ميلادي الثامن عشر
كان يوما فارقا بحياتى ..... على ما اعتقد , لكنى لم الحظ يومها ..... لو كنت قرات الإشارات , لو كان أحدا دلني ..........
ساظل اتعذب بهذين الحرفين طوال حياتي .....لو .........لو ......
كنت قبل يوم عيد ميلادي بعدة ايام في اشد حالات تعاستي .... فقد كنت اريد الذهاب في رحلةٍ مع جامعتي .... ولم اكن قد ذهبت الى اى رحلة من قبل .......الا ان بالطبع طلبي قوبل بالرفض ..... اخبرتني امي بان طلبي مرفوض تماما منه ......قالتها بلامبالاة بالرغم من انى شعرت في نظراتها بشيءٍ من الغموض و السخرية من شيءٍ لمحته و انا لا افهم .......
لكنى لم اتوقف عند نظراتها الغريبة بل قررت لاول مرة ان اواجهه بطلبي بعد ان تعسف سابقا في الكثير مما يخصني ......
تركت امي خلفي بنظراتها غير المريحة و اندفعت يوجهني غضبي نحو حجرة المكتب التى يتواجد بها معظم الوقت بعد العمل .....دفعت الباب ودخلت دون استئذان ........فوجدته جالسا خلف المكتب يطالع اوراقه , فاهتزت شجاعتي اللحظية ما ان رفع راسه ونظر لي بهدوء فتسمرت مكانى و لم أستطع النطق ......الى ان حثني هو على الكلام بصوته الذى طالما أرعبني
( ماذا هناك يا حلا ..........)
ترددت ثم اخذت نفسا عميقا ثم حاولت الكلام بتخاذل
( اخبرتني امى انك لم توافق على ذهابي الى الرحلة )
ظل ينظر الي بثبات ثم قال اخيرا بصوتٍ قاطع ( نعم ...... ولا مجال للجدال في هذا الموضوع )
تكلمت بانفعال... لكن بخوفٍ ظاهر علي ( لكن انا لا اطلب شيئا أبدا ...... عيد ميلادى بعد عدة ايام , وأنا لا تُقام لي حفلة كالتى تُقام لسابين كل سنة , فلماذا حتى الرحلة التى اتمناها , لا استطيع الذهاب فيها )
أخفض نظره لحظة حتى ظننته لن يكلف نفسه عناء الرد ...الا انه قال اخيرا دون ان ينظر الي
( لست انا من يقيم تلك الحفلات السخيفة لسابين ......امك هي من تريد تعريفها للمجتمع , وكأنهم لا يعرفونها بالفعل )
صمت لحظة محاولا الا يظهر سخريته الواضحة من امي ثم رفع عينيه اخيرا لي قائلا بصوتٍ عميق
( الا تعجبكِ هديتي لكِ كل سنة ............)
ارتبكت وانا اعلم ان الاعجاب لا يناسب ما يهديه لي كل سنة ......فهو دائما ما يجلب لي شيئا رائعا كاشياء سابين ... وانا اعلم اني لم اكن لاحصل على ايا منها من اي مكان الا من عنده هو .......فلم يكن أحدا يهتم من قبل بما لدي او ما أتمناه .....الا هو
قلت و انا اخفض صوتي بخجل
( تعجبني جدا ......كلها , لكن أنا كنت اقصد أنى أريد ان افعل شيئا مميزا هذا العام .....ارجوك يا ادهم وافق )
هز رأسه برفض حتى قبل ان اكمل كلماتي , فاشتعل غضبي و انا اهتف
( هذا ليس عدلا ...... انت تفرق بيني وبين سابين وسما في المعاملة .......انا الوحيدة الممنوعة من الرحلات و الخروج مع اصدقائى و مخالطة زملائي ......انت السبب في اني ابدو انطوائية بينهم )
ظل يستمع الى صراخي دون ان يرف له جفن ثم قال أخيرا بهدوءٍ مرعب
( هل تحاولين لفت نظر أحد زملائك يا حلا ..........)
ارتبكت للغاية و شعرت بان وجهى كاد ان ينفجر من شدة احمراره ......صحيح اننى كنت اتمنى ان اعيش قصة حب في هذه المرحلة من حياتي , لذا كنت اريد الاختلاط بالناس اكثر عليِ أجد فارسي المنتظر , لكن لم يكن هناك أحدا معينا ........فقلت بارتباك وانا اشعربخجلٍ قاتل من محادثته في موضوعٍ كهذا ......
( لا ..... لا طبعا , ما هذا الذي تقوله .......)
ظل صامتا مدققا في عيني ثم قال اخيرا ( جيد ...... فلو علمت يوما يا حلا أنك ..........)
صمت دون ان يكمل تهديده الا ان الهلع دب في اعماقي من نظرته المتوحشة ........أخيرا قال بهدوء
( تقولين أني أفرق بينك و بين سما وسابين ..........الحقيقة أنى أعلم انهما تستطيعان الاعتماد على نفسهما ..... أما انتِ فلا تستطيعين )
يومها حين سمعت تبريره شعرت انه اهانني ..... لا اعلم لماذا , لكن بداخلي كنت انتظر ردا آخر غير الذى سمعته , وقد آلمني رده جدا ....ظللت صامتة انظر اليه وقد امتلات عيناي بالدموع في لحظةٍ واحدة ثم انحدرت على وجنتي بصمت ثم قلت أخيرا بهمس
( هل فعلت يوما ما يجعلك لا تثق بي ؟.....)
قام من خلف مكتبه و اقترب مني وعيناه لا تبتعدان عن عينيّ حتى وصل الي ثم قال لي
( انا اثق بكِ .......لكني أخاف عليكِ اكثر )
لم أتمالك فضولي حين سألت بسرعة ( ولماذا لاتخاف على سابين وسما ........)
مد يده واخذ يتلمس وجنتي ...... اذكر جيدا تلك الصاعقةِ الكهربيةِ التى اصابتني حين لمسني .... احيانا كان يقبلني على وجنتي فى أعياد ميلادى او عند نجاحي و كنت انا اقف دائما متصلبة حتى تنتهى قبلته التى تبدو كلصق طابع بريدي على وجنتي ......
لكن شيئا ما تغير هذه المرة ........حين خفض راسه و لامست شفتاه فكى ......كانت هذه هى المرة الاولى التى اشعر فيها اننى اصبحت امرأة , حتى اني من هول ما شعرت به اخذت انهر نفسي ..... أفيقي يا حلا انه ادهم ... هل وصل هوسك في البحث عن الحب الى هذه الدرجة .......ثم أفقت من أفكاري على صوته الذى خرج غريبا عن صوته الذى أعرفه
(عيد ميلادٍ سعيد يا حلا .......)
ثم شعرت بشىءٍ بارد يتسلل ليحاوط رزغي .......لاجده قد البسني سوارا ذهبيا رائعا , تتدلى منه قلوبٍ ذهبية و ملائكة .........رفعت يدي الى مستوى عينى واخذت أهزها لأسمع رنين الالعاب الذهبية وهى تقرع بعضها ........ثم رفعت نظري اليه .........وهمست
( انه رائع .......)
أسكتني بنفس القبلة على فكي حتى بدى وكان مذاقها قد اعجبه ..........افقت من افكاري المجنونة على صوتٍ كان بالنسبةِ لي من اقبح الأصوات .......
( كان يجب ان تغلقا الباب ........)
انتفضت بشدة و انا ابتعد عن ادهم و استدير لرؤيته ........سبب كل لونٍ اسود في حياتي .......
طلال مهران ..... ابن عم ادهم .....ذلك العم الذى لم أعرف عنه الا انه مات في إحدى المصحات بعد صراعٍ مع خللٍ عقلي لا سبيل للشفاءِ منه .......ليرحل عن هذه الدنيا بعد ان حاول الامبراطور جاهدا اخفاءه عن حياة العائلة و المجتمع........
لكنه ترك نبتة مسمومة .... سممت حياتي .....طلال مهران .....
لطالما كرهته دون سبب ...... بل لم يكن هناك من أحبه ابدا , لذا كان يثير شفقتي في بعض الاحيان ....الى ان عرفته تماما المعرفة .....وقتها تمنيت الموت له الف مرة ......فهل توجهت كل امنياتي ناحيته ليموت بالفعل .......هل اكون انا السبب في موته بكل ما كنت احمله من كرهٍ له .........
منذ هذا اليوم الذى رآني فيه مع ادهم .......تغيرت نظراته لي , وكأنها اصبحت تحمل وعيدا وتهديدا ..... لا اعلم سببه .......
الذى أعلمه اننى بعد ان خرجت من الغرفة يومها وقبل ان ابتعد كثيرا سمعت صوتا مكتوما .... تبعه تأوه و صوت سقوط على الارض , فادركت ان ادهم ضربه بسبب ملاحظته الوقحة .....لكنى لم أعد بل صعدت السلم جريا و انا للغرابة كنت مبتسمة ......
5
أغلقت حلا مفكرتها وهى تشعر بالدوار قليلا من تلك الذكريات التى وصلت الى بداية سقوطها ......لن تستطيع ان تكمل اليوم .....فلتكمل غدا .... لاداعي لان ترهق نفسها كما قالت سمر .....آه يا سمر كم كنت أحتاجك ........
رفعت يدها وهزتها ثم ابتسمت .... حين سمعت صوت الرنين الناعم الذى لم تسمعه منذ خمس سنواتٍ ....... منذ ان تزوجها طلال .....لتكون اول ذكرى لها في زواجها المنكوب هو شده لهذا السوار حتى قطعه فسقط من يدها وحين اعترضت تلقت اول صفعة منه ....والتى لم تكن الأخيرة ......
اغمضت عينيها لا تريد العودة الآن الى مثل هذه الذكريات لقد اكتفت .........المهم أن السوار قد أُصلح ..... بعد ان كانت تخبئه طوال هذه السنوات في صندوق ذكرياتها و طفولتها ........
قطع صوت باب القصر تفكيرها ...... لقد وصل اخيرا .......
قفزت من الفراش بسرعةٍ وهى تشعر بشوقٍ غير عادي له , قامت باخفاء مفكرتها جيدا حتى لا يراها ...... ثم لم تنس ان تمر بالمرآة أولا قبل ان تنزل اليه .......لم تكن ترتدي قميص نوم مكشوفا , لكنها كانت ترتدي عباءة حريرية قرمزية فضفاضة ذات فتحة عنق مثلثة شديدة الطول والاغراء مطرزة بالخيوط الذهبية , و شقين طويلين على الجانبين يصلان الى اعلى ساقيها ......كانت مبهرة ........
نزلت بسرعة على السلالم وعباءتها تتطاير خلف ساقيها .....ثم اخذت تتلف يمينا و يسارا باحثة عنه الى ان وجدت باب حجرة المكتب مفتوحا قليلا و النور يخرج منها .....
ابتسمت حين شعرت فجأة بانها تريد ان تكمل حياتها منذ تلك اللحظة التى قبلها فيها في هذه الحجرة بالذات حين كانت في الثامنة عشر ...... أرادت ان تقص السنين التى تلت تلك اللحظة , لتبدأ من الآن ..........
كان يمسك الهاتف حانقا يستمع الى محدثه وهو ينزع ربطة عنقه بنفاذ صبر ثم يلقيها بعيد .... هتف اخيرا بغيظ
( اى خصوصيةٍ تلك التى تخبريني بها ؟....... انها تخصني بكل تفاصيل حياتها , اريد ان اعرف كل ما دار بينكما ...لقد انتظرت طويلا و انا اريد ان اكون على علمٍ بكل ما يجري منذ هذه اللحظة )
8
ظل يستمع قليلا ثم قال وهو يحاول السيطرة على نبرة الغضب في صوته
( سمر ليس هذا ما اتفقنا عليه ...... ليس ان تبعديني تماما عن الصورة كما تفعلين الآن )
صرخ مرة اخرى ( اريد ان اعرف كل شيء .... اريد ان اسمع كل حرف )
(ادهم .....) صمت وهو يلتفت بسرعة الى صوت حلا الدافىء الذى افزعه , نظر اليها ليرى ان كانت قد سمعته لكن لم يظهر على وجهها الا بعض القلق فاغلق الخط دون تفكير ..........
2
اقتربت حلا منه بهدوء وهى تهمس
؛( ماذا حدث يا ادهم لقد كنت غاضبا بشدة ..........هل لديك مشاكل في عملك )
تنفس الصعداء ثم قال اخيرا بهدوء
( نعم يا حلا لدي بعض المشاكل ........)
صمت حين وعى الى منظرها المذهل والذى لم ينتبه اليه من شدة خوفه ان تكون قد سمعته , فاخذ نفسا عميقا وهو يجري عليها بنظراته الشغوفة صعودا و نزولا متلكئا ليزداد الشوق بداخله من تلك الاميرةِ العربيةِ التى خرجت للتو من كتبِ التاريخ ........
استطاع اخيرا ان يهمس حين وجد صوته
( ما أجملكِ يا حلا .......لطالما كان مجرد النظر اليكِ بهجة لي ) اتسعت عيناها البريئتان قليلا ثم اتجهت اليه ببطء حتى وصلت اليه و رفعت نظراتها المشتاقة اليه ثم همست
( لقد اشتقت اليك ...........)
ابتسم ابتسامة اذابتها و مد يده ليتلمس وجنتها بحنان وهو يقول بصوتٍ اجش
؛( هل تأخرت عليكِ اليوم ؟..........)
أمالت راسها لتسند خدها على كفه ثم همست وهى تغمض عينيها
( بل انا التى تأخرت عليك ...........)
امسك بذقنها ليرفع رأسها اليه ثم قال متحيرا
( كيف تأخرتِ لم افهم ..........)
رفعت ذراعيها الى خلف عنقه فسقطت اكمامها الهفهافة حتى كتفيها ثم استطالت على أطراف أصابعها لتهمس أمام شفتيه
(كان هناك حديثا بيننا لم ينتهي منذ ما يقرب من سبع سنوات ..هنا ..في نفس هذا المكان.................)
ظهر الالم جليا بعينيه وارتعشت عضلة بجانب فكه فعرفت انه تذكر تماما تلك الليلة ......فقالت و شجاعتها تتزايد اكثر و اكثر
( هل تتذكر ؟.........قلت لي انك تخاف علي ...... قبلتني على خدي كما لم تقبلني من قبل )
ارتفعت اكثر لتقبل وجنته بكل نعومةٍ ورقة ...... ثم ابقت شفتيها ملاصقتان لفكه القاسي وكانها بهذا تعود لتلك الليلة لتطلب منه الصفح ...همست فوق بشرته
(قبلني كما قبلتني تلك الليلة .........لم أفهم وقتها ....سامحني ... سامحني ارجوك ...لم أفهم ..... اعطني فرصة أخيرة و اعدني الى تلك اللحظة وانا سافهم هذه المرة .......اعدك انني سافهم )
تحشرج صوتها وكاد ان يختفي في آخر كلماتها وهى تشعر بغصةٍ في حلقها
أحاط خصرها بكفيه وهو يشدها اكثر اليه و ينظر الي عينيها المبللتين ........ثم أخفض رأسه ليقبل جانب فكها بقبلةٍ................. دمغتها باسم ادهم مهران للابد .........
انهمرت دموعها انهارا صغيرة وجداول من الالم على تلك السنين التى ضاعت منها ............
جاءها صوته المختنق ليزيد من عذابها
( كنتِ صغيرة للغاية ........) ......ثم اكمل هامسا
( احببتك منذ حملتكِ بين ذراعي لاول مرة ...............احببتك وانا اراكِ تكبرين امامي يوما بعد يوم .........احببتكِ حين استنشقت عطرك .......احببتك حين كنتِ بحاجةٍ لي دائما ........احببتك منذ ان وطأت قدماكِ الصغيرتان هذا القصر )
كانت في كل جملةٍ من جمله المحرقة تزداد نحيبا وترتفع شهقاتها وهى تتعلق اكثر واكثر بعنقه........فاخذ يشدد من ضمها اليه حتى بات التنفس لها شبه معجزة
......استطاعت اخيرا الهمسِ بحروفٍ متبعثرة من بين شهقاتها
( وانا ......احببتك منذ ان وُجِدت من تُسمى حلا في هذه الدنيا )
اغمض عينيه بشدةٍ متنهدا....... وكانه كان في سباقٍ عمره سنين طويلة .........وضع ذقنه فوق راسها المختبىء في كتفه وهى تنشج بضعف
(لكني لم اكن اعرف وقتها ........لم ادرك ذلك , ليتني انتظرتك .... ظننتك معهم ) اكملت بنحيب
( لم افهم.......صدقني لم افهم.....لو كنت اعلم..... )
غرز اصابعه في خصلاتِ شعرها مجبرا راسها الى الارتفاع اليه ثم هبط اليها بقبلةٍ التهمت شفتيها لتنهي كل ما كانت تردده ......غابا معا في لحظةٍ عادت بهما الى سنواتٍ عديدة ............
همس لها اخيرا حين استطاعت شفتيه ترك شفتيها
(عيد ميلادٍ سعيد يا حلا ..........)
ابتسمت ضاحكة من بين دموعها التى فقدت السيطرة عليها ثم رفعت يدها اليه لتريه هديته لها دون ان تستطيع النطق ....... لم يصدق حين رأى السوار الذى طلب تصنيعه خصيصا لها ...... كان يظن انه ضاع منها منذ زمن ........
استطاع ان يهمس باختناق
( اين كان .... ولماذا لم تضعيه من قبل )
همست وهى لازالت تبكي ( كان مكسورا ....... كنت اخاف ان اضعه , منذ ان كسره وضربني ........)
ارتعبت حين نظرت الى الوحشيةِ التى انطلقت من اعماق عينيه الحمراوين المحملتين بالالم ........الى ان رجتها صرخته وهو يمسك بذراعيها بشدة كادت ان تكسرهما
(لقد مات يا حلا ...... لقد مات ....هل يمكنك تخيل ما اشعر به حين اعلم انه هرب من حسابه معي , اقسم انه لو كان موجودا امامي الان لقتلته يا حلا ........)
ابتلعت ريقها وهى تحاول السيطرة على رعبها المعتاد ثم مدت يدها لتلامس فكه المتصلبة من الالم و هى تهمس
( لا أريد ان اتذكره الآن يا ادهم ارجوك .......اريد ان امحو هذه الفترة من حياتي , اريد ان ابدا من تلك الليلة ارجوك )
حملها بين ذراعيه في حركة واحدة وعاد ليرتوي من نبع شفتيها وهو يهمس بين كل نفسٍ واخر
( هناك الكثير لأحكيه لكِ .......احبك يا حلا ...... احبك و احب كل مافيكِ )
كانت تبادله عاطفته المجنونة وهى تشعر ان عالمها بالفعل عاد ماحيا كل ما فاتها بدونه ....... وعادت حلا ...... حلا التى تخصه هو وحده ............ثم همست بجنون من بين قبلاته الهائجة
( ستجد بداخلي رسالة تخبرك انه ...... قد تم محو ......كل ما سبق ......من دونك .......ادهم مهران للأبد )
لم يستطع ان يرد على همساتها التى حركت البراكين بداخله فسقط معها على الاريكة الضخمة وهو يعمل جاهدا على محو كل ما سبق ............. .................................................. .................................................. ..............................................
14
كانت رحلة العودة ممتعة للغاية ..... صحيح أنها ستشتاق الى تلك الأيام المجنونة التى قضتها على الشاطىء و بين الأمواج الباردة ......الا أنها كانت سعيدة للغاية لأن تبدأ حياتها الجديدة مع فارس ....... كزوجة فارس فعلا .........
كانت تحيد عن الطريق بين حينٍ وآخر لتنظر اليه مبتسمة لتجده جالسا باسترخاء كهرٍ شبع للتو .........
عادت لتكمل معه لعبة الاسئلة من جديد وهى تهمس
(ما اللون المفضل لدي ؟.........)
عقد حاجبيه قليلا ثم قال بتردد ( الوردي ؟........)
تنهدت بأسى ثم قالت ( لا ...... الازرق السماوي.... دورك )
سألها مباشرة ( وما لوني المفضل ؟.........)
لم تحتاج الى التفكير وهى تجيب ( الرمادي )
عبس قليلا ثم قال ( ما هو طعامي المفضل ؟.......)
قالت وهي تضحك برقة ( المشويات كلها .........وأنا ؟)
عاد ليعبس مرة اخرى ثم قال ( البحريات ؟........)
هزت رأسها ياسا ثم قالت ( فارس مع كنت تعيش مما يقرب من اربعة سنوات ؟..............انا أحب الخضروات المطهوة )
بان عليه الاشمئزاز قليلا ثم قال ( صحيح ؟..........هل انتِ من الأرانب ؟)
اخذت تضحك ضحكاتٍ رنانة جعلته يوشك ان يطلب منها الوقوف الى جانب الطريق ليتمكن من تذوق ضحكاتها , الا انه آثر السلامة
ثم قال ( ما هو اكثر شيءٍ مفضل عندي ؟...........)
عادت لتضحك وهي تقول دون ان تفكر مرتين ( احذيتك بالطبع .......)
عبس قليلا ثم قال ( هذا غير صحيح لست مهووسا بأحذيتي الى هذه الدرجة )
قالت ضاحكة (بل أنت اكثر من مهووس بها .......لكنى سأصدقك , اذن ها أنا اخطىء لأول مرة منذ بدأنا اللعب .......ما هى الاجابة الصحيحة )
قال بجدية وقد غاب الهزل عن عينيه ( أنتِ )
صمتت فجأة وهى تشعر بقلبها يقفز مهددا الخروج من بين ضلوعها فأحكمت قبضتيها على عجلة القيادة .......ثم قالت بتحشرج
( من اكثر ؟ انا ام خيولك ؟............)
اجابها بثقة ( أنتِ )
(انا ام سياراتِ السباق؟ )
(أنتِ )
(انا ام ادهم ؟.......)
ضحك وهو يقول غامزا بعينه بعبث (طبعا أنتِ ......)
ضحكت قليلا الا انها قالت بتردد
( أنا ام خطيبتك السابقة ؟.........)
هبط قلبها حين عبس وغاب مرحه ..... الايزال متألما من فراقها ؟.....لكن صوته الواثق وصلها
( أنتِ )
نظرت الى الطريق وهى على وشكِ الانحراف بالسيارة من شدة انفعالها ثم ثبتت يديها و سألت فجأة دون ان تستطيع السيطرة على نفسها ( من هي ياسمينا ؟.....)
(أنتِ )
هزت رأسها قليلا وهى تقول بألم ( لقد أخطأت يا فارس .......لقد سألتك من هى ياسمينا ؟)
(أنتِ )
عادت لتنظر اليه ثم همست ( لا افهم .......)
مد يده اليها كانه يطلب يدها , فأعطته اياها ........أمسك بكفها ثم رفعها ليلامس باطن رزغها بانفه وهو يهمس مغمضا عينيه
( كيف يتعرف الطفل الكفيف على أمه مثل كل الأطفال... مع أنه لم يراها قبلا ....لكنه لا يخطىء حضنها أبدا؟............)
همست متحشرجة وهى تبتلع غصةٍ من الدموع ( من رائحتها .........)
اخذ يقبل باطن رزغها بشفتيه الدافئتين وهو لا يزال مغمضا عينيه و كأنه يريد ان يعيش عالمه الخاص في سحر عطرها ثم همس موافقا
( نعم ..... من رائحتها )
اخذت سما تبكي ثم قالت ضاحكة من بين بكائها
( فارس ........اعتقد انه من الافضل ان تترك يدي الآن إن كنت تريدنا أن نصل الى البيتِ أحياءا )
ضحك بشغف وهو يترك يدها ثم قال بصوتٍ أجش من العاطفة
( بالطبع أريد ان نصل أحياء .......فمن سيجرب البيت الجديد غيرنا ؟.... بوسائده و فراشه و مطبخه )
اخذت تضحك عاليا و حتى بات التخلص من هيستيريا عشقه .... يعتبر عمليا أمرا شبه مستحيل ......


صغيرتي سابين ......
حين تقرأين هذه الكلمات .... أكون أنا قد غادرت بعيدا عن هذا العالم و سيكون قد حدث هذا منذ سنواتٍ عديدة بالنسبةِ لكِ
أستطيع تخيلك الآن واقفة أمامى , شابة رائعة السحر و الجمال ..تسبي القلوب , تماما كما سبيت قلبي حين نظرت لعينيكِ الزرقاوين لأول مرة وأنا أحملكِ رضيعة بين ذراعي .......
قد لا أملك الحق في طلب السماح منكِ صغيرتي .....لكن لا أملك سوى ان أترجاكِ لتكملي الرسالة لنهايتها .......
لم يكن هناك ما يمكنني فعله سوى ذلك سابين .....فقد كانت النهاية ...وقررت ان أرتاح في لحظاتها ......
كنت مستعدا لأمضي عمري فقط من أجلك انتِ وإخوتك ...فلا سبب آخر قد يعطيني البهجةِ التى جلبتموها الى حياتي ......و قد عاهدت نفسي ان تظل روحي لكُن... طالما في صدرى نفسا يتردد .......لكن شاء القدر ان يكون هذا النفس قد أوشك على الرحيل بلا عودة ....
ستكون الصورةِ الأخيرة لي شديدة القسوة عليكِ صغيرتي ......قد لا تتذكرني حلا , لكن أنتِ ستتذكريني لذا أردت ان أحميك من رؤيتها ......فضلت ان تبقى في ذاكرتك صورة لي لا تتألمين حين تريها .......
2
حمدت الله حين علمت بمصيري لكن خوفا تسلل الى قلبي من ان تكون النهاية القاسية في فراشٍ بارد موحش .....اردت السكن الى الروح الوحيدة التى كانت ملاذى في كل عثرة .....
حلما بعيدا عمره ضعف عمرك ...... حلما لم انله الا و انا اودع هذا العالم , لاجد ساعدتى في ايامي الاخيرة مع من احببتها دوما وابدا ..... اميرة .......
مهما كانت نقمتك علي يا سابين لكن اياكِ و النقمة عليها هي ...... لم تفعل سوى انها قررت خوض النهاية الشاقة معي ..... لم تكن والدتك لتتحمل ابدا ......
اريدك ان تتاكدي انى كنت دائما مخلصا لوالدتك يا سابين ..... حتى قلبي حاولت دائما تطويعه لايجاد افضل مافيها لاحبه , وصدقيني اننى نجحت فى ذلك في كثيرٍ من الاحيان , لكن حين علمت بحالتي , كان يجب ان اعرف انها ستتغير , لم تكن ايثار من النوع الذى يتحمل المآسي ابدا ..... لذا فبعد صدمتها الاولى بدات في التباعد وزيادة الجفاء الذى كان بيننا دائما .......
وقد شعرت بالخوف ...... يؤلمني جدا هذا الاعتراف , الا اننى مدينا لكِ به ........ نعم شعرت بالخوف , وكنت احتاج الى شخصا بجانبي , ولم يكن هناك افضل من حلم عمري .......
لقد خيرت والدتك بين البقاء معي وبين التحرر مني , فكان ان اختارت حريتها ..... وقد عذرتها .... حقا عذرتها ........
صدقيني حبيبتى ان قلبي يرق لحالها الآن , فهى لازالت شابة رائعة الجمال عليها ان تختار البقاء مع زوجٍ مريض الى ان تترمل في نهاية المطاف , او ان تنال حريتها لكن وهى تتحمل مسؤلية ثلاث بنات صغيرات لتشق حياتها وحيدة بهن ........
لم استطع يوما تفهمها ..... وهذا ما كان يشعرني بالذنب تجاهها دائما .......حاولت وحاولت , ولكن الهوة بيننا كانت تزداد اتساعا ......
قد يكون حبي لاميرة متغلغلا بداخلي لم استطع محوه طوال سنوات زواجي بوالدتك , لكني لم اخدعها يوما و ستظل والدتك دائما لها مكانة انها والدتك انتى و اختيكِ ...... وهذه المكانة ما لن تحتلها اى امراة اخرى .........
هذه الرسالة ستكون مع اميرة ...... ستتكفل بايصالها اليكِ حين تكوني مستعدة او حين ياتى الوقت لتبحثي عني ........و قتها ستجديني بين سطور هذه الرسائل ........
سابين ....مهما كان غضبك منى .....او حتى لامبالاتك بكلماتي ......لكن حققي لي رغبة اخيرة و حافظي على شقيقتيكِ ........
اشعر بخوفٍ مؤلم من تركهما ........وعدتني اميرة بالبحث عنكن مهما تطول بها السنوات , الا اننى اشك في ان تسمح ايثار بهذا , ستبتعد وتبعدكن , و هذا ما اخشاه ....... اتساءل اى الطرق ستلقي ايثار بكن فيها .......
5
اشعر انكِ الاقوى يا سابين , بل اعلم هذا علم اليقين ......لذا اريد منكِ التمسك بهما ابدا .....ستكون سما قوية مثلك ,ستقويها الايام ....لكن لسببٍ مجهول اشعر بالخوف على حلا ..... هل يكون السبب هو قسوة امك الدائمة عليها , ام اننى اعلم كم هى هشة و ضعيفة ...... لا تضيعيها ابدا يا سابين ..... ابدا ........تذكري هذا كلما نظرتِ الى عينيها البريئتين فهي ستكون دائما بحاجة اليكِ .......
2
اعلم انكِ ستكوني امانها فى هذا العالم ولن تسمحي بان يصيبها اى مكروه سواءا هى او سما ..........آه يا سابين كم كنت اتمنى ان ارى سما اكبر قليلا , اعلم بداخلي ان سما ستكون يوما ما ذات شانٍ عالٍ , و ستحقق الافضل في حياتها ....لكن قبل ان يحدث هذا ساتركها رضيعة و لن تعلم عني شيئا ابدا ......ترى هل حكيت لها قصصنا التى كنا نرتجلها معا انا وانتِ ؟......
1
هل ستحكين لها عن تركي لكم ؟........ ام ستتجاهلونى تماما وكانى لم اكن ؟..........لكن مهما كنت في حياتكن , فانا لا اتمنى لكن الا حياة رائعة لكل منكن ....... وان تجد كل واحدة حبها دون ان تبحث عنه طويلا .......
11
ارجو الا تظلي متالمة مني حتى لحظة قراءتك لهذه الرسالة يا سابين .......يوما ما ستعيشين حبا قويا لدرجة ان يغير كل اتجاهاتك , وقتها فقط قد تسامحيننى و تشفقين على حبٍ ضاع منى ولم اجده وانا على شفا النهاية ........
فلابقى ذكرى طيبة لكِ يا سابين ........
والدك : عماد الراشد
طوت الرسالة ببطءٍ و ارجعت راسها لتستند الى ظهر الفراش مغمضة عينيها تحاول امساك دمعتين هاربتين تريدان التسلل عبر اهدابها الطويلة المغلقة ........
لن ابكي ......لن ابكي .......
ظلت كلماته تطوف براسها تكاد تهلكها من شدة عذاب من كتبها ..... من الواضح ان النهاية كانت مؤلمة له ......و كان يشعر بالخوف من الموت وحيدا .......
عند هذه النقطة لم تستطع مسك نفسها اكثر فرمشت لتسقط الدمعتان الحبيستان ..........
ذلك الرجل الضخم القوى .... الذى كان بطلها يوما ما ...... كان يشعر بالخوف من الموت وحيدا .....
2
و في لحظةٍ واحدة عادت اليها كل ذكرياتها معه ..... و التى كانت قد تعمدت نسيانها على مر السنين حتى نجحت تماما و اصبح عماد الراشد عبارة عن مجرد اسما يلي اسمها على الاوراق ......
اما الان فهى تتذكر كل تفاصيله , ابتساماته , الصلابة النافذة من عينيه الحنونتين .........القصص ..... نعم كيف نسيتها ...... كانا يجلسان معا على الفراش كل ليلة دون كتاب قصص ......بل كانا يتشاركان في تاليف قصةٍ معا كل ليلة ........قصص عن الساحرات و الاشباح المضحكة ........هل لهذا السبب ظلت تبتاع كل ما عليه صورا للساحرات طوال تلك السنوات .......
1
ابتسمت ابتسامة حزينة من بين دموعها ..........الان فقط ادركت انها كانت تشتاق اليه للغاية , الان فقط ادركت ان الحياة كانت ستختلف بوجوده ........
لقد أوصاها بحلا كثيرا ... هل كان يشعر حقا ان مكروها سوف يصيبها .... آآآه لقد فات اوان حمايتها منذ زمن .......
1
رفعت يدها لتغطي عينيها و قد شهقت شهقة بكاءٍ لم تستطع منعها ........آهٍ لو يعلم ماذا اصاب حلا ..... وهى لم تستطع فعل اي شيء ,
1
الامر الجيد الوحيد انه رحل عن الدنيا دون اى يرى ما حدث لها و كيف باعوها ثم ساقوها الى الجحيم .........
وها قد باعت نفسها مرة أخرى لأدهم مهران .......دون أيضا أن تتمكن هى من فعل أى شىء للمرةِ الثانية..... أرادت وحاولت منعها الا أن الغبية استسلمت بمنتهى الضعف و المهانة , وهى متأكدة أن ادهم لا يريدها الا عقابا لها على تركها له من قبل ..حتى وإن كانت لا تعلم بعد برغبته فيها ... الا إن هذا حال بنات الراشد أن يبقين مرهوناتٍ لرجال مهران ...........
2
إنها لا تعلم تفاصيل كثيرة عن زواجها بذلك الحقير طلال مهران .......لكنها كانت تعلم أى نوعٍ من البشر كان , كانت تفهم اختلاله الواضح من نظراته , و بعد زواجهما بدا هذا الاختلال و كانه انتقل الى عيني حلا نفسها ..... مرة بعد مرة , سفرة بعد اخرى ....كانت حلا تعود بشكلٍ غريب يؤكد لها كل ما كانت تشعر به ........ وها هى حلا ضاعت للأبد .......
و سما ..... ستكون ذات شأنٍ يوما ما ؟؟...... يا الهى إنه لا يعرف ما آل إليه حالها , فبعد أن تركت دراستها لم تصبح أكثر من مجرد جارية لشخصٍ يتفنن في إيلامها ........
3
لكم حاربت و صرخت .....لكنها اكتشفت أنها كما لو كانت تحارب أمواج البحر , وأن القدر لا مهرب منه ......
هل كان يعلم أن ايثار التى خاف عليها من أن تضيع ببناتها في هذه الدنيا الواسعة .....ستتزوج في النهاية من الامبراطور.. الأخ الأكبر لأميرته و الذى كان السبب في تفريقهما قديما ......و كأنها كانت تتعمد أن تعذب روحه من حولها .......
يبدو أنه لم يكن يفهمها جيدا ..... فايثار ليست ممن يخاف عليهم المرء بل يخاف منها ........
لم تستطع كبت شهقاتها المخنوقة ..... لقد حملها فى رسالته الأنانية مسؤلية حلا و سما........ولقد ضاعت الاثنتان منها , قد تكون هى الناجية الوحيدة من براثن ايثار الراشد ........صحيح أن غبائها أوقعها بين فكي احمد مهران , الا أن ايثار لم تكن المستفيدة هذه المرة ....
لقد باعتهما بأبخس الأثمان , ظنا منها بأن الإمبراطور سيترك لها النصيب الأكبر بعد مماته , لكن إمبراطور مهران لم يكن بهذه السذاجة فاعتبر أن ما نالته في حياته هو أكثر من كافٍ بالنسبةِ لها.... فترك كل شيءٍ لآل مهران فقط ...... , بعد أن تلاعب بمصير حلا وسما بمنتهى الوحشية و كأنه امتلكهما مع ايثار .......
4
و ها هي تخسر كل شيء بعد أن خسرتهما معا ...........
قاطع أفكارها فجأة صوت سيارة آتٍ من النافذة ......هل جاء مرة أخرى .....
مسحت وجهها بكفيها بسرعةٍ ثم قفزت من الفراش لتنظر من النافذة ..... الا أنها صدمت حين رأت سيارة غريبة تقف أمام الباب , و السائق ينزل بسرعة ليفتح الباب الخلفي للسيارة ..........
نظرت الى الساقين الأنيقتين اللتين هبطتا على الأرض ثم خروجها من السيارة ..........صعقت ..... صعقت تماما حين رأتها هنا , اذن فقد كانت تعلم بما ينتويه احمد , كانا متفقين على هذا المخطط الإجرامي .........
رفعت أميرة رأسها دون أي مقدمات لتنظر الى النافذة حيث تقف سابين و الشرر الأسود ينطلق من عينيها . .... فأزاحت نظارتها الداكنة من فوق عينيها و ابتسمت و قد بان الإرتياح على محياها بشكلٍ واضح ........
لم تنتظرها سابين لتصعد اليها بل اندفعت يسيرها غضبها الأهوج لتنزل هى اليها ........و كانت في نهاية السلم و شعرها الغجري يتطاير خلفها , حين فتح الباب بهدوء و دخلت تلك السيدة الأنيقة الشقراء و التى لم يأخذ الزمن الكثير من جمالها .......
( كنتِ تعلمين ....... كنتِ في زفافي تعلمين كيف ستنتهي تلك الليلة )
ظلت اميرة تنظر اليها بهدوءٍ تتخلله الراحة التامة دون ان تنفعل بصراخ سابين الشرس ......ثم قالت اخيرا بصوتٍ ناعم عذب و كأنها لم تسمعها
( كيف لم أفكر انكِ هنا الآن ؟.........كدت أن أجن وأنا لا أعلم أين أنتِ بينما يذهب احمد الى عمله كل يوم و يأتى الينا أنا و تالا مساءا )
تفاجأت سابين تماما مما سمعته ...... هل تصدقها , لكن لماذا ستكذب , الأولى بها أن تتشفى بما هي فيه لا أن تتظاهر بالإرتياح .......
شعرت سابين أنها في دوامة عميقة , وأنها لم تعد تفهم شيئا من هذا الجنون الذى سيطر على حياتها مؤخرا .......
كانت أميرة تتأمل حيرة سابين وهى سارحة في ملامحها و كأنها لا تريد ان تشبع منها , ثم لم تلبث أن اقتربت منها و مدت أصابعها لتتلمس وجنتها ثم خصلاتها الطويلة ..... همست أخيرا
( كل ما فيكِ يشبه والدتك .........لكنى مع ذلك لا أراها , لا أرى سوى والدك ينظر إلي الآن )
للمرة الثانية تشعر أنها استسلمت لسحر تلك المرأة فان كانت هي تمتلك السحر الأسود كما يقال عنها , فهذه المرأة تمتلك بالتأكيد السحر الأبيض ..... لا عجب أن وقع عماد الراشد في بحورِ غرامها الى نهاية أيام حياته ....... إنها العكس من ايثار تماما ........
5
ظلتا تنظران الى بعضهما البعض طويلا كمحاولة لقراءة كلا منهما للأخرى ........الى أن قالت سابين أخيرا بصوتٍ خافت
( هل كنتِ تعلمين بنيته في الانتقام مني ؟..........)
ردت أميرة بعد لحظة بهدوءٍ حزين
( بل أنا أعلم أنه لا يريد الإنتقام منكِ ........احمد لا يعرف معنى الانتقام )
1
ابتسمت سابين ابتسامة ساخرة شريرة ثم قالت بصوتٍ كالفحيح
( اذن ما الذى افعله هنا برأيك ؟.............)
همست أميرة بما يشبه ابتسامة ( هذا ما يجب أن تكتشفيه بنفسك )
تابعت سابين تقول بقسوة ( يظن بهذه الطريقة أنه أنقذ زواج دارين ؟..........)
همست أميرة بعد عدة لحظات ( لقد أجبر احمد مازن على أن يطلق دارين ........ قبل أن تتزوجا )
صدمت سابين .... أجبره على ان يتركها ..... اذن لماذا تزوجها ان لم يكن بسبب الماضي او بسبب دارين ........هل ه مجرد انتقام على ما لم يستطع تجاوزه ......
قالت سابين بحيرة ( تقولين هذا ولا يبدو عليكِ الحزن ........)
قالت أميرة بهدوءٍ صلب ؛( لم أحبه يوما ...... كان قلبي يخبرني دائما أنه خائن بطبعه )
همست سابين وهى ليست واثقة من أي شىء
( لماذا تزوجني ؟........ كنت أظن أنه يريد حماية زواج دارين , ثم ظننت أنه يريد الإنتقام من ابنة عماد الراشد , ......)
سكتت وقد شعرت أنها بدأت تهذي ....... فقلد تداخلت الحقائق لديها و لم تعد تعلم شيئا أبدا .........
قالت أميرة وهي تراقب حيرتها .
( أنا نفسي لم أصدق انه سيتزوج يوما بعد ليال ............لكن حين رأيتك ........)
نظرت سابين اليها وهى لا تعلم قصدها فقالت بصلابة
(بالطبع ........ليال ذات المنزلة التى لن تصل اليها أية امرأة أبدا )
أجابتها أميرة بصوتٍ يحمل الكثير ( لكنك وصلتِ بالفعل الى نفس منزلتها ........لقد سلمك اسمه و اسم طفلته وهذا ما لم أكن أنا أظنه أبدا , فهل تعتقدين أنه يصل في أنتقامه الى هذه المرحلة )
ثبتت سابين نظرها على عينيها و قالت ( اذن ماذا يريد مني .........)
3
ردت أميرة ببساطة ( وما الذى تريدينه أنتِ منه ........ ولماذا تزوجته أصلا ؟.....لا أصدق أنكِ أردت الزواج به لمجرد أنه فرصة ذهبية لأي امرأة او لأنه أفضل من مازن مهران....حتى أننى لا أصدق أنكِ أفسدتِ زواج دارين , لقد كان محكوما عليه بالفشل من البداية , وأنا أعرف أنكِ ابتعدتِ عن الصورة تماما حين علمتِ بسفرهما و محاولتهما للصلح.......هذا الكلام الذى تحيطين به نفسك لتبني قوقعة صلبة تخيفين بها من حولك لن يخدعني ....... لماذا تحيطين نفسك بكل هذه القساوة المزيفة ...... مما تحاولين حماية نفسك )
استدارت سابين بعنفوانٍ دافعة بشعرها الى خلف ظهرها بحركة غرور ثم قالت بقسوة
( لا أحب دور التحليل النفسي هذا .......فلا تأتي الى هنا مدعية أنكِ تعرفينني حق المعرفة , فإن كان هناك ما تعرفينه فهو أننى ابنة ايثار الراشد ..... زوجة عماد الراشد و أم بناته )
ظللت سحابة ألم عينيها الرماديتين الناعمتين و هى تشرد بهما بعيدا ....فتسلل شعورٌ حارق الى قلب سابين , لماذا جرحتها ......لكن ماذا كان عليها أن تفعل و قد أفسدت قصة حبهما حياتها و حياة شقيقتيها ......هل من المفترض أن تشكرها لإعتنائها به اثناء مرضه .......
3
نظرت أميرة اليها اخيرا ......ثم همست ( بل أنتِ ابنة عماد الراشد يا سابين ..... فإياكِ ونسيان ذلك أبدا )
استطاعت سابين بالكاد ان تبتسم ابتامة ساخرة مريرة ثم قالت بقسوة
( إن كنت لا أتذكره هو شخصيا .........فلماذا أتذكر أننى ابنته , ثم لا أعتقد أنه كان ليهتم , ففي النهاية اختارك أنتِ ليموت بجوارك )
أغمضت أميرة عينيها من شدة ألم الذكريات القاسية التى طافت بقلبها من تلك الأيام القاسية التى ظلا فيما يمسكان بأيدي بعضهما منتظرين انقضاء المصير المحتم .......و دموعهما تختلط معا ........
( هل تزوجتما في النهاية ؟...........)
جعلها سؤال سابين البارد تفتح عينيها الدامعتين فلم تستطع سوى أن تومىء برأسها وهى تشعر بغصةٍ تكاد تقضي عليها .......ثم قالت أخيرا بصوتٍ متحشرج
( ومكثنا هنا في هذا المنزل الى النهاية ........فقد كان يريد الإبتعاد عن كل الناس )
1
شعرت سابين أنها على وشكِ الإستسلام لدموعها مرة أخرى , لكنها بذلت جهدا خرافيا لتتماسك أمامها ثم قالت أخيرا بصلابة
( لقد وصلتني رسالته .........لماذا لم ترسليها الي من قبل )
أخذت نفسا مرتجفا ثم قالت وهى أيضا تحاول التماسك (لقد طلب مني أن أوصلها اليكِ حين تكوني مستعدة ......وكنت أعلم من بعيد عن حياتك الصاخبة فلم أظن انكِ كنتِ لتهتمي بها ........ لكن ها أنتِ وصلتِ إليها وحدك )
تابعت بحزن و تصميم ( كدت ان ان من القلق عليكِ وانا اسال احمد عن مكانك كل يوم فلا يجيبني ابدا .... حتى لمع هذا المنزل بداخلي في لحظة واحدة , لم اصدق ان يصل احمد في شراسته الى هذا الحد ..... انه ليس احمد الذى اعرفه ابدا ,......... لذا فالقرار لكِ الآن , ان كنتِ تريدين ان تكون هذه هي النهاية ,فاصعدي لتجهزي نفسك لتغادري معي في الحال ........أما اذا كنتِ لا تريدين تلك النهاية , فعليكِ ان تبقي لتشكليها بنفسك )
ظلت سابين تنظر اليها طويلا وكأنها تحولت الى تمثالٍ رخامي ...... حتى تابعت أميرة بحزم
( ما هو قرارك يا سابين ؟....... هل تريدين هذه النهاية بينك وبين احمد ؟ لانه ان غادرتِ معي الآن فسينتهي كل شيءٍ بينكما .........اتخذي قرارك وانا ساكون بجوارك ايا كان ..............هل هذه هي النهاية ؟...)
ظلت صامتة لعدة لحظات ..... ثم قالت اخيرا بصوتٍ اجوف
1
( سأصعد لأجهز نفسي .............)
8
.................................................. .................................................. .............................................
لا يصدق انها هنا حقا بين ذراعيه ...... كانت كل الايام السابقة تستيقظ بين ذراعيه, فلماذا لا يصدق اليوم تحديدا ؟.......
حلاه التى لطالما حلم بها ..... حلمه الذى كان يظن طوال السنين انه يملكه بين يديه و انه يتنظر قفط انقضاء الوقت لتحقيقه ....... لتاتى ضربة قاتلة لتنسف حلم السنين .........
انه يشعر الان كما لو انه كان يجري طويلا .... ثم جاءت اللحظة التى انتهى فيها جريه , ليحصل عليها اخيرا ......لم يشعر انه حصل عليها الا الان ...... فقد كان يعذبه شعور خفي بالذنب لطريقته في الزواج منها و التى بدت في نظره كالابتزاز ......
لقد استغل اشد فترات حياتها انهيارا وضياعا .......ليظهر فجأة عارضا عليها الابتعاد بها عن كل من حولها .......فسقطت بين يديه كحمامةٍ جريحة .........
اخذ يتلمس خصلات شعرها و يبعدها بنعوكة عن وجهها ثم اقترب براسه منها وهو يهمس في اذنها
( حلا ....... حلا استيقظي حبيبتي , لقد اشتقت اليكِ )
2
رمشت قليلا وهى تتحرك برقةٍ بين ذراعيه وما أن فتحت عينيها و طالعتها العينان الحبيبتان حتى ابتسمت و مدت يدها الى وجهه تتلمسه وكأنها تريد ان تتأكد أنه موجود بجوارها بالفعل .... ثم تنهدت هامسة
(صباح الخير حبيبي ....... حبيبي ......حبيبي )
رافقت كلماتها قبلة شغوفة بين كلا منها حتى شعرت ان قلبها يكاد أن ينفجر من سرعة ضرباته
استطاعت ان تهمس وسط عاصفة عشقه الهوجاء
( أحبك يا ادهم ...... أحبك لدرجة أنى بدات بالفعل أنسى كل ما كان في حياتي من دونك )
2
همس بصوتٍ خشن ( ان ظللتِ ترددي مثل هذه الكلمات فلا أضمن ان تخرجي من هنا سليمة )
نظرت حولها و هي تعي بعد لحظات أنهما ناما هنا في حجرة مكتبه بعد ان أغلقها بالمفتاح ..... فهمست و وجنتيها تشتعلان
( يا الهي لا اصدق أننا نمنا هنا ....... ماذا سيقول عنا من في القصر , لقد أفسدت أخلاقي تماما يا ادهم , لم اكن هكذا أبدا , هل تذكر كيف كنت من قبل ؟..........)
1
ضحك و هو يشعر بقلبه يزداد حبا لها خفقة بعد خفقة ثم قال بصوتٍ أجش
(أنا أذكر كل تفاصيلك و اعشقها ..... أنتِ كما كنتِ يا حلا لم تتغيري أبدا )
مرت سحابة ألم على عينيها ...... لكني تغيرت ...... أنت حاولت الحفاظ علي طويلا و جاء هو ليلوث روحي بكل ما استطاعه
ظلت صامته دون أن تخرج هذه الكلمات الى شفتيها .........لكنها عادت لتلمس وجهه من جديد وهى تهمس
( أنت هنا فعلا ....... و أنا أصبحتُ زوجتك يا ادهم , لن يؤذيني شيئا بعد الآن اليس كذلك )
1
شدد من ضمه إليها حتى كاد أن يحطم أضلعها و هو يؤكد بصوته الصلب
1
( لن يؤذيكِ أحدا أبدا ما دمت أتنفس يا حلا ........ أبدا حبيبتي )
ارتجفت ابتسامتها وهى تهمس بحزن ( لماذا تأخرت يا ادهم ........)
لم يدعي عدم الفهم كما لم يملك الا أن يقول بغضبٍ لم يستطع مداراته ( ولماذا وافقتِ ؟...........لماذا وافقتِ يا حلا ؟)
أغمضت عينيها بألم و لم تستطع الرد فما كان منه الا أن دفن وجهه في عنقها وهو يهمس باختناق
( أنا آسف ...... لم أكن أريد أن أصل الى هذا الموضوع مرة أخرى , وليس الآن تحديدا ,....... حلا ....حلا لا تبكي حبيبتي )
شعر بقلبه يتفتت حين أحس برطوبة دموعها المتساقطة على خده فقال بصوتٍ اجش
( حلا لا أريد أن أكون السبب في حزنك مرة اخرى ........لا أعلم ما الذى دفعني لقول ذلك )
فتحت حلا عينيها المبللتين ثم همست بضعف و هي تنشج
( لقد أخبرتني أمي أن والدك هددها بطردنا من القصر اذا لم أوافق , وقتها شعرت بالرعب و العجز ........و قلت أننى لن أعطي ردي قبل أن أعرف رأيك و كنت متأكدة أنك سترفض و ستقف في صفي ......الا أن أمى أخبرتني أنك كنت تعلم قبل أن تسافر و لو كان الأمر يهمك لما سافرت دون ان تعطيني رأيك ..........وقتها شعرت باننى وحيدة وغاضبة ....... كنت غاضبة منك للغاية ..... لأنك كنت تتدخل في كل تفاصيل حياتي ..... خروجي , أصدقائي , ملابسي , كل شيء كنت تتحكم به عن بعد .........لكن حين احتجتك بجانبي للمرة الأولى ...... سافرت و تركتني أواجههم وحدي ....... لم تبالي حتى بمعرفة قراري )
7
لم تستطع الإكمال فقد أخفت وجهها في كتفه وهى تبكي على كل ما فاتها ........الى ان سمعته يهتف بكلماتٍ نابية أجفلتها , فهى تعرف من المقصود بها .......ازداد ارتعاشها حتى باتت غير قادرة على التماسك , فسكت ادهم و هو يضمها اليه بينما تشعر بتصلب عضلاته من شدة الغضب .... تجرأت بعد لحظة من النظر اليه فهالها وجهه الذى اصبح في مثل لون الدم وعيناه المرعبتان .......الا انها لم تخف منه , لم تعد لتخف منه ابدا ...... انه ادهم حبيبها ......
رفعت ذراعيها لتحاوط بهما عنقه و هى تتخلل شعره باصابعها و تنظر الى عمق عينيه المتوحشتين هامسة تحاول تهدئته
( لا تغضب يا ادهم أرجوك ...... الا يكفي أننا أصبحنا معا أخيرا ؟)
همس بغضبٍ يحاول السيطرة عليه دون جدوى
( لا ..... لا يكفي يا حلا ليس قبل أن تعرفي حقيقة الأمر )
قالت بهدوءٍ حزين ( حبيبي ..... لم تكن مدينا لي بشيءٍ وقتها , كما أنى عرفت بعدها أن مسالة طرد والدك لنا من القصر كانت مجرد كذبة )
اخفض جبهته حتى لامست جبهتها ثم وضع اصبعه على شفتيها وهو يقول باختناق
؛( ششششش ...... اصمتى و اسمعيني جيدا ......اتفقنا ؟)
أومات برأسها من تحت إصبعه ........فترك شفتيها و نظر الى عينيها النديتين الحزينتين ثم همس
( لم أكن أعلم أي شىء عن موضوع زواجك البائس هذا , لقد تعمدوا اخفاؤه عني تماما لأنهم يعلمون جيدا ما سوف تكون ردة فعلي .....لقد انتظروا حتى سافرت و أتموا كل شيء قبل ان أعود ...... هل تظنين أنه لو علمت مجرد تفكيره بكِ كنت لأتركه لحظة واحدة ؟)
انسابت الدموع على وجنتيها ...... عقلها يطلب منها الصمت و النسيان , أما قلبها مازال مجروحا منه دون سبب ........
همست بخفوت ( لماذا أخفى والدك الأمر عنك ؟....... أفهم تصرف أمي جيدا , لكني لا أفهم سبب ما فعله بي والدك بعد أن رباني في بيته )
عقد ادهم حاجبيه وظللت القسوة عينيه ثم قال بغضب
( أولا لم يربيكِ غيري في هذا القصر و لا حتى ايثار ......كنت أتابعك دائما و أوجهك أحيانا , وكانت عيني عليكِ دائما .......فلا تنسبي هذا الفضل لغيري أبدا ....مفهوم ؟؟)
1
ابتسمت من بين دموعها وهى تومىء لوجهه الحبيب القريب من قلبها ........فقال بعدها بغضبٍ حاول السيطرة عليه
( لا أريد أن اتكلم عما فعله والدي في حقك و في حقي ..... لقد آذاني وفضل ط.....وفضله عني , كان مهما لأعماله و كان يكافؤه دائما )
همست حلا وهى تكاد تختنق ( وكنت أنا آخر مكافأة له ....... اليس كذلك ؟)
ضمها ادهم اليه يهدهدها وقلبه يتمزق من أجلها بينما هي تبكي ما أضاعوه من برائتها ومن حبها للحياة
همست في أذنه و هى تتعذب ( لقد آذاني كثيرا يا ادهم ...........)
تقلصت عضلاته و شعرت بجسده يغلي غضبا فهمست ( أرجوك الا تنفعل .....أنا أحتاج اليك بشدة , لكن لا أريد ان أغضبك )
ابتعد عنها قليلا لينظر الى عينيها ....ثم قال بصوتٍ حاول أن يودعه ثقة الدنيا كلها ..فقط ليجعلها تطمئن له
( ألن تحكي لي ............)
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي لا تعلم امن الحكمة ان تحكي له أم تدع الماضي ......استطاعت الهمس بصعوبة
( لقد بدوت غير مستعدا للسماع ....... أخشى أن ......)
لم تستطع المتابعة اكثر فمد اصابعه ليبعد خصلة من شعرها الى خلف أذنها ثم انحنى ليقبل شفتيها بكل نعومة ثم همس حتى لا تتردد
( لم أكن أريد أن أخيفك بردة فعلي ......لكن الآن أشعر أنك أصبحت قادرة على مواجهتى بكل ما آلمك , أليس كذلك )
أومات برأسها بينما بدت غير واثقة بشكلٍ يفطر القلب ....فحاول أن يهمس في أذنها
( لم تكونى ملكه أبدا يا حلا ....أخبريني )
1
أومأت مرة أخرى دون أن تستطيع النظر إليه ثم همست بتقطع
( أخبرتني أمى .... أخبرتني حين رفضت الزواج منه ...أنه لا يريد زوجة فعلية ,بل يريد فقط مجرد واجهة اجتماعية ,لذا فلن أتحمل منه الكثير .........لكن من أول ليلة .... لم يكن هذا ما حدث ......من أول ليلة و أنا وجدت نفسي و قد اُلقيتُ في بحرٍ من جحيم ......لم يكف عن المحاولة أبدا ...كل ليلة .....الى أن تنتهي كلها بنفس الشكل .......لا أكاد أرى ما حولي من شدة الضرب وصوت صراخه يصم آذاني بأننى أنا السبب ......لم أعلم كيف كنت أنا السبب ...لم أفهم ما الذى أخطأت به .........)
شعر أن نحيبها الصامت يكاد يخرق اذنيه و يفتت قلبه فزاد من ضمها حتى خشي أن تتفتت بين ذراعيه .......بداخله بركانا هائج و هو يحاول منعه من الظهور حتى لا يرعبها , فأي عذابٍ هذا الذي يعانيه ......
2
أن يستمع الى تفاصيلٍ ُتخبره عن محاولاتِ ذلك الحقير لتدنيسِ طفلته الحبيبة التى حاول الحفاظ عليها طوال عمرها من كل العالم المحيط بها ....
1
أن يسمع دور تلك الأفعى السامة في خداعها بكل حقارة كما لو لم تكن ابنتها يوما أبدا ......لتلقي بها الى مصيرٍ أسوأ من الموت ........
أن يسمعها وهى تخبره بكل براءة بأنها كانت السبب .......يشعر الآن كما لو كان قادرا على تحطيم كل ما تقع يده عليه .... ها هو الجانب البدائى يوشك على الظهور بأسوأ صوره وهو يحاول كبته بكل ما يستطيع من قوة .......
انتظر قليلا حتى تستطيع إلتقاط أنفاسها المبعثرة و هو غير واثق إن كان يجب عليه أن يمسك وجهها ليخبرها بكل عنف أنها لم تكن السبب لأى شىءٍ أبدا ......بل هو عذرا ألقاه ذلك المختل ليزيد من عذابها , أم من الأفضل أن يترك ذلك لسمر كما يملي عليه المنطق .....
كان يتمنى أن يكون هو من يستطيع أن يوقظها من ذلك الكابوس البشع بكل تفاصيله , الا إنه لا يعرف السبيل الصحيح لذلك , يشعر أحيانا أنه كاد أن يفقدها أو أن يزيد الوضع سوءا حين حاول التصرف و حمايتها , فلقد انهارت بسببه عدة مرات منذ أن تزوجها ......شعر بغصةٍ مؤلمةٍ في حلقه من شعوره بأنه قد يكون سبب لها الأذى يوما .... بدعوى حمايتها ........
ظل يتلاعب بخصلات شعرها بذهنٍ غائب بينما عضلاته القاسية اخبرتها عن شدة ما يعانيه..........لكنها كانت تريد ان تخبره .... تريد ان تلقي براسها على كتفه و ترمي اليه بكل احزانها .....لم تستطع منع نفسها من الهمس
( كنت أدعو الله كل ليلة ان يحصل على غايته ...... لعله في النهاية يتمكن من تركي , حاولت تلبية كل .......)
3
(هششششش...........كفى)
قاطعها و هو يغلق فمها بإصبعه ......قد يكون أنانيا في إسكاتها , الا أن رجولته لم تتحمل , كان هذا فوق احتماله , رفعت عينيها المتسعتين الدامعتين لتنظر الى عينيه اللتين ظللتهما القسوة ......فانتابها الرعب مما قالته ..... هل هى غبية .......هل تريده أن يخرجها من حياته ...........و ماذا عن الباقي مما أوشكت قوله .........يا الهي هل يشعر الآن بالنفور منها .......
حاولت الكلام عبثا ..... الا إنها لم تستطع من شدة خوفها , فما كان منه حين لاح له خوفها من غضبه الا أن وضع خده فوق خدها وهمس في تجويف عنقها ........
( حلا ....... قد لا أكون أحيانا بنفس القوة التى ترينني بها , فأنا أضعف مثل باقي البشر , وأنتِ نقطة ضعفي الوحيدة ..........لكن مهما ضعفت فلا تخافي أبدا ..........لن اؤذيك أبدا , مفهوم )
همست حلا و قلبها يضرب كالطبل ( لست خائفة من أن تؤذيني ......... أنا خائفة من أن تبعدك حياتي السابقة عني )
2
نظر الى عينيها بعينيه المتألمتين و حين تكلم نفذت قسوة كلماته الى قلبها
( لن يبعدني عنكِ الا الموت ....... هذه هى الحالة الوحيدة التى لا أستطيع أن أضمنها , لا يخيفني شيئا فى هذه الدنيا الا أن أتركك فيها وحيدة , سأعمل يوما بعد يوم على أن تصبحي أقوى فأقوى .....لأن لو حدث لي ......)
( اصمت ..... أرجوك اصمت ,ادهم أنا لن أستطيع أن أعيش بدونك , عدني الا تتركني أرجوك ..... عدني )
ابتسم برقةٍ حزينة على تلك الأعوام التى ضاعت منه و هى بعيدة عنه ثم قال بهدوء
( لا أستطيع حبيبتي ....... لن يكون هذا بيدي , لا تبكي حلاي ........ لا تبكي حبيبتي )
1
اقترب منها ليقبل شفتيها التى لامستها دموعها .......و انزل ذراعيه اسفل ظهرها ليضمها الى قلبه ..... متى كبرت صغيرته و اصبحت بمثل هذه الروعة ....لم يأخذ الحزن والأم شيئا من برائتها و جمالها ......و يكاد يجزم أنها ستظل بنفس الروعة مهما مرت عليها السنوات .......
غيبها في موجة عشقه ......فتاها معا في أحضان بعضهما علهما يستطيعا نسيان قسوة ما كان يوما ........بينما ستشهد تلك الغرفة يوما ما لهما بعد سنين عديدة ...... بأن فيها أعلنا عن حبهما ........ وفيها أعلن حبهما عن اشراقة طفلتهما ..........
2
يا الهى إنها سعيدة ... سعيدة للغاية , من كان يظن أن تكون يوما بمثل هذه السعادة ....... اخذت تدور وتدور وهى تستمتع بهذا الصباح الذى فاض بحبه لها وحبها له .........كم هو حبيب وقريب لقلبها , وكيف لم تشعر بحبه من قبل ...... هل كانت عمياء ........
نظرت من النافذة تستمتع بهذا الصباح المشرق ...... ليته لم يذهب الى العمل , الا يستحق الامر ان يظل معها طوال اليوم .......
ابتسمت وهى تشعر بأنها أصبحت من تلك الزوجات المتطلبات اللاتي لا يطقن أعمال أزواجهن ........نعم فاليوم تستطيع فعلا أن تقول بكل فخر ..... أنها زوجة ادهم مهران ........
لفت نظرها شخصا ما بالأسفل يشير إليها ......إنه هلال ....... ما العمل الآن , إنها لا تريد أن تكون جاحدة معه ,لكنها أيضا لا تريد أن تغضب ادهم منها .......
3
مرت عدة أيام لم تنزل الى الحديقة بالرغم من اشتياقها لورودها و افتقادها لهلال الا أنها لا تريد لأي شيءٍ أن يخرب فرحتها الجديدة ......
هزت برأسها علامة النفي إجابة على سؤاله لها بالنزول .....فأخفض يده وهو ينظر إليها نظرة ألمت قلبها للغاية ....... لم تكن يوما جاحدة و ناكرة للجميل ......فلقد كان هلال بجانبها حين احتاجت لصحبته ...... وها هي تتنكر له , لكن ما العمل فادهم إن علم أن هلال تجاوز حدوده قد يتسبب في انقطاع عمله ............
قست قلبها أخيرا فلوحت له ببطءٍ وخجل ثم أغلقت الستائر .........أغمضت عينيها وهى تشعر بالذنب للغاية , لكن هذا أفضل لها وله .....
مرت عدة دقائق حتى سمعت رنين هاتفها , فابتسمت و جرت إليه ....ها هو ادهم لم يتحمل شوقه اليها و يريد الإطمئنان عليها .......لكن ما أن نظرت الى شاشة الهاتف حتى طالعها رقم غريب ...... توجست كثيرا فهذه أول مرة يطلبها أى رقم غير ادهم أو سمر
تركته حتى توقف الرنين , فهو على الأغلب اتصالا خاطئا .........الا إن لحظة أخرى وعاد الهاتف للرنين بنفس الرقم , انتابها قلقا لا تعرف سببه و فكرت في تجاهل الرقم ....... الا انها شعرت بالسخافة ,فلا داعي لكل هذا الخوف من لا شيء .......
رفعت الهاتف الى أذنها و ردت بصوتٍ خفيض ..... فوصلها آخر صوت توقعت سماعه على هاتفها يهتف حانقا
( لماذا لا تردين على هاتفك ........حلا ...... حلا ردي علي )
تشنجت أصابعها على الهاتف و قالت بغباء رغم معرفتها لهذا الصوت جيدا ( من ؟........)
جاءها الصوت أكثر حنقا ( هل نسيتِ صوتي ؟........ نسيتِ صوت أمك ؟)
10
ابتلعت ريقها هذه أول مرة تكلمها منذ ان تزوجت ادهم ....... و هى لا تتفائل كثيرا حين تظهر أمها بعد انقطاع .....قالت بتردد
( لا .... لا بالطبع .... مرحبا أمي ..... كيف حصلتِ على رقم هاتفي ؟......)
2
جاءها صوت ايثار ممتعضا بوضوح ( يا له من ترحيب ؟.......المهم .... أريد أن أراكِ حالا )
اتسعت عينا حلا ارتياعا ..... ادهم لن يقبل أن تأتي ايثار الى هنا أبدا .......فقالت وهى شبه تهتف
( لن أستطيع ....... مستحيل ...أياكِ ان تأتي الى هنا يا أمي ....... ادهم سيغضب تماما )
وصلها صوتا كالفحيح ( يوما ما ...كنت أنا سيدة هذا القصر الذى تتحدثين عنه ......على العموم لا تقلقي لن آتي سأنتظرك في شقة سابين ......)
صرخت حلا ( أمي ..... أمي ....مستحيل أدهم لا يسمح لي بالخروج , أرجوكِ أخبريني ما الأمر )
وصلها صوت ايثار الذي بدأ يفقد صبره ( اسمعيني جيدا أيتها الغبية ...... يجب أن تأتي حالا هناك أمرا قد يدمر زواجك بل وقد يدمر سمعتك كلها .......)
1
باتت أنفاسها تخرج من شفتيها كالشهقات .... يا الهي ... إنه شيئا من الماضي , نعم ... نعم ... كان يجب أن تعلم أن الماضي لن يذهب بهذه السهولة
همست بضعفٍ وصوتٍ لا يكاد يسمع ( سآتي اليكِ ........)
تركت هاتفها ثم شعرت أن ساقيها أصبحتا غير قادرتين على حملها فسقطت جالسة على حافة الفراش تنظر أمامها بعينين متسعتين غير قادرتين حتى على البكاء ......لماذا الآن ..... لماذا الآن ...... لن ترى السعادة أبدا في حياتها , كان يجب أن تدرك ذلك حين لاحت لها بوادر الأمل .....
ما العمل الآن .... كيف ستخرج من هنا ..... السيدة اسراء ؟؟؟....... لا ...لا ... قد تعتمد عليها في أي موضوع أقل ضررا من أمها , فلو علم ادهم .....لن يسكت الا بعد أن يصل الى كل شيء ......
فجأة قفزت واقفة و اتجهت جريا الى النافذة ...... ها هو لا يزال موجودا ..... أخذت تلوح بذراعيها حتى لمحها فنظر إليها بتساؤل , فأشارت إليه أن ينتظرها فستنزل إليه .........
لحظاتٍ وكانت تتسلل خارجة دون أن تراها السيدة إسراء أو أحدا من الخدم ........وما أن وصلت إليه حتى كانت تلهث بعنف تحاول الكلام لكن دون ان تنجح سوى في اخراج لهثاتٍ غير مفهومة , لمس هلال ذراعيها بيديه و هو يحاول تهدئتها
( مهلا ... مهلا يا حلا ....التقطي أنفاسك أولا )
حاولت مرة أخرى فنجحت في الهمس بتقطع ( أريد ... أريد الذهاب الى أمي ..... هناك أمرا هاما لكن لا أريد أن يعلم ادهم )
لم تكن تعلم أن يديه تضغطان على ذراعيها عندما قال بحزم ( سأقلك اليها .........)
نظرت اليه بأمل ثم همست ( لكن كيف .... الحارس لن يسمح ......)
قاطعها هلال وهو يقول بثقة ( نستطيع الخروج من الباب الصغير الموجود بالسور الخلفي ...... كان صدئا منذ زمن لكن أنا تمكنت من فتحه )
3
لم تستطع تصديق حظها فقالت بلهفة ( أن خرجنا الآن على الفور فقد نعود قبل أن يلاحظ أحد ..... اليس كذلك )
أومأ هلال برأسه قائلا ( هيا ....)
بعدها بوقتٍ قليل كانت واقفة أمام ايثار تنتظر مصيرها .......استطاعت الهمس دون أي مقدمات
(ما الأمر أمي .........)
ايثار أيضا لم تحاول التظاهر بمظهر الأم التى اشتاقت لابنتها ... بل لو أن حلا أمعنت النظر اليها لحظة لكانت لاحظت ان هناك شراسة و نارا حارقة تنبعث من عمق عينيها .......الا أن هم حلا الوحيد هو معرفة سبب وجودها هنا والعودة سريعا .......
( لقد وصلني هذا اليوم ...........)
و أخرجت أسطوانة مدمجة أمام عيني حلا الحائرتين .........فهمست بضعف ( ما هذا ؟.........)
وضعتها ايثار في الحاسوب بكل هدوء بينما أعصاب حلا تحترق تماما ........لحظاتٍ وظهر أمامها على الشاشة مكانا تعرفه جيدا .....بهوا واسعا ممتدا لبيتٍ شديد الثراء ....أناسٌ يتراقصون في أماكنهم و يشربون ومنهم من ظهر في أوضاعٍ شديدة الإنحلال ......انطلاق صوت الموسيقى بدا كقصفٍ أصاب صدرها ........
إنها تعرف هذا المكان .... وتعرف هاؤلاء الناس ....... وتعرف تلك المرأة التى ترقص أمامهم لترفه عنهم بينما هي تكاد تموت بداخلها ......تعرف ذلك الذي يقترب منها وهي ترقص ........وتعرف مالذي سيقوم به في اللحظةِ التالية .......
3
نعم هذا ما تذكره .....يمسك وجهها بين كفيه الثقيلتين ليجذبه اليها بقسوة مقبلا إياها بعنفٍ وسط هتافِ الموجودين .........
1
رفعت كفيها لتغطي بهما خديها بينما فغرت فمها و كأنها جثة هامدة لا روح لها .........لم يعد للكلام أي معنى لقد انتهت حياتها و قضي الأمر .......
وصلها صوتا ناعما كجلد الأفعى يهمس بأسف
( لا أعلم من أرسله الي .......... لقد خيبتِ أملي فيكِ يا حلا , لم أستطع تصديق ما رأيته ....... كيف تتصرفين على هذا النحو , و كيف تحضرين في مثل هذه الاماكن .....هل تعرفين كيف ستكون ردة فعل زوجك عندما تقع تلك الإسطوانة في يده .......بل حين تقع في يد كل من يعرفه .......كيف كنتِ بمثلِ هذا الغباء يا حلا )
7
ظلت واقفةٍ كتمثال دون حتى أن ترمش فتابعت ايثار ببرود
( من الأفضل أن تجلسي قبل أن تنهاري ...........)
دفعتها بيديها لتجلسها على الأريكة خلفها ....ثم ربتت على وجنتها وهى تقول بصرامة
( أفيقي يا حلا ..... ليس هذا وقت ذهول )
لم تنطق حلا و كأنها لم تعد حية أصلا .... الا إنها شهقت فجاة حين تلقت صفعة على خدها و صوت ايثار يدخل مسمما الى أذنها
( أفيقي ......الآن تشعرين بالصدمة ؟.... ألم تكوني مصدومة وأنتِ ترقصين بهذا الشكلِ الفاضح و تقدمين أنتِ و زوجك مثل هذا العرضِ المجاني ......)
نظرت حلا اليها بعينين مذهولتين ثم لم تعرف كيف استطاعت الكلام فصرخت بإستجداء وهي ترتجف متضرعة
( لكن كان هذا رغما عني ......أمي أرجوكِ .... أنتِ تعلمين , لقد أخبرتك , لقد رجوتك أن تنقذيني منه .....تعلمين أننى حاولت الهرب منه عدة مرات ...... لكنه كان يعيدني و كان وقتها عقابي يجعلني أتمنى الموت نفسه ....... لقد حاولت الاستعانة بكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم....... لكنه أحكم الحصار حولي تماما .......كنتِ تعلمين يا أمي أني كنت أفعل كل هذا مجبرة ..........)
1
كانت ايثار تنظر اليها بتبلد قاسي و كأنها لا تفهم ما تقوله ....... ثم قالت أخيرا بنبرةٍ تحمل الإزدراء الخفي
1
( لطالما كنتِ ضعيفة للغاية يا حلا ....... بشكلٍ يدعو للشفقة , لا أعلم ممن ورثتِ ضعفك المزري هذا ......... أنتِ لا تشبهيني في أي شيءٍ اطلاقا ....... أحيانا أشك أنكِ ابنتي ....... لم تستطيعي حتى الدفاع عن نفسك .....هل تظنين أنه لو كانت سابين أو سما هى من تزوجت طلال .......كانت هذه الاسطوانة ستكون في يدي اليوم ؟؟............. )
4
نظرت حلا اليها و قد بدأت تشهق بأنفاسٍ معذبة ثم قالت من بين شهقاتها
( لقد قفزت من النافذة ...... لم ينجح أشدهم في نيل ما يريده مني )
1
مطت ايثار شفتيها بامتعاض وقالت ( طبعا ...... اخترتِ أشد الحلول جبنا ......)
قامت حلا من مكانها وهي تصرخ ( لم يكن هناك أي حلولٍ أخرى ...... لقد سلمني زوجي اليه , و سلمتموني أنتم اليه مرة أخرى )
نظرت ايثار اليها دون أن تبدي أي تعاطف مع منظرها المثير للشفقة ثم قالت ببرود
( ليس هذا وقت كلامٍ لا طائل منه ........... الأمر الجيد أنه ليس موضوع إنتقام , بل هناك شخصا يريد ثمنا معقولا لهذه الإسطوانة )
6
نظرت حلا اليها وهي لا تفهم تماما المقصود فمسحت وجهها بكفيها و هي تقول متلعثمة
( أي ثمن ؟......لا أملك شيئا ......ادهم هو من يملك كل شيء من أين آتي بالمال ..... ساعديني أمي أرجوكِ )
همست ايثار مرة أخرى ( غبية بشكلٍ ميؤسٍ منه ....... كيف لا تملكين مالك الخاص ؟ أنتِ زوجة ادهم مهران أيتها الغبية ........لقد حذرتك من الزواج به فادهم ليس سهلا أبدا .........أخبريني كيف ستتصرفين الآن )
عادت حلا لتبكي مرة أخرى و قد غاب بصيص الأمل الوحيد الذى كانت تملك الى أن سمعت ايثار تقول فجأة بحزم
( أعطِني خاتم زواجك ........)
نظرت حلا اليها بذهول ثم نظرت الى خاتمها الماسي الضخم ثم قالت بسرعة وهى تبكي
( لا ..... لا ....لن أستطيع , أرجوكِ يا أمي .....سيسألني ادهم عنه ....)
عبس ايثار وهي تقول بشراسة
( سيكون هذا حلا مؤقتا حتى تأتي بثمنا معقول فقد يقبل وقتها ..........هاتي )
خلعت حلا خاتمها و أعطتها إياه وهي تبكي بشدةٍ حتى كاد و جهها أن ينفجر من شدة احمراره ثم نهضت راكضة الى الباب لكن قبل ان تصل يدها الي مقبضه و صلها صوت ايثار الشامت
4
( حلا ........ زوجك على علاقةٍ بامرأةٍ أخرى )
التفتت حلا لتنظر اليها ذاهلة و قد سقط قلبها في حين أكملت ايثار بابتسامة تشفي
( و أنتِ تعرفينها جيدا فقد سعت بنفسها للتعرف اليكِ .............اسمها سمر )
13
.................................................. .................................................. ................................................
فتح باب قلعته الصامتة الحزينة ......الظلام يغطي المكان و الصمت يملؤه الا من أصواتِ الرياح الباردة ..... أغلق الباب خلفه فاهتزت الجدران مرسلة رعشة فراغٍ بداخله ......
كذلك الفراغ الأسود المحيط به ..... لقد غادرت أسيرته الهمجية , اختارت الرحيل بعيدا ...... رفضت الفرصة التى منحها لها و هربت بعيدا .......
8
لماذا يشعر اذن بمثل هذا الخواء ..... مالذى ضاع منه ..... سابين ؟.......ما كان كل هذا ؟.........
مجرد أملا واهيا في اصلاحها أم عقابها ...... أم رغبة همجية في سبيها و امتلاكها ......
هل أصابته لعنة سابين الراشد فبات لا يعلم من هو ......و كيف كان من قبلها ........
شعر اليوم بلكمةٍ في صدره حين أخبرته أمه أنها علمت أخيرا أين يخفيها و أنها ذاهبة لإنهاء تلك المهزلة التى طالت ......فإن كان صادقا مع نفسه , فليجد سببا لما يفعله ... لا أن ينصب نفسه الها لمحاسبتها ......
لم يشعر الآن و هو يقود سيارته الا به ينقاد أسيرا الى هنا ..... الى أسر السابية ......
كيف سيرحل من هنا بدونها ..... كان متأكدا انه سيرحل بها يوما ما ...... هل جن ... هل جن تماما ......إن أمه محقة في شيءٍ واحد ...أن هذه المهزلة قد طالت ..... وكان يجب انهاؤها ..... لن يستطيع تغييرها رغما عنها , لن يسيتطيع خلق صورة في خياله , لن يستطيع نسخ ليالٍ أخرى .......لقد اكتشف بعد أن أمضى مع سابين كل تلك الأيام الماضية , أنها و ليال متشابهتان تماما .. ليس في الشكل اطلاقا بل في القوة .... في شراسةِ الدفاع ...في الطفولةِ النابعةِ من الداخل ...في الشجاعةِ النادرة وفي الرغبة الخفيةِ في الحماية لقد أراد أن يصنع ليالٍ كاملة ... الا أن حساباته قد أخفقت ...... لقد اختارت ..... خيرتها أمه فاختارت .......
10
لقد انتهى يا احمد ......انتهى .....
صعد السلالم متثاقلا في الظلام دون أن يكلف نفسه بفتح الأنوار ثم اتجه الى غرفتهما ........لقد تركت الضوء دليلا وحيدا على وجود امرأة غجرية همجية عاشت هنا ذات يوم .........
دفع الباب المفتوح قليلا ليدخل الى تلك الغرفةِ التى قضى فيها ليلة من السحر ستظل في مخيلته الى آخر العمر .........
ما أجمل تلك الإضاءة الخافتة , إنها تضفي على الغرفة جوا من السحر يذكره بها ......لقد تركت منامتها ذات الساحرات .... التقطها بين يديه ليرفعها الى وجهه يستنشق عطرها الذى لايزال يملؤها و هو يغمض عينيه .........
( لم أكن أعلم أنها أعجبتك الى هذه الدرجة ............)
التفت بسرعة حين سمع صوتها الناقوسي يصل رنانا الى أذنيه .........ليجدها واقفة متكئة على إطارالباب مكتفة ذراعيها ..... مذهلة ......شعلة من الجمال الهمجي ...بقميص نومها الحريري و لونه الذهبي ..... وشعرها المجنون المنطلق في لفائف غجريةٍ تتعدى خصرها ........
( لم ترحلي .........) قالها بصوته الغامض
نظرت الى عينيه في تحدي سافر وهي ترفع احد حاجبيها في استفزاز لمشاعره الهوجاء ........ثم قالت بغرور
( لم أقرر النهاية بعد .........)
اشتعلت عيناه بها ولها .........وهو يقترب منها بخفة الفهد دون أن تتحرك هي من مكانها .... الى أن وصل اليها فرفعت عينيها المغويتين اليه ثم همست من بين شفتيها المصبوغتين القرمزيتين
( لقد استسلمت يا احمد ........)
تأوه هامسا ( يا الهي )
ثم مد يديه ليجذبها اليه مقبلا إياها بكلِ عنفِ الأيامِ السابقة .......فارتفعت ذراعيها طوعا لتحاوطان عنقه وهي تبادله عاطفته المجنونة
حتى كاد أن يفقد عقله وهو يقتحم أسوارها العالية ..........ثم حملها بين ذراعيه ليلقي بها على الفراش ذو الستائر الناعمة بينما هي تضحك ضحكة رنانة أفقدته ما تبقى من سيطرته الأخيرة ليهجم عليها ويبثها جحيم أشواقه ........
وفي غمرة هواهما المجنون همست لعينيه
( لماذا تزوجتني ؟........)
رد عليها كالمهووس ( لأنك أسرتِني أيتها السابية ....... لن أستطيع العيش بدون بعد الآن سابين )
جذبت رأسه اليها و قد انتهى وقت الكلمات ..........
.................................................. .................................................. ...........................
استيقظ من نومه الرائع على أشعة الشمس الذهبية التى تخللت أكثر أحلامه جنونا ...... لقد سقط أسيرا لسابيته , وكان هذا أروع ما عاشه يوما .......
مد يده ليجذبها اليه ينهل من عذوبتها مرة أخرى .......الا أن الفراغ البارد للأغطيةِ الحريرية هو كل ما إستطاعت يده الوصول اليه , فتح عينيه ليلتفت جانبه ..... أين هي .... لماذا لم تنتظر ليستيقظ وهي بين ذراعيه .......
عبس حين رأى ورقة مطوية على الوسادة بجانبه ... ففتحها وهو يستقيم جالسا ليقرأ ما بها ذاهلا
( لقد أخبرتك أن تتذكر حين تأتي الي متوسلا .....بأني لن أسامحك أبدا ....فأنا عدوة شرسة حين أكره ..... لكني أكثر شراسة حين أحب ......لذا فسنرحل نحن الأثنين .....فأنا أحمل طفلك بداخلي .....لا تبحث عنا يا احمد .......فلقد انتهت فرصتك التى قررت أنا اعطائها لك .........لقد كنت أكرم منك وتركت لك الهاتف ...... لكن سامحني فقد أخذت سيارتك ....... وداعا يا أحمد و شكرا على الليلةِ الرائعة لقد كنت في مزاجٍ جيد للحب .......)
سحق الورقة في قبضته صارخا بكل قوته ..... سااااااااااااابين
هل يمكن أن يكون المرء ميتا بينما هو يتنفس ........ هل يمكن أن تتوقف دقاتِ القلب فجأة دون انذار لينتظر صاحبه الموت دون أن يناله ..... بينما يبقى جالسا في تبلد منتظرا ....... ماذا ؟........
كانت عيناها جافتان .... متحجرتان , تنظران أمامهما دون أن تبصرا...........ألما حادا يمزق صدرها غصة كالصخر تكتم أنفاسها ....
ماذا كانت تتوقع ؟...... لقد انتهى زمن النهايات السعيدة و القصص الخيالية ....
بعد كل ما عاشته في حياتها , كانت قد اقتنعت أن السعادة لم تكتب لها , و تمكنت من أن تتعايش مع هذا الواقع ..... اعتادت منذ حداثة سنها أن تتعايش مع الألم .....أن تصادق الظلم لتجعله حليفها ......
حاولت تقبل حياتها , الا أن حياتها تمردت عليها ..... لتلقي بها الى أحضانه , معطية اليها الأمل , تخبرها قصة جميلة عن أميرةٍ نجت من الأشرار ....و طارت الى فارسها .... درعها في الحياة ......
نُسجت القصة جيدا ..... حتى القصر و أمير الأحلام ...... كل تفاصيل القصة حاكت لها حلما لم تكن لتصدق بوجوده ......
كل ما حولها كان يهتف لها باسما ..... ابتسمي يا حلا ..... ابتسمي .....لقد جاء يوما لتصبحي فيه بطلة الرواية .......أميرة حبيبها ...
حبيبها ......آآآه ..... حبيبها ..... كم عاما مر لتدرك أن حب عمرها كان بجوارها منذ أن فتحت صفحات ذاكرتها ......
و الآن .....الآن بعد أن اعترف لها بحبه بعد طولِ سنين ,...........تأتي الحياة لتنبهها بالا تنسى ما فات ...... وأنه لا هروب مما كان ,
لقد خدعت نفسها و محت فترة من حياتها اعتقدت أنها دفنت للأبد , لكن ها هى تبادر للخروج من وكرها كوحشٍ دميم سيفترس كل ما حاولت ترميمه .....
لكن هو .....هو .... لماذا فعل ما فعل ..... هل ليعاقبها , هل هذا انتقاما طويل الأمد .....أم أنه ببساطة لم يستطع التعامل مع كل تعقيداتها ...... كانت في داخلها تعلم أن لسعادتها معه نهاية لا محالة , فرجلا مثله مهما أحبها يوما الا إنه بمرور الوقت سيعلم أنه يستحق الأفضل , كما يرى كل من حولهما .......
6
و لقد اختار الأفضل .... سمر ..... لا يمكن أن تقارن نفسها بها أبدا ..... إنها هى المرأ التى تليق به , ولابد أنها سعت الى التعرف اليها لترى عن قرب من تلك التي أوقعت بوحش ال مهران .......
يا الهى ..... ولقد حكت لها الكثير ...... يا الهي لقد حكت لها بمنتهى الغباء عن أشياءٍ كان يجب أن تبقيها مدفونة الى الأبد , ترى هلى ستستغلها لتفضحها عند ادهم ........
إنها الى الآن لم تستخدم أي شيء ضدها ........يا الهي إن الدائرة تضيق من حولها , ....... كل ما حولها يطوف و يحارب ليبعد ادهم عنها ...... ولقد بدأ هو في الاستسلام أخيرا . اذن فلماذا تخاف ...... فلا شيء آخر يهم في هذه الحياة ما دام سيتركها .....لما الخوف مادامت ستموت في كل الأحوال .........
لكن ماذنبه هو في أن يتحمل مثل هذه الفضيحة , فحتى وإن كان سيتركها من أجل امرأة تليق به فهذا هو الأمر الصائب , لكن لن تتحمل أبدا ان تكون السبب في أي أذى له ...... أبدا ...... ولو تطلب هذا آخر نفسا في صدرها .......
(حلا .......... انظري الي وتكلمي , منذ أن نزلتِ وأنتِ شاحبة بشكلٍ مخيف )
جاءها صوت هلال الجالس بجوارها في شاحنته المتهالكة ...... يحاول التسلل من الضباب الذى يغشى عقلها .......
الا إنها لم تستطع النطق ولم تستطع حتى البكاء , عيناها نديتان لكن تأبيان البكاء لتريحاها .........
( حلا أنا الآن أشعر بالخوف فعلا عليكِ ....... مالذى حدث بالأعلى ؟...... كان يجب أن أصعد معكِ مهما اعترضتِ )
؛( حلا ..... أرجوكِ اجبيني )
صوته المختنق بمشاعرٍ غريبة كان بمثابةِ الشرارة التى انطلقت بداخلها لتصيب أعماقها في مقتل ........
لم تدري الا وهي تشهق شهقة مذبوحة لتسقط رأسها بين كفيها في نحيبٍ مخيف .... أصابه بالرعب...........
؛( حلا .......حلا ..... حبيبتي ماذا حدث لكِ )
10
حلا حبيبتي ..... هذه هي كلمة ادهم ..... كيف ستتحمل الا تسمعها مجددا ..... كيف ستحيا بدونه , لماذا الآن ؟ ......لماذا الآن ؟.......
لماذا بعد ان عرفت طعم الحب لأول مرة ؟...... لماذا ليس قبل ذلك ؟......... كيف ستتحمل الآن ؟........
ظل هلال ينظر الى نحيبها المرعب وهو يشعر بأنه يموت مع كل شهقةٍ من شهقاتها ...... لماذا ساقها الى هنا ؟... ما الذى تسبب فيه ........لحبيبته ...نعم حبيبته.........
7
مد أصابعه المرتجفة ليزيح خصلة من شعرها المتساقط فوق كفيها و وجهها ........إنها لا تشعر به أبدا ..... جسدها يرتجف للغاية و يهتز بشدة مع بكائها ......
أنزل يده ليمسك بكتفها المرتعشة يحاول بث الاطمئنان اليها , لكنها لم تهدأ بل ازدادت رعشتها و بكاؤها فمد يده الثانية ليمسك بكتفها الأخرى و هو يديرها ناحيته برفق .......ورأسها متساقط كزهرةٍ ذابلة .........
1
يا الهي ما أجملها .... حتى وهي في هذا الانهيار تثير بداخله مشاعر بدائية لم يعرفها من قبل ..........
اقترب رأسه ببطء من رأسها المنتحب الساقط ليستنشق رائحة شعرها العذبة وهو يغمض عينيه ........ لم يستطع أن يمنع همسته المخنوقة
1
( حلا ....... يالهي .....يا حلا ......)
شعرت فجأة من بين هذاينها بشيءٍ غير مفهوم ..... هناك من يمسك بها ووجهه يكاد يقترب من عنقها .......فانتفضت مذعورة رافعة رأسها لتجد عينان خضراوان يلمعان كعيونِ الهررة في مواجهة عينيها .....
توقفت أنفاسها محتبسة في صدرها و قد بدأت تشعر بدوارٍ كثيف يلف عقلها الكليل ......لكنها استطاعت النطق بتعثر
2
( اب ..... ابتعد ....ماذا تفعل )
اشتعلت عيناه اكثر وهو ينظر اليها بصمتٍ للحظاتٍ طويلة دون أن يجيبها ....... ثم همس أخيرا و هو يشدد من قبضتيه على كتفيها
( اهدئى حلا ..... ليس هناك ما تخافي منه ,...... إنه أنا هلال ........)
اتسعت عيناها و قد زاد دوارها الا انها كانت تحاول بكل قدرتها التمسك بآخر خيوط الوعي و هي تهمس بذعر
( ابعد .... يديك ......حالا )
دون شعور منه تقريبا كانت يديه تدلكان أعلى ذراعيها .... ثم همس بنظراتٍ تائةٍ في عينيها
( أنا فقط أهدئك ....... منذ ان نزلت من عند أمك و أنتِ منهارة تماما , أخبريني حلا ماذا حدث .......)
أخذت تحاول التملص من بين يديه بضعف وهي تشعر بالدوار يكاد يطيح بها ..... تاقت بشدة الى الهرب في موجات الضباب المحيطة بها , الا أن همسا بعيدا في زوايا عقلها أمرها أن تظل واعية و الا تسقط .......فهمست بضعف وهي تحاول الابتعاد عنه قدر الإمكان
(هلال ..... أريد الرجوع الى القصر .....الآن )
همس في أذنها ( ماذا لو لم أرد ان أعيدك ؟........)
5
رفعت نظراتها المهزوزة اليه و قد اتسعت حدقتاها قليلا ....ثم همست بخوف
( ماذا تقصد ؟......أنا .... يجب أن أعود قبل أن يعلم ادهم بخروجي )
لمعت عيناه لأول مرة بمشاعرٍ سوداء لم ترها من قبل ..ثم شعرت بقسوة يديه على كتفيها اكثر و هو يهمس بغضب
( ادهم ..ادهم .. ادهم , الى متى ستظلين خاضعة له بهذا الشكل , أنا متأكد أنه سبب الانهيار الذى تعانيه الآن وليست أمك أبدا , اليس كذلك )
ظلت تنظر اليه مذهولة فاغرة فمها و قد بدأ الدوار يخف تدريجيا بأمرٍ سريعٍ من عقلها الضائع ..ثم استطاعت القول أخيرا بهدوء ...
( ابعد يديك من فضلك ...........)
نظر اليها لحظة و هو يدرك فجاة ما كان يفعله ثم تركها بسرعةٍ وهو يتأوه يائسا
( أنا آسف ..... يا الهى آنا آسف , لم أقصد أن أخيفك يا حلا ....... لكن أنتِ تعلمين أنكِ أصبحتِ مهمة جدا لي , و أنا أظن أننى أصبحت أنا الآخر مهما لكِ فلا تنكري , ....... )
6
أخذت نفسا عميقا و عيناها لا تحيدان عن عينيه للحظاتٍ طويلة ..بينما قلبها يصرخ مهددا بالتوقف في أية لحظة....تلك النظرات ...تلك النظرات قابلتها كثيرا .. لا يمكن أن تخطئها أبدا ..... أخيرا قالت بصوتٍ مهزوزٍ ضعيف
( نعم ....... نعم لقد أصبحت مهما لدي )
3
اتسعت عيناه و لمعتا بشدة ثم ظهرت على شفتيه طيف ابتسامة وهو يعاود مسك كتفيها بذهول هامسا
( لقد كنت أعلم ...... لقد كنت أعلم , قلبي لم يخطئني أبدا )
اغمضت حلا عينيها بشدة و أخذت تعد في أعماقها تحاول السيطرة على الهيستيريا المتصاعدة بداخلها ثم همست بارتجاف
( هلال أرجوك ...... لا تلمسني , أنت تعلم ما ممرت به من قبل )
نزع يديه بسرعة و هو يقول لاهثا
؛( آسف ..... آسف مرة أخرى حبيبتي , لم أعد استطيع الابتعاد عنكِ للحظةٍ واحدة ........تلك الأيام التى قررتِ فيها الابتعاد عني كانت كالجحيم ......لقد اعتدت عليكِ بشكلٍ مجنون يا حلا ........هل تعلمين ذلك )
نظرت اليه بعينين ميتتين وهي تومىء برأسها بابتسامةٍ شاحبةٍ لا معنى لها ثم همست أخيرا بضعف
( هلال .... هل يمكنك أن تعيدني الى القصر ..... للمرةِ الاخيرة ..... أنا سأترك ادهم الى الأبد , أعدك )
4
أخذ هلال نفسا طويلا متعبا ثم قال أخيرا باستسلام
( بالطبع ..... بالطبع سأعيدك , و سأبقى معكِ لحظة بلحظة ..... لن أتركك أبدا )
1
أومات برأسها علامة الموافقة و هى تشعر بأنها ستفقد وعيها بين لحظةٍ أو أخرى لكنها تشبثت بآخر لمحاتِ وعيها بإرادة من حديد و هى تحاول أخذ أنفاسٍ بطيئة متتالية كما أخبرتها سمر من قبل ......سمر ..... ما الذى جعلها تتذكرها من جديد ......يجب أن تقتلعها الآن بأي طريقة من تفكيرها حتى تصل الى القصر .... وبعدها تستطيع الموت بسلام .....لكن الآن لابد أن تسيطر على نفسها ....... أمامه ....
1
كيف لم ترى ما هو واضحا لها الآن من قبل ؟.........كيف كانت بمثل هذا الغباء و السذاجة ؟.............كيف آمنت مرة أخرى هي من دون الناس لشخصٍ غريب ؟......... الن تتعلم أبدا ؟........
الآن وهو يتكلم بمنظره المهووس هذا قفز سؤالٌ مرعب فجاة الى رأسها ...... كيف علم بعنوان أمها .... كانت من الخوف و الارتباك بعد مكالمتها فلم تدرك سوى أنها استقلت معه شاحنته القديمة التى كانت أمام الباب الخلفي الصدىء ....ثم بقت صامتة ناظرة الى البعيد الى ان أفاقت على صوته وهو يعلمها بوصولهما ......
6
لا تعلم كيف قفز هذا الى رأسها في اللحظة التى رأت بريقا مختلفا لعينيه ..... يا الهي إنها تشعر بأنها على وشكِ الإصابة بنوبةٍ قلبية , لكنها لن تخذل ادهم هذه المرة , ولن تتبني أجبن الحلول كما قالت امها ........
التفتت الى هلال تبتسم بصعوبة وهى تمسح وجهها المغرق بالدموع و همست بآخر جهدها
( فلنعد الآن ..... من فضلك )
.................................................. .................................................. ............................................
كان ادهم جالسا في خضم أعماله المتعاقبة بينما يشرد بخياله بين الحين والاخر عن ذلك الأمر الذى ينتظر وصول تأكيده ....إنه يحترق بداخله , لكن لا يشعر بأي وخزٍ من تأنيب الضمير على الاطلاق .........
2
تماما كما لا يشعر بأيا منه بعد مكالمته المبكرة لايثار و التى أبلغها فيها أن تتوقف عن انتظار المبلغ الذى كان يصلها منه على مضضٍ بصفةٍ دورية ..... وذلك فقط لأنها كانت يوما ما تحمل اسم الامبراطور .....
لكن الآن لم يعد يهتم حتى وإن لم تجد قوت يومها ..... كفى ..... لا يستطيع أن يساعد تلك المرأ بعد الآن و بعد ما سمعه من حلا على وجه الخصوص .....يكفي أنه يحزم كل مقدرته بالكاد ليمنع نفسه عن أذيتها ........
كان يحاول على قدر الإمكان التركيز في أعماله منتظرا مكالمة بين لحظةٍ او أخرى , الى أن رن هاتفه لكن ما أن طالعه اسم السيدة اسراء حتى رد سريعا و أعصابه تتوتر اكثر من توتره الحالي ... لماذا تتكلم السيدة اسراء ؟.... منذ مدة و حلا هي التى تكلمه في أي شيء يخصها أو يخص القصر ..فما الذى حدث ؟؟ .....
كل قلق الدنيا فاض بداخله فقط في اللحظة التى استغرقها ليرد على السيدة اسراء التى ما أن رد حتى وصله صوتها المهتز و المشبع بالقلق .....
( سيد ادهم ........ السيدة حلا!!! ....)
هبط قلبه بين قدميه في لحظة واحدة و هو يشعر بقبضةٍ جليدية تعتصر صدره ... لكنه تمكن من النطق بصوتٍ مختنق اجش
( ما بها حلا ؟؟ ..... هل أصابها شيء ؟؟... تكلمي من فضلك بسرعة )
جاء صوت السيدة اسراء متوترا و هى تتلعثم
( إنها ..... ليست في القصر ...لقد دخلت منذ قليل الى الغرفة لاطمئن عليها حين لم تجبني , لكني لم أجدها .... فبحثت عنها في كل مكان دون أن أعثر على أي اثرٍ لها ..... لكننى وجدت هاتفها بالغرفة)
صمت لعدة لحظات محاولا استيعاب ما سمعه على وجه الدقة ثم قال محاولا السيطرة على الرعب الغير مبرر بداخله
؛( كيف ؟.. لا أفهم ..... هل خرجت ؟..... هل سمح لها حارس البوابة ِ بالخروج ؟؟.....)
أجابته السيدة اسراء بسرعةٍ و بحيرة
(لا .... لا ... لقد أكد لي أنها لم تعبر من بوابة القصر ....فبحثت عنها في كلِ جزءٍ من الحديقة ِ .... الشيء الوحيد الذى لاحظته هو أن الباب الخلفي من السور مفتوحا .....)
هدر الخوف بداخله كحلقاتِ إعصارٍ أهوج وهو لا يتمكن من حل شفرة كلام السيدة اسراء فقام من مكانه بلمح البصر و هو يرتدي سترته قائلا بانفعال
( الباب الخلفي الصدىء ؟؟.... لم يفتح هذا الباب منذ سنين .. كيف فُتِح ؟..... لن تستطيع حلا فتحه بمفردها أبدا .......)
وصله صوتها مرتجفا اكثر و هى تتلعثم قائلة
( نعم بالتأكيد .... لابد أن هناك من ساعدها ........)
وصل صبر ادهم الى منتهاه فصرخ بصوتٍ رج موجاتِ الاتصالِ بينهما
( من سيساعدهاااا ..... ولماذا تحتاج الى التسلل ؟؟.........)
أجابته السيدة اسراء مرتجفة
( أنا حقا لا أعلم يا سيد ادهم ...........أنا ...)
قاطعها صراخ ادهم المجنون
؛( أنتِ ماذا ؟؟........ كيف غفلتِ عنها ؟..... لقد كانت تحت مسؤليتك فكيف خرجت دون أن تشعري بها ؟؟؟..... إن حدث لها مكروه فلن ينجو أيا منكم من غضبي ......)
لم تجبه فقد كانت تدرك شدة خوفه على حلا و الحق أنها أيضا مرتعبة على تلك الصغيرة التى أصبحت في نفس مكانة ابنتها في الفترة البسيطة التى أمضتها معها ... وكان قلبها ينبئها بقدومِ كارثةٍ من بعيد ..... فقط تأمل الا يكون قد أصابها مكروه ......
.................................................. .................................................. .......................................
كان ادهم يقود سيارته كالمجنون يشعر بقلبه يخفق ضاربا خوفا و غضبا ........أخذ يتفادى السيارات من حوله و عقله لا يفكر سوى بما هو العمل الأحمق الذى أقدمت عليه حلا ..... كان يظن أنها قد تغيرت للأفضل كثيرا الأيام الماضية , أنها قد كفت عن تصرفاتها المتهورة و الغير متزنة ......
لكن ها هى بكل برود تتسلل بعد خروجه تاركة هاتفها وراءها ........كانا معا منذ عدة ساعات دون أن تلمح حتى بنيتها في الخروج ....ما هو المكان الذى تريد التوجه اليه سرا دون أن تعلمه ؟.......و كيف فتحت الباب ؟........
حسابك معي يا حلا سوف يكون عسيرا ......سأريكِ معنى غضبي الذى لم تعرفيه الى الآن......
, يبدو أننى قد تهاونت معكِ كثيرا و قد غركِ هذا فقررتِ أن تستغليه .........فقط حين أجدك ..... , حين أطمئن أنكِ بخير حبيبتي .........
2
فجأة برق اسم سمر في ذهنه .... بالطبع و من غيرها , قد تكون حلا احتاجت اليها فقررت الذهاب إليها و المنطقي أن تخفي الأمر عنه .........
التقط هاتفه بلمح البصر ... لحظاتٍ و كان صوت سمر الهادىء يصله فسألها بسرعةٍ و عصبية
( سمر ..... هل حلا معكِ ؟....)
وصله صوتها متحيرا قلقا ( لا ..... ليس من المفترض ان نتقابل اليوم , لماذا ؟...... هل خرجت ؟؟ )
شتم ادهم بعصبية دون مراعاة لوجود سمر معه على الهاتف ثم ضرب المقود بقبضته أكثر من مرة بعنفٍ لم يستطع السيطرة عليه ....
فقالت سمر في محاولة لتهدئة الموقف
( اهدأ قليلا يا ادهم ......... دعني أفهم جيدا , هل خرجت حلا دون أن تخبرك ؟؟)
لهث ادهم بعنفٍ و قلق وهو يجيبها هادرا
( نعم ..... نعم لقد خرجت الغبية دون أن تعلمني بمكانها تاركة هاتفها في القصر ....... إنها لا تزال تعاني أحيانا من نوباتِ الدوار ما أن تخاف أو تقلق ......ماذا لو تعرض لها أحدا وهي في هذه الحالة , كيف ستتصرف ؟.........)
1
جاءت كلمته الاخيرة صراخا كاد أن يصم أذن سمر التى قالت بعد لحظة
( كيف خرجت ؟ أنت أخبرتني أنك تشدد الرقابة عليها في داخل القصر وعلى البوابة ؟............ لقد أخبرتك مرارا أن اسلوب الإحتجاز قسرا هذا لن ينجح أبدا و ها هي خرجت بمنتهى السهولة حين أرادت ....... كم مرة أخبرتك أن تعطيها بعض المساحة و القليل من الحرية ِ لتلتقط أنفاسها التى كتمتها أنت بتعنتك ........)
لم يصدق ادهم نفسه وهو يستمع الى لهجة سمر العصبية و التى تعنفه بها لتعلمه كيف يتعامل مع حلا ..... حلا التى رباها بنفسه , لتأتى سمر الآن و تتجرأ على أن تخبره بخطؤه في التعامل معها ......
لم يتمالك نفسه حين صرخ ( سمر ....... سمر .... أنتِ تختبرين صبري في هذه اللحظة , أنا لست في أفضل حالاتي الآن ....)
2
أخذ نفسا عميقا ثم قال بهدوءٍ متوتر بشدة
( اسمعيني جيدا يا سمر ..... لقد خرجت حلا من الباب الخلفي و الذى لم تكن لتستطع فتحه بمفردها أبدا ........هناك من يساعدها .هل أخبرتكِ بشيءٍ من هذا ؟...........)
1
لم يصله سوى أنفاسا متردده بدأ القلق في التسرب اليها ..... فعلم وقتها أنها تعلم شيئا لن يعجبه ..... توترت عضلاته و تقلصت و اشتدت قبضته على المقود و همس بفحيح
؛( سمر .........كل ما تعلمينه , وحالا قبل أن أرتكب جريمة ......... )
جاؤه صوت سمر متوترا قلقا وهي تهمس
( ادهم .....سأخبرك بشيءٍ قد يكون تافها ...... لكن عدني الا تتهور ......)
فقد ادهم هدوؤه الخادع وصرخ ؛( تكلمي الان يا سمر ..............)
ظل يستمع الى صوت سمر عبر الهاتف لعدة لحظات دون أن يقاطعها ......و مع كل حرف يصله كانت وحشية مرعبة تتصاعد الى عينيه و تنفذ مع هسيس أنفاسه اللاهبة ....... حتى بات في نهاية الحوار ...... كوحشٍ حبيسٍ جائع أُطلق سراحه ..........
1
في آخر كلمات سمر التى حاولت أن تهدئه ..... أغلق الهاتف دون أن ينطق بحرفٍ واحد ثم ألقى بهاتفه من نافذة السيارة المنطلقةِ كالسهم دون أن يبالي به ...... ثم زاد من سرعة السيارة أكثر و أكثر فاندفت به كالقذيفة متجهة ....... الى القصر .........
3
.................................................. .................................................. .........................................
دخل بسيارته من البوابة بسرعةٍ عنيفة دون أن ينسى الصراخ في وجه حارس البوابة المسكين و الذى لم يفهم بما أخطأ .......لحظاتٍ بعدها و اوقف السيارة بحركة واحدة مصدرة صريرا عالٍ جدا ..... ثم اندفع خارجا منها صافقا الباب بعنفٍ كاد ان يحطم زجاجه ,
لم يدخل الى القصر بل لف حوله الى الحديقةِ الخلفية .... حيث تقبع حجرة من يعتني بالحديقة , فركل الباب بقدمه وهويدخل ليجدها خالية كما توقع .....
اندفع يدور بها كالوحش الهائج يرمي كل ما تطوله يداه حتى أنه لم ينس أن يحطم المرآة بقبضته ......الى أن وجد كومة من الأوراق على مكتبٍ صغير فذهب إليها وهو يحاول التأكد مما تراه عيناه , التقط الاوراق بين يديه لتطالعه صورة لإمرأة مرسومة بأقلام الفحم في كلا منها ...... مرة وهى شاردة تنظر للبعيد, مرة و هى مستندة على إطار النافذةِ تتطلع منها حزنٍ دل على براعة من رسمها .....أو ....دل على شدة احساسه بتلك المراة ......
أخذ يقلب صورة خلف صورة وكلها لنفس المرأة ..... التى لن يخطىء ملامحها أبدا ...... حلا .......
3
صرخ فجأة و هو يمسك الصور معا بقبضتيه ليشقهم في حركةٍ واحدة الى نصفين ثم يلقي بها أرضا لتكمل عليها قدمه التى أخذت في سحقها تماما .......
أين هي ..... أين هي ......الى أين يمكن أن يذهبا ...... هل فعل بها شيء ؟هل تجرأ ولمسها ؟.......
لم يستطع أن يتمالك نفسه من هول الغضب الأعمى و الذى أعمى بصيرته كذلك , فصرخ بشدة
( أين أنتِ يا حلاااا ........)
1
غرز اصابعه في خصلاتِ مقدمة راسه يكاد ينتزعها من جذورها و هو يلهث بعنف ثم اندفع خارجا و هو يخلع ربطة عنقه التى كادت ان تخنقه في تلك اللحظة ......
رمى سترته على أرض الحديقةِ تبعتها ربطة عنقه و هو ينوي التوجه الى السيارةِ ليقلب طرق المدينة كلها بحثا عنها ......
لكن قبل ان يتحرك خطوة واحدة ....... كانت هى واقفة امامه بعد ان دخلت من نفس ذلك الباب الخلفي ...... يتبعها ذلك الحقير الذى لا يتذكر انه رآه سوى مرتين أو ثلاث ........
تسمرت حلا مكانها تماما .....بوجهٍ شاحب و عينين ميتتين ...... وقلبٍ تخلى عن نبضاته .......
لم يكن الرعب هو الوصف الامثل للتعبير عما تشعر به في تلك اللحظة .......الهلع ربما ....ام انه تبلد من فقد القدرة على الحياة .....
كل ما تعلمه هو انها وقفت امامه متسمرة دون حركة .......لم تستطع حتى على ان تخرج نفسا مرتجفا من بين شفتيها ......
يا الهى ... لم تره يوما بمثل هذه الحالة ..... كان شعره مشعثا , ازرار قميصه مفتوحة حتى ان بعضا منها ممزق .........و عيناه ......عيناه كانتا حمراوان بلون الدم .......مخيفتان ...بل مرعبتان ... لم ينظر اليها بهذه الطريقة من قبل , حتى في اشد حالات غضبه منها سابقا لم يكن لينظر اليها بهذه الطريقة ابدا .......... نظرة عنيفة مشبعة بالوحشية ...... لكن تختلط بشىءٍ ما ...... كشعورٍ بالغدر او الطعن .......عند هذا الادراك شعرت بقلبها ينزف دما ......فهزت راسها نفيا و كانها تمنعه من الشعور بهذا الغدر .........
هزة راسها كانت الشرارة التى جعلته يفيق من سكونه الوحشي ليهمس من بين اسنانه
( اين كنتِ ؟........)
ظلت تنظر اليه برعب لا تعلم بما تجيبه ..... ان الدائرة تضيق من حولها اكثر واكثر .......ها قد سقطت كل اقنعتها .....لا مفر , لن يهدا قبل ان يصل الى كل ما اخفته عنه يوما ..... وحينها سيرميها من حياته الى الابد , ليذهب بعدها الى من تليق به قطعا .......
استطاعت ان تهمس بضعف ؛( كنت .....كنت .....عند .....)
في هذه اللحظة بالذات .... اختار الاحمق ان يتدخل لاعبا في في نهاية ايام عمره ......قائلا وهو يتقدمها
( كانت معي ......فان اردت ان تواجه احدا فلتواجهني )
14
وكانت هذه هي بداية ..... الجنون ..... جنون الوحش ..... الذى ظهر طيف ابتسامة مجنونة على زاوية شفتيه , ثم تمكن من الهمس
1
( نعم .... أنت ....لقد كنت أنتظرك )
2
فجأة اندفع ناحيته بسرعةٍ لم يستطع هلال أن يدركها حين تلقى قبضة مريعة على فكه أسقطته أرضا , ثم لم يترك له ادهم الفرصة ليستوعب ما حدث , بل هجم عليه ليمسك بعنقه بقبضةٍ حديدية بينما قبضته الأخرى انهالت على وجهه وأنفه و هو يشتم بألفاظٍ لم تسمعها حلا من قبل و لم تعرف معناها ......
1
استفاقت حلا من ذهولها اللحظي لتصرخ فجاة و هى تندفع محاولة الإمساك بذراع ادهم
( كفى ادهم ..... كفى ستقتله )
الا ان ادهم لم يبدو أنه سمعها أصلا ...الا حين دفعها بذراعه بعنف ليسقطها أرضا .......ثم استقام واقفا و مد يديه الى حزام بنطاله الجلدي فخلعه بسرعة و لف مقدمته حول قبضة يده التى رفعها عاليا ليسقط به على صدر هلال و ذراعيه اللتين تحاولان تفادي هذا السوط اللاسع المنكب عليه من كل صوبٍ كحممٍ نارية ....
4
أخذت حلا تصرخ وتستغيث و هى تغطي عينيها بكفيها حتى لا ترى هذا المنظر البشع أمامها ......الى أن سمعت وقع أقدامٍ تجري اليهم , و استطاعت أن تسمع صراخ حارس البوابة و هو يحاول الإمساك بادهم بشتى الطرق الا أنه بدا كوحشٍ هرب من أسره ليفترس كل من حوله ......فلم تستطع حلا التى كانت تصرخ و هى جاثية على ركبتيها أن نتظر لكل هذا العنف أمامها .... فقد ذاقت هي ذات مرةٍ طعم حزامٍ جلدي مثل هذا .........
فجأة شعرت يدين حديديتين تجذبانها من ذراعيها لترفعاها على قدميها و صوت ادهم يصرخ بها
( افتحي عينيكِ ....... افتحي عينيكِ يا حلا )
و كان يهزها بشدة مع كل أمرٍ حتى فتحت عينيها المرعوبتين المتورمتين و هى تشهق لتلتقط أنفاسها المذعورة ..... فصدمتها عيناه المتوحشتان وهما تنظران الى عمق عينيها و هو يصرخ في وجهها
( انظري اليه ...... انظري الى صديقك الغالي )
لفت راسها بارتعاش و عيناها متسعتان برعب حتى أبصرته ممدا على الأرض بوجهه المليء بالكدمات .......فصرخت بشدة لتغلق عينيها مرة أخرى و هى بالكاد تنطق بكلمات ٍ من بين صراخها
( لقد قتلته ...... يا الهي لقد قتلته )
1
لكن ادهم لم يجبها بل جذبها من ذراعها خلفه بوحشية ٍ وهو يقول بصوتٍ لاهث للحارس ....
( أريد أن أجده حين يسترد وعيه ...... إياك أن يهرب و الا فلتتحمل ما سيحدث لك )
2
ظل يجرها خلفه الى أن وصلا الى القصر و قد سقطت منه عل الارض عدة مرات من كثرة تعثرها حتى تمزقت ساقي بنطالها الجينز و جرحت ركبتيها , الا إنه لم يبالي ...... بدا و كأن شخصا آخر تقمص ادهم حبيبها الذى لم تره يوما بمثل هذه الوحشية و القسوة من قبل .....
كانت تكاد تجري وهى تحاول تعقب خطواته بينما أخذت تشهق باكية بعنف و قد فقدت السيطرة على نفسها تماما .....و حين تعثرت ساقطة على درجات السلم خلفه تتابعها أعين الخادمات والسيدة اسراء بذهول .... فأوقفها ادهم على قدميها ثم مد ذراعه ليحيط بها خصرها و يرفعها صاعدا السلم وهو يحملها بذراعا واحدة صارخا بصوتٍ مرعب
( الى ماذا تنظرون ؟...... اذهبوا الى أعمالكم حالا )
فتفرق الجمع جريا كل في طريقه خوفا من ذلك الوحش الهمجي الذى يرونه لأول مرة ....... وحين دخل بها الى الغرفة ألقاها من ذراعه فسقطت على الأرض , لكنها لم تبقى مكانها بل أخذت تزحف مبتعدة عن العنف الذى ستواجهه لأول مرة من ادهم و هو على هذه الصورة البشعة .......
ظلت تنظر اليه شاهقة برعب و عيناها متسعتان تكادان تسعان وجهها كله .. الا انه لم يراف لرعبها بل اقترب منها ببطء و هى تبتعد عنه زحفا اكثر واكثر ..... الى ان توقف لاهثا ثم قال بصوتٍ كالفلاذ
( أين ذهبتما ؟....... ومنذ متى وأنتما تخرجان معا ؟)
ظلت عيناها المذعورتان تتطلعان إليه بينما صدرها يعلو ويهبط بعنف .... فصرخ مما جعلها تنتفض هلعا
( أجيبي يا حلا ......منذ متى ؟)
فتحت شفتيها عدة مرات الا أن صوتها لم ينجح في الخروج كل مرةٍ الى أن قالت أخيرا بصوتٍ يخنقه النحيب
( لم نخرج أبدا ..... أبدا )
تابع استجوابه لها وبينما لم يلن وجهه أبدا ( أين ذهبتما ؟........)
لم تجد بدا و قد شعرت بان النهاية اتية لا محالة فقالت مرتعشة تستجديه ( كنت عند أمي ....... أقسم لك أنني كنت عند أمي )
هنا فقط بدأت الصورة تتضح له .... بالتأكيد ايثار .... ومن غيرها سيصيبه الجنون بعد مكالمته لها..... الا أن ملامحه لم تلين لها أبدا , فقال بصرامة مخيفة
(لماذا ذهبتِ اليها ..... وإياكِ و الكذب علي يا حلا )
دفنت وجهها بين كفيها و أخذت تنتحب بشدة و هي تدرك أنها النهاية ... فما كان منه الا ان اندفع جالسا القرفصاء بجانبها , يمسكها بقسوةٍ من ذراعيها وهو يهزها لترجع رأسها الى الخلف بشدة ثم قال بصوتٍ كنافثةِ اللهب
( ولماذا أخفيتِ عني ذلك و تسللتِ خارجة مع ذلك الحقير ...... منذ متى و أنتِ تتحدثين معه ؟ ....... أجيبي )
خف نحيبها قليلا و نظرت اليه بعينيها المنكسرتين و كأنها تودع وجهه الحبيب لآخر مرة .....ثم همست باكية
( أخبرتك ..... من قبل أن..... هناك الكثير لم تعرفه عني بعد ......... لقد ظهر جزءا من ماضي لم أردك ان تعلمه , ظننت أننى قادرة على اخفاؤه مجددا ...أردت أن أحميك و أحمي زواجنا ....شيئا سيدمر سمعتك ...لم يكن بيدي يا ادهم .. ما فات لم يكن بيدي , كنت مجبرة عليه )
سكتت وهي تعلم أنه لن يفهم شيئا من حديثها المجهول بالنسبةِ اليه ... الا إنه قال بصوتٍ مطعونٍ في صميمه
( و اخترته هو ليحل لكِ مشكلتك ؟........ بعد كل ما بنيناه معا الفترة السابقة ...... عند أول صعوبةٍ تواجهك تختارين شخصا حقيرا ليساعدك ؟.......كيف يمكنني الوثوق بكِ بعد الآن.... لقد استنفذتى كل فرصك معى...... منذ سنواتٍ عديدة و أنتِ تخذلينني دائما .... لكن هذه المرة لم تخذليني فحسب , بل طعنتني يا حلا ......بعد كل ما حاولت أن أمنحه لكِ , اخترتِ خيارا حقيرا ليساعدك على تجاوز ماضيكِ .....)
ترك ذراعيها فجأة و كأنها ستلوثه ثم انتفض واقفا ينظر اليها بوحشية ثم قال لها أخيرا بصوتٍ مخيف
( لقد أخطأتِ خطأ كبيرا ..... كبيرا جدا و أعدك أن عقابك عندي سوف يوقفك عن حماقاتك لآخر حياتك )
لكن قبل أن يتحرك وجدت الجرأة التى بعثتها خوفها من أن يورط نفسه بأى عملٍ متهور فقالت تستجديه باكية بشدة
( دعه يذهب يا ادهم ..... لا تؤذه أرجوك , لقد كان هذا خطأى )
عاد اليها في خطوةٍ واحدة ليجثو أمامها جاذبا شعرها بقسوة وهو يصرخ بصوتٍ أرعبها
1
( هل واتتكِ الجرأة على الدفاع عنه أمامي ....... هل تريدين أن أقتلك )
ثم رفع يده الأخرى عاليا .... فأغمضت عينيها رعبا و هى تشهق منتظرة نزول يده على وجهها .....
لكن مرت عدة لحظات ولم يحدث شيء ففتحت عينيها ببطء لتفاجأ بنظرة عينيه المشبعة بالألم .... هل لهذه الدرجة جرحته ....هل كان شيئا بسيطا اعتقدته يوما من الأيام أنه مجرد وسيلة للهرب من خيالاتها و وحدتها , هو السبب في ذلك الجرح العميق الذى تراه الآن في عينيه ..........
ضم قبضته بشدة ثم اندفع واقفا ليخرج من الغرفة لكن قبلا استدار اليها ليقول بصوتٍ مهين
( لن تخرجي من هذه الغرفة الا على جثتي ........كنتِ تعتقدين أنني أسجنك من قبل ...... اذن فلترى معنى السجن الحقيقي منذ اليوم)
2
ثم خرج من الغرفة صافقا الباب خلفه بعنف ... بعدها سمعت صوت المفتاح و هو يغلق الباب به ....
ظلت تنظر الى الباب في نحيبٍ صامت معذب و هى تشعر بأن عالمها كله قد انقلب الى جحيمٍ في لحظة واحدة ........
غرفة أخرى .... سادها جنونٌ من نوعٍ آخر .....وحشا آخر يدورهائجا أسيرا في قفصه .....يتوقف بعد كل خطوة لينظر حوله , عله يجدها ..ويكون ما حدث هو من وحي خياله المسحور بها ......
4
يصرخ بغضبٍ كل دقيقة ..... يركل شيئا ما كل لحظة ..... تكلم في كل مكانٍ تستطيع الذهاب اليه دون جدوى ......سأل الجميع دون أن يجد اجابة .......و كأنها تركت هاتفه فقط لتسخر من حاولاته الفاشلة ِ في العثور عليها ......
هل يبلغ عن سرقة السيارة ........ فسيارة احمد مهران الخاصة ستنقلب لها الدنيا حتى تعود اليه ....... لكن كيف ذلك و المجنونة هي التى سرقتها ..........كم سيسعد حين يأتون له بها مكبلة بالقيود ......و لو عليه لكان أحب أن تعيش خلف القطبان نتيجة فعلتها الحمقاء...
سابين .... توقف في مكانه لحظة ليهمس باسمها .....هل رحلت فعلا ....كلا هناك خطأ ما بالتأكيد , ليس بعد اللية الماضية ...لا تستطيع أن تكون بمثل هذه القسوة أبدا .....
2
ما تشاركاه ليلة أمس ليس من وحي خياله .... لقد كانت ذائبة بين ذراعيه , و عينيها .....آآآآه من عينيها , لقد حكت له الف قصة جميلة ...هل كان كل هذا تمثيلا لتنهي الفصل الأخير من تلك المسرحية الهزلية .......
نظر الى المرآة لتطالعه صورة رجلا ضخما عاري الصدر مفتول العضلات مشعث الشعر و لحيته نامية قليلا ......رجلا خرج للتو من سحر ليالي الف ليلة و ليلة .......
1
وضع يده على الجانب الايسر من هذا الصدر الصلب القاسي و هو يشعر بألما قويا بداخله .....لقد أصابته في مقتل تلك الساحرة الشريرة اذاقته سحرها متعمدة ثم هربت بما تبقى منه ,...........
4
اندفع الى الفراش المدمر ليلتقط تلك الورقة الصغيرة المطحونة بفعل قبضته ......ليطالعها عله يستطيع التصديق أخيرا.....
أنا أحمل طفلك بداخلي .........طفله ...... هل سابين بالفعل تحمل طفله .... أم أنها خدعة لتؤلمه أكثر .......
طفل من سابين ..... في وسط وحشية الغضب الذى تملكه بعثت هذه الفكرة ابتسامة خرقاء الى شفتيه ........طفلة ..... لكم يتمنى أن تكون طفلة بعينين زرقاوين و خصلاتٍ حريريةٍ سوداء .........
مجرد تخيل تلك الصورة بعث رعشة ناعمة الى قلبه المتألم ....... هل قلبه هو الذى يتألم ؟....... متى أحبها ..... وكيف .......
كان يريدها زوجة ليطوعها مبقيا على قوتها وشجاعتها ......كان يريد سحرها و فتنة عينيها ........
لكنه أبدا لم يظنه الحب ......لم يظن أن يعرف الحب مرة أخرى بعد ليال ......كيف سحرته و ألقت عليه لعنتها .... كان يظن لعنتها هي فتنتها الطاغية ...... الا إنه اكتشف الآن أنها أشد براعة و فتكا ....فقد ألقت عليه لعنة حبها ...... لكنها رحلت .... لم تعطه الفرصة ليعطيها حنانه الذى كان يدخره لها بعد أن يمرا معا بتلك المرحلة التى قررها بنفسه بمنتهى الغرور ...........
6
نظر مرة أخرى الى الورقة و هو يقرأ كلمتها ....... لكني أشد شراسة حين أحب ........
المجنونة القاسية .... أبت أن تتركه الا بعد أن تعلمه بحبها ليتلظى بنار القهر وعذاب حبها أكثر و أكثر ...........
أشد عقاب له , أن تتركه و هي تراه بهذه الصورة القاسية دون أن تمنحه الفرصة ليريها ما كان يريده لها ........
انتفض فجاة بقسوة و وحشية و عقد حاجباه ...... لماذا يتكلم بصفة الماضي ...... فقسما بالله أنه لن يتركها ترحل عنه أبدا سواءا كانت تحمل طفله أم كانت مجرد خدعة مجنونة منها ....... فوالله لو كانت تلك كذبه فسترى منه أياما أشد سوادا من التى مضت ..... لكن لن يتركها ...... الخلاصة أنه لن يتخلى عنها أبدا .... ولن يسمح لها بالابتعاد كثيرا فقد تكون مستمتعة تضحك في هذه اللحظة تظن أنها قد حققت انتصارا واهيا عليه ..........
3
لكن فلتري يا سابين من سيضحك في النهاية ..... ومن هو الذى سيأسرك في أحضانه الى آخر العمر .....
5
امسك هاتفه مرة أخرى ليطلب سيارة أخرى في الحال ثم توجه الى ارتداء ملابسه وهو يتوعد و يقسم بأغلظ الأيمان .......
.................................................. .................................................. ...............................................
ما أجمل السعادة ..... ما أروع أن تصبح زوجة , هل هناك ما يوازي بهجتها الآن و هي واقفة تطهو له .... حبيبها الغالي ...طفلها الوحيد و سيد قلبها ......فارسها المغوار .........
12
تلك الفترة مرت عليها بمباهج الحب المتوهج ....لكن أيضا لم تكن سهلة عليها , فلقد اكتشفت الكثير من طباع فارس الصعبة و التى لم تكن تدركها جيدا قبل أن يجعلها زوجته .....
فهو شديد التملك , كثير التطلب ......أناني الى حدٍ ما , لكنها دائما ما تحتويه لتتحايل على الموقف و تمتص سوء طباعه .... لقد تألمت قليلا في عدة مواقف , لكنها تعود دائما لتضمه الى صدرها قلبا وقالبا .....
لن تتخاذل الآن بعد أن نالت مبتغاها .... تعلم أن الحياة الواقعية تختلف عن حياة الأحلام الوردية , وهي بالذات لم يكن طريقها مع فارس مفروشا بالورود .....لذا فإن كانت تحتاج الى القوة سابقا ....فهى الآن تحتاج الى أضعافها .....وسيكون الصبر هو سلاحها .
2
كانت تدندن بلحنٍ ناعم وهى تتمايل على أنغامه , تحرك معلقتها في المقلاة بتراقصٍ مع تمايلها .....تستنشق رائحة ماتعده بشهية و كأنها أضافت اليه القليل من حبها ........
شعرت فجأة بيدين قويتين دافئتين تمسكانِ بخصرها , فابتسمت و هي تكمل غنائها و تمايلها بين يديه القويتين ..... بينما هو نزل برأسه ليدفن وجهه في عنقها الناعم ليقلبه بشغف باعثا رعشة مجنونه في أطرافها ......سمعته يهمس و شفتاه ملاصقتان لعنقها .......
؛( أنتِ تنوين اثارة جنوني بالكامل اليس كذلك .......أنت تتعمدين اغراق نفسك بهذا العطر اللعين )
اتسعت ابتسامتها و برقت عيناها بشقاوة و هي تقول باغرء
( هل ظننت أننى سأرحمك بعد أن عرفت سرك ...........)
ضحك بخفةٍ و هو يجيبها صوتٍ أجشٍ خافت
( لا ترحميني قدر استطاعتك........لكن اعلمي أنني سأجدك دائما بهذه الطريقة )
ضحكت و هي تميل برأسها الى الخلف مغمضة عينيها لتستند عليه ثم همست
2
( وهل تظن أنني أمانع ؟............يوم تتوقف عن البحث عني لن أكون وقتها في نفس العالم معك )
لم يستطع مقاومة جمالها اكثر وهو يديرها اليه بخفة لينظر اليها لحظةٍ و كأنه يشبع من ملامحها الموجودة في خياله قبل أن ينقض عليها مهاجما بكل أسلحته دروعها واحدا تلو الآخر .....الى أن سلمت له أخيرا معلنة انهزامها أمام غزوه الهمجي ..... لكن دون أن تنسى اطفاء الموقد خلفها ......فهي تستطيع نسيان نفسها لكن لا تستطيع نسيان وجبتها المحملة بالحب له .......
بعد فترة طويلة وهي مستلقية في أحضانه كقطة ٍ مدللة همست له بشوق ( أحبك ......)
فكانت قبلته الحانية هي الرد المعتاد الذى اعتادت سماعه دائما على كلمتها التى تمطره بها ليل نهار ... الن يأتي اليوم الذي يرد فيه بمثلها .....هل ستعيش لتسمعها من قلبه القاسي , بداخلها تعلم أنها ستسمعها يوما ما و ستنتظرها .....
مررت يدا حانية على بطنها المسطحة وهي تتخيل نمو طفلا صغيرا بداخلها ... مع أنها تعلم أن ذلك لن يحدث الا بعد أن يقرر فارس اعطائها الإذن بالموفقة ....
1
التفتت الى وجهه الحبيب المسترخي ثم لم تستطع منع نفسها من الهمس
( ألم يحن الوقت بعد يا فارس ......)
نظر اليها مقطبا جبينه و هو يسأل ( لأي شيء ؟.......)
ابتلعت ريقها و همست مترددة ( الأطفال .....)
أغمض فارس عينيه وهو يتأوه بملل قائلا ( ليس مجددا ..... الم ننتهي من هذا الموضوع بعد ؟)
عبست وقد انتابها العند هى الأخرى فقالت بحدة ( سننتهي حين تعطيني سببا منطقيا لرفضك المتعنت ...)
قست عيناه و بان الغضب على ملامحه الا إنها رفضت أن يرهبها غضبه , هذا حقها و هي تنوي الحصول عليه فقالت بشجاعة
( فارس .....لما هذا الرفض ؟)
قال لها بغضب و نفاذ صبر ( ما الذى أستطيع أن أقدمه الى طفلٍ صغير .....أنتِ ستتحملين مسؤليته بالكامل , لن أستطيع أن أساعدك بشيء,..... هل تدركين ذلك )
1
قالت له بسرعةٍ و صلابة ( أنا أعرف ذلك جيدا ..... وأنا أرحب جدا بتحمل مسؤلية ابني كاملة و بالنسبة لك فأنت لديك الكثير لتقدمه الى طفلك ... هذا ليس سببا مقنعا يا فارس )
نهض جالسا على الفراش بحدة و هو يقول بصوتٍ قاطع
( هذا الموضوع سينتهي الآن و هو غير قابل للنقاش )
فجلست هي الأخرى و هي تكاد تكتم انفعالها الشديد و هي تقول بحدة
( لحظة واحدة ... دعني أفهم ذلك جيدا ... أنت ترفض أن أتابع دراستي و ترفض أن أعمل ..... و ترفض أيضا أن أكون أم ..... لا اصدق )
قام من الفراش منفعلا و هو يقول بصرامة ( بل صدقي .....و أريد أن ينتهي هذا الجدل العقيم حالا )
صرخت سما و قد فقدت التحكم في نفسها ( بل لم ينتهي بعد .... لا أصدق مدى أنانيتك )
1
التفت اليها و عيناه المتوحشتان تكاد أن تفترسها و هو يصرخ مزلزلا الغرفة
( نعم ..... نعم أنا أناني لعين , و أنتِ تعلمين ذلك جيدا .....أنا لم أخدعكِ من قبل )
صرخت هي الأخرى ( وماذا لو أصريت على طلبي .......)
1
نظر اليها عابسا بشدة و هو يمعن في كلامها ثم قال بلهجة تهديدٍ مخيفة
( إن كنتِ تفكرين في خداعي و وضعي أمام الأمر الواقع ..... لأجدك تخبريني يوما أنكِ تنتظرين طفلا , فلا تلومي الا نفسك يا سما )
ذبحتها كلمته فهمست غير مصدقة ما سمعته ( خداعك .......)
فسكتت و قد حفر الألم معالم وجهها ... يا الهي ما أشد قسوته ..... لم تكن تعلم أنه بمثل هذه القسوة ....و الظلم ......
سابقا حين كان يصرخ بها و يأمرها و أحيانا تتطاول يده عليها .....لم يكن الألم حينها يوازي ما تشعر به الآن .... فهي سابقا كانت تعلم أن عجزه هو السبب في قسوته بينما في داخله يقبع طفل وحيد يخاف من الظلام المحيط به ........
لكن الآن ...... ترى منه وجها آخر ... وجها شرسا ..... وجها لا تستطيع أن تبرر له تصرفاته القاسية .......
وضعت يدها على فمها مغمضة عينيها و هي تطلق شهقة بكاءٍ مرير .......
1
استدار فارس ناحية باب الغرفة يسير اليه مستعينا بعصاه الرفيعة الخرقاء و التى أخذت تتخبط بكل شيءٍ في الغرفة ........
1
كانت سما قد ساعدته الأيام الماضية على عد خطواته وحفظ عدد كلا منها في كل جزء من منزلهما الجديد ليعتاد على التحرك به......لكن الآن يشعر انه نسي الأعداد التى حفظها كلها ..... حتى بات الخروج من باب الغرفة يشبه الخروج من متاهة .... خاصة حين تلاحقه شهقاتها المعذبة ......
.................................................. .................................................. ..............................................
أخذت ايثار تمشي بعصبيةٍ جيئةٍ و ذهابا .....عيناها تلمعان بوحشية وجسدها يتمايل كما تتمايل الكوبرا ...... , كعب حذاءها المسنن الرفيع و الذى يصلح لأن يستخدم كسلاحٍ قاتل يطرق على الأرضِ اللامعة بجنون ......
تمسك بهاتفها تنتظر اتصالا منه لكن دون جدوى ......
همست أخيرا بغضب ؛( ذلك الغبي .... لقد أكدت عليه أن يكلمني ...... تبا .... تبا ...إنه أخرق لا يعتمد عليه )
زفرت بحنق و هي تتخلل خصلاتِ شعرها السوداء الطويلة بأصابعها الرفيعةِ كالمخالب و المزينة بخواتم ثمينة هي كل ما تبقى لها من زمنٍ مضى ......
همست أخيرا بحنقٍ لنفسها ( لا جدوى من ذلك ...... سأكلمه أنا , أوف لن أستطيع الإنتظار أكثر )
طلبت رقمه و هي تنتظر الرد على احر من الجمر الى ان فتح الخط اخيرا فلم تصبر قبل ان تصرخ بشدة
( أين كنت أيها الغبي ...... ألم أعيد عليك أكثر من مرة أن تتصل بي ما أن تصلا )
لم تسمع سوى هسيس أنفاسا غاضبة ..... ففكرت بسخريةٍ أن هذا الصعلوك يشعر بالإهانة ... بعد أن أمنت له وظيفة في القصر .. أصبحت لديه كرامة ليعتد بها , بل و تجرأ على أن يحب زوجة صاحب القصر أيضا ...... يا له من أحمق......
اعادت عليه بمنتهى الصلف و الغرور
(المهم أخبرني ..... هل انهارت كالعادة أم أنها استطاعت الصمود؟, ... هل طلبت منك الذهاب الى ادهم ؟.......لماذا لا تجيب أيها الأحمق هل أصابك الصمم )
مع صراخها الأخير انقطع الخط ... فنظرت الى الهاتف بذهول و هي غير مصدقة لما فعله .... لقد أغلق الخط .....الحقير الصعلوك أغلق الخط ......
2
رمت الهاتف على الأريكةِ بعنفٍ وهي تصرخ كجنيةٍ شريرة ..... ثم أخذت تسير كالمجنونةِ و هي تفرك أصابعها بعصبية ......
لم تعلم كم مر عليها و هي في هذه الحالة المجنونة ...... الى أن سمعت فجأة صوت جرس الباب فعقدت حاجبيها و هي تتسائل عن هوية القادم اليها الآن .....ثم اتجهت الى الباب لتفتحه ... و بعدها و قفت متسمرة مكانها و هي تتطلع الي وحشٍ كاسر بعيونٍ شيطانية .....
8
.................................................. .................................................. .............................................
كانت سما مستلقية على فراشها بعيونٍ مفتوحة متورمةٍ من كثرة البكاء .... منذ ساعةٍ واحدة حملها فارس على جوادٍ أبيض الى عالمٍ من مشاعرٍ هوجاء دافئة أذابت قلبها ..... هكذا هي العلاقة بينهما ... رائعة جدا بل اكثر من رائعة فلماذا الآن تشعر و كأن خنجرا مسمما قد غرز في صدرها ......
لقد آلمها هذه المرة جدا , حتى أنها لا تعرف إن كانت ستستطيع نسيان ما قاله ......إنه لا يريد طفلا منها .... ببساطة لا يريد , فأعذاره واهية و أنانية للغاية ..... إن كان يحبها حبا حقيقيا لما كان قسى عليها بهذا الشكل ....
إنها تشعر بأنه طعنها في أنوثتها , ...... بالرغم من كل المشاعر العنيفةِ التى يجرها و يلقي بها فيها كل يوم , الا أن كلماته القليلةِ الآن كان لها تاثيرا أعمق و أفظع عليها كامرأةٍ تريدُ أطفالا من زوجها .......
لم تشعر يوما أنها ضعيفة مثلما تشعر الآن ......ظلت لاكثر من ثلاث سنوات قوية لا يرهبها بقسوته ......محبة لا تشك في قوةِ حبها له ....محاربة لا تضعف أبدا ..... فهل بدأت تستسلم الآن ..... في مجرد بضعة أسابيع ستنسى تعب ثلاث سنواتٍ و أكثر......
قاطع افكارها الحزينة صوت فارس و هو يصرخ غاضبا منفعلا اثناء مكالمته لأحدٍ ما ...... فانتفضت مذعورة و هي تجري اليه لتجده يلقي بهاتفه على الطاولة بغضب ....
فسألته بقلق ( ما الذى حدث يا فارس .......من كان يهاتفك ؟)
التفت اليها غاضبا و قال بانفعالٍ زائد ( هذا ما نحصل عليه بسبب عائلتك الكريمة ........)
اتسعت عيناها و نهش القلق أعماقها فسألته بسرعةٍ ( ماذا حدث ؟...........تكلم أرجوك )
قال بسخريةٍ غاضبة ( يبدو أن المجنونة أختك قد قررت فجأة بعد انقضاء شهر العسل ... أن الزواج لا يلائمها تماما فرحلت بمنتهى البرود ...... و ها هو احمد يكلمني صارخا يهدد و يتوعد إن كنا نخفيها عندنا ......... وكأن سابين تحتاج الى مساعدتنا )
ذهلت سما مما سمعته فقالت برعب
( مستحيل ....... مستحيل أن تفعل سابين ذلك لابد أن هناك خطأ ما ...... إن سابين تحب احمد جدا )
فقد السيطرة على نفسه و هو يصرخ
( حب ..... حب ...... حب ..... ألن تفيقي من أحلامك السخيفة تلك أبدا , كل شيءٍ لديكٍ تقيسينه بمقياسِ العواطف و الشيء الهلامي المسمى حبا ....و هل تعرف سابين الحب أصلا ......متى ستكبرين , يبدو أن علي تحمل عبء طفلةٍ الى ما لا نهاية )
16
شعرت و كأنها تلقت لكمة في معدتها من قسوة كلماته فظلت تنظر اليه بصمت و قد وصلتها الحقيقة التى تجاهلتها طويلا .....هو ايضا صمت تماما و كانه علم بانه فضح افكاره اكثر مما ينبغي ....
ظل الصمت يظللهما طويلا ... و كأن كلا منهما ينتظر الآخر ليبدد ما هو فيه ويطمئنه أن كل شىء على ما يرام ..... لكن لم يجرؤ أيا منهما على الكلام .....
أخيرا نطقت سما بمنتهى الهدوء و ضبط النفس
(سأكلم سابين لأطمئن عليها , لعلها تجيبني .......)
و خلال لحظة كانت تنتظر صوت سابين و القلق يعصف بداخلها .......الا ان صوتا رجوليا اجابها بانفعال , فنظرت الى الهاتف لحظة ثم ارجعته الى اذنها مرة اخرى و هي تقول بتردد
( سيد احمد ؟ أهذا أنت ؟....... لماذا هاتف سابين ليس معها ؟)
انهال عليها صراخا حادا كاد أن يصم أذنها فأبعدت الهاتف قليلا وهي تغمض عينيها.......... لكنها عادت لتفتحهما مذعورة حين شعرت بالهاتف يخطف من يدها وصوت فارس يصرخ به بجنون و توحش
( إياك أن تتحدث مع سما بهذا الإسلوب مرة أخرى ....... اذهب لتبحث عن زوجتك بعيدا عنا )
15
ثم اغلق الهاتف بعنف وهو ينظر امامه بغضبٍ اعمى ..... تعلم انه ليس بسبب موضوع سابين ابدا .....الا انها لم تهتم به الان فكل ما يشغل بالها حاليا هو سلامة سابين ..... فقالت ببرود
( انا ذاهبة الى امي ..... فبالتاكيد سابين ستعود الى شقتها القديمة )
1
شعر من لهجتها الحازمة انها تتحداه ان يرفض .........فقال ببرودٍ يماثل برودها
(ساذهب معك .........)
ثم قاطع احتجاجها و هو يقول بقسوة ( لا تجادلي ..... فأنا أعصابي لم تعد لتتحمل أي استفزاز )
نظرت اليه بقسوة ثم اتجهت لتبدل ملابسها صافقة الباب خلفها بأقصى ما تستطيع ................
.................................................. .................................................. ................................................
تراجعت ايثار بخطواتٍ متعثرة , بينما هو تقدم الى داخل الشقة ليغلق الباب خلفه ......للحظاتٍ طويلة لم تستطع ايثار النطق من شدة الخوف ...... كان منظره رهيبا بشعره الاشعث و عينيه الحمراوين ... وقميصه المفتوح الى منتصف صدره ......
2
انه على وشكِ ان يقتلها .... هذا ما استشعرته من نظراته المجنونة .....فقط نظراته هي التى اتسمت بالجنون , اما وجهه فقد بدا و كانه صنع من حجر من شدة تصلبه .......
حاولت استرداد قوتها و هى تقول بسخريةٍ زائفة
؛( لمن ادين بمثل هذا الشرف ؟........)
ظل صامتا ليزيد من رعبها ثم اجابها اخيرا بصوتٍ هادىء ارسل الرعشة الى اوصالها
( الى حماقتك في العبث معي ..........)
1
ازداد رعبها اضعافا مضاعفة بينما هوينظر اليها لا يحيد بعينيه عن عينيها الى ان قال اخيرا بصوتٍ كالفولاذ وهو يخرج شيئا من جيبه
؛( هل تعرفين ماهذا ؟..........)
نظرت الى هاتفٍ غريب في يده المرفوعة بتوجس , ثم ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تهز راسها نفيا
لكنه لم يتابع بل كل ما فعله هو أنه طلب رقما .......وسرعان ما تصاعد رنين هاتفها الملقى على الاريكة ......
سقط قلبها بين قدميها و عرفت أن لا جدوى من الإنكار ... فهى تعلم جيدا الوقت المناسب للتراجع دون الحاجة الى الإستجداء فصمتت منتظرة الآتي منه ..... فأكمل ادهم بهدوءٍ مخيف
( انتهكتِ حرمة بيتي ... وأدخلتي شخصا حقيرا ليراقب أسرار زوجتي و يتقرب منها ...... )
ظلت صامتة و صدرها يعلو ويهبط بسرعة.... ثم فجأة سقطت يده مرة واحدة على وجهها دون اي انذار و حتى قبل أن ترمش بعينيها
10
رفعت يدها لتغطي بها خدها الملتهب و هي تنظر اليه بذهول و عيناها مصعوقتان برعب .... ثم استطاعت الهمس أخيرا
( هل جننت ؟....... كيف تمد يدك الى وجهي ؟)
نظر اليها بذاتِ الهدوءِ الشرس قائلا
( احمدي ربك أنكِ أم حلا ..... حتى ولو بالإسم , لولا هذا لكان لي تصرف سيمحيكِ من على وجه الأرض , ان اقتربت على مسافة ٍ أقل من نصف المدينة من حلا فتأكدي أنكِ ستجديني أمامك )
مد يدا مفرودة اليها و هو يصرخ للمرة الأولى بشدة
( هاتِ خاتم حلا ........حالا )
1
ذهبت مرتجفة متعثرة الى احدِ الادراج لتخرجه ثم القت به بغلٍ فالتقطه ادهم بكلِ سهولة ثم استدار ليغادر ....... الا أن صوت ايثار الصارخ أوقفه وهي تقول بجنون
( ادهم ........... خذ هذا )
التفت اليها ليجدها تطوح بإسطوانةٍ صغيره لتطير و تسقط عند قدميه ..... ثم قالت بتشفي و حقد
( فلتشاهد ما فيه ..... لتعلم ممن انت متزوج )
41
.................................................. .................................................. ..........................................
كانت حلا جالسة على أرضِ الغرفة من وقتها لم تتحرك و لم تكف عن البكاء على كل أحلامها الضائعة .....و فجأة سمعت صوت المفتاح و الباب يفتح .........نظرت بهلع الى ادهم الذى دخل الى الغرفة الذى أخذ يقترب منها بخفة الفهد ..... فأخذت تتراجع الى أن التصقت بالجدار خلفها تماما برعب , رافعة ركبتيها الى صدرها و كأنها تحاول حماية نفسها من عنفه الذى ينتويه .....
نظر الى رعبها المثير للشفقة باشمئزاز ..... ثم اقترب أكثر الى أن وصل اليها , فرفعت ذراعيها لتداري بهما وجهها خوفا من بطشه
شعرت فجأة بجسدٍ ضخم هد الأرض وهو يجلس بجانبها , فرفعت رأسها بتردد لتنظر اليه و قد استند الى الحائط بجوارها ملقيا رأسه الى الخلف و قد بان التعب عليه في أشد صوره .......لكم تمنت في هذه اللحظة أن تضمه الى صدرها لتمحو تعبه , الا إنها ما كانت لتتجرأ أبدا ............
شاهدته يخرج من جيب قميصه الاسطوانة المرعبة و هو لا يزال مغلقا عينيه ....... ثم قال بصرامة
( هل هذه هي ما كانت تخيفك ؟.............)
شهقت بشدة و هي تصرخ صرخة مخنوقة و هي تتعثر في الكلام باكية بشدة
( هل شاهدت ما فيه ........... ادهم ارجوك .... لم يكن ذلك برغبتي ...... كنت مجبرة .......لم اكن ....)
لم يفتح عينيه ولم ينظر اليها بل ظل ساكنا في مكانه ثم قال أخيرا
( لم أشاهدها بعد ..... انتظرت الى ان آتي اليك ِ )
صرخت بصوتٍ أعلى و بكت بشدةٍ و ظلت تبكي و تبكي دون أن تتوقف خوفا من المصير المحتوم
(حلا ..............)
نظرت اليه برعب ثم سكتت تماما حين فوجئت به يمسك الاسطوانة بيديه ليكسرها نصفين ,, ثم أربع
ظلت تنظر الى الأجزاء المكسورة بذهول ثم شعرت به ينهض واقفا من جوارها ......ليلقي اليها بصحيفةٍ مطوية على حجرها .....انطلق بعد ذلك ليغادر الغرفة مغلقا الباب خلفه بالمفتاح
فتحت الصحيفة بيدين مرتجفتين لتطالعها صورة لشخصٍ لن تنساه أبدا .....كانت صحيفة أجنبية استطاعت تجميع الكلام منها لتقرأ الخبر الذى يذكر أن مجهولون قامو باقتحام منزل رجل أعمال شهير معروف باعمالٍ سريةٍ مشبوهة ...
و قد قاموا بتهشيم يديه ثم خرجوا مباشرة...... مما يدل على أنه فعلا الغرض منه التهديد أو الانتقام ........
ظلت تنظر بذهول فاغرة شفتيها الى الصورة ...... وفي ذهنها تطوف عبارة واحدة
كان يعلم ....... كان يعلم من البداية ............
ثم سقط فجأة شيئا لامعا من بين صفحات الجريدة الى ركبتيها ....كان ........كان خاتمها ........
تعليقات