رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3 بقلم تميمه نبيل
رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3
رواية لعنتي جنون عشقك الفصل الثالث 3
كانت سما جاثية على ركبتيها أمام ساقي ايثار الجالسة تحدق أمامها بشرود ...فحاولت مرة أخرى و هي تربت برقة على ركبتها قائلة بعطف
1
( أمي ماذا بكِ ؟.........لماذا لا تتكلمين معي ؟........ هل حدث شيء ؟......)
1
ظلت ايثار صامتة تنظر الى البعيد ....عيناها شردتان مكسورتان , حتى كادت سما الا تتعرف اليها , إنها المرة الأولى التى ترى فيها أمها بهذه الصورة ......
أول مرة لا ترى اللهب الأزرق المنبعث من عينيها ليحل محله ذلك الإنكسار الغريب .... هل بدأت ايثار الراشد تفقد قوتها .... شعرت دائما أن هذا ما لن يحدث أبدا , فايثار التى عرفتها لا مكان للضعف أو الإنكسار في قاموسها ....
مدت أصابعها لتتلمس وجنة ايثار التى ازرقت قليلا ثم همست
( ما هذا ؟......هل ارتطمتِ بشيء ؟....... هل أنتِ مريضة امي ؟ هل شعرتِ بالإغماء و سقطتِ ؟.......)
( سما نحن هنا مما يقارب الساعة ولا أسمع أي تجاوب منها .... كما أنه من الواضح أن سابين لم تأتِ الى هنا......فلنذهب )
رفت سما رأسها اليه لتنظر بغضبٍ الى قسوة ملامحه ولامبالاته ......الا أنها أخذت نفسا عميقا لتسيطر على نفسها ثم عادت لتنظر الى ايثار قائلة برقة
( أمي هل تعرفين أين هي سابين ..... احمد مهران يبحث عنها كالمجنون في كل مكان , أنا قلقة عليها للغاية ..... هل هذا ما يشغل بالك أنتِ ايضا ؟ هل أنتِ قلقة عليها ؟...اطمئني فمهما كان قلقي انا ايضا , لكني اعرف ان سابين قوية و لن تتهور ابدا )
4
قاطعتها ضحكة هازئة من فارس لم يستطع كتمها ......فنظرت اليه بحنقٍ و قالت بهدوءٍ قدر الامكان
( فارس .... من فضلك ... الا ترى أن الوضع لا يتحمل سخريتك )
انعقد حاجباه بغضب و اتخفت السخرية من عينيه و ظهرت القسوة بهما و هو يقول بغضب
( وما دخلي أنا بهذا الوضع ؟.......إن أرادت أختك الرحيل فلترحل و سيكون احمد وقتها هو الرابح .........)
لمعت عيناها بغضبٍ أشد من غضبه و لم تستطع تمالك نفسها و هي تقول محتدة
( فارس الم تستطع تقديم دعمك فلتنزل و تنتظرني في السيارة ...............الا ترى أن أمي قلقة و متعبه للغاية ؟.......)
صدرت عنه ضحكة عالية مستهزئة خالية من كل أنواع المرح أجفلتها .......ثم عاد ليقول بشراسة
( من تلك التى تقلق ؟ ....ايثار ؟؟.......يبدو أنك لا تعرفين أمك جيدا , إنها لا تملك أي ذرة أمومة .... لا تعرف معنى الكلمة أصلا .... هل تتوقعين مني أن أصدق أن تلك التى باعتك و أنتِ أكبر قليلا من طفلة و لم تسأل عنكِ بعدها أبدا ...من الممكن أن تقلق على أيا كان غير نفسها ؟........)
↚
نظرت اليه سما واجمة متألمة من شدة قسوته .....ها هو يعود لينكأ الجرح القديم , أما من حدٍ لقسوة قلبه .....الا يرى أنه يؤلمها بتطرقه للماضي .... الهذه الدرجة أحبت شخصا أعمى القلب .......
لكن قبل أن تنطق بحرفٍ واحد شعرت بايثار تنهض واقفة لتتعداها , ثم أخذت تصفق بيديها ببطءٍ شديد وهي تقول بفحيح الأفعى وقد عادت اللمعة الشريرة الى عينيها الحاقدتين
( رائع ....... رائع , أن أسمع فارس مهران وهو يقيم أدائي كأم ......تشعر الآن بأنك البطل الذى أنقذ سما الصغيرة مني اليس كذلك ؟)
اشتدت القسوة أكثر و أكثر في عينيه حتى بات شكله مخيفا وهو يستمع الى همسها الذي يبث السم في عروقه .........بينما أكملت همسها الشرس
( لكن قبل أن تتكلم بهذه الثقة فلتقم بسداد كل ديونك عن دورك في هذه الصفقة ِ القذرة )
1
أخذت سما تنقل عينيها بينهما و شرارات الغضب و الغل تتذبذب بينهما ...... تشعر ان هناك اسوا مما عرفته يوما منهما .... ابتلعت ريقها وهي تدعو الله الا تسوء الامور أكثر , فقلبها لم يعد يحتمل المزيد من الجراح .........الى أن تكلمت ايثار مطلقة طلقاتها الى صدر سما متتالية
( يبدو أنك نسيت ..... او تناسيت ......أن دورك في (صفقة الشراء ) كما تسميها ....... ينتهي في خلال ثلاث سنوات )
اتسعت عينا فارس قليلا و توقفت أنفاسه و هو يحاول التقاط أي اشارة من سما التي كانت تستمع اليهما بكل انتباه ........لكن ايثار لم ترأف بها وهي تتابع بوحشية
( ارتديت درع الفارس و خطفتها بعيدا وأنت توهمها بأنك المنقذ المغوار ........ في حين لم تخبرها أنك أنت و أباك قد اتفقتما معي على أن زواجكما لن يطول عن ثلاث سنوات أو أقل .......إن استعدت بصرك )
ذهلت سما وهي تتلقى هذا الخنجر المسموم في قلبها ثم هزت رأسها قليلا تحاول اقناع نفسها بأنها لم تسمع ما سمعته للتو ......لكن ايثار لم تعطها الفرصة بل تابعت
( لقد دفعتما ثمن ثلاث سنواتٍ من حياة ابنتي ........ و أكد لي والدك وكنت أنت حاضرا, أنها ستعود الي بعد هذه الفترة لتتابع حياتها و دراستها ...... لكن ها أنت تتفاخر و تتباهى بأنك البطل الوحيد هنا , لذا فبما أننا قد كشفنا أوراقنا ..... اذن أظن أنه من العدل أن تعترف بأن زوجة دائمة و في مثل حالتك ...هي أغلى ثمنا من زوجةٍ مؤقته استخدمتها كمسكن لأوجاعك )
1
( اخرسي .......)
انطلقت صرخة فارس المتوحشة من أعماق حنجرته ....... ثم خفض صوته وهو يهمس مترجيا
( سما ......)
كانت سما لا تزال جاثية على ركبتيها على الأرض تتطلع الي كلا منهما بنظرةٍ ميتةٍ لا حياة فيها .......صمت ......صمت .......فراغ أسود هائلا أحاط بها ........... الى أن جعلتها همسته الضعيفة تعود لتتطلع الى وجهه وكأنها تراه لأول مرة ........
قال فارس بصعوبةٍ وهو يشعر بألمها ينفذ الى قلبه دون أن تصدر صوتا
( سما ..... ليس الأمر بهذا الشكل ..... إنها مغرضة ملعونة لا تدعيها ......)
همست سما بكل هدوء و هي تقاطعه
( لا أدعها ماذا يا فارس ؟.........تخرب زواجنا ؟.........لكن حسب ما فهمته الآن , أن زواجنا قد انتهت صلاحيته منذ عدة أشهر )
همس فارس متأوها ( لا .....) الا أن سما لم تعطه الفرصة للكلام فنهضت واقفة وهي تتابع بهدوءٍ أكثر خطرا
( ثلاث سنوات ؟؟ ...... و أنا التي كنت أظن أنني أهب حياتي لشخصٍ بحاجةٍ الي ........حرمتموني من دراستي و نفيتموني بعيدا .......من أجل ثلاث سنوات فقط ؟؟............ما اسم هذا الزواج ؟..... زواج متعة اليس كذلك ؟؟.......أم زواج مصلحة ؟؟.......أم هو مجرد مسكن كما قالت امي ؟؟)
1
صرخ فارس بعصبية ( لا تدعينها بكلمة امي .......حتى الحيوانات تمتلك من الامومة يفوق ما تمتلكه هي )
15
ظلت سما واقفة أمامه تنظر اليه ...... ملامحها لم تتغير أبدا ...... لكن قلبها تحطم الى الف قطعةٍ ليسحقها بقدمه ..........
وقد كانت تظن أن حظها أهون من حظ حلا .......كانت تظن أنها قدمت حياتها في سبيل انسانٍ احتاجها يوما .......انسانا عشقته بكل جوارحها ......بينما هي كانت مجرد لعبة مؤقتة ليلهو بها فارس آل مهران .........الأسد أعمى القلب و الروح ........
بعد أن أصبح الصمت لفترة ٍطويلة هو الوحيد المسموع صوته بينهم بعباءته الخانقة قررت سما أخيرا قطعه قائلة بكل حزم
( بما أن فترة ايجاري قد انتهت يا فارس , فأنا الآن حرة تماما ....... لذا ..... فأنا سأبقى معك ........لأنك تحتاجني ......لكني سأكون مسؤولة عن كلِ قرارٍ يخص حياتي من الآن ....و أولها أنني سأتابع دراستي ......أما موضوع الأطفال فاطمئنك أنني لم أعد أريد أطفالك بعد الآن .......)
10
عاد الصمت ليسود مرة أخرى بعد كلماتها الحاسمة .......شعر فارس بعدها بقبضةٍ ثلجية اعتصرت صدره ..........فقد أصابته كلماتها في مقتل ..... سأبقى معك لأنك تحتاجني ........لا أريد أطفالك بعد الآن .........
في لحظةٍ واحدة انهارت كل أسواره العالية التي بناها حول قلبه الظالم .... طعنته بكلماتها البسيطة أكثر مما لو كانت استخدمت سكينا لتغرسه بقلبه ...بكرامته .....برجولته ....
2
احساسا فظيعا أن يشعر المرء بالعجز و الحاجة .....و ها هو أسد آل مهران يقف ذليلا مقهورا أمام شابة صغيرة , تملي عليه شروطها لتبقى معه ...... تخبره بكل وضوح أن الرابط الذى لا ينفصم و الذى كانت تترجى من أجله منذ ساعاتٍ قليلة ...أصبح غيرِ ذا اهمية بالنسبةِ اليها ......
2
إن كان هو اشتراها منذ ثلاث سنوات فقد أوضحت له الآن بكل ثقةٍ أنها على استعدادٍ لبيعه بنفس بساطة شراؤها ......ها هي الصغيرة تكبر و تملي الشروط ..... ها قد جاء يوما كان ينتظره من أول يومٍ لهما معا .... أخذ يحثها و يدفعها لتقف الآن أمامه بكل هدوئها و ثقتها ......
قال أخيرا بصوتٍ أجش قاسٍ
( وماذا لو رفضت ؟............)
صمتٍ لعدة لحظاتٍ كان كفيلا باشعال النار بقلبه و تدمير أعصابه تماما الا أنه أبى أن يظهر أيا من ذا على ملامحه القاسية ....الى أن نطقت سما بصوتٍ ورث في لحظةٍ واحدة جينات فحيح الأفاعي وهي تهمس
( اذن .......لن يكون أمامنا الا حلا واحدا .....أن نجدد عقد شرائي من جديد ...... لقد انتهت الثلاث سنوات يا فارس , فلتدفع اذن ثمن السنوات القادمة )
12
القت سما قنبلتها المدوية في المكان لتثير ذهول ايثار ...و روح غضبٍ شرسٍ هاجعة بداخله ...هل هذه هي سما فعلا من تكلمت ؟....أم أنها ايثار ؟..... أصبح غير متأكدا من الصوتِ فجأة ......لكن حتى و إن كانت ايثار ..... فإن سما لم تقفز لتمحو كلامها البشع .....اذن فما سمعه صحيح ......ودون أن يفكر مرتين قال بكل هدوء
( لا داعي لذلك ......لقد أصبحتِ بضاعة مستهلكة بالنسبةِ لي )
24
غامت عيناها فقد علمت الجواب مسبقا ..... لآخر لحظةٍ كانت تعتقد أنه سينتفض صارخا محطما جاذبا إياها .. حتى ولو من شعرها ...لكن ليخبرها أنها له و أن أيا من جنونها الذي نطقت به لن يخدعه و لن يبعده عنها ......
لكن ها هو استسلم بمنتهى الضعف .... صدقها الأعمى بمنتهى الغباء .... وكأنه كان يعيش مع أخرى غيرها لاكثر من ثلاث سنوات .....لم يعرفها يوما..... لم يشعر بحبها أبدا ........
همست أخيرا وهي تكاد تنازع الموت ( اذن لم يعد هناك ما يقال بيننا ......)
أوما رأسه قائلا بصوتٍ مختنق ( نعم ...)
ثم أكمل بعد أن أخذ نفسا محاولا به أن يهدىء من ضربات قلبه الممزقة
( سأغادر الآن ...... لا تنزلي معي سأستقل سيارة أجرة ..........البيت مفتوحا لكِ في أي وقت ....... إن أردتِ أخذ أشيائك )
ثم غادر ببطءٍ حين لم يتلقى ردا على كلماته الوقحة القاسية .... لكنها ليست اكثر قسوة من كلماتها ......غادر تاركا خلفه قطعة من قلبه ...القطعة الأحلى و الأغلى ......قطعة الحلوى التي لم يذق منها سوى طعم السعادة ...... صغيرته و أمه التى لم يرها سوى من خلال عطرها الناعم .......تلك السحابة التى ظللت أيامه بألوان الطيف .....
2
ها قد حانت اللحظة التى سعى اليها بكل جهده ..... لحظة رحيلها من حياته , بعد أن حول براءتها الى قسوةٍ اكتسبتها منه ......
ها قد دمر الشيء الجميل الوحيد الموجود بهذا العالم .......ايثار بنفسها لم تنجح في ما نجح هو ......ظلمها كثيرا فكان يغذي وحشا صغيرا بداخلها......لم يعد لديه سوى الرحيل فلربما تستعيد سماه ما دمره بعجزه و عماه .........
2
بعد أن أغلق الباب خلفه بهدوء اقتربت ايثار منها لتلمس أنهار الدموع المنسابة على وجنتها بنعومةٍ هامسة
1
( أخبرتك سابقا أنه سيعود دوما ...... من ذا الذى يستطيع الابتعاد عن سما الراشد )
رفعت سما يدها لتقبض على يد ايثار بقوةٍ كادت أن تحطم أصابعها .... ثم التفتت لتنظر اليها بعيني نمرةٍ صغيرة و هي تقول بصلابة
( حان الوقت لترحلي أنتِ أيضا من حياتي .....لقد اكتفيت منكِ ...........يا ايثار الراشد )
6
ثم رمت يدها بعيدا لتندفع آخذة حقيبتها ... خارجة هي الأخرى من هذا المكان الذي شهد اغتيال روحها ........ بيديهما معا ........
1
.................................................. .................................................. ..........................................
كان يصعد السلم بتثاقل ممسكا بسياجه .... لا يذكر يوما أنه كان متعبا مهزوما كما هو الآن .......
يوما طويلا من الألم و الإجهاد و نيران الغضب التي اندلعت بأعماقه ..... حلا التي أراها وجها لم يره الا أشد اعداؤه .... وجها كان يخفيه عمن حوله ... الوجه الخفي الذي يتسم به كل رجل من رجال آل مهران ......
قاطع صوت السيدة اسراء أفكاره السوداء و هي تقول بصرامة
( سيد ادهم .......لقد أغلقت الباب على السيدة حلا طوال اليوم دون حتى أن تعطيني المفتاح , لم أستطع حتى أن أدخل لها الطعام ....أنا لن أقبل بهذا أبدا ..... كما لن يقبل به أي شخص في قلبه ذرةٍ من رحمة )
التفت ادهم اليها ببطء ليرسل اليها نظرة كفيلة بإلقاء الرعب في قلبها .... الا إنها رفضت هذا الارهاب و وقفت أمامه بصلابة مصرة على موقفها
1
فقال ادهم بصوتٍ خفيضٍ مرعب ( سيدة اسراء .... هل تعتقدين أنه من الحكمة أن توجهي الي أي نقد , بعد أن فشلتِ تماما فيما أنتِ هنا من أجله )
ظلت السيدة اسراء مكانها بثبات ترفض أن يجرها للحديث عن هذا الشخص الذى وظفه بنفسه و قبل أن تأتي هي الى هنا
انتظرت عدة لحظاتٍ حتى تأكدت أنه يحاول التحكم بنفسه ثم قالت باحترامٍ حاسم
( سيدي ...... مهما كان ماحدث فالسيدة حلا ضعيفة للغاية وقابلة للإنكسار في أي لحظة و هذا الأسلوب سيعجل من انهيارها ... لقد اتصلت السيدة سمر اليوم أكثر من عشر مرات لتطمئن عليها , لأنها لا تستطيع الوصول اليك ..... حتى أنها كانت تنوي المجيء الى هنا لكن غيرت رأيها و بلغتني أن أوصل لك رسالة بأن السيدة حلا لن تحتمل طويلا ما يحدث و قد يحدث ما لا يحمد عقباه )
غطى ادهم عينيه بيده و هو يزفر بعنف ثم قال هادرا بعد لحظة
( لما لا تتركوني أتصرف مع زوجتي و تبتعدوا كلكم عنا ..... هل هذا طلبا صعبا للغاية ؟)
قالت السيدة اسراء بقوةٍ تحاول الدفاع عن منطقها
( لا تنسى أنك أنت من استعان بنا في البداية يا سيد ادهم )
نظر اليها بدهشةٍ وعيناه تلمعان بوحشية
( يبدو أنني أعطيتك سلطة أكثر من اللازم , فأنتِ تنسين أنكِ مجرد موظفة هنا )
قالت السيدة اسراء بنفس الحزم
( تستطيع أن تسحب هذه الوظيفة وقت تشاء يا سيد ادهم ..... لكن حتى هذا الحين فأنا أرفض أن أبقى تحت سقفٍ واحد مع السيدة حلا وهي تعامل بهذه الطريقة ...... إن حدث وانهارت أمام عيني فلن أسامح نفسي أبدا )
أغمض ادهم عينيه وهو يشعر بأنه قريب من الموت في هذه اللحظة ثم قال بعد أن أخذ نفسا عميقا
( أحضري طعام حلا الى الغرفة ......)
ثم نظر اليها نظرة قاسية لتمتنع عن الاحتجاج الذى كانت ستتفوه به , فلم تجد بدا من تنفيذ ما أمر به فشكله يوحي بأن أي جدلٍ آخر معه سينتهي بكارثةٍ أخرى و قد تتحمل عواقبها حلا , فذهبت مسرعة للمطبخ لتحضر طعام تلك المسيكنة التي لم تذق شيئا منذ الصباح الباكر
دخل ادهم الى الغرفة وقلبه يسابق عيناه في البحث عنها .. سبب كل تعبٍ ألم به منذ سنين عديدة .. صغيرته التي يتسابق الكل في محاولة خطفها منه ......
عثرت عليها عيناه وهي لاتزال في نفس مكانها جالسة على الأرض تسند رأسها على ركبتيها .... اقترب منها ببطءٍ حتى وصل اليها ثم هبط يجلس القرفصاء الى جانبها لكن دون أن ترفع رأسها فعلم أنها راحت في سباتٍ عميق من شدة التعب ...
شعر بحجرٍ مدبب قابع في حنجرته وهو ينظر الى الرأس المحني ذو الخصلاتِ الناعمةِ المنسدلة .... فمد يده ببطءٍ ليتلمس قمة رأسها بحنان و هو يشعر بقلبه يرق لها ولضعفها ....
رفعت رأسها بقلق تنظر أمامها بعينين ذابلتين متورمتين مظللتين بالنعاس و ما أن أفاقت تماما و رأت وجه ادهم القاسي أمامها حتى صرخت مجفلة قبل أن تستطيع منع نفسها .....
ذهل ادهم من تصرفها , فهو لم يؤذها جسديا لتصرخ عند رؤيتها له بمثل هذا الفزع ......حاول تهدئتها وهو يربت على وجنتها برفق مبعدا شعرها خلف أذنها ........ثم همس بجفاء
( اهدئي ......إنه أنا .... لن اؤذيكِ )
ظلت عدة لحظات في نفس نظرة الرعب الى أن غادر النعاس عينيها تماما و أفاقت على صوت ادهم الخشن فابتلعت ريقها بصعوبة و هي تنتظر ما سيحل بها تاليا ...... فقال ادهم أخيرا بنفس الجفاء
( اخلعي ملابسك لأنظف لك هذه الجروح )
للحظة لم تستوعب ما يقول .... أي جروح .....فتابع ادهم و هو يلمس ركبتها المجروحة
( لقد سقطت ِ عدة مرات ......)
نظرت الى يده على ركبتها وقد هزتها لمسته حتى الأعماق ثم عادت لترفع نظرها الى عينيه مستجدية منه نظرة من نظراته المحبة التى أدمنتها .... الا أن نظرة الجفاء الساكنة في عينيه صدمتها فهمست باسمه بضعف .........
لكنه نهض واقفا مادا يده اليها فأمسكت كفه القوية التى التقطتها لتنهض هي الأخرى على قدميها الا إنها ما أن وقفت حتى انتابها دوارا عنيفا في لحظةٍ واحدة و كادت أن تسقط لولا أنه تلقاها بين ذراعيه بسرعةٍ و حملها الي الفراش ثم همس بقلق
( حلا ..... هل أنتِ متعبة ؟...... هل أحضر لك طبيب ؟)
هزت راسها نفيا بسرعة و هي تدفن وجهها في صدره هامسة بنشيج
( لا أريد أي طبيب ...... لا أريد الا أنت , لا تعاملني بهذا الجفاء .... أرجوك )
1
ضمها الى صدره لحظاتٍ طويلة وهو يربت على رأسها برفق الى أن هدأت قليلا ثم أبعدها عنه ليحملها مرة أخرى الى الحمام فساعدها على خلع ملابسها المغبرة و طهر جروحها و بعد أن انتهت من استحمامها كان قد حضر لها ملابس نومٍ نظيفة مريحة لترتديها ....و بعد أن عادت الى الفراش وهو يسندها بذراعيه جلس خلفها و أخذ يمشط لها شعرها الطويل الى أن جاءت السيدة اسراء تحمل معها الطعام ....
2
تقابلت نظرة السيدة اسراء الحانية مع نظرة حلا المتوسلة فأومأت لها برأسها تخبرها بصمت أنها هنا و ستظل بجوارها و لن ترحل و تتركها أبدا ..... ثم وضعت الطعام على طاولة قريبةٍ حينها كان ادهم انتهى من تمشيط شعر حلا و ربطه لها فقالت السيدة اسراء بادب
( لو سمحت لي يا سيد ادهم ..... سأساعد السيدة حلا على تناول طعامها )
قال ادهم بنبرةٍ قاطعة ( شكرا سيدة اسراء .......... أنا سأساعدها , بإمكانك الإنصراف )
زمت السيدة اسراء شفتيها بغضب و هي مستاءة من هذا التعنت الا إنها لم تجد بدا من الإنصراف , خاصة بعد أن رأته يمشط لها شعرها فاطمئنت قليلا و هي تراه يعود الى ادهم الذى عهدته يعتني بحلا دائما .......
بعد انصراف السيدة اسراء وضع ادهم صينية الطعام على الفراش أمام حلا ثم دون أي كلام أخذ يطعمها بيده وكأنه يتحداها أن ترفض الطعام ......ففتحت فمها وهي تلتقط الطعام من يده مباشرة ....... كان الطاعم يبدو كقطع الأخشاب في فمها لكن ذلك لم يجعلها تتوقف أبدا ..... كيف تتوقف و هي تشعر أنها عادت للحياةِ مرة أخرى بملمس أصابعه على شفتيها ......
حين انهت صحنها كله مر بإصبعه على شفتها السفلى يمسحها ليقول بصوتٍ أجش
( يبدو أنكِ كنتِ جائعة تماما ...... لم أشعر بمرور الوقت )
ظلت تنظر اليه دون ان تجيب للحظات ثم همست أخيرا و عينيها تتوسلانِ عينيه
( لقد فقدت ثقتك ...... اليس كذلك ؟....... لقد أفسدت كل ماكان بيننا )
نظر اليها ادهم بعينين متالمتين فتابعت حلا برجاء و استعطاف
( اقسم لك يا ادهم انني لم أفعل ما يسيء اليك .......اقسم بالله )
قال بقسوةٍ بعد لحظةٍ انهارت أعصابها فيها ( لو كنت أشك للحظة واحدة أنكِ فعلتِ ما يسيء الي ... لما ظللتِ على قيد الحياةِ للحظةٍ واحدة )
عادت لتبكي من جديد بعد ان كانت ظنت ان عيناها نضبتا من الدموع و أخذت ترتجف بشدةٍ من قسوته الذى لم ترى منها الكثير بعد ...... ترى هل من الممكن أن يذيقها القليل مما أذاقها طلال .... فهي رأته قادرا تماما على إرتداء قناعِ الوحشية حين تعامل مع الحقير الذى إعتبرته صديقا يوما ما .......فمتى سيحين دورها .....
لكن الأهم ماذا سيفعل معه ؟...... كل ما يدمرها حاليا ان يتهور ادهم معه و تكون هي السبب في تورطه بجريمة ..... هل من الممكن أن يقتله بالفعل ؟..........
عاد نحيبها ليتعالى أكثر و أكثر فبدت في حالةٍ هيستيريةٍ ميؤس منها فامسكها ادهم من ذراعيها ليهزها قليلا و هو يقول بخشونة
( توقفي حالا يا حلا ..... ماذا فعلت لكِ الآن ؟؟ )
لم تستطع التوقف فرفعت كفيها لتغطي بهما وجهها ....لكنه امسك بيدها ليقول بعد لحظةٍ بقسوة
( لماذا لم تضعي خاتمك الى الآن ؟.........)
رفعت رأسها اليه و قالت بتقطع من بين كلِ شهقةٍ و أخرى
( وما ..... الفائدة ؟؟....... مادمت ستتركني ......في النهاية )
أمسك بذقنها لينظر في عينيها و هو يقول بصرامة ( فلتنسي كل هذا الهراء المتعلق بتركي لكِ ..... لأنه لن يحدث )
همست و هي ترتجف ( كيف عرفت قصة الخاتم ؟.... و ال .....الأسطوانة ؟.........بل كيف عرفت ذلك ال .......يا الهي كنت تعلم كل شيءٍ عني ..... وانا التى كنت اظن انني ابعدتك تماما عما فات ......... يا الهي )
ترك ذقنها و قام من الفراش لينظر من النافذة بأسى .. ثم قال بعد فترة
( انا أعرف عنكِ كل شيء يا حلا ...... كل ماحدث لكِ و أنتِ بعيدة عني ...... لقد جعلت ذلك شغلي الشاغل منذ ان تزوجتك و ربما من قبلها أيضا .......)
همست حلا من بين دموعها بذهول ( لم تشعِرني يوما بأنك تنفر مني .....بالرغم من أنك كنت تعلم )
قال ببطءٍ دون أن ينظر اليها ( لأنني لم أشعر بالنفور منكِ يوما ...... كنت أظن أنني أوصلت هذه النقطة اليكِ حتى باتت واضحة تماما )
ظلت تنظر الى ظهره بصمت تحاول استيعاب ما قاله الى أن تابع
( و الخاتم لم أره في إصبعك هذا الصباح حين عودتك.... وفي لحظة جنون اعتقدت أنكِ خلعته بارادتك حين كنتِ ..........., لكن بعدها علمت أنه مع ايثار )
همست وهي تبكي برعب من ردة فعله ( ادهم ...... تلك الاسطوانة , يوجد منها نسخ أخرى .........من الممكن أن تنتشر بين كل من تعرفهم , لذلك أعطيت الخاتم لأمي ...... لأن من أرسلها يريد ثمنها ........ وأنا لم يكن لدي أي مال .....)
صدرت عنه ضحكة هازئة صغيرة وو صلتها همسته المشمئزة ( كنت أعلم .........)
ثم أخذ نفسا عميقا و قال ( لا تقلقي يا حلا ..... لا توجد أي نسخ أخرى مع هذا المرسل الخفي ...... وحتى وإن وجدت و انتشرت فأنا لا أهتم .......لقد كنتِ شجاعة بما يكفي لتحملك ما سبق و النجاة منه سالمة .......لن أحاسبك أبدا على الماضي )
1
استمرت دموعها في الإنهمار على وجنتيها و هي تنظر الى ذلك الوحش الذى عشقته بكل كيانها ....و الذى لم تثق به لتأتمنه هو دون غيره ...........
كيف كانت بمثل هذا الغباء ... كيف آمنت لشخصٍ غريب .. وكيف جرحت ادهم هذا الجرح .. هل لهذه الدرجة كانت مختلة , هل لهذه الدرجة لم تستطع التمييز بين الصواب و الخطأ ....
نهضت من مكانها بإعياء و هي تتجه اليه ببطء الى أن اقتربت منه فوقفت خلفه تماما تستنشق عطر رجولته الذى أسكرها .... كيف ستحيا بدونه لو تركها ...آآآآه.... كيف ستتنفس بدونه .....
همست أخيرا بصوتٍ ضعيفٍ متوسل لا يكاد يصل الى أذنيه
(, أقسم لك أننى لم أفعل ما يخجلك مني أبدا .... أقسم لك , لقد كنت متعبة للغاية يا ادهم ... كنت أحتاج فقط الى شخص ... أى شخص ...أستطيع التحدث معه , أكلمه كالناس الطبيعين ....لم أكن في حالتي الطبيعية أبدا , كنت قد نسيت منذ زمن كيف أتعامل مع البشر .....وحين ظهر هو ....وجدت أن الأمر ليس مستحيلا , تخيلت نفسي و قد أصبحت طبيعية تماما , و أستطيع الإختلاط بالناس مجددا ...أحببت زراعة الورود .... أحببت شعورا يسمى الصداقة دون أى أغراض ....أحببت أننى لم أخافه مثلما فعلت مع كل الرجال الذين عرفتهم فتخيلت أنني قد بدأت في التعافي ....و منذ فترة وأنا أشعر أننى أتحسن أكثر فأكثر ..... فتوقفت عن التحدث اليه تماما..............الى أن احتجت لمساعدته ..............لم أستطع اللجوء اليك...... اعتقدت أننى أجنبك ما لن تستطيع تحمله ...أعرف كم يؤلمك أننى كنت لغيرك يوما ما ......كنت لا تستطيع تحمل كلماتي عما مضى ,وقد كان جزءا يسيرا مما حدث لي..... , فكيف اذا علمت بكل شيء ؟؟...لم أجد الجرأة لأواجهك بحلا التى لم تعرفها ....و التى تلوثت كثيرا بعيدا عنك .....
أنا آسفة .... أنا حقا آسفة ..........)
خرج اعتذارها الاخير كمجرد تأوه ناعم يختلط بدموعها..... بينما ظل هو موليا ظهره لها , لا يتحرك ........ يستمع الى كل كلمةٍ خرجت من شفتيها محملة بعذابها لتمزق نياط قلبه , .....إنها أطول مرة تحدثت فيها اليه .......لكنه يشعر بأنه يستمع الى انسانة غريبة عنه تماما .....ادعى كثيرا بكل صلف و غرور أنه المسؤول الوحيد عنها ....أنه هو من رباها ....أنه أخاها و أباها و حبيبها .....لكن هل فاته ان يكون صديقها ؟...... هل كان هذا مهما لديها الى هذا الحد ؟......هل أعطاها كل ما أعطاه لكن دون دعمه ؟؟ ...هل فكر فقط في ألمه هو حين كانت تبدأ في الكلام فلم تلمس منه القدرة على الإستماع اليها ..لذا لجأ الى سمر ؟؟.. رمى حمله الى من يستطيع تحمله ؟؟ صحيح أنها كانت تحتاج لمساعدةٍ طبية.......... لكن سمر شكلت لها أكثر من ذلك ........
علم من سمر عن مدى احتياجها لعلاقاتٍ انسانية في حياتها .... وهذا ما ساعد في ان تندفع اليها بكل كيانها ......
كم كان يائسا في البداية ,.متأكدا ان حلا لن تتجاوب معها ...الا أن ما أذهله هو سقوط حلا بمنتهى السهوله في أحضان سمر التى ضمتها أكثر ربما من أحضانه هو .......
هل تعلم أنه ما أن تبدأ سمر في اخباره بمدى تطور العلاقة بينها و بين حلا ........حتى يشعر بغيرةٍ قاتلةٍ تدب في أعماقه .....
هزأ من نفسه ..... وحش آل مهران يشعر بالغيرة من لجوء صغيرته لغيره ..... حتى ولو كانت طبيبة .... وحتى لو كان هو من استعان بها ....ليفاجأ بعدها باستعدادها للجوء الى أيا كان ......
1
ابتلع غصة في حلقه حين و صل الى ذلك مرة أخرى ....كيف سيتجاوز ما حدث .....إنه يعلم جيدا بالخطةِ المحكمة و التى نسجوها حولها .....لكن ما لا يستطيع أن يغفره هو سقوطها بمنتهى السهولة لشخصٍ غريبٍ حقير و من دون علمه ........
كان تائها في افكاره ... حين وصله صوتا غريبا عن صوتها ..صوتا لائما مغدورا حين همست
(لكن أنت أيضا قتلتني يا ادهم ..... ليلة أمس أعطيتني وعود حبك , اعطيتني أملا جديدا لأحيا من أجله ...... بينما أنت تخطط لقتلي دون رحمة)
التفت اليها ببطء لينظر اليها بحيرة وكأنه ينظر الى مختلة عقليا ..... فأكملت هامسة تتأوه بعذاب
( لقد علمت .... لقد علمت يا ادهم ....... لماذا أخفيت عني ؟...هل كنت تظن أنك ستجرحني ؟..... مهما كنت سأتالم فهو لا يوازي ما أشعر به الآن من غدرٍ من جهتك ......كنت أعلم في داخلي أنك تستحق الأفضل ..هيأت نفسي لذلك كثيرا .. لكنك ظللت ترفعني و ترفعني عاليا الى السماء ... ... بينما أنت ....... بينما أنت ترى من هي أفضل مني ........هل تحبها ؟.... اذن لماذا اعترفت لي بحبك ليلة أمس ؟........هل كان هذا مجرد شفقة منك ....... يا الهي .......لقد قتلتني يا ادهم )
عادت لتدفن وجهها بين كفيها وهى تبكي بصوتٍ ناعم .............بينما كان ادهم ينظر اليها عابسا و ذاهلا في نفس الوقت الى أن استطاع القول أخيرا بصوتٍ شديد الصرامة والغضب
( ومن هي تلك التى من المفترض أننى أحبها ؟............)
ازداد بكاؤها .... لكنها همست همسة واحدة لتوقفه عن انكاره و تجعله يخجل من نفسه (.... سمر ....)
ارتفع حاجباه و كذب ما سمعه للتو وهو يهمس ؛( من ؟....)
رفعت رأسها تصرخ من بين بكاؤها العالي ..( سمر .......)
اشتدت قسوة وجهه حتى بات مخيفا ... الا إنها رفضت ان يرهبها هذه المرة فأكملت تحاول البحث عن شجاعةٍ لم تعرفها من قبل
( لا تتعب نفسك بالإنكار ... لقد علمت بها ....رأيتها ... تكلمت معها .................يا الهي لكم تلائمك ......)
لم تستطع المتابعه و هى تحني رأسها باكية ..الا إنه لم يدعها للهروب بل رفع رأسها بقبضته القوية التي أمسكت بذقنها تكاد أن تحطمها ..لكنها ظلت مغمضة عينيها و الدموع تنساب على وجهها بصمت ...فقال بخشونة
( افتحي عينيكِ .......)
لكنها لم تستطع مواجهته سواء أن كان سينكر ..أو يعترف ....وعندما ظلت صامتة تبكي مغمضة العينين شد على ذقنها اكثر و هو يقول هادرا
( افتحي عينك يا حلا .......انظري الي و أنتِ تخبريني بأنني على علاقةٍ بغيرك )
فتحت عينيها وهي ترتجف لاعنة لسانها الأحمق الذى جلب هذا الموضوع الى العلن , اصطدمت عيناهما ..... اشتعلت عيناه للحظةٍ ... ثم عادت القسوة لتغلفهما وهو يقول بخشونةٍ اجفلتها
( بعد كل ما فعلته لكِ و ماحاولت ان امنحك ..... تصدقين كذبةٍ حقيرة عني .... ولا داعي لان اسال ممن سمِعتها , طالما اننا مراقبان طوال الوقت .......)
ظلت تنظر الى عينيه و الأمل يداعبها من بعيد ..... صوته ....خشونة كلامه .....ثقته .....كلها تخبرها أنه لا يحتاج للانكار , فهو ادهم مهران و إن أحب امرأة أخرى فلن يحتاج الى المداراة ليخفي الأمر ........
ابتلهت الى الله أن يكون هذا حقيقيا ......لكن سمر .... وطريقة تعارفهما .......أتكون هي من تحبه لذا أرادت التعرف الى من أسرته قبلها .......
استطاعت أخيرا الهمس بأملٍ خائف
( أتعرفها ؟....... سمر ......شابة جميلة سمراء ......)
نظر اليها و قسوته تمتزج بتقزز من مجرد أن تسأله بهذا الخنوع فقال بقسوةٍ و ارهاق
؛( و كيف تعرفتِ عليها ؟.. وأين؟.......كل مرةٍ كنتِ تخرجين فيها ؟......كل مرةٍ كانت تتركك السيدة اسراء فيها بمفردك ؟......)
اتسعت عيناها بذعرٍ و دهشة .... يا الهى ... ليس هناك ما لا يعرفه .... كيف ظنت أن بإمكانها إخفاء أي شيءٍ عنه ؟.......يبدو أنها لم تقدر ادهم مهران حق قدره .......
لكن .... لكن .... إن كان يعلم بهذا ايضا !!!.......همست أخيرا بحيرةٍ وهى تهز رأسها شاردة ....ترفع يدها المرتجفة الى جبهتها
( أنا لا أفهم ...... أنا لا أفهم ........ أنا متعبة جدا )
شعرت به يقترب منها ليمسك بذراعيها ... يسندها حتى لا تقع .....ثم اقترب وجهه من أذنها و قال بصوتٍ أجش فقد قسوته و اتسم ببعض الحنان
( حلا .......سمر ....صديقة لي منذ زمن ....إنها صديقة مخلصة وأنا لم أثق بغيرها لتساعدك ......)
3
رفعت رأسها تنظر اليه تحاول التأكد من عينيه .... عبست قليلا .... فتحت شفتيها تحاول الكلام لكنها عادت لتغلقها و قد هربت منها الكلمات ...... الى أن حاولت مرة أخرى فنجحت بصعوبة في الهمس
( أتعني أنها .......ماذا ؟؟.....مجرد صديقة أم ؟.........)
أكمل لها مباشرة دون مواراة ( إنها طبيبة .........)
تسمرت بين يديه , رافعة رأسها اليه ...تنظر الى عينيه باستعطافٍ الايكون ما سمعته حقيقيا .....لكن ما أن نظرت الى صلابة عينيه حتى أدركت الاجابة ......
لحظة واحدة قامت بعدها بدفعه بكل قوتها في صدره و هي تتأوه صارخة
( كنت تسخر مني كل هذا الوقت ..... يا الهى لابد أنكما ضحكتما علي طويلا ....... و أنا التى كنت أظن اننى حصلت على صديقة .....وكنت أظن أنك بدأت تقتنع بشفائي......... لقد خانني كل من وضعت ثقتي بهم ......يا الهي .... )
أخذت تتدفعه بقبضتيها و هي تبكي من شدة بؤسها .....لكن كأنما كانت تدفع صخرة ....و هو يحيطها بذراعيه بشدة يضمها الى صدره , شعارا بقلبه يتحطم بدلا عنها ......لم يكن يريد أن تعرف بهذه الصورة المؤذية لها .....
أمسكت يده بمؤخرة رأسها ليدفعها الى كتفه و يدفنها به بينما هي تتلوى بين أحضانه باكية بشدة حتى بدأت ساقيها تتخاذلان و شعر بها تتثاقل الى أسفل فمد يده الى أسفل ركبتيها ليرفعها بين ذراعيه بينما استمرت هي في البكاء دافنة وجهها في صدره .. تشعر أنها تريد البقاء به طوال العمر و لا تخرج أبدا الى تلك الحياةِ المرة بكل مارأته منها ......
ظل حاملا إياها بجانب قلبه الذى يضرب وجهها كمضخةٍ عملاقة ..... يشعر برغبةٍ مدمرةٍ في العودة لايثار سبب كل سوءٍ في حياتهما ليقتص منها على كل ما فات ........
أخفض رأسه ليلمس جبهتها بشفتيه محاولا تهدئة جسدها المرتعش ....حينها رفعت وجهها المتورم اليه لتنظر الى عينيه بعينين تائهتين وكأنهما تريان عالما آخر غير الذى تعيشه , ثم رفعت ذراعيها لتطوق بهما عنقه و هي تعلو بنفسها قليلا لتطبع شفتيها بقوةٍ فوق شفتيه ......
تجمد ادهم بمكانه و هو يشعر بأنها تقبله بغرابةٍ و كأنها ليست بوعيها لكنه لم يستطع منع نفسه من اعطاءها الأمان الذى تريده إن كان هذا سيخفف عنها ,وحين أنزلها على الفراش تطلع بحزنٍ الى عينيها الضائعتين ثم أخذ يربت على خصلات شعرها برفق وهو يضم رأسها الى صدره ... لكنه بعد بضع لحظاتٍ شعر بها تحاول التمادي أكثر فأبعدها عنه و همس لها بصوتٍ أجش
( نامي الآن .......)
الا إنها تعلقت بعنقه تحاول الوصول اليه بأي طريقة و هي تهمس باكية بتضرع
( أرجوك لا تتركني هنا وحيدة يا ادهم .....أرجوك ....لن أخرج من هنا إن كان هذا يرضيك لكن لا تتركني و تخرج , أنا أخاف من وحدتي هنا , أرجوك سامحني )
1
أخذ نفسا عميقا و يشعر بأنه سينهار قريبا بعد كل ما تعرض له من ضغوطٍ مؤخرا ثم همس أخيرا بخشونة
( حلا تمالكي نفسك .... أنا أيضا أحتاج الى وقت لاستطيع تجاوز ما حدث .. والى أن يحدث ذلك لا أعتقد أننى أستطيع السماح لكِ بالخروج من هنا ...... هل يمكنك تصور ما كان من الممكن أن يحدث لكِ لو تمادى ذلك القذر اكثر ...... من كان سيحميكِ وقتها .....لا أعلم ماالذى أستطيع فعله اكثر لأحميكِ من نفسك ؟...........)
اندفعت فيضانات دموعها من جديد و هي تتعلق به بشدةٍ وتقبل كل جزء في وجهه برعونة هامسة من بين قبلاتها
( لقد تعلمت الدرس هذه المرة جيدا ..... أرجوك ..... أرجوك )
جذب ذراعيها بعيدا بخشونة و هو يصرخ وقد فقد القدرة على التحمل
( هذا لن ينفع يا حلا .........لا تعاملي نفسك بهذه الطريقة المهينة )
ذهلت تنظر اليه وهو يرفضها للمرةِ الأولى .......عيناها المتورمتان متسعتان تكاد تبتلع وجهها الشاحب و شفتيها منفرجتان بأسى و كأنها تسأله وتعاتبه .......
وحين لم يستطع تحمل نظراتها المذبوحة قام من الفراشِ مسرعا و هو يتجه الى الباب ...... لكنه التفت اليها قبل أن يخرج قائلا بتعب
(لا تزيدي الضغط علي يا حلا ....., أشعر أنني لن أتحمل لوقتٍ طويل )
ثم خرج من الغرفة مغلقا الباب خلفه ......بينما ظلت حلا مكانها تتطلع الى الباب المغلق و هي ترى نفسها بصورةٍ مشوهة ....تسمع تهديده يرن باذنيها .....
↚
كانت مشاعرا مجنونة تسود هذا المكان ....... في هذه الليلة التي بدت من أطولِ الليالي على أصحابها ........غضب مدمرا يهدد بإحراق المكان , قلقا مريعا , خوفا يائسا,..........كان كلا منهم يشعر بانه على وشكِ ارتكابِ جريمة ......
كان ادهم يتطلع من النافذة المظلمة أمامه ينظر الي البعيد وقلبه يكاد يحترق بين أضلعه لا تطالعه سوى صورة حلا بعينيها المجروحتين المتوسلتين عندما نظرت اليه آخر مرة وهو خارج من الغرفة ........يا الهي .... لقد كان قاسيا معها و هي لا تتحمل القسوة أبدا .....إنه يشعر دائما أن حلا بالذات لا يصح أن يعاملها أيا من البشر العاديين بل هي تحتاج الى معاملة كلمساتِ أجنحةِ الفراشات ..... و ها هو عند أول ضعفٍ له كإنسانٍ يغضب و يتألم ......ضاعت من بين يديه للمرةِ الثانية ..........
تأوه بصوتٍ مخنوق و هو لا يدري حقا من أين يبدأ البحث ..... شعر فجأة بشللٍ في تفكيره ........من أين يبدأ ......
قال أخيرا بصوتٍ أجش ممزقٍ من التعب
( فارس ...... أخبرني مرة أخرى .... ما معنى أن سما تركتك و رحلت للأبد ....... هل هذه صدفة أن ترحل في نفسِ يومِ اختفاؤهما )
ثم التفت لينظر الى فارس الذى كان جالسا هو الآخر صامتا بملامحٍ من حجر رسم الألم زواياها فبدا كتمثالٍ لليأسِ بعينه ....قال ادهم فجأة بثورة
( لم يخبروني في القصر أن سما كانت معهما ..... بالرغم من أنك تقول أنها رحلت منذ الصباح و هى لا تملك أي مكانا آخر لتذهب اليه بما إنها ليست عند ايثار ..... فأين ذهبت بالله عليك ؟...... أشعر أن الكل يتآمرون ضدي ..... الكل يعملون على توسيع دائرة البحث حتى لا أجد حلا ...........)
كانت آخر كلماته تبدو كصراخٍ عنيف كسر حاجز الصمتِ المحيطِ بهم .......ثم عاد لينظر الى احمد و قال بصرامة
( أنا لا أراك تكلم سابين أبدا ......فلتكلمها فربما ترد عليك أخيرا )
لم يرد احمد لعدة لحظاتٍ و هو جالسا دافنا رأسه بين كفيه ..... لم يتحرك..... لكنه تمكن من النطقِ أخيرا بخفوتٍ و يأس
( هاتف سابين ليس معها ........ لقد أخذته منها منذ أول يومٍ في زواجنا )
صرخ ادهم و هو يضرب زجاج النافذةِ بقبضته ( يا الهي ........ ما العمل الآن ؟......إننا اذن لا نملك سوى هاتف سما ....لكنها لا ترد منذ اكثر من ساعة على عشراتِ المكالمات التى وصلتها مني ..................على الأقل تركت الهاتف مفتوحا , وكأنها تطمئننا عليهن بهذه الطريقة ...... أنا أفهم سما جيدا انها تعطيني اشارة بانهن سالمات)
عبوس طفيف كسا ملامح فارس المتحجرة و قد طعن الالم فؤاده و هو يسمع من ادهم بأنه يفهم سما جيدا .....الكل يفهم سما فهي شفافة كنسيم البحر .....لكنه الأعمى الوحيد الذى لم يفهمها يوما ......بل لم يشعر بها أبدا ..... بكلِ حماقةٍ وغرور ظن أنه أعطاها كل ما حلمت به .......لكنه اليوم وفي هذه اللحظة يعلم أنه لم يعطها الا ما تستطيع الريح أن تبعثره في طرفةِ عين ..... بينما هي أعطته كل حياتها الفتية ..... ضحت من أجله بكل ما استطاعت ......لونت حياته و أدخلت اليها الابتسامة التى كانت قد نسيت طريقها الى شفتيه ......
و ها هو الآن يجلس أمام ادهم صاغرا مستسلما بينما يعلم ان صغيرته هي الأمل الوحيد في العثورِ عليهن ...... وها هي تعلمهم بهذا......فقط رنات هاتفها هي الصلة الوحيدة بينهما ......هي موجاتٍ تصل من قلبه الى اذنيها ...... حتى وإن كانت من ادهم .....فهو لا يملكِ الجرأة الآن لمكالمتها فقد تغلق هاتفها ...... الأمل الوحيدِ لديهم .......و لديه على وجه الخصوص ........
مرت هذه الليلة بسوادها الخالي من ضوءِ القمر الى أن أطل الشروقِ عليهم و هم غارقين باتصلاتهم على كافةِ المستويات.......و العمل على تعطيل أي احتمالٍ أحمق لسفرهن خارج المدينة ........لكن دون جدوى .........
مرت ساعتِ الصباحِ الأولى و انطلق كلا من ادهم و احمد ليبحثا في كلِ مكانٍ دائرين بنفسيهما على أملٍ واهي في العثورِ عليهن ......
و لكن مر اليوم بطيئا شاقا طويلا دون أن يعثر لهن على اثر ....... لو كانت حلا و سما وحدهما لما استطاعتا الابتعاد بعيدا .....لكن و بما أن سابين معهما فإن فرصة العثورِ عليهن تكاد تكون شبه مستحيلة ........
و حين حلت الليلةِ الثانية كانو مجتمعين صفر اليدين بعد بحثٍ طويل .............لم يستطع أيا منهم الكلام أبدا ..... كلا منهم جلس في زاوية بعيدةٍ عن الآخر ...... و كأنه يلوم الاثنين الآخرين قبل أن يلوم نفسه .......
عاد ادهم مرة أخرى الى مكالمة سما ..... رنين ..... رنين ...... دون رد .......أخيرا بعث بالحلِ اليائس الوحيد متمثلا في رسالةٍ صغيرة
( سما .....صغيرتي , أرجوكِ دعيني اسمع صوت حلا ...... لم أرجو أحدا من قبل , لكن من أجل أن أسمع صوت حلا في هذه اللحظةِ أنا مستعدا للتوسل .........إنها متعبة للغاية يا سما و أنا الوحيد الذي يعرف كيف يتعامل معها ....... إن كنتِ حقا تخافين عليها دعيني فقط أسمع صوتها .......)
بعث برسالته وهو يعلم أن لا فائدة مما يحدث ......بالطبع العشراتِ الآن يبحثون عن سيارة احمد مهران ....العشرات يبحثون عن سابين .... أما حلا و سما فليستا بنفس المعرفةِ بين الناس ...... لذا فليس هناك الكثير مما يستطيع فعله ......فقط البقاء هنا منتظرا أن يرق قلب سما عليه ........
عاد ليرن لسما مرة اخرى و هو يبتهل ان ترد عليه هذه المرة ..... رنين ....... رنين .......ثم فجأة سمع صوت فتح الخط .......
قام من مكانه صارخا باسم سما فارتفع رأسي احمد و فارس بحدة و قام احمد اليه جريا يحاول أخذ الهاتف منه الا إن ادهم استدار الى الناحية الأخرى وهو يتشبث بالهاتف و يهدر بكل لهفة للصمت المقابل من الطرف الآخر
( سما ...... سما صغيرتي أين أنتن ........سما أجيبيني هل حلا بخير ؟..... أريد أن أسمع صوتها على الأقل يا سما أرجوكِ صغيرتي )
لم يسمع أي رد لكنه حين صمت من هذه الثورة الجامحة تمكن من سماعِ صوتِ أنفاسٍ لاهثة تخرج بصعوبة مع نشيجٍ صامت ......
سقط ادهم بكل ِ قوته على الكرسي خلفه وهو يهمس مغمضا عينيه
( حلا .........)
لم سمع ردا ....فقط أنفاسها التى كاد يشعر بدفئها يلامس اذنه ...... كيف يخطىء أنفاسها .... إنه يحفظها عن ظهرِ قلب .....
للحظاتٍ طويلة ظل يستمع اليها .... الى أنفاسها التى لامست وجهه و شفتيه من قبل حتى أنه يعرف مذاقها ....... أناتها الضعيفة الآن تبدو و كأنها كلماتِ عشقٍ و غرام بعد أن اطمئن أنها بخير ........
ظل مغمضا عينيه يتذوق كل نفسا يسمعه و على شفتيه طيفِ ابتسامةٍ حزينة .... بينما احمد و فارس يكاد نفاذ الصبر و القلق ان يقتلهما .........
أخيرا همس ادهم دون ان يفتح عينيه
( هل أنتِ بخير يا حلا ؟............)
لم يسمع ردا مرة أخرى لكن تنهيدة حزينة أعطته الجواب فابتلع ريقه و فتح عينيه و تابع هامسا
( هل هنت عليكِ يا حلا ؟......... كيف استطعتِ الرحيل عني بهذه السهولة ؟...... من يتحملني حين أصبح مجنونا غيرك حبيبتي ؟ ......أخبريني أين أنتِ حبيبتي حتى آتى و آخذك .......)
تعالت التنهيدات حتى اصبحت شهقاتٍ خافته فحاول باستجداءٍ اكثر حتى لا ترتعب و تغلق الخط
( حلا ......صدقيني لن أمسك بسوءٍ أبدا صغيرتي , فقط أخبريني أين أنتِ ؟........ يكفيني فقط أن تعودي الى أحضاني سالمة ......فقط أخبريني لا تتركيني أعاني هكذا ............)
فجاة سمع صوتا صارما من الطرف الآخر يأتي من بعيد ثم أختفت أنفاس حلا الباكيةِ و حل محلها صوتا صلبا هدر في اذنه
( ماذا تريد منها بعد الذى فعلته ؟........ الا يكفي الحالة التى وصلت لها بسببك , حذرتك مرة من قبل يا ادهم مهران الا أنك لم تهتم .....الآن و قد ضيعتها من يدك للمرةِ الثانية فلا تلم الا نفسك ........ حلا ... لن ... تعود اليك )
شددت سابين على آخر ثلاث كلمات مما جعل ادهم يقوم من مكانه صارخا كالمجنون
( سااااابين ..... اقسم ان اقتلك ......ان لم تخبريني أين أنتن حالا ........ , لو كانت لديكِ ذرة شجاعة لكنتِ انتظرتي حتى تواجهيني بدلا من ان تخطفي حلا و انا غير موجود ............)
لكن قبل ان يسمع حرفا و احدا كان احمد قد اختطف الهاتف من يده بعنفٍ و وضعه على اذنه ليسمع صوتِ ساحرته الشريرة التى دمرت العالم من حولهم جميعا ....فوصله صراخها الشرس الذى اشتاق الي جنونِ نبرته
( فلتفعل اقصى ما عندك يا ادهم مهران ...... لو كنت انت الذى تملك الشجاعة لواجهت ندا يماثلك قوة بدلا من التجبر على حلا التى لم تخرج من محنتها الى الآن ...... لكن ها أنا ذا خير ندٍ لك ..... و لتخبر المجنون الآخر أن سما لن تعود اليه ولو على جثتي.......لقد تركتكم تعبثون كثيرا يا آل مهران .......و كان خطأ كبيرا منكم أن تمسو شيئا يخصني ...... فإن لم تعلمو بعد .....أنا ..ساااابين ...الراااشد )
( أنا أحبك .......)
قاطعت هذه الكلمة الهادئة صراخها المجنون لتصمت تماما و هي تتحقق من الصوتِ الغادر ....فتابع احمد قائلا بشغفٍ لم تسمعه منه من قبل
( لم تعطيني الفرصة لأقلها لكِ من قبل ...... كنتِ كشوكةٍ في خاصرتي في كلِ مرةٍ أراكِ فيها ....... لقد ذكرتي لي في ورقتك السخيفة أنكِ اكثر شراسة حين تحبين ....... لكنك لا تعلمين بعد كيف أكون أنا حين احب ........و بالأخص حين تهرب مني حبيبتي .......لذا فسأخبرك بكلِ هدوءٍ يا سابين ......فلتتعقلي و تعودي انتِ و شقيقاتك بكلِ أدب قبل أن أعثر عليكِ ... ووقتها ستعرفين كيف أكون شرسا حقا حين أحب )
وصله بعد فترة الصوت الناقوسي المذهل وهو يقول بكل إغراء العالم
( يال غرورك يا احمد مهران ......تقف مكانك ولا تملك أي ورقةٍ لتلاعبني بها , ومع هذا تأمرني بكلِ ثقةٍ أن أعود )
ظهرت ابتسامة شيطانيةٍ على شفتيه و هو يهمس
( ستعودين يا سابين .... وبنفسك ....قبل أن أصل اليك ِ )
ردت سابين بهدوءٍ ينافس هدوءه ( في أحلامك .......يا زوجي العزيز ) ثم أغلقت الخط .......
نظر كلا من ادهم و فارس الى احمد و اعصابهما تكاد تحترق انتظارا فقال اخيرا (؛ لقد أغلقت الخط .........)
استدار ادهم صارخا و هو يغرز أصابعه في خصلاتِ شعره بعنف بينما عاد فارس ليرتمي على الكرسي خلفه و هو يشتم .....
رمى احمد الهاتف و قد غادره هدوءه الزائف و عاد الغضب ليملأ كيانه بعد أن كاد يستسلم لرفرفاتِ صوتِ الشريرة و هو يداعب اذنه ..جالبا اليهِ ذكرياتٍ ليست في وقتها أبدا .........
عاد ادهم لينظر اليه مرة أخرى نظرة اتهام و هدر فيه ( هل يمكن أن تخبرني كيف سنتصرف الآن ؟........من المؤكد أنها ستأخذ الهاتف من سما أيضا ........)
نظر اليه احمد بوجوم لا يعرف ردا لسؤاله و اقسم بينه وبين نفسه أن سابين ستتلقى منه ما لم تره في حياتها ....... فقط حين يجدها ....
أغمض ادهم عينيه بيأس وهو يحني برأسه و يستند بكفه على الحائط و همس بتعب
( إنها لا تعلم حالة حلا ...... لا أحد يعلم كيف يتعامل معها غيري , ماذا لو انهارت من جديد ؟.........قد تؤذي نفسها عن قصد , أنا أعلم ...... يالهى لقد أغلقت عليها كل ما استطعت أن أغلقه , وها هي تتسرب بعيدا مرة اخرى .........)
اقترب منه احمد ببطء ثم ربت على كتفه و قال بصوتٍ مهزوز يحمل في طياته الكثير
( لا تخف عليها .........إنها مع سابين )
نظر اليه ادهم بوجوم ثم قال بغضبٍ مكتوم ( ومتى كانت سابين تعلم عنها أي شيء ؟.. متى كان أي أحد يعلم عنها أي شيء أو يهتم لها )
نظر احمد الى عمق عينيه و رد بثقة مختنقة في صوته المكبوت و ابتسامة شاردة ترتسم على شفتيه
؛( اذن فقد جاء الوقت لتتعلم من سابين ...... أنت لا تعلم سابين جيدا ....إنها قوية كنمرة , محاربة لا تهزم , شجاعتها لم أرها على غيرها ........... رقيقةٍ كطفلةٍ مشاغبة .........ناعمةٍ كوردة بيضاء , مجنونة كساحرةٍ تطير على مكنستها ..........)
نظر اليه ادهم وقد عقد حاجبيه وهو لا يصدق أن احمد مهران هو الذى يتكلم ...ثم قال أخيرا بغضبٍ يكاد أن ينفجر
؛( آآآآآ.......أكره أن أقاطع لحظات عاطفتك الجياشة ...... لكني الأن أبعد ما أكون عن الحاجةِ الى سماعِ غزلٍ يخص تلك ال ........يخص سابين ....... لو تكرمت )
نظر احمد اليه نظرة مريرة و قال بحزم
( ما احاول قوله أنك ستكون محظوظا لو استطاعت حلا التقاط بعضا من قوة سابين ........وهذا على ما يبدو ما فشلت أنت في تقديمه لها ......)
لمعت عينا ادهم بوحشيةٍ ومد يده بقبضةٍ من حديد ليمسك بذراع احمد و هو يقول هادرا
(كيف تجرؤ على انتقاد تصرفي ...... وماذا عنك و عن تصرفك الحقير مع سابين .......اذا أتيت للحقيقة فإنك أنت السبب الرئيسي الآن فيما نحن جميعا فيه )
ابتعد احمد عنه وهو يزفر بعمقٍ و قال بعد فترة و الغصة في حلقه
؛( هناك أشياءٍ .........لم أستطع تجاوزها )
صمت ادهم ولم يجد القدرة على الرد فهو يعلم جيدا ما يقصده احمد , فهو أيضا لم يستطع تجاوز الكثير من الحواجز بينه و بين حلا ...لذا فليس من حقه أن يضغط على احمد اكثر من اللازم .......خاصة و أن تحت واجة الهدوء الظاهرة عليه , يكمن بركانا على وشكِ الانفجار ........فهو احمد مهران و هو يعرفه اكثر من الجميع .......
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت حلا مرتمية على فراشٍ تبكي بشدةٍ بعدما انهت سابين المكالمة بينها و بين ادهم بكل ِ قسوة ......يا الهي ما أقساها ......الم يعرف قلبها الحب أبدا ........
كانت ستموت حين سمعت صوت ادهم الحبيب يتسلل الى اذنها ....حبيبها الوحيد و حصنها الدائم ........شعرت بأن الروح قد دبت فيها من جديد حين سمعت صوته ... يالهي لم تكد تمر ليلة وها هي تكاد تموت بدونه ......
أخذت تشهق عاليا وهى تتكور حول نفسها , حين شعرت بقبضةٍ كالحديد على ذراعها ومخالبٍ مؤلمة تتشبث في لحمها لتجذبها حتى أجلستها .....ثم اتاها صوت سابين يهدر في اذنيها
؛( الم امنعك من مكالمة أيا منهم .....اليست لديكِ ذرة من كبرياء ؟......الم تكتفي بمافعله بكِ بعد.......لقد تجاوزت شعوري بالشفقة ناحيتك حتى أصبح اشمئزاز من ضعفك المخزي )
أسقطت حلا رأسها مغمضة عينيها بشدةٍ وهي تبكي و تشهق بصوتٍ عالٍ تحاول التلوي من بين يدي سابين حتى تفلت منها وتغلق اذنيها بكفيها , لا تريد أن تسمع رأيها ...... رأيها الذى تعرف بداخلها انه حق اليقين .....
لكن سابين لم تمنحها الفرصة للهرب من الحقيقة وظلت متمسكة بها بوحشية وهي تعلو بصوتها فوق صوتِ شهقاتِ حلا
(كم من الذل يجب أن تتحملي حتى تنتفض روحك رفضا لما تلاقيه من هوان ......في المرةِ الاولى كان لكِ عذرك نوعا ما فقد كنتِ صغيرة و كانت ايثار تسيطر عليكِ بشكلٍ ميؤوس منه ..... أما الآن فما هو عذرك ؟..... أنتِ امرأة ناضجة في الخامسةِ و العشرين , والى الآن لا تستطيعين اتخاذ قرارا يخصك بمفردك ......تتحملين ذله لكِ من أجل أن تظلي تابعة لظلِ أحد .... أي أحد ..... كما تعودتِ دائما )
صرخت حلا بشدة و وجهها يكاد ينفجر من شدة احمراره و تورمه ( كفى ..... كفى ..... لا أريد أن أسمع )
الا أن سابين ظلت على اصرارها و هي تصرخ اكثر
( الم تتعلمي من زواجك الفاشل الاول ؟..........لتبيعي نفسك مرة ثانية )
صرخت حلا بشدةٍ و هي تدفع سابين في صدرها حتى تمكنت من الافلات من بين يديها ثم استمرت في دفعها و قد فقدت السيطرة على نفسها تماما وهي تصرخ بلا توقف
( و ما أدراكِ أنتي بزواجي ......ماذا تعرفين عنه ..... كلا منكن سارت في طريقها دون أن تسأل عني ...... كنت أغيب لفتراتٍ طويلةٍ و أنا أنتظر أن تظهر أيا منكن لكن دون جدوى .......لقد ذقت كل أنواع الألم , ألما لم تكوني لتتحمليه أبدا و انتى تكلميني بكل هذا الاشمئزاز الآن ......هل ذقتي طعم الضرب مرة ؟...... الضرب بحق حتى تتذوقي طعم دمك ....... حتى سمعين صوت إحدى عظامك وهي تكسر .......حين تجبرين على الانحناءِ لتقبيل قدمي الذى يفعل بكِ كل هذا .......و الآن تأتين بكل ثقةٍ و تسأليني إن كنت أمتلك ذرة كرامة ؟...... لقد نسيت معنى هذه الكلمة أصلا .......)
صمتت حلا وقد هدها البكاء فدفنت وجهها بين كفيها لتفرغ كل آلامها بينهما , بينما أخذ جسدها يرتجف بشدة
ظلت سابين نظر اليها بصمتٍ للحظاتٍ ثم لم تتمالك نفسها فجذبت حلا من شعرها لتدفن وجهها المتورم من البكاء في صدرها وهي تحاوطها بذراعها الأخرى بشدةٍ كادت أن تحطم ضلوعها ........ استمر ارتجاف حلا طويلا بينما سابين تشدد من احتضانها اكثر واكثر و دموعٍ غادرةٍ بدأت في التجمع بعينيها المتوحشتين.......
الى أن سمعت صوت حلا ينفذ من صدرها مختنقا و هي تقول من بين عاصفة بكائها
( لقد آذاني كثيراااااا...... لقد كنت أنتظر أيا منكن كل ليلةٍ حتى فقدت الأمل فلم أعد انتظر الا شروق الشمس .........لو .... لو كان ادهم يعلم ما يحدث لي لكان طار الي و انتزعني منه .......فقط لو كان يعلم .........لم يفعل لي أحدا مثلما فعل هو أبدا .........)
استمر بكائها طويلا الى أن نشجت عدة مرات , بينما سابين تشعر بأن نشيجها ينفذ كخنجرٍ الى صدرها وهي تتذكر كلماتِ عماد الراشد الذى أوصاها بحلا بالذات .... و كأنه كان يشعر بما سيحدث لها .......لقد ارتاح بالا يرى ابنته وقد أصابها كل هذه الفظاعة و ال...... .......سقطت دمعتان خائنتان على وجنتيها لم تستطع منعهما ........أين كانت ؟......أين كانت وتركتها ؟...... شغلت نفسها بالنجاةِ من أسرةٍ مختلة ........وتركت حلا تواجه مصيرها مقنعة نفسها بأنها هي من اختارت طريقها فلتتحمله اذن .........تعاقبت الدموع على وجنتيها اكثر ..........
شعرت فجأة بأن حلا تشهق بشدة ٍو كأنها تلتقط أنفاسها بصعوبة فرفعت سابين وجهها وهي تمسكه بين كفيها لتربت بقوةٍ على خدها و تقول بصرامة ٍ مختنقة وراء دموعها
( خذي نفسا عميقا ..........هيا مرة أخرى , اهدئي )
نفذت حلا ما تقوله سابين تلقائيا الى أن خف ارتجافها قليلا و باتت أنفاسها تخرج كشهقاتٍ ممزقة من التعب
بعد لحظاتٍ طويلة ٍ وهما على هذا الحال تمكنت حلا أخيرا من رفع عينيها الى عيني سابين و همست بضعف و دموعها تجري كالانهارعلى وجنتيها
( أنا احبه ....... أنا أحبه يا سابين ولا أستطيع الحياة بدونه ......... أرجوكِ أعيديني اليه ..... لا أملك القدرة على الخروجِ وحدي )
صمتت وقد خنقها بكاؤها من جديد فاحنت رأسها ......لحظة واحدة و سحبتها سابين من ذراعيها و هي تقول بصرامة
( تعالي ......)
جرتها خلفها حتى وصلت الى المرآة أمامها ثم وقفت خلف حلا و قالت بنفس الصرامة
( انظري الى نفسك ....... ارفعي رأسك يا حلا و انظري لنفسك قبل أن أفعل أنا رغما عنكِ .........)
رفعت حلا رأسها ببطءٍ شديد وكأنها تشعر بالخزي مما ستراه ...... لكنها تمكنت من فتح عينيها أخيرا ...... ونظرت الى نفسها .....لم تحتج سابين أن تشرح أي شيء قبل أن تتفرس حلا في منظرها .......
كانت ...... كانت كشبحٍ هزيل ..... بوجهٍ متورم و شفتين انتفختا و احمرتا بشدة ...... عينين حمراوين واسعتين مذهولتين لا تعيا أيا مما يحيط بهما .......شعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ....... منذ أن ربطه ادهم لها بالأمس ..... لكن خصلا كثيرةٍ الآن انسابت حول وجهها الشاحب الهزيل ......
لا تزال ترتدي قميص النوم الطفولي و الذى خرجت به من القصر .......يا الهي إنها تبدو بائسة للغاية ...... هل من المعقول انها تنظر الآن الى زوجة ادهم مهران ....... ما الذى وجده فيها ...... كيف تقبلها و هي تبدو مخزيةٍ الى هذه الدرجة ..........إنها تبدو كأطفالِ الشوارع المشردين ...... ليس في ملبسها فقط ..... بل في نظرة عينيها ...... نظرة عينيها لا تثير الشفقة ..... بل تثير الاشمئزاز كما قالت سابين ......نظرت الى وجه سابين الواقفة خلفها ...... إن الفرقِ بينهما كالفرقِ بين شعلةِ النار المتقدة .... وبين الرماد المتخلف عنها ......... انحنى حاجبها على هيئة رقم ثمانية فبدت كالجراءِ الضائعة ..... وعادت لتبكي من جديد .......
أمسكت سابين بذراعيها وهزتها بقسوةٍ وهي تقف خلفها ..........و قالت بصلابة
( انظري الى نفسك ..... هل هذه هي حلا ؟...... هل هذه هي أنتِ منذ ما يقرب من ست سنوات ......كيف وصلتِ الى هذا الحال .....بسبب ماحدث لكِ ؟؟؟...... لكنك نجوت ..... وهذا وحده انجازا يجعلكِ مجبرة على الوقوفِ على قدميكِ من جديد ......غير مسموح لكِ بالتخاذل بعد أن نجوتِ يا حلا ........هل تفهمين ؟......هل تفهمين ؟......)
كانت تهزها عند كل سؤال ...... فتتراقص خصلاتِ شعرها من حولِ وجهها و ترمش عينيها بسرعة ......... وينتفض قلبها بشدة ......
الى أن التقت عيناها بعيني سابين في المرآة ..... فسكنت الاثنتانِ تماما ......كان هناك اتصلا غريبا بين عينين مكسورتين خضراوين ممتزجتين بالعسل و أخرى تبدو كحجرين كريمين ليسا فقط في لونهما الأزرق الغريب بل في صلابة الأحجار ......
وكان عينا حلا كانتا تخبران عيني سابين بالكثير .........وعينا سابين كانتا تتلقى منها و كأنها تعرف جيدا .....
قالت لها سابين بعد فترة صمت طويلة قالتا فيها الكثير
( اذا أردتِ الذهاب فلتذهبي ....... أنا لن أحتجزك كما فعل هو , لكن بشرطٍ واحد أن تكوني راضية تماما عن حالك الآن ......ولتذهبي وحدك, أنا لن أعيدك بنفسي ..... إن أردت اختيار طريقك فلتسيري به بمفردك )
تركت حلا عيني سابين و اتصلت بعينيها هي و كانها تسالها عما تريده حقا .......أو عمن تريد أن تكونه ...... حلا الراشد .....أم زوجة ادهم مهران ............
اغمضت عينيها لتنساب دمعتان مرهقتان على وجنتيها وهي تفكر ....... ومن التي أحبها هو ...... حلا الراشد ......أم زوجة ادهم مهران ............
تركتها سابين بعد أن طبعت قبلة على قمة رأسها و خرجت بهدوءٍ الى سما التى كانت مستندة على الجدار المجاور لباب الغرفة و تستمع الى كل ما يحدث دون أن تجرؤ على التدخل .......
كانت محنية رأسها تبكي بصمت على ما وصل اليه حال بناتِ الراشد جميعهن ........
الكل يبحث عن زوجته كالمجنون ...... الا أنت يا فاس ..... الهذه الدرجة كنت رخيصة عندك ......الهذه درجة كنت أعيش وهما بنيته بنفسي .......يا الهي كم اشتقت اليك ...... لم أعتد البعد عنك لسنين طويلة ...... كيف سأتمكن من الإبتعاد عنك ..........
ترى حبيبي كيف تستطيع التصرف من دوني الآن ........ كنت تعتمد علي دائما , فماذا ستفعل الآن و من سيهتم بك .........كنت على استعدادٍ أن أبقى معك , لكنك رفضت عند أول بادرةٍ لخروجي عن الطوق ........
لم أكن الا مسكنا لك يا فارس ........ولم تكن الا ألمي دائما و أبدا .........
18
You'll also like
مقيد بأكاذيبها by HadeerNourelden220
مقيد بأكاذيبها
9.4M
301K
حياتها بائسة...فالعيون الجائعة تترصدها بكل مكان فتجعلها تعيش الجحيم في كل لحظة من لحظات يومها البائس ..ظلت تقاوم و تحارب بطرقها الخاصة كما اعتادت منذ صغرها..الى ان اتى ا...
كبرياء عاشقة by HadeerNourelden220
كبرياء عاشقة
6.7M
32.4K
اجبرها والدها علي ان تعيش حياتها متنكرة في هيئة الرجال وعندما رفضت حياتها تلك و سعت للخلاص منها والتشبث بانوثتها ... استنجدت بمن تحب فرفضها وسخر منها وخذلها لتشعر بعالم...
شفاه مخملية by zhralsalami
شفاه مخملية
17.3M
954K
واگف گدامي وعيونه يتطاير منهه شرار وكلهن حقد وغيض، گلب شعره الاسود الكثيف اليزيده جمال وجاذبيه وضحك بأستهزاء، گال بنبرة صوت ماكرة - انتي ياهو يگلبچ؟ هو انه وگوة دبسوچ بي...
Obsessed and The ballerina by Amira_aj_
Obsessed and The ballerina
10.3M
478K
راقصة باليه هاوية للرسم ، و رجل مافيا ..أليس هذا متناقض !! بالفعل إنهما كذلك .. "انتِ ترسمين بفِرشاتك ،وانا أرسم بسلاحي ، انتِ ترقصين على أطراف أصابعك وانا أرقص على...
وردة الفهد by SollSooo
وردة الفهد
6.3M
120K
هو أدم المنشاوي ملك الاقتصاد لقبه الفهد لشده ذكائه قاسي مغرور الكل يحسب له الف حساب وسيم جدا ذات شعر اسود كسواد الليل و عيون كعيون الفهد كل النساء تتمني نظره منه هي ورد...
بعد يومين ......كانت سما متمددة على الكرسي الضخم ذو المساند بحيث تستند بظهرها على مسند و تؤرجح ساقيها من على المسند الآخر ....... تتلاعب بخصلاتِ شعرها , شاردة بعيدا عند أسدها الأعمى ........
و حلا متكورة على الكرسي المقابل كجنينٍ صغير في طياته حتى كاد ان يبتلعها و هى الاخرى شاردة تماما و عيناها دامعتان
أما سابين فكانت تجلس على المكتب الضخم واضعة نظارتها الطبية , تدرس أوراقا كثيرة تحاول إعدادها و ترتيبها ......بمنتهى التركيز
... تركيزٍ لم يقطعه الا الرنين المزعج مجددا .......
رفعت سما الهاتف من جوارها بملل وهي تنظر اليه ثم قالت بفتور وهي تعيده مرة أخرى ( احمد .......)
زفرت سابين بحنق وهي تعاود التركيز بأوراقها ...... لكن بعد نصفِ ساعة عاد الهاتف ليرن , فنظرت سما اليه لتقول بنفس الفتور
( ادهم........)
رفعت حلا رأسها عاليا كما كانت تفعل كلما سمعت اسمه .... رنين .... رنين ......
صرخت سابين فجأة بعدوانية
( فلتغلقي هذا الهاتف اللعين يا سما لم أعد أتحمل ..... اليس لديهم ما يشغلهم ؟... إننا في منتصف النهار ؟ أين أعمالهم ؟؟؟؟......)
لم تجب سما حتى لا تستفزها فلو استفزتها اكثر فلربما تأخذ الهاتف و تلقي به من النافذة .... وهي لا تريد أن تدمر أعصابهم اكثر بقطع وسيلةِ الاتصال الوحيدة بينهم وبين حلا وسابين ....
أوووووووف ..... إن سابين أصبحت لا تطاق بالفعل .... دائما متوترة و عصبية .... لم تعهدها متقلبة بهذا الشكل ..... الا إنها تزداد جمالا وبياضا .... هناك شيئا غريبا بها لا تستطيع تفسيره ......
عاد الرنين مرة أخرى .... إنه ادهم ثانية ......رمت سابين الأوراق من يدها على سطحِ المكتب ثانية ودارت بالكرسي الضخم استعدادا للإنقضاض على الهاتف المسكين ...... الا إنها وقبل أن تنهض من مكانها .......كانت حلا قد قفزت بخفة الغزال لتخطف الهاتف من جوار سما و تنطلق به جارية بعيدا , فصرخت بها سابين و هي تجري ورائها باقصى سرعتها صارخة
( حلا ..... اياكِ ..... اياكِ ان تجيبيه .....)
الا أن حلا وصلت بأعجوبة ٍ الى الحمام و تمكنت من إغلاق الباب خلفها على بعد خطوةٍ واحدةٍ من سابين التى أخذت تطرق على الباب ,
نظرت حلا الى الإسم الحبيب المضيء أمامها .....إن هذا الرنين هو الحافز الوحيد الذى يبقيها صامدة الى الآن .......
ضغت على الشاشةِ برفق و رفعت الهاتف بحذرٍ الى أذنها و أرهفت السمع الى صوتِ وحشها الحبيب ....
( سما ؟.......سما ؟..... هل هذه أنتِ؟........كيف حلا الآن ؟....أرجوكِ أجيبيني )
أغلقت حلا عينيها على الدموعِ الناعمةِ الحبيسةِ خلفهما و هي تبتسم بكل ما تحمله من حبٍ بداخلها لهذا القاسي المستبد ..... الرقيق ...
( كيف حالك حبيبتي ؟...........)
فتحت عينيها بسرعةٍ حين سمعت سؤاله المختنق فانسابت الدموع على وجنتيها والابتسامة تحولت الى ضحكةٍ صغيرة مشتاقه وصلت في طريقها الى أذنيه المتلهفتين ....... لكنها لم تر ابتسامته المشتعلةِ بعد ان سمع ضحكتها ...فقال بعنفٍ شغوف
( تضحكين وأنتِ بعيدة عني يا حلا ؟...... ظننتك تتألمين مثلي )
اتسعت ابتسامتها أكثر ....... وازدادت دموعها أكثر وأكثر ..........
قال لها ادهم بعشقٍ و كانه يستعطفها
( أريد أن أسمع صوتك على الأقل حبيبتي ......)
مرت لحظاتِ صمت ٍ طويل .... طويل .... لم يحاول قطعها و كأنه يبتهل في سره أن ترد عليه أخيرا........ الى أن وصلته همسة أحيته من جديد
( ادهم .........)
صرخ ادهم بشدةٍ ما أن سمع همستها حتى أنها أبعدت الهاتف عن أذنها للحظاتٍ الى أن ينتهى
( حلا .......حلا حبيبتي أين أنتِ ..... أخبريني و سأكون عندك في لحظات , أعدك أنني لن أؤذيكِ أبدا ......أبدا .....وسأحاول جاهدا الا أكسر رأس سابين ......فقط أخبريني أين أنتِ )
ضحكت مرة أخرى من بين بكائها الذى بات جليا لأذنيه ليمزق قلبه المشتاق اليها ...... الى قالت أخيرا بصوتٍ مختنق
( سأعود يا أدهم ................)
سمعت صوت تنهيدةٍ عميقةٍ صادرة من أعماقه قال بعدها بصوته العميق الواثق
( أين أنت حبيبتي و سأحضر حالا ؟........)
صمتت لحظة ثم قالت بصوتٍ هادىء وهي تغالب دموعها و ابتسامتها الحزينة
( سأعود وحدي .........)
قال بعد لحظةٍ من صمت و توجس ( لماذا ؟.........)
ردت عليه حلا بنفس الهدوء ( لأنني سأعود حين أعود حلا من جديد .......)
سمعت صوت خبطة قوية وكأنه لكم حائطا او شيئا ما فخافت عليه بشدة و نادته بسرعة ( ادهم .....)
وصلها صوته غاضبا بشدة و كأنه مل من كل هذا العبث
( لماذا تفعلين بي كل هذا ؟ هل تعاقبيني يا حلا ؟........كل هذا لأنني ضعفت قليلا , قد أكون آلمتك ... لكن الم تفكري أنكِ أنتِ أيضا آلمتني بشدة ......)
شعرت بغصةٍ في حلقها وهي تبتلع دموعها المريرة و قالت بضعف وتمزق
( أعلم .....أعلم حبيبي أنني آلمتك بشدة ....... و لم أكن أتصور أن أقوم بهذا , لهذا لن أعود قبل أن أرمم نفسي ...... سأعود حلا التى أحببتها قديما ......أما حلا التى تركتك فهي التى ستبعدك عني و أنا لا أريد أن أعيش اليوم الذى ستتركني فيه ......لن أحتمل هذا أبدا , وحتى إن لم تتركني سأظل دائما أعيش هواجسي و رعبي من أن تتركني يوما ما ........)
حاول الكلام هادرا وقد أحرقته كلمة حبيبي التى صدرت بعفويةٍ من بين شفتيها ( أبدا لن ........)
الا إنها قاطعته تترجاه أن يفهمها ( حتى لو بقيت معي للأبد ..... سيموت حبك لي يوما ما , لأنني لست هي ..... لست حلا التى أحببتها يوما ......)
سمعت صوت أنفاسه الممزقة الغاضبة ثم قال أخيرا
( حسنا ..... حسنا يا حلا , لكن بشرط أخبريني أين أنتِ لأطمئن عليك ِ )
ضحكت حلا ضحكة صغيرة حملت كل حزنها و ألمها ..... حبها و اشتياقها ....ثم همست
( هل تظن حقا أنني سأصدق بأنك ستظل مكانك لو علمت أين أنا ؟...........)
جذب نفسا حادا عميقا ثم هتف بحنقٍ لم يستطع السيطرة عليه
( نعم .....أنت محقة , لن أنتظر لدقيقةٍ واحدة حتى أصل اليكِ و اجذبكِ بين ذراعي حتى تصرخين طلبا للرحمة ......أتوق لتقبيلك يا حلا , أتوق لتقبيلِ شفتيكِ الشهيتين بشدةٍ تجعلني أكاد أقتل نفسي لأني تركتك آخر مرة ...... حلا لقد أصبحتِ تسرين في عروقي )
أغمضت عينيها حين تذكرت اللحظاتِ المخزيةِ لها حين تركها و خرج ..... لكنها تمكنت من الهمسِ أخيرا
( لقد أصبت حين تركتني يا ادهم ...... لم أكن لأحترم نفسي و أنا أستجدي سماحك بهذه الطريقة .......لا أعلم كيف كنت .......)
قاطعها ادهم بقسوة
( حلا توقفي ....أنتِ زوجتي , كان يجب أن أظل بجوارك , اعطِني فرصة أخرى يا حلا و أخبريني أين أنتِ ........)
همست حلا برقةٍ قبل أن تضعف اكثر
( سأعود .......أعدك أنني سأعود , و بأني لن أكون لغيرك أبدا ...........)
صرخ ادهم بشدة ( حلا لا تغلقي الخط ..........إياكِ )
لكنها أغلقت الخط وهي تعلم أنها لو أبقته مفتوحا للحظةٍ وحيدةٍ أخرى لكانت سقطت على ركبتيها تخبره بمكانها و تترجاه ليأتي و يأخذها
اخذت نفسا مرتجفا طويلا و مسحت وجهها بكفيها و هي تنظر الى صورتها في المرآةِ أمامها ....... ثم ابتسمت لها وهي تهمس
؛( اطمئني ......لن أبعدك عنه طويلا , فقط عودي من جديد )
ثم تقدمت وفتحت باب الحمام بهدوء لتواجه مصيرها المتمثل في سابين الشرسة الواقفة أمامها مكتفة ذراعيها تنظر اليها بوحشية ٍ لم تلبث أن أخذت في الإختفاءِ تدريجيا وهي تنظر الى عيني حلا الباكيتين ..... لكن مشعتين ..... وابتسامةِ أمل جديدة تحاول الإرتسام على شفتيها ......قالت سابين أخيرا
( ماذا قررتِ ؟..........)
قالت حلا برقة ( سأظل معكما .......الى أن أصبح جاهزة )
ابتسمت سابين و جذبتها بين ذراعيها بشدة ...... الى أن سمعا صوتِ سما الرقيق من خلفهما
( أنا أيضا أريد أن تحضناني .............)
ضحكت سابين و هي تفتح إحدى ذراعيها لتندفع اليها سما دافنة رأسها في صدر سابي متشبثة بحلا ...........
.................................................. .................................................. ...............................................
بعد أسبوعين ..... كانت تالا تقف في غرفة تغيير الملابس بمدرستها و قد بان الحزن على معالمها الصغيرة الرقيقة , كانت ترتدي ثوبا ابيضا صغيرا منفوشا كراقصاتِ الباليه بجوارب بيضاء طويلة شفافة و حذاءٍ فضي ..... كما أن الثوب مثبت في ظهره جناحي فراشة عملاقان شفافين مزينين بالالماساتِ المتناثرة .......و تاجٍ من ريشٍ ناعم هفهاف يغطي رأسها ......كانت ترتدي زي ملاكٍ صغير و قد بدت رائعة بشكلٍ يسلب العقل ......
لكن عينيها البندقيتين كانتا مائلتين بحزنٍ عميق وهي تفكر بأنها ستحضر حفلة عيد الأم وحيدة ..... بالرغمِ من إنها ظلت تتمرن للاستعراض الذى ستقدمه طويلا ..... كانت تريد أن تفاجىء به أباها .........لكنه نسي تماما , فهو مؤخرا في حالة غريبة .... لم يسبق له أبدا أن ابتعد عنها الى هذا الحد ......تمر أياما بكاملها دون أن تراه حين يعود متأخرا جدا بعد نومها بوقتٍ طويل ...... دائما شارد ....و أحيانا غاضبا بشدة ......لم يعد يتناول طعامه معها و لم يعد يقرأ القصص لها قبل النوم ..... لأنها لا تراه أبدا ......
كم كانت تنتظر عودة سابين من شهر العسل الذى لا ينتهي هذا أبدا ......لكن يبدو أنها لن تعود أبدا ....... الكل يخدعها و يظنون أنها تصدقهم حين يخبروها أن سابين مسافرة و ستعود ....... تماما كما أخبروها بأن لها أما مسافرة و ستعود وهي صغيرة .... الى أن جلس معها والدها يوما و أخبرها أن أمها لن تعود لكنها في مكانٍ أفضل و هي سعيدة لذا يجب أن يسعدا لها............
وقد تقبلت الامر لانها لا تتذكرها ..... لكن سابين .... كانت قد ظنت بأنهما ستكونان صديقتان جدا ...... فهما متشابهتانِ للغاية ......
لكن يبدو أن سابين تركت والدها و لن تعود أبدا ........ حتى دون أن تودعها ............و ها هي جدتها تتأخر عن الحضور , لقد نظرت الى المسرح من خلف الستائر و وجدت الكرسي المحجوز لها فارغا ..... لقد ضاع كل تعبها في التمرين هباءا و لن يراها أحد .....
( كيف حالك يا شريرة ..........)
انتفضت تالا بشدة حين سمعت الصوت المألوف و استدارت بسرعة صارخة
( سااااابين ؟..................)
كانت سابين واقفة أمامها بكامل أناقتها ترتدي فستانا ضيقا رماديا يحدد جسدها الفارع يصل الى ركبتيها و جوارب سوداء ناعمة تغطي ساقيها و حذاءا أسودا أنثويا بكعبٍ عالٍ رفيع و شعرها كان حرا طليقا على ظهرها بشكلٍ يخطف الأنفاس...... كانت تبدو مذهلة و كل الفتيات الصغيرات في غرفة التبديل ينظرن اليها بإنبهار يسألن بعضهن عمن تكون هذه الساحرة ......
قالت سابين و هي تبتسم ابتسامة شريرة رافعة أحدى حاجبيها
؛( بلغني أن هناك حفلا لعيدِ الأم ينقصه أما ...............)
ابتسمت تالا بخبث وهي تقترب منها .....ثم قالت بعد لحظة بمرح و تششك
( ومن هي الأم ؟.....أنتِ ؟.......)
اتسعت ابتسامة سابين وهي تقول ساخرة ( في أحلامك .........)
ضحكت تالا عاليا و قد شعرت فجأة أن الحزن قد غادرها و هي تجد ساحرتها الشريرة..... التى أكتشفتها يوما ..... تقف أمامها بكامل جمالها ......ثم ردت بمرح
( اذن ماذا تفعلين هنا .................)
نظرت سابين حولها الى الفتياتِ الصغيراتِ اللاتي يرتدين فساتين الملائكة و يتهامسن عليها .....ثم قالت مبتسمة ٍ بسخرية
( أردت أن أراك و أنت ترتدين هذه الأشياء السخيفة ........ ستبدين ظريفة على المسرح ...... قد يظن من يراكِ أنكِ طفلة فعلا )
ضحكت تالا عاليا الى أن جائت المُدرسة لتعلن عن استعدادهن للتحرك الى المسرح فتناولت تالا عصاتها السحرية الفضية بسرعة ثم قالت لسابين بلهفة ....
؛( ستجلسين في المقعد المحجوز لجدتي ....... كان من المفترض أن تحضر الا إنها لم تأتِ و حتى إن أتت فلتبحث لنفسها عن مكان جزاءا لتأخرها ..........)
ضحكت سابين من شدة وقاحة تلك المجنونة الصغيرة لكن قبل ان تنصرف تالا كانت قد التفتت الى سابين سريعا و نثرت مسحوقا فضيا لامعا من عصاتها السحرية فوق رأس سابين و هي تهمس
( هذه تعويذة حتى لا تختفي ثانية .........." فلتظلي أسيرة لأبي للأبد "...... )
ثم استدارت جارية مع باقي الصغيرات و هن يضحكن متحمسات .........
بينما ظلت سابين واقفة مكانها تنظر بشرود يراودها شعور غريب بأن تلك التعويذة قد سرت بالفعل و انتهى الأمر ..........
أثناء ذلك الأستعراض كانت سابين تجلس بحنق .... الملل يقتلها ....سابين الراشد جالسة في حفل ٍ مدرسي ..... تشاهد عرضا مسرحيا ساذجا .... لصغيراتٍ يبتسمن بسذاجة ٍ و حماسة , وكأنهن يقمن بمهمةٍ مستحيلة .....
وهي جالسة بين مجموعة من الأمهات يمسكن بأيدي بعضهن البعض و عيونِ بعضهن دامعة و كان صغيراتهن يقمن ببطولةٍ من نوعٍ ما ..........
انحنت الى الأمام تستند بذراعيها الى ركبتيها ........و أغمضت عينيها ..... سابين الراشد تشاهد هذا الاستعراض الساذج بدلا من أن تكون الآن في وسطِ اجتماعِ عملٍ مهم , أو تناقش صفقة ما ....... هل هذا ما آل حالها اليه ؟...... كل هذا بسبب الغبي احمد مهران الذى أفسد كل ما حققته يوما ........لابد وأنه استبدلها بأخرى .........
شعرت فجأة بيدٍ حنونة تربت على كتفها فرفعت رأسها لتنظر الى سيدةٍ متقدمةٍ في السن تجلس بجوارها تبدو عليها الطيبة قالت لها مبتسمة
( أنتِ تفوتين عرض ابنتك ........)
قالت سابين بتردد ( إنها ليست ..........) الا أنها قطعت كلامها و آثرت الصمت
سألتها السيدة بلطف (أيا منهن ابنتك ؟...........)
ظلت سابين صامتة للحظة تنظر اليها ثم قالت أخيرا بخفوت ( تالا .......)
ردت السيدة بابتسامة عريضة (تالا ؟.....لقد تعرفت اليها اليوم , إنها صديقة حفيدتي ..... إنها رائعة , إنكِ محظوظة بها )
أومأت سابين برأسها بصمت وهي تنظر الى تالا وهي تغني وسط الصغيرات
فتابعت السيدة تقول ( لكنها لا تشبهك إطلاقا .........)
ردت سابين بشرود دون أن ترفع نظرها عن تالا المبتسمة ( إنها تشبه والدها .........)
قالت السيدة بابتسامةٍ مرحة ( لابد أنكِ تحبين ولدها بشدة ........)
نظرت اليها سابين بنظراتٍ مبهمة فتابعت السيدة تقول بثقة
( يقولون أنكِ إن أنجبتِ فتاة شديدة الشبه بوالدها فذلك يكون من شدة حبك له )
ظلت سابين تنظراليها وهي تفكر ..... لست أنا من أنجبت تالا ......لابد أن ليال أحبت أحمد اذن بشدة .......
ياالهي..... ما تلك الحماقة التي تفكر بها .........لابد وأنها تلك الهرمونات اللعينة التي تتلاعب بعقلها ..........سمعت صوت غناء تالا واضحا وهي تتقدم لتغني وحدها على المسرح ........تبتسم لعينيها هي وحدها دون الجميع ......فابتسمت لها سابين بشرود وهي تلوح لها دون وعي ..........
و العجيب أن سابين استمتعت بباقي الإستعراض الى نهايته .............
بعد أن انتهى الحفل وقفت سابين مع تالا أمام المدرسة لتودعها فقالت تالا بلهفة
(سابين الن تعودي معي ؟..... هل ستتركين ابي ؟.....هل أغضبك بشيء ؟.....)
انحنت سابين اليها و جذبتها من خصلة من خصلاتِ شعرها ...... كما فعل معها احمد ...... مرتين ...... مرة وهي صغيرة ومرةٍ وهي زوجته ........
عادت لتنفض تلك الافكار من راسها ...... ثم قالت لتالا بصرامة زائفة
( لا دخل لكِ بمواضيع الكبار ........هل فهمت ؟)
الا ان تالا لم تضحك و لم تبتسم حتى فتنهدت سابين هي تخرج مفتاحٍ من حقيبتها الصغيرة و ناولته الى تالا قائلة بصوتٍ خافت
( ابعثي بسلامي الى والدك يا تالا ...... و أعطيه مفتاح السيارة و أخبريه أنها تقف هنا أمام المدرسة ليستطيع أخذها بسهولة)
ثم ابتعدت برشاقة وهي تلوح لتالا التى وقفت تراقبها بعينين دامعتين .........
تلك الليلة دخل احمد متثاقلا متعبا الى غرفة تالا ...... راقبها وهى تنام في فراشها و الضوء الصغير المضاء بجوارها يفضح تظاهرها بالنوم ......إنها غاضبة منه ........لقد نسي حفلها تماما ....... كيف تمكن من ذلك ؟......
اقترب منها و جلس على حافة فراشها ثم انحنى ليقبل وجنتها الناعمة .... لكنها لم تتحرك , فقال مبتسما
( تالا ....أعرف أنكِ مستيقظة ..... افتحي عينيكِ و واجهيني ...لا تهربي )
فتحت تالا عينيها ببطء ثم قامت جالسة لتضم ركبتيها الى صدرها و هي تنظر بعيدا عابسة
ابتسم احمد بحنان لجميلته الصغيرة التى تزداد سحرا يوما بعد يوم .......ثم قال بصوت خافت مشبع بالذنب
( تالا حبيبتي ......أنا آسف جدا لأني لم أحضر الحفل , لقد نسيت تماما ..... لن أكذب عليكِ و أقول أنني انشغلت , لكن الحقيقة أن ذهني أصبح متعبا للغاية فنسيت تماما ........لكن هذا ليس عذرا و لك الحق بأن تغضبي .......لكني أنبت جدتك لأنها لم تذكرني بينما لم تذهب هي )
نظرت اليه تالا عابسة و قالت بغضبٍ طفولي
( ليس من المفترض أن تذكرك ...... كان لابد أن تتذكر وحدك إن كنت تهتم )
اقترب منها ليأخذها بين أحضانه و يضمها الى صدره بشدة وهو يتنهد بعمق قائلا
( طبعا أهتم يا تالا ....أنتِ أغلى شخصٍ عندي في هذه الدنيا )
رفعت تالا رأسها لتنظر اليه ثم قالت وهي لا تزال عابسة
( على كلِ حال الخسارة خسارتك )
ابتسم أحمد بحنان وهو يقول ( بالتأكيد خسارتي لأني لم أرى ملاكي اليوم ......)
ظلت تالا عابسة وهي تخرج شيئا من تحتِ وسادتها و تناوله المفتاح قائلة
( ملاكك يبعث لك بسلامه وبمفتاح السيارة ........تستطيع أخذها من أمام المدرسة)
نظر أحمد بذهول يحاول التأكد من ذلك المفتاح المتدلي من بين أصابعها ثم هتف وهو يمسكها من كتفيها
( من أين أتيت بالمفتاح يا تالا ؟......هل رأيتِ سابين ؟)
ابتسمت تالا باستفزاز وهي ترد عليه قائلة
( نعم سابين كانت موجودة بالمدرسةِ اليوم ........وحضرت معي الحفل كاملا )
ظل احمد ينظر اليها بذهول لا يصدق ما سمعه .....الى أن قام من الفراش و أخذ يركل الحائط بقدمه عدة مرات حتى يفرغ شحنات غضبه تماما
بينما كانت تالا تنظر اليه فاغرة فمها وهي لا تصدق أن والدها من الممكن تصدر عنه مثل هذه التصرفات الصبيانية ......
هدأ احمد قليلا ثم التفت لينظر الى تالا طويلا ثم اقترب منها ليجلس على حافة لفراش مرة أخرى و يعاود احتضانها بقوة .... فقالت تالا بقلق
( ماذا حدث يا أبي ؟.......الن تعود سابين ثانية ؟)
أبعدها أحمد عنه قليلا وهو يمسك بكتفيها لينظر الى عينيها بكلِ قوةٍ قائلا بحزم
( إن سابين تلعب معنا لعبة حتى ترى مدى غلاوتها لدينا ....... لكني سأربح اللعبة أعدك ..... و سأحضر لكِ سابين الى هنا ...... فهي تخصنا أنا وأنتِ .....و سنعثر عليها معا لتكون لنا للأبد .....اتفقنا ؟)
ثم ضم قبضه ومدها لها فأومأت برأسها مبتسمة بمرح وهي تضم قبضتها هي الأخرى و تضرب بها قبضته .........
.................................................. .................................................. ...........................................
( إبتعدن ...... أخرجن جميعا من هنااااااا)
انطلقت هذه الصرخة الوحشية من ذلك المخلوق الهمجي الشرس ذو اللحيةِ النامية و الشعرِ المشعث و العينين الحمراوين من الغضب و السهر .....
ثم لم يلبث أن ضرب يدِ الممرضةِ الواقفةِ أمامه مادة يدها بأقراصِ الدواء لتتناثر بعيدا عنه مصحوبة بصيحة الممرضة المسكينة المرتعبة ....التى ما أن التقطت انفاسها حتى قالت بحنقٍ مرتعش من الخوف
( سيد فارس .... تصرفاتك غير مقبولة بالمرة .... نحن لسنا خادماتٍ عندك , وحتى وإن كنا فهذا لا يمنحك الحق في أن تعاملنا بهذه الطريقةِ المبتذلة )
ازدادت نظراته وحشيةٍ و شراسة حتى أنها شهقت برعب و هي تبتعد هي و زميلاتها الى آخر الغرفة عندما نهض فارس من فراش غرفته الذى كان يجلس على حافته ملتقطا عصاه الخفيفة الرفيعة و هو يطوح بها صارخا
( أنا في بيتي أيتها الحمقاء ..... أنتِ المتطفلةِ هنا و تجرؤي على إخباري كيف أتصرف ؟...... أخرجن من هذا البيتِ حالا لا أريدكن هنااااا )
تجرأت الممرضة و هي تزداد التصاقا هى وزميلاتها بالحائط خلفهن ....... على أن تقول بحزمٍ زائف مرتجف
( السيدةِ أميرة هي من أحضرتنا الى هنا ....... ونحن لن نستطيع مخالفة أوامرها , كما إن حالتك تحتاج الرعاية الطبية مؤخرا..... هذا بالإضافة الى الشؤونِ اليوميةِ العادية , فأنت لن تستطيع التصرف وحدك )
صرخ فارس و قد بدا كالمجنون
( اخرسي ....... اخرسي ..... لا أحتاج الى أي أحد ..... أخرجن ........ أخرجن من هنا قبل أن أقتلكن )
ثم أخذ يدور و كأنه يبحث عنهن ..... فتعالت صيحتهن و هن يتدافعن خارجاتٍ من الغرفة مرعوباتٍ من هذا الأسد الأعمى .... ناسياتٍ أنه ليس سوى أعمى و لن يستطيع فعل الكثير مع عجزه ......
بعد أن خرجن من الغرفة وهن يلهثن و أصوات التحطم العالية تصلهن من داخل الغرفة ......
التقطتت الممرضة هاتفها لتطلب رقما .....و ما أن وصلها الصوتِ المتلهف حتى ردت بغضبٍ وعصبية
( سيدتي ..... نحن لم نعد نستطيع التحمل اكثر ...... اعذريني في هذه الكلمة لكنه شخصا لا يطاق و أنت تستحقين الجنة على تحمله .....أنا آسفة جدا كنت أتمنى الا نخذلك .... لكننا نريد إعفاءنا من هذه المهمة ......)
وصلها الصوت الناعم متضرعا مستجديا حتى شعرت بالحرج الشديد أمام هذا الإلحاح فقالت بعد فترة
( سيدتي .... أنتِ تحرجيني بهذه الطريقة ..... أنتِ لا تعلمين كيف يعاملنا ..... إنه يعاملنا كالعبيد و يتطاول علينا .....لا أظن أن أيا من البشر يستطيع تحمل لسانه الشبيه بالصياط ....)
عاد الصوتِ الناعم ليحثها على البقاءِ قليلا مخبرا إياها أن لا أمل آخر لها..... الا بهن و أن مال الدنيا لن يكفي كمقابل أمام ما يقدمنه لها ......)
ظلت الممرضة تستمع الى هذا المدح باحراج حتى احمر وجهها ثم قالت اخيرا باستسلام
( حسنا سيدتي لكن هناك امرا اخر .... ماذا عن التنظيف ؟.... لم تستطع أخر خادمة على البقاء هنا لاكثر من ساعة ثم هربت من هولِ ما نالها من لسانه ....طاقما كامل جاء للتنظيف غير انه ظل يهددهم الى ان انصرفوا و هو يرفض حتى الخروج من البيت حتى يقوم احد بتنظيفه , كما انه لا يقصر في تدمير كل ما حوله , البيت الان يبدو في حالةٍ يرثى لها .... ونحن لسنا هنا للتنضيف )
أخذت تستمع قليلا حتى قالت في النهاية باستسلام
( حسنا نحن في انتظارك ..........)
فترة طويلة وهو جالس على حافة الفراش يلهث و يتشبث به بقبضتين من حديد .....مغمضا عينيه يتجرع عذابه وحيدا ..... إنه خائف ... خائف جدا .... أيستطيع أحد تخيل ما يشعر به من وحدة و غربة , إنه لا يعلم حتى كيف يحيا يوما بيومه , لا يواجهه الا أناسا أغراب استاجرهم ادهم او عمته ليقوموا على خدمته ..... الا أن الجميع تخلى عنه , حتى ادهم يبدو و كأنه قد نسيه تماما في غمرة ضياعه بحثا عن حلا ......شعر حين وصل الى هذه النقطة بان قلبه طار الى حلا ..... لانها ليست وحيدة بل هي مع روحه , علموا جميعا انها رحلت مع سابين و حلا .......ومن يومها و الكل يبحثون عمن يستطيعون ايجاده ...حلا او سابين او ........ سما ........
كيف كانت له حياة طويلة من ثلاثة عقود بدونها .... كيف كانت هذه السنوات ..... إنه لا يتذكر كيف كانت حياته من قبلها ...... هل فعلا كان لا يعرفها يوما .... تربت في بيته طوال عمرها و هو يدور كالأحمق في بلادٍ بعيدة .... من كان يريد رؤيته كان يسافر اليه دون أن يتفضل هو بالعودةِ اليهم ........منذ وفاة والدته وهو طفل صغير سافر مع عمته الى الخارج ولم يعد أبدا .....و بعد أن شب عنِ الطوقِ قليلا استقل بحياته الحافلة عن عمته ..........حياة طويله من المغامرات و الأعمال و أعظم الناس يبتغي صداقته و أجمل النساء تتمنى صحبته ......
لو كان فقط عاد مرة واحدة خلال هذه السنوات لزيارتهم ......... لكان رآها .....آآآآه لو كان ذهب مرة واحدة لكان نظر الى عينيها .....
كان ليحمل معه الآن ذكرى لعينيها و ابتسامتها ....... وكان ليحفظ تلك الذكرى بقلبه الى آخر عمره ......أين هي الان ؟..... هل هي بخير ؟....... من المفترض أن يكون مطمئنا عليها , فسما تملك من القوة مايجعلها تتحدى جيشا أمامها ........ لكن ذلك لم يمنعه من الاحساس بضربات الخوفِ التى أخذت تضرب صدره .......فهي حتى وإن كانت المسؤولة عنه طوالِ السنواتِ الماضية , الا إنها أيضا كانت معه في منفاه البعيد دون أن تتعامل مع كثيرٍ من الناس , فكيف سترمي بنفسها الآن في غمرةِ تلك الحياةِ القاسية ؟....... كيف ستتحمل ضغوطِ الحياةِ وسرعتها من حولها وهي التى أرق من النسيم ........ياسمينااا.......
من المؤكد ان الكثيرين سيعجبون بها و الاكثر سيحاولون الايقاع بها ......بزوجته ...... الكثير من الذئاب ستحوم حول زوجته ....بينما يجلس هو هنا وحيدا عاجزا ينتظر من سيقوم برعايته ............
لم يتحمل اكثر فانطلقت صرخة متوحشة من أعماق حنجرته ......
سمع وقع أقدامٍ سريعة و هي تأتي الى الباب جريا ..... ثم ساد صمتا طويلا جاؤه بعدها صوتِ الممرضةِ يقول
( لماذا صرخت بهذا الشكل يا سيد فارس ؟.........)
التفت براسه اليها و هو يسمع صوت لهاثٍ خائف ..... ظل صامتا لا يجيب الى ان قال اخيرا باختناق
( لا شيء ...... لم يحدث شيء ..... من معك ؟....)
قالت الممرضة بعد لحظة ؛( إنها الخادمة ستقوم بتنظيف الغرفة ......)
قال فارس بصوتٍ اجش (من أرسلك ؟.........)
قالت الممرضة بسرعة ( أرسلتها السيدة أميرة لكنها ذات ظروفٍ خاصة فهي من الصم و البكم .......لذا لا تحاول ان تتعب نفسك بمضايقتها فهي لن تسمعك )
رد فارس عليها بعد عدة لحظاتٍ بخفوت ( هي لن تسمعني و أنا لن أراها ..... يا لها من علاقةٍ ملائمة )
قالت الممرضة بحزم
( سيد فارس ... من فضلك راعي ظروفها و لا تضايقها لان هذا سيغضب السيدة اميرة جدا ......)
رد فارس بنفس الخفوت المختنق ( و نحن لا نريد إغضاب السيدة اميرة بالطبع ........ )
ثم قال باستكانة غريبة خشنة ( أنا ...... سآخذ الدواء , أحضريه لي )
رفعت الممرضة عينيها الى السماء تطلب الصبر من هذه العنجهية و الغرور الا إنها لم تجد بد من تنفيذ ما طلب فيكفي أنه سيستجيب للعلاج اخيرا ....
لحظاتٍ و كان قرصي الدواء بكفه و كوب الماء بكفه الآخر ......فقال بهدوء
( حسنا يمكنك الانصراف ..... لكن اجعليها تباشر بترتيب أشيائي حتى استطيع الوصول اليها )
ردت عليه الممرضة بعد فترة بالموافقة ثم سمع صوتِ انصرافها .... وبقي هو مع صوتِ الانفاسِ المتهدجة ......ظل يستمع اليها نفسا نفسا , تتحرك خطاتٍ حول اذنيه المرهفتين .... يسمع التقاطِ اشيائهِ المبعثرة .... قلبٍ يدق .... يكاد ان يسمعه .... بل يراه .....
أخذ نفسا عميقا .... يحاول سحب كل نسائم الهواءِ من حوله ...... لكن النسائم كانت خاليةٍ جوفاء ..... باردة .........
كان قرصي الدواء لا يزالا بيده لم يتناولهما بعد .......فاسقطهما على الارض دون أن يحدث صوتا .......توقفت الحركاتِ من حوله تماما ..... فقط الانفاسِ اللاهثةِ تحكي.......
اقتربت منه خطواتٍ ناعمة و وصلت اليه ....... ثم بعد لحظة شعر بملمسٍ كالوردِ على يده ليشعر بعدها بقرصي الدواءِ يسقطانِ في يده التى فتحتها أوراقِ الوردة ...... و قبل أن يغلق كفه عليهما كانت أصابعه تسابقت مع تلك اللحظة لتتلامس مع طول تلك الأصابع الطويلة التى ناولته الاقراص ..... لحظة واحدة فقط ...... لمسة واحدة كانت كفيلة بهروبِ تلك الأصابع سريعا .....و ابتعاد الخطواتِ الى آخر الغرفة .......
جذب نفسا عميقا خشنا بصعوبة ثم همس بعدها باختناق ( شكرا .......)
الا إنه لم يسمع ردا من تلك الخادمة ...... التى لا تسمع ........و التى أكملت عملها بخطواتٍ مرتبكة خرقاء ..........
فقط زاوية شفته ارتفعت قليلا في تعبيرٍ يتيمٍ لانسانيةٍ شاحبة ظهرت بالكاد على وجه هذا الأسد الأعمى ........و هو يرهف السمع لأصواتِ الترتيب و كأنها انغامٍ موسيقية تلاعبت بأوتار قلبه .........
↚
بعد مرور ثلاثة اشهر
كان أبناء آل مهران مجتمعين ككل ليلةٍ مصطحبين معهم خيبة كل يوم ..... بحثٍ دون جدى , وكأن الأرض ابتلعت بنات الراشد تماما ..
كان احمد يدور حول نفسه ينفث حمما لهبية و هو يتوعد في سره ما سيفعله بها ......لن يحبسها في قلعة ٍ هذه المرة , بل سيضعها في كبسولةٍ و يرسل بها الى القمر ...... على كلِ ما تسببت فيه من شقاءٍ لكل من حولها .........
التفت لينظر الى ادهم المجهد والذى بانت عليه إمارات التعب و الحزن فقد أطلق لحيته الناعمة الخفيفة و قد بان عليه الوقار و في نفس الوقت بركانا يهدد بالانفجار ....
جالسا في مقعدٍ وثير يسند جبهته على يده ...... هادئا في الأيامِ الاخيرة ........كان كوحشٍ ساكن يتقلب على جمر النار لكن يلتزم بالصمت رغما عنه ..... فحبيبته الصغيرة تحن عليه كل فترةٍ وتسمح له بتبادل الحديث معها لفترة ٍ وجيزة .......
ابتسم قليلا وهو يتذكر أحاديثهما الرقيقة في الأيام الماضية .... كانا كشخصين ناضجين يتعرفان لأول مرة ..... كل مرةٍ زادته معلومة صغيرة عنها ..... وكأنه لم يكن يعرفها من قبل .......إنها حلا برقتها و عذوبة صوتها لكنها لم تعد طفلة , بل أصبحت امرأة شجاعة او تحاول التحلي بالشجاعة بشكلٍ رائع يوما بعد يوم ......
إن صوتها يصبح أروع مع مرور الايام .... آخر مرة غابت عنه التهدجات الممزقة و أصبح صافيا ...... حزينا قليلا ....لكن صافيا كمياهٍ شفافةٍ عذبة .......
ضحكاتها الرقيقة و التى ترد بها على شراسته المعتادة كلما سألها عن مكانها ....تشعل قلبه و تجعله راغبا في مد يده عبر الهاتف ليجذبها من شعرها رغما عنها اليه .......فهي حلاه ..... إن أرادت أن تكبر فلتكبر بين أحضانه .....كما كبرت سنة بعد سنة منذ طفولتها .....
صحيح انه لم يوقف البحث , لكنه اطمئن بالا عليها قليلا ..... من حلاوة صوتها الجديد ........
لكنه يشتااااااق اليها ......يشتاق الى حبها ....يحتاج اليها .... فهو الآن متعبا جدا و هو في أمسِ الحاجة اليها .......يشعر بأنه طوال عمره لم يكن يستمد قوته الا منها ......سواء وهي في بيته تعطيه القوة ليصل اليها ..... او حين كانت بعيدة لتفجر براكين غضبه .....وحتى عادت اليه ليشرق بها بيته من جديد .......
أما الآن فقد اظلم البيت وضاعت ضحكاته ..... فقد اختفت حلاه ......اختفت أحلى من فيه ........
تنهد بصوتٍ مرهقٍ عال فنظر اليه احمد بتعاطف ..... فحال ادهم أصعب من حاله .......لأن حلا ليست سابين ..... حلا الرقيقة التى لم يرها سوى مراتٍ قليلة بالتأكيد ليست ساحرته الشرسة الشريرة .....حتى انه تعجب كثيرا من كونهما شقيقتين ......
هو يعرف تمام المعرفة بأن سابين تستطيع حماية نفسها جيدا ..... لكن ذلك لا يفيده بشيء , فهو غاضبا و بشدة .... يكفي أن يتخيل نظراتِ الرجالِ لها أينما ذهبت .....فهي الآن وحيدة و العشرات سيحاولون التودد لها ... بل و التذلل ايضا .....
اشتعلت نارا في صدره وهو يتصورها تبعث اليهم بابتسامتها الساحرةِ العابثة .... فهذه هي سابين و هو يعرفها جيدا .... إنه حاليا يثق بها لكنه يعرف رغبتها المجنونة في العبث بقلب كل من يستحق العبث بقلبه .....
إنها تطبق عدالتها الخاصة و هو الآن عرف ذلك من كل ما عرفه عمن حاولوا التودد اليها سابقا , ومن لم تضع حدا لهم سامحة لهم بالانزلاق شيئا فشيئا الى أن تلفظهم في لحظةٍ واحدة .......وهذا هو ما لم يستطع تجاوزه أبدا .......
والذى يقتله اكثر أن مازن مهران تحديدا كان استثناءا من هذه القاعدة ......كانت سابين تقترب رغما عنها منه خطوة خطوة .....الوحيد الذى نجح في جذبها هو المدلل صاحب الوجه الطفولي في عائلة مهران .....
لكنه الوحيد الذى يعرف ان خلف هذا الوجه الطفولي نفسا مدللة فاسدة تتلون كالأفعى لتحصل على ما تريده ..... منذ صغره وهو طفلا خبيثا يجذب الأنظار اليه بوجهه المحبب لكنه كان يخفي غيرةٍ من كلِ من حوله .....
حين تقدم لخطبة دارين ... رفض هو رفضا قاطعا .... لكن صغيرته الحمقاء ظلت تبكي أياما و أياما حتى خافوا عليها من المرض فوافق أخيرا وهو يعلم أنه زواجا محكوما بالفشل إن آجلا او عاجلا .... لكنه خدع نفسه و أوهمها بأنه من الممكن أن تغيره دارين بحبها .....
لكن حدسه الذي لم يخدعه أبدا صدق هذه المرة أيضا و ظهر وجهه الثعباني .....لكن ما يتعجبه هو سقوط سابين في فخه بهذه السهولة , بعد أن رفضت و تلاعبت بالكثيرِ من القلوب المريضة ......
ما الذى كانت تحتاجه ؟..... وأي يدٍ ساعدته لتسلمه مفاتيح سابين ليصل الي درجة منها اقرب قليلا ممن سبقوه ؟......
لكنه الآن وضع الحقير في مكانه الصحيح على بعدِ بلادٍ من اخته ...... و زوجته ......لكن أين هي زوجته ؟؟.......
قد يعيش معها اياما من نيران حارقة لا تهدأ بينهما بسبب عبثها..... لكنه سيعمل جاهدا على تربيتها من جديد و تعليمها الالتزام......و لن يستلم و يتنازل عنها .... فسابين الراشد ملكه منذ أن كانت طفله صغيرة ركلته بحصواتِ حديقته ........
لكن أين هي ؟...... أين ؟........
همس بسؤاله الأخير بصوتٍ مسموع .....فنظر اليه ادهم بوجوم يحاول حل تلك الأحجية ثم قال بصوتٍ يائس تقريبا
( لو كنت أنت سابين .......أين من الممكن أن تتواجد الآن ؟....)
نظر اليه احمد يدقق النظر اليه طويلا لتتشابك عيناهما طويلا ثم هتف احمد فجأة بلهفة
( العمل .........إن سابين لن تستلم لترك عملها أبدا فمن المؤكد أنا تبحث الآن عن عملٍ جديد )
نظر اليه ادهم باهتمام وهو يلتقط ما يفكر به احمد ...... لكن احمد سارع الى هاتفه ليعطي تعليماته السريعة ..... ولم يعد لديهم سوى الانتظار ........
عاد ينظر الى ادهم ليقول بوجوم
( من المؤكد أن عملها سيكون أهم ما ستفكر به حاليا ..... بالرغم من وجود الطفل )
رفع ادهم راسه ينظر اليه بدهشة ٍ و قال ( طفل ؟!!........)
ابتسم له احمد ابتسامة حزينة وهو يومىء برأسه , فابتسم ادهم ابتسامة شاردة وهو لا يعلم لماذا أوجعته كلمة طفل الى هذه الدرجة .....
.................................................. .................................................. .............................................
لم تصل احمد أية اخبار سوى بعد يومين.... خلالهما .....لم تصله أي معلومةٍ عن تقدم سابين للعمل في أية مجموعةٍ أخرى ....بالرغم من علمه أن الجميع سيحاول اجتذابها بكل سرور .....لكن ......لا شيء ......
حين كان بمكتبه واقفا أمام النافذة يتطلع منها بشرود دخلت مساعدته الجديدة وهي شابة طويلة هيفاء جميلة ذات شعرٍ أسود ناعم يشبه شعر سابين الا إنه في نصف طوله .........حين بدأت العمل في أول يومٍ لها كموظفةٍ في مجموعة آل مهران , كان ذلك بعد يومين من زواجه بسابين ..... كان من ضمن مخططاته ان يستبدلها فورا بعد زواجهما ......خلف وعده لها ؟؟......ربما .....لكنه كان يسير وفق مخططاته التى كانت لأسبابٍ وجيهةٍ وقتها ........
لكن كل يوم ما أن يدخل مكتبه و ينظر اليها جالسة مكان سابين يشعر بتأنيب ضمير فظيع و رغبة متوحشة في جذبها بعيدا عن هذا الكرسي الذى تعبت من أجله صاحبته كثيرا .....وحققت فيه الكثير ..... والذى أيضا رآها لأول مرةٍ وهي جالسة عليه........
تذكر نظراتها الوقحة .....ابتسامتها المغرية ..... نظارتها ذات الإطار الاسود ......شعرها المعقود دائما .......
يا الهي كم يشتاق اليها ......كم يتمنى أن يخرج من مكتبه ليجدها على كرسيها بوقاحتها و سحرها ........كيف سلبت لبه بهذا الشكل الغادر .....متى سقط أسير سحرها , إنه حتى لا يعلم ........
تنحنحت مساعدته لتنبهه من شروده الحزين .... فالتفت ينظر اليها و طبعا عاوده الشعور بالذنب حين نظر اليها , الا إنه اخفى ما يشعر به بكل مهارة ....و هو يبتعد بنظره بكل ضيقٍ عن زيها الغير محتشم بالنسبة ِ للعمل , لكنها أفضل من تقدمن للعمل .... لكن ليست في براعة سابين ...... عاد مرة اخرى من تفكيره بسابين و قال بصوتٍ صارم خافت
( ما الأمر حسناء ؟.........)
ابتسمت مساعدته ابتسامة مغرية وهى تقترب منه برشاقةٍ مدروسة قائلة بصوتٍ ناعم وهي تضع ورقة مطبوعة أمامه
( هذه هي أسماء كل الشركات التى أعلنت عن بداية افتتاحها خلال الشهرين الماضيين كما طلبت ..... ولقد تلقينا دعاية منهم بالفعل ...ماعدا واحدة فقط ... والغريب أنها أرسلت بريدٍ الكتروني لكل المجموعات تعلمهم بقرب افتتاح اسما جديدا.... لكنها استثنت مجموعة مهران )
كان احمد بالفعل قد هجم على الورقة الموضوعة على المكتب قبل أن تنهي كلامها و طارت عيناه الى الاسم الغريب الموجود بآخر القائمة ......ثم رفع نظره الى مساعدته قائلا بحزم
( أريد كل المعلومات الممكنة ِ عنها .... وفي اقرب وقت )
أمومأت حسناء برأسها وهي مندهشة من شدة اهتمام احمد مهران باسمٍ مغمور الى هذا الحد .....لكنها ذهبت لتنفذ المطلوب رغبة منها في ابهاره بكل ما تستطيع ....
.................................................. .................................................. ..........................................
كان جالسا على حافة فراشه ... متشبثا بها ... مغمضا عينيه... وهو يرهف السمع لأصواتٍ ناعمةٍ لخطواتٍ متعثرةٍ تحوم من حوله .....حفيف التقاطِ ملابسه من على الأرض .....صوت القمصان وهي تعلق على الشماعات ... أيدٍ ناعمة تملس على القميص بعد تعليقه .... مرة ,مرتين..... أين هي ....ها هي المرة الثالثة .....
التقاط أحذيته المبعثرة ....الحذاء يمسح جيدا .... بضميرٍ منقطع النظير ....يصف الحذاء بجوار قرينه ......والآخر تلوه ......صوت الخطوات يقترب من الفراش ..... الاغطية تجذب قليلا من تحته لتعلمه برغبتها في تغييرها ......
نهض ببطءٍ من على الفراش وهو يهمس مبتسما ابتسامة شاردة (آسف .....)
لكنه لم يحصل على رد ... فقط سمع صوت حفيف الاغطيةِ الحريرية وهى تتطاير ..... باعثة بنسيمٍ عليل الى وجهه فتتسع ابتسامته قليلا ......مغمضا عينيه آخذا نفسا عميقا ...... لعله يلتقط ياسمينة متطايرة مع الهواء ...... لكن دون جدوى ..... لا ياسمينة داعبت أنفاسه
إنه يسمع الآن صوت قرقعة قنيناتِ عطره ......ترتب أمام المرآة واحدا تلو الآخر .......أذنه التقطت نفسا ..... نفسا رقيقا يستنشق قنينة العطر الأخير ...قبل أن توضع كسابقتها .......
إن اذنه تستحق وساما ذهبيا ......فكر بابتهاج .......تدور من حوله تبتغي المغادرة.... فيدور معها وكأنه يراها ......همس أخيرا
( لابد وأنكِ نحيفة وفي رشاقة الغزال ..........)
توقفت الحركة تماما و صدرت شهقة مكتومة من مكانٍ ما .....فتابع فارس بابتسامةٍ وقحة
(من الجيد أنكِ لم تسمعيني .......يا قطعة الحلوى )
نفسا حادا وصل الى اذنه حتى أنه شعر بنافثةِ لهب على وشكِ الإنفجار في الغرفة فأكمل يتبع حركتها بعينيه
( هل أنتِ جميلةٍ كخطواتك ؟........تتحركين كراقصة ... لستِ كالممرضات القساة اللاتي اختارتهن عمتي )
وصل الي سمعه صوت ارتطام شياؤه بغضب وهي توضع مكانها ........ثم صوتِ الخطواتِ تتحرك ناوية الخروج من الغرفة فقال بسرعة
(انتظري ........)
توقفت الخطوات متاهبة للهرب في اية لحظة .............لكنه تابع وهو يتلوى خارجا من قميصه
( خذى هذا القميص للتنظيف .........)
مد يده الممسكة بقميصه اليها ...... فسمع الخطواتِ الطفولية تقترب منه .... خطوة ... خطوة ......الى أن وصلت اليه فتوقفت أمامه تماما ....... نعم ..... تماما .......أنفاسها الناعمة تلامس أعلى صدره .......تتسارع الانفاس الساخنة وتجري على عضلاتِ صدره القوي العاري .......إنها انفاسٍ لفتاةٍ خجولةٍ مضطربة امام رجل نصف عاري .......أم هي انفاسِ امرأة ٍ تأثرت نبضاتِ قلبها لمرآه بهذا الشكل .......
أصابع مرتجفة امتدت لتلتقط القميص من بين يديه .....وما أن شعر بالأنامل الطويلة الرفيعة تلامس يده عبر طياتِ قماشِ قميصه ... حتى هجم بيده الأخرى على معصمها بقبضةٍ من حديد , وفي لحظةٍ واحدة كان قد أسقط القميص ليحيط خصرها بذراعه جاذبا إياها بقوةٍ الى جزعه الضخم و قبل أن تغادر شهقتها المذعورة شفتيها .....كان قد هبط برأسه كالصقر الى وجهها ملتهما شفتيها بين شفتيه في إعصارٍ ناري أزهق أنفاسها التى كادت أن تودي به الى حافة الجنون في الأيامِ السابقة ........
لم يعلم كم مضى من الوقت عليه وهو يلتهمها متذوقا مستمتعا بحلاوة طعمها ......هل هي ثوانى ... ام دقائق ......مستحيل أن يستطيع التحديد ..... فقد غاب تماما في سحر قبلتها ضائعا من عالمه ......
تركت يده معصمها لتنغرز في خصلاتِ شعرها الحريرية الطويلة و تتخللها بجنونٍ وهي تصل بها الى منتصفِ ظهرها .......
شعر بذراعينِ ناعمتين تلتفانِ بجنونٍ حول عنقه ..... ليزداد تعمق قبلتهما .......
ثم لم يلبث أن حمل أسيرته و رماها في حركةٍ واحدةٍ على الفراش وهجم عليها و مرت عليهما لحظاتٍ تاها فيها عن كلِ ما حولهما .......إنها هي ......إنها هي ........جائت اليه هاربة من حلمٍ مجنون
لكن في لحظةٍ واحدة شعر بها فجأة تقاتله بشراسة نمرةٍ مفترسة الى أن تمكنت من القفزِ من على الفراش وجرت الى آخر الغرفةِ وهي تلهث بشدة ...... ثم تمكنت أخيرا من الصراخِ بشراسةٍ محببةٍ الى قلبه
( من المستحسن أن تكون قد تعرفت علي ........ قبل أن تقدم على هذا التحرش الفاسق تجاه خادمةٍ مسكينة ....... يا فارس مهران )
جلس متمددا على الفراش مستندا الى مرفقه وهو ينظر اليها مبتسما ابتسامة شيطانية بينما صدره يتصارع هبوطا ونزولا يحاول التقاط انفاسه بصعوبةٍ بعد ذلك الإعصار الذى كان ...... لكنه تمكن أخيرا من الهمسِ بشغف
( لا أعتقد أنه يعتبر تحرشا .... مادامت الخادمة المسكينة قد اظهرت هذا التجاوب المذهل ....الغير قابل للوصف ......السخي في عطائه ...ال ....)
صرخت بشدة وهي على حافة الجنون
( كفى ....... توقف ....توقف .....أنا أكرهك ......أكرهك اكثر مما كرهت اي أحد في حياتي )
ضحك بشغف وهو يشير اليها بإصبعه لتأتي اليه دون حتى أن يتحرك من مكانه ........لكنها اكملت صراخها
؛( توقف عن هذا .....أنا لست جاريتك بعد الآن )
ضحك اكثر وعبثه يتزايد في عينيه المشتاقتين لياسمينةٍ لم يرها من قبل ....ثم قال بصلفٍ عابث
( إن لم تعودي جاريتي ...... فماذا تفعلين هنا ؟.....)
ظلت تنظر الى غروره طويلا وهي تعلم علم اليقين ... إن الأسد لا سبيل لتغييره أبدا ......و الأسد الأعمى على وجه الخصوص لا سبيل لأن يبصر ...... سيظل أعمى القلب الى النهاية .......
تمكنت من القول بتحدٍ زائف
( أنا هنا بدافع الواجب ليس الا ..........)
ضحك فارس قليلا .. لكن ضحكة باهتة لا اثر للمرح فيها ثم قال بصوتٍ خافت ساخر
( آآآآخ .... لقد أصبتِ كبريائي ياسميناا )
ابتلعت ريقها وهي تشعر بانها مجروحة منه ومن لامبالته حتى الاعماق ... حتى إنها لم ترى انكسار عينيه , لم ترى سوى قسوة ملامحه فقالت بقسوةٍ تضاهيها
( لم تترك لي خيارا و أنت تتعمد اثارة جنون كل من يحاولون خدمتك ..... الن تتوقف عن تصرفاتِ الأطفالِ تلك ؟....)
رد عليها بجفاء
( لم يجبرك أحدا على المجيء الى هنا ..... الم نودع بعضنا آخر مرة ؟)
طعنتها كلماته الفظة فلم تتمالك نفسها ولا المها و هتفت مدافعة
( أنت لازلت زوجي ...... أريد حين أتركك نهائيا ... أن يكون ضميري مرتاحا تماما , حتى أستطيع المضي في حياتي )
تصلبت ملامحه وقست عيناه اكثر ... الا أنه سأل بهدوءٍ خطر
( تقصدين بالمضي في حياتك ......إيجاد شخصا اخر بالطبع .....رجلا .... يستطيع أن يراكِ )
لم يخطر هذا ببالها من قبل .... لم ولن تكون سوى لفارسٍ واحد ..... هو فارس مهران ....الا ان الغضب أعماها و جعلها تقول بترفع
( ولما لا ..... هل ظننت انني سابقى وحيدة طويلا ؟....... اشعر من الان ان الحياة بدات في ..........)
لم تستطع اكمال جملتها الحمقاء لن في لحظةٍ مرعبةٍ وقبل ان ترمش بعينيها كان الأسد قد قفز من مكانه ليصل اليها في خطوة واحدة ولم تخرج من شفتيها سوى صرخة صغيرة قبل أن تمتد قبضته لتقبض على عنقها و تضغط عليه بينما يده الأخرى جذبت شعرها بشدةٍ حتى صرخت الما .... لكنه لم يهتم لصرختها بدا وكأن شيطانا تقمصه وهو يهمس أمام وجهها
( من قابلتِ خلال فترة تسكعك ........انطقي يا سما قبل ان ازهق روحك )
ظلت تنظر الى وجهه الشرس و هي لا تصدق أن هذا المجنون الذي يكاد يسحق عنقها الآن و يتهمها بهذه الخرافات هو نفسه العاشق الذى ضمها في جنون عاصفته منذ دقائق قليلة .....تمكنت من الهمس بغضب وهي تحاول التهرب من قبضتيه المتوحشتين
( لم أقابل أحدا .......ليس بعد ...... لكني لن أظل جاريتك للأبد , سأتحرر منك يا فارس مهران )
تركت يده عنقها لتقبض على فكها بشدة وهو يقترب بوجهه من وجهها ليهمس بشراسة أمام شفتيها المرتجفتين
( بل ستظلين جاريتي للأبد يا ياسمينا ..... ولو حاولت اللعب على هذه النقطة فستكون نهاية حياتك )
رفضت أن تخضع لهذا الارهاب فقالت بشجاعةٍ تتراجع قبل أن تبدا
( الم نودع بعضنا آخر مرة ؟؟......)
ارتعشت عضلة بعنقه وخفت قبضته على فكها تدريجيا حتى أصبحت ممسكة بها بدفءٍ رائع ثم همس أمام شفتيها بجنون
( لن تستطيعي توديعي ما حييتي يا ياسمينا .....لانك غارقة في حبي من قمة رأسك الجميل وحتى أصابع قدميكِ الصغيرتين )
أظلمت عيناها البراقتان و ارتجفت شفتاها ثم همست بشراسةِ نمرة جريحة تنازع الموت
( و ما أدراك أنت بالحب ........)
القت بهمستها في وجهه فتراجع بحدة و كأنها رمته بشظيةٍ جرحته .... للحظاتٍ صمت هو وصمتت هي وكلا منهما ينظر للاخر دون ان يرى هو عينيها ودون ان ترى هي قلبه ........
جذب ذقنها ليرفعه اليه اكثر ثم انحنى ليلامس شفتيها مرة بعد مرة و كأنه بالفعل يودعها لآخر مرة ..... شعرت بهذا في قبلاته .... إنه يودعها بالفعل ....لم تفكر بهذا طويلا حتى تركها اخيرا ......وهمس مغمضا عينيه
( اذهبي .......)
لم تكن مهياة لهذه الكلمة الحادة كنصلِ شفرة ٍ جرت على قلبها في لمح البصر لتخلف به خيط رفيعا داميا ........همست عابسة لتتأكد
؛( ماذا ؟.....)
اعاد عليها دون ان يفتح عينيه
( اذهبي ..... هيا .......)
انتزعت نفسها من بين يديه بقسوة ٍ وعدلت ملابسها بعنفٍ وهي لا تكاد ترى شيئا بعد أن تمزقت الى آلاف القطع ثم جرت عدة خطوات نحو الباب الا ان همسته اوقفتها
( ياسمينا .....)
التفتت تنظر اليه .....دون أملٍ فقد مات بداخلها مراتٍ ومرات من قبل .......تاهت نظراته وشردت بعيدا ثم قال بهدوء
( أردت أن اطمئنك أني لن أفشي سرك .........فلتعد شقيقتيكِ متى أصبحتا جاهزتين , لن أعيدهما أنا رغما عنهما ........لا تخشي شيئا لن يعرف أحدا أنكِ كنتِ هنا ........)
ظلت تنظر اليه بقلبٍ مطعون و عيونٍ تنزف دما ...... شقيقتيها ؟...... لم يعبرا حتى في ذهنها خلال الدقائق الماضية ........لكن هو بدا في قمه هدوؤه و سيطرته على نفسه
استدارت تبغي المغادرة من هنا سريعا قبل أن تنهار أمامه لكنه نادى مرة أخرى بلهفةٍ
( سما .......)
عادت لتلتفت اليه مرة أخرى وقد انهمرت دموعها هذه المرة على وجنتيها دون صوت فهمس فارس
( سما .....لا تكوني لغيري أبدا )
اتسعت عيناها المغروقتانِ قليلا .... أرادت الصراخ , أرادت تحطيمِ ما حولها ......يالا ظلمه و تجبره وقسوة قلبه ..... فقط يريد أن تظل دائرة في فلكه الى مالا نهاية ..... أن تظل أسيرة حبه , وهو الذي لم يعترف بوجودِ ما يسمى حبا أصلا ......
لكن شيئا ما في عينيه منعها من أن تبثه سما لتقتل غروره , فتاهت عيناها الباكيتانِ بعينيه الضائعتين طويلا ...... الى أن همست أخيرا
( حتى وإن أردت .......فلن استطيع )
ثم استدارات لتخرج من الغرفةِ جريا قبل أن يوقفها للمرةِ الثالثة ........ لكنه لم يحاول أصلا ...........
.................................................. .................................................. ..........................................
كانت سابين تمشي جيئة و ذهابا وهي في قمة الغضب بينما حلا تنظر اليها بتوجس وقلق مما ستفعله بسما حين تعود ......انها تبدو في شكلٍ شرس مخيف ..... فحاولت الكلام بخفوت
؛( سابين ......إنها فقط ذات ضميرٍ حي اكثر من اللازم .....الا تعرفين سما و احساسها العالي بالواجب )
التفتت اليها سابين بشراسة وعيناها تلمعان وهي تهتف حانقة
( واجب ؟!!..... اي واجب هذا ؟.... الا تكفيها اربع سنواتٍ كاملةٍ من حياتها لتنتهي من هذا الاحساس الأعمى بالواجب تجاه شخصٍ تلذذ بافقادها كل ما لديها من كرامة ؟؟)
أطرقت حلا برأسها شاعرة باليأس من أن تفهم سابين يوما معنى أن تحب بعمق حتى يفقد كل شيءٍ آخر معناه ....رن هاتف سما الذى تركته هنا ليجعل نبضات قلبها تقفز أضعاف المعتاد فقامت جريا اليه لترد على توأم روحها , ولكن مع نظرة سابين التى ازدادت وحشية وقسوة , لم تستلم حلا بل التقطتت الهاتف بكل ثقة وهي تقول بهدوءٍ عذب
( سابين ... لقد انتهينا من كلِ هذا .... أنا صاحبة قرار نفسي و إن أردت أن أجيب زوجي فسأفعل ......أنا هنا بإرادتي لذا اعطيني حرية القرار من فضلك )
نظرت سابين اليها في حنقٍ لكنها لم تستطع ايقافها فقد كانت بداخلها تشعر بالاعجاب من تقدم حلا الرائع خلال الايام الماضية .....ظل حاجباها معقودان لكن ابتسامة غير مرئية بدأت في الظهور فابتسمت حلا ابتسامة عريضة وهي ترد على ادهم بصوتٍ خلاب و تبتعد بالهاتف .......
وفي تلك اللحظة فتح الباب ودخلت منه سما بتثاقل فاندفعت اليها سابين بغضب لتصرخ بها
( لماذا تأخرتِ ؟...... كل هذا وأنتِ تعملين بلا توقف ؟......بدلا من ان توفري كل طاقتك استعدادا للعام الدراسي الجديد , اصبحت خادمة الآن ؟؟؟......)
رفعت سما عينيها المتورمتين الى سابين دون ان تنطق بكلمةٍ واحدة فقالت سابين و قد خمد غضبها تماما
( ماذا حدث ؟...... هل كنتِ تبكين ؟.... ماذا فعل بكِ من جديد ؟)
لم تستطع سما التحمل اكثر فانفجرت باكية وهي تدفن وجهها بين كفيها ... فاقتربت منها سابين بسرعة وضمتها اليها وهي تربت على شعرها بقلق هامسة
( ماذا حدث يا سما ؟؟ ....تكلمي لقد اقلقتني جدا )
لكن سما ازدادت تشبثا بها وهي غير قادرة على إيقاف عاصفة البكاء التى اصابتها , فقادتها سابين حتى اجلستها على الاريكة وهي مازالت تضمها الى صدرها .....ثم تركتها تبكي طويلا حتى شعرت بها تهدا قليلا فقالت بحزم
( الآن أخبريني ماذا حدث ؟...........الأمر لا يحتاج الى ذكاء لقد تعرف عليكِ اليس كذلك ؟.....)
أومأت سما برأسها المدفون في أحضان سابين وهي تبكي بصمت ثم همست
( آسفة جدا يا سابين أعرف أن هذا سيجلب لكِ المشاكل ........)
استمرت سابين تمسح على شعرها بنعومةٍ وهي تسند ذقنها عليه ثم همست برقة
( لا عليكِ .... كان هذا سينتهي إن آجلا أو عاجلا .... لقد آن الوقت و أنتِ تعلمين هذا ....... الآن أخبريني ماذا حدث و لماذا أبكاكِ بعد أن تعرف اليكِ , الم يكفيه أن تعودي لخدمته بعد كلِ ما فعله ؟.......)
شهقت سما شهقة بكاءٍ ناعمة و همست بعذاب
( لم يردني يا سابين ..... طلب مني الذهاب وعدم الرجوع ..... تماما كما كان يفعل قديما ..... لقد عشت في الوهم طويلا ......)
نفثت سابين هواءا ساخنا من شفتيها من شدة غضبها على ذلك الأحمق الذى تسبب في تعاسة سما طويلا .......قالت أخيرا بصوتٍ خافت
( أعطِني الإشارة فقط يا سما وأنا سأذهب اليه وأضربه حتى يطلب الرحمة .....لطالما تمنيت أن يأتي هذا اليوم منذ اربع سنوات )
ضحكت سما قليلا من بين دموعها وهمست بعد لحظة
( هل تتذكرين عندما كنتِ تدافعين عني دائما ونحن صغارا ؟............كثيرا ما جريت اليكِ وأنا أبكي و أنتِ بين صديقاتك , الا إنكِ لم تهتمي أبدا بهن و كنتِ تندفعي ممسكة بيدى حتى تضربي من أبكاني .....)
ضحكت سابين برقةٍ وهي تهمس
( لقد تعرضت للعقاب بسببك كثيرا ...........)
ضحكت سما هي الأخرى بينما دموعها تابي الانقطاع ثم رفعت رأسها أخيرا و نظرت الى عيني سابين بعينيها الدامعتين وهمست
( أعتقد أنها النهاية بالفعل يا سابين .....لقد قدمت كل شيء , لم أعد أملك ما أقدمه بعد الآن ........)
أومات سابين برأسها وهي تربت على وجنتها ثم قالت بحزم
( لا أريد أن يشغلك أي شيءٍ بعد الآن عن التفكير بدراستك , مفهوم ؟؟.........كنت أتمنى أن تكوني معي أنا وحلا , لكن لن اسمح بأن يعطلك أي شيء بعد الآن ........)
قالت سما بهدوء حزين بالرغم من تمزق قلبها
( أعتقد ان دراستي ستكون هي الأمل الوحيد للخروج مما أنا فيه .......لقد رهنت حياتي لشيءٍ واحد فترة طويلة ..... طويلة جدا .....و آن الأوان لأن يتغير هذا .......)
في هذه اللحظة خرجت حلا ووجهها لم يكن يوما اكثر جمالا منه في هذه اللحظة بابتسامتها المشرقة و كأنها مراهقة انهت للتو حديثها العاطفي مع خطيبها .......فهتفت سابين في وجهها مغتاظة منها
( حلا لماذا تركتِ الملفات التى طلبت منك أن تدرسيها لتتعلمي منها .........ثم من فضلك امسحي هذه الابتسامة الحمقاء عن وجهك , تبدين كمراهقةٍ عاشقة .........)
ظلت ابتسامة حلا على شفتيها لم تغادرها وردت بكل هدوء
( لن تنجحى في اغضابي الآن يا سابين ........سأدرسها بعد قليل , أما الآن فلي رغبة في الإستمتاع بصحبة شقيقتي )
ثم تقدمت لتحشر نفسها بينهما بالقوةِ وهما تحتجان الى ان تمكنت من الجلوسِ بينهما بكلِ براءة ثم نقلت نظرها بين كلا منهما الى أن استقرت على عيون سما المتورمة لكنها لم تسألها .... فقط أحاطتها بذراعها وهى تهمس
(لم يكن هناك من هي أشد مني بؤسا .......فقط انتظري , الأيام السعيدة لم تأتيكِ بعد .......انتظري قليلا )
اغمضت سابين عينيها وهي تهمس حانقة
( يا الهي هاهو المزاج العاطفي الأحمق الذى يتبع كل مكالمةٍ لها مع ادهم مهران الذى يحاول جاهدا أن يكون عاطفيا هذه الأيام )
ابتسمت حلا اكثر وهي تهمس حالمة
( بل هو من علم الرجال جميعا كيف يكونوا عاشقين .........)
تأوهت كلا من سما وسابين بحنقٍ و ملل و قامتا من جوارها ........أخذت تضحك بسرور لمنظرهما الطريف ..... بل هي تشعر الآن أن الدنيا كلها أصبحت طريفة للغاية ..........
تلك الليلة كانت حلا مستلقية في فراشها واضعة هاتف سما بجوارها على الوسادة .... تنظر اليه منتظرة بشوق أن يكلمها مرة أخرى ....
و فجأة علا رنين الهاتف بالفعل فأسرعت تلتقطه بسرعة , لكنها أصيبت بالإحباط تماما حين وجدت اسم احمد ....استمر الرنين وقلبها يرأف لحاله اكثر و اكثر .......كان بينهن اتفاقا غير معلن الا ترد أيا منهن على زوج الأخرى ..... لكن حلا لم تستطع احتمال تأنيب الضمير اكثر فلقد مرت ثلاثة أشهر دون أن تكلمه سابين ..... نعم هو أخطأ لكن ليس من العدل أن يتحمل كل هذا الكم من القلق ...... اتخذت قرارها بسرعة و ردت على الهاتف فوصلها صوته الملهوف مناديا
( سما ؟؟ ..... هل هذه أنتِ ؟؟......)
ابتلعت حلا ريقها و ردت بصوتٍ منخفضٍ للغاية
( لا ..... أنا حلا .... مرحبا احمد )
وصلها صوته اكثر لهفة و اكثر رقة
( كيف حالك أنتِ يا حلا ؟.........)
ردت برقة ( بخير ........)
ثم صمتت تماما تنتظر سؤاله المفروغ منه فقال بلهفة واضحة ؛( كيف حال سابين يا حلا ؟.........)
ردت حلا بتعاطف ( إنها بخير تماما ..... غاضبة قليلا لكنها تحاول أن تخفي هذا )
سمعت صوته وهو يأخذ نفسا حزينا عميقا ثم همس مرة أخرى
( هل هذا يؤثر عليها ؟........هل هي ؟.........)
لم يستطع أن يكمل فكرامته أبت عليه ان يتأكد من حلا إن كانت سابين تحمل طفله بالفعل ام أنها مجرد خدعة منها ......لكنه لم ينتظر طويلا حتى وصله صوت حلا الناعم
( صدقني إنها بخير ....... والطفل أيضا )
سمعت حلا صوت ضحكة مختنقة و أنفاسا متهدجة ......فقد كانت تعلم أنه يريد التأكد منها , صحيح أنه من الجائز أن تقتلها سابين الا إنها لم تهتم .... ليس هناك قلبا في الدنيا يتحمل أن يظل احمد على مثل هذه النار و الحيرة .......لم يستطع الكلام للحظاتٍ طويلة فساعدته حلا وهي تهمس
( سيكون لابنتك أخا او أختا صغيرة ...... اليس هذا رائعا ؟....)
وصلتها ضحكة متحشرجة أخرى اكثر تهدجا و اختناقا ..... يالهى ... ان هذا الرجل الكبير يبدو وكأنه تألم كثيرا بحياته .....و لقد أوقعه حظه السيء أخيرا بسابين ......الن ترق لحاله أبدا ......
أخيرا استطاع احمد الهمس بتضرع
( حلا الن تخبريني أين هي ؟...........)
تنهدت حلا غاضبة من سابين بسبب هذا الموقف المتعنت لكنها همست بأسف
؛( لن أستطيع ......صدقني لن أستطيع .....إنها .....مجروحة للغاية بالرغم من أنها لا تظهر هذا أبدا لكني أستطيع أن المح الألم بعينيها .....اعطِها فقط بعض الوقت .......)
تنهد احمد تنهيدة قوية ....ثم قال بعد فترة صمت طويلة
( شكرا لكِ يا حلا .... على كلِ شيء.....لكن من العدل أن أخبرك أنني لن أوقف البحث عنها للحظةٍ واحدة ...... أن أرادت الوقت فلتأخذه لكن ليكن ذلك تحت أنظاري .....)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول برقةٍ مشجعة
( لن يلومك أحد على البحثِ عن زوجتك أبدا ...........ومن يعلم ..... قد تكون حيث تظن أنك أضعتها )
همس احمد بحيرةٍ وعبوس ( ماذا ؟..........)
فقالت حلا بابتسامةٍ خلابة ( تصبح على خير يا احمد .... قبل ابنتك نيابة عني ) ثم أغلقت الخط
.................................................. .................................................. ........................................
في الصباح الباكر كانت حلا واقفة تنتظرعلى طريق البحر مرتدية بدلتها الرياضية بلونها الأبيض و شعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ........ثم لم تلبث أن ابتسمت قائلة بعتب رقيق
( لقد تأخرتِ ...........)
اقتربت منها سمر وهي الأخرى ترتدي بدلة رياضية سوداء فقالت بمرح
( اعتذر جدا سيدتى .......هل ضايقك أحد ؟)
اتسعت ابتسامة حلا وهي تقول بمرح مماثل
( وهل يجرؤ أن يقترب أحد من حلا الراشد ؟........فليقترب مني أحد لتكن نهايته )
ضحكت سمر وهي تقول
( ياه.... لقد أرهبتِني حقا , اذن أنا معي حماية ممتازة فلا داعي لأن أخاف من أي أحد )
ضحكت حلا وقالت رافعة أحد حاجبيها ؛( بالتأكيد ......لا تخافي أنتِ معي )
ضحكتا طويلا ثم قالت سمر
(اذن هيا بنا ........ أين توقفنا آخر مرة ؟....)
ثم انطلقتا لتجريانِ على طريقِ البحرِ معا جنبا الى جنب ............و استرسلت حلا في الحديث كما اعتادت في المراتِ السابقة .
.................................................. .................................................. ..............................................
بعد عدة ليالي كانت سابين مستلقية في الفراش الضخم ..... تحيط بها ستائره الشفافة ..... تعزلها عن العالم كله لترسلها الى ليلةٍ تحاول جاهدة أن تنساها ..... ليلة حبها للمارد الذى كسر شيئا بداخلها ......لينمو شيئا آخر .......
مدت يدها لتضعها على بطنها التى ظهرت بحياءٍ شديد ............إنها في الشهر الرابع الآن .........هل حقا مرت أربعة اشهر على زواجها باحمد مهران ..... إنها تشعر بها كاعوام ........
أخفضت نظرها الى بطنها وهمست وهي تتلمسها ....
( ترى من ستكون ؟...........لقد جئت في غفلة مني تماما .... هل ظلمتك بمجيئك الى هذه الدنيا ؟؟.......وعلى ماذا ستحصل ؟....أبٍ لا يحترم أمك و لن يثق بها ........ وأمٍ لن تسامح أباك أبدا .......هل ستلقى نفس مصيري أنا و إخوتي ؟.......)
قاطع طرقا رقيقا على الباب استرسال افكارها الحزينة ..... فنادت بهدوء وهي تخفي حزنها بمهارة
( ادخل ........)
فتح الباب ودخلت اميرة بكلِ هدوء و وقار....... وهي تنظر الى أنحاء الغرفةِ بحزنٍ كما اعتادت أن تفعل كل مرةٍ تدخلها ...... فلقد لاحظت سابين ذلك مهما حاولت اميرة اخفاؤه .......
اقتربت اميرة منها وهي تبتسم برقة ثم جلست بجوارها على الفراش .....ثم وضعت يدها فوق يد سابين الملامسةِ لبطنها و همست بحب
( كيف حال حفيدي ؟.........)
ابتسمت سابين قليلا مخفية الشرخ العميق بداخلها وقالت بهدوء ( بخير ..... على ما أعتقد )
قالت اميرة مبتسمة ( لا ..... لا اريد كلمة اعتقاد ... أريده بخير )
ابتسمت سابين دون أن تجيبها فتنهدت اميرة و قالت بعد تردد
( الن تسامحي احمد بعد ؟.......إنه في حالة لا يحسد عليها )
أجابت سابين بقسوة ( هذه الحالة لا تقارن بما جعلنى أمر به .........)
أطرقت اميرة براسها وهي لا تجرؤ على مجادلتها في هذا الأمر .....إنها حتى هذه اللحظة لا تعرف كيف تمكن احمد من التصرف بهذا الشكل المخزي ......
حاولت ان تتكلم مبتسمة فقالت
( وماذا عن قلبك أنتِ ؟.......)
ردت سابين بصلابة ( ماذا عنه ؟.......)
ردت اميرة بثقة ( قلت لكِ من قبل أنكِ أخذتِ نظرة عماد الراشد ..... وأنا أعلم جيدا نظرة عماد الراشد حين يحب )
ردت سابين بعد عدة لحظات ( ربما .......لكني أخذت ايضا قسوة ايثار الراشد )
ندمت سابين على الفور حين نطقت باسم ايثار .... فقد تجلى الألم بأقسى اشكاله في عيني اميرة حتى أنهما لمعتا بدموعٍ خفية .....صمتتا هما الاثنتانِ طويلا وهما تتجرعانِ الألم معا ....لا مزيد من الكلام ممكن أن يقال ......
في هذه اللحظة دخلت سما الغرفة مبتسمة وهي تلقي التحية على اميرة وتقبلها على وجنتيها , لكنها لم يفتها إرتباك اميرة الشديد حين رأتها .... حتى إنها أدارت عينيها و كأنها تخفي أمرا يخصها ....جلست سما بجوارهما على الفراش مبتسمة بقلق تتبادل معهما المزاح قليلا بينما غاب جو المرح عن الغرفة تماما .......
لم تستطع سما الصبراكثر فقالت بقلق
(ماذا هناك عمتى ؟.... أنتِ تخفين عني شيئا ..... هل فارس بخير ؟ أرجوكِ أخبريني )
ارتبكت اميرة طويلا و توترت و بان الحزن في عينيها اكثر فاحترق قلب سما الى أن قالت اميرة أخيرا بشفقةٍ على سما
( لقد سافر فارس اليوم يا سما ..........)
ساد الصمت جو الغرفة تماما بينما صعقت سما لما سمعته .... همست بعد فترة من الصدمة
( كيف سافر ؟...... ولماذا ؟......)
أجابتها اميرة بحزن ( لم أعلم صدقيني الا بعد سفره ... لقد تعمد اخفاء الأمر عني تماما , لقد علمت أنه خطط لذلك منذ فترة فأرسل الى مدير أعماله بالخارج و الذى انهى جميع الاجراءات الأيام الماضية .......و جاء الى هنا ليصطحبه معه )
ظلت سما ناظرة اليها فاغرة فمها لا تفهم شيئا مما يقال .... أخذت تهذى بعد لحظات
( لكن كيف ؟..... من سيرعاه ؟......إنه .......)
صمتت حين شعرت بعدم ترابط كلامها فقالت اميرة حزنا على حزنها
( لا تقلقي ... لقد أخبرني مدير أعماله أنه في حالة هادئة و أنه سيتقبل المساعدة الطبية دون اعتراض )
حاولت سما الكلام ففتحت شفتيها الا إنها عادت لتغلقهما و هي لا تجد القدرة على الرد .... مدت سابين يدها لتربت بها على يد سما , التى نظرت اليهما بابتسامة مهزوزة وقالت بتلعثم
( ماذا ؟.... لماذا تنظرانِ الي هكذا ؟..... أنا بخير حقا ..... قد يكون هذا خيرا له , فلقد تعب كثيرا و ....... أنا أتمنى له السعادة حقا ......إنه يستحق ان .......)
صمتت حين شعرت بغصةٍ فى حلقها كصخرةٍ مدببة و اندفعت الدموع الى عينيها فرمشت بسرعة وقامت من على الفراش وهي تهمس بتحشرج
( عن اذنكما .......) ثم خرجت جريا من الغرفةِ و هي تشهق شهقة لم تستطع كتمانها ... زفرت سابين بحنق وهي تهمس
( الأحمق ... الغبي , سيعرف مقدارها حين يكون قد فات الأوان )
نظرت اليها أميرة و هي لا تحتمل اكثر كل هذا الألم الذى سببه أبناء مهران لبنات عماد الراشد .... لقد أخلفت وعدها له ....وها هن بناته جميعن يعانين أشد المعاناة .......لقد خانت عهدها لحبيبها ......عند هذه النقطة قامت هي الأخرى من مكانها و هي غير قادرة على منع الدموع من القفز الى عينيها فنظرت الى سابين باعتذار قائلة
( اعذريني حبيبتي .......)
ثم خرجت من الغرفة وهي تضع يدها على قلبها المتألم ........
.................................................. .................................................. ...............................................
كان احمد مهران جالسا بعظمة آل مهران ينافسه هيبة... أدهم مهران الجالس الى يمينه و مساعدته حسناء الجالسة الى يساره .....
كانا يجلسان بثقةٍ في اجتماعِ تعارف لعدد من رجالِ الأعمال و قد حضر الجميع بمساعديهم .... ماعدا واحد ..... وهو من ينتظره تحديدا .....على نارٍ حامية ....
التفت قليلا الى ادهم وهو يقول بملامح متصلبةٍ حتى لا يظهر عليها شدة التوتر الذى ينهش أعماقه
؛( لا تنسى يا ادهم اننى اخبرتك فقط لتاتى معى وتمنعني من التصرف بحماقة .... فمن فضلك التزم الهدوء ان كانت هي , انا احتاج لسيطرتك اكثر من سيطرتي )
ظل ادهم صامتا قليلا وهو يشعر بالغضب يكاد يفتك به و أحمد يطلب منه التزام الهدوء إن رأى سابين أمامه الآن ..... كيف له أن يمسك أعصابه فلا ينهض ليحطم رأسها على ما سببته للجميع من أذى .....لكن لا سبيل آخر غير هذا إن أراد الوصول الى حلا ......
لحظاتٍ وكانت الساحرة تدخل من بابِ القاعة .... لتتبعها مساعدتها .....
فتح ادهم عينيه على أقصى اتساع وهو لا يصدق أنه يرى حلا أمامه ..........بينما هتف احمد همسا مصعوقا الى ادهم
( يا الهي ..... إنها هي بالفعل )
مال ادهم في كرسيه الى الأمام و كانه ينوي الانقضاض عليهما فأسرع احمد للإمساك بذراعه وقد صعقه وجود حلا الذى سيفسد كل شيء بجعل الوحش ينتفض في أية لحظة ..... قال احمد وهو يستجدي ادهم الذى يحاول النهوض
( أرجوك يا ادهم ليس الآن ...... بالله عليك لقد أحضرتك هنا لتهدئني , امسك أعصابك ..... الناس جميعا تتطلع بيننا و بينهما )
حاول ادهم جاهد السيطرة على أعصابه و هو ينظر الى حلاه التى غابت عنه لثلاثِ شهور ٍ كاملة ..... يا الهي ما اجملها ..... انها تبرق سحرا ......
نظرت حلا الى وجوه الحاضرين تبحث بلهفةٍ الى ان اصطدمت عيناها بعيني الوحش ......ها هو ..... انتفض قلبها مرة ... مرتين .... استمر في الانتفاض حتى شعرت به يكاد يقفز من صدرها ......ثلاثةِ اشهر .... لم تره لثلاثةِ اشهر .....
غاب كل الحاضرين عنهما الآن وقد اشتبكت عيناهما في حوارٍ طويلٍ صامت ...... يبث كلا منهما نار شوقه الى الآخر عله يفهم ....
كانت حلا هي أول من استرد وعيه حين همست دون صوت ... مجرد تشكلت شفتيها بحروف كلمة ( حبيبي .........)
اشتعلت عيناه عشقا و اشتياقا و ارتفعت زاويتي شفتيه وهو يلتقط حروف كلمتها من حركة شفتيها.......طافت نظراته عليها من رأسها الى قدميها , كانت تبدو مذهلة و بها سحر غريب جديد عليها .....
كانت ترتدي زيا كلاسيكيا رسميا أسود محتشما لكن في نفس الوقت يحدد معالم جسدها الخرافي بشكلٍ أشعله وجعله راغبا في خنقها و تقبيلها في نفس الوقت .......
لم يستطع الصمود اكثر وهو يحاول النهوض الا ان احمد ازداد تشبثا به وهو يهمس بحدة
( ليس الآن يا ادهم أرجوك لقد بدأ الاجتماع بالفعل ونحن في غنا عن الفضائح حاليا )
أخذ ادهم نفسا عميقا و حاول التراجع في كرسيه حتى لا يهجم عليها أمام الناس بينما عيناه التهمتها التهاما وهي تجلس مقابلة له على طاولة الإجتماعات الضخمة دون أن تفارق عيناها عينيه ..........
في لحظة دخولهما الى القاعة دارت عيناها في لمحةٍ خاطفةٍ حتى التقطتت هدفها ..... ها هو ..... بالفعل هو بنفس الذكاء الذى توقعته عنه , وها هو نجح في الوصولِ اليها .....
دخلت سابين الى القاعةِ تتبعها حلا .... كانت مشيتها الرشيقة بدت وكأنها تخطو على قلوبِ الحاضرين ..... كانت كائنة خرافية من السحر و الأناقة ..... والوقار ...
حتى أن الصمت ساد القاعة تدريجيا ثم تعالت الهمسات بعدها يسألون بعضهم البعض إن كانت هذه هي سابين الراشد زوجة احمد مهران بالفعل أم أنه مجرد تشابه ......
أخذت النظرات تتنقل بينهما و تأكدو جميعا من أنها هي بالفعل زوجة احمد مهران من نظراته المشتعله اليها ......انتقلت نظراته لا إراديا الى بطنها الذى لا زال ضامرا لكن عينه هو فقط من التقطتت ذلك الإنتفاخ البسيط بها .... احترقت شفتاه بابتسامة رائعه وهو يرفع عينيه الى عينيها يسألها ففوجىء بل صعق من نظرةِ حنانٍ غريبة ٍ في عينيها احتوته والقته في بحورها مع ابتسامتها الحانية وكأنها تطمئنه أن الطفل بخير ..... كانت نظرة خيالية بينهما .... لكنها دامت لحظة ..... فقط لحظة حتى أنه لم يكن متأكدا منها حيث عادت القسوة والشراسة الى عينيها ......
تقدمت سابين كملكة غازية حتى جلست في مقابلته .... واضعة ساقها الرشيقة فوق الأخرى بكل أناقة دون أن تحيد عيناها عن عينيه بكلِ تحدي .......أغلق احمد كفيه في قبضتين قويتين حتى ابيضت مفاصل أصابعه و هو يحاول التحكم بنفسه حتى لا ينهض و يجذبها اليه .
استمر هذا الإجتماع طويلا حتى شعر كلا من احمد وادهم انهما على وشكِ الإنفجار من عدم قدرتهما على القيام بأي حركة .....
بينما كانت سابين تجلس بمنتهى البرود وهي تتطلع بنظرةٍ جليدية الى حسناء مساعدة احمد التى اخذت تتعمد الاقتراب منه كل فترةٍ لتهمس له شيئا .... حتى ان احمد نفسه شعر بالضيق وهو يحاول جاهدا الابتعاد عنها حين تهمس له شيئا ..... و عندما التقط نظرات سابين الثلجية عاوده الشعور الفظيع بالذنب وهي تراه سلبها ما تعبت من أجله كثيرا ........
أخيرا في نهاية الإجتماع قامت سابين بكل هدوء و وقار لتقول محدثة الحضور بعد تحيتهم
( بالطبع وصلتكم خطاباتي بقرب بدء مجموعتي الخاصة الا إن الإسم هو ما سيتغير ...... ستصبح مجموعة عماد الراشد )
تعالت الهمسات و التعليقات و الجميع في حالةٍ من الدهشة ...... كيف أن سابين الراشد امتلكت الجرأة للنزول الى السوق بمجموعةٍ منافسةٍ لمجموعة مهران ..... وهل هي تمتلك بالفعل الإمكانيات اللازمة لمثل هذه الخطوة الجبارة ؟............
بعد لحظاتِ الصدمة الأولى علا فجأة صوت احمد مهران وهو يقول بصوته العميق الواثق
( تهانئي على بدء المجموعة الجديدة ...... بالرغم من أن مجموعة مهران لم تتلقى دعوة )
التقت نظراتها بنظراته بتحدٍ سافر و قالت بسخريةٍ مبطنة لم يلحظها غيره
( وهل تحتاج مجموعة مهران الى دعوة ؟؟........إنها مدرستي الأولى )
ارتفع حاجباه قليلا وهو يقاوم نفسه حتى لا ينقض عليها و يذكرها بمعلمها الأول .........استمر التحدي بينهما و بدأ الجو في التوتر الى أن أُعلِن عن انتهاء الإجتماع ..... وما أن بدأ الناس في الخروج أو النهوض لمحادثة بعضهم حتى قام أدهم مندفعا كأسدٍ في اتجاه فريسته بينما ظل احمد مكانه ينتظر على نارٍ خروج هذا الجمع من المراقبين له و لسابين .......
اتسعت عينا حلا قليلا وهي تشاهد اندفاع ادهم ناحيتها و عيناه مشتعلتانِ اشتياقا و ما أن وصل اليها حتى جذبها من يدها بقسوة وجرها خلفه بسرعةٍ شديدة حتى كادت أن تتعثر خلفه وهما يخرجانِ من القاعة .......
استمر ادهم يجرها خلفه يبحث بعينه يمينا و يسارا حتى حتى وجد باب سلم الحريق الخلفي فدفعه جاذبا حلا معه وما أن أغلق الباب خلفه حتى جذبها اليه محاوطا خصرها بذراعيه رافعا إياها عن الأرض وهو يجتاح شفتيها بشفتيه بقبلةٍ أخبرتها بعمقِ ما كان يشعر به وهو بعيدا عنها .....استمر شوقهما العاصف للحظاتٍ طويلةٍ وهي تحاوط عنقه بذراعيها و معلقة تتأرجح بساقيها ......
وحين ابتعدا أخيرا عن بعضهما وهما يتنفسانِ بصعوبة يتطلعانِ الى أعينِ بعضيهما بشوقٍ مجنون قطعته حلا وهي تمد يدها لتلامس بها لحيته الناعمة الخفيفة هامسة بتأوه و شغف
( لقد أطلقت لحيتك ..... كل ما تفعله يزيدك وسامة و روعة )
أنزلها أدهم الى الأرض على قدميها لكن لا ليتركها بل ليجذب وجهها الحبيب اليه ليقبله بكلِ شغف ثم ابتعد مرة أخرى مقاوما نفسه و هو يجذبها من يدها وهو يهمس ( تعالي ..........)
هتفت حلا و هي تجري خلفه وهو ينزل بها على السلالم ( الى أين ؟.......أدهم .. الى أين ؟...... لن أستطيع أن أرحل دون سابين )
لكن ادهم لم يجبها وهو ينزل بها ..... ليتوقف عند كلِ طابقٍ مقبلا إياها بقوة ..........حتى وصلا أخيرا الى الطابق الأرضي ومنه الى سيارته التى انطلق بها حاملا معه حبيبة عمره كله ..........
.................................................. .................................................. .......................................
كانت سابين تلملم أوراقها من على طاولة الإجتماعات الضخمة وهي تشعر بعينيه مسلطتانِ عليها بقسوةٍ كادت أن تحرقها .... لكنها لم تهتم ولم ترفع حتى رأسها اليه ........حتى خلت القاعة تماما الا منهما و مساعدته .......
اقترب منها احمد ببطءٍ حتى وصل اليها ..... و للحظاتٍ لم يستطع النطقِ بكلمة وهو ينظر الى رأسها المحني و خصلة شعرها التى حجبت وجهها عنه .....
ظلا هكذا الى أن سمع صوتِ اقتراب كعبي حذاء مساعدته العاليين وهي تطرق بهما الأرض بنفاذ صبر ثم قالت بصوتٍ ناعم
( هل سننصرف الآن يا سيد احمد ؟..........)
قال بصوتٍ صارم دون أن ينظر اليها ( يمكنك الإنصراف أنتِ حسناء .......سيوصلك السائق , أنا سأبقى لأقل زوجتي )
سمع صوت انصرافها بحدة دون حتى أن تلقي التحية على سابين الا إنه لم يكن ليهتم بها الآن ..... في حضرةِ ساحرته ......
رفعت سابين نظرها اليه رافعة حاجبها بسخرية وهي تقول بصوتها الذى لازال مغريا كما يتذكره تماما
( حسناء ؟؟!!!........لقد أجدت اختيار من تخلفني )
التقى حاجباه وهو يشعر بنفس الشعور القاسي بالذنب .... الا انه رفض ان تبعده عن هدفه الذى عذبه لأشهر فقال بصوتٍ عميقٍ اجش
( كنتِ تعلمين أنني سأجدك اليوم ..... لقد رأيت ذلك في نظراتك حين دخلتِ )
نظرت الى عينيه بتحدى وقالت بنعومة
( عرفت أنك من الذكاء لتفكر باحتمال بدء عملي الخاص )
حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ( حسنا لقد لعبتِ و استمتعتِ بوقتك ..... الم يحن الوقت لننتهي من هذه المهزلة ؟)
ظلت تنظر اليه في صمت ثم قالت بعد فترة
( لم تكن لعبة أبدا ..... إن كنت تريد أن تجدني , كنت لتجدني بكلِ سهولة .....كان من الممكن أن تكون حاضرا لحفلِ تالا .....كان من الممكنِ أيضا أن تعود لتتذكرني في أنحاءِ قلعتك )
اتسعت عيناه بصدمةٍ وهو يتذكر جملة حلا الاخيرة له في الهاتف فقال مصدوما
( كنتِ هناك كل هذا الوقت ؟!!!...... خرجتِ منها لتعودي اليها اليومِ التالي ؟!!! .... وأنا الذى بحثت عنكِ في كلِ مكان .....لكن كيف لم تعلم أمي بهذا ؟.....)
اتسعت ابتسامتها المستفزة أكثر وهي تجيبه
( أخبرتك أنك لو أردت أن تجدني لوجدتني بسهولة ............)
أغمض عينيه بشدةٍ وهو يرفع يده الى جبهته وهو يشعر بغضبٍ شرس من كلِ من حوله .... ثم أخذ نفسا عميقا وهو يحاول تهدئة نفسه ثم قال بصوتٍ عميقٍ مجهد .......
( حسنا يا سابين .......أنا مستعدا للتغاضي عن الأشهر الماضية , فقط من أجلِ ما سببته لكِ من قبل .......لكن هذه المهزلة يجب أن تنتهي حالا , فلتعودي معي الآن ......)
لكن قبل أن تجيبه سابين بردا متحديا رآه في عينيها اللاهبتين .... كان قد رفع يده اليها لتسمع أولا ثم تابع بهدوء
؛( عودي معي .....و أنا مستعدا لتمويلِ مجموعتك بالكامل )
شعرت سابين و كأنه لكمها في معدتها ....... فسكتت تماما تتطلع اليه بنظرةٍ جوفاء الى أن تمكنت أخيرا من القول بصوتٍ بارد لا معنى له
( بالطبع ...... حين يفشل آل مهران في نيل ما يريدون , لا يكون لهم سوى الحل الأزلي .......شراء نساء الراشد .....لكن فلتسمع هذا جيدا يا احمد مهران ....... سابين الراشد ليست للبيع )
أمسك بذراعها بقسوة و قال بغضب
( من سيمنعني الآن من جرك الى البيت ؟............)
انتزعت ذراعها منه بقسوةٍ أكبر وهي تقول بشراسة
( لما لا تحاول ؟..... أحمد مهران العظيم يخرج من هنا حاملا زوجته على كتفه وهي تصرخ ........حقا أحمد ؟!!!......في أى زمنٍ تعيش ؟...... المرة السابقة أخذتني غدرا أما الآن فأنا مستعدة لك ,أرِني أقصى ما تستطيع فعله ...........)
ظل ينظر اليها بغضب يتزايد ثم قال بصوتٍ قوي
( هل تتصورين أنني سأتنازل عن ابني بهذه البساطة ؟..............)
هدأت ملامحها الشرسة و ظلت تنظر اليه طويلا ثم قالت مبتسمة بهدوء
( ومن قال أنني سأحرمك منه ......... لقد ذهبت أيام العبث يا احمد و أنا الآن أحاول البدء من جديد , وأول ما أريده هو حياة سوية لطفلي لذا تأكد من أنك ستكون متواجدا بحياته ...... لقد أثمر تعليمك و ستحصل على أمٍ محترمةٍ لطفلك فلا تقلق )
شعر بطعنةٍ في صدره من جملتها البسيطة اكثر مما لو كانت جادلته و تعنتت معه .......لا يعلم لماذا .........
اقترب منها احمد اكثر وهو يمسك بذراعيها ليهمس لها ( و زوجتي ؟..............)
رفعت عينيها اليه لتأسره بهما و تضيعه في لونهما الرائع الذى تحول الآن الى لونٍ صافٍ تماما .....فلم يشعر بنفسه حين أخفض رأسه ليقبل شفتيها المكتنزتين بلهفةٍ دون اعتبارٍ للمكان الذى هما به ....... وتركته سابين يروي شوقه العاصف اليها وهي تعلم بإمكانية دخول أى أحد في أية لحظة الا إنها لم تهتم ...... منذ متى كانت سابين الراشد تهتم لمنظرها أمام المجتمع ...... لكن أن يتصرف أحمد مهران بهذا الشكل فهذا هو ما أرضاها و غذى كبريائها المجروح منه .......
بعد لحظاتٍ دافئةٍ بينهما رفع احمد رأسه لينظر مبتسما الى عينيها اللامعتين .......لكن قبل أن يهمس بكلمة حبيبتي ...... كانت سابين قد تكلمت بكل هدوء
( أريدك أن تبدأ في معاملاتِ الطلاق يا أحمد .......من فضلك )
استغلت لحظات ذهوله و صدمته فأخذت أوراقها و ابتعدت عنه وهي تمشي بكلِ ثقة ...... تاركة إياه في حالة ٍ من اللا تصديق ...والألم الفظيع ......بالإضافة الى غضبٍ مدمر بدأ في الاشتعال بداخله تدريجيا الى أن اندفع خارجا من القاعة وهو ينظر اليها وهي تبتعد برشاقةٍ في الممر الطويل فصرخ
؛( في أحلامك يا سابين ............)
لم تتوقف ولم تنظر حتى اليه بل تابعت سيرها الى أن اختفت من ناظريه ..............و تركته يهمس لنفسه بوحشية
( في أحلامك .....في أحلامك يا سابين .....لن تكوني لغيري مادام في صدري نفسا يتردد وهذا وعدا مني )
.................................................. .................................................. ..............................................
كانت سابين جالسة في سيارتها تحاول تهدئة أنفاسها المضطربة وهي ترتب أوراقها محاولة منع أي شيء من التشويش على فرحتها ببدء مجموعتها الخاصة ..... مجموعة عماد الراشد ..... لو كان فقط حيا ليرى هذا اليوم ...... لكن مع ذلك يكفي ان اسمه عاد للظهور في السوق من جديد .......
تذكرت البريد الالكتروني الذى وصلها منذ فترةٍ من الخارج من مجموعةٍ ضخمة بدأت عملها منذ سنين ......فقلب الموازين تماما .... إنها تحفظه تماما ... كل حرفٍ فيه ....
عزيزتي سابين الراشد
اعتذر عن التساهل في الألقاب , لكنى سررت للغاية حين علمت برجوع اسم عماد الراشد من جديد ....لقد كان مثلنا الأعلى دائما , أعرف أن له ثلاثِ بنات لكنى اندهشت تماما حين عرفت ببدئهن في مجموعةٍ جديدةٍ منافسةٍ للمجموعاتِ الضخمةِ الموجودة ......
إنها لشجاعةٍ منقطعةِ النظير , لذا تقبلي مني كافة المساعدات المطلوبة , وإن وافقتِ فسأكون مسرورا بتمويل مجموعة عماد الراشد الى أن تسترد مكانتها التى كانت من سنين طويلة .....سأرسل لكِ كافة المعلومات التى تحتاجينها لدراستها ......
تقبلي منى خالص تمنياتي بنجاحك و بتعاملٍ قريبٍ بيننا
عمار الراشد
↚
كانت مستلقية على ذراعه تتطلع الى السقف وهي تشعر بنفسها تحلق فوق سحابة وردية , لم تشعر يوما أنها أكثر سعادة أو أنها كانت يوما في منتهى الكمال كما هي الآن ....
أفاقت من أحلام يقظتها على لمساتٍ كأجنحة الفراشات تتجول على وجنتها رفعت عيناها الحالمتان اليه فصدمتها النار التى لازالت مشتعلة بهما ... ما أجمل عينيه .... كيف كانت تخاف منهما سابقا .... هل كانت عمياء بالكامل حتى فاتها هذا النبع من الحماية و الحنان ... والحب المتدفق منهما .......كيف لم تشعر بحبه وهي أصغر سنا ......كيف تصورت أنه تخلى عنها يوم أجبروها على الزواج من طلال .......ابتسمت ابتسامة حزينة لعينيه الرائعتين اللتين تلتهمانِ كل جزءٍ من وجهها ثم همست وهي تتلمس وجهه
( أحبك يا ادهم مهران ......)
نظر الى عينيها الذهبيتين المختلطتين بخضار البحر وتاه فيهما ثم أخفض رأسه ليقبل شفتيها الناعمتين تحت شفتيه......ثم قال لها بصوتٍ منخفضٍ عميق , لايزال أجشا بعد تلك العاصفة النارية التى تشاركاها للتو
( أعشقك يا حلا الراشد .......) ثم همس متابعا وشفتاه تتجولان على وجهها الناعم
( لماذا لازلت أرى الحزن بعينيكِ ؟..........)
ابتسمت قليلا ثم همست بحزن وهي تتلمس وجهه و ذقنه التى عشقتها في غضونِ دقائق
(يبدو أن قدرك هو أن يظل الحزن مرافقا لنظراتِ حبيبتك لك )
عقد حاجبيه قليلا ثم احتواها بشدةٍ بين ذراعيه , يضمها الى صدره يريد أن يدخلها قلبه ليحميها من حزنها ...همس بعد لحظة
( مستعدا أن أدفع حياتي لأزيل هذا الحزن ..... فقط أرشديني كيف )
دفنت وجهها في كتفه القوية و لم تستطع منع دمعةٍ حزينة من التدحرج من وجنتها الى كتفه ثم همست
( لقد فعلت كل ما عليك بالفعل ..... إنه دوري الآن , علي دين تجاه نفسي يجب أن أوفيه )
أمسك بذقنها ينظر الى عينيها الدامعتين ثم همس بصوتٍ أجش يسألها السؤال الذي سأله كثيرا من قبل
؛( متى كبرتِ الى هذه الدرجة ؟.................)
ضحكت قليلا ثم همست وهي تمسح وجنتها بيدها الحرة
( لقد سألتني هذا السؤال من قبل كثيرا ........ لقد كبرت يا ادهم ..... كبرت كثيرا .......منذ أن أخذوني منك من سنين )
بان العذاب في عينيه ليعود و يحتضنها بقوة الى صدره ثم همس في شعرها
؛( لن يجرؤ أحدا على أخذك مني بعد الآن ....... أنتِ لي يا حلا دائما و أبدا )
أومأت برأسها و رفعت وجهها اليه تبتسم بعشقٍ لا نهايه لأعماقه ثم اقتربت لتحاوط عنقه بذراعيها لتقبله بقوة ٍ للمرةِ الأولى بهذه الجرأة فتاه في سحر قبلتها وهو يميل بها طويلا الى أن همس من بين أشواقه المستعرة
( فلتتأكدي أنكِ لن تخرجي من هنا منذ هذه اللحظة ...... وأنا أيضا , فليذهب العمل الى الجحيم )
ضحكت قليلا تحت شفتيه الساحقتين ... الا أنه لم يفته تهرب عينيها من عينيه .... فما كان منه الا أن قطع شوقه اليها رغما عنه و رفع رأسه ينظر الى عينيها المرتبكتين بقسوة ثم هدر بعنف
( حلا ؟!!!!...........)
لم تتصنع عدم الفهم ... فقد فهمت معنى سؤاله الخشن و هذا ما كانت تخشاه منذ أن هرب بها ........كانت تعلم قبل أن تحضر الإجتماع أنها لن تستطيع مقاومته ما أن ينفرد بها .....و لقد دربت نفسها طويلا على هذه المواجهه حتى لا تضعف أمامه ...... لكن الطبع انهارت كل مخططاتها ما أن نظر الى عينيها و تركت التفكير فى العواقب الى ما بعد ......
نظرت الى عينيه القاسيتين نظرة استعطاف ترجوه أن يتفهمها ثم همست بحذر
( ادهم ......لا زال الطريق أمامي طويلا .... أنا لم أبدأ حتى بعد ......)
أمسك بذقنها بقوةٍ و قال بقسوة
؛( ما المفترض أن أفهمه من هذه الجملة ؟............)
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ ثم همست بتردد
( يجب .... أن أعود يا ادهم .........)
اشتدت قبضته على ذقنها حتى كاد أن يخلعها وهو يقول بوحشية
(أصبتِ تماما .... يجب أن تعودي ..... الى بيتك والى زوجك يا حلا ......)
يا الهي ها هو ما كانت تخاف منه ..... كيف ستقنعه الآن ...... لكنها في مفترق الطرق الآن و يجب الا تتخاذل حتى لا تعود الى الوراء مرة أخرى بعد ذلك الإنجاز الضئيل الذى حققته .......
حاولت الهمس بلطف و هي تتلمس كتفه برقة
؛( حاول فقط أن تسمعني قبل أن تقرر شيئا ..... يجب أن أعتمد على نفسي في ترميم نفسي قليلا يا أدهم ..... لقد اعتمدت عليك طويلا ... طويلا جدا ....حتى وصل بي الأمر حين حاولت التصرف وحدي ذات مرة ..... أن آلمتك .......وهذه كانت القشة الأخيرة .....لذا سأحاول جاهدة الرجوع الى حلا القديمة التى أحببتها .... بل و أفضل منها حتى .....لقد انتظمت في علاجي و سأبدأ العمل مع سابين , صحيح أنني لازلت لا أفهم به شيئا ..... لكنها بداية وأنا ممتنة لها .... معظم من لهن مثل ظروفي لن تتاح لهن مثل هذه الفرصة أبدا .... لذا يجب علي أن أعمل جاهدة على الا تضيع مني .....حاول فقط أن تفهمني )
لكن عينيه لم تلين أبدا .....بل ظهرت بهما الدهشة مختلطة بالقسوة وهو يهدر
( هل تظنين حقا أننى سأسمح لكِ بالخروج من هنا .................هل وصل خيالك الى هذا ....)
نظرت نظرة صافية لا خوف فيها الى عينيه الغاضبتين و قالت برقة
( تستطيع أن تحتجزني هنا .....أنا زوجتك و هذا قرارك و سأرضى به لأنك أهم عندي من أي شيء آخر في هذه الدنيا ...... لكنى أخبرتك بما أتمنى لنفسي ..... والقرار عائد اليك في النهاية )
شعر بغصةٍ في حلقه حين ضربته بوداعتها و رمت الكرة في ملعبه بذكاء .... يالهي يبدو أنها أصبحت امرأة خلابة و سيتعب معها كثيرا اكثر من تعبه معها وهي طفلة .......استطاع أخيرا أن يهمس حانقا
( وما الذى يمنع أن تحققي كل ما تريدينه و أنتِ في بيتك ......أمام عيوني لأطمئن عليكِ ...بل تستطيعين العمل معي إن كان العمل يمثل لكِ كل هذه الأهمية ...... و ضعي في الإعتبار أننى بهذا اقدم تضحية كبيرة بأن أسمح بخروجك كل يوم لتختلطي بالناس )
ضحكت قليلا ثم همست بضعف
( السبب الوحيد الذي سيجعلك تمنحني فرصة عمل هو أننى زوجتك .... حتى وإن فشلت تماما فستداري ذلك كما كنت تحميني دائما ......هل تتذكر حين كنت تحميني من سابين وأنا صغيرة ..... أشعر بأن هذا ما ستفعله دائما .....أما عملي مع سابين فلن يكون به مجال لأي تهاون ...... سابين أعطتني فرصة خرافية لكنها لن تتوانى عن سحبها إن لم أفعل ما أستحقها به .......بالإضافة الى إني أريد أن أشارك في مجموعة عماد الراشد ...... لا يمكنك تصور كم أن هذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبةِ لنا )
زمجر بعدم اقتناع وهو يقول بعد فترة بحنق
( حسنا .....أعملي في مجموعة عماد الراشد لكن عودي الى بيتك )
أسبلت جفنيها لا تعلم كيف توصل المعلومة اليه .... تحتاج الى مزيدٍ من الوقت ..... ما أن تعود اليه حتى تجرفها العاطفة العمياء ناحيته من جديد لتشتتها عن كل ما بدأت به ......لذا آثرت أن تعطيه جزءا من الحقيقه عله يتفهمه فهمست
( إن سابين و سما في حاجةٍ الي ..... إنهما مجروحتانِ للغاية , و يجب أن أظل بجوارهما .........أعرف أنني لن أستطيع فعل الكثير لكن اجتماعنا معا من جديد كان له تأثير جيد علينا ..... لا أتذكر أننا اقتربنا يوما من بعضنا الى هذا الحد ...)
اقترب منها وعاد ليقبلها برقةٍ أذابت أطرافها الواهنة ..... وهو يهمس لأذنها بتملق
( عودي الي يا حلا ...... أنا بحاجةٍ اليكِ حبيبتي ..... فقط عودي الي )
تأوهت حلا بعذاب وهي تشعر بقرب استسلامها ..... ما اسهل ان ترمي كل مخططاتها خلف ظهرها و تستسلم و تعود الى أحضانه الدافئة من جديد ..... لكن لن يمر وقتا طويلا حتى تعود لإحدى إنتكاساتها من جديد .... وهما يعلمانِ معا بأن هذا ما سيحدث ......ستعود لتتكل عليه من جديد ..... وتعيش فقط لأشواقها العاصفةِ اليه دون أن تجهد نفسها بمعالجة أي من مشاكلها .......
همست بترجي ( سأعود حبيبي ..... فقط إن سمحت لي بفترةٍ من ترميم نفسي ......صدقني مهما كان ما تعرفه عني , فهو لا يقارن بكل ما بداخلي من جروح وآلام .....لازال الطريق أمامي طويلا لأصبح إنسانة شبه طبيعية .......)
بدا وكأنه تذكر شيئا من حديثها فقال مستفسرا باندهاش
( هل قلتِ أنكِ انتظمتِ في العلاج ؟............)
أومأت حلا رأسها وهى محرجة من القادم .... و بالفعل سألها بدهشةٍ أكبر
( مع من تتتابعين علاجك ؟........)
رمشت بعينيها ثم همست بحرجٍ بعد فترة ( سمر .....)
انتفض مصدوما ثم هتف بغضبٍ أخذ في التصاعد أكثر و أكثر
( سمر ؟!!!.......سمر؟!!!...... هل تآمر الكل ضدي ؟..... إخوتك و عمتى و السيدة اسراء و الآن ...... تخبريني أن سمر كانت مع هذا التآمر النسائي ........ ماذا فعلت , حتى تتآمرون ضدي بهذا الشكل ؟.........)
اقتربت منه لتتلمس فكه بيدها الرقيقة .....ثم همست برقة
( حبيبي ..... لم يكن تآمر أبدا ...... أنا اخترت أن أبقى مع سابين وسما ولم تكن تعلم السيدة اسراء بمكاننا صدقني .... صحيح أنها أعطت رقم هاتف سما الى سمر بعد الحاحٍ منها ..... لكنها لم تعلم غير ذلك ..... أما سمر فبعد أن هدأت و فكرت في الأمر مليا و جدت أنها لم تتعمد خداعي و أنها أرادت مساعدتي حقا ..... وحين قررت أن أبدا العلاج من جديد لم أشعر برغبةٍ في البدء مع شخصٍ غريب .....لن يستطيع أن يفهمني مثلما كانت تفعل سمر ..... وفي النهاية لقد وثقت أنت بها لتساعدني فلما أتردد ........و بالنسبةِ لعمتى ......)
لم تستطع أن تجد ما تكمل به فرفع ادهم حاجبا غاضبا وهو يستحثها قائلا ( نعم ....... أكملي )
ترددت قليلا ثم همست ببراءة وهي تتلعثم
( عمتى لم .....تعجبها تصرفاتكم ...الأخيرة معنا ... لذا قالت ..... قالت أن عليكم أن تتأدبو ...... قبل أن نعود اليكم )
ارتفع حاجباه بدهشة وهو يسمع تلك الخيانة الصادرة من عمته .....سيكون له حديث طويل مع احمد , لكن الآن فليهتم بسبب سعادته وشقائه لسنين طويلة ..... حلا ......
قال بصرامةٍ طريفة ( إن لم تعودي بنفسك فسآتى لأقيم معكن .........)
ضحكت طويلا وهي تهز برأسها علامة اليأس ......ثم قالت بعد أن هدأت
( لا ..... شكرا ...... أنا أريد أن تظل سابين قطعة واحدة ...... كنتما قديما كالزيتِ و النار طوال الوقت ......حين كنا كلنا نقيم معا هنا )
صمتت قليلا ورفعت عينيها الحزينتين الى عينيه وهمست مرة أخرى
( حين كنا كلنا نقيم معا ...... هنا )
رد عليها هامسا يتطلع الى حزنِ عينيها ( نعم ...... حين كنا كلنا معا , قبل أن يبعدوكي عني )
قالت محاولة الخروج من هذا الألم
( ما رأيك أن نخرج للحديقة ...... لقد اشتقت اليها جدا )
حاولت الخروج من ألمها فنقلته الى عينيه .....اذ أظلمتا بشدةٍ فغاص قلبها من هولِ ما رأته في عينيه فهمست مرتعبة ( ادهم ......)
أغلق شفتيها المرتعشتين بإصبعه .... ثم أخذ نفسا عميقا وهمس
( لا تخافي ...... لا أريدك أن تخافي مني بعد الآن ... أبدا )
انحنت عيناها بعذابٍ قاسٍ وهمست
( لا أخاف منك ........لكني جرحتك من جديد )
قال بصوتٍ أجشٍ قاطع ( هيا لننزل .........)
أومأت برأسها بصمت وهي تراه يحاول أن يداري الغضب الدامي الذى ظهر بعينيه .....ثم نهض ليجذبها من يدها بقوةٍ لتقف معه ثم في اللحظةِ التالية كان قد انقض على شفتيها بقبلةٍ حاول فيها أن يدمغها باسمه .... اسم ادهم مهران .....
كانا يتمشيان معا في الحديقة بصمتٍ ثقيل الى أن وصلا الى أول الممر الموصل للحديقة الخلفية..... فتوقف .... وتوقفت هي معه بقلبٍ ممزق تماما .....رفعت نظرها الحزين تسأله السماح ....ثم لم تلبث أن همست دون أن تستطيع منع نفسها
( ادهم ..... ماذا فعلت به ؟...)
نظر اليها بوحشيةٍ وقسوة ثم همس بعنف
( انسي هذا الموضوع الآن يا حلا ...... )
الا أن نظراته المتوحشة لم ترهبها ..... ما يرعبها أكثر أن يكون قد ورط نفسه بشيء بسببها ....فهمست بعذاب
(أرجوك أخبرني ..... لا تتركني لهذا العذاب , ......لقد وضعت ثقتي في شخصٍ لا يستحق ....وهو لا يستحق أن تؤذي نفسك بسببه )
نظر اليها بقسوة ثم قال
(اذن فقد عرفتِ أنه شخصا حقيرا لا يستحق .......لا يستحق الصداقة التى منحتيه إياها )
أومأت برأسها والدموع تنهمر على وجنتيها ثم همست بتحشرج
( علمت في آخر يوم رأيته .......لقد كان يعرف أشياءا كثيرة عني لم أخبره بها , لا أعلم كيف كنت عمياء وغبية الى هذه الدرجة .... الا أننى لم أكن في حالتي الطبيعية .... صدقني )
أخذ نفسا عميقا ثم قال بعده بصوتٍ أجش
( هذا غير مهم الآن ......انسيه)
شهقت شهقة صغيرة ثم همست باختناق
( ليس قبل أن تجيبني .....أرجوك ..... لا تتركني أتعذب بهذا الشكل )
أبعد عينيه عنها وعن عذابها الذي يمزقه ثم قرر أن ينهيه فقال أخيرا
( اطمئني .....لازال يمشي على قدميه , الا أنني عملت على أن يبتعد على مسافةِ بلادٍ من أي مكانٍ من المحتمل أن تتواجدي به , وتأكدي أنه نال ما يستحق جزاءا عادلا لما فعله .......)
تنهدت بقوة وأغمضت عينيها وهي تشعر بأن عذابها أخذ في التلاشي تدريجيا بعد أيامٍ و أيام من الرعب الذى سببه لها هذا الأمر
ثم فتحت عينيها لتنظر اليه باستعطاف
(وهل ستستطيع أن تسامحني ........)
قال لها بصوتٍ خافت
( ألم تخبرك الساعات الماضية .....ألم تعرفي من صوتي و أنا أتشرب صوتك كل ليلة دو أن أعرف مكانك )
قالت بضعف وهي تمد يدها الصغيرة لتتلمس صدره القوي
(أنا أقصد هنا ..... عميقا .....حيث لا يرى أحدا غيرك ما بداخلك )
رفع يده ليغطي بها يدها و يبقيها على صدره بقوة ثم نظر الى عينيها ليقول بكل وضوح
( أنتِ الوحيدة التى ترين ما بداخلي الآن ......و أنتِ تعرفين جيدا ليس هناك من شيء يستطيع أن يمس حبي لكِ )
ابتسمت بحزن .. نظر الى عينيها طويلا وابتسم ...... ثم أمسك بيدها و أكملا سيرهما .......
أول ما طارت اليه عينيها بلهفة هو حوض ورودها ..... لكن المنظر أمامها صدمها تماما .... لم يكن هناك أي حوض ..... ولا أية ورود ....... كان هناك أثار من أعشابٍ ضارة و كومة من أوراقٍ بنية و صفراء ...... كان منظره مقبضا تماما فلم تستطع منع نفسها من الهمس بصدمة
( أين ذهبت ورداتي ؟........)
مرت فترة صمت مقبضة الى أن قال ادهم أخيرا بوجوم
( لقد أحرقتهم .........)
نظرت اليه مصعوقة بعينينِ متسعتين مجروحتين .....ثم هتفت بحزن
؛( لكن لماذا .........لقد كانت .... كانت ....أول شيءٍ زرعته بنفسي )
لم تكن زراعة الورود هي تماما ما كانت تفعله بل كانت هذه الورود هي أول من سمع همسها ....أحزانها .....الآمها ......كانت أول من أفضت اليها بكلِ ما بداخلها حين ظنت أن لا أحد لديها ليسمعها .........
كان ادهم ينظر اليها وقد ظهرت كل انفعلاتها الحزينة على ملامح وجهها الشفافة التي لا تخفي شيئا ..... وشعر بقبضةٍ ثلجية تعتصر صدره من مرآها بهذا الشكل ..... لكن لن يستطيعا أن يكملا حياتهما معا و بينهما هذه البقعة السوداء ........سيتجاوزاها .... وسيعمل جاهدا على ذلك ......لقد أخطأ في حقها كثيرا لذا آن الأوان لأن يصلح كل ما فات بينهما ..... سيتألم ..... سيتألم مما سيسمعه في الأيام الآتية ..... لكن إن لم يتحمل الألم من أجلها ......فلمن يتحمله اذن .......
لن يترك أي شيء هي مستعدة لأن تفضي به ....سيسمعها و سيتألم .....لكنه سيسمع كل ما حدث لها أيام زواجها من طلال .......وكل ما فعله الحقير الذى أدخله بيته ..لكن ليس اليوم...........
همس بخشونة ( كنت غاضبا بشدة ...... لذا لم أتمالك نفسي)
شعر بلكمةٍ قويةٍ في قلبه حين شاهد عيناها تدمعان دون أن تجرؤ على الكلام حتى لا تثير غضبه اكثر ..... لذا أمسك بكفها الرقيقة و رفعها الى شفتيه ليقبلها ثم امسك بذقنها يرفع وجهها الذى انسابت عليه الدموع بصمت و قال بصوته العميق
( لكني بعدها صنعت لكِ شيئا آخر ....على أمل أن تعودي لي )
نظرت اليه بحيرة وهي تسأله بعينيها الملهوفتين عما صنعه لها .......فأشار بذقنه الى شيءٍ ما خلفها , وحين استدارت فوجئت بشيءٍ لم تره فور أن أتت الى هنا ......
كانت هناك أرجوحة خشبية معلقة بحبالٍ سميكة بين شجرتين ضخمتين متجاورتين بجانب السور الخلفي للحديقة ....فغرت شفتيها بشهقةٍ صامتة وهي تنظر اليها ...ثم دون وعيٍ منها سارت اليها ببطءٍ حتى وصلت اليها و أخذت تتلمسها.........
فقال ادهم من ورائها بصوتٍ اجشٍ من العاطفة
( هل تتذكرين ..... حين كنتِ في السادسة و كانت لدينا أرجوحة ضخمة ... وكانت دائما سابين تنزلك من عليها حتى تجلس هي.......)
أومأت حلا برأسها وهي تتطلع بشرودٍ مدهوش الى تلك الأرجوحة ثم أكملت كلامه همسا
؛( الى أن وجدتني أجلس على السلم ذات يومٍ وأنا أبكي ......وحين عرفت أنني أبكي لهذا السبب .... صنعت لي ارجوحة من مقعد واحد .....بين هاتين الشجرتين ......وعلقت على الشجرة لوحة صغيرة مكتوبا عليها " ملك حلا الراشد .... وممنوع لأي أحد أن يستخدمها غيرها ")
استدارت اليه بسرعة وهي تبكي أكثر و أكثر ....ثم همست بتحشرج
( كيف نسيتها......كيف تاهت عن بالي و أين ذهبت القديمة .........)
أخفض عينيه وهو يشعر بالذنبِ مرة أخرى ثم همس بصوته الأجش
( حين علمت بزواجك حطمتها شر تحطيم ...... كانت من مئات الاشياء التى حطمتها في ذلك الوقت ..... تصرفا أحمقا آخر يضاف الى لائحتى ...)
اقتربت خطوة منه ثم رفعت نفسها على أطرافِ أصابعها لتحاوط عنقه بذراعيها و تدفن وجهها في عنقه الدافىء هامسة
( أحبك يا ادهم مهران .......)
أحنى جبهته حتى استقرت على قمة شعرها وظلا هكذا .... ثوانٍ أو دقائق ..... لا يعلمان ... المهم أنهما معا .....مد يديه القويتين ثم حملها من خصرها ليجلسها على الأرجوحة .......ثم أخذ يؤرجحها برفق وهي تضحك برقة الى أن قالت بمرح
( يبدو أنك كبرت يا أدهم مهران ........)
عقد حاجبيه ثم قال وهو يقبض على حبلِ الأرجوحة بقوة يوقفها ( هل أنتِ مدركة لعواقب هذه الجملة المتهورة ؟..........)
أومأت برأسها وعينيها تلمعانِ بشقاوةٍ أشعلت قلبه ...... فما كان منه الا أن بدأ في أرجحتها ثانية .... لكن مع كلِ دفعةٍ كانت قوته تتزايد أكثر وأكثر .......حتى كادت ان ترتفع الى السماء وقد تعالت صرخاتها المختلطة بالضحك الهيستيري وشعرها الطويل يتطاير مجنونا متبعثرا في كلِ مكانٍ من حوله ليثير جنونه بها........الى أن لم تتحمل في النهاية فأخذت تستجديه بأن يوقفها ......فمد يد و أوقف الأرجوحة أخيرا بعد أن خاف عليها من شدة صراخها .......
بعد أن توقفت الأرجوحة تماما , كانت حلا متشبثة بكلا الحبلين وهي تلهث بشدة وعيناها متسعتان دامعتان من شدة الضحكِ و الصراخ ....وكان ادهم يضحك هو الآخر بصوتٍ عال .....لا يتذكر أنه ضحك بهذه الطريقة منذ فترةٍ طويلة ..... طويلة جدا ......
مد يديه ليمسك حلا من خصرها و ينزلها الى الأرض ... لكن لم تكد قدميها تلمسان الأرض حتى عاد ليحملها بين ذراعيها .....ثم همس بجانب أذنها همسا أجشا
( يكفي لعبا ....هناك شهورا يجب عليكِ أن تعوضيها لي .....و سيبدأ تعويضك من هذه اللحظة )
ضحكت بمرح وهي تتشبث أكثر بعنقه وتنظر الي عينيه بتحدٍ سافر .... ثم انحنت الى اذنه تهمس
( أنا انسانة عادلة .....وأحب أن أوفي ديوني أولا بأول )
ضحك بخفة وهو يتجه بها الى القصر .....حاملا اياها بجانب قلبه ...هامسا بعبث ( وهذا اكثر ما أحبه بكِ.......)
اثناء صعودهما السلم المتجه الى غرفتهما شاهدت السيدة اسراء التى كانت خارجة من أحد الغرف لكن ما أن رأتهما حتى استدارت عائدة دون أن تنسى أن تشير باصبع الابهام لحلا وهي تبتسم بخبث........
دفنت حلا وجهها الذى كاد أن ينفجر من احمراره وهمست ( يا الهي ماذا ستقول عنا الآن .......)
ضحك ادهم دون أن يهتم ......وما أن أغلق الباب خلفهما حتى نظر الى عينيها الجميلتين اللتين تلمعانِ بحبه .... ثم همس بتحدي محبب
( حسنا يا آنسة حلا ...... فلتخبريني مرة أخرى أنني كبرت )
ابتسمت لعينيه ....ثم فتنتها الشعرات الفضية المتناثرة بخفةٍ في لحيته الناعمة ......فهمست
( لقد كبرت بالفعل يا ادهم مهران ...... بشكلٍ يخطف الأنفاس )
وكان هذا آخر ما تمكنت من قوله وهي تضيع معه لعالمٍ أخر غير عالمهما ........
.................................................. .................................................. ..................................................
كانت سابين في المنزل البعيد الذى لم تعرفه الا وهي زوجة احمد مهران ...... منذ عودتها من الإجتماع ....وهي في المكتب تدرس أوراقها بعصبية ... تزفر بين كل حين و آخر ....تحاول التركيز على الأرقام المرصوصة أمامها على شاشة الحاسوب..... لتشرد بتفكيرها للحظات ثم تنهر نفسها لتعود للعمل مرة أخرى ..... هامسة بغضب
( كفى يا احمد مهران ..... ابتعد عن تفكيري )
دخلت عليها سما برقةٍ وهي تحمل معها طبقا به عددا من الشطائر وكوبا من الحليب .....وبعد أن وضعتهما أمامها على سطح المكتب ظلت تنظر الى وجهها القاسي الذى لم يرتفع اليها .... فهمست سما
( يكفي عملا اليوم يا سابين ...... أنتِ ترهقين نفسك جدا .... كما أنكِ ترهقين أعصابك وهذا ليس جيدا لكِ .... أو للطفل )
رفعت سابين نظرها الى سما ثم ابتسمت بحنان لكن دون أن يظهر المرح عليها وقالت
( سما الصغيرة تنصحنى الآن .........حسنا أمي ... لا تقلقي علي )
عبست سما وقالت ( أنا لا أمزح سابين ..... منذ أن عدتِ وأنتِ تحبسين نفسك هنا بحجة العمل .... الا أنني استطيع أن أقرأ عينيكِ جيدا .....ماذا حدث بينك وبين احمد )
اخفضت سابين عينيها مرة اخرى بلامبالاة ....ثم قالت بحزم
( لقد حدث الشيء الطبيعي .....لقد انتهى كل شيءٍ بيننا )
همست سما مصعوقة بصوتٍ لا يكاد يسمع ( ماذا ؟......... لماذا فعلتِ هذا ؟.... لماذا تسرعتِ و لم تعطهِ فرصة , أنتِ تحبينه ولن تستطيعي إنكار ذلك )
نظرت اليها سابين بغضب وقالت دون ان تستطيع السيطرة على انفعالها .... كما اصبحت مؤخرا
( ألن تنتهي بعد يا سما من تفاهاتك العاطفية تلك .... ها أنتِ أحببتِ بكل ما تستطيعين ... وأعطيتِ فرصة ...مرة واثنتين وثلاث ....وعلى ماذا حصلتِ في النهاية ؟......لا شيء .... باعك بأبخس الأثمان وترك كل شيء وعاد لحياته ......وها انتِ ستحصلين على لقب مطلقة ولم تكملي بعد عامك الثاني والعشرين .....هل هذا هو الحب الذى تريدينه لي ..... سأحصل أنا أيضا على الطلاق لكن على الأقل سأظل محتفظة بكرامتى )
كانت سما واقفة تنظر اليها بجمود دون أن يظهر على وجهها أي تعبير ... ماعدا عينيها اللتين بان الألم فيهما من قسوة سابين التى لم ترها منها من قبل ..... ثم دون كلمة واحدة استدارت لتغادر المكتب مغلقة الباب خلفها بكل هدوء ...
ظلت سابين تنظر الى الباب المغلق ولم تصدق أنها آلمت سما بهذا الشكل البشع ....ماذا فعلت لها لتقسو عليها بهذا الشكل .....
همست وهي تلقي الأوراق بغضب على سطح المكتب ..
( كله بسببك يا احمد مهران .....لقد كنت أكبر حماقةٍ ارتكبتها في حياتي كلها )
لم تستطع أن تلحق بسما الآن ....إن أعصابها على شفا الإنهيار ... وهي بالأكيد لن تتحمل أية مناظر عاطفية مرهقة من سما في هذه اللحظة .....
نظرت الى شاشة حاسوبها .....ثم فتحت الصورة المرسلة اليها ........ صورة الشخص الذى ستنتظره في المطار بعد عدة أيام .....عمار الراشد ..........
إنه يختلف تماما عن الشخصية التى رسمتها في عقلها ......عمار الراشد ...لا تعلم بعد درجة قرابته لوالدها , لكن جاء عرضه مواتيا لها تماما ...صحيح أنها لازالت تحت قيد دراسة الموضوع ولم تعطهِ رأيها مباشرة ...لكن أعجبها أن ينزل بنفسه حتى تعلم مع من ستتعامل تحديدا .....
رن هاتفها فالتقطتته تنظر الي رقم الطالب ثم ابتسمت قليلا لتاخذ نفسا عميقا محاولة تهدئة نفسها بدل أن تصب غضبها على تالا الصغيرة مثلما فعلت مع سما المسكينة .... ردت بهدوء
( مرحبا تالا .........)
ردت عليها تالا بحماسة ( مرحبا سابين ......هل اشتقتِ إلي ؟.....)
اتسعت ابتسامة سابين قليلا وقالت بهدوء ( نعم يا شريرة ....اشتقت اليكِ )
وصلها صوت تالا جذلا متحمسا أكثر وهي تقول ببراءة ( اذن هل أستطيع أن أراكِ غدا .......)
ردت سابين بهدوء ؛( تستطيعين أن تأتي مع جدتك .........)
قالت تالا بترجي ( هل يمكنك أن تأتى أنتِ الينا ........إن أبي ....متعبا جدا....)
قالت سابين بسرعة ( ماذا به ؟......هل هو بخير؟..)
ردت تالا بحزن ( لا أعلم ....منذ أن عاد اليوم وهو حزين ....حتى إنه لم يقرأ معي قصة اليوم .....)
تنفست سابين الصعداء ..ثم قالت بعد لحظات ( قد تكون لديه بعض المشاكل في العمل ..... غدا سيصبح بحالٍ أفضل , لا تقلقي )
قالت تالا بترجي ( حسنا هل يمكن أن تأتى و تقليني ....... من فضلك ... جدتي لن تكون هنا , ستذهب الى عمتي )
تنهدت سابين ثم ضغطت بإصبعيها مابين عينيها من شدة ارهاقها ثم قالت باستسلام ..( حسنا ... غدا صباحا سآتي لأصطحبك )
وصلتها أصوات تالا الفرحة فابتسمت سابين وهي تسأل نفسها ...ما الذى دهاها .....من المؤكد أنها هرمونات الحمل المجنونة .....
كانت سما في غرفتها ...تبكي بصمت و قلبها يعتصرها بشدة .... دافنة رأسها في الوسادة ..... متى سينتهي عذابها .... تريد أن ترتاح ولا تعرف للراحة سبيلا ...... الى متى ستتحمل ما تقاسيه ......متى سيموت حبه في قلبها , وهل سيموت أصلا ......
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى هاتفها الملقى بجوارها على الوسادة ..... هل تجرؤ ؟...... فقط تريد أن تسمع صوته .....لماذا تمنع نفسها ... فلتذهب الكرامة الى الجحيم .... متى كانت الكرامة فاصلا بينها و بين حبها ؟... فلماذا تهتم الآن ؟..........
أمسكت الهاتف وطلبت رقمه ...... مسحت دموعها بيدٍ مرتجفة وهي تنتظر ....هل سيرد عليها ؟... هل سيكون قاسيا للحد الذى يجعله يتجاهلها تماما ...راميا أربعة سنين زواج خلف ظهره ...دون حتى أن يتكلما كأناسٍ متحضرين .....
ثوانٍ قليلة وكان الصوت الحبيب يرد عليها هامسا
( ياسمينااا.........)
أغمضت عينيها لا تصدق أنه بالفعل أشفق عليها وقرر أن يسمعها صوته ... أخذ قلبها يخفق بقوة وهو يتعرف على صوت ساكنه ......وصلها صوته هامسا أجشا
( ياسمينا .... هل ستظلين صامتة ؟... )
انتفضت على سؤاله ثم حاولت النطق بهدوء ... الا أن كلامها خرج متعثرا متحشرجا و كأنها تسعل
( آآ....كيف حالك ....فارس , ظننت أن من واجبي ...... من واجبي الإطمئنان عليك )
ضحك قليلا ضحكة خافتة ثم قال بوجوم ( أنا بخير ..... لا تقلقي )
تاهت عيناها وهي تبحث عن أي شيء لتطيل الحوار معه قبل أن يغلق الخط ..فقالت بعد لحظات
( هل تأخذ أدويتك بانتظام .... هل تستطيع التعامل مع الممرضات ؟......)
قال فارس ببساطة ( قلت لكِ لا تقلقي لقد استسلمت أخيرا و أنا تقبل كل ما يعطفن علي به )
ابتلعت ريقها ثم لم تستطع منع نفسها من السؤال ( هل هن ممرضات ؟؟.... أقصد هل رأيتهن ؟......)
وضعت يدها على فمها تكتم الشهقة التى كادت تصدر عنها من هولِ ما قالت .... الا انه لم يغلق الخط كما توقعت بل ضحك بخفةٍ و قال بكلِ هدوءٍ و استمتاع
( هل تريدين أن تعرفي إن كن جميلات ياسمينااا ؟........لما لا تسألي بكل بساطة ؟.....)
قالت بغضب وهي تخطىء اكثر واكثر
( وكيف ستعرف ان كن جميلات ؟؟...........)
الا إنه مرة أخرى لم يغضب أو يثور بل قال بعبث
( تعرفين أن النظر ليس كل شيء ..........فمعكِ مثلا تأكدت بالدليل القاطع من أنكِ خلابة دون أن أراكِ )
شعرت بغضبٍ أحمق يشتعل بداخل كيانها ... دون أن تدرك مدحه الشغوف لجمالها ... كل ماسيطر عليها هو أن يكون قد عاد لعبثه القديم .... فما معنى هذا الهدوء و السرور الذى يقطر من صوته .... بعد أن كان دائما متشنجا غاضبا .....
قالت بغضب و شراسة ( ما معنى هذا يا فارس ؟...... هل نسيت أننى لازلت زوجتك ؟......حتى وإن لم يكن بالفعل لكننا لم نتطلق بعد ...لذا أنا لن أقبل أن تهينني بأن تكون غير مخلصا لي كما أنا مخلصة لك .... الى أن ينتهي ما بيننا رسميا)
ساد صمتا ثقيلا قاسيا عليهما معا ... ما الذى قالته ... لم يطرأ الطلاق ابدا على بالها من قبل .... اقصى ما كانت تتمناه بعد ان تركها هو ان يترك لها اسمه .... كذكرى منه .... لكن كلمات سابين ظلت متشبثة في قلبها كمخالبٍ مفترسة ... الى أن انهارت أعصابها الآن ونطقت بهذه الحماقة ......
سمعت صوته يهمس بصعوبة وقد فقد كل سروره وعبثه ( طلاق ؟..........)
أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ....لا ....لا ..... أرجوك لم أقصد ...لم أقصد ... أرجوك لا تنتهز الفرصة وتتصيد لي هذا الخطأ ....
يا الهي مالذى جعلني أتحامق وأكلمه الآن ؟...... كان يجب أن أعرف أننى سأنطق بإحدى حماقاتى كالمعتاد .....يا رب ساعدني ....
جاء صوت فارس خشنا صارما يناديها (سما......)
أغمضت عينيها وهي تنتظر مصيرها الذى جلبته لنفسها بمكالمتها الغبية .. لكنها لم تجد بدا من الرد بهمس مختنق ( نعم ........)
سمعت صوت نفسا حدا و كأنه يتنفس بصعوبة ثم قال أخيرا بنفس الصرامة
( أريدك أن تعديني وعدا ...... لا تفكري بطلب الطلاق الآن ....أعرف أنكِ ضيعتِ معي سنواتٍ كان من الممكن أن تكون الأجمل بحياتك ..... لكن كل ما أطلبه منكِ أن تنتظري ..... فقط انتظري قليلا......)
انهمرت دموعها على وجنتيها بصمت وهي تشعر بنصالٍ حادة تمزق قلبها .... سيطلقها .... قليلا و سيطلقها .......استمر بكاؤها دون أن تصدر صوتا الى قال بقوة ( سمااا .... عديني )
همست فبان بكاؤها ( أعدك .......)
تنهد بحزن ثم همس ( أراكِ لاحقا ......)
ردت عليه بهمسةٍ لم يسمعها ( نعم .......) و بعد أن أغلقت الخط أخذت تبكي طويلا ..... طويلا جدا ......الى أن سمعت صوتِ بابِ غرفتها يفتح و خطوات سابين تقترب منها .... لكنها لم تجرؤ على رفع رأسها من الوسادة ..... الى أن أحست بسابين تجلس على الفراش بجوارها ... لحظة و رفعتها لتضمها لصدرها وهي تقول
( كل هذا البكاء بسبب الكلمتين الغبيتين اللتين نطقت بهما و أنا غاضبة ؟؟.........هذا الطفل من المؤكد تسبب في خللٍ ما بعقلي )
ضحكت سما دون أن تجرؤ إخبار سابين بمكالمتها الغبية لفارس .... لن تتحمل الآن غضب سابين , يكفيها ماهي فيه .....رفعت وجهها المغروق بالدموع ثم ابتسمت بجهد لسابين التى سألتها برقة
( هل تصافينا ؟........)
أومات برأسها ..... ثم همست بعد فترة ( متى ستعود حلا ؟...... لقد تأخرت أم أنها لن تعود ؟...)
حين نطقت بهذا السؤال شعرت و كان حجرا ضخما اثقل قلبها .... كيف ستتعود على بعد أيا منهما بعد الآن ....يوما ما ستعود كلا من حلا وسابين الى ادهم واحمد ..... بالرغم من مكابرة سابين الا إنها موقنة من أنها ستعود اليه يوما ..... لن تستطيع أي امرأة مقاومة زوجا يحبها و يعتزم على استرجاعها......
أما هي فسينتهي بها الحال وحيدة يوما ما بعد أن تعود شقيقتيها الى زوجيهما ..... فهي لن تكون لرجلا آخر غير فارس مهران .....
أفاقت من أفكارها الحزينة على صوتِ سابين وهي تقول مبتسمة
( لقد عادت بالفعل الأستاذة .........)
( من يسأل عني ؟..........)
نظرت سابين وسما الى الواقفة بباب الغرفة .... وقد كان مظهرها كمظهر امرأةٍ عاشقة بجنون فهى ترتدي نفس زيها الرسمي لكن شعرها الرائع انساب متموجا بجنون يصل الى خصرها بدلال .....لم تكن هناك زينة على وجهها ... الا أن احمرار وجهها و بريق عينيها كانا أفضل من أي زينة بالعالم ..........
هتفت سما بدهشة ( كيف اقنعت ادهم بإعادتك الى هنا ؟............)
ابتسمت حلا برقة وقالت
( لدي أساليبي الخاصة .....لدينا عملا لم ينتهي بعد ... ولقد قطعت لكما وعدا بأني لن أترككما الآن ......ليس بعد..)
وكعادة سما في نطق كل ما هو غير مناسب ... فسألتها
( أين ذهبتما لتتأخرا كل هذا الوقت ؟...........كم أتمنى أن أخرج أنا أيضا قليلا و أروح عن نفسي )
احمر وجه حلا بشدة و هربت بعينيها من نظرات سابين العابثة التى لم تستطع كبت ضحكتها طويلا ...... فأدركت سما غباءها و احمر وجهها هي أيضا وهي تهمس متلعثمة
(أعتذر يا حلا ..... لم أكن أعرف .... أقصد لم أفكر .....)
قاطعتها حلا وهي تهتف بإرتباك ( هلا غيرنا الموضوع من فضلكما .........)
كبتت سابين ضحكها ثم قالت بحزم
( حسنا كفى عبثا .... حلا لا تنسي أنكِ ستأتين معي الى المطار لإستقبال عمار الراشد ثم نقله الى الفندق الذى سيقيم به ... سما أنتِ أيضا ستأتين معنا من باب التعارف)
أومأت سما برأسها بوجوم .....و ردت حلا بالموافقة ثم سألت سابين بقلق
( ماذا فعلتِ مع أحمد اليوم ؟........)
عادت الروح المجنونة لتتلبس سابين بعد أن كانت قد هدأت قليلا فقامت من الفراش لتخرج من الغرفة متجاوزة حلا وهى تهتف بحنق
( وما دخلكما بشؤوني الخاصة .... فلتهتم كلا منكما بحياتها بعيدا عن حياتي )
همست سما متنهدة بملل ( ها قد عادت الروح العدوانية من جديد ..........)
نظرت اليها حلا وهمست بحزن ( هل ساءت الأمور الى هذه الدرجة ؟........)
أومأت سما برأسها دون أن تجيب ...... لكن قبل أن تكمل حلا كلامها كان هاتفها الجديد يعلن عن اتصال ادهم ..فردت عليه مبتسمة
( ادهم ..... لم تكد تمر نصف ساعة على انصرافك )
وصلها صوته الحانق وهو يهدر في أذنها ( لا أعلم أصلا كيف وافقتك على هذا الجنون ........والآن تتذمرين من اتصالي بكِ؟ )
ضحكت بمرح وهي تلوح لسما و تخرج من الغرفة لتتحدث اليه .....ابتسمت حلا بحزن وهي تتذكر مكالمتها المأساوية لفارس منذ قليل ....وهمست لنفسها .... متى ستعتق قلبي .....متى .......
.................................................. .................................................. ................................................
صباحا كانت سابين جالسة في سيارتها تنتظر تالا أمام منزل احمد الذى لم تدخله من قبل .......لم يطل انتظارها حين فتح الباب و أطل منه احمد و خلفه تالا تقفز بمرح و كأنها في أسعد أيام حياتها .......
زفرت سابين بحنق .... ما الذى يفعله هنا ؟...... لماذا ليس في عمله ؟.........هذا ما كان ينقصها ....
اقترب منها احمد الى ان وصل للباب المجاور لها وفتحه دون ان تستطيع منعه ثم جذبها برفق من ذراعها لتخرج من السيارة ....لم تستطع الإعتراض مع رؤية تالا التى تنظر اليهما و كأنها تشاهد فيلما عاطفيا ......
وقفت أمامه تماما ... وجهها مواجه لصدره ... و يده لا تزال ممسكة بذراعها بدفءٍ شعرت به من خلال ملابسها ......
بدأت الكلام بهدوء دون أن تنظر الى عينيه
( كنت أريد أن أصطحب تالا لتمضي اليوم معي ..... وسأعيدها اليك في المساء )
كانت عيناه تلاحقانِ عينيها الهاربتين و ابتسامة حنان تعلو شفتيه ....ثم قال أخيرا بصوتٍ دافىء
( لقد دخلتِ الى الموضوع مباشرة دون حتى أن تلقي التحية علي )
أخذت نفسا طويلا خفيا وهي تشعر بغضبٍ لا حدود له .... الى متى ستستمر تمثيليته السمجة هذه .....لكنها لا تستطيع التصرف وتالا خلفه ... لا ذنب لها لتصدمها بوالدها ..... تبا لتلك الحنية الجديدة عليها والتى لا تعرف من أين أتت .......
رفعت عينيها الشرستين الى عينيه المغروقتين بالإستفزاز و التحدي وهي تحاول أن تجعله يقرأ ما بهما من تهديد .. الاأن ذلك لم يؤثر به ... بل زاد التحدي في عينيه .... فقالت بحزم
( هيا يا تالا ادخلي السيارة ......لقد وافق والدك )
لكن تالا ترددت قليلا ... الى أن قال احمد بهدوء
( في الواقع ...... لقد غيرت رأيي , ستمضيانِ يومكما هنا )
ارتفع حاجبا سابين و توحشت عيناها أكثر لكن قبل أن تفتح شفتيها برفضها القاطع ... تابع احمد بمرحٍ حازم
( إن لم تدخلي بإرادتك فسأحملك الى الداخل بنفسي )
أوشكت على أن تلقي بحممها الغاضبة في وجهه ... لكنها عدت الى العشرة بداخلها ثم قالت بهدوء
( لا لن أستطيع عذرا ......فهل ستسمح لي بأخذ تالا أم أنصرف من هنااااا....... )
خرجت أخر كلمتين من شفتيها و كأنهما صراخا ....دون أن تستطيع السيطرة على نفسها .....حينها أخذت تالا تقفز مرحا وهي تهتف
( لقد رفضت ....احملها أبي ...احملها ....)
اتسعت ابتسامة احمد و ارتسمت الشيطنة في عينيه ..... فحذرته سالبين هامسة بوحشية
( لا تفكر بذلك حتى .......)
الا إن احمد تجاهلها تماما وهو يرفعها بحركةٍ سريعةٍ بين ذراعيه جعلتها تصرخ من المفاجأة ثم أخذت تضربه على كتفه وهي تصرخ
( أنزلني يا احمد حالا ......توقف عن هذه التصرفات الطفولية )
الا أنه ضحك قائلا وهو يستدير بها غامزا لتالا التى تقفز وتصفق بيديها
( لا أستطيع أن أرفض طلبا لأميرتي الصغيرة ......لقد أمرت بأن تدخلي الى البيت محمولة بين ذراعي .....اذن هذا ما سيحدث )
أدخلها بالفعل الى المنزل الرائع و الذى خطف أنفاسها ما أن دخلته ... فتوقفت عن المقاومة وهي نتظر حولها للمنزل الذى يضم كل ما حلمت به يوما ..... وكأنه قد شاهد أحلامها عن البيت الذى تمنت أن تسكن فيه يوما ... فأسسه كما تحب ....
شعر بتأثرٍ عميق بداخله وهو يرى انبهارها بالمنزل ...حتى إنها أوقفت المقاومة بين ذراعيه دون أن تشعر .....فأحنى رأسه اليها وهمس في اذنها بحب
( مرحبا بكِ في بيتك ........)
نظرت الى عينيه بوحشية بعد أن أفاقت من شرودها على صوته فهمست هي الأخرى
( لن يكون بيتي أبدا ......)
همس لأذنها الحساسة ( بل سيكون .... )
ظلا ينظرانِ الى بعضهما بتحدي الى أن قطعه صوت تالا المتحمس
( جدتي .... لقد نجحنا في خطتنا , سابين ستمضي اليوم معنا هناااااااااا )
استدارت سابين برأسها لتجد أميرة واقفة عند السلم مرتبكة للغاية تنظر اليها باعتذار .....بينما أغمض احمد عينه يائسا من سذاجة تالا اللامتناهية ......
أخذت سابين تنقل نظرها بين ثلاثِ أزواجٍ من العيونِ العسليةِ المتشابهة ....وقد ظهر عليهم جميعا الإرتباك وكأنهم اقترفو ذنبا فظيعا ....
ساد الصمت للحظات و سابين غضبها يتفاقم اكثر واكثر فشعر احمد بأن سيطرتها على نفسها ستتلاشى قريبا ....فقرر أن ينهي غضبها سريعا خوفا عليها ......
فاقترب من اذنها ليهمس برقة
( سابين ..... من فضلك لا تخذلي تالا ....إنها متحمسة جدا لوجودك , كما أني لم أخبرها بعد بالطفل .... فضلت أن تكوني موجودة معنا حين أخبرها ......أقضي اليوم معنا , و أعدك أن أوصلك بنفسي مساءا )
للحظةٍ تاهت مابين عينيه الصافيتين وشفتيه المتحركتين بكلامٍ لم تسمع نصفه ..... هو أيضا خفتت آخر كلماته الى أن انقطعت حين شاهد نظرتها التائهة اليه .....شعرت سابين في هذه اللحظة بمضخةٍ عملاقة تضرب جانب صدرها ......و قد كان هذا هو قلبه الذى أخذ يخفق سريعا ......ابتلعت ريقها وقررت أن تنهي هذا الجنون سريعا ..... فقالت بهدوء
( حسنا .......سأبقى اليوم )
رمش احمد بعينه ليستفيق من سحرها المجنون ...... وتنفست اميرة بإرتياح بينما أخذت تالا تقفز كعادتها ........
ومر هذا اليوم بسحرٍ غريب على أربعتهم ..... كان هناك دفئا يلفهم لم تشعر به سابين من قلب ......أكلو معا ... ولعبو معا .... وضحكو كثيرا .....حتى أن سابين منذ بداية اليوم أن تستمتع به وتنسى مخططاتها ...... ليومٍ واحدٍ فقط ...... هو هذا اليوم ..... وغدا ستعود الى مقاتلته .... لكن اليوم ..فلتعش ما لم تعشه من قبل .....
لم يتوقف احمد طوال اليوم عن الاهتمامِ بها .... وتدليلها .... كانت كلما ارادت شيئا , يجلبه اليها بنفسه .....حتى انها بعد أن تعبت من الوقوفِ و اللعب في الحديقة ...... تمددت على الأريكة لتريح قدميها , فأتى أحمد اليها ليرفع قدميها ثم يجلس بجوارها واضعا قدميها على ساقيه ليدلكهما لها ......وقتها رفعت عينيها اليه .... فالتقت عيناهما معا طويلا .....وكأنه يريد أن يمحي بحركاته الناعمة كل ما آلمها به من قبل ......قال لها أخيرا بصوته العميق
( الم تكتفي بعد يا سابين من بعدك عني .......أعلم أن بدايتنا كانت سيئة للغاية , لكن لنصنع بداية جديدة .... من أجلنا جميعا )
ردت عليه سابين بهدوءٍ تشوبه لمسة حزنٍ خفي
( لا تدع الأوهام تتلاعب بك يا احمد ...... ليس معنى هذا اليوم أنني سأعدل عن قراراتي , لا حياة لنا معا وأنت تعلم ذلك جيدا .....أنت لن تثق بي يوما ... وأنا لن أستطيع نسيان ما فعلته بي )
أخفض عينيه وهو يشعر بقسوة كلمتها بأنها لن تستطيع النسيان .... وهل يستطيع هو .....قال لها بصوتٍ خافت
( يجب أن تعلمي أنكِ ستعودي الي ..لا شك بهذا........فلما لا نقلل أيام فراقنا )
قبل أن تجيبه أتت تالا لتجلس معهما فأنزلت سابين قدميها الى الأرض ببطء وقد شعرت بتردد احمد في تركها .....لكنه لم يتركها تماما بل اقترب منها ليلف خصرها بذراعه وهو يقول لتالا دون أن يرفع عينيه عن سابين
( تالا ....سابين تريد أن تخبرك شيئا )
نظرت سابين اليه بقسوة ... بينما انتظرت تالا بتحمس ....فنظرت اليها سابين ولم تجد بدا من التكلم بهدوء
( تالا ....أنا و والدك نريد أن .......أنه سيكون لكِ أخا أو أخت عما قريب )
ذهلت تالا تماما و اتسعت عيناها بشدة ... ثم بعد لحظات انفجرت في البكاء الشديد ..... نظرت سابين بصدمة الي رأسها المحنى و المدفون بين كفيها الصغيرين .. وفي لحظةٍ هاجمتها صورة حلا حين كانت في نفسِ عمرِ تالا وكانت ايثار تضربها في كثيرٍ من الأحيان ..هي أيضا كانت تؤذيها الا أنها كانت صغيرة في هذا الوقت ولم تدرك تأثيره على حلا ... كان من المفترض أن تعاملها كما كانت تعامل سما دائما ....شعرت بغصةٍ في حلقها . فقامت من مكانها الى أن وصلت لتالا ثم هبطت على ركبتيها وهي تضمها الى صدرها وتهمس لها
( هيا الآن يا تالا ....ما الأمر ....الا تعلمين أنكِ ستظلين فتاة أباكِ المفضلة .... لن يتغير هذا أبدا )
دفنت تالا وجهها في صدر سابين وهي تنشج ثم قالت باختناق ( لست ....لست أبكي ....لأني حزينة )
أدارت سابين رأسها الى احمد لتسأله المساعدة .... الا أن نظرته قطعت سؤالها .... كان ينظر اليهما مسحورا حزينا في نفس الوقت ...بهرته سابين في تعاملها مع تالا .... لم يتصورها أبدا بهذه الصورة .....رفع عينيه الى عينيها ثم قال بخفوت
( إن تالا تبكي دائما عندما تنفعل أو تتحمس بشدة ......)
ابتسمت سابين ثم استدارت الى تالا الباكية وجذبت خصلة من شعرها وهي تقول بمرح
( لقد أخفتني يا شريرة .....اذن فقد اتضح أنكِ طفلة مثل باقي الأطفال لقد شككت في هذا كثيرا ....هل أنتِ متحمسة للطفل القادم ؟ )
أومأت تالا برأسها وهي تمسح وجهها بيدها ثم قالت بصرامة وهي تشهق
( لكن ليكن في معلومك يا سابين حين يأتي هذا الطفل سأتين به وتعيشانِ معنا هنا...... وأنا لن أقبل بغير ذلك )
عادت سابين لتنظر بقسوةٍ الى احمد الذى كان يضحك الآن من ابنته التى تشبهه في صرامته .........
في المساء ذهبت سابين لتغسل وجهها استعدادا للرحيل و أثناء سيرها في الممر شعرت بيدين قويتين تجذبانها من خصرها لتلصقانها بالجدارِ خلفها ... شهقت بصدمة , ثم قالت بعد لحظاتٍ بغضب
( ابتعد يا احمد ......)
ابتسم وعيناه تبرقان ثم همس قرب اذنها ( حاولي ابعادي ....)
دفعته في صدره بكفيها الا إنها كما لو كانت تدفع جدارا صلبا ....
قالت بغضبٍ يتصاعد (ابتعد عني يا احمد ......)
الا إنه كان يقترب بوجهه من وجهها و ابتسامة عابثة على شفتيه فأخذت تدفعه لكنها لم تستطع النجاح حيث أمسك بذراعيها ليلفهما حول عنقه ثم تمكن من تقبيلها بكلِ ما اعتمل في نفسه من شوقٍ اليها ........مرت عليهما لحظاتٍ دافئة لتكمل سحر هذا اليوم , الى أن أبعد يديها ليأخذ نفسا عميقا قال بعده بحزم
؛( هيا....استعدي لأوصلك )
رمشت بعينيها عدة مرات لتستوعب ما يقوله ....ثم ابتعدت تسير أمامه بكلِ ما استطاعت من السيطرة على النفس
أخذ يراقبها وقلبه يصرخ مناديا إياها بشدة .....لكنه تمكن من اخماد شوقه قليلا وهو يفكر .....قريبا ستعودي الي بإرادتك يا ساحرتي المجنونة .....قريبا جدا .....
ثم تذكر جملة أميرة صباحا ....وهي تقول له .....سأساعدك لتستعيد قلبها فإن أخفقت فاعلم أنها فرصتك الأخيرة ..........
.................................................. .................................................. ........................................
كانت سابين وسما وحلا واقفاتٍ في المطار بانتظار عمار الراشد ......الى أن همست سابين
( ها هو ذا ..... تقريبا ...انه يشبه الصورة نوعا ما )
أخذ يقترب منهن مبتسما .... فاتسعت عينا حلا وفغرت سما شفتيها بينما رفعت سابين حاجبها بإعجاب من تلك الهيئة الخرافية المطلة عليهن .......
كان شابا طويلا بعضلاتٍ قوية يبدو في منتصف الثلاثينات..يرتدي بنطالا من الجينز يبين ساقيه القويتين ...وسترتة جلديةٍ سوداء على قميصٍ ناصع البياض
كان وسيما للغاية بوجهٍ رجولي صلب ...الا إن اكثر ما كان مميزا به هي عينيه بلونهما الأخضر القريب من الرمادي ....لقد حصل على عيون عائلة الراشد المعروفة بعيونهم ذات الألوانِ الغريبة ....
كان مختلفا عن رجال آل مهران المعروفين بقسوة ملامحهم ......
مالت سما الى اذن سابين وهمست
( ما هذا الكائن المذهل ؟!!!.......)
ابتسمت سابين وهمست ( كفى يا سما ......لقد اقترب )
وصل اليهن ثم تكلم مبتسما فخرج بصوتٍ رجولي عميقٍ للغاية ذو نبراتٍ رنانة
( لابد أنكن بنات عماد الراشد .....لا أرى أجمل منكن هنا )
ضحكت سما ببلاهةٍ تقريبا فلكزتها سابين بمرفقها .....بينما كانت حلا مذهولة لا تعلم بما ترد عليه .... الا ان سابين هي من تولت الحديث لتمد يدها اليه قائلة
( أنا سابين ......مرحبا عمار , حمدا لله على سلامةِ الوصول )
أمسك بيدها بيدٍ حازمة قوية وهو يقول مبتسما ( سابين الجميلة بالطبع .... سررت لرؤيتك )
ابتسمت بسحرها المعتاد وهي تقول بصوتها الرائع (هذه هي حلا وهي من ستكون مساعدتي ......أما هذه الصغيرة فهي سما )
ابتسم اليهن بابتسامةٍ ذكورية جذابه سمرتهن في أماكنهن ثم قال
( كم أنا مسرور للتعرف عليكن آنساتي .......)
همست حلا لسما مدهوشة ( آنساتي !!! ........لقد نسيت هذه الكلمة منذ زمن )
ضحكت سما وهي تحاول اخفاء فمها بيدها ثم قالت سابين
( لابد أنك متعبا من السفر .....لنذهب الآن الى الفندق الذى ستقيم به لترتاح )
أومأ برأسه مبتسما وكأنه ولد بهذه الابتسامة الجذابة .........
انتظرن الى أن يسير أمامهن .... الا إنه ظل واقفا مكانه ليقول وهو يمد يده
( بعدكن .......)
نظرن الى بعضهن بدهشة ثم سارت حلا وسما متعلقتانِ ببعضهما وقد عجزتا عن إمساكِ ضحاتهما الصغيرة المذهولة
بينما ابتسمت سابين له بسحرٍ وتقدمته لتمشي بكل ثقة .........
بعد أن استقر في غرفته و أنهى الإجراءات ...... كان يجلس معهن ليتعارفو اكثر ....
فقالت سابين ( اذن فوالدك كان ابن عم والدي ..........)
رد عليها عمار بهدوء
( نعم ..... لطالما حكى لي عما حققه عماد الراشد .. كانا تقريبا شريكان ... لكن عماد الراشد هو من أسس الشركة )
ثم تابع بقسوة
( كان يتقدم بسرعةٍ جبارة بالنسبة الى عمره ... وكادا أن يصلا الى كلِ ما تمنياه , الا أن شخصا ملقب بالامبراطور وضعهما تحت أنظاره وحاربهما بكل ما يملك .... كان يستعمل كل الطرق الغير نظيفة لمحاربتهما , لكن الأمر لم يكن منافسة في السوق لأنهما كان في البداية ولم يقتربا حتى من مستواه .. بل كان له علاقة بعداوة قديمة فقد حكى لي والدي أن عماد الراشد وقتها كان يريد أن يتزوج أخت هذا الملقب بالامبراطور .ظل يطاردهما الى أن رحل والدي عن البلاد يائسا تماما...إنه رأس مجموعة آل مهران .... بالتأكيد سمعتِ عنها طالما أنتِ متواجدة في سوق هذا العمل )
سعلت سما اثناء شربها العصير فمد عمار يده بمنديلا نظيفا لها وهو يقول برقة ( تفضلي .......)
فهمست محرجة ( شكرا ......)
الا إن سابين لم يرمش لها جفن بل ظلت هادئة تماما ثم قالت برقة
( بالطبع أعرفها .... وأعرف الإمبراطور ... لقد تزوج من أمي منذ أكثر من عشرين عام ...ايثار الراشد بالتاكيد سمعت عنها ... لقد تزوجها أبي بعد رحيل والدك على ما يبدو ......أما أنا فتزوجت من احمد مهران وهو ابن اخت الامبراطور و التى كانت سبب العداوة كلها ........)
بهتت ابتسامته تماما وهو ينظر اليها منتظرا أن تضحك وتخبره أنها مزحة .... الا أنها ظلت هادئة تماما فصدم من هذا الواقع الجديد فأكملت سابين
( ويجب أن أخبرك أيضا أن حلا متزوجة من أدهم مهران وهو رأس مجموعة آل مهران الآن )
نظر عمار الى حلا المحرجة و قد بدأت الصدمة في الظهور بالفعل على وجهه ... لم ينتظر سابين لتكمل فسأل بتوجس وهو ينظر الى سما
( من المؤكد ... أن سما الجميلة قد أفلتت من مخالب تلك العائلة ....أنتِ لستِ......)
الا أن سما قالت بارتباك و تلعثم ( متزوجة من فارس مهران .......)
ارتفع حاجباه بشدة ثم بدأ في الضحك طويلا ...ثم قال من بين ضحكاته
( لكم ستطيب لي الإقامة هنا ............)
↚
لم تصدق سابين نفسها و هي تسير بتمهل على الأرض الناعمة تطرقها بكعب حذائها العالي .... الا إنها هذه المرة تطرق أرضها الخاصة , حلمها القديم الغالي .....الفارق الوحيد أن الحلم القديم كان مجموعة سابين الخاصة ...... أما الحلم الجديد فقد جرى له تعديلا بسيطا .....بسيطا جدا .......
إنها مجموعة بنات عماد الراشد ...........
هل مجرد اختلاف الإسم يشكل في داخلها هذه اللحظة من جموحٍ منتصر ؟؟....... أم أن شيئا آخر قد غير حياتها وجعل منها انسانة أخرى بإحلامٍ جبارة لا توازي أحلامها القديمة ..........
مر شهر على بدء تعاون عمار مع سابين و قد كان شهرا مهلكا لها نفسيا وجسديا , استطاعت بعد جهد إيجاد مقرا مناسبا للمجموعة .... مقرا عرض للبيع بفرصةٍ ذهبية فما أن ذهبت لتعاينه حتى وجدته المكان الأمثل بالنسبة لموقعه في مركز المدينة , لكن بالطبع كان ذو ثمنا خيالي لم يقارب حتى من بعيد كل ما جمعته خلال فترة عملها الطويلة في مجموعة مهران ......
فكرت في أخذ قرض من البنك الا أن عمار ما أن أطلعته على نواياها حتى رفض نهائيا و صمم أولا على معاينة المكان , و ما أن تأكد له صواب رأي سابين حتى قرر على الفور التكفل بشراء المقر و تجهيز ما ينقصه بالرغم من أنه مجهز بالفعل بمعظم ما يلزم ..... حاولت سابين الإعتراض الا أن عمار لم يترك لها الفرصة .... فأعلمها بأنه سيترك لها أمور الإدارة بينما تترك له أمور التمويل ....وأنه لن يضيع هذا المكان أو أن تتحمل المجموعة أقساط القرض وفوائدها بدون سببٍ وجيه .....لذا أصر على رأيه وبشدة ....
كان عمار يسير خلف سابين وهو ينظر اليها مبتسما .....إنها تبدو كطفلة اخذت للتو لعبة العيد .....وتبدو كأمراة على وشكِ تحقيق حلمها ..... من بريقِ عينيها المختلط بحزنٍ دفين ..... في الفترة السابقة ِ كان قد استنتج ان زواجي سابين وسما على وشكِ الإنهيار ....لكنه لم يعلم بالأسباب .......
يشعر بأنه الفترة السابقة قد ارتبط بهن للغاية ..... وأحبهن بشدة , لذا لا يمكنه منع نفسه من الحزن لحزنهن .... انهيار زواج سما سيحطمها بالتأكيد فهي رقيقةٍ كنسمة ...أما بالنسبةِ لسابين فسوف يجرحها , لكنها ستتعامل مع جرحها بشكلٍ رائع .......
أما حلا في تبدو وكانها تشرق و تتفتح يوما بعد يوم .....كزهرةٍ صغيرة تلتفت الى الشمس أينما ذهبت ..... لكنه أيضا لا يعلم لماذا لا تقيم مع زوجها بالرغم مما يبدو عليها من شوقٍ و تطلع لليوم الذى سيجمعها بزوجها بيت واحد .........
استدارت سابين لتجد عمار يحدق بها مبتسما فابتسمت هي الأخرى وقالت برقة
(ها هي البداية يا عمار .........)
ابتسم وهو يومىء براسه قائلا
( لقد أوشكنا على البداية ......لكن البداية الحقيقية ستبدأ ما أن ننزل للسوقِ بالفعل ...سابين هل أنتِ مدركة للمنافسة الشرسة التى سنخوضها ....نحن سننافس فطاحل السوق , ومن أهمهم مجموعة مهران .....)
ردت سابين بثقة ( أعلم هذا جيدا عمار فقد كنت في هذا العالم من المنافسة لأكثر من ست سنوات )
رد عليها عمار بحذر ( لكنك أغفلتِ أنكِ كنتِ مع.......مجموعة مهران وليس ضدها , فهل أنتِ مدركة للعواقب التى يمكن أن تنتج عن ذلك لكِ ولشقيقتيكِ على الصعيد الشخصي .....نظرا لتداخلكن العائلي الطويل مع عائلة مهران )
سكت قليلا ثم تابع ( أنا شخصا عمليا يا سابين لا أمزج بين العمل والحياة الشخصية ..... لذا أخبريني من الآن , هل أنتن على استعدادٍ تام لتحمل كل ما سينتج عن ذلك ؟..........)
ظلت سابين تنظر اليه دون أن يرف لها جفن ثم ردت بهدوء
( اذا كانت تلك العواقب التى تحدثت عنها ستنتج عن منافستنا لهم ..... اذن فقد فالأمر محكوم عليه بالإنهيار من البداية , حتى إن لم ننافسهم .....نحن وعائلة مهران يفصل بيننا وبينهم الآن خيط رفيع , فإن قطعوه ......ستكون النهاية بالتأكيد و لن يستحق الأمر منا لحظة ندم واحدة .......)
أخذ عمار ينظر اليها بإعجاب ثم قال بهدوء
(وماذا عن الطفل ؟...... هل ستستطيعين المتابعة الأشهر القامة ؟....)
نظرت اليه بدهشةٍ ثم قالت
( وكيف عرفت بأمر الطفل ؟............)
نظربمرح الى بطنها المنتفخة قليلا ثم قال ضاحكا
( لن تظلي نحيفة الى مالانهاية ..........)
3
عبست بشدة بينما لم تستطع منع نفسها من الضحك وهي تضرب كتفه بقبضتها ثم قالت
؛(الم تتعلم كيف تخاطب النساء الجميلات .............)
ضحك عمار وهو يقول بتملق
(هيا الآن يا سابين .... أنتِ تعلمين جيدا أنكِ ستظلين متربعة على عرشِ الجمال وحتى نهاية حملك )
أومأت سابين بمرح وهي ترفع سبابتها محذرة
( نعم هذا ما أحتاج لسماعه طوال الأشهر القادمة ...........)
ضحك عمار قليلا وهو يرفع يديه باستسلام
(أمرك سيدتي .....لكن سابين أنا أتكلم بجدية .. هل ستتحملين تعب الأشهر القادمة في العمل ؟....)
ردت سابين بهدوء ( لا تقلق عمار ......أنا أستطيع ذلك )
نظر عمار الى عينيها الجميلتين المتحديتين ثم قال مبتسما
( اذن ....مادام الأمر كذلك , فدعينا نذهب الآن , لدينا الكثير لنفعله ..........)
ابتسمت وهي ترد ( هيا بنا .........)
لكن في تلك اللحظة رن هاتفها ......نظرت بشرود الى الأسم الذى ظل يلاحقها كظلها الشهر الماضي كل يومٍ تقريبا ....ماذا الآن ...ماذا يريد ... ولماذا في تلك اللحظة بالذات .... هل هو مصر على إفساد كل لحظةٍ سعيدة لديها .....
فتحت الهاتف و ردت بهدوء ( مرحبا احمد ........)
أتاها صوته العميق الدافىء ( مرحبا يا روح احمد ..........)
5
أبعدت الهاتف قليلا لتنظر اليه بعبوس .....وكأنها تريد التاكد من ان احمد مهران هو الذى يتحدث .....أعادت الهاتف لتقول بحزم
( نعم احمد ؟..........)
(كيف حالك ؟........)
(بخير .......)
(والطفل ؟.......)
تنهدت سابين وهي تنظر لاعلى بغضب ثم قالت بحدة
( احمد ..... هل تهاتفني الآن....تعطلني وتعطل نفسك ...... لمجرد حديثٍ اجتماعي سخيف لا معنى له ......)
ساد صمتا طويلا ثقيلا لم تستطع سابين ان تتحمله اكثر فقالت بصرامة
( اذن يبدو أن لا شيء مهم لديك لتقوله .....أراك لاحقا احمد فأنا مشغولة الآن )
صرخ احمد فجاة حتى كاد أن يصم أذنها
؛( سااابين ....الى متى ستظلين بهذه الصفاقة ... لقد بدأت أفقد أعصابي )
ضحكت سابين بصوتٍ عالٍ ثم قالت وعيناها تلمعانِ غضبا
( نعم .... نعم .....هذا هو احمد مهران الذى اعرفه , وليس ذاك المصر على تمثيلِ دورٍ عاطفيٍ سخيف لا يليق به )
ساد صمتا ثقيلا مرة أخرى لكن تخلله تنهيدة احمد اليائسة وهو يحاول السيطرة على نفسه ثم قال أخيرا بصوتٍ فظٍ جاف
( كيف حالك وحال الطفل ؟.......هل ترهقين نفسك ؟.....)
أغمضت سابين عينيها وهي تطرق براسها .... نعم هذا هو احمد الذى تعرفه .... الخشن .. الفظ ....القاس ... والذى بداخله حنانا مخفيا عن الأعين لا يظهره الا لمن يحب ........هذا هو احمد مهران الذى أحبته ...........
ردت سابين بصوتٍ خافت
( الطفل بخير يا احمد اطمئن ...... لن أفعل أي شيء من الممكن أن يؤذي طفلي )
تنهد مرة أخرى ثم قال بحدة
( سابين .... أنا لم أسأل عن الطفل وحده .... بل سألت عنكِ أيضا ,لذا من فضلك أجيبيني هل ترهقين نفسك ؟)
في الواقع هي مرهقة أشد الإرهاق لكنها بالتأكيد لن تخبره بذلك والا فقد تجد نفسها محمولة على كتفه بعد دقائق ... لذا ردت بهدوء
(لا يا احمد ....أنا لا أرهق نفسي اطمئن ... أنا بخير )
قال احمد بعد لحظة بصوتٍ خافت
؛(سابين .....هل تصدقيني لو أخبرتك بأنكِ تهميني الآن اكثر من الطفل ؟......و أن لهفتي اليه ..هي لهفة لشيءٍ رائع سيربطني بك ِ )
صمت ...وصمتت هي ....امتد صمتهما للحظات ...لا يريدانِ كسره ... الى أن قالت سابين في النهاية بصوتٍ رقيقٍ خافت
(شكرا .......)
سمعته يسحب نفسا عميقا و كأنه لا يصدق انها شكرته بمثل هذه الوداعة ....ثم قال أخيرا بلهفةٍ رقيقة
( هل تتناولين العشاء معي الليلة ؟ ............)
تنهدت وهي تشعر بالحنين الغادر اليه ......قالت بهدوء
( احمد ..... هذا لن يجدي و أنت تعلم ذلك جيدا )
قال بسرعةٍ وحدة ( سيجدي سابين .....سيجدي فقط إن قررت منحنا فرصة جديدة لنحاول )
استدارت قليلا لتجد عمار ينظر اليها بتركيز فشعرت بالإحراج لأنها نسيته تماما .... فقالت وهي تدعي لنفسها أنها فقط تريد انهاء المكالمة
؛( حسنا .... للعشاء فقط ....لا لشيءٍ آخر )
ضحك قليلا ثم قال بسعادة ( ستظلين وقحة دائما ......سأمر عليك في السابعة ...)
ردت سابين بهدوء ( لا داعي ...... قل لي المكان الذى تريد الذهاب اليه وأنا سآتي اليك ......)
قال احمد بصوتٍ أجش من العاطفة ( إن أخبرتك أنني سأتناول العشاء في البيت .... فهل ستأتين الي )
التقطتت أنفاسها السريعة ثم تجاهلت معنى كلامه وقالت
( أنا أعني ما أقول .... المكان هنا بعيد , يبعد حوالي الساعتين لذا ليس من العدل أن أتي لتأخذني .......أخبرني وأنا سآتي )
سمعت تنهيدته المحبطة ثم قال يتجاهل ما قالته
(سأكون عندك في السابعة .............)
ابتسمت قليلا فبدت بأنوثةٍ مهلكة ثم قالت بخفوت ( الى اللقاء .......)
رد احمد عليها يستفزها ( الى اللقاء يا روح احمد ........)
4
ضحكت ضحكة صغيرة تبعتها تنهيدته العاشرة منذ أن بدات المكالمة ثم أغلق الخط
التفتت لتنظر الى عمار المبتسم بخبث فقالت بخبثٍ مماثل ( ماذا ؟..........)
قال عمار بعد لحظة ( لا يبدو أنكِ قد فهمتِ أيا مما قلناه منذ دقائق ........)
ردت سابين بهدوء
( بل فهمت ... وأعود لأخبرك أنه إن حدثت العواقب التى تحدثت عنها ..... فمعنى هذا أنه لم يكن لدينا يوما مانخسره....)
نظر اليها عمار طويلا وهو يتسائل إن كانت تدرك بداخلها أنها تعشق احمد مهران أم أنها تخدع نفسها بمنتهى الحماقة ........
.................................................. .................................................. .................................................
كانت سابين تبدو خرافية كالعادة هذا المساء ......بثوبها الأسود البسيط طويل الأكمام و الذى يصل الى ركبتيها و جواربها الشفافة السوداءالتى تحتضن ساقيها الملتفتين بنعومة ليكملهما الحذاء اللامع ذو الكعب العالي الرفيع......
1
وكعادتها مؤخرا أطلقت شعرها الطويل حرا خلف ظهرها فبدت بالرغم من بساطتها رائعة ساحرة ........
وصل احمد في تمام السابعة ....كانت سابين في منتصف السلم حتى سمعت صوت المفتاح والباب يفتح ليدخل احمد حاملا باقة ورد حمراء كبيرة ........
نظرت اليه من علو منبهرة بوسامته وطلته المهيبة في حلتة السوداء ......لكنه لا يرتدي ربطة عنق , دائما يحب الا يكمل منظر تحضره فيرتدي حلته الرسمية وتحتها القميص الناصع البياض ثم يترك الزرين العلويين من القميص مفتوحين ليظهر عنقه الأسمر ..... والذي دفنت وجهها به من قبل اكثر من مرة .....
1
هزت رأسها قليلا لتبعد تلك الأفكار الهوجاء عن رأسها .... ثم تابعت نزولها الهادىء وهي ترى عينيه اللتين اشتعلتا بشدةٍ لمرآها ...... وصلت اليه الى أن وقفت أمامه ......أخذت نتظر الى عينيه التى لم تفارق عينيها..الا لتلتهمان شفتيها القرمزيتين ثم تعودانِ الى زرقةِ عينيها من جديد ...... الى أن قالت بثقة
(لماذا استخدمت مفتاحك ؟...........)
رمش بعينه ليستفيق من سحره بها ثم قال بتساؤل ( ولما لا أستخدمه ؟..........)
ردت عليه سابين دون ان تبتسم
( هذا ليس بيتك ..... إنه بيت والدتك وهي تسمح لنا مؤقتا بالإقامة فيه .....أم أنك نسيت أن سما وحلا تقيمانِ معي ....لذا لا يصح دخولك بالمفتاح وهما هنا ........)
ارتفع حاجباه قليلا وهو يستمع اليها تحدثه بمثل هذه الغطرسة........لم يشعر يوما بالإحراج مثلما يشعر الآن ......لكنه لم يجد بدا من الرد بإعتراف
( لقد غاب هذا عن ذهني ....تفضلي )
نظرت الى باقةِ الورد الحمراء في يده بإستهجان ثم قالت بهدوء ( ماهذا ؟!!.............)
رد بهدوءٍ مماثل ( طماطم ......... ماذا ترينه ؟؟؟؟)
12
رفعت حاجبا ونظرت اليه وهي تقول بسخرية
(الن ننتهي من تلك اللفتات العاطفية التى لا تليق بك .........وبي أيضا , لست من هواة الورود )
3
ظل ينظر اليها بقسوة وشكت في انه سياخذ وروده و ينصرف الا انه حين تكلم قال هادئا
( مرحبا سما .......)
استدارت سابين لتجد سما آتية خلفها مبتسمة ثم ردت بهدوء ( مرحبا سيد احمد ...... كيف حالك )
ابتسم احمد بحنانٍ لا يظهر الا لتالا والآن لسما فقال بهدوء
( احمد فقط يا سما .....لا أحب كلمة سيد تلك منكِ )
ابتسمت سما واحمر وجهها فقالت تردد بخجل ( كيف حالك احمد .........)
مد اليها باقة الورد الحمراء الضخمة وهو يقول مبتسما ( تفضلي .......مع إن جمالها بهت بجانب جمالك يا صغيرة )
أخذتها سما وقد أشرقت ملامحها ابتهاجا واتسعت ابتسامتها وهي تتلقى الورود بين أحضانها لتدفن وجهها بها ........ثم نظرت اليه مبتسمة وقالت بسعادة طفولية
( ما أجملها .....لم أتلق أى ورودٍ في حياتي من قبل )
اتسعت ابتسامة احمد الحانية وهو ينظر اليها طويلا ثم قال ( اذن سأحرص أن تصلك الورود دائما يا صغيرة ........)
أطرقت سما برأسها مبتسمة بينما تبللت عيناها بدموعٍ خفية فسعلت قليلا لتستطيع التحدث
(شكرا لك يا احمد ....لم أرى أجمل منها من قبل , سأذهب لأضعها في إناءٍ يليق بها ......أتمنى لكم أمسية سعيدة )
ثم انطلقت لتختفي مع الورود ودموعها ..........
4
لم تستطع سابين في تلك اللحظة ان تفسر الشعور الحارق الذى تملكها ..... غضبا شديدا يكاد يفترسها , لا تعلم له سببا ......التفتت الى احمد بوحشية لتقول له
1
( ما كان قصدك من تلك الحركة السخيفة ؟...........)
رفع حاجبيه وقال ببراءة ( ماذا ؟........لقد قلت أنكِ لستِ من هواة الورود , فأعطيتها الى من يقدرها أكثر )
ظلت تنظر اليه بعينينِ تشتعلانِ بلهيبٍ أزرق ....ثم قالت أخيرا بصوتٍ جليدي
؛( هل ننصرف ؟.......لا أريد أن نتأخر في العودة )
الا أن احمد ظل واقفا مكانه ....فرفعت عينيها اليه فوجدته مسمرا عينيه بضيقٍ على ساقيها المغطاتين بالجوارب السوداء .....فسألته بتحدي
؛( هل من مشكلة ؟........)
رفع نظره الى عينيها المتحديتين .... ثم قال بضيق (الا تستطيعين ارتداء ما هو أطول ؟.........)
رفعت حاجيبها لا تصدق ما تسمعه .....ثم قالت وهي تحاول السيطرة على غضبها المتصاعد
(الن تتغير أبدا ؟.........)
قال بغضبٍ هو الآخر ( إن كنتِ تقصدين بالتغير ,أن أستمتع أنا أرى رجالا آخرين ينظرون الى ساقي زوجتي ......فالإجابة هي ...لا ..لن أتغير )
ظلت ساكنة طويلا تنظر الى عينيه العسليتين الصارمتين ثم قالت أخيرا ببطء
(انتظرني هنا , لن أتأخر .........لا تأخذ راحتك فى التجول هنا )
ثم استدارت لتصعد السلم دون أن تنتظر ردا منه بينما هو ينظر اليها مدهوشا من صعودها ...هل فعلا انصاعت بمثلِ هذه السهولة .....
6
لم تتأخر فعلا أكثر من دقائق وهي تنزل اليه مرتدية ثوبها الأسود الطويل الذى يتذكره جيدا ......والذى ارتدته يوم رقص معها للمرةِ الأولى ....لكن المختلف هذه المرة , أنها ترتدي فوقه سترة لامعة قصيرة ...لكنها تكفي لتغطية ظهره المكشوف والذى يتذكره جيدا ......
نظر اليها بوجوم .....كل ما ترتديه يجعلها أجمل و أجمل .....ماذا يفعل ليخفيها عن أعين الناس .......
وصلت اليه......نتظرة تقييمه النهائي بمللٍ واضحٍ على ملامحها .......ثم قالت تستفزه
( هل حصلت على رضاك الآن ؟.........)
مد يده ليمسك بذقنها يرفعه اليه ونظر الى عينيها طويلا ثم قال بهدوء ( تبدين رائعة ..........)
ثم أخفض وجهه ليقبل شفتيها برقةٍ أذابتها وتركتها متعطشة للمزيد ........رمشت بعينيها لتستفيق من سحرِ تلك اللحظة , ثم قالت بسخرية لتداري تأثير قبلته عليها
( لست رائعة الى هذا الحد ...... فبطني بدأت في الظهور قليلا في هذا الثوب )
اشتعلت العينان العسليتانِ اكثر و اكثر ومد يده ليتحسس بطنها الصغيرة بحنان وهو يبتسم هامسا
( بل تجعلك أجمل و أروع .........)
رمشت بعينيها مرة أخرى ..... ماذا يحدث لها .... لماذا يخفق قلبها بهذا الشكل الأهوج .......ولماذا تشعر بدموعٍ غادرةٍ على وشكِ الظهورِ بعينيها......الا إن احمد لم يمهلها لتحصل على الإجابة بل جذبها بين ذراعيه بقوةٍ يحتضنها وكأنه لا يريد أن يبعدها عن قلبه ......التفت ذراعاها لتحاوطانِ خصره من أسفلِ سترة حلته ......لا تريد أن تفارق صدره القوي ..... تريد أن تبقى هنا طويلا وتنسى ما فات ......ازداد ضغطه عليها أكثر حتى اضطرت أن ترفع رأسها اليه قائلة بسخرية مزيفة
( احمد ......لا احب ان افسد مزاجك العاطفي السخيف هذا .......لكنك تكاد تسحق الطفل )
5
ابتعد عنها في لحظةٍ واحدة دون أن يترك ذراعيها ونظر اليها بقلق ثم قال
( هل آلمتك ؟....... هل من الممكن أن أكون قد تسببت في شيءٍ للطفل ؟)
ضحكت سابين قليلا وهي تنظر الى ذلك المارد الضخم أمامها والذى يبدو القلق الشديد على وجهه الصارم ....لم يقاوم قلبها طويلا فهمست مبتسمة بمرح
؛( من المفترض أن تطمئنني أنت .....فهى ليست المرة الأولى التى ترى فيها مراحل الحمل )
لا تعلم لماذا تطرقت الى موضوع ليال .....ماذا أرادت .... ولماذا تسعى الى تخريبِ كلِ شيء .......
قال احمد بهدوء بعد أن اطمئن عليها قليلا ......( سأظل أقلق على كل طفلٍ كما قلقت على تالا ..........)
كل ؟!!!!!!........كل طفل ؟!!!......إنه فعلا في مزاجٍ غريبٍ الليلة ........
قالت بهدوء ( هيا لنذهب ...........)
أومأ برأسه ومد يده ليمسك بيدها ليتجها معا الى سيارته ..........
كان مكانا ساحرا للغاية ....راقي وجميل ....اضاءته خافتة وناعمة ....موسيقى حالمة تكمل الجو الساحر .......
جلست أمامه و الإضاءة تتلاعب بملامح وجهها الرائعه لتزيدها جمالا جعل قلبه يهفو اليها ........ولم يستطع المقاومة أكثر فمد اصبعه ليلاحق تلك الملامح الناعمة التى اشتاق اليها طويلا ......
نظرت سابين بعينيها حولها ...ثم قالت باحراج ( احمد الناس تتطلع الينا ............)
2
ضحك قليلا ثم همس بشغف ( منذ متى تهتم سابين الراشد بنظرات الناس ؟ ........)
ضحكت بسحرٍ وهي تهمس ( ومنذ متى كنت لا تهتم أنت ؟.............)
ابتسم ليمسك بذقنها بين أصابعه وهمس ( يبدو أننا تغيرنا كثيرا ..........)
ثم بهتت ابتسامته قليلا وأصبحت مستفزة وهو يلامس خصلاتِ شعرها الطويل وقال بصوتٍ لم يستطع إخفاء الضيق فيه
؛( أرى أنكِ أصبحتِ تطلقين شعرك دائما هذه الأيام ......كل من يراكِ لا يكاد يرفع عيناه عن شعرك , لذا فمن الأفضل أن تعودي لجمعه مرة أخرى مادام بمثلِ هذا الطول )
أبعدت يده عن شعرها وهي تقول بغضب ( يبدو أنك لم تتغير أبدا ..........)
قال بغضبٍ مماثل ( ماذا ؟......ألأنني لا أطيق أن ينظر اليكِ غيري ؟؟........)
أبعدت نظرها عنه بغضب وهي ترفض أن يستدرجها لمثل هذه المحادثة التى ستجر الكثير من الحوارات المخزية بعدها والتى تفضل أن تنساها ......
أخذ احمد نفسا طويلا وهو يحاول الا يفسد تلك الأمسية أكثر ......
ساد الصمت بينهما لدقائق طويلة غير محتملة فقال مغيرا الموضوع
(كيف هي أمور المجموعة ...... من أين ستتدبرين التمويل ؟..... لا تتعنتي سابين وتقبلي مساعدتي )
ابتسمت بسحرها المغوي وعينيها تداعبانِ عينيه ثم همست
( لقد تدبر شخصا آخر أمر التمويل .........لا تقلق )
صمت لحظة مبهوتا , ثم عقد حاجبيه بشدة ...ينظر اليها نظرة أرسلت رجفة خفيفة في أطرافها ثم قال بصوتٍ خافت
( من تولى تمويل المجموعة ؟.........)
نظرت اليه بتحدي ثم قالت بسخرية ( حقا أحمد ؟....... هل استدرجتني الليلة لتطلع على أسرار مجموعتي ؟)
مد يده ليمسك بيدها الموضوعة على المائدة أمامه بقوة وقد فقد صبره الذى ظل يجمعه طوال الأسبوع الماضي .......
( أجيبيني سابين ....من تولى أمر تمويل المجموعة ؟....شخصا يمتلك مثل هذه السيولة المادية , ما الذي يجعله يرمي تمويلا كهذا في مجموعةٍ جديدة قد تنجح وقد تخسر ؟.......)
شعرت سابين حقا أنها كرهته في تلك اللحظة .....تعرف الى أين يجنح تفكيره الآن ....تماما كتفكير جميع رجال مهران .......
سحبت يدها من يده بهدوء ثم قالت برقة ( أريد الذهاب الآن من فضلك ...........)
غرز أصابعه في شعره بنفاذِ صبر ثم أخذ نفسا عميقا وهو يغمض عينيه .....وظل هكذا عدة لحظات الى أن نظر اليها أخيرا وقال بهدوء
( سابين ......أنا لم أقصد ما فهمته , أنا فقط ..........اسمعي أنا فقط أريد أن أعرف من سيشاركك وماهى نواياه .....هل ما أطلبه صعب للغاية ......)
ظلت تنظر اليه صامتة , بملامحٍ متجمدة ......تراه يحاول السيطرة على نفسه , لكن بداخله فكرة واحدة عنها تسيطر عليه ..........
قالت أخيرا بهدوء
(لا داعي لهذا .....أنت لا تعرفه , أنه جديد على السوق هنا .....لكن لما لا أعرفك اليه ؟........)
نظر اليها بتشكك وقال ؛(حقا ؟.......)
ابتسمت وقالت بنعومة
( ولما لا ؟........إنه قريبي , ابن عم والدي سافر منذ سنين الى الخارج ....لكن دعك من كل هذه القصة الطويلة المهم أنه قريبي و سيكون سعيد بالتعرف عليك وعلى أدهم ......لما لا تحضر والدتك وتالا في نهاية الأسبوع ..... وحلا ستخبر ادهم ليأتي ......)
تنهد وهو يشعر بغضبه وقلقه يهدئانِ قليلا ......ثم قال مبتسما بحنان
( نعم ولما لا ......سنأتي بالطبع , المهم أننا سنقضي يوما كالذى قضيناه معا .........و سأكون سعيدا بالتعرف اليه , ولو أني كنت أتمنى أن أشاركك أنا ......)
نظرت اليه بنعومة ثم قالت بعد لحظة صمت
( كنت معك ......الى أن قررت استبدالي دون حتى أن تعلمني , فلماذا الغضب الآن ؟........)
عاد ليمسك يدها الرقيقة ثم لرفعها الى شفتيه ليقبل باطن كفها بنعومة وهو يهمس
(لن نصل الى أي مكان ونحن نتذكر مافات باستمرار سابين .......)
همست وهي تترك كفها لسيطرة شفتيه تماما ( نعم ......لن نصل الى أي مكان )
حين أوصلها الى البيت في نهاية الأمسية التفتت تنظر اليه برقة وابتسمت ابتسامة سلبت روحه وهمست
(شكرا لك ..... لقد استمتعت بهذه الأمسية كثيرا .........)
كانت يدها على مقبض الباب بالفعل .... الى أن مد يده ليمسك يدها الممسكة بمقبض الباب و يسحبها الى صدره القوى بينما يده الأخرى تخللت خصلاتِ شعرها لتقرب رأسها من وجهه .....ثم همس أمام شفتيها المكتنزتين واللتين أخذتا في التنفس سريعا لقربه منها
( الا تستحق هذه القيادة الطويلة لثالث مرة اليوم شكرا افضل من هذا ........)
همست وهي تنظر اليه بعينينِ مشتتينِ ضائعتين ( كيف ؟..........)
ابتسم بشيطنة وهمس ( سعيد أنكِ سألت .......اقتربي مني لأريكِ كيف )
سحبها بين ذراعيه بقوة ٍ لينهال عليها بأشواقه الجامحة المشتعلة ......ولم تبخل عليه بإظهار شوقا مماثلا كان يفترسها كل ليلةٍ من الليالي الماضية ......
ابتعد عنها بعد وقتٍ طويل وهو يتنفس نفسا هادرا ....ثم همس في أذنها
( عودي معي .....لا تتركيني أعود تلك المسافة للمرة الرابعة وحيدا )
أسبلت جفنيها ....تريد الذهاب معه .....تريد بشدة أن تسامح , لكن أن تريد شيئا فهذا يختلف تماما عن أن تستطيع فعله .....
فتحت عينيها ونظرت الى عينيه البراقتين بالرغم من ظلمة السيارة ....ثم همست
( أعطني بعض الوقت .........)
2
لم يصدق احمد ما سمعه ....هل عنت بالفعل ما قالته ؟..... هل ستعود ؟.....هل لان رأسها اليابس ؟.........همس بصوتٍ خشنا
(هل تعنين ذلك يا سابيتي .....هل ستعودين وتنسين كل تلك الحماقة المتعلقة بإنفصالنا ؟.......)
لم تستطع سوى الهمس ( سأحاول ..........)
جذبها بين ذراعيه وهو يتنهد تنهيدة من وصل الى نهاية السباقِ أخيرا .......الا انها ابتعدت عنه قليلا قبل أن تستسلم له وقالت بخفوت
؛( سأذهب الآن ......الى اللقاء )
لكنها توقفت لحظة دون أن تفتح الباب ....ثم عادت لتلتفت اليه وهمست بعد تردد
(أريد أن أخبرك شيئا .....قد ...قد لا أجد الفرصة في نهاية الأسبوع لأخبرك به لأنك ستكون مشغولا جدا ......بالتعرف الى قريبي الذى أخبرتك عنه ........إنها ..... طفله...... )
1
اتسعت عيناه قليلا من تلك الهمسة الأخيرة ..... والتى محت كل ما قبلها من كلماتٍ لم تعنِ له شيئا .........
ضحك برقة .... لمعت عيناه أكثر .....مد يده ليتحسس بطنها الجميلة ......ثم عاد ليأخذها في أحضانه الدافئة طويلا وهو يضحك بخفوت بجوار أذنها .....بينما رفعت ذراعيها لتحاوط بهما عنقه وهي تستمتع بذلك الحصن الدافىء والذى قد يضيع منها مرة أخرى .......
بعد لحظاتٍ طويلة ابتعدت عنه لتهمس سريعا ( أراك في نهاية الأسبوع ..........)
ثم حررت نفسها من بين ذراعيه وفتحت الباب وخرجت قبل أن يمنعها ........بينما ظل هو ينظر الى طيفها المبتعد وهو يقاوم شوقه المجنون ليذهب و يخطفها مبتعدا بها عن الجميع ...........
في يومِ نهاية الأسبوع ....يومٍ مشمس دافىء ورائع ....وقد قرروا البقاء في تلك الحديقةِ التى كانت مهجورة ذابلة منذ سنين .....الا أن حلا وسما أعاداها للحياةِ من جديد ....فبدت جميلة ......تدعو من يراها الى الجلوس فيها .......
كانت حلا تبدو كحلمٍ ربيعي مشرق ...بثوبها الأبيض المرفرف من حولها أينما تحركت .....تحيط شعرها بشريطٍ حريري وردي اللون بينما انساب طليقا في موجاته العسلية مسترسلا على ظهرها كأمواجِ بحرٍ صيفي ناعم .......
لكن ما زاد إشراقها هي تلك الملامح الجديدة التى اكتسبتها .....بريقِ عينيها اللتين ازداد خضارهما ........ابتسماتها التى لا تختفي اينما ذهبت وكيفما تحركت ........حتى أنها كانت تتمايل بنعومة على أنغامٍ موسيقية ناعمة قامت سما بتشغيلها في الحديقة.......
مغمضة عينيها ..... مبتسمة تلك الإبتسامة التى تبدو في رقةِ حافةِ ورقةِ ناعمةٍ مرت سريعا لتجرح قلب من يراها دون أن يشعر ........
إنها تنوي قتلي ......هكذا فكر ادهم وهو ينظر الى تمايلها الناعم تحت أشعة الشمس التى تغلفها فتجعلها كحلمٍ ذهبيٍ خرافي ........
1
استدار في كرسيه ليرى إن كان احمد يراها هو الآخر .....الا إنه لم يكن موجودا ....جيد .... من المؤكد أنه يبحث عن سابين في مكانٍ ما .........عاد ليستدير اليها مبتسما...مستندا بظهره واضعا ساقا فوق الأخرى وهو يتابع ذلك الحلم الذى يوشك على أن يصيبه بنوبةٍ قلبية ........
فتحت عينيها وحانت منها التفاتة الى وحشها الرقيق ......ابتسمت بخجل وهي ترى نظرته المفترسة و ابتسامته الجائعة .....لكنها لم توقف تمايلها وهي تفكر .....يستحق هذا ......لا أعلم لماذا لكنه يستحق أن يذوب في أكثر و أكثر ......مثلما أذابني به منذ أن بدأت أدرك هذه الحياة .........منذ أن عرفته قبل حتى أن أتعلم حتى كيف أكتب اسمي ..........منذ أن قدرت حلا الراشد لأدهم مهران ........
قام ادهم من كرسيه ببطء وبخفة الفهد الذى يستعد للقفز على فريسته .......الا إنها لم تمهله أكثر .....فابتسمت بشيطنة حلا الراشد ذات الخمس أعوام .....فجرت تبتعد عنه ........
عقد حاجبيه وهو يقول بصوتٍ منخفض حتى لا يسمعه أحد
( حلا ...... تعالي الى هنا )
هزت رأسها علامة النفي وهي تبتسم ابتسامتها الخلابة .....فاندفع ناحيتها في حركةٍ واحدة فصرخت ضاحكة لتجري منه بينما لحقها وهو لا يهتم ان كان هناك من يراه .....فليراه من يراه ......المهم أنه سيلتهمها كما يلتهم حبة كرزٍ شهية ........
كادت حلا أن تصطدم بأميرة التى رفعت صينية المقبلات التى تحملها عاليا حتى لا يتناثر ما فيها أرضا .......
ضحكت حلا وهتفت وهي تتابع جريها ....( عذرا عمتي .......)
ضحكت اميرة بسعادة بينما نظرت الى ادهم الذى كان عازما على اصطياد غزاله الشارد بأي طريقة ......وما أن مر بها كالسهم ...حتى ابتسم هاتفا
5
(بعد اذنك عمتى .....سأعلمها الأدب ثم أعود اليكِ )
1
ضحكت أميرة بسعادة أكثر وهي تهتف في اثرهما ( خذا وقتيكما ...........)
تنهدت تنهيدة كبيرة وهي تتمنى لاحمد وسابين ... وسما وفارس ...أن يصلا يوما الى مثل هذه السعادة ...........
6
بعد لحظة كانت سابين تنزل خلفها الى الحديقة يتبعها احمد الذى بدا وكانه لا يريد أن يفارقها لحظة يبتسم لها ...يحيط خصرها بذراعه .....يقبل وجنتها كل لحظة ......بينما بدت هي شاردة .....عيناها تائهتان .....وكأنها ستودع حبيبها بعد لحظات .........
بعد فترةٍ قصيرة كان الجميع قد اجتمعوا في الحديقة ......يتهامسون .... يضحكون .....
الى أن لفت انتباههم السيارة التى دخلت من الباب ......فتوقفوا جميعا عن الكلام ووقف احمد وادهم استعدادا لمقابلة .....ابن عم عماد الراشد ........
ثم لم تلبث أن تجمدت ملامحهم تماما .....عم السكوت المكان وهما يستوعبان هيئة ذلك الشاب الذى نزل مبتسما من السيارة الرياضية .....اقترب منهما بهدوء وهو يتباهى بعضلاته من قميصه القطنى الخفيف .....
7
وما ان وصل اليهما حتى خلع نظارته الداكنة ليمد يده الى ادهم مبتسما قائلا بهدوء
(عمار الراشد ...........)
تمكن ادهم من مصافحته بعد عدة لحظات ثم قال بصوتٍ أجش ( ادهم مهران .......)
ثم نظر بقسوةٍ وتوعد بطرف عينه الى حلا الجالسة في كرسيها ترتجف كطفلةٍ صغيرة وهي تدرك ان المواجهة التى كانت تخشاها قد حانت .....
وحين مد عمار يده الى احمد وهو يقول مبتسما ( اذن لا بد من أنك احمد مهران ......زوج سابين )
كان احمد يبدو وكأنه تحول الى تمثالٍ حجري للقسوة والعداء ......حانت منه نظرة الى سابين التى غلفت القسوة ملامحها هي الأخرى ....تعرف تماما أية أفكار ستلوث رأسه عنها الآن .......
عاد احمد ينظر اليه حين تكلم ....فنظر الى يده الممدودة دون أن يبذل أي مجهود في اخراج يده من جيب بنطاله ......ثم رفع نظره اليه ليقول بكل برود
( أنا لا أحب المصافحة ..........)
7
علا الجو المحيط موجة من التوتر الا أنه لم تتبدل ملامح عمار المبتسمة ثم قال مازحا
( هل تخشى على وضوئك ؟...........)
25
انطلقت ضحكة سما في وسطِ ذلك الصمت المشحون ....فنظر الجميع اليها بذهول , فسكتت تماما وهي تنظر اليهم برعب وتهمس
4
( ماذا ؟..... الم يكن هذا مزاحا ؟.........)
1
ابتعد احمد عن كل ذلك الجو الخانق وهو يهتف لتالا القلقة بغضب
2
( هيا يا تالا سننصرف ........)
أمسكت سابين بيدِ تالا تمنعها من القيام من مقعدها ....بينما قامت هي لتتجه اليهما وهي تقول بقوة
( الن تتعرف على شريكي بعد يا احمد ؟...........)
التفت اليها لينظر اليها نظرة كادت ان تقتلها ....ثم قال بهدوءٍ شرس
(هل هذا هو ابن عم والدك الذى أخبرتني عنه ..........)
نظرت اليه بتحدي دون أن يرف لها جفن وقالت بنفس القوة
(ابن عم والدي الذى حدثتك عنه هو والد عمار .....وقد توفي منذ سنين رحمه الله )
ظلا يتبادلانِ النظراتِ القاسيةِ وكأنهما خصمان على وشكِ القتال الى أن تدخل ادهم ممسكا بذراعه هامسا له
(احمد .....تمالك نفسك ودع هذا اليوم يمضي بسلام ثم سيكون لنا حديثٍ آخر )
لم يبعد احمد نظره عن عيني سابين القاسيتين للحظةٍ واحدة ثم أومأ لادهم برأسه واتجه ليجلس في مقعده دون ان يخاطب احدا .....
مرت تلك اللحظاتِ المشحونة ....حتى هدا الجميع نسبيا وحاولو تبادل التعارف نوعا ما مع عمار .....الذى كان يبدو مبتسما وكانه يستمتع بالوضع المزري للجميع .........
4
بعد قليل كان عمار يحاول فتح حديثٍ مع حلا ليسألها إن كانت قد توصلت الى فهم الملفات المالية التى سلمها لها أم أنها تحتاج مساعدة منه في فهمها ......بينما كانت حلا في حالةٍ من الرعب وهي تنظر بطرفِ عينها إن كان ادهم يراقبهما .... وهي تكتفي بالرد على أسئلة عمار بمجرد إشاراتٍ من رأسها ........دون حتى أن تتكلم ......فجأة انتفضت على صوتِ صيحة ادهم تأتي هادرة من بعيد
(حلااااا.......)
التفتت برعب الى باب البيت لتجده واقفا هناك وهو يشير اليها بإصبعه لتذهب اليه فقفزت من مكانها لتجري اليه دون حتى أن تعتذر الى عمار الذى كان ينظر اليها مذهولا من تصرفاتِ الكائنات الغريبة المسماة برجال آل مهران ........
13
وصلت حلا الى ادهم وهي تشعر بقلبها يقع بين قدميها ...سحبها ادهم من يدها خلفه ليدخل الى البيت وما ان دخلا الى غرفة المكتب حتى أغلق الباب خلفه واستدار اليها بغضب .....فسارعت تهمس بتلعثم
(كنت سأخبرك ......أقسم أنني كنت سأخبرك , لكني ....لكننا .....فضلنا أن تتعرفا اليه وجها لوجه .......)
لم تلن ملامح ادهم المتوحشة وهو يقترب منها الى أن أمسك بذراعيها .....وقال بغضب وهو ينظر الى عينيها المتسعتين
2
(الى متى ستخفين عنى كل ما يخصك ......أقابلك و أحدثك كل يوم وتغفلين عن ذكر أنك تتعاملين يوميا مع كتلة العضلات الملقى بالخارج هذا ........هل يأتي الى هنا ؟......)
9
هزت حلا رأسها بسرعة وهى تهمس بخوف ( أبدا ....أبدا ....لم يأتي الى هنا , وأنا لا أتعامل معه الا نادرا في أمورٍ تخص العمل )
قال ادهم ولم يختفي غضبه بعد ( وعن ماذا كان يحدثك الآن .........)
قالت حلا بسرعة ( كان يسألني إن كنت أحتاج الى مساعدة في الملفات المالية التى سلمها لي ...........)
اشتدت قبضتا ادهم على ذراعي حلا وهو يهدر بعنف ( ها قد بدأنا ..........)
امتدت يداها لتحاوطانِ وجهه ثم نظرت الى عينيه المتوحشتين وهمست
(الا تثق بي ؟........هل فقدت كل ثقتك يا ادهم , إن كنت كذلك فأنا على استعدادٍ لترك المجموعة وكل شيء والعودة معك .......لكن قلبي سيكون قد تحطم يا ادهم ........)
تركت وجهه لتدفن وجهها بين كفيها وتبكي بصمت ....بينما ظل ادهم ينظر الى رأسها المحنى بوجوم ....ثم قال أخيرا بخشونة
6
( ماذا فعلت لكِ لتبكي الآن ؟.........)
لم ترفع وجهها بل ظلت تبكي بين كفيها وهي تهتف بصوتٍ مختنق من بين شهقاتها ( أنت لت تثق بي أبدا ........)
قال ادهم بعتابٍ وقد مزقه بكاؤها ( لا أثق بكِ ؟......تركتك تعملين ... وتقيمين مع شقيقتيكِ ....ومع كل هذا لا أثق بكِ ؟........)
رفعت وجهها الباكي اليه ثم قالت وهي تشهق بصعوبة
( اذن لماذا تعاملني هكذا ؟..........حتى وإن لم يكن عمار موجود فأنا بالتأكيد سأتعامل مع كثيرٍ من الرجال ........)
ظل ادهم ينظر اليها وغيرة ومشاعر بدائية تنهش قلبه ثم قال بصوتٍ اجشٍ مختنق
( هل ترين ما الذى علي أن أتحمله من أجلك .............)
اقتربت منه لتحاوط عنقه بذراعيها بشدة ........ثم همست
( أقسم أنهم لو وضعوني في كوكبِ رجالٍ فقط ......فلن أرى رجلا غيرك أبدا )
شدها اليه بعنف ليقبلها بعنفٍ اكبر ......ثم رفع رأسه لينظر الى عينيها المخضرتينِ بمشاعرٍ عاصفة .....إن لم يتركها حالا فلن يخرجا من هنا أبدا ...... وهذا اليوم لا ينقصه المزيد من الفضائح ........
ابعدها عنه ليقول بصرامةٍ زائفة
(اين هي تلك الملفات المالية المستعصية ؟............)
مسحت وجهها بيدها وهي تنظر اليه بحيرة ثم قالت بخفوت ( هنا .......في درج المكتب , لماذا تسال ؟.....)
قال بنفس الصرامة ( إن احتجتِ الى مساعدة خاصة فلن تحصلي عليها من غيري ........مفهوم ؟....)
ترددت حلا قليلا ثم قالت بصوتٍ خافت
(لا أعتقد أنني أستطيع ذلك يا ادهم .......إنها أسرار مجموعتنا .... وأنت من المنافسين )
نظر اليها بدهشةٍ غير متأكد من صحة ما سمعه .....ثم قال أخيرا وهو يضغط على كلِ حرف
( في يومٍ من الأيام ذهبت معكِ الى مدرستك لأستسمح المدرس الذى لصقتي وجها ضاحكا على ظهره .....ويوما آخر دخلت في شجارٍ عاصف مع مجموعةٍ من الصبيان كانت سابين تتعارك معهم بالأيدي .......أما سما فقد كنت أحملها وهي لم تتجاوز العامين من العمر ......ثم يأتي اليوم الذى تخبريني فيه بأنني من المنافسين ولا يجوز أن أتطلع على أسرار مجموعتكم الفذة ؟؟.......)
4
أخفضت رأسها خجلا ثم همست ( العمل عمل يا ادهم ........)
لم يستطع منع ابتسامته وهو ينظر الى طفلته الحبيبة وهو يعيد بمزاح ؛( العمل عمل يا ادهم ؟؟؟؟؟؟؟......)
ثم ضمها اليه ليقبل جانب فكها برقته التى تشعل كيانها ....ثم تركها ليشير الى المكتب ويقول بصرامة
(اجلسي واخرجي الملفات يا حلا والا فلا تلومي الا نفسك ..........)
ترددت حلا ثم قالت بخوف ( حسنا ...لكن إياك أن تخبر سابين )
3
ظل يشير الى المكتب بصرامة وهو يمنع نفسه عن الضحك بصعوبة ......أمضى وقتا طويلا جالسا أمامها......... يستمع اليها وهي تشرح له ما فهمته , وتسأله فيما لم تفهمه ....وحين كانت تخفض رأسها لتدقق في الأرقامِ المرصوصة أمامها كان يستغل الفرصة لينظر اليها شاردا مبتسما وهو يتذكرها في المرحلةِ الثانوية حين كان يجلسها في مكتبه رغما عنها ليشرح لها مادة الكيمياء التى كانت فاشلة فيها تماما .....وكل ما كانت ترجوه هو أن تعبر منها بنجاح ......
6
وكان يفعل مثلما يفعل الآن تماما ....ينتهز فرصة أن تخفض رأسها حتى يتأملها ويشبع من رؤية شعرها الجامح المتساقط على سطح المكتب ........
بعد ان انتهيا اغلقت حلا الملفات سريعا ثم وضعتها في الدرج ونظرت اليه مبتسمة وقالت
(أنت رائع ......لم أكن لافهم كل هذا وحدي )
نظر اليها بحبٍ أسكرها ثم قال بصرامة وهو يمد لها يده لتتشبث بها بسرعة
(هيا لنخرج اليهم الآن لنرى عدد الضحايا من المعركة التى ولابد أن تكون قد حدثت بسبب الكارثة المسماة سابين )
ضحكت حلا طويلا وهما يخرجانِ معا ....
الوضع كان هادئا نوعا ما ....لكن ادهم همس الى حلا بعبوس
(ابقي هنا .........)
ثم اتجه بهدوءٍ الى سما التى كانت واقفة تخفي فمها بيدها وهي تضحك بشدة على ما يقوله لها عمار الواقف أمامها وما أن وصل اليهما حتى جذب سما من يدها ليقول لعمار بهدوء وبرود
(عن اذنك ......)
ثم سحبها خلفه وهي تسير خلفه بوداعة .....مبتعدا بها عن مرمى عمار الذى وقف وحده وهو ينظر حوله ليقول بصوتٍ منخفض
(ماذا ؟؟؟.......هل أنا مصابا بمرضٍ معدي أم ماذا ؟؟؟؟؟.......)
40
.................................................. .................................................. .....................................
كاد كل شيءٍ أن يمر بسلام ......كاد .....لولا أن سابين في نهاية اليوم كانت تهبط على سلم مدخل البيت فانزلق كعب حذائها العالي وكادت أن تسقط لترتطم بالأرض بشدة ....لولا أن شعرت بيدين قويتين من خلفها يمسكانها من خصرها لتسندانها حتى تقف من جديد ...التفتت لتجد عمار ينظر اليها ممسكا بها ........ثم قال بهدوء
( لا يجب أن ترتدي مثل هذا الكعب العالي في حملك ............)
ضحكت سابين ضحكة عالية وهي تتنفس ارتياحا وقد ظنت للحظةٍ واحدة أنها ستسقط على السلالم وستهلك طفلتها قبل أن ترى النور ....لكن ما أن تركها عمار حتى التفتت لتواجه عينين متوحشتين ......احمد ....الذى صعد درجات السلم في لحظة واحدة ليمسك عمار من مقدمة قميصه بقبضةٍ حديدية ....بينما توجهت قبضته الأخرى الى وجه عمار .......وكل هذا كان في لحظةٍ واحدة دون أن يستطيع أحد استيعاب ما حدث ...........
4
صرخت سابين بغضب وهي تسند عمار الذى انهمرت الدماء من انفه بغزارة .....لكن دون أن يحاول الرد على أحمد بأي ضربة ....اكتفى بأن يكتم الدم بيده وهو ينظر باستخفافٍ اليه .......
1
استدار احمد مبتعدا ليهبط السلالم بعنف وهو يصرخ ( تالا ........هيا لنذهب )
تبعته سابين وقبل أن يصل الى سيارته تمكنت من الإمساك بذراعه بقوة وهي تديره اليها صارخة بوحشية
( إن خرجت من هنا فلا تعد أبدا ........)
أمسك بذراعها بوحشيةٍ كادت أن تمزق لحمها لكنها تحملت وكتمت صرخة ألم .....فهمس بصوتٍ كالفحيح
(كان يجب أن أعرف أنكِ لن تكفي عن عبثك أبدا .......ستظلين بنفس الصفاقةِ ولن تتغيري وكل ما سيهمك هو ان يقع كل رجلٍ يراكِ صريع سحرك )
8
شعرت كما لو انه لكمها هي الأخرى .....سكتت تماما ونظرت اليه بصدمة الى أن تابع
( كل ما أطلبه منكِ هو أن تحافظي على أسمي الى أن تسلميني طفلتي .......ثم اذهبي بعدها الى حيث تريدين )
4
كانت تالا قد وصلت جريا تتعثر بحقيبتها وهي لا تفهم شيئا مما يحدث ....لكنها ركبت في صمت خوفا من غضب والدها المرعب ........ترك احمد سابين بإشمئزاز ثم ركب السيارة ليرجع بها الى الوراء ثم يدور لينطلق بها بسرعة مجنونة .......
5
تاركا سابين تقف مذهولة ........تماما كما تركها ليلة زفافهما في نفس المكان .............
.................................................. .................................................. .......................................
بعد مرور شهر على ذلك اليوم المأسوي ....كان عمار يصعد سلالم واجهة مقر مجموعة عماد الراشد .....بسرعةٍ كعادته , بينما كانت شابة تهبطها مندفعة بغضبٍ أعمى لا ترى أمامها من شدته ......فلم يستطع تجاوزها في اللحظة الأخيرة , فارتطمت بشدةٍ بصدره القوي وكادت أن تقع لولا أن أمسكها ليمنع سقوطها .......تماما كما فعل مع سابين في ذلك اليوم الفظيع منذ شهر ......
1
فكر عمار بابتهاج وهو ينظر الى الشعر الذهبي الثائر والملامح الشرسة.....أنها ثاني جميلةٍ تسقط بين ذراعيه .....
2
رفعت تلك الشابة عينين ذهبيتين متوحشتين تنفثانٍ نارا اليه ....ثم دفعته بكلتا قبضتيها في صدره ليتركها ثم صرخت بتعالي وقح
(ابعد يدك يا احمق ....الا تنظر أمامك وأنت تندفع بمثل هذه الحماقة )
1
نظر اليها بدهشةٍ وقال بهدوء
(ولو أنكِ تنظرين أمامك بدلا من مظاهر الجنون البادية عليكِ تلك ......لكنتِ رأيتني )
صرخت بغضب مرة أخرى وهي تندفع من أمامه ( أحمق .......)
ثم أكملت هبوط درجات السلم بعنف ........صعد عمار درجتين ثم استدار مرة أخرى لينظر الى تلك المجنونة رائعة الحسن التى تعبر الطريق وشعرها الذهبي يتناثر متبعثرا في كل مكان من عنفِ خطواتها ....ثم همس مبتسما
(وقحة ........)
4
ثم استدار ليصعد السلم لكنه قبل أن يستقل المصعد ذهب الى حارس البوابة ليساله عمن كانت تريد هذه الشابة التى خرجت للتو , فأخبره الحارس بأنها سألت عن سابين وحين لم تجدها سألت عن مكتب حلا لتذهب اليه ........
ذهب عمار مباشرة الى مكتب حلا التى كانت منهمكة في الملف أمامها ......فاقترب بهدوء ليجلس على حافة مكتبها بعد ان القى عليها التحية .......قال بهدوء
(حلا .......)
ردت دون ان تنظر اليه ( همممممم.......)
قال عمار وهو يعبث في الأوراق الموجودة أمامه ثم قال بلا مبالاةٍ مزيفة
( أثناء دخولي الى المقر شاهدت شابة غريبة عن المجموعة ...... أتعرفينها ؟)
رفعت عينيها اليه وقالت بعد لحظة (أي شابة ؟........)
قال وهو يحاول أن يتذكر ( تقريبا ....شقراء ...أو لا أدري تماما )
ابتسمت حلا بخبث وهي تقول ( شقراء .....مجنونة , تثير المشاكل اينما ذهبت ؟؟؟)
ابتسم عمار وهو يقول ( نعم ..... تقريبا ...... من هي ؟؟؟....)
اعادت حلا نظرها الى الأوراق أمامها ثم قالت ( لم أرى من هي بمثل تلك المواصفات ........)
سحب عمار الملف من أمامها بغضب وهو يهتف مغتاظا
( كفي عن ذلك يا حلا ......لقد كانت عندك هنا في المكتب منذ دقائق ....من هي ؟؟)
ابتسمت حلا بخبثٍ أكبر وهي تقول
( أخبرني أولا ماذا تريد منها ؟...........)
هتف عمار وهو يزداد غيظا ( حلا .......من هي ؟؟)
قالت حلا بهدوء بعد أن قررت أن تريحه ( إنها دارين مهران .........شقيقة احمد مهران )
ارتفع حاجباه بصدمةٍ وهو يهمس لنفسه
( شقيقة احمد مهران ؟........كان يجب أن أعرف )
.................................................. .................................................. ...............................................
كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد ان تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........
( ياسميناااا...........)
توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......
التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........
قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............
همست بذهول ( فارس .......)
↚
كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد أن تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........
تغمرها أشعة الشمس بدفئها وهي سارحة بخيالها مسافرة بقلبها عند فارسها .....الن يرتاح قلبها أبدا .الن يهدأ بالها .....الى متى ستظل قلقة عليه ......ترى هل يستطيع تدبير أموره بنفسه .....هل يتقبل المساعدة كما أخبرها , أم أنه عاد لعناده الأحمق و رفض الجميع .....منذ أن هاتفته آخر مرة , لم تسمع صوته مجددا .....انتظرت منه أن يطمئنها على نفسها .....الا أنه كالعادة لم يبالي وتركها تستجدي أخباره خلسة من كل من حولها .........لكنها لم تستطع الحصول على معلومة ...... أي معلومة تريح قلبها الملهوف ..... الجميع يناورونها و يلتفون حول اسئلتها ........ ماذا به ..... هل حدث شيء والجميع يخفون عنها ..........
يالهي .......إنها تكاد تموت قلقا عليه .......منذ مدة .....منذ ما يقرب من الشهرين اتتها مكالمة من رقم غريب قرب وقت الفجر .....استيقظت على الفور من نومها القلق المحمل بأحلامٍ أسيرة فارسها ......فالتقطتت هاتفها لتجيب بلهفةٍ متمنية أن يكون هو من يهاتفها .....الا أن الصمت طال من الطرف الآخر فلم تستطع منع نفسها من الهمس بلهفة
( فارس ؟.......أهذا أنت ؟........)
لم يأتيها أي جواب , فقط سماع صوتِ أنفاسٍ كادت تجزم أنها أنفاس حبيبها ......لكن لو كان هو لماذا يهاتفها في هذا الوقت من رقمٍ غريب .......ودون حتى أن يسمعها صوته ......تعرف أنه خطأ كبيرا أن تتمادى في مكالمتها مع مجهولٍ قد يكون مجرد أحمق لكنها لم تستطع منع نفسها من الهمس باستجداء
( فارس .....أهذا أنت؟......أرجوك أجبني حبيبي ........)
تعالت أنفاسه المتحشرجة ......وسمعت تنهيدة حارة ثم أغلق الخط بعدها .....إنه هو , هي متأكدة أنه هو ......ماذا أراد , ولماذا لم يسمعها صوته ......إنه ليس بخير , وهي تدرك هذا ........حاولت مكالمته مرارا بعدها الا أنه لم يجبها أبدا وحتى هذه اللحظة .......
أين أنت .....فقط اشفق على حالي واسمعني صوتك يا من قلبك في قساوة الحجر
( ياسميناااا...........)
توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة المتحشرجة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......
التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........لم ترى ملامحه , لكنها عرفت ظله ......شموخه وصلابته .......وقفته الشرسة .....انقباضة كفيه ........
قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............
كانت سما في الحديقة منحنية على ركبتيها تضع بذورا في حوض الورود الخاص بها ......كعادتها كل يوم بعد أن تخرج كلا من سابين وحلا الى العمل .........
تغمرها أشعة الشمس بدفئها وهي سارحة بخيالها مسافرة بقلبها عند فارسها .....الن يرتاح قلبها أبدا .الن يهدأ بالها .....الى متى ستظل قلقة عليه ......ترى هل يستطيع تدبير أموره بنفسه .....هل يتقبل المساعدة كما أخبرها , أم أنه عاد لعناده الأحمق و رفض الجميع .....منذ أن هاتفته آخر مرة , لم تسمع صوته مجددا .....انتظرت منه أن يطمئنها على نفسها .....الا أنه كالعادة لم يبالي وتركها تستجدي أخباره خلسة من كل من حولها .........لكنها لم تستطع الحصول على معلومة ...... أي معلومة تريح قلبها الملهوف ..... الجميع يناورونها و يلتفون حول اسئلتها ........ ماذا به ..... هل حدث شيء والجميع يخفون عنها ..........
يالهي .......إنها تكاد تموت قلقا عليه .......منذ مدة .....منذ ما يقرب من الشهرين اتتها مكالمة من رقم غريب قرب وقت الفجر .....استيقظت على الفور من نومها القلق المحمل بأحلامٍ أسيرة فارسها ......فالتقطتت هاتفها لتجيب بلهفةٍ متمنية أن يكون هو من يهاتفها .....الا أن الصمت طال من الطرف الآخر فلم تستطع منع نفسها من الهمس بلهفة
( فارس ؟.......أهذا أنت ؟........)
لم يأتيها أي جواب , فقط سماع صوتِ أنفاسٍ كادت تجزم أنها أنفاس حبيبها ......لكن لو كان هو لماذا يهاتفها في هذا الوقت من رقمٍ غريب .......ودون حتى أن يسمعها صوته ......تعرف أنه خطأ كبيرا أن تتمادى في مكالمتها مع مجهولٍ قد يكون مجرد أحمق لكنها لم تستطع منع نفسها من الهمس باستجداء
( فارس .....أهذا أنت؟......أرجوك أجبني حبيبي ........)
تعالت أنفاسه المتحشرجة ......وسمعت تنهيدة حارة ثم أغلق الخط بعدها .....إنه هو , هي متأكدة أنه هو ......ماذا أراد , ولماذا لم يسمعها صوته ......إنه ليس بخير , وهي تدرك هذا ........حاولت مكالمته مرارا بعدها الا أنه لم يجبها أبدا وحتى هذه اللحظة .......
أين أنت .....فقط اشفق على حالي واسمعني صوتك يا من قلبك في قساوة الحجر
( ياسميناااا...........)
توقفت أصابعها تماما و توقف قلبها عن خفقاته حين سمعت تلك الهمسة المختنقة المتحشرجة من خلفها ......هل هي تحلم ....هل وصل هوسها الى هذه الدرجة .......
التفتت ببطء وهي ترفع يدها لتداري أشعة الشمس لتتمكن من رؤية صاحب ذلك الظل العملاق .........لم ترى ملامحه , لكنها عرفت ظله ......شموخه وصلابته .......وقفته الشرسة .....انقباضة كفيه ........
قامت ببطءٍ وهي تنظر بذهول الى حبيبها .....فارسها .....يقف أمامها بنظارته الداكنة و عصاه الرفيعة ............
You'll also like
مقيد بأكاذيبها by HadeerNourelden220
مقيد بأكاذيبها
9.4M
301K
حياتها بائسة...فالعيون الجائعة تترصدها بكل مكان فتجعلها تعيش الجحيم في كل لحظة من لحظات يومها البائس ..ظلت تقاوم و تحارب بطرقها الخاصة كما اعتادت منذ صغرها..الى ان اتى ا...
كبرياء عاشقة by HadeerNourelden220
كبرياء عاشقة
6.7M
32.4K
اجبرها والدها علي ان تعيش حياتها متنكرة في هيئة الرجال وعندما رفضت حياتها تلك و سعت للخلاص منها والتشبث بانوثتها ... استنجدت بمن تحب فرفضها وسخر منها وخذلها لتشعر بعالم...
شفاه مخملية by zhralsalami
شفاه مخملية
17.3M
954K
واگف گدامي وعيونه يتطاير منهه شرار وكلهن حقد وغيض، گلب شعره الاسود الكثيف اليزيده جمال وجاذبيه وضحك بأستهزاء، گال بنبرة صوت ماكرة - انتي ياهو يگلبچ؟ هو انه وگوة دبسوچ بي...
Obsessed and The ballerina by Amira_aj_
Obsessed and The ballerina
10.3M
478K
راقصة باليه هاوية للرسم ، و رجل مافيا ..أليس هذا متناقض !! بالفعل إنهما كذلك .. "انتِ ترسمين بفِرشاتك ،وانا أرسم بسلاحي ، انتِ ترقصين على أطراف أصابعك وانا أرقص على...
وردة الفهد by SollSooo
وردة الفهد
6.3M
120K
هو أدم المنشاوي ملك الاقتصاد لقبه الفهد لشده ذكائه قاسي مغرور الكل يحسب له الف حساب وسيم جدا ذات شعر اسود كسواد الليل و عيون كعيون الفهد كل النساء تتمني نظره منه هي ورد...
همست بذهول همسة محتنقة لم تكد تسمع لكنها وصلت الى اذنيه ( فارس .......)
وقفت أمامه صامتة تماما ...بينما قبلها يصرخ ضاربا صدرها مهددا بقتلها في اية لحظة .......تنهدت أخيرا وهي تميل براسها لتتشرب من ملاحه الحبيبة ......إنه هنا ......يقف أمامها بوجهٍ لم تتبين تعابيره
الظالم القاسي هنا ......يقف أمامها بخيرٍ تماما بعد أن أهلكها قلقا الفترة الماضية .....لكن الغضب لم يعرف طريقا الى قلبها ......يكفيها إنه هنا من جديد .....
اقتربت منه ببطءٍ قاطعة تلك الخطوات القليلة التى تفصل بينهما الى أن وقفت على بعدِ خطوة واحدة منه ....لم ينطق أيا منهما لفترةٍ طويلة ..... طويلة جدا .......كان كلا منهما ينظر للآخر يريد أن يتأكد ان نصفه الآخر أمامه .......
كانت ملامح فارس متصلبه للغاية وانفراجة خفيفة تباعد بين شفتيه لتستطيع سحبه لأنفاسه بصعوبة ..... ماذا به ؟....هل هو مريض ؟....إنه شاحبا بالفعل .....صدره يعلو ويهبط بسرعةٍ غريبة ......
3
مدت أصبعها الرقيق لتقترب به من وجهه .... وتتتبع تفاصيل ملامحه ...لكن دون أن تلمسه ....فقط يبعد إصبعها عن وجهه مسافة لا تكاد ترى .....أخذت تحرك اصبعها وكأنها ترسم على الهواء الملامس لملامح وجه فارسها ..جبهته ...وجنتيه ...انفه .....فكه ......شفتيه ......آآهٍ من شفتيه ....إجتاحتها ذكرى امتلاكهما لشفتيها في أيامٍ ظنت فيها أنها لامست النجوم بيدها .....
1
ظل إصبعها يمر دون وعيا منها على الهواء الملامس لشفتيه ....مرة بعد مرة .... ترسمهما على الهواء ........بينما اغروقت عينيها بالدموع في لحظةٍ واحدة...........ثم انسابت في انهارٍ صغيرةٍ صامتة على وجنتيها ..........
تنظر اليه وهي تنهل من حب كل تفصيلة من تفاصيل وجهه .... لم ينقصها سوى أن تزيل تلك النظارة القاتمة التى تحجب عينيه الحبيبتين عنها ....لكنها لا تريد المخاطرة بافساد تلك اللحظة .....تريد فقط أن تشبع من رؤيته قبل أن يبتعد من جديد .......عند هذه الفكرة شعرت بقلبها يكاد نفجر من شدة خوفه ....هل هذا هو سبب عودته ؟.....أن يحررها أخيرا ؟.......
لم تستطع منع نفسها من التاوه بنحيبٍ صامت هامسة ( فارس ........)
لم يتحرك من مكانه .... بدا وكانه تحول الى تمثالٍ من حجر .. لا يتحرك به سوى تصاعد صدره المتزايد ..... اكثر واكثر ........
فجاة استدار معطيا ظهره اليها وهو يرفع يدا بسرعة ليمسح شيئا من على وجنته لم تتبينه .........ثم وجنته الأخرى .........
6
ماذا به ؟....إنه ليس بخير حقا ......حبيبها المسكين يتألم .......مسحت دموعها ثم التفتت حوله بسرعة لتقف أمامه وهي تمسك بكتفيه لتهمس بقلق
( ماذا بك يا فارس ؟.................)
لم يرد للحظة وهو مطرقا برأسه ينازع أنفاسه ليسيطر على شيءٍ ما .........ثم رفع يديه ببطء تاركا عصاه الخفيفة تسقط أرضا ليضعهما فوق يديها الممسكتين بكتفيه ......نظارا اليها عبر نظارته السوداء فلم تتبين ما به من الحاجز الذى يغطي عينيه ....
2
قبض على كفيها الصغيرين لينزلهما عن كتفيه دون أن يتخلى عنهما ....فظلا واقفين ممسكين بيدي بعضهما كطفلين ضائعين ......الى أن ترك فارس أحدى يديها ليرفع يده الى وجهها ....يتلمس كل جزءٍ منه كما اعتاد أن يراها دائما .......
أمال رأسه قليلا وهو لا يزال فاغرا شفتيه قليلا ...يراها باصابعه وكأنه فنان يريد أن يصنع تمثالٍ رآه بقلبه قبل عينيه ......
مد إصبعا واحدا ليلف خصلة ناعمة على إصبعه أكثر من مرة .....ليتركها بعد ذلك تنزلق ثم يعود ليلفها مرة أخرى الى أن همس باختناق
( تكلمي مرة أخرى ياسمينا........أريد أن أتأكد أنها أنتِ )
1
اغمضت عينيها والدموع تجري اكثر و اكثر على وجنتيها لتتساقط على شفتيها المبتسمتين ابتسامة حزينة ....ثم همست باشتياق خائن
( إنها أنا ............)
ظهر طيف ابتسامة على زاوية شفتيه تحاكي ابتسامتها حزنا وهو يستمر في لف خصلات شعرها حول اصبعه ثم تركها ....دون وعي منه تقريبا .......ثم همس بعد فترةٍ همسةٍ اكثر اختناقا
( ليس قبل أن أتأكد بنفسي ......)
في حركةٍ واحدة اعتقل خصرها النحيل بين ذراعيه الحديدتين ليرفعها اليه حتى اصبح وجهها الدافىء في مواجة وجهه ثم هبط برأسه كالصقر مندفعا ليدفن وجهه في عنقها الناعم ....ليقبله مرة ثم يستنشق رائحتها مرة اخرى ......مرة بعد مرة ......بينما أغمضت عينيها وهي تتعلق بعنقه تتلاعب بخصلاتِ شعره التى اشتاقت لأصاعبها المداعبة الحانية .......أخذ الدوار يحيط بها من شدة قربه و عصفِ مشاعره التى كان يبثها بالقرب من اذنها .... أنفاسه الدافئة تهدر في أمواجٍ موسيقية داخل أذنها .......
3
ثم همس بتحشرج ( أين عطرك ياسمينا ؟.........)
سحبت أنفاسها بجهدٍ وهي تتعلق اكثر بعنقه خوفا من أن يختفي من جديد ...... ثم حاولت النطق بصعوبة الى أن همست بصوتٍ مرتعش باكٍ
( لم أضعه منذ أن رحلت .........)
رفع رأسه لينظر اليها عبر نظارته الداكنة طويلا و صدره يتنفس بصعوبةٍ لاهثا ...ضاربا قلبها بشدة .....الى أن قال أخيرا بصوتٍ اجش ( لم يعد مهما بعد الآن .........)
5
فتحت عينيها المبللتين لتنظر اليه بخوف ....لم يعد مهما بعد الآن ؟.......ماذا تبقى بينهما اذن .........ماذا تبقى له من ياسمينا ......لا شيء ....ببساطةٍ لا شيء يذكر ..........
ازداد انهمار دموعها الصامتة وهي تنظر بعجزٍ الى عينيه المظلمتين ...تريد أن تنزع تلك النظارة اللعينة .....أومأت برأسها بصمت ....ثم همست أخيرا همسة منتحبة ....قد تمزق قلب أي انسانٍ يمتلك ذرة من الاحساس
(نعم .......نعم ...عرفت أنه لم يعد ........)
لم يدعها لتكمل عبارتها ......وهو يلتهم كلمتها الاخيرة بين شفتيه وهو يهاجم بهما شفتيها المرتعشتين من البكاء .....استمر هجومه الناري طويلا وهي بالمقابل لم تستطع سوى أن تستجيب له بجنون ِ شوق الليالي الطويلة التى كانت فيها وحيدة بعيدة عن حضنه الدافىء الذى لم تغرق فيه منذ فترةٍ طويلة ........
كان يتوقف فقط ليلتقط انفاسه هامسا بخشونة ( جميلة ......جميلة ) ثم يعاود هجومه الشرس وهو يدور بها وهي متعلقة به ...تطير فوق السحاب .... تلامس النجوم ......لقد عاد ......لقد عاد فارسها .....
حين تركها اخيرا كان كلا منهما ينظر الى الآخر لاهثا من تلك العاصفةِ التى أطاحت بهما منذ لحظات .....الى أن استطاع فارس النطق أخيرا بصوتٍ أجشٍ لاهث وهو يمسك بوجهها بين كفيه
(ما أجملك ......يالهي ما أجملك )
1
ابتسمت بانبهار من تلك المشاعر المجنونة المرتسمة على وجهه .... لقد علق على جمالها كثيرا من قبل ... الا إنه لم يكن بمثل هذا الشوق والجنون قبلا .... لم تره بمثل هذه المشاعر الهوجاء حتى في أشد لحظاتهما العاطفية معا .......هل اشتاق اليها بالفعل الى هذه الدرجة ؟......
5
اتسعت ابتسامتها اكثر و الدموع تابى ان تنضب ..... فمد يده ليمسح تلك الانهار الصغيرة برفق من احدى وجنتيها ..ثم الاخرى ..ثم همس بعذاب
( لا تبكي ......لا أريد رؤية دموعك أبدا )
ضحكت قليلا من بين بكائها وهي تومىء برأسها علامة الموافقة ....دائما ما تجيبه بالإشارة ....بعد أربعة سنوات لازالت تفعل ذلك ....
أخرجها من شرودها وهو يهمس بابتسامة ٍحانية ..مربتا على وجنتها
( احسنت ..........)
رفعت عينيها اليه لتسأله كيف رأى موافقتها الا إن ابتسامته المذهلة أوقفت الكلمات و منعتها من الخروج ....ما أجمل ابتسامته , إنها ابتسامة لم ترها من قبل .....ابتسامة من كان يلهث خلف شيئا ما الى أن وجده أخيرا .....
1
أفاقت فجأة من شرودها المجنون بطيف ابتسامته لتنظر حولها ثم عادت لتنظر اليه بحيرة وهي تهمس
( فارس .... كيف وصلت الى هنا ؟)
ابتسم اكثر وفتح شفتيه ليجيبها ...الا إنه عاد ليغلقهما وكانه تمهل قليلا ثم قال أخيرا
( لقد أقلني ادهم اليكِ ........)
اليكِ ......ما أروع تلك الكلمة البسيطة ....همست مرة أخرى
1
( لماذا عدت الى هنا .....ظننت ....ظننت أننا ........)
جذبها مرة أخرى الى أحضانه وهو يسند جبهته على جبهتها هامسا ( ششششششش..........هيا استعدي لنذهب الى بيتنا )
انتفض قلبها مراتٍ ومرات قبل أن تهمس بلهفة ( بيتنا !!..........)
ابتسم وهو ينظر الى صدمتها ثم همس ( نعم بيتك يا حرمي المصون ......يبدو أنكِ اعتدت على الحرية بدون زوجك )
ظلت تنظر اليه فاغرة فمها وهي تشعر فجأة بعدم قدرتها على فهم اي شيء ........همست
( لا أفهم ......لا أفهم )
رفعها بين ذراعيه مرة اخرى وهو يقبلها بقوةٍ عجزت معها عن التنفس ........الى أن شعرت بنفسها تترنح بين ذراعيه حتى كادت أن تسقط فتشبثت بكتفيه وهي تشعر به يكاد يسقط .....فصرخت بخوف
( فارس .......ماذا بك ؟؟؟)
أنزلها أرضا وهو يتمسك بخصرها بشدة يكاد أن يسقطها بثقله الذى ارتمى عليها ......صرخت سما مرة أخرى وهي تبكي بلوعة
( فارس ....أرجوك أجبني , ما بك ؟؟)
ظل يتنفس بصعوبة لعدة لحظات ثم همس بإجهاد
( أنا بخير ......لا تقلقي , لم يكن من المفترض أن أقف طويلا تحت أشعة الشمس )
همست سما بخوف ( لماذا ؟.......)
صمت قليلا مترددا ثم انحنى ليقبل وجنتها وهو يهمس ( الحرارة .....الحرارة انهكتني بعد ساعات السفر .....ثم حرارتك )
2
احمر وجهها بشدة وهي تضربه في كتفه لارعابها بهذا الشكل ...الا إنها لم تصدق كلماته . إنه يبدو متعبا للغاية .....همست أخيرا وهي تحيط خصره بذراعيها و تتحمل وزنه
( هيا لنصعد .......يجب أن ترتاح قليلا )
أوقفها وهو يمسك بذقنها ليرفع وجهها اليه قائلا بخفوت ( قوديني الى بيتنا ياسمينا .....لن أرتاح في مكانٍ آخر )
4
ظلت تنظر اليه تحاول أن تستشف ما به .....ثم همست أخيرا
( اصعد معي ........دقائق و سأكون جاهزة )
ابتسم برفق وهو لا يحيد بنظره عنها أبدا .....لم يتحرك حتى وكأنه يخشى أن يفقد لحظة من النظر اليها .....الى أن أومأ برأسه وهو غير قادر على النطق ...
دخل معها الى المنزل ببطء وهو لايزال مستندا عليها وعند بداية السلم توقفت ونظرت اليه قائلة
( هل تنتظرني هنا ......حتى لا تضطر لصعود السلم )
تشبث بها دون وعي منه وكأنه طفل على وشك ان تبتعد أمه عنه .....ثم قال بخشونة
( سألازمك كظلك .........)
ضحكت برقةٍ وهي تشعر بقلبها الذى كان يحتضر هذا الصباح ...قد انتعش الآن وتوهج بحرارة ِ شمسٍ ذهبية تجري في عروقها ..ثم ساندته مرة اخرى ليصعدا السلم درجة درجة .......بدا أن السلم بالنسبة لكليهما كرحلةٍ ناعمةٍ تلك التى كانا يقومانِ بها على شاطىء البحر كل يوم .....كانت تائهة في شرودها وذكرياتها العذبة بينما هو يميل عليها كل لحظةٍ يكاد ان يسقطها بوزنه وهو يقبل عنقها مرة و وجنتها مرة .......الى أن وصلا الى غرفتها , فساعدته ليجلس على حافة الفراش ثم اتجهت الى حمام وعادت بعد لحظاتٍ وهي تمسك بمنشفةٍ مبللةٍ بماءٍ بارد ......انحنت لتجلس القرفصاء امام ركبتيه و رفعت يدها بالمنشفة لتمسح وجهه وعنقه بها .......بينما كان هو متشبثا بحافة الفراش بقبضتين من حديد وانفاسه تتهدج فوق وجهها الأحمر .....
مدت يدها لتلتقط نظارته الداكنة تنوي ابعادها عن عينيه لتمسحهما بالمنشفه الا انه امسك بيدها بقبضةٍ وقوية قبل أن تتمكن من ذلك ليمنعها .... نظرت اليه بدهشة وهي تهمس
( دعني أنزعها لامسح لك وجهك .........)
ابتلع ريقه وظل ممسكا بكفها بين اصابعه بقوة ومد يده الاخرى ليعاود تلمس ملامحها برقة .......ثم همس
( لا أريد أن أنزعها الآن .... لقد تغير شكل عيني من العلاج المكثف , لا أريدك أن تريها الآن )
عبست بشدة من كلامه السخيف فقالت
(ما هذا الكلام الطفولي .....دعني أرى عينيك لاعرف ماذا اصابهما )
حاولت نزع النظارة مرة اخرى الا انه عاد ليمسك بيدها اسرع واقوى من المرة الاولى ثم رفعها الى فمه ليقبل باطن كفها بطريقةٍ غريبة لم ترها منه من قبل ..... كان كمن يلتمس الدعم منها فهمست
( لن يضايقني أبدا منظر عينيك يا فارس .......أبدا .......ضع هذا في تفكيرك دائما )
شعرت بتأوهٍ مكتوم في باطن كفها فرفعت يدها الاخرى لتتخلل خصلاتِ شعره بأصابعها ........الى أن همس باختناق
( هيا يا سما ....دعينا نذهب الى بيتنا حبيبتي )
حبيبتي ......حبيبتي .....مستعدة لان تموت وهي مبتسمة الان لمجرد سماعها تلك الكلمة منه .......لكنها استطاعت تجميع البقية الباقية من سيطرتها على نفسها ثم نهضت لتقول برقة
2
( سأعد نفسي ..........)
التقطتت حقيبة صغيرة و أخذت ترتب بها بعض الاشياء القليلة الضرورية ....الى متى سيبقيها بجانبه هذه المرة ؟......هي لا تعلم حقا .....لكنها لن تهتم , ستبقى بجواره طالما هو يحتاجها ......لن تعطل حياتها من أجله بعد الآن .... ستتابع ما بدأته لكنها أيضا ستبقى بجواره دائما ما أن يطلب ..... هذا هو ما سيكون الوضع .......وهي سعيدة به ....او على الأقل لا تملك غيره ........
بعد أن أغلقت حقيبتها أخرجت ملابس بسيطة لترتديها عوضا عن تلك البدلة الرياضية الوردية الطفولية التى ترتديها ......ثم فكت سحابها لتنزع عنها سترة تلك البدلة ......ظنت إنها سمعت شهقة مكتومة فنظرت بسرعة الى فارس الذى كان ينظر اليها هو الآخر ..... محددا مكانها من وقع خطواتها ........
16
أكملت خلع ملابسها ..........ثم أخذت تتعثر وهي تحاول ارتداء بنطالها الجينز كعادتها دائما اثناء ارتدائه ......واثناء دورانها كانت تراقب فارس الذى نهض من مكانه ليقف متابعا ما تفعله ومعالم الوجوم ترتسم على وجهه فاغرا شفتيه قليلا وهو يديره ملاحقا إياها في كل حركةٍ في انحاء الغرفة ......فقط لو يتوقف عن النظر اليها بهذه الطريقة .....لم تستطع منع ابتسامة خجولة من الظهور على شفتيها وهي ترتدي قميصها الابيض النظيف ......ثم قالت وهي تغلق ازراره .....
(أين حقائبك ؟.........)
لم تسمع منه جوابا وهو لايزال مسمرا بمكانه فأعادت مرة اخرى ( أين حقائبك ؟..........فارس هل سمعتني ؟)
رفع رأسه لينظر الى وجهها وقد ارتفع حاجباه من خلف نظارته وهو يهمس بغباء ؛( ماذا ؟............)
عبست وهي تهز رأسها بياس ....ثم قالت ( حقائبك .......أين هي ؟)
سعل قليلا ليجلي حنجرته ثم قال بخفوت ( سيأخذها ادهم الى البيت ........بعد أن أحضرني الى هنا ....)
عبست مرة اخرى ثم همست ( مدلل ........)
مرت لتلتقط حقيبتها الا إنه اعتقل خصرها بين ذراعيه ليرفعها عن الأرض وهو يقول بغضب ( ماذا قلتِ ؟.........)
ابتسمت لعينيه المخبأتين ثم ضحكت قائلة ( لم أقل شيئا ........أنزلني )
ابتسم هو الآخر وقال ( ليس قبل أن تعتذري ..........)
تظاهرت بالتفكير قليلا ثم همست بوداعة ( اعتذر .........)
اتسعت ابتسامته ثم اخفض رأسه ليقبل وجنتها ليهمس بعدها ( فتاة طيبة ...........) ثم أنزلها أرضا
ابتعدت عنه عدة خطوات ثم قالت بمرح ( هيا بنا أيها المدلل ..........)
هجم نحوها مباشرة فصرخت بالرغم من انها تعرف انها ستنجح في الهرب منه ....الا أنها لم تكمل في جريها نحو الباب سوى خطوتين لتشعر بنفسها تطير في دوامةٍ لتلقى بعدها على كتفه وهو يدور بها بسرعةٍ الى ان اخذت تصرخ شاهقة برعب وهى تغمض عينيها بشدة
( أنا اسفة ......أنا اسفة ......انزلني )
توقف بعد فترةٍ وهو ينزلها ارضا دون ان يتركها بينما يلهث ضاحكا .....رفعت رأسها اليه غاضبة ثم اخذت تضرب صدره بقبضتيها .....كيف نما مهاراته لهذه الدرجة .......هل كان يلعب مع الممرضات الاجنبيات ........ارتسمت في ذهنها صورا مجنونة فعادت لتضربه بقوة اكبر بينما ضحكه يزيد اكثر .........الى ان ضمها بين ذراعيه بقوةٍ وهو ينهي ضحكه بتنهيدةٍ كبيرة مستندا بذقنه فوق رأسها .......بينما تعلقت هي بخصره بشدةٍ وهي تغمض عينيها مستمتعة بهذا الحلم الرائع ......
رفع ذقنها اليه ليقول بعد فترةٍ بصوتٍ عميق (هيا بنا صغيرتي .........)
صغيرتي ؟!!!......انه حقا يبدو مختلفا للغاية ......
1
اتجهت الى حقيبتها لتحملها الا انها فوجئت به يمسك بالحقيبة لياخذها منها وهو ينظر اليها مبتسما ...ممسكا بمرفقها وهو يهمس
( فلتقوديني ياسمينا ..........)
كانت رحلة العودة طويلة جدا .....وكانت اعصاب سما على وشكِ الانفجار من الصمتِ الذى يسود سيارتها الصغيرة منذ ان بدا الرحلة ....انه صامتا بشكل مريب .... ملتفتا اليها بالكامل يراقب تحركات يديها ....هل تصدر صوتا ؟؟؟..... مالذى يثير اهتمامه الى هذا الحد ؟........حاولت مكالمته اكثر من مرةٍ لتسأله عن علاجه .....او عمله الذى تعرف انه بدا في متابعته من جديد .....الا انه كان يجيبها باقتضابٍ وكأنه لا يريد الكلام .....فقط يريد ان يستمع الى حركاتها البسيطة ..........
حين وصلا الى بيتهما اخيرا .....دخلت سما امامه لتتطلع حولها الى البيتِ الذى اعتبرته يوما بيتها ......ابتسمت بحزنٍ وهي تتنهد ....يالهي ...كم اشتاقت اليه ....
شعرت بيدي فارس على كتفيها وهو يديرها اليه ليقول بصوتٍ اجش ( لماذا هذه التنهيدة الحزينة ............)
مسحت دمعة خائنة سقطت على وجنتها لتقول بصوتٍ خافت وهي تطرق برأسها ( لقد اشتقت لبيتنا ....لهذا البيت )
عبس حين لاحظ محاولتها لتعديل الكلمة .....فقال بقسوة وصرامة ( بيتنا ......بيتنا يا سما )
رفعت عينيها الدامعتين اليه ثم همست بحزن
( لم أشعر به بيتي أبدا ...... كنت أخدع نفسي وأقنعها بأنه بيتي .....احببته .. احببته كثيرا لكنني ادرك الآن انه لم يكن يوما بيتي ..... ولن يكون .... سأظل دائما محطة استراحة في حياتك يا فارس ......لكن لا بأس في هذا , سأكون بجوارك دائما ما أن تحتاجني.......الى ان ....الى ان تقرر ......متى ستكون النهاية والى ان تاتي هذه النهاية ارى انه من العدل ان اخبرك منذ الان ان حياتي لن تتوقف عليك .....كما كنت دائما , اتمنى ان تتفهم ذلك .....)
ظل صامتا ينظر اليها من علوه ....انفاسه تتهدج بعذاب وهو يشدد من قبضتيه فوق كتفيها حتى كاد ان يحطمها ......عضت على شفتيها من الالم الا انها لم تصدر صوتا .......امسك فجاة بذقنها يرفع راسها بقسوة ٍ اليه وهو يصرخ غاضبا
( اسمعيني جيدا .... هذا البيت هو بيتك الوحيد , لن يكون لكِ غيره ابدا ....... ولن يكون لكِ مفرا مني , فدعكِ من كل تلك السخافات التى ذكرتها الان .......لقد كان احساسك هذا من الماضي اما الان فقد تغير كل شيء ...... هل فهمتِ ؟.....)
ابتلعت ريقها وهي تستمع الى قسوته الغاضبة .....هل سيعود الى قسوته القديمة ؟.... هل يجب عليها الان ان تبتعد عن مرمى يديه ؟......وبالفعل حين ترك ذقنها ورفع يده مدت ذراعها بسرعةٍ دون تفكير امام وجهها اتقاءا ليده الطائشة التى عرفتها سابقا .......
تسمرت يده فوق اطار نظارته وارتفع حاجباه من خلفها وهو ينظر الى ذراعها المرفوعة امام وجهها .......قال بصدمةٍ ظاهرة في صوته بوضوح
( لماذا أخفيتِ وجهك ؟........)
انزلت ذراعها ببطء وهي تنظر اليه بتوجس لكن مع بعض الراحة ....ثم همست بحزن ( لطالما عانيت من يدك الطائشة حين تغضب )
3
فتح فمه بصدمة ... ثم عاد ليغلقه وهو يتنفس بصعوبة .....الى أن تمكن في النهاية من الهمس بخوف
( لم أضربك يوما يا سما .........)
رفعت يدها لتمسك بيده الممسكة بكتفها ثم همست بندم ( لا .....لم تقصد أبدا , أنا أعرف ذلك ........)
ازداد ارتفاع حاجبيه وخرجت الأنفاس ساخنةٍ كاللهيب من شفتيه .....قال بتحشرج
( سما أنا لم أضربكِ يوما ....... اليس كذلك ؟....)
2
انه يبدو كمن فقد ذاكرته تماما ...... عادت لتسأل نفسها مرة أخرى ...ماذا به ؟........همست تحاول الخروج به من هذا الموضوع المؤلم لكليهما
(فارس .... أنا مدركة لأن غضبك في أغلب الأحيان لم يكن موجها ضدي , كنت تكسر الأشياء من حولك , تصرخ , تركل كل شيء .....)
استطاع أن يهمس مذهولا باختناق
( وكنتِ أنتِ من الأشياء التى طالتها يدي اليس كذلك ؟..............)
ترك كتفها ليستدير مبتعدا عنها وهو يغرز أصابعه في خصلاتِ شعره بشدةٍ كادت أن تقتلعه من جذوره ..........التاع قلبها من رؤيته بهذا الشكل ....حبيبي ....حبيبي المسكين , الى متى ستظل معذبا ......
اقتربت منه بسرعة لتقف امامه ثم امسكت بوجهه بين كفيها لترفعه قليلا .....ثم همست برقة ودموعها تنهمر على وجنتيها
( لا بأس .....صدقني لا بأس )
أمسك بوجهها هو الاخر بقوةٍ وهو ينظر اليه يكاد يلتهم كل جزء فيه ....ثم جذبها بقوة محيطا خصرها بذراعه بينما يده الاخرى انتزعت نظارته ليرميها على اقصى استطاعته لنهاية الغرفة ....لتعود الى شعرها جاذبا راسها اليه لييجتاحها بقبلةٍ عميقة اودعها كل عذاب وشغف السنين الطويلة التى جمعت بينهما .......قبل حتى أن تنظر الى عينيه التى اشتاقت اليهما ......فارتفعت على أطراف أصابعها لتتعلق بعنقه وتودعه كل حنانها واشتياقها في هذه القبلة التى لم تشعر في حياتها بما هو اروع منها .....
رفع رأسه عنها بعد فترةٍ طويلة ليلتقط انفاسه......ثم نظر الى عمق عينيها ليقول بصوتٍ متأوه لاهث
( لم أرى في حياتي من هي اجمل منكِ ........يالهي .... ما أنتِ حقا ؟.....حورية من القصص الخيالية أم جنيةٍ خياليها شاء الحظ أن يجعلها زوجتي ........)
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تشعر بشيءٍ خاطىء..........عينيه ...لونهما متغير قليلا ..كما قال منظرهما اصبح غريب من العلاج الكثف ....لكن ليس هذا ما اثار حيرتها .. بل انها لم تهتم أبدا بذلك ........لكن هناك شيءٍ ما في نظراته .... نظراته التى ترصد كل حركةٍ من حدقتيها .... من لسانها الذى يمر بارتجاف على شفتيها .......عينيه .....يالهي ......عينيه .......انه ........
قفزت من بين ذراعيه لتبتعد عنه خطوة واحدة ثم رفعت يدها لتلوح بها امام وجهه ....فتبعتها حدقتيه اللامعتين بدموعٍ ابت كرامته أن تحررها.... وهو ينظر اليها مبتسما بحزنٍ ولوعة
شهقت سما بشدة وهي تغطي فمها بيديها وعينيها تتسعان برعب .........ثم أخذت تبتعد الى الخلف بتعثر الى أن ارتطم ظهرها بجدار الغرفة ....... بينما هو يقترب منها بخفة النمر .......بعينين مفترستين ......
يالهي ...ما أجملها .... تخيلها كثيرا ...بعدد الليالي التى قضتها معه لاربع سنواتٍ كاملة .....لكنه أبدا لم يكن ليتخيلها بمثل هذه الروعة ......شعراشقر داكن يميل الى الذهب المختلط بالعسل ......تلتف خصلاته في موجاتٍ مجنونة حتى منتصف ظهرها ......بشرة ذهبية ليست شديدة البياض بل ذهبية مسمرة وكانها قضت اليوم كله على الشاطىء ..........ثم تأتي عيناها ........
عينانِ تناقضانِ سمارها الذهبي لتكونا في اللونِ السماءِ الصافية ......هل هذا هو سبب اسمها ؟...........
2
هل هذه هي سماؤه ؟...... هل هذه هي الطفلة التى سافرت معه منذ اربعةِ سنوات ؟.......هل هذه هي من تملك صفاتٍ قريبة للملاك .....هل هي الياسمينا التى لم يرها الا من خلالِ عطرها .........هل هي النسمة الوحيدة التى عطرت حياته .......هل هذه هي ؟......
لم يكن ليصل خياله الى روعتها .......ليس لانه لم يرى من هي أجمل منها ..........لقد رأى الكثير من الجميلات في حياته وبعضهن كن أجمل منها ربما .........لكن فيها شيئا ما .....سحرا طفوليا غريبا .... يعتقد أنه سيظل يلازمها مهما طال بها العمر .......
ظل يقترب منها وهو يبتسم بشراسةٍ عابثة .....صرخت سما بشدة وهي متسعة العينين بذعر
( لا تقترب .........)
توقف فارس مكانه وهو ينظر اليها عابسا بحيرة .......بينما لايزال مبتسما ثم قال برقة وهو يقترب منها خطوة اخرى
( اهدىء سما .....إنه أنا )
كان صدرها يرتفع وينخفض بشدة وهي تلهث من هولِ ما تراه الا انها تمكنت من التقاط تمثالٍ خزفي موضوع على الطاولة بجوارها ورفعته عاليا وهي تعاود الصراخ مرة أخرى
( لا تقترب مني .......)
ضحك فارس وهو لا يزال عاقدا حاجبيه ثم يده الى ذراعها ليحاول جذبها اليه ليهدئها الا إنها فرت من بين ذراعيه باعجوبة وكان الطريق الاقصر بالنسبةِ لها هو طريق غرفتهما فجرت اليها بسرعةٍ مذهلة قبل أن يستطيع فارس استيعاب ما يحدث
3
أغلقت سما الباب خلفها بالمفتاح وهي تلهث بعنف ثم استندت بظهرها الى الباب بينما كان هو خلفها بخطوةٍ واحدة لم يستطع فيها اللحاق بها قبل ان تغلق الباب .....طرق الباب برفق حتى لا يرعبها اكثر وهو يهمس ( ياسمينا ....افتحي الباب , لا تخافي )
لم يسمع ردا أبدا .....عاد ليطرق الباب برفق ....ثم قال بعد فترة بصوتٍ خافت مستعطف
(حسنا يا سما .....لا تفتحي الباب الآن , لكن هل لي أن أطلب منكِ طلب ؟........ اجلسي عند الباب )
لم يصله الا الصمت الكئيب ......لكن بعد فترة سمع صوتا ناعما يجري على الباب من الجهة الأخرى .........
انزلقت سما ببطءعلى سطح الباب المغلق بينهما الى ان جلست على الأرض وهي تحتضن التمثال الخزفي بين ذراعيها بشدة وهي ترتجف بقوة ......
4
استند فارس بظهره على الباب ثم على الأرض هو الاخر في الجهة المقابلة ......أخذ نفسا عميقا وهو يحاول تهدئة قلبه المرتجف ....لا يصدق انه يحبس ياسمينته بالداخل .....لكم يتمنى ان يظل مغلقا عليها هذا الباب طوال العمر حتى لا تطير منه مع نسائم الهواء التى قد تخطفها بعيدا .......استطاع ان يقول اخيرا بصوتٍ اجش
؛( لقد اشتقت اليكِ حبيبتي ........كانت فترة طويلة مدمرة بكل المقاييس تلك التى عشتها بعيدا عنكِ .......)
أرجعت سما راسها الى الخلف لتستند على الباب مغلقة عينيها على الدموع الحبيسة وهى تستمع الى صوته الاجش ......بينما تابع فارس
(لم أخبرك بنيتي في خوض الجراحة الأخيرة ......لاننى لم أكن لأتحمل فشلا جديدا أمامك يا صغيرتي , لم يكن هناك ما هو أشد استحالة عندي من خوض ذلك الألم مرة أخرى .......لكنى فعلتها من أجلك .......حين قررت أنكِ تستحقين الافضل )
أخذ جسد سما يرتعش بشدةٍ وبدرجةٍ مرعبة حتى باتت غير قادرة على السيطرة على شهقاتها المصدومة .......إنه يراها .... إنه يراها .....لم تكن يوما على هذه الدرجة من القرب برجلٍ مبصر ......لقد خاضت معه كل مراحل علاجه وابتهلت كثيرا من أجل نجاحه .....الا ان الواقع كان شيئا آخر .......هناك رجلا غريبا مبصرا يجلس عند الطرف الآخر من الباب .......رجلا استطاع رؤيتها حين عانقها .....رفعت يديها الى وجنتيها الساخنتين وهي تشهق بصمت ......رجلا غريبا يبثها الان كلماتٍ مغلفةٍ بمشاعر لم تسمعها في صوته من قبل ........
تكلم فارس مرة اخرى بصوتٍ مخنوق
( هل تستطيعين تخيل أن أكون منتظرا نتيجة أن تعودي الي من جديد......أم أن أكون مضطرا لتحريرك من تلك الصفقة القذرة بأكملها )
تابع بعد فترةٍ اخرى من الصمت
( هل قلت لكِ من قبل ........كم أحبك .....كم أحببتك وكم سأحبك ابدا .......لم أكن أتصور أن أحتاج الى بصري لاستطيع نطقها )
9
افلتت منها شهقة عالية من البكاء لم تستطع السيطرة عليها ......عندها التفت فارس ليطرق الباب وهو يقول مستجديا
( افتحي يا سما ...... افتحي أرجوكِ , أريد أن أضمك بين ذراعي )
كانت سما تهز رأسها بالنفي وهي تشهق باكية بحرارة ...... كيف استطاع ...... كيف استطاع أن يجري الجراحة وحده ....دون حتى أن يعلمها ..... ماذا لو .......ازداد نحيبها وهي تغمض عينيها بشدة ......لم تدرك لفترة ما قاله للتو من شدة هلعها من فكرة خوضه للجراحة ......ماذا قال ؟..... هل قال انه يحبها ؟.........هل قال هذا أم أنها أحلامها المثيرة للشفقة كالمعتاد .........
إنها تشعر بأنها على وشكِ الانهيار تماما .......فارس هنا ..... فارس خاض جراحة غير مضمونة بمفرده ...فارس يرى ......فارس يحبها !!!!!!.......
5
يالهي إنها على وشكِ الاغماء .....ماذا تفعل الآن .......كيف تتصرف مع هذا الكائن الملقى بالخارج والذى يبدو على وشكِ الهجوم عليها والتهامها ........انها تحتاج الى سابين ...... لكن كيف ستأتي اليها الان على وجه السرعة ؟.........حلا ..... ليس هناك سوى حلا ..... صحيح أنها تفوقها سذاجة لكن ليس هناك أحدا غيرها .........
التفتت قليلا الى الباب ثم قالت بضع كلمات لم يظهر منها حرفا واحدا معمولا به في اللغةِ العربية .......فقال فارس بصوتٍ مرتفع
( ماذا ؟؟..... لم أفهم شيئا ياسمينا ...تحدثي بشيءٍ أستطيع فهمه )
حاولت مرة اخرى وهي تحاول ان تتكلم بلغةٍ مفهومة فقالت بتحشرج عالٍ من بين بكائها ( أريد حلا ..........)
4
قطب جبينه وهو يسمع طلبها الساذج ....ثم حاول ان يثنيها عن طلبها قائلا بتملق
( سما .......افتحي الباب حبيبتي وسنتكلم فقط أنا وأنتِ )
صرخت بشدة وغضب ( أريد حلاااا ..........)
صمت فارس تماما ثم قام من مكانه ليكلم حلا وهو يتميز غيظا ..... لم تكن تلك الصورة التى رسمها للقائهما .......أن تكون حلا معهما !!!!!!!.........................
9
بعد فترةٍ قصيرة كانت حلا تدق جرس الباب ليفتح لها فارس بعد أن أوصلها ادهم وألحت عليه الا يدخل معها حتى لا يحرج سما بوجوده في هذا الموقف ......دخلت حلا ببطء وهي تنظر برهبة الى فارس ...... إنه يبدو مختلفا تماما وهو ينظر الى عيني من يحدثه .....
إن سما محقة في أن ينتابها التوتر ....لقد أخافوها بما خططوا له .... فقد كان ادهم يعرف بجراحة فارس حتى أنه سافر وقتها ليحضرها الا انه تكتم الأمر حتى عنها هي حتى لا تبوح بأي شيءٍ لسما .... خوفا من فشل الجراحة ........
قالت حلا برقةٍ وهي تنظر بخجل الى فارس ( مبارك لك يا فارس ............)
نظر اليها فارس مبتسما وقد أطل حنانا جديدا من عينيه ثم قال بمرح
( اذن أنتِ حلا .......الآن فهمت ما أصاب ادهم من سنين طويلة ,أنتِ جميلة للغاية )
4
احمر وجه حلا بشدةٍ ثم ابتسمت بحرج وهي تهمس ( شكرا ........)
تردد فارس قليلا ثم قال بخفوت ( كيف حالك الآن ؟............)
ابتسمت حلا ورفعت اليه عينين ودودتين لتقول برقة ( أنا بأحسن حال ....... اشكرك )
قال فارس بعد فترةٍ صمت حرجة بينهما ( لقد حاولت مساعدتك صدقيني لكن ............)
قاطعته حلا برقةٍ وابتسامةٍ حزينة بينما قلبها ينزف من جرحٍ كان قد شارف على الشفاء ( نعم ....... أعرف , لقد أحكموا الحصار من حولي )
عبس فارس وهو يتطلع الى ملامحها الحزينة ثم قال بخفوت (منذ سنين وأنا أشعر بأنني تسرعت في تصديقهم ..........)
ابتسمت حلا مرة اخرى ونظرت اليه بعينين دامعتين ( لا عليك ....... لا مهرب من القدر , مهما كنت ستحاول ........)
ابتسم فارس بحزن وقال ( هل أنتِ بخيرٍ الآن ؟.............)
أمومأت حلا برأسها مبتسمة وهي تمسح دمعة ٍ وحيدة سقطت على وجنتها ......ثم تظاهرت بالمرح وقالت
(اذن أين هي تلك الجبانة ............)
ضحك فارس برقة وهو يشير الى الغرفة الاولى المجاورة عند أول الممر .......فاتجهت حلا الى باب الغرفة وطرقته برفق وهي تقول
( سما .......إنها أنا حلا ...افتحي الباب )
مرت عدة لحظات قبل ان تفتح سما الباب بحذر ثم تمد يدها لتسحب حلا الى الداخل ثم تغلق الباب لكن ليس قبل أن ترمق فارس بنظرةٍ شرسة .....و الذى كان واقفا يحاول ان ينظر بلهفةٍ من شق الباب ......
ما أن دخلت حلا الى الغرفة واغلقت الباب حتى تعلقت سما في عنقها وهي تبكي بصوتٍ مرتفع .......ضمتها حلا اليها بشدةٍ وهي تهمس برفق
( هششششش ......اهدئى , أعرف أنه كان أمرا صعبا عليكِ )
رفعت سما وجهها الذى كاد ان ينفجر من احمراره وتورمه ثم قالت شاهقة ( هل كنتم تعرفون ؟.......جميعكم تعرفون واخفيتم عني )
قالت حلا وهي تهدئها (لم نكن نعرف صدقيني ........لقد علمت الآن أن ادهم هو الوحيد الذى كان يعرف وقد كانت سفرته القصيرة منذ شهرين ليحضر الجراحة )
صرخت سما ( كيف استطاع ادهم أن يفعل ذلك بي .......كيف ؟؟....كيف منعني من أن أكون بجواره )
ربتت حلا على وجنتها لتقول برقة ( كانت هذه هي رغبة فارس يا سما .............)
اغمضت سما عينيها لتقول باكية ( يا الهي .....حين أفكر أنه كان من الممكن .....أن يحدث أي شيء )
عادت حلا لتقول برفق (هشششش ..... إنه بخير , ويقف بالخارج مثل الحائط المنيع )
ابتعلت سما ريقها واهتزت حدقتاها ثم قالت وهي تمسك بكف حلا ( حسنا ..... لا مجال للكلام هنا , هيا بنا لنذهب )
1
ارتفع حاجبا حلا بدهشةٍ وهي تقول بحذر ( نذهب الى أين تحديدا ؟.....................)
قالت سما بحدة ( الى بيتنا .......أنا لن أبقى هنا بمفردي مع هذا الكائن الموجود بالخارج للحظةٍ واحدة )
10
عبست حلا وهي تضع اصبعها على فمها لتهمس ( هششششش ..... اخفضي صوتك , سيسمعك ........ماذا سيقول عنا ....زوجناه لحمقاء ؟؟)
1
صرخت سما بهلع ( أنا لن أستطيع أن أبقى هنا بمفردي ...... مستحيل , أنتِ لا تفهمين .....)
سحبتها حلا من ذراعيها لتجلسها على الفراش وجلست بجوارها لتقول بصرامة ( ما الذى لا افهمه ...... انه فارس ...زوجك منذ اربعة سنوات )
ابتلعت سما ريقها وهي تقول بتلعثم ( انتِ لا تفهمين ..... لم اكن يوما بمثل هذا القرب من رجلٍ يراني ..... لم اعرف غيره من الرجال اصلا .....الان .... نظرته ......لا ....... لن استطيع ...... اشعر به غريب عني تماما , ليس فارس الذى اعتاد ان يحتاجني بكل تفاصيل حياته ......ماذا سيبقيه بجواري الان .......)
اخذت حلا تستمع الى هذيانها و تناقض عباراتها ...... انها تشعر به شخصا غريبا وفي نفس الوقت تتسائل ما الذى سيبقيه متمسكا بها الان بعد ان زال احتياجه لها .......آآآه يا سما الصغيرة كم كانت حياتك قاسية مشتتة .......
قالت سما اخيرا ودموعها تنساب على وجنتيها ( انتِ لا تفهمين كلمة واحدة مما اقول ......... اليس كذلك ؟)
ابتسمت حلا وشردت عيناها بعيدا وهي تهمس ( بل أفهمك تماما .........)
قفزت الى ذهنها صورا من ليلة زفافها .......زفافها لادهم .......حين وقفت امام المرآة لتنظر الى صورة الجارية التى باعت نفسها للمرةِ الثانية ......ولمن ؟...... للشخص الذى شهد حياتها منذ بدايتها ........ أذلت نفسها ولجأت اليه بالطريقة الوحيدة التى تعرفها بنات ايثار الراشد .........
تذكرت حين دخل الوحش الى غرفتها ينظر اليها بقسوة الايام التى ابتعدتها عن حمايته .........ابتسمت حين تذكرت حماقتها وهي تساله بغرور عن سبب دخوله الى غرفتها .........
اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر ذلك المفترس وهو يؤكد لها انها اصبحت زوجته وان لا شيء سيمنعه عنها .........حينها سقط قلبها بين قدميها ....... وطافت عبارة واحدة في عقلها ......... مالذى فعلته ؟!!... لقد تزوجت اخي ......أخي القاسي المتسلط الذى عرفته لاكثر من عشرين عام ......لن يصبح أخاها بعد الآن وسيصبح صورة طبق الأصل للشاري الأول ...... طلال .......
رمت تلك الذكرى البائسة لتنظر الى سما من جديد لتهمس مبتسمة ( أفهمك تماما ....... لم اتصور للحظة واحدة انى سأكون زوجة ادهم ......بعد كل ما مررت به .....ادهم مهران لا غيره )
ثم تابعت وقد شعرت بسما تهدا قليلا ( ادرك تماما ان الوضع جديدا عليكِ ..... لكنك اغفلتِ شيئا مهما , اغفلتِ أن تذكري سعادتك باستعادة بصره ..... هل أنتِ سعيدة أم أن هذا ما لم تكوني لتتخيليه بالرغم من خوضك الطويل للعلاج معه ........كنت بجواره دائما في مشوار العلاج لكن بداخلك لم تتمني أن يستعيد بصره حقا ......)
اتسعت عينا سما بذعر وهتفت ( مالذى تقولينه ؟....... لم أتمنى لفارس سوى الخير دائما , لو كنت استطعت لكنت أعطيته حياتي .....)
قالت حلا برفق ( أعلم ....... لكنك لم تتخيلي يوما أن يزول السبب الذى يبقيه متمسكا بكِ .......)
اغمضت سما عينيها ودموعها تزداد انهمارا ...... يالهي ..... هل هذا صحيح ؟....... الست سعيدة لاستعادته لبصره ؟........هل لهذه الدرجة أنا خبيثة النفس ..........
ربتت حلا على وجنتها برفق لتفتح عينيها المتورمتين وتنظر اليها بتضرع ...... لكن حلا قست قلبها قليلا وقالت بحزم
( ها هي الفرصة قد أتت لتعرفي السبب الحقيقي الذى سيبقيه معك ........لقد عاد فارس مهران , فتعاملي مع هذا .......)
ارتعش قلب سما من ذكر اسم فارس مهران ...... وكأنها لم تكن تعرفه من قبل ........ لكن شيئا ما في طريقة ذكر حلا لاسمه جعلها ترتجف وهي تتخيل عودة ...... فارس مهران ..... القادر على الحصول على أفضل واجمل النساء ..... وأعلاهن نسبا وأصلا .......
رفعت نظرها المحبط اليائس الى حلا .......التى نهرتها قائلة ( اياكِ ........ اياكِ ان تفكري بهذا الشكل )
3
ظلتا تنظرانِ الى بعضهما طويلا ...الى ان قالت سما بغضبٍ طفولي حزين
( لقد قال عنكِ جميلة .........)
اتسعت عينا حلا قيلا ثم انفجرت في الضحك طويلا الى أن استطاعت القول أخيرا
(كنت تتنصتين من وراء الباب ؟.....حسنا بالتأكيد معه حق ...... ادهم دائما يقول عني جميلة دائما )
عبست سما وضربتها على ذراعها ثم همست بجدية
( انه يستطيع أن يرى يا حلا ....... لقد رآني بالفعل ماذا لو لم أكن قد أعجبته ...... لم يعطني الفرصة لاستعد .....انظري الى شعري المشعث وثيابي الخرقاء ..... أبدو كمن على وشكِ تنظيف انابيب المطبخ .......)
5
طرقة قوية على الباب جعلتهما تنتفضانِ معا ثم وصلهما صوت فارس يقول بخشونة
( حلا افتحي الباب ......سأتولى أنا الأمر من هذه النقطة )
3
شهقت سما وهي تضع يدها على فمها ونظرت مرتعبة الى حلا ثم همست
( هل استطاع سماع كل ما قلناه ؟........يالهي الوضع يزداد سوءا )
قامت حلا من مكانها لتفتح الباب الا ان سما تمسكت بها بشدةٍ وهي تنظر اليها برعب هامسة
( لا تتركيني وحدي معه ......إنه يبدو مفترسا )
2
ابتسمت حلا ثم طرقت راس سما باصبعها وهي تقول ( تذكري ما قلته .......إنه الوقت الذى ستعرفانِ فيه إن كان مصيركما واحد ....دون أي حواجز )
ثم فتحت الباب لتطالعها هيئة فارس المخيفة بالفعل ....مرت بجانبه ثم مالت عليه لتهمس ( أعطها بعض الوقت ..........)
اختفت الوحشية قليلا من ملامحه وابتسم شبه ابتسامة اليها وهو يحاول أن يكون هادئا ......
بعد أن رافق حلا الى باب البيت حيث ينتظرها ادهم في سيارته ......عاد الى سما التى كانت جالسة على حافة الفراش متشبثة به بشدة وهى تبدو على وشكِ الانهيار في اية لحظة ......ابتسم قليلا بشراسة ...... وفكر ... تلك القطة الذهبية هي زوجته ...... الا إنه عاد ليخفي ابتسامته ورسم الجدية على وجهه ثم سار ببطءٍ ليجلس بجوارها على حافة الفراش دون ان يلمسها ...... الا إنه لم يفته انتفاضتها الخفيفة وابتعادها عنه قليلا وهي مطرقة براسها الى الأرض رافضة النظر اليه .......
قال بهدوءٍ ( مرحبا .....) ........ ردت عليه بخفوت بعد فترةٍ دون أن تنظر اليه ( مرحبا ........)
1
قال فارس باتزان بينما عيناه تموجانِ عبثا .......( لم تهنئيني حتى الآن .........)
ردت عليه سما بخفوت ( حمدا لله على سلامتك ..........)
اقترب منها ثم أحاط خصرها بذراعه غير مباليا بإحتجاجها المذعور ........أحنى راسه ليقبل وجنتها المشتعلة برقة ونظر اليها بطرف عينه ثم قال بصوتٍ عميق ( لكن تلك للعودة من السفر .......لم تهنئيني بعد على استعادة بصري )
ظلت سما مطرقة براسها دون أن تنظر اليه .... ثم همست بإنكسار بعد فترة
( لم تخبرني شيئا .......عن خوضك للجراحة , بعد كل السنين التى عشتها معك اثناء رحلة العلاج الطويلة .......لم تهتم لأن تخبرني , من باب العلم بالشيء لا اكثر ......لكن يبدو أننى ساظل دائما أحتل هامش حياتك فقط )
التفت اليها فارس بغضب فانتفضت تنوي الهرب منه الا إنه أمسك بذراعيها بشدة وهو يلصقها به بينما أخذت تتلوى بين ذراعيه برعب
لكنه لم يتركها بل شدد على ذراعيها وهو يقول بغضب ( انظري الي .........)
رفضت سما النظر اليه و استمرت في مقاومته وهي تتاوه فهزها مرة أخرى وهو يعيد بصرامة اكبر
( افتحي عينيكِ وانظري الي ............والا فسأتبع الطريقة التى ستجعلك تفتحينهما بها رغما عنكِ )
فتحت عينيها برعب تنظر اليه فصدمتها عيناه القاسيتانِ الشرستان .....قال بعنف
( الم تستمعي لأي مما قلته منذ قليل ..... كنت مرعوبا من النتيجة , لأننى اتخذت قرارا بأن أحررك اذا ما فشلت كالتى سبقتها )
ابتلعت سما ريقها وقد مزقتها كلمة .....أحررك .....كالمرةِ الأولى ........ظلت تنظر اليه مرتجفة بعينين مبللتين .......
هدأ فارس قليلا ثم قال بفظاظة
( اذن ........هل نبدأ من جديد ؟...........)
ظلت متسمرة مكانها فترة طويلة .....ثم أومأت برأسها في النهاية وهي تشعر بأنها على وشكِ الاصابة بنوبةٍ قلبية ..........
اخذ فارس نفسا عميقا وهو يشعر بزوال غضبه ... الا ان ملامح وجهه لم تتغير حين قال بصرامة
( بداية ...... هل هذا هو شكلك حين تنظفين انابيب المطبخ ؟........لأنه إن كان فأنا أعدك بأننى سألازم دوريات تنظيف الأنابيب طوال العمر )
5
نظرت اليه سما بعينين متسعتين وهي غير قادرة على استيعاب أيا مما قاله .....الى أن انفجرت في البكاء المختلط بالضحك الهيستيري فضمها الى صدره بقوةٍ وهو يستند بذقنه على رأسها المهتز بشدة من البكاء .......ثم همس
( كفى حبيبتي ........ كفي ....لقد عاد فارس مهران ........لكن ليس ذلك التافه الذى سمعتك تتحدثين عنه ..... ليس من سينظر الى نساءٍ مزيفاتٍ تاركا ياسمينة ..... لم يدق قلبه لغيرها دون حتى أن يراها ......ياسمينة أعطته كل ما استطاعت قبل أن تأخذ لنفسها شيئا.......)
2
أخذت تشهق وهي تخبىء وجهها في صدره القوى وهو يشدد من احتضانه لها .........ثم قال بصوتٍ عميق خنقته العاطفة
؛( سما ...... أنا متعبا جدا , أريد أن انام ........)
رفعت نظرها لتنظر الى وجهه بلهفة ثم همست بعطفٍ ملتاع ( نم حبيبي .........لقد اتعبتك للغاية ....)
ابتسم لمرأى تلك الكلمة وهي تخرج من بين شفتيها المكتنزتين اللتين تبدوان ِ في استعدادٍ تام ل ..........هز رأسه ليبعد تلك الأفكار السيئة عن تفكيره .... انه انسانا مسؤولا الآن ....... لا بد له من ان يعطيها الوقت لكي تعتاد عليه ........اللعنة ..... لابد ان يصبح مسؤولا .......سحبها معه لتستلقي على صدره وهو يرجع الى نهاية الفراش ليرتاح بينما قلبه أبعد ما يكون عن الراحة ........
استمرا على هذا الوضع الى أن حل المساء .....كان فارس قد ذهب في سباتٍ عميق بينما سما مستلقية في أحضانه متسعة العينين غير قادرة على التقاطِ انفاسها .........حتى لا توقظه ....... يا الهي ...... يا الهي ....... إنه يستطيع رؤيتها ........ ماذا سيحدث بعد ........
أخذ قلبها يخفق بشدة حتى شعرت بالدوار
( اهدئي يا سمينا .......لن انقض عليكِ )
انتفضت حين سمعت صوته العابث .....فرفعت رأسها اليه بذعر لتجد عينين مفترستين تنظرانِ اليها ..........شهقت بصمت ثم همست متلعثمة
( فارس ..... فارس .... أرجوك لست مستعدة بعد ........)
نظر فارس اليها بنفس النظرة المفترسة .... حتى كاد أن يتوقف قلبها الى أن قال أخيرا
( للطعام ؟؟؟.........)
1
رمشت بعينيها لتقول بغباء ( ماذا ؟؟.......)
أجابها مبتسما وهو يرفع نفسه قليلا (أنا جائع ...... لم أتناول شيئا منذ أمس )
عبست ... ثم فكرت قليلا .... ثم عبست مرة أخرى ..... ثم قالت أخيرا ......
( بالطبع ...... بالطبع ..... حالا سأرى إن كان هناك ما أستطيع تحضيره سريعا )
نهضت بحذر .... فنهض معها ليقول مبتسما ( سأساعدك .........)
قالت بحدة ( ابقى مكانك .........) ثم استدركت لهجتها الحادة لتخفف منها قليلا وهي تقول بتلعثم
( أقصد .... لا ..... لا داعي ....... استرح هنا وأنا سأحضر لك الطعام )
ابتسم بشيطنة ......ثم قال ( بل سأعدك ..... جهزي نفسك لذلك من الآن ياسمينا ......)
ابتلعت ريقها وهي تستدير مغمضة عينيها وهي تخرج من الغرفة ...... واعية له وهو يتبعها كظلها ...........
إنه يلاعبها ........ تبا إنه يلاعبها .......اثناء تجهيزها للطعام وهو يدور من حولها ..... يرفع يده فجأة فتصرخ بخوف ..... ليقول مبتسما ( كنت أريد أن أحضر الملح من على الرف الذى يعلو رأسك الجميل ..........)
4
تعود لعملها .... ينحنى بجوار ساقيها فتقفز شاهقة ...... ليقول مبتسما ( آسف حبيبتي ...... لقد أسقطت حبة الطماطم )
تستدير لتكمل تقليب شرائح اللحم في مقلاتها .........فيصرخ فجأة ( ما هذا ؟!!!!.........)
تقفز صارخة هي الأخرى ( مااااااذاااااااا ؟.............)
1
يقول بعدها مبتسما معتذرا ....( كنت أريد فقط أن أسألكِ ........هل نسيتي وضع الفلفل ؟..... لأنى أحب الإكثار منه )
تعود لعملها متذمرة ... شاتمة بهمسٍ شرس ..........
جلسا أمام بعضهما يتناولانِ الطعام بصمتٍ قاتل ...........كانت سما تبتلع الطعام بصعوبةٍ وهي تشعر به يراقبها وهو يأكل مستمتعا .....الا يملك أي ذوق ..... الا يرى أنها لا تستطيع أن تأكل وهو يحدق بها بهذا الشكل الفظ .........
( حدثيني عن دراستك .........)
رفعت رأسها بحدة وهي لا تصدق ان هذا الطلب صدر منه ......ابتلعت ما في فمها بصعوبةٍ ثم قالت مترددة
( ستبدأ بعد شهرين ..........)
قال فارس بهدوء وهو يتظاهر بتناول الطعام ( لا بد أنكِ متحمسة للغاية ........)
أجابت سما بتوتر وخوف ( نعم .........نعم يا فارس أنا متحمسة للغاية أخيرا سأبدأ في تحقيق حلمي بعد أن تأخرطويلا )
اختفت ابتسامته تدريجيا ......فهبط قلب سما بين قدميها , الا أنها لن تستسلم هذه المرة ..... وهي أصلا تتمنى حدوث أية مشكلة لتنتهز الفرصة وتفر هاربة من هذا المدعو زوجها ..........
رفع رأسه اليها ليقول بنبرة تهديد ( سأراقبك كظلك ياسمينة ...........و ستكون نهايتك اذا اقترب منكِ أحد زملائك يوما )
ارتفع حاجباها بدهشة .... ثم انفجرت ضاحكة من حماقته التى تثبت انه بالفعل فارس زوجها .......قالت برقةٍ وهي تخفض وجهها المحمر بعد موجة الضحك
( زملائي اللذين تتحدث عنهم يصغرونني بأربعة سنواتٍ كاملة .......لكن هذا لا يمنع أن هناك طاقم التدريس و الدفعات الأكبر سنا ......)
عبس فارس بجديةٍ ثم قال بغضب ( هل تريدينني أن أحبسك هنا ولا تري الطريق أبدا ؟.........)
ابتسمت سما بحلاوة وهي تهز رأسها نفيا ..... فقال فارس بصرامة ( اذن اصمتى وأكملي طعامك ............)
أسندت ذقنها الى كفها وهي تتأمله مبتسمة بشرود يتناول طعامه غاضبا .... يحاول جاهدا السيطرة على نفسه ..........هل حقا عاد ليرى .....لم تعرفه مبصرا من قبل ..... لكن كل مافيه يخبرها بأنه فارس حبيبها ......لكن مع وهجٍ جديد لم يكن يمتلكه من قبل .........ترى ماذا ستخبىء لهما الأيام ....... هل من أملٍ بينهما .......
.................................................. .................................................. .............................................
بعد أسبوعين
كانت سما متشبثة بمقعدها برعب وهي تجلس بجوار فارس الذى يقود سيارته كالمجنون .... متفاديا .... متجاوزا ......يقوم بحركاتٍ راقصةٍ لعينة بسيارته .......
قالت سما وهي تلهث برعب ( فارس ...... كفى , إنك تقود بشكلٍ فاشل تماما )
ضحك فارس بسعادةٍ لا توصف وهو يقول ( اعذريني حبيبتي ....... لم اقد سيارة لمدة أربعة سنوات )
قالت سما بحنق (هذا سببا أدعى لتقود ببطء ...... نريد أن نصل الى البيت أحياءا )
ضحك فارس وهو يكاد لا يشعر بها بجواره أبدا ..... أخذت سما تفكر بحنق منذ اسبوعين وهي تتقلب فوق نارٍ هادئة .........عاد بكل بساطةٍ الى حياتها وكأن شيئا لم يكن ...... يحاول استعادة كل ما فاته في السنوات الماضية .......لكن مشركا إياها في كلِ ما يقوم به .....خرجا كثيرا اثناء تلك الفترة ...... ضحكا واستمتعا ......الى أن يأتي الليل .....فيجذبها اليه محتضنا إياها بشدةٍ ليذهب في سباتٍ عميق بعد دقائق من مجهود اليوم .......تاركا إياها مستيقظة محدقة في الظلام مرتجفة من قربه ........
إنها لا تنكر أن هاذين الإسبوعين .... كانا ..... من أجمل أيامِ حياتها ........تشعر بأنه يتعمد اكتساب صداقتها .....بطريقةٍ خرقاء لا تقنع طفل صغير ...... لكنها طريقةٍ محببة ....... محببة للغاية .......
الى ماذا يدبر ؟........ لا تصدق برائته الخادعة أبدا .....عيناه تنضحانِ خبثا و عبثا ...... ينظر اليها بطريقةٍ ....... بطريقةٍ أشعرتها بأنوثتها لأول مرة في حياتها ....... تجعلها تحمر خجلا وتتعثر أثناء سيرها .......تنهدت بقوةٍ وهي تفكر .... ما الذى تنويه يا فارس ...
تنفست سما الصعداء حين وصلا سالمين الى بيتهما أخيرا ........التفتت اليه هاتفة بحدة
( إنها آخر مرةٍ سأسمح لك فيها بقيادة السيارة .........)
ضحك فارس ثم هجم عليها ليخطف قبلة من خدها الوردي ...... فضربته سما على كتفه قائلة بحدة
( نحن خارج البيت ..........تأدب )
ضحك بمرح وعيناه تلمعانِ حبا ..... ثم همس ( اذن هيا لندخل .......)
اهتز قلبها من لهجته العاطفية ......وعادت لتفكر ... نعم إنه هو .......هو فارسها .......
حين اندست الى جواره تلك الليلة أخذها في أحضانه كما عودها ....يتلاعب بخصلاتِ شعرها الناعم ......يرفع ذقنها ليقبل وجنتها كل فترة .......يحدثها عن كلِ ما حدث معه في حياته ..... كعادته كل ليلة .......يعرفها على نفسه .......يتعرف عليها ......يسمعها ..... يحبها .......نعم إنه يحبها كما لم يحب أحدا من قبل ........
اقترب منها ومال الى عنقها ليستنشق عطر الياسمين الذى عادت اليه من جديد ..... إنها تنوي قتله , الى متى الصبر .....رفع ذقنها اليه ناظرا الى عينيها البريئتين المشعتين ......فهمس بلوعة
( ياااسمينا ......ارحميني لم أعد لأحتمل الصبر )
ابتسمت .... حقا ابتسمت لعينيه بينما اشتعل خديها خجلا .....اقترب ليقبلها مرة ..... مرتين ..... في المرةِ الثالثة تعلقت بعنقه فما كان منه الا أن جذبها ليرفعها اليه هامسا بعنف ( أحبك ياسمينا ..... أحبك حبيبتي )
↚
كانت حلا تستمع الى صوت محدثها الغاضب في الهاتف بقلبٍ وجل مرتجف .....من حقه أن يغضب ... من حقه تماما .... لقد اشتاقت اليه اكثر من شوقه اليها بمراحل ..... إنه وحشها الحبيب ..... بالرغم من سعادتها بالإنجازات القليلة التى حققتها الفترة الماضية الا أن ألما متوحشا كان ينهش صدرها كل ليلةٍ وهي بعيدة عنه .... .تنهدت بحزن ثم همست ما أن انتهى
؛( حاول أن تفهمنى يا ادهم ...... كيف سأتمكن من ترك سابين بمفردها بعد أن عادت سما الى بيتها )
1
عاد ادهم ليصرخ بها
( لست مستعدا لتحمل نتيجة أخطاء سابين ........إنها مجنونة وقد تزوجت مِن مَن هو أشد منها جنونا , وإن انتظرنا الى أن يتعقلا فلن تعودي أبدا ........)
1
تنهدت مرة أخرى ثم قالت تستعطفه ليتفهمها
( ادهم حبيبي .....أيا كان السبب لكن الواقع الآن يقول أنها في الشهور الأخيرة من الحمل ....وليس لها الآن غيري لتساعدها فكيف أتخلى عنها ؟......لم تكن يوما بمثل هذه القسوة يا ادهم )
قال ادهم بغضب
( حلا ..... كفي عن الاعيبك التى أعرفها جيدا , تملقك في الكلام لن يفيدك أبدا .......وإن كان على خدمة سابين فسأحضر لها فريقا كاملا من الخادمات ليخدمنها .......جاء الزمن الذى أضطر فيه للبحث عن سبل راحة السيدة سابين حتى ترضى عني وتطلق سراح زوجتي .......ياللعبث )
4
حاولت حلا تهدئته قليلا وهي ترتجف من شدة المشاعر الغاضبة المكبوتة في صوته فقالت بترجي
( ادهم .......اسمعني فقط )
صرخ بغضب مقاطعا اياها
(أنتِ زوجتى ومن حقي عليكِ أن تطيعيني )
أغمضت حلا عينيها وبالرغم من اقتناعها بأنه محقا تماما الا أنها بعد فترة صمت قالت بعند
( هل عدنا لهذه النغمة من جديد ؟.........ما رأيك أن تأتي لتأخذني وتحتجزني من جديد ؟ فهذا ما كنت تجيده دائما )
ساد الصمت المشحون للحظة .... ثم قال ادهم بصوتٍ خافت اشد خطورة من صراخه
(سأنصحك نصيحة يا حلا ......ليس من مصلحتك أن تتفوهي بأي شيءٍ خاطىء الآن فأنا لست في أفضل حالاتي ...... وقد لا يعجبك رد فعلي ..........)
اتسعت عيناها قليلا ..ثم قالت بصوتٍ مصدوم ( هل تهددني ؟.........)
رد عليها بنفس النبرة الخفيضة ( لكِ أن تعتبريه تهديد إن أردتِ ........)
قالت بصوتٍ منخفضٍ مبهوت ( ادهم ....... لماذا تكلمنى بهذه الطريقة )
↚
رد عليها ببرود ( لأنني مللت من تدليلك .......دون أن أحصل على أي اهتمامٍ مماثل منكِ )
اتسعت عيناها وهتفت ( لم تحصل على اهتمامٍ مني ؟؟.......كيف ..... كيف تقول هذا الكلام الظالم )
رد عليها ادهم بقسوة ( أخبريني شيئا واحدا تفضلتي وفعلته من أجلي ...........)
فتحت شفتيها بصدمة ....لا .....هذا ليس ادهم ...... لماذا يعاملها بمثل هذه القسوة .......شعرت أن قلبها على وشكِ التحطم ....همست بألمٍ وعتاب ( لهذه الدرجة لم تجد منى ما أسعدك يوما ........)
سمعت همسة غاضبة على الأغلب كانت إحدى شتائمه .......قال بعدها بعنف
(ليس معني أني عشت أياما قليلة سعيدة معك .....أنكِ بذلتِ أي مجهودٍ من أجلي في سبيل ذلك )
بدأت عيناها تدمعانِ وشفتاها ترتجفان ثم همست بضعف ( لا أفهم ........)
هتف ادهم حانقا
( عشنا أياما سعيدة لأنني أنا من حاولت كل ما في وسعي لإسعادك .... بينما أنتِ كنتِ دائما الطرف المستقبل , لم تحاولي أبدا قلب الأدوار و منحي بعضا من الإهتمام الذى أعطيته اليكِ )
هتفت حلا وهي تشعر وكأنه لكمها بكلامه ؛( كيف ......كيف .....لقد منحتك كل ما استطعت منحه على الإطلاق ......لكن حالتي .....أعرف أنك تعبت كثيرا .....لكن ..... لكن ......)
لم تستطع أن تكمل كلامها المبحوح وهي تشعر بغصةٍ في حلقها .....فغطت فمها المرتجف بيدها وهي تحاول منع نفسها من البكاء مغمضة عينيها .......
ناداها بصرامة ( حلا ........)
ردت عليه بعد لحظةٍ بصوتٍ مجروح ( نعم ......)
رد بنفس القسوة دون أن يلقي بالا بصوتها الذى يوضع أنها على وشكِ الانفجار بالبكاء في أية لحظة
(إن ظننتِ بأنكِ ستستدرين عطفي بالكلام المستهلك عن حالتك السابقة .....فلا تتعبي نفسك , لقد مللت القصة القديمة , أرى أنكِ تتقدمين بشكلٍ ملحوظ في كل نواحي حياتك ..... لكن بالطبع حين يحين دوري في المطالبة باثبات وجودي في حياتك ......تعودين الى الاختباء وراء ..... العذر الذي تلجأين اليه دائما لتضعيه حاجزا يمنعني من مجادلتك او التصرف بعكس رغباتك )
5
لم تستطع الرد ..... إنها لا تصدق ما تسمعه .... كأنها تستمع الى شخصٍ غريب و ليس ادهم أبدا ....
تابع ادهم بفظاظة
( كلمة نهائية ..... ستعودين ما أن أوفر لسابين من يساعدنها ..... هل كلامي مفهوم )
همست بشكلٍ محزن وهي ترتجف و تإن من قسوته
( المسألة ليست في وجود من يخدمها ..... إنها تحتاجني أكثر من أي وقتٍ مضى , إنها تتألم بشدة يا ادهم مما فعله احمد معها ......كيف سأتركها وسط أحزانها لأذهب وأجد سعادتي الخاصة بمنتهى الأنانية ........)
صرخ ادهم مرة أخرى وهو غير قادر على تحمل هذا الهراء اكثر
( حلا .... لا تدفعيني الى الجنون , فهل اهتم بكِ احد حين كنتِ تصارعين الموت في بلادٍ غريبة .....)
2
ساد صمتا قاتلا بعد أن انفجر ادهم بهذه العبارة المؤذية .......قال بعد فترة بصوتٍ أقل حدة ( حلا ........)
الا إنه لم يسمع ردا .....فقال مرة أخرى بقوة ( حلا ردي علي .........لا تنتهزي فرصة كلمةٍ قلتها في لحظة انفعال لتنقلبي ضدي )
عاد الصمت ليجيبه مرة أخرى ... الا أن صوت بكاءٍ ناعم وصله بصعوبة .....فصرخ بشدة
( هل تبكين الآن ؟........اللعنة ..... اللعنة ..... لم أعد أتحمل أكثر , أنا لست مراهقا لأستمتع بكل تلك التفاهات ...... عمتِ مساءا )
7
ثم أغلق الخط ......ظلت حلا تنظر بذهول الى الهاتف في يدها ودموعها منسابة على وجنتيها ......ثم ارتمت على الفراش دافنة وجهها في الوسائد وهي تشهق باكية .....
2
بعد أن هدها البكاء طويلا .... سقطت في غيبوبة نومٍ لفتها بستائرها المظلمة .... الى أن حل الصباح ........فتحت عينيها المتورمتين بصعوبة وهي تلافي اشعة الشمس الدافئة بيدها ......فجأة لاحظت وجود ظل رجلا .. جالسا باسترخاء على الكرسي الموجود بقرب النافذة .......يتأملها بصمت ...لكنها وشباك النعاس التى لازالت تحيط بعقلها واشعة الشمس التى تغشي عينيها من بين الستائر المفتوحة ... لم تستطع للوهلة الاولى تبين ملامح الرجل الموجود بغرفتها ......
4
انتفضت جالسة في مكانها وهي تشهق برعب ( ادهم .........)
أتاها صوته الدافىء العميق من الكرسي الذى يجلس عليه ( إنه أنا حبيبتي ........لا تخافي )
ظلت تلهث خوفا فقط لبضع لحظات ثم نشجت ببكاءٍ ناعم وهي تهمس مرة أخرى لكن إرتياحا لا استنجادا ........( ادهم .....)
1
طارت من فراشها وجرت حافية اليه الي أن رمت نفسها جالسة على ركبتيه مندسة في أحضانه وهي تتعلق بعنقه بذراعيها .....تلامس عنقه الدافىء بشفتيها ........المبللتين بدموعها المتساقطة ......وهي تهمس باسمه مرة بعد مرة .....
أحاطها ادهم بذراعيه برفق وهو يربت على شعرها .....هامسا بهدوء ( كفى حبيبتي ......لا تبكي )
رفعت وجهها المحمرالمبلل بالدموع اليه بعد فترة وغرقت طويلا في دفىء عينيه ......ثم همست بضعف
( لا تغضب مني ...... لا أتحمل غضبك أبدا , أرجوك )
قال ادهم بصوتٍ هادىء (لست غاضبا ...........)
خفق قلبها بشدة من هدوء نبرته ...... فهمست بقلق ( بلى .... أنت غاضب مني , لو فقط استطعت أن تتفهمني )
قاطعها ادهم بنفس الهدوء لكن يتخلله نبرة حزم
( حلا ...... قلت لكِ أننى لست غاضبا , وأنا أرفض أن نعيد نفس حوار الليلة الماضية ...لأنه من الواضح أننا لن نصل لأي مكان )
ابتلعت حلا ريقها بخوف وهي تمسح الدموع من على وجهها .... تلاحظ بتوجس إنه متغيرا للغاية .... لم يسابق لمسح دموعها , لم يسحقها بين أحضانه .... لم يقبلها الى الآن ......ليس ثائرا كما من المفترض أن يكون .......
همست حلا وهي تتحسس ذقنه الصلبة ( متى جئت ؟............)
ظل ينظر لعينيها دون أي تعبيرٍ ظاهرٍ عليهما ثم اجابها بهدوء ......(لقد قضيت الليلة هنا ............)
اتسعت عينا حلا بدهشة وقالت ( وكيف دخلت ؟............)
ارتفعت زاويتي شفتيه قليلا بسخريةٍ باردة وهو يجيب بفتور ( من تحت الباب ............)
ارتبكت حلا من جفاؤه لكنها قالت باحراج ( لا ..... أقصد هل سمحت لك سابين بالدخول ؟.......)
1
ارتفع حاجبه سخرية قاسية فتداركت نفسها وهي تتلعثم اكثر ( اقصد كيف قضيت .... الليلة هنا ؟...... ماذا ستفكر سابين الآن ؟؟.....)
الآن انعقد حاجباه غضبا .... يا الهي إنها تزيد من غضبه بكل كلمة تنطقها ...... ماذا بها ؟...... هل اعتادت البعد عنه فأصبح قربه يربكها من جديد .......غاص قلبها خوفا من أن يكون هذا هو الأمر ......هل صنعت حاجزا قديما بينهما .....إنها مستعدة لأن تموت ولا يحدث هذا من جديد ........جلت حنجرتها بضعف ثم حاولت من جديد فقالت بهدوء حزين
( لماذا قضيت الليلة هنا ؟...........)
ظل ينظر لعينيها لحظات ثم اجاب ببساطة ( خفت عليكِ حين سمعت بكائك ............)
4
دمعت عيناها وارتفعت شفتاها في شبه ابتسامة ثم همست بضعف ( ولماذا لم توقظني ؟............)
رقت عيناه قليلا بينما ظلت ملامحه بقساوة الحجر ثم قال بصوتٍ خافت ( حين تبكين وتنامين بعدها ........ لا يفلح قطار جرار في ايقاظك .......)
1
ابتسمت اكثر ولم تتحمل الدمعة التى ازداد ثقلها فسقطت كحبةٍ ماسية على وجنتها البيضاء .......فمد يده الى خصلات شعرها يتخللها باصابعه وهو يجذب رأسها اليه ليلتقط دمعتها بشفتيه .....تنهدت حلا بضعف والدمعات تتوالى وراء بعضها بنعومة ......وهي تتعلق بعنقه اكثر ..... همس ادهم بخفوت يتخلله الصلابة
( حلا ....... لماذا تخافين من العودة الي ؟...... هل لازلتِ تخافيني ؟.هل لهذه الدرجة فشلت في كل ما تعلق بكِ يوما ؟.........)
رفعت رأسها بسرعة اليه وهي تتأوه بحزن ثم همست تترجاه
( لا أخافك ..... لا أخافك أبدا , أنت حبيبي وأبي وأخي ...... لقد اكتشفت مؤخرا أنه لم يكن لي سواك أبدا ......)
ذابت عيناه حبا لها من بساطة كلماتها التى هزت قلبه فقال بصوته العميق ( اذن ما الامر ؟........ الم تشتاقي الي ؟...... )
رفعت أصابعها لتتلمس وجهه من جديد وهي تتأمل كل جزء من ملامحه .....لم تجب ....لم تهتم حتى بإجابة مثل هذا السؤال السخيف ....كيف فقط تشرح له خوفها ..... هل سيتفهمها ؟.........هل تعود وتغلق الماضي وتلقيه في بحر النسيان ........
شردت عيناها بعيدا عن عينيه اللتين كانتا تحاولانِ اقتحام روحها لفهم الحاجز الذى لا يزال بينهما والذى لا يستطيع ادراكه حتى .....
حين شعر بها وقد ذهبت الى عالمٍ اخر من أفكارها البعيدة .... أصر على ان يعيدها اليه .... لعينيه .....فقال بهدوءٍ صادم
(الا تريدين البدء في التفكير بأن تكوني ام .........)
عادت عيناها اليه بصدمة وقد انتفض جسدها انتفاضة بسيطة شعر بها تحت اصابعه المحيطة بخصرها ......ها قد عادت اليه بانتباهها كاملا ..... تبدو الصدمة جلية في عينيها .... فكر بعبوس .... الم تطرأ تلك الفكرة ببالها أبدا ......
ترجم السؤال مباشرة وقال بهدوء وحسم ( الم تطرأ تلك الفكرة على بالك من قبل ...... أم أنها لا تثير حماسك )
ظلت نتظر الى عينيه قليلا وهي تبدو في حالة من الشرود وعدم الاستيعاب .... أم ؟...... أم ؟....... وهل تستطيع ابنة ايثار الراشد أن تصبح أما ؟...... وهل من عاشت زواجا مثل زواجها البائس السابق تستطيع أن تصبح أما صالحة ؟.........هي دون النساء جميعا تستطيع تربية طفل ؟.........وماذا ستغرز فيه ...إنها حتى لم تتزن بما فيه الكفاية لتكن مسؤولة عن طفل .......
1
( حلا ......)
أفاقت على صوته الصارم ...فنظرت الي عينيه المتألمتين ......اتسعت عيناها وهي تنظر اليهما ,......رباه .... ماهذه النظرة , بسببها ؟..لكنها حتى لم تنطق حرفا واحدا حيال الموضوع .......همست متلعثمة
( ن..... نعم )
صمت لحظة ثم قال بجفاء ( هل ضايقتكِ الفكرة ؟.........)
رمشت بعينيها مرتين ثم همست بتردد ( لا ..... لا بالتأكيد )
ابتسم ادهم بسخريةٍ قاسية ثم قال ( نعم ..... يبدو التأكيد على نبرة صوتك بالفعل )
همست حلا بذعر ( لماذا تتصيد لي الأخطاء .... أنا لم أقل شيئا )
رد عليها ادهم بقسوةٍ رغم الألم الظاهر في عينيه ( لستِ في حاجة لأن تقولي شيئا .....لقد تكفلت عيناكِ بالأمر )
حاولت حلا الكلام الا إنه لم يمهلها فقبض على خصرها بيديه ليرفعها ويوقفها على قدميها ثم قام واقفا هو الآخر ... راقبته بقلق وهو يعدل قميصه ثم همست
( هل أنت ذاهب ؟.......)
ابتسم ادهم بشراسة ثم قال بسخرية ( نعم بالتأكيد ........هل ظننت أنني سأبقى اليوم معكِ هنا , متسللا كالمراهقين من دونِ علم أهلهم )
احمر وجهها بشدة وهمست ( لا أقصد هذا ...........)
نظر اليها بهدوء ثم قال ( يبدو أنكِ لم تقصدي أشيائا كثيرة يا حلا ...........)
4
حاولت أن تستعطفه وتراضيه الا إنه قال مقاطعا وقاطعا ( عامة ....... لقد جئت خصيصا لأودعك )
اتسعت عيناها بذعر وهي ترفع يدها لتلمس صدرها اللاهث بينما فغرت شفتيها المرتعشتين ......حاولت .... حاولت النطق الا إن حرفا لم يخرج من فمها .... كانت تشعر بأنها في أحد تلك الأحلام أو الكوابيس التى يحاول فيها الشخص الصراخ الا إن صوته لا يخرج فيظل يقاتل وكأن روحه معتمدة على خروج صوته ........
شعرت بالدوار ......وازدادت خفقات قلبها وشحوب وجهها .... فصرخ ادهم ( حلا..... حلا ماذا بكِ ؟)
للحظةٍ تركت الدوار يلفها عالمة أنه سيتلقاها بين ذراعيه .... وبالفعل في لحظةٍ واحدةٍ كان يحملها ليضعها الفراش برفق ثم أخذ يبعد خصلاتِ شعرها عن عينيها التائهتين وهو يهمس
(حلا .......أجيبيني , ماذا بكِ ؟....)
أخذ صدرها يرتفع بسرعةٍ وهي تنظر اليه متسعة العينين .... فوضع ادهم يده في منتصف صدرها يضغط عليه برفق وهو يهمس محاولا تهدئتها .....( اهدئي ..... اهدئي حبيبتي , أنتِ بخير .......لا تقلقي لن تصابي بالإغماء فقط انظري الي .......)
حاولت تهدئة انفاسها السريعة وهي تضع يدها الصغيرة فوق يده الضاغطة على صدرها .......نظرت اليه وهمست بتقطع
( ادهم .......ادهم ...... يالهي .......سأموت ان تركتني )
عقد ادهم حاجبيه بشدة ثم قال بغضب ( أتركك ؟؟....... هل جننتِ ؟..)
انسابت دموعها غزيرة فوق وجنتيها الشاحبتين و أخذت تهدىء نفسها قليلا .......( لقد ......لقد قلت .......)
ازداد غضب ادهم وهو يجذبها بعنف بين ذراعيه ضاما ايها الى صدره حتى كاد ان يخنقها من شدة ضغطه وهو يقول بقسوة
( اصمتى ايتها الحمقاء .......اصمتى )
1
اطمئنت بضربات قلبه القاسية التى كانت تضرب وجنتها بقوة فعرفت بانها حمقاء بالفعل ..... مهذا الذعر الذى اصابها ؟؟.......هل اصبح ادهم يشكل لها مثل هذا الهوس ؟؟..... كانت تعتقد انها قد بدات تحل تلك النقطة تحديدا مع سمر ...... علاقتها بادهم ........
كانت تعرف بأن تعلقها به قبل أن تبتعد عنه أصبح مرضيا نوعا ما .... وحقا كانت راضية بهذا فقد كان هذا الارتباط يشكل لها نوع من الحماية ضد أي شيء قد يعود ليؤذيها .........لكنها رغما عنها كانت تشعر بشيءٍ خاطىء في تعلقها الزائد به .... حتى أنها شبه أثارت اشمئزازه تلك المرة الأخيرة قبل أن ترحل مع سابين من القصر ......
في تلك الآونة الأخيرة قبل رحيلها كان ادهم هو كل ما تريده .... حتى أنها لم تكن تطمح بأن تخرج من غرفتهما !!!.....فقط تعد الساعات انتظارا له .......حتى هلال حاولت في النهاية قطع تلك الصداقة المزيفة به ....ليس عن اقتناع بمبدءٍ معين .....لكن فقط خوفا من أن يصيب أي شىء علاقتها بادهم ...... الوحيدة التى لم ترى غضاضة من التعلق بها كانت سمر .......وكانت دائما تحاول أن تسأل نفسها هل كل الزوجات مهووساتٍ متعلقاتٍ بأزواجهن لهذه الدرجة .... أم أن ما حدث لها سابقا بعيدا عنه كان هو السبب في تشبثها الغريب به ....وبالفعل كانت سمر تحاول تدريجيا الخروج بها من شبكة ادهم مهران .....
1
و في الفترة السابقة ... كانت قد بدأت تخف قليلا هوسها وتعلقها المرضي به .....وهذا هو السبب الأهم في اصرارها على الإبتعاد عنه
....أن تعتقه من انسانةٍ غريبة لا تصلح الا للشفقة عليها ....وبعد نجاحها في الابتعاد كل هذه الفترة وإيجاد عوامل أخرى لتشغلها عن مجرد ......التعلق بادهم مهران .........كانت تظن بأنها أصبحت متعلقة به تعلق صحي ....الى أن جائت كلمته التى حتى لم يجد الفرصة ليكملها , لتعود الى تلك المهووسة من جديد .......يالهي ماذا سيفكر فيها من جديد ........
رفعت رأسها لتنظر اليه بعجز حطم قلبه ...فأسمك بذقنها بقوةٍ وهو يقول بعنف
(هل ظننتِ حقا أننى سأتركك بعد كل ما خضناه معا ..... إن نظرتك لي مشرفة حقا )
أمسكت يده الممسكة بذقنها وهمست ترتجف ( لا أعلم ماذا أصابني حين سمعت كلمة الوداع ..... ادهم ..... أنا أخجل بشدةٍ من اظهار تعلقي بك ....لا أريدك ان تراني بهذه الصورة اليائسة .... لكن......فقط أريدك أن تعرف أنه إن تركتني سأموت ..... سأموت حبيبي )
3
شد على ذقنها يهزه بقسوةٍ وهو يقول آسرا عينيها بعينيه الغاضبتين
( اسمعيني جيد لأنني لن أعيد هذا الكلام مرة أخرى ...........أنا لن أتركك حتى ولو حتوقفت حياتك وحياتي على ذلك....هل فهمتِ ذلك جيدا أم أقحمه في عقلك العنيد )
ابتسمت بضعف تومىء وهي غير قادرة على إيقاف ارتعاشها .......فعاد ليضمها وهو يحاول تهدئة جسدها المرتجف وهو يهمس
( ارتاحي حبيبتي ......لم أقصد أن أخيفك )
همست من بين أحضانه الدافئة ( لماذا قلت أنك جئت لتودعني ؟.............)
أخذ نفسا عميقا ثم زفر بيأس....وهو يحرك يديه بقوةٍ على ظهرها ليوفر لها الأمان اكثر .....الى أن قال أخيرا
(سأسافر اليوم لإتمام عمل مهم ......)
رفعت رأسها بسرعة وهي تقول بذعر ( ستسافر ..... مرة أخرى ؟.... ولماذا لم تخبرني قبل الآن ؟.....)
ابتسم بحزن وهو يقول ( أردت أن تكون مفاجأة لك إن وافقت للعودة الي ........كنت أنوى اصطحابك معي , لكنى أرى الآن حماقة الفكرة )
تمزقت روحها يأسا وكللا ....الى متى ستؤلمه ......لم تجد سوى أن تهمس بتمزق ( كم ستمكث ؟.........)
1
رد عليها بصوتٍ لا تعبير له ( اسبوعين .........)
اسبوعين ؟......لن تراه لمدة اسبوعين ؟....... وهل ستستطيع , بالكاد تحملت سفرته اثناء اجراء جرحة فارس .....
لم تشعر بنفسها حين همست شاردة متاوهة ( أحبك .....يا ادهم )
ظل صامتا طويلا وهو ينظر الى عينيها الجميلتين بحزن ثم انحنى ليقبل وجنتها الناعمة وهو يهمس ملامسا بشرتها بشفتيه
( أحبك يا حلا ...... إياكِ أن تشكي بهذا أبدا )
رفعت ذراعيها لتطوق بهما عنقه وهي تودعه بقوةٍ كادت أن تفتت قلبيهما معا ...... همس ادهم بين خصلاتِ شعرها
( إن كنتِ تحتاجيني فسأبقى ..... حتى وإن لم تعودي معي )
كم أرادت أن تخبره بأنها بالفعل تحتاج اليه بشدة .....لكنها كانت على بعد خطوةٍ واحدة منه ... فلتخطوها دون أن تقفزها .....رفعت رأسها تنظر اليه من بين دموعها ثم مسحتها بيدها مبتسمة وهي تهمس بصعوبةٍ محاولة التظاهر بالقوة
؛( لا ..... لا حبيبي , فلتسافر لتنهي أعمالك وحين تعود باذن الله سيكون لنا حديثا طويلا )
شعر ادهم بالتوجس وهو ينظر اليها عاقدا حاجبيه .... ثم قال متوترا ( أي حديث ...........)
أمسكت وجهه بكلتا يديها ثم همست أمام شفتيه ..... وعينيها لا تحيدانِ عن عينيه .......
( لم أعد أحتمل ألمك وألمي ....... حين تعود سالما ساكون مستعدة للعودة اليك )
نظر اليها بقسوةٍ ممزوجةٍ بالدهشة ثم هدر قائلا
( حلاااا ...... أقسم انني على وشك خنقك ..... الآن ؟؟.....الآن يا حلا تخبريني أنكِ على استعدادٍ للعودة معي ؟......)
ضحكت حلا قليلا ثم همست وقلبها ينتفض ( لعل ذلك أفضل يا ادهم ..... بعد عودتك من السفر باذن الله ..... هذا إن بقيت على إصرارك )
همس ادهم بيأسٍ عاشق قبل أن يسحبها اليه ( أيتها الغبية ..........)
تعلقت به وكأنها تستمد الحياة من قبلته العاصفة التى اجتاحت كيانها كإعصارٍ عاصف .......وبعد لحظاتٍ حين أرجعها ليسندها الى الوسائد خلفها .... تململت منه متنهدة محاولة مقاومة تأثيره القاتل عليها ..... يا الهي ... ما أسهل الإستسلام له والضياع بين ذراعيه لتنسى العالم ...... لكنه كان هروبا ضعيفا ... يختفي سريعا ليعود الألم أشد من ذى قبل ........همست بعد أن نجحت في الإفلات من سطوته عليها
( اذهب الآن .....أرجوك , سأكون أفضل حين تعود .....أرجوك )
أغمض ادهم عينيه وهو يحاول تهدئة أنفاسه المضطربة ..... ثم نهض سريعا مقاوما سحرها الطاغي ..... لا بد له من أن يسافر تلك السفرة اللعينة ....... وستكون هديته حين يرجع ... أن يحصل على طفلته في بيته من جديد .......لو تعلم فقط كم يهواها قلبه وينبض بإسمها مانحا له الحياة... فقط لأنه أحبها ......حلاه وحلا أيامه ..........
سار مبتعدا ناحية الباب تاركا قلبه ليرافقها وهي ممددة على فراشها كطفلة بقميصِ نومها الوردي القصير ...... لابد له ان يخرج من هنا حالا قبل ان تسيطر عليه افكاره .......لكن قبل ان يخرج من الباب التفت اليها ونظر اليها طويلا ... نظرة يشوبها الحزن لكن مع حبٍ لا حدود له ثم قال بصوتٍ عميق حفر الالم نبراته
؛( بالمناسبة .......إن سابين تبدو جميلة للغاية , لم ارها يوما اكثر جمالا .......)
ثم استدار وغادر الغرفة سريعا تاركا حلا وقد فغرت شفتيها بتأوهٍ خرج منهما وكأنها تنازع الحياة .......ماقاله .... ونظراتِ عينيه الحانيتين الحزينتين ..... آآه يا حبيب عمري لكم ظلمتك وضيعت سنواتٍ من عمرك انتظارا لي ..... دون أن أعرف لما ..... ماذا وجدت في لتظل أسير ذلك الحب الذى لم يجلب لك سوى الألم .........
.................................................. .................................................. ................................
بعد اسبوع ......كانت حلا جالسة على فراشها ومذكراتها بين يديها كعادتها كل ليلة...تلك المذكرات التى كانت قد بدأت بها قبل يومٍ واحد من خروجها من القصر ...استطاعت في الفترة السابقة الحصول عليها مرة أخرى دون أن يلاحظ ادهم .... وها هي الآن بين أحضانها ... تخط فيها ما تستطيع أناملها المرتجفة خطه ......تشاركها دموعها المنسابة وحدتها ......لقد شارفت على الانتهاء , وقد آن الأوان لتضع حدا لهروبها الزائف من ادهم ..... ومن الماضي .......سيظل ماضيها سدا منيعا مخفيا بداخلها يفصلها عن ادهم .....مهما حاول هو اقناعها .....هي فقط تعرف أنه سيظل يفترسها الى أن يطير ادهم تلك الذكريات مع الرياح ........هو فقط من سيساعدها على ذلك ..وهي من ستساعده ........
كم اشتاقت اليه ......كم تتمنى أن تسمع صوته الدافىء فقط , أن ترى ابتسامته التى تنير لها الحياة طاردة شباك الألم القديم .......
لكنها لن تستطيع مكالمته الآن .... فما أن يسمع صوتها حتى يلاحظ ارتجافه و غالبا سيطير عائدا اليها ... وهي في حاجةٍ لأن تلتقط أنفاسها بعد أن تنتهي من تلك الأسرار الحزينة التى ترسمها على الأوراق ........كانت كلما خطت سرا , تنساب دمعة ماسية على وجنتها الناعمة لتسقط من على ذقنها لتشارك سرها على الورقةِ الناصعة ............ كل الأوراق تقريبا بها تشوها في أحد الكلمات نتيجة اختلاط دمعتها بالحبر الذى لم يجف بعد ...........
ظلت هذه الليلة تكتب وتكتب ..... الى أن حل منقذها الوحيد حاليا .... الى أن حل شروق الشمس فكانت قد انتهت من آخر كلمة والتى ترافقت مع آخر ورقة في مذكراتها .........وكانت آخر كلماتها
( سأظل أحبك يا حبيب العمر ........ولن يكفي عمري بأكمله لأعوضك عما فات , عزائي الوحيد أنني سأحيا بقربك حياتي القادمة , فوجودك هو من أحيا الأمل بداخلي بعد أن ضعت في هذه الحياة طويلا ........الى أن تلقفتني بين ذراعيك لتطهرني مما لوثني وأنا بعيدة عنك ....كم أتمنى أن أعود طفلة من جديد لأراك بعين الحبيبة ...... لأبعد خوفا من المجهول كان يعتريني حين أراك , ....... والآن فقط أدركت أننى ما كنت أخاف الا ضياعي منك ....... أحبك ...... أحبك يا ادهم مهران )
1
كانت الدموع قد أغرقت وجهها وهي تتنهد بنعومةٍ ناظرةٍ الى صورةٍ قديمة ..... لم تتذكر حتى متى التقطت لها ...... صورة وجدتها عند سما محتفظة بها فأخذتها منها قصرا بالرغم من اعتراض سما الشديد ..........
كانت صورتهم وهم واقفين بالحديقة اربعتهم .... كانت سابين تقف مائلة بإغراء وقد ظهر الامتعاض على شفتيها المكتنزتين كالعادة بجوارها سما متعلقة بذراعها كالعادة وهي تضحك بسعادةٍ وعينيها تشعانِ كالنجوم .... ويحيط بكتفيها ذراع ادهم ......لكن عينيه .....
لكن عينيه كانت ملتفتين الى الجهة الأخرى ......ينظر الى تلك الفتاة الانطواية الخجولة التى تقف بالقرب منه دون أن تلمسه .... وعيناها شاردتانِ بعيدا .........بينما نام شعرها الطويل على كتفٍ واحدة ليشكل فاصلا ناعما يحول دون رؤيته لمعالم وجهها .......
هل حقا كان ينظر اليها بهذه الطريقة .... وهي من شدة غبائها و ضعف بصيرتها لم تلحظ معنى نظراته ........
رفعت الصورة الى وجهها لتضغط على وجهه بشفتيها بقوةٍ ثنت الصورة ثم همست بصوتٍ كالخيال ( سامحني ............)
أغلقت مذكراتها وضمتها الى صدرها و ضمت ركبتيها اليها كما كانت تفعل حين كانت صغيرة خائفة .........ليس أمامهما الآن سوى أن تنتظره طوال الأسبوع المقبل ..... ويا لها من مدةٍ طويلةٍ ستحرق أعصابها الملتاعة عليه ..........
وبعد أن مر الأسبوع الثاني .......كان كلا من ادهم مهران وحلا الراشد على وشكِ الاحتراقِ شوقا لبعضهما البعض .......
اصرت حلا على الذهاب الى المطار لتكون في انتظاره لحظة عودته ..... كان شوقها اليه قد فاق كل الحدود .... اكثر حتى من تلك المرة التى سافر لفارس .... بل اكثر حتى من الفترة التى كانت مختفية عنه مع شقيقتيها ......لا تعلم لماذا استبد بها الشوق الى هذه الدرجة ........قد يكون شوقها للعودة اليه ؟...... لكن ....... ليس دون ان ....... ابعدت تلك الافكار السوداء عن تفكيرها حاليا .....
لا تريد ان يخرب شيء فرحتها بلقياه .........
حين ابصرته داخلا من ممر المسافرين .... اخذت تلوح له بقوةٍ وهي تقفز و تهتف بسذاجة ( ادهم ........ادهم ...)
نظر اليها بدهشةٍ حين سمع صوت هتافها ..... فاشتعلت عيناه شوقا لعدة لحظات , ثم اختفى ذلك البريق ليحل محله العبوس وهو يعقد حاجبيه ناظرا اليها بغضب وهي تقفز كالاطفال .... وشعرها الرائع يقفز معها و قد تعلقت بها عيونِ من حولها في مرحٍ واعجابٍ بطفولتها الممتزجة بجمالها المشرق .......
حدجها ادهم بنظراتٍ قاسيةٍ ذات مغزى معين علها تفهم وتكف عما تفعله ..... لكنها لم تكف فلم تلحظ غضبه اصلا حين وصل اليها قفزت تتعلق بعنقه بشدةٍ .وهي تهتف بسعادة
( لقد اشتقت اليك ...... اشتقت اليك حبيبي جدا )
... فلم يستطع مقاومة شوقه اليها فعانقها رافعا اياها عن الارض للحظةٍ واحدةٍ فقط ثم انزلها و انتزع ذراعيها برفق وهو يرى نظراتِ الحسد في عينِ كل من حوله فقال هامسا بصرامةٍ في اذنها
( توقفي عن تصرفاتك حالا يا حلا حتى لا اصيبك بعاهة ........ كم مرة انبهك الى تصرفاتك خارج المنزل )
أومأت برأسها متوقفة عن القفز وخففت من ابتسامتها الواسعة قليلا وهي تحاول الظهور بمظهرٍ وقور بينما بداخلها بركانِ مرحٍ لا يتفجر الا حين تشتاق اليه .........همست باحترامٍ زائف وهي ترمقه بنظراتٍ عابثةٍ هزت كيانه
( لقد اشتقت اليك ...........)
ظل صارما عدة لحظات ثم رقت عيناه قليلا وقال بهدوء ( مع من جئت ؟............)
ردت بسعادة ( جئت بسيارة اجرة .......لم احب ان يشاركني احد لحظة لقائي بك )
اصبحت ملامحه مخيفة الان وامسك بذراعها وهو يهدر غاضبا بصوتٍ منخفض
( اتيتِ بسيارة اجرة بمفردك ... وعلى طريق المطار ؟؟...... هل جننتِ ؟.. ماذا لو كان مجنونا او منحرفا ........ كيف كنتِ ستتصرفين وقتها ؟..... لماذا لم تاتِ مع السائق الخاص من المفترض انه في انتظارنا الان .... اقسم انكِ تختبرين صبري يا حلا )
اتسعت ابتسامتها وعيناها تطوفانِ وتتشربانِ كل تفصيلةٍ حبيبةٍ من وجهه .......همست متطلعةٍ بحبٍ اليه بعد لحظة
( لقد اشتقت اليك ......جدا..)
ابتسم قليلا من بين قسوته ثم نظر اليها بطرفِ عينه وقال (إنها رابع مرةٍ تقوليها ...... ماذا تريدين يا حلا ؟......)
ضحكت قليلا وعيناها تشعانِ حبا ... ثم همست ( لا أريد الا سلامتك .........)
ضحك من عبارتها البسيطة التى تذكرها الأمهات عادة للاباء أثناء خروجهن من المنزل .... كم تليق تلك العبارات بحلاه .... خاصة وإن كانت موجهة له وحده ......
قال بغضب بعدها ( لا تظني أننى سأمرر مسالة قدومك بسيارة أجرة بسهولة ..........) أومأت برقةٍ دون أن تعر بذرةِ خوفٍ منه
فأحاط كتفيها بذراعه وهو يقبل وجنتها قائلا بصوتٍ أجش صارم ( هيا ........لنعد الى بيتنا )
أومات برأسها في صمتٍ بينما قلبها يدوي بداخلها كقصفِ المدافع .................................................. .
حين وصلا الى القصر بعد أن ظل الرحلة كلها ممسكا بيدها متلاعبا بأصابعها باعثا رجفة في أوصالها .......همست حلا لادهم وهما أمام القصر بتردد ( ادهم انا ...... سأعود مع السائق , لكن بعد أن أطلعك على شيء)
فنظر اليها ادهم بصدمةٍ موجعة شرسة ثم اندفع خارجا من السيارة بعنف دون حتى ان يحاول اقناعها ...... لكنها نزلت تتبعه وهي تسحبه من ذرعه الى المدخل حتى تستطيع التحدث اليه قبل أن ترحل ....... نظر اليها ادهم بشراسةٍ وقال بغضب
؛( لقد قلتِ .........) لكن حلا قاطعته قبل أن يكمل كلامه وهي تضع يدها على فمه وهي تهمس
( أعلم ما قلت ..... وسأعود اليك بعد يومين )
عقد ادهم حاجبيه وقال بتوجس ( ولماذا بعد يومين ؟...... لماذا ليس الآن ؟....)
ازداد لهاثها قليلا .... فأخذت نفسا عميقا لتهدىء من نفسها ثم فتحت حقيبتها المنتفخة ... لتخرج منها شيئا ......نظر اليها ادهم متسائلا ... الى أن وجدها تمد اليه كتابٍ أو مذكراتٍ وردية ..... نظر اليها قليلا ثم أخذها وهو يقول مبتسما بحنان وغضبه يتراجع قليلا
( ماهذا ؟........ هل صنعتِ لي هدية بيديك ؟)
2
أومأت حلا ببطءٍ وهي تنظر اليه بحزنٍ خائف ......... لكن ما أن حاول ادهم فتح مذكراتها حتى أطبقت بيديها فوق يديه الممسكتين بها وهمست بوجل
( لا يا ادهم .......... ليس الآن , أمامك يومان لتقراها , وبعدها ما أن تطلبني سأكون رهن اشارتك )
عاد يقضب جبينه متحيرا ثم قال بصوتٍ اجش (ماذا بها ؟...........)
ابتلعت ريقها وهي تنظر اليه بتوسل ... متمنية أن تنتزعها من يده لتحرقها بعيدا .....لكنها لن تفعل ... ليس بعد أن وصلت الى تلك المرحلة .......
همست حلا بضعفٍ تتأوه ( أرجوك ......لا أستطيع مواجهتك , فقط اقرائها حين أرحل ........أرجوك حبيبي )
ظل ينظر اليها طويلا .... وقلبه يخفق بعنفٍ كقلبها , فلقد قرأ ما أراده في عينيها قبل ان يقراه في مذكراتها ..... لقد عرف ما أرادت قوله ......وشعر بشجاعتها تغلب ضعفه .....لقد آن الأوان ليستمع اليها عبر أوراقها .........ويهزم ضعف رجولته الجريحة ......
همس ادهم بخفوت أصعب ما يمكن أن يقوله
(سأعيدك بنفسي ........ لكن أريدك أن تكوني جاهزة أمام الباب بعد يومين لآتي و أصطحبك.........تأكدي من ذلك )
عرفت حلا أنه يحاول طمئنتها وبث الثقة في نفسها من أن أيا كان ماسيقرأه لن يغير شعوره ناحيتها أبدا .....فأومأت برأسها تبتسم بخوفٍ واضح على ملامحها المشتتة وعينيها تبرقانِ بدموعٍ حزينة ....فالتقطها ادهم بين ذراعيه بقوةٍ يضمها الى صدره ....... والمذكرات حبيسة بين صدريهما .........
3
.................................................. .................................................. ..............................................
كان ادهم جالسا في غرفة مكتبه ..... في كرسيه الضخم الذى كان ملاذه لسنواتٍ طويلة ..... مستندا بظهره , ممسكا بتلك الحزمة الوردية بين يديه ليقرأ اولى كلماتها .........
لا أعرف ماذا أفعل الآن , فأنا لم أكتب شيئا في حياتي من قبل .... وما أكتبه لن يكون قصة بل سيكون واقعا سيئا جدا ......من أين أبدا .....أخبرتني صديقتي الوحيدة أن أبدا من النقطة التى أريدها ......فلأختار البداية التى أريد ........
و أنا أريد البداية منذ أن كنت سعيدة .... اياما كنت فيها لا يشغلنى فيها الا اللعب و الانطلاق , لم أعرف للخوف معنى ......
بلى ........عرفت قليلا ..هههههه كنت أخاف من وحشٍ له أعين رمادية دائما ما كانت تراقبني بقسوة و غموض , لا أعلم ماذا يريد مني .....
هذه هي بداية حياتي ...... أول ذكرى كانت لشخصٍ مخيفٍ ضخم يسألني بصرامة عمن أكون و ماذا أفعل هنا في هذا القصر بالذات الذى أنا فيه الآن ......يومها كنت أرقص مسحورة من هذا القصر المذهل كقصور الحكايات و الذى أخبرتني أمى اننا سنعيش به .......
ابتسم ادهم بحزنٍ وهو يتذكر حين رآها ترقص في بهو القصر .... طفلة ذهبيةٍ عسلية .... بضفائر ناعمة ........
وكأن هذا اليوم في مخيلته كان بالأمس ......ذابت عيناه اشتياقا لطفلته الحبيبة ........وتابع قراءة همساتها
ترى هل لو كان والدي موجودا كانت حياتي ستختلف ..... كم أتمنى أن اتذكره , وجهه يضيع مني تماما , وصوره اختفت من كل مكان .....اتذكر أننى كنت اجلس دائما على كتفين قويتين تحملانى الى السماء وأنا اضحك بلهفة باسطة كفي اليها ......
لكن ما اتذكره جيدا أن شخصا آخر حملني على أكتافه لرؤية الالعاب السحرية .... في عيد ميلاد سابين الاسطوري بالنسبة الى باقي الاطفال والذى لم أحظى بمثله ابدا ....... يومها كنت أحاول أن أرى من وسط ازدحام الأطفال الأطول منى ولم أستطع رؤية أى شىء .....لكن فجأة شعرت بيدين حديديتين ترفعاني من خصري في لحظةٍ واحدة لاستقر على كتفين قويتين حتى أصبحت الرؤية مفتوحة أمامى تماما ..... لم أحتاج لأن انظر لأرى من كان يحملني..... فقد كنت أعلم .......
همس ادهم برقةٍ لنفسه ..... كنت انا حبيبتي ...... كما ساظل دائما ..........ثم تابع .....
يوم ميلادي الثامن عشر
مد يده وأخذ يتلمس وجنتي ...... اذكر جيدا تلك الصاعقةِ الكهربيةِ التى أصابتني حين لمسني .... أحيانا كان يقبلني على وجنتي فى أعياد ميلادى او عند نجاحي و كنت أنا اقف دائما متصلبة حتى تنتهى قبلته التى تبدو كلصق طابع بريدي على وجنتي ......
لكن شيئا ما تغير هذه المرة ........حين خفض رأسه و لامست شفتاه فكى ......كانت هذه هى المرة الأولى التى اشعر فيها اننى أصبحت امرأة , حتى أني من هول ما شعرت به أخذت انهر نفسي ..... افيقي يا حلا إنه ادهم ... هل وصل هوسك في البحث عن الحب الى هذه الدرجة .......ثم أفقت من أفكاري على صوته الذى خرج غريبا عن ذلك الذى أعرفه
(عيد ميلادٍ سعيد يا حلا .......)
اتسعت ابتسامة ادهم وانتفض قلبه من ذكرى صغيرةٍ لكن لم تترك عقله من يومها ..... كان على وشكِ الاعتراف بحبه لها في تلك اللحظة ...... ليته فعل .....فقط ليته فعل و لم ينتظر وهم أن يحافظ عليها لتزداد صلابةٍ قبلا ........
اسكتني بنفس القبلة على فكي حتى بدى وكأن مذاقها قد أعجبه ..........افقت من أفكاري المجنونة على صوتٍ كان بالنسبةِ لي من اقبح الاصوات .......
( كان يجب أن تغلقا الباب ........)
انتفضت بشدة و أنا ابتعد عن ادهم و استدير لرؤيته ........سبب كل لونٍ أسود في حياتي .......
طلال مهران ..... ابن عم ادهم .....ذلك العم الذى لم اعرف عنه الا انه مات في احدى المصحات بعد صراعٍ مع خللٍ عقلي لا سبيل للشفاءِ منه .......ليرحل عن هذه الدنيا بعد أن حاول الامبراطور جاهدا اخفاءه عن حياة العائلة ........
2
لكنه ترك نبتة مسمومة .... سممت حياتي .....طلال مهران .....
انقبض قلب ادهم وهو يقرا ذلك الاسم الكريه الذى شوه الصفحة الوردية .......ها قد بدأت الأحزان التى ذبحت روح طفلته .....
لطالما كرهته دون سبب ...... بل لم يكن هناك من احبه ابدا , لذا كان يثير شفقتي في بعض الاحيان ....الى ان عرفته تماما المعرفة .....وقتها تمنيت الموت له الف مرة ......فهل توجهت كل امنياتي ناحيته ليموت بالفعل .......هل اكون انا السبب في موته بكل ما كنت احمله من كرهٍ له .........
منذ هذا اليوم الذى راني فيه مع ادهم .......تغيرت نظراته لي , وكأنها اصبحت تحمل وعيدا وتهديدا ..... لا اعلم سببه .......
الذى اعلمه اننى بعد ان خرجت من الغرفة يومها وقبل ان ابتعد كثيرا سمعت صوتا مكتوما .... تبعه تأوه و صوت سقوط على الارض , فادركت ان ادهم ضربه بسبب ملاحظته الوقحة .....لكنى لم اعد بل صعدت السلم جريا و انا للغرابة كنت مبتسمة ......
شتم ادهم غاضبا وهو يغلق عينيه زافرا بقوة ......كيف سيكمل ان كان هذا ماشعر به من اول صفحة , ان قلبه يصرخ ويده متلهفةٍ لتحطيم شيءٍ ما ......اخذ نفسا عميقا ثم اجبر نفسه على فتح عينيه والمتابعة وهو يقلب الصفحة .....
كنت في التاسعة عشر ....باقي فقط عدة أشهر لأدخل العمر الذهبي لكل فتاة ...... حين قرروا جميعا الحكم بإعدامي ....قرارا تناقشوه فيما بينهم دون علمي .....نظراتٍ من حولي ترمقني منبئة بما دبروه لي ........ونظراتٍ شرسةٍ ترمقني مبتسمة ٍ بزهو لشخصٍ ذو روحٍ سوداء .....يخبرني بعينيه ...أن يوما ما سأتمنى الرحمة منه ولن يمنحها لي .......
اذكر ذلك اليوم الذى جاءت فيه امي وانفردت بي لتقول مباشرة دون مقدمات ( ستتزوجين طلال .......)
لحظتها ظللت انظر اليها دون أن أفهم ما قالته ...... طلال من ؟؟........ وحين همست بالسؤال ردت علي قاطعة ( طلال مهران .......)
اذكر جيدا تلك القشعريرة التى انتابت جسدي وأنا اسمع منها تلك المزحة الثقيلة ......الا إنها لم تكن مزحة , كانت واقعا أقرته مع الامبراطور ......ولا مجال للإخيار , لقدد تقرر مصيري و انتهى الأمر .........صرخت .... صرخت بشدةٍ فزعة .....
( أرجوكِ أمي ....... لا تفعلي بي هذا , إنه ....... إنه غير طبيعي أبدا , إنه يقرب لمجنون .......)
لن أنسى نظرة أمي الشرسة وهي تمسك بذراعي بأصابعٍ كالمخالب ........وتقول هامسةٍ بصوتٍ كالفحيح
( وجودنا في هذا القصر أنا وشقيقتيكِ معتمدا على موافقتك ........لقدد قرر عمك ولا مجال لمعارضته )
صرخت بشدةٍ وأنا اغمض عيني لعلي افتحها لاجده مجرد كابوسٍ بشع ......هزتني بشدةٍ وهي تقول
( انظري الي جيدا أيتها الحمقاء ..........لن يكون ذلك زواجا بالمعنى المفهوم , سيكون زواجا صوريا ليجعلك صورة تحمي ماء وجهه )
فتحت عينيا المتورمتين وأنا لا أفهم تحديدا ..... ليس زواجا بالمعنى المفهوم ؟........ وما هو المعنى المفهوم ؟؟؟........
حاولت أن أسألها بعيني الا إنها جاوبتني بشراسةٍ قبل أن أسال ( إن كنت ذكيةٍ بما يكفي ستستطيعين الاستفادة منه و الإمساك برقبته .....أنتِ ابنة ايثار الراشد وحان الوقت لتنالي بعضا مما نالته ...... انظري الي , انظري بسببي أين نشاتن ............)
طرأ في ذهني فجأة صورة العينين المراقبتين لي دائما فهتفت دون تفكير ( لن يوافق ادهم ........... لن يوافق أبدا وعمي دائما يحترم رأي ادهم )
نظرت لي أمي بسخرية لكنها لم تستطع اخفاء نظرة الكره العميق ما أن نطقت اسم ادهم ... لحظاتٍ وقالت بهدوءٍ ناعم
( لقد وافق صغيرتي ......... لقد أخبر والده عن موافقته قبل أن يسافر لأن طلال يعتبر .......ذراعا مهما للمجموعة ولابد من مكافاته بإجابة ما طلب ........, و بالفعل موافقة ادهم زادت من رأي والده قناعة )
وقتها عرفت أنه تم الحكم بإعدامي وانتهى الأمر ......فقد وافق الوحش .......وحش آل مهران , أهداني لذراع مجموعة مهران ........رجل الأعمال الغير نظيفة كما سمعت ذات مرة ..............ومن ليخالف ادهم مهران ........
رفع ادهم رأسه عن المذكرات و أغلق عينيه قابضا بيده على تلك الورقة ليجعدها بين أصابعه ........كما قبضت قبضة الغدر على قلبه لتنتزعه من صدره
هكذا باعوها ...... وهكذا حين حاولت التشبث بأي أمل كان اسمه هو أول من طرأ على بالها .......وهكذا قتلو الأمل وأوهموها بأنه يبارك تلك الصفقة الحقيرة القذرة ........
4
.................................................. .................................................. ................................
كانت حلا في ذلك الوقت واقفة قرب النافذة تتأمل الظلام الدامس أمامها متشبثةٍ بالستائر الخفيفة التي تبعث بنسائم تطير خصلاتِ شعرها
تفكر والدموع تنساب على وجهها في صمت .........الى أين وصل ....... في أي يومٍ من حياتي هو يقرأ الآن ....... ماذا يشعر , بالشمئزاز مني ؟؟......لا ... لا .... ليس ادهم . أنا أثق به ...أثق في حبه لي ......لكني اخشى عليه من تلك القذارة كلها ........
جلس ادهم على الأريكة الموجودة في مكتبه والتى شاركته حبه لحلاه عله يرتاح من ذلك الألم النابض في رأسه ......أخذ نفسا ليتابع وشوشاتِ حبيبته اليه
لا أصدق حتى الأن السرعة التى أتموا فيها كل شيء ..... وفي طرفةِ عين .... أصبحت حرم طلال مهران ......لقد أصر على إقامة حفلِ زفافٍ أسطوري ..... ليخبر العالم كله أنه اشتراها .... وحرص على أن يصل الخبر الى كل الجرائد والمجلات ..... حتى يعلم من كان هدفه من البداية ........كان يراقصني ويديه اللزجتين تسيرانِ على خصري وظهري مرسلا رعشة نفورٍ فطري في نفسي منه ....وأخذت أعد الدقائق لنتهي تلك الليلة البائسة .... والتى شهدت موت حلمي بفارس الأحلام الذى سيخطفني يوما ......
حين صرنا بمفردنا بعد كل تلك المهزلة المسرحية .......جذبني اليه بقسوة لينظر الى عيني طويلا ...... دقائق طويلةٍ وهو ينظر الي بكرهٍ عميق مع ابتسامة تشفي .......بينما انا الهث منتظرة ان يتركني كما وعدتني امي .......الى ان همس اخيرا بشراسةٍ مرعبة
( ها قد اصبحت ملكي .........و قبل ان يرمش فارسك بعينه )
اتسعت عيناي وانا لا افهم شيئا من الجنون الذى ينطقه .... استطعت ان اهمس برعب بصوتٍ تقريبا غير مسموع
( من...... فارسي هذا ؟...............) اذكر ضحكته القميئة التى انطلقت عاليا .... طويلا .... الى أن سعل بشكلٍ يؤذى الناظر اليه ثم قال بصوته الكريه اخيرا
( ادهم مهران يا صغيرة .......من اقسم على أن تصبح ابنة ايثار الراشد ملكه ليرميها بعد ذلك الى الطريق التى اتت امها منه )
لم افهم كل ما كان يهذي به ......الا إنني استشعرت بقذارةٍ في ما كان ينطقه ......لم أجد سوى أن أهمس بحيرة
( أنت تهذي ........ ما دخل ادهم .......) الا إنني لم أستطع اكمال كلامي حين رفع يده وهوى بها على وجهي لاسقط أرضا من شدة صفعته ........شهقت ونظرت اليه برعبٍ وقد تحول فجأةٍ من مجرد شخص مثير للاشمئزاز ....الى شيطانٍ بشع .......
لم تخرج حتى صرختى من فمي ..... ظللت اتطلع اليه برعب ... الى ان انحنى ليجذبني من ذراعي وينهضني على قدمي ... متشبثا بي بقسوةٍ وهو ينظر الي بكره ... ثم قال بصوته المرعب
( اياكِ يا ابنة ايثار الراشد ان تتفوهي باي كلمةٍ لا تعجبني .......... هل فهمتِ ؟..... أم أعيد عليكِ شرح ما قلته بالأفعال ؟)
أومأت برأسي بسرعة وأنا انظر اليه بذعر بينما وجنتي تشتعل سخونةٍ من يده التى بدت كمطرقةٍ ضربت وجهى .......
امسك بذقني وهوينظر الى مكانِ صفعته مبتسما ثم انحنى ليقبلني عليه وهو يهمس بشر
( ترى ماذا سيقول ادهم الان لو عرف انني ضربت فتاته الصغيرة ؟...............)
انسابت دموعي بشدةٍ وانا ارتعش بين ذراعيه وتمكنت من الهمس محاولة ان افهم بالرغم من شدة رعبي
( ما دخل ادهم ؟...... الم يوافق على زواجنا ؟........)
عاد ليضحك ثانية بشكلٍ اعنف وابشع ثم قال من بين ضحكاته ....( يبدو انكِ غبيةٍ بالفعل كما يقال عنكِ ...... الم تري الرغبة في عينيه وهو ينظر اليكِ .... الم تستشعري بها في لمساته على جسدك الجائع لها )
2
ارتعشت بشدةٍ وهززت براسي نفيا لما يقوله .... لا ارغب في تصديق ما يقوله .... لا اجرؤ على فهم ما سمعته .......
لم يحتج الى ان يسالني عن سبب نفيي فقال بصوتٍ قذر وهو يقترب من وجهي
( بلى يا صغيرة .... كان يرغبك بشدة و أدفع عمري كاملا الآن لأرى وجهه حين يعرف أنني فزت في رهانٍ غير معلن بيني وبينه عليك )
انتفض قلبي وشعرت بروحي تكاد تخرج من جسدي ........وأنا لا أعلم ماذا أصدق بعد الآن .... هل كنت المكافاءة في صفقةِ بيع ... أم كنت جائزة رهانٍ بين عملاقي آل مهران ...............
نعم .... نعم كان ينظر الي بطريقةٍ غريبة ...... وتذكرت لحظتها كلمته الى أمي حين صفعتني .......حلا بالذات تخصني .....
كان تهديدا مباشرا من ادهم مهران ....... لقد قال أنني أخصه وهو بالفعل يكره امي ودخولها الى القصر ..... هل كنت عمياء وأظنه اخي دائما ؟..........
واثناء شرودي الذاهل شعرت بطلال يتقرب مني و يتلمسني بيديه .......صرخت وذعرت اكثر حاولت التلوي بين ذراعيه بعنف , الا انه كان اقوى مني .......صرخت استجديه
( أرجوك لم يكن هذا ما اتفقت عليه مع امي .............)
وكأنني لحظتها أشعلت نارا من الشر الأسود في عينيه ...... وكانت تلك بداية ليلةٍ سوداء في حياتي .... تلقيت فيها صفعاتٍ بعدد ٍ اكثر من سنواتِ عمري ..... الى أن حل شروق الشمس ..... وقتها فقط تركني دون يحصل على اية نتيجةٍ مرجوة ...... اتذكر شكله الاسود والاشعة الرمادية متسربة من حوله ....... ينظر الي بشراسةٍ ...... بصق على وجهي باشمإزاز ثم غادر الغرفة .......
وكانت تلك الليلة هي اولى ليالٍ مرت علي بنفس الصورة ......وانتهت نفس النهاية ...... يصرخ بي أني السبب , يضربني و يبصق علي ثم يغادرني مع شروق الشمس يائسا .......واظل انا ملقاةٍ على الفراش اتطلع لاشعة الشمس الخجولة ..... واتمنى الا يطول عمري لاراها غدا .........
اغلق ادهم المذكراتِ بعنفٍ وهو يصرخ بكل اللعنات ......قام من مكانه راكلا الكرسي ليضربه بالحائط ...... يغرز اصابعه في شعره يكاد يقتلعه ..... يغمض عينيه لعله يستطيع تهدئة انفاسه الغاضبة ....... لماذا يا حلا ...... لماذا حبيبتي تقتليني الان ..... وكيف اهدا وقد غادر ذلك المجنون عالم الاحياء .......
صرخ ادهم بصوتٍ هز أركان المكتب ..... لمااااذااا يا حلااا ؟؟؟؟........ استند بكفيه على الجدار واحنى راسه لاهثا هامسا
لماذا يا حلا ؟....... لماذا حبيبتي ..........
.................................................. .................................................. ......................................
كانت حلا متكورة على فراشها تبكي وتشهق وقد فقدت السيطرة على نفسها ..... ما الذى فعلته ولماذا ؟؟؟..... الم يكن أهون أن تدفن الماضي ويكفيه ماعرفه ..... كيف سيتقبلها بعد ذلك ..... وأن تقبلها كيف يشعر كلما نظر الى عينيها ...... بالغضب ... بالشفقة ... بالنفور .....هل يستطيع حبه أن ينتصر على كل ذلك ......
غطت وجهها بكفيها واخذت تشهق بصوتٍ عالٍ ..........
.................................................. .................................................. ................................................
ارتمى ادهم جالساعلى فراشه .... مرهقا ممزقا بداخله ....يريد الاستسلام ورمي تلك المذكراتِ بعيدا ...... لكنه لا يملك الجرأة يكفيها انها كانت من الشجاعة بحيث استطاعت كتابتها كلها ....
اغمض عينيه ثم فتحهما لينظر الى المذكرات الملقاة بجواره على الفراش امسكها بضعفٍ وتنهد بقوةٍ وهو يفتحها ليعاود القراءة
كنت اظن ان احتمالي لقسوة وبشاعة طلال ونحن بمفردنا هو كل ما ساتحمله ..... استطيع التعايش مع الالم ..... استطيع هذا .... استطيع تحمل لسعاتِ حزامه .... صفعاته ......سماعه وهو ينعتني بابشع الالفاظ .......ادعو الله كل ليلةٍ ان ينجح في اثباتِ رجولته عله يمل مني ويتركني لكن ذلك اليوم استمر في التاخر ... طويلا .... طويلا ........
لكن ما لم احتمله حقا هو جري الى مجتمعٍ فاسق .... لم اتصور يوما بوجودِ مثله في هذه الحياة ........اول حفلٍ حضرناه كما سماه هو كان بالخارج ...... في منزلٍ لاناسٍ فاحشي الثراء .....لاعرف كيف عرفهم ..... وهل يعقل ان يكون شخصا كطلال له القدرةعلى جذب كل هذا العدد الضخم من الاصدقاء ..... فقد كان هذا المنزل مليئا بعشراتِ الازواج ..... متفرقين في الطابقينِ معا ...... حين دخلت اليه اول مرةٍ .... رمشت بعيني عدة مرات لاستوعب ما أرى ..... في كلِ ركنٍ يوجد زوجانِ في اوضاعٍ مخجلةٍ اذهلتنى .... التفت الى طلال هامسة برعب ( أريد الانصراف ....... )
قبضت يده على خصري بقسوةٍ جعلتني اشهق ألما وانا اغمض عيني ..... وهمس في أذني ( لا تتحركي والا رأيتِ من الالم ما سينسيكِ اسمك )
ارتعبت منه كالعادة .... وأومات برأسي منهزمة بذلٍ وانكسار .... ودخلنا ذلك المكان القذر معا ..... عرفني على بعضٍ منهم .... متزوجين .... ارتحت قليلا ..... لأصدم بعدها بأن الزواج لم يكن أبدا حاجزا يحول دون انحدارهم لمستوى اقل من حيواني .......
شعرت بالغثيان .... أردت الهرب .... لكن الى أين .... وقد فعلتها سابقا وحاولت , فوجدني قبل أن أنجح في الابتعاد كثيرا وكان مصيري أسوا من الموت كما قال ........
عرفنى الى رجلا غريبا في شكله ومظهره .... مضجعا على أريكةٍ وثيرة .... تحوم من حوله فتياتٍ في نصفِ عمره ......يرتدي سلاسل عديدةٍ ذهبية .... الكل يركض لخدمته .....
ذهلت حين اقترب طلال منه ثم انحنى ليقبل يده!!!! ..... جرت نظراته القذرة علي من رأسي الى اقدامي ... بتمعنٍ وقح .......
شعرت لحظتها بالخوف ..... كان من الحماقة أن أشعر بالخوف وزوجي معي .....لكن وجود طلال بجانبي أخافني اكثر , خاصة وهو يرى تلك النظرات ولا يحرك ساكنا بل ينظر الي استخفاف وكانه لا يهتم ...... بل هو لا يهتم بالفعل ........
تعددت الحفلات ... وازداد غثياني ... وبعد ان كنت اكتفي بدورِ المشاهدة ... تحولت الى دور المشاركة .... ومنه الى البطولة .... مرغمة لا مخيرة .......قبلاتٍ ومشاهد مع طلال تثير اشمئزازي ..... رقصا ارغمنى عليه لأرفه عنهم كل ليلة ..... يشاهد من يشاهد ويصور من يصور ..........
كنت أموت وانا حية كل ليلة ...... اتمنى ان ياتي من ينقذني ...... ودائما ماكانت تظهر صورة ادهم في مخيلتي ..... بالرغم من كلِ ماقاله طلال عنه الا انني كنت شبه متيقنة من انه ليس بتلك الصورة ..... وأنه إن عرف ما أتعرض له في هذه البلاد البعيدة كان ليأتي الي مسرعا ...... لكنى أيضا كنت انهر انفسي و اسالها متى ستكبرين وتعرفين العالم الحقيقي ...... لم تكوني يوما اختا لادهم .. ولم يكن ليهتم بما يصيبك .... لو كان يريدني مثلما قال طلال لكان جاء باحثا عني ..... الا ان كانت رغبته في لا تزيد عن تلك النظرات التى يرمقونني بها رواد هذه الحفلات ...... مجرد بضاعة ٍ معروضة .........
ترتجف يدي الآن وأنا على وشكِ الكتابة عن تلك الليلة التى كدت أن استقبل الموت فيها باذرعٍ ممدودة ..... حفلا آخر .... لكن نظراتِ كرهٍ أعمق واشد من طلال .... ماذا فعلت له ليرمقني بهذه النظرات ........كنت أشعر ان هذا الحفل سيكون مختلفا وأنه يدبر لي شيئا ......اصطحبني الى أحد الغرف في الطابق الثاني بحجة انه يريد شيئا ..... تركني وأمرني ان انتظره .......لأفاجأ بالرجل ذو السلاسل الذهبية يدخل مغلقا الغرفة .......حاولت الهرب ..... حاولت الصراخ .لكن من يسمع في هذا الصخب العالي ..... ناديت على طلال برعب .... الا أن هذا الحقير همس في اذني ان طلال يعرف ولا يملك حق الاعتراض .....وفي قمة ياسي ومعرفة انني وقعت في فخٍ لا مهرب منه و بعد عدة ضرباتٍ منه تظاهرت بمجاراته ..... وما أن افلتني قليلا حتى جريت منه وأنا ممزقة الملابس ودون تفكيرٍ قفزت من النافذة الى الحديقة ..............
رحبت بالألم ..... رحبت به مبتسمة متمنية زوالِ عذابي أخيرا ..... لم أنوى الانتحار يوما , لكني ليلتها لم أختر الهرب من الباب .... اخترت القفز من النافذة لعلها تكون النهاية اخيرا ...........
سقطت دمعة على كلمة النهاية ..... وكانت معجزة أن دمعت عينا الوحش .......... رفع ادهم راسه لينظر الى النافذة ...... لقد جاء الشروق ..... إنه وقت طفلته .... ترى هل هي نائمة أم مستيقظة تنتظره ...........
كان الباقي من مذكراتها .... ندما وألما .... حزنا ومحاولاتٍ يائسةٍ للهروب .... موت طلال المفاجىءو الغير معلنة أسبابه ......
الى أن جاءت الصفحات الاخيرة ...... كلمة تردد صداها في معظم سطورها ...... ادهم ..... ادهم ...... ادهم .........
عاد لينظر الى الصورة التى الصقتها في نهاية مذكراتها .... صورتهم معا وكانت هي في الثامنة عشر .... يتذكر تلك الصورة جيدا ....يحتفظ بواحدةٍ في درج مكتبه ليطالعها كلما اشتاق اليها ...... رفع المذكرات اليه ليقبل صورتها برفق .......... ثم أعاد قراءة الكلمات الاخيرة للمرةِ العاشرة
(والآن فقط أدركت أننى ما كنت أخاف الا ضياعي منك ....... أحبك ...... أحبك يا ادهم مهران )
نهض ادهم بعنفٍ مندفعا ليرتدي ملابسه ...... لقد مر يوما واحدا من المهلة التى منحتها له لكنه سيكون ملعونا ان تركها للحظةٍ واحدةٍ اخرى .........
اندفع نازلا السلم وهو يغلق ازرار قميصه ..... الى أن وصل للباب ففتحه وخرج ..........
لم يصدق نفسه حين شاهد ذلك المنظر أمامه ...... كانت حلا جالسة على درجات المدخل رافعة ركبتيها الى صدرها تضمهما بذراعيها بشدة.... دافنة وجهها بين ركبتيها ..... تبدو كطفلةٍ مشردةٍ وهي ببنطالها الجينز وشعرها المتهدل المنساب على ظهرها .......
همس متأوها ( حلاااا ..........)
رفعت رأسها بذعرٍ تنظر اليه بعينيها المتورمتين من البكاء.......وقفت متعثرة.........همست بعد عدة محاولاتٍ فاشلةٍ للكلام .....
( أنا ..... أنا لم استطع الانتظار )
اندفع اليها صارخا باسمها ليجذبها بين ذراعيه رافعا إياها عن الأرض وهي تتعلق بعنقه شاهقة ببكاءٍ عنيف ...............
ظل حاملا اياها وقتا طويلا لم يستطع أيا منهما تحديده ......الى أن رفعت رأسها اليه تنظر اليه من بين شهقاتها .......وهمست
( أحبك ....... أحبك يا ادهم مهران )
بان الألم جليا على وجهه ليهمس في أذنها بكلِ عشق العالم
( أحبك يا حلا الراشد ........................)
نزل برأسه اليها ليسحق شفتيها بإعصاره المهراني مدمرا الماضي بقبلة ...فقط بقبلة ... هكذا شعرت .... هكذا أخبرتها قبلته .. تعلقت هي به لتنهل من حبه ..........
انحنى ليضع ذراعا تحت ركبتيها ليحملها في حركةٍ واحدةٍ ......ثم نظربعشقٍ حزين الى عينيها المتورمتين الحمراوين وهمس
(اذن يا سيدة حلا ........ لديك الكثير لتعوضيني عنه )
ضحكت من بين بكائها وهي تومىء موافقة ..... دون أن تجد القدرة على الحديث ..........ضحك هو الاخر وهو يغالب دموعٍ تحارب لتظهر في عينيه .......دخل بها الى القصر ثم همس في اذنها
( الم تشتاقي الى مكتبي ..........يا أم حفيد مهران )
ضحكت عاليا وهي تمسح دموعها بيدها هامسة ( نعم اشتقت اليه جدا ...... هل ستأخذني في جولةٍ سياحيةٍ اليه )
ابتسم دون أن يجيبها ..... فقط قبلة أخرى أعطتها الجواب ...........
↚
( لا أصدق أنهما تركتاني بمفردي ...... و ركضتا خلف اشارة من زوجيهما )
كانت سابين متربعة على الاريكة الوثيرة مرتدية إحدى بيجامتها المريحة بعد يومِ عملٍ متعبٍ طويل ..... رافعة شعرها باهمال في كرةٍ غير متناسقة تتساقط منها الخصلات الناعمة بحرية ..... ممسكة بوعاء الشوكولا المخفوق تتناوله بملعقةٍ كبيرة ..... تفكر بحنق ...تنظر حولها الى ذلك الفراغ العملاق ..... بداخلها عميقا تشعر بقليلٍ من الألم والاحساس بالخيانة .... كيف تركتاها سما وحلا ......انها في حالةٍ مريعة الان .... طوال اليوم تتظاهر بأنها على اتم صحةٍ وثقة..... لازالت تذهب الى مقر الشركة الى الآن .... تحاول الظهور بسعادة بين عملائها الذين يتزايدون ببطءٍ كل يوم ..... لكنها تخلت عن الملابس الرسمية فاصبحت ترتدي بنطالها الجينز الملائم للحمل تعلوه قمصانها الفضفاضة الملونة بالوانٍ ناعمة .... حتى شعرها في معظم الاحيان كانت ترفعه على هيئة ذيل حصان .... حين تذهب لمقابلة عمل مهمة لم تكن تهتم بتغيير مظهرها البسيط الجديد عليها ... فقط نظارتها ذات الاطار الاسود هي التى كانت ترافقها من مظهر سابين القديمة .....
ورجال الاعمال الذين تجتمع معهم ينظرون اليها بملابسها الغير رسمية وبطنها المتكورة بمرحٍ وذهول ... لا يلبث ان يتضاعف ما ان تبهرهم ببساطة افكارها وبراعتها .... حتى شخصيتها تغيرت بصورةٍ غريبة فاصبحت مرحة لطيفة تسحر كل من تجتمع بهم بهيئتها الطريفة .........حتى ان العاملين معها كانو ينظرون اليها ببلاهةٍ اثناء ذهابها وايابها بينهم بضحكتها المرحة و تعليقاتها اللطيفة .... الا ان ذلك المرح كان يخفي الما يظهر ظله في عينيها الجميلتين المائلتين حزنا ........
و في ظرف ثلاثة اشهر كانت قد حصلت على عددٍ قليل من العملاء ... اقامت علاقات طيبة مع معظم رجال الاعمال .....نجحت في صفقتين تعتبرا هامتين للغاية ...... حتى ان واحدة منهما كان من المفترض ان تكون من نصيب مجموعة مهران ....... لقد راهنت نفسها على ان تحصل على تلك الصفقة ..... وتعبت كثيرا الى ان اقنعت هذا العميل الهام ..... وما ان مضى العقد حتى كانت على وشكِ القفز اليه واحتضانه من نشوة الانتصار التي تشعر بها ......وتمنت ان يمر الوقت سريعا لترى وجه احمد الذى تتخيله وهو على وشكِ الانفجار من الغضب لتجرؤها على نيل هذه الصفقة ........
الا أن الأيام مرت و نشوة الانتصار ضاعت....... لم يهتم ...... ولم يأتي ...... ترك لها هذا العقد وكأنه يسخر من انتصارها الهزيل بصمته ...... أكانت تتمنى الفوز بهذا العقد فقط من أجل أن تراه ؟.......
ماهذا الجنون الذى تفكر به ..... نهرت نفسها بشدة .......إنها لا تتمنى رؤيته أبدا ..... احمد مهران كان حكاية قديمة وانتهت .....
عاشتها بمرارها وبجنونها ..... الا أن لكِل شيءٍ نهاية ........
↚
لم تهتم ابدا بالنظرات المحدقة في بطنها المتكورة و التساؤلات التى تدور في الاذهان عن مدى صحة الخبر المنتشر بوقوع الطلاق بينها وبين احمد مهران .......
انها تتعمد ان تتقبل تلك النظرات بثقةٍ مزيفة بالنفس ... نعم مزيفة .... لاول مرةٍ في حياتها تشعر بمثل هذا الانهزام ..... منذ شهور و احمد لم يهتم ولم يحاول حتى السؤال عنها .....
5
لا تصدق انها في لحظة ضعف كانت قد نوت ان تعطي زواجهما فرصة ... قبل تلك المرة المشؤمة التى رأته فيها لآخر مرة ....عاشت في الوهم للحظةٍ واحدة .... كان يجب عليها ان تدرك انها واحمد كقطارين تقابلا في نقطةٍ واحدةٍ ثم اكمل كلا منهما طريقه ... ولا مجال للعودة ..... ضربتها هذه الكلمة بقوةٍ في صدرها .....لا مجال للعودة ......الغريب في الأمر أنها لا تشعر بالحقد عليه .... لقد حاول وحاول ..... رجل بمثل شخصية وعقلية احمد مهران ....
حاول كثيرا في الوصول اليها ... او بمعنى أصح ( في ايصالها اليه ...) .......وفي اعماقِ نفسها اعترفت انها وافقت موافقة سرية على محاولة الوصول اليه ..... هل حقا كانت تخدع نفسها و تظن انه قد نجح في ترويضها منذ اول يوم في زواجهما ؟؟
بالتاكيد لا ... وهي تستطيع ان تعترف لنفسها الأن .... لم تبذل قصارى جهدها في محاربته و كسر قيوده التى كان يحاول فرضها عليها ..... بعد الصدمة الاولى ... ومنذ اليوم التالي لزواجهما وحين اخبرها بثقةٍ ان زواجهما لم يكن تمثيلا او خداعا وأنه لا ينوى أن يحررها منه .........لن يحررها منه ........ سكن قلبها في هذه اللحظة شعورا غريبا لم تسمح له في الظهور بعينيها ........
هزتها كلمتة التى انطلقت بثقةٍ تامة في وسط حربهما الشعواء ...... في كل لحظةٍ من غروره وحماقته كانت ترى هذه الكلمة تنبعث من عينيه من جديد بكل عنجهية ..... وقد كان هذا يدفء قلبها الخائن .....
الا تلك اللحظة التى قذف فيها بسهمه المسموم اخر مرةٍ راته فيها ....... لحظتها لم تجد تلك الجملة تنبعث من عينيه .... بل شاهدت النهاية .......
( اتحتاجين لشيءٍ سيدة سابين ؟.......)
رفعت سابين نظرها ببطءٍ لتنظر الى تلك الشابة البسيطة الملابس التى تقف أمامها مبتسمة تنظر اليها ببالٍ خالٍ من الهموم .... إنها امتثال ..... الوحيدة التى وافقت عليها سابين من بين العديد من الخادمات التى جاء بهن ادهم لمساعدتها .......
والآن هي تسأل نفسها بغضب عن السبب ........
اتسعت ابتسامة امتثال وهي تسال سابين
( سيدة سابين الم تسمعيني ... سألتك إن كنتِ تريدين شيئا ... الن تكفي عن أكل الشوكولا ... انه وعاء عائلي ... صحيح أن وزنك لم يزيد عن الحد المسموح به في هذا الشهر ....الا إن هذا لا يمنع انكِ تأكلين كثيرا وخاصة الحلوى , في لحظةٍ واحدة ستجدين وزنك قد تضاعف دون أن تتداركي الموقف )
ظلت سابين تنظر اليها بصمت وهي تلعق المعلقة الكبيرة .... وتسأل نفسها للمرة الالف .... لماذا وافقت على امتثال تلك , إنها على وشكِ أن تقتلها أو أن تخنقها .......
2
انها تقريبا في نفس عمرها جذابة ومتناسقة ... ويرتسم المرح على ملامح وجهها , كما انها فضولية وتتدخل فيما لا يعنيها بشكلٍ لا يطاق ......
قالت سابين ببطء و وهي تحاول الا تقفز عليها لتنشب مخالبها في عنق تلك المسكينة
( ماذا تريدين يا امتثال ؟..........)
اتسعت ابتسامة الشابة بسذاجة وهي تسرع لترمي نفسها جالسة قرب سابين على الاريكة .... بينما سابين ترمقها وهي تتربع بحريةٍ وكانها في بيتها تماما .....قالت امتثال بسعادة
(لقد انهيت اعمال اليوم , فاحببت أن أسليكِ قليلا , استطيع أن أرى شعورك بالملل ..... لماذا لا تتحدثين غالبا , أنا لا اطيق البقاء صامتة لفترةٍ تزيد عن الدقيقتين .... أظن أن ..... لا حول ولا قوة الا بالله , اخبرتك أن الاكثار من الشوكولا ليس مفيدا لكِ في هذه الفترة ... هاتِ يكفيكِ ما تناولته الى الآن )
نظرت سابين الى يد امتثال التى امتدت لتأخذ منها الوعاء تاركة لها الملعقة لتلعقها ..... هل تقتلها الآن .... انها في أمسِ الحاجة لأن تقتل كائنا حيا , وامتثال تبدو الخيار الأمثل ......
4
تناولت امتثال جهاز التحكم لتتنقل بين قنوات التلفاز بحرية .....وهي تقول بسعادة
( أعرف تلك الفترة من الحمل ... إنها الفترة الاصعب و الأثقل , تشعرين أنكِ مللتِ من نفسك ومن العالم , وتودين أن يقوم احدهم بتقشيرك من على الطفل من شدة اشتداد بشرتك ... لقد مررت بهذه الحالة في الثلاث اطفال .... كنت اكره منظري كل مرة , لكن زوجي هو من كان ينظر الي ضاحكا ويخبرني كل مرةٍ أن هذا الطفل تحديدا قد زادني جمالا عن سابقه ..... بالرغم من عمله الشاق كعامل بناء . الا انه حين أكون في فترة الحمل لا يتركني ابدا ويظل يرعاني و يدللني .... لا تستطيعن أبدا ادراك سبب تلك الحالة التى تنتاب الازواج حين يكونون في انتظار طفل ...... هم نفسهم يتحولون الى اطفال ولو استطاعو لجلبو لنا نجوم السماء .......)
4
بقت سابين تنظر اليها بصمتٍ تام وهي واضعة المعلقة في فمها وكأنها نسيتها تماما .....بينما تابعت امتثال
( اااه كم ذكرتيني بتلك الفترات السعيدة الطريفة حين يحاول الجميع تدليلي على غير المعتاد .........متى سيعود زوجك من السفر سيدة سابين , لم أره منذ أن أتيت الى العمل هنا )
فتحت سابين فمها لتجيب ..... الا إنها عادت لتغلقه , ستكون محترمة وتمنع نفسها عن القاء اللفظ البذيء الذى كانت على وشكِ التفوه به ... لقد مضى زمن اللسان السليط ولابد لها أن تعتاد حياة الامهات المحترمات ........عدت الى العشرة ثم اخذت نفسا عميقا واجابت بعدها بصوتٍ قد يجمد اي شخص من شدة برودته
(انه .... في عملٍ هام ...... لكنه ..... يطمئن علي وعلى الطفل هاتفيا كل ليلة )
نظرت اليها امتثال بحيرة لعدة لحظات ثم قالت تتسائل
( هاتفيا ؟؟..... لكن الاتصال لا يعوض غيابه , انا زوجي بالرغم من مشقة عمله الا إنه كان متواجدا اكثر خلال حملي في الثلاثة اطفال , كان مجرد منظر بطني المنتفخة يشعره بالسعادة , ويعد الايام حتى مجيء الطفل , لكن لأكون عادله ... انه دائما مهتم بي قدر استطاعته ......في حملٍ او في غيره ......حتى انه يبدو مثل الطفل الضائع بدوني ........)
2
ظلت سابين تنظر اليها بوجوم دون ان يظهر اي تعبير على وجهها ..... تتامل امتثال البسيطة امامها من شعر رأسها المغطى بوشاحٍ ملون ......قالت سابين بصوتٍ لا تعبير له
( ولماذا اذن سمح لكِ بالعمل في بيوتِ ناسٍ اغراب بل والمبيت لديهم ايضا؟....... مادام هو يضيع كالطفل بدونك )
اهتزت ابتسامة امتثال قليلا لكنها قالت بتردد
( الحياة صعبة يا سيدة سابين ونحن لدينا ثلاثة اطفال يحتاجون الى دخلٍ كبير .... لن يستطيع ان يتحمله وحده .... وأنا لا أعمل الا لدى اسرٍ موثوق بها ..... تماما مثلك .....لم يكن زوجي ليوافق الا بعد التأكد من البيت الذى سأعمل به ........لكنه ذلك لا يمنع انه غير سعيد بعملي اطلاقا .. حتى انه اشترى لي هذا ..... انظري ....)
نظرت سابين الى امتثال التى مدت يدها الى جيب تنورتها البسيطة واخرجت هاتفا متنقلا بخس الثمن للغاية .... الا انها كانت تنظر اليه بانبهار وسعادة وكانما حصلت على نجمة من نجوم السماء .......تابعت امتثال تقول بسعادة
( لقد اشترى هذا الهاتف خصيصا ليطمئن علي كل ساعة ..... من كان يظن ان يصبح لي هاتفي الخاص أخيرا , مع اني لا أجيد استعماله تماما حتى الآن الا انني استطيع الرد عليه حين يطلبني .... من الرائع أن أسمع صوته كلما أردت , أنا ايضا الاتصال لا يعوض غيابي عن البيت ....لكن ما باليد حيلة ......والمهم انه يثق بي ......., لكني لا ارى زوجك يكلمك كثيرا يا سيدة سابين ... هل هو منشغل الى هذه الدرجة ؟؟.......)
استمرت سابين في النظر اليها بوجوم ثم قالت بصوتٍ خافت بطيء
( لا .... انه ليس منشغلا الى هذه الدرجة , ..... إنه يكلمنى دائما لكن في الاوقات التي يعرف أنني بمفردي فيها و يكون متلهفا لسماعِ صوتي ...... نحن ..... نطيل الكلام معا ..... يسألني عن حالة الطفلة ويطمئن عليها ..... يسال عني ..... إنه يريد أن يعود اليوم قبل غد ...... لكن ......كما قلتِ ما باليد حيلة .......الحياة .....صعبة ..........انا ايضا زوجي يثق بي ثقة عمياء .....هو ليس هنا ..... لكنه متأكد من أنني لن أخذله أبدا .........)
9
فتحت امتثال فمها تريد الكلام وقد استهواها ان تتكلم معها سابين بهذه الاستفاضة ... الا أن رنين هاتفها الصغير قاطعها فابتسمت كطفلةٍ صغيرة وهي تنظر الى اسم زوجها الحبيب ....صبري .......
فاعتذرت لسابين بابتسامة وقامت مبتعدة لترد عليه .... بينما ظلت سابين تراقبها ..... تنظر الى همساتها .... وابتساماتها ..... انبهارها بالهاتف الجديد ... حتى انها حين تتكلم توجهه الى فمها خوفا من الا يصل صوتها الى زوجها ........
تناولت سابين وعاء الشوكولا التى تركته امتثال خلفها على الاريكة ... وعادت لتأكل منه في صمت وهي تتابع امتثال وكأنها تتابع مسلسلا في التلفاز ......تلعق المعلقة ... بينما تلف خصلة من شعرها على اصبعها بشرود ......
لا تعلم لماذا اثارت امتثال اهتمامها الى هذا الحد ..... لماذا تشعر بالرغبة في سماع ما يقوله زوج امتثال في هذه اللحظة .......لم تهتم يوما باهتمام ادهم بحلا ..... او المجنون فارس بسما ..إن كان يعرف معنى الاهتمام أساسا ......
الا ان امتثال .... تثير .... غيرتها بشكل فظيع ....... امتثال زوجة صبري ....... مالذى تمتلكه ولا تمتلكه سابين ؟؟...... صبري .. عامل البناء البسيط ... الذى يشقى هو وزوجته ليل نهار من أجل اطفالهما......لكنه لا ينساها أبدا ..... يغار عليها ..ممكن .........لكنه يثق بها ...... يخاف عليها ويتمنى إن كان بمقدوره رحمتها من العمل في المنازل وخدمة الأغراب .........
3
كل هذا استشفته من حديث امتثال الذى لا ينقطع .......عن زوجها وعن الهاتف الجديد ..... كل يوم تقريبا تلوح به أمام سابين ... لتعود وتخبرها من جديد عن تلك الهدية الجبارة وكان سابين لازالت لا تعلم ........
يالهي .... ما الذى تفكر به .... انها بالفعل على وشكِ الإصابة بالجنون .......إنها تغار من امتثال وصبري ..........
انها في مثل سنها .... لديها ثلاث اطفال تتركم لدى جارتها الى أن تنتهي من العمل ...... الا أن الحال اختلف بعد أن اصبحت تعمل لدى سابين فصار الأولاد ينامون لدى الجارة ......الراتب الذى حددته سابين مغري جدا .... لم تتقاضاه امتثال في كل البيوت التى عملت بها مجمعة ......لذا لم تستطع المقاومة ...... خاصة وإن طفلها الاوسط مريض ويحتاج الى علاجٍ دوري ..... وتكاليف العلاج باهظة بالنسبة لهما ......
كل هذا .... ولا تزال امتثال تثير غيرة سابين ..........كلامها عن رقة زوجها تشعرها بالاختناق ...... تريد ان تتذكر اي موقفٍ رقيق لتحكيه لها هي الاخرى عن ..... احمد .........
لكنها لا تجد سوى القسوة و وغيرةٍ هي الاسم المحترم لانعدام ثقته فيها ........لقد اعطته عذره ... حقا حاولت .... لكنه في النهاية لم يستطع التعامل مع حياتها السابقة ........
1
ربتت على بطنها المتكورة وهي تنظر اليها ..... لتهمس بحزن ( لقد ظلمتك قبل حتى أن أعرفك ............)
رفعت نظرها مرة اخرى لتنظر الى امتثال التى بدت حزينة الان وهي تهمس همسة وصلت الى اسماع سابين المراقبة لها
( أنا ايضا أتمنى لو كنت معكم .......لكن ما باليد حيلة )
شعرت سابين بقبضةٍ من جليد تعتصر قلبها فجأة .......وهي ترى المعنى الحقيقي للابتعاد بالقوة الجبرية .........
شردت وتذكرت حين حملها احمد ودخل بها الى بيته وتالا تقفز من خلفهما صارخة تقفز بمرح ........تذكرت حين كان كلا من اميرة واحمد وتالا ينظرون الى بعضهم بنظراتٍ متامرةٍ لنجاحم في استدراجها اليهم ........تذكرت شعورها وهي محمولة بين ذراعيه .... لاتزال تشعر بدفئهما وكأنه لا يريد أن ينزلها ......
تذكرت ذلك اليوم الرائع لهم معا ......وكانت من الغباء ان عقدت الآمال على يومٍ واحد .......فقط يومٍ واحد ...........الان تدرك ان زواجها مع احمد لم يتضمن الا يوما واحد صادقا ........ اما الباقي فكان مهزلة منذ اول ليلة ..... بل منذ ان راته في المكتب لاول مرة . افاقت من شرودها على صوت امتثال ياتي اليها قائلا بحزمٍ رقيق ( ساتحمل من اجلهم ....... نعم )
ظلت تلك العبارة تطوف في ذهن سابين لفترة ..... سأتحمل من أجلهم ..........واقترنت هذه العبارة دون وعيا منها بصورة احمد وتالا معا ......وفي نفس الوقت كانت يدها لاتزال تربت على بطنها ......
1
امتدت يدها تبحث عن هاتفها الباهظ الثمن على عكس هاتف امتثال .......والذى كان مدسوسا باهمال بين وسائد الاريكة الوثيرة .....وما ان تناولته حتى كادت ان تطلب احمد ..... لكنها عادت وترددت قليلا ثم بعد لحظة كتبت رسالة موجزة
( أنا اليوم مساءا سأذهب الى طبيبتي ..... مهما كان ماحدث الا انني لست من القسوة بحيث احرمك من أن ترى الطفلة معي خاصة وانك لم تحضر أيا من جلسات المتابعة الدورية من قبل ..... ولم تراها حتى الآن .....سأكون هناك في الثامنة مساءا وسأبعث لك باسم العيادة)
7
ثم ضغطت على الارسال قبل أن تفكر مرتين ..... وانتظرت ..... انتظرت ...... المكابر لن يرد عليها , هي تعرفه اكثر من نفسه , الا انه سيكون متواجدا ..... هي ايضا متاكدة من ذلك , ارتعش قلبها حين وصلت الى انها ستراه الليلة ........ منذ متى لم تره .... لم تسمع صوته ...... لم يقبلها ....... تذكرت اليوم البائس الذى قضوه هنا قبل ان يصل عمار ......كان ينتهز الفرص لينفرد بها في المطبخ ويقبلها كيفما اراد ...... وكانت هي تتمنع بغير صلابة جدية ....... ابتسمت وهي تتذكر تذمره و طفولته وهو يعاود جذبها اليه ..... تتناقض مع ملامحه الذكورية القاسية وجسده الضخم ...... هل في كلِ مرةٍ سيتشاجرانِ فيها سيراضيها بنفس الطريقة ؟؟........ عاطفة ذكورية طفولية في نفس الوقت ... دون ان يستطيع ايجاد كلمتين عاطفيتين مناسبتين .........ابتسمت بشوقٍ لما تفكر به .........
تذكرت وهو يناديها ... يا روح احمد ....الكلمة غير متناسبة اطلاقا مع صوته الرجولي الخشن ... الا أنها ما ان سمعتها حتى شعرت بقلبها يهتز و ركبتيها تهتزان ..... وهي تعتقد انه مهما طال بهما العمر ستظل هذه هي نفس ردة فعلها ما ان يناديها .....يا روح احمد ....تذكرته وهو يجذب خلصة شعرها بشدةٍ لتصرخ ..... وحين طرقها على رأسها لتحن عليه بابتسامة ٍ..........
فجاة اخذت ابتسامتها تبهت قليلا الى ان اختفت تماما ..... وهي تسال نفسها .. من اين جاءها الان انهما سيعودانِ الى بعضهما .......الم تكن منذ دقائق تفكر في النهاية .........امجرد رسالةٍ بعثت بها اليه ستحيي الامل في قلبها من جديد .......
لا ..... لا ......بالطبع لا , كانت فقط تريد حضوره , تريد رؤيته ... وقد تكون اخر مرة تراه وهي زوجته .... هل سيمسك يدها عند الطبيبة ......هزت راسها بشدةٍ تبعد عنها تلك الافكار السخيفة وهي تعاود التهام الشوكولا بكلِ حنق...... منه ..... ومن نفسها .....
عادت امتثال اليها في هذه اللحظة مبتسمة وجلست مرة اخرى بجوارها استعدادا لاستئناف الحديث الدائر بينهما ......لكن قبل ان تنطق حرفا واحدا عن فحوى مكالمة زوجها ....قالت سابين بصرامة
( امتثال اريد قهوة من فضلك .........)
عقدت امتثال حاجبيها استياءا من هدم سابين لهوايتها المفضلة في اجتذاب اطراف الحديث ......لكنها لم تجد بدا من النهوض وهي تقول بتحفز ( لقد شربتِ القهوة مرة اليوم .... يكفيكِ هذا .....ساحضر لكِ عصير )
ثم استدارت لتذهب الى المطبخ .. الا انها عادت الى سابين لتاخذ منها الوعاء والمعلقة ثم استدارت منصرفة .... ظلت سابين ترمقها بغضبٍ وهي تتمنى ان تقفز اليها وتنشب اظافرها في وجهها وشعرها مثلما كانت تفعل مع حلا قديما ...... الا انها الان لا تقوى على الحركة بعد عناء اليوم في العمل ..... خاصة مع التورم البسيط الذى بدا في الظهور بقدمها من طول فترة وقوفها وتحركها ..... ستؤجل قتل امتثال الى ان ترتاح قليلا ...... امتثال وصبري ....... هذا ما كان ينقصها في هذه الفترة من حياتها ..... قصة العشق الخالدة لامتثال وصبري !!!..........
5
نظرت الى الساعة انها تقترب من السادسة .... لا بد لها ان تبدا في ارتداء ملابسها فالطريق طويل امامها ......ستضطر الى اخذ امتثال معها ..... ستوصلها الى بيتها لتبيت مع اسرتها الليلة ......فلربما عاد احمد معها ......
نهرت نفسها بشدة ..... ها قد عادت الى حماقتها من جديد .........تاففت بحنق ثم نهضت بتثاقل تسند نفسها لتبدا رحلة صعود السلم الطويل .........بينما قلبها ينبض قافزا في الخفاء .........
.................................................. .................................................. ............................................
كانت جالسة على احد مقاعد العيادة .... محتضنة حقيبتها .... تنظر الى الزوجات الاتى راتهن اكثر من مرة على مدى الاشهر الماضية ... كل شهر ترى بعضهن .... تتكور اجسادهن مثلها .... وبجوارهن نفس الازواج ..... نفس النظرات المتحمسة ..... نفس الابتسامات الحمقاء .......والامل الواهي ........ونفس جلستها ..... والباقيات ينظرن اليها .... بعضهن بحسدٍ من جمالها .... والاخريات بالعطف لانها تلك الجميلة التى تاتي وحيدة دائما .......بادلتهم النظرات بنظراتٍ باردةٍ لا مبالية ......انها سابين الراشد ....وهي بالتاكيد لا تهتم لنظرات مجموعة من الزوجات الساذجات .......
1
اخفضت نظرها تنظر الى ساعة معصمها ..... انها الثامنة والنصف ...... ان الشوارع مزدحمة للغاية والمرور قاتل ... لا بد ان هاذا هو ما اخره .... حتى هي تعبت للغاية الى ان وصلت الى قلب المدينة .......
( سيدة سابين .....)
رفعت سابين عينيها مجفلة تنظر الى الممرضة البشوشة التى تنظر اليها ...... لم تجد سابين ما تنطق به فتابعت الممرضة
( انه دورك .....)
اخذت سابين نفسا مرتجفا ثم قالت بهدوء ( سانتظر .... قليلا . ان زوجي في الطريق الى هنا )
3
تعمدت ان يصل صوتها واضحا الى من حولها .... وبالفعل اثارت انتباههن ... جميع الزوجات المتواجدات اردن رؤية زوج تلك الجميلة التى تاتي وحيدة دائما ..... ابتسمت سابين بانتصار وهي تفكر فلتمتن بغيظكن ........كلها دقائق قليلة وسترين زوجي وهو يدخل بقامته من هذا الباب .......نظرت الى ساعة معصمها مرة اخرى ......انها التاسعة الان .......
4
مرت الدقائق بطيئة جدا ......وهي تشدد من احتضانها لحقيبتها .... تسالها الممرضة بعد خروج كل سيدة فتجيبها سابين انها ستنتظر قليلا .....ترفع نظرها بين الحين والاخر لترى النظرات الفضولية منصبة عليها ..... ماذا يريدون منها .... لماذا لا يلتهين بحالتهن وببطونهن المنتفخة بدلا من مراقبة حالتها الاجتماعية ..... انها تكره النساء جميعا ..... وتكره الرجال ايضا .... بشدة ....... كما تكره الاطفال ....... ماعدا تالا ..... وتلك الصغيرة المحاربة التى لم تبصر النور بعد .......
عند اخر سيدة دخلت كانت الساعة قد وصلت الى الثانية عشر ........لم يات .... لم يهتم ابدا .... حتى بالطفلة الصغيرة التى اخبرها بكل صفاقة ان تظل محترمة الى ان تسلمه طفلته ..........
2
اقتربت منها الممرضة بهدوء وانحنت لتربت على كتفها برفق هامسة
( سيدة سابين ...... لقد انصرفت اخر سيدة , لقد تجاوزنا ميعاد غلق العيادة والطبيبة تبلغك انها مضطرة للانصراف فهل ستدخلين الان )
رفعت سابين نظرها اليها وكانها فقدت القدرة على الاستيعاب او فهم ما تقوله ......اغروقت عيناها بدموعٍ حبيسة ابت ان تطلقها ....ثم بعد عدة لحظات اومات بصمتٍ وهي تنهض من مكانها لتدخل الى الطبيبة .......
نظرت سابين الى تلك الصورة المموهة امامها على الجهاز ...... شهقت مبهورة بصمت وعيناها تستحيلانِ لبركتين حانيتين في يومٍ صيفي ...... همست لنفسها بشرود
( انها مكتملة للغاية .........)
ابتسمت الطبيبة وهي تحرك اداة الجهاز على بطنها برفق ......ثم قالت برقة
( نعم ...... انها تقريبا مكتملة , انظري هاهي الاصابع اصبحت واضحة تماما , .... ومعالم وجهها اصبحت ظاهرة ايضا , اليست جميلة ؟؟..... انها بصحةٍ رائعة كذلك )
امومات سابين ببطء وقد تشوشت الرؤية امامها ..... وشعرت بغصةٍ في حلقها وهي تهمس باختناق
( نعم .... انها جميلة للغاية ... استطيع ان اراها , انها تشبه والدها تماما )
ضحكت الطبيبة عاليا وهي تقول ( هل استطعتِ رؤية الشبه بينها وبين والدها ؟.............)
اومات سابين مرة اخرى وقد انسابت الدموع الثقيلة على وجنتيها ثم همست
( انها تشبه والدها .......لانني احبه للغاية , لذا بالتاكيد هي تشبهه )
9
نظرت اليها الطبيبة بعطف وهي تقدر تلك اللحظات العاطفية بالنسبةِ لها ........ثم قالت بعد عدة لحظات
( سابين ..... ان ضغطك مرتفع اعلى من الشهر الماضي بالرغم من تحذيري لكِ .... وهذا يقلقني في هذه المرحلة )
مسحت سابين دموعها بيدها في صمت .... فناولتها الطبيبة منديلا بلطف , ثم قالت مرة اخرى
( انكِ تحتاجين الى الراحة و المتابعة كل اسبوع بدا من الان .......لكن انا اتكلم بمنتهى الجدية عزيزتي .... ممنوع الحركة , اريدك ان تستلقي على ظهرك الفترة المتبقية ....... هل كلامي مفهوم ؟؟)
اومات سابين براسها وهي فاقدة القدرة على النطق تماما بينما دموعها تنساب في خطوطٍ ناعمة ٍ على وجنتيها .... شاردة في تلك الصورة الصغيرة النابضة امامها ......صغيرتي المحاربة .... هكذا فكرت سابين .... ان تلك الصغيرة وجدت لتحارب الدنيا بشراسة ........
جلست سابين في سيارتها بعد ان خرجت من العيادة لكن قبل ان تديرها اسندت راسها وذراعيها الى عجلة القيادة بتعب .....لم تكن يوما مرهقة او ضعيفة مثل اليوم ..... لم تشعر يوما بهذا الكسر الذى تشعر به الان .... حتى ليلة زفافها حين تركها احمد وحيدة ......لم تشعر بمثل هذا الانهزام ابدا ........
1
رفعت راسها بعد وقتٍ طويل وهي غير قادرة على القيادة ابدا .....بمن تستعين الان في هذا الوقت ....اتحاول القيادة ؟؟ لكنها تشعر بتعبٍ فظيع ... وقد تستسلم للنوم اثناء القيادة الطويلة ..... لن تسمح لنفسها ان تتهور ابدا ... فهي لسيت وحيدة بعد الان .....انها تحمل محاربتها الصغيرة .....
التقطتت هاتفها تنظر اليه ... بمن تستعين ... بمن ..... لا يوجد سوى عمار فهل تكلمه في هذا الوقت ....انه الصديق الذى لم تعرفه سوى من اشهرٍ قليلة ولكنه دائما نعم العون لها .....لكن اتكلمه لياتي ويقلها في هذا الوقت ؟...... حين حزمت امرها ضغطت على الهاتف لتضعه على اذنها ... ثم بعد عدة لحظات قالت بانهزام واضح وشهقة باكية
( ادهم ...... من فضلك تعال لتاخذني )
14
.................................................. .................................................. ............................................
ارتمى احمد على كرسي مكتبه متعبا بشدة ... انه يعمل منذ السابعة صباحا دون انقطاع , انه يهلك نفسه في العمل بشدة مع ان سنه اصبح لا يحتمل مثل هذا المجهود الجبار ........هل كبر بالفعل .... ام ان روحه هي التى كبرت وثقلت بداخله .... وبعد ان كان العمل يعطيه القوة دائما ... اصبح يزيده تعبا فوق تعب .......انه في هذه الايام الاخيرة اصبح ضيق الخلق والجميع يتحاشوه .......
الى متى ستظل تداعب خياله .... الى متى سيظل صوتها الناعم يرن في اذنيه كدقاتِ الاجراس مع الرياح .......اما من سبيل للانتهاء من كل هذا .... انه ليس مراهقا حتى يصعب عليه الخروج من علاقةٍ حكم عليها بالفشل ..........
حتى لو كانت علاقته ..... بزوجته ...... ام طفلته ........سابين الراشد ........
تنهد بتعبٍ وهو متجهم يفكر ..... لقد افسد الامر تماما .....بعد كل تعبه وعنائه ليسترجعها ويعوضها عن بدايتهما السيئة معا ..... مجرد رؤية ذلك العمار ذو العضلات المحشوة في بنطالٍ ضيق يصلح لعارضي الازياء و ليس لرجال الاعمال ...... رؤيته اشعلت نارا هوجاء في صدره ... حتى بات يتخيل كيف تحدثه سابين .... كيف تنظر اليه .... تذكر كيف كانت تنظر اليه هو في بداية عملهما معا ..... يعلم جيدا انه طبعها ولن تغيره حتى لو ارادت ..... انها تهوى التلاعب بالقلوب ...... تهوى لعبة الملكة المتوجة على عرشهم ........ضاربة بكل اصولِ الحياء عرض الحائط ......
لقد احببها ... احببها كما لم يحب من قبل الا ليال ...... لكنه لم يستطع تجاوز عبثها في مواجة الحياة ..... عدم التزامها باية قيم ..... لديها بذرة نقية بيضاء ... لم ترها سوى تالا .. وامه .... وسما .....وحلا في النهاية .....
3
من تبقى لم يرى ما بداخلها ؟؟..... هل هو الغبي الوحيد ؟؟.......لا ليس غبي .... انه عاشق .... عاشق غيور يشعر بنارٍ حمقاء تدب في اعماقه ما ان ترتدي قناعها العابث ......
وقد انهارت سيطرته ومحاربته في سبيلها ما ان راى احد اقنعتها في اخر مرة ...... فاطاح بكل ما كان .... وكل ما كان ليكون ......
كم من الصعب ان يغير المرء من يحبه .....وكم من الاصعب ان يحب من هو غير ملائم له ........
2
زفر مرة اخرى بحنقٍ وتعبٍ اكبر وهو يرى النهاية مرتسمة بملامحها البائسة .......
شعر بطوفانِ غضبٍ يهدر في اعماقه .... لقد اضاع الفرصة في هذا اليوم .......كان يجب عليه ان يضرب ذلك العمار ضربة تمنعه من التباهي بعضلاته مرة اخرى الى ما تبقى من حياته ..... خسارة كبيرة .... كم يتمنى ان يعود اليه مرة اخرى ليكسر فك اسنانه .... هو السبب في انتهاء زواجه .......
5
اسند مرفقيه الي سطح المكتب وهو يدفن وجهه بين كفيه شاعرا بالمٍ لم يشعر به من قبل ...... لا .... ليس هو السبب , كان مجرد عود الثقاب الذى اشعل حقده من جديد على سابين المزيفة ..... سابيته المزيفة التى ما ان سحرته حتى خلعت قناع زيفها .... ليتحول السحر الاسود الى اخر نقي ابيض ربط قلبه بها ......
بياض الثلج ..... لكم تذكره سابين ببطلة تلك القصة التى يقراها لتالا معظم الليالي ...ولقد اخبر تالا بهذا مبتسما ...لكن تالا تذمرت وهي تخبره ان سابين تشبه الساحرة الشريرة ..... فحاول ان يكون جديا معها منبها لتكون اكثر تادبا عند الحديث عن سابين ..... لكن تالا لم تتراجع واصرت على ان سابين هي تلك الساحرة السوداء الجميلة التى تسال مراتها كل صباح ان كانت هناك من هي اجمل منها .....
لحظتها ظل يفكر ... هل هي حبيبته البيضاء ... ام ساحرته السوداء ......لكن في كلتا الحالتين .... هي سابيته التى سبت قلبه بغلالغها لاخر العمر ....... نعم ... يعرف الان ان حبها سيظل في قلبه مهما طال الزمن .......
2
اخرجه من تفكيره الحزين المؤلم صوت اهتزاز هاتفه بجانب صدره ...... فالتقطه من جيبه لينظر اليه بملل .... انها مكالمة غير مرغوبة , اوشك على ان يعيده الى جيبه مرة اخرى الا ان وجود رسالة ...... عدة لحظات و كانت عيناه تتسعان وهو يقرا الرسالة .... ثم لم يلبث ان همس بقسوة .... لا ..... لا ..... لا
2
ثم نظر الى ساعة معصمه بسرعةٍ ورعب ليجد انها الثانية عشر ......اغمض عينه وهو يضرب المكتب بقبضته هاتفا يشتم بحنق .......لا ..... كيف لم أرها قبل الآن ....... نهض مسرعا يكاد يخرق الارض من لهفة خطواته .... لكن الى أين يذهب الان .....
خمسة عشر دقيقة وكان يقف امام العيادة المظلمة المغلقة .... منتظرا في سيارته يراقب المارة قليلي العدد في هذا الوقت المتاخر ... ماذا كان يظن ؟.... انها ستنتظره الى الآن ؟..... كيف ... كيف ...كيف لم يرى رسالتها ؟... يبدو بالفعل أن كل الطرق تبعده عنها .....
6
تمنى في هذه اللحظة من كل قلبه .... ان تكون غير مباليةٍ بعدم مجيئه .... لأنها إن كانت مبالية فهذا يعني أنها تألمت للغاية , وآخر ما يريده في هذه اللحظة ان يلحق بها المزيد من الأذى ..... يكفي ما أصباها منه حتى الآن ......
تناول هاتفه يريد ان يطمئن عليها , لكنه تراجع ينظر اليه بصمت ,لا بد ان آخر ماتريده الآن هو ان تسمع صوته ..... لكنه قلق عليها جدا .... الى متى ستظل مصممة على الاقامة في منزل والدته ... ان المسافة بعيدة عليها ......ظل هاتفه في يده وهو يشعر بقبضة الياس تطبق على صدره ......
1
لحظاتٍ وكان هاتفه يرن .... انه ادهم ... ماذا يريد الآن ؟.... انه ليس في حالةٍ تسمح له بسماع أي شيء يخص العمل ..... انقطع الرنين في النهاية الا إنه عاد ملحا عليه ليجيب
رفع احمد الهاتف اليه بنفاذ صبر وهو يجيب بفظاظة
( ادهم عندما لم أجبك في المرة الاولى فهذا معناه انني لا اريد أن أكلم أحدا الان ..... سلام )
صرخ ادهم بصوتٍ مدوي كاد ان يخرق طبلة اذنه
( اقسم أنك إن اغلقت الخط فساتي اليك لاسحق انفك الغبي .....مما أنت مصنوع اخبرني . كتلة من العند والغباء متصلبة بداخل رأسك تمنعك من الرؤية بشكلٍ سليم .... كيف استطعت ان تترك زوجتك بهذا الشكل ؟هل وصل بك العند الى هذه الدرجة ؟.......اخبرتك من قبل يا احمد ان سابين هي اختى مثل سما تماما وإن اخطأت في حقها فعليك أن تواجهني شخصيا ........)
11
نصف الحوار لم يدخل اصلا الى عقل احمد الذى هتف سريعا
( ما بها سابين .... هل هي بخير .... هل هي عندكما في القصر ؟....)
رد عليه ادهم بقسوة
( هل تتجرا وتسال عنها الان ..... كيف تمكنت ؟.... كيف تمكنت من فعل هذا وهي في مراحل الحمل الاخيرة و الضغط العصبي مضر لها...............ما الذي فعلته اصلا ؟؟؟....)
شعر احمد بالقبضة تطبق على صدره اكثر واكثر ....ثم قال بصوتٍ مختنق ( الم تخبرك ؟........)
مرت عدة لحظات ثم قال ادهم اخيرا ( لم تخبرني شيئا ......أنا لا اعلم مالذي فعلته تحديدا , لكن من الواضح انك فعلت شيئا احمقا كعادتك )
ضحك احمد قليلا بمرارة من غباء ادهم ثم تنهد بعمق وهو يقول باختصار ( لم أرى رسالتها .... والا لكنت جئت )
1
سكت ادهم قليلا ثم سال بحيرة ( اية رسالة .........)
اجابه احمد بهدوء واجم
( بعثت رسالة لي ... حتى الحقها الى العيادة اليوم في ميعاد المتابعة الدورية ..... لكنى لم أرى الرسالة الا الآن )
ساد الصمت مرة اخرى ... ثم قال ادهم ببطء ضاغطا على اسنانه
( دعني افهم جيدا ...... هل تقول لي ان سابين اتصلت بي في منتصف الليل منفجرة بالبكاء وجعلتني اذهب اليها على اقصى سرعة حتى اني كدت ان ادهس شخصين الليلة في طريقي اليها .......... كل هذا ..... لأنك نسيت أن تذهب معها الى الطبيب !!!!!)
9
صدم احمد بشدة وقال مبهوتا
( انفجرت بالبكاء ؟؟؟......هل كانت سابين تبكي ؟؟؟؟..... سابين ؟؟؟!!!!....... ادهم ..دقائق وسأكون عندكم )
هدر ادهم حانقا ( احمد .... لاول مرة سأقولها لاحدٍ ما ......نحن لن نستقبل أحدا آخر الليلة ..... الى اللقاء .....)
1
سمع احمد صوت الاغلاق وظل جالسا متسمرا مكانه تماما يشعر بصدره يضيق اكثر واكثر ..... فاخذ يخفف من ربطة عنقه بعنف ..فاتحا الزر العلوي لقميصه .......لقد كانت تبكي .... لم يرها تبكي من قبل ........انه لا يصدق ان سببا كعدم مجيئه هو ما يجعلها تبكي .... ليست سابين التي تبكي لسببٍ كهذا ...... هل يذهب اليها ؟؟ ام انه سيزيد الوضع سوءا .......
زفر بنف وهو يفكر .... تبا لكل شيء ...... لو كانت مهتمة اصلا لكانت اتصلت به .... ولم تكن لتكتفي بهذه الرسالة الباردة ......
9
لقد تعب من كل شيء .... هذا يكفي , إن ارادته فلتتصل به ..... انه حتى لم يخطىء بحقها ليذهب اليها متذللا ..... تريد الظهور بمظهر الشهيدة أمام الجميع من اجل بضعة كلمات مختصرة بعثت بها بمنتهى البرود .......
24
أدار سيارته بحنق ثم اندفع بها بجنون عائدا الى منزله ...................
.................................................. .................................................. ...........................................
استلقت سابين على ظهرها تنظر بشرود الى سقف الغرفة بينما جلست حلا بجانبها وهي تربت على بطنها بلمساتِ حانية وابتسامةٍ ناعمة ..... ثم همست برقة
( لقد ارعبتنا يا مجنونة ...........ظننا أنكِ على وشكِ الولادة )
نظرت اليها سابين بصمت بعد لحظة ثم همست ممسكة بيد حلا على بطنها
( هل تعلمين .... كلما تألمت في هذه الايام , لا أرى الا وجهك أمامي .........)
1
ابتسمت حلا بحيرة وهمست ( و لما ؟؟؟......)
اجابتها سابين بهمسٍ حزين
( لم أساعدك كثيرا في ما مضى حبيبتي .......تركتك تواجهين مصيرك , لم اكن يوما كما يجب ان تكون الاخت الكبرى ..... كان لابد أن اقف في مواجة الجميع دفاعا عنكِ قبل أن يلقو بكِ الى هذا الحقير ........)
1
بهتت ابتسامة حلا قليلا وهي ترى الصور السوداء تتدافع امام عينيها من جديد .... لكنها اخذت نفسا عميقا لتقول بعده بهدوء
( انه النصيب ......لم يكن اي انسان يستطيع تغيير القدر , لكنك انتشلتني من هوةٍ سوداء كبيرة كانت تبتلعني يوما بعد يوم )
ظلت سابين تتطلع الى عينيها الجميلتين وهما تحكيانِ قصة حزينة ........فجذبتها سابين الى احضانها وهي تهمس ( تعالي .....)
احتضنتها حلا بشدةٍ وهي لا تزال واضعة يدها على بطن سابين لا تريد ان تتركها أبدا .... ثم همست بصوتٍ مبحوح
( اتعرفين كم انا متشوقة لاصبح خالة ؟؟..... متى ستاتين بها , انا لا أحتمل الانتظار ...... سابين ..... هل تظنين انني أصلح لأكون ام ؟؟؟...)
اخفضت سابين نظرها الى حلا بدهشةٍ من هذا السؤال ...ثم اجابت بحزمٍ بعد فترة
( وما الذى يجعلك غير صالحة لذلك ؟..........)
لم تستطع حلا الاجابة وهي تشعر بغصةٍ في حلقها .....لا تعلم ان ادهم كان واقفا خارج الغرفة مستندا الى الجدار يستمع الى صوتها العذب ......وقد ظهر طيف ابتسامة على شفتيه ............
اخذ نفسا طويلا ثم استدار ليطرق على الباب المفتوح ..... فرفعت حلا رأسها اليه تنظر اليه نظرة عاشقة ... اصبحت لا تفارق عينيها مؤخرا ... بينما ابتسمت له شفتيها وهما ترسلانِ اليه الوعود ......
حاول ادهم بصعوبةٍ التخلص من تاثيرها الساحر عليه وهو يركز نظره الى سابين التى تنظر اليهما بامتعاضٍ ساخر ....
تنهد بغضب ثم قال بصوتٍ حاول ان يجعله مهذبا على قدر استطاعته
( كيف حالك الآن يا سابين .........هل استطعت تجاوز الصدمة البشعة لفعلة احمد الشنيعة )
3
برقت عينا سابين بحنقٍ من السخرية التى تراها في عينيه .....الا أن ادهم لم يمهلها لتطلق لسانها السام فقال بهدوءٍ حازم وهو يمد ذراعه
( هيا يا حلا .....فلنترك سابين لترتاح )
ترددت حلا وهي تنظر الى سابين قائلة برقة ( نعم يجب ان تنامي قليلا ..... هل تريدينني أن انام بجوارك )
عبس ادهم بشدةٍ فلمحته سابين قبل أن يستطيع ان يخفي معالم شره ...... وفي لحظةٍ واحدة برقت عينا سابين بينما همس صوتها منكسرا
( الن يضايقك هذا يا حلا ؟.........)
9
اتسعت عينا حلا وهي تنفي بسرعةٍ ومن دونِ تفكير ( بالطبع لا ..... هل جننتِ ؟ سابقى معك حتى الصباح لا تقلقي )
1
احتضنتها سابين برقةٍ مخفية وجه حلا بين احضانها .....بينما ارتفع حاجبها الشرير وهي تنظر الى ادهم مبتسمة باستفزاز......
ضعط ادهم على اسنانه ثم استدار ليخرج من الغرفة وهو يشتم غاضبا ..... احمق تزوج من مجنونة .........فما المتوقع غير الذى يحدث الان ؟؟.........
10
.................................................. .................................................. .....................................
حين حل الصباح كانت سابين قد ارتدت ملابسها استعدادا للمغادرة ......بالرغم من كل محاولات حلا للتشبث بها , الا أن سابين كانت مصممة على الرجوع لبيتها ....أو ذلك الذى أوهمت نفسها انه بيتها وسكنته رغما عن صاحبه .......
حاولت سابين ابعاد تلك الافكار المؤلمة عن رأسها وهي تنظر لحلا بحنان وتقبلها على وجنتها بينما كان ادهم يراقبهما صامتا الى أن قال اخيرا
( لا أرى حقا سببا مقنعا يجعلك متمسكة برأيك العنيد هذا ....... أنتِ هنا في بيتك وأنتِ تعلمين ذلك فلما المكابرة )
ابتسمت سابين قليلا وهي تنظر الى ملامحه الصارمة ثم قالت بتحدٍ مرح
( لم استطع أن اتقبل يوما نظرية الأخ الاكبر هذه .............)
ظهر طيف ابتسامة على زاوية شفتيه بينما الصرامة لاتزال مرتسمة على وجهه ثم قال اخيرا
(كفاكِ مراوغة ..... انا مصرا على بقائك هنا , لقد اقترب ميعاد ولادتك ولا يجب أن تكوني بعيدة عنا الى هذه الدرجة )
ابتسمت سابين و اهتزت عيناها قليلا ثم قالت بهدوء
(لا تخف ......لست وحدي , معي تلك الزوبعة المسماة امتثال .........وهي ستجيد التصرف بدرجةٍ افضل منا جميعا )
حين لم يجد كلا من ادهم وحلا سبيلا الى اقناعها ... غادرت سابين مع السائق تراقبها حلا التى كانت متمسكة بخصر ادهم وعيناها دامعتان على تلك الصخرة القوية التى لم ترها يوما مهزومة كما تراها الآن .......
بعد مرور اسبوع
كانت سابين تتمشى في المجمع التجاري ممسكة بحلوى الغزل بين اصابعها تاكلها بنهم .....مرتدية بنطالها الجينز الازرق يعلوه قميصا ورديا خفيفا محكما عند صدرها لينزل متسعا بانتفاخةٍ محببة ليخفي بطنها الطريفة .... بينما كان شعرها عبارة عن لوحةٍ فنية من الفوضى ... كان يبدو تماما كعشِ عصافير ضربته الرياح ... بتلك الخصلاتِ الناعمة المنسدلة على وجهها المحمر الناعم ......
تسير للتتأمل واجهات المحلات من حولها بتكاسل ... بجوار زوبعتها الخاصة .. امتثال ... التى لم تكف عن الحديث لحظة واحدة ...عن صبري وعن الاطفال ....وعن القميص الذى اشترته لصبري بعد أن مضى اكثر من عامين لم يجلب لنفسه شيئا جديدا .......
1
( هل تظنين أن اللون الأخضر سيليق بصبري يا سابين )
1
لم تعرف سابين متى تحديدا توقفت امتثال عن مناداتها بلقب سيدة .... لتصبح سابين فقط .......لكنها لم تهتم كثيرا , منذ متى كانت تهتم بما يفرضه الناس من قوانين غبية ......ردت سابين بهدوء دون أن تنظر اليها وهي تتباع التهام قطعة أكبر من الحلوى لتلعق أصابعها بعد كل قطمة .....
( أنا لم أرى البارون صبري يا امتثال .....لذا لا استطيع معرفة إن كان اللون الأخضر يناسبه )
عقدت امتثال حاجبيها وهي تنظر الى القميص في حقيبته .....ثم رفعت عينيها الى سابين لتقول بتوتر
( أم من الافضل أن نعود لنستبدله بالوردي ..... ذاك الذى عليه كلاما أسودا وصورة قدم على الظهر )
ابتسمت سابين وهي تهز برأسها يأسا من تلك الحالة الميؤس منها .....امتثال .......ثم ردت بهدوءٍ مانعة نفسها من الضحك
( لا .... أعتقد أن الأخضر ملائم لعمره اكثر )
سكتت امتثال وهي قلقة خائفة ... فهذه الفرصة لن تعوض بقميصٍ اخر ..... لا بد أن يكون الأمثل ... ستمر فترة طويلة قبل أن يجلب لنفسه شيئا جديدا .... فعظم دخلهما معا يذهب معظمه الى علاج الصغير .... لذا لا مجال للرفاهيات ......
ولولا المكافاة الاستثانئية الضخمة التى منحتها سابين ... لم يكن ضميرها ليرضى بان تبتاع غير طلبات الاطفال ........
قالت امتثال لسابين بعد فترة ( لكن لمن ذلك الجهاز الذى ابتعتيه من محل لعب الاطفال...يا سابين )
ردت سابين بعد لحظة ( لابنتي ........)
اتسعت عينا امتثال وهي تنظر اليها وهتفت ( ابنتك ؟؟!!...... هل لديكِ ابنة ؟؟... أين هي ؟)
ردت سابين بهدوء وهي تتابع سيرها باسترخاء ( مع والدها ..........)
حاولت امتثال استيعاب تلك المعلومات الجديدة ثم قالت بقلق ( هل انتما ......... منفصلان ؟)
شعرت سابين بجرحٍ عميق انتشر في قلبها من تلك الكلمة التى تتهيا لها منذ اسبوع .....ثم ردت بصوتٍ لا تعبير له
( شيئا كهذا .......)
عبست امتثال اكثر ..ثم قالت بحيرة ( لكن متى انفصلتما ؟؟.....ومتى عاد من سفره ؟)
سكتت سابين للحظات ثم ردت بنفس الهدوء ( تلك الليلة التى وصلتك فيها البيتك .... عاد ليتصرف معي تصرفا آلمني للغاية , لذا أعتقد انه يفهمني أنها النهاية اخيرا )
وضعت امتثال يدها على صدرها وهي تنظر اليها بخوف .... ماذا فعل لها هذا المتوحش وهي تحمل طفلته ......
هدوء سابين لم يخدعها , استطاعت أن تشاهد الألم في عينيها للحظةٍ ثم اختفى ....... نقلت حقائب المتشتريات الى يدها الأخرى ..لتتعلق بذراع سابين بشدةٍ لتعطيها الدعم الذى تحتاجه .....
نظرت اليها سابين بدهشة ثم عادت لتنظر امامها وهي تضحك بتعب .....الا أن التعب تحول الى انكسار تام حين رأته ...... رأته أمامها على بعد عدة امتار .......كان ممسكا بيد تالا وهي تبدو واجمة .......
لم يرها الى الآن .. كان مشغولا بالتحدث الى تالا وكأنه يحاول أن يراضيها .....بينما هي تسير الى جواره دون أي حماس ....
توقفت سابين مكانها وهي تراقب .... زوجها وابنتها ...... على بعد عدة خطوات منها .......وكانت تالا هي أول من رأتها , حين اتسعت عيناها دهشة ثم هتفت بسعادة ( سااااابين .....)
ثم تركت يد والدها وجرت الى سابين لتحتضنها بشدة ... تأوهت سابين قليلا الا إنها ابتسمت وهي تربت على شعر تالا قائلة بحنان
( اشتقت اليكِ يا شريرة ........كيف حالك ,لماذا لم تهاتفيني بالأمس ؟؟)
رفعت تالا نظرها اليها وهي تقول بسعادة ( لقد نمت مبكرا .... لكن لم أتخيل تلك المفاجاة , كيف استطعتما أن تخفيا علي هذا اللقاء )
رفعت سابين نظرها بتردد الى احمد الذى كان واقفا مصدوما ..... عيناه تلمعانِ بشوقٍ لم يستطع اخفاؤه .....صدره يعلو ليأخذ نفسا محملا بنسماتها ......اثناء اقترابه منها ببطء ..... الى أن وصل اليها , وعيناه لا تحيدانِ عن عينيها الجميلتين .......
ظلا واقفين ينظرانِ الى بعضهما بصمتٍ طويل .... الى ان اقترب احمد منها ممسكا بذراعيها ليقترب وجهه من وجهها ببطء ..... نظرت اليه في هذه اللحظة بصدمة .... هل سيقبلها .... وفي اللحظةِ التالية كان فمه يقترب من وجنتها ليهبط قليلا مقبلا زاوية فمها ببطءٍ متعمد وبعد لحظةٍ وقبل أن يتركها ... انحرف فمه الى اذنها ليهمس ...(لم أرى رسالتك .....)
كلمة واحدة ..... مجرد كلمة ... بعثت بحنانٍ غادر تدفق الى أوردتها ...... لكنه لم يتعب نفسه في محاولة الاتصال او الاعتذار ....
1
احمد يعتذر ؟؟..... من تخدع .. انه من العند و المكابرة بحيث وصل الى درجةٍ مملة .......لكن على ماذا يعتذر لقد كتب لديها قائمة طويلة من الاشياء التى يجب أن يعتذر عليها ..... وهي الى الآن لم يصلها اعتذارا واحدا ........
ابتعد عنها ببطءٍ وهي تشعر بانها لا تريده ان يبتعد .... كم اشتاقت اليه ..... مهما حاولت الانكار .....لقد اشتاقت اليه وفعلت الأعاجيب لتراه الفترة السابقة وها هي تراه الأن ..... بالصدفة .........
ظلا ينظرانِ الى بعضهما في صمتٍ وعتاب ظاهرا على عينيهما .... حتى ان التوتر انتقل الى تالا.......... وامتثال ......... التى تشبثت بكم سابين تجذبها لتنحني اليها ثم همست في اذنها وهي تتطلع الى احمد بتوجس
( ما الخطة الآن يا سابين ؟....... هل تريديني أن اصرخ لأجمع الناس من حوله ؟؟......فقط اعطيني الاشارة وسنخرج من هنا وابنتك معنا سالمة )
14
نظرت اليها سابين بدهشةٍ .... قد تفعلها هذه المجنونة .....فهمست بسرعة وغضب ( اصمتي .......اصمتي تماما هل فهمتِ )
عقدت امتثال حاجبيها بشدةٍ وهي ترمق احمد بنظرةٍ شرسة تعلمه بها انها قادرة على الدفاع عن مخدومتها إن تجرأ و تصرف اي تصرف مشين .....بادلها احمد النظر وقد ظهر طيف ابتسامة تسلية على شفتيه ...... إن سابين لها القدرة على اجتذاب كل أنواع البشر بسحرها .........فها هو يجد كلا من تلك الشابة البسيطة على وشكِ النقضاض عليه وافتراسه .... وتالا التى ترمقه بغضب وهي تعلم انه يفسد كل شيء .... بالاضافة الى أمه التى لم تخاطبه الا على مضض منذ يوم اجتماعهم الاخير والذى انتهى برحيله ........
نقل نظره الى سابين والابتسامة الضعيفة تتراوح جيئة وذهابا على شفتيه .....وسابين ايضا بنفس المنظر ..... يريدان أن يبتسما لبعضهما .... يتمنيانِ النسيان والغفران ..... لكن كلا منهما يحمل الكثير من الجروح التي تسبب بها الآخر .......
كانت سابين هي أول من كسر هذا الصمت القاتل فقالت وهي تبعد نظرها عن عيني احمد متشاغلة باللعب في خصلاتِ شعر تالا .....
( اليوم عيد ميلاد تالا ......هل اعددتما حفلا ؟؟)
نظر احمد اليها باصرار لترفع عينيها وتواجهه الا انها لم تفعل ... فقال بصرامة
( لو كنا أعددنا لحفلٍ لكنتِ انتِ التى قمتِ بالتحضير )
رفعت عينيها اليه تنظر بقسوةٍ لم تخفي الالم وقالت بسرعة ( بأي صفة ؟؟........)
تطوعت امتثال للرد بقوة وهي تنظر الى احمد بشرسة ( بصفتك أمها بالطبع .......الا يكفي أنه يبعد ابنتك عنكِ ويؤذيكِ كما اخبرتني منذ دقائق )
11
اتسعت عينا احمد بدهشةٍ وارتفع حاجباه وهو ينظر الى سابين........التى أغمضت عينيها ونفثت نارا من شدة غضبها على تلك الحمقاء المتشبثة بها والتى تنطق بكل ما لا يجب أن يقال في هذه اللحظات الحاسمة
بعد لحظةٍ قال احمد بهدوءٍ خطير ( حسنا يا أم ابنتي المقهورة ..... إن كنتِ قد انتهيتِ فهيا لأقلك معي )
رفعت سابين ذقنها بغرور وهي تنظر اليه وقالت بقسوة ( شكرا .... أنا اتيت بسيارتي )
رمقها احمد بنظراته التى كادت أن تفتك بها ثم جذب تالا اليه وهو يقول بنفس الهدوء
( تالا ..... انتِ تكلمي ... أمك ترفض أن نقلها معنا )
امسكت تالا بكف سابين وهي تقول بلهفة ( سابين .... ارجوكِ تعالي معنا , او خذيني معك )
تنهدت سابين بغضب ... أن اخذت تالا معها فلن تستطيع ان تعيدها ... القيادة طويلة عليها مرتين ......إنه دائما ما يلجأ لتالا لتجبرها على الموافقة .....الن ينضج أبدا ........
زفرت سابين مدعية الاستسلام على مضض ..... بينما في الحقيقة قلبها يصرخ من السعادة لأنها ستبقى الى جواره ما لا يقل عن ساعة كاملة من الزمن ........
1
.................................................. .................................................. ........................................
بعد فترةٍ كانت سيارته تقف أمام بيته !!!!....... بعد ان وصل امتثال الى بيتها ... والتي نظرت الى سابين في تساؤل حذر ......فأومأت لها سابين بهدوء أن تذهب الى أطفالها ... بينما كانت تغلي غضبا منه ......
بعد أن أوقف احمد السيارة قال بدون مقدمات ( انزلي .......)
نظرت اليه بحدةٍ وهي تتمنى ان تقذفه باي شيءٍ ثقيل .....لكن وجود تالا ... وعدم وجود شيءٍ ثقيل في متناول يدها منعها ..... ابتسمت قليلا من افكارها .... فعاد احمد ليقول بفظاظة
(اكره أن أقاطع روحك المرحة في هذه اللحظة لكننا نريد أن ندخل البيت في خلال هذا اليوم .... من فضلك )
عقدت حاجبيها وهي تتوعده في نفسها ... لكن تورم قدمها والم ظهرها كانا يلحانِ عليها ان تدخل لتريحهما قليلا .....
نزلت بهدوء من السيارة .... لكنها لم تغفل عن فعل اكثر شيء ممكن ان يثير غضب احمد ..... وهو أن صفقت باب السيارة بكل قوتها
8
وقبل أن يصرخ بها احمد الذى توحشت عيناه كانت قد أمسكت بكف تالا المبتسمة لتدخل البيت بكل هدوء و إباء أمام انظاره الحانقة ......والمتمتعة بجمالها .........
ما أن دخلت سابين الى البيت حتى التفتت الى تالا وقالت وهي تلهث قليلا
( تالا ..... اتاخذيني الى غرفتك . لقد تعبت قليلا )
قال احمد من خلفها بحزم وهو يمسك بخصرها بيديه الدافئتين ( اذهبي أنت يا تالا ......أنا سأعاون سابين لتصعد لغرفتها وترتاح قليلا )
نظرت اليه سابين بغضب وقالت وهي تتملص من يديه التى بدأت تتحسس بطنها
( ليس لي غرفة هنا .......)
لمعت عينا احمد قليلا وهو يكاد ان يلتهم ملامح وجهها الشرسة ...... ثم قال بهدوء
( كفى عنادا ....هيا لتستلقي قليلا , سرير تالا صغير لك )
ارادت ان ترفض بشدة .... الا أن التعب كان قد هدها تماما فاختارت الاستسلام من جديد ......وما أن دخلت الغرفة الذكورية الأنيقة بالوانها التى يغلب عليها الأسود حتى اتجهت الى الفراش الواسع مباشرة وجلست عليه تتنهد بتعب ... ولحظة أخرى واخذت تتراجع الى أن استلقت على الوسائد خلفها مغمضة عينيها و قدميها على الأرض ..... لكنها شعرت بمن يرفع لها قدميها برفق لتستلقي باعتدال على الفراش .... ونفس اليدين تخلعان حذائها و تدلكانِ قدميها ..... الا أنها كانت في حالةٍ من غياب الوعي .... فلم تستطع حتى فتح عينيها ....لكنها استطاعت الشعور بيد دافئة تتلمس بطنها ..... وأخرى قوية تمسك بذقنها لتجذب وجهها الى شفتين قويتين دافئتين ..... اشتاقت الى شوقهما .........وكان هذا الشعور الحالم هو آخر ما تتذكره قبل أن تضيع في سباتٍ عميق .....
2
.................................................. .................................................. .......................................
استيقذت سابين على نسماتٍ صيفيه ناعمة تطل من النافذة المفتوحة ... ففتحت عينيها بضعف لتنظر الى الغرفة الغريبة عليها .....استقامت جالسة تنظر حولها .... وتذكرت انها جاءت مع احمد بمنتهى الضعف والاستسلام .......ما الذى أصابها لتكون ضعيفة الى هذه الدرجة امامه .....نهضت بغضبٍ من الفراش لتفاجا بانها ترتدي قميص نوم فضفاض أبيض يصل الى كاحليها ......لقد فعلها مرة أخرى ... فكرت بشراسة .... لا يراعي أية خصوصية لها ..... في المرتين كانت غائبة عن الوعي .......
3
تشعر الآن بالغضب الاحمق يهدد بالسيطرة عليها .......لكن فجأة ضرب راسها صداع عنيف حتى شعرت بذبذباته تنطلق من زاويتي عينيها ....فضغطت بكفيها على كلتا عينيها تتأوه بالم .......
( ساابين ....ماذا بك )
لحظات وكانت الذراعين القويتين تسندانها الى أن جلست على الفراش وهي تلهث بشدة ... هناك ضغطا في رأسها يكاد يغشي بصرها .... وأنفاسها تتسارع بشدة .....
تاوهت اعلى وهي تتمسك بذراعي احمد الذي سحبها الى الفراش مرة اخرى واستلقى بجوارها ممسكا بها بشدة ......ظل يهمس اسمها بقلق فوق جبهتها..... وحين حاول تركها ازدادت تشبثا به وهي تهمس بضعف
( احمد .....الالم يعصف برأسي , لا اتحمله ..... افعل شيئا ارجوك )
همس احمد بقلق ( سابين سأتركك لحظة لأكلم طبيبتك ..........)
صرخت سابين وهي تعاود تغطية عينيها و صدرها يتزايد علوه وهبوطه بشكل ملحوظ ......فضمها احمد اليه بقوة وهو يلهث قلقا .....قال بعد لحظة
؛( سابين حبيبتي ..... اهدئي قليلا , ستؤذين نفسك )
كانت دموعها تنهمر الان دون توقف على وجهها .......وقالت بضعف ( لقد آذيتني كثيرا ...... آذيتني اكثر من أي انسان عرفته )
2
اخفض نظره اليها بسرعةٍ وهو يسمع هذا الاتهام المتقطع الخارج من شفتيها المرتجفتين الما .......امسك وجنتها بيده الضخمة وظل يدلك لها جانبي وجهها برفق حتى يخف الم رأسها قليلا ثم قال يهمس
؛( سابين ..... سأتركك للحظةٍ واحدة حتى أتمكن من محادثة طبيبتك )
كانت الان قد بدات تبكي بهستيرية .... وكان تعب الفترة الماضية كلها قد حل عليها مخرجا كل العذاب الذى شعرت به ....ابتلع احمد ريقه بصعوبةٍ والرعب يكاد يمزق قلبه عليها .......
اقترب منها ليقبلها بارتجاف وهمس فوق شفتيها المرتعشتين الما وبكاءا ( سابين ...... ماذا تريدين اخبريني حبيبتي وسأجلب لكِ كل ماتحتاجين )
تأوهت اكثر وبكت أعلى وهي تغمض عينيها بشدة ثم صرخت باكية ( لن تعطيني أبدا ما أحتاج ..... لن تستطيع )
ضمها اليه بقوةٍ وهو يشعر بانه على وشكِ الانهيار من رؤيتها بهذه الحالة الغريبة والتى من المؤكد ستؤذيها..... همس في اذنها
( اخبريني ....... فقط اخبريني )
اخذت تبكي وتشهق في صدره عاليا متشبثة بقميصه من شدة الألم الذى سيفجر رأسها ......ثم صرخت بضعف واستجداء
( أريد ...... أريد .....أريد أن أكون كامتثال )
13
جمد في مكانه لحظة وهو ينظر اليها بحيرة .... هل هي تهذي ؟..... يالهي ... هل وصل بها الألم الى حد الهذيان .... فقال بغباء يحاول استيعاب ما تقوله ....
( هل تريدين تنظيف البيت بنفسك ........افعلي ماتريدين حبيبتي , أنا لن أمانع ابدا ... أنت سيدة هذا البيت )
27
صرخت وهي تضرب صدره بقوة وقد بدأت تفقد السيطرة على لسانها السليط الذى كان قد تعود الاحترام الفترة السابقة ......أمسك احمد بمعصميها بقوةٍ ورفعهما أعلى راسها مثبتا اياها على الوسائد من خلفها ......وصرخ في وجهها بشدة
( سابين ..... توقفي عن ذلك , إنكِ تضاعفين الم رأسك )
اخذت تبكي أمام عينيه وقد شعرت لاول مرة انها اصبحت مكشوفة له تماما بعد أن عرت روحها اليه بهذه الطريقة .... الا إنها فقدت القدرة على التمثيل .....أرادت أن تكون سابين الموجودة بداخلها لأول مرة ..... لا تلك التى كانت تحاول النجاة بها دائما ......
همست تلهث ببكاءٍ مرير ( أريدك أن تثق بي ......أريدك فقط ان تثق بي , لم يهمني رأي مخلوقٍ من قبل ........الا أنت )
7
اخذت تبكي بشدة حتى بدأت تهدا بصورة مرعبة الى أن غابت عن الوعي تماما .....بعد ذلك ... كان ماحدث عبارة عن أصوات متشابكةٍ رحلةٍ طويلةٍ في سيارة ..... هتافِ أشخاص ....أحدا يمسك ذراعها ويدس شيئا حادا بها .....بكاءٍ ناعم .......انها حلا او سما .....
شخص يقرأ آياتٍ قرآنية بجوارها ....يدٍ تمسك بيدها ...همس وصل الى اذنيها ......سلمها من كلِ شرٍ يا رب العالمين ...... احفظها لي ولطفلتينا .....
بعدها غابت عن الوعي عدة مرات .... لتعود كل مرةٍ بسماع اصوات مختلفة .... لقد انخفض الضغط .... الان هي الفرصة الوحيدة لتتم الولادة .....لا .... لا .... إنها لا تريد الولادة الآن ...... لم يأتِ موعدها بعد , سينتزعون طفلتها انتزاعا ..... استطاعت الهمس بضعف
(لا .... لا .... لا أريد الولادة الآن .........)
شعرت بيدٍ رقيقة تربت على كتفها وصوت الطبيبة تقول لها ببطءٍ ووضوح لتستطيع سماعها
( سابين .... لقد انساب الماء المحيط بالطفلة , دون ظهور أعراض الولادة ..... لذا لا بد من أن نخرجها الآن ... لقد انتظرنا الى أن انخفض الضغط )
اخذت سابين تبكي وهى تهز برأسها نفيا .....الى أن اقترب منها احمد ليمسك يدها بقوةٍ ويضع جبهته فوق جبهتها ......ثم همس باختناق
( اصمدي قليلا حبيبتي .......من أجل طفلتينا )
هدات سابين قليلا لكنها ظلت تبكي بصمت وهمست ( تالا .....)
1
أومأ احمد فوق جبهتها وهو يهمس بضعف ( نعم ...... تالا تحتاجك و تلك الصغيرة التى ستسمينها بنفسك ......وأنا أحتاجك قبلهما فاصمدي من أجلي حبيبتي )
اغمضت عينيها بوهن واراحت راسها الا انها سمعت صوت احمد وهو يسال الطبيبة بصوتٍ لا يشبه صوته
(هل من الصواب ان تجري جراحةٍ وهي في مثل هذه الحالة ......)
( لن نستطيع ترك الطفلة اكثر بعد ان فقدت السائل المحيط بها ..... كما ان سابين انخفض ضغطها واخشى ان يرتفع مرة اخرى وقتها سيكون من الخطورة اتمام الولادة )
اخذت سابين تتوه قليلا ثم تعود .....تشعر بمن يلبسها شيئا غريبا .... تسمع صوت احمد يقول بصلابة (سادخل معها .......)
صوتا اخر يقول (غير مسموح ..... من فضلك انتظر بالخارج )
ها قد بدا الشجار بين احمد وبين أحدٍ ما يريد اخراجه ....لم تستطع منع نفسها من الضحك بوهن شديد
(ساابين ....) وصلتها همسته ولمسة يده وهو يقترب منها بوجهه ذو النفس الدافىء الذى يلامس وجنتيها ... همس لها بلوعة
(هل أنتِ متيقظة حبيبتي .....افتحي عينيكِ وانظري لي )
فتحت سابين عينيها بصعوبةٍ شديدة فطالعها وجهه القوى يكاد يلامس وجهها ... في عينيه مشاعر غريبة لم ترها منه من قبل ....ابتسمت بضعف ... ورفعت يدها لتتلمس فكه القوي ... فاطبقت يده على يدها ليطبع شفتيه على راحة كفها بقوةٍ كادت أن تكسر عظام أصابعها الرقيقة ......تترك شفتاه كفها الآن لتنتقل الى أذنها ويهمس
( سأنتظرك .... لاتتأخري هنا حتى لا اقتحم المكان مطالبا بأم أطفالي .... هل فهمتِ ؟؟)
ضحكت سابين بتحشرج وهي تومىء برأسها ودموعها غير قادرة على التوقف ..........بعد ذلك اصبح كلِ شيءٍ ضبابي أمامها ....الى ان غابت عن الوعي تماما .......
كم مر من الوقت .....يبدو كدهرٍ من الزمن .... إن لم يخرجوها حالا من الغرفة الكئيبة سيدخل ليقتحمها ..... يااارب .... يااارب احفظها ... لقد شعرت بمرارة الفقدان من قبل .... يا رب لا أعترض على قضائك .......لكن لا راحة الا باللجوء اليك ......
احفظها من أجلي ومن أجل ابنتي يا أرحم الراحمين ....
شعر احمد بأنه على وشكِ الانهيار ....لم تأخذ ولادة ليال كل هذا الوقت .... ماذا يفعلون بالداخل كل هذا .........أفاق من شروده على كف أمه الحانية وهي تربت على كتفه هامسة ( لا تقلق حبيبي ... باذن الله ستكون بخير هي والطفلة )
نظر احمد الى أمه فتره بعينين حمراوين بلون الدم ثم قال باختناق ( إن حدث لها شيء ..... لن أسامح نفسي أبدا , أنا لم أعطها أبدا الفرصة التي كانت تستحقها ......كل من عرفها عن قرب فهمها جيدا ... الا أنا , وقد لا تأتي الفرصة لأقول لها هذا )
فتحت اميرة فمها لتنهييه عن هذا التشاؤم لكن خروج الطبيبة منعها من الكلام .......والتى اثار خروجها هجوم الجميع ... سما وحلا .. يليهم فارس وادهم .... لكن في المقدمة كان احمد يندفع الى الطبيبة بلهفةٍ سائلا عن حال سابين ..... فابتسمت وهي تطمئنه عن أن الولادة سارت على أكمل وجه ......وأن بعد دقائق بامكانهم الذهاب لغرفة الرضع لرؤية الصغيرة المحاربة .......
ذهب الجميع بعد ان استقرت سابين في غرفتها .... بينما ظل احمد بجوارها ممسكا بيدها وهي ترتجف بشدةٍ بعد افاقتها ... كانت تتاوه و دموعها تنساب من شدة الام الذى افاقت عليه ....كانهم مزقو معدتها بنصلٍ حاد شر تمزيق ......اقترب منها احمد يتلمس وجهها برقة يخبرها ان المسكن حالا سيهدىء الالم وانه لن يذهب الى اي مكانٍ حتى تخرج معه .......همست تبكي
( أريد المزيد من المسكنات..... لا أحتمل الألم )
ضحك احمد قليلا وهو يهبط برأسه ليقبلها بقوةٍ ليمنحها كل المسكنات التي تحتاجها ... تاوهت سابين حين ضغط عليها وهتفت بحنق
4
( ابتعد يااااا احمد .....بطنييييي ) فابتعد على الفور وهو يعتذر بلهفة ... قالت سابين بسرعة
1
(اين طفلتي ؟........) ضحك احمد وعيناه تتدفقانِ حبا غير موصوف ثم قال مختنقا ؛( لم أرها حتى الآن ... الجميع ذهب لرؤيتها , الا أنني سأراها حين تأتِ الى هنا ..... لنراها لأول مرةٍ معا )
فتحت عينيها تنظر الى ذلك المخلوق الضخم الخشن والذى ينظر اليها الآن بعينين تفيضانِ حبا .... هل تلك الصغيرة المحاربة هي التى ستعيده اليها ........هل لهما فرصة معا .......
بعد فترةٍ كانت الممرضة تدخل الغرفة مبتسمة تجر معها فراشا صغيرا ......يحتوي زهرة بيضاء ذات شعرٍ كثيفٍ اسود كجناح الغراب
شهقت سابين بصمت ... بينما تناولها احمد برقة وعيناه تتلالان حبا ودموعا ......قربها منه ليقبل وجنتها المخملية ثم همس الله اكبر في اذنها .....همست سابين بلهفة ( أريد أن أحملها .......)
ساعدها احمد لتستقيم قليلا برفق ثم ناولها الصغيرة بين ذراعيها وهو يسند ظهرها بذراعه ....ضمتها سابين الى حضنها بلهفةٍ وهي تنظر الى عينيها اللتين فتحتا الآن ....إنهما داكنتين كسطحي فنجانين قهوة .......همست سابين تناجيها بانبهار ( مرحبا .......)
سألها احمد مبتسما يهمس حتى لا يفسد تلك اللحظة (ماذا ستسمينها ؟.......)
لم تنظر اليه سابين بل ظلت تنظر مبهورة الى تلك الصغيرة التى تكاد تقسم أنها تبادلها النظر بمنتهى التركيز ......همست أخيرا
( أنت سميها .......) نظر اليها احمد بدهشةٍ هو يسأل ( أهذا ما تريدينه ؟..... متأكدة ؟؟)
أومات سابين دون أن ترفع عينيها عن الصغيرة ..... فقال احمد بعد فترةٍ ( سأسميها اذن تميمة .... فهي تميمتي الصغيرة )
9
نظرت اليه بدهشة ... وقالت بصدمة ( ماذا ؟؟ .... تميمة ؟؟... كنت أعلم أنك ستفسد الأمر ؟؟)
9
ضحك احمد وهو يشدها الى حضنه اكثر وهمس ( انظري اليها .... اليست تميمة ؟؟)
نظرت سابين الى الصغيرة المحدقة بانتباه .... فضحكت هي الأخرى وقالت ( نعم ...... نعم إنها تميمة .... فلتكن اذن تميمة )
.................................................. .................................................. ..............................................
في نهاية اليوم وبعد أن بقى الجميع ضاحكين سعداء بعد تلك الفترة العصيبة التى مرت عليهم .... أصرت عليهم سابين أن يذهبو جميعا ليرتاحو قليلا ......وبقي معها احمد بعد أن ودع تالا التى كانت من السعادة و الانفعال بحيث كانت تضحك وتبكي في نفس الوقت ....
اقترب منها احمد ببطء بعد أن أخذت الممرضة الطفلة وخرجت ......فجلس بجوار فراشها وبدون أي مقدمات التقط وجهها بين كفيه ليقبلها بقوةٍ ثم همس ( لقد تسببتِ لي في رعبٍ اليوم لم أشعر به في حياتي ... أيتها الحمقاء )
عبست في وجهه وضربته على ذراعه وهي تقول بحدة ( هل هذه هي فكرتك عن الكلمات العاطفية .........)
1
ضحك احمد وهو يضمها باحتراس قائلا بسعادة (وما الذى تعرفينه أنتِ عن العواطف ..... يا مجنونة )
نظرت اليه طويلا .... هل هذه هي بداية لهما ...... أتكون بالفعل ..... لن تجرؤ أن تساله ..... تريد أن تعيش الايام المقبلة بكل ما ستحملها لهما معا .......
فتح باب الغرفة فجأة بحركةٍ مسرحية ......وأطلت عشرات البالونات الملونة والمنفوخة بالهيليوم ......ثم تلاها وجه عمار المبتسم ..فاردا ذراعيه وهو يقول بصوتٍ عالٍ
(أين هي تلك الوالدة الجديدة المثيرة........)
19
أغمضت سابين عينيها .... يالهي .... لم تمر لحظات على تفكيرها بالبداية .... وها هو الأحمق يوشك على أن يكتب حروف النهاية بنفسه .......
سكت عمار حين فوجىء برؤية احمد في الغرفة .......فقال بفتور واضح ( والوالد أيضا هنا ...... ياللسعادة )
5
تشنج جسد احمد وتقلص عضلاته أخبر سابين أنه على وشكِ النهوض وافتعال فضيحة ستذكرها هذه المشفى لسنوات عديدة لاحقة .... فامسكت بيده بقوةٍ قائلة بحزم .... دون أن ترفع عينيها عن عينيه
(الن تهنىء احمد يا عمار ........)
أخذ عمار نفسا عميقا ثم وضع البالونات من يده وتقدم الى احمد مادا يده وهو يقول ( الازلت لا تفضل المصافحة ؟...............)
نهض احمد على مضض ثم امسك بيد عمار الذى جذبه فجاة ليهمس في اذنه ( لا تعتقد انني نسيت لكمتك ..... واعدك بان اردها لك )
4
لف احمد وجهه اليه ليهمس هو الاخر (لما لا نخرج الآن الى أي مكان لتريني ما تستطيعه ...........)
همس عمار ( ليس الآن ........لكن أعدك بيومٍ قريب )
1
ابتعد عمار مبتسما بسعادة وهو يربت على ذراع احمد مهنئا بزيفٍ واضح ...... ثم اقترب من سابين مادا يده اليها , لكن نظرة احمد أخبرتها أنها ستكون في عداد المفقودين إن تجرأت ومدت يدها ..........
نظرت سابين نظرة معتذرة الى عمار ... الذى سحب يده غامزا لها دون أن يراه احمد .......
1
فكرت سابين ...... إن عمار هذا يهوى التلاعب بالنار ..... وإن عرف احمد ما عرفته هي عن اقترابه من دارين فستكون كارثة فوق رؤوسهم جميعا .......
.................................................. .................................................. ............................................
بعد شهرين .....
كان احمد واقفا خارج غرفة تالا بعد ان نامت تميمة بمعجزةٍ بين ذراعيه اخيرا .......كان مستندا الى الحائط مبتسما مكتفا ذراعيه وهو يستمع الى سابين المستلقية بجوار تالا ..... تحكي لها قصة ارتجالية من وحي خيالها المبدع ......كانت قصةٍ غريبة عن مجموعةٍ من التنانين و السحرة و أيضا هناك عروس بحرٍ لكن دون بحر ...... تعيش معهم على الارض ......لقد اغفلت سابين هذه النقطة .......
ظلت سابين تحكي وتالا تضحك بمرح ..... الى أن قالت سابين في النهاية ( وها قد تزوجت عروس البحر من التنين .... بعد أن اكتشفا أنهما من نفس الفصيلة )
قالت تالا بمرح ( عروس البحر ليست من فصيلة التنانين إنها من الاسماك)
نظرت اليها سابين بحنق وهي تقول
(وماذا عن التنين اذن ؟.........إن ظللت تدققي في كل نقطةٍ بهذه الطريقة فلن أحكي لكِ قصة أخرى أبدا ...... هل فهمت ؟؟الآن هيا الى النوم لديك مدرسة مبكرا )
قبلتها سابين ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب لتجد احمد واقفا أمامها .......نظرت اليه بأمل وقالت ( هل نامت ؟؟؟........)
ابتسم دون أن يجيبها لكن بريق عينيه أخبرها الإجابة ..... اقترب منها ليحملها بين ذراعيه مرة واحدة وهو يقول بشغف
( أحبك ........يا أم البنات )
ابتسمت وهي تحيط عنقه بذراعيها وهمست ( أحبك ..... يا أبا البنات )
دخل بها أى غرفتهما متمنيا من كل قلبه الا تستيقظ الصغيرة الساعتين التاليتين ..... فلديه الكثير ليتباحثه مع أمها ........
↚
أوقف سيارته السوداء المكشوقة بحركةٍ مفاجئة مصدرة صوتا عالٍ اثار انتباه كل من حوله أمام مدخل الكلية .... ثم ترجل منها بحركةٍ مغرية مدروسة وهو يرى من تحت نظارته السوداء ... نظرات الإعجاب من حوله ... وفتياتٍ يحملن المعاطف البيضاء ينظرن اليه بعضهن باعجابٍ صارخ بينما الأخريات ينظرن بحنقٍ من مظهر العبث المنبعث منه .........
سار متمهلا متقصدا امام طبيبات المستقبل الصغيرات وهو يتسائل عن سبب ازدياد جرعة الجمال لدى الطبيبات عنها حين كان يتم علاجه .....أم أنهن كن جميلاتٍ أيضا؟؟ .......ابتسم لأحدى الطالبات والتي تطوعت أولا باهداؤه ابتسامة اعجاب ... ثم أكمل طريقه
الى حيث تقف سما ......أراد أن يفاجئها اليوم بينما هو يعلم جيدا أنها لا تحب حضوره الى كليتها ... ابتسم بخبث وهو يعرف سر حنقها ... من المؤكد أنها تغار عليه من زميلاتها الجميلات .........مسكينة سماؤه الصغيرة ..... أنها لا تجيد التعامل مع عالمه الجديد الى الآن ..... لا تستطيع تقبل نظرات الإعجاب من حوله ...... طالما أنه يخفي عينيه العليلتين بنظارته السوداء فهو يبدو بمنتهى الوسامة .... ليس غرورا لكنه الأمر الواقع ...... فنظرات الفتيات تغمره من رأسه الى قدميه أينما ذهب .......لقد عاد فارس مهران .......فكر بهذه الفكرة التى تجعله يشعر بابتهاج خبيث كلما طرأت بباله ...........
كان يسير متمهلا مبتسما بخيلا .... الى أن توقف فجأة مكانه .....ظل متسمرا وقد تصلب وجهه وبدا وكانه قد نحت من حجر ......فعلى بعد أمتارٍ عديدةٍ منه , كانت سما واقفة تحمل كتبها الثقيلة و معطفها الأبيض على ذراعها .... تستمع بانتباه كلي لما يبدو أنه طبيبا نوعا ما ..... رجلا ضخما ذو عضلاتٍ قوية يكاد أن يخفيها بحجمه .....خشن الملامح صلب الهيئة وذو لحيةٍ صغيرة تحيط بفمه في أناقة و رجولة ......كان يتكلم باهتمام مقطبا جبينه وكأنه لا يرى تلك الجميلة الواقفة أمامه ... بل أن كل تركيزه منصب على ذلك الحوار الذي يأسرها به لتستمع اليه بكل هذا الإنتباه ......
رفع فارس نظارته السوداء عن عينيه وهو ينظر اليهما بشراسة .... ثم أخذ يقترب منهما متمهلا الى أن لمحته سما ..... إن كان توقع أن يرى الحماسة في ملامحها لرؤيته فقد خاب توقعه الآن ..... فسما عبست قليلا وهي تنظر اليه بعينين تلمعانِ حنقا من تطفله عليها....
وصل فارس اليها فلاحظه الطبيب الواقف معها فسكت عن الكلام وهو ينظر اليه متسائلا .... الا أن فارس ظل صامتا لعدة لحظات وهو يرمقه بنظراتٍ شرسه و أن كانت النظرات تقتل لكانت أردته قتيلا الآن .......
كانت سما هي من أبتدات بقطع هذا الصمت القاتل فقالت بصوتٍ حاولت قدر الإمكان مدراة الغضب بداخله ......
( دكتور اسلام ..... أعرفك بفارس ....... زوجي )
نطقها لكلمة زوجي اثارت غضب فارس للغاية ... فقد نطقتها بصوتٍ خافت قليلا و كأنها تخجل منها ..... من المفترض أن تشعر بالزهو لأنها زوجة فارس مهران .... لا أن تقولها بهذه الطريقة المحرجة ......
تابعت سما تقول لفارس بغيظٍ لم يلمحه الا هو ( فارس ....... أعرفك النائب اسلام )
أحنى الطبيب المجاور لها رأسه لفارس في تحيةٍ جوفاء زادتت من غضبه اكثر واكثر ..... ثم عاد الصمت ليسود وكأنهما ينتظران منه الانصراف .......
قال فارس في حدةٍ مفاجئة ( سما ..........هيا لننصرف .......)
عقدت حاجبيها وهي تنفث حمما من فمها الغاضب ..... لكنها آثرت السلامة فالتفتت الى الطبيب مبتسمة باعتذار وهي تقول برقة لم تمنحها لفارس منذ أن وصل
( اعتذر بشدة دكتور ......لابد لي من الانصراف , لدينا موعدا هاما )
ابتسم الطبيب لها برقة وهو يقول بهدوء ( لا عليك سما تفضلي ..... لكن لا تنسي ذلك التقرير )
أومأت برأسها مبتسمة ثم مدت يدها اليه تنوى مصافحته الا أن فارس مد يده بسرعةٍ ليلتقط يدها الممدودة و جرها خلفه بعد أن ابتسم للطبيب ابتسامة باردة تعتبر تحيه غبية .......
ظلت سما تسرع الخطا خلفه وهي تشعر بانها على وشكِ الانفجار من شدة غضبها على فظاظة فارس و احراجه لها أمام استاذها ....
جذبت يدها من يده بعنف و وقفت مكانها بصلابة ... فتوقف مكانه ليستدير اليها متسائلا بغضب الا أنها لم تمهله ليسأل بل سألته بحدة
( ما الذى أتى بك يا فارس ؟؟..... كم مرةٍ أخبرتك أنني لا أريدك أن تأتي الي هنا ؟؟ أنت تحرجني بمظهرك و تصرفاتك )
اتسعت عيناه قليلا وهو ينظر اليها .... يحرجها ؟...... بمظهره وتصرفاته ؟؟!!...........شعر بأنه على وشكِ ارتكاب جريمة لذا حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ضاغطا على أسنانه ....
( هيا للنصرف الآن وسيكون لنا حديثا آخر في البيت ............ثم من هذا الذي كنت تقفين معه هذه الوقفة الوقحة وحدكما )
جاء دورها لتتسع عيناها هي الأخرى ثم قالت بغضب
( وقفة وقحة ؟؟؟!!..... إنه استاذي ... وكنا نتكلم في أمورٍ أنت بالتأكيد لن تفهمها مهما حاولت )
ازدادت شراسة عينيه و كاد أن يبطش بها ... الا أن ما منعه هو اقتراب فتاة جميلة لا يتجاوز عمرها التاسعة عشر .....تحمل أيضا معطفها الابيض وتتهادى بدلالٍ من سما الى أن وقفت بجانبها دون أن ترفع عينيها عن فارس ........ثم قالت وهي تبتسم باغراء
( مرحبا سما ......عفوا لم اقصد مقاطعتكما )
التفتت اليها سما بشراسة وهي تلمح نظرات الاعجاب الفجة المتجهة الى فارس ... كما لاحظت أيضا بطرف عينها فارس وهو يسارع بتغطية عينيه بنظارته السوداء ..... ليخفي اثار التعرجات المحيطة بهما و ليبدو اكثر وسامة ........
شعرت سما بقلبها ينبض غضبا فلم تتمالك نفسها وهي تنظر الى زميلتها الصغيرة وتقول بحدةٍ واضحة
( مرحبا زهرة ....... لم تقاطعينا أبدا , أعرفك على زوجي فارس ....... فارس , زهرة زميلتي في نفس العام الا أنها تصغرني بأربعة أعوام ......أي أنك لو كنت قد تزوجت في سنٍ أصغر قليلا كان من الممكن أن يكون لديك ابنة في مثل طولها .......إنه في الخامسة و الثلاثين يا زهرة ..... أتصدقين هذا ؟؟..... اقدر دهشتك فأنا أعرف أن فارق العمر بيننا لا يستهان به )
شعر فارس في هذه اللحظة انه على وشكِ ان يقتلها بالفعل وهي تحرجه بهذه الطريقة أمام تلك الفتاة التى احمرت خجلا و احباطا بالرغم من عدم زوال الاعجاب من عينيها ......ثم قالت لسما بصوتٍ مغرٍ هامس و محبط
(يناسبه العمرتماما يا سما .........)
التفتت اليها سما بشراسة و هي ترغب في ضربهما معا ....... دائما ما يجلب معه الاحراج والاستفزاز كلما جاء الى هنا .....
قالت سما بفظاظةٍ لا تناسبها ( هل كنتِ تريدين شيئا يا زهرة ؟...........)
ارتبكت زهرة قليلا وهي تحاول تذكر الحجة التى أتت بها لتكلم سما فلربما عرفتها على من كانت تظنه شقيقها الأكبر .... لتفاجأ بأنه محجوز .....فقالت متلعثمة
( كنت أريد ..... دفتر المحاضرات الخاص بك و سأعيده اليك غدا )
أخرجت سما الدفتر من بين كتبها ثم دفعته بفظاظة بين يدي زميلتها وهي تقول بجفاء
(تفضلي ......... اياكِ و اضاعته او افساده ... لقد تعبت كثيرا في تسجيل ما فيه ..... و أرجو منكن أن تبدأن في كتابة دفاتركن الخاصة ..... لأنني لست المسؤولة عنكن .... كلكن تضيعن وقتكن و أنا الوحيدة التى تقوم بعمل كل شيء لتأخذنه على الجاهز )
عبست زهرة في وجهها و هي تقول تصفها في نفسها بكلماتٍ من المؤكد لن تعجبها .....بينما تطوع فارس ليسحب سما من ذراعها وهو يومىء مبتسما رغما عنه للفتاة الحانقة ......
حاولت سما أن تجذب ذراعها من يده الا أنه تمسك بها اكثر هذه المرة .... الى أن وصلا الى سيارته فركبت حانقة و صفق هو الباب خلفها بغضب ....
انطلقت السيارة بقيادته الحمقاء و التى بدأت في اعتيادها بعد أن يأست من محاولة الزامه بالقيادة الهادئة ......قال بعد فترةٍ و بعد أن هدأ غضبه قليلا
؛( كنت أعرف أمثالك اثناء دراستي ..........)
التفتت اليه بحدة وهي تهتف بلهجةٍ منذرةٍ بالشر ( أمثالي !!!!......)
نظر اليها بطرف عينه ثم عاد لينظر الى الطريق و هو يقول بهدوء مستفز
( نعم .... الذين يأكلون الكتب أكلا , و يشعرون بأن من يأخذ شيئا من ملخصاتهم وكأنه اخذ قطعة من قلبهم )
عقدت حاجبيها بشدة بينما احمر وجهها وازداد غضبها لدرجة انها شعرت باقتراب تفجر دموعها لكنها استطاعت أن تقول بصوتٍ مختنق
( لمجرد العلم فقط .... أنا اساعد الجميع , حتى أنهم بدأو في استغلالي بعض الشيء .... لذا من فضلك لا تبدي ملاحظاتك السخيفة , ثم ما أدراك بالدراسةِ أصلا ؟..... أراهن ان سنوات دراستك كان المفهوم العلمي لها هو عدد الفتيات الاتي أوقعت بهن خلال هذه السنوات )
لم يجبها .... الا أنها شعرت بأنها أوصلته لحافة غضبه بالفعل .... واخذت نفسا عميقا وهي تراه يزيد سرعته اكثر و اكثر ..... ارتجفت بشدة من سرعته الجنونية ... ثم قالت بجفاء تحاول امتصاص غضبه قليلا
( لماذا جئت اليوم ؟...... ولما لم تخبرني قبل أن تأتي )
لم يجبها للحظات ... وظل يقود مراقبا الطريق بغضب , لكنه قال بقسوةٍ بعد فترة
( أردت أن افاجئك و أصحبك لتناول الغذاء في الخارج ...... )
تنهدت مرتجفة وهي تشعر بقلبها الضعيف يحن اليه ثم قالت بصوتٍ خافت ( الى أين سنذهب ؟..........)
اجاب بكلمةٍ قاطعة ( الى البيت ........) فتحت عينيها وقالت برجاءٍ ضعيف ( الم تقل ........)
قاطعها بقسوةٍ ( غيرت رأيي ...... أنت لا تستحقين شيئا , سنذهب الي البيت و سامنحك نصف ساعة فقط لأرى الطعام جاهزا أمامي )
عبست مرة اخرى ثم قالت بغضب ( لن أحضر شيئا ........ لست طفلة لتعاقبني )
نظر اليها بغضب ثم قال بصوتٍ مهدد ( سنرى هذا حين نصل ........)
ابتلعت سما ريقها وهي تنظر من نافذة السيارة تسال نفسها عن السبب التافه الذى جعلها تسعى لاستفزازه الى هذه الدرجة .... لم يكن حضوره يستحق كل هذا الغضب ...........
حين وصلا الى بيتهما ....سارعت سما للصعود وقد بدات تشعر بفقدانها دفعة الشجاعة التى كانت تكلمه بها منذ قليل..........سمعته يصفق الباب بعد ان دخل ... وقبل أن تهرب هي الى غرفتهما كان يقول بصرامة
( سماااا ......)
تسمرت مكانها دون ان تلتفت اليه ..... ماذا تفعل الآن ....لقد أثارت غضبه الغبي وقد حدث ما حدث .........ظلت واقفة و قد استبد بها الخوف رغما عنها و هي تسمع خطواته تقترب منها الى أن وقف خلفها مباشرة
ثم قبضت يداه على ذراعيها لتديرها ناحيته بقوة فأخفضت رأسها لا تريد أن تنظر اليه ..... لكن صوته صدمها حين قال بقوة
( انظري الي ..........)
ارتجفت قليلا الا أنها رفعت رأسها ببطء لتنظر اليه دون أن تظهر خوفها ... فتطلعت الى عينيه القاسيتين وهما تنظرانِ الى عينيها طويلا ...... ثم قال بلهجةٍ خطرة
( اذن فأنا احرجك أمام زملائك بمظهري ..........)
عادت لتخفض راسها وقد فقدت قدرتها على ادعاء الشجاعة .. همست مرتجفة (لم أقصد بهذا الشكل .....)
الا أن فارس تابع يقاطعها بنفس الصلابة
( وأنا لن افهم ما كنتما تتحدثانِ عنه مهما حاولت .........)
تخبط قلبها بين ضلوعها وعضت على شفتيها وهي ترفض النظر اليه .. بينما تابع مجددا
( وأنا مفهوم سنوات الدراسة عندي يتمثل في عدد القتيات الاتي أوقعت بهن .........)
أغمضت سما عينيها و مستمرة في الاطراق برأسها رعبا ..... ماذا دهاها لتهاجمه بهذا الشكل لمجرد أنه أتى اليها ........استطاعت أن تتفوه بضعف
( وأنت قلت انني ممن يأكلون الكتب ومن يأخذ منهم شيئا يكون كمن اخذ حياتهم ..........)
قاطعها قائلا بهدوء ( قطعة من قلوبهم ........)
رفعت سما عينيها الجميلتين الخائفتين تنظر اليه وهي تسال بحيرة ( ماذا ؟؟........)
قال فارس بهدوء ( قلت قطعة من قلوبهم ... وليست حياتهم .... هكذا كنا نطلق عليهم ... أكلة الكتب )
زمت سما شفتيها بغضب الا انها لم تجرؤ على التفوه بكلمةٍ حتى لا تزيد من غضبه المرعب ...... شعرت بوجهه يقترب منها اكثر حتى لامست انفاسه عنقها فعادت لتغمض عينيها تجاه موجة الشوق المعتادة التى تصيبها ما أن يقترب منها
سمعت صوته يهمس بحزنٍ معاتبا بأنفاسه الدافئة ( هل أصبحت أحرجك الآن يا سما ؟...........لم تشعريني يوما بهذا قبل أن أستعيد بصري )
زفرت نفسا مرتجفا و هزت راسها نفيا وهي غير متيقنة مما تنفيه حقا ..... لقد آلمته ...... لقد جرحته و يظهر هذا بوضوح في صوته
همست بضعف
( أنت لا تحرجني ..... ولم تحرجني يوما , لا زلت غير معتادة على تلك الهالة المحيطة بفارس مهران ...... لست معتادة على الانتماء الى فارس مهران ...... اعتدت دوما على انتماء فارس لي ..... انا خائفة ..... خائفة جدا يا فارس من أن يأتي يوما .........)
وضع اصبعه على شفتيها قبل أن تكمل ما كانت ستقوله .... فابتلعت كلماتها وهي ترفع عينيها اليه لتذوب في سحر عينيه المجعدتين
لكن في عينيها هي ... لم ترى عينين أجمل منهما يوما .....
أحاط فارس وجهها بكفيه ليرفعه اليه ......و ذاب هو الآخر في عينيها السماوتين ثم قال بصوتٍ خنقه الشغف بسماؤه
( ومن كان فارس مهران قبل ياسمينا ؟.......ومن سيكون بعدها ؟..... )
لمعت عيناها بالدموع الماسية ...ولم تستطع النطق طويلا ... من ستكون سما بدون فارس .....لم تكن هناك ياسمينا قبل فارس .....
تشعر أنها ستظل دائما تحيا خوف الشبح المسيطر عليها منذ سنوات ... رحيل فارس بعيدا عنها .....
ابتلعت تلك الغصة التى تخنق حلقها ثم قالت بتعثر و اختناق
( اذن ..... هل ستصحبني للغذاء أم ماذا ؟.......)
ابتسم ببطء شبه ابتسامة شيطانية ثم مد إصبعه الاسمر ليمسح دمعة تعلقت عند زاوية عينيها ......وهو يهز رأسه نافيا
عقدت حاجبيها وهي تراه مصرا على معاقبتها فابعدت إصبعه عن بشرتها الناعمة و قالت بغضبٍ طفولي
( حسنا .... ابتعد عن طريقي , نصف ساعة و سيكون طعامك جاهزا )
لكنه لم يبتعد .. بل أمسك بخصرها بيديه القويتين و ابتسامته تزداد اتساعا بينما نظراته تزداد عبثا وهز رأسه معترضا مرة أخرى
تلوت سما تريد الفكاك من بين يديه المحكمتين على خصرها وهي تقول بغضب
( ابتعد يا فارس ..... إن كنت تظن أن اسلوب معاقبتي هذا سيجدي فأنت مخطىء )
لكنه شدها بقوةٍ لترتطم به ثم عاد ليقترب من وجهها ليهمس فوق فكها
(بل اعتقد أنه سيجدي جدا يا سيدة سما ....... و سأريك بنفسي )
كانت تبتسم دون إرادة منها بينما حاجبيها معقودانِ غضبا وهي مستمرة في مقاومته ....وكان هو يفكر مبتهجا ... كم تبدو شهية وهي تفقد القدرة على مقاومة انجذابها اليه حتى في لحظات غضبها منه ....
بعد فترة طويلة و بعد أن تجاوزا فترة الغذاء ليتحول الى عشاء كانت سما تعده في المطبخ ...... كان فارس جالسا على حافة الفراش ممسكا بصندوقِ سما الخاص ..... صندوق الأسرار ......
إنها لا تعلم أنه تقريبا يخرجه من مخبؤه كل يوم ......فهي تعتقد أنها تخفيه جيدا ... في دولاب ملابسها .... مختفي تحت الكنزات المطوية ......وهو لا يعلم لماذا لا تظهره له بنفسها ...... لكنه لا يشعر بالخجل أبدا من إخراجه كل يومٍ للعبث بمحتوياته ....فلا مجال للخصوصيةِ بينه و بين ياسمينته الصغيرة
فتح الصندوق الخشبي الجميل ..... ثم أخرج منه زرافة خشبية صغيرة .......أخذ يتلمسها برفق بأصابعه الخشنة .....ابتسم بحنان ثم تركها ليخرج فيلا خشبي .... ضحك فارس وهو ينظر الى أنف الفيل المشوه .....وضعه ليخرج قردا طريفا صغيرا ..... إنه لا يتذكر هذا الصغير تماما ... ابتسم وهو ينظر اليه ثم همس برقةٍ مخاطبا هذا القرد الصغير
؛( متى صنعتك أيها الصغير ؟..... لتأخذك صغيرتي و تخفيك بداخل قلبها )
التقط صورة لشخصٍ وسيمٍ تافه .... عاش تائها في حياةٍ طويلة باحثا عن شيءٍ لم يكن يدري ما هو ...... الى أن وجده دون أن يراه .....
سما ........قلب الصورة ليقرأ ما خطته أنامل رقيقةٍ على ظهرها
( اليك أهدي حبي يا من أحببتك دون أن تراني .... أما من نسمةٍ تطير اليك لتهمس لك بسرٍصغير....... عاش ليخفيهِ قلب ينبض من حولك ... مناديا صارخا باسمك ..... أما من نبضةٍ يرسلها قلبك المجروح يا فارسي الأعمى .... يا من لا تراني ولا أرى سواك )
التمعت عينا فارس بدموعٍ حبيسة وهو يشعر بقلبه يصرخ مرسلا كل نبضاته الى تلك الصغيرة الوحيدة والتى لم تتعدى سنواتها السبعة عشر......... همس فارس مختنقا
( ها أنا قد وجدتك حبيبتي ..... ووعدا مني الا أضيعك أبدا , فاغفري لفارسك الأعمى و الذى لا يرى سواكِ )
( فااارس .......)
قاطعه صوتها الحبيب وهي تناديه يسبقها رائحة طعامها الشهي ..... أخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على الألم الذى لن يغادره أبدا مهما صفحت عنه ......
أغلق الصندوق الحبيب و أعاده مختبئا في مكانه السري وهو يعده أن يفتحه غدا من جديد ...... دون علم مالكته .......
هتف فارس وهو يجلي حنجرته المتألمة ( أنا قادم ياسمينا ..........)
.................................................. .................................................. .................................................
كانت تجلس وحيدة ....تنظر الى السماء التى غربت عنها الشمس منذ دقائق .......إنها تجلس هنا منذ ساعتين .... تنتظره دون جدوى ....لقد بكت وترجته أن يأتي .... فأجابها متمهلا مدعيا التفكير على مضض أنه سيحاول , فتوسلته من جديد ..... بكت كثيرا و صرخت تنشج .... أنها مستعدة لتوسل حبه من جديد ..... مالذى أصابها ..... والى أي حالٍ أوصلها ...... لماذا لا تستطيع أن تخرجه من حياتها ببساطة .... لماذا تشعر بأن حياتها متوقفة على نجاحها في استعادته .......
غطت الدموع وجهها و أغرقته تماما بنعومةٍ صامتة .... جذبت أنظار كل من يجلس حولها في ذلك المقهى الجميل و الذي تنبعث منه أنغامٍ موسيقيةٍ حالمة ممتزجة براحةِ البن الرائع ..... لقد اختارته لتثير لديه الحنين للقائاتهما هنا منذ سنوات ......
لكنه لم يأتي ..... وها هي تجلس لتبكي من جديد ..... تبكي حبها الذى سرقته ساحرة شيطانيةٍ سوداء ...... امتصت حبه ثم لفظته بلا روح .... لتذهب و تسلب روح أخيها الوحيد ..... و تمتلك ابنته التى كانت على وشكِ ان تناديها بأمي يوما بدلا من كلمة عمتي ... لولا اعتراض احمد القاسي ...... وليس هذا فحسب ......بل أنها في طرفةِ عين أتت له بصغيرةٍ شريرةٍ مثلها ......
وهي التى عاشت سنواتٍ لتحاول وتحاول دون جدوى .........
لم تستطع منع شهقةِ بكاءٍ انفلتت من بين شفتيها فجذبت الأنظار اليها بدهشةٍ أكبر ..الى تلك المخلوقة الذهبية ..ذات الشعر الذهبي المتطاير و العينين اللتين تشبهانِ بركتين من العسل الصافي الغارق في دموعهما ..... لحظتها تحرك ذلك الظل الداكن و الذي كان جالسا في زاويةٍ بعيدةٍ في نفس المقهى ليراقبها بغضبٍ ناري .......اقترب منها ببطء دون أن تشعر بوجوده حتى بعد أن أشرف عليها بطوله الفارع .....أخرج من جيبه ورقتين نقديتين تفوقانِ ثمن القهوة الحزينة التى طلبتها دون أن تمسها فأصبحت في برودةِ الطريق الشاحب بعد هطول الأمطار .......
نظر اليها بعبوس وهي تبدو تائهة في عالمها الحزين البائس دون حتى أن تلمحه .....فمد يده دون أن يستطيع منع نفسه و التقط يدها الموضوعة على الطاولة ليجذبها اليه وهو يقول بخشونة
( هيا يا دارين ...لن يأتي )
انتفضت مذعورة وهي تنظر اليه من بين دموعها ..... فقالت بدهشةٍ وصدمة
( ما الذي أتى بك الى هنا .........)
ظل ينظر اليها بعبوس .... ممسكا بيدها المرفوعة اليه بينما هي جالسة مكانها تنظر اليه بضياع و الدموع تأبى أن تجف من على وجهها
قال بصلابة ( قلت لكِ هيا .... و سنتكلم لاحقا )
ارتجفت قليلا خوفا من نظراته القاسية .... تلك العينانِ تخيفانها بشدةٍ .... بلونهما الغريب ونظراتهما الثعبانية ......إنها تلعب بالنار وهي تعرف ذلك ..... وذلك الشرس الواقف أمامها بهيئته الساحرة سيذيقها أياما أشد وطأة مما عرفته سابقا
تلعثمت وهي تقول بخوف ( كنت ..... كنت منتظرة صديقتي .... إنها .....)
لم يمهلها لتكمل كلامها بل جذب يدها بقسوةٍ لينهضها من مكانها حتى أنها اصطدمت بالطاولة و أراقت القهوة الباردة على ثوبها .... وأصبح منظرهما غاية في الفظاعة أمام الأنظار الفضولية ......لكنه لم يأبه أبدا وقال بهمسٍ خطير
( هيا بنا لنخرج من هنا يا دارين قبل أن أفعل ما قد أندم عليه فيما بعد..............)
ارتعشت بشدة وهي تنظر اليه برعب ثم أومأت برأسها دون أن تنطق حرفا .... فقط التقطت حقيبتها لتسمح له بجرها خلفه.........
.................................................. .................................................. .................................................. .
دخل احمد مكتب ادهم مهران دون استئذان وهو يبدو على وشكِ خنق أحدهم .....رفع ادهم عينيه عن حاسوبه وهو ينظر بدهشةٍ الى احمد الذي يطل الغضب من عينيه وما أن وصل الى مكتب ادهم حتى رمى الملف الذي كان يمسك به ليسقط أمام ادهم مباشرة على سطح المكتب وهو يهتف بحنق
( لقد أخذتها ........)
عقد ادهم حاجبيه وهو ينظر الى احمد ثم بدلا من ان يساله عن سبب غضبه الاحمق استعاض عن اضاعة الوقت ففتح الملف الملقى امامه ليتعرف فورا على اوراق الصفقة التى كانو يعدون لها منذ شهرين ......فرفع ادهم نظره الى احمد وقال بهدوء
(من أخذها ؟ اليس من المفترض ان بيننا وبين المجموعات الأخرى اتفاقٍ على عدم تجاوز الأدوار المعلنة ...........من تجرأ ليخرق هذا الإتفاق ؟.......)
هتف احمد بغضب ( ومن غيرها ...... مجموعة عماد الراشد )
اتسعت عينا ادهم وهو ينظر الى احمد ..... وقفزت الى ذهنه صورة صغيرته المخادعة وهي تجلس بجواره على طاولة العشاء وقد بدا عليها الإرتباك الشديد ... وكلما نظر اليها اثناء تناوله الطعام ... كانت تبادله النظر بابتسامتة تزداد عذوبة و إغراءا مرة بعد مرة حتى نسي تماما ما كان ينوي قوله .........
ظل شاردا قليلا وهو يتذكر حلاه المشرقة و المتدفقة العاطفة ..... فظهر طيف ابتسامة على فمه اخذ يتسع تدريجيا حتى انفجر فجأة في الضحك .........
ازداد اشتعال غضب احمد وهو ينظر الى ادهم الذي يضحك دون أن يهتم بتلك الصفقة .........والتى لم تكن مهمة لديه هو شخصيا الا بعد أن شهد غدر سابين التى تعيش معه بمنتهى البراءة دون أن تخبره بما تنويه من أعمالٍ إجرامية ......
قال احمد بغضب (ادهم ..... لا تستفزني أكثر , العمل عمل ....إن سكتنا هذه المرة أيضا ستضيع هيبتنا في السوق )
استمر ادهم يضحك لكن رأفة بحال احمد الذي كان على وشكِ الإنفجار غضبا .....حاول السيطرة على ضحكه ثم قال بهدوء
( احمد ..... لنكن صرحاء مع أنفسنا , هذه الصفقة صغيرة نوعا ما بالنسبةِ إلينا ...... لكنها تعتبر هائلة بالنسبةِ اليهن فلما كل هذا الغضب؟ ...... ثم أنك المسؤول الأول عن هذا بتعمدك استثناء مجموعة عماد الراشد من اتفاق رجال الأعمال ...... لذا فمن حقهم خرق اتفاقٍ لم يَتفِقوا عليه أصلا .......)
شعر احمد بأنه على وشكِ ضرب هذا العاشق المتيم الجالس أمامه و الذي يتكلم بمنتهى البرود و أوشك على أن يرميه برأيه الا أن رنين هاتفه قاطعه فالتقطه ليجد أسم سابين مضيئا فرد مسرعا
( مرحبا حبيبتي .......)
وصله صوت سابين تقول برقةٍ مخادعة ( احمد حبيبي ..... أعتقد أنهم يريدوننا أنا وأنت في مدرسة تالا ......الآن )
عقد احمد حاجبيه وهو يقول بقلق ( الآن ..... لماذا ؟هل حدث شيء لتالا ؟.....)
أجابته بسرعة ( لا ....لا ...تالا بخير , أعتقد أنه أمر تافه.......لكنهم يريدوننا الآن )
تحير احمد من طلب المدرسة المفاجىء لكنه أجاب بسرعة ( دقائق و أكون هناك .... الى اللقاء حبيبتي )
أغلق احمد الخط وعاد لينظر لادهم الذي كان ينظر اليه مبتسما ..... فعبس احمد قائلا ( ماذا ؟؟.........)
أجاب ادهم مبتسما ( الى اللقاء حبيبتي ؟!!.........لم أرك تكسر أضلاعها لما فعلته )
ابتسم احمد قليلا ثم قال بهدوء ( سأكسرهم في البيت ...... كيف سأطولها و هي على الهاتف ؟)
ثم تابع قائلا وهو يغادر ( سأذهب الآن لأرى أية كارثة قد تسببت فيها تالا ..................)
.................................................. .................................................. .........................................
كان احمد يجلس بجوار سابين التى تجلس واضعة ساقا فوق الأخرى و هي تنظر بصلفٍ الى الزوجينِ الغاضبينِ الجالسينِ أمامهما في حجرة مديرة المدرسة .... والتى كانت بدورها تجلس متوترة خلف مكتبها ........ثم تنحنحت قليلا مخاطبة احمد
( سيد احمد لقد استدعيتك اليوم لأن تصرفا كالذي حدث ......لا يليق بالمدرسة )
نظر احمد بتوجس الى مديرة المدرسة وهو لم يفهم بعد ما فعلته تالا .......ثم قال بقلق
( هل أخطأت تالا خطأ كبيرا الى هذه الدرجة ؟...........)
عبست مديرة المدرسة وهي تقول بصرامة ( لم تفعل تالا شيئا يا سيد احمد ..... لكن السيدة سابين فعلت )
عقد احمد حاجبيه بشدةٍ وهو ينظر الى سابين مستفسرا .... الا انها نظرت اليه بهدوءٍ ثم عادت لتنظر نظرة ارهاب الى الزوجين الغاضبين امامها .....
تبرعت لحظتها تلك السيدة الجالسة امامهما بالقول
( هل توافق على أن تمد زوجتك يدها على ابني .............)
اتسعت عينا احمد بصدمة وهو ينظر الى سابين التى لم تفقد هدوئها .....بل قالت بمنتهى البرود
( لقد جذبته من قميصه فقط ..... أي أنني عمليا لم أضع يدي عليه )
ازداد اتساع عينا احمد و هو ينظر الى برودها الامتناهي .......بينما قالت السيدة الأخرى بغضبٍ هادر
( لقد رفعته عن الأرض ......و هددته بحلق شعر رأسه كاملا .....)
أغمض احمد عينيه وهو يهمس .... يا الهي ......الا أن سابين أنزلت ساقها بعنف وهي تندفع الى الأمام هاتفة بحدة
؛( و ابنك يضايق ابنتى منذ بداية العام ...... لقد أنذرته أكثر من مرة و لم يرتدع )
وضع احمد يده على ركبة سابين يمسكها بقوةٍ و هو يرميها بنظرةٍ مهددةٍ حتى لا تتمادى اكثر و تفضحه أكثر من هذا ..... فنظرت اليه سابين بحنقٍ لكنها استسلمت و رجعت الى مقعدها بغضب .......بينما قضى احمد الساعة التالية كلها في الإعتذار الى والد الطفل و والدته و الى مديرة المدرسة .........
وبعد عودتهما الى البيت سارعت سابين الى التقاط تميمة الصغيرة من بين ذراعي امتثال وتضمها الى صدرها وهي تحييها بكلماتٍ مداعبة ...... جاء احمد خلفها وهو يقول بحدة
( سابين ..... الى متى ستظلين تتصرفين تلك التصرفات الهوجاء , تضربين ولدا صغيرا , يالهي لا أصدق أنك وضعتني في هذا الموقف وأنا الذى كنت أظن انهم قد استدعوني من أجل تالا .... لأفاجأ بأن زوجتي هي السبب )
نظرت اليه سابين بتحدٍ سافر و قالت بقوة ( إنها لا تستطيع المواجهة, بالرغم من عدم خوفها من شيء ..الا إنها لا تواجه أبدا .... أردت أن أعلمها كيف كيف تواجه أمثال هذا الغبي الصغير .... هل رأيته .... هل رأيت كيف ينظر بغباء و استفزاز ..... لقد كنت طيبة معه جدا بالنسبة الى ما يستحقه ...... أنت لا تعلم كيف كنت أصارع الأولاد الأكبر مني سنا عندما كنت في مثل سن تالا )
وقبل أن يجيبها كانت قد انطلقت الى غرفة تميمة لتضعها في فراشها الصغير ......لكنه تبعها مصرا وهو يقول بحدة
( سابين ..... أنت ستفسدين كل ما حاولت غرزه في تالا يوما , ......لا أريدك أن تنشئيها على أساليب ايثار الراشد )
توقفت مكانها تماما توليه ظهرها .......لم يرى سوى شعرها الاسود و قد اختفت عنه كل انطباعاتها ...... زفر بقوةٍ ثم اقترب منها ببطء و أمسك بكتفيها بكفين حازمين .... همس بصوته العميق
( سابين ...... سابين انظري الي )
لكنه كان يشعر بتشنجح عضلاتها تحت يديه ......فعاد ليمسد كتفيها وهو يقول برفق ( سابين ...... حبيبتي , ستغضبين مني الآن ؟؟)
استدارت ببطءٍ لتنظر اليه بعينين قاسيتين كالحجر ثم قالت بهدوء ( كلما تجادلنا في موضوعٍ سنعود الى نفس النقطة ..... اليس كذلك ؟)
عقد حاجبيه وهو يحيط عنقها الناعم بيديه ناظرا الى عمق عينيها ...... ثم قال
( سابين .....ستظل بيننا اختلافاتٍ كثيرة , لن انكر هذا ابدا , لكني ساقول لك بكل قوة ..... أنا أحبك سابين , أحبك بقوةٍ جعلتني أرى بداخلي شخصا لم أعرفه قبل أن أعرفك أبدا ...... فاياكِ أن تجعلي شيئا ... أي شيء يبعدنا أكثر عن بعضنا , سأظل متذمرا من كل طرقك في الحياة .. من جنونك و غطرستك ...من سلاطة لسانك و نظراتك العابثة ....... سأحاول دوما أن أخضعك ......لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد .......)
نظرت اليه بدهشةٍ قليلا و ابتسامة يأسٍ صغيرة تظهر على شفتيها .... ذلك المارد الضخم الأحمق ..... من المفترض أنه الآن ينقل اليها عواطفه الجياشة .....
سيظل متذمرا من طرقها في الحياة ..... من جنونها وغطرستها ......من سلاطة لسانها و نظراتها العابثة !!.... الا يعلم الأحمق أنها لم تعد تنظر بعبثٍ لسواه ..... ذلك الضخم الهمجي ملأ عينيها لدرجة أنها لم تعد تعترف برجلٍ غيره ........
سيحاول دوما أن يخضعها ........ و يخبرها بهذا بكل بساطةٍ وسذاجة ... ... إنه باخبارها ذلك ينمي فيها الجنون أكثر وأكثر و يشوقها لتحدي كل ما سيحاوله يوما ..... أحيانا تشك في ذكاء الرجال مهما بلغت مناصبهم في الحياة ..........
ابتسمت أكثر وهي تتسائل .... هل هذه هي فكرته عن الطريقة المثلى لشرح مشاعره تجاهها ........
لكن حبك سيظل قيدي الى الأبد ......هاكذا أنهى خطبته الرائعة ..... لماذا لم يقل تلك الجملة فحسب .....
مدت يدها لتحيط بها عنقه و تستطيل على أطراف أقدامها بالرغم من طولها الفارع ..... ثم نظرت الى عينيه البنيتين العميقتين وهمست بإغراءٍ عبقري
( اطمئن يا مهراني ..... ابنة ايثار الراشد لا تتقبل الهزيمة , ولا تسمح بضياع ما يخصها من بين يديها )
أحاط خصرها بيديه وقال مبتسما ( وما هو هذا الذي يخصك ولن تسمحي بضياعه ؟...........)
لم تتنازل و تجيبه ......بل ارتفعت لتقبله بقوةٍ تخبره عما تملكه ..... ضمها اليه بقوة بين ذراعيه ..... لكم تحب القوة التى يضمها بها
تشعر وكأنه يريد أن يدخلها بداخل صدره .... تشعر بأنه حين يضمها يكون متخوفا أن تفلت منه .......
ارتفع رأسه بعد فترةٍ وهو يقول هاتفا بعبوس ( كدت أن أنسى ..... كيف تجرأت على مواجهتي و تحدي اسمي بنيل تلك الصفقة من دونِ علمي ..... أتعرفين إن كان أحدا آخر تجرأ ليفعلها كنت لأسحقه .........كيف تمكنتِ من خداعي بهذا الشكل , ماذا سيقول الناس .... أنني أسهل لك مرور الصفقات اكراما لأنكِ زوجتي ؟)
يمرر لها الصفقات ؟؟....... و إكراما لأنها ؟؟؟!!!!........ إن ضربته الآن فهل يعتبر هذا تجاوزا للحدود الزوجية المحترمة ؟؟.........
رمشت بعينيها قليلا حتى لا تتفوه بما قد تندم عليه ... ثم قالت بعد فترةٍ بمنتهى العملية دون أن تفك قيدها من حول عنقه
( مقابلة سابين الراشد تستلزم أخذ ميعاد و انتظار الرد إن كنت سأوافق أصلا على مقابلتك أم لا ......يمكنك أخذ موعد )
عقد حاجبيه ثم قال ( سابين ..... لست أمزح حاليا ......)
لكن سابين قاطعته وهي تجذب ربطة عنقه لتقرب وجهه من وجهها وهي تهمس بشراسة
( و قسما بالله .... إن أعدت الحديث عن العمل الآن فسوف تنام الليلة في حجرة الضيوف , أو بجوار تالا على أحسن تقدير )
شعر بأنه في هذه اللحظة يتمنى لو لكمها لكمة لتغير خريطة معالم وجهها ....... لكنه آثر السلامة , فلا نية لديه للنومِ بعيدا عنها الليلة ...أو أية ليلة من ليالي حياته ........
حسنا فليتنازل هذه المرة و غدا سيحاول أخذ موعدا من رئيسة مجلس إدارة مجموعة عماد الراشد .... ليبدآ اتفاقا جديدا بين المجموعتين
أما الآن .... الآن يريد فقط أن يطمئن أنها في أحضانه .....يخاف أن تهرب منه من جديد .......
عاد ليعتصرها بين ذراعيها بقوةٍ حتى سمعها راضيا و هي تئن من شدة ضغطه هذه المرة أكثر ..... فحملها بين ذراعيه وهي متعلقة بعنقه تضحك بالم و تشعر بأن ضلوعها على وشكِ التحطم ...... فدفنت وجهها في عنقه تستمتع برائحته العطرة .....
للحظةٍ دعت الله الا يحرمها من هذه الرائحة يوما ..... قبلها بقوةٍ ثم همس في أذنها بصوتٍ عميق
( اعتذري عن كل ما سببته لي يوما .........)
لم يترك وجهها عنقه وهي تضحك برقةٍ أذابت قلبه ......وهمست ( أنت تطلب هذا الطلب كل يوم ...... الن تيأس ؟؟)
لو رفعت رأسها لرأت نظرة حنانٍ تذيب الحجر تطل من عينيه وهو يقول بحب
( لن أمل .... ولن أيأس ..... ستعتذرين يا سابين )
رفعت وجهها الساحر اليه لتهمس له بحب ( اعتذر يا أحمد لأني لن أعتذر لك أبدا )
اتسعت ابتسامته و قال بيقين ( بل ستعتذرين يوما ...... فلما لا تعتذرين الآن و تختصري الوقت )
ظلت تنظر اليه تكاد تتشرب ملامح وجهه الصلبة بعينيها الزرقاوين المشعتين ...... ودعت الله من جديد الا يحرمها منه أبدا .......ولتظل أسيرته للأبد ...... فقد كانت تلك هي تعويذة تالا الصغيرة التى نثرتها فوق رأسها يوما .........
.................................................. .................................................. ....................................
كانت تنظر اليه وقلبها يخفق بشدة بين ضلوعها ...... تراه وهو يحمل تميمة الصغيرة و التى قاربت الآن على السبعة أشهر ......
الصغيرة لم تكمل بعد العام من عمرها ...... وها هي تسقط أسيرة لسحره .... فكلما حملها بين ذراعيه تأخذ في الضحك و الزقزقة كصغار الطيور ..... أنها لا تضحك بهذه الطريقة لأي أحد غيره ....... غير وحش آل مهران .........
ماذا فعلت طيبا في حياتي لأستحق رجلا مثلك ......ستظل تسأل نفسها هذا السؤال كل يومٍ وكل ليلة .... ولن تحصل على إجابة أبدا ......غير القدر كان يدخره لها منذ أن وجدت في هذه الدنيا لتذوق عذابها ...... مؤقتا فقط الى أن حان موعدها معه .......
رفع في لحظةٍ خاطفة وجهه الضاحك اليها ....ليأسر نظراتِ الشوق التي تخصه بها وحده ...........ففاض من عينيه شوقُ يفوقه ..... وتراجعت ضحكته لتصبح ابتسامة خاصة .... خاصة بحلا الراشد فقط ......
اقترب منها وهي واقفة في مدخل القصر في ذلك اليوم الربيعي و الذي اختاروه ليجتمعو سويا كنهاية كلِ أسبوع ........
صعد السلالم القليلة التى تفصلها عنه و انحنى ليقبلها دون أن يتكلم .... و كأن قبلته في حد ذاتها هي كل ما أراد قوله ........
ابتعد عنها قليلا بينما تشبثت كف تميمة الصغير بخصلةٍ من شعر حلا الطويل و جذبتها ... لا تريد أن تتركها .... فضحكت حلا وهي تميل برأسها الى الصغيرة اتقاءا للألم .......
مد ادهم يده ليتحسس بطن حلا برفق وهو يقول مبتسما ( لماذا تقفين طويلا ؟..........)
ردت حلا مبتسمة ( لم اقف الا للتو ..... لقد مللت الجلوس ..... متى ستوقف أحكامك العرفية ضدي ؟..... الا يكفي أنني أعمل من المنزل ؟.......)
رد ادهم بجدية ( يجب أن تكوني ممتنة لأنني أسمح لك بالعمل أصلا ........مجرد نظرك لشاشة الحاسوب طويلا يضايقني )
ابتسمت اكثر .....وهمست ( إنها تتحرك ..........)
ابتسم ادهم ومد يده سريعا ليضعها على بطنها من جديد ... حين شعر بركلةٍ قوية تضرب يده فانتعش قلبه و ذابت عيناه ..... يبدو أنها ستكون قوية تلك الصغيرة ......و لم ستكون ضعيفة ؟؟...... فأمها هي القوة بحد ذاتها ...... أمها التى رباها بنفسه ........
رفع عينيه العميقتين اليها فأبصر دموعها و قد انهمرت على وجهها ..... ولم يسألها عن سببها ..... قديما أيضا كان يتجنب سؤالها عن سبب دموعها ... قد يكون بسبب معرفته السبب ..... ذلك الألم الذي كان يخشاه و يتجنبه ........
أما الآن فو لا يسألها لأنه موقنا من السبب ..... ما اجمل دموعها الآن كلما نظرت اليه ..... وهل يلومها ؟..... لولا أن رجولته تمنعه لكان شاركها إياها كلما نظر اليها ........
لقد تاها طويلا الى عادا الى بعضهما ..... الي سكنت أحضانه التى تنتمي اليها ...........
قاطع أفكارهما الصامتة صوت سابين و هي تأتي من خلفهما قائلة بسعادة
( أين صغيرتي ؟.......لقد أنهيت مكالمة العمل بأعجوبة )
ناولها ادهم الصغيرة وهو يقول متذمرا بدعابة ( أنتِ تنجبين و نحن نرعاها من أجلك ........نحن في خدمتك دائما سيدتي )
عبست سابين وهي تلكم ذراعه و تقول بحدة ( الا تكمل عملا طيبا دون تذمر أبدا ..........صدقت مقولة أن الخال والد بالفعل !!!)
مدت حلا يدها لتدلك مكان لكمة سابين على ذراع ادهم وهي تقول بلهفةٍ غاضبة
( لا تقتربي من حبيبي ثانية ..........)
ابتسم ادهم اليها بحب بينما رفعت سابين عينيها الى السماء تلتمس الصبر و هي تقول بملل
( غرامكما أصبح كالمرض ..........)
ثم نزلت الي الحديقة تبحث عن احمد ..... فوجدت فارس جالسا يهمس رقةٍ شيئا أضحك سما الجالسة على حجره بينما احمر وجهها بشدة .... همست سابين بحنق
( موجة الحماقة قد ضربت الجميع اليوم ...... أين اذن زوجي الهمام لنمثل مشهدا أحمقا نحن أيضا )
أخيرا وجدته في زاوية الحديقة .... كان واقفا بجانب دارين التى أصرت أميرة على حضورها ... حتى أنها تقريبا هددتها بغضبها عليها إن لم تحضر اليوم الأسبوعي لإجتماع العائلة ........
نظرت سابين وهي تحمل طفلتها الى احمد وهو يحيط كتفي دارين بذراعه .... يتكلم معها بهدوءٍ حان ...... تجمد قلب سابين حين رفعت دارين نظرها و التقت عيناهما معا ........
لم يرى غيرها تلك النظرة المشبعة بالكره و النوايا القاتلة ...... ضمت سابين طفلتها اكثر الى صدرها دون وعيا منها ...... متى سينتهي هذا الكابوس ..... لكن كيف سينتهي و عمار قد بدأ آخر جديد .....
أقسمت سابين في نفسها .... لو تجرأ أحد على مس سعادتها التى وجدتها أخيرا فلن تتوانى عن استحضار سابين القديمة .... التى لا يردعها رادع ..........
كان عمار ايضا يقف بعيدا ليراقب تلك النظرات المتبادلة بينهما ..... وقد رأى مشاعر دارين جلية لعينيه .... انتابه الغضب الذى صار مألوفا لديه مؤخرا ............
استدار بعنفٍ وهو يلتقط هاتفه من جيبه و يطلب رقما ..... و نظر بطرف عينه ليرى انتفاضة دارين و هي تنظر الى هاتفها ثم ترفع عينيها مجفلة تنظر من حولها في خوف و كأنه قد ضبطها متلبسة .......الى أن رأته ..... فالتفتت لأحمد تهمس له شيئا فأومأ برأسه ..... وهو يراقبها عاقدا حاجبيه وهي تبتعد بتعثر لترد على هاتفها .......
جلست سابين تهدىء نفسها من الغضب الذي انتابها بسبب نظرات دارين ........الى أن جاءت حلا و جلست بهدوءٍ بجوارها تعتصر أصابعها .. تنظر لسابين ثم تعاود النظر أمامها ... قالت أخيرا بتردد
( سابين .......)
نظرت اليها سابين و قالت ( هاتِ ما لديكِ يا حلا ...... أنا واثقة من أنه شيئا لن يعجبني )
قالت حلا بخفوت و حذر ( أمي .........)
لم تمهلها سابين كما توقعت و هتفت بحدة ( كنت أعرف ...... لا أريد سماع أي شيءٍ عنها بعد الآن )
ابتلعت حلا ريقها لكنها صممت على المتابعة ( سابين أرجوك ...... إنها تحتاج الى المساعدة , أنا متأكدة من ذلك ...... قلبي يخبرني )
نظرت اليها سابين بحنق و قالت ( اذن فلتسكتي قلبك الساذج ......... أنها تستطيع حماية نفسها جيدا )
ارتجفت حلا قليلا و همست تنظر أمامها الى البعيد
( هل رأيتِه ؟...... أنه غير طبيعي أبدا ..... لقد رأيت الشر في نظراته , وتلك النظرات أنا أستطيع فهمها جيدا )
ظلت سابين صامتة فترة ثم قالت بقسوة ( هي اختارته بنفسها ....... إنها في السابعة و الاربعين و تتزوج من رجلٍ في الأربعين .... وطبعا لأنه وعدها بالكثير ...... لابد لها أن تدفع الثمن اذن )
قالت حلا بسرعة و هي ترتعش أكثر ( ولما يتزوج رجل مثله من امرأة تكبره بسبع سنوات ....... صدقيني إنه غير مريح أبدا )
لم ترد سابين ... فتابعت حلا بحزن
( لقد رفض ادهم تماما أن يتدخل في الأمر, كما أنه منعني من رؤيتها ثانية بعد زواجها به ....... لم أعهده بهذه القسوة من قبل )
ردت سابين بشرود ( لقد قام اذن بشيءٍ صائب في النهاية ..........)
نظرت حلا الى القسوة الظاهرة على ملامح سابين .... وعرفت أنه لا مجال لتدخلها ...... سألت نفسها كيف تستطيع سابين أن تكون بهذه القسوة .... إن كان هناك من يجب الا يسامح أو يتجاوز عن ما مضى .......فستكون هي ........لكن و لأنها هي .......فهي لا تتحمل ما تتخيله من صورٍ مؤلمة لما قد تكون ايثار تحياه الآن ....... لا شيء يبرر ما يصيبها ..... وهي شبه متيقنة من أنه يصيبها مكروه ......
لقد رأته مرة ..... ونظرت الى عينيه ..... وكانت تلك النظرة كفيلة لأن تعرف ....... أنه مريض .... فقد عاشت مع مريضٍ مثله من قبل ........