رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4 بقلم انفاس قطر
رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4
رواية اسي الهجران الفصل الرابع 4
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
العنود تقدمت بضع خطوات استجابة لنداء فارس لها
فارس بعمق وهو يشير جواره للناحية الأخرى من السرير: تعالي جنبي
اقتربت بتردد وخجل وجلست
فارس أمسك بكفها واحتضنها وهمس لها بعمق هادر:
حبيبتي أنا مهوب قلت لش إني غريب.. واستحمليني شوي.. أنا مايهون علي زعلش
العنود بحزن شفاف: وأنا جد حبيبتك يافارس؟؟.. وإلا كلمة ومقيولة؟؟
فارس بنبره وله حقيقي لأول يستطيع التعبير بها: إلا حبيبتي وحبيبتي..وحبيبتي
العنود بذات نبرة الحزن الرقيق: زين واللي يحب حد يعامله بذا القسوة.. لو كنت تكرهني وش سويت فيني؟؟
فارس ترك يدها ليضع كفه على خدها ويهمس لها: أنا أطباعي شينة.. أدري
وصعب أتغير بين يوم وليلة.. لكني عشانش مستعد أقط روحي في النار
انتي منتي بمستعدة تحملين شوي عشاني؟!!
ثم أكمل بنبرة مقصودة: وإلا عشان أنا مالي قيمة في قلبك منتي بقادرة تستحمليني؟؟
العنود انتفضت بجزع وهي تضع إصبعها الناعم على شفتيه لتقول برقة: ما أسمح لك تقول كذا
فارس قبل طرف إصبعها بعمق وعيناه تغرق في بحر عينيها
البحر الذي يتمنى أن يعيش عمره غريقا بين أمواجه
لا يريد أن ينقذه أحد.. بل يريد أن يغرق أكثر.. وأكثر
أن يسكن بحر هاتين العينين وقلب صاحبتها
أن تكون له..
له وحده
***********************
غرفة ناصر ومشاعل
ناصر يصحو لصلاة الفجر.. يشعل النور المجاور لسريره ليتناول عكازيه
ينظر ناحية ضيفته.. ضيفته كما يقول
تبدو مرتاعة حتى وهي نائمة
كما لو أنها عانت الكوابيس حتى نامت..
شعرها الحريري القصير تتناثر خصلاته على وجهها
وعلى طرف عينها تغفو دمعة يابسة فرت من حساب الزمن
تنهد ناصر..
لِـمَ تستفزه لإخراج مساوئه؟؟
لم يكن يوما قاسيا هكذا على أحد
لا يشعر ناحيتها سوى بنفور شديد
يتمنى أن ينهي صفحتها من حياته بأسرع وقت
أن تكون صفحة وتنقضي
ليبدأ حياة جديدة مع امرأة أخرى تكون ****ة به منذ البداية
لولا أنها ابنة عمه أو ماكان ليتحمل وجودها لدقيقة واحدة
تنهد مرة أخرى وهو يقرب عكازيه منه
وينهض
ويتجه للحمام ليتوضأ
شعر بدوار شديد نتيجة للأدوية التي مازال يتناولها
سقط والعكازان يحدثان وقعا مدويا
قفزت مشاعل من السرير مرعوبة
لتصدم برؤيته على الأرض وهو مقطب الجبين من الدوار..و يحاول التماسك وتقريب عكازيه منه
مشاعل اقتربت منه بتلقائية يحركها رعبها عليه لتدخل يديها تحت إبطيه لتساعده على الوقوف
رغم أنها أساسا محاولة فاشلة فمن هي في حجمها الضئيل يستحيل أن تُنهض من هو في طوله الفارع
ولكنها كانت أبعد من تكون عن التفكير بالتحليلات المنطقية
ناصر نهرها بقسوة حقيقية: وخري.. أنا مهوب قايل لش مالش شغل فيني
قالها وهو يقرب عكازيه ويتجلد للوقوف
ليقف فعلا ويكمل طريقه للحمام
ويتركها تحتضن نفسها ألما وحرجا وفراغا مرا
وكالعادة تشعر برغبة ملحة للبكاء
غادرت الغرفة وتوجهت للغرفة الأخرى وهي تحتضن هاتفها
أغلقت على نفسها الباب واتصلت
حين رد عليها الطرف الآخر بدأت بالبكاء وهي تشهق وتقول:
مهوب طايقني.. مهوب طايقني
لطيفة وقتها كانت تنتظر خروج مشعل من الحمام لتتوضأ
حين رأت هاتفها يرن ويلمع باسم مشاعل في هذا الوقت علمت أن وراءها أمرا
لذا خرجت بهاتفها لغرفة بناتها وردت عليها وهي تخرج:
يا بنت الحلال استهدي بالله.. الرجّال توه واصل البارحة
"قال قوه قال توه"
أنتي تبينه على طول يطيح اللي في رأسه.. مايكون مشعلي أصيل
مشاعل بين شهقاتها: بس أنا ماسويت له شيء عشان يعاملني كذا
لطيفة تتنهد: ياقلبي يا مشاعل.. توش ما شفتي شيء
وإذا أنتي من أولها كذا فأنتي الخسرانة
مشاعل تتماسك: خلاص بأقعد عنده بس بأقعد في الغرفة الثانية بأفرشها وأقعد فيها
لطيفة بتحذير: إياني وإياش تسوينها.. حتى لو أنتي شايفة إنه مهوب طايقش على قولتش خليه يتعود عليش.. التعود أحيانا أقوى من الحب
خليه يحس إنه ما يقدر يقعد من غير حركتش حوله ووجودش جنبه.. حتى لو كان ما يكلمش
إسأليني... مشعل حتى أيام كنت أظن إنه مهوب حاس فيني.. ماكان يرضى أنام عند هلي.. وانتي بروحش تذكرين
تدرين الحين وش يقول لي... يقول كان مستحيل أدخل البيت وأنتي منتي بفيه
يقول ما كنت أعرف أفسر ليه.. بس البيت من غيرش يضيق الصدر كنه قبر
حسسي ناصر إن المكان من غيرش قبر.. لا تصيرين مدمغة.. وعند أول موقف تستسلمين
مشاعل مسحت دموعها وكلام شقيقتها يهدي كثيرا من روحها المرتاعة
عادت له في الغرفة
كان يلبس ثوبه على فنيلته وسرواله الأبيضين اللذين نام بهما
تجاوزته ودخلت الحمام دون أن تنظر له حتى لا يرى وجهها المحمر
همست وهي عند باب الحمام: أنت بالعادة تحب تفطر عقب الصلاة أو عقب؟؟
ناصر ببرود: إذا بغيت أفطر.. أفطرت عند أمي وإلا في المجلس.. قلت لش ما أبي منش شيء
مشاعل بسكون: والله أنا بأسوي مثل ما تعلمت في بيت هلي لين أرجع عليهم ريوقك بأسويه.. بغيت تأكل وإلا براحتك
*************************
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 صباحا
العنود تتحرك بهدوء حتى لا تزعج فارس المستغرق في النوم
تلبس ملابسها استعدادا للذهاب للجامعة
فاليوم أول اختباراتها
فارس صحا من نومه
قبل أن يفتح عينيه مد يده جواره.. وجد مكانها خاليا
فتح عينيه بكسل وهو يتلفت بحثا عن طيفها الأثير
طيف فاتنته
وجدها أمام المرآة تضع واقي الشمس
اعتدل من نومه وهو يعدل المخدة خلف ظهره ويتسند.. ينظر لها ويبتسم
همس: صباح الخير ياقلبي أحلى صباح على عيونش
العنود ألتفتت له.. نهضت.. نظرت له مليا وهي تبادله الابتسام.. نهضت اقتربت منه وطبعت قبلة على خده وهي تهمس:
صباحك أحلى.. أول مرة أشوف واحد صاحي من النوم ويكون حلو موت كذا
فارس يشدها ليجلسها جواره: بلاها سالفة حلو ذي.. لا تطلع سكوني عليش
العنود تبعثر شعره بشقاوة وتهمس: أما أنك غريب.. حد يزعل من سالفة إنه حلو
فارس يشدها لصدره ويطبع قبلة على شعرها وهو يقول: أنا أزعل.. أنتي بنت وقمر ينقال لش ياحلوة
بس أنا اللي يقول لي حلو.. أقص لسانه
أنتي أول حد أعديها له.. وترا مهوب كل مرة أعديها
العنود احتضنت خصره بشدة ثم أفلتته وهي تقول: يا الله هدني لا تأخرني
فارس أفلتها وهو يقول باستغراب: وين بتروحين؟؟
العنود نهضت وهي تعود للمرآة وتقول بتلقائية: الجامعة.. اليوم أول اختبار عندي
فارس بغضب مفاجئ: وبدون ما تصحيني أو حتى تقولين لي.. ومن اللي كان بيوديش؟؟
العنود توترت وهي تهمس: سواقة مريم
فارس نهض وهو يرمي الغطاء بغضب: ليه ماوراش رجّال كنتي بتخلينه مكبر المخدة بدون حتى ما تعطينه خبر
(يامسرع ما يقلب ذا الرجّال.. قبل شوي يهبل)
همست العنود بخجل: محشوم فارس.. أنا حنيتك بس
فارس بنبرة حادة: لا.. لا تحشميني إذا هذي الحشمة عندش
متى امتحانش؟؟
العنود بخفوت: الساعة 10
فارس يتوجه للحمام: خلاص ربع ساعة بس أغسل وأتوضأ وأصلي الضحى وأوديش
حين خرج من الحمام كانت العنود تضع بعض الكحل داخل عينيها
فارس بغضب: وش تسوين؟؟
العنود بهمس: نقزتني.. وش فيك؟؟
فارس من بين أسنانه: امسحي الكحل اللي حطيتيه
العنود برجاء: فارس حبيبي.. ربعي دارين إني عروس من أسبوع بس..
أشلون تبيهم يشوفوني مغبرة.. وبعدين أنا ما أحط نقابي في الجامعة
والسالفة كلها شوي كحل داخل العين
فارس بذات نبرة الغضب المكتوم: العنود أظني قلت لش قبل إني ما أعيد الطلب مرتين
(يعني معقولة هي مهيب دارية إن عيونها تذبح بدون كحل
تبي تكحل بعد؟!!
تبي تجلطني ذي!!)
العنود شعرت بالمرارة من طريقته الحادة في الأمر.. مسحت الكحل تماما
وهو يصلي ركعتي الضحى
فور انتهائه كانت قد انتهت من لبس عباءتها
توجه للبس ملابسه.. كان يحكم إغلاق زر كمه حين اقتربت منه ووقفت على أطراف أقدامها.. وهمست عند أذنه برقة:
ترى فيه أسلوب ثاني للطلب ويؤدي لنفس النتيجة بس بدون ما يجرح
أو أنت ما تعرف إلا الأسلوب الجارح وبس
فارس مازال يعطيها ظهره وهو يقول بهدوء: والمعنى؟؟
العنود ابتعدت لتتناول كتابها وحقيبتها وهي تقول بنعومة رغم مرارتها الداخلية:
يعني لو قلت لي بهدوء: ياحبيبتي أنا أغار عليش.. وابي حلاتش لي بروحي
كنت قصيت علي.. وأنا سويت كل اللي أنت تبيه وأنا مبسوطة
**************************
بيت ناصر بعد صلاة الفجر
ناصر عاد ومشاعل في المطبخ
لم يقل لها شيء ولكنه عاد للنوم
حين انتهت من إعداد الإفطار كأفضل ما يكون وجدته نائما
عادت ووضعت الفطور في حافظات ليبقى ساخنا وغطت العصير
وأعدت القهوة والشاي والكرك والحليب الطازج في حافظاتها
فهي لا تعلم بعد ذوقه في الإفطار وماذا يحب أن يشرب
ولا تريد أن يكون يريد شيئا ولا يجده جاهزا
رتبت كل شيء على طاولة الطعام التي تأخذ لها زاوية في الصالة
ثم استحمت وتمددت جواره
نهضت حوالي الساعة التاسعة والنصف
لم تجده جوارها
توقعت أن يكون جالسا في الصالة.. توضئت وصلت ضحاها
خرجت ولم تجده.. ووجدت الفطور على حاله لم يلمس
المشكلة أنها لا تعرف رقم هاتفه حتى تتصل به
حتى وإن كانت تعرف.. هل ستتجرأ وتفعلها؟!!
قضت الوقت في الترتيب.. ثم في التأنق
تأنقت لأقصى حد.. رغم أنها بعادتها ليست من هواة تلوين الوجه
أرتدت لها جلابية خليط من الحرير والدانتيل التركواز وأوراق الشجر المصنوعة من قماش الكريب البرتقالي
لأنها تريد التوجه لبيت عمها ولابد أن تلبس شيئا واسعا
بعد أن صلت الظهر قررت الذهاب لأم مشعل لتتغدى معها ومع مريم
لأنها تعلم أن ناصر لابد سيتغدى في المجلس كعادة كل رجال آل مشعل
ارتدت جلالا كبيرا على رأسها وأغلقت باب بيتها وتوجهت لهم
فتحت باب بيتهم.. كان هناك رجلا يجلس بجوار أم مشعل
لم تستطع تبينه بسبب كثافة قماش الجلال
تراجعت وهي تقول بخفوت: بأرجع بعدين يمه
أم مشعل نادتها: تعالي يأمش.. هذا ناصر
توترت..بل توترت بشدة.. خافت أن يحرجها أمام والدته
ولكنها مضطرة للدخول.. دخلت وهي تتمتم بسلام مرتبك
وتنزل جلالها وتطويه وهي تعيد شعرها خلف أذنها
ولكنه لا يلبث أن يعود للانسدال على وجهها خصوصا عندما مالت للسلام على أم مشعل وينحدر شعرها كاملا للأمام
كانت تسرق نظراتها للجالس جوار والدته.. لم ينظر إليها.. أو هكذا بدا لها
وإن كانت رائحة عطره التي بدأت تألفها اخترقتها تماما
همس من قرب: موب أحسن لو تلمين شعرش ضايقتي أمي فيه
مشاعل شعرت بحرج شديد وهي تحاول بكلتا يديها إرجاع خصلاتها القصيرة للوراء وتلمها بكلتا يديها وهي تهمس بخجل: المرة الجاية بأربطه
أم مشعل تبتسم: من اللي بيتضايق من غزل ذا الأرينب المعطر ماشاء الله تبارك الله
مشاعل جلست بعيدا عنهما وهي تحاول ابتلاع حرجها الشفاف
أم مشعل وقفت وهي تقول بمودة: مشاعل تعالي اقعدي جنب رجّالش
أنا بأروح أشوف الخدامات وش سوو في غداء الرياجيل
مشاعل وقفت وهي تقول باستنكار: والله ما تروحين وأنا قاعدة.. أنا بأروح أشوف الغداء
أم مشعل باستنكار وحزم أكبر: استغفري ربش.. أنتي اللي والله ماتروحين
تبين تحوسين ريحتش الحلوة من ريحة المطبخ
اقعدي يأمش.. ياما جاي لش من المطابخ وغثاها.. اقعدي
مشاعل جلست وهي تشعر بالضيق وتكثر الاستغفار لاستعجالها بالحلف
وتقرر أن ترسل السائق العصر لدفع إطعام عشرة مساكين في مقر الجمعية القريب منهم
(ياشين الذرابة عليش.. صدق ممثلة درجة أولى)
كان صوته الساخر يرتفع بعد خروج والدته
مشاعل انتفضت بعنف: تكلمني؟؟
ناصر ينظر لها بنصف عين: ليه فيه حد غيرش هنا
لا أكون أكلم الطوفة بس..
مشاعل ترد بهدوء مثير: والله أنت قايل لي مالي شغل فيك
حسبت الكلام يدخل ضمن الاتفاق.. ودام أنا وحدة مالي شغل فيك
المفروض أي شيء أسويه ما يهمك.. أمثل ما أمثل شيء راجع لي
ناصر بسخرية حادة: والله طلعتي تعرفين تصفين حكي.. تصدقين.. كنت أحسب إنش ماتعرفين تقولين غير كلمة ورد غطاها
بس يظهر كله تمثيل في تمثيل وأنتي ما ينعرف اللي وراش
مشاعل وقفت واتجهت نحوه لتلتقط علبة المحارم الورقية من أمامه
وتميل عليه وتهمس بنبرة مدروسة: زين.. تحذر من اللي ما ينعرف وش اللي وراها
لا تباغتك بحركة أنت منت بمتوقعها
مرت دقيقة متوترة بين الاثنين وهما يتبادلان النظرات الغامضة
خليط من الكراهية والأمل والغضب والتحدي
مشاعل أخذت لها محرمتين وعادت مكانها وداخلها يذوي ويذوب خجلا وارتباكا
لا تعرف أي جرأة واتتها لتقول له هذا الكلام.. وتتصرف هذه التصرفات
أي جنون بات يحركها ويسير تصرفاتها؟!!
ناصر مازال مصدوما منها.. كل تصرف منها يفاجئه تماما
حين ترك لها الفطور صباحا دون أن يلمسه
توقع أنها ستقضي طول اليوم مغلقة الباب على نفسها وتبكي
فهو قصد أن يظهر لها عدم اهتمامه بها وبأي شيء تفعله
ولكنها فاجأته بالحضور هنا
وحين أحرجها بشكل مقصود.. توقع أن تنسحب وتجرجر أذيال خيبتها وأشتات حزنها ولكنها فاجأته للمرة الثانية
وليس مستعدا للمفاجأة الثالثة.. لذا وقف وهو يتعكز على عكازيه ويقول لها بحدة:
قولي لأمي تعطي الخدامة العود تعطيه لواحد من الصبيان يعطينا إياه في المجلس
مشاعل وقفت وهي تقول بسرعة: زين بأجيب لك بسرعة عود من عندي
ناصر بحدة أكبر: يا حبش للقافة.. عاجزة تقولين لأمي اللي أنا قلته لش؟؟
قعدت أنا لين تجي
مشاعل أمسكت عضدها اليسار بكفها اليمين.. حركتها التي تلجأ إليها حين تشعر أنها تحتاج للتماسك.. الحركة التي بات يلاحظها
وهي تنزل رأسها في الأرض وتهمس بمرارة محرجة: خلاص إن شاء الله
***********************
مواقف جامعة قطر
الساعة الواحدة إلا ربع ظهرا
فارس يصل لأخذ العنود بعد إنهاءها لامتحانها
وهاهي تركب جواره وهي صامتة رغم أن غضب صاخب يتعالى في روحها
لأن صديقاتها اللاتي لم يرين زوجها في ليلة زواجهما
أصررن جميعا أن يبقين معها حتى يرينه حين يحضر ليقلها
أطلقن عشرات التعليقات المرحة ولكنها آذتها وأشعلت نار غيرتها للحد الأقصى
"نعنبو.. هذا سكري عليه في البيت.. خطر يتحرك في الشوارع.. يسبب أزمة سير"
" ما تسلفيني إياه شوي.. بس أصور جنبه تكفين"
"مايصير توصلينا ؟؟"
"آه ياقلبي.. فيه رجّال حلو كذا؟!!"
" ترا احنا كل يوم نبي نسير عليكم لا وسيارتنا تعطل.. ونبي أبو الشباب يوصلنا
مايصير تخلونا نتلته في الليول"
لم تسلّم حين ركبت.. فارس التقط كفها واحتضنها بقوة بين أنامله وهو يهمس:
الحلو عاده زعلان حتى سلام ماسلم
العنود بنبرة غضب حقيقية غير معتادة: إيه زعلانة.. وما أبيك تجي تأخذني من الجامعة عقب اليوم ولا حتى توديني
فارس نفض يده من يدها وهو يقول من بين أسنانه: اقصري حسش تراني ماني بأصغر بزرانش..
وأما عاد إنش تبين تمشين شورش علي.. فهذا مابعد جابته أمه
العنود توترت.. تعلم أنها ليست حملا لغضبه.. ولا تستطيع أن تخبره أنه لا تريده أن يحضرها من الجامعة لأن صديقاتها أشبعنه تغزلا
شبكت يديها في حضنها وصمتت وألم عميق يخترم روحها.. وهو صمت وألم مشابه يغزو قلبه المثقل بحبها
يتمنى أن يستطيع احتواءها لمرة دون أن يغضب
أن يسمح لها أن تعبر أن ضيقها أو غضبها دون أن يكبتها بهذه الطريقة الموجعة
ظل الصمت هو شعارهما طوال الطريق
حتى وصلا للبيت وهو يقول لها بهدوء: انزلي.. بأروح للمجلس أتغدى
وترا ماني براجع إلا في الليل.. مشغول شوي
ادرسي امتحانش عدل
لم يكن لدى فارس أي مشاغل.. ولكنه بات يشعر أنه ربما ينشر طاقة سلبية تؤثر على استذكار العنود
لذا يريد أن يتركها طوال النهار لتدرس بعيدا عن تأثيره السلبي
*********************
القاهرة
مصحة حمد النفسية
قبل المغرب بقليل
باكينام تنهي زيارتها لحمد
الذي زارته خلال الأيام الماضية مرتين
رغم سعادة حمد بزيارتها إلا أنه يشعر بالحرج من عدم إحضارها لزوجها
رغم طلبه الحقيقي المتكرر أن تكون الزيارة القادمة لابد معه
وباكينام تتحجج أن يوسف مشغول بالتجهيز لحفل زواجهما القريب
والحقيقة أن تغيرا شاملا انتاب يوسف
فهو ماعاد يهاتفها أو يزورها
والكل انتبه لهذا وخصوصا جداتها
وعذرها الدائم هو إنشغاله في الترتيب لحفل زواجهما
ولكن وصلها بالأمس اتصال متأخر غريب منه
كان صوته مرهقا.. وشعرت أن أوتار قلبها تتهاوى مع نبرات صوته المتعبة
وهو يهمس لها: باكينام إحنا خلاص مش بائي على فرحنا حاجة
عندك حاجة حابة تئوليها لي.. لأنو دي هتكون فرصتك الأخيرة
باكينام باستغراب: بصراحة أنته غريب أوي
تغيب تغيب.. عشان تتصل وتئول لي الكلام الغريب ده
لو عندي حاجة عاوزة أئولها.. هأئولها.. مش هأطلب إزن للكلام
يوسف بذات النبرة المتعبة ولكن تخللها بعض الغضب هذه المرة:
طيب باكي.. تصبحي على خير
وهاهي تخرج من المصحة وتركب سيارتها وبالها مشغول مع كلام يوسف
بعد أن اعتذرت كثيرا من حمد أن هذه ستكون زيارتها الأخيرة
لأنها مشغولة كثيرا في تجهيز فرحها
وحمد هنأها بعمق وصدق.. ووعدها أن يرسل لها وردا يوم زواجها
كانت على وشك تشغيل السيارة حين فوجئت بالباب الجانبي يفتح
وجسد ضخم ينسل للمقعد المجاور
وصوته الغاضب.. الغاضب بصورة لم يسبق مطلقا أن سمعتها يصل لأذنها هادرا متوحشا وهو يعتصر بقوة معصمها الممتد لمكان مفتاح السيارة:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
↚
أمام مصحة حمد النفسية في القاهرة
في سيارة باكينام
نار تشتعل بين راكبي السيارة
كان يوسف يمسك معصم باكينام بقسوة وهو يهمس لها بغضب هادر لم تراه مطلقا في حياتها كلها:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
باكينام بغضب مشابه: وأنا ما أسمحش ليك إنك تسألني بنبرة الشك دي
يوسف بذات النبرة المرعبة: أنتي مالكيش حق تسمحي أو ما تسمحيش
لأني اديتك الحق أكتر من مرة.. بس أنتي حلي لك إنك تستغفليني
باكينام باستنكار: أستغفلك؟؟
يوسف بحدة: أه تستغفليني.. أمال تسمي إيه إنك كل يوم والتاني تنطي لراجل غريب تزوريه وتشتري له هدوم كمان
دا أنتي بتتكلمي معاه في مرة وحدة.. أكتر من كل المرات اللي تكلمتي فيها معايا
أنا كنت عاوز أنط لك وأنتي معاه وأعرفك أصلك ئدامه .. لكن لما سألت عنه... عرفت إنه مريض وحالته صعبة.. وكان متجوز وبيحب مراته..
فالعتب كلو على اللي راميه نفسها عليه.. وهي اللي لازم تتحاسب
أنا في الأول حبيت إني أسدء ثقتي فيكي.. ئلت أهو مريض بتزوريه
لكن لما سألتك أول مرة كنتي فين.. خبيتي علي
تاني مرة سألتك عندك حاجة عاوزة تئوليها لي.. برضو خبيتي علي
لما أنتي بتحبيه أو يمكن بينكم حاجة تتمي حكاية جوازنا ليه؟؟
باكينام تحضر كل عروق كبريائها وتصطرع بجنون.. يستحيل أن تشرح أو توضح
كانت ببساطة تستطيع أن تقول أنه ابن عمة هيا ويتعالج هنا بشكل سري
وهيا وصتها أن تزوره.. والملابس دفع ثمنها وزيادة.. وهذه هي الحقيقة فعلا
ويوسف يعرف هيا جيدا.. وكان الإشكال سيحل فورا
لكنها يستحيل أن تريحه بعد أن سمح لنفسه بالشك فيها لدرجة مراقبتها
لذا ردت عليه بحدة مشابهة : أنا اللي تممت جوازنا؟؟
مين اللي فرض كل حاجة عليا؟؟
يوسف بمرارة: بلاش اللعبة دي.. لو كنتي ئلتي إن ئلبك مشغول بغيري من يوم الحفلة
أنا كان مستحيل أجبرك على حاجة
أنا مش رخيص عشان أفكر في وحدة بتفكر في غيري
لكن أنا أفتكرت ئلبك خالي وبتعاندي وهيجي اليوم اللي هائدر أنا أملاه
بس إنك تستغفليني بالطريئة الحقيرة دي.. كانت حاجة رخيصة أوي
وأنتي طلعتي أرخص بكتير من أي حاجة تخيلتها
باكينام شعرت بألم حقيقي يمزق شرايين قلبها مع اتهاماته المريعة
إلى هذه الدرجة يراها سيئة؟!!
إذا كان لا يعرفها.. ولديه هذه القدرة على تصديق كل هذه الحقارة عنها
فهي ليست لديها القدرة للتفسير
يستحيل أن تبرر نفسها أو أن تسمح له أن يجعلها في موضع اتهام حقير كهذا
كرامتها تأبى عليها مجرد التفكير في اتهاماته فكيف ترد عليها حتى؟؟
باكينام همست له ببرود: أنته لساك على البر
طلئني وكل واحد يروح في طريئه
يوسف بغضب حاد وهو يمسك بوجهها بين أصابعه ويعتصره:
حقيرة ورخيصة وأنانية.. تفو على دي أخلاء
لما فشلتي تكملي التمسيلية عليا.. عاوزة تخربيها وتئعدى على تلها
فرحنا ئريب وهيكون في موعده
وفي واشنطن أنا اللي هأعرف أربيكي
إما خليتك تندمي على استغفالك لي ما أكونش يوسف عزت
************************
الدوحة
بعد الغداء
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
كانت هيا عند جدتها.. وحين علمت بوصول مشعل صعدت له
كان مشعل وقتها يغتسل
حين خرج ورآها تنتظره ابتسم وهو يجفف يديه ووجهه
هيا وقفت وتناولت الفوطة من يديه وهي تهمس له برقة:
وين رايح اليوم من بدري؟؟
مشعل يبتسم: سويت كم شغلة.. رحت البعثات
وعقب رحت غيرت حجزنا.. وقدمت على فيزا بريطانية
هيا باستغراب: غيرت حجزنا؟؟ وفيزا بريطانية؟؟
مشعل ببساطة وهو يتمدد على السرير: إيه بدل باريس بنمر لندن ونقعد فيها 3 أيام
هيا برعب: نمر لندن ليه ؟؟
مشعل يبتسم: السالفة إنه شهادتش اللي من كوينز أنتي نسيتي تصدقين كل النسخ من التعليم العالي البريطاني
وهم يراجعون أوراقهم اكتشفوا إنه النسخة اللي عندهم مهيب مصدقة
والحين إذا ماجاتهم الشهادة مصدقة ماراح يخلونش تكملين الماستر..
بنمر لندن نصدقها وعقب بأبعثها لهم بالدي اتش إل..
هيا تجلس بجواره وهي تحتضن كفه وتقول بجزع: تكفى مشعل بلاها مرور لندن وأنت ممنوع من دخول بريطانيا..
وإذا على دراستي.. الخير واجد.. خلهم يقطعون منحتي وأنا بأدرس على حسابي..
مشعل يضحك: يا بنت الحلال سهالات.. السالفة هدة بزران قبل 12 سنة
وأنا لو علي شيء ماكان وافقوا في السفارة يسوون لنا تأشيرة لأنهم دخلوا اسمي في الكمبيوتر عندهم
وبعدين السالفة مهيب سالفة فلوس.. الحمدلله الخير واجد..
بس البعثات يمكن يرفضون عقب تصديق شهاداتش كلها إذا ماخلصني تصديق شهادة البكالوريوس أول..
هيا بخوف: قلبي مهوب مرتاح.. زين خلنا على حجزنا الأولي ننزل في باريس
و أنا بأروح لندن على قطار المانش الصبح.. وأنا أدل هناك عدل ممكن أخلص الشغل كله في يوم
وأنت خلك في باريس المساء بأكون راجعة.. ونرجع واشنطن سوا
مشعل وقف وهو يقول بغضب حقيقي: مالش لوا.. شايفتني كمخة وإلا كمخة
هيا بتوتر: محشوم يا قلبي بس......
مشعل يجلس على السرير وهو يحاول السيطرة على هدوء نبرته:
خلاص هيا.. الحكي في هالموضوع منتهي..
************************
ذات المساء
الدوحة
حوالي الساعة 10 ونصف مساء
العنود في غرفتها تدرس
تجلس في صالتها الكتب منثورة على الطاولة وهي تجلس على الأرض بين الطاولة والأريكة مستغرقة في الاستذكار وكتابة ملاحظاتها
دخل عليها فارس
سلّم
رفعت عينيها وسلمت وابتسمت له بعذوبة
شعر كما لو أن شمسا صاخبة مشبعة بالحياة والألوان والبهجة المتعت من بين شفتيها
( يا الله أنا توني معصب عليها الظهر
وهي تبتسم لي الحين
ما أكبر قلبها وأضيق أخلاقي)
ولكنها تذكرت
اختفت ابتسامتها بتلقائية وعادت للانكباب على الكتب
شعر فارس حينها أن وترا ما في قلبه تمزق
اقترب منها وجلس خلفها همس:
بكرة بأشتري لش مكتب بدل قعدة الأرض ذي
تبين تروحين معي؟؟ أو ممكن اشتري على ذوقي؟؟
العنود بخفوت: اشتري أنت.. ماعندي وقت أفر مكان
يالله الوقت يكفيني أدرس
فارس مد يديه وأمسك بعضديها ورفعها بخفة وأجلسها في حجره
كان القلم مازال بيدها.. تناول القلم من يدها.. وطبع في باطن معصمها قبلة عميقة
ثم همس لها بحنان: عادش زعلانة؟؟
العنود بخفوت: تكفى فارس ما تسألني ذا السؤال.. أخاف أقول زعلانة تعصب عليّ
فارس بذات الحنان: قولي ماني بمعصب
العنود بنعومة: فارس أنا بطبعي نادرا ما أزعل.. فلو زعلت يوم إذا أنت ما احتويتني وتحملتني شوية.. مين اللي بيتحملني
المفروض إنه أحنا نصير شخص واحد.. حتى انفعالاتنا نتشارك فيها
لكن اللي أنا شايفته لحد الحين.. أنت تعصب أنا أسكت
ولو صار وأنا زعلت انت تعصب وتهب فيني.. على كذا أنا بأصير أخبي انفعالاتي عليك وينبني بيننا حاجز كل يوم عن يوم يكبر..
إحنا الحين في بداية زواجنا وأنا مستعدة أقدم لك كل شيء.. لكن ما أشوف إنك عندك نفس الاستعداد
فارس احتضنها بشدة وهمس لها بوله مصفى: حبيبتي أنا أحبش حب والله ما تتخيلين وش كثر.. فوق كل خيال وتصور
وقلت لش كثير استحمليني شوي.. لين كل واحد يتأقلم مع طبايع الثاني
لكن أوعديني ما تخبين على شيء حتى لو عصبت عليش
لأني باعصب بس بتلاقيني رجعت.. لأنه حبش هو الهواء اللي أتنفسه والدم اللي يمشي في عروقي.. حد يقدر على زعل هواه ودمه؟!!
العنود ابتسمت وهي تهمس بدلال: كل هالحب من كم يوم؟؟!!
فارس بابتسامة: من زماااااااان
العنود برقة: متى يعني؟؟
فارس يحتضنها أكثر: الحين الحب يكفيش.. ووقته خليه بعدين
***********************
مر أكثر من أسبوعين على الأحداث الأخيرة
العنود ولطيفة أنهتا أمتحاناتهما
هيا ومشعل موعد سفرهما غدا
الخبر الذي أشاع جوا من الحزن في بيت عبدالله بن مشعل
وجعل موعد ملكة راكان وموضي يتقرر اليوم بعد صلاة العصر
ليحضرها مشعل قبل سفره
باكينام ويوسف وضعهما سيء جدا
تجهزت باكينام لفرحها كمخططها المعتاد
ولم تسمح لأحد أن يشعر أن هناك شيئا ما بينها وبين يوسف
ويوسف مطلقا لم يعد لمكالمتها.. تفاهمه كان مع عمه طه
والجميع فسر تباعده أنها نوع من حركات الشباب الذي يمتنعون عن رؤية عرائسهم حتى ليلة الزفاف
والليلة هي الليلة الموعودة
ليلة زفاف باكينام ويوسف
فارس والعنود وضعهما بين كر وفر
فارس كعادته بين حب مصفى وقسوة غير مبررة
والعنود في حيرة دائمة منه
ولكنها تحاول دائما امتصاص غضبه بطريقتها اللبقة الذكية في الكلام
وخصوصا أنها باتت تعلم بعمق حبه لها.. وبدأت هي بتعميق مشاعرها ناحيته في ذات الإتجاه
الأكيد أن علاقتهما ببعضهما توطدت كثيرا وبعمق
رغم كل الغرابة المتجذرة في علاقتهما التي تمثل نموذجا لغرابة علاقة بعض الأزواج
مشاعل وناصر مشكلة عويصة تبدو عصية على الحل
فناصر يبدو نافرا منها وبشدة
وهي تتصرف كأنها لا تشعر بنفوره الذي كان يمزق مشاعرها بوحشية
تنام معه بذات الغرفة وعلى ذات السرير
ولكن بينهما محيطات هادرة تفصل بينهما وليس مجرد أشبار معدودة
مشاعل تدور طوال اليوم في البيت تطبخ أو ترتب أو تذهب لبيت عمها
وأحيانا تتوجه لبيت أهلها حين تكون متيقنة أنه لن يعود وبعد أن تستأذنه
وهو لا يقصر في التوضيح لها بصراحة أنه لا يهمه ماتفعله
مطلقا لم تشتكِ إلا مرة واحدة
في اليوم التالي لعودته.. رأته يحمل ملابسه المتسخة يريد أن يذهب بها لأمه
حينها وقفت أمامه ورجته بعمق ألا يحرجها مع والدته وهي تناشده بألم:
وش تبيهم يقولون علي؟؟ ملابسك توديهم يغسلونها لك؟؟
ماعندك مرة
ناصر بقسوة: إيه ما عندي مرة..
مشاعل بمناشدة عميقة: تكفى ناصر.. احشم إني بنت عمك
لا تفشلني في هلك.. يعني حتى ملابسك ما تبغيني أغسلهم.. ليه أنا نجسه؟؟
حرام عليك اللي تسويه فيني
حينها رمى ناصر الملابس على الأرض وخرج
كان يشعر بمرارة عميقة وألم أعمق
(أي وحش قميء أتحول أمامها
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفارقني فيه.. وتعود لأهلها
تعبت من القسوة وأنا ما أعتدت أن اكون قاسيا
ولكنها تستفز قسوتي لتتدفق تلقائيا عليها
أتحول لمخلوق آخر أمامها
مخلوق ليس أنا.. شيء مختلف أكره أن أكونه
تأثيرها علي سلبي ومفرز لمساوئي)
مشاعل جلست على الأرض جمعت ملابسه
ثم عادت لرميها بعيدا لتتناثر متفرقة في أرجاء الصالة
وهي تسحب نفسها لتتسند على طرف الكنبة
كانت تشعر بمهانة عميقة
تشعر أنها عاجزة عن الإكمال بهذه الطريقة
تشعر أنها على وشك الإنهيار
وكان هذا قبل أكثر من أسبوعين.. ومازالت لم تنهار
رغم أن ناصر يثقل عليها العيار كثيرا
ولكن الضربة التي لا تقتلك تقويك
وهي تقوى فعلا لتحكم سيطرتها على حياة ناصر وترتيب كل شيء يخصه
اليوم نهضت من نومها مبكرة وكان ناصر مايزال نائما
صلت الضحى وأعدت الفطور الذي تعلم أنه لن يأكله
والذي أصبحت تعطيه لخادمات بيت عمها ليأكلوه أو ليعطينه لصبيان المجلس
رن هاتفها كان سلطان
مشاعل ابتسمت: هلا والله بالشيخ سلطان
سلطان بنبرة عتب: بلا شيخ بلا بطيخ.. العبي علي
قاعدة مقابلة نويصر وهّملتيني
مشاعل ضحكت بعذوبة: ماعاش من يهّملك.. عيوني لك.. وش اللي يرضيك
سلطان يبتسم: أبيش تلعبين معي بلاي ستيشن
مشاعل تبتسم: ريم أم لسانين عندك.. خلها تلعب معك
سلطان باستنكار: وعيييييه... أشهد أني على العازة.. أخرتها أرجع على الكوبه الرويم الدعلة
يعني أنتي ما تبيني.. حرام اللي راحت عليك يا سليطين
مشاعل تضحك: جيب البلاي ستيشن وتعال.. ناصر راقد وما أقدر أطلع وأخليه
سلطان بغيظ: إيه يا نويصر العز للوز.. شيختهم قاعدة على رأسك تحرسك وأنت مطيخ تشاخر (مطيخ=مستغرق في النوم)
مشاعل بابتسامة: تجي وإلا أغير رأيي؟؟
سلطان باستعجال: لا جاي جاي.. خليني أمغث نويصر شوي مثل ماهو ماغثني..
بعد خمس دقائق وصل سلطان بحقيبة لعبته على كتفه
وكانت مشاعل أغلقت الباب على ناصر حتى لا يزعجه صوت سلطان العالي
مشاعل احتضنت رأس سلطان الذي يصل إلى تحت ذقنها وهي تهمس له:
منت بناوي تطول شوي؟؟
سلطان بتأفف: يا شين ذا الطاري.. أنتي تبغين تكدريني عشان تفوزين علي
بس ماعلي منش.. أنا قاعد عندش لين صلاة الظهر
ويمكن أصلي وأرجع.. لازم أطلع عينش وعين بعض الناس اللي خاسوا من الرقاد داخل
مشاعل تقوده للتلفاز: أدخل أشبك اللعبة وأنا بأروح أجيب لك ريوق
سلطان يشير لها لا ويقول بمرح: موضي ريقتني غصب.. من يوم درت بموعد ملكتها وهي جايها حاطي باطي
وماحد عندها تفش حرتها فيه غيري.. أكلتني لين قدني بأزوع.. قلت خلني أنهزم قدام يجيني فتاق في كرشي
مشاعل بحنان: زين حلا وعصير.. مسوية حلا أنت تحبه
سلطان يستعد للعب وهو يجلس على الأرض ويضع مخدة تحت فخذه:
بعدين بعدين.. والحلا اللي أنا أحبه لو أني غالي كان جاني لين البيت
مشاعل تجلس جواره وهي تتناول الجهاز الآخر: يا شين ملاغتك بس
وش تبينا نلعب؟؟
سلطان بحماس: كورة.. وش ظنش بعد؟؟
مشاعل تضع الجهاز فوق رأسها وهي تقول: سليطين يا ليل ما أطولك
الناس تطوروا والسوق فيه عشرين ألف لعبة
سلطان يختار فريقه ويقول لها بحماس طفولي: يا شين تمرطاس الخسرانين
خلصيني اختاري فريق الخسرانين اللي بيلعبون لش (التمرطاس=المماطلة)
مشاعل بحماس مشابه من أجله: خسرانين قال.. تكلم عن روحك يا سلطة
سلطان يقطب جبينه: الدعوى فيها سلطة.. زين يا ميشو تشوفين
مضت أكثر من ساعة ونصف والاثنان مستغرقان تماما في اللعب
لم ينتبها مطلقا أن هناك ثالث انضم لهما منذ أكثر من نصف ساعة
كان يجلس خلفهما على الأريكة التي كانت بعيدة قليلا عن مكان جلوسهما على الأرض ملاصقين لجهاز التلفاز
كان صامتا ومبهورا بكل معنى الكلمة
كان يرى مشاعل أخرى غير الرقيقة الهادئة التي كانت تتحرك أمامه طيلة الأيام الماضية بمثالية
أنثى حقيقية مليئة بالحياة لدرجة مفجعة تحز في روحه الرجولية غصبا عنه..
تكاد وجنتيها تتفجران احمرارا وأنفاسها تعلو وتهبط
وهي تدغدغ سلطان وتسحبه وتشد رأسه وتحتضنه
بل وتتناول كفه وتعضه أحيانا بشقاوة دون أن تؤلمه
وسلطان من ناحيته يغرز أصابعه في جنبها بشكل مفاجئ كلما كانت الهجمة لها
لتقفز وهي تصرخ وتضربه بشكل هستيري طفولي
ناصر كان مستمتعا بالمراقبة حتى حدث أخيرا ما أجبره على التصريح بوجوده
الهجمة لسلطان فقامت مشاعل بذات الحركة ولكن بشكل مبالغ لأنه ليس سريع الإحساس مثلها.. ظلت تدغدغه حتى خسر
حينها ألتفت لها وعضها في عضدها من ناحية الكوع مباشرة على اللحم لأنها كانت ترتدي نصف كم قريب من الكوع
مشاعل صرخت بألم من بين أسنانها بصوت مكتوم: سلطان يالمتوحش بسك قطعت لحمي
سلطان حين غادرته غضبته الطفولية وأرخى إطباق أسنانه على جلدها
فُجع وهو يرى أثار أسنانه الغائرة في أسفل عضدها
انتفض وهو يرمي اللعبة ويقف على ركبتيه ليحتضن رأسها ويطبع عليه عشرات القبلات ويهمس بوجل: أسف ميشو أسف
جعل سنوني السوسة.. سامحيني فديتش.. جعلني السوسة كني عدتها
مشاعل تضحك ورأسها مختبئ في صدره الصغير: بس خنقتني
ولا عاد تدعي على روحك زعلت عليك
(بسكم)
صوت حازم غاضب يقاطعهما
لا يعلم يقينا ما الذي أغضبه
هل هي عضة سلطان الموجعة لمشاعل؟؟
أم قبلاته واحتضانه الطويل لها؟؟
هل هو خائف عليها؟؟.. أم يغار عليها؟؟
سواءا كانت هذه أو هذي.. فهو لن يعترف بذلك حتى لنفسه في أعمق أعماقه
سلطان يفلت مشاعل ويلتفت لناصر بحرج: صبحك الله بالخير
أربني ما أزعجتك يا بو محمد؟؟
ناصر بمودة: ما أزعجتني .. بس الرجّال الشقردي يعض أخته؟؟
مهوب عيب عليك؟!!
سلطان بخجل: ماكان ودي أجعها.. احتريت شوي
ناصر يهمس له بالنبرة الحازمة المعتادة في حديث الرجال: الرجّال ما يطلع حرته في النسوان
يطلعها في الرياجيل اللي مثله
والرجّال ما يعض.. العض للبزران.. الرجّال يضرب ويوجع
إذا شافوا الرياجيل خصيمه دروا بفعل يمينه في وجهه
سلطان يقف ويميل على أنف ناصر وهو يقول بحماس: تم طال عمرك
واسمحوا لي أترخص
مشاعل بنبرة غامضة: وين بتروح؟؟ ماكنت تقول إنك بتقعد للظهر
اقعد أفطر مع ناصر
سلطان يجمع لعبته ويقول: بجيش بكرة.. اليوم بأقعد مع مشعل شوي قدام يسافر بكرة
حين خرج التفتت على ناصر وهي تقول بعتب غاضب:
مالك حق تحرجه كذا
ناصر يتعكز على عكازيه ويقف على قدمه الوحيدة ليمسك عضدها ويلفه ناحيته ويقول بغضب:
وهو له حق يسوي فيش كذا.. سلطان أخي وفي المجلس أعلمه أكثر من كذا.. ولا عمره تشاينها مني.. (تشاين= رآها شينة أي أستاء منها)
مشاعل شعرت أن مسكته لعضدها تحرقها وتذيب جلدها لتحدث قشعريرة وصلت لعمق عظمها.. ولكنها هتفت بغضب:
تعلمه بكيفك أنت وياه.. ما أردك تعلمه سلوم الرياجيل.. لكن تحط حاجز بيني وبينه ما أسمح لك
إن شاء الله يقطعني أنت مالك دخل.. جسمي وأنا حرة فيه
ناصر بتهور غير مقصود: إلا لي دخل فيه.. مهوب حلالي..
الجملة خرجت حادة كثيفة توحي بعشرات التأويلات غير المقصودة فعليا
وناصر ندم فورا وبشدة على قولها
(أي حلال؟؟ أي خرابيط؟؟.. تخليها تستفزك تقول حكي ماله طعم)
مشاعل شعرت بتوتر كاسح وخجل متعاظم يجتاحها وهي تحاول أن تتماسك أمامه.. وتمسك مكان العضة في عضدها بكفها
وناصر يحاول تغيير الموضوع لجهة أخرى: يعني ماعمري شفتش معصبة إلا اليوم
لذا الدرجة سليطين غالي عليش؟؟
مشاعل حاولت أن ترد ولكن ريقها جاف.. جاف جدا.. وكلمة (حلالي) تخترقها كأسهم نارية موجعة لتبعثر كل أفكارها
همست بخفوت بعد لحظات صمت: بتريق أو كالعادة؟؟
ناصر رد عليها بهدوء غامض وهو يتحرك باتجاه طاولة الطعام: بأتريق
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العشاء
حفل نسائي أسري لسيدات آل مشعل وقريباتهن المقربات
عقد قرآن موضي الذي تم على خير
احتفال بالعروستين اللتين لم يتم الاحتفال بهما
احتفال بالانتهاء من الامتحانات للجميع
وتوديع لهيا المسافرة في الغد
لطيفة المتألقة في فستان أسود تجلس بجوار موضي القلقة في فستانها الزهري الناعم
وتهمس لها من قرب: فكيها.. عيب عليش ذا التكشيرة.. وش تبين الناس يقولون
مغصوبة على العرس.. وهو قده ثاني واحد
موضي من بين أسنانها وهي تحاول رسم ابتسامة: تدرين إنش سخيفة
لطيفة تبتسم من أعماقها: وأنتي أسخف طال عمرش
إلا تعالي قولي لي.. شنو صار في مراسيم الملكة.. راحت علي وأنا في الصالون
موضي بتهكم مصطنع: تدرين نسيت أسجلها عشان أعيدها على مسامعش الكريمة
لطيفة تبتسم: أنا الليلة مبسوطة.. ولا حتى ملاغتش بتخرب مودي
تعالي قولي لي.. قصيتي شعرش وإلا بعد
كانت تسأل موضي لأن شعرها كان مرفوعا في شينيون غجري ولا يتضح طوله
موضي ردت: مابعد
موضي لم تقص شعرها مطلقا منذ حوالي 4 سنوات وطال بدون ترتيب ليصل إلى أسفل خصرها
وشعرها هو الأكثف بين شعر شقيقتيها ونعومته وسواده ثقيلان للغاية
لطيفة باهتمام: يبي له ترتيب واجد.. لو أنتي تبين تطولينه على الأقل قصي أطرافه.. رتبيه قبل عرسش
موضي برعب: وش عرسه أنتي بعد؟؟ تو الناس
لطيفة بنبرة منطقية: بصراحة أنا ما أشوف سبب للتأجيل
موضي برجاء: لطوف بلاها تدخّلين.. وتحنين على رأس أبو محمد وهو يحن على رأس الشيبان
أدري الشيبان ما يأخذون في يد رجالش غلوة
لطيفة تبتسم: الله وأكبر عليش يأم عيون.. ماعاد إلا مشعل تنظلينه
جبهة أخرى هيا في فستان حريري أخضر تجلس بجوار جدتها وتحتضن كفها:
يمه فديتش لا تضايقين.. السنة هذي آخر سنة عندي وعند مشعل
كلها كم شهر وتلاقينا عندش ولا عاد حن برايحين ديرة إن شاء الله
الجدة بحزن عميق: الواحد ضامن عمره لبكرة يحكي عن اللي بيصير عقب شهور
هيا اجتاحها خاطر مرعب (ماذا لو حدث لجدتها شيء وهي غير متواجدة.. لن تحتمل مطلقا.. لن تحتمل) همست بجزع:
يمه الله يهداش وش ذا الحكي.. العمر الطويل لش في الطاعة
الأعمار بيد الله ما تدرين يمكن أكون قدامش.. هو الأجل بالعمر
الجدة بغضب: تفي من ثمش يا بنت سلطان
هيا تحيط كتفي جدتها بذراعها وتقبل كتفها وتقول بمرح: أجل لا عاد تعيدين علي سالفة الموت ذي
ثم أردفت بهدوء:
ماحد يطق من يومه يمه.. لكن الواحد ليش يوجع نفسه ويوجع اللي حوله
(الأمريكانية ذي خذت علوم هل أمريكا
الذيب ما يهرول عبث
وخري من جدتي لا تأكلينها!! خلني أسلم عليها)
معالي الواصلة للتو مع أهلها تميل لتسلم على جدتها بطريقتها الحماسية
فهناك علاقة فريدة عميقة تربط بين الاثنتين
فمعالي مرتبطة كثيرا بجدتها
ابتسمت هيا وهي تسلم بدورها على معالي: وينكم يأم لسانين ليش تأخرتوا
معالي بغيظ: خبرش الكوبي والبيست قعدوا يسبحون لين جاتنا وزارة الماي بكبرها يشتكون
يقولون بيتكم سبب أزمة مياة والدوحة بيجيها جفاف من سبتكم
ثم أكملت (بعيارة): شكلي بأقلب على نظافة الخبلان مثلهم.. كود أغدي مومياء بيضاء مثلهم
جبهة أخرى قريبة
ذات الوقت
مجلس آل مشعل
المتواجدون من الرجال في انتظار حضور البقية لتقديم العشاء
العريسان الجديدان في زاوية يتساسران وعكازات ناصر بجواره
فارس يهمس له: متى بتركب الساق؟؟
ناصر بذات الهدوء: عقب يومين
فارس بأخوية مساندة: مستعد؟؟
ناصر يبتسم: ليه بأدخل معركة.. أنا بصراحة زهقت من ذا العكازات
ودي أسوق سيارتي
أروح افرفر شوي
وأهم شيء أروح الجليلة... ياني اشتقت لذا المخلوقة
فارس بابتسامة: عندك في بيتك مهرة مالها تواصيف وتقول مشتاق للجليلة
أشهد أنه ماعندك سالفة
ناصر سكت على مضض ولسان حاله كما المثل الشعبي
(خلها في القلب تجرح.. لا تطلع للناس وتفضح)
زاوية أخرى من المجلس
سعد ومشعل بن محمد
سعد يهمس لمشعل بمرح: هذا ناصر رجع بالسلامة وراكان تملك
أنا متى بنتظرون لحالي وترأفون فيه.. أبي أعرس يا ناس
مشعل يبتسم: مع أنك رفيقي من سنين لها ونين.. لكني توني أكتشف أنك تغثي كذا
سعد بابتسامة: إيه يا بومحمد اللي يده في الماي... وش عليك؟؟ أنت عندك أم محمد
وأنا كل ما رجعت للبيت ما قدامي إلا وجه بو صبري.. يغدي ودي أهج من البيت
مشعل (بعيارة): يا كثر بربرتك على الفاضي
الحين حن رديناك تحدد موعد للعرس؟؟.. حدد لك موعد مناسب بس يا ليت عقب عرس راكان أو حتى لو بغيتوا حطيناكم مع بعض أحسن
سعد باستنكار: راكان اللي توه متملك تبيني انتظره.. ياكبرها عند الله
مشعل يضحك: أنت اللي ياكبرها عند الله.. وأنت توك متملك مالك إلا أقل من شهر
سعد يبتسم: تصدق أحسب أنها سنتين
زاوية ثالثة
راكان ومشعل بن عبدالله
مشعل بسعادة حقيقية: الليلة أنا كني ماسك النجوم الله يهنيكم ويبارك لكم
راكان بغموض: ويبارك فيك
مشعل باستفسار: ومتى ناوي العرس إن شاء الله؟؟
راكان بهدوء واثق: على عطلة الربيع السنة الجاية
مشعل يبتسم: مع إنه بعيد واجد بس أحسن.. عشان أكون رجعت.. وأنا اللي أرتب لعرسك
ثم تنهد وشيء يخطر بباله: تدري ياراكان.. خواتي كلهم غاليات عندي وغلاهم واحد
بس موضي عندي غير.. من يومها صغيرة وهي عندي غير
راكان في داخله (حتى أنا كانت عندي غير.. بس كانت.. كانت!!)
مشعل يكمل كلامه: ما أوصيك فيها يا راكان عقب.. أنا أدري إنها ما كانت مرتاحة مع حمد..
راكان شعر بألم مفاجئ غير مفهوم من تذكر أن زوجته كانت زوجة لرجل آخر قبله
مشعل يكمل: بس هي ما كانت تشتكي.. أنا عمري ماشفت حد كتوم مثلها
راكان في داخله (في ذي أنا أشهد.. اللي تعرف بزواجي الأول من سنين ولا علمت حد)
مشعل يكمل بهدوء: كان ودي إنها تشتكي لي.. أنا ما كنت مرتاح لحمد.. وكان ودي أتدخل.. لكن بما أنها عمرها ما أشتكت وأنا ماشفت شيء بعيني مالي طريق على الرجّال
راكان اشتعل داخليا (ليتك تدري وش سوى فيها!!)
مشعل يبتسم ويكمل: لكن الحين الله زيّنها من عنده.. وموضي غدت لك
وأنا ترا أبي أقول لك شيء من حقك تعرفه
راكان شعر بتوجس لم يظهر على محياه وقال بهدوء: اللي هو؟؟
مشعل بهدوء: ترا موضي ما عندها أي مشاكل تمنعها من الانجاب..
لا تقول إن ذا السؤال ما خطر ببالك.. مرة لها أربع سنين متزوجة وما حملت
أكيد إنه دار ببالك ذا الاحتمال.. وأنا عارف إنك مستحيل تسأل.. فحبيت أقول لك
راكان شعر بحرج بالغ داخليا.. لأنه فعلا لم يدر بباله هذا الاحتمال ولا حتى لجزء من الثانية
أطفال ؟؟ أبناء له تكون موضي أمهم؟؟
ماهذا الجنون؟؟
ماهذا الجنون؟؟
عودة لحفل النساء في بيت عبدالله بن مشعل
العروستان تجلسان متجاورتين
مشاعل شعرها الكاريه مسدل لأسفل عنقها كالعادة
ولكن من الأمام رُفعت بعض خصلها بطريقة راقية وثُبتت بمشابك بنفسجية
بنفس لون فستانها الذي كان على الطريقة الأسبانية وقصير قليلا من طرف
لنصف ساقها وارتدت معه (بوت) بنفسجي
العنق هاي نك تزينه من الجنب وردة كبيرة وأكمامه لاصقة طويلة
وتدرجات الزينة البنفسجية على وجهها أعطتها ألقا مختلفا ناضحا بالإثارة
بينما العنود كانت فاتنة للغاية وسعادتها الداخلية تنعكس بإشراق على وجهها
وفستانها الشيفون المشجر بتدرجات الأزرق منحها منظرا مفعما بالحياة فعلا
العنود تميل على مشاعل وتهمس بمرح: تدرين فستانش هذا المفروض أنا اللي لابسته
مشاعل ترسم ابتسامة عذبة: خلاص ولا يهمش بكرة بوديه المغسلة يغسلونه وعقب يجيبونه لش
العنود تضحك: تبين أخيش يذبحني.. لو عليه.. لبسني خيشة وسكرها علي لحلقي
مشاعل تبتسم: مافيه شيء الفستان مستور بزيادة هاي نك وكم ماسك لنصف الكف.. حتى الجزء الوحيد العاري فيه تحته بوت
العنود بعذوبة: يأختي مسوي رقابة غير طبيعية للبسي.. جنني
شعرت مشاعل بحزن شفاف يغزو روحها.. لا تريد أن تعقد مقارنة بينهما وبين أي زوجين آخرين.. فهما مختلفان تماما
ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من الحزن.. فناصر لا ينظر لها مطلقا ولا يهتم بأي شيء تفعله أو ترتديه..
هل يتحول لمشعل آخر؟؟ ولكن حتى مشعل القديم في أسوأ حالاته أفضل منه بألف مرة
على الأقل لم يكن يصرح بكراهيته لها ونفوره منها
ولكنها من جهة أخرى موقفهما صباحا مازال ماثلا في مخيلتها
وهي تمد يدها لتلمس عضة سلطان وتبتسم
(المفروض أشكر سلطان على ذا العضة
أول يوم أحس إنه فيه حاجز من الألف حاجز اللي بيني وبين ناصر انكسر
وأول يوم يفطر معي
وحسيت إنه مستمتع مع أنه ما عبر ولا شكر ولا حتى تكلم)
عالية وعلياء كانتا تجلسان متجاورتين كعادتهما.. وعلى محياهما طيف حزن شفاف
معالي تفرقهما وتجلس بينهما وتدخل كل ذراع من ذراعيها في ذراع كل واحدة منهما لتحتضن ذراعيهما وتهمس لهما:
عيب عليكما ذا التكشيرة.. جايين حفلة وإلا عزاء
علياء بحزن: صحيح أخينا حمد واحد ما ينطاق.. وموضي صبرت عليه واجد
وتستاهل كل خير.. وراكان فعلا هو كل الخير
بس.. بس
عالية أكملت بذات النبرة الحزينة: بس هذا ما يمنع إنه احنا نحس بالحزن لأنه احنا عارفين إن حمد رغم شين أطباعه كان يحبها
معالي تضحك بمرارة: يحبها وما يحبكم.. وش استفدتوا يعني؟؟
خلو بنت الناس تشوف نصيبها.. وتشوف لها يوم حلو.. عقب ما طلّع أخيكم عينها
واحمدوا ربكم إنها ماطلعت فضايحه على الناس
علياء باستنكار: يعني أنتي ما تحبين حمد؟؟
معالي بنبرة غامضة خليط من الشوق والغضب والحب: أكيد أحبه
وغصب عني أحبه لأنه في عروقنا يمشي نفس الدم.. وحبي له فطرة
لكن لو جينا للحق.. هو ما يستاهل ولا حتى نتفة حب.. وخصوصا أنه هو نفسه ما يحبنا.. وأكثر من مرة قالها لنا.. وإلا ناسين يعني؟!!
**********************
القاهرة
فندق جراند حياة
الساعة العاشرة والنصف مساء
بدء مراسيم حفل زواج باكينام ويوسف
التي لن تطول كثيرا
لأن طائرتهما ستقلع تمام الثالثة بعد منتصف الليل
لذا حقائبهما أرسلت لجناحهما المحجوز في ذات الفندق
حتى يبدلا ملابسهما سريعا ويتوجهان للمطار
هذه التعليمات علمت بها باكينام من والدها
لأنها لم ترَ يوسف
وهاهي الآن تتأبط ذراع والدها وتقف في أعلى السلم
وتعلم أنه ينتظرها هناك في الأسفل
كم بدا بعيدا وقريبا قبل أن تراه حتى!!
وهاهي تنزل على صوت الدفوف فقط.. بعد أن أصررت على منع كافة أشكال الموسيقى في كل فترات الحفل
كانت غاية في التألق في فستان أبيض ثلجي ملكي من تصميم خالد البحيري
الذي هو بالعادة مبالغ في أسعاره
وحتى يوافق على ترك كل ما بيده ويصنع فستانا لعروسا محجبة بمواصفات خاصة
وينجزه خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين..
طلب مبلغا أكثر مبالغة.. لو كان الأمر لبكينام لكانت رفضت
ولكن والدتها ووالدة يوسف كانتا من أصررتا
كانت تنزل وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشغل تفكيرها ويشعل مشاعرها
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو سمسك بيدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
↚
فندق جراند حياة
البهو الرئيسي للاحتفالات
كانت بكينام تتأبط ذراع والدها.. تنزل السلم الحلزوني.. وهي وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشعل كل تفكيرها شرارت نار متطايرة
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو يمسك يدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
كان في نظرها وسيما للغاية في طقمه الرسمي الأسود..
نظراته محايدة غامضة لا تشي مطلقا بما يمور خلف موج العينين البنيتين
عجزت عن قراءة نظراته.. ولكنه قرأ في نظراتها خوف ما.. خوف موجع.. كما بدت له هي موجعة
( حق لكِ أن تخافي.. بل يجب أن تخافي
فما ينتظركِ كثير.. كثير
لأن مافعلته بي من حقارة لم يفعله أحد سواكِ
ولكن أ كان يجب أن تكوني جميلة هكذا؟؟!!
وشفافة هكذا؟؟!! وعذبة لأبعد غايات العذوبة؟؟!!
لا تصعبي مهمتي هكذا
لا تصعبيها
كوني متوحشة وقذرة كما أنتِ
استفزيني حتى أصفعكِ بقذارتكِ التي أنتِ أغرقتي نفسكِ في أوحالها)
شدت ذراعها النحيل على عضلات عضده الصلبة بعفوية شفافة كأنها تحتمي به
كم آلمته حركتها.. وجرحته.. وآذته..
و
هزت قلبه الحاقد عليها
هزته للحظات بعنف كاسح..ولكنه عاد بعده لصف متاريس قسوته
(أعلم أنني مغرورة ومتكبرة ومكابرة وممتلئة بكبرياء قميء
ولكني أحبك
أقسم أني أحبك
يستحيل أن أقولها
ألا تستطيع أن تشعر بها لوحدك؟!
يستحيل أن أبرر لك ذنبا لم أرتكبه
لِـمَ أنت عاجز عن الوثوق بي؟؟
ما الذي فعلته حتى أكون أستحق أن أكون موضع شبهة؟!
لِـمَ كل شيء بيننا معقد وكثيف هكذا؟!!)
مشيا سويا على وقع الدفوف حتى وصلا لمكان جلوسهما
مئات المعازيم وهما لا يشعران بأحد
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
وأكثر مايشغلهما إحساس كل منهما المختلف بذراع الآخر
وقت ما مر.. وقت لم يشعرا به
وهما يردان بآلية على مئات التهاني
وجدتا باكينام كانتا من تشعران بسعادة مختلفة وهما تريان حفيدتهما الغالية تُزف لرجل كلتاهما ****تان عنه تمام الرضى
ولكن ماذا عن رضى الحفيدة نفسها؟!!
بعد فترة اقتربت الوالدتان من العريسين وهمسا لهما
أنهما لابد أن يزفا الآن حتى يستطيعا اللحاق بطائرتهما
*************************
الدوحة
البنات أطلن السهرة في بيت عبدالله بن مشعل
توديعا لهيا التي ستقلع طائرتها غدا صباحا
وجميعهن طبعا مطمئنات أن أزواجهن كذلك سيطلن السهرة مع مشعل
وقد تمتد سهرة الشباب حتى يصلون صلاة الفجر معا
لذا أطلن السهرة وخصوصا أنهن سيعدن عبر الأبواب الواصلة بين البيوت بعد فتحها كلها
ولن تضطر واحدة منهن لركوب سيارة
وهاهي مشاعل تدخل بيتها حدود الساعة الواحدة وكانت من أوائل المغادرات..
فور فتحها للباب فوجئت بناصر يجلس على الكنبة ويمدد رجليه ويشاهد قناة رياضية
لم تر مطلقا مكان البتر ولكنها اعتادت على رؤية قدم واحدة فقط
سلمت بهدوء وهي ترفع شيلتها عن رأسها
كانت تريد الدخول لتبديل ملابسها
ولكنها قررت أن تخلع عباءتها أمامه وتجلس معه قليلا بزينتها
فما فائدة كل هذا التزين إن كان لن يراه؟!!
رد عليها السلام وهي تخلع عباءتها وتضعها جانبا وتجلس
همست: آسفة ما ظنيت إنك في البيت أو كان رجعت قبل
ناصر ببرود: وأظني قلت لش قبل.. دامش في بيت عمي براحتش
حتى لو تحبين تقعدين هناك على طول يكون أحسن
وصلتها الاهانة المقصودة حادة كنصل رمح مسنون مغموس بالسم
بدأت بدعك أصابعها لتفريغ توترها وحتى لا تبكي أمامه
كان شعرها ينسدل للأمام وهي تنظر للأسفل في حركة باتت تفتنه حتى النخاع مؤخرا
ولكنه يستحيل أن يعترف بذلك لنفسه حتى... فكيف يعترف لها؟!!
وصلها صوته مشبع بتهكم قاس: تدرين إنش عليش حركات غريبة
مشاعل رفعت رأسها وهمست: نعم؟؟
ناصر بذات النبرة المتهكمة القاسية: أنتي الحين مصبغة وجهش بعشرين ألف لون
ولابسة لبس كنه لبس مهرجين..
وعندش إني يوم بأشوفش مثلا بتجيني سكتة قلبية من حسنش وجمالش!!
مشاعل شهقت بعنف فهو فعلا يتجاوز الليلة كل حد في قسوته عليها.. قفزت للداخل حتى لا يراها وهي تبكي
دون أن تعلم أن كل ما قاله ليس إلا تعبيرا معكوسا عن افتتانه بها.. الافتتان الذي لا يسمح له بالظهور حتى بينه وبين نفسه
منذ رأها تخلع شيلتها ثم عباءتها ومنظرها المثير يسكره حتى الثمالة.. حتى بدأت الحرب العكسية وهو يقنع نفسه أنه نافر منها
ونتيجة النفور لابد أن تكون كلمات قاسية كالتي قالها لها
فهو مازال مقتنعا تمام الاقتناع أنها نافرة منه كما كانت نافرة ليلة زواجهما
حين وئدت أحلامه ولهفته بنفورها منه
وهي تهينه بتوقيفه لساعات أمام الحمام وهو يرجوها ويحلف لها
ولكنه الآن يشعر بألم عميق لأنه يعلم أنه جرحها.. ألا يكفي أن يتجاهلها حتى تمر الفترة التي حددها هو لإنفصالهما؟!!
لِـمَ يجرحها بهذه الطريقة المريعة رغم أنها لم تفعل شيئا تستحق عليه هذا التجريح؟؟
أ لأنها كانت فاتنة وفتنتها كانت فوق احتماله يعاقبها على افتتانه بها؟!!
مشاعره الغريبة مؤخرا أصبحت هجينا غريبا من افتتان موجع ونفور متوحش ناحيتها
وباتت هذه المشاعر تحيره وتمزقه وتعطله عن التفكير المنطقي
كيف ينفر منها كما لو كانت وباء معديا وفي ذات الوقت يُفتن بها حتى آخر نقطة في دمه وخلاياه؟!
مضت أكثر من ساعة هو يشاهد برنامجا لم يفهم منه حرفا.. حينها قرر أن يقوم ليصلي قيامه وينام
دخل كانت نائمة على السرير
توضأ وصلى ثم توجه لجهته المعتادة وتمدد وهو يتمتم بأذكاره
سمع صوتا خافتا.. خافتا جدا.. لم ينتبه في البداية رغم أن الصوت كان مستمرا من قبل دخوله للغرفة
التفتت ناحيتها كان كتفاها يهتزان بخفة غير ملحوظة
ولكنها كافية ليعلم أنها تبكي
يعلم أنها تبكي كثيرا ولكنه لم يرها مطلقا وهي تبكي
جرحه بكاءها.. جرح رجولته التي يعتز بها
(عن أي رجولة أتحدث
وأنا أستمتع بتجريح هذه العاجزة عن مجاتهني!!)
مد يده لكتفها ثم تردد وأعادها وهو يمسك كفه بكفه الآخرى
ثم عاد لمدها وهو يضعها على كتفها ويهمس بحنان تلقائي: مشاعل
لم ترد عليه
ناداها للمرة الثانية: مشاعل قومي كلميني
نهضت وهي تحاول إخفاء وجهها المتورم بالبكاء عنه
همس لها: طالعيني
رفعت وجهها.. لم تحتمل نظرة الحنان في عينيه
لأول مرة بعد عودته ترى هذه النظرة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء هستيري
ناصر صُدم.. صُدم لأبعد حد..
وهو يشعر كما لو أن قنبلة ما انفجرت في وسط صدره لشدة وطأة المشاعر التي اكتسحته وآلمته لأقصى حد
لم يتحرك هو.. لم يحتضنها.. وظلت يداه ساكنتان لجواره
وهي رأسها يسكن بين عضلات صدره وتحت ذقنه وهي تتعلق بجيبه
شعر بالألم.. بالغرابة.. بالشجن.. وأحد أحلامه الغريبة يتحقق
حلمه القديم أن يستنشق رائحة شعرها الطفولي
وهاهي رائحته العطرة المسكرة تخترق خياشيمه حتى آخر حد
وهو يشعر بنعومته الفائقة تحت ذقنه
كان إحساسا غريبا موجعا ورائعا وعصيا على كل تفسير
لم يغير أي منهما وضعيته لا هي رفعت رأسها عن صدره
ولا هو احتضنها كما قد يُفترض
حين أفرغت مشاعل طاقتها الأولى في البكاء بدأت تشهق وتقول:
حرام عليك ناصر اللي تسويه فيني.. والله أنا ما أستاهل منك كذا
حتى لو أنت ما تبيني.. وتقول إني ضيفة عندك شهر شهرين
الواحد يجرح ضيفته ويهينها بذا الطريقة؟!!
على الأقل راعي مشاعري شوي لين أرجع لبيت هلي
************************
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
حدود الساعة 3 بعد منتصف الليل
مشعل يدخل غرفته بهدوء
ليفجع بالمنظر أمامه
كانت تجلس على الأريكة تضم رجليها المثنيتين لصدرها
وشعرها الطويل منسدل حولها
وجهها مختبئ بين ركبتيها
وتبكي
مشعل سارع بالجلوس جوارها وهو يرفع شعرها ويجمعه خلفها ويرفع وجهها ليهمس لها بقلق مرتعب:
حبيبتي ليش تبكين؟؟ حد قايل لش شيء؟؟
هيا أسندت رأسها لصدره ليحتضنها بخفة وهي تهمس بألم من بين بكاءها:
ما أبي أسافر.. أبي أقعد عند هلي
قالت (هلي) بتلقائية عميقة شفافة.. ابتسم مشعل وهو يرى كيف أصبحت منتمية لهم وهمس لها بحنان:
خلاص ماباقي شيء علينا... شهر 7 إن شاء الله خلاص راجعين ومستقرين
هيا بعمق موجع: ياطولها يا مشعل هذي سبع شهور..تونا شهر 1 الحين
قبل كنت أهرب من الدوحة..أهرب من ذكرى سلطان اللي مابقي لي منها شيء.. بس الحين أنا في حضن ريحة سلطان وبين هله
لأول مرة أحس بالأمان كذا.. أحس لي ظهر وأهل يحبوني ويهتمون فيني
مهوب هاين علي جدتي واجد متأثرة من سفري.. تدري حتى فراق عماني وبنات عمي وسلطان الصغير كل شيء يوجعني يوجعني..
مشعل همس لها بعتب وهو يمسح على شعرها: يعني كل الناس مهوب هاينين عليش.. بس مشعل يهون!!
يهون عليش تخلينه بروحه
هيا رفعت رأسها وهي تهمس برعب: حبيبي أشلون تقول كذا؟؟
مشعل بنبرة عتب مقصودة ومدروسة: والله هذا اللي الواحد يفهمه من كلامش
هيا بعذوبة: صحيح هم هلي.. بس أنت شيء ثاني
أنت قلبي اللي ينبض بين ضلوعي.. روحي اللي تردد بين جوانحي
مشعل وقف وهو يقول بنبرة حزن مصطنعة: إيه قصي علي
عقب ما كسرتي خاطري.. جاية تلعبين علي بكلمتين
هيا ابتسمت وهي تمسح دموعها: مشكلتك ما تعرف تمثل
تعال أعطيك كورسات.. ما حد يمثل مثل النسوان
مشعل عاد لها ليوقفها ويبتسم وهو ينظر لعينيها ويهمس بمرح:
ومتى مثلتي علي أنتي؟؟
هيا تضحك: أووووووه.. طول أول أيام زواجنا وأنا أمثل
لين صرت أستحق جائزة الأوسكار
مشعل باستفسار لئيم: مثلتي ويش؟؟؟
هيا ابتسمت وهي تضع كفها على خده:
مثلت إني ما أحبك وأنا بأموت عليك.. مثلت إني ما أهتم لما تكلم أي مره وأنا بأولع من الغيرة
مثلت إني في غرفتي ماني بمهتمة متى ترجع مع أنه أذني على الباب ومستحيل أرتاح لين أتطمن عليك
مشعل تناول كفها من خده ونقلها لشفتيه ليطبع في باطنها قبلة عميق ويهمس:
صدق نصابة.. شهرين نشفتي ريقي على الفاضي
ثم أردف كمن تذكر شيئا: هاه كل شيء جاهز لبكرة؟؟
عاد وجهها ليغيم: يعني لازم تخرب المود الحلو... إيه كل شيء جاهز
شناطي وشناطك كلها جهزتها
باقي بس الهدية اللي اشتريتها لبكينام عشان زواجها
أخاف أحطها في الشناط تنسرق أو يصير لها شيء
بأخليها في شنطة صغيرة في يدي
*******************************
قبل ذلك بقليل
توقيت آخر وبلد آخر
القاهرة
أحد أجنحة جراند حياة الملكية
يوسف وباكينام كانا يصلان لباب جناحهما معهما والدتيهما
منال همست لهما وهي تتوقف هي وسوازان عند الباب:
احنا ئاعدين في اللوبي تحت نستاكم عشان نوصلكم المطار
وسوزان همست في أذن ابنتها: ستجدين طقما كاملا معلقا في الدولاب
ووضعت لك معه حذاء مناسبا مريحا وأنيقا.. وحقيبة يد متوسطة الحجم حتى تتسع لأغراضك وحقيبة أخرى صغيرة طقم معها للمطار لأدواتك الخاصة
أتمنى أن يعجبك ذوقي
باكينام احتضنت والدتها وهي تقول بتأثر: دائما يعجبني ذوقك..
سوزان تعاود الهمس: هناك رحلات دائمة بين واشنطن ولندن
حاولي أن تزورينا مرة في الشهر لو استطعتي كما كنتي تفعلين
باكينام تبتسم بحزن: سأحاول إن شاء الله
منال همست: هابعت الشيالين دلوئتي يشيلو شنطكم
وسيبوا كل حاجة أنتو مش عاوزينها
أنا هأرجع وأشيل كل حاجة
دخل الاثنان
توتر باكينام يتصاعد للقمة.. فهو لم يحادثها مطلقا خلال المراسيم السابقة
كان كل حديثه مع الناس المهنئين
شعرت أن تجاهله لها مقصود تماما
واستمر تجاهله حتى الآن
تناول ملابسه المعدة للسفر دون أن ينظر لها حتى
ودخل إلى الحمام
باكينام تنهدت وهي تقترب من المرآة وتبدأ بفك دبابيس الحجاب الأبيض الذي يغطي شعرها
كانت الدبابيس كثيرة جدا.. واستغرقت وقتا طويلا وهي تفكها
ولم تنتبه حتى فاجأها صراخه: أنتي فاكرة إنو عندنا اليوم بطولو وأنتي بتتدلعي كده..خلصيني
كان جاهزا بعد أن خلع بدلته الرسمية السوداء وأرتدى بنطلونا من الجينز
وبلوفرا صوفيا خفيفا يبرز من تحته قميص أبيض
باكينام همست بهدوء بدون أن تنظر ناحيته: على فكرة أنا سمعي 6 على 6 ومش طرشاء
تلائي الناس اللي في السويت اللي جنبنا اتفزعوا من صواطك
كانت تفك الدبوس الأخير وتنزل طيات الحجاب الكثيرة حين اقترب منها وأدخل يده في شعرها ليشده بخفة ويهمس في أذنها تماما بنبرة غضب مكتوم:
تعودي لما تكلميني تبصي ناحيتي
أخر مرة أسمح لك تكلميني وانتي مدياني ظهرك
التفتت باكينام ناحيته وهي تنتزع يده من شعرها بحدة مفاجأة لتخرج بعضا من شعيراتها في يده.. كلاهما شعر بالألم
هي بألم فعلي لأن الشعرات المنتزعة بسبب تصرفها الأرعن آلمتها
وهو بألم روحي وهو يرى الخصلات الذهبية تتلوى بين أنامله السمراء
باكينام همست له بحدة: وأنا آخر مرة أسمح لك تمد إيدك عليا بأي طريئة
وربنا لو عدتها.. لأكون خرباها وئاعدة على تلها زي ما بتقول
ولا يهمني الدبلوماسي ولا ابن العمدة ولا أي حد
ثم تجاوزته وهي تفتح الدولاب لتأخذ ملابسها التي أشعرتها بالضيق فعلا
فوالدتها يبدو أنها تريد أن يعلم الكل أنها عروس
كان طقما مكونا من بنطلون وقميص واسع للركبة باللون الأبيض الذي يزينه خطوط ناعمة باللون الفضي مع حجاب وحذاء وطقم حقائب الكل بنفس اللون
لم يعد لدى باكينام وقت للاعتراض أو كان رفضت أن ترتديه
فهذا اليوسف يشعرها أنها ذاهبة لعزاء وليس لبدء حياة زوجية جديدة
توجهت للحمام وأبدلت ملابسها بسرعة
وتركت الفستان معلقا في الحمام لتعود والدتها أو والدة يوسف لأخذه
منظرها العذب الرقيق هز أوتار قلب يوسف بعمق
إنسدال هذه السلاسل الذهبية على الفضاء الأبيض
كان يراقبها وهي تجمع شعرها وتلبس حجابها ..ويشعر بأسى عميق..
لِـم كان يجب أن يحبها كل هذا الحب؟!!
ولِـم تكون هي فقط من تطوع قلبه العصي على الترويض
لتصفعه بعد ذلك بخيانتها له وهي على ذمته
بدون حتى أن تشعر بأي ذنب أو تحاول أن تبرر له أي شيء
كان لديه استعداد شاسع لتصديقها لأنه يريد أن أن يصدقها
ولكنها لا تحتاج للتبرير لأنها خائنة وقلبها مع سواه
فماذا تبرر؟؟ ولماذا؟؟
هكذا كانت أفكار يوسف التي تلتهم أفكاره وتدمي رجولته وهو ينظر لها وهي تتحرك بآلية لتنجز مهمتها التي بدت بغيضة على قلبها
كان واقفا شاردا فيها حتى بعد أن وقفت أمامه وتهمس له
لم يسمع ماذا تقول.. كان محلقا في بحر عينيها.. في التواء شفتيها.. في بريق نظرتها المختلفة التي تصيبه بالجنون
نقرت كتفه بإصبعها برقة وهي تقول بهدوء: يوسف كل ده سرحان
بأئول لك خلصت خلاص
يا الله ننزل
لم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بإصبعها التي تنقر كتفه
أمسك إصبعها بين أنامله بطريقة تملكية
ثم نفض يده بحدة وكأن إصبعها نجاسة ستلوث يده
حركته كانت تلقائية ومقصودة في آن
والمعنى وصل باكينام وجرحها لأقصى حد
ويوسف يحمل جاكيته ويقول لها بهدوء واثق: يالله بينا
ورانا 11 ساعة طيران متواصل
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل يدخل إلى الغرفة .. كانت لطيفة تجلس على التسريحة تخلع ساعتها وخاتمها حين دخل
ابتسم بعدما سلّم وهمس وهو يقترب منها: زين ما بعد بدلتي
أشوف وش لابسة
لطيقة بعذوبة: توني واصلة أصلا..
مشعل باهتمام: وجودي ومريوم توهم ينامون ذا الحين؟؟
لطيفة وهي تخلع سلسلتها وتضعها في العلبة أمامها: لا ناموا من بدري
بس مريوم نامت عند خالتها ريم.. وجودي شلتها وجبتها معي
ترا حتى حمودي وعبودي ناموا عند سلطان
مشعل يبتسم: يعني وزعتي عيالنا الليلة على الجيران.. ثم استفسر باهتمام: وجودي وينها؟؟ خليتيها في غرفتهم بروحها
لطيفة تضحك: طل على السرير وراك
مشعل ألتفت وجود تنام بالعرض على السرير.. ابتسم وهو يقترب منها ويتمدد جوارها ويطبع الكثير من القبلات على يديها الصغيرتين وجبينها
لطيفة تقف وهي تقول بخفوت: بسك مشعل بتصحيها
مشعل يقف ويهمس: واحنا أشلون بنام وبنتش ماخذة السرير لها بروحها
لطيفة برقة: أصلا بأرتب لها مكان على الكنبة اللي تنفتح.. هي ترفس واجد ولازم تنام بروحها
مشعل بخبث: إيه خليها تجرب سرير أبيها اللي كان مطرود عليه كنه فيه جرب
لطيفة تقترب وتقرص خده بوله: إبيها كان يستاهل.. قال يبي يتزوج علي.. اللي ما يستحي
مشعل يهمس بلؤم: أستاهل هاه؟؟ أجل خلاص اللي ما يستحي جايب لش شيء وبيرميه في الزبالة دامه واحد ما يستاهل
لطيفة بترقب: جايب لي شيء؟؟
مشعل يتجه للدولاب ويفتحه ليخرج كيسا وهو يبتسم: هدية الخلاص من الامتحانات
لطيفة تبتسم: زين خلها لين أنجح وأجيب النسبة.. أو حتى خلها أخر السنة
مشعل يمدها بالكيس الفخم لتتناوله منه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويقبلها بعمق: لا... هدية النجاح شيء ثاني
أنت بتروحين معي وتختارينها على كيفش
أما هذي فشيء بسيط والله العظيم مهيب قدر ظفرش عندي
أما هدية آخر السنة فهذي بتكون شيء ثاني ثاني وأنا اللي باختارها لش على ذوقي..
لطيفة تهمس وهي تقبل صدره حيث يصل مستوى رأسها.. ثم تسند رأسها على صدره:
تدري مشعل أنت عمرك ما قصرت علي بالهدايا الغالية
بس ذا الهدية عندي غير.. لأنه الهدية بمضمونها مهوب بقيمتها
ثم أردفت بشجن:
تكفى مشعل ما تتغير علي ولا تجفاني مثل أول
والله العظيم أموت.. أنا قبل عايشة معك وأنا ماجربت نكهة حنانك
بس عقب ما غرقتني بمشاعرك وأرويت عروقي.. من غيرها بأموت من العطش
مشعل يحتضنها بشدة كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وهو يهمس لها بحب مصفى:
لا تجيبين طاري الجفا
ماحد ذاقه مثلي.. ذوقتيني إياه أشكال ألوان
طلعتني مني الأولي والتالي..
بس ما أقول إلا الله لا يحرمني منش بس
************************
بعد ساعات كثيرة
أمام بيت صغير لكن شديد الفخامة والأناقة في منطقة جورج تاون /كولومبيا ديسكرت
قبل المغيب بتوقيت واشنطن
توقفت سيارة أجرة أمام البيت
ترجلت باكينام وهي تنظر بدهشة للبيت.. كثيرا ماعبرت هي وهيا من أمامه
وعبرت عن إعجابها به وبحديقته المنسقة بذوق رفيع
كثيرا مالمحت رجلا عجوزا فيه.. كيف لم تلمح يوسف؟؟
سخرت من نفسها (ربما لو لمحته تلك الأيام لظننته خادما يعمل في البيت!!
لشدة ماسخرت مني يوسف وجعلتني أضحوكة لك
حتى الآن!!
حتى الآن!!)
طوال الرحلة التي استغرقت 14 ساعة.. 11 ساعة طيران متواصل.. وساعتين في مطار القاهرة وساعة في مطار دالاس بواشنطن
لم يتحادثا سوى بعبارات محدودة.. وكل منهما يتجاهل الآخر عمدا
يوسف حمل الحقيبتين الكبيرتين بخفة وهو يعبر سياج الحديقة ثم الحديقة
ليقف أمام باب البيت ويطرق الجرس
لتفتح الباب لهما عجوز مكسيكية بدينة باسمة كادت تحتضن يوسف حين رأته
لولا أنها تذكرت أنه لا يرضى أن تلمسه رغم أنها تعتبره تماما كواحد من أبنائها السبعة المشردين بين أمريكا والمكسيك
همست مرحبة: أهلا جو.. أطلت الغياب هذه المرة.. ولكن بفائدة
ثم أكملت وهي تحتضن كف باكينام:
هذه الجميلة تستحق.. بل هي أقل مما كنت تصف و..
يوسف يقاطعها بشكل مقصود قبل أن تكمل حديثها الذي لا يريدها أن تكمله: ماريا أين سانتياغو ؟؟
باكينام انتبهت.. ومن هي بذكائها لا يفوتها هذا
(يبدو أنه كان يثرثر للعجوز عني
ولكن متى.. قبل عودته للقاهرة؟؟)
ماريا بمودة: ذهب لإحضار بعض مستلزمات العشاء.. فأنا اعد للعريسين وليمة الليلة
يوسف بتحذير: إلى أين ذهب؟؟
ماريا تبتسم: إلى محل حسين.. مابك بني.. نحن نعمل عندك منذ سنين..
ونعلم أنك لا تأكل إلا من محلات المسلمين
ثم ألتفتت ماريا لبكينام وهي تقول باحترام: هل تود صغيرتي تناول شيء معين؟؟
باكينام أخيرا تكلمت وهي تهمس: لا شكرا.. أنا فعلا أود أن أستحم لأصلي ثم أنام فقط
ابتسمت ماريا: لا لن تنامي قبل أن تتعشي.. ولكنتك جميلة تشبه لكنة جو تماما
ابتسمت لها باكينام : هل كل المكسيكيات أسمائهن ماريا؟؟
ضحكت ماريا: ماريا هو الاسم الأول لغالب اللاتينيات.. أنا اسمي ماريا جورجيانا.. ولكن ماريا لوحده أسهل.. والأمريكيون يحبون الأسهل
بإمكانك أن تستحمي.. فأنا بدأت فعلا بإعداد العشاء.. تبقت أشياء قليلة
أنتظر زوجي سانتياغو ليحضرها
كان يوسف واقفا متأملا في الحوار وكيف اندمجت باكينام فورا مع ماريا
(غريبة كيف تنازلت هذه المغرورة للتباسط مع ماريا؟!!!)
باكينام استأذنت: اسمحي لي ماريا.. أين أضع أغ**** لأستحم؟؟
تعمدت سؤالها وتجاهل يوسف
ماريا لم تنتبه أصلا ولكن يوسف انتبه.. وماريا تجيب بعفوية: لا يوجد في الأعلى سوى غرفة واحدة غرفتكما
باكينام تنهدت (أي كابوس أعيشه.. حتى أشاطر هذه المصيبة المسماة يوسف
غرفة واحدة وحماما واحدا)
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
***************************
صباح اليوم التالي في الدوحة
مطار الدوحة الدولي
مشعل وهيا يصلان المطار عبدالله هو من أوصلهم ومعه سلطان الصغير
سلطان يجلس مع هيا في المقعد الخلفي وبينهما مسافة فاصلة
همس لها بجدية مصطنعة: هيا.. أنتو رايحين الهند وإلا أمريكا؟؟
هيا بصوت مختنق وهي تتناول منديلا آخر من علبة المناديل وتدخله تحت نقابها:
أمريكا.. تستعبط يا سليطين؟؟
سلطان بذات النبرة الجدية المضحكة: تصدقين على كرتون الكلينكس اللي خلصتيه من بيتنا في المعيذر لين المطار
حسبتش تبين تأخذين كورس تدريب قبل تروحين الهند وتطلبين يعطونش الجنسية
وأنا أضمن لش تأخذينها من أول مرة.. خلصتي دموع أكثر من عشر أفلام هندية مع بعض..
يعني علامة جودة هندية أصلية ولا دهن التاتا وهزة الرأس
هيا تضربه على كتفه وهي تهمس بألم : تدري إنك سخيف وأني باشتاق لسخافتك وملاغتك وثقل دمك
سلطان بمرح شفاف: أدري الترجمة بتشتاقين لخفة دمي وحلاوتي ولساني اللي ينقط سكر
تقف السيارة ويتوقف قلب هيا وهي تشعر أنها عاحزة عن التنفس.. تهمس لسلطان بألم عميق شاسع مغمور بالمرارة والشجن:
تكفى سلطان سلّم على جدتي وأمي أم مشعل والبنات كلهم..
سلطان يتجلد وهو يمنع نفسه من إظهار التاثر: ترا حن مهوب في زمن قوافل الأبل.. الناس بالشهور ما تدري عن بعض
أول ما توصلين افتحي الماسنجر وأوريش خشة جدتي على الكام كنش قاعدة معنا
ينزل جميع من في السيارة عبدالله يحتضن ابنه ثم يقبل رأس هيا وهو يهمس لها بثقة أبوية حانية: شوفيني أقول لش قدام مشعل
ترا والله ثم والله لا تمسين ليل وانتي مضيومة من مشعل وما تتصلين فيني تعلميني
يا أنه زعلي عليكم ثنينكم دنيا واخرة
كانت جملته المسمار الاخير في نعش تجلد هيا التي أسندت راسها لصدر عمها وهي تنخرط في بكاء حاد
عمها احتضن رأسها وهو يقول بقلق حقيقي: وش فيش يا أبيش؟؟ مشعل قايل لش شيء؟؟
مشعل اقترب منهما وهو يهمس: هو كل شيء مشعل مشعل.. والله ماقلت لها شيء
وتراكم فضحتونا العالم يتفكرون فيكم
هيا رفعت رأسها وهي تهمس: جعلني ما أبكيك يبه..مشعل والله مايقصر..بس تذكرت إبي.. ومشتاقة لكم.. وكل شيء جاء مع الثاني
همس لها عبدالله بشجن: تعيشين وتذكرينه بالخير
الله الله في نفسش وفي رجالش وأي شيء يقصركم وإلا تبغونه كلموني
مشعل نادى الحمالين الذين تناولوا الحقائب ودخل مع هيا لداخل المطار
بينما غادر عبدالله وابنه سلطان الصغير المطار عائدين للبيت لوحدهما
***********************
بيت يوسف/ واشنطن
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
يوسف يتجاوز باكينام صاعدا للأعلى وهو يقول بنبرة خاصة: هذه الفتاة تحمل من الأثقال الكثير
الكثير ماريا.. أثقال تكفي لهدم جبال.. فكيف بمن هو مثلي؟!!
ماريا هزت كتفيها بحرج وهي لم تفهم مقصده.. بينما باكينام فهمته تماما
وهزت هي كتفيها عدم اهتمام.. فهي مرهقة جدا وغير مستعدة لأي ملاسنة أو نقاش
صعدت خلفه..
كانت غرفة واسعة على الطراز الأمريكي الخالي من الدولايب
الدولاب (الكلوزيت) هو غرفة صغيرة معدة بأرفف وعلاقات بمختلف الأشكال
والغرفة عبارة عن سرير ضخم.. وتسريحة ضخمة.. وأريكة واحدة
وحمام شاسع.. وفقط
كانت الغرفة دافئة رغم برودة الجو الصقيعية في الخارج
والجو يغري بالنوم.. ولكن باكينام قاومت هذه الرغبة حتى لا تحبط العجوز التي تعد العشاء في الأسفل
رغم أن آخر ما تفكر به هو الجلوس مع يوسف على طاولة واحدة كزوجين طبيعيين بينما هما أبعد ما يكون عن مصطلح الطبيعية ومضمونها
كان يوسف يجلس على الأريكة ويخلع حذائه حين همست باكينام ببرود:
ممكن تجيب لي شنطتي.. أو أنزل أسحبها؟؟
لم يرد عليها وهو ينزل حافيا ليحضر حقيبتها ويضعها أمامها بخفة ويقول لها ببرود:
أنا هاستحمى على بال ما تطلعي لك غيار
والعشاء هيكون بعد صلاة العشاء
************************
الدوحة بعد صلاة العصر
راكان خارج من المسجد ويركب سيارته ليتوجه لتدريب الرماية
يرن هاتفه.. يرى الاسم ويبتسم:
هلا والله بأبو عبدالله
أكيد توك واصل لندن ذا الحين
مشعل باستعجال: راكان اسمعني عدل
أبيك الحين فورا تحجز لك أنت وموضي وتجون لندن على طيارة الليلة
راكان بصدمة: نعم؟؟
مشعل بهدوء رغم قلقه: اسمعني عدل
أنا انمسكت في مطار هيثرو وهيا الحين في استراحة المطار
أنا قلت لها ما تطلع من المطار مكان.. أبيكم تجون عشانها
أنا حالتي حالة.. أحاتيها هي وبس..
أدري عندك فيزة مفتوحة من الديوان تجددها السفارة البريطانية سنويا
وتقدر تسافر فورا
راكان بصدمة أكبر: انمسكت ليه؟؟.. عشان الموضوع التافه اللي قبل سنين؟؟
تماسك وهو يكمل: وبعدين موضي ما تبي لها فيزة؟؟ والفيزة تبي لها كم يوم
وتو حن متملكين البارحة مايصير أسحبها معي اليوم
أنا باجيك بروحي.. ومرتك بنوديها لبيت السفير لا تحاتيها
مشعل باستعجال حازم: موضي عندها فيزة لبريطانيا من الصيف اللي فات.. أنا سويتها لها
كان المفروض تسافر مع أمي بس ما قدرت
والفيزة كان مدتها سنة ولسفرة وحدة.. وهي مابعد استخدمتها
تكفى راكان لا تعقدها
موضي مرتك وأنا في ظرف طارئ.. لا تسويها سالفة
الليلة تكونون عندي
هيا انهارت يوم شافتهم امسكوني..وأنا على أعصابي عشانها
أبي موضي تجي عندها تهديها.. ولو سالفتي بتطول أبيكم ترجعونها معكم للدوحة
راكان بحزم: تم يابو عبدالله.. موضي عندها خبر؟؟
مشعل وهو يستعد لإغلاق هاتفه: أنا كلمتها قبل أكلمك
وبتلاقيها جاهزة تنتظرك
↚
سيارة راكان
الحوار الصادم الدائر بين راكان ومشعل
مشعل باستعجال: اسمعني راكان
مابي أي حد يدري بشيء
لا تروعهم على غير سنع
ترا حتى موضي ما تدري.. قلت لها هيا تعبانة وأني احتست فيها وأبيها تجي
لما تصير معك في الطيارة بلغها
راكان بنخوة: خلاص يا ابن الحلال تم
خلني الحين أشوف حجز مستعجل
****************************
بعد صلاة العصر بقليل
بيت عبدالله بن مشعل
لطيفة تدخل غرفة موضي وهي مقطوعة الأنفاس تدخل لتلقي بنفسها على السرير وتهمس بصوت مبهور الأنفاس:
وش فيش روعتيني؟؟ هذا أنتي طيبة.. وش صاير عشان تقولين لي خلي كل اللي في يدش وتعالي الحين الحين
موضي التي كانت تنقل بعض ملابس دون تفكير لحقيبة صغيرة همست بنبرة غير محددة الملامح: بأسافر لندن الليلة مع راكان
مشعل يقول هيا تعبت عليه.. ويبيني أجي وبيقول لراكان يجيبني
لأنه راكان عنده فيزة مفتوحة.. وأنا عندي فيزة مابعد استخدمتها
لطيفة برعب: وش فيها هيا؟؟
موضي بنبرة ميتة فعلا: مشعل طمني يقول إنها إن شاء الله بخير
بس هو خايف عليها شوي
لطيفة بارتياح: الحمدلله
ثم أردفت بنبرة اهتمام: زين يوم إنها طيبة.. ليش أنتي كنه مات لش حد؟؟
موضي بذات النبرة الخالية من الحياة: لطيفة أنتي سامعتني أو لا؟؟
أقول لش بأروح مع راكان
لطيفة ابتسمت: زين وش فيها؟؟ تكونين رايحة مع ولد الجيران تمشية
رايحة مع رجالش عشان أخيش طلبش.. وش فيها؟؟
موضي بدأت نبرتها تتغير وتهتز: أخر ماعندي أبرد ماعندش
تستعبطين أنتي؟؟
لطيفة تنهدت: ياقلبي يا موضي.. أنتي الحين وش اللي مضايقش؟؟
راكان على ضمانتي إنه ما يضايقش بأي شيء
موضي تبحث لها عن حجة: والناس وش بيقولون علي؟؟ تملكت أمس وسافرت معه اليوم
لطيفة بهدوء: ماحد بقايل شيء.. واللي بيقول يضرب رأسه في الطوفة.. واللي عنده ريال يقطعه..
دامش ماسويتي شيء غلط ولا حرام ولا منقود.. ماعليش من حد
ويالله خليني أساعدش ...أشوف وش خذتي في شنطتش؟؟
وهما في حوارهما رن هاتف موضي.. كان فارس..
موضي بتوتر: هلا فارس
فارس باستعجال: موضي أنا في مكتب السفريات.. راكان طلع لكم حجز بعد حوالي 3 ساعات.. وأنا جاي أخذ التذاكر.. اجهزي بسرعة
أنا اللي بأوديكم للمطار.. نص ساعة بالكثير أبيش واقفة بعباتش
موضي شعرت كما لو كانت ضُربت على رأسها بصاعقة: نص ساعة؟؟
فارس يغلق هاتفه وهو يقول باستعجال: خلصيني
موضي انهارت جالسة على السرير وهي تضع هاتفها بجانبها وتقول كأنها تحادث نفسها: فارس يقول نصف ساعة ونروح المطار
لطيفة باستعجال وهي تزيحها: أنا بأكمل ترتيب شنطتش
وأنتي طلعي عباتش وشوفي أغراضش الخاصة اللي تبينها
وكلمي مشاعل تجي تشوفش لا تسوي مناحة إذا درت إنش رحتي ما شافتش
موضي بتوتر: كنت أبي أتسبح
لطيفة تمسك بشعر موضي المبلول جزئيا وتقول باستغراب: شكلش توش سابحة
موضي بتوتر: كنت توني طالعة من الحمام وأبخر شعري يوم كلمني مشعل
لطيفة باستغراب: زين ليش تبين تسبحين مرة ثانية؟؟
موضي وهي تدور مرتبكة: أخاف حد يشم ريحة البخور بشعري
ضحكت لطيفة: تدرين إنش عبيطة.. دام إنش ما بخرتي ملابسش ولا تعطرتي ماحد بشام ريحة عطر فيش إلا حد يحط خشمه في رأسش دايركت
ثم أكملت وهي تغمز لها وتخبرها بالسبب الحقيقي لتوترها: راكان مثلا!!
*****************************
بيت ناصر
ناصر يدخل بعد صلاة العصر
كانت مشاعل تقرأ في مصحفها وهو يفتح الدولايب يبحث عن شيء لم يجده
طال الوقت وهو يبحث ولم يسأل مشاعل رغم أنها أنهت وردها وأغلقت مصحفها وكانت تنظر له
بينما هو كان يتجنب فعليا أن يسألها.. أصبح يكره مؤخرا إحساسه الدائم إنه في حاجتها.. فهي أصبحت تحكم قبضتها الحريرية على كل شيء
هي من تخرج له ملابسه.. تجهز له كل شيء.. تحضر الشيء قبل أن يطلبه
يشتهي شايا يجده أمامه.. يشتهي تناول شيئا حلوا يجده أمامه
يشعر بالبرد وهو يشاهد التلفاز يجدها تحضر له غطاء
وأصبح بالفعل يستغرب قدرتها الغريبة في استشفاف رغباته وحاجاته دون كلام
كان منحنيا قليلا حين اقتربت منه وهمست بالقرب منه: ناصر وش تدور؟؟
رفع رأسه بشكل حاد ومفاجئ ليضرب رأسه في ذقنها وتسقط هي بشكل عنيف للوراء وتصدر عنها أنة ألم خافتة
ناصر بقلق لم يظهر في صوته وهو يمد لها يده اليمين ويرخي ثقله على قدمه السليمة ويشدد احتضان يساره للعكاز: أنتي بخير؟؟
مشاعل تبتسم وهي تمسك بيده لتنهض: بخير مافيني شيء
رفعها عن الأرض بخفة وهو يشدها إليه.. ثم أراد أن يفلت يدها ولكنها لم تترك يده وهي تحتضنها بيديها الاثنتين
ناصر بهدوء: مشاعل فكي يدي.. هذا أنتي واقفة ومافيش إلا العافية
مشاعل لم ترد عليه وهي تنظر ليده السمراء الكبيرة القابعة بين يديها الصغيرتين الشفافتين
أحنت رأسها وطبعت على ظاهر كفه بالقرب من إبهامه قبلة عميقة شديدة الرقة
ناصر صُعق تماما.. شعر أن مشاعره نُسفت.. وبقلبه أعاصير هوجاء وشفتاها العذبتان تعانقان بشرة يده بحنو
رفعت رأسها لتلتقي عينيهما.. مازال ناصر غير قادر على الاستيعاب ورأسه يدور من تأثير قبلتها الكاسح على دغدغة مشاعره
بدت له قبلتها طويلة جدا وقصيرة جدا.. والحقيقية الفعلية التي ينكرها هو أنه تمنى ألا تنتهي هذه القبلة أبدا.. إحساسه بقربها اللاسع مدمر ورائع ومليء بالعنفوان
ولكن ردة فعله كانت أنه نفض يده من يديها وهو يبتعد ويهمس بقسوة:
أعتقد أني قلت لش قبل الحركات البايخة هذي مالها داعي
شعرت مشاعل بالألم... بالكثير منه.. الألم الشعور الذي اعتادته حتى أصبح مرافقا لها
لا تعرف يقينا ما الذي دفعها لتقبيل يده رغم أنها تعلم أن ردة فعله ستكون قاسية
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
(كيف بدأ يستولي على مشاعري بهذه الطريقة؟!!
هل أحبه؟!!
أحببته؟!!
ما أعلمه هو أنه يتغلغل في روحي بطريقة تملكية موجعة)
مشاعل صمتت وهي تتراجع لتجلس وناصر يكمل بحثه
أخيرا قال لها بهدوء مستفز: فيه ملف فيه أوراق للشغل ما أدري وينه
مشاعل نهضت وتوجهت لدولاب صغير في طرف الصالة مدت يدها فوقه وأعطته المفتاح وهمست: كل أوراق شغلك رتبتها هنا وسكرت عليها
ناصر بغضب: وأنتي من اللي سمح لش ترتبين أوراقي؟!!
وش ذا اللقافة اللي عندش
يعني إلا تدخلين نفسش في كل شيء حتى شغلي..
صرتي تدخلين في لبسي وأكلي قلت ماعليه.. ومشيتها لش..
بس لين شغلي وبس.. سامعتني
مشاعل بقيت واقفة كتمثال محنط حتى أنهى سيل غضبه غير المبرر عليها
وهكذا أصبح!! مجرد سيل كاسح من قسوة غير مبررة يحاول بها طمر مشاعره ناحيتها
كلما شعر أن افتتنانه بها يزيد كلما زاد في قسوته عليها
وكأنه بهذه القسوة يحمي نفسه من تسلطها على روحه ومشاعره
حينما انتهى من الصراخ وفتح الدولاب
توجهت لغرفتها وتمددت وتغطت
كانت تود أن تهرب من أمامه منذ بدأت طلقاته الكلامية في التدافع
ولكنها شعرت أن في هذا إهانة له واستخفاف به.. لذا ظلت واقفة أمامه تتلقى بصمت سيل كلماته الموجع حتى انتهى..
ثم غادرت لتسمح لقلبها المجروح أن ينزف
ناصر فتح الدولاب تفاجأ فعلا بدقة تنظيم كل شيء
لو بقي لعشر سنوات يرتب أوراقه لما نجح في ترتيبها بهذه الطريقة
شعر بالألم من أجلها وبالكراهية لنفسه
لم يكن يوما قاسيا هكذا
ولكن ماذا يفعل؟؟
القسوة أصبحت سلاحه الوحيد أمام قدرتها الغريبة على التسلل لما تحت جلده
كان غارقا في تفكيره وهو يقلب الأوراق التي أشغلته مشاعل عنها
رن هاتفان معا.. هاتفه وهاتفها
هو راكان
وهي موضي
هي خرجت من الغرفة.. وهو دخل
همست وهي تخفي وجهها عنه: بأروح لهلي.. موضي بتسافر الحين
ناصر باستعجال: وأنا بأروح للمجلس أشوف راكان قبل يسافر
***********************
واشنطن/ بيت يوسف
قبل صلاة الفجر
البارحة تعشيا معا بصمت.. تجنبا تبادل الحديث
فكلاهما مرهق بشدة وليسا بحاجة لفتح أي موضوعات قد تؤدي لنقاش حاد كلاهما في غنى عنه
وخصوصا أن أي حوار بينهما أصبح ينذر بمعركة وشيكة
حين أنهت العشاء غادرته وهو بقي في مكتبه في الأسفل يراجع أطروحته ليعيد تواصله معها وخصوصا أنه في مرحلته الأخيرة منها
باكينام صعدت
تنهدت بعمق وهي تنظر لنفسها في المرآة
كانت تبدو مرهقة فعلا ولكن غاية في العذوبة في فستان كاجوال بلون السماء
ارتدته بعد أن تحممت وصلت
(لم يكن هناك أي داع أن ألبس له أي شيء خاص
فهو لم ينظر لي مطلقا
أشك إن كان حتى لاحظ مالبست)
ولكن مالم تعلمه أنه نظر.. بل تفحص ..ومنظرها العذب الرقيق يحز في روحه المعذبة
ولم يكن تحججه بمراجعة الأطروحة سوى وسيلة للهروب منها وتأثره برقتها وحضورها الكاسح الموجع لمشاعره
كان يراقبها بشجن عميق وألم أعمق..وهي سارحة تقلب طعامها بشوكتها دون أن تتناول منه سوى أقل القليل
وفي عينيها يستوطن حزن شاسع..
ثم نهضت وغادرت وعيناه تشيعانها بوجع
ارتدت بيجامتها.. صلت ثم نامت فورا من شدة تعبها ودون أن تفكر بأي شيء
في منتصف الليل صحت من نومها على لفح أنفاس دافئة على وجهها وأنامل تلف خصلات شعرها في حلقات لولبية وتمسح أطراف وجهها
فتحت عيناها.. كان وجهه قريبا.. قريبا جدا منها
همست بضعف: يوسف سيب شعري
همس في أذنها بعمق وخفوت: اشششش
وهاهي الآن قبل صلاة الفجر تنتظره بعد أن خرج من البيت قبل أكثر من ساعتين بعد أن قضى ساعة كاملة وهو يستحم
تشعر بألم عميق.. عميق.. عميق
لا يمكن أن يكون لهذا الألم الذي تشعر به حدود أو مسافات
موجوعة وتشعر بإهانة مرة
أشعرها أنها رخيصة.. قذرة.. نجسة
مصطلحات جارحة لم تخطر بأسوأ أحلامها يوما
( أ لهذه الدرجة يراني قذرة؟!!
يستحم لساعة ثم يهرب من أمامي
ماذا فعلت حتى أستحق منه هذا المعاملة
يفكر الفكرة ثم يصدقها
أنا لست مجبرة أن أبرر له ذنبا لم أرتكبه
أنا لم أخطئ بشيء.. ولن أعتذر عن خطأ لم أفعله
ولكني متعبة من هذا الوضع
أنا أحبه فعلا بل أعشقه..لماذا كل ما بيننا معقد هكذا؟؟)
أذن الفجر وهو لم يعد بعد
صلت صلاتها ثم قررت أن تنزل لتنتظره في الأسفل
يوسف بعد أن صلى الفجر.. كان مرهقا فعلا ويريد أن ينام
لذا عاد للبيت.. كان يتوقع أنها قد تكون عادت للنوم لذا تفاجئ بوجودها جالسة على مقعد مقابل للباب
همس وهو يتجاوزها صاعدا للأعلى: تصبحي على خير
باكينام همست بحزن عميق: يوسف.. أعتقد أنو لازم نتكلم شويه
عاد وجلس على كرسي قريب منها وهو يشبك كفيه أمامه: نعم؟؟
باكينام بألم: أنت عندك شك أنك أول راجل يلمسني؟؟
يوسف يهز رأسه نفيا بثقة: لا طبعا..
باكينام بنفس النبرة النازفة ألما: أمال بتعمل كده ليه..؟؟
يوسف بنبرة عميقة وهو يسند ظهره للخلف: العزرية فكرة أعمق بكتير من مجرد حدود الجسد
أنا تأكدت إني أول راجل يكون جسمك ليه.. لكن هل أنا أول راجل يكون ئلبك ليه؟؟
تعرفي باكي.. أنا كان ممكن أسامح أي حب ليكي ئبل ما نتجوز
مع أنو فكرة إن مشاعرك تكون لأي راجل حتى ئبل ما أعرفك بتدبحني..لكن كان عندي استعداد أسامح..
لكن إنك تستمري تحبي حد بعد ما بئيتي مراتي..دا اللي مستحيل أسامحك عليه
صمت يوسف.. انتظر منها ردا.. ردا ما ينفي كل شكوكه..
كم هو مستنزف من الألم..مستنزف
يحتاج إليها أن تخبره أن كل ما برأسه هو محض شكوك لا أساس لها من الصحة
وأنها مثلما كانت له جسدا.. هي له روحا وتفكيرا وقلبا
يحبها
يحبها
اليوم هو في غاية اليقين أنه سيبقى يحبها حتى آخر نفس يتردد في روحه
ولكنه يريدها له كاملة غير مجزأة
يريدها له وحده جسدا وروحا
مستقبله وتفكيره وحياته تتعلق كلها على كلمة واحدة من بين شفتيها
ولكنها صمتت
صمتت
أسوأ أنواع الصمت وأبشعها
صمت يدينها في نظره
صمت يحرث قلبه بمناجل الغيرة والغضب واليأس والألم
باكينام وقفت بهدوء بارد وتجاوزته بهدوء أبرد
لتترك سكونا صقيعيا يغرق ساحة المعركة المنتهية خلفها
والصقيع يتسلل إلى القلبين ليلفهما بدثاره المتجمتد
(لن أريحك..
عش بشكك مادمت قد أرتضيت أن تفكر بي هذا التفكير
حتى بعدما منحتك جسدي ومعه روحي
يا لا غبائك..
يا لا غبائك!!
هل تفكر أني سأمنحك جسدي قبل أن أمنحك قلبي
أو ربما فكرت أني منحته لك تعويضا عن قلب لم تناله
غبي .. غبي!!)
غادرته.. لتتركه وجرح قلبه يتعمق ويتعمق ويتعمق طوليا وعرضيا وفي كل الاتجاهات
قلبه ممزق
ممزق تماما
تــمــامــا
****************************
بيت عبدالله بن مشعل
الأصيل
بعد صلاة العصر بساعة
سيارة فارس تدخل لداخل السور وراكان يجلس إلى جواره
موضي في صالة البيت الرئيسية
تسلم على عائلتها المتواجدة بكاملها بدءا من جدتها ووالدها
حتى ريم وأبناء لطيفة
والدها وهو يحتضنها همس في أذنها: لا تحاتين شيء يا أبيش
أنا بكرة بأقدم لي على فيزه وبألحقش أول ما تخلص
موضي وضعت كفها على خده وهي تقبل خده الآخر وتهمس له بحب عميق ممزوج بالاحترام:
مافيه داعي فديتك تتعب روحك.. السالفة كلها يومين ونرجع
جدتها همست بقلق: تكفين يأمش خلي هيا تكلمني أول ماتوصلين
لطيفة احتضنت كتف جدتها وقبلت رأسها وهي تقول لها بخفوت:
تلاقينها حامل يمه.. وولد ولدش احتاس ما عرف وش اللي فيها
عينا هيا الكبيرة التمعت بفرح وهي تهمس للطيفة: ظنش كذا يا لطوف؟؟
لطيفة بتأكيد كاذب حتى تطمئن جدتها القلقة: ظني وأبو ظني بعد
موضي تقبل والدتها وتهمس لها: يمه لا تنسين
ترا قطرة جدتي ماعاد باقي فيها إلا شوي يالله تكفيها لبكرة
أرسلي حد يجيب لها..
والدتها تحتضنها بعمق: لا تحاتين مشاعل منتبهة من البارحة وتقول بتروح تجيب لها بنفسها
موضي تتأكد من إرخاء عباءتها وشيلتها وأن لا شيء يظهر منها
تتنهد بعمق وتوجس وقلق وعشرات المشاعر المتضاربة تتقاذفها كريشة في خضم عاصفة هوجاء
لتخرج مع والدها وشقيقها سلطان للسيارة التي تنتظرها خارجا
وسلطان يسحب حقيبتها الصغيرة خلفه بعد أن أقسم ألا يحملها أحد سواه
↚
لندن
مكتب التحقيق التابع للشرطة البريطانية (اسكوتلانديارد) في مطار هيثرو
رجل شرطة انجليزي يقترب من مشعل بأغلال ليقيد يديه استعدادا لنقله لمكتب التحقيق الرئيسي
مشعل يرفع يديه بحدة ويبعدها عن الشرطي وهو يهمس بغضب:
لن أسمح لكم بتقييدي كأني محكوم في جريمة
أنتم تتجاوزون كل الأعراف المعروفة
تراجع الشرطي الانجليزي للخلف..
فرغم تراجع شهرة مرونة الشرطة البريطانية التي عُرفت به وخوفهم من التورط في أي مخالفة دستورية
إلا أن الوضع مازال متحكما في فكر بعض أفرادها كما غُرس فيهم
فالشرطة البريطانية عُرفت أنها الأكثر مرونة بل وخوفا بين كل قوات شرطة العالم
فقبل عدة سنوات لا تستغرب أن ترى رجل شرطة بريطاني يُضرب في الشارع دون أن يدافع عن نفسه
لأنه يخشى أن يصيب المهاجم بأي إصابة فيرفع عليه دعوى.. والقاضي سيحكم فورا ضد الشرطي
ولكن بعد موضة مكافحة الإرهاب التي شاعت في العالم أصبحت الشرطة البريطانية أكثر تحكما وقسوة
ولكن وضعهم بالتأكيد أفضل بألاف المرات من كثير من قوات الشرطة في دول كثيرة
رئيس التحقيق نهض واقترب من مشعل وهو يهمس بهدوء: مابك سيدي؟؟
لا بد من تصفيدك بالأغلال حتى تتم عملية النقل
مشعل بغضب: وأنا لن أسمح لكم بتصفيدي فأنا لست مجرما
ولم أعرف بعد ما تهمتي
كما أنكم لم تسمحوا لي بإحضار محامي
أي عدالة هذه؟؟
رئيس التحقيق بهدوء مهني: سيد مشعل نحن مجرد مكتب مؤقت ولسنا مخولين بإعطائك أي تفاصيل
اسمك موجود على اللائحة السوداء ولا أعلم ماهي تهمتك تحديدا
لابد أن تتوجه لمكتبنا الرئيسي وتستطيع أن تهاتف محاميك ليقابلك هناك
مشعل بثقة: لا بأس.. ولكن لن أسمح لأحد بتقييد يديّ..
رئيس التحقيق: لا بأس.. سأتجاوز عن الأصفاد
ثم يشير لرجلي شرطة ليحيطا به ويقوداه للخارج
كان مشعل يتمنى أن أن يهاتف هيا ليبلغها أنهم سيقتادونه خارج المطار
ولكنه بعد مكالمته مع موضي وراكان أخذوا جهازه المحمول
ومتعلقاته الشخصية كلها.. حتى حزامه وقلمه وحذاءه
لذا قرر أن ينتظر حتى يصل مركز التحقيق ويتصل بالسفارة وبالمحامي
وحينها يستطيع مهاتفتها وطمأنتها من المركز
رغم أنه يعاني قلقا كاسحا عليها
فهي كانت متوترة جدا من توقفهم في لندن
وظهر أن لتوترها وخوفها سببا فعليا
وخصوصا أنها تشعر أن الذنب ذنبها لأن التوقف كان من أجل إكمال نقص في أوراقها هي من تسببت فيه
لذا انهارت في بكاء هستيري وهم يمسكون به ويبعدونه عنها
الأمر الذي أصاب مشعل بالجنون قلقا عليها
**************************
الدوحة
سيارة فارس المتوجهة للمطار
منذ ركوب موضي والصمت يعم السيارة المنطلقة بسرعة
عدا حوار متقطع بين راكان وفارس
موضي جلست خلف فارس وكأنها تحاول بدون أن تقصد أن تبتعد عن راكان قدر ما تستطيع
ولكن موقعها أتاح لها رؤيته بشكل أوضح وهي ترى صفحة خده
إنها المرة الأولى التي تراه من هذا القرب الشديد.. مجرد سنتيمترات بينهما
شعرت بألم مر يجتاح روحها المهزوزة
وهي تراه في جلسته الواثقة التي ألتهمت المقعد في استرخائه الفخم عليه..
كان يسند كوعه اليسار إلى المسند بينه وبين فارس.. ترى بوضوح ساعته الفاخرة
كفه الكبيرة بعروقها البارزة الدالة على قوة يديه التي اعتادت معالجة الأسلحة ومعانقة بيادق الشطرنج.. ولكنها ماعرفت يوما معانقة أنامل إمراة ما!!
تراه أسطورة كما كانت تراه طوال سنين مراهقتها
فكه المرتفع وشفتاه المزمومتان بقوة
العارض المحدد بأناقة في خده الأسمر
وسامته المختلفة عن أي رجل في نظرها.. عامرة بعبق رجولة صميمي موجع
حضوره المتألق الواثق الذي يوحي بسيطرته المتحكمة بشفافية غير متسلطة على ماحوله
كل هذا أورثها إحساسا متعاظما بالمرارة والندم على تهورها في تلك الليلة المشؤومة حين طلبت منه أن يتزوجها
شعرت أنها باهتة بجواره.. باهتة للغاية.. وضئيلة للغاية
شعرت كما لو أنهما يمثلان ثنائية الجبل وحبة الرمل
هو الجبل وهي حبة الرمل
من سيرى حبة الرملة بجوار الجبل؟!
وكيف ينحني الجبل ليصل لمستوى حبة الرمل؟!!
فعليا وحقيقة موضي لها ألق خاص جدا.. قد لا تكون بجمال لطيفة أو حتى مشاعل ذات الجمال الهادئ..
ولكن موضي كانت مليحة جدا
لها جاذبية مثيرة والعين لا تمل من النظر إليها
وشخصيتها وحديثها مختلفان ممتعان وعميقان
ولكن حمد وحياتها معه حطمت كل ثقتها الأنثوية بنفسها أمام أي رجل
فكيف أمام راكان الذي كانت تراه هي بالذات رجلا أسطوريا مختلفا؟!!
حمد مارس عليها خلال أربع سنوات أبشع صنوف القهر والإذلال والمهانة بل والتحقير
كلما شعر هو بالنقص.. حرص على أن يشعرها بنقص أكبر حتى يضمن أن تبقى أسيرته.. وحتى يبقى منتشيا برجولته المريضة
وصلا للمطار وهي غارقة في أفكارها المرة المثقلة بالألم
نزل فارس لينادي حمالا
حينها ألتفت راكان لموضي وهمس بصوته العميق: موضي
موضي انتفضت بعنف وهي تسمع صوته يخاطبها بشكل مباشر للمرة الأولى رفعت عينيها له بخجل وهي تهمس بتلقائية: لبيه
شعرت كما لو أن ماسا كهربائيا صاعقا شطرها نصفين وعيناها تتعلق بعينيه وأسر نظرته المختلفة
راكان من ناحيته لم يكن يشعر بأي شعور خاص..
محرج قليلا من سفرها معه..
ولكن إحساسه بها لا يختلف عن إحساسه بالعنود أو مريم
مجرد أخت ربما
أضطرتهما الظروف للسفر معا
وسيتعامل معها على هذا الأساس
همس لها بهدوء: لبيتي في مكة (داخليا تأثر من ردها التلقائي عليه "لبيه")
ثم أردف: يا الله انزلي
نزلا كلاهما
هو بثقة.. وهي بتوتر مرتعب
وفارس كان قد أنزل حقيبتيهما ويقف مع الحمال
توجها للداخل وفارس ودعهما
همس في أذن موضي: ترا راكان ما يعض شكلش رايحة عزا
لطالما كانت علاقتها بفارس استثنائية همست في أذنه برجاء عميق: خلك معي شوي
فارس يبتسم ويهمس في أذنها: سيارتي واقفة في الممنوع.. يعني بتفيدش ذا الخمس دقايق
يالله مع السلامة وسلمي على مشعل
موضي وقفت بتوتر وراكان همس لها بهدوء: موضي تعالي
كانت تمشي بعيدا عنه قليلا
راكان تراجع وهو يهمس لها بثقة حانية: موضي لو سمحتي خليش جنبي إلا لو تبيني أمسك يدش كنش بزر
موضي أدخلت كفيها في كمي عباءتها رعبا أن يفعلها وهي تهمس: خلاص خلاص جنبك
أنجزا معاملتيهما ودخلا لداخل المطار انتظارا لإقلاع الطائرة المتبقي عليه حوالي ساعة وربع
توجها لقاعة انتظار الدرجة الأولى وهي تمشي بجواره وتتمنى لو كان بينهما كل مسافات الأرض وبحورها وجبالها وسهولها..
جلسا.. موضي جلست مقابلا له في أحد زوايا الصالة الشاسعة وبينهما طاولة زجاجية صغيرة
وهي تتحاشى رفع عينيها إليه
همس لها: تبين تشربين شيء؟؟
موضي هزت رأسها بلا..
راكان وقف وهو يقول بهدوء: أنا بأروح أتوضأ باقي على صلاة المغرب شوي..
تبين توضين؟؟؟
هزت رأسها بلا.. وهمست بخفوت والكلمة تخرج متحشرجة كما لو كانت تكاد تختنق بها: متوضية
حين عاد راكان كان يجلس خلفه ومقابلا لموضي شابان جاءا وراكان غائب في الحمام
كانت موضي غير منتبهة لشيء لأنها لم ترفع رأسها أساسا لشدة توترها وخجلها من الموقف الذي وضعت فيه
لم يخطر لها ما حدث ويحدث ولا حتى في أسوأ كوابيسها
راكان جلس ثم همس لها بثقة: موضي تعالي اجلسي على الكرسي اللي جنبي
موضي بتوتر: نعم؟؟
راكان بذات النبرة الواثقة الهادئة: أقول تعالي على الكرسي اللي جنبي
موضي حين رفعت رأسها ورأت الشابين المقابلين لها عرفت سبب طلبه
رغم توترها قامت تنفيذا لطلبه وجلست جواره
راكان طلب هذا الطلب بتلقائية..فلو كانت أخته سيطلب منها ذات الطلب
ولكن موضي توترت (يعني أنا حد بيطالعني.. أنا حتى مهوب مبين مني شيء
حتى الشيلة منزلتها على النقاب
وش عنده ذا؟؟
يتمسخر علي يعني
وإلا يبي يحرجني؟؟)
تنهدت وهي تنهض
(لا حول ولا قوة إلا بالله
شكلي ماني مخلصة ذا الرحلة إلا مستخفة
مستحيل راكان يفكر ذا التفكير
أنا اللي مخي مركب شمال)
جلست على المقعد المنفرد المجاور له
وهي تعتصم صامتة بمكانها
حتى أذن المغرب.. وقاما للصلاة
أعطاها رقم هاتفه حتى تتصل به فور انتهاءها من الصلاة
صليا كلاهما
ثم توجها لركوب الطائرة
مقعدان متجاوران.. وقلبان أبعد ما يكونا عن التجاور والتقارب
شعرت بتوتر عميق وأن درجة حرارة رأسها ترتفع
تشعر أن دماغها يشارف على الغليان..
فرغم اتساع مقاعد الدرجة الأولى ولكن أقل حركة منها ستجعل كتفها يلامس كتفه
أو ربما قدمها تضرب في قدمه
أخذت المقعد الأقرب للنافذة والتصقت بها وهي تحاول أن تبتعد عن مداه المسيطر
وألقه الذي يشعرها بالضآلة
وحضوره الذي يشعرها بالنقص
ووجوده الذي يربك مشاعرها ويحصرها في زاوية مقيتة تبدأ من انتقاص الذات لتنتهي بامتهانها
راكان يشعر بالفعل بخجلها وتوترها وهو يحاول ألا يزيد عليها وأن يراعي مشاعرها
ولكنه لا يستطيع أن يفعل أكثر من هذا في هذا الظرف الذي وضعا فيه
أقلعت الطائرة
همس لها بهدوء اعتيادي ودود : موضي.. تحبين تمددين ..افتحي الكرسي شوي
الرحلة طويلة
موضي بخجل: لا لا.. مرتاحة كذا
جاء العشاء ورفضت موضي أن تأكل.. راكان كان سيأكل من أجلها فقط من باب اللياقة
وحين رفضت رفض هو أيضا
رفضا كلاهما فتح التلفازات الموجودة أمامهما
تناول راكان الجريدة وبدأ في قراءتها
وموضي أسندت رأسها للناحية البعيدة عن راكان
واستغرقت في تفكيرها الخاص
والـــمــــوجـــــع!!
**********************
واشنطن/ الساعة 11 صباحا
يوسف ينهض من نومه وهو يشعر أن جسده مفتت وعظامه تؤلمه
فهو قضى ليلته البارحة يتجول في طقس صقيعي بعد أن أخذ حماما وشعره مازال مبلولا
شعر ويشعر أن البرد دخل في عمق عمق عظامه
يحتاج لحمام ساخن ينفض عن عظامه البرد
فتح عينيه وهو ينظر لجواره.. لم يجدها
البارحة صعدت قبله.. وحين صعد وجدها تتمدد على السرير وهي تلف جسدها حتى رأسها بالغطاء
تمدد جوارها والألم يستوطن كل خلية وذرة في عقله وقلبه
عاجز عن التفكير.. ويجهل كيف يتعامل معها
هدد كثيرا أن ينتقم منها ويأدبها
ولكنه بينه وبين نفسه يعلم أنه مثقل بحبها وفي ذات الوقت مثقل بالألم والجرح منها
وبين الحب والألم وجد نفسه مصلوبا على مشانق الحيرة واليأس
مازال ألم البارحة غير الإنساني يحز في كل شريان من شرايينه
كيف يجتمع لامرأة ما أن تكون رائعة هكذا!! ومريعة هكذا!!
رائعة.. ومريعة !!
أحرف متشابهة... ووجع لا شبيه له في تنافرهما
أخذ حمامه الساخن وشعر بالنشاط
ارتدى ملابس دافئة ونزل للأسفل
لم يجد باكينام!!
سأل ماريا عنها
أجابته ماريا بحرج:
نزلت مبكرا وهي تحمل حقيبتها
***********************
الدوحة
بيت فارس بن سعود
الساعة العاشرة مساء
كانت العنود تجلس مع أم فارس في صالة البيت الرئيسية
الاثنتان تتبادلان الحديث وتشاهدان برنامجا دينيا على التلفاز
دخل فارس
سلّم ثم جلس
همست العنود برقة: تعشيت؟؟
فارس نظر لها مليا ثم همس بغضب مكتوم من بين أسنانه:
أنا كم مرة قايل لش اللبس ذا ما تطلعين فيه برا غرفتش
كانت العنود ترتدي بنطلون برمودا وبلوزة بدون أكمام
العنود نظرت بتوتر لنفسها وهي تهمس بحرج: الوقت متأخر ومافيه حد بيجينا
وبعدين مافيه حد غيري وغير أمي وضحى
فارس بحدة: وترادين بعد
العنود وقفت وهي تهمس بصوت مختنق: آسفة.. بأروح أبدل
فارس شعر فورا بالضيق من نفسه..فهو يغار عليها بجنون
يغار عليها حتى من الخادمات.. ولا يريد أن تبصر مفاتنها عين سواه
ولكنه تضايق لأبعد حد من أسلوبه الحاد معها
يعلم أنها رقيقة ولا تحتمل قسوته التي مازال عاجزا عن كبح جماحها
ما أن غادرت حتى ألتفتت له أمه وهي تقول بنبرة حانية:
شوف يأمك.. أنا ما أحب أتدخل بينك وبين مرتك
بس هذي مهيب أول مرة تحرج العنود على سبة لبسها قدامي
فارس بهدوء: هذا أنتي قلتيها.. مهيب أول مرة.. يعني تدري إني ما أرضى تسوي ذا الشيء.. ليش تسويه؟؟
أم فارس بحنو: يأمك البيت مافيه حد غيري أنا وياها.. وهي قبل كانت لابسة جلابية
وعقب طلعت فوق وبدلت تنتظرك.. وأنا اللي دعيتها..
العنود صغيرة ومدللة من يوم هي في بيت هلها.. تكفى يأمك ما تحزنها على سبة شيء ما يستاهل..
وحتى لو عندك شيء تبي تقوله لها.. عندكم غرفتكم قول لها وأنت بروحكم..
لا تكسر نفسها وتلاغيها قدام حد.. حتى لو كان أنا
فارس همس بهدوء رغم ضيقه: إن شاء الله يمه
أم فارس بتشجيع: زين اطلع لها.. أدري إنها خلاص ماعاد هي بنازلة عقب ما فشلتها
فارس يحتضن ذراع أمه ويقبل كتفها وهو يهمس بحب ممزوج بالاحترام:
والله مافيه مثلش يمه في الحريم كلهم
خليها شوي.. أدري إنها تبكي الحين
وأنا ما أستحمل دموعها
بعد شوي بأطلع
****************************
بيت مشعل بن محمد
الساعة 10 مساء
لطيفة متوترة جدا وتشعر بضيق عميق
تدور في غرفتها انتظارا لمشعل
مشعل دخل الغرفة وعيناه تبحث عنها كعادته
كانت تقف مكتفة يديها
اقترب منها .. رفع وجهها همس لها بقلق: لطيفة وش فيش؟؟
وجهش فيه حكي
لطيفة ابتلعت ريقها وهي تشد ذراعه لتجلسه ثم جلست جواره
وهي تقول بصوت متجلد لكن مختنق: أبي أقول لك شيء
أنا ما تصرفت بشيء لين أقول لك ونتصرف سوا
مشعل بحدة خفيفة: لطيفة بدون مقدمات.. وش فيه؟؟
لطيفة بألم عميق وخوف أعمق: أنا لقيت زقاير في أغراض حمود
******************
بيت ناصر
الساعة 11 مساء
عاد ناصر منذ حوالي ساعة لم يجدها في الصالة ولا في الغرفة
استغرب فهي لم تستأذنه للذهاب لمكان
ورغم أنه في كل مرة تستأذنه يهبها بعضا من كلماته المسمومة
ولكنها لم تتوقف مطلقا عن استئذانه
نظر للهاتف بيده (أتصل فيها؟؟
مستحيل
مستحيل
يمكن عند أمي وبترجع بعد شوي)
وهو يفكر سمع صوت خلاط كهربائي قادم المطبخ
شعر براحة غير مفهومة أنها هنا.. وقريبة منه
عاد لغرفته استحم وصلى وهي مازالت تعمل في المطبخ
جلس يشاهد التلفاز وهي لم تخرج من المطبخ
وهو يقاوم رغبة عارمة أن يذهب لها ليرى ما الذي يشغلها كل هذا الوقت
في نهاية الأمر وجد نفسه ينهض ويتوجه لها
نظر لها مليا وهي مشغولة تماما في إعداد أكثر من صنف من الحلوى
مشاعل كانت تشعر بضيق عميق يكتم على قلبها وتفكيرها
فهي تعلم أن سفر موضي بهذه الطريقة المفاجئة ليس إلا لمصيبة
وتعلم أنه حتى لو كانت هيا مرضت.. فمشعل يستحيل أن يقلقهم ويستدعي موضي
فمشعل قادر على التصرف.. ولطالما أحكم سيطرته على كل شيء
وليس مرض هيا بالشيء الذي سيعجزه إلا لو كان هو نفسه عاجز عن التصرف
وهذا الخاطر أصابها بتوتر عظيم وقلق أعظم
وحاستها السادسة تعمل بحساسية مرعبة لتنبئها أن هناك خطبا ما بمشعل
همس ناصر بهدوء فيه رنة سخرية: عندنا حفلة آخر الليل؟؟
مشاعل التفتت عليه وهي تهمس بخفوت متوتر: أنا زهقانة وحبيت ألهي نفسي شوي
ناصر بذات نبرة السخرية: ومن اللي بياكل ذا كله؟؟
مشاعل بهدوء: بيت هلي وبيت هلك وبيت فارس ومشعل وعمتي نورة والمجلس والجيران
ولو زاد أرسلنا للحارة للي جنبنا
ناصر بغضب: تمسخرين حضرتش؟؟
مشاعل بانفعال: تكفى ناصر.. الليلة أنا ماعندي طاقة أتحمل قسوتك
لو قلت لي كلمة زيادة بأروح أنام عند أمك
ناصر بغضب أكبر: وتهددين بعد؟!!.. روحي أبركها من ساعة
كان لسانه يقول شيئا مختلفا عما يشعر به.. فور أن أنهت جملتها التهديدية:
" أنها ستغادره لتنام في مكان آخر"
شعر بالخواء.. خواء متوحش جارح.. شعر أن المكان سيكون خاليا كصحراء مدهرة دون أنفاسها
كيف سينام دون تقلب جسدها الرقيق بجواره؟!!
ولكنه كعادته مؤخرا.. مشاعره الحقيقية مطمورة في نقطة عميقة حتى هو نفسه عاجز عن الوصول إليها وإلى كنهها
صمتت مشاعل فهي لا تريد استفزازه
ولكنه لم يصمت: فالحة بس تهددين.. يا الله روحي.. ليش واقفة؟؟
مشاعل خلعت المريلة التي كانت تغطي بيجامتها الحريرية.. وألقتها جانبا وخرجت دون أن ترد عليه
توجهت للغرفة الخالية وأغلقت الباب على نفسها
*************************
طائرة محلقة في السماء
متوجهة لمطار هيثرو
وتبقى على وصولها حوالي ساعتين
موضي بقيت تفكر لوقت طويل وهي منطوية على نفسها بعيدا عن راكان
حتى داعب النوم أجفانها وهي على ذات الوضعية
وراكان بعد أن أنهى قراءة الجريدة التفت لها ..بدت له نائمة
فأسند هو رأسه للكرسي دون أن يفتح الكرسي لوضعية التمدد
وأغلق عينيه ليغط هو أيضا قليلا
بعد وقت ما لا يعرفه تحديدا
صحا على رائحة عطر خفيف ولكن عميق تداعب أنفه
فتح عينيه
كان رأسها على كتفه
شعر بالحرج ليس من أجل نفسه
ولكن من أجلها
لأنه يعلم أنها إن صحت وهي على هذه الوضعية ستشعر بخجل شديد.. ولن تجرؤ على رفع عينيها له
حرك رأسها بخفة وأبعده عن كتفه وأسنده لرأس الكرسي
شعر أن رائحة عطرها التصقت بكتفه وبقايا دفئها تترك أثارها على عضلات كتفه
بدا غريبا عليه هذا القرب الأنثوي المختلف
ولكن أين الاختلاف؟؟
أ ليست مثل العنود ومريم؟!!!!!!!!
راكان همس بهدوء : موضي.. موضي
موضي انتفضت بجزع وهي تتحسس نقابها لتتأكد أنه على وجهها
وارتاحت حين وجدته ثابتا مكانه
ثم همست برقة متوترة: لبيه
راكان بذات هدوءه الواثق: اسمعيني موضي حن باقي لنا ساعتين وننزل في لندن
وفيه شي لازم أقوله لش قبل نوصل عشان تكونين متماسكة اذا شفتي مرت مشعل وتهدينها مهوب تروعينها
موضي شهقت بعنف مرتعب وقلبها تُشد جميع أوتاره للحد الأقصى: مشعل فيه شي؟؟
راكان بنبرة طمأنة واثقة: مافيه إلا العافية
مسكوه في المطار.. وأنا متأكد إن السالفة هينة إن شاء الله
↚
غرفة مشعل ولطيفة / الساعة 10 وربع مساء
معركة على وشك البدء ونيران على وشك الاشتعال
لطيفة بألم عميق وخوف أعمق: أنا لقيت زقاير في أغراض حمود
مشعل قفز وهو يقول بغضب كاسح: وشو؟؟ زقاير؟؟ ماعاد إلا ذا؟؟
كان ثائرا بشكل مرعب لم تره لطيفة مطلقا بهذه الثورة
وكان يريد الخروج لولا أن لطيفة تمسكت فيه بشدة وهي تهمس برعب: وين بتروح؟؟
مشعل بذات نبرة الغضب المرعبة: بأروح أكسر رأسه
حن شيبان ماعمر حد منا عرف الزقاير.. وذا أبو 12 سنة قده يعرف
لطيفة مازالت تمسك فيه وهي تقول بنبرة تهدئة لمشعل: تكفى مشعل هذا مهوب حل
أصلا هو الحين راقد
وثاني شي عمرنا ماضربنا عيالنا.. ولا عمر الضرب كان أسلوبنا معهم... تبي تجيء تضربه الحين
مشعل غاضب فعلا: بس عمرها ما وصلت الزقاير.. زقاير مرة وحدة ياحمود
لطيفة بذات النبرة المهدئة لمشعل رغم أنها داخلها يذوب ألما وقلقا:
ضرب لا لا
بكرة الصبح أبي أكلمه انا وياك بالهداوة.. لأنك عارف إن العند والتهديد يمكن يخليه يزيد ويعاند
وبعدين حن ماندري بعد وش سالفة الزقاير ذي.. خل نسمع منه.. ونحل المسألة بالهداوة
مشعل يتناول غترته ليلبسها وهو يهمس بمرارة: أنا ماني بطايق أقعد
بأطلع أي مكان لين أهدأ.. لا أصحي ولدش وأرتكب فيه جريمة
وأنتي لو إنش منتبهة لعيالك.. ماكان وصلت إن ولدش يدخن وأنتي ماتدرين عن شيء
لطيفة بصدمة حقيقية وألم مر: أنا ماني بمنتبهة لعيالي؟؟
مشعل يستعد للخروج وهو يقول بغضب مكتوم: إيه أنتي
لطيفة بغضب مكتوم مشابه: مشعل أنا ما أسمح لك تقلل من اهتمامي بعيالي
أو تحسسني إني قصرت في حقهم
لأني متأكدة إنه مافيه أم مهتمة في عيالها قد ما أنا مهتمة بعيالي
لكن دامك بتتهم.. شوف من اللي لاهي في شغله عن أشياء كثيرة
وأنت عارف إن ولدك داخل على سن مراهقة.. والحين هو محتاجك أكثر
والولد ما يربيه إلا أبيه على المراجل
مشعل يعود وهو يصر على أسنانه: لا لطيفة أنا اللي ما أسمح لش..
صحيح إني مشغول.. بس عمري مالهيت عن عيالي
وخصوصا حمود وعبود دايما معي في المجلس وعيني عليهم
لطيفة تتنهد: شوف مشعل لا تسمح لي ولا أسمح لك
عندنا مشكلة نبي نحلها بكرة الصبح واحنا مبينين قدام حمود متفاهمين وهادين
عندنا عتب على بعض.. خله نتعاتب بيننا عقب
**********************
غرفة فارس والعنود
الساعة 11 مساء
فارس يدخل للصالة أولا
كانت الصالة مضاءة
ولكن غرفة النوم معتمة جزئيا
تنهد بعمق
ودخل للغرفة
كانت تتمدد على السرير ومتغطية بالغطاء بدون أن يظهر منها شيء
شعر بالألم يجتاحه
كيف يحبها كل هذا الحب وفي ذات الوقت لديه كل هذه القدرة على تجريحها؟!!
اقترب منها جلس جوارها ورفع الغطاء عن وجهها
همست العنود بصوت مختنق: فارس تكفى خلني في حالي
فارس بحنان همس لها: قومي ياقلبي كلميني
العنود شهقت: ما أبي أقول لك شيء ولا تقول شيء
شعر أن شهقتها كما لو قطعت شريانا ما في قلبه وأن دمه ينبثق ساخنا متفجرا من الألم
العنود كانت مجروحة منه بعمق.. ليس من أجل موقفه الليلة ولكنها تراكمات سابقة
فكل يوم لابد أن يجد سببا ليحتد عليها.. تعلم أنه يحبها وهي أيضا بدأت تحبه فعليا وبتعمق يزيد كل يوم
ولكنها لم تعتد على تعامل قاس كهذا.. ولا تستطيع أن تتخيل أنها قد تعيش حياتها كلها على هذا المنوال
إذا كان أكثر من مرة يحتد عليها أمام والدته.. فكيف غدا عندما يصبح بينهما أطفال.. هل سيحتد عليها أمام ابنائها؟؟
في حياتها كلها لم تسمع صوت والدها يرتفع على أمها أو يحتد عليها أمامهم
فلِـمَ فارس عاجز عن التصرف كزوج طبيعي؟!!
انحنى فارس عليها ليقبل أذنها ثم همس في عمقها: آسف حبيبتي
وأنا عمري ما أعتذرت لأحد قدامش
فلا تحسسيني إن اعتذاري ماله قيمة
رغم ان العنود لم يكن بها رغبة للحديث ولكنها لم تصدق أن فارس بغروره وتكبره قد يعتذر
ولم ترد أن تشعره أن اعتذاره لا قيمة له كما يقول
لذا نهضت بضعف واستوت جالسة وهي تمسح وجهها
فارس أمسك بيديها وأنزلها لجوارها
وأمسك هو وجهها بين كفيه ليمسح بإبهاميه دموعها المنحدرة التي شعر بها كشفرات مسمومة تشرّح جسده
قرّب وجهه منها ليقبل عينيها ثم يتتبع بشفتيه مجرى دموعها وهو يهمس بعمق وخفوت:
آسف.. آسف.. آسف.. آسف
والله العظيم الأسف صعب علي.. بس عشانش أسوي كل شي
همست العنود بعتب حزين: فارس تكفى مايصير كل يوم تهزئني قدام أمك
أسند رأسها لكتفه وهو يحتضنها ويهمس لها: أنا أغار عليش يا قلبي
ويوم أشوفش لابسة كذا قدام حد أجن.. أنا أبيش لي أنا بروحي
ومابي حد يشوف ذا الزين غيري
العنود بخفوت: وأنا أنبسط يوم أدري إنك تغار علي.. بس مهوب بذا الطريقة ولا بهذا الأسلوب
أنا ما تعودت على ذا الشدة في الكلام.. قل لي اللي تبيه بالهدواة وبيني وبينك
وصدقني كل اللي تبيه فوق رأسي وعيني
فارس يحتضنها بشدة وهو يهمس: خلاص أحاول.. بس استحمليني شوي ياقلبي.. بس شوي
وكله ولا دموعش تكفين.. قلبي ما يستحمل
**********************
مطار هيثرو
طائرة راكان وموضي تحط على أرض المطار
تعجب راكان كثيرا من تجلد موضي بعد أن أخبرها باعتقال مشعل
تقبلت الخبر بثبات رغم أنه يعلم يقينا شدة تعلق شقيقات مشعل به
موضي كان داخلها يذوي قلقا وخوفا على شقيقها
ولكنها ليست في موقف يسمح لها برفاهية التعبير عن مشاعرها
فهي مع آخر شخص تريد أن تنهار أمامه فيجد نفسه متورطا بها ومعها
ومن ناحية أخرى.. هيا ومشعل يحتاجان صلابتها الآن وليس الوقت أو المكان هما المناسبان لإظهار حالات الضعف الأنثوي الممقوتة
فور أن أنهيا إجراءتهما توجها لاستراحة المطار
سألا عن هيا
وموضي توجهت لغرفتها وراكان طلب منها إحضار هيا
حتى يتوجهوا جميعا لشقة عائلة آل مشعل في أدجوارد رود
ليتوجه هو بعدها لمشعل وللسفارة
موضي طرقت الباب بخفة
جاءها صوت هيا المختنق يهمس بالانجليزية : من؟؟؟
موضي بهدوء حانٍ: هيا افتحي الباب.. أنا موضي
هيا فتحت الباب فورا
لم تصدق أنها ترى أمامها موضي التي تركتها بالأمس فقط
كانت موضي أمامها بعباءتها ونقابها .. رائحة أهلها وعبق مشعل
موضي هنا في لندن ومعها!!
عاجزة عن التصديق وألف انفعال يسحقها
ارتمت هيا في حضن موضي وهي تنتحب بعنف وجسدها كله يرتعش
موضي كان بودها أن تشاركها البكاء ولكنها تجلدت وهي تقول لها:
هيا الله يهداش ليش ذا البكاء كله
ترا السالفة بسيطة.. مجرد اشتباه بسيط ويوم وإلا يومين ويفكونه
هيا من بين شهقاتها وهي تنتحب في حضن موضي: كله مني.. كله مني
لولا أوراقي ماكان جاء بريطانيا وهو عارف إنه ممنوع من دخولها
ليت حن قعدنا في الدوحة أحسن
موضي تربت على ظهرها بحنان بالغ: صدقيني الموضوع بسيط
ويالله قومي البسي.. راكان ينتظرنا برا
عشان نروح لشقتنا اللي هنا
هيا باستغراب وهي تمسح أنفها: راكان؟؟
موضي وهي تنهضها وتبدأ بجمع أغراضها: هذي سالفة ثانية
الحين خليه يودينا الشقة عشان يروح لمشعل
*************************
واشنطن
قبل المغرب
يوسف يكاد يجن.. لا يعلم إلى أين ذهبت
فهو لا يعرف سكن الطالبات حيث كانت تسكن
ولا يعرف أحدا من أصدقائها عدا هيا
حتى هاتفها الأمريكي لا يعرف رقمه
كان قد اتصل به مرة واحدة حين كان دفترها معه والرقم على الدفتر
ولكنه لم يحفظ الرقم خصوصا بعد ردها الجارح عليه في المكالمة
يكاد يجن قلقا فعلا
أين ذهبت؟؟
أين ذهبت؟؟
يعلم أنها تستطيع أن تتصرف لوحدها.. فهي عاشت مستقلة لسنوات طويلة
ولكنها الآن زوجته وهو المسؤول عنها
ذهب للجامعة
وذهب لكليتها ودار بها عدة مرات وانتظر بها مطولا ولكنه لم يلمحها
حين تعب قرر أن يمر بالمقهى حيث كان يعمل
فربما مرت هناك
حين دخل المقهى.. صرخ العاملون ترحيبا به
حياهم بتوتر لم يظهر على محياه
تلفت حوله ولم يجدها.. فسألهم عنها
فهم كانوا يعرفونها جيدا لكثرة ماكانت تمر
النادلة التي كانت تحادثت مع باكينام في آخر مرة كانت فيها همست له وهي تقطب جبينها وهي تتذكر:
لقد جاءت في نفس اليوم الذي سافرت أنت فيه
وحسبت أنها تريد دفترها
ولكنها قالت أنها تريدك أنت شخصيا
ثم خرجت دون أن تأخذ دفترها.. ومازال دفترها هنا
يوسف استغرب بشدة أنها جاءت للسؤال عنه.. ولكنه نحى مشاعره جانبا وهو يهمس بهدوء: أرجوكِ أعطيني إياه
النادلة توجهت للأمانات وأحضرته
كان يوسف على وشك المغادرة حين نادته النادلة:
جو هناك شيء آخر .. لا أعلم إن كان يجب أن أخبرك به
يوسف بقلق: ماذا؟؟
النادلة بهدوء: حين أخبرت فتاتك أنك غادرت
بدا لي أنها صُدمت بشدة
وغادرت دون أن ترد علي رغم أني ناديتها مرارا لأعطيها دفترها
ثم حين أصبحت في الشارع
انهارت وأغمي عليها ونقلها المارة لمستشفى جورج تاون القريب
يوسف برعب: ماذا؟؟ انهارت
يوسف غادر بسرعة وهو يشعر أنه مشوش مشوش لأبعد حد
(لِـمَ انهارت؟؟
من أجلي؟؟
مستحيل.. مستحيل..
هذا التأثر يكون من أجل حب عميق.. وهي لا تحبني
فلِـم انهارت؟؟ لِـمَ؟؟
هل تكون مريضة بشيء معين؟!!)
خاطر مرضها سبب له رعبا جديدا عليها
يوسف خرج وهو يتصل برقمها الذي أخذه من الدفتر
ولكنه كان مغلقا
حينها قرر التوجه للمستشفى
بما أنها دخلت المستشفى يوم سفره فهو يعرف التاريخ تماما
يستطيع أن يجد عنوان سكنها في ملفات المستشفى
ويسأل عن سبب انهيارها وظروف دخولها المستشفى
***********************
بيت ناصر
بعد صلاة الفجر
ناصر يعود من المسجد.. وهو يمني نفسه أنها قد تكون خرجت من سجنها الاختياري
ولكنه لم يجدها
يشعر بألم لا يستطيع تفسيره..
يعلم أن الغرفة غير مفروشة والجو فيها شديد البرودة
وهي كانت ترتدي بيجامة حرير خفيفة...فكيف قضت ليلتها؟؟
هو ذاته البارحة قضى ليلة سيئة لم يغمض له فيها جفن وهو يقضي معظم الليلة جالسا على أريكة في الصالة
وهو أيضا متوتر جدا لأن اليوم موعد تركيب ساقه الاصطناعية
وغضب مشاعل هو ما كان ينقصه
كان يستفزها طوال الأسابيع الماضية وهي تحتمل كل شيء منه.. فلماذا قررت أن تعلن الثورة اليوم بالتحديد؟؟
هي لا تعلم أن اليوم هو موعده الهام.. فهو لا يخبرها بشيء مطلقا
يشعر داخليا أنه يحتاجها بشدة
يريد فقط أن يراها قبل الذهاب لموعده
محياها العذب.. ابتسامتها الدافئة المغلفة بحزن عميق
ولكن بما أنها لن تخرج.. فلن يطرق عليها الباب
فلتبقَ أسبوعا لو أرادت.. لن يسأل عنها
رغم أنه بينه وبين نفسه وإن كان ينكر حتى على نفسه
يعلم أنه وقف مرارا أمام الباب وعلى وشك طرقه
لأن قلقه عليها يتزايد ويتزايد
ولكن الوقوف أمام الباب أعاد له ذكريات مؤلمة جارحة تطعنه في عمق رجولته وكبرياءه الممقوت
لذا قرر تركها حتى تخرج لوحدها
حتى لو بعد أسبوع!!!
يستحيل أن يعود لعيش ذات التجربة مرة أخرى.. يستحيل!!!
*************************
شقة آل مشعل
في أدجور رود
شارع العرب المعروف في لندن
شقة قديمة نوعا ما أجري عليها العديد من التعديلات والتجديدات
كان الجد مشعل هو من اشتراها منذ سنوات طويلة
ثم قرر أبناءه تركها كما هي.. وتكون لهم جميعا..وخصوصا أنه غالبا هناك أكثر من زيارة في السنة لكل واحد منهم
لإجراء فحوص طبية.. أو بغرض السياحة أو دراسة اللغة
من التعديلات التي أُجريت أنها فُصل بين صالة المدخل الواسعة وباقي البيت بباب
حتى تصبح هذه الصالة بمثابة مجلس للرجال لها حمامه الخاص
وللشقة مدخل آخر مع المطبخ
يستخدمنه النساء غالبا في حالة تواجد رجال في المجلس حيث مدخل الشقة الرئيسي
والشقة تتكون من أربع غرف نوم.. غرفتين رئيسية بحمامات خاصة
وغرفتين بينهما حمام مشترك
وهاهو راكان ومعه الفتاتان يصلون جميعا للشقة
راكان استأجر سيارتين من المطار
سيارة لحمل الحقائب من أجل حقائب مشعل وهيا
وسيارة كان يجلس فيها بجوار السائق والفتاتان في المقعد الخلفي
ما أن وصلوا..
ودخلوا
راكان نادى موضي وهو واقف عند الباب
موضي عادت له وهي ترد بحرج: لبيه
راكان بهدوء وهو يحافظ على مسافة فاصلة بينهما:
أنا بأروح لمشعل ويمكن أتأخر
لا تفتحون لأحد إلا للحارس.. أنا بأعطيه الحين فلوس عشان يجيب لكم أغراض
وشنطتي خلوها في المجلس
وهاكم خذوا رقمي سيفيوه عندكم
أي شيء تبونه دقوا علي
كل خطابه لها بصيغة الجماعة.. فهما كلاهما في مهمة طارئة
كل منهما يقوم بدوره في هذه المهمة
وأخر من يهمه في هذه المهمة
هو
نفسه!!!
↚
بيت مشعل بن محمد
الصباح الباكر
مشعل ولطيفة لم يناما مطلقا
فالأبوان قد يحتملان أي شيء إلا ماقد يصل إلى أذية أطفالهما
حينها تتحفز كل المشاعر والتفكير والخلايا
مشعل حين أخذ أبناءه معه لصلاة الفجر كالعادة
كان يسترق النظرات لمحمد
يشعر بألم حاد يتسلق روحه ويمزقها بوحشية
كان يراه مجرد طفل.. طفل حقيقي
لم يلحظ مطلقا أي تغير عليه
يتمنى أن يقتل أحدا ما في هذه اللحظة
أن يقتل من عرّف ابنه على السجائر.. فهو يعرف أن ابنه يستحيل أن يجرب التدخين من نفسه
لابد أن هناك من شجعه...
يتصاعد غضب كاسح في عروقه
من هو ؟؟ من هو؟؟
كان مشعل يتفحص ابنه بطريقة غريبة.. يتشممه
حتى أن محمدا لاحظ غرابة والده.. همس له بعفوية: يبه وش فيك؟؟
همس له مشعل بغموض: مافيه شيء يأبيك
عادوا من الصلاة
مشعل عاد لغرفته والولدان عادا للنوم
حين أصبحت الساعة 7 صباحا
مشعل همس للطيفة بنبرة حادة: يالله قومي ولدش
خلي نشوف سالفته
ناصر اليوم عنده موعد تركيب الساق ولازم أكون معه
لطيفة بعتب: الحين ولدي بروحي
ودامك مستعجل.. خلها لين ترجع
مشعل بذات الحدة: مستحيل .. هذا موضوع ما يتأجل
خلينا نشوف سالفته الحين
وإذا رجعت تفاهمنا
لطيفة توجهت لأبنها وأيقظته من نومه وطلبت منه أن يغتسل ثم يأتي لغرفتها
محمد استغرب هذا الاستدعاء.. فهو منذ كبر قليلا بات يخجل من دخول غرفة والديه
لطيفة عادت لمشعل الجالس في صالة الجلوس الخاصة بهما
بدا الاثنان كما لو كانا على وشك عقد محاكمة في حق الصغير
محمد طرق الباب ثم دخل بتردد
همست له لطيفة بحنان: تعال حبيبي
همس مشعل لها بخفوت من بين أسنانه: وش خربهم إلا لينش معهم ودلعش لهم
نظرت له لطيفة بنظرة عتب عميقة ولكنها وجهت الحديث لابنها الذي وصلهما وبدا مرتبكا ويشعر بالخجل
همست له بحنان: تعال اقعد جنبي
مشعل صمت.. لأنه يشعر أنه على وشك الانفجار..
رغم شخصيته الواثقة التي اعتادت على التصرف بثقة واحكام في كل شيء وبطريقة هي أقرب للبرود
ولكن تصل أن تصل المشاكل بهذا التعقيد لأبناءه يجد أن التوتر والغضب يجتاحانه بعنف
لطيفة تضع يدها على كتف ابنها وتحتضنه برقة وهي تهمس له بهدوء:
حبيبي حمود صح إنك تعرف إن الزقاير تجيب السرطان وأمراض القلب؟؟
محمد مستغرب (مقوميني من النوم.. عشان يعطوني درس في العلوم)
لكنه قرر مجاراتهما من باب الأدب: صح يمه
لطيفة بذات النبرة الهادئة: وانت عمرك شفت أبيك إلا عمانك وإلا خوالك حد منهم يدخن؟؟
محمد بنبرة استنكار حقيقية بها روح رجولة مبكرة: لا إن شاء الله
ما يدخن إلا الكمخة.. تكرم لحاهم
حينها مشعل انفجر ليمسك عضد محمد الهزيل وينتزعه من مقعده بيد واحدة بقوة وهو يصرخ فيه بغضب هادر: ويومك تدري إنه ما يدخن إلا الكمخة.. ليش تسويها؟؟
اتسعت عينا محمد برعب وهي تمتلئ بالدموع: والله ما سويتها.. والله ماسويتها
لطيفة وقفت وهي تخلص عضد محمد من يد مشعل الضخمة التي اخترقت عضده كالكلاليب وهي تهمس بدبلوماسية: حبيبي مشعل شفت أنه مستحيل يسويها مثل منت قلت لي
مشعل يشعر بالفعل أن أعصابه فلتت منه لذا جلس وهو يترك للطيفة التصرف
لطيفة أجلست ابنها الذي يشعر بألم في عضده عادت لتحتضنه وهي تمسح على شعره وتقول بلين: حبيبي ترا أبيك مايقصد يوجعك
بس هو متروع عليك عشان لقينا زقاير في أغراضك
من وين جات الزقاير ذي؟؟
إذا هي لك.. قل لنا.. وحن عاد حن في الأول.. والناس لهم سنين ويعرفون مصلحتهم ويخلون التدخين..والله العظيم مانسوي لك شيء
محمد بدأ في البكاء وهو يقبل كف أمه ويشهق: والله العظيم مهيب لي.. والله العظيم مهيب لي
لطيفة شعرت أنها تتمزق ودموعه تغرق كفها.. انتزعت كفها بحنو وهي تحتضنه بشدة وتهمس له: زين قل لي حقت من؟؟
محمد من بين شهقاته: والله العظيم إنها حقت راشد اللي معي في التدريب
كنا في التدريب أمس وقال لي دسها معك عشان أخيه الكبير يشك فيه ويفتشه
أنا والله إني كنت أبغي أقطها عشان ما أرجعها عليه.. بس نسيت
لطيفة كانت تنظر لمشعل وتشير له حتى يتحدث.. مشعل كان يشعر بألم عميق لأول مرة يجد نفسه عاجزا عن التصرف بمنطقية
ولأول مرة يؤلم أحدا من أطفاله ولذا يشعر هو بوجع جارح متشعب
مشعل نهض وجلس بجوار ابنه وهو يضع يده على رأسه ويهمس له بهدوء حانٍ:
اسمعني يا أبيك.. انت غلطان يوم خذت الزقاير من الولد وخليته يدس عن هله
والمفروض إنك جيت وقلت لي.. شفت يوم تدس علينا وش يصير؟؟
تخلينا نشك فيك ونتصرف معك تصرف أنت ما تستاهله
محمد ينهض ويقبل رأس والده وهو يقول من بين دموعه: آسف يبه والله ما أعيدها
أخر مرة أدس عليكم شيء
مشعل بهدوء: زين اليوم إذا وديتك للتدريب قل لي اسم الولد كامل بأخذ رقم هله وأكلمهم..
اللي مانرضاه لك .. مانرضاه لعيال الناس
والحين تبي تروح لغرفتك روح؟؟
محمد قبل رأس والدته ووالده ثم أستأذن وهو يمسح وجهه وأنفه المحمرين وخرج وأغلق الباب خلفه
فور إغلاق الباب نهضت لطيفة.. مشعل شد يدها ليجلسها
همست لطيفة بعتب: مشعل هدني
أنا الحين متضايقة..
مشعل بتأثر: زين حبيبتي خلينا نتكلم
لطيفة ابتعدت وهي تهمس: روح الحين مع ناصر
وإذا رجعت بأكون روقت.. ونتكلم
لأنه فيه كلام كثير بيننا..
عيالنا كبروا يا مشعل.. ومشاكلهم بتكثر
إذا أنت على أول مشكلة استسهلت إنك تهاجمني وتتهمني
تكون فيه فعلا مشكلة كبيرة بيننا تبي لها حل
**********************
لندن
مكتب التحقيق الرئيسي
وقت سابق
راكان يجلس مع مشعل للمرة الثانية خلال 3 ساعات
مشعل بهدوء: هاه وش صار؟؟
راكان بنبرة مطمئنة: إن شاء الله مافيه إلا الخير
تدري هم لحد الحين ماعندهم عليك شيء
اسمك في البلاك ليست.. لكنهم مهوب مصدقين إنه عشان الموضوع التافه اللي قبل 12 سنة
وعشانك عربي خايفين السالفة فيها سوالف الإرهاب الله يبلاهم في أنفسهم
يعني صدقني إن السالفة بس كم يوم يتأكدون من التحريات
ويرجعون لسجلات شرطة كامبردج وين ماصار التوقيف الأول
وبتطلع إن شاء الله
لا وأزيدك بعد.. المحامي يقول لو صدق سالفتك بس على موضوع الضرب
بينشال اسمك من البلاك ليست وتقدر تدخل بريطانيا بدون قيود
مشعل يبتسم: يا ابن الحلال خل نخلص منهم.. ماعاد أبي أشوف وجه بريطانيا بكبرها
راكان بهدوء: زين أنا مخلي البنات من بدري.. ولازم أرجع لهم
مشعل يستوقفه: زين راكان دام سالفتي مطولة كم يوم.. أبيك ولا عليك أمر تصدق شهادة مرتي من التعليم العالي
أبي أطلع نسافر على طول واشنطن.. تأخرنا على دراستنا
راكان يبتسم: صدق إنك مشتط.. ذا اللي أنت فيه وما همك إلا شهادة مرتك
مشعل مازال مبتسما وكأنه في رحلة استجمام وليس موقوفا مجهول المصير:
أفا عليك.. كل شيء عندي ولا بنت سلطان
يتنهد راكان بعمق وهو يغادر
(وأنا وش أسوي ببت عبدالله؟؟
يا سبحان الله.. أشهد أن القلوب تغير
هذي موضي جنبي.. وماني بقادر أحس فيها)
**************************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الساعة 6 ونصف صباحا
يرن جرس منبه هاتف العنود.. الذي نبهته بعد صلاة الفجر على موعد صحو فارس لعمله
كان فارس الذي كان نومه ثقيلا بعض الشيء مازال نائما
تطفئ العنود الجرس
ثم تميل لجانبها حيث ينام وتمعن النظر فيه وهو مستغرق في نومه
كم يبدو وسيما حتى وهو نائم
وسامته وصلت لحد الألم
ولكنها لا تجرؤ على إخباره بذلك
فهو يتحسس من هذا الموضوع وإثارته بأي شكل
كان هذا هو الحاجز الأول الذي بُني بينهما وتم الانتهاء من بنائه
وهاهي تخشى من ارتفاع الحاجز الثاني والحاجز الثالث والحاجز الرابع
غيرته... قسوته.. ثم كبتها وخوفها منه
ولكنها رغم كل شيء تشعر أنها سعيدة معه.. لأنه تعلم بعمق حبه لها
ولكن ما تخشاه أن تُدفن هذه السعادة يوما حينما لا يعود للحب معنى أمام القسوة والجبروت
مالت عليه لتقبله قبل أن توقظه ثم همست له بنعومة: حبيبي فارس
قوم الدوام
فارس همس بنعاس: وحدة ثانية وعقبه بأقوم
العتود باستغراب: أي وحدة؟؟
ابتسم فارس وهو يفتح عينيه الناعستين: نفس اللي عطيتني وأنا نايم
ابتسمت العنود: يعني ماكنت نايم؟!!
ابتسم: صحيت على أحلى شفايف
عادت لتقبيله ثم همست: يالله قوم يا الكسلان.. بأقوم أجهز ريوقك على ما تلبس
كان مازال مستلقيا وهي تميل عليه..مد سبابته ومسح خدها بظاهر السبابة بحنان
ثم همس لها: ياترى سامحتيني على ثقل دمي البارحة أو بعده خاطرش فيه شيء؟؟
العنود بنبرة فيها رنة أسى: خلاص حبيبي نسيت
فارس بألم: كنه اللي كنت تحذريني منه صار..
صرتي تخبين علي؟؟!!
العنود بعمق صادق: هذا أنت قلتها حذرتك منه
غصبا عني فارس.. صرت أخاف منك
فارس انتفض جالسا وهو يمسك بكتفيها ويقول بنبرة تأثر:
لا حبيبتي تكفين.. إلا إنش تخافين مني
كأنش تقولين لي إن روحي تخاف مني
وقلبي يخاف مني
وعقلي يخاف مني
وأنفاسي اللي أنتفسها تخاف مني
أشلون تبيني أعيش عقب؟!!!
غصبا عنها ابتسمت: المشكلة ما اقدر عليك ولا أقدر على كلامك اللي يذوبني
ابتسم ابتسامة شاسعة وهو يميل ليقبلها بعمق ثم ينفض الغطاء وينهض واقفا
وهو يقول: زين الليلة بنطلع نتعشا برا.. ولش مفاجأة عندي عقب
******************
مستشفى حمد
مبنى العيادات الخارجية
الساعة 10 صباحا
الطبيب انتهى من تركيب الساق لناصر وعلّمه طريقة تركيبها وفكها ثم طلب منه أن يقف
شعر نوعا ما بالغرابة وهو يقف بدون عكازين
كان يريد تناولهما.. ولكن الطبيب رفض وهو يطلب منه أن يقف لوحده ويبدأ بالحركة
كاد أن يسقط.. ولكن مشعل سارع إليه وأسنده وهو يقف جواره بقلق
همس له ناصر: خلني يا مشعل
مشى قليلا بين الحاجزين.. ثم تجاوز الحاجزين ومشى لوحده
كان لديه إحساس دائم أنه سيسقط
ولكن ثقته بنفسه وجسده الرياضي القوي ساعداه على التوازن وبسرعة قياسية
إحساس رائع وعميق ومذهل وهو يعاود الوقوف بثقة دون العكازات
همس له الطبيب بابتسامة: تقدر تستخدم العكازات لين تتعود على الساق
ناصر بابتسامة سعادة حقيقية: لا خلصت من العكازات.. بأمشي شوي شوي لين أتعود
وبالفعل كان يريد المشي بل والركض بلا توقف.. بلا توقف
ثم التفت لمشعل الذي كان مبتسما بسعادة ومساندة لناصر: يا الله يا أبو محمد
أبي اشوف أبي وأمي.. خليتهم وراي يحاتون
( أ ليس هناك شخص آخر تريد رؤيته يا ناصر؟؟!!)
الطبيب بمهنية: مبروك ساقك الجديدة.. وأهم شيء تتبع التعليمات اللي عطيتك إياهم
والأهم إنك ليليا لما تخلع الساق تدهن مكان البتر عشان ما يتحسس من ملامسة الساق
إذا استمريت على متابعة التعليمات بدقة.. إن شاء الله إنك بتكون مرتاح تمام
مشعل وناصر توجها بالشكر للدكتور وغادرا عائدين للبيت
ولكن قبل ركوب السيارة طلب ناصر من مشعل أن يطوفا قليلا في أروقة المستشفى ليمشي بساقه الجديدة التي ألفها بسرعة..
وهي تبعث في روحه إشعاع مختلف من السعادة.. لأنه سيعود بأذن الله إلى ممارسة حياته الطبيعية بصورة طبيعية
مشعل يبتسم لناصر: باطلع أنا وياك العصر نمشي على الكورنيش لو تبي أو روح أنت وفارس
بس الحين الشيبان أبيك وعمك جنونني اتصالات.. خلنا نروح لهم
في البداية مرا بالمجلس حيث كان محمد وعبدالله ينتظران بلهفة حقيقية رؤية ناصر واقفا بدون استخدام العكازات
عبدالله أصر أن يكون عشاء ناصر عنده الليلة احتفالا بوقوفه على قدميه
بينما مشعل كان يقسم أن يكون العشاء عنده
ولكن عبدالله كان من انتصر في حرب العزائم
بينما ناصر ينتظر انتهاء المعركة الكلامية للذهاب لأمه.. ولكن أذان الظهر فاجأهم
فقرر الصلاة أولا.. ثم التوجه لأمه
*******************
واشنطن
سكن الطالبات حيث تسكن باكينام
باكينام تتمدد في غرفتها رغم أنها عاجزة عن النوم
تشعر بألم فعلي ينغرز في جسدها كدبابيس مسنونة انغرزت في كل خلية من خلاياها
تشعر بمرارة الاهانة الموجعة ..تشعر أنها اُهينت جسدا وروحا
ويوسف استباح كل مافيها.. أنوثتها.. ثقتها في نفسها.. كرامتها
حتى حبها له استباحه بوحشية
ماعاد هناك ما يجمعهما ويجبرها أن تبقى معه
قررت أن ترحل بما تبقى من شتات إنسانيتها.. يكفي ماناله يوسف من روحها
ماعاد لديها استعداد لتقديم مزيد من التنازلات من أجل أي أحد
وهي غارقة في أفكارها رن هاتف غرفتها
التقطت الهاتف كانت مشرفة السكن تناديها أن تنزل
ارتدت ملابسها وحجابها ونزلت
حين وصلت للبهو الرئيسي
رأت ظهره العريض وهو جالس
شعرت بقشعريرة باردة تجتاح جسدها
عادت لغرفتها قبل أن يراها
اتصلت بالمشرفة في الأسفل وطلبت منها محادثة زائرها
حين سمعت صوته المتعب: ألو
شعرت أن شرايين قلبها تتصدع شريانا شريانا
ولكنها تجلدت وهي تهمس بثقة: اسمعني كويس يا يوسف
ما ترجعش تاني هنا
ولا حاولت تجبرني على حاجة.. أنت عارف احنا فين
تلفون صغير لـ 911 هتلائي نفسك متورط في جريمة اساءة تعامل
وأنت عارف هم متشددين أد إيه.. فمتجبرنيش أأزيك وأنت خلاص على وش تخرج
أنت مش هتستفاد من العند حاجة.. وأنا مستحيل أغير اللي في دماغي
********************
لندن
شقة آل مشعل
وقت سابق
الفتاتان غاية في التوتر انتظارا لعودة راكان بالأخبار
وهاهو يعود..
دخل من الباب الرئيسي واتصل بهاتف موضي حتى توافيه في المجلس
موضي حين أنهت الاتصال قامت لترتدي نقابها وعباءتها
هيا باستغراب: أنتي من جدش وإلا تستعبطين؟؟
موضي وهي تلبس: وشو اللي من جدي أو أستعبط؟؟
هيا بذات الاستغراب: إنش تبين تلبسين نقاب وعباة قدام رجالش؟!!
موضي بخجل: تونا متملكين مالنا يومين.. وعرسنا مابعد صار
تبين أفرّع قدامه.. ليه وجهي مغسول بمرقة؟؟
هيا أخيرا تبتسم: لا طال عمرش.. مغسول بخبال.. روحي له وأنتي بنقابش
طفشيه أحسن
موضي تنهي لبس نقابها: إذا بيطفش من نقابي.. خليه يطفش
هيا بهدوء: ما أقول فرعي قدامه.. تحجبي وكفاية
موضي بحزم: مالش لوا.. نقابي وعباتي علي قدامه لين نرجع الدوحة
ثم توجهت له طرقت الباب.. فتحته وتركته مفتوحا ووقفت عنده وهي تهمس: لبيه
راكان بهدوء: تعالي اقعدي.. خلني أقول لش علوم مشعل عشان تقولين لمرته عقب وتطمنينها
موضي بخجل: قل لي وأنا هنا
راكان يتفهم خجلها تماما وهو يقف ويتوجه ناحيتها: خلاص أنا أجي عندش
تراجعت موضي بحدة وهي تلتصق بالباب وكأنها تحتمي به من سطوة حضور راكان
وراكان يتوقف على بعد خطوة
ليخبرها بكل شيء ويطمئنها أن قضية مشعل لن تستغرق سوى أيام معدودة فقط
أشرقت عيناها بفرحة عميقة.. شعر راكان أنها تتسلل منها لعمق روحه ليبتسم بتلقائية لفرحتها
همست بنبرة سعادة طفولية شعر راكان بالجذل وهو يسمعها: بأروح أبشر هيا
ياقلبي بتجن من محاتاة مشعل
**********************
بيت محمد بن مشعل
ناصر يتوجه لبيت والده بعد أن صلى الظهر
كانت مريم ماتزال في عملها
لذا لم يجد إلا أمه التي أشرقت عيناها الباديتان من خلف برقعها بفرحة عميقة لا حدود لها وهي ترى ناصر يدخل عليها بدون عكازيه
ناصر يحتضن والدته ويقبل رأسها بحنو وهو يهمس لها بمحبة عميقة:
تكفين يالغالية لا تبكين.. دموعش الغالية خليها لشيء يستاهل
أم مشعل تمسح عينيها الغارقتين في بحر من الدموع وهي تهمس:
إذا ما بكيت وأنا أشوفك واقف قدامي.. ماعاد للدموع عازة
ناصر يعاود احتضان والدته : جعل ما يغدي لها عازة أبد
أمه تهمس باهتمام: خلني أشوف رجلك
ناصر يجلس ويجلسها جواره: اقعدي.. وأوريش
ثم يرفع طرف ثوبه عن ناحية قدمه اليسار ووالدته تحسسها بخليط من الألم والفرح
حزن على ساق ذهبت.. وفرح ناقص مبتور بساق تعوضه الحركة ولكنها تبقى جزءا غير فعلي من جسده..
تذكرت أم مشعل شيئا أنساها إياه فرحتها برؤية ناصر.. همست بعتب: ناصر وين مرتك؟؟
لم تغب مطلقا عن باله.. تشغل تفكيره حتى لو أنكر
همس بارتباك: خليتها في البيت
نهضت أم مشعل وهي تربت على كتف ناصر وتقول بذات نبرة العتب:
أنا بأروح أصلي الظهر..
وأنت روح شوف مرتك اللي تقول إنك خليتها وراك في البيت
وانتبه لمرتك يا ولدي.. ترا بنات عبدالله ذهب.. والذهب لو ضاع ما يعوض
ناصر شعر كما لو أن قلبه يعتصر بقسوة.. وأنه عاجز عن سحب أنفاسه
(وش فيها مشاعل؟؟ وش فيها؟؟)
توجه لبيته بسرعة.. وفتح الباب بسرعة ليتفاجأ بوجود عمته أم مشعل تصلي في الصالة
شعر بحرج شديد وتشويش.. نادى بصوت منخفض: مشاعل.. مشاعل
فوجئ أن من ردت عليه كانت لطيفة التي تأكدت من إسدال عباءتها
ثم عدلت وضع نقابها على وجهها وخرجت له من غرفته وهي تقول: الحمدلله على سلامتك يابو محمد
ناصر بقلق لم يظهر في صوته.. وعيناه تبحثان عن شيء ما خلفها:
الله يسلمش يأم محمد
لطيفة بفرحة حقيقية: والله ماني مصدقة شوفتش كذا قدامي الله يتم عليك عافيته
ناصر بهدوء رغم أن داخله يغلي قلقا غير مفهوم: مشكورة طال عمرش في الطاعة
يود أن يسأل عنها ولكن لسانه يلتصق بسقف حلقه جفافا وترددا
كان من تكلم هي أم مشعل التي أنهت صلاتها وأنزلت برقعها على وجهها وهي تلتفت له وتقول له بهدوء: الحمدلله على سلامتك يأمك
ناصر توجه لها وقبل رأسها وهو يقول باحترام: الله يسلمش يمه
أم مشعل بعتب عميق لم تخطئ أذنا ناصر نبرته الموجعة: ليش ما كلمتنا يأمك قدام تروح موعدك تعلمنا إن مشاعل تعبانة
مشاعل يأمك ضعيفة وأدنى شيء يمرضها
ناصر صمت.. لم يعرف ماذا يقول.. شعر بالمرارة والضآلة
والألم غير المفهوم يستمر في الانغراز بوحشية في قلبه
ماذا يقول؟؟ ماذا يقول؟؟
أنه يعلم أنها قضت ليلتها في غرفة باردة على بلاط بارد
وبدون أي غطاء أو حتى ملابس دافئة
أنه لم يرحم ضعفها ويأسها من قسوته وتسلطه
أنه لم يحاول حتى مجرد محاولة أن يكلمها ويطمئن عنها
أنه خرج صباحا دون أن يطمئن عن حالها وهو يعلم أنها لابد قضت ليلة مزرية تصارع وجع البرد والهجر والقسوة والأهمال
ماذا يقول؟؟ ماذا يقول؟؟
أنه تجرد من إنسانيته معها
لا ينكر أنه وقف مرارا أمام باب الغرفة وعلى وشك طرق الباب
ولكن ذكرى مقيتة كانت تعاود اكتساحه
هو يقف أمام الحمام في ليلة زفافه المشئومة.. يرجوها ويناشدها
ويبعثر وجعه أمامها دون أن ترأف برجولته وهي تصفعه برفضها له ونفورها منه
الآن عاجز عن الرد والكلام.. يشعر أنه صغير.. صغير
مفعم بضآلة مقيتة
انتزع كلمات ميتة من بين شفتيه: وديتوها المستشفى؟؟
لطيفة بأدب: وديناها.. معها نزلة شعبية.. الله يهداها ألف مرة قايل لها لا تسبحين وتخلين الدريشة مفتوحة
لأنه أقل برد يمرضها
(أهكذا قالت لكم؟؟
استحمت وتركت الباب مفتوحا
أ لم تقل لكم أنه زوجي الهمجي معدوم الإحساس
جرحني وأهانني ودفعني لقضاء ليلة في أحضان غرفة مثلجة
ستكون هي في احتواءها أكثر دفئا من أحضانه الصقيعية)
أردفت أم مشعل برجاء: أنا كنت أبي أخذها البيت أراعيها لين تصح وتشالى (تشالى=تطيب من المرض)
بس هي مارضت.. تقول ماتقدر تخليك
ياليتك ترخص لها يأمك.. وخص إنك ماشاء الله قطيت العكازات
شعور عارم بالمرارة يلتهمه.. أليس هذا ماكان يريده؟؟
أن يتخلص معها
وتحت عذر شرعي
ربما كان هو فوق ماتستحق
وربما كانت هي فوق ما يستحق
ماعاد يهم من منهما لا يستحق الآخر..
تفكيره مشوش للغاية.. ويشعر أنه يقف على أرض شديدة الهشاشة
وعشرات الأفكار القديمة والجديدة تنثر تفكيره في موجات عاتية
دخل إلى غرفته.. كانت تتمدد على السرير بضعف
لا يعلم لِـمَ رؤيتها بهذا الضعف تهز روحه بعنف لاسع..موجع
لطالما تسلحت بقوة رقيقة أمامه.. تحملت الكثير..الكثير منه طوال الأيام الماضية
بدت له دائما قوية حتى في ضعفها
ولكنه اليوم يراها غاية في الضعف.. وما عاد بها جَلد لاحتمال قسوته
وهو غير قادر على النسيان والمسامحة
عاجز عن تقبلها ومسامحتها ونسيان ما فعلته به
فقلبه مفعم بالسواد.. ومغموس بالمرارة
وفي ذات الوقت يرى أنه تجاوز الحد في القسوة عليها
تجاوز الحد كثيرا
يشعر بألم مر منها وعليها.. وكلا الألمين يتنازعان مشاعره بوحشية
همس بعد أن اقترب قليلا وهو يترك مسافة غير قليلة بينهما: مشاعل
حاولت الجلوس وهي تتسند بضعف وتستر كتفيها العاريين في غلالتها البيضاء وتهمس بخفوت معذب: لبيه
حينها رأته واقفا بدون عكاز.. أشرق وجهها المتعب بنور خاص
كان بودها أن تنهض لتحتضنه فرحا وتأثرا
ولكنها عاجزة عن القيام وهو لم يقترب منها
فرحة عميقة غزت روحها المرهقة من الهجر والقسوة
ولكن هذه الفرحة سرعان ما اُنتزعت منها بوحشية
وناصر يهمس بنبرة غير محددة الملامح:
مشاعل روحي مع أمش.. أنتي تعبانة.. وأمش تبي تراعيش
ثم أكمل بنبرة أكثر تمويها وغموضا:
والأحسن تقعدين هناك على طول
↚
واشنطن
سكن باكينام
سمعت باكينام صوت يوسف المتعب يصلها عبر الهاتف: ألو
شعرت أن شرايين قلبها تتصدع شريانا شريانا
ولكنها تجلدت وهي تهمس بثقة: اسمعني كويس يا يوسف
ما ترجعش تاني هنا
ولا حاولت تجبرني على حاجة.. أنت عارف احنا فين
تلفون صغير لـ 911 هتلائي نفسك متورط في جريمة اساءة تعامل
وأنت عارف هم متشددين أد إيه.. فمتجبرنيش أأزيك وأنت خلاص على وش تخرج
أنت مش هتستفاد من العند حاجة.. وأنا مستحيل أغير اللي في دماغي
يوسف بهدوء: جبانة
باكينام بغضب: أنا مش جبانة
يوسف يحاول استفزازها: لو مش جبانة.. مكنتيش استخبيتي مني
انزلي وكلميني وش لوش لو مش خايفة
باكينام بارتباك: مش عايزة أشوفك
يوسف بنبرة مدروسة: خايفة مشاعرك تخونك مسلا
باكينام بغضب: أنا نازلة دلوئتي
يوسف أغلق الهاتف وهو يبتسم بانتصار
كان قادما للتو من المستشفى
وأخذ عنوان سكنها من هناك
وعرف أن سبب انهيارها كان انهيارا عصبيا
استغرب كثيرا..
بكينام بقوتها وشراستها تنهار.. ولكنه لم يربط مطلقا بين سفره وانهيارها
بل توقع أن هناك ماحدث لها قبل أن تصل للمقهى لذا انهارت بعد الخروج منه
ولكن معرفته أنها قد تنهار تحت الضغط رقق قلبه بصورة تلقائية غير مقصودة عليها
وهو يتذكر ما تناساه
أنها تبقى أنثى ضعيفة..
وهو بالغ كثيرا خلال الأسابيع الماضية في الضغط عليها
كان غارقا في أفكاره حتى وصلت وجلست أمامه وهمست بهدوء حاد: نعم؟؟ عاوز تئول إيه؟؟
نظر لها بشجن عميق..
تمنى لو يستطيع زرعها بين أضلاعه..غمر وجهها بقبلاته
سكب مشاعره وحبه بين جنبيها وعلى مسامعها
ولكن
أي زوجين غريبين هما؟؟!!
يوسف بهدوء وهو يعتدل في جلسته: عاوزك ترجعي معاي لبيتك
باكينام بهدوء: أنا ماليش بيت هنا غير السكن ده
يوسف يحاول التزام الهدوء وهو يهمس من بين أسنانه:
باكينام بلاش شغل الجنان ده.. ازاي تئعدي في مكان وجوزك في مكان.. ايه المنطق ده؟؟
باكينام بألم حاولت إخفائه لكنها فشلت: أنته ماخليتش فيها منطق يا يوسف
أنا عمري ما تجرحتش من حد زي ما اتجرحت منك
يوسف بهدوء موجع: إزا على الجرح.. ومين جرح مين.. فأنتي كمان مش مئصرة
باكينام بعمق: ومادام كل واحد بيجرح التاني.. إيه اللي يجبرنا نستمر في الحياة دي؟!!
صمت يوسف
كان بوده أن يقول
(يجبرني أنني أتنفس هواكِ
أنك تدبين في عروقي
وتتغلغلين في روحي حتى أقصى جذورها)
ولكنه يستحيل أن يعترف لها بحبه... بينما هي تصفعه بخيانتها ورفضها
لن يحتمل رفضها حينها
لن يحتمل أبدا
تنهد بعمق: يجبرنا الرابط الشرعي اللي بيننا
هوا من الشرع أنك تعصيني وتخرجي من بيتك من غير إزني؟؟
حينها شعرت بألم عميق.. فهي مع نعمة الله عليها مؤخرا بتزايد تدينها
أصبح كل ما يمس تدينها يسبب لها رعبا خوفا من خدشه أو عصيان ربها
باكينام بألم: يوسف ربنا يخليك.. ما تمسكنيش من إيدي اللي بتوجعني
أنا مش طايئة أرجع لبيتك.. طلئني يا يوسف.. وخلي الاحترام بيننا
رغم ألمه العميق من صفعها له بطلب الطلاق بكل هذه البساطة دون أدنى مراعاة لمشاعره
همس بهدوء وهو يقف: أنا هسيبك ترتاحي كم يوم وهأرجع لك تكوني فكرتي
وافتحي تلفونك.. ما تسبينيش ئلئان عليكي
وفكرة الطلاء دي شيليها من دماغك.. لأنها فكرة مستحيل تحصل
***************************
بيت ناصر
حينما رأت مشاعل ناصرا واقفا بدون عكاز.. أشرق وجهها المتعب بنور خاص
كان بودها أن تنهض لتحتضنه
ولكنها عاجزة عن القيام وهو لم يقترب منها
فرحة عميقة غزت روحها المرهقة من الهجر والقسوة
ولكن هذه الفرحة سرعان ما اُنتزعت منها وناصر يهمس بنبرة غير محددة الملامح:
مشاعل روحي مع أمش.. أنتي تعبانة.. وأمش تبي تراعيش
ثم أكمل بنبرة أكثر تمويها وغموضا:
والأحسن تقعدين هناك على طول
مشاعل مصدومة تماما.. تعلم أنه حدد مهلة شهر أو شهرين لانفصالهما
ولكنها كانت تعتقد أنه مجرد تهديد لا يعنيه بحذافيره
ولكن أن يستغل مرضها كغطاء للإلقاء بها كشيء مهمل لا حاجة له به كان شعورا جارحا موغلا في الألم والإهانة
مشاعل بألم: يعني خلاص ركبت ساقك.. وماعاد لك حاجة فيني؟؟
ناصر لا يعلم أي قسوة غريبة تسيره: وماكان لي فيش حاجة قبل الساق أصلا
بس أنا قلت لش نبي ننتظر شهر أو شهرين
وخلاص الحين صار لنا شهر من تزوجنا.. وأشوفها فرصة ترجعين بيت هلش عشانش مريضة وعقب نتحجج بأي شيء تقعدين هناك لين..........
مشاعل قاطعته بذهول: تشوفها فرصة؟؟ لها الدرجة أنا كاتمة على قلبك؟!!
ناصر يتقدم حتى يصبح على القرب منها وهو يهمس بتهكم مصطنع: تقدرين تقولين كذا!!
مشاعل بنبرة ميتة تماما: ناصر أنا لو طلعت من بيتك مستحيل أرجع له
ناصر بقسوة: وماحد بطالب منش ترجعين
مشاعل بألم: ناصر أنا ما أستاهل منك اللي تسويه فيني
تحاسبني على خجلي وخوفي ليلة عرسي؟؟
أنا قدمت لك عقبها ألف دليل أني أبغيك وأبي أكمل حياتي معاك
ناصر بعمق متوحش: قلتها لش قبل يا بنت عمي
من عافنا عفناه لو كان غالي
مشاعل تحاول النهوض وهي تهمس بألم جرحها العميق: ماخليت فيها غالي يا ولد عمي
مع وقوفها شعرت بالدوار وكانت تريد أن تعاود الجلوس
ولكنها فوجئت بذراع قوية تسندها وتقربها منه
وهو يهمس لها من قرب قريب بنبرة غامضة: أنادي لطيفة؟؟؟
كان موقفا غريبا.. يطردها من بيته لتجد نفسها بين أحضانه
كانت الفرصة الأخيرة لكل منهما ليشعر بقرب الآخر.. يستنشق عبق رائحته وخصوصية عطره
لم يبحث أي منهما عن تفسيرات غبية.. يكفيهما أن يعيشا اللحظة التي لن تتكرر..
كان ينظر لتفاصيل وجهها بتمعن ..
تمنى بعمق ووجع أن يقبلها.. يتعرف على طعم شفتيها التي لطالما أسكرته وهو يراها ترف بعذوبة الفراشات حين تتحدث
وتمنت هي أن تسكن أضلاعه للأبد.. فهي تريده حتى آخر نبض وشريان فيها
ولكن الأمنيات ماتت قبل أن تتجاوز حتى أعماقهما اللا واعية إلى فضاء وعيهما..
نُحرت أمنياتهما على مقصلة غرابة البشر ورغبتهم الدائمة في تعذيب أنفسهم من أجل وهم كرامة هي أرخص بكثير من ألم قلبين يتعذبان دون سبب
كانت مشاعل من همست وهي تبعثر ماتبقى من كرامتها من أجل فرصة أخيرة معه: ناصر أقولها لك أخر مرة.. والله العظيم أنا أبيك..
ولو طلعتني من بيتك ماني براجعة له لو مهما صار..
ناصر أفلتها وهو يتأخر خطوة للخلف وينادي بصوت عالي:
يا أم محمد.. تعالي ساعدي مشاعل تلبس
*************************
بعد ذلك بساعتين
بيت مشعل بن محمد
لطيفة تصل من بيت والدها بعد أن أطمأنت على وضع مشاعل التي عادت لغرفتها المهجورة منذ حوالي شهر
وأكثر الناس فرحا بمرضها هذا سلطان لأن المرض أعادها إليه
لطيفة طبعا لاحظت اكتئاب مشاعل غير الطبيعي ولكنها أرجعته لمرضها
أطمئنت على أنها تغدت رغم أنها لم تكن تريد أن تأكل لولا أن جدتها ظلت تصر.. فأكلت من أجلها وتناولت دواءها وتمددت
بينما لطيفة عادت لبيتها ووعدتها أن تعود لها بعد صلاة العصر
وهاهي تدخل لغرفتها بعد أن تركت بناتها في غرفتهن بعد أن أبدلت ملابسهن
ومرت بغرفة ابنيها اللذين كانا مع والدهما وتغديا معه في المجلس
وجدتهما يلعبان أمام التلفاز.. تركتهما وانسحبت لغرفتها وهي تتنهد
فهي تعلم أن مشعلا لابد هناك
وهناك مواجهة تنتظرها لا يمكن تأجيلها
كان يجلس على الأريكة بيده جهاز التحكم ويتابع الأخبار
حين رأها تدخل.. كتم الصوت ووضع جهاز التحكم على الطاولة
والتفت لها وهو يقول بهدوء: تعالي لطيفة
لطيفة بذات الهدوء: إن شاء الله بس عطني خمس دقايق أغسل وأبدل وأجيك
أنهت مهمتها وهي تشعر بتوتر عميق
فمشعل خلال الثلاثة عشر عاما الماضية ومع تجاهله لها كأنثى لكنه كان يقدرها لأبعد حد كربة بيت وأم..
ولم يتهمها يوما بالتقصير في حق أولادها أو بيتها..
وأن يتهمها بالتقصير بعد أن تصافيا وتمازجا روحيا لأبعد حد كان شيئا جارحا لأبعد حد أيضا
تقدمت بهدوء وجلست جواره
مشعل تناول كفها واحتضنها وهو يهمس بهدوء عميق: آسف حبيبتي على اللي صار اليوم
لطيفة بهدوء: حبيبي أنا ما أبيك تعتذر.. لأنه الاعتذار مهوب حل
مشعل يسند كتفيه للخلف وهو مازال يحتفظ بكفها ويهمس بهدوءه المعتاد: ليه وين المشكلة؟؟
لطيفة برقة: المشكلة إنه أنت طول عمرك هادئ.. وطول عمرك تقدرني
وطول عمرك تتصرف في كل المشاكل بحكمة
جاء على موقف حمود وكل شيء أعرفه عنك اختلف
عصبت.. واتهمتني.. ثم خانتك الحكمة في التصرف لولا إنك تداركت نفسك في الأخير وتصرفت زين
مشعل بهدوء: أعترف إن الموقف كان صعب علي.. لأني ما تخيلت إن حمود يدخن.. كان موقف فوق تصوري
لطيفة تتنهد: وفرضا إنه سواها عقب كم سنة ودخن.. بتحل المشكلة بنفس العصبية اللي اليوم؟؟!!..
ما يصير مشعل.. تدري إن المراهق ما يعامل بالشدة
والطرف الثاني للمشكلة هل كل ماصار موقف صعب عليك تصوره مثل ما تقول.. بتتهمني إني مقصرة؟!!
وصارحني يامشعل هل أنت تشوفني فعلا مقصرة في حق عيالي؟؟
مشعل باستنكار: حاشاش... هي بس كلمة في ساعة غضب.. والله ماقصدتها ياقلبي.. وقلت لش آسف واعتذرت لش..خلاص
وأوعدش إنه لو صار مشكلة لأي واحد من عيالنا..أحاول أتحكم في أعصابي
أنا أصلا نادرا ما تخوني أعصابي.. بس شيء يلحق عيالي ماأستحمله
بس خلاص فكيها ياقلبي.. ما يهون علي شوفتش مكشرة وزعلانة
لطيفة تتنهد وهي تحاول رسم ابتسامة: خلاص حبيبي ماصار إلا خير
ومايصير إلا خير إن شاء الله
***********************
لندن
شقة آل مشعل
ذات الوقت ولكن توقيت مختلف
قبل الظهر بقليل
موضي وهيا في المطبخ تتناولان إفطارا متأخرا
هيا وموضي نفسيتهما رائقة تماما بعد أن بالغ راكان في طمأنتهما على مشعل
موضي تسأل هيا باهتمام: ياقلبي ياهيا من يوم جينا هنا وأكلش مهوب عاجبني
مشعل طيب وبخير وانتي مسوية اضراب عن الأكل
هيا بابتسامة: لا والله مهوب عشان مشعل.. بس ماني بمشتهية الأكل صار لي مدة.. طاري الأكل يلوع كبدي.. وهذا أنا أشرب شاي
ثم أردفت بتساءل: راكان مو كنه تأخر في النوم؟؟ مهوب متريق؟؟
موضي بتلقائية وهي ترتشف من كوبها: أصلا طليت عليه الصبح بدري مالقيته
شكله طلع من بدري
هيا بخبث: يا اللي ما تستحين رايحة تطلين على الرجّال..
ثم أكملت بتهكم: عسى ما نسيتي نقابش وعباتش بس؟؟
موضي ترقص لها حاجبيها: لا ما نسيت.. والرجّال رجالي وش حارق بصلتش؟؟
هيا تبتسم: أنتي قلتيها.. رجّالش.. صدق عبيطة..
موضي تبتسم: العبيطة فاتشة خشتها قدامي.. الله يعين مشعل عليش بس
هيا تنهدت: فديت الطاري.. تكفين موضي.. كلمي راكان أسأليه عنه..
وإذا كان ممكن نشوفه
موضي بحنين مشابه: بأسأله عنه.. بس الشوفة ما ظنتي يوافق لا هو ولا مشعل نروح له في مركز التحقيق
هيا بتأفف: أما عيال آل مشعل ذولا كلهم عاهات فكرية
وش فيها لو رحنا نشوفه في مركز التحقيق.. حد بياكلنا؟!!
موضي بابتسامة: والله هذا اللي الله عطانا... ذا العاهات الفكرية..
هيا بحنين عميق: فديت عاهتي الفكرية... ياني اشتقت له.. جعل يومي قبل يومه
موضي (بعيارة): عشتو.. ماعندش سالفة اللي مشعل يطيح رأسش
هيا (بعيارة) مشابهة: نشوف راكان لا طيح اللي في رأسك
موضي تحاول أن تجاريها: وأنتي كل شيء لازم تدخليني فيه أنا وراكان؟!!
هيا تنظر لها نظرة مباشرة: موضي قولي لي أنتي ليش متوترة كذا من راكان؟؟
موضي بوغتت تماما: أنا ؟؟ من اللي قال لش؟؟
هيا بعمق: مايحتاج حد يقول لي.. عندي عيون.. وماعندي حد غيرش أنتي وياه أسوي عليكم رقابة
موضي كأنها تنظر لما خلف هيا وهي تهمس بألم: بصراحة وبيني وبينش
أشوف أني أنا وراكان طرفين غير متكافئين في معادلة الزواج ذي لا شكلا ولا مضمونا
هيا تنهض لتضع كوبها على المغسلة وتغسله وهي تقول باهتمام: والمعنى؟؟
موضي بألم: يعني هو كشحصية وشكل رجّال يستاهل وحدة تكون توازيه
مهوب وحدة مثلي
هيا تبتسم وتعاود الجلوس بعد أن نشفت كأسها ووضعته في الدولاب:
تدرين إن هذا أغرب كلام سمعته في حياتي
بس ما ألومش أنا مريت بحالة مشابهة ومختلفة.. أنا ماقارنت نفسي في مشعل
قارنت نفسي فيكم أنتي وخواتش.. لقيت نفسي خسرانة المقارنة
وأعرف زين ألم المقارنات الفاشلة
موضي باستنكار: وليش تقللين من قدر نفسش.. وش فينا زود عليش؟؟
هيا ابتسمت وهي تقول: قولي الكلام هذا لنفسش
موضي تراجعت لهجتها الحماسية لتهمس بخفوت: شوفة عينش
راكان شكله ومضمونه شيء أكثر من اللي تستحقه وحدة مثلي
هيا تبتسم: صحيح هو وسيم ماشاء الله لكنها وسامة الرياجيل العادية يعني مهوب مثل فارس مثلا
وما أنكر صراحة إن هيبته مع طوله وعرضه ترج شويتين وتخوف
بس أنتي على الطرف الثاني ألف واحد مثل راكان وأحسن يتمناش
أنتي ذهب موضي.. والله العظيم ذهب.. ما أجاملش في وجهش
أنتي من بد خواتش من غير قصور فيهم ومع غلاهم الكبير في قلبي انتي اللي دخلتي قلبي وعششتي وتحكمتي
لش قدرة غريبة إنش تدخلين بين الواحد وروحه.. وتستولين على مشاعره بصورة طبيعية كأنها قدرة طبيعية أنتي تمتلكينها
موضي هزت كتفيها وهمست باستنكار مؤلم: كلام إنشاء
هيا وقفت وتوجهت ووضعت يدها على كتف موضي وهمست من قرب:
لا تخلين حياتش مع حمد تخرب عليش فرصة إنش تبدين حياة جديدة حقيقية
لانه أنتي مع حمد ما عشتي سعادتش بالسكن لنصفش الثاني
أنا لأني جربت هذي السعادة وعايشة فيها أقول لش لا تفوتينها على نفسش
حمد ماكان هو نصفش الثاني اللي الله كتبه لش.. والحين فيه حياة جديدة تنتظرك مع رجّال نادر لا تضيعينها يا موضي..
موضي همست بألم عميق جارح: حمد ما بقى لي حياة أعيشها
ولا بقى فيني أنثى أصلا عشان تعيش ذا الحياة..
**********************
قبل صلاة المغرب
على الكورنيش
الجو بارد ولكن غاية في الانتعاش
فارس وناصر يرتديان لباسين رياضيين ويركضان على الكورنيش
طولهما وألقهما لافت للنظر تماما
فارس يهمس وهو يلتقط أنفاسه: ناصر بسك ركض.. ضغطت على نفسك وأنت توك مركب الساق..
ناصر يشعر بضيق عظيم خانق منذ خرجت مشاعل من بيته وفي عينيها نظرة انكسار نحرت روحه بوحشية
كان بوده أن يوقفها.. يحتضنها..يُسكنها بين أضلاعه
يمسح عن ألق عينيها المتعبتين وجع نظرتها
يقول لها
(سامحي قسوتي أيتها الحمامة الوديعة
ربما هكذا كنا
أنتي حمامة.. وأنا صقر جارح محلق
والحمائم لا تساكن الصقور!!!
انفذي بجلدك مني
انفذي بما بقي من وداعة روحك قبل أن أنتهكها بوحشيتي
أجل أنا متوحش.. متوحش
وإلا من الذي يستطيع أن يقاوم أن يذوب أمام عذوبة أنوثتك إلا متوحش خال من الإحساس مثلي؟!!)
همس لفارس وهو يلتقط أنفاسه بدوره: لفة بعد.. لفة وحدة وخلاص
ابتسم فارس : بس ماشاء الله.. صدق اللي يشوفك مستحيل يصدق إنك تركض كذا على ساق صناعية
ناصر بعمق: يقطع من ناحية ويوصل من الثانية سبحانه عز وجل له ألف حمد وشكر
فارس يتذكر: يالله لفة ويكون المغرب أذن.. نصلي هنا ثم نلحق نرجع أتسبح وألبس وأصلي العشاء وأحضر شوي من عشاء عمي عبدالله..
ثم أطلع العنود واعدها نطلع نتعشى برا
ناصر يستعد للركض وهو يهمس: الله يهنيكم.. تقول قطاوة مطاعم أنت وياها
فارس يبتسم: قل أعوذ برب الفلق.. وعلى الطاري أنت بعد الليلة لازم تطلع أنت ومشاعل تحتفلون بساقك الجديدة بعد عشاك
ناصر بنبرة غير محددة الملامح: مشاعل تعبانة شوي وعند بيت أهلها
فارس بغضب: تدري ماعليك شرهه.. يعني لنا ساعة نركض وماطرا عليك تقول لي إن أختي تعبانة
خلاص بأروح لها الحين
ثم استدرك فارس وهو يقول بشبح ابتسامة: كذا يا نويصر تسبقونا
خيانة.. تزوجنا سوا.. المفروض نجيب عيالنا سوا
ناصر غصبا عنه كح من الحرج وهو يقول: الله يهداك وش عياله.. تو الناس
فارس وهو يخرج مفتاح السيارة من جيبه: صار لكم شهر.. بس بعد خونه أنت وياها
خلني لين أقول للعنود بس..
ناصر بهدوء: يا ابن الحلال والله العظيم مهيب حامل معها نزلة شعبية
فارس هاجمه القلق: ياكثر ما تمرض ذا البنية.. خلاص يالله نروح البيت
أمش معي نتطمن عليها
ناصر ارتاع: أنا.. لا لا.. بأروح بعدين..
فارس بهدوء: يا ابن الحلال تعال معي.. عشان ما تنحرج تدخل البيت بروحك
ثم أردف وهو يقطب جبينه: وإلا لا تكون ما تبي تشوف مرتك؟!!
ناصر اُسقط في يده.. موقفه سيبدو محرجا لو لم يزرها وهي خرجت اليوم مع والدتها وأختها وبدا الوضع أمام الاثنتين طبيعيا جدا
ناصر تنهد: خلاص بأروح البيت أتسبح وألبس ثم نروح سوا
********************
لندن
شقة آل مشعل
بعد صلاة العصر
الساعة الرابعة والنصف عصرا بتوقيت جرينتش
لندن في الشتاء تكون على توقيت جرينتش تماما
وفي الصيف يكون الفرق بين التوقيتين ساعة لأن الساعات تُقدم لساعة للتوقيت الصيفي
هيا وموضي تجلسان في الصالة الداخلية
تتبادلان الحديث
سمعتا صوت باب الشقة يُفتح
هيا بحماس: وأخيرا جاء رجّالش المبجل.. تكفين قومي إسأليه عن مشعل
موضي بحرج: خلي الرجّال يأخذ نفس.. ما يصير أول ما يدخل يلاقيني ناطة في وجهه
هيا تبتسم: أنتي مهوب بتقومين تلبسين عباتش ونقابش؟؟
موضي بتأكيد جازم ومرح في ذات الوقت: أكيد طبعا
هيا بذات الابتسامة: خلاص على ما تلبسينهم يكون خذ نفس وزيادة
موضي قامت لتلبس وهي تقول لهيا: لو أني أنا ما أبي أتطمن على مشعل أو كان مستحيل أروح له وهو ما دق علي
موضي لبست ثم توجهت للمجلس.. طرقت الباب..
جاءها صوته الفخم المثقل بالعمق: تعالي موضي
فتحت الباب وتقدمت لخطوة واحدة لتشعر بحرج كاسح وهي ترى راكان يتمدد على الكنبة وظهره مسند لطرف الكنبة وقدماه الحافيتان تتجاوزان طرف الكنبة الآخر
وأزرار قميصه العلوية مفتوحة بصورة تلقائية ولكنها سببت لها حرجا بالغا وهي ترى جزءا من عضلات صدره بارزا بوضوح
أنزلت عينيها وهمست: كنت أبي أسأل عن مشعل؟؟
راكان بهدوء: مشعل طيب.. تو تحقيقاتهم ما خلصت بس مهيب مطولة إن شاء الله
ثم أشار لمغلف أصفر يقبع على الطاولة أمامه:
وهذي شهادة بنت سلطان صدقتها خلاص.. اخذيها عطيها إياها
موضي لم تتحرك من مكانها وهي تهمس بخجل: بأخذها بعدين
راكان اعتدل في جلسته وتناول المغلف ونهض ليعطيها إياه لأنه فهم أنها تريد أن تبقى محتمية بالباب ولا تريد التقدم ناحيته
موضي تراجعت لتلتصق بالباب تماما وهو يمدها بالمغلف ويهمس بنبرة واثقة توحي بالعتب:
موضي تراني ما أعض
موضي صمتت بحرج بالغ
وهما يتبادلان نظرات مثقلة بسكون عميق والجو بينهما يُشحن بتوتر غير مفهوم
وكأن هناك شرارات عصية على التفسير تدور حولهما
هي تتأمل وجهه الوسيم المشبع بتفاصيل الرزانة وهو يتأمل عينيها المشبعتان بسحر غريب هو خليط من عمق وانكسار
راكان انتزع نفسه من أسر هذا الجو الغريب وعاد للجلوس مكانه بثقة هادئة
وموضي بقيت لثواني يلفها توترها وحرجها
بعدها قالت بخفوت: أحط لك غداء؟؟
قال وهو يعاود التمدد: أبي أنام بس.. قوميني قبل أذان المغرب ولا عليش أمر
***************************
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل
بعد صلاة المغرب
مشاعل منذ مجيئها من بيتها السابق عند الظهر وهي معتكفة في غرفتها
نزلت قليلا لجدتها عند الغداء
لأن جدتها أصرت أنها ستصعد لها إن لم تنزل هي
ثم عادت للاعتكاف في غرفتها
فما تشعر به من ألم أكبر من احتمالها
تشعر أن مسام جسدها تقطر ألما بقدر ما تشبعت كل خلية من خلاياه ألما ووجعا
أي ذنب مريع ارتكبته حتى تستحق هذه المعاملة من ناصر؟!!
تحاول أن تجد له مبررا ولكنها لا تجد أي مبررات
أ يكون للقسوة مبرر؟!!
أ يكون للتجريح مبرر؟!!
أ يكون لنحر الروح مبرر؟!!
رن هاتفها.. التقطته.. نظرت للشاشة ثم ردت بضعف: هلا فارس
..........................
تعال حياك لغرفتي ماعندي حد
اعتدلت في جلستها وهي تتناول جلالها وتضعه على ذراعيها لأنها كانت ترتدي قميصا قطنيا بدون أكمام
طرقات قوية على الباب
مشاعل بصوت عالي قدر ما يسمح لها ضعفها وطبيعتها: تعال فديتك.. ادخل
دخل فارس
ولكنه لم يكن لوحده..
كان معه شخصا آخر
شعرت حين رأته أن حرارتها المرتفعة أصلا ترتفع
أكثر وأكثر وأكثر!!
↚
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل
بعد صلاة المغرب
فارس يدخل للغرفة وناصر معه يخفي توتره العارم
مشاعل شعرت بصدمة حقيقية.. فهي كانت تعتقد أن اليوم قد تكون المرة الأخيرة التي ستراه فيها
رغم أساها العميق منه.. وجرحها النازف بسببه
ولكنها لا تستطيع انكار شعورها بفرحة شفافة غزت روحها وهي تراه يتقدم منها بصورة طبيعية جدا وخطوات واثقة ثابتة
سلما كلاهما
ردت السلام بخجل بصوتها المبحوح من المرض وفارس يميل عليها ليقبل رأسها بينما ناصر واقف في مكانه..
لم يكن في غرفتها سوى كرسي واحد لمكتبها
جذبه فارس وجلس عليه وهو يقول لناصر بصورة تلقائية:
أنت اقعد جنب مرتك
ناصر وجد نفسه مجبرا أن يجلس جوارها على سريرها وهي تزيح له مكانا بخجل
ولكن هذا لم يمنع عضده الصلب من الالتصاق بكتفها رغم تحاشي كلا منهما لهذا التلامس
ناصر كان ينظر حوله بتأمل.. لغرفة مشاعل قبل أن تصبح زوجته
ذوقها راق جدا وأنثوي لأبعد حد
غرفتها تشبهها تماما
غرفتها يشيع بها روح عذوبة مصفاة وبهجة احتواء ناعمة
شعر بألم غير مفهوم وهو يلتزم الصمت ونعومة بشرة مشاعل تحتك بعضده وهي تحاول أن تبتعد دون أن يلاحظ فارس..
وكل محاولة تبوء بالفشل..
فارس كان أول من تكلم وهو يقول بهدوء: سلامات ما تشوفين شر
ردت عليه مشاعل وهي تدعك أناملها توترا من هذا الملتصق بها: الله يسلمك
فارس يسألها: وش اللي معش بالضبط؟؟
مشاعل ردت بارتباك ودعكها المتوتر لأناملها يتزايد.. التوتر الذي لاحظه ناصر تماما: نزلة شعبية بسيطة
فارس باستفسار: وش منه؟؟
مشاعل بارتباك أكبر ومفاصلها أبيضت تماما من دعكها لأناملها: تسبحت وخليت الدريشة مفتوحة
فارس باستنكار: أنتي صاحية.. حد يتسبح ويخلي الدرايش مفتوحة وحن في شهر واحد؟؟!!
مشاعل تكاد تذوب ارتباكا وخجلا: عاد اللي صار
ناصر كانت عيناه بدون أن يشعر مثبتة على أناملها التي تكاد تتمزق من دعكها المتوتر لها
مد يده بدون أن يشعر ليديها ليمسكهما بقوة حانية وهو يهمس في أذنها: بسش مشاعل.. قطعتي إيديش
مشاعل شعرت بصدمة كاسحة.. ملمس يديه ثم همساته في أذنها شيئان فوق احتمالها
فارس حين رأى اللمسات ثم الهمسات شعر بالحرج وهو يقف ليخرج ويقول لناصر: أنت خذ راحتك.. أنا أتناك تحت عند جدتي
ناصر بجزع لم يظهر في صوته الهادئ: فارس وقف بأروح معك
ولكن فارس كان قد خرج وأغلق الباب خلفه
مرت لحظات صمت طويلة قطعها همس مشاعل المبحوح:
ناصر خلاص فك يدي.. فارس طلع من زمان
تفاجأ ناصر أنه مازال يمسك يديها كلتيهما بيده.. أفلتها وهو يقف ليجلس على كرسي فارس
والصمت يعود ليسيطر على الجو المشحون بينهما..
وهما يتبادلان نظرات عميقة وكأن كل منهما يريد أن يحفر تضاريس ملامح الآخر في ذاكرته
هي شعرها الحريري القصير يسترسل حول وجهها في هالة تحيط بخديها المحمرين من أثر الحمى
تلف ذراعيها بجلال أبيض وكأنها حمامة بيضاء أنهكها الطيران فحطت أرضا لترتاح فأغتالتها أحزان الأرض
وهو كان متأنقا في ثوب شتوي داكن مع غترة شال.. كانت تنظر حتى لقدميه الحقيقية والصناعية وهما في حذاء جلدي ثمين أغمق من لون الثوب بدرجة أكمل أناقته اللافتة
(هل تأنق هكذا لزيارتي؟!!
من المؤكد لا..
ربما هو ذاهب لمكان ما بعد أن يخرج من هنا
أين سيذهب وعشائه الليلة عند والدي؟؟)
أخيرا تكلم ناصر وهو يهمس بعمق: بيضايقش لو جيت أزورش من وقت للثاني؟؟
عشان أهلنا ما يلاحظون
مشاعل بهتت.. بـــهـــتـــت
فهي مصدومة بعنف بطلبه غير المتوقع وغير المعقول
ردت بألم مصدوم: مافيه داعي ناصر.. دامك ناوي تنحرني.. ليش تطول في السالفة
البهيمة اللي هي البهيمة حرام تعذيبها قبل نحرها.. وأنا بنت عمك.. ارحمني شوي
قل لأهلنا ماصار بيننا توافق وخلاص
ناصر لا يعلم أي جنون وتناقض يسيره: مهوب الحين..
لا يعلم حتى ما السبب الذي دفعه لطلب رؤيتها مرة أخرى..
شعر أن شيئا عميقا في مشاعره انتفض وتحرر فيما يشبه الثورة الحقيقية وهو يراها في مكان آخر غير بيته...
وهو يراها في مكانها القديم قبل أن تصبح زوجته
شعر أن نبضات قلبه تتصاعد بشكل هستيري وهو يتمعن في كل تفصيل من تقاصيلها
ووجودها ينسفه بشكل غير مسبوق عاجز هو عن تفهم غرابته
شعر أنه عاجز عن التنفس بحضرتها.. وقلبه يكاد ينفجر من الألم..
ولكن الغريب أنه يشعر بالحرية أخيرا
يشعر أنه حر فعلا.. ومشاعره تتحرر وناصر القديم يعاود الإطلال برأسه
مشاعل أجابته بعتب عميق مشبع بالألم: حرام عليك تعذبني وتهيني كذا يا ناصر
ناصر وقف ليهرب من أسر مشاعره التي فاجأته واكتسحته في سيل متتال من الصدمات..
والتي شعر بصداع حقيقي وهو يحاول مقاومتها أو حتى مجرد تفهمها..
همس بثقة أخفى خلفها طوفان مشاعره الكاسح: أستأذن.. تبين شيء؟؟
مشاعل باستغراب متألم: أبيك ترسيني على بر.. أنا ماني بلعبة عندك..
ناصر فتح الباب ليخرج وهمس لها هو عند الباب: لو احتجتي شيء دقي علي
مشاعل غاية في الاستغراب..
اليوم عند الظهر طردها من منزله.. وبعد المغرب يأتي لزيارتها وكأن شيئا لم يكن
أي تفكير مجنون يخطر بباله؟!!
وأي غرابة تسيطر على أفكاره؟!!
ولكن ليفكر ما يشاء
فهي على كل الأحوال يستحيل أن تعود له
فإذا كان قد قال (من عافنا عفناه لو كان غالي)
فهي قالت ( لو طلعت من بيتك مستحيل أرجع له)
************************
لندن
مركز التحقيق الرئيسي
مشعل يتمدد وهو ينظر للسقف
نعم هو متجلد لأبعد حد ويعتبر أن ما يمر به هو مجرد أزمة ستمضي
وليس هو من يعجز عن مواجهة الأزمات
ولكن إحساس الظلم إحساس مؤذ
أن يتعرض للاتهام والظلم هو وكل عرقه العربي وكأنهم يتعرضون لحملة اتهام عالمية تحصرهم في زاوية مظلمة
أن تُختزل كل عظمة المسلمين والعرب وتاريخهم العريق في خندق اتهام مفصل جاهز اسمه "الإرهاب"
ويُجند كل إعلام العالم في حملة منظمة مقصودة لتعزيز هذه الصورة وتكثيفها حتى يصبح الإرهاب رديفا لاسم كل عربي ومسلم
لتغطية جرائم حكومات معينة وإبعاد النظر عنها
كل هذا كان مؤذيا لروحه الوثابة المشبعة بالإيمان.. يعلم أن راكان طمئنه أن الوضع مؤقت وسيحل الأشكال
ولكن كم من المظلومين ذهبوا في اتهامات ظالمة وانتهى مستقبلهم على عتبة الظلم الغير قابل للنقاش
ماذا لو اخترعوا له تهمة وخصوصا أنه له سابقة عنف مثبتة في ملفاتهم
لمن يترك أسرته؟؟
سلطان مازال صغيرا.. ووالده رغم قوته ولكنه يزحف للشيخوخة
والدته العميقة الصامتة الحنونة.. هل يُكتب عليها حزن تتجرعه بصمت؟!!
ريم مازالت صغيرة..
وهيا؟؟
هيا لمن يتركها.. لن تحتمل مطلقا.. فهي تعبت من الحزن واليأس والفراق
وشقيقاته المتزوجات من سيقف جوارهن لو تعرضن للضيم من أزواجهن
آلاف الأفكار المؤلمة والهموم تزاحمت في عقل مشعل الذي يحمل هموم غيره قبل همه
تنهد بعمق
ثم نهض ليتناول المصحف الذي أحضره له راكان
ويبدأ في تلاوة عميقة
تلاها دعوات عميقة لله عز وجل أن يفرج همه ويشرح صدره
**************************
قبل المغرب بتوقيت لندن
شقة آل مشعل
هيا بودها أن تقول شيئا ولكنها مترددة
جلست بجوار موضي ثم عاودت النهوض
موضي بغيظ: تراش حولتيني.. في بطنش علم.. خلصيني
هيا بارتباك: خلينا نروح الصيدلية
موضي باستغراب: ليش الصيدلية؟؟
هيا بهمس: يا أختي أنا أدل هنا عدل.. بأطلع أنا وياش شوي ونرجع
أبي لي شغلة
موضي بخبث: اللي هي؟؟
هيا بخجل: تيست حمل
موضي قفزت وهي تصرخ بفرح مجنون: يا الخايسة وتوش تقولين
من متى؟؟ من متى؟؟
هيا بخجل عميق: فضحتيني.. راكان سمع صياحش..
أخر دورة شهرية جاتني في واشنطن تاريخ 13/12
واحنا الحين في أخر شهر واحد.. ودورتي كانت منتظمة مثل الساعة
موضي تضحك بفرحة عميقة: لا وكبدش لايعة عليش.. ومنتي مشتهية الأكل
ودمش ثقيل... يعني حامل بدون شك..
بس مايضر خلنا ننزل ونجيب تست وإلا نروح دكتورة أحسن؟؟
هيا بخفوت: تيست يكفي.. وعقب بأروح للدكتورة لا طلع مشعل.. عشان أسالها عن السفر
موضي بتأثر: فديته مشعل يا هو بينبسط.. لا تقولين له لين يطلع.. خلي فرحته فرحتين
هيا بتأثر مشابه: خله يطلع بس
موضي قامت تلبس عباءتها ونقابها: بأروح أصحي راكان وأستاذنه على ما تلبسين أنتي
موضي توجهت للمجلس.. فتحت الباب بهدوء وأطلت برأسها
كان يتمدد على الكنبة ويده تغطي وجهه همست موضي بهدوء خجل: راكان راكان
راكان أزال يده عن وجهه وصوته الناعس بدا لها مؤلما في رجولته: خلاص قايم قايم
موضي بتردد: ماعليه راكان بأنزل أنا وهيا شوي نبي الصيدلية؟؟
راكان استوى جالسا وهو يقول بثقة: انتظري دقايق ألبس وأوديكم
موضي بارتباك: مافيه داعي راكان.. احنا بنروح مشي للصيدلية القريبة وبنرجع
راكان بذات الثقة والهدوء: موضي قلت انتظري دقايق.. بألبس الحين وعقب بأرجعكم هنا وأروح للمسجد
موضي تراجعت وهي تهمس باستسلام: خلاص منتظرينك..
****************************
بيت فارس
الساعة 11 مساء
فارس والعنود يدخلان غرفتهما بعد عودتهما من العشاء في الخارج
فارس يخلع غترته ويهمس لها بنبرة خاصة: يعني ما سألتي عن المفاجأة؟؟
العنود تخلع عباءتها وترد بخجل: شفتك سكتت.. قلت يمكن نسيت
فارس يبتسم: أنا لو وعدت بشيء ما أنساه
روحي افتحي الدرج اللي جنب سريرنا
العنود توجهت للجارور وفتحته واستخرجت تذاكر سفر منه
ابتسمت: شنو يعني؟؟ بتسفرني؟؟
ابتسم فارس: شنو أسفرش ذي.. لا تكونين هندية هاربة من كفيلها
العنود تبتسم وتقرص خده: ياملغك بس
زين وين بنسافر؟؟
فارس بهدوء: أنتي باقي لش حوالي أسبوعين لين ترجعين للدراسة
واحنا ماسافرنا مكان
والدنيا الحين كلها برد
فأنا قلت يا ماليزيا يا تركيا.. أهون شوي
بس أدري إنش سافرتي ماليزيا كم مرة.. قلت خلاص نروح تركيا ولو أنها أبرد الحين من ماليزيا..
وش رأيش؟؟
العنود تسند رأسها لصدره وتهمس برقة: أي مكان معك حلو
ثم رفعت رأسها وهمست باهتمام صادق: زين وأمي وضحى؟؟ بنخليها؟؟
فارس احتضنها بشدة وهو يتأثر بعمق من اهتمامها بالسؤال عن والدته:
فديت اللي مانست أم فارس
أمي قلت لها وكنت أبيها تروح معنا بعد.. بس هي مارضت
تقول فرصة تقعد عند خالي سعد وعياله.. كاسرين خاطرها
يوم يشوفونها كنها نازلة عليهم من السماء
*************************
الدوحة
مابعد منتصف الليل
بيت ناصر
أطال ناصر السهرة لأنه كان يتجنب عودته للبيت
وكان ينكر حتى على نفسه سبب هذا التجنب
كان يبحث لنفسه عن أعذار غير السبب الحقيقي
أنه لا يطيق فكرة البيت من غير وجودها
ولا يتخيل زواياه دون حركتها العذبة في أرجاءه
دخل البيت بخطوات مترددة
مازالت رائحة عطرها تعبق في الجو أو ربما يتخيل ذلك!!
دخل بخطوات أكثر ترددا للغرفة
ما زالت كل أغراضها موجودة..
عطورها على منضد التسريحة
ملابسها في الدولايب
بعد فترة ما سيختفي كل هذا
بالتأكيد ستأخذ كل أغراضها بعد انفصالهما
انتفض بعنف
"انفصال!!"
ويختفي كل ما يخصها من حياته كأنها سحابة صيف مرت واختفت؟!!
مشوش لأبعد حد.. مازال عاجزا عن مسامحتها على ما فعلته به ليلة زواجهما
ولكنه يحتاجها.. يحتاجها
يحتاجها حتى آخر قطرة في دمه.. وآخر نفس في صدره
أي تناقض يعيشه؟!!
أي تناقض؟!!
تنهد بعمق وهو يخلع ملابسه ثم يتوضأ ويصلي قيامه
تمدد بعدها على سريره وهو يخلع ساقه ويضعها جواره
إنها الليلة الأولى مع ساقه الجديدة
والليلة الأولى بدون مشاعل
ليلة باردة.. لن تدفئها كل سيقان العالم الحقيقية والصناعية بدون تلك الضئيلة الرقيقة
تناول هاتفه.. فهو مستمر في جنونه وتناقضه...
اتصل برقم معين.. جاءه بعد لحظات صوتها مرتبكا متعبا: هلا
ناصر بهدوء: هلا بش.. أشلونش الليلة؟؟
مشاعل بصوت مستنزف من التعب والارتباك: أحسن.... ناصر فيه شيء؟؟
ناصر يهمس بهدوء: مافيه شيء.. حبيت أتطمن عليش.. صحيتش من النوم؟؟
مشاعل بحزن: ما نمت أصلا
ناصر يعدل وضع المخدة وراء ظهره وهو يهمس: وليش ما نمتي؟؟
مشاعل بذات النبرة المثقلة: أعتقد أنت آخر واحد يسأل.. لأنك عارف
ناصر لا يعرف هو نفسه ماذا يريد: ماني بعارف.. عرفيني
مشاعل بألم: ناصر أنت وش تبي مني؟؟
ناصر ببوح حقيقي: تبين الصدق؟؟ والله ما أدري وش أبي.. اشتقت أسمع صوتش فاتصلت بدون تفكير
مشاعل مصدومة: ناصر من يوم أنت رجعت من السفر لك أكثر من 3 أسابيع
وما كنت طايق تكلمني
الحين مشتاق لصوتي؟!!..
ناصر يبتسم رغم غرابة الموقف: أدري شيء غريب.. بس هذا اللي صاير
وتبين تسمعين شيء أغرب؟؟
مشاعل بحذر: اللي هو؟؟
ناصر بعمق: ما أبيش تأخذين شيء من أغراضش.. خليهم عندي
مشاعل باستغراب: ناصر أنا قلت لك لو طلعت مستحيل أرجع.. فايش اللي بيخلي أغ**** عندك؟؟
ناصر يبتسم باتساع: مهوب قلت لش شيء أغرب
مشاعل ابتسمت بتلقائية وهي تشتم رائحة ابتسامته في صوته لتسأله سؤالا أكثر غرابة:
وإذا أنت تزوجت.. أشلون بتبرر للزوجة الجديدة أغ**** وملابسي عندك؟؟
يتمدد ناصر وهو يسند رأسه للمخدة ويحتضن هاتفه وهو يعلم أن الحوار الغريب سيطول
يقول بابتسامة: بأشرط عليها أغراضش تقعد
مشاعل عادت للحزن وهي تهمس: يعني تبي الأغراض وأنت مابغيت صاحبتهم؟!!!
ناصر يمد يده للمكان الخالي جنبه ويلمسه بحنو واشتياق
ثم يهمس بعمق: تدرين إني ماني بقادر أنام وأنتي منتي بجنبي
مشاعل صعقت.. يبدو كما لو كان من يحاورها شخصا آخر غير ناصر الذي عاشت مع قسوته ونفوره طيلة الأيام الماضية
مشاعل بحرج بالغ: ناصر أشفيك الليلة.. منت بطبيعي
ناصر يبتسم: بالعكس أنا الليلة طبيعي جدا.. هذا أنا ناصر مثل ما أعرف نفسي
مشاعل بألم: وناصر اللي طردني من بيته وحياته.. أي ناصر كان؟؟
ناصر بضيق: ناصر الثاني اللي شوفتش في بيته طلعت كل عيوبه
مشاعل بألم: ناصر أنا قلت لك أكثر من مرة أنا ماني براجعة.. فليش تسوي كذا فيني؟؟
ناصر بعمق: وأنا ما أبيش ترجعين.. وماقلت لش روحي لبيت هلش وأنا أبيش ترجعين
مشاعل باستغراب: زين وليش تتصل فيني؟؟
ناصر بابتسامة: وأنتي ليش تردين علي؟؟
مشاعل بخجل: ما أدري
ناصر بإبتسامة: وأنا ما أدري..
همست مشاعل في اتجاه آخر : تعشيت زين؟؟
ناصر بنفي: لا.. ولا حتى تغديت.. الليلة جلست مع الرياجيل على العشا مجاملة لعمي بس ماقدرت أكل
مشاعل بعتب: وزين ليش كذا؟؟
ناصر بصراحة غريبة: متضايق وما أشتهيت أكل
مشاعل بقلق: وش اللي مضايقك؟؟
ناصر بعمق: يعني ما تدرين
مشاعل باختناق موجع: ناصر حرام عليك اللي تسويه فيني
ناصر بأسف عميق: صدقيني ما أقصد أضايقش.. أنا نفسي ما أدري وش اللي فيني
ثم أردف في بوح أعمق:
من يوم طلعتي من البيت وأنا مثل المجنون.. وكل زاوية في البيت تذكرني فيش
لكن في نفس الوقت ما أفكر أبد أرجعش
أدري جنون غير معقول.. بس هذا اللي صاير
أنتي وأنتي قدامي في البيت يرجع لي كل ذكريات نفورش مني.. أحس ما أقدر أسامح أو أتقبل
لكن من لما طلعتي من البيت وذكراش تعذبني..
مشاعل بألم عميق: يعني تبي تعيش مع ذكراي وتشوف أغ**** وتسمع صوتي
لكن أنا كمخلوق حقيقي متجسد لا؟!!
ناصر بعمق: جرحتش.. صح؟؟
مشاعل بعمق مشابه: جرحتني شوي على اللي سويته فيني.. لكن خلاص ماعاد يهم
ناصر بشفافية: أنا آسف والله آسف
مشاعل بشفافيه مشابهة: وأنا آسفة والله آسفة على اللي صار في ليلة .....
قاطعها ناصر بحدة: مشاعل لا تذكريني
مشاعل بارتباك وخجل: أنا آسفة
ناصر يتنهد: خلاص لا تعتذرين.. أنا طولت عليش واجد.. وأنتي تعبانة
صمتت بخجل.. ماذا تقول؟؟ أنها لا تريد أن تنتهي هذه المكالمة الغريبة التي أشعرتها لأول مرة بأنها امرأة متزوجة فعلا
وإن كانت متزوجة بطريقة غريبة
ناصر همس: تدرين إنه بكرة أول يوم دوام عندي
كنت أتمنى أصحى على صوتش
مشاعل بعذوبة: خل تلفونك جنبك وأنا بأصحيك
أي غرابة مستعصية تجمع هذين المخبولين؟!!
ناصر ابتسم: أكيد؟؟
مشاعل برقة: أكيد
ناصر بحنان: خلي بالش من نفسش وتصبحين على خير
مشاعل بخفوت: وأنت من أهله
انتهى الاتصال
ولكن الأفكار بدأت وتعمقت
كل واحد منهم تمدد على سريره وتفكيره في مكان آخر
وشبح ابتسامة تلوح على الشفتين بينما القلب غارق في أساه
مرت دقائق وكلاهما غارق في تفكيره
حتى انتفض هاتف مشاعل إعلانا لرسالة قادمة
تناولت مشاعل هاتفها وأشتعل وجهها احمرارا وهي تقرأ مضمون الرسالة وتهتف في داخلها
(ناصر أكيد استخف.. والله العظيم مهوب طبيعي)
"تدرين إن ريحتش اللي تدوخ معبية مخدتش
والمخدة الحين في حضني
أشم فيها ريحة أميرتي اللي ماقدرت أحضنها
واللي بأموت عشان أحضنها صدق"
****************************
مرت خمسة أيام على الأحداث السابقة
انتهت التحقيقات المكثفة في قضية مشعل
وتأكدوا أن قضيته لا تتجاوز المشاجرة قبل 12 سنة
وهو حينها كان دون السن القانونية لأنه كان في السابعة عشرة
لذا فلا أساس أصلا لمنعه من دخول بريطانيا
والمحامي الذي كلفه راكان بالقضية كان محاميا شهيرا وبارعا
وأستطاع أن يستصدر حكما بإزالة اسم مشعل من القائمة السوداء
والسماح له بدخول بريطانيا دون قيود
لذا فخروج مشعل سيكون من التوقيف سيكون اليوم
وعودة موضي وراكان للدوحة ستكون غدا
وكذلك عودة مشعل وهيا لواشنطن ستكون غدا
هيا تأكدت من حملها.. وذهبت للدكتورة وأجرت فحوصات كاملة حتى تتأكد من وضعها قبل السفر
لأنها علمت أنه لا وقت لديها بعد خروج مشعل من التوقيف لأنها سيسافران فورا في اليوم التالي
هيا وموضي أصبح بينهما مساحة أوسع للبوح
وموضي اكتشفت أن هيا تعرف الكثير عن علاقتها بحمد وضربه لها
وتعرف عن علاج حمد في مصر
مما جعل العلاقة بينهما مفتوحة للحد الأقصى
موضي وراكان مازال الحال كما هو عليه
رفيقا سفر لطيفان شهمان مستعدان لتقديم المساعدة حتى آخر نفس
ولكن بينهما لا شيء خاص مطلقا
سوى خجل موضي في حضرته
واحترامه المبالغ فيه لها
وشرارات غريبة تنطلق حال تواجدهما في ذات المكان!!!!!!!
فارس والعنود مستمعان برحلتهما في اسطنبول
علاقتهما بين حب مصفى وقسوة فارس التي لا تلبث أن تبرز مع أبسط موقف
ولكن العلاقة بينهما تتعمق بتجذر
فارس بات مولعا بها لدرجة الوله الخيالي.. ولكنه يغار عليها بصورة غير طبيعية
والعنود باتت مشاعرها تتعمق ناحيته أكثر واكثر
فرغم قسوته التي تجرحها.. لكنها لا تستطيع أن تنكر أنه يغرقها في بحر مشاعر شديدة العمق والدفء والاحتواء
عائلة آل مشعل في الدوحة لا أحد منهم علم بما حدث لمشعل
إلا مشاعل
فهي اتصلت بموضي وأصرت عليها أن تخبرها لأنها تعلم أن هناك شيء ما حدث لمشعل
أخبرتها موضي وطمئنتها أن الوضع مؤقت وطلبت منها الكتمان
باكينام ويوسف
باكينام مازالت في السكن
يتصل بها يوسف فترد عليه بفتور واقتضاب
(كيف حالك؟)
(بخير)
وتنتهي المكالمة
أما المعضلة الغريبة غير المعقولة فهي وضع ناصر ومشاعل
ناصر يكاد يجن من غيابها.. يفتقدها بوجع غير طبيعي
يكاد يجزم أنه بدأ يقع في غرامها
ولكنه ينكر ذلك على نفسه.. كما يستنكر مجرد التفكير بإعادتها إلى حياته
ورغم هذا وذاك
فهو يهاتفها بشكل متكرر بل ومبالغ فيه
لا ينام إلا على صوتها ولا يصحو إلا عليه
زارها خلال الأيام الماضية مرتين ولكن في لقاءتهما المباشرة
يحضر نوع من الحذر مختلف عن انطلاقهما وهما لا يريان بعضهما
ولا يذكر وجه كل منهما الآخر الإهانة التي وجهها كل منهما للآخر
بيت عبدالله بن مشعل
بعد المغرب
غرفة مشاعل
مشاعل أمام المرآة تتأنق
تدخل عليها لطيفة.. تخلع جلالها وتجلس على السرير:
وش هالحلا؟؟ وين رايحة؟؟
مشاعل بتلقائية: ماني برايحة مكان.. ناصر بيجي الحين
لطيفة باستغراب: مشاعل خلاص تراش مسختيها
كنتي مريضة وسلمتي.. لمتى وأنتي محفية المسكين وراش تلفونات وجيات
ارجعي بيتش
مشاعل بتوتر: بعدني تعبانة
لطيفة باستغراب أكبر: وش تعبانته؟؟ هذا أنتي قدامي كنش حصان
مشاعل تخفي وجهها عن أختها الكبيرة حتى لا تقرأ ملامحها وهي تضع بعض الكحل داخل عينيها
لطيفة نهضت ووقفت خلف مشاعل وهي تنظر لوجهها في المرآة لتقول لها بحزم:
ميشو.. وش صاير بينش وبين ناصر؟؟
ليه منتي ب****ة ترجعين لبيتش؟؟
صار لي كم يوم ألمح لش وانتي تهربين مني
الحين مافيه.. قولي لي
مشاعل تنهدت: إذا أنا دريت وش بيني وبين ناصر.. قلت لش
لطيفة باستغراب: والمعنى؟؟
مشاعل بألم: والله العظيم أني ما أدري.. إذا قدرت ألاقي كلام ممكن يوصف الحال الغريبة اللي أنا وناصر عايشينها قلت لش
لم تكن لطيفة تنوي الاقتناع بكلام مشاعل وكانت تريد الاستمرار في التحقيق لولا أن سلطان دخل عليهم وهو يقول بتقطيب:
مشاعل انزلي.. الشيخ ناصر يتناش تحت في مجلس النسوان
لطيفة تضحك: وشفيك تقولها وانت زعلان
سلطان من بين أسنانه: إيه زعلان.. هي عندنا الحين.. وشو له كل شوي ينط عندنا
لطيفة تقف وتحتضنه: عشانها مرته.. عندك مانع؟؟
سلطان يبتسم: إيه عندي.. مرته في بيته.. الحين أختي وحقتي وفي بيتي
مشاعل أنهت زينتها برشات عطر .. لتقترب من سلطان وتقرص خده وتهمس له لتسكته:
سليطين ترا غلاك ما حد يلحقه.. لا ناصر ولا غيره.. فلا تحاتي
سلطان يضحك: فديت أختي ياناس
مشاعل خرجت ولطيفة تقرص ذراع سلطان وهي تقول له بإبتسامة:
زين مشاعل أختك.. لا أكون أنا أخت الشارع
سلطان يحتضن خصرها ورأسه في صدرها ويقول ببراءة الخبثاء: أنتي أكثر من أختي
أنتي أمي
مشاعل تنزل وهي متوترة نوعا ما.. رؤيته توترها.. عكس اتصاله بها الذي يشعرها بالإرتياح
فتحت باب المجلس ثم أغلقته وراءها
وهو وقف حين دخلت وهو يشبع عينيه نظرا إليها..
سلمت ثم جلست في مقعد قريب منه ولكن بينهما مسافة
همست باهتمام: ليش لابس ثوب أبيض.. مهوب برد عليك؟؟
ناصر يبتسم: وين برد الله يهداش اليوم أول يوم في شهر 2.. البرد خلاص.. الله يذكره بالخير
ابتسمت مشاعل بعمق.. لأول مرة ترى ابتسامته بعد تلك الليلة المشئومة
همست: ليش ما جيت أمس؟؟
همس: جيت قبل أمس.. وأنحرج أنط لكم كل يوم
مشاعل بهمس فيه مساحة شاسعة من الألم: ولمتى واحنا على ذا الحال
أمي تسألني ولطيفة.. وأنا ماعندي جواب
ناصر لم يجبها ولكنه وقف وتوجه للأريكة حيث تجلس.. وجلس جوارها
انتفضت بعنف.. للمرة الأولى يفعلها ويلتصق بها هكذا وبرغبته
كانت ترتعش كعصفور مبلل
وهو يمد ذراعه ليحيط بها كتفيها.. فيزداد ارتعاشها
همس لها من قرب بنبرة عميقة خافتة وهو يلاحظ ارتعاشها : خايفة مني؟؟
************************
لندن
شقة آل مشعل
بعد صلاة العصر
موضي وهيا غاية في التوتر والترقب واللهفة انتظارا لوصول مشعل
وخصوصا هيا التي لديها خبر سعيد تفاجئه به
موضي تهمس بمرح وسعادة: شوفي إذا جاء مشعل روحي داخل
هيا تبتسم: وليش يعني؟؟
موضي برقة: لأنه عندش خبر خاص.. يستحق استقبال خاص
وأخاف تخورونها قدامي
فروحوا انلموا في غرفتكم
هيا تغمز لها: لا تكونين تبين تسكرين علينا.. تروحين لراكان
موضي تبتسم: والله مهوب شغلش.. أنتي مع رجالش.. وش حاشرش بيني وبين رجالي؟؟
هيا بخبث: عشتو.. تطورات.. تطورات يا مويضي.. اليوم رجّالي.. بكرة حبيبي
موضي كحت: وجع هيا يا قليلة الحيا
هيا تضحك: اللي يشوف سحاش من راكان.. يقول سامحيني على الكلمة.. كنش أول مرة تزوجين
موضي تبتسم: مع أنه مفروض أزعل من كلامش.. بس مالي خلق أزعل
وأنا بروحي حاسة كني أول مرة أتزوج
ثم انقلب مزاجها مع التذكر: مع حمد ما عشت حياة زوجية بمعناها الحقيقي
على كثر هو ما كان يتغزل فيني.. عمري ما قدرت أقول له كلمة حلوة وحدة
لا حبيبي.. ولا قلبي.. ولا عيني
أي حبيب.. وأي قلب.. وأي عين!!! وأنا عارفة أنه ممكن يخلي وجهي شوارع بعد ثواني من تغزله فيني..
حمد ماقدر يفتح قلبي لكنه نحره وهو مسكر على مشاعره.. علاقتي معه قائمة على الشفقة والخوف وبس
كنت أشفق عليه وفي نفس الوقت أخاف منه
ولولا عمتي وخالي وغلاهم عندي.. كان مستحيل أصبر عليه لو يوم واحد
هيا جلست جوارها واحتضنت ذراعها وهي تهمس لها بمودة: عطي نفسش انتي وراكان فرصة
موضي بألم: أنا وراكان ما بيننا حتى شبح فرصة.. أنا ماعدت امرأة طبيعية
وماعدت متقبلة إنه رجال يلمسني.. لأنه أصلا ما عندي حتى لا جسد ولا روح ينفعون أي رجّال
هيا باستغراب: موضي أنتي ماعليش قاصر زين ولا أخلاق.. ليش تحطين من قدر نفسش كذا؟!!
موضي بضيق: خلينا نغير الموضوع..
ثم أردفت بابتسامة مصنوعة: مشعل جاي وأنتي وهو والنونو الأهم
ومع انهائها لجملتها كان باب الشقة الرئيسي يُفتح
وموضي توقف هيا وتدفعها لداخل الشقة
وهي تقول بمرح: يالله يالله روحي داخل
↚
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة المغرب
مجلس النساء
لقاء ناصر ومشاعل الغريب
فتحت مشاعل باب المجلس ثم أغلقته وراءها
وهو وقف حين دخلت وهو يشبع عينيه نظرا إليها..
سلمت ثم جلست في مقعد قريب منه ولكن بينهما مسافة
همست باهتمام: ليش لابس ثوب أبيض.. مهوب برد عليك؟؟
ناصر يبتسم: وين برد الله يهداش اليوم أول يوم في شهر 2.. البرد خلاص.. الله يذكره بالخير
ابتسمت مشاعل بعمق.. لأول مرة ترى ابتسامته بعد تلك الليلة المشئومة
همست: ليش ما جيت أمس؟؟
همس: جيت قبل أمس.. وأنحرج أنط لكم كل يوم
مشاعل بهمس فيه مساحة شاسعة من الألم: ولمتى واحنا على ذا الحال
أمي تسألني ولطيفة.. وأنا ماعندي جواب
ناصر لم يجبها ولكنه وقف وتوجه للأريكة حيث تجلس.. وجلس جوارها
انتفضت بعنف.. للمرة الأولى يفعلها ويلتصق بها هكذا وبرغبته
كانت ترتعش كعصفور مبلل
وهو يمد ذراعه ليحيط بها كتفيها.. فيزداد ارتعاشها
همس لها من قرب بنبرة عميقة خافتة وهو يلاحظ ارتعاشها : خايفة مني؟؟
كانت أنفاسه الدافئة تصطدم بخدها لشدة قربه منه
مشاعل أجابته بصدق رقيق: خايفة شوي ومستغربة كثير
ناصر ينهي مرحلة الحذر في لقاءاتهما المباشرة وهو يهمس بنبرة أكثر عمقا:
ولو سويت شيء نفسي أسويه من أول يوم شفتش واقفة على الدرج قبل زواجنا بكم شهر.. يوم جيت أسلم على جدتي مع فارس
بتخافين أو بتستغربين؟؟
مشاعل بتوتر وخجل: ما فهمت
ناصر مد كفه الأخرى ليمسك ذقنها بلطف ويقرب وجهها منه
مشاعل شعرت أن قلبها سيتوقف وهي ترى كيف اقترب منها
لينهي رحلة اقترابه بقبلة طويلة .. عميقة.. مشحونة بالتأويلات والشوق والألم
مشاعل تعطل تفكيرها ومشاعر عميقة تغتالها وهي تستكين لاحتضان ناصر الأول لها.. لقبلته الأولى
ولكن حينما عاد لها تفكيرها انتزعت نفسها منه وهي تهمس بصوت مبهور الأنفاس مشبع بالألم: ناصر أنت ليش تسوي كذا؟؟ ليش؟؟
دامك ما تبيني.. وش ذا الجنون اللي حن نسويه؟؟!!
ناصر مازال هائما في سماواتها.. وانفعال أعمق يهزه بعنف ..ولكنه رد عليها بثبات:
هل أنا سويت شيء حرام أو عيب؟؟
مشاعل بخجل عميق: لا.. بس....
ناصر قاطعها بابتسامة: غريب
مشاعل قامت لتجلس على كرسي لوحدها وهي تهمس بحرج: غريب واجد مهوب شوي
ناصر بمرح يعيده لشخصيته القديمة بالكامل: يعني قمتي من جنبي.. تعتقدين هربتي مني.. كلها خطوتين بيني وبينش..
مشاعل تبتسم: تعبت أسأل وأنت ما تجاوبني.. وش آخرتها؟؟
ناصر قام ليجلس جوارها ويحتضن كفها..ثم يهمس بعمق: والله العظيم أنا ما أدري وش أخرتها
طلعتش من بيتي وعشرتي حررت مشاعري.. وماني بمستعد أرجع أقيدها
*************************
شقة آل مشعل في لندن
موضي في الصالة
يُفتح الباب الواصل بين المجلس والصالة ..ليطل وجهه الحبيب عليها
موضي تقفز وهو يدخل لتتعلق بعنقه وهي تهتف بفرح عميق:
الحمدلله على سلامتك فديتك...
ثم تكمل بمرح: الحبس للجدعان
مشعل يقبل رأسها وهو يقول بود عميق: جعل عيني ما تبكيش يا أخيش
سامحيني..
أدري أني حديتش على أقصاش يوم خليتش تجين مع راكان
موضي بتأثر: فديت قلبك.. لو مهما سويت لك.. والله ما يلحق ذرة في غلاك عندي
ثم أردفت برقة: خليتنا نهذر وفيه ناس ينتظرونك داخل
مشعل بقلق: ليش قاعدة داخل؟؟ لا تكون تعبانة؟؟
موضي بلهجة قلق مصطنعة: إيه تعبانة.. رح لها
مشعل باستعجال: زين بأروح لها.. وترى فيه كلام مهم أبي أقوله لش.. راجع لش
يبي لنا قعدة
موضي تخفي ابتسامتها: أنت الحين رح.. والقعدة لاحقين عليها
مشعل يتوجه للداخل.. لا يعرف أي غرفة.. ولكنه اختار التي وجد بابها مشرعا
وبالفعل كانت هيا تقف وظهرها للباب تنظر مع النافذة للخارج.. وتحاول أن تتحكم بلهفتها الكاسحة
اقترب منها بهدوء حتى وصل خلفها وهي مازالت سارحة
همس بالقرب من أذنها بشوق بالغ: وحشتيني
التفتت هيا بابتسامة شاسعة لترتمي بين ذراعيه وهو يهمس لها بحنان: بدون بكا
هيا وهي تدفن رأسها في صدره.. همست بسعادة: ماني بباكية
مشعل أبعدها قليلا لينظر إلى وجهها.. ثم وضع يده على جبينها ليهتف باستغراب: أشوفش زينة
ليش موضي تقول إنش تعبانة؟؟
ابتسمت هيا: لأني تعبانة
مشعل يبتسم: أول مرة أشوف حد يقول أنا تعبان.. وابتسامته شاقة كذا
هيا بابتسامة أكثر إتساعا: لأنه تعب يونس
مشعل باستغراب: حيرتيني.. وش السالفة؟؟
هيا تقرص خده لتقول بوله: مشكلتك بريء بزيادة.. ما أدري متى بتفهم التلميح من أول مرة؟!!
مشعل يضحك: نعنبو دار عدوينش رجّال داخل على الثلاثين وتقولين لي بريء بزيادة
هيا تبتسم وهي تبتعد خطوة للوراء: يعني لازم أقول لك على بلاطة أنك خلاص بتصير بابا.. تعبت ألمح وأنت ما فهمت
مشعل بهت.. بهت تماما
والكلمات تخرج متقطعة من بين شفتيه والفرحة تخترقه حتى أقصى وريد وشريان ونفس:
أنـ ـا.. أنــ تــ ـي.. أنــ ــا بــ ـابــ ــا
ثم انسابت الكلمات كالشلال من بين شفتيه وهو يمسك عضديها ويهزها بفرح عميق:
تكلمين جد.. والله.. والله؟؟؟ أنتي حامل.. حامل.. أنا بأصير أب يعني؟؟
جد؟؟ جد؟؟
هيا تبتسم من فرحته العميقة: ليه المواضيع هذي فيها مزح
مشعل بسعادة: خلاص ترجعين مع موضي وراكان للدوحة..
تعبت عليش حمل ودراسة
هيا برفض قاطع: ولا تحاول ولا تفكر.. طلعنا من الدوحة سوا.. نرجع لها سوا
وبعدين حبيبي خلاص كل اللي باقي لي كم شهر..
خلني أخلصهم قبل أولد وأنشغل بالبيبي
مشعل بتردد: والله تعب عليش يا قلبي
هيا تضع رأسها على صدره: التعب الصحيح أنه أول حمل لي يمر وأنت بعيد عني
أبيك معي كل يوم بيومه..
وأنا رحت للدكتورة وطمنتي.. وعطتني إبرة مثبت وحبوب.. يعني مستعدة لروحة واشنطن تمام التمام إن شاء الله
***********************
شقة آل مشعل
مشعل يعود لموضي الجالسة في الصالة وابتسامة شاسعة ترتسم على وجهه
موضي تبتسم لابتسامته وهي تهمس: مكتوب على وجهك بابا خايب
مشعل يجلس جوارها وهو يهمس بسعادة حقيقية: أنا بأصير أحسن أب.. خله ياتي بس
موضي تضحك: أشهد أن الولد خرب من الدلع
مشعل بابتسامة: وانتي وش عليش.. خليه يتدلع
موضي بسعادة: فديت قلبه الولد اللي أنا عمته.. مبروك يا مشعل مبروك فديتك
مشعل يدخل مباشرة فيما يريد قوله: وأنتي متى بنقول لش مبروك؟؟
موضي انتفضت بعنف: تو الناس
مشعل بحزم رقيق: لا مهوب تو الناس..
اسمعيني يا موضي عدل
ماحد بجابرش على شيء ما تبينه.. بس اسمعي كلامي للآخر
راكان يقول انه يبي يسوي عشاء وتجين لبيته على طول عقب ما ترجعون الدوحة
موضي وقفت بشكل مفاجئ.. وهي تقول برعب: وشو؟؟
مشعل أمسك كفها بحنان وهو يشدها ليجلسها جواره ويكمل:
اسمعيني.. انتي الحين سافرتي مع راكان وصار لكم تقريبا أسبوع مع بعض
إذا رجعتي للدوحة ورجعتي بيت هلي.. وش تبين الناس يقولون؟؟
موضي بانفعال: مشعل ما اتفقنا على كذا
مشعل بقلق: موضي أنتي ما تبين راكان؟؟
موضي بوغتت: لا مهوب كذا.. بس.........
مشعل يقاطعها: دام إنش تبينه..موعد العرس شيء شكلي ماله معنى
والله يا موضي مهيب زينة تسافرين معه وعقبه تبين ترجعين بيت هلي
أدري إني أنا السبب.. بس خلاص المنطق يقول إنش ترجعين لبيت راكان
موضي بتساءل مفاجئ وحذر: هذا كلامك أو كلام راكان؟؟
مشعل بتلقائية: راكان قال لي.. وأنا وافقته على طول.. لأن الفكرة نفسها كانت تدور ببالي بس ماقدرت أقولها له
موضي بسكون وهي تجد نفسها مجبرة منطقيا على الموافقة: خلاص مشعل مثل ما تبون
مشعل يبتسم: خلاص أنا باتصل في الدوحة يسوون العشاء بكرة في الليل عشان يلحقون يعزمون... معارف راكان واجد
موضي برعب: وليش مستعجل كذا؟؟
مشعل بهدوء: دامك فيها وش أنت تتنيها
طيارتكم بكرة الفجر.. قبل الظهر انتو واصلين الدوحة.. ترتاحون .. وعشاكم في الليل
************************
اليوم التالي
فجرا
طائرة راكان وموضي اقلعت
وبعدها بساعات طائرة مشعل وهيا
وهاهما راكان وموضي يجلسان متجاورين
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
ويشعر بضيق خاص وتوجس عميق لحياتهما التي ستبدأ فعليا مع بعضهما الليلة
كلاهما صامت ومعتصم بمقعده الذي يشكل حدود مملكة وجوده الخاص به
والتي يوشك الآخر على اقتحامها
بعد صمت استمر لساعات همس راكان بهدوء: موضي
موضي انتفضت بعنف: لبيه
راكان بثبات واثق: لبيتي في مكة..عطيني رقم حسابش.. أبي أحط مهرش فيه أول ما نوصل الدوحة
موضي بحرج: راكان.. مافيه داعي وش باشتري يعني؟؟ وأنا أساسا عندي فلوس
راكان بحزم: فلوسش لش.. وهذا مهرش وحقش..
خلاص بأخلي مشعل يأخذه من أم محمد دامش مستحية تقولينه
صمتت موضي بخجل
راكان تنهد ثم همس: اسمعيني
عندي شور.. وأنتي بكيفش
موضي بحرج: آمرني.. ولا تشاور
راكان بذات هدوءه المعهود: أيش رايش نسافر الليلة عقب العشاء على طول؟؟
موضي باستغراب: نسافر مرة ثانية.. حجزت لمكان يعني؟؟
راكان يشرح لها : لا بنسافر على السيارة.. نروح دبي مثلا وإلا أبوظبي
أسبوع ونرجع
موضي بارتباك: وليش السفر في هالوقت بالذات؟؟
راكان بابتسامة: بصراحة أنا لحد الحين ماني بفاهم أشلون زواجنا بيكون
وأنتي عارفة إنه بنسكن مع هلي.. ما أبي يبين شيء قدامهم يضايقش
حاب أنه احنا نحط إطار لحياتنا مع بعض ونتفاهم عليه قبل نرجع لهم
وخصوصا أنه أنا حتى غرفتي ما جهزت.. أبي أخليهم يفتحون غرفتي على غرفة ناصر القديمة ويرتبونها ويأثثونها من جديد لين نرجع
موضي تهز رأسها بتوتر: مثل ما تبي راكان
موضي تشعر بضيق عميق.. ولكنها من أدخلت نفسها في هذه الدوامة من البداية.. وماعادت تستطيع التراجع
مجبرة أن تعيش حياة مجهولة تنتظرها مع راكان..
حين طلبت من راكان أن يتزوجها.. لم تفكر أن هذا الأمر هو زواج فعلا قد تطول مدته لسنوات..
فكرت فيما سيحدث لحظتها.. خانتها كل منطقيتها لرسم تراتبية حقيقية للأحداث المتوقعة..
ستصبح زوجته فعليا غدا في إتفاق زواج صوري لا تعلم كم قد تطول مدته
أو كيف ستتعامل مع راكان فعلا؟!!
*********************
الدوحة
الجو مشحون تماما لدى عائلة آل مشعل
فخبر عودة راكان وموضي واحتفال العشاء أحدث فوضى ترتيب.. تحملت معظمها لطيفة كالعادة
التي بدأت بالتجهيز بالعشاء والاستعجال في الحجز.. مشعل اتصل بها البارحة وأبلغها..
وزوجها مشعل أعطاها بطاقته المصرفية وطلب منها أن تصرف منها بكامل حريتها
أنهت حجز العشاء والمضيفات والحلويات والضيافة وبدأت في توجيه الدعوة لقريباتهن
أما ما أنهكها فهو أن تجد خبيرة تجميل توافق على حجز متأخر كهذا.. ولكنها وجدت في النهاية
واليوم تريد أن تذهب لتشتري لموضي بعض الأغراض على عجل
أهمها فستان لليلة.. وملابس وغيارات تكفيها لأسبوع أو اثنين على الأقل
لذا قررت أن تخرج مبكرة وتأخذ معها مشاعل ومعالي وعلياء وعالية حتى يتفرقن ويستغللن الوقت في أن تشتري كل واحدة منهن أشياء معينة
وصنعت لكل واحدة منهن قائمة محددة..
علياء وعالية الأحذية والحقائب
معالي العطور والمكياج
ومشاعل التايورات والملابس والجلابيات
ولطيفة تتفرغ لاختيار الفستان واكسسوراته إضافة لملابس النوم والعبايات
بينما عشاء الرجال تكفل به ناصر ومشعل
كل شيء بدأ تجهيزه على عجالة
وهاهما العريسان يصلان للدوحة.. ويتوجه كل منهما لبيت أهله حرا للمرة الأخيرة
***************************
موضي وشقيقاتها في غرفتها
بعد صلاة الظهر
لطيفة كعادتها تدور كإعصار نشيط رقيق .. مهتمة بكل التفاصيل
وهاهي تهتف باستعجال: يالله موضي أنا حاجزة لش كورس سريع في الصالون
بعد ساعة
يا الله ترجعين تأخذين شاور وتصلين المغرب.. بتكون الكوافيره اللي بتسوي لش الشعر والمكياج واصلة
موضي بحرج: لطيفة وش ذا كله الله يهداش؟؟
مشاعل كانت من ردت وهي تبتسم: يأختي أنتي عروس.. لازم تعدلين
موضي التفتت لمشاعل وهي تبتسم: وعروسنا حرم الأستاذ ناصر وش أخبارها؟؟
مشاعل صمتت بحرج وكانت لطيفة من أجابت بنبرة بها غضب:
أختش الشيخة مشاعل.. صار لها أسبوع هنا عند أمي.. أول كانت مريضة.. والحين ما تبي ترجع
مع أن المسكين كل شوي يتصل وكل يوم جاي يزورها
موضي التفتت لمشاعل باستغراب: ميشو شاللي صاير بينش وبين ناصر؟؟
مشاعل بحرج: موضي الليلة ليلتش.. خليني أنا وناصر على جنب
موضي بإصرار: لا مافيه.. قولي لي
لطيفة بدورها همست بإصرار: حتى أنا أبي أعرف.. وأنتي أظني عارفة إنه مستحيل وحدة منا يطلع منها سر لش
مشاعل تنهدت: والله العظيم ما أدري.. في بيته ما كان طايقني.. وهو اللي قال لي روحي مع أمش ولا ترجعين
ومن يوم جيت هنا وهو متغير 180 درجة.. أو بالأصح رجع لشخصيته الطبيعية اللي قبل... واللي أنا ما عشتها معه
الحين تصدقوني لو أقول لكم.. قاعدين نعيش حب جديد.. كل واحد يكتشف الثاني..
الغريب إني أنا قلت له إني مستحيل أرجع بيته عقب ما طردني منه
وهو يقول لي أنا ما أبيش ترجعين أصلا
وش آخرتها بيننا أنا ما أدري..
لطيفة بصدمة: أنتي ورجالش صاحين وإلا مجانين؟؟
تبين أقول لمشعل يكلمه؟؟
مشاعل برجاء جازع: لا لطيفة تكفين.. ما أبي حد يعرف باللي بيني وبين ناصر
موضي باستغراب عميق: بس الوضع اللي انتو فيه وضع غير طبيعي
مشاعل تريد انتهاء الحديث: كثير أزواج يعانون أوضاع غريبة
ومشكلتي أنا وناصر حن بنحلها.. لا تشغلون بالكم فيني
خلنا الحين في موضي
************************
بيت محمد بن مشعل
قبل صلاة العصر
أم مشعل متوترة للغاية
مريم تبتسم وهي تحتضن كف والدتها: يمه وش فيش متوترة كذا؟؟
أم مشعل بتوتر: أخيش هذا جلطني
يبي يفشلنا في موضي.. حتى مكانهم مارتبناه بعد
مريم بحنان: يمه راكان بيسافر الليلة
ومكانهم بنرتبه على راحتنا
ويقول إنه بيقول لمشعل يغير الديكور كامل
أم مشعل باستفسار: متى قال لش؟؟
مريم برقة: قبل شوي قبل يطلع يرتاح
أم مشعل بارتياح: إيه كذا زين.. أنا ما ودي موضي تحس إنها أقل من غيرها
مسكينة راحت معه عشان تعب مرت أخيها
وعقبه انغصبت على ذا العجلة..
مريم بمحبة عميقة: إذا الغصيبة على راكان.. ياحظها اللي غصبت
أم مشعل تبتسم: عشانه أخيش
مريم بعمق: لا والله إنه يستاهل أبو محمد.. ومثله نادر.. جعل يومي قبل يومه
أم مشعل بحنان: العمر الطويل لش في الطاعة.. وجعلني أشوف عيالش
ودام حن في الطاري.. ترا مشعل كلمني البارحة
يقول سعد يبي العرس نص شهر 5 إذا خلصتي دوامش.. وش رأيش؟؟
مريم صمتت بخجل
وقلق عميق ينتابها.. وخوف أعمق يغتال مشاعرها من حياتها المقبلة مع سعد
أم مشعل تبتسم: توكلنا على الله.. بأقول له مافيه مانع..
**********************
تركيا
اسطنبول
أوتيل جيلان انتركونتنتال القريب من ساحة التقسيم الشهيرة
بعد صلاة العصر
توقيت اسطنبول الصيفي ذات توقيت الدوحة ولكن الشمس تغرب في وقت متأخر بين الثامنة والثامنة والنصف مساء
كانت العنود تلبس استعدادا للخروج
بينما فارس الذي كان قد انتهى من ارتداء ملابسه يقف في الشرفة يتحدث في هاتفه
حينما أنهى المكالمة عاد للعنود وعلى وجهه ابتسامة شاسعة
كانت العنود ترتدي نقابها وهي تهمس له: الله يونسك بالعافية
فارس بذات الابتسامة: ويونسش
وإذا دريتي استانستي بعد
العنود باستفسار: أدري عن ويش؟؟
فارس يبتسم: الليلة بيسوون عشاء لراكان وموضي.. وخلاص موضي بتصير من سكان بيت هلش
العنود شهقت: وشو؟؟ وشو؟؟ الخونة... وبدون ما يسوون عرس..وبدون ما ينتظرونا حتى
فارس يحتضن كتفها وهو يربت عليه: خلي الناس ينبسطون..هم مربوطين فينا؟!!
العنود بضيق عميق: كان ودي أكون معهم.. هو راكان بيتزوج كل يوم
فارس قبل رأسها وهمس لها بحنان: ياقلبي المهم التوفيق.. وهذا مجرد عشاء بسيط جاء بدون تخطيط
والحين نكلم راكان ونبارك الله
***************************
بعد المغرب
بيت عبدالله بن مشعل
الترتيب على أشده بين حديقة البيت حيث ترتب الطاولات والمقاعد
وبين داخل البيت حيث يتأنقن الصبايا
يرن هاتف مشاعل
تبتسم موضي: لا تقولين إنه ناصر..
تهز مشاعل رأسها وهي تبتسم وتقوم لتكلمه
وموضي تضحك: قولي له يثقل شوي.. هذي ثالث مرة يتصل خلال ذا الساعة والنص اللي قعدتيها معي
مشاعل تبتعد لتذهب لغرفتها وتغلق عليها الباب: هلا ناصر
ناصر بمرح: هلا بعيون ناصر وقلبه
كحت مشاعل بحرج لأول مرة يتغزل بها بشكل صريح هكذا.. ثم صمتت
ناصر بنفس النبرة المرحة: أحلى كحة سمعتها في حياتي.. وعقب الكحة ياقلبي؟؟
مشاعل بحرج أكبر: ناصر الله يهداك وش فيك؟؟
ناصر بابتسامة: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو.. يكون فيه شي؟؟
مشاعل تبتسم: أنت متصل وأنت عارف إني مشغولة عشان تقول لي كلام حلو؟!!
ناصر برجاء لطيف: لا عشان أطلب طلب من حبيبي الحلو
مشاعل بحذر: أي طلب؟؟
ناصر بمناشدة عذبة: أبي أشوفش عقب العشاء.. باشوف شكلش
مشاعل بحزن رقيق: تبي تشوفني بلبس المهرجين وأنا مصبغة وجهي بعشرين ألف لون؟؟!!
ناصر شعر بلوعة ومرارة عميقتين: آسف ياقلبي.. والله آسف.. أنتي لازم تطلعين كل موقف بايخ سويته معش من عيني
مشاعل شعرت بحرج من أريحيته ولطفه: ما أقصد ناصر آسفة
ناصر عاد للابتسام: يا كثر ما نتعذر من بعض.. ترا ماحنا في مدرسة
ثم أكمل: ها أشوفش؟؟
مشاعل بخجل: ما أدري السالفة محرجة.. والوقت بيكون متاخر
ناصر يستعد لانتهاء المكالمة: أنا بأسكر فيه عمال جايين للترتيب
وأنتي شوفي لي حل.. لو ماشفتش الليلة بيصير لي شيء
أهون عليش يعني؟؟!!
*************************
بعد صلاة العشاء
مجلس آل مشعل
هاهو راكان يجرب البشت الأسود كمظهر عريس
دون إحساس فعلي بمشاعر العريس
لا ينكر أن هناك شعور بسعادة ما وهو يرى الكثير من أصدقائه ومعارفه الذين ملئوا المجلس الضخم عن آخره
ولكن هناك شيء يرفض التحرك داخل قلبه
تنهد بعمق.. (كيف يتحرك الأموات؟!!)
بعد العشاء
ومغادرة الكثير من الضيوف كان مشعل شقيقه يجلس جواره
همس له راكان بهدوء: أبي منك خدمة يابو محمد
مشعل بهدوء: آمر يابو محمد اس 2
راكان بذات الثبات: أبيك تفتح غرفتي على غرفة ناصر
وتعيد ديكورها وترتيبها وفرشها خلال أقل من أسبوع
تقدر؟؟
مشعل يبتسم: أفا عليك يا أخيك.. لو تبي خلصتها في 3 أيام
ثم أردف: بس منت بشايف إنك مستعجل على سالفة السفر
انتظروا لبكرة
راكان بهدوء: لا مستعجل ولا شيء.. بنسافر نغير جو لين تخلص غرفتي
أنا حتى الحجز للأوتيل خلصته اليوم العصر
***********************
على الجبهة الأخرى
جبهة العروس المتوترة
كانت موضي متألقة جدا في فستان ذهبي ضيق.. ليس فستان عروس
لكنه يوحي بأجواء العروس
اختارته لطيفة لأنها تعلم أن موضي يستحيل أن تلبس فستان عروس
لكنها في ذات الوقت أرادت إشعار راكان حين يراها أنها عروس فعلا
لطيفة ومشاعل أنهيتا ترتيب حقيبتها وأغراضها
لأنهما علمتا أنهما سيسافران فورا بعد العشاء
ولكن مالم تتوقعاه أن راكان رفض أن يدخل ليرى موضي ويجلس معها
بحجة أنه مستعجل
الأمر الذي أراح موضي على عكس توقع شقيقتيها وضيقهما
فراكان وموضي كلاهما متوتران من مظهرهما أمام الجمهور الذي سيشاهد مسرحيتهما
التي بدءآ بتمثيلها..
وفي حدود الساعة الحادية عشرة
كان راكان يقف بسيارته خارجا
وموضي خلعت فستانها لترتدي طقما خفيفا
وتمسح مكياجها على عجل.. فمكياجها الصارخ لا ينفع للمرور عبر الحدود
ولكن الوقت لم يسعفها لفك تسريحة شعرها
لبست عباءتها وخرجت له
لتجد والدها وسلطان معه
باركا لها بعمق وهما يسلمان عليها
والدها احتضنها وهمس في أذنها بعمق: حلفتش بالله عز وجل إنش ماتدسين علي لو ضايقش راكان في يوم
مثل ما دسيتي علي اللي حمد كان يسويه فيش.. ترا لحد الحين السالفة موجعتني يا أبيش
ووالله ما أسامحش لو دسيتي علي مرة ثانية
موضي همست في أذنه بتأثر عميق: جعلني ما أبكيك.. أنا متأكدة إنه راكان عمره مايضايقني بشيء
ثم ألتفت لراكان الذي كان واقفا بكامل أناقته وهيبته وقال له بحزم أبوي:
وصاتك موضي ياراكان.. موضي ما توجع كبد حد
طالبك ما توجعها يوم
راكان برجولة خالصة: موضي في عيوني وفوق رأسي.. ازهلها إنها ما تضام عندي وربي شاهد علي
موضي تشعر أن كل هذا كثير عليها وهي عاجزة عن مجرد رفع عينيها للنظر لراكان
راكان همس لها : يالله موضي اركبي
سلطان فتح لها الباب الأمامي وهي وقفت لتحتضنه بشدة
ثم تجلس بجوار راكان
وتوتر عميق بعمق الموقف الذي تعيشه يغتالها ويبعثر مشاعرها
وسيارة راكان تنطلق بهما
↚
سيارة راكان التي تخرج من الدوحة متجهة لطريق سلوى
استحكم الصمت بين الطرفين منذ انطلاق السيارة
ومشاعر غامضة عميقة يحوطها ستار حديدي من احترام وتبجيل تكبل راكبي السيارة تجاه بعضهما
السيارة تنطلق في عتمة الليل وظلامه
ليبدآن سويا حياة تبدو معتمة غير معروفة التفاصيل
كلا الطرفين إنسان رائع مفعم بالإنسانية بكل معناها الحقيقي
نذر نفسه لسواه.. ولم يعش يوما لنفسه
بددا سعادتهما من أجل سعادة الآخرين
كان اهتمامهما بنفسيهما في ذيل أولويات كل منهما
كل شيء كان يأتي أولا
ليأتي راكان وموضي في آخر القائمة
قلة من البشر من تعرف هذا النوع من الإيثار النادر
الذي يستجلب إلى عمق الروح نوعا مختلفا من السعادة مقرون بعمق إنساني متجذر في الحنايا
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
راكان ضحى بحبه وسعادته ليكفل أيتاما ويحفظ سمعة والدتهم
وموضي ضحت بسعادتها لتحفظ تماسك عائلتها وتحافظ على مشاعر عمتها وخالها
وشفقة بحمد المريض الذي رجت أن صبرها عليه سيدفعه يوما للعلاج
وهاهما المثقلان بالأسى الدنيوي والعظمة الإنسانية
ينطلقان ليبدآن حياتهما سويا
حياة مجهولة
لا يعرفان حتى كيف سيكون شكلهما وتعاملهما في إطار هذا الزواج الصوري أمام أعين أهلهما
كلاهما يحمل للآخر مشاعر احترام عميق.. ومشاعر ود دافئة هي أقرب للود الأخوي
ولكن هل تكفي هذه المشاعر الرسمية لاستمرار حياتهما معا؟!!!
قد يكون الاحترام أحيانا أقوى من الحب
وعشرات من الزواجات الناجحة قامت على احترام متبادل قد يخلو من الحب كما يُفهم بمعناه المشتعل بالشوق والولع
السكينة.. الرحمة.. الود.. التقدير.. الاحتياج... مصطلحات قد تفي بمتطلبات حياة زوجية ناجحة
ولكن هل هذه المصطلحات تكفي راكان وموضي وقلبيهما المشبعين بالأسى؟!!
ظل الصمت شعار الزوجين الجديدين طوال المئة كيلومتر الأولى الفاصلة بين الدوحة ومنفذ (أبو سمرة) الحدودي
كلاهما غارق في أفكاره الخاصة
نقاشات بسيطة في المركزين الحدودين
ثم حينما تجاوزا سلوى لأول طريق الإمارات
همست موضي بخجل:
راكان أقدر أشيل نقابي وشيلتي .. أبي أفك شعري
الساعة الحين وحدة الليل والطريق مغدر وماحد يشوفني
ورأسي يوجعني من الشباصات اللي فيه
شعور ما.. شعور غامض انتاب راكان
هل يرى وجهها أخيرا؟؟
لا ينكر أنه في لندن تمنى أمنيات غير مفهومة أن يفاجئها يوما بدون نقاب
ليرى كيف أصبح وجهها الذي لم يرَ تقاطيعه منذ كانت في الخامسة عشرة
وفي ذات الوقت شعر بالتوجس الغريب وهو يتمنى ألا يراه
فمهما يكن.. فذاك الوجه الفتي كان الوجه الوحيد الذي سكن أحلامه
مازال كل تفصيل من تفاصيل تلك الصبية المراهقة محفورا في أعماقه
فتلك الصبية هي كل مابقي له من أحلام صبا اندثر.. وتمنيات عاشق عشق ولم يطل
لأن موضي الصبية كانت له.. ولكن موضي المرأة لم تكن له
وإن كان انتزع موضي زوجة حمد من قلبه
فذكرى موضي المراهقة بقيت تسكن ديوان شعر مغبر اصفرت أوراقه
ولكن أيام لندن مرت دون أن يراها
وتمنياته وتوجسه.. أمنياته وأمنياته المضادة.. تؤجل حتى اليوم
همس لها راكان بهدوء عميق لا يكشف مايدور بتفكيره:
براحتش
موضي بدأت بفك شيلتها ونقابها
راكان شعر أن حركتها ألهته عن الطريق وهو يسترق النظرات لحركات أناملها التي تتحرك بتوتر وخجل.. ورشاقة ناعمة
فكت نقابها وطوته بجوارها
ثم أنزلت شيلتها على كتفيها
وهي تفك شعرها الذي ألمتها المشابك فيه.. فهو كان مرفوعا في شنيون غير معقد للخلف في لفات ناعمة دون تشابك
انهت مهمتها وهي تنثر شعرها على كتفيها بعفوية وتدلك فروة رأسها
راكان كان عاجزا رؤيتها بشكل واضح بسبب عتمة الطريق
ولكنه لاحظ بوضوح انثيال شعرها الكثيف على كتفيها
شعر بألم غير مفهوم
وكأن كل هذا كثير.. كثير عليه
همس لها بهدوء: موضي لفي شعرش وألبسي شيلتش
كره أن عينا ما خائنة متطفلة قد تلمح شبح شعرها يغفو على كتفيها
ليس شعورا خاصا بقدر ما هو إحساس بالتملك ربما!!!
موضي شعرت بالحرج وهي تجمع شعرها وتدخله تحت شيلتها
وتلف شيلتها حول وجهها الذي مازال لم يرَ تفاصيله بعد
شعر بحرجها ..فحاول تغيير الجو المشحون حولهما
سألها بمودة: تسمعين شيلات؟؟ (الشيلة: قصيدة تُجر بالصوت فقط دون أي نوع من الموسيقى)
ابتسمت: أكيد
أدخل قرصه المرن الـ cd المفضل
كانت شيلة (الله يسامحني) لتركي الميزاني بصوته العذب تتعالى بشجن عال
كان راكان يبحر في عالمه الخاص وهو يردد القصيدة مع الميزاني بصوت خافت وهو لا يعلم لماذا اختار هذه القصيدة الموجعة الرائعة بالذات
همست موضي بعذوبة تلقائية: تعرف تشيل؟؟
فأجابها بتلقائية مشابهة: أعرف
موضي بخجل: أنا أمزح
اعتقدت أنه يسخر من سؤالها
فهي لم تسمع مطلقا أن راكان يعرف لجر القصائد
ولا تتخيل أن راكان بمكانته ورزانته قد يجر القصائد أمام أحد
راكان أجابها بإبتسامة: وأنا أتكلم جد
موضي هزت كتفيها بتعجب: عمري ماسمعت إنك تجر قصايد أو تشيل
ابتسم راكان: أخيش مشعل هو جمهوري الوحيد
ماعمري جريت قدام أحد.. ولا أحد يعرف
زين شكلي والشيبان يقولون: ياراكان جر لنا شيلة.. وأنا قاعد في المجلس وسط الرياجيل!!!
لا والله ولا عمرها بتصير إن شاء الله
شعرت موضي بشجن عميق أنه يأتمنها بهذه السرعة على سر لا يعرفه حتى أشقائه
وراكان لا يعرف ما الذي دفعه لاخبارها بشيء لا يعرفه أحد عنه
ولكن في أعماقه كان يحضر خاطر يقول: إذا كانت حفظت سر زواجي
الذي لا أعلم حتى الآن كيف علمت فيه
فهي لكل أسراري أحفظ
موضي ابتسمت: فعلا ما أتخيل شكلك تجر وسط المجلس بهيبتك اللي تخوف
راكان بعمق: تشوفيني أخوف يا موضي؟؟
انتفضت موضي للسؤال المباغت ولكنها أجابت برقة: هيبتك تجبر على إلتزام الحدود
وأجمل أنواع الخوف اللي يكون مصدره الاحترام مهوب التخويف
ابتسم راكان: حكيمة يعني؟؟
ابتسمت موضي: بس ما أدعي
كان راكان يحاول لسبب يجهله اصطياد شيئا من ملامحها فلا يفلح
خيال انحناء أنفها.. حركة شفتيها هو كل ما استطاع أن يلمحه في خضم من الضبابية
حاول التلهي عن تفكيره هذا وهو يعود للابتسام ويهمس: وصاحب الهيبة والاحترام يقول تحبين تسمعين نفس الشلة بصوته؟!!
شعرت موضي بألم حاد ورائع وهو يحاول إدخالها في حدوده التي هي تهابها
وتوجس أكبر لما بعد دخول هذه الحدود
فهذا الرجل تحمل له من الاحترام الكثير.. الكثير
ورحلتهما إلى لندن عرّفتها عليه عن قرب.. كل مافيه يدفع لسيل كاسح من الاحترام والتقدير
تفكيره.. كلامه.. تصرفاته... وحتى صمته!!!
أجابته بخجل: براحتك
بدأ راكان بجر قصيدة (الله يسامحني) بطريقته الخاصة..
وبعمق صوته الممتلئ بعبق الرجولة.. والمؤلم حقا هو مضمون القصيدة ذاتها:
الله ولا الهاجس اللي ما يريحني
اسهر عيوني وعناني وعنيته
أحاول أخفيه مير الحزن يفضحني
متمركز(ن) بالحشا كن الحشا بيته
ياللي تعاتب غموضي لا توضحني
ما باقي في الخفوق إلاَّ تناهيته
أصافح الهم قبل إنه يصافحني
وأحب خشمه وأردد في الخفا ليته
ليته قبل لا تزل خطاي ينصحني
وإلا يريّح خفوقي من عفاريته
والغالي اللي عليه الشوق ذابحني
أقفى به الوقت ما جاني ولا جيته
يا سيد الغيد قبل أقول لك بحني
بخبرك عن كلام (ن) عنك خفيته
تدري وش أكبر خطاي الله يسامحني؟
اقفايتي عنك وأنت اللي تمنيته
وهذا هو اللي معذبني وجارحني
أقول ابنساه وأنا ما تناسيته
موضي أبحرت مع صوته في عالم آخر.. آخر.. عنفوان صوته وجبروته ورجولته وحنانه
لصوته فضاءات من شجن شاسع..
وآفاق من وجع مستشرٍ
ومساحات من رجولة رحبة
وامتدادات من جبروت حنون لا يشبه أحدا سواه...
انتهى راكان من الشيلة وموضي صامتة
ابتسم: شكله الجمهور غير **** وبننحذف بالطماط
موضي انتفضت بعنف لأنه أخرجها من صومعة إحساسها الخيالي بصوته..
وإحساسها الأعمق بما هو خلف الصوت.. مضمون القصيدة وإيحاءات صوته بتغير المعاني..
ولكنها ابتسمت وهي تهمس بصدق شفاف: والله الجمهور مبهور ووده يصفق ويرميك بالورد
ثم أردفت وهي تسأل بحرج عما شعرت أنه يرشح من خلف الصوت:
لو سألتك سؤال خاص ما تزعل مني؟؟
راكان بهدوء راقٍ: إسألي.. ولا عمرش يوم تستأذنين يا موضي قبل السؤال
موضي بعمق: أنت حبيت قبل يا راكان؟؟
راكان بوغت تماما.. المباغتة قلبت كيانه!!
تنفس بعمق ثم همس ويداه مثبتتان على المقود: وأيش اللي خلاش تسألين؟؟
موضي بحرج: شيلتك للقصيدة كنت حاسة إنك قاصد كل حرف فيها خصوصا البيت اللي يقول:
تدري وش أكبر خطاي الله يسامحني؟
اقفايتي عنك وأنت اللي تمنيته
حسيت إنه طالع من قلبك جد.. وفيه رنة حزن توجع
راكان صمت كان مبهوتا..مصعوقا.. للمرة الأولى يكون مرتبكا
(مازلنا في الساعات الأولى من زواجنا الفعلي وبدأت بدك حصون كل أسراري الدفينة)
كيف علمت أنه شعر فعلا أن أكبر ذنوبه هو تركها لحمد
وكيف شعر بعظم هذا الذنب حين علم بضرب حمد لها
مازال يتذكر حين جلس على حاجز الكورنيش الحجري ذلك اليوم يمزقه ألمه عليها
وهو يرجوها أن تسامحه.. لأنه كان سببا لمأساتها حين تركها لحمد
الذي لم يحترم جسد حبيبته السابقة وروحها فمزقهما ضربا وإهانة
كثيرا ما سُئل راكان هذا السؤال.. (هل أحببت أو تحب؟؟) كرد فعل على رفضه القاطع للزواج
وأكثر من كان يسأله مشعل ومشعل
ولكنه كان يرفض أن يجيب ..
ولكن مع سؤال موضي له وجد نفسه يهمس كأنه يحادث نفسه: حبيت ولا طلت.. راحت حبيبتي علي
موضي شعرت بألم غريب..غريب وعميق
لم يكن ألم غيرة ولكنه ألم مساندة.. أن هذا الرجل العظيم المتفاني حين أحب لم يستطع أن يسعد بحبه
همست موضي بابتسامة رقيقة: أكيد إنها الخسرانة
راكان يهز كتفيه: ويمكن أنا الخسران
موضي بعمق: مستحيل.. أي مره خسرتك وخسرت حبك أكيد هي الخسرانة
صمت راكان بدا له الموقف أكبر من كل الكلمات..
نعم قد يكون الحب انتهى من قلبه.. ولكنه كان حبا كبيرا بقيت له ذكرى عظيمة مازالت تتغلغل في ثنايا الروح..
وللذكريات سحر لا ينفذ.. وحضور لا ينتهي
قد تتلاشى الأجساد وحتى الأرواح.. وتبقى الذكرى باقية في كل الأمكنة المشبعة بما يستحضرها
كانت موضي من همست: وباقي لها في قلبك مشاعر؟؟
راكان بصدق: باقي لها الذكرى الحلوة وبس
بعدها الحب كله اندفن ولا عاد له قيمة
موضي بتلقائية هزت راكان بعنف: ياحظها اللي قدرت على قلبك حتى لو مابقى لها إلا مجرد الذكرى
كفاية إنها ذكرى في قلب راكان
وبداخلها كانت تردد:
(أي أنثى تلك التي استطالت إلى هامتك الرفيعة؟!!
أي أنثى تلك التي أسعدتها الأقدار بانتزاع قلبك؟!!
أي أنثى هذه التي استطاعت أن تروض مشاعرك لتمتلكها؟!!
حتى وإن كان لم يبقَ لها إلا الذكرى
فتكفيها هذه الذكرى
يكفيها فخرا أن تكون حب راكان الوحيد
ليتني أستطيع أن أتجرأ أن أساله عنها
أتمنى أن أراها
أتعرف عليها
أشبع عيني نظرا إلى هذه الأنثى الاستثنائية التي استطاعت تطويع قلب هذا الرجل الاستثنائي)
ابتسم راكان رغم تأثره العميق: ما تشوفين إنش معطيتني أكبر من حجمي؟؟
ابتسمت موضي: وماتشوف إنك متواضع زيادة عن اللزوم؟؟
راكان يتجه بالحديث لمنحنٍ أكثر خطورة: تحبين تسمعين وحدة من قصايدي فيها؟؟
"هل تعبث بالنار يا راكان؟!!
إلى أين ستقودك مغامرتك الخطيرة هذه؟!!!"
موضي ابتسمت: وحدة؟؟
ليه أنت كم وحدة كاتب لها؟؟
راكان بابتسامة شاسعة وهو يتكلم معها بإريحية: كاتب لها ديوان كامل
موضي بهمس: ياحظها..شكلها أكثر نساء العالم حظ...سمعني وحدة على ذوقك
راكان بدأ بجر قصيدة من قصائده فيها
ولكنه اختار قصيدة بدون ذكر اسمها فيها
لأن كثيرا من قصائده الأخرى اسم موضي منصوص فيها
كان شيئا غريبا وإحساسا أغرب
أن يلقي قصيدة أمام ملهمته في القصيدة.. أن تسمع القصيدة من كُتبت فيها.. دون أن تعلم أنها المقصودة
وحتى وإن كان كلاهما ..المعشوقة والقصيدة.. مابقي منهما إلا الذكرى
موضي كانت مذهولة تماما
توقعت حين قال لها أنه يقول الشعر.. أن يكون شعرا بسيطا للتعبير عن مشاعر وقتية
ولكنها صُدمت أنه كان شاعرا ومجيدا.. وشعره مشبع بأحاسيس عميقة
شعرت أن قصيدته تصب في عمق نقطة مجهولة من قلبها المنحور وجعا
همست موضي بعد أن انتهى تحليقها مع القصيدة: كنت تحبها ذا الحب كله؟؟
راكان بهدوء: هذا أنتي قلتيها.. كنت
كنت أحبها
(كنت تحبها؟؟!! كنت!!
كم هي موجعة هذه الكلمة
لِـمَ مثلك يحب ولا ينال حبه؟!!
ومثلي لا يعرف للحب لونا أو نكهة؟!!)
موضي باستغراب: تدري أول مرة أدري إنك تكتب شعر لا وبذا المستوى العالي
يظهر إن الليلة ليلة المفاجآت.. وأنت رجل المواهب المتعددة
راكان بهمس هادئ: قلة اللي يدرون إن أكتب شعر
موضي بابتسامة: يعني أفتخر إني وحدة من ذا القلة
راكان بنبرة خاصة: انتي كنتي من أقل القلة اللي عرفوا بأمر أخطر.. زواجي من مرت محمد
موضي صمتت
وراكان يستكمل حديثه: يا ترى أقدر أعرف أشلون عرفتي
ولو مابغيتي تقولين براحتش
موضي هزت كتفيها وابتسمت: عادي وليش ما أقول لك
أنا شلت السر هذا وحفظته فوق سبع سنين..
راكان باستغراب: يعني من أول ما تزوجت
موضي بتأثر بالغ: وما تتخيل أشلون كنت خايفة عليك إنه حد يدري
كنت أعرف إنه أهلنا مستحيل يتفهمون تصرفك ..
وخفت إن قصة عمي سلطان ترجع تكرر معك...
ويا الله اللي سويته خلاك تكبر في عيني أكثر مع أنك طول عمرك كبير
بس معرفتي للموضوع خلتني أحس إن عظمتك وشهامتك مالهم حد
حسيت إني فخورة فيك فعلا.. وأفتخر أنه في عروقنا يمشي نفس الدم
شعر راكان بألم عميق.. عميق.. لا حدود لتجذره في روحه
هو أبى أن يخدعها بإخفاءه خبر زواجه عنها لذا تركها تذهب لحمد
بينما هي كانت تعرف بخبر زواجه فعلا
أي ظلم فادح ظلمه لنفسه وظلمه لها؟!!
وتأثر بعمق أنها فكرت فيه هذا التفكير المشبع اهتماما ومؤازرة..
و شاركته في خوفه الأعظم..
أن تتكرر مأساة عمه سلطان معه
(أي قلب شاسع تحملين؟!!
وأي حاسة مرهفة تتمتعين بها؟!
الإنسانية في حضورك محض شبح باهت
كيف تظهر أمام رهان عظيم للإنسانية تمثلينه؟!!
هأنا أكتشفك كأنسان أفتخر بمعرفتي له
بعد أن فقدت اهتمامي بكل عالم الإناث
بعد أن فقدتكِ أنتِ كأنثى)
خطر لراكان خاطر ما.. خاطر ماعاد له معنى.. ولكن هي حاجة في النفس
همس لها: موضي لو كنت خطبتش وقتها وأنتي عارفة إني متزوج
كنتي توافقين علي؟؟
موضي شعرت أن صاعقة نارية شطرتها نصفين ولكنها ردت بثقة:
اللي تردك تكون مجنونة
راكان بهدوء: أنا ماسألت بشكل عام ..أنا أسألش أنت
موضي بحزن عميق: أنت وقتها مثل ما أنت الحين.. شيء فوق أحلامي
لكن وقتها وبصراحة.. لا طبعا كان مستحيل أرفضك
مالي وجه أصلا أرفض.. مين يجيها راكان وترفض
لكن لو كان الأمر بيدي.. أنقي لك أحسن بنت في الدوحة
راكان شعر أن الحزن بقلبه يتجذر يتجذر ويتجذر.. يشعر أنه أضاع أجمل أحلامه وبدد سعادته دون سبب فعلي
فهي كان لديها استعداد أن توافق عليه مع معرفتها بزواجه
بل كانت فخورة به وترى في زواجه عظمة وشهامة
ولكن ماعاد للندم معنى
فما مضى مضى.. وهذا هو ما كتبه الله له
همس لها بهدوء: موضي للمرة الأخيرة أسمح لش تقللين من نفسش قدامي
وأظني إني قلت لش قبل سالفة أتزوج أو ما أتزوج ما أبيش تفتحينها
موضي بألم: والله راكان حرام تضيع شبابك هدر
خل نشوف لك وحدة تستاهلك
راكان بنبرة غضب: موضي لا تخليني أعصب
أنا نادرا جدا جدا ما أعصب لكن ينطبق علي احذر الحليم إذا غضب
الله لا يوريش زعلي.. بتمنين عمرش ما شفتيه
موضي بارتباك: ما أقصد راكان
راكان يعود لهدوءه: خلاص خليني من موضوع الزواج الثالث ونرجع للأول أشلون عرفتي؟؟
مضي كانت على وشك إخباره بالحكاية ولكنها رأت شيئا أمامها فصرخت:
أرانب
راكان باستغراب: وشو؟؟
موضي بجذل حماسي: شفت أرانب على الشارع.. تبي توقف؟؟
راكان بحماس: نتنور؟؟ تعرفين؟؟
موضي بحماس مشابه: أفا عليك.. أنا اللي أعرف
(التنور: الصيد بالإضاءة)
راكان لف سيارته ودخل بها إلى المنطقة الصحراوية الموزاية للشارع
حيث رأت موضي الأرانب تفر
الصيد من الهوايات التي تنغرس بعمق في روح هاويها
وكثير من الصيادين قد يصطاد ويعاود إطلاق ما اصطاده
لأن هدفه ليس تجميع الفرائس ولكن الاستمتاع بالمطاردة المركزة
وهذا ماخطر ببال راكان
يتسليان قليلا بمطاردة الأرانب.. ولو اصطاد شيئا سيعاود إطلاقه
وفي هذا تشارك عميق لهما في هوايته التي يحبها
راكان أوقف السيارة
ووجه إنارتها للجحور ونزل
موضي نزلت خلفه
ولكنها قبل أن تصل إليه سمعته يقول بهدوء ساكن وأمر حاد:
موضي ارجعي السيارة وسكري على روحش
وإياني وإياش تنزلين لو مهما صار لي
نظرت ناحيته برعب متوحش واستغراب عميق
فالمنطقة هذه قد تكثر بها الثعالب
ولكن
ليس الذئاب..
ليس الذئاب...
فمن أين أتى هذا الذئب الضخم المخيف
الذي كان لعابه يسيل بشكل مرعب
وهو يستعد لغرس أنيابه في جسد راكان الأعزل من كل سلاح؟؟!!
↚
كانت موضي تنظر برعب حقيقي للمشهد أمامها وقلبها يكاد يقفز من بين جنبيها
كان المشهد أشبه ما يكون بمشهد سينمائي مثير وخصوصا مع إضاءة أنوار السيارة القوية للمشهد
ولكن المأساة أنه كان مشهدا حقيقيا.. ويحصل أمام عينيها
كانا ذئبين وليس واحدا
كلاهما يتحفز للهجوم
الذئب بذكائه المعروف كان يدرس راكان ليجد نقطة الضعف لينقض منها
وراكان تتحفز مشاعره للحد الأقصى ليعرف من أين سيهجم الذئب عليه
الذئب يخشى من لا يخشاه.. ويقتات من رعب الآخرين
لأن الخائف يتوتر ويضعف ويصبح فريسة سهلة له
والذئب كان متيقنا أن راكان ليس خائفا مطلقا منه وراكان يقف أمامه واثقا في وضعية قتالية مستعدة
ولكن الذئب كان لا يشغله شيئا سوي التفكير بكيف يصل إلى راكان
بينما راكان كان مشغولا بشيئين.. الدفاع عن نفسه.. والخوف على موضي
وخوفه عليها كان في أول أولياته
وحينما يتمزق التفكير ويتشتت بين عدة أشياء يقل الانتباه
لذا حينما صرخ راكان في موضي للمرة الثانية: موضي للسيارة بسرعة
انتهز الذئب الفرصة النادرة لتشتت راكان الذي أشعر الذئب نفسه بصعوبة مباغتته
لذا استغل هذه الفرصة وهجم دون تردد وهو يعتلي صدر راكان
وراكان يحاول خنق الذئب بيديه العاريتين
ولكن الذئب أمال رأسه وهو يغرس أنيابه في كتف راكان رغم أن الذئب كان يخطط لغرسها في عنقه
راكان كان يحاول إبعاد رأس الذئب
وهو مازال في محاولته لإبعاده
رأى الذئب يطير بعيدا
وهو يهرول مبتعدا متخبطا ويعوي بألم
راكان وقف مدهوشا وهو يمسك كتفه حيث ينبثق الدم بغزارة
كانت موضي تقف أمامه
وبيدها عصاه الضخمة التي كان هو ذاتها قد نسيها
كانت أنفاسها تعلو وتهبط.. وجهها محمر.. وعيناها ممتلئان بالدموع
كان راكان يفتح عينيه ويغلقهما كما لو كان غشيهما إشعاع أعماه
بدت له موضي كما لو كانت تشع..
تـــشــــع!!!
تشع بكل معنى الكلمة!!!
محاطة بهالة نور غير مفهومة
وهي تبدو كما لو كانت جزءا من لوحة فنية نادرة الوجود ونور السيارة يشع خلفها
حينها رأى وجهها
رآه بوضوح
بدت له وفي عينيه جميلة إلى حد الوجع
عذبة إلى حد الحلم
ناضجة إلى حد الهلوسة
أجمل مما يتذكر وأعذب وأنضج
جميلة كزهرة ربيع ندية متفتحة البتلات
عذبة كنسائم أوائل الشتاء
ناضجة كفاكهة صيف مرتوية ومغلفة بالسكر
بــاخــتـصــار
بدت له كمعجزة مذهلة!!!
موضي ألقت بالعصا وهي تركض ناحيته
وهي تضع يدها فوق يده التي تغطي جرحه وتهتف بقلق عميق وصوتها يختنق:
راكان أنت طيب؟؟
راكان شعر بملمس نعومة يدها فوق يده يختلط بحرارة دمه المتدفق بغزارة
كان إحساسا غريبا.. وعميقا.. وموجعا بشفافية.. موجعا بحق
رد عليها وهو يتماسك: طيب.. عضة بسيطة.. بس أخاف إنه الذيب يكون مسعور لازم أروح أقرب مركز صحي يعطوني 21 إبرة
موضي باستعجال وهي مازالت تضغط على جرحه: أقرب مركز الحين البطحاء.. خلنا نروح
كانت تزيح خصلات شعرها عن وجهها بظهر كفها.. فتلطخ وجهها بقطرات من دمه
كان إحساسا خياليا مشبعا بالشجن وهو يرى تفاصيل وجهها الملطخ من هذا القرب.. وفي هذا الموقف بالذات..
شعر برغبة عارمة أن يقيس كل تفصيل من تفاصيلها بالمسطرة
يتحسس هذه التفاصيل ليتأكد هل هي حقيقية فعلا
لأنه شعر أنه كل مابها أكثر من مثالي.. أكثر من رائع
كل مابها يدفع إلى أقصى درجات الإعجاب حتى التفجر والتشظي والانشطار!!!
راكان يريد أن يهرب من جنون أفكاره التي فسرها بمجرد إعجاب آني.. مجرد إعجاب رجل عابر بامرأة ما
فسألها: أنتي شلون عينتي العجراء؟؟؟
موضي تتنهد قلقا عليه: قلت لنفسي إذا أنت مشعلي أصيل لازم ألاقي تحت سيتك يا عجراء يا ليور
ابتسم راكان رغم ألمه: وأشلون طيرتي الذيب كذا.. لا تكونين كنتي تشتغلين في الصاعقة؟؟
موضي بألم: ولك بال تمزح بعد.. خلنا فيك
موضي حينما صرخ بها راكان لتعود للسيارة رجعت وهي تركض وفي بالها شيء واحد
أن تبحث في السيارة عن آلة دفاع ثقيلة تنفع لإبعاد الذئب
ولأنها تعلم أن والدها ومشعل وفارس وحتى مشعل زوج لطيفة جميعهم يحتفظون بآلات كهذه تحت مقعد السائق
فكانت شبه متأكدة أنها ستجد عند راكان
لذا استخرجتها بسرعة وعادت لراكان وكان الذئب وقتها يغرس أنيابه في كتف راكان
استجمعت موضي كل قوتها لتودعها ضربة قوية وجهتها لرأس الذئب مباشرة
تعلم أنها لن تفلح في قتله.. ولو كان من وجه الضربة راكان مثلا كان سيصرعه مباشرة
ولكن ضربتها كانت قوية كفاية لإخافة الذئب وإبعاده
وصلا للسيارة راكان همس بهدوء يخفي ألمه: العضة في كتفي اليمين.. ويدي اليمين كلها ماني بقادر أحركها
ما أعتقد إني بأقدر أسوق
موضي بثقة: أنا بأسوق.. وتكفى ما تقول لا
راكان باستغراب: تعرفين تسوقين؟؟
موضي بقلق عليه وهما يصلان للسيارة: يعني تبي رفقتي لفارس تطلع على الفاضي.. علمني السواقة والرماية بعد..
راكان يبتسم رغم أن الموقف ليس موقفا للابتسام: والله منتي بهينة يا موضي اللي قدرتي على فارس مع شدته وخليتيه يعلمش
موضي تذوب قلقا: خلنا من فارس...تكفى راكان خلني أوديك المركز
راكان بقلق: يا بنت الحلال.. حن في السعودية.. أشلون لو شافنا حد وأنتي تسوقين
موضي برجاء عميق: ماحد بشايفني
الحين الدنيا ليل وماحد بشايفنا
وإذا وصلنا للمركز ونزلنا قل إنك أنت اللي كنت تسوق
راكان وهو يتجه للباب المجاور للسائق: خلاص يا بنت الحلال.. توكلي على الله.. أنتي سواقنا اليوم
*********************
قبل ذلك
بيت عبدالله بن مشعل
جميع الضيوف غادروا
مشاعل كانت تصعد لغرفتها
تريد تبديل ملابسها.. صلاة قيامها والنوم
فهي كانت مرهقة بشدة
رن هاتفها
تنهدت وهي تتذكر.. فهي كانت قد نسيت ناصر وطلبه
ردت بخجل: هلا ناصر
ناصر بمرح: هلا والله بصادقة الوعد
مشاعل تبتسم: لا تكذب علي... ما وعدتك بشيء
ناصر بعمق: بس أنا وعدت روحي.. وأنا وأنتي واحد
وأنا قاعد الحين على الكراسي في الحديقة.. انزلي لي
مشاعل بصدمة: أنت مجنون.. وش تبي هلي يقولون علي؟؟.. حركات مراهقة
ناصر يبتسم: والله العظيم توني أستأذنت عمي.. خليتيني مثل طلاب المدارس
وكنش خطيبتي مهوب مرتي
مشاعل بتردد: زين بأنزل.. بس بشرط
ناصر بحنان: تشرطي مثل ما تبين ياقلب ناصر
مشاعل بخجل: تلزم حدودك.. وماتسوي مثل آخر مرة شفتك فيها
ناصر برجاء: قلبي مشاعل لا تصيرين صكة
مشاعل بحزن: الحين أنا كنت عندك في بيتك وماباقي إلا أرمي نفسي عليك
وأنت قرفان مني
الحين في بيت هلي تبي تحرجني؟!!
ناصر بحزن مشابه: خلاص يا قلبي.. أبي أشوفش بس.. مشتاق لش
وماني بمسوي شي.. وعد
**************************
مركز البطحاء الصحي
قبل أذان الفجر
غرفة الاستراحة
تم تنظيف جرح راكان وتضميده
كما تم إعطائه 21 إبرة مضادة للسعار.. خوفا أن يكون الذئب مسعورا
هاهو يتمدد بصدره العاري والضمادات على كتفه
وهاهي موضي تجلس عند رأسه
وهو يفتح عينا ويغلق الأخرى
همست موضي عند أذنه بحنان: راكان أشرايك أتصل بفارس يجينا؟؟
راكان همس بهدوء مرهق: لا مافيه داعي
موضي بقلق: أنت تعبان.. خلنا نرجع للدوحة
راكان يهمس: ماني بمغير مخططاتي عشان شي مايستاهل.. أنا الحين أحسن
وحن الحين صرنا في البطحاء
والمركز السعودي على بعد دقيقة
بأسوق 5 دقايق لين الغويفات المركز الإماراتي
وبأخلي سيارتي هناك.. وبنأخذ تكسي لدبي
وهناك بنستخدم التكاسي .. وكلها يومين وأكون تمام
بس الحين جيبي لي ثوب من شنطتي من السيارة ولا عليش أمر
بدل ثوبي اللي تشقق
***********************
حديقة بيت عبدالله بن مشعل
بعد منتصف الليل
ناصر يجلس على أحد المقاعد التي كانت معدة لاحتفال العشاء
ومشاعل كانت تقترب بتردد وارتباك
مشاعل لم تكن مرتاحة مطلقا لهذه التصرفات التي باتت تشعرها بالحرج من أهلها
فلا هي بالغاضبة منه.. ولا هي من عادت معه
ووالدها مازال معتصما بالصمت.. حتى لا تشعر أنه متضايق منها
وتفكير عبدالله يتجه إلى أن ربما مشاعل هي من تريد البقاء عند أمها
لأنه يرى أن ناصر يأتي لزيارتها وهاهو الليلة يستأذنه لهذه الزيارة
لذا قرر أن يمنحهم عدة أيام قبل أن يتدخل لحل المشكلة هو ومحمد الذي لاحظ هو أيضا
بل تجاوز الملاحظة للغضب وهو يعنّف ناصر الليلة بعد عشاء زواج راكان:
ناصر ما تشوف أنك مسختها... لمتى ومرتك عند أهلها؟؟
ناصر انتفض من المباغتة غير المتوقعة: مشاعل تعبانة شوي وتبي ترتاح عند أمها
محمد بنبرة غضب: والله البارحة شايفها عند أمي ومافيها إلا العافية
رد مرتك ياولد.. وبلاها حركات دلع النسوان اللي مالها معنى
ولا تصير كمخة ومرتك تمشي شورها عليك...
بنت عمك لها القدر والحشيمة والغلا.. بس لا تخليها تقلل من قدرك أنت
ناصر تضايق بالفعل أن يكون هو سبب المشكلة ويتجه الاتهام لمشاعل
برأسه تفكير معين يتمنى أن توافقه مشاعل عليه
مشاعل وصلت بخطواتها الرقيقة المترددة وناصر غارق في أفكاره
وصلت وهو مازال غير منتبه.. همست برقة: نحن هنا
ناصر انتفض ثم ابتسم وهو يمعن النظر في طلتها الملائكية والمثيرة في آن
فستانها بلونه الأزرق الملكي مع الدانتيل الفضي
شعرها المجعد.. ظلالها الدخانية.. ثم شفتيها الملونتين بأحمر شفاة زهري فاتح يتلألأ برونق خاص
ابتسم ناصر: هلا والله في ذمتي باللي هنا..
وهنا ( قالها وهو يشير إلى قلبه)
وش هالزين؟؟!! خليتي لباقي الحريم شيء من الزين؟!!
ثم أردف: عادي أقول لش اقعدي جنبي وإلا يدخل ضمن الاتفاق؟؟
مشاعل توجهت لكرسي يبعد عنه بمسافة كرسي وجلست وهي تبتسم:
نعم... يدخل ضمن الاتفاق..
ناصر ابتسم: زين ما فشلت روحي.. كنت أبيش تجلسين في حضني أصلا
مشاعل كحت من الحرج بشكل فعلي وهي تقول بحرج: ناصر تحشم.. وش اتفقنا عليه؟؟
ناصر بخبث عميق: بس ما اتفقنا تكونين حلوة كذا.. أنا ما استحمل
تبين أتحشم طاوعيني في اللي أقوله لش.. لأنه الشيبة العود غسل شراعي اليوم.. ويقول إنش مشيتيني على شورش
فأنا عندي راي..
مشاعل بحذر: راي وشو؟؟؟ وش ذا الكلام اللي عمي يقوله؟؟ أنا اللي مشيتك على شوري؟!!
*************************
واشنطن دي سي
شقة مشعل
باب الشقة ينفتح
وهيا ومشعل يدخلان
هيا تدخل وتلقي بنفسها جالسة على الأريكة
ومشعل يُدخل الحقائب التي كان حارس البناية يصفها عند الباب من الخارج
حتى انتهى
أغلق الباب ثم جلس جوار هيا وهو يضع ذراعه على كتفيها ويهمس لها بحنان:
تعبانة ياقلبي؟؟
هيا وضعت رأسها على كتفه وهمست باختناق: مشتاقة لهلي
احتضنها مشعل وهمس بتأثر: فديت المشتاقين يا ناس
خلاص يا بنت الحلال مشتاقة رجعتش الدوحة
رفعت هيا رأسها: واخليك ترجع بروحك
لا والله.. ولا تحاول.. أنا دارية تبي تخلص مني
مشعل وقف ليدخل الحقائب وهو يقول باهتمام:أنا حانش بس..
اسمعيني زين ..لا تسوين أي شيء
أنا بأتصل الحين في مكتب الخدم.. يرسلون لنا وحدة تنظف وتساعدش في الشناط
هيا برفض: مافيه داعي حبيبي
مشعل بحزم: لا حبيبتي أنتي مهوب مثل اول.. تبين تشتغلين في البيت بعد؟؟
كفاية عليش الحمل والدراسة
نخليها تجي في النهار تغسل وترتب.. وفي الليل ترجع لبيتها مثل طريقتهم هنا
هيا نهضت وهي تقول بحب: جعلني ما أذوق حزنك يا قلبي
ثم أردفت: خلني أتصل في باكينام.. أشوف أخبار العروس
***********************
دبي
الصباح
فندق الماريوت/ شارع أبي بكر الصديق
راكان وموضي يصلان جناحهما الضخم.. ورغم ضخامته ولكنه ليس مفصولا بحواجز أو أبواب
بل مفتوحة أقسامه جميعها على بعضها
الاثنان كانا مستهلكين من الإرهاق والتعب وفي حالة مزرية
كان منظرهما مريبا وهما يدخلان إلى بهو الفندق يترنحان من التعب
ولكنهما لم يكونا يفكران بشيء سوى الاستحمام والنوم
راكان بعد دخولهما للجناح ورؤيته لنظامه: تبين نغير الجناح؟؟
موضي بتعب: مافيه داعي راكان.. والله ما أقدر أتحرك يالله أتسبح وأنام أقوم لصلاة الظهر
راكان بصوت مرهق: أنا أبيش تكونين مرتاحة
موضي تبدأ بخلع نقابها وعباءتها كدليل على اقتناعها بالغرفة رغم أنها غير مقتنعة
ولكنها تعلم فنادق دبي وازدحامها
وخصوصا أنهما مازالا في فترة عطلة منتصف العام
ويستحيل ان يجد حجزا بديلا
ولا تريد أن تبدو أمام راكان متطلبة أو مهزوزة أو متوترة من تواجدها معه
راكان بدأ بمحاولة خلع ثيابه.. رغم صعوبة المحاولة عليه ولكنه نجح في المهمة بينما موضي كانت مشغولة بفتح حقيبتها التي رتبتها شقيقتاها
استخرجت فوطتها وروبها وبيجامة حريرية وجدتها بصعوبة بين أكداس ملابس شعرت بالصداع وهي تراها وتغلق الحقيبة خوفا أن يراها راكان
ثم ألتفتت له لترى إن كان يحتاج للمساعدة ولكنها وجدته خلع ثوبه
همس لها: تسبحين؟؟
موضي باهتمام: لا أنت أول.. عشان ترتاح
راكان توجه للحمام.. همست موضي بحرج: تبي مساعدة؟؟
راكان بابتسامة: لا مشكورة.. بأعرف اسنع روحي
كان ينظر لها بتمعن
البارحة أعتقد أنه كان يهلوس حين رآها شيئا أشبه بالحلم وظن أن هلوساته ناتجة عن الموقف الغريب الذي وضعا فيه
ولكنه يراها الآن في ضوء النهار ..بوجهها المتعب وبقايا آثار كحل يسكن أهدابها.. ومازال يراها ذات الحلم وبصورة أعمق وأكثر وجعا
ولكنه مقتنع تماما أنه ناتج عن أنها المرة الأولى التي يقترب من امرأة إلى هذه الحد..مجرد سحر وقتي قابل للتبخر والذوبان
موضي قاطعت تأمله وهي تهمس بحرج: راكان تبي أجيب لك شيء؟؟
راكان انتفض ولكنه همس بثبات: لا مشكورة.. بأروح للحمام
موضي باحترام: خلاص بأطلع لك ملابس على ما تخلص
************************
شقة مشعل /واشنطن دي سي
غرفة هيا
باكينام وهيا في الغرفة تتحدثان
هيا بغضب: تدرين إنش مجنونة
باكينام بحزن: هيا ما تعاتبنيش.. اللي إيدو في الميه مش زي اللي إيدو في النار
هيا مستمرة في غضبها: بس أنتي خليتيني في النار
لأنه ولد عمتي هو سبب المشكلة
يعني شنو كان بينقص عليش لو قلتي له الحقيقة
يعني أنتي مرتاحة الحين وهو يشك فيش؟!!
باكينام تبتسم رغم أن عينيها بدأتا تغيمان بالدموع:
مال الإريال عندك مش مزبوط.. الوشوشة عالية أوي
بئيتي تتكلمي زي الدكتور مَشعل تمام.. وهو بيئول لي كل ما يشوفني:
أشلونش؟؟ وكيف حالش؟؟
ابتسمت هيا: مافيه تهربين من السؤال
أنتي عارفة إنه هذا كلام باباتي
وأنا مبسوطة بالرجوع لقواعدي سالمة
خلينا فيش الحين
أنا بأكلم يوسف وأقول له كل شيء
إنه حمد ولد عمتي أنا.. وإنه أنا اللي طلبت منش تزورينه
باكينام بجزع: حلفتك بربنا ما تعمليها
والله لأكون زعلانة منك عمري كله
هيا بحزن: يعني عاجبش حالش كذا.. أنتي ذبلتي مرة وحدة
وأنتي عارفة إنش تحبينه من أيام ما كنتي تظنينه جرسون وتكابرين
الحين يوم صار زوجش.. عاجبش تعذيب النفس ذا؟؟
باكينام بنبرة عميقة: زي ما كنتي بتعزبي نفسك وبتعزبي مشعل وأنتي بتموتي في الأرض اللي بيمشي عليها
الوحدة منا بتشوف مشكلة التانية بسيطة.. بس الإحساس اللي جوا هوا اللي بيدبح
آه أنا بحب يوسف وهأموت عليه كمان..
بس هو ما بيحبنيش.. هو حب فكرة أنو أنا أبئى ليه
وما كنش عندي مانع أكون ليه ولأخر نفس عندي
بس إيه اللي لئيته منو؟؟
شك؟؟.. شك؟؟.. أنا يا هيا.. أنا؟؟
أنا يشك فيني إني بأخونه؟؟
أنتي أكتر وحدة عرفاني.. حتى أئبل ما أتحجب عمري ماكنش ليا أي علائة بشب
هأعملها بعد ما تحجبت وبئيت على زمة راجل
خليه يتحرء بشكه زي ما حرق ئلبي
هيا تتنهد: والحل؟؟ عاجبكم حالكم؟؟
باكينام بحزن عميق: أنا عاوزة أتطلء بس هو مش ****
هيا تبتسم: أنا وأنتي مجانين.. تذكريني بنفسي لما طلبت الطلاق من مشعل
أطلب الطلاق وأنا ما أبغيه.. ولو كان طاوعني في جنوني
كان جنيت صدق وقتها
والحين يوسف لو طاوع جنانش وطلقش.. ماحد بيندم غيرش
باكينام ببوح عميق مشبع بالوجع: واحشني أوي
والله واحشني
الندل الحقير والله باحبه.. باحبه.. بس هو ما يستاهلش
عاملني زي الحيوانة.. خد مني اللي هو عاوزه وبعدها سابني زي الزبالة اللي الواحد ئرفان منها
أنهت عبارتها الموجعة ثم ارتمت في حضن هيا تنتحب بألم شاسع لا حدود له
هيا احتضنتها وهي تتنهد وتربت على ظهرها
وتشعربألم عميق.. مساندة لبكينام التي لم ترها بهذا الضعف إلا بعد معرفتها بيوسف!!
************************
بيت عبدالله بن مشعل
الصباح الباكر
مشاعل مازالت عاجزة عن النوم من بعد مقابلتها البارحة مع ناصر
تعلم أن الآن وقت نهوضه لعمله.. بودها أن تتصل به لتتأكد إن كان قام لعمله كما كانت تفعل طيلة الأيام الماضية
ولكن ربما كان لم ينم أساسا مثلها.. كما أنها لا تستطيع مواجهته بعد أن استلت ابتسامته برفضها لعرضه الذي عرضه عليها البارحة
شعرت وقتها وحتى الآن بحزن عميق يدمي فؤادها وهي ترى وجهه يكفهر وحاجبيه ينعقدان وهو ينهض دون أن يضيف كلمة واحدة
ليغادرها ويتركها مشبعة بالألم.. والأسى
كانت غارقة في أفكارها التي انتزعها منها رنين هاتفها
التقطت الهاتف تسللت ابتسامة دافئة لوجهها وهي ترى اسمه..
ردت بهمسها الخافت الذي يعذبه: الو
صوته المرح المشبع بالدفء: ليش ما اتصلتي تصحيني كالعادة؟!!
مشاعل بخجل حزين: خفت تكون زعلان عشان اللي صار البارحة
ناصر بنفس النبرة المرحة: وأنا فعلا زعلان.. بس شأسوي؟؟
صوتش صار مثل كوب القهوة.. لو ما سمعته أول ما أصحا.. بيظل رأسي يوجعني
مشاعل ببوح مفاجئ: تدري إنه كل يوم أحبك أكثر من اليوم اللي قبله
ناصر صمت.. كان مبهوتا مصعوقا.. وكلمة (أحبك) تبعثر مشاعره بعنف كاسح
ولكن صمته لم يستمر سوى لحظات وهو يرد عليها بعمق خاص:
وأنا والله العظيم مهوب بس أحبش.. أنا أعشقش.. وأذوب فيش
مشاعري ناحيتش تفجرت بشكل صار يخوفني
أنا مرعوب إني ممكن أصحى يوم وما أصحى على صوتش
ما أصحى على أمل إني بأصحى يوم والاقيش في حضني
خلاص مشاعل يا قلبي.. والله العظيم إني تربيت وتبت.. ارجعي لي
حرام تعذبيني كذا.. لذا الدرجة أهون عليش
وافقي على اقتراحي اللي اقترحته عليش البارحة
مشاعل بألم: جرحك بقلبي بعده طري.. وطردتك لي من بيتك ترن في أذني
**************************
دبي
فندق الماريوت/ جناح راكان موضي
موضي لم تخرج من الحمام حتى نشفت شعرها وفردته بالمجفف الكهربائي
خجلت أن تخرج لراكان بروبها وفوطتها
كما تشعر بالخجل من أن يراها الآن ببيجامتها الحريرية
تنهدت بعمق وهي تخرج
(لازم أتعود عليه
أنا اللي ورطت نفسي في ذا الزواج
على الأقل أحاول ما أحرج راكان وأقيد حريته بذا الخجل
اللي مدري من وين ركبني)
حين خرجت كان راكان يتمدد على الكنبة في غرفة الجلوس
رغم أنها رأته عار الصدر أكثر من مرة اليوم إلا أنها مازالت تشعر بخجل متعاظم من الالتفات ناحيته
همست بدون أن تقترب: راكان أنت نام على السرير
أنا بانام مكانك
راكان بهدوء وهو يسترخي استعدادا للنوم مع شعوره المتزايد بالتعب:
لا موضي أنا بانام هنا.. مكاني مريح بس جيبي لي غطا ولا عليش أمر
موضي أحضرت له الغطاء وهي تتعثر في خطواتها
فردت الغطاء لتغطيه به.. بدأت من قدميه حتى أوصلت الغطاء لكتفه
حينها أمسك راكان بكفها
انتفضت بعنف ويده الضخمة الدافئة تحتوي كفها
همس لها بحنو وتقدير: ما شكرتش اليوم
مشكورة يا موضي مشكورة
ثم أفلت يدها
انتهى التلامس الجسدي ولكن مفعوله الروحي لم ينتهِ بل بدأ بالتعمق
وخصوصا عند موضي
التي كانت دائما تشعر بالرعب من كل لمسة من حمد
ولكنها الآن تشعر بعبق لمسة مختلفة دفعت شيئا من الإحساس بالأمان في روحها
راكان تمنى لو تجاوز احتضان كفها إلى تقبيل أناملها
فهو يشعر بامتنان عميق ناحيتها
وهذه القبلة لو حدثت ليست سوى تعبيرا عن امتنانه لها على طريقة الإزواج.. ليس إلا!!!!!!
موضي توجهت للسرير وهي تحتضن كفها
تمددت وتغطت
وهي مازالت تحتضنها
***************************
الدوحة
بيت مشعل بن محمد
الساعة 11 صباحا
لطيفة تعيد ترتيب ملابس بناتها في غرفتهن والاثنتان بجوارها يساعدنها حينا ويلعبن حينا
رن هاتفها.. التقطت الهاتف وابتسمت: هلا شيخة
لحقتي تشتاقين لي.. توش شايفتني البارحة في عشاء موضي
شيخة بمرح: آه لا تذكريني بموضي.. ماشاء الله عليها البارحة كانت تهبل
تحسرت على وخيي رويشد.. اللي قاعد قدامي بوجهه المصفوق يقطع الخميرة من البيت
لطيفة تضحك: أمحق أخت.. الحمدلله منتي بأختي
شيخة تضحك: ياحظش يصير عندش أخت تنكة عسل.. وكيس سكر.. ودرام شكولاته
كل شيء عندنا احنا المتان راهي وبالكوم
لطيفة تبتسم: زين أنا لاهية الحين.. أرتب.. بأكلمش بعدين
شيخة بمرح: يا أختي حد قال لش ميتة على وجهش.. أنا أصلا ناسيتش
بس شفت رجالش في الجريدة طريتي علي
قلت أكلمش
لطيفة تبتسم: مشعل طالع في الجريدة اليوم؟؟ ماقال لي
شيخة تبتسم: ماشاء الله تبارك الله جعل عيني ماتضره
أطول واحد في كل اللي معه... صدق رزة
وإلا اللي جنبه.. صدق نسوان ماعاد يستحون..
زين كسران خشم ذا العوبا
لطيفة كانت تبتسم مع الشطر الأول من حديث شيخة
ولكن وجهها بدأ يكفهر مع الشطر الثاني
ثم همست بنبرة اعتيادية: خلاص بأشوفها إذا خلصت شغلي
بينما هي كانت تنهي المكالمة وهي تنزل ركضا للأسفل بسرعة
حتى تنظر للجريدة التي لم تتصفحها أصلا
تناولت الجريدة وهي تقفز للملحق الاقتصادي حيث تتوقع وجود صورة مشعل
نظرت لمجموعة الصور الملتقطة في حفل لغرفة التجارة والذي دُعي له غالبية أصحاب الشركات الكبيرة في قطر
كان مشعل يظهر في ثلاث صور مختلفة
وفي كل الصور كانت تقف سيدة أنيقة غاية في الجمال إلى جواره
شعرت لطيفة بغضب غيرة هادر يتصاعد في روحها غصبا عنها وهي تتعرف على صاحبة الصورة
(يعني يا مشعل
مهوب صورة ولا صورتين
في كل الصور لازقة جنبك)
ولكنها حاولت التحكم في أعصابها وهي تتوجه لتتوضأ لصلاة الظهر
حتى تهدئ روحها
فالوضوء يطفيء الغضب كما يطفئ الماء النار
لطيفة بعد أن صلت الظهر ودعت الله مطولا أن يهديها ويلهمها العمل الصائب
قررت ألا تثير موضوعا قد يكون في رأسها هي لوحدها
لأن مشعل خلال الفترة الأخيرة كلها كان لا يتوانى عن إظهار حبه لها
فلا تريد أن تبدو صغيرة العقل ومحدودة التفكير بينما مشعل لم يبدر منه مطلقا ما يضايقها
***********************
مبنى إداري ضخم في أحد شوارع الدوحة الرئيسية
تحمل واجهاته الزجاجية اسم شركة شهيرة
في أضخم غرفة في المبنى.. كانت تستعد للقيام عن المكتب الفخم الذي يقبع في صدر الغرفة الشديدة الفخامة والبالغة الأناقة
فهي كانت تستعد للمغادرة وهي تنظر للمرآة وتعدل عباءتها ولف شيلتها حول وجهها الجميل وترتدي نظارتها الشمسية
سكرتيرتها ترتب مجموعة من الأوراق لتعطيها لها لتراجعها مرؤوستها في البيت
ثم همست باحترام بالغ: مائلتي الي .. أي شركة ننطيها إنشاء المجمع الجديد؟؟
منشان جهز لوراء
ابتسمت ابتسامة شاسعة كشفت عن صف اسنان جذاب: شركة المشعل طبعا
السكرتيرة بلهجة عملية: هني صحيح شركة منيحة وشغلون منيح ومواعيدون بيرفكت.. بس فيه شركات عملت لنا سعر أئل وبنفس المستوى
تناولت حقيبتها لتخرج وهي تهتف بلهجة الأمر التي اعتادتها: قلت شركة المشعل
نفذي بدون نقاش
***************************
تركيا
جزيرة الاميرات في بحر مرمرة بالقرب من أسطنبول
كان فارس والعنود يطوفان الجزيرة الشهيرة على عربة تجرها الخيل.. فهذه الجزيرة لا توجد بها سيارات مطلقا
كان فارس يجري اتصالا مهما والعنود صامتة حتى ينهي اتصاله الذي أثار فضولها
فارس كان ينهي المكالمة بابتسامة شاسعة: الله يبارك فيك.. ومشكور
..................
مع السلامة
العنود تبتسم: فرحني معك
فارس تناول يدها وطبع على ظاهرها قبلة عميقة وهو يهمس بسرور شفاف:
ترقيت يا وجه الخير.. شفتي وجهش أشلون حلو علي
صرت وكيل نيابة أول.. يعني كلها شوي وأصير رئيس نيابة
العنود بفرحة عميقة احتضنت كفه وهمست: مبروك ياقلبي مبروك
تستاهل..
فارس يبتسم: الله يبارك فيش
العنود برجاء حقيقي: وإن شاء الله إنه شغل المشاركة في المداهمات خلص؟؟
فارس بذات الابتسامة الدافئة: أكيد أقل من أول.. وهو على العموم نادر ما يحتاجونا في المداهمات
العنود تبتسم: عقبال ما نخلص منها يارب يا كريم.. زين تبينا نرجع الدوحة؟؟
فارس بهدوء: وليش نرجع.. قرار الترقية طلع وأنا في أجازة.. وبينتظرني لين أرجع
***********************
دبي
جناح راكان وموضي
قبل صلاة الظهر بقليل
موضي نهضت من نومها قبل راكان..
تشعر بالحيرة.. ماذا ترتدي؟؟ كيف من المفترض أن تبدو أمام راكان؟؟
تتأنق؟؟
كيف سيتفهم تأنقها؟؟
دعوة مبطنة؟؟ إدعاء؟؟ فراغ داخلي؟؟
تلفها الحيرة فعلا!!
وإن لم تتأنق.. كيف سيفهم ذلك؟؟
إهمال منها؟؟ عدم احترام له؟؟ انعدام في الذوق؟؟
في الختام قررت أن تلبس بشكل اعتيادي دون تفريط أو إفراط
توضئت أولا ثم فردت شعرها بشكل مرتب
ثم ارتدت طقما مكونا من تنورة مشجرة طويلة باللون الذهبي والتركواز.. وبلوزة ضيقة بكم طويل باللون التركواز ومغلقة تماما.. فأكثر ما تخشاه ظهور أجزاء معينة من جسدها
ثم وضعت بعض الكحل وأحمر شفاه بلون فاتح فقط
تشعر بتوتر ملحوظ للتحدث مع راكان بعد كل أحداث الأمس
لا تعلم ماذا أصابها.. ولكن هذا القرب من راكان بات يوترها ويرفع تحفزها ويبعثر أفكارها
لا تريد أن تضايقه بأي شكل
وتتمنى لو تستطيع إسعاده بأي طريقة
لذا كان طلبها المتكرر له أن يتزوج من أخرى
أخرى تناسبه وتستطيع أن تسعده وأن تكون أما لأولاده
(زوجة لراكان؟؟
وأم لأولاده؟؟
وأنا كيف سيكون وضعي؟؟
عشت مسحوقة أولا
ثم مهمشة ثانيا
وراكان كيف سيتعامل مع زوجته الأخرى؟؟
هل سيكون رقيقا معها كما هو رقيق معي؟؟
هل سيبتسم لها ابتسامته الدافئة؟؟ ويحدثها بصوته العميق الساحر الذي يتسلل لعمق الروح؟؟
هل؟؟ وهل؟؟ وهل)
كانت موضي تغرق في خضم أفكار تشعرها بضيق غير مفهوم
وكأن هذه الأفكار مشنقة تخنق روحها وتستجلب أوجاعها
ومع ذلك هي مستعدة بصدق حقيقي أن تمضي فيها من أجل راكان
لأنها ترى أنها لا تناسب راكان أولا
وهو مجبر عليها ثانيا
كل هذه الأفكار المتناقضة كانت تخنقها.. تخنقها
كانت أمام المرآة تنظر لنفسها وهي غارقة في أفكارها
نظرت للساعة كان وقت الأذان
التفتت لتوقظ راكان ولكنها فوجئت أنه كان مستيقظا وينظر ناحيتها
ابتسمت بارتباك: صباح الخير
راكان بصوته العميق: صباح النور
موضي بذات الارتباك: صاحي من زمان؟؟
راكان بهدوء عذب: توني صحيت
(استيقظ من أكثر من خمس دقائق قضاها في مراقبة موضي
التي كانت تتأمل نفسها في المرآة
ومعها راكان يتأمل فيها)
موضي باهتمام حقيقي رقيق: أشلونك اليوم؟؟
راكان بابتسامة وهو يلمس الضمادة على كتفه: الحمدلله زين
أصلا السالفة كلها بسيطة.. الله سبحانه أنعم علي بجسم كنه طوفة على قولت فارس
بعد طوفة تتأثر من عضة.. طوفة ما منها فايدة
موضي باستنكار تلقائي: قل ماشاء الله..
راكان يبتسم: خايفة أنظل روحي يعني؟؟
موضي بحرج: العين حق..
راكان كان ينظر لها بتمعن وهي تقف لتتوجه ناحيته ثم تقف على بعد خطوتين وهو يهمس لها: عسى نمتي زين؟؟
موضي تبتسم: الحمدلله
راكان يتذكر شيئا: موضي تراني حطيت مهرش في حسابش أمس بس نسيت أقول لش
موضي صمتت وحرج بالغ يكتم على روحها.. (يعطيها مهرا وهي من خطبته بالمعنى الفعلي؟!!!!)
حلولت تجاوز خجلها وهي تهمس باحترام: تقوم توضأ؟؟
راكان ينهض بتثاقل ويهمس بهدوء: قايم
موضي تهمس برقة: خلاص بأطلع لك ملابسك وبأكويهم.. أنا جايبة مكواة معي
راكان يبتسم: أنا ما تعودت على الدلال.. بعدين تخربيني
موضي بابتسامة غاية في العذوبة: إذا أنت ما تدلل وتحط رجل على رجل بعد
ماحد يستاهل الدلال عقبك
******************************
بيت سعد بن فيصل
الساعة الثانية ظهرا
سعد يدخل إلى بيته عائدا من عمله
فوجئ بأصوات عراك عالية تصدر من الأعلى
كان صوت فيصل وفهد يتعاركان.. وصوت عمتهما أم فارس تحاول فض الاشتباك
سعد ركض للأعلى بخطوات واسعة ليصل لغرفة فهد حيث صوت العراك
ليصرخ بصوت حازم: بس
عم الهدوء المكان
اقترب بخطوات ثابتة ليسأل شقيقته بحزم: وش اللي صاير؟؟
أم فارس تتنهد: والله ما أدري يا أختك.. أنا كنت أرتب ثيابك في حجرتك سمعت صوت الهدة
جيتهم لقيتهم كنهم ديكة يتهادون وعيوا يتخلصون
سعد نظر لفيصل بحزم: أنت قل لي وش اللي صار
فهد كان من قاطع بخوف: أنا بأقول لك يبه
سعد بحزم عميق: فهيدان أنا أكلم أخيك الكبير.. تسكت لين أسألك
فيصل نظر لفهد بعتب ثم همس باحترام: بأقول لك بروحنا يبه
سعد بحزم: لا قل لي الحين.. مافيه حد ندس عليه.. الهدة بينك وبين فهد
وعمتك وضحى كانت حاضرة
فيصل بخجل: عينت فهيدان يسوي شاتنغ مع بنات.. عصبت عليه.. وهو يقول لي مالك دخل
سعد بدهشة: نعم؟؟ فهيدان؟؟ وشاتنغ؟؟ وبنات؟؟
فهد انخرط في البكاء: والله يبه ماقلنا شي.. سوالف عادية.. روح للكمبيوتر وشوف... المحادثات كلها محفوظة
سعد تنهد بعمق: وضحى أنتي وفيصل ولا عليش أمر.. اطلعوا وسكروا الباب وراكم
فهد وقف مرعوبا وهو يشعر بذنبه.. سعد تنهد للمرة الألف وهو يهمس بثقة لفهد وهو يجلس على سرير فهد: تعال اقعد جنبي
فهد تقدم بخطوات مترددة وجلس
سعد بحزم مخلوط بالحنان: اسمعني يا أبيك.. أنا عمري ماضنيت عليكم بشيء
واللي تبونه أجيبه لكم.. ومعطيكم ثقتي فيكم لأني أعدكم رياجيل
والمثل يقول: من أمنك لا تخونه ولو كنت خوان
وأنا إبيك.. ومعطيك الثقة كلها.. يكون ردك علي إنك تخون ثقتي
فهد بضعف: والله العظيم يبه سوالف عادية
سعد بحزم: الخطأ ما ينتصغر ولا يتجزأ.. إنك تكلم بنات مهما كان نوع الكلام غلط
ما قلت لك لا تسولف مع عيال من سنك.. ومن يوم جبت لك الكمبيوتر وأنا معطيك ذا التنبيهات
يعني كل شيء واضح قدامك
لا واللي زاد وغطا.. إنك يوم سويت الخطأ تكابر وتهاديت مع أخيك الكبير عشانه يبي مصلحتك
فهد بأسف لا يقصده بحذافيره: خلاص يبه آسف وماني بمتعودها
سعد بحزم أبوي: يا سلام عليك.. وتعتقد كذا خلاص..
أول شيء تروح تعتذر لفيصل
وعقب بأقول لك وش عقابك؟؟
فهد بتأفف: ما أبي اعتذر له.. هو مهوب أبي عشان يتحكم فيني
سعد بغضب حقيقي: نعم يافهيدان.. ما سمعت.. عيد
فهد بخوف من نبرة غضب والده التي لم يعتدها: خلاص خلاص الحين بأعتذر له
سعد ينادي بصوت عالي: فيصل.. فيصل
ثم ألتفت لفهد وهو يقول له: تعتذر له الحين قدامي
فيصل فتح الباب وأطل برأسه وهو يهمس باحترام: لبيه يبه
سعد بحزم: تعال فهيدان يبي يعتذر لك
فيصل بخجل: مافيه داعي يبه.. أنا أصلا ماني بزعلان
سعد يلتفت لفهد وهو يهمس بعضب: لا بيعتذر لأنه عارف أنه غلطان
فهد لوى شفتيه وهو يقبل رأس فيصل ويقول ببرود: آسف
سعد تنهد بعمق.. تصرفات فهد في الفترة الأخيرة باتت تقلقه.. فهو عنيد جدا
ومعاركه مع فيصل ازدادت مؤخرا
مازال مطمئنا إلى أنه يخشاه هو فقط.. ولكنه لا يحترم شقيقه الأكبر منه رغم أنه يعلم يقينا حبه الكبير لشقيقه
ولكنه يعلم أنها بداية مرحلة المراهقة المتعبة.. فيصل مر بما يشبه ذلك قبل عدة سنوات
ولكن وضع فيصل كان أهون بكثير... ففيصل كان أكثر اتزانا وتهذيبا
التفت لفهد وهو يقول له بحزم: ترا طول لسانك وقلة حياك مهي بطايفة علي.. أنا سكتت لك.. حسبتك رجال كفو وبتحشم أخيك اللي أكبر منك
لكنك زدت الخطا بخطا
والحين كمبيوتر مافيه.. الكمبيوتر بأشيله وأحطه في المخزن.. ولا أنت بشايفه طول ذا الفصل
فهد بجزع: لا يبه تكفى.. كله ولا كمبيوتري.. أشلون أسوي مشاريعي
سعد يرفع حاجبه: يا سلام عليك يا بو مشاريع
عندك مشروع.. تسويه على كمبيوتر فيصل وتحت عينه
عشان تعرف الكمبيوترات ليش سووها.. سووها للفايدة مهوب لقلة الحيا
والشيء الثاني يا ويلك لو طولت لسانك على أخيك الكبير مرة ثانية
إذا شفت إنك رجال كفو.. أبشر بكمبيوتر جديد أحدث طراز.. بس مهوب ذا الفصل
ذا الفصل كله أنت معاقب لين أشوف فعايلك ونتايجك اللي تسر
فهد انكب على سريره يبكي.. وسعد ينزع أسلاك جهاز الكمبيوتر
ثم يأخذه للأسفل ويضعه خارجا.. وينادي أحد صبيان المجلس
ويطلب منه أنه يضعه في كيس كبير ويضعه في المخزن
ثم يعود للداخل وهو يشعر بهم كبير
يحتاج إلى من يعاونه فعلا.. مشاكل أولاده تزداد
وفهد بالذات يقلقه لأبعد حد
فهل كان مصيبا حين قرر أن يكمل حياته مع ضريرة لن تستطيع أن ترى أخطاء أولاده حين تحدث
تنهد بعمق.. والهم يحاصره أكثر وأكثر وأكثر
*************************
بيت جابر بن حمد
بعد الغداء
معالي تدخل على شقيقتيها في غرفتهما.. وجهها على غير العادة لا يحمل ابتسامته المعتادة
تمددت على سرير عالية بصمت
عالية اقتربت وجلست جوارها وهي تداعب شعر معالي بحنان
وعلياء التي تجلس على سريرها هي من همست: معالي وش فيش فديتش
شكلش متضايقة
معالي بحزن: عاجبكم حال أمي؟؟
كل مالها في النازل
عالية كفت يدها عن شعر معالي وهي تهمس بألم: مهوب عاجبنا بس وش نسوي
معالي بهدوء: حمد صار له أكثر من 4 شهور غايب.. وما يكلمنا إلا بالقطارة
وأمي شوفت عينكم.. تصّبر.. بس حن عارفين إنها تعبانة
أنا خايفة على أمي
علياء برعب: تكفين معالي لا تخوفينا عليها
معالي بحزم: شوفو المرة الجاية إذا اتصل حمد اللي منكم بترد عليه
تقول له يرجع فورا..
تقول له أمي تعبانة.. لا أبو ذا الدورة اللي بتخليه يبعد عنا كذا
************************
واشنطن
الساعة 9 صباحا
سكن باكينام
باكينام تنزل على عجل للحاق بمحاضرتها
كانت تتوجه بسرعة للباب لذا لم تنتبه للجالس في البهو ينتظرها
حين وصلت للباب كانت هناك يد قوية تطبق على معصمها
وصوت دافئ يهمس لها من قرب: مستعجلة كده على فين؟؟
انتفضت بعنف وقشعريرة حادة تهز عمودها الفقري
(الحقير.. تذكر أن يزورني أخيرا
كم مضى لم أره.. أكثر من أسبوع
كم اشتقت إليك!!
أكره اشتياقي لك
وأكره نفسي أكثر لأني أشتاق إليك
أكره روحي التي تأبى الإنسلاخ عن عوالمك
أكره اضطراب عواطفي وأنت جواري
أكره مناداة دقات قلبي لك وهي تتقافز بجنون حين أراك
أكره رغبتي الغبية في الارتماء بين ذراعيك
وأكره نفسي ألف مرة.. أكره نفسي الغارقة في غرورها الزائف
وهي تأبى التنازل لتعترف لك أنه لا يوجد في القلب سواك
ولم يوجد به يوما سواك
فهذا القلب التعس لم ينفتح إلا لك.. ولم يعرف هوى أحد سواك)
باكينام نحت ثورة مشاعرها الموجعة وهي تهمس له ببرود:
عندي محاضرة وهاتأخر عليها
يوسف يمسك بعضدها وهو يشدها خارجا ويقول بثقة:
امشي معايا هنمشي لحد الجامعة.. ونتكلم
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
بين العصر والمغرب
الصالة السفلية
لطيفة ومشاعل يدور بينهما حوار حاد نوع ما
لطيفة بغضب: وليش ماوافقتي على كلام ناصر؟؟ عاجبش حالكم كذا؟؟
مشاعل بمناشدة عميقة: لطيفة تكفين ما تضغطين علي
أنا صحيح أبي ناصر.. بس مجروحة منه.. صدقيني لو رجعت له
وأنا قلبي ينزف منه كذا.. بتكون رجعة فاشلة من أساسها
هو ما نسى اللي سويته فيه ليلة عرسنا وظل يحاسبني عليه
وأنا ما نسيت اللي سواه فيني عقب رجعته وأخاف أحاسبه عليه
لطيفة بغضب متزايد: خبلة.. وما تخَلَين على كيفش.. بس دواش عندي يا مشاعل
مشاعل وقفت وهي تستعد للمغادرة وتقول بغضب رقيق: أنا غلطانة إني قلت لش
مشاعل غادرت ولطيفة تناولت هاتفها وهي تغادر لمجلس النساء وتتصل برقم معين
فور أن رد عليها الطرف الآخر باحترام عميق: هلا والله حيا الله أم محمد
لطيفة بود واحترام: حياك الله ناصر.. أبيك في موضوع مهم كان وقتك يسمح
ناصر بنخوة: آمري.. أفا عليش يا أم محمد الوقت كله لش يا أخيش
لطيفة تنهدت بعمق: عشان موضوعك أنت ومشاعل والاقتراح اللي قلته لها
↚
واشنطن
طرقات منطقة جورج تاون
بين سكن باكينام وجامعة جورج تاون
خطوات مثقلة تنقل باكينام ويوسف
ومشاعر ثائرة مكتومة تهدر بين الاثنين
كانت باكينام من بدأت الكلام وهي تهمس ببرود: نعم يوسف عاوز إيه؟؟
يوسف يتمنى لو يمسك بكفها يحتضنها بين أنامله وهما يمشيان..
فهو يكاد يجن شوقا لها
ولكنه لا يريدها أن تغضب وترفض أن تتفاهم معه ..هو قادم للكلام معها
همس لها بهدوء: مش كفاية وترجعي لبيتك خلاص
باكينام بهدوء يخبئ خلفه كثيرا من الألم: وأنا ئلت لك مش راجعة
وطلئني.. العشرة بيننا مستحيلة
يوسف بعمق: باكينام بلاش جنان.. طلاء مافيش طلاء.. ارجعي للبيت
عيب عليكي اللي بتعلميه.. همّا بنات الأصول بيعملوا كده؟!!
باكينام بألم: انته اللي خليتني أعمل كده
أنت نسيت عملت فيا إيه أول يوم جينا واشنطن
يوسف صمت..
بدت له الذكرى غائمة وجميلة وعميقة وموجعة وكريهة في آن
تمنى أن يعيد تسجيل الذكرى كأجمل أحداث حياته
وتمنى أن يلغيها من ذاكرته كأسوأ أحداث حياته
استمرا يمشيان معا يلفهما الصمت.. كلاهما تمنى أن يطول هذا المشوار ويطول ويطول
ولكنهما وصلا أمام مبنى كلية باكينام
وقفا كلاهما وهما يتبادلان نظرات عميقة
حينها همس يوسف: ها باكينام.. ترجعي معايا لبيتك النهاردة؟؟
باكينام أشاحت بوجهها وهي تهمس بألم: ما تحاولش.. مستحيل
حينها مد يوسف يده ليدها.. احتضنها.. ليبعث دفء يده في يدها قشعريرة حادة جارحة
ثم يترك يدها معلقة في الهواء تعاني بردا مفاجئا موجعا
ويرتحل مغادرا وفي رأسه تفكير ما
لو كان يوسف في مصر لاستطاع إرجاعها بالقوة.. ولكنه هنا في أمريكا لا يستطيع.. لذا لابد أن يلجأ للحيلة
وكل شيء مباح في الحرب والحب
باكينام كانت تنظر بألم لظهره العريض وهي تشعر برعب حقيقي أن تكون هذه المرة الأخيرة التي تراه فيها!!!
***********************
بيت عبدالله بن مشعل
مشاعل غادرت ولطيفة تناولت هاتفها وهي تغادر لمجلس النساء وتتصل برقم معين
فور أن رد عليها الطرف الآخر باحترام عميق: هلا والله حيا الله أم محمد
لطيفة بود واحترام: حياك الله ناصر.. أبيك في موضوع مهم كان وقتك يسمح
ناصر بنخوة: آمري.. أفا عليش يا أم محمد الوقت كله لش يا أخيش
لطيفة تنهدت بعمق: عشان موضوعك أنت ومشاعل والاقتراح اللي قلته لها
ناصر تفاجئ فهو لم يتوقع أن مشاعل قد تخبر أحدا باقتراحه لها
والاقتراح كان ببساطة.. إن كانت عودتها لبيته مرفوضة
فلتكن عودتها لبيت والده
ويتبادل هو وراكان الأماكن
مشعل حاليا يعيد ترتيب غرفة راكان بعد أن فتحها على غرفة ناصر
فاقترح عليها أن ينتقلا هما لقسم راكان
وراكان وموضي ينتقلان للقسم المستقل/ قسم ناصر بحجة أنهما الأكبر ويستحقان مكانا مستقلا لهما
ولكن مشاعل رفضت اقتراحه
وقالت: أنها حين قالت أنها يستحيل أن ترجع لبيته لم تكن تعني بيته تحديدا
ولكنها تعني العودة لحياته ولعشرته
وهو من أرخصها وطردها واستمر يشدد على رفضه لعودتها
فما الذي تغير الآن؟؟
ناصر رد على لطيفة بهدوء: مشاعل قالت لش؟؟
لطيفة بهدوء عميق: ناصر أنا أعرف كل شيء.. وتأكد إن مشاعل ما قالت لي إلا عقب ماضاقت بها
وتأكد إن اللي بينكم سر ما حد بعارفه
ناصر بهدوء يخفي وراء أمله: يعني تقدرين تقنعنيها؟؟
لطيفة بهدوء: خلك الحين من اقناعها.. أول ما يخلص مشعل الشغل في بيت هلك
أنا بجي وبأنقل أغراض مشاعل هناك
وأغراض موضي وراكان بأنقلها لبيتك
والباقي خله علي
***********************
دبي
جناح راكان وموضي
بعد صلاة العصر
موضي وراكان تغديا في جناحهما لأن وضع راكان مازال لا يسمح له بالخروج
دار ويدور بينهما حديث شيق عذب
فقد قضيا الساعات الماضية في الحديث وهما يكسران حاجز الرهبة
راكان يبتسم: وصدق أنتي اللي مسويته؟؟
موضي تبتسم: ليش بأكذب عليك يعني؟؟
راكان باستنكار رقيق: لا والله محشومة.. بس مفروض خذتي ثمن التصميم على الأقل
موضي بعذوبة: تصميم الموقع كان هدية مني لهم..
ثم أردفت بحماس وهي يخطر ببالها شيء ما: إشرايك أسوي لك موقع شخصي؟؟
راكان باستغراب: أنا؟؟
موضي بحماس: وليش لأ.. بطل رماية وبطل شطرنج.. بأسوي لك موقع بروفشنال.. أقل من ظفرك سوو لهم مواقع
راكان يبتسم: لا يا بنت الحلال.. أكثر شيء أكرهه الاستعراض على غير معنى
موضي برقة: حتى لو استعرضت نفسك.. تستعرضها على حق
راكان يعدل جلسته على الأريكة وهو ينظر بعمق لموضي التي تجلس لوحدها على كرسي منفرد
همس بعمق: موضي بلاها نبرة التقديس ذي.. مهيب عاجبتني
موضي بحرج: ما أقصد راكان أضايقك
بس جد راكان من يوم أنا صغيرة وأنا أشوفك شيء كبير
راكان باستفهام: كبير بأي معنى؟؟
موضي بعمق: كبير بأكبر معنى.. أشوفك شيء مثل الأساطير اللي فوق مستوى البشر العاديين
راكان ضحك: عاد أساطير مرة واحدة.. خليتيني هركليز
موضي بابتسامة رقيقة: شنو هركليز؟؟ هركليز ولا شيء عندك
راكان بثقة: موضي مافيه داعي تحطين كل ذا الحواجز بيننا
تعاملي معي بطبيعية
أنتي كنتي تشوفيني شيء كبير
وأنا كنت أشوفش بشكل معين
لكن كل الرؤيتين انتهت
خلينا نتعامل مع بعض بطبيعية
موضي ببوح مؤلم: بس أنا ماعدت طبيعية
وصل الحديث للنقطة المنتظرة والنقطة التي حاول الاثنان الوصول لها
وفي ذات الوقت تلافيها
حياتهما معا.. كيف ستكون؟؟
راكان تنهد: أشلون غير طبيعية؟؟
موضي بحرج: قلت لك قبل.. ماعاد عندي قدرة للتواصل مع رجل بالصورة الطبيعية ولا أتقبل لمس رجل لي
راكان هز كتفيه: وأنا أصلا فقدت اهتمامي بالجنس الثاني من سنين
يعني ماراح أضايقش بشيء ولا أطالبش بشيء
موضي بعمق: وتعتقد إنه وضع طبيعي نعيش فيه اثنينا؟؟
راكان ابتسم لها بتشجيع: مادمنا اثنينا مرتاحين ماعلينا من حد
************************
ذات الليلة مساء
بيت مشعل بن محمد
مشعل يعود للبيت
كان شكله مرهقا تماما.. فهو بين أعماله وبين قسم راكان الذي يريد انجازه في وقت قياسي
كانت لطيفة تجلس على الأريكة تقرأ في كتاب استعدادا للفصل الدراسي القادم
دخل مشعل وسلم.. ألقى بغترته ثم جلس جوارها ليتمدد ويضع رأسه على فخذها
لطيفة تحرك شعره برقة وتهمس له بحنان: تعبان حبيبي؟؟
مشعل بإرهاق: والله ميت من التعب
لطيفة بعذوبة: تبي أجيب لك شيء؟؟
مشعل بمودة : خليش جنبي وبس
مضت لحظات صمت همست بعدها لطيفة بلهجة حاولت أن تكون تلقائية تماما:
عندكم ذا الأيام شغل مع شركة فاتن الفرج؟؟
مشعل تناول كفها واحتضنها وهو يقول بعفوية: خلصنا لهم مجمع وبنبدأ في الثاني
ليه تسألين ياقلبي؟؟
لطيفة تنهدت بعمق وهي ترسم ابتسامة على وجهها: لا حبيبي أسأل عادي
مشعل نهض وهو يقول بتثاقل: بأقوم أتسبح وأصلي قيامي
لطيفة ابتسمت: وأنا بأروح أسوي لك شاي أخضر
ثم أردفت: قسم راكان متى بتخلصه؟؟
مشعل يصل باب الحمام ويهمس لها بهدوء: أحاول أخلصه قبل يجون بكم يوم
يعني 3 أيام إن شاء الله وأخلص
****************************
دبي
الساعة 10 مساء بتوقيت الدوحة/11 بتوقيت الإمارات
جناح راكان وموضي
الليلة الأولى الفعلية التي يقضيانها كزوجين في مكان مغلق عليهما
اليوم لم يخرجا مطلقا من الجناح
ولكن راكان طلب من ادارة الفندق أن ترسل له طبيبا ليغير له على جرحه
ويعطيه بعض المسكنات لأنه يشعر بألم مبرح في سُرته
حيث تم إعطائه الإبر جميعها في سُرته.. فإبر السعار تُعطى في السُرة إذا كان المريض يحتمل لتعطي نتيجة أسرع..
وراكان وافق أن يأخذها جميعها في سُرته
والبارحة رفض أن تبقى موضي معه وهم يعطونه الإبر..
فلم تعلم بمقدار الألم الذي تعرض له
ولكنها فجعت اليوم وهي تعلم أنه أخذ جميع الإبر في سُرته دون أن يبين لها شيئا من آلامه.. رغم أنه منذ البارحة وهو يعاني من الألم
ولم يطلب الطبيب إلا بعد أن وصلت آلامه منتهاها
وهاهو الآن يتمدد على كنبته وهو يفتح عينا ويغلق الأخرى بعد أن أعطاه الطبيب إبرتين مسكنتين وبدأ يشعر بالخدر في كل جسمه
موضي كانت تجلس قريبا منه على مقعد منفرد وهي تشعر بقلق مر عليه
راكان همس لها بصوت ناعس: موضي قومي لفراشش
موضي برجاء عميق: راكان أنا بفرش لي فراش على الأرض قريب منك
راكان برفض حاد قدر ما يمنحه صوته المرهق: لا والله العظيم ما تنامين إلا على فراشك.. وهذا أنتي قريب.. إذا بغيت شيء دعيتش
موضي بعذوبة: خلاص بأقعد عندك لين تنام.. ثم بأصلي قيامي.. وأنام.. وعد
راكان بصوت دائخ تماما: قوميني قبل الفجر عشان أصلي قيامي.. تكفين
ماصدقت ارتاح من الوجع عشان أنام
**************************
اليوم التالي
بعد صلاة العصر بقليل
ناصر يخرج من البيت وهو متوجه للتدريب حيث تواعد على الالتقاء مع حسن
رأى سيارة بيت عمه عبدالله تخرج
كان سلطان يجلس بجوار السائق
وفي الخلف تجلس امرأة.. ولأن ناصر يعلم أن كل من في منزل عمه هم محارم له
تمعن في المرأة وقلبه ينبئه بشيء
شعر بغضب متصاعد وهو يتصل بمشاعل
فور ردها عليه همس بغضب من بين أسنانه: وين طالعة يا الشيخة بدون ما تعطيني خبر؟؟
مشاعل بحرج: بأروح الجمعية أجيب شوي أغراض للبيت.. حبيت أكفي أمي
وسلطان معي
ناصر بذات الغضب وهو يقف أمام سيارة عمه ليمنعها من التحرك: انزلي أنا بأوديش
وياويلش تسوينها مرة ثانية وتطلعين من غير أذني
سلطان عقد ناظريه وهو يرى سيارة ناصر تعترض طريقهم أخرج رأسه وهو يحاول أن يتحدث بأدب:
عسى ما شر يابو محمد؟؟ وسع خلنا نطوف
ناصر بهدوء: كثر الله خيرك يا سلطان.. مشاعل بتروح معي
سلطان حينها غضب فعلا وهمس بغضب مكبوت: مالك لوا يابو محمد.. منت بمنزل أختي مني عشان تركبها سيارتك
ناصر غضب فعلا وهو ينزل من سيارته بلباس الفرسان الأنيق
مشاعل تشعر بالرعب من هذا العراك غير المتوقع ودقات قلبها تتصاعد بعنف
همست لسلطان بخفوت: سلطان عيب عليك.. بأنزل أروح مع ناصر
سلطان بغضب: والله ما تنزلين.. ولو نزلتي والله عمري كله ما أسلم عليش
ناصر اقترب من نافذة سلطان وهو يقول بغضب: نعم يا سليطين تراني ما سمعتك
سلطان باحترام رغم غضبه: أولا اسمي سلطان يابو محمد.. وثاني شي عيب عليك تنزل أختي مني.. منت بشايفني رجال
لو أنها مع مشعل كان نزلتها منه؟؟ وإلا أنا ما أنا بتارس عينك؟؟
ناصر لم يستطع إلا أن يبتسم من ردة فعل سلطان التي أثارت إعجابه برجولته المبكرة:
محشوم يابو عبدالله.. وكفو وألف كفو
خلاص توكلوا على الله
ثم عاد لباب مشاعل التي اطمئنت وهي ترى انتهاء المعركة على خير ولكنها لم تنتبه أن ناصر سيفتح بابها وهي متسندة عليه
فتح ناصر الباب ووكادت أن تسقط مشاعل لولا أنه سارع لسندها
تسارعت دقات قلبها من قربه الذي بات يعذبها
ذلك القرب البعيد.. أسوأ أنواع البعد والقرب
فلا هو بالقرب الذي يريح الفؤاد.. ولا هو بالبعد الذي ينهي حبائل الأمل
ناصر بهمس مرح دافئ: سلامات
مشاعل تتأخر قليلا وهي تهمس بحرج: ما انتبهت إنك بتفتح الباب
أخرج ناصر محفظته وهو يمدها ببطاقته: مامعي الحين كاش يكفي.. بأرسل لش رقمها الحين وخلي البطاقة هذي معش
عندي غيرها
مشاعل بحرج فعلي: مافيه داعي ناصر
ناصر يحتضن كفها بقوة وتملك وحنان وهو يشد كفها للأسفل حتى لا يلحظهما سلطان وهو يهمس لها: لا تراديني.. خذيها
سلطان كان من قاطع لحظاتهما الخاصة وهو يقول بلباقة مصطنعة: تأخرنا يابو محمد
ناصر أغلق الباب وهو يقول : السموحة يابو عبدالله... توكلوا على الله
مشاعل كانت تحتضن البطاقة في يدها.. ومشاعرها متناثرة ومبعثرة..
إحساسها بناصر بات يعذبها ويجرحها ويشجيها ويستجلب كل أشكال المشاعر المتناقضة إلى روحها
بينما سلطان كان (يتحلطم) على ناصر بعبراته التي اعتادتها منه
كانت تسمع بعضها وتغفل عن بعضها الآخر:
رجالش ذا يفقع المرارة..
شايف حاله.. لا وجاينا بلباس الفروسية.. يعني شوفوني ما أزيني
مزيون طل..
لا وكان يبي ينزلش من السيارة اللي ما يستحي
لو أنه سواها.. والله لأشتكيه عند عمي محمد
استمر سلطان في ثرثرته المعتادة ومشاعل تحلق في عالمها الخاص حتى انتزعها منه رنة رسالة تصل هاتفها
فتحت الهاتف:
" رقم البطاقة ××××
.
.
وحشتيني والله العظيم
بغيت أخورها من قلب قدام سليطين"
ابتسمت وهي ترد عليه:
" أول مرة أشوفك بلبس الفرسان على الطبيعة
لا تعليق"
" لا تعليق
أفهمها شيء سلبي؟؟
أو شيء إيجابي؟"
"تك.. تك.. تك
هذي دقات قلبي
ماني بقادرة أسيطر عليها
تكون الشوفة برأيك سلبية أو إيجابية؟؟"
ابتسم بعمق وخبث شفاف وهو يكتب رسالته الأخيرة
" إذا رجعت من التدريب
مريت أسلم على جدتي
وقتها أشوف عيونش
وأسمع دقات قلبش
و أعرف شوفتي سلبية أو إيجابية"
********************
دبي
جناح راكان وموضي
بعد صلاة العشاء بحوالي الساعة
موضي تشعر بقلق عميق على راكان
فهو خرج من حوالي ثلاث ساعات للتغيير على جرحه ولم يعد بعد
كانت تريد الذهاب معه ولكنه رفض وقال أنه لن يتأخر
واتصلت به عدة مرات وكان يرد ويطمئنها
ولكنها كانت قلقة من تأخره غير المبرر وتخشى أن يكون قد تعب ولا يريد إقلاقها
اليوم صحا مبكرا وكان وضعه أفضل بكثير.. ولكنها تخشى أن يكون يتألم كما كان البارحة دون أن يخبرها
موضي قفزت وهي تسمع صوت الباب يُفتح
هتفت بقلق وهي ترى راكان يدخل: أشفيك تأخرت الله يهداك؟؟
راكان ابتسم وهو يخلع غترته ويلقيها على الأريكة ويرفع كيسا بالغا الفخامة في يده: رحت أجيب شغلة
موضي باستغراب: شغلة؟؟
راكان جلس على الأريكة وهو يهمس بهدوء: تعالي اقعدي جنبي
موضي اقتربت بحرج وهي تجلس جواره وتجعل بينهما بعض مسافة
راكان وضع الكيس الذي قرأت عليه اسم محل مجوهرات شهير جدا على رجليها وهمس لها بمودة: افتحيه
موضي بحرج: وش هذا ياراكان؟؟
راكان يبتسم: افتحيه وشوفي
موضي فتحت التغليف الفخم بتردد لتجد علبة مجوهرات جلدية بالغة الرقي فتحتها بأنامل متوترة لتجد بداخلها قلادة كارتير ألماسية بالغة الفخامة والأناقة
موضي بخجل حقيقي: كثير راكان.. والله العظيم كثير.. وبعدين مالها مناسبة
راكان مد يده للقلادة وتناولها: ماني براد على كلامش اللي ماله معنى
ممكن ألبسش أشوفها عليش
موضي كان بودها أن ترفض ولكنها لم ترد أن تبدو قليلة التهذيب أمام لطف راكان
لأنها تعلم أنه لم يطلب تلبيسها إياها إلا من باب الذوق
همست بخجل: أكيد ممكن
راكان فك قفل القلادة وهو يقترب من موضي ليلبسها إياها
راكان كان يتصرف بطبيعية وإحساسه بها كان تلقائيا وعاديا
ولكن موضي شعرت بارتفاع درجة حرارتها وهي تشعر بحرارة أنامله على نحرها وعنقها
كانت تعصف بها مشاعر توتر غير طبيعية مصدرها الأول خوفها أن يلاحظ الأثر بالقرب من كتفها وهو يقترب من حدوده
راكان أنهى مهمته وهو يهمس بإعجاب حقيقي وطبيعي: حلو عليش تلبسينه بالعافية
موضي همست بتوتر: مشكور.. حلت دنياك
راكان مد يده بعفوية ليعدل وضع العقد على طرف جيبها من اليسار
حينها انتفضت موضي بعنف وهي تقفز وتضم جيبها بأطراف أصابعها وتغلقه وهي ترتجف وتبتعد
راكان استغرب ردة فعلها المفاجئة التي أشعرته بالحرج
همس بهدوء لبق: آسف موضي.. والله ماقصدت شيء
موضي لم ترد عليه وهي تتوجه للمكتب البعيد وتجلس عليه
راكان تنهد بعمق وهو يحترم صمتها ورغبتها في الاختلاء بنفسها
لا يستطيع أن يلومها.. فهي نبهته أنها ماعادت تتقبل لمسات رجل
ولكن لمسته كانت مجرد لمسة إنسانية ليس بها أي شعور خاص
فهو أيضا ماعاد في حاجة إلى ملامسة امرأة
بعد أن تبخرت آماله ومعها فتاة أحلامه قبل سنين
↚
مضى حوالي أسبوع على الأحداث الأخيرة
وبدأ الفصل الدراسي الثاني
فارس والعنود عادا من السفر
وعادت العنود لجامعتها.. وفارس لعمله
علاقتهما تعمقت كثيرا.. وفارس يحرز تحسنا ملحوظا في سيطرته على قسوته
ولكنه فاشل جدا في السيطرة على غيرته على العنود
ولكن وضعهما بشكل عام مستقر جدا وهما يستمعان لأبعد حد بحياتهما معا
مشعل ولطيفة كذلك وضعهما مستقر
أولادهما عادوا للدراسة وكذلك عادت لطيفة
ومشعل أنجز قسم راكان ولطيفة أنهت مهمتها المتعبة في نقل أغراض الفريقين وترتيبها
ولكن الصدمة الحقيقية التي أفسدت مخططات لطيفة وناصر أن مشاعل أخبرت والدها قبل حوالي أربعة أيام
أنها على خلاف مع ناصر ولا تريد العودة له في الوقت الحالي
ناصر غضب منها كثيرا.. ليس لأنها أخبرت والدها فهو ذاته أخبر والده حين سأله قبل أيام لمَ لم يُرجع زوجته بعد.. أن بينهما خلافا بسيطا سيحلانه بنفسيهما
ولكن غضبه العميق كان لأنها رفضت العودة له
لم يعاود الاتصال بها أو رؤيتها من حينه
وكلاهما يكادان يجنان شوقا ولوعة
وعبدالله ومحمد حاولا إقناع مشاعل بالعودة ولكنها رفضت
مشعل وهيا.. مستغرقان في الدراسة
هيا تعاني من الوحم ومرهقة قليلا.. لكن مشعل يغمرها بحنانه واحتواءه
ويخاف عليها من كل شيء.. ولو استطاع أن يحملها عن الأرض لحملها
باكينام ويوسف
لم يريا بعضهما خلال الأسبوع المنصرم
ولم يعاود يوسف الاتصال بها
وباكينام تشعر بألم عميق جارح متعمق لأنها اعتقدت أن ظنها صدق
وأن المرة الأخيرة كانت المرة الأخيرة التي تراه فيها
تنتظر برعب خبر طلاقها
بينما يوسف أنهى تنفيذ مخططه وينتظر نقطة الصفر فقط
موضي وراكان هما حالة الغرابة الجديدة
غرابة ومنطقية في آن
الاثنان يتعاملان مع بعضهما بشفافية مطلقة
عدا في موضوع حرج موضي البالغ أن يلمح راكان أي جزء من جسدها يتجاوز شعرها ووجهها وكفيها
قضيا الأسبوع المنصرم كصديقين حميمين في رحلة استجمام معا
كلاهما يستمتع برفقة الآخر وحديثه لأبعد حد
بينهما تفاهم مدهش.. وبدآ ينهيان جمل بعضهما
هذه حالة تحدث للمتزوجين بعد سنين.. ولكنها بدأت تحدث معهما من الأسبوع الأول
بعد أن تحسنت إصابة راكان لم يتركا مكانا في دبي لم يزوراه معا
لا يفترقان مطلقا إلا حينما يذهب راكان للصلاة في المسجد ويعود لها فورا
كلاهما بدأ بتفهم طباع الآخر وما يحب وما يكره
موضي انطلقت في الحديث مع راكان ومشاعر ود عميقة تتكون في قلبها ناحية راكان.. ولكنها لم تحاول مطلقا جذبه كرجل لها
بينما راكان يتعامل معها بطبيعية بعد أن نحى مشاعره منذ سنوات ومازال مستمرا في تنحيتها
في حالة موضي.. موضي لم تجرب الحب مطلقا.. ورجل في شخصية راكان يستطيع تفجير الحب في قلب أي أمرأة تعاشره..
فكل ما على موضي أن تفعله أن تسمح لقلبها المغلق بالانفتاح.. وأن تدع راكان يداوي جروح روحها بحنانه واحترامه لها
ولكن حالة راكان أكثر صعوبة.. فراكان جرب الحب وتعمق فيه حتى تغلغل في كل خلاياه.. لكن حبه انتزع منه.. فمات قلبه..كما كان يكرر دائما..
تستطيع إنقاذ الجريح.. ولكن كيف تحيي الأموات؟!!!
***************************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 ونصف صباحا
العنود مازالت نائمة.. بالكاد استطاعت أن تصحو مع فارس قبل أن يذهب لعمله وعادت للنوم
ويُفترض أنها صحت قبل الآن.. لأن محاضرتها الساعة التاسعة
وسائقة مريم تنتظرها في مطبخ بيت فارس منذ أوصلت مريم لعملها وعادت لكي توصل العنود للجامعة
هاتفها يرن ويرن.. تسمعه ويبدو لها أنها تحلم
السائقة تتصل بها.. وفارس يتصل بها
ومريم اتصلت بها لأنها قلقت عليها حين أخبرتها السائقة أنها لم تنزل عليها ولم ترد على اتصالاتها
فارس اشتعل من قلقه عليها فهي منذ قامت لصلاة الفجر ثم معه لعمله وهي تبدو خادرة تماما
اتصل بوالدته وطلب منها أن تصعد لتراها
وهاهي أم فارس تفتح باب غرفتهما بحرج.. كانت تسمع صوت هاتف العنود يرن
تجاوزت الصالة لغرفة النوم.. وجدت العنود مستغرقة في النوم
اقتربت منها وهزتها بلطف: العنود يأمش .. وش فيش؟؟ ما تسمعين ذا التلفون اللي انفرى جوفه من الصياح
العنود بصوت متعب: اسمعه واحسب روحي اتحلم..
أم فارس بقلق: أنتي تعبانة يأمش؟؟
العنود بإرهاق: مافيني حيل ومكسلة بالمرة
أم فارس ابتسمت بسعادة حقيقية وخاطر أمنية غالية يهب على روحها وهي تساعد العنود على النهوض وتقول بحزم:
قومي نروح الدكتورة
العنود بكسل: مافيه داعي.. أبي أنام بس
حينها رن هاتف أم فارس: هلا يأمك
.....................
هذا أنا عندها.. شكلها تعبانة.. أبي أوديها الدكتورة بس هي مهيب ****ة
................
هاك.. كلمها
العنود تناولت الهاتف لترد بصوتها المرهق: هلا
فارس بقلق: ليه حبيبتي ما تبين تروحين الدكتورة
العنود: مافيه شيء يستاهل.. بأنام شوي وبأقوم زينة
فارس بحزم: تخلين أمي توديش ؟؟ أو بأجي أنا بنفسي أوديش
العنود برقة: خلاص.. خلاص.. بأروح مع أمي وضحى
************************
دبي
جناح راكان وموضي
الصباح
موضي أمام المرآة تمشط شعرها
وراكان يتصفح جريدة الصباح
فور أن أنهت موضي مهمتها توجهت للجلوس مع راكان الذي نحى الجريدة جانبا وهو يضعها بجواره ويبتسم لها
موضي ابتسمت: في وجهك حكي.. آمر
راكان بابتسامة: صايرة خطيرة.. ماعاد أقدر أخبي عليش شيء
موضي تهز كتفيها وهي تبتسم بعذوبة: شأسوي وأنت واحد مكشوف كذا
راكان بعمق: عمري ما كنت مكشوف..وإسالي أخيش مشعل.. أنا هو ربع من عادنا بزران
بس أنتي اللي عندش قدرة مذهلة إنش تقريني كأني كتاب مفتوح قدامش
موضي بحرج: لا تبالغ
راكان يبتسم: وانتي تعرفين إني أزعل من تقليلش لقدرش
موضي ابتسمت: خلاص خلنا من إنك تمدحني وأنا أسوي روحي متواضعة خرطي
وقل لي وش اللي في خاطرك؟؟
راكان باستفسار عميق: أبي أعرف اشلون عرفتي بزواجي من مرت محمد
صدقيني المعرفة نفسها ما تهمني.. لأنه يمكن أنا نفسي كان قلت لش
بس أبي أعرف أشلون عرفتي
موضي ابتسمت: من مرت محمد نفسها
**************************
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
الصباح
الجدة هيا أمام قهوتها الصباحية ومشاعل معها تصب لها
الجدة بعتب: لين متى وأنتي عندنا؟؟
مشاعل بابتسامة مغتصبة: افا يا أم محمد.. زهقتي من مشاعل حبيبتش
الجدة بعمق: مشيعل يأمش أنتي عارفة إن غلاش عندي غير.. وأحزن ما جاني يوم رحتي وخلتينا
بس يأمش السنع سنع.. وناصر ولد عمش.. وعيب عليش تخلينه ذا كله.. صار لش أكثر من أسبوعين عندنا
يأمش حتى لو ناصر غلط عليش.. المرة الأصيلة تدمح زلة رجالها وخص إن ناصر كان مستوجع من اللي صار له
فإذا أنتي ما داريتيه ودورتي اللي في خاطره.. فتربيتي لش مالها خانة
مشاعل قفزت وهي تجلس عند قدمي جدتها وتحتضن كفها وتغمرها بقبلاتها وتهتف برجاء عميق:
تكفين يمه ما تقولين كذا
وإذا ناصر كان مستوجع.. فأنا الحين مستوجعة
خليني يمه شوي.. تكفين ما تلحين علي.. وإن شاء الله مايصير إلا خير
جدتها انتزعت يدها واحتضنت رأس مشاعل وهي تقول لها بحنان:
أنا ما ابغي لش إلا الزين.. وناصر والله ما يستاهل منش ذا الجفا
مشاعل تنهدت بعمق وهي تصمت
حينها أردفت جدتها وهي تسألها باهتمام: زين علمتيه إنش بتروحين اليوم للمدرسة التي طالبتش؟؟
مشاعل بحرج وجزع: لا
جدتها بغضب: لا كذا مهوب سنع.. قومي كلميه وترخصي منه
مشاعل بحرج وخجل شديدين: ما أقدر يمه.. استحي
جدتها بغضب: يعني ما استحيتي من عمش وأبيش وهم يترجونش البارحة ترجعين لبيتش
والحين مستحية تكلمين ناصر
مشاعل بحزن: يمه تكفين ما توجعيني كذا
مشاعل مازالت لم تتجاوز ألم البارحة وهي تجلس كالتلميذة المذنبة امام والدها وعمها.. اللذين ترجياها طويلا أن تعود لزوجها
ولكنها بقيت صامتة.. ثم انهمرت دموعها بصمت وهي تهمس بجملة واحدة
(تكفون لا تغصبوني على شيء ما أبيه)
الدموع كانت سلاحها الناجح.. فرجال آل مشعل قلوبهم القاسية لا يلينها الحديد ولكن تذيبها دموع امرأة
لذا تنهدا بعمق وهما يغادران ويهمسان لها بحنان:
خذي وقتش وفكري.. لكن حطي في بالش إن المره مالها إلا رجّالها
جدتها تنهدت: قومي عطيني إياه.. أنا بأكلمه.. لازم تستأذنينه.. وإلا تبين تشتغلين من وراه؟!!
مشاعل تناولت هاتف المنزل.. واتصلت برقم ناصر الذي تحفظه أكثر مما تحفظ اسمها وناولت جدتها السماعة
ناصر وقتها كان في مكتبه في مقر عمله.. حين رأى رقم هاتف منزل عمه توتر نوعا ما.. ولكنه حين سمع صوت جدته ابتسم وهو يهمس بمرح:
هلا والله بالغالية.. هلا والله بشيخة النسوان كلهم وأزينهم
جدته ابتسمت: ولو أنك كذوب.. بس ماعليه.. امدحه وخذ عباته
ناصر يضحك: أفا يا ذا العلم.. أنا كذوب..
الجدة بحنان: كذوب شوي مهوب واجد.. أشلونك اليوم يأمك؟؟
ناصر باحترام: طيب.. ذيب ولد جدتي الذيبة.. أنتي أشلونش جعلني الأول؟؟
الجدة بذات اللهجة الحنونة: طيبة ياولد جدتك.. جعل عين جدتك ما تبكيك
ناصر بحنان: وش ذا النهار المبارك اللي تصبحنا بصوتش
الجدة بحزم رقيق: كنت أبي أستأذن لمشاعل.. مشاعل طالبينها مدرسة وتبي تروح لهم اليوم
ناصر حين سمع اسم مشاعل أحس بما يشبه الدوار في رأسه والأعاصير في قلبه
ولكنه رد عليها بثبات: وليه هي ما كلمتني؟؟
الجدة بعفوية: مستحية
ناصر بحزم: هي تكلمني تستأذني.. وعقبه أشوف أرخص لها وإلا لأ
جدتها مدتها بالسماعة وهي تقول بحزم: هاش كلمي رجالش.. وأنا بأقوم أتوضأ أصلى الضحى
مشاعل كانت تشير لا.. ولكن جدتها حلفت عليها أن تكلمه
مشاعل تناولت السماعة بتردد وهي تكاد تذوب خجلا
همست بصوت خافت: ألو
*************************
بيت مشعل بن محمد
الصباح
أبناء لطيفة ذهبوا لمدراسهم ومشعل ذهب لعمله
ولطيفة كانت تستذكر في غرفتها تنتظر قيام جود من نومها
رن هاتفها.. تناولته.. ابتسمت وهي تهمس برقة: هلا حبيبي
مشعل بحنان: أنا خلصت الأوراق اللي تبي توقيع
أشرايش نروح السيتي.. نتريق في ريشو.. ونلاعب جود شوي
وعقب نرجع البيت على صلاة الظهر
لطيفة بعذوبة: ومن يعيي من خوتك؟!!
مشعل بحزم اعتيادي: خلاص تجهزي وصحي جود ولبسيها.. ساعة وأكون عندكم
لطيفة تجهزت وجهزت جود التي كانت سعيدة بهذه الطلعة الصباحية المفاجئة التي ستكون هي أميرتها في غياب أشقائها
وهاهما تنزلان لمشعل الذي جاء على الموعد تماما
انطلقت السيارة ومشعل يتحادث مع لطيفة وهما ينظران من حين لآخر لجود المثبتة على مقعدها الخاص في الخلف
بعد دقائق رن هاتف مشعل.. رد بتلقائية واحترام: هلا أم علي
....................
لا والله ما أقدر سامحيني
.....................
طالع مع الأهل
.....................
السيتي سنتر (بدا عليه الضيق من مطاردة الطرف الآخر له بالأسئلة)
.....................
لا والله ماني براجع للشركة إلا العصر
.....................
مافيه شيء ضروري
.....................
خلي سكرتيرتش ترسلها بالفاكس لسكرتيري ومايصير إلا اللي يرضيكم
....................
مع السلامة
لطيفة عرفت من المتصلة.. شعرت بضيق عميق.. فهذه ليست المرة الأولى التي تطارد مشعل بالهواتف
بل وصدف أن رأتها لطيفة عدة مرات وكأنها تتعمد أن تظهر نفسها أمام لطيفة
تعلم أن مشعل قد يكون لم ينتبه لحركاتها وهو يتعامل مع العديد من سيدات الأعمال
ولكن حركاتها لم تطف على الحاسة السادسة لأمرأة مثلها بدأت تشعر بالخطر من اقتحام حصونها الخاصة
لطيفة تشعر بالقلق منها منذ أكثر من عام.. حتى حينما قال لها مشعل أنه سيتزوج.. كانت هي من قفزت لمخيلتها
فهي سيدة قوية وجميلة ومن عائلة معروفة.. ليس لديها سوى ابن واحد هو علي من زوجها الراحل..
مازالت في أواسط الثلاثينات وتتمتع بجبروت تلقائي مثير
رأتها لطيفة للمرة الأولى الصيف قبل الماضي في باريس مع ابنها في ديزني لاند
بدا للطيفة أن هذه المقابلة لم تكن صدفة مطلقا لأن مشعل أخبرها بتلقائية أنه من أخبرها بتواجدهم فيها حين اتصلت به فاتن
ولكن لطيفة رأت أن مشعل لم يتجاوز مع هذه الدخيلة الاحترام العادي
ثم أخذ عائلته وغادرها رغم أنها كانت تلمح برغبتها أن تبقى مع مشعل وعائلته
لذا لطيفة حاولت أن ان تحترم علاقات مشعل العملية وتنحيها جانبا عن حياتهما الشخصية
ولكن الجديد أن علاقتها الآن بمشعل ازدادت تعمقا
وأصبحت متيقنة أنه كله لها قلبا وقالبا.. ولن ترضى بتعدي أي أنثى على ماهو لها
لطيفة غارقة في أفكارها بينما مشعل يوقف سيارته
همس مشعل بابتسامة: اللي ماخذ عقلش.. وصلنا
لطيفة تبتسم: ماحد ماخذ عقلي غيرك
نزلا.. ومشعل يحمل جود حتى دخلا للداخل ثم أمسك بكفها الصغيرة بحرص وحنان
رن هاتف مشعل..
كانت هي للمرة الثانية بصوتها الأنيق الواثق: آسفة أبو محمد على الإزعاج
بس جد لازم توقع على الأوراق الحين عشان نلحق البنك قبل الظهر
تنهد مشعل بضيق: خلاص ساعة وأرجع للشركة وأوقع الأوراق
فاتن بهدوء: لا ما نبي نخرب عليك طلعتك.. أنا وسكرتيرتي جريب منكم
ممكن نييب لك الأوراق توقعها
مشعل بهدوء عملي: مافيه داعي أم علي.. الشغل شغل.. ومكانه في الشركة
وأنا ما أحب أخلط حياتي الخاصة بشغلي
فاتن بذات نبرتها الواثقة: لكل قاعدة استثناءات ومانبي نخرب على أم محمد طلعتها وياك..
أصلا خلاص احنا نوقف في مواقف السيتي.. وياينكم
****************************
واشنطن دي سي
سكن باكينام
مساء
باكينام تعود للسكن كانت مرهقة تماما ومستنزفة
وتشعر بالانطفاء تماما
ولكن ما أن تجاوزت المدخل ورأت العينين البنيتين الدافئتين
حتى تحول الارهاق إلى تحفز
والانطفاء إلى اشتعال مدو
و عصافير الفرحة تحلق في أسراب شاسعة في سماوات روحها وهي تراه بعد كل هذا الغياب
ولكن كل هذه المشاعر اختفت خلف قناع برودها وهي تقترب منه
بينما هو نهض فور رؤيتها وهي تهمس له ببرود جليدي هو سر انجليزي عتيد:
مشرفنا بالزيارة ليه؟؟
يوسف بنبرة جدية لأبعد حد: بسرعة معايا للبيت
أنّا صفية وفيكتوريا هيوصلوا المطار بعد شويه
↚
دبي
جناح موضي وراكان
راكان باستفسار عميق: أبي أعرف اشلون عرفتي بزواجي من مرت محمد
صدقيني المعرفة نفسها ما تهمني.. لأنه يمكن أنا نفسي كان قلت لش
بس أبي أعرف أشلون عرفتي
موضي ابتسمت: من مرت محمد نفسها
راكان بدهشة عميقة: نعم؟؟
موضي ضحكت: بسم الله عليك.. وش فيك تروعت؟؟
راكان ابتسم: وش تروعت ذي..راكان ما ينقال له تروعت... تفاجأت طال عمرش في الطاعة ..
من وين عرفتي مرت محمد؟؟
موضي تهز كتفيها: مجرد صدفة.. والحمدلله إنها كانت أنا.. ماكان حد غيري
راكان يبتسم: ممكن شوية تفاصيل يا شهرزاد
موضي تبتسم: حاضرين يا شهريار.. بس المهم الأمان.. مهوب ما تعجبك الحكاية تقوم تنادي مسرور يقص رقبتي
راكان بعمق رقيق: سلامة رقبتش.. ماعنده سالفة اللي يقص جيد الغزال
موضي كحت من الحرج: كنك تغازلني؟؟
راكان ضحك: ليه هذا هو اللي يسمونه الغزل.. ماعندي خبر
موضي ابتلعت حرجها وهي تعلم أنه يجاملها ليس إلا: خلنا من مجاملاتك يالشاعر
خلني أقول وين شفت مرت محمد
قبل حوالي سبع سنوات كنت سنة ثانية جامعة
وكان جاي لنا خدامة جديدة.. ولطيفة كانت نفاس بعبود وأمي عندها
فأنا رحت أودي الخدامة للقومسيون الطبي عشان يسوون لها فحص
واحنا قاعدين ننتظر شفت المرة اللي جنبي معها بطاقتك فوق أوراقها
بصراحة استغربت فسألتها: من هذا؟؟
جاوبتني بعفوية: زوجي
أنا مثل اللي انضربت على رأسي .. سألتها: متأكدة؟؟
المرة وقتها ارتبشت وعرفت إني عرفتك.. فهي سألتني: أنتي من؟؟
قلت لها: بنت عم اللي أنتي تقولين إنه زوجش
المسكينة والله تلخبطت.. وهلت شريطها كامل.. إنه أنت متزوجها على الورق بس عشان عيالها وبس..
وأنها جاية تخلص فحص خدامة أنت جايبها لهم باسمك
وصارت تعتذر وتعتذر..
أنا قلت لها: دام الرجال مسوي فيكم خير.. المفروض تصيرين أحرص عليه
هالمرة صدفتيني أنا.. وأنا مستحيل أقول لأحد
لكن الدوحة صغيرة وبكرة تصدفين حد غيري يعرف راكان.. وش بتسوين وقتها؟؟
المسكينة حلفت لي إنها ماعاد تقول لأحد إنك زوجها في مكان عام.. اللي يهمها جيرانها ومعارفها.. وهم يدرون
وهذي السالفة كلها
موضي أنهت حكايتها وهي تبتسم..
بينما راكان كان في غاية التأثر لأسباب عديدة..
همس بعمق: ومن وقتها تدرين وما قلتي لأحد؟؟
موضي بتلقائية: وليش أقول لأحد
يعني أنت تستر على بنت الناس وعيالها أجي أنا وأفضحك
راكان بهدوء آسر: تدرين إنش عظيمة يا موضي
موضي بخجل: وتدري إنك تستخدم ألفاظ فضفاضة زيادة عن اللزوم
راكان يبتسم: أنا ما أعرف أجامل ولا أنافق ولا أنفخ ريش ولا أمسح جوخ
بس جد موضي أحس كل الكلام ما يوفيش حقش علي
حفظتيني وحفظتي سري.. ولو كنتي كشفتيه ما كان عليش لوم
أنت كنتي بنت صغيرة.. والمنطق كان يقول إنش بتخافين وتبلغين أمش على الأقل
موضي تبتسم: ودام قلت لك سري.. ليش ما تقول لي سرك
دام إن السرين كلهم انتهوا
وسر بسر ونكون خالصين
راكان بحذر: أي سر؟؟
موضي بعذوبة: اللي كنت تحبها.. نفسي أعرفها بس
لو ما حبيت تقول براحتك.. أنا بس نفسي أعرف اللي قدرت على قلبك
اكفهر وجه راكان وهو يقول بهدوء: اسمحي لي موضي
أحب أحتفظ باسمها لنفسي
موضي شعرت بضيق ما..
عميق ربما.. حاد ربما.. اعتيادي ربما.. غير طبيعي ربما
مادام يرفض أن يخبرها باسمها مع أنه بات يعرف إن موضي هي موضع ثقة ولن تفشي له سرا
فهذا يعني أنه بقي لها شعور ما في قلبه
وأنها مازالت تتلحف بغشاء فؤاده في أحد الزوايا التي يحاول تناسيها
موضي حاولت رسم ابتسامة فاشلة على شفتيها : براحتك راكان.. أنا آسفة جد
راكان نظر لها بتعمن وهي تشيح بناظريها همس بهدوء: طالعيني موضي
موضي رفعت عينيها له.. وهو همس لها بثبات عذب: زعلتي صح؟؟
موضي ابتسمت بعذوبة مثقلة بالشجن: مازعلت والله العظيم.. يمكن تضايقت
أدري أنك كاشفني.. فما فيه داعي أنكر
ولا تقول لي ليه تضايقتي لأني ما أدري بالتحديد
يمكن أكون كرهت إنك مهوب قادر تأتمني على سرك
بينما احنا صرنا أصدقاء بالمعنى الفعلي
راكان ابتسم: واحنا فعلا أصدقاء وأكثر .. عمري ماحسيت بالراحة وأنا أتكلم مع حد مثل راحتي معش
بس بلاها تنبشين في ذا الموضوع يا موضي
موضي ابتسمت: خلاص راكان.. ما يهم.. خلك من حساسية النسوان
متى بنمشي بكرة؟؟
راكان بهدوء: بكرة إن شاء الله نتغدى .. وأسوي شيك آوت ونمشي
*****************************
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
مشاعل تجلس مع جدتها التي كانت تحادث ناصر في الهاتف
جدتها مدتها بالسماعة وهي تقول بحزم: هاش كلمي رجالش.. وأنا بأقوم أتوضأ أصلى الضحى
مشاعل كانت تشير لا.. ولكن جدتها حلفت عليها أن تكلمه
مشاعل تناولت السماعة بتردد وهي تكاد تذوب خجلا
همست بصوت خافت: ألو
ناصر تنهد بعمق وهمسها يصب في أعمق نقطة في قلبه.. رد بهدوء: هلا
مضت دقيقة صمت.. قطعها ناصر وهو يقول بحزم: وين المدرسة التي تبين تروحين لها؟؟
(رغم أنه كان يتمنى أن يقول لها:
اشتقت لك
بل أكاد أجن من شوقي
أما لهذا الهجر من آخر
أما لهذا العذاب من نهاية؟!!)
مشاعل تشعر أنها تختنق بكلماتها وهي تجيبه: اللي ورا بيتنا بشوي
(رغم أنها كانت تتمنى أن تقول له:
ألا تأتي لزيارة جدتي حتى
أراك لو من بعيد
أشعر بالاختناق بعيدا عن أنواءك
أشعر بالضياع بعيدا عن موانئك
أشعر أنني أذوي بعيدا عن شمسك وظلالك)
ناصر بهدوء: بس أنتي منتي بحاجة للشغل الخير واجد
مشاعل بحرج: الشغل حاجة نفسية قبل ما يكون مادية
ناصر بذات الهدوء: زين أنا بجي أوديش
مشاعل بجزع: لا ناصر لا.. يعني توهم عمي وأبي عندي البارحة يبوني أرجع وما رضيت.. اليوم أروح معك
ناصر ببرود: زين إنش فتحتي الموضوع بنفسش
ما تشوفين إنها كبيرة واجد تردين شيبان آل مشعل الكبار
على الأقل احشمي شيباتهم
مشاعل بألم: وأنت ما حشمتني قبلها
ناصر بغضب: وأنتي ما حشمتيني لا أول ولا تالي
مشاعل بألم عميق: ناصر مافيه داعي نفتح جروح بعض.. أنا عشان كذا ما أبي أرجع
كل واحد منا مجروح من الثاني.. أخاف عند أقل خلاف بيننا كل واحد يفتح للثاني الدفاتر القديمة
خلنا الحين في موضوع المدرسة
عندي مقابلة.. نص ساعة بس وأرجع..
ناصر يستعيد بروده: أنا أوديش.. أو مافيه روحة
مشاعل توترت بشدة.. ستكون المرة الأولى التي تركب معه في سيارته
وهما أمام الناس بينهما خلاف كبير
وبالفعل بينهما ما هو أكبر من مجرد خلاف
جرح عميق متجذر
همست بمناشدة عميقة: تكفى ناصر لا تعقدها
ناصر بعمق: أنتي عقدتيها قبلي
مشاعل تنهدت بعمق: بس توديني للمدرسة وترجعني بيت إبي
ناصر بغضب: لا تشرطين علي
مشاعل بخفوت: لا حول ولا قوة إلا بالله
خلاص ناصر هونت.. ما أبي المدرسة.. ولا أبي الوظيفة
ناصر بحزم: نص ساعة وأكون عندش.. ولو ما نزلتي لي.. طلعت لش
************************
الدوحة
سيتي سنتر
مشعل يلتفت للطيفة: انا آسف ياقلبي.. بس هذي أم علي ، فاتن الفرج
تعرفينها... تبي تجيب لي أوراق أوقعها.. يضايقش؟؟
شغلة دقيقتين بس
رغم أن لطيفة تجاوزت الإحساس بالضيق للغضب الفعلي لكنها همست بهدوء وهي تسيطر على غضبها:
خلاص خلنا نروح الكوفي.. وتجينا هناك.. مايصير توقعون الأوراق في الممرات
كان يدور تفكير ما في رأس لطيفة.. فهي تعلم أن تلك الحية الخبيثة لم تحضر إلا لتعلن وجودها أمامها
وهي مستعدة لها
مشعل ولطيفة توجها لريشو المقهى كان خاليا تماما
أخذا زاوية منعزلة ولطيفة تعطي ظهرها للمدخل ثم تهمس بهدوء: ممكن أحط نقابي مشعل؟؟
مشعل باستغراب: غريبة مهيب عوايدش
لطيفة بعفوية مصطنعة: أشوف الكوفي فاضي.. وبعدين أنت اللي وجهك للباب لو حد دخل نبهني
والجرسونات ناد لنا وحدة من البنات
مشعل بعفوية: براحتش
لطيفة قررت أن تلجأ لسلاح جمالها هذه المرة.. حتى تعلم هذه المتطفلة أن أم محمد ليست بالخصم السهل
ففاتن لم ترَ مطلقا وجه لطيفة.. ففي كل مرة كانت تراها بنقابها حتى في باريس
فإن كانت لا تعرف شخصيتها وكيف هي قادرة على احتواء زوجها
فعلى الأقل فلتريها أن الله أنعم عليها بنعمة الجمال التي تكفي لملء عين مشعل
حتى وإن كانت حقيقة لم تملأ عين مشعل إلا في الفترة الأخيرة فقط
لطيفة أخرجت مرآتها وتأكدت من شكلها ثم من ترتيب ابنتها
ومشعل يهمس لها بإعجاب: البنت وأمها كل وحدة تقول الزود عندي
لطيفة ابتسمت: مهيب واسعة شوي.. ضيقها عشان أصدق
مشعل يضحك: اللي يكذب يروح النار.. وأنتي وجودي أحلى من شافت عيني
وهو مستغرق في حديثه المرح مع لطيفة كانت فاتن تصل ومعها سكرتيرتها بعد أن أخبرها مشعل بمكانهما
اقتربت بهدوء وهي تسلم باحترام وذوق
لطيفة وقفت لها وهي تصافحها وترحب بها بدفء محترف
فاتن شعرت بصدمة حقيقية... فهي لم تتوقع أن زوجة مشعل قد تكون بهذا الجمال المبهر
ولكن انفعالها لم يظهر مطلقا على وجهها وهي تهتف بمهنية راقية:
جاكلين عطي أبو محمد الأوراق يوقعها ما نبي نخرب قعدته مع هله
فاتن بالنظرة الموضوعية الطبيعية.. ليست بالشخصية السيئة مطلقا.. فهي امرأة ناجحة وواثقة.. لها سمعتها الممتازة في السوق تعاملا مهنيا وأخلاقيا
ولكنها امرأة تعرف ماذا تريد تماما.. وتصل إليه
فهي تريد والدا قويا لابنها.. يربي ابنها كرجل حقيقي
وفي كل من عرفت من رجال.. كان مشعل هو الأنسب في نظرها
ولكن مشعلا لم ينتبه إليها.. أو ربما انتبه وادعى عدم الانتباه وحصر علاقته بها في العمل فقط
فاتن أخذت الأوراق بعد أن وقعها مشعل... وغادرت
ولطيفة تشعر بالارتياح العميق وهي تظن أنها ربحت المعركة
بينما المعركة لم تكن بدأت بعد.. بل هي على وشك الاندلاع
***************************
مركز طبي خاص/ الدوحة
أم فارس والعنود تجلسان أمام الطبيبة... أم فارس كانت شبه متأكدة أن العنود لابد حامل
ونقلت إحساسها للعنود وهي تسألها باهتمام وهما في الطريق عن آخر دورة شهرية
الاثنتان تشعران بتوجس سعيد مفعم بالأمل.. وخصوصا أم فارس التي نذرت حياتها لهذا الولد الوحيد.. لفارس
كم هي مشتاقة لرؤية صغاره.. أحفادها
بداخلها كم كبير من الحب ينتظرهم.. ينتظر وجووهم وأناملهم الصغيرة
تكاد تحلم الآن بملمس هذه الأنامل الزبدية بين يديها منذ الآن
تحلم بخطواتهم الأولى وأسنانهم الأولى وكلماتهم الأولى
تحلم برائحة فارس فيهم.. نظرة عينيه وابتسامة الرائعة
تتمنى أن يأخذوا من عبق روح والدهم وجمال أمهم..
مرجلة آل مشعل إن كانوا فتيانا.. آصالة عماتهن بالرضاعة إن كن فتيات
تريدهم أن يجمعوا كل الصفات المميزة.. تريدهم الأروع
أو ...
بالأحرى تريدهم كيف كانوا.. وكيف كان شكلهم
حتى وإن كانوا الأبشع بين الأطفال
يكفيها أنهم أبناء فارس
العنود كانت تشعر بتوجس مثير رقيق عذب
قطعة من فارس تنمو في أحشائها؟!!
تمازج روحيهما وخليط صفاتهما
هل سيشبه فارس؟؟ أم سيشبهها؟؟
هي تريده يشبه راكان إن كان فتى
وتشبه لطيفة إن كانت فتاة
يا الله لا تستطيع الصبر حتى يصبح جسده الصغير بين يديها وفي أحضانها
انتزع الاثنتان من أفكارهما صوت الطبيبة الهادئ:
نقص بي12 .. هو اللي مسبب الخمول واضطراب الدورة الشهرية
أم فارس شعرت بصدمة موجعة نسفت أبراج أحلامها
تعلم أنهما لم يتجاوزا شهرين بعد منذ زواجهما ومازال الوقت مبكرا
ولكنها كانت قد بنت أحلاما عريضة.. وانهيارها كان موجعا لها
همست أم فارس بخفوت بينما العنود غارقة في صدمتها الرقيقة: نعم؟؟
الطبيبة بذات الصوت الهادئ: البي12 عندها 300 والطبيعي من 450 ل900
تبي لها كورس علاج مكثف
10 إبر كل ابرة بقوة 500 يوم ورا يوم
وبعدين 4 ابرة بقوة 1000 مرة في الأسبوع
وبعدين من الأفضل تأخذ ابرة بقوة 1000 مرة كل شهر بشكل دوري
أم فارس باهتمام: والنقص هذا يأثر على الحمال؟؟
ابتسمت الطبيبة: لأ إن شاء الله
بس هالفيتامين أساسي في تكوين خلايا الدم الحمراء والحمض النووي
ومهم جدا أنه يكون في المستوى الطبيعي وقت الحمل عشان نضمن أطفال أصحاء خالين من التشوهات بإذن الله
الطبيبة استغرقت في كتابة الوصفة الطبية بينما كانت أم فارس تهمس للعنود بابتسامة وتقول لها كلام لا تقصده بحذافيره:
الشهر بداله شهور.. وانتو توكم معاريس وصغار.. استانسوا الحين ولاحقين على غثاء البزران
*********************************
واشنطن دي سي
بيت يوسف
باكينام تدخل البيت ويوسف يدخل قبلها يحمل حقيبتها وفي عينيه نظرة انتصار واضحة
باكينام صُدمت وفُجعت ويوسف يلقي الخبر على مسامعها
رتبت حقيبتها على عجل وهي تشعر بثقل المهمة على قلبها
وطوال الطريق وهي تتحاشى النظر إليه أو حتى محادثته
وهاهي تدخل بيته كأنها تُقاد إلى قبرها
همست وهي تتجاوز الباب بحرج حقيقي: وممكن أعرف أنّا وفيكتوريا جايين ليه؟؟ وإزاي ما يبلغونيش؟؟
يوسف بنبرة اعتيادية: شكلهم عاوزين يعملوها سربرايز
باكينام بتصميم: بس اسمعني أول ما يسافروا أنا هأرجع للسكن
يوسف بهدوء رغم التماع نظرة الخبث في عينيه: لما يسافرو يحلها الحلال
ثم أردف باهتمام: أنا ئلت لماريا تجهز لهم أوضة الضيوف اللي تحت
شوفي هي عملت إيه.. وعملت إيه للعشاء
عشان تباني ئدامهم إنك عارفة كل حاجة
وأنا رايح المطار أجيبهم
***************************
بيت جابر بن حمد
الصباح
أم حمد مريضة اليوم.. فهي باتت تمرض كثيرا الفترة الأخيرة
عالية من بقيت عندها اليوم.. وعلياء ومعالي توجهتا للمدرسة
حينما رن هاتف البيت سارعت لإلتقاطه فهي وشقيقتيها ينتظران اتصالا غاليا على قلوبهن منذ فترة
وكثيرا ما خاب ظنهن في المتصل حين لا يكون حمد الذي لم يتصل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع
الفتيات الثلاث يشعرن بحزن عميق وخوف أعمق
غياب حمد جعل والديهما يكبران كثيرا.. وخطوط الهم ترسم علامات غائرة على وجهيهما وروحيهما
لو حدث لوالديهما شيء وحمد غائب.. فمن لهن؟؟
إحساس ضياع يلف أرواحهن المراهقة القلقة
التقطت السماعة بتوتر وهي تهمس: الو
حين سمعت صوته الدافئ يهمس بمرح: أي وحدة في الغزلان الثلاثة أنتي؟؟
انهارت مشاعرها المثقلة
وانخرطت في بكاء حاد وهي تشهق بعنف
حمد شعر برعب كاسح وهو يصرخ: وش شفيش؟؟ حد منكم صار عليه شيء؟؟
عالية تشهق: لا والله كلنا طيبين.. بس اشتقنا لك.. تكفى حمد ارجع خلاص
تكفى
حمد برعب: عطيني أمي أكلمها.. أبي أتطمن عليها
عالية بتوتر وصوتها يهتز: أمي تعبانة شوي ومتمددة في غرفتها
حمد بغضب مختلط بالقلق والتوتر: عالية خلصيني.. أمي وش فيها؟؟
عالية بصدق وكلماتها تنثال بوجع: والله تعبانة شوي بس..وإن شاء الله إنها طيبة
أمي مشتاقة لك يا حمد.. حتى إبي مشتاق لك واجد ولا يبين
وأنا وخواتي
حمد حن مالنا غيرك.. لمتى وأنت مخلينا
حالتنا حالة عقبك
حمد شعر أن روحه تتمزق.. هتف لها بحزم: خلاص قولي لأمي وأبي إني راجع قريب.. قريب
↚
رجلان اثنان يجتاحهما شوقهما واحتياجهما لنصفهما الآخر
مثقلان بالأسى والأذى
ومصدران للأسى والأذى
يحتاجان لحيلة ما لخلق الحصار.. وإعادة الحوار
لِـمَ لا؟؟
كل شيء مباح في الحب والحرب
فكيف حينما يكون هو الحب المباح والمتاح والمحال؟!!!!!
**********
واشنطن
بيت يوسف
يوسف غادر البيت بعد أن وضع حقيبة باكينام في غرفته
وهاهي باكينام تصعد بخطوات مترددة
وصلت للغرفة.. جالت فيها بعينيها..
ليلة واحدة قضتها في هذه الغرفة
ليلة واحدة بذكريات قرن كامل.. ألما ووجعا ويأسا
ماذا وجدت من يوسف إلا الإهانة والتجريح ؟!!
كل ما يرتبط بيوسف يجرحها لأبعد حد
ويشجيها لأقصى حد
ويهزها بلا حد
اقتربت أكثر
قميصه ملقً على السرير..تناولته
قربته من أنفها وهي تستنشق رائحته بعمق
عبق رائحة يوسف!!!
احتضنت القميص وهي تشعر أن جروح قلبها لا تتوقف عن النزيف
فهل لهذا النزف من آخر؟!!
وهل لأوجاعها من نهاية؟!!
انتزعها من الموقف رنين هاتفها
انتفضت بعنف وهي تلتقطه..
تنهدت وهي ترد: خوفتيني يا بت يا هيا
هيا بمرح: بسم الله عليش.. وينش؟؟ أنا في السكن
ومشعل راح وخلاني
بتجين أو أتصل فيه يرجع علي
باكينام بحرج: أنا في بيت يوسف
هيا انفجرت ضاحكة: نعم.. نعم.. عيدي ما سمعت
باكينام بغيظ: بلاش عبط يا هيا.. أنا مش نئصاكي
هيا مازالت تضحك: لا جد جد.. قولي لي أشلون صادش يوسف وسحبش لبيته
ثم أردفت هيا بخبث: أو يمكن أنتي تبين تنصادين
باكينام بغيظ أكبر: بس يا عبيطة.. أنا صفية وستي فيكتوريا جايين لواشنطن
عاوزاهم يجوو يلائوني طافشة من بيت جوزي وأنا ماليش تلات أسابيع متجوزة
هيا بصدمة: جداتش كلهم جايين.. فيه اجتماع للامم المتحدة بيصير في واشنطن؟؟
باكينام تضحك باصطناع: زريفة أوي يا بت
ما تنسيش لازم تيجي تسلمي عليهم
هيا تبتسم: أكيد بدون ما تقولين.. خليهم الحين يرتاحون.. وبكرة بأخذ منش العنوان وأخلي مشعل يجيبني
*************************
بيت عبدالله بن مشعل
باحة البيت الأمامية
الساعة 9 صباحا
سيارة ناصر تتوقف في الباحة
ومشاعل تنزل بعباءتها ونقابها بخطوات مترددة ثقيلة
يغمرها طوفان من الخجل والارتباك............ والشوق
وقفت بجوار سيارة ناصر
ناصر أنزل الزجاج وهو يهمس بحزم: اركبي
مشاعل توجهت للباب الخلفي
ناصر بحزم أكبر: وين رايحة.. تراني ماني بسواقش.. رجالش يا مدام
مشاعل تنهدت وهي تتوجه للركوب جواره
ركبت بصمت ورائحة عطرها الرقيق تخترقه بكثافة
هي تعطرت بعفوية لأنها ذاهبة لنساء فقط
أو......
ربما تعطرت من أجل من تجلس جواره ويغتالها اشتياقها له؟!!!
ناصر تحرك وهو يهمس بهدوء: مافيه سلام حتى؟؟
مشاعل بخجل: السلام عليكم
ناصر بذات الهدوء الذي لا يُعلم ما خلفه: وعليكم السلام..
أشفيش زعلانة؟؟
مشاعل بخجل حقيقي: بصراحة محرجة ومستحية.. وش تبي هلي يقولون علي
أقول لهم ماني براجعة بيته.. ثم أروح معك وأرجع عليهم؟!!
ناصر بابتسامة جانبية وهما يصلان للمدرسة القريبة: محلولة يا بنت الحلال.. أنتي الحين خلصي مقابلتش
وأنا أتناش هنا
************************
واشنطن
بيت يوسف
باكينام استحمت ورتبت شعرها وتأنقت لأقصى حد
لا تعلم هل هي تتأنق أمام جدتيها لتظهر بمظهر العروس
أم تتأنق من أجله؟!!!
متوترة كثيرا
تعود لبيت يوسف.. وفي وجود جدتيها الدقيقتي الملاحظة
أي عذاب نفسي هذا؟!!!
نزلت للأسفل وهي تحمل زجاجة عطرها لتكون قريبة منها
توجهت للمطبخ
أشرق وجه ماريا بسعادة: أهلا بعروسنا الهاربة
باكينام تبتسم: أرجوكِ ماريا لا أريد أن تعلم جدتاي أنني لم أكن هنا
أنا هنا منذ اليوم الأول لوصولنا واشنطن
ماريا تبتسم: لا تخشي شيئا.. جو أخبرني وأخبر سانتياغو.. تأكدي أننا حريصان عليكما
ولكن أتمنى ألا تعاودي الهروب مرة أخرى
باكينام تبتسم: أخشى أني سأهرب فور عودة جدتيّ كلٌ لبلدها
ماريا بجزع: أرجوكِ لا تفعلي... جو كان غاية في الاكتئاب طيلة الأيام الماضية
أرجوك ابنتي لا تضغطي عليه أكثر.. فهو على وشك إنهاء دراسته
ويحتاج للتركيز.. وغيابك شتته تماما.. غالبا أدخل عليه لأجده مستغرقا في التفكير والحزن على محياه
باكينام شعرت بحزن شديد يخترم فؤادها.. لم تتوقع أن هذا المتوحش المدعو يوسف قد يتأثر من أجل غيابها
( وما أدراني أنه متأثر لغيابي
قد يكون تأثره لأي سبب آخر
فهو لا يحبني حتى يحزن لغيابي ويكتئب)
(وحتى وإن كان هناك سبب آخر لحزنه
أليس ذلك السبب يكفيه.. حتى آتي أنا لأزيد همه هما)
(لست أنا سبب همومه
بل هو السبب في كل شيء.. كل شيء)
***************************
الدوحة
سيارة ناصر
مشاعل أنهت مقابلتها وعادت لناصر الذي كان ينتظرها
ركبت بهدوء يخفي أعاصير قلبها
وناصر كان من تكلم: وش قالوا لش؟؟
مشاعل بهدوء: يبوني أدوام الأسبوع الجاي
ناصر بثبات : خير إن شاء الله
مشاعل همست بخجل.. وحزن ما يغمر فؤادها.. بالكاد رأته : خلاص رجعني
ناصر ابتسم وهما يقتربان من البيت: حاضرين
ولكنه بدل أن يدخل داخل سور بيت عمه عبدالله.. دخل إلى داخل بيت والده
مشاعل برعب: ناصر احنا ليش جايين هنا؟؟
ناصر بابتسامة شاسعة: بيتش يا قلبي
ناصر أصبح يعرف بجميع مخاوف مشاعل من لطيفة..
ولطيفة قررت مصارحة ناصر لأنها شعرت فعلا بعمق حبه لمشاعل ورغبته العميقة في عودتها إليه
وناصر يرى أن تأجيل حل المشكلة سيأزمها
وكلما تأجلت عودتها إليه.. ستجد أن العودة تصبح أصعب وأصعب
وخصوصا أنه حتى الكلام ماعادا يتكلمان سويا
لذا لابد أن يضع مشاعل أمام المدفع.. ويجبرها أن تراه وتعرفه كما هو حقيقة
ناصر بشخصيته الفعلية
ليس ناصر القاسي الذي عرفته بعد عودته من الإصابة
وليس شبح مخاوفها من تجارب شقيقتيها لطيفة وموضي
أن يداوي هو جروح قلبها النازف وهي بقربه
مشاعل بغضب: عيب عليك ناصر تكذب علي.. أنت قلت إنك بترجعني البيت
ناصر يلتفت لها وهو يبتسم: أنتي اللي لا تكذبين علي
أنا ماقلت نهائي إني بأرجعش لبيت عمي
مشاعل تعصر مخها تفكيرا وتذكرا لتجد جملة تدينها فيه..
ولكنه بالفعل لم يصرح أنه سيعيدها لبيت والدها بعد انتهاء مقابلتها
ورغم ذلك لم تنزل وهي تقول بغضب طفولي: ودني لبيت هلي أو بأروح بروحي
ناصر من بيت أسنانه: مشاعل انزلي قدامي.. أو بأجي لش أشلش وأنزلش
مشاعل بخوف: ماني بنازلة
ناصر نزل وهو يغلق بابه بصوت مسموع ..ويتجه لبابها ويفتحه.. قبل أن تنجح في محاولته المرتبكة لاغلاقه
وهو يشدها ليحملها فعليا
مشاعل صرخت بخفوت مرتعب: خلاص ناصر بأنزل بروحي لا تفضحني
مشاعل نزلت بخطوات مترددة: وين أروح؟؟
ناصر بحزم: داخل البيت
مشاعل بمناشدة: حرام عليك تفشلني كذا في هلك
ناصر بذات الحزم: البيت الحين فاضي.. يالله قدامي
مريم في الدوام.. وأمي وأبي رايحين الكَبرة..
مشاعل تتعثر في خطواتها وهي تفكر أنه حينما يرجع ناصر لعمله ستعود هي لبيت أهلها قبل أن ينتبه أحد
ولكن ناصر قطع عليها خط الرجعة وهو يقودها للأعلى ويتصل في ذات الوقت بوالده ووالدها ثم بجدته
ويبلغهم جميعا أن مشاعل عادت برضاها لبيتها المفترض
شعرت بيأس عميق أنه خطط لكل هذا..
تحبه ومشتاقة له ولكنها لا تريد العودة قبل شفاء جروح قلبها
ولا تريد العودة بهذه الطريقة الإجبارية
وصلا للأعلى
ناصر فتح لها باب إحدى الغرف
كانت غرفتان واسعتان مفتوحتين على بعضهما
ومأثثتان بذوق رفيع جدا
هما غرفته وغرفة راكان السابقتان.. بعد أن أستأذن راكان في هذا التبادل
وبدا هذا التبادل لراكان أكثر راحة مع فكرة الزواج الصوري السخيف المعقود بينه وبين موضي.. حتى يتلافى التمثيل أمام أهله
مشاعل دخلت بتردد وهي تقول بتوتر: زين وأغ****؟؟
ناصر يبتسم: كلها هنا من كم يوم.. لطيفة جابتها
مشاعل بعتب عميق: يعني متفقين علي
ناصر يقترب منها وهو يمسح بظهر سبابته على خدها ولكنها ابتعدت لتترك سبابته معلقة في الهواء
تنهد ناصر.. يعلم أن مهمته صعبة.. وكأنهما في معركة بين شد وجذب
همس لها بهدوء حازم: أنتي تبيني وإلا لا؟؟
صمتت مشاعل.. وردها واضح في صمتها
ناصر همس لها بحنان: وأنا أموت فيش... وش ذا العبط واحنا مسوين فيلم هندي
وكل واحد يعذب في الثاني
مشاعل بألم: بس فيه شيء في نفسي انكسر
ناصر بعمق: الكسر نجبره.. وهالمرة بكل صدق ماني بجابرش على شيء
بس خلش جنبي.. تعبت من بعدش
خلش هنا واعرفيني عدل لين تشوفين إنه أنتي مستعدة تبدين معي حياة جديدة ننسى فيها كل اللي فات
*************************
واشنطن
بيت يوسف
باكينام تنتظر بترقب وصول جدتيها.. مشتاقة لهما كثيرا
وروحها الممزقة تحتاجهما لجوارها
وقتها كانت سيارة يوسف تتوقف في الخارج
وهو يبتسم ويلتفت للعجوزين القويتين اللطيفتين الذكيتين
ويهمس بالعربية ثم بالانجليزية:
كما اتفقنا.. أنتما قادمتان لمفاجأة باكينام
لا أريدها أن تعلم أني من طلبت حضوركما حتى لا تغضب مني
فأنا رأيت أنها حزينة وتفتقدكما وأنتما تعلمان أن الفتيات يتأثرن في بداية الزواج لفراق أهلهن
لذا أردتها أن تشعر أنكما تفكران بها.. كما هي تفكر بكما
العجوزان تبادلتا النظرات الخاصة
فهما منذ وجودهما في القاهرة معا وكانت فيكتوريا تستعد للعودة لبريطانيا
ووصلهما اتصال يوسف مع هذه الحكاية اللطيفة المحبوكة عن الزوج المحب المهتم بعروسه
وهما تعلمان أن هناك ماهو أكبر بكثير
وخصوصا مع استعجال يوسف وتوظيفه لمعارفه حتى ينجز لأنا صفية فيزا الدخول لأمريكا لأن فيكتوريا بجنسيتها البريطانية لا تحتاج لفيزا
لذا قررت الاثنتان الحضور وبرأس كل منهما ذات التفكير
"ما بها باكينام؟؟؟"
ما أن دخلت العجوزان حتى قفزت باكينام لترتمي في أحضانهما وهي تنخرط في بكاء جنائزي حاد موجع
الجدتان ويوسف معهما انصدموا جميعا بل فُجعوا.. فبكينام القوية كانت تشهق بشكل مأساوي
يوسف شعر بالتمزق وهو يتمنى أن ينتزع باكينام من أحضان جدتيها ليزرعها في أحضانه هو..
لم يتخيل أنه قد يرى هذه الأنثى الاستثنائية القوية تبكي يوما
باكينام نفسها لم تتوقع أنها قد تبكي
ولكنها مرهقة.. مرهقة تماما
موجوعة.. ومجروحة.. ورؤيتها لجدتيها فجرت كل أوجاعها
الجدتان تبادلتا النظرات ثم نظرتا ليوسف بعتب عميق وكأنهما تحملانه ألم صغيرتهما
صفية همست بحزم: بس بت باكينام.. دموع لا
وفيكتوريا تهمس بحزم مشابه: الدموع للضعفاء وأنتِ لستِ ضعيفة
باكينام تشعر بالألم..
وتريد أن تكون ضعيفة..
وتريد من يحتوي ضعفها ووجعها وانهزام روحها
ولكنها لابد أن تبدو قوية أمامهما.. مسحت وجهها وهي تبتسم:
أنا اشتقت لكما فقط
.
وحشتيني آوي يا أنّا
حينها يوسف اقترب ووضع يده على كتفيها.. انتفضت بعنف وذهول وهي تشعر بثقل ذراعه ودفئها على كتفيها
ثم شعرت بقشعريرة باردة وهو يهمس في أذنها بدفء عميق:
البكا مش عيب... سيبك من جنان الاتراك والايرلنديين
احنا عرب وعندنا مشاعر سخنة مش عندهم
باكينام التفتت له بعينيها الغائمتين التي غرزت حزنا غائما في روحه
ولكنه التفت للعجوزين وذراعه مازالت على كتفي باكينام وهو يقربها منه ويبتسم:
كده تزعلوا عروستي وتخلوها تعيط
أنّا صفية من أجابت بحزم: أديك ئلتها.. عروستك
لأنه بنتنا ما بتعيطش
يوسف طبع قبلة على شعر باكينام وهو يأخذ نفسا عميقا رغم أنه حاول أن يجعل قبلته عفوية وهو يهمس بمرح:
أحلى عروسة.. ربنا ما يحرمنيش منها
باكينام مازالت مذهولة.. ماذا يخطط هذا اليوسف؟؟
ربما يريد فقط أن يبدوا عريسين طبيعيين أمام جدتيها
ربما!!!
باكينام أعادت الترحيب بجدتيها بحرارة وهي تريهما غرفتهما ليبدلا ملابسهما استعدادا للعشاء
ثم عادت ليوسف وهي تهمس له بغضب: ممكن أعرف إيه لزمة التمسيل ده؟؟
يوسف جلس وهو يرد عليها ببرود: أديكي ئلتيها.. تمسيل
عاوزاني أديكي ألمين مسلا عشان تنبسطي
باكينام بغضب: أنته مخلوء غير مهيأ للتفاهم الإنساني خالص
يوسف يرفع حاجبا وينزل الآخر: سبنا التفاهم الإنساني والنفسي ليكي
ما أنتي خبيرة في التفاهم الإنساني... والنفسي خصوصا
باكينام شعرت بألم إهانة حاد لأنها فهمت أنه يعرض بعلاقتها المفترضة مع حمد
ويوسف تنهد وهو يشعر بألم عميق.. يبدو أن كل محاولاته للتناسي باءت بالفشل مع أول حوار بينهما
سيبقى شكه فيها حاضرا كوحش مرعب يقف بينهما
لا يستطيع أن ينسى بل يستحيل مادامت هي لم تبرر له شيئا.. ولم تدافع عن نفسها
وهاهو الحائط يزداد ارتفاعا بينهما
والجرح يزداد تعمقا
مضت فترة العشاء على خير
الجدتان أشعلتا أبراج المراقبة وهما تتفحصان علاقة باكينام بيوسف
ويوسف علم أنه لعب لعبة خطرة بإحضار العجوزين
فلو علمتا أن باكينام غاضبة منه فهو يعلم أنهما ستقفان في صفها وقد يجبرانه على تركها
ولكن كان احضارهما حله الوحيد لإجبار باكينام على العودة إلى حياته
يعلم أنه يلعب بالنار.. ولكنه سيستخدم كل ذكائه لإكمال اللعبة
باكينام لن تخرج من سجنه..
يشك بها!!.. يحتقرها!!.. ولكنه يريدها!!
ومجنون بها
باكينام حاولت أن تبدو طبيعية جدا أمام جدتيها وأنها سعيدة مع يوسف وتحبه
رغم أنها أبعد ما تكون عن الطبيعية والسعادة
ولكن ماذا عن الحب؟؟
نعم.. تحبه
في هذا لم تكذب ولم تمثل..
انتهى العشاء
والعجوزان استأذنتا للراحة والنوم فهما متعبتان من الرحلة الطويلة
تبقى يوسف وباكينام.. يطوف حولهما جو مشحون تماما
حرب نظرات صامتة مشتعلة تستعر بينهما
وكانت باكينام من أنهت هذه الحرب
حين نهضت وتوجهت للأعلى تريد الهرب من أمامه
تخشى فتح حوار ينتهي بتجريحه لها
يوسف كان يريد التحجج بإطروحته ليتركها
ولكنه لم يستطع تركها تغيب عن عينيه
فهو لم يرتوي من النظر إلى محياها العذب بعد
تبعها للأعلى
فور وصولهما.. التفتت له وهي تقول بحدة: إياك تفكر تلمسني
اقترب منها يوسف بهدوء وهو يثبت عينيه على عينيها ويهمس ببرود:
لو فكرت ألمسك دا حئ من أبسط حئوئي.. وأنتي مالكيش حئ تمنعيني
باكينام تتنهد بعمق: أنا عاوزة أعرف انته ليه بتكون كويس لحد ما توصل عندي وكل البشاعة اللي فيك بتطلعها فيا
اقترب منها أكثر
واحتضن وجهها بين كفيه وهمس لها من قرب بدفء حقيقي عميق:
وحشتيني
باكينام شعرت بالتبعثر ودفء صوته يتسلل لروحها
وأحرف كلمة (وحشتيني) تخترقها بكل العنفوان
ولكنها همست بألم: وحشتك بأي معنى؟؟
وحشتك كروح بتنبسط بإهانتها؟؟
أو وحشتك كجسد رخيص للاستهلاك الحيواني؟؟
يوسف تنهد بعمق وهو يشدها ليدفنها بكل قوته بين أضلاعه:
باكينام أنتي ما بتتعبيش من الحرب؟!!!
هدنة ادينا هدنة
سيبك من وحشيتي
وسيبك من غرورك
وادينا هدنة..
وحشتيني وخلاص.. ليه عاوزة تخربي كل احساس جميل بيننا
↚
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل الجديدة
بعد صلاة الظهر وقبل الغداء
مشاعل متوترة جدا.. تعلم أن ناصر على وصول
بعد أن غادرها صباحا وعاد لعمله
تشعر بخجل كاسح
لم تتحرك من الغرفة مطلقا ولا تستطيع وضع عينيها في عيني أي أحد من أهل البيت
طرقات رقيقة على الباب
مشاعل بخجل: من؟؟
من خلف الباب بصوتها الهادئ: مريم
مشاعل قفزت لتفتح الباب بسرعة رغم أنه مفتوح ولكن احتراما لمريم ومكانتها عندها
سلمت على مريم.. ومريم احتضنتها بحنو وهي تهمس بترحيب حقيقي دافئ:
تو ما نور بيتنا.. حتى لو أنا ما شفت النور بس حاسه فيه
إن شاء الله عجبش مكانش الجديد؟؟
مشاعل بخجل: الحمدلله فديتش..كل شيء زين
مريم بحنان: زين انزلي تغدي معنا أنا وأمي
مشاعل بحرج وصدق: بصراحة مستحية يا مريم.. منحرجة أحط عيني في عين عمي وإلا أمي أم مشعل
مريم بهدوء عذب: اسمعيني مشاعل.. هونها وتهون
يعني إذا أنتي كبرتيها تكبر.. وإذا أنتي صغرتيها تصغر
يعني دامش بتحطين السالفة كبيرة وانش منحرجة.. بتخلين ابي وامي يلاحظون انه فيه فعلا شيء كبير
بينما لو نزلتي عادي وتعاملتي مع الوضع عادي.. بتحسسينهم إن الموضوع بسيط
واللي صار بينش وبين ناصر مجرد خلاف عادي مثل اللي يصير بين كل المتزوجين
مشاعل ابتسمت برقة: خلاص مريم ألبس وأنزل..
مريم نزلت
ومشاعل انشغلت في تغيير ملابسها والتأنق
وهي أمام المرآة دخل ناصر
توترت
سلم.. ردت عليه بتوتر
ناصر ابتسم دون أن يقترب منها رغم أن شوقه لها يغتاله ويهزه بعنف:
مايصير كل ما تشوفيني كنش شايفة جني
مشاعل ابتسمت: عطني وقت لين أتعود..
ناصر وهو يتجه للدولاب: زين أنا بأبدل.. وبأتغدى في المجلس
وعقبه بأرجع للشغل عندنا مؤتمر.. وماني براجع إلا في الليل
مشاعل باهتمام: مهوب تعب عليك؟؟
ناصر بمرح: خلش تخلصين من غثاي اليوم
************************
الدوحة
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
بعد الغداء
فارس يفتح الباب بهدوء فهو أصبح يعرف بخيبة أمل العنود اليوم بعد انتهاء فحوصها.. ومن ناحية أخرى هو قلق عليها وعلى إرهاقها
ويشعر أنه قد يكون أرهقها بكثرة التنقلات والتحركات والجولات حينما كانا في تركيا
تطوف دائما في مخيلته بعذوبتها ورقتها وأنوثتها المصفاة
وكأنها قد تنكسر من شدة رقتها ولكنها تفاجئه دائما بقوتها الشفافة
دخل بخطوات ثابتة هادئة
كانت تتمدد على سريرها.. حين رأته جلست وهي تبتسم له ابتسامتها التي تأسره وتأسر روحه على أطراف شفتيها
جلس جوارها وهو يهمس لها بحنان: سلامات ياقلبي
ابتسمت العنود: مافيني إلا العافية
ثم أردفت بنبرة حزن: ولو أني تأملت إنه يكون فيه شيء ثاني
فارس شدها برقة واحتضنها وهمس في أذنها بعمق: ياقلبي تو الناس
على ويش مستعجلة؟؟ تبين حد يشغلش عني يعني؟؟
العنود رفعت رأسها عن صدره وهي تهمس بضعف: يعني جد منت بمتضايق؟؟
نهض فارس ليبدل ملابسه وهو يهمس لها بصدق شاسع ووله مصفى:
إذا قدش جنبي.. ما أبي من الدنيا شيء
ثم أردف باهتمام:
المهم الحين تواضبين على كورس علاجش..
أنا اتصلت في المركز وحطيت مواعيدش كلها المسا... عشان أنا اللي أوديش
**************************
دبي
وقت الغداء
مدينة جميرا
راكان وموضي أنهيا غداءهما وهاهما يجلسان على إطلالة رائعة من إطلالات مدينة جميرا
راكان بهدوء فخم: موضي ترا ناصر أستاذني يبي يأخذ هو غرفتنا واحنا نأخذ قمسه
وأنا رخصت له.. أتمنى ما يكون عندش مانع
موضي توترت نوعا ما.. وجودها معه في مكان منفرد.. أعاد لها ذكريات انفراد حمد بها وهي تصرخ دون أمل في أن ينقذها أحد من براثنه
ولكن رقته الفخمة وهو يقول (غرفتنا) رغم أنها لم تكن يوما غرفتها.. أذابت شيئا ما في روحها بعفوية غضة
موضي ابتسمت: أفا عليك راكان.. وهو عقب كلامك كلام.. أو تظن إني بارادك في شيء أنت عطيته..
راكان يبتسم لها بدفء: على العموم قسم ناصر أحسن..
والشيء الثاني أنا عقب رجعتنا للدوحة بشوي مسافر لسنغافورة عندنا بطولة آسيا للرماية
تقدرين تروحين بيت هلش لو حبيتي لين أرجع
شعرت موضي بما يشبه إحساس ضياع موجع.. فهي طوال أكثر من أسبوع كانت ملتصقة به كظله
فكيف ستتوازن بعد سفره؟!!
هزت رأسها وهي تهرب من أسر أفكارها.. لتبتسم وتهمس له برقة:
إن شاء الله الذهبية ذا المرة
راكان ضحك: يعني تذكريني إني و لا مرة خذت ذهبية أولمبية
موضي تبتسم: بس خذت أكثر من ذهبية محلية وخليجية وعربية
فما فيه داعي للتواضع على غير سنع
راكان يبتسم: بس ذهبية القارة غير
موضي تعاود الابتسام: بس خذت فضية وبرونزية قبل كم سنة في الدورة اللي فاتت... لا تصير طماع
راكان يعاود الضحك: ماشاء الله عليش.. حافظة ميدالياتي أكثر مني
موضي تضحك بخفوت عذب: في هذي لا تصير مغرور.. لاني حافظة ميداليات ناصر بعد
ماعندنا أبطال غيرك أنت وياه
راكان بعمق: ادعي لي ذا المرة أجيب الذهبية..
كل مرة أكون قريب.. قريب.. يصير في الأخير اللي يخرب علي
أحس أحيانا كأنه الفرح كثير علي
موضي بجزع: تكفى راكان ما تقول كذا.. قلبي عورني مع كلمتك والله العظيم
راكان ابتسم: بس أكيد الحظ ابتسم لي يوم بعث لي ربي خوي سفر مثلش
موضي بحزن شفاف: شكرا على المجاملة.. ولو أنك ما ضبطتها
*****************************
واشنطن دي سي
بيت يوسف
قبل الظهر بقليل
باكينام فتحت عينيها بكسل
مازالت لم تستوعب مكانها
وهي تظن أن أحداث الأمس كلها ليست سوى حلم طويل مليء بالهلوسات
رائحة عطر رجالي فخم تحيط بها
فتحت عينيها لتجد رأسها على صدر يوسف
انتفضت وهي تقفز مبتعدة بجزع
نظرت من بعيد ليوسف المستغرق في نومه
فهما لم يناما حتى صليا الفجر
مثقلان بالجرح والحب
تنهدت باكينام بعمق
(أي كابوس جميل هذا؟!!
كابوس وجميل؟؟!!
أي تناقض تسقيني إياه يا يوسف؟!!)
غيرت ملابسها
وارتدت فستانا زهريا لمنتصف ساقيها
ماسكرا بلون أخضر داكن.. وبعضا من ملمع شفاه زهري
لتبدو طلتها كزهرة صباح مشبعة بالندى
نزلت وهي تشعر بخجل عميق من جدتيها لأنها تأخرت في النوم
لابد أنهما صحتا منذ وقت مبكر
وبالفعل كانت الجدتان تجلسان في الأسفل بالقرب من المدفأة الحجرية
ويرتشفان قهوة ساخنة أعدتها لهما ماريا
فمازال الجو شديد البرودة في واشنطن مع أواخر شهر فبراير
ولكن البيوت غالبا مدفأة بتدفئة مركزية كما هو حال بيت يوسف
ولكن الجدتين أرادتا الاستمتاع بدفء أكبر قرب النار
باكينام تنهدت وهي تسلم بمرح:
صباح الخير لأحلى جدتين على الكرة الأرضية
كل جمل باكينام تقولها مرتين بالعربية مرة وبالانجليزية مرة أخرى
الجدتان نظرتا لها بتفحص.. وكأنهما تريدان سبر أغوارها
صفية ابتسمت: صباح نادي يا عروسة
وشك زي ورد النهاردة
مش زي امبارح دبلان وتعبان
حتى وانتي حاطة مكياج امبارح كان باين تعبان
بس دلوئتي زي ئمر
كحت باكينام بحرج..
أ يكون لقرب يوسف هذا التأثير الواضح عليها حتى في شكلها؟!!
روحها تتفتح كزهرة نيسان في قربه
ووجهها يشرق في حضرته
وكأنها زهرة عباد الشمس التي تتجه للشمس
ويوسف هو شمسها التي تمدها بالإشراق والحياة
فيكتوريا أشارت لها أن تجلس جوارها
جلست بجوار فيكتوريا التي احتضنت كتفيها وهمست لها:
كيف هو جو معكِ؟؟
هل أنت سعيدة معه؟؟
ابتسمت باكينام وهي تجيبها بصدق: أحبه
ابتسمت فيكتوريا: لا تلاعبيني يا فتاة
فحبك له واضح حتى لمن لا عينان له
لم أسألك إن كنت تحبينه
سألتكِ هل أنتِ سعيدة معه؟؟
عاودت باكينام الإبتسام: سعيدة
فيكتوريا تنهدت: سأكتفي اليوم بإجابتك الأولى لأنها أكثر صدقا
صفية همست بتقطيب: مالك بتتساسري أنتي وأنتك الخوجاية؟؟
باكينام ابتسمت: انتو مش بئيتو صحاب خلاص؟؟
صفية تبتسم: آه صحاب ولا حد فينا فاهم التاني.. بنتكلم بالإشارة
باكينام بحماس: اليوم هألف بيكم واشنطن كلها.. حتى البيت الأبيض هأخليكم تزوروه (ذات الجملة أعادتها بالانجليزية)
فيكتوريا تبتسم: زرت واشنطن عدة مرات مع ويليام
باكينام تبتسم: رأيتي واشنطن بعين ويليام.. اليوم ترينها بعيني
وهما في حواراتهن.. رن هاتف باكينام.. كانت هيا
باكينام بمرح: اهلا يا هيا
هيا برقة: هلا فيش.. عطيني عنوانكم
بأصلي الظهر وبأجيكم
وتراني بأجيب غداكم معي
باكينام بحرج: ايه تجيبي غدا معاكي؟؟ مالوش لزمة
هيا تبتسم: عيب عليش.. انتي شبعتي عندي اكل خليجي
خليني أذوق جداتش ويوسف
وعلى فكرة ترا مشعل بيجي معي يتعرف على يوسف
فحطي في بالش تجهزين لهم مكان بعيد عنا
باكينام بترحيب حقيقي: اهلا وسهلا فيكي وفي الدكتور مشعل
ويوسف هينبسط كتير انو يتعرف عليه
(قالت هذه الجملة وهي لا تعلم حقيقة هل يوسف يرحب أو لأ)
جهزت مكتب يوسف لاستقبال مشعل ثم صعدت لتصلي الظهر ولتخبر يوسف
حين دخلت
كان يوسف يتوضأ للذهاب للمسجد
خرج.. نظر لها بتمعن.. وعيناه تمسحان إطلالتها التي تعذبه
همس بنصف ابتسامة: الحلاوة دي كلها عشان أنّا وفيكتوريا؟؟
باكينام بتوتر غير مفهوم: تئدر تئول كده؟؟
كان يرتدي ملابسه وهي تدور في الغرفة.. وواضح تماما أنها تريد أن تقول شيئا
يوسف كان يتناول جاكيته وهو يهمس لها بهدوء: فيه إيه باكي؟؟
باكينام بتردد: صاحبتي هيا جايه تزورني وتسلم على ستاتي
وجوزها جاي معاها يتعرف عليك
هو طالب دكتوراة وهيخلص ئريب زيك تمام
ممكن تكون كويس معاه؟؟
يوسف نظر لها باستغراب: أنتي فكراني همجي بجد وإلا إيه؟؟
الراجل جاي لحد بيتي.. دنا أحطه فوء دماغي.. مش عشانك.. لكن عشانه ضيفي أنا
ثم أردف بضيق وهو يعطيها ظهره ويحكم إغلاق سحاب الجاكيت
و يخطر له خاطر مؤذٍ: وإلا تكوني فاكرة إني هاشوف في كل راجل خليجي صورة غريم يفكرني بحبيب الئلب؟!!
تنهدت باكينام بألم عميق.. وهي تسحب أنفاسها بألم أكبر
هذه المرة الإهانة كانت حادة.. حادة.. موجعة لأبعد حد
(لماذا يوسف؟؟ لماذا تستمتع بتعذيبي وأذيتي لهذا الحد؟!!
ماذا فعلت لك لأستحق منك هذا التجريح؟!!
هل تعلم يوسف
لست نادمة أبدا أني لم أخبرك الحقيقة
لست نادمة
أنت تستحق كل الألم الذي تعيشه
فمهما كان ألمك
فهو ليس بمقدار ألمي
احترق يوسف.. احترق أكثر.. وأكثر)
باكينام ردت عليه ببرود رغم أنها تغلي في داخلها:
تعرف أنك أحقر راجل على وش الأرض
مادمت بتشك فيني وتحتقرني.. متمسك فيا ليه؟؟
بتئربني منك ليه؟؟ بتتنازل تلمسني ليه؟؟
اعتئني.. اعتئني.. وارتاح مني
يوسف يمسك ذراعها ويشدها إليه وهو يهمس من بين أسنانه:
ولا تحلمي في يوم إني ممكن أسيبك تبعدي عني
أنا وأنتي خلاص اتربطنا ببعض
والحاجة التانية أوعي تطولي لسانك عليا مرة تانية
ثم أفلتها وهي تدعك ذراعها الذي يألمها
تنهد بعمق وهو يغادر للصلاة ويهمس لها: ضيوفك هم ضيوفي
ما تخافيش مش هأحرجك بهمجيتي
**************************
بيت محمد بن مشعل
بعد المغرب
جمعة عائلية نسائية بمناسبة عودة مشاعل وإن كان أحدا لم يصرح بأن هذا هو السبب حتى لا يحرجن مشاعل المحرجة أصلا
أم مشعل هتفت بصوت عال: يا جماعة ترا راكان وموضي بيوصلون بكرة في الليل
وإن شاء الله بسوي لموضي عشاء كبير بعد بكرة.. عشان كن البنيات يبون يتجهزون
معالي كانت أول من تكلم وهي تقول بحماس مفتعل وإن بدا للكل حقيقيا:
الله يهداش خالتي توش تقولين
يا الله إن شاء الله بكرة يكفينا نتجهز
معالي سارعت للكلام حتى تصرف الانتباه عن وجه والدتها وشقيقتيها اللاتي غمرهن حزن شفاف
فمازال موضوع زواج موضي من راكان يسبب الألم لهن وخصوصا مع معرفتهن أن حمد سيعود قريبا
تعلمن أنها ماعادت تحل لحمد حتى ولو لم تكن تزوجت.. ولكنهن يعلمن أيضا أن هذا لن يمنع حمد من الشعور بالحزن العميق
فهن كن يعلمن تماما ولعه الجنوني بموضي وحبه اللا محدود لها..
الجدة ردت على معالي وهي تنهرها: قصري حسش يا بنت.. وش ذا الفلاج؟؟
ماتعرفين السحا؟!!
معالي جلست جوار جدتها وهي تحتضن ذراعها وتقبل كتفها: كذا يا هويه
تفشلين بنتش المزيونة
الجدة ابتسمت وهي تقرص ذراع معالي: أما مزيونة وتفشلت.. فكثري منها يأمش
معالي تدعك القرصة: وأنا أقول أمي من وين متعلمة تقبص كذا.. أثرها خذت كورس عند الرأس الكبيرة
الجدة بخبث لطيف: أمش كانت قبصتها غير.. أنتو يا بنات ذا الزمن مدلعات
لو أقبصش مثل ما كنت أقبص أمش.. كان فضحتينا بصياحش
زاوية أخرى
العنود تجلس بجوار مريم
مريم بحنان: سلامتش ياقلبي.. كله من اهمالش لأكلش الله يهداش
العنود تبتسم: لا تسوين لي مثل فارس..كل كبدي من كثر ما يوصيني: كلي كلي.. هذا أنا بأخذ الأبر وأصير أحسن
مريم بتساءل حذر حنون: مبسوطة مع فارس؟؟
العنود بصدق: مبسوطة فوق ما تتخيلين.. فارس إذا كان رايق يجنن يجنن فديته
الله يبعد عنا بس عصبيته وغيرته ويكون كل شيء تمام
مريم تبتسم وهي تحتضن كف العنود: وأنتي لا تسوين شيء يخليه يعصب وإلا يغير ويكون كل شيء تمام
زاوية ثالثة
لطيفة ومشاعل
مشاعل بعتب: كذا يا لطيفة تتفقين مع ناصر علي
لطيفة تبتسم: أبي أسوي فيش خير.. شوفي حتى لو سويتي روحش زعلانة
أدري أنش مبسوطة.. شوفي عيونش أشلون تلمع
مشاعل كحت بحرج
ولطيفة تكمل بذات الابتسامة: أنتي على قولت عجايزنا "اغصبني واتغيصب"
مشاعل بصدمة وخجل: أنا؟؟
لطيفة تضحك: ميشو مهوب علي... أنا مربيتش يا بنت
خلي التمنان والدلع لناصر مهوب لي
يا بنت الحلال تدلعي عليه وأنتي عنده... خلونا من غرام المراسلة الفاشل
ولا تطولين الدلع.. أنا مشتاقة لبيبي صغنون ألاعبه
وجودي شبعت من الدلال.. خل يجي ولد عمها وخالتها ويخرب عليها
مشاعل شرقت وكلماتها تخرج متناثرة بصوت خافت مكتوم:
لطيفة أنتي شكلش كبرتي وخرفتي
***********************
دبي
جناح راكان وموضي
بعد صلاة العشاء
عاد الاثنان للفندق ليصليا ويغيرا ملابسهما ليعاودا الخروج للعشاء خارجا
ثم يتمشيان قليلا على الخور
فالليلة ليلتهما الأخيرة في دبي
موضي كانت تصلي في الغرفة بينما راكان ذهب للمسجد
حينما انتهت كان راكان يعود
همس لها بهدوء: أنا بأخذ شاور على ما تلبسين
موضي توجهت للمرآة وهي تتناول كريما من حقيبتها
فتحت أزارار قميصها وهي تكشف عن كتفها الأيسر
كانت تتأمل الأثر الواضح بألم شاسع
مهما حاولت التناسي.. لا تستطيع أن تنسى
الطبيبة أخبرتها أن لون الأثر سيخف مع الوقت ومع العلاج
ولكنه لا يخف.. والجرح بروحها يتعمق
(إلى متى ؟؟
إلى متى وهذا الوجع يستوطن روحي وشراييني؟!!
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنسى فيه كل هذا.. وأحلق
أحلق
أحلق حتى حد النجوم.. وأداعب وجنات القمر
متى أعود كما كنت؟؟
مخلوق معجون بالحياة والإشراق والتألق
روح محلقة
محلقة
محلقة!!)
تنهدت وهي تعود من أفكارها
ومدت يدها للكريم لتأخذ منه بعض النقاط لتمدها على الأثر
ولكن قبل أن تصل للعلبة التي وضعتها على التسريحة
فُجعت بيد قوية تمسك بمعصمها
وصوته يصلها هادرا عميقا موجعا: لفي خليني أشوف كتفش
↚
دبي
جناح راكان وموضي
بعد صلاة العشاء
عاد الاثنان للفندق ليصليا ويغيرا ملابسهما ليعاودا الخروج للعشاء خارجا
ثم يتمشيان قليلا على الخور
فالليلة ليلتهما الأخيرة في دبي
موضي كانت تصلي في الغرفة بينما راكان ذهب للمسجد
حينما انتهت كان راكان يعود
همس لها بهدوء: أنا بأخذ شاور على ما تلبسين
موضي توجهت للمرآة وهي تتناول كريما من حقيبتها
فتحت أزارار قميصها وهي تكشف عن كتفها الأيسر
كانت تتأمل الأثر الواضح بألم شاسع
مهما حاولت التناسي.. لا تستطيع أن تنسى
الطبيبة أخبرتها أن لون الأثر سيخف مع الوقت ومع العلاج
ولكنه لا يخف.. والجرح بروحها يتعمق
(إلى متى ؟؟
إلى متى وهذا الوجع يستوطن روحي وشراييني؟!!
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنسى فيه كل هذا.. وأحلق
أحلق
أحلق حتى حد النجوم.. وأداعب وجنات القمر
متى أعود كما كنت؟؟
مخلوق معجون بالحياة والإشراق والتألق
روح محلقة
محلقة
محلقة!!)
تنهدت وهي تعود من أفكارها
ومدت يدها للكريم لتأخذ منه بعض النقاط لتمدها على الأثر
ولكن قبل أن تصل للعلبة التي وضعتها على التسريحة
فُجعت بيد قوية تمسك بمعصمها
وصوته يصلها هادرا عميقا موجعا: لفي خليني أشوف كتفش
موضي انتفضت برعب وهي تحاول شد طرف قميصها لتستر كتفها العاري عن نظرات راكان الغامضة العميقة والموجعة
كانت نظراته خليط من غضب ويأس وألم مر.. ومشاعر أخرى عميقة ومجهولة
(الله يأخذني.. الله يأخذني
أشلون ما انتبهت إنه طلع من الحمام
وهو ليش طلع بسرعة كذا؟!!)
كانت تنظر له برعب موجع وهو يقف أمامها عار الصدر إلا من ضمادة كتفه التي أصبحت أصغر حجما بعد تحسن حالته
وهو يقيد يديها الاثنتين ليمنعها من محاولة تغطية كتفها
ويهمس لها بعمق غاضب ناري مختلف لأبعد حد اشتعالا وعمقا:
منه؟؟ صح؟؟
صمتت وعيناها تغرقان في بحر من الدموع.. دموعها نحرت روحه وهي تهمس برجاء موجع :
تكفى راكان.. هدني
راكان أطلق أسار يديها مجبرا من أجل رجائها الذي لم يستطع رده
وسارعت لاغلاق أزرار قميصها حتى آخر عنقها
كانت تريد الهرب من أمامه ولكنه لم يمنحها الفرصة وهو يثبتها في مكانها و يحكم إمساك عضديها بقوة
كانت تنظر للأسفل ووجهها غارق في دموعها الصامتة
همس لها بعمق: موضي طالعيني
لم تستطع رفع عينيها إليه.. شدها وأجلسها على السرير وجلس جوارها
مد سبابته لذقنها ورفع وجهها برقة..
همس لها بألم لم يستطع إخفاءه: ليش تبكين؟؟
وهمست له بألم لم تحاول إخفاءه: وأنت ليش طلعت من الحمام بسرعة؟؟
راكان تنهد بعمق: رغم أن هذا مهوب جواب..
بس طلعت لأني نسيت أجيب ضمادة عشان أغير هذي إذا تسبحت..(قالها وهو يشير لضمادته)
راكان رغم تحكمه الكبير بأعصابه.. إلا أنه كان يعاني غضبا صاخبا يثور في أعماقه كالبراكين
كانت حمم غضبه تتدفق في موجات متتالية
بكاءها وانكسارها ووجيعتها جعلته مستعدا حتى للقتل حتى يمحي نظراتها المبللة بالدموع
راكان مد يده لأزرار قميصها ليفتحه وهو يهمس بعمقه الخاص الذي لا يشبه أحدا سواه:
خليني أشوف يا موضي
موضي قفزت مبتعدة وهي تضم جيبها بيدها الاثنتين
راكان وقف في طريقها ليمنعها من الهروب للمرة الثانية
همس لها بذات العمق الموجع: موضي ليش تعقدين نفسش على شيء ما يستاهل؟!!
عشان أثر بسيط في كتفش؟؟!!
هذا أنا عندي أثر أقوى في كتفي
(قالها وهو ينتزع ضمادته بحدة لتظهر علامات غائرة في كتفه مكان أنياب الذئب)
موضي بألم عميق جارح: وتقارن نفسك فيني؟؟.. أنت رجال ما يعيبك أي شيء
لكن أنا غير.. غير
راكان يمسك بمعصمها ويشدها قليلا باتجاهه وهو يجيبها بعمق شاسع مذهل:
أنا وأنتي ما بيننا فرق.. مثل ما أنتي تشوفين إنه ما يعيبني شيء
أنا أشوف إنه ما يعيبش أي شيء مهما كان.. فشلون بأثر سخيف تافه مثل هذا؟!!
ليش الحياة يعني ما تقوم إلا على جسد مثالي خالي من العيوب؟؟
ونغدي حن عبيد أجساد مسعورين؟؟
الإنسان كله مخلوق مليان عيوب في روحه اللي هي العماد
فشلون وأنتي وروحش وحتى في شكلش كاملة والكامل وجه الله.. الأثر هذا اعتبريه كفارة لكمالش
موضي ماعادت تحتمل كل هذا.. كل هذا كثير عليها.. كثير
انخرطت في بكاء حاد هستيري وهي تنهار على الأرض
راكان فُجع وهو يراها تسقط أمامه وتنهار في عاصفة من الدموع
شدها للأعلى بقوة وحنان
ليزرعها بين أضلاعه وهو يحتضنها بقوة متملكة وحنان مصفى
موضي شعرت بانهيار فعلي وأحاسيس ثورية تغتال مشاعرها وهي تستكين بأمان في أحضان راكان
شعرت أنها أخرى.. في مكان آخر.. في زمن آخر
أهدرت كل طاقة بكائها ونشيجها وهي بين أحضانه
أغرقت صدره بدموعها الغزيرة
حين تعبت من العويل صمتت وهي تشهق بخفوت.. وهو لم يفلتها مطلقا حتى هدأت تماما
حينها أبعدها قليلا لينظر إلى وجهها الذي تورم من البكاء
بدت له أكثر جمالا وعذوبة مما يمكن أن يحتمل مخلوق بشري
أكثر رقة وفتنة من أي تصور خيالي موغل في الخيال
مسح بأنامله دموعها التي لا تتوقف سيولها..مسحها بكل الحنان المتجسد الذي قد يوجد على الكرة الأرضية
وهو يمعن النظر في رموشها المبتلة وشفتيها المرتجفتين وخديها المحمرين
ثم..
احتضن وجهها بين كفيه
لترفرف قبلاته العميقة الدافئة على مختلف أجزاء وجهها
ودموعها مستمرة بالانهمار في صمت
*************************
واشنطن
أمام بيت يوسف
الساعة الواحدة والنصف ظهرا
كانت سيارة مشعل تتوقف.. ويلتفت لهيا ليقول بهدوء يخفي حرجه:
هيا يمكن الرجال مشغول.. انزلي انتي عند رفيقتش وجداتها
وأنا بجي لش إذا خلصتي
هيا بمناشدة عميقة: تكفى مشعل أبيك تعرف على يوسف
عشان خاطري
تنهد مشعل وهو يستعد للنزول: يا كثر حنتش بس.. إذا حطيتي شيء في رأسش الله يعين عليش
هيا ابتسمت: فديت اللي دايما جابر بخاطري..
مشعل يبتسم: إيه العبي علي.. تدرين أخق عند أقل كلمة تقولينها لي.. ماشفت خير
الاثنان نزلا ومشعل يحمل حقيبة طعام ضخمة تحتوي قدور الغداء الذي أعدته هيا وتركته مغلقا بإحكام في قدوره
طرقا الباب
ومشعل يتأخر للخلف
باكينام فتحت الباب بعد أن أبدلت ملابسها وارتدت عباءة خضراء مطرزة مع حجابها
وهي ترحب بهما بحرارة
الاثنتان دخلتا
ويوسف خرج لمشعل وهو يرحب به ترحيبا كبيرا ويحمل الحقيبة عنه ليدخلها المطبخ
ويقوده إلى مكتبه
هيا سلمت على العجوزين وكانت سعيدة جدا بهما..
هذه ليست المرة الأولى التي تراهما فيها
فقد رأتهما في بريطانيا عدة مرات
كانت ترى فيهما شبها كبيرا من باكينام.. فباكينام أخذت من الاثنتين الكثير من الصفات شكلا ومضمونا
ورؤيتهما ذكرتها بجدتها هيا التي اشتاقت لها كثيرا
فيكتوريا بترحيب: أهلا بكِ ياصغيرتي.. ومبارك زواجكِ وحملكِ أيضا
هيا بمودة: شكرا على لطفكِ.. يبدو أن باكينام أخبرتكم بكل شيء
فيكتوريا برقة: أتمنى كما غارت منك باكينام وتزوجت بعدك.. أن تغار منك وتنجب لنا حفيدا صغيرا
كانت باكينام حينها تمد يدها لهيا بفنجان قهوة.. انتفضت يدها.. لتنسكب قطرات من القهوة على يدها
صفية قفزت وهي تأخذ الفنجان من يد باكينام: خدت شر وراحت
ماعلش بت هيا هأصب لك واحد تاني
باكينام بتوتر أخفته خلف هدوءها: ماعلش أنّا.. أنا اللي هأصب.. ائعدي أنتي بس زي البرنسيسات
تفكير باكينام يتجه لاتجاه مرعب.. ماذا لو حملت.. أو كانت حتى حاملا
فهي لم تتخذ أيه احتياطات أو موانع
أ يعقل أن تحمل طفلا من يوسف المتوحش؟!!
أي طفل هذا الذي سيكون نتاجا للاهانات والتحقير والوجع والقسوة؟!!
مادامت في بيته.. فهي لا تستطيع منعه من حقوقه عليها
فماذا تفعل؟؟ ماذا تفعل؟؟
تنهدت بعمق وهي تميل على هيا وتهمس لها:
هيا ممكن أروح أنا وأنتي للدكتورة بعد الغداء
هيا نظرت لها بعينين لامعتين وهي تغمز بصمت وتهز لها رأسها
***************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل الجديدة
الساعة العاشرة مساء
ناصر يعود بعد يوم العمل الذي كان طويلا ومرهقا تماما
كانت مشاعل تنتظره وهي تشعر بتوتر عميق.. كيف سيكون تعامله معه بعد أن عادا للسكن معا
هل سيعاود القسوة عليها؟؟
هل سيكون عاشقا رقيقا كما كان حين عادت لبيت أهلها؟!!
هل سيطالبها بثمن رقته وحنانه معها؟؟
ناصر يبتسم لها فور دخوله
يسلم.. وترد عليه السلام بذات التوتر
يسألها بحنان واهتمام: أشلون مكانش الجديد؟؟ عسى مرتاحة؟؟
مشاعل بخجل: الحمدلله
جلس قريبا منها رغم أنه كان يتمنى بكل الوجع أن يجلس جوارها ويأخذها في أحضانه
ولكنه كان يفكر بمنطق (كل شيء في وقته حلو)
سألها باهتمام عن أحوالها وأخبرها عن أحداث يومه
كان يحاول أن يبدأ بإدخالها إلى عوالمه كزوجين فعليين يتشاركان في كل شيء
ويعرفان عن بعضهما كل شيء
قضيا فترة يتحدثان وبينهما نوع من الحذر
ثم استأذنها ليتوجه للحمام ليتوضأ ويصلي قيامه فهو مستهلك من التعب ويريد أن ينام
ومن ناحية أخرى لا يريد أن يثقل على مشاعل
يريدها أن تشعر بالراحة والاطمئنان
ولا يريد أن يستعجلها في أي شيء
فيكفي ما عاشاه من الآم منذ اليوم الأول لزواجهما
لا يريد تكرار أخطائه
يريدها أن تقتنع به تماما هو كما هو بكل عيوبه وميزاته
هو ..ناصر الحقيقي.. في مكانه الطبيعي
حينما أنهى الصلاة
جلس على السرير ليخلع ساقه
كانت المرة الأولى التي ستراه فيها يفعل هذه المهمة الروتينية
كانت قد نسيت تماما أمر هذه الساق
فهو كان أمامها طيلة الأيام الماضية رجلا كاملا فعليا
ولكنها الآن لابد أن تتقبل وتتعود على هذا الروتين المؤلم
همست له برقة وهي تقترب: تبي أساعدك بشيء؟؟
ناصر رفع رأسه بعد أن أنهى فك الساق ووضعها تحت السرير
ابتسم لها بحنان: لا ياقلبي شكرا.. بادهن مكان البتر وبس
فتح الجارور المجاور لسريره وتناول الكريم منه
شعرت مشاعل بألم شاسع وهي ترى مكان البتر
ولكنها لم تعلق مطلقا.. فهي لا تريد أن تشعره أن هناك شيئا مختلفا
دارت حول السرير لتجلس على الطرف الآخر
فعليا لم تكن تريد النوم بجواره
ولكن ستبدو سخيفة إن توجهت للنوم في مكان آخر
بعد أن كانت طوال فترة معيشتهما معا تنام إلى جواره
ناصر غطى ساقيه ثم ألتفت لها وهو يبتسم ويقول بوله:
وأخيرا بأنام على شوفت وجهش.. وأصحا عليه
اشتقت لش ياقلبي.. والله ما تتخيلين أشلون اشتقت
اشتقت
اشتقت
واشتقت...
*****************************
دبي
جناح موضي وراكان
وقت ما بعد صلاة العشاء وقبل منتصف الليل
كل واحد منهما معتصم بأقصى ناحية من طرفي السرير
ويعطي للآخر ظهره
شعور غامض عميق يلفهما.. وشعور بالحزن يغتال مشاعرهما
لِمَ هما غير سعيدين هكذا؟؟
هل لأن ماحدث كان يجب ألا يحدث؟!!
أم لأن ماحدث كان مجرد نداء فسيولوجي طبيعي لم يكن للحب دور فيه؟!!
ولكن أ حقا لم يكن للحب دور فيه؟!!!!
راكان همس بعمق وهو مازال يعطيها ظهره: أنا آسف يا موضي
موضي بخفوت موجع وكأنها تحادث نفسها: ليش تعتذر راكان؟؟
اللي صار أنت ما جبرتني عليه.. صار برضاي وموافقتي
راكان بذات العمق: كاره نفسي.. أحس أني استغليت ضعفش
موضي بذات الخفوت العميق: وليش ما تقول أني أنا استغليت شهامتك وشفقتك
مازال الحوار يدور وكل واحد منهما عاجز عن النظر للآخر
راكان يظن أنها تجاوبت معه لأنها كانت تشعر بالضعف وهو قدم لها المساندة والاحتواء..
ولأنها تحترمه وتقدره لم ترد أن تجرحه برفضها له..بينما هي في داخلها غير متقبلة لأي لمسة منه
بينما موضي تظن أن ماحدث ليس سوى محاولة فاشلة من راكان لتعزيز ثقتها بنفسها وأنها أنثى كاملة قد تجذب أي رجل
وماحدث وفقا لأفكار كل طرف كان مؤذيا وموجعا لأبعد حد.. بل بلا حدود لمساحات الأذى والوجع المتشعبة
راكان همس بشفافية: موضي أنتي شيء كبير عندي.. ومابي اللي صار يخرب علاقتي فيش
موضي تتنهد: اعتبر انه ماصار شيء.. خلاص ننساه لأنه أنت عندي شيء أكبر مما تتخيل
احتكم الصمت لعدة دقائق قام بعدها راكان ليستحم
بينما موضي حينما تأكدت أنه دخل للحمام وأغلق على نفسه.. سمحت لأنهار دموعها المحبوسة بالانهمار
**************************
واشنطن
شقة مشعل
هيا ومشعل يعودان لشقتهما بعد الزيارة الطويلة لبيت يوسف
والتي توطدت فيا علاقة مشعل بيوسف
مشعل بهدوء: وين رحتي أنتي وباكينام يوم استأذنتي تطلعون مشوار عقب الغداء؟؟
هيا بعمق وأفكار مستجدة تخطر ببالها: رحنا للدكتورة
هيا أصرت أن يتعرف مشعل على يوسف حتى تطلب من مشعل أن يخبر يوسف عن حمد حين يصبح الوقت مناسبا
ولكنها أصبحت ترى أنها لابد أن تتصرف بشكل أسرع
فبكينام تتألم وحالتها يرثى لها
كانت تتذكر مشوراهما للطبيبة وهي تهمس لبكينام: ليه تبين الدكتورة؟؟
باكينام بهدوء: عاوزاها تفحصني وتكتب لي برشام منع حمل
هيا بهدوء: طيب مهوب المفروض تسوين فحص حمل قبل
باكينام بألم: أنا بأتمنى من كل ئلبي ما أكونش حامل.. لكن لو كنت مش هيبان من تست عادي لازم أعمل فحص دم لأنه هأكون في أسابيع بس
وادينا رايحين وهاشوف هاعمل ايه
هيا بمنطقية: طيب مهوب مفروض تستأذنين يوسف قبل ما تأخذين الحبوب؟؟
باكينام بضيق: هاستأزن.. بس خلينا نشوف الدكتورة هتئول ايه
كانت هيا تراقب وجه باكينام والدكتورة تخبرها أنها غير حامل
وأنها لابد أن تنتظر دورتها القادمة التي سيحين موعدها التقريبي بعد يومين للبدء بتناول الأقراص
تعلم هيا أن باكينام حاولت أن تظهر سعادتها بالخبر ولكنها في داخلها لم تكن سعيدة
فهي في عقلها الباطن كانت تتمنى أن تكون حاملا.. حتى تجد سببا يجبرها على الارتباط بيوسف إلى الأبد
تريد أن تدعي أنها مجبرة عليه بينما هي تكاد تجن من مجرد التفكير أنه قد يأتي يوم لا تكون فيه زوجة ليوسف
هيا تشعر تماما بكل الآمها.. وتشعر جزئيا بالمسئولية لأنها من طلبت من باكينام أن تزور ابن عمتها
القضية الآن أن مشعلا لا يعرف بوجود حمد في مصر للعلاج.. ولا يعرف حتى بضربه لموضي
يعتقد أنه في دورة في مصر
هيا بعد تفكير عميق قررت أن تخبر مشعلا فقط بجزئية العلاج وكيف أنها طلبت من باكينام أن تزوره من أجل عمتها.. ثم ماحدث بعد ذلك
هيا أخبرت مشعلا بكل هذا
ومشعل ثار وغضب كثيرا من هيا:
كذا تورطين بنت الناس في مشاكلنا وتسوين لها مشكلة مع رجّالها
هيا بضعف: هي اللي مارضت تقول له عشان نفسها عزت عليها
مشعل بذات الغضب: خلاص باتصل في يوسف وأقول له كل شيء
هيا بجزع: لا لا مشعل تكفى.. مايصير كذا خبط لزق
شتقول له؟؟
إنه شكك في مرتك ماله أساس
ويدري إنها قالت لي على مشاكلهم
مشعل بنفس الغضب: زين وشتبيني أقول له؟؟
هيا تنهدت: إذا قابلته المرة الجاية قل له بشكل طبيعي في نص الكلام:
انه مرتك سوت فينا معروف
كانت تطمننا على ولد عمتي.. وعمتي وهيا جننوها من كثر ما يطلبون منها تطمنهم عليه
وهي والله ماقصرت مع انشغالها وقتها في تجهيز عرسها مثل ماقالت لي زوجتي
مشعل يتنهد: خلاص بكرة أنا وهو تواعدنا نتلاقى في الجامعة
أقول له بكرة
ثم تذكر شيئا: بس خليني أتأكد من موعد سفر سعيد
لأنه احتمال بكرة
************************
ذات الوقت
في بيت يوسف
العجوزان قامتا لترتاحان قليلا وتبقى يوسف وباكينام جالسين
يوسف بهدوء: ممكن أعرف رحتي فين.. أو هتعمليها قضية الشرق الأوسط؟؟
باكينام بهدوء مماثل: رحت للدكتورة
يوسف شعر بقلق لم يظهر في صوته البارد: ليه يعني؟؟
باكينام تتنهد: عشان تكتب لي برشام منع حمل بعد ازن حضرتك
يوسف بهدوء أكبر: وممكن أعرف السبب
باكينام تنظر له بشكل مباشر وهي تقول بحدة باردة كالصقيع:
كان ممكن أقول عشان انا وانته بندرس وده مش وئته
بس ده هيبئى جواب مالوش معنى مع انه حئيئة
لأنو الحئيئة انو مش عاوزة حاجة تربطني بيك
انا عارفة انه هيجي يوم وتزهئ من اللعبة اللي اسمها باكينام
وئتها مش عاوزة نبئى لعبتين.. أنا وابنك
يوسف وقف بشكل حاد مفاجئ ليمد يده وينتزعها من مقعدها
وينظر لها بشكل مباشر وعيناه تشتعلان بكل معنى الكلمة:
لو كنتي ئلتي لي السبب اللي مالوش معنى مع انه حئيئة
كنت هاوافق تعملي اللي عاوزاه وتاخدي أي مانع انتي عاوزاه
لكن انتي ما يريحيكيش الا تجرحيني عشان تنبسطني
عشان كده بائول لك: لأ..
ولو فكرتي تاخديه من ورايا.. هتشوفي اللي عمرك ماشفتيه
↚
اليوم التالي على كل الجبهات
الدوحة.. دبي.. واشنطن
ترقب.. ثورات... وتغييرات
دبي
جناح موضي وراكان
الساعة 10 صباحا
موضي نهضت منذ وقت
صلت ضحاها ومنذ ذلك الوقت وهي تجلس على مقعد منفرد وتراقب راكان المستغرق في نومه على الأريكة
(حتى وهو نائم يبدو عظيما ورائعا!!
كانت علاقة رائعة ومريحة تلك التي ربطتني بك
لماذا أفسدناها؟؟ لماذا؟؟
هل نستطيع فعلا إصلاح ما اهتز بيننا؟!!
لماذا كان يجب أن تضغط على نفسك لتكون رقيقا وعذبا ومجاملا لأبعد حد؟!!)
تنهدت بعمق وهي تستعيد شريط البارحة الذي استعادته الآف المرات
لا تشعر بالضيق
ولكنها تشعر بالشجن وبحزن شفاف غامض
البارحة
حين خرج راكان من الحمام.. ارتدى ملابسه وخرج بعد أن أستأذنها
وقال لها بكل صراحة وشفافية إنه محرج من إساءته لها ومن إخلافه لوعده معها
ويحتاج لبعض وقت يمشي فيه وحيدا
ولن يطيل عليها.. سيمشي لساعة ويعود
وبالفعل بعد ساعة عاد
كانت موضي استحمت وصلت قيامها وجلست تنتظره
جلس قريبا منها ثم همس لها بعمق: توعديني تحاولين تسامحيني
على الأقل تحاولين
موضي ابتسمت له بشجن: ماسويت لي شيء أسامحك عليه
ولا زعلت منك أساسا عشان أسامحك
أنا زعلانة من روحي بس
أحس أني استنزفت مشاعرك وتعاطفك.. بكيت بكاء عمري في حياتي ما بكيته
وأنت لقيت نفسك متورط فيني
راكان بجزع فخم كفخامة عباراته: تكفين موضي لا تقولين كذا
إذا أنتي ورطة.. ليتني أعيش عمري كله متورط
خرجت العبارة عفوية..عميقة .. محملة بعشرات التاؤيلات..
ولكن كلا الطرفين بشفافيتهما العميقة لم يحملاها أكثر مما تحتمل.. وإن كانت تحتمل الكثير الكثير!!!
ابتسم راكان وهو يهمس لها بعمق حنون: يعني أصحاب؟؟
أجابته موضي بابتسامة عذبة: أصحاب
وهاهي موضي الآن تجلس مقابلة له وتنظر له بعمق
وهي تهمس في داخلها: أصحاب.. أصحاب.. أصحاب...
لتقنع نفسها أنهما فعلا لم يكونا أكثر من أصدقاء ومازالا أصدقاء
راكان فتح عينيه ببطء.. رآها تجلس أمامه.. ابتسم بعمق وعاد لإغلاق عينيه كان يعتقد أنه يحلم
عاود فتح عينيه ورآها مازالت تجلس أمامه.. فعاود الابتسام
ومد كفه لها وهو مازال متمددا
استجابت لدعوته بتلقائية وهي تضع أناملها المرتجفة في كفه المحتوية
احتضن أناملها بحنان وتملك.. طريقة خاصة براكان باتت تكتشفها وتثير قشعريرة حادة تهز كل فقرات عمودها الفقري بعنف
همس لها بصوته الناعس العميق: بعدنا أصحاب؟؟ أو غيرتي رأيش وتبين تزعلين علي؟؟
موضي ابتسمت: قلت لك أصحاب.. احنا نسوان كلمتنا وحدة ما نثينها
راكان أفلت يدها وهو يستوي جالسا: خوش نسوان أحدث طراز
موضي بعذوبة: أجهز شناطنا؟؟
راكان بهدوء: جهزيها.. بس خلي لي غيار واحد برا
************************
الدوحة
الساعة 10 ونصف صباحا
شركة مشعل بن محمد
مكتبه تحديدا
يجلس خلف مكتبه بهدوء ورزانة
وتجلس معه فاتن الفرج
الباب مفتوح كما اعتاد مشعل في كل لقاءاته مع سيدات الأعمال
فاتن أنهت حديثها معه في العمل.. ومشعل ينتظر أن تغادر لأن لديه موعد آخر بعد قليل مع سعد الذي اتصل به وأصر على مقابلته
فاتن صمتت قليلا ثم همست بعذوبة رزينة:
ما تخيلت أم محمد حلوة كذا.. ماشاء الله
مشعل بهدوء: الجمال هو أبسط صفات أم محمد.. فيها من الأخلاق والسنع اللي يفوق الزين بواجد
فاتن شعرت بضيق ما (شكله متولع فيها.. بس يالله المرحلة الثانية)
عاودت الكلام بتلقائية مدروسة: تشتغل أم محمد؟؟
مشعل بهدوء رغم ضيقه من تدخلها في خصوصيات بيته: لا
كفاية عليها بيتها..
فاتن بذات التلقائية: طيب شنو تخصصت؟؟
مشعل ببرود: مادخلت جامعة
فاتن ابتسمت ابتسامة لا تكاد تبين: طيب اشلون تفاهمون وأنت خريج اقتصاد؟؟
مشعل ابتسم بثقل: كفاية علي شغلي.. في بيتي أبي أريح رأسي من حوارات الشغل والاقتصاد
والشيء الثاني أنا اللي ما رضيت أم محمد تدخل جامعة مع أنها جابت في الثانوية 93 في المية
وتذكرين تيك الأيام الثانوية العامة كانت صعبة ..امتحان واحد آخر السنة والكتاب كامل الفصلين
ثم أكمل بخبث:
أنا جبت 79 على هذاك النظام.. أنتي كم جبتي؟؟
فاتن شعرت بحرج حقيقي ولكنها نهضت وهي تقول بلباقة احترافية اعتادت عليها:
اسمح لي أستاذن.... عندي موعد في شركتي بعد نص ساعة
غادرت وهي تقرر نقل معركتها لمستوى آخر.. ولكنها ليست من تخسر معاركها
**********************
واشنطن
بيت يوسف
الصباح الباكر
يوسف يصحو من نومه.. مد يده بحذر قبل أن يفتح عينيه
حين اصطدمت بجسد لين طري.. تنهد بعمق وهو يكف يده ويفتح عينيه
لينظر لها بعمق وهي مستغرقة في نومها
يعيش مع هاجس مرعب أنه سيصحو يوما ليجدها هربت كما فعلت بعد ليلتهما الأولى في واشنطن
(آه يا ملاكي الشرير..
لا أعلم كيف من تمتلك هذه الملامح الملائكية بداخلها كل هذا الشر والقسوة؟!!
وكيف من بداخلها كل هذا الشر والقسوة قادرة على إذابة قلبي بكل جبروت ورقة؟!!
تعبت حبيبتي تعبت..
أقسم أني متعب ويائس ومطعون بالألم حتى أقصى خلاياي
.
أخبريني
كيف أستطيع أن أقيدك إلي حتى أمنعك من مجرد التفكير في الهرب وتركي؟!!
كيف أستطيع الاستيلاء على قلبك الذي وهبته لغيري؟!!
ولِمَ تكونين أنتِ حبي الأول والأخير؟!!
وأكون أنا المهجور أبدا
والمجروح أبدا
والمخدوع أبدا
لا تتركيني باكي.. لا تتركيني
قربكِ عذاب وبعدكِ عذاب
ولكن العذاب مع النظر إلى محياكِ هو بحد ذاته نعمة
فلا تحرميني هذه النعمة حبيبتي... لا تبتعدي عن أسواري وقسوتي وجبروتي)
تذكر يوسف أن لديه موعدا اليوم مع مشعل
مد يده لهاتفه لينظر للساعة
فوجد رسالة من مشعل يعتذر فيها عن مقابلته
لأن اليوم موعد سفر صديقه النهائي للدوحة
وبالفعل كان اليوم هو يوم عودة سعيد للدوحة
ومشعل سينشغل معه
تنهد يوسف براحة وهو يعاود التمدد والنظر لوجه باكينام
تكفيه هذه اللذة عن كل ملذات الدنيا
أن يتمتع بالنظر إلى كل تفصيل دقيق في تضاريس وجهها
دون توتر أو توجس أو خوفا من ثورتها أو انفعالها
أن يستمع إلى سيمفونية أنفاسها العذبة وهي تتردد شهيقا وزفيرا لتنبئه أن هذا العالم مسكون بالسحر والمباهج
مسكون بحورية خيالية اسمها حبيبته!!!!!!
*******************
عودة لمكتب مشعل بن محمد في الدوحة
الساعة 11 صباحا
سعد يجلس مع مشعل وأنهيا تناول قهوتيهما
مشعل بمودة أخوية: دام أنك صممت تشوفني مستعجل وما انتظرت لين نتقابل في المجلس عقب المغرب
فأكيد أنك تبي شيء.. امرني يا أخيك
قاصرك شيء؟؟ تبي شيء؟؟ تبي فلوس؟؟ ترا الجيب واحد طال عمرك في الطاعة
سعد ابتسم: كل شيء عندكم يأهل الدراهم فلوس
لا.. جعلني ماذوق حزنك.. الخير واجد والرب كريم.. كنك انت تبي فلوس تراني حاضر
مشعل ابتسم: يا شين ملاغتك.. زين خلني اتمدح
سعد بعمق خبيث شفاف: سوو لي اللي أنا أبغي.. وبأكتب فيك معلقة مدح وأعلقها على طوفة بيتي واسميها المعلقة المشعلية
مشعل بابتسامة: آمر
سعد تنهد: تذكر قبل حوالي عشر أيام قبل مايرجع راكان من لندن
قلت لك عن تحديد موعد العرس إذا خلصت مريم دوامها نص شهر 5
وانت رديت علي ليلة عشاء راكان بالموافقة
وانا انحرجت أقول لك شيء وقتها
انا اخترت ذا الموعد المتأخر عشانك قلت لي انه لازم عرسنا عقب عرس راكان
ومادريت ان راكان بيسوي عشاه عقب ردته من لندن على طول
وراكان هذا هو تزوج وخلص
وماشاء الله الوالدة الحين معها في البيت ثنتين من بنات عبدالله
ومثل ما قالت لي أم فارس.. مريم ما تبي أصلا حجز قاعة.. وتبي عشاء عائلي بسيط وبس
فأنا أشوف انه التأجيل خلاص ماله معنى
وخصوصا أن المهر عند العروس من زمان
بصراحة يا أخيك أنا بالي مشغول على فهيدان مجنني.. أبي أتفرغ له وأبي بالي يكون مرتاح
قد يكون في الأسباب التي قالها سعد جانب كبير من الصحة
ولكن أيا منها لم يكن السبب الأساسي
فسعد خلال الفترة الاخيرة بات يشعر أنه قد يكون استعجل في خطبته لمريم
فهو خطبها تحت وطأة إحساسه المتزايد بالوحدة
وفي مقابلته الوحيدة لها حركت مريم بعمق صوتها ورقة عباراتها وزانتها شيئا غافيا في أعماقه
ولكن هل تكفي أحاسيس مشوشة مجهولة لصنع حياة زوجية ناجحة تترتب عليها مسؤليات..حقوق وواجبات؟!!
فمريم قد تصبح عبئا عليه يُضاف إلى أعباء أبنائه المتزايدة
وفي خلال تواجدها مع ابنائه لن تعرف مطلقا ما الذي قد يفعلونه ليس من وراءها.. ولكن حتى أمام عينيها
ماذا يشاهدون؟؟
مع من يتحادثون؟؟
ماذا حتى يرتدون؟؟
وحتى يهرب سعد من هذه الأفكار قبل أن تستولي عليه قرر تقديم موعد زواجه
حتى يضع نفسه أمام الأمر الواقع
فهو لا يستطيع مطلقا أن يُحرج نفسه مع ابن عمه محمد
وفي ذات الوقت بات يخشى وطأة أفكاره عليه
مشعل أجابه بهدوء: يعني متى تبيه؟؟
سعد بهدوء حذر: بعد أسبوعين ثلاثة بالكثير
مشعل بنفس هدوءه: ما تشوف أنك مستعجل؟!!
سعد يتنهد: لا مستعجل ولا شيء
السالفة كلها عشاء بسيط
أنا حتى خدامات مريم اللي جبتهم لها صار لهم فترة عند أم فارس
وبأقدم لأم صبري فيزه عشان تجي خلال ذا الأسبوعين
يعني ما أشوف سبب للتأجيل
مشعل يبتسم: ولا يهمك.. أشور العرب وارد عليك
سعد بابتسامة: ما أبيك تشورهم وبس
أبيك تشغل مخك التجاري وتساعد أخيك المسلم اليتيم المدعو سعد
لازم تحاول تقنعهم..
***************************
بيت يوسف
بعد الغداء
يوسف يشعر بالاختناق فعلا.. فالعجوزان بدئتا بالملاحظة
فباكينام طوال فترة الغداء كانت غالبا مشغولة التفكير ويبدو الهم على وجهها
فإن كان هو قادر على التحكم في انفعالاته
فهي باتت عاجزة عن التحكم
وروحها تغرق في الهم أكثر وأكثر
هاهم يجلسون يشربون الشاي بعد الغداء
العجوزان تجلسان متجاورتين وعلى جبينيهما علامات تقطيب
تتبادلان النظرات ثم تنظران ليوسف وباكينام التي كانت غير منتبهة لشيء وملامحها غارقة في الحزن
يوسف نهض من مكانه وجلس جوار باكينام
تناول كفها وقبلها بعمق
انتفضت باكينام بعنف
ولكن ردة فعلها كانت أغرب
فهي أراحت رأسها على صدر يوسف
رغم تفاجئ يوسف العميق من ردة فعلها ولكنه احتضن كتفها
ومشاعر دافئة تستولي على روحه وهو يمسد شعرها حيث ارتاح رأسها على صدره لأول مرة باختيارها
و همس في أذنها بهدوء خافت:
باكينام ربنا يخليكي.. فكيها شوية
أنتي مش شايفة ستاتك بيبصوا لي ازاي
زي ما اكون مجرم حرب
باكينام لا تعلم لماذا وضعت رأسها على صدره.. اقنعت نفسها أنها تمثل من أجل جدتيها
همست باختناق: تعبانة يا يوسف والله تعبانة
أنته اللي ربنا يخليك خليني أروح لأوتيل أنا وستاتي
يوسف شدها بحنان ليوقفها ثم يتوجه للجدات بالحديث:
عن أزنكم
هأروح أنا وباكينام لمكتبي شوية
وأنتو ممكن تتجهزوا عشان نخرج بعد شوية كلنا
هأوديكم لمتاحف سميث سميثونيان.. هي مجموعة متاحف.. للتاريخ الطبيعي والتاريخ الأمريكي، ومتحف للطوابع .. ومتحف للفنون..
بس هتعجبكم خالص
باكينام بالفعل مستنزفة من التعب والإرهاق والألم
ماعاد بها قدرة على الصمود
ولكن يستحيل أيضا أن تستسلم وتتخلى عن كبرياءها العتيد
دخلا لمكتبه
همس يوسف بهدوء واثق: ايه حكاية الاوتيل دي؟؟
باكينام بهدوء مرهق: انا تعبت من الحياة اللي احنا عايشينها
يوسف باستغراب: تعبتي؟؟ ومن يومين
ثم أكمل بنبرة غضب: والحيطة الهبيطة اللي سايباه تلات أسابيع
مشاعره مالهاش أي احترام
باكينام بتساءل مؤلم مفاجئ: انته عندك مشاعر يايوسف؟؟
يوسف بصدمة: نعم؟؟
باكينام أعادت سؤالها بهدوء موجع: أنت عندك مشاعر زي كل بائي مخاليئ ربنا؟؟
صمت وهو يعيد النظر إليها بعمق..
ثم قال لها بصوت غائر يبدو كما لو كان قادما من بئر عميقة:
عندي مشاعر للي يستاهلها وبس
صمتت.. لن تسأل.. فهي تعرف جوابه
وهي ليست مستعدة لمزيد من الإهانات والتجريح والألم
صمت أعمق احتكم بينهما
بعدها همس يوسف بهدوء: البسي خلينا نودي ضيوفنا نمشيهم
ولما يسافروا.. ابئي فكري تطفشي براحتك
ما أنتي ما تئدريش تحلي مشاكلك الا بالهروب منها
باكينام هذه المرة هي من ردت بصدمة: أنا؟؟
يوسف ببرود ملتهب: آه أنتي.. فالحة بس تتعنطزي عالفاضي
بس وئت الجد.. هتطفشي وتسيبي كل حاجة
عندنا مشاكل زي كل المتجوزين؟؟ ممكن نحلها بالتصافي والتفاهم
لكن انتي جبانة.. ومش مستعدة توئفي ئدامي وتتفاهمي بلغة حوار طبيعية غير غرورك الفاضي
باكينام تنهدت بعمق.. ثم زمت شفتيها بحزم وهي تقول:
مش باكينام الرشيدي اللي يتئال لها جبانة
انا طالعة ألبس
وئاعدة معاك بدال الشهر سنة.. وخلينا نشوف ازي الحوار هينفع مع مخ مئفل زي مخك
هي غادرت
وهو بقي في مكتبه
وعلى شفتي كل منهما ارتسمت ابتسامة شاسعة
فكل منهما حصل على مبتغاه
هو استفزها.. حتى حصل على وعد منها أنها لن تغادره
وهي وجدت لها غطاء يرضي غرورها واعتقادها انه تبقى معه مجبرة على البقاء
***************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
بعد الغداء
ناصر يدخل عائدا من عمله ومن الغداء في المجلس
مازال الحذر يرسم دوره في علاقته مع مشاعل
فكلاهما يخشيان تكرار الجرح والألم..
يخشيان أن يقتربا أكثر.. فينتج عن الاقتراب جرح أعمق
كلاهما باتا غير قادرين على الابتعاد.. وفي ذات الوقت غير قادرين على الاقتراب
وضعهما كما لو كانا يعيشان داخل فقاعتي صابون
الفقاعتان شفافتان متلاصقتان.. لذا كل منهما مستمع برؤية الآخر..
ولكنهما يخشيان تفجر الفقاعتين.. وما ينتج عن هذا التفجر
هل يتمازجان ليصبحا في فقاعة واحدة؟؟
أم يسقطان أرضا لتُدك عظامهما؟!!
لم يجد ناصر مشاعل حين دخل
توتر
فهو لم يراها في الأسفل مع والدته ومريم
ولم تستأذنه في الذهاب لمكان ما
هل يعقل أن تكون ذهبت لبيت والدها
تحول التوتر لنوع من الغضب.. أيعقل أن تفعلها؟؟!!
اغتسل وأبدل ملابسه
وتمدد على سريره بكلا ساقيه.. فهو لا يخلع ساقه إلا ليلا
ثم رن على هاتفها
رن الهاتف عنده.. فهاتفها كان موجودا في الغرفة
إذن أين هي مختفية؟؟
بعد دقائق دخلت مشاعل بخطواتها الرقيقة المترددة
ابتسم وهو يراها تدخل وهمس لها بمرح:
لو تأخرتي 5 دقايق بعد كان بلغت الشرطة وقلت مرتي مخطوفة
ابتسمت بعذوبة: كنت في المطبخ
خبرك موضي بتوصل الليلة.. وحبيت أسوي شوي حلويات
ناصر ابتسم: لموضي بس؟؟
مشاعل بابتسامة دافئة: وراكان بعد
ناصر مستمر في أسئلته المرحة: وبس؟؟
مشاعل برقة مدروسة: وبس
ناصر بانكسار مصطنع: يا حرام وأبو نص رجل ماله شيء؟!!
مشاعل بجزع عميق: تكفى ناصر ما تقول كذا على روحك
ناصر يضحك: أنتي الحين مسكتي في التسمية وخليتي الموضوع الأساسي
وين نصيبي؟؟
مشاعل بعفوية: كلي لك يا ابن الحلال
ناصر بنبرة أبعد ما تكون عن العفوية: أكيد كلش لي؟!!
مشاعل قفزت وكلماتها تتبعثر بحرج عميق: نسيت الصينية في الفرن
ابتسم ناصر وهي يراها تهرب كمجرم أمسكوه بالجرم المشهود
(يا حبي لش بس
فديت المستحية ياناس
تدللي يا بنت عبدالله
القلب ملعبش)
في الوقت الذي بدأ ناصر يعود فيه إلى طبيعته
فإن مشاعل بدأت بالعودة إلى طبيعتها أيضا
قبل أسابيع.. بعد عودة ناصر من الإصابة
كانت مشاعل مطمئنة في عقلها الباطن أنها مهما تقربت من ناصر فهو لن يقترب منها..
ولكنها الآن تعلم أنه ينتظر إشارة صغيرة منها.. مجرد إشارة
لا تريد أن تطيل انتظاره لهذه الإشارة
ولكنها فعلا تشعر بخجل عميق.. هو خجلها الطبيعي
بعد أن عادت لقواعدها سالمة التي أعادها لها رؤيتها لناصر بشخصيته الطبيعية المرحة الدافئة
بالتأكيد ليس خجلها المرضي.. ولكنه الخجل الأنثوي الرقيق!!
****************************
بيت محمد بن مشعل
بعد صلاة العصر
كانت مريم تنتهي من صلاتها وتريد البدء في وردها
سمعت طرقات هادئة على الباب
همست بهدوء مرحب: تفضل يابو محمد
مشعل دخل وهو يبتسم.. بعد السلام.. همس بمرح:
تدرين يا السكنية إني مغير عطري اليوم أبي أفاجئش مرة ..وكل مرة تصيديني
مريم تبتسم: هالمرة عرفتك من الدقة..
مشعل بمودة عميقة: مافيش حيلة
مريم برقة: شأخبارك مع لطيفة؟؟
مشعل بعمق: مستانس فوق ما تخيلين.. لأول مرة أكون مبسوط بحياتي الزوجية مثل أنا ذا الأيام
مريم بسعادة: دوم يارب.. أنا فعلا كنت مستغربة منك
لما قلت لي إنك مهوب مبسوط مع لطيفة
لطيفة جنة وقربها جنة.. الله يديم السعادة عليكم
مشعل بود: آمين.. والحين خليش مني ولطيفة.. وخلينا فيش أنتي وسعد
مريم ببساطة عميقة موجعة صادرة من العمق : يبي يطلقني صح؟؟
مشعل بجزع غاضب: يطلقش؟؟ ليه نلعب حن؟؟
مريم بذات هدوئها: لا تعصب مشعل
أنا سألت سؤال.. والسؤال يرد عليه بجواب.. مهوب بسؤال مثله
مشعل تنهد ليسيطر على غضبه: لا طبعا.. يبي يقدم موعد العرس يخليه بعد أسبوعين أو ثلاثة
وأنا أقول بعد ثلاثة أحسن.. عشان يكون راكان رجع من سنغافورة
لكن وش اللي طرا الطلاق عليك؟؟
مريم بعمق: إحساس بس
مشعل بمودة حازمة: إحساسش غلط.. وين حد يلقى مثلش ويطلقها
مريم برقة حازمة: أنت آخر من يتكلم يا مشعل.. كان عندك جوهرة وتبي تتزوج عليها
أشلون بسعد اللي تورط بوحدة ضريرة...؟؟!!
أم فارس تقول سعد صاير متضايق من مشاكل ولده الصغير
والواحد يوم يتزوج يبي له سند..وش نوع المساندة اللي بأقدمها لسعد؟؟
أخذ من الوقت المخصص لعياله؟؟
أزيد مشاكله مشاكل..؟؟
يطلع من البيت وهو خايف إن الضريرة اللي وراه تخبط في طوفه وإلا تطيح من الدرج؟؟
مشعل باستغراب: مريم وش فيش؟؟ وش ذا الكلام اللي تقولينه؟؟ يعني هذا أنتي عمرش ما خبطتي في طوفة هنا؟؟
مريم بعمق موجع: هنا عشت عمر..حفظت كل شبر في البيت
لكن بيت سعد عمري ما دخلته
مشعل بعمق مشابه: مريم أنتي خايفة؟؟
مريم بوجع: وحرام أخاف يا مشعل؟؟
أنا خايفة على نفسي
وخايفة من نفسي
وخايفة على سعد وخايفة منه
وخايفة على عياله وخايفة منهم
خايفة من كل شيء
مشعل بمؤازرة وهو يحتضن كفها: أي واحد يقدم على خطوة جديدة لازم يكون خايف
مريم بحزن: الخوف إحساس بسيط تافه قدام اللي أنا حاسة فيه
ثم أردفت بمناشدة: تكفى مشعل عشان خاطري
قل لسعد إذا هو يبي يتراجع عن العرس ويطلقني.. ترا الزواج مهوب قضية وقتية هذي قضية مصيرية
مشعل قفز وهو يقول بغضب: مريم مع حبي واحترامي لش
لكن شكلش استخفيتي
مريم بمناشدة عميقة: تكفى يا مشعل عشان خاطري لو لي خاطر عندك
عشان قلبي يرتاح
وعشان لو صار بيني وبينه شيء عقب
ما ألوم نفسي.. لأني عطيته فرصة للتراجع
مشعل يحاول التماسك والهدوء: سعد أعرفه أكثر من نفسي
مستحيل يتراجع
مريم بمناشدة أخيرة عميقة: أرجوك مشعل قل له... وقل له إني جادة
أنا صاير عندي إحساس عميق إنه يمكن يكون ذا الزواج كله مشروع فاشل
وأنا في وضعي وعمري.. ما عدت حمل مشاريع فاشلة
************************
واشنطن
شقة مشعل
مشعل يدخل بهدوء
يسلم على هيا التي كانت تجلس في الصالة وتدرس
يخلع جاكيته.. ويجلس جوارها
وعلى محياه علائم ضيق عميق
هيا تحتضن كفه وتهمس برقة: وشفيك حبيبي؟؟
مشعل بهدوء عميق رغم ضيقه: متضايق شوي عشان سفر سعيد
الفال لنا ونرجع بالسلامة
هيا بذات الرقة: آمين
مشعل بسكون: والله سعيد مكانه بين.. مع أنه ماله إلا سنة هنا.. وأنا قبله بثلاث سنين.. بس كان قريب مني واجد
هيا بعتب: يعني أنا ما أكفي
مشعل يحتضن كتفيها ويهمس بحنان: أنتي تكفيني عن العالم كله
ثم أردف بعمق: بس الغربة كسرت ظهري.. الله يعدي ذا الكم شهر على خير
ونرجع لأهلنا سالمين غانمين..
***********************
بعد المغرب
السعودية.. الطريق الصحراوي بين الحدود الأماراتية والحدود القطرية
المنطقة حيث تعرض راكان لهجوم الذئب
موضي بألم: نفسي انكتمت علي
صرت أكره ذا المكان
راكان يبتسم: بس أنا صرت أحبه
صار له عندي ذكرى
موضي أنفاسها تتسارع بضيق: والله جد أتكلم راكان
متضايقة من المكان
راكان يتجه بالحديث لاتجاه آخر: تسمعين شيلة ببلاش
واحنا رايحين سمعتش لتركي الميزاني
الحين وشرايش سلمان الميزاني؟؟
موضي تعلم أنه يريد إشغالها عن أفكارها الكئيبة.. ولن تفوت فرصة سماعه مرة أخرى
فهما منذ خروجهما من دبي
كانا مع سيارة أجرة.. وحديثهما بينهما بصوت خافت
حتى أخذ راكان سيارته من المركز الإماراتي
ومن لحظتها وهي تتمنى أن تسمع شيلة بصوته لذا همست:
وليش ما تكون قصيدة لك
راكان بهدوء: الحين مهوب طاري على شيء من قصايدي
(لم يكن هذا عو السبب
والسبب أن كل القصائد التي تواردت على خاطره اسم موضي منصوص فيها
لذا قرر أن يشيل أول شيلة خطرت بباله ويحفظها)
موضي بعذوبة: خلاص سلمان الميزاني..و النعم
تنهد راكان ثم خلع غترته ووضعها جواره.. وبدأ في جر القصيدة الموجعة الآخرى.. ماهو سر خياراتك يا راكان؟!!:
لا خيرفي رَجل(ن) قصار(ن) شبوحه
ولا خير في سيف(ن) نثر دم راعيه
ماجيت أبي مد اليدين الشحوحه
ولاجيت ضامي في رجاء الغير يسقيه
سرتني أقـدار الليال اللحوحه
لو كان مسرايه على شي مابيه
والهم وطعون الزمان وجروحه
تجمعت في خافقي واسكنت فيه
واللي غموضه يختلف عن وضوحه
اجبرني اركب مركب التيه واتيه
أستاذنك يا خاطري والسموحه
لا عاد تلحقني ملام ومشاريه
سري وسرك لازم إنّا نبوحه
ونودعه توديع غالي لغاليه
لو إن دمعات الموادع فضوحه
تطري علي البعد وأنا ما أدانيه
لكن يا سر(ن) توفى طموحه
نقلك يعذبني ولاني بقاويه
ركزت في صدري سهوم(ن) ذبوحه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
يا الله كيف يكون لجبروت صوته هذه السطوة في هز أوتار قلبها المتساقط ارتجافا واعياءً!!
تكاد أن تشهق ألما وشجنا..
تنزف كل دماء روحها بلا تفكير
أي رجل أنت يا هذا؟؟!!
أي رجل؟!!
صمت راكان وهمست موضي: وصدق يا راكان.. منت بقاويه؟؟
ابتسم راكان: وش هو؟؟
موضي بعمق: سرك..
ابتسم راكان وهمس بشفافية: أقواه وأقوى غيره.. مهوب راكان اللي سده قريب
ألتفتت موضي لزجاج نافذتها وهي تهمس بارتجاف: ماظنيت غير كذا!!
(أي ألم بات سرك يبعثه في أوصالي؟!!
في البداية كنت أشعر بالفضول
من هي؟؟ من تكون؟!!
الآن أشعر بالألم.. الكثير من الألم
رغم أن السؤال مازال ذات السؤال
من هي؟؟ ومن تكون؟؟)
راكان انتبه لارتجاف صوتها.. همس بقلق: موضي وش فيش؟؟
موضي تبعده عن المقصود الفعلي إلى شيء آخر هو قلق فعلي أيضا
همست بضيق: ما أدري وش بأسوي إذا رجعنا للدوحة.. متوترة.. أخاف أسوي شيء يضايقك مني
ابتسم راكان وهو يقول برجولة: لا تخافين من شيء وأنتي معي
ثم أردف بمودة حازمة: خلينا نتفق.. لو أنا ضايقتش أو أنتي ضايقتيني
على طول نتصارح.. مافيه داعي نحط بيننا حواجز
موضي بشجن: اتفقنا..ومن يقدر يحط بينه وبين روحك الصافية حواجز
راكان بعمق: أنتي حطيتي
موضي بألم: راكان بلاه ذا الموضوع
راكان بمصارحة شفافة: موضي أنا مستوجع فوق ما تتخيلين
لو شفت هذاك الكلب الحقير بأقطعه..
مهوب لأن الاثر له أي أهمية عندي.. لكن لأنه أذاش وخلاش تتعقدين من نفسش بذا الطريقة
موضي بجزع: راكان تكفى.. لا تنسى أنه ولد عمتنا.. وعمتي نورة وبناتها ماعندهم غيره
راكان ببرود يشتعل تحته ولا يعلم سبب هذا الاشتعال.. يشعر بألم مشتعل يحرث روحه بمناجله: مهتمة فيه؟؟
موضي باستنكار جازع: يخسى.. والله ولا همني.. بس حشمة لعمتي نورة وخالي جابر
راكان يحاول الهرب من وطأة أفكاره وهو يهمس لها بهدوء شديد الحزم: إذا تبيني أسامحه
فأنتي لازم تحاولين تتجاوزين كل اللي هو سواه فيش..
لكن دامني أشوفش مستوجعة.. والله ما أسامحه.. واللي رفع السما وبسط الأرض
لأخليه يدفع ثمن كل دمعة بكيتيها
موضي بجزع: خلاص أحاول
راكان بحزم: لا.. أوعديني
موضي تضغط على نفسها: أوعدك
راكان يبتسم وهو يهمس بشفافية: وأنتي على قولتش: من نسوان كلمتهم ما تصير ثنتين
وأنتي وعدتيني
موضي تبتسم: على قولتك: نسوان أحدث طراز.. وأنا وعدتك
***********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 مساء
العنود تنهي زينتها.. تريد التوجه لبيت أهلها استعدادا لوصول موضي وراكان
يدخل عليها فارس مستعجلا
وهو يفتح الدولاب باستعجال
العنود تنظر له بفضول واستغراب حتى رأته يتناول مسدسه ويضعه في جيبه
ليتحول الفضول لرعب
والاستغراب لجزع قلق
العنود تختنق بكلماتها: فارس وين بتروح؟؟
فارس بنبرة اعتيادية حازمة: الشرطة طالبيني في مداهمة
ولأني مدني ما يعطوني سلاح..
بس عندي سلاحي هذا مرخص..
العنود تقف أمامه لتقول بمناشدة: تكفى فارس ما تروح
فارس بغضب: نعم..
أمسكت بذراعه لتمنعه.. ولكنه دفعها بحدة وخرج..
لم ينتبه أن دفعته كانت أقوى مما تحتمل رقتها وضعف بنيتها
ولم يعلم أنها سقطت أرضا
لأنها دفعها وخرج.. وهو يعتقد أنه أزاحها فقط عن طريقها
يعلم أن دفعته كانت قاسية نوعا ما
ولكنه لا وقت لديه للأخذ والرد والمداهمة بعد أقل من نصف ساعة
العنود بقيت مذهولة للحظات
لم تستوعب أنه دفعها ولم تستوعب أنها وقعت أرضا
ومع الاستيعاب حضر الألم
(تمد يدك علي يا فارس؟!!
أنا تمد يدك علي؟؟!!
عمري ماحد صرخ علي في بيتنا
صرخت أنت علي... وتحملت
اليوم تدزني
وش بيصير عقب؟؟
تضربني؟؟؟
بس ماعليه يا فارس ماعليه..
خلك ترجع بالسلامة.. ونتفاهم)
↚
أم مشعل وبناتها مريم والعنود كن في الانتظار
ومعهن مشاعل ولطيفة
في ذلك الوقت كانت سيارة راكان تتوقف في باحة البيت
راكان يلتفت لموضي المتوترة جواره
يتناول كفها ويحتضنه بحنو وتملك ويهمس لها: ترا مافيه حد داخل غير الناس اللي أنتي خابره
ماحد منهم تغير.. ليش التوتر؟؟
موضي بقلق: بس يمكن أنا تغيرت
شد كفها بقوة أكبر وحنان أعظم: وش اتفقنا عليه؟؟
للمرة الأولى تبادر موضي وتشد هي كفه التي تحتضن كفها
شعر راكان بألم غير مفهوم في عمق فؤاده مع ضغط أناملها الرقيقة
همست برجاء: ادخل معي
هز أعماقه بعنف امتدادها القوة منه ورغبتها في الاحتماء به
تمنى لو يستطيع أن يخبئها بين رموش عينيه لو استطاع
همس لها بهدوء حانٍ: كان ودي ادخل معش.. بس شوفي جودي واقفة عند الباب
معناته لطيفة داخل
مهوب أمي وخواتي بس
أنا بأروح المجلس.. الرياجيل ينتظروني على العشاء
وباجيكم عقب
موضي تنهدت وهي تسمي بسم الله وتنزل بخطوات مترددة
عكس خطوات راكان الواثقة الواسعة وهو يتجه لجود ويحملها ويغمرها بالكثير من قبلاته
ثم ينزلها ويتوجه للمجلس
وجود تركض لناحية خالتها وترمي نفسها عليها
لتحتضنها موضي بحنان وهي تحملها وتقبلها بعمق ثم تدخلها معها لداخل البيت
بعد حوالي ساعة
انتهى العشاء عند كلا الطرفين
النساء والرجال
مجلس الحريم في بيت محمد بن مشعل
لطيفة وموضي متجاورتان
مريم والعنود ومشاعل يشتبكن في الحديث معا
وأم مشعل استأذنت لتناول أدويتها
لطيفة تبتسم وهي تهمس لموضي بخفوت: غريبة شايفتش مستحية.. مهوب عوايدش
بالعادة شاقه القاع وقايلة باع
موضي تبتسم: يا شين أمثلتش بس.. يأ أختي خليني أمثل مستحية.. وش عليش
لطيفة بنبرة مقصودة: المشكلة أنش ما تمثلين يا موضي.. مستحية صدق
صمتت موضي
ولطيفة أكملت حديثها: شالسالفة موضي؟؟ ما عمرش دسيتي علي شيء
لا تكونين منتي بمبسوطة مع راكان؟؟
موضي بجزع عفوي: لا والله.. ياحظها اللي يصير راكان لها.. مامثله في الرياجيل اثنين
لطيفة باستغراب: ياحظها؟!!
ليه هو صار حق حد غيرش؟؟!!
موضي بحرج: ما أقصد.. لا تصيدين علي كل كلمة
لطيفة تتنهد: براحتش موضي.. أظني إنش تعرفيني.. اذا صار في خاطرش شيء تقولينه تراني حاضرة
عاودت موضي الصمت
في حياتها مع حمد.. كانت تخبر لطيفة بكل شيء
ولكنها الآن غير مستعدة لإدخال أحد في عالمها هي وراكان.. العالم الغريب والعميق والمجهول والمثير
همست موضي بعد دقيقة بهدوء: قومي معي أروح أسلم على أمي وجدتي..
ألحق أرجع قبل يجي راكان
على الجانب الآخر
مشاعل تهمس برقة: عنودة وش فيش؟؟ ليش مكتمة كذا؟؟
العنود بنبرة مصطنعة: مافيني شيء
مريم بهدوء عميق: من حيث فيش.. فأكيد فيش..
مشاعل ابتسمت: يا الله وهذي مريم ساندتني بعد
العنود تحاول أن تبتسم: ياشينكم.. ما أسرع اتفقتو.. الله يكفي شركم
أصلا كل وحدة منكم حاستها السادسة رادار.. اتفقتو يعني مافيكم حيلة
مريم تبتسم: والمعنى أنه فيه شيء فيش..
العنود ببساطة: مافيه شيء.. فارس عصب علي شوي قبل أجي.. عشان كذا متضايقة
(جزء من الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة)
مشاعل بحنان: ياقلبي يا العنود.. عشرين ألف مرة قايلة لش.. فارس يعصب بس والله قلبه طيب
العنود بضيق: أدري.. بس ما أقدر أمنع نفسي ما أتضايق
مريم بعمق: وأنا قلت لش لا عاد تسوين شيء يخليه يعصب
العنود تتنهد: خلاص خير.. الموضوع كله بسيط.. أنا وهو نعرف نتفاهم
ذات الوقت.. مجلس آل مشعل
راكان وناصر
ناصر بمرح: هاه وشرايك في الحياة الزوجية يالعريس؟؟
راكان يبتسم: مالك شغل.. ما نعطي كورسات للبزارين
ناصر يضحك بصوت خافت: عشتو.. أظني إني معرس قبلك يا أخ أنت
راكان بابتسامة: وأظني أكبر منك يا أخ أنت..
ناصر بمودة ومرح: حتى لو ما قلت.. باين عليك متشقق..
من يوم دخلت علينا وابتسامتك شاقة.. بالعادة تبتسم في المناسبات الرسمية والعيدين..
راكان مازال مبتسما: ياملغك بس
(أحقا ماعدت قادرا على السيطرة حتى على ابتسامتي؟!!
ولكني بالفعل سعيد
لا أعلم سببا لهذه السعادة
ولكنها سعادة جديدة بدأت تتسلل لروحي المثقلة
هناك ما ينغصها.. نعم
ولكنها تبقى سعادة عميقة
لأول مرة ..سعادة بهذا العمق ترفرف في كل أنحاء روحي)
رن هاتف ناصر.. رد بصوت خافت..ثم أنهى المكالمة
وألتفت لراكان ليقول باستغراب: أختك دلوعتنا مهيب صاحية متصلة فيني تسألني عن رجالها
أقول لها ليه ما تتصلين فيه
تقول جواله مقفل
شكلها تتدلع عليه
ابتسم راكان وهمس بحنان:خلها تدلع الغالية.. الدلع أصلا ماخلق إلا لها
ثم أردف باهتمام: بس فارس كنه تأخر
أنا تعبان من السواقة وأبي أنام
بس أبي أشوفه الأول
ناصر (بعيارة): عدال.. تعبان من السواقة وإلا مستعجل على شوفت بنت عبدالله؟؟
راكان بغضب شفاف: نويصر تحشم
ناصر يضحك: ياشين دور الأخ الكبير عليك.. لازم تكعمني يعني (تكعمني/تجعمني/ تأنبني وتسكتني)
فارس توه اتصل فيني من دقايق.. يقول خلص شغله وجاي في الطريق
ومع انهاءه لجملته كان فارس يدخل المجلس
وناصر يكمل بمرح: ليتنا طرينا مليون ريال بدال وجه رجال أختك الودر ذا
قبل ذلك بقليل
زاوية أخرى
سعد ومشعل
مشعل أخبر سعد بما طلبته منه مريم
سعد يرد غاضبا: مشعل أنت شايفني بزر أسوي شيء ماني بمقتنع فيه
مشعل بهدوء: هدي أعصابك.. أنا قلت لمريم كذا
بس هي تقول هذا زواج.. وعشرة عمر
وهي وحدة ضريرة وتخاف إنها تكون حمل عليك مع مسؤوليات عيالك
وتقول إنها حاسة أنه....
والله ما أدري أشلون أقولها لك...
إنه... يمكن يكون ذا الزواج مشروع فاشل
ووحدة في عمرها ووضعها ماتستحمل مشاريع فاشلة
سعد بصدمة: زواجها مني مشروع فاشل؟!!!
مشعل يتنهد: يا ابن الحلال لا تفهمها بذا الطريقة
الفشل من ناحيتها مهوب من ناحيتك
أنت رجال كامل.. والكامل وجه الله
لكن هي متحسسة من ناحية إنها ماتشوف.. وتخاف تكون حمل عليك
سحب سعد نفسا عميقا ثم همس لمشعل: مريم عمرها كانت حمل عليكم؟؟
مشعل يبتسم: لا والله حن اللي حمل عليها.. وإلا هي ماعمرها ثقلت على حد
سعد يبتسم: خلاص عشانا عقب رجعة راكان من سنغافورة.. الخميس اللي عقب 3 أسابيع
***************************
قسم ناصر الذي أصبح لراكان
الساعة 11 مساء
لطيفة تدخل مع موضي للبيت
موضي تخطو للداخل بتردد
ولطيفة تحمل جود التي تشعر بالنعاس وتهمس بخفوت:
شوفي أنا رتبت كل أغراضش وأغراض راكان
أنا رتبت مثل ما أعرف إنش تحبين ترتبين أغراضش
لو ما عجبش شيء خلاص بكيفش رتبي مثل ما تبين
موضي بعذوبة: مشكورة يأم محمد.. ومن اللي ما يعجبه ترتيبش
ثم أردفت: ايه لطيفة.. كنت أبي أسألش الكنبة اللي تنفتح اللي في صالة غرفتش من وين اشتريتيها؟؟ عاجبتني
لطيفة باستغراب: ليه وش تبين فيها؟؟
موضي بحرج: أبي أرتب الغرفة الثانية بأحط فيها مكتب لي ولراكان وأبي أحطها فيها
لطيفة نظرت لها بنصف عين: لا تكونين ناوية تطردين راكان
موضي بحرج أشد: الشرهة علي اللي سألتش
لطيفة باستعجال: خلاص لا تطنقرين (تزعلين) علينا.. إذا بغيتي تشترين وديتش
والحين لازم أروح.. تأخرت على بيتي
أنا ساحبة فاطمة من بيت هلي عشان تقعد عند عيالي اللي رقدتهم قبل أجي
الحين فاطمة بتسطرني.. كل مرة تلاغيني تقول أنا أشتغل عند أنتي وإلا عند ماما؟؟
ثم أردفت وهي تخرج: بكرة بأجي لش مع الكوافيرة عقب صلاة المغرب
موضي دخلت للداخل بخطوات مترددة.. تعرف المكان جيدا فهي جاءت مع لطيفة عدة مرات لترتيب أغراض مشاعل هنا
علقت عباءتها التي كانت بيدها
وقررت أن تستحم أولا لتهدئة أعصابها المستنزفة
ثم خرجت ملتفة برداء الحمام
فتحت الدولايب لتختار لها ما تلبسه
شعرت بالتوتر يتزايد
تريد أن تلبس شيئا أقل تزمتا مما كانت ترتديه أمام راكان طيلة الأيام الماضية
ليس لأنها تريد
فلو كان الأمر برغبتها لبقيت ربما بعباءتها وشيلتها
ولكن لأنها لابد أن تفعل ذلك.. حتى تقنع راكان أنها تحاول تجاوز مافعله حمد بها
فراكان كالبقية لا يعلم أن حمد يعاني من مرض نفسي يتعالج منه في مصر
ومن يعلم هن لطيفة ووالدتها وموضي وهيا ووالد حمد فقط
وموضي لا تريد أن تخبر أحدا بسر علاجه
ومن ناحية أخرى لا تريد أن يظن راكان أنه بقي لحمد أي تفكير في مخيلتها
استقرت على اختيار معين لملابسها
ارتدت ملابسها ثم ارتدت ثوب الصلاة فوقها وصلت قيامها
بعدها توجهت للتسريحة
شعرت برغبة ملحة غير مفهومة أن تتعطر.. تتزين.. بعضا من أحمر شفاه فاتح ربما
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها
ولكنها قررت أن تتوقف عن فكرة التزين التي بدت لها لا داع لها بل ومبتذلة
وتركت وجهها صافيا خاليا من المساحيق
ثم توجهت للصالة لتجلس فيها انتظارا لراكان
لم يطل انتظارها
فبعد دقائق كان يدخل بخطواته الثقيلة الثابتة قادما من بيت والده بعد أن سلم على والدته وشقيقاته..
توقف للحظات وكأن الزمن توقف معه وهو ينظر للبهاء المكتمل الجالس أمامه
ارتعش شيء ما في داخله.. شيء ما!!
ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز داخله مطلقا
كانت تجلس أمامه ببيجامة أنيقة
قميصها (التوب) القطني بدون أكمام (هاي نك) باللون الفستقي الكامل
وبنطلونها الحريري (برمودا) لتحت الركبة بقليل حرير مشجر باللونين الفستقي والابيض..
وشعرها المستحيل متناثر على كتفيها ويلتف حول رأسها عصابة حريرية من نفس لون وقماش بنطلون البيجامة
وترتدي خفين فستقيين برباطين يعقدان عند الكاحل
كانت طلتها مثيرة ورقيقة.. وموجعة.. وصادمة..
فهو لم يراها طيلة الأيام الماضية سوى بلباس غاية في الرسمية والاحتشام
حتى البيجامات كانت ترتدي فقط البيجامات الكلاسيكية الحريرية موحدة اللون
بعد أن اشترت منها عدة قطع من أحد مجمعات دبي..
بقي مذهولا للحظات لم تشعر بها موضي ولكنه هو من شعر بها
ولكنه تماسك بسرعة وهو يبتسم ويسلم ثم يجلس قريبا منها
لتخترقه رائحة عطرها المختلط برائحتها العذبة
تنهد وهو يقول لنفسه (أنا اللي جبته لنفسي )
راكان يشعر بألم غير مفهوم
فهي توقظ فيه الرجل
ولكن أين العاشق؟؟
يستحيل أن ينظر إليها كما ينظر أي رجل لأي أنثى
فليس هو بأي رجل
وليست هي بأي أنثى
بل هما راكان وموضي!!
ابتسم وهو يسألها: زال توتر المقابلة الأولى؟؟
ابتسمت وهي ترفع عينيها له: زال.. وترى جدتي تسأل عنك
راكان يضرب على جبينه: يوه.. والله حسبتها نايمة.. الحين وش بيرضي هويه علي .. بتقص رقبتي
موضي بمرح رقيق: خلك من المهايط.. ومن اللي يقدر عليك
أنت بالذات جدتي عمرها مازعلت عليك
زعلت من كل عيال عيالها إلا أنت.. ما أدري وش مسوي لها؟!!
راكان بابتسامة: وهم ليه يزعلونها؟؟
موضي بعذوبة: ولو أن هذا مهوب جواب على قولتك
بس تدري أمي هيا تحب تجرب غلاها
راكان بمودة: وهي تدري إنها عندي غالية..ومافيه داعي تجرب
وقفت موضي وهي تهمس بمرح: ماشاء الله.. ماحد يقدر عليك في الحكي
كانت موضي تريد التحرك.. لولا أن يد راكان الجالس أطبقت على أناملها بقوة لتوقفها مكانها
ارتعشت موضي بعنف..
لاحظ ارتعاشها وأناملها الساكنة بين أناملة تنتفض كعصفور بلله القطر
ولكنه تجاوز ارتعاشها رغم تأثره به وهو يهمس لها بحنان: وين بتروحين؟؟
موضي بصوت مرتعش: بأروح أجيب لي ماي.. تبي أجيب لك شيء.. أو أسوي لك شيء
راكان بهدوء حانٍ: لا.. مشكورة.. أنا بأقوم أصلي.. ثم بأرجع
ثم أردف بشفافية: مشتهي أسولف معش
(فأنا لم أرتوي بعد من النظر إلى محياكِ
ولا من سماع همسكِ
ولكن
هل سأرتوي يوما؟!!
هل؟؟
لا أريد أن أرتوي.. لا أريد
أريد أن أعيش مابقي من أيامي ضارعا إلى عينيكِ
غارقا بين همساتكِ
.
.
.
راكان ما الذي يحدث لك؟؟
أي جنون أصابك؟!!
يبدو أنني فقدت السيطرة المنطقية على تفكيري!!
لا أريد أن أخسر موضي كإنسان وصديق نادر
وأنا وعدتها بالحماية والاحتواء
.
.
ولكني لم أمارس أي تجاوز لعلاقتنا كأصدقاء
فهل هناك أحب إلى الإنسان من النظر إلى وجه صديقه والاستماع إلى حديثه؟!!)
**************************
بيت فارس بن سعود
الساعة 12 مساء
غرفة فارس والعنود
العنود بعد أن اطمأنت إلى عودة فارس سالما من شقيقها ناصر
استعادت شعور غضبها منه
قد تكون تحملت منه الكثير
ولكنه أيضا تغير كثيرا من أجلها.. وهي تعلم ذلك
من رغبة بالزواج حتى يأدبها على تطويلها لسانها عليه إلى عاشق متيم
ولكن هل حقا كان يرغب في تأديبها أو في تأديب نفسه المتجبرة القاسية؟!!
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" النساء يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم"
وفارس ليس لئيما أبدا
بل هو رجل كريم النفس واليد ومن نسل كريم
وهكذا حين تحكم العروق الطيبة..يحضر الطيب وتفوح روائحه العطرة
ولكن هذه العروق الطيبة بها كبرياء متأصل عتيد أيضا!!
فكيف التلاقي بين الطيب.. والطيب؟!!
و من ناحيتهاالعنود لا تريد أن تكون من مكفرات العشير..
اللاتي ما أن يبدر من أزواجهن أي إساءة لهن.. حتى ينكرن عشرتهم وينفين كل طيبهم معهن
ولكنها على الجانب الآخر تعلم أنها لن تحتمل مرة قادمة قد يمد يده عليها فيها
دخل فارس بهدوء.. كان خالي الذهن تماما
فهو لم يظن للحظة أن العنود قد تكون غاضبة منه
دخل وهو يتلفت بحثا عن طيف فاتنته
كانت تجلس على مكتبها مقابلة لحاسوبها تعد ورقة عمل مطلوبة منها
اقترب منها
وهي اضطربت وبدأت طباعتها تتحول إلى سلسلة من الأخطاء
لم يكن اضطرابها خوفا.. ولكن تبعثرا
فحضوره يبعثرها غصبا عنها
وقف خلفها وهو يسلم وهي ردت السلام بخفوت
انحنى عليها وهو يرفع شعرها عن عنقها ويميل أكثر ليطبع قبلته عليه
ولكنها وقفت قبل أن تصل شفتيه إليها وشعرها يفلت من بين أنامله
فارس نظر لها باستغراب وتقطيب وهو يراها تبتعد لتجلس على الأريكة
اقترب وجلس قريبا منها وليس جوارها
وهمس بهدوء: وش فيش؟؟
العنود تهمس بحزن دون أن تنظر له: إسأل روحك
فارس بهدوء حازم: وش الجريمة اللي سويتها حتى تكلميني بدون ماتطالعيني؟!!
إذا صار عندش شيء تقولينه حطي عينش في عيني وكلميني
أو احتفظي بكلامش كله لنفسش
العنود رفعت عينيها له وهي تهمس بحزن أكبر: ليه أنت منت بداري حتى وش سويت؟؟
فارس بنبرة حادة نوعا ما: العنود بلاها حركات الدلع.. أنا ما سويت شيء
إذا أنتي عندش شيء قوليه
حينها بدأت عيناها تغيمان بالدموع.. وهو شعر بالجزع.. قد يحتمل كل شيء إلا دموعها
حينها وقف وجلس جوارها واحتضن كفها وهمس بحنان: ودموع بعد
حبيبتي تكفين قولي اللي تبينه بس من غير دموع.. تدرين ما أستحمل دموعش
حينها أسندت العنود رأسها لكتفه وهو احتضنها بحنو وهو يهمس: يالله قولي لي
وش مزعلش على فارس ثقيل الدم؟؟
العنود تحاول السيطرة على سيول دموعها وحتى لا تبدأ بالشهقات
فإن كان لا يحتمل دموعها.. فهي لا تحتمل نبرة الحنان الدافئة المختلفة في صوته
همست بخفوت: الليلة لما طلعت للمداهمة.. تقدر تفهمني اللي تبي بدون ما تمد يدك علي
مد اليد للبهايم وأنا ماني ببهيمة.. وعمري ماخالفتك
شعرت العنود بعضلات صدره تتصلب بقوة تحت خدها وهو يهتف باستنكار:
أنا مديت يدي عليش؟؟
العنود رفعت رأسها وهي تهمس بألم: أجل وش تسمي إنك تدزني وتطيحني على الأرض
فارس بذات نبرة الاستنكار: أنا؟؟
العنود تحكي له الموقف باختصار
وفارس يتنهد ويهمس بهدوء: حتى لو كان صار.. فأعتقد إنش عارفة إني مستحيل أقصد أمد يدي عليش
وأنتي المفروض ما تصغرين عقلش وتحملين الموضوع أكثر من احتماله
العنود بعتب: الحين أنا الغلطانة.. بدل ما تطيب خاطري.. تطلعني الغلطانة
فارس بحزم رقيق: اسميني العنود.. أنا يوم غلطت في حقش اعتذرت وما تشاينتها
بس أنتي مهوب تطالبيني أعتذر حتى لو ما غلطت..لأنه مستحيل يصير
أصلا الاعتذار صعب علي يوم أكون أنا الغلطان
فاشلون وأنا ما غلطت
العنود وقفت وهي تقول بغضب حزين: خلاص لا تعتذر ولا ت****ني
بس هذا أنت صار عندك خبر.. ومرة ثانية تمد يدك علي انسى إن لك مره أساسا
فارس وقف وهو يقول بغضب حقيقي: العنود لا تهدديني.. واتقي شري
العنود صمتت.. فهي تعلم أنها استفزته بما فيه الكفاية.. وتعلم أنها ليست ندا لغضبه
هي توجهت لسريرها وتمددت
وهو توجه للحمام ليستحم ويهدئ غضبه
حين خرج من الحمام ..صلى قيامه.. ثم تمدد جوارها
كلاهما يشعر بالألم
الكثير منه
فبرغم كثرة ماكان يثور عليها ويتخاصمان إلا أن خصامهما لا يطول مطلقا
ولم تمر عليهما ليلة باتا فيها وهما متخاصمان
فكيف سينامان الليلة؟!!!
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 12 إلا ربع
مشعل يدخل ليجد لطيفة تدرس على مكتبها
يسلم وترد عليه السلام
لتقف وتتجه ناحيته وتأخذ غترته منه
تحتضنها وهي تشمها وتهمس برقة: مغير عطرك؟؟
مشعل يجلس وهو يبتسم: مغيره أبي أقص على مريم السكنية.. بس صادتني
لطيفة تضع غترته في سلة الغسيل وتعود وتجلس جواره وهي تهمس بمودة:
ياحليلها مريم.. تعرف كل واحد فينا مهوب بس بالريحة.. حتى بالخطوة والمشية
مشعل يهمس بهدوء: وعلى طاري مريم ترا عرسها الخميس اللي عقب 3 أسابيع
مجرد عشاء بسيط لكم يا النسوان.. مثل ما مريم تبي
بس الرياجيل سعد بيسوي عشاء كبير في مجلسه
لطيفة باستغراب: وليش قدموه كذا؟؟
مشعل حكى لها عن رغبة سعد باختصار.. ولطيفة ردت: ليش لا.. عنده حق
على كذا بانشغل الأيام الجاية أتشرا لمريم
مشعل يقبل رأسها وهو يقول بتقدير عميق: طول عمرش أم الجميع يأم محمد
لطيفة بحنان: مريم بالذات غلاها غير..
مشعل يبتسم: وأبو محمد وش علومه من الغلا؟؟ ماله نصيب؟؟
لطيفة تحتضن ذراعه وتقبل كتفه: الغلا كله للعيار أبو محمد وهو داري
مشعل بجدية رقيقة: ويوم أبو محمد غالي.. بأطلب منش شيء ولا تقولين لأ
لطيقة بعذوبة: عيوني لك
مشعل بحنان: تسلم العيون وراعيتها.. أشرايش نروح أنا وأنتي عمرة.. وعقب نقعد كم يوم في جدة..
أنا صار لي فترة مضغوط في الشغل.. وابي أغير جو
وأنتي العطلة خلصت مارحتي مكان..
خلصي سوق مريم ذا الأسبوع.. ونروح الأسبوع الجاي
لطيفة بهدوء: ومن اللي يعيي من العمرة.. بس عيالي عندهم مدارس وش أسوي فيهم.. وجودي خبرك متعلقة فيني واجد
مشعل يقاطعها: ومتعلقة في موضي بعد
لطيفة بذوق: ما أقدر أخليها عند موضي وموضي عروس مالها عشرة أيام
وش تبي راكان يقول علينا؟؟
مشعل بهدوء: أصلا أنا اخترت ذا الموعد بالذات لأنه راكان بيروح الأسبوع الجاي بطولة في سنغافورة
وبيغيب أسبوع.. أكيد موضي بتروح بيت هلش.. نخلي العيال عندهم
هاه وشتقولين؟؟ خليني أخلص من عيالش لو مرة..وأسافر أنا وأنتي بروحنا
لطيفة تبتسم: خلاص شورك وهداية الله...
***********************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 11 ونصف
ناصر كان قد جاء مع راكان الذي جاء للسلام على أمه وشقيقتيه
دخل أولا..
ونبه مشاعل أن راكان سيدخل
لذا صعدت للأعلى
كان هذا قبل أكثر من نصف ساعة
وخلال هذه النصف ساعة أبدلت مشاعل ملابسها وصلت قيامها
وجلست تنتظر ناصر وهي تقلب في دليل مهامها الموكلة إليها من المدرسة
التي ستبدأ العمل فيها خلال الأسبوع القادم
حين دخل ناصر ارتبكت كعادتها
ابتسم ناصر وهو يسلم ويهمس لها بمرح: طالبش بلاها ذا النظرة
أحس أني كني طالع عليش من فيلم رعب عشان أخوفش
صمتت مشاعل بخجل
وناصر جلس بالقرب منها وهو يسألها بمودة: أشلونها موضي؟؟ عساها مبسوطة؟؟
مشاعل برقة: الحمدلله
ناصر بشفافية: تدرين يا قلبي.. أنا الليلة مستانس فوق ما تتخيلين
مشاعل ابتسمت بتلقائية وهي تشعر بسعادة لسعادته: الله يونسك بالعافية
ودوم يارب
ناصر بابتسامة واسعة: أول مرة أحس راكان مبسوط كذا.. طول عمره شايل هم خلق الله وما يفكر بروحه
الليلة حسيت فعلا وجهه منور وعيونه تلمع.. شيء متغير فيه فعلا
والله أختش هذي جبارة.. ودي أحب رأسها والله العظيم
مشاعل شهقت وهي ترفع عينيها له: نعم.. تحب رأسها؟؟
ناصر خطر بباله الخبث.. لذا رد بانكسار مصطنع: إيه أحب رأسها
وش أسوي؟؟ ما عندي حد أحب رأسه
مشاعل أُخرست وهي تنظر لأناملها وتدعكها بخجل
وناصر تنهد وهو يقول في داخله
(ماعليه.. أقله ما هربت
تطور ملحوظ
عقبال ما تجي تهرب تطيح في حظني يارب)
************************
قسم راكان وموضي
الصالة
الساعة الواحدة والنصف ليلا
أخذهما الحديث وتشعب.. تحدثا كعادتهما مؤخرا في كل شيء.. واللاشيء
المهم أن يتحدثا
وكل واحد منهما مأخوذ بطريقة الآخر في الحديث.. نبرة صوته.. صياغته لعباراته وأفكاره
إعجاب متبادل وعميق.. عميق لأبعد حد
موضي تنظر للساعة وراكان ينظر لها ويهمس: تمللتي مني؟؟
موضي تبتسم: ياحلات ثقل الدم عليك
راكان يبتسم: تدرين في شغلنا في الديوان البروتوكول والاتيكيت مهم عندنا
ويعطونا دورات خاصة فيه
النظر للساعة دليل تملل.. أو إشارة للرغبة في إنهاء الحديث والطرف الثاني لابد يراعي هالشيء ويخفف استعدادا لإنهاء الحوار
موضي برقة: وبعد شيقولون لكم؟؟
راكان بهدوء:
موضي بابتسامة: بس أنا لما كنت أشوف الساعة عشان أحس إني أنا نسيت نفسي في السوالف وطولت عليك
لأنه أنت اللي كنت تسوق وتونا واصلين الليلة وما بعد ارتحت
راكان يضحك: حلوة الترقيعة.. بس ما مشى حالها
موضي تضحك برقة: والله ما أرقع..
تدري.. بكيفك.. خلنا قاعدين لين صلاة الصبح.. بس لا تشتكي لي بكرة إنك تعبان
راكان بعمق شفاف: لو أقعد مقابلش عمري كله.. وأنتي بس تسولفين علي
عمري ما اشتكي
موضي همست بحرج: مهوب كنك تجاوزت المجاملة للنفاق الاجتماعي يا نصير البرتوكول
راكان ابتسم: أنا قلت لش هم يعلمونا البروتوكول كأسس.. بس حن غير ملزمين نجامل.. وأنا قلت لش قبل إني ما أجامل
ثم أكمل بعمق شفاف:
خصوصا معش.. أحس فعلا إني على سجيتي.. واللي في خاطري أقوله
موضي بشجن مؤلم: تكفى راكان ما تكون رقيق ورائع وشفاف لذا الدرجة..
والله وقتها جد أحس بالوجيعة عشانك.. وإني أنا جنيت عليك بفكرة زواجنا
راكان وقف بحدة وهو يتنهد بعمق وكأنه يعد من الواحد إلى العشرة
ثم يقول من بين أسنانه ويرص على كل حرف:
أكثر من مرة طلبت منش تنسين ذا الكلام السخيف
وأنتي تدرين إنه يضايقني.. أفهم يعني إنش تعمدين تضايقيني؟!!
تدرين الأحسن نوقف الليلة كلام.. ومافيه داعي تقولين أي شيء.. عشان أنا لحد الحين مسيطر على أعصابي
وأنا حذرتش قبل إني لو عصبت بتمنين عمرش ماشفتي عصبيتي
راكان أنهى كلامه وتوجه للداخل
وموضي شعرت أن كلماته سهام مسنونة انغرزت في جسدها
ليس من أجل نفسها
ولكن من أجله..
كيف تتسبب له بالألم وهي تتمنى لو تحمل كل الألم عنه؟!!
كيف تضايقه وهي تتمنى لو تتلقى كل أذى العالم نيابة عنه؟!!
قد تكون تألمت كثيرا في حياتها
ولكنها الآن مستعدة وبصدق غريب غير مفسر أن تتألم أضعافا مضاعفة
مقابل فقط أن تزيل نظرة الضيق التي شوهت عمق نظراته الحانية
************************
واشنطن
مساء
بيت يوسف
يوسف وباكينام والجدتان يصلون جميعا للبيت
بعد إنهائهم لجولتهم السياحية
كانت جولة طويلة وممتعة للغاية
هدنة رقيقة ربطت جميع الأطراف
ويوسف كان دليلا رائعا ومضيافا ومتحدثا لبقا شاسع الثقافة
العجوزان استمتعتا كثيرا بزيارة المتاحف ووجدتاها فرصة لهوايتهما الأثيرة:
تمجيد مآثر شعبيهما العريقين.. أفضل شعوب الأرض قاطبة.. كما هما يرونهما!!!
أما باكينام فكانت أكثر الأطراف سعادة بهذه الهدنة وإن كانت لم تظهر هذه السعادة
لطف يوسف ورقته وأريحيتيه بعثت سعادة عميقة في روحها
وخصوصا أنه طوال الجولة وهو يحتضن كفها
وكلاهما يدعي أنه يمثل أمام العجوزين
ولكن ما أن يفلت أحدهما يد الآخر حتى يبدأ في بحثه المحموم عن دفء أنامل الآخر حتى تعاود أصابعهما الالتقاء وأرواحهما السكون
عادوا جميعا للمنزل بعد أن تغدوا وتعشوا خارجا
العجوزان مستنزفتان من الإرهاق
فاستأذنتا الذهاب لغرفتهما
باكينام صعدت لغرفتها.. ويوسف توجه للمسجد ليصلي العشاء
وعاد بعد أن صلت باكينام واستبدلت ملابسها
كانت أمام المرآة تمشط شعرها حين دخل يوسف
ابتسمت بتلقائية
فابتسم لها وهو يقول بحنان تلقائي: ضحكتك حلوة أوي
مش حرام عليكي حرماني منها
حينها قطبت بتلقائية أيضا
فهمس بشجن: خلاص سحبت كلامي
المهم تضحكي
حينها التفتت له وهي تبتسم وتهمي برقة: ميرسي عالنهار الحلو ده
ستاتي انبسطوا خالص.. مش عارفة أشكرك أزاي
حينها همس يوسف بتساءل: ستاتك هم اللي انبسطوا بس؟؟
صمتت باكينام وهي تتوجه للأريكة وتجلس عليها
تحرك يوسف باتجاهها وجلس جوارها
تناول كفها واحتضنها: أنا عارف إن الهدنة عندك ما بتطولش
بس حاولي تطوليها ئد ما تئدري
باكينام شددت احتضانها لكفه وهمست بشجن: أعتقد أنو أنا اللي مفروض أئول لك كده
يوسف ترك كفها ليحتضن كتفيها وهي أرحت رأسها على صدره
ومضى زمن ما.. غير محدد بدقائق أو لحظات
والاثنان يغوصان في بحر عاصف من المشاعر التي اتعبها الكتمان وتغيير الاتجاهات ولي أعناقها
قطع جوهما الغريب والمشحون رنين هاتف يوسف.. ونهوضه للرد عليه
************************
قبل ذلك بقليل
شقة مشعل
مشعل يدخل إلى شقته قادما من صلاة العشاء في المسجد
وجد هيا تتمدد على الأريكة في الصالة
توجه ناحيتها ورفع رأسها ليضعه على فخذه ويجلس.. ليهمس لها بحنان: عادش قرفانة من غرفتنا؟؟
هيا تقطب جبينها: ايه والله قرفانة منها.. زين ما انقرفت من غرفتي القديمة وإلا من البيت كله
مشعل يبتسم وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها: يا خوفي بكرة تنقرفين مني
مثل أمي في وحامها الأخير بريم.. أكثر وقتها كانت قاعدة في بيت خالي جابر
صحيح هي كانت تستحي تقول قرفانة من شيبتها.. بس حن كنا دارين
هيا تضحك برقة: أكيد من حبها لعمي عبدالله فديته..
أصلا يقولون العجايز.. المرة اللي تحب رجّالها يجي وحامها فيه
وأنا بعد أحبك وأموت فيك
مشعل يضحك: ما أبيش تحبيني.. دخيل الله اكرهيني.. المهم ما تنقرفين مني
موضوع الحب والكراهية أعاد لهيا ذكرى الاثنين الراقصين على حبال الحب والكراهية: باكينام ويوسف فهمست بعذوبة:
مشعل حبيبي متى بتشوف يوسف
مشعل بتذكر: زين ذكرتيني..
خلاص بأقوم أتصل فيه.. وأتواعد أنا وهو نتقابل بكرة
**************************
اليوم التالي على كل الجبهات
الدوحة
قسم راكان وموضي
الساعة العاشرة والنصف صباحا
موضي أعدت الفطور لراكان ثم أبدلت ملابسها وتأنقت لأقصى حد
وهاهي تجلس في انتظار أن يصحو من نومه
فهي تريد أن تقدم اعتذارا بطريقة غير مباشرة.. رغم أنها قدمت البارحة اعتذار مباشرا.. وتصافيا
البارحة حين غضب منها راكان ودخل للداخل
لم تجرؤ مطلقا على اللحاق به أو فتح أي باب للحوار
وهو عاد بعد دقائق وهو يحمل مخدة وغطاء وتمدد على الأريكة وتغطى دون أن يوجه لها الحديث
تعلم أنه لا يريد أن يتكلم وهو غاضب منها
ولكنها لا تستطيع النوم وهو غاضب
وهما اتفقا على المصارحة وألا يضعا أي حواجز بينهما
لذا اقتربت منه بخطوات مترددة
جلست على الأرض وهي تقف على ركبتيها بجواره
نقرت كتفه بحنان وهي تهمس برقة: راكان.. راكان
راكان أزال الغطاء عن وجهه وهو يلف لناحيتها.. كان يتوقع أنها واقفة
لذا صُدم وهو يرى وجهها على هذا القرب ولكنه اعتصم بالصمت وهو مازال متمددا ويتأمل عينيها من هذا القرب القريب
همست موضي بشفافية: راكان حن اتفقنا على الصراحة
وأنا مستحيل أقدر أنام وأنا عارفة أنك ماخذ على خاطرك مني
خلاص راكان والله العظيم ما عاد اجيب سيرة ذا الموضوع اللي يضايقك
وينقص لساني لو فتحته مرة ثانية
لم يرد عليها..
ولكنه مد ظهر سبابته ليلمس شفتيها ثم يمررها على وجنتها
وموضي شعرت كما لو كانت قنبلة موقوتة ما على وشك تمزيق وجهها لشدة توترها وهي تشعر بدفء سبابته على بشرتها
ثم لتشعر بما يشبه الطعنة العذبة وهي ترى راكان يعيد سبابته لشفتيه ويقبلها ثم يبتسم لها ويغطي رأسه
لم يحتاجا للحديث بعد
كل منهما فهم ما أراد وفق ما يريد
وكلاهما نام مرتاحا مطمئنا
حتى صلاة الفجر
بعد عودة راكان من الصلاة أستأذنها أن يفرش فراشا في الغرفة لينام لسبيين
السبب الأول وبكل صراحة: أنه اعتاد على وجودها معه في ذات المكان
والسبب الثاني أنه يخشى أن يأتيهما أحد ويجده نائما في الصالة
وهاهي موضي تجلس في الصالة انتظارا لنهوضه وهي تفكر
قوله الرقيق أنه اعتاد وجودها معه جعلها تعيد التفكير في طريقة تأثيث الغرفة الأخرى
شتان بين فكرتها عن زواجها براكان قبل أن يتزوجا فعليا
وما يحدث الآن
فهي لم تتوقع حتى للحظات أن علاقتها براكان ستتعمق لهذه الدرجة وبهذه السرعة
الوضع بات ملبسا وغريبا
وماعادت حتى تعرف ماهي حدودها في هذه العلاقة التي تحمل اسم زواج وهي لصداقة غريبة عميقة أقرب
(السلام عليكم)
صوته العميق المختلط ببقايا نعاس انتزعها من أفكارها
همست بابتسامة: وعليكم السلام
كان ينظر لها إليها بتمعن ثم همس بعمق رقيق: الدوحة تخلي الناس حلوين كذا؟؟
موضي ابتسمت بخجل: عيونك هي اللي تشوف الناس حلوين
راكان بابتسامة: والله قبل دقايق كنت أشوف لي وجه في المرايه
حاولت عيوني تخليه حلو بس بدون فايدة
موضي بعذوبة مرحة: يبقى عيونك ماعندها سالفة اللي ماشافت ذاك الوجه حلو
كان مازال واقفا.. توجه ناحيتها وجلس جوارها
ارتعشت موضي وهي تشعر بثقل جسده جوارها ثم احتكاك كتفه بكتفها
راكان تساءل بهدوء: تضايقش جلستي جنبش؟؟
موضي بشفافية: تضايقني لا.. استحي يمكن
راكان يلف بجسده قليلا ناحيتها لينظر لها بأكبر درجة من الوضوح وهو يقول: دامها ما تضايقش باقعد.. تستحين مني لأ
موضي ابتسمت له برقة: زين منت بمتريق؟؟.. قاعدة انتظرك
راكان بهدوء: نتريق ليش لأ.. ولو أن شوفة وجهش تكفي عن كل شيء
وياويلش لو قلتي لي إني أجامل
كانت تنتظر أن يقف ليتوجها لطاولة الطعام حيث رتبت الفطور
ولكنه فاجأها بتناوله لكفها
وفاجأها أكثر بتقريب يدها من شفتيه
ليطبع على كل إصبع من أصابعها قبلة رقيقة دافئة وطويلة
موضي شعرت بدقات قلبها تتسارع وتتسارع حتى أصبحت عاجزة عن سحب أنفاسها وهي تدعو الله بعمق أن يتوقف قبل أن يبدر منها تصرف يضايقه
كأن تنتزع يدها بعنف منه
فهي تتوتر من لمساته وهو يعلم هذا..
بينما هو عاجز عن التوقف.. عاجز عن المضي
عاجز عن الفهم.. عاجز عن التفسير
ولكنه أجبر نفسه على التوقف... وهو يعيد احتضان كفها ويصمت
التفسير لا معنى له.. وسيحيل تيار المشاعر المهول هذا إلى الابتذال والتسطيح
لذا احتضن كفها وهو يقف ويشدها لتقف معه.. ثم أفلت يدها
وهمس بهدوء يخفي خلفه توتر عارم وقلق عظيم لهذه المشاعر المجهولة التي بات عاجزا عن السيطرة عليها: يالله نتريق
***************************
اليوم التالي في واشنطن
مشعل ويوسف تواعدا على الإلتقاء في المقهى حيث كان يوسف يعمل
طاقم الخدمة رحب بهما ترحيبا عميقا من أجل زميلهما القديم جو
ويوسف أخبر مشعلا أنه كان يعمل هنا كنادل
مشعل ابتسم: زين وليه اشتغلت هنا؟؟ يعني ما اعتقد أنك كنت محتاج الراتب
يوسف يضحك: وليه لأ.. الفلوس حلوة
ثم همس بنبرة جدية: بس أنا اشتغلت هنا عشان أعمل دراسة ميدانية لرسالة الدكتوراة بتاعتي
زي منت عارف أنا علم اجتماع.. ورسالتي عن التغير الاجتماعي عند العرب سكان أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر
يعني ازاي اتغيروا.. واتغيرت أفكارهم.. حتى طريقتهم الاجتماعية في التواصل اتغيرت
وشغلي هنا في الكوفي اداني فرصة أراقب الطلاب العرب هنا.. بدون ما يتحسسوا إني عربي زيهم.. لأنه الغالبية كانوا فاكرين إني مكسيكان
وأنا كل اللي اشتغلته هنا تلات شهور تقريبا
من نص شهر 9 لنص شهر 12
مشعل بابتسامة: تدري إنك غريب بس بالصورة الإيجابية مهيب السلبية
يعني شغل مثل هذا بصراحة مايقدر عليه أي حد وخصوصا لو كان واحد عنده خير
يوسف يبتسم: بس كان له نواحي ايجابية كتير أهمها إني تعرفت على مراتي هنا
مشعل تنهد .. فالحديث وصل وبسرعة لمربط الفرس كما يقال.. مشعل بدأ بترتيب أفكاره وتركيز عباراته واختيار ألفاظه
لذا همس بنبرة تقدير مقصودة: والنعم بمرتك مثل ما يقولون عندنا
أنا أشهد أنه أمثالها قليل... تدري قبل كم شهر توفت أم زوجتي هنا
والله وقفت معنا وقفة حتى الرجال ما يوقفونها
ابتسم يوسف بشجن مؤلم.. كم هي عظيمة!! وكم أذاها وآلمها!!
وكم آذته وآلمته أيضا!!
ومشعل يكمل كلامه بذات النبرة المقصودة: حتى في مصر ما خليناها في حالها
وهي ما ترد أحد.. ولا ترفض طلب أحد
كانت تزور ولد عمتي حمد في المصحة........
يوسف حين سمع اسم حمد توتر وغضب عارم تصاعد في روحه
ومشعل يستكمل كلامه: يعني المسكينة كانت تقول لزوجتي إنها مشغولة في تجهيز عرسها
ومع كذا ظلت تزوره وتطمننا عليه لأنه زوجتي وعمتي جننوها من كثر ما يطلبون منها تزوره
وهي والله ما قصرت ولا تقصر
عينا يوسف كانتا ترمشان بسرعة وهو يغلقهما ويفتح ثم همس لمشعل بتساءل مفجوع: نعم؟؟ ممكن تعيد الحكاية دي لو سمحت
أنا لسه ما استوعبتش...
↚
بيت محمد بن مشعل
بعد الغداء
موضي ومشاعل تجلسان متجاورتان تتهامسان بعد أن غادرت أم مشعل لغرفتها لترتاح
واستأذنت مريم متحججة برغبتها بالراحة بعد عودتها من عملها
والسبب الحقيقي هو شعورها بالتوتر من موعد زواجها القريب الذي يتزايد شيئا فشيئا
موضي همست لمشاعل: هاه بشريني عنش أنت وناصر.. شأخباركم الحين؟؟
مشاعل صمتت بحرج
موضي ابتسمت: شكلها علوم
مشاعل بتردد: بصراحة محتاجة النصيحة.. أنا ماقلت للطيفة لأني عارفة إنها بتغسل شراعي
هي قالت لي تدلعي على ناصر بس لا تطولين الدلع
لكن أنا طولت الدلع.. طولته بزيادة.. بس غصبا عني والله مستحية
وهو مخليني على كيفي.. يعني يمكن لو هو بادر شوي أنا أتجرأ شوي
ثم أردفت مشاعل بحزن: تدرين موضي
أنا والله العظيم أحب ناصر.. أحبه فوق ما تتخيلين
ونفسي أعوضه عن اللي شافه مني ومن ذا الدنيا
وهو يستاهل كل خير.. بس والله ما أدري وش أسوي
موضي غمزت بعينها: عطيه إشارة
مشاعل بجزع خجول شهقت: إشارة؟؟ أنا؟؟
موضي ضحكت بخفوت: إذا كذا من أولها.. ما منش فايدة
مشاعل بتردد: زين أنتي قولي وأنا بأفكر
موضي بحزم رقيق: لا ما فيه تفكرين.. تبين مساعدة.. أنا بأقول وأنتي تنفذين
مشاعل تنهدت: أنفذ شنو
التمعت عينا موضي وهي تهمس بحماس: مخطط على كبير
أول خطوة قومي نروح مشوار الحين
ثاني شيء استأذني ناصر تنامين في بيت هلي الليلة
مشاعل بتردد: المشوار مقدور عليه.. ولو أن ناصر مايحب أطلع من البيت وهو موجود.. وهو راجع الحين من الغداء في المجلس
بس بيات في بيت هلي.. ماظني يرضى
موضي تقف وهي تلبس جلالها على رأسها وتغطي وجهها به وتهمس بحماس طفولي:
أهم شيء فكرة النوم عند هلي اقنعيه فيها لازم ضروري.. وأنتي وشطارتش
وانا رايحة بيتي بأستاذن راكان عشان الطلعة..
شوفي نص ساعة تقريبا ونطلع.. تجهزي
موضي عادت لبيتها
وجدت راكان جالسا في الصالة يتصفح الجريدة
خلعت جلالها ووضعته على المقعد وسلمت
رد عليها السلام وابتسم: طولتو في غداكم
موضي بابتسامة: خبرك غداء وعقبه مباحثات رسمية ومداولات
راكان بابتسامة: والمدوالات لازم ينتج عنها قررات.. إلا لو كانت مداولات قمة عربية
موضي تجلس وهي تضحك بعذوبة: أكيد قرارات سريعة وغير قابلة للتأجيل
وتنتظر موافقة حضرتكم للبدء في التنفيذ
راكان بمودة: آمري
موضب بذوق: بروح أنا ومشاعل مشوار صغير.. خبرك أمي أم مشعل مسوية عشا الليلة ونبي شوي أغراض
راكان بهدوء: زين أنا أوديش
موضي برفض رقيق: مشاعل بتروح معي.. وهي تستحي واجد
بنروح مع سواق بيت هلي وبتروح معنا فاطمة
راكان بهدوء: زين مشاعل أختي الصغيرة.. وشو له تستحي مني؟؟
موضي بمناشدة: خلاص راكان تكفى.. ساعة ساعتين بالكثير ونرجع
راكان يتمدد على الكنبة ويقول بهدوء حازم: خلاص خذي فلوس من بوكي في ثوبي المعلق وحاولي ما تتأخرين
موضي وهي تدخل للداخل لتأخذ عباءتها همست: معي فلوس.. تسلم
كانت تجلس أمام التسريحة لتمسح زينتها حين فوجئت براكان يدخل خلفها ويتوجه لثوبه المعلق ليخرج محفظته وهو يهمس لها بحزم:
خلاص موضي.. قلت لش خذي فلوس.. اخذي.. وشو له المرادد؟!!
موضي تبتسم: أنت ناسي إني قبل سفرة لندن بفترة بادية شغلي.. وراتبي كبير.. وأنت توك حاط مهري في حسابي.. وش بأسوي بذا الفلوس كلها
راكان يبتسم: فلوسش لش.. كيفش فيها
يا الله توكلي على الله
موضي شرعت في ارتداء نقابها وشيلتها وعباءتها على عجل.. وانتبه إلى أنها مسحت كامل زينتها قبل أن تلبس
لا يجد شيئا ينبهها له..دائما تتصرف كما يريدها أن تتصرف تماما
فهو حين دخل خلفها ليعطيها المال كان يريد أن يأمرها بمسح زينتها قبل أن تخرج
قد تكون فعلا لا يظهر منها أدنى شيء مع إضفاءها لعباءتها عليها
ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع منع نفسه من الشعور بالضيق أن هناك عينا ما قد تلمح شيئا من زينتها هو حق له
لـــه فقط..
لم يعد يطالب نفسه بتفسيرات.. فغرابته -كما يراها- أصبحت عصية على كل تفسير
والغرابة الأكثر غرابة هو رغبته التي يشعر بها الآن
يتمنى وهو يراها الآن تستعد للخروج وتضع محفظتها وهاتفها في حقيبتها
أن يستوقفها
ليحتضنها بكل قوته
ليدفنها بين ضلوعه
ويهمس في أذنها : "عاجز عن شكرك
بالفعل عاجز
لولا تلك الليلة الاستثنائية التي أجبت فيها استثنائيا على هاتف مشعل
لتصدميني بطلب استثنائي مستحيل هو إعادتكِ إلى بؤرة حياتي
لم أكن لأشعر بكل هذه السعادة التي اعتقدتها حلما بعيدا المنال
عاجز عن التفسير
وماعدت أبحث عن التفسير
يكفيني وجودكِ في حياتي
وبأي صورة أنتِ ترتضينها)
ولكن الأمنية تبقى أمنية.. وموضي خرجت خالية الوفاض من حلم احتضان
وراكان أبدل ملابسه بعد خروجها
وارتدى ملابس التدريب ليخرج لميدان الرماية
قبل ذلك بقليل
على الجبهة الأخرى
مشاعل في غرفتها تنتظر ناصر
حين دخل قفزت تستأذنه في الذهاب مع موضي
همس بهدوء وهو يخلع ثوبه ثم يتوجه للتمدد على سريره:
يعني أنا ما أقعد عندش إلا شوي الظهر وشوي أخر الليل
وأحب أشوفش قدامي
اصبروا لعقب صلاة العصر وروحو
مشاعل بخجل: تكفى فديتك.. ماراح نتأخر شوي وبنرجع
ناصر ابتسم: قلتي لي فديتك.. خلاص أنا رحت وطي
روحي حبيبتي.. وأنا الله يعيني.. وش أسوي
مشاعل بتردد: وشيء ثاني
ناصر يضع رأسه على المخدة ويهمس بمودة مصفاة: تدللي ياقلب ناصر
مشاعل تختنق بكلماتها: أبي أبات الليلة في بيت هلي
ناصر قفز جالسا وهو يقول بنبرة حادة: نعم؟؟ رجعنا على طير يا اللي
مشاعل تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بضعف: تكفى ناصر.. بس الليلة.. تكفى
نحرت روحها نظرة خيبة الأمل التي جللت محياه وهو يعاود التمدد ويقول ببرود موجع:
مافيه داعين ترّجين
براحتش مشاعل.. باتي كثر ماتبين.. وبيتش تدلينه
إذا شبعتي من بيت هلش حياش الله
ثم أردف بألم لم يستطع منعه من التسلل لنبرات صوته العميقة:
أنا تعبت في رجا وصلش.. وكل يوم أصبر روحي وأقول بكرة
وانتي ما احترمتي ولا قدرتي إن اللي قدامش رجّال كبته لمشاعره ورغباته شيء فوق الاحتمال
وأخرتها تبين تروحين بيت هلش وأنتي مالش كم يوم راجعة عندي
خلاص مشاعل الرسالة وصلت
ومشكورة
مشاعل شعرت بألم عميق وهي تسب نفسها
كانت تنزف ألما بكل معنى الكلمة.. ألما مزق روحها الشفافة
لأنها تعلم أنها -وفقا لتفكيره- جرحته جرحا عميقا
وكأنها تخبره برفضها لقربه بطريقة مبطنة
(ليتني ما طعت موضي
الحين وش بيرضيه علي
أنا ماصدقت نتصافي
لا حول ولاقوة إلا بالله
يعني ابي أكحلها عميتها)
ارتدت عباءتها بآلية وهي تحاول ألا تنخرط في البكاء أمامه
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها وآخر ما تراه هو ظهره الطويل المتمدد على السرير
ونزلت بهدوء حتى وصلت للسيارة وركبت جوار موضي
ما إن تحركت السيارة
حتى انكبت على كتف موضي تبكي بهستيرية
************************
بيت فارس بن سعود
بعد الغداء
الجو مشحون تماما في البيت منذ ليلة البارحة
حتى إن أم فارس لاحظت
فالعنود لأول مرة لم تنزل مع فارس صباحا قبل ذهابه لعمله
والمشكلة أنه ليس هناك مشكلة سوى عِند الطرفين
وكل طرف يرى أن الطرف الآخر هو من يضخم الحكاية
العنود لا تريد أن يستهين فارس بمده ليده عليها.. حتى وإن كان لم يقصد
ولكنه بات يعلم أنه دفعها وأوقعها أرضا
وأقل ما يستوجب فعله أن يعتذر لها ويطيب خاطرها
ولكن أن يرفض حتى الاعتراف بخطئه.. وكأن هذا التصرف شيء اعتيادي
فهذا الشيء هي لا ترتضيه لنفسها
لأنها إن سمحت له أن يستهين بها منذ البداية فالاستهانة قد تمتد لمستويات أخرى
وفارس من ناحيته يرى أنها بالغت في الدلال
فهو لم يفعل ما يستوجب أن تغضب منه
فهي تعلم أنه يستحيل أن يمد يده عليها متعمدا
وهي تعلم أنه تغير كثيرا من أجلها
لذا فلابد أن تتقبل طباعه المتأصلة وتتأقلم عليها
ومن ناحية أخرى يرى أنها مدللة كثيرا وهي لم تعد طفلة صغيرة
بل هي سيدة متزوجة لابد أن تتقبل أن الحياة الزوجية لن تكون فصل ربيع مستمر بنسيم عليل
بل قد تعتوره فصول مختلفة وأعاصير ورياح وأنواء
وإن كانت قد اعتصمت بغضب طفولي من موضوع تافه مثل هذا
فكيف ستتصرف في مشاكل الحياة الأكبر؟!!
كانت العنود في غرفتها تفاضل بين عدة فساتين لتختار واحدا تلبسه الليلة
دخل عليها.. سلم بهدوء.. وردت عليه بذات الهدوء
جلس على السرير يراقبها تقوم بمهمتها التي باتت ثقيلة جدا على قلبها تحت مراقبة عينيه
وهو يشعر بثقل أكبر وهو يتمنى أن ينهي هذه السخافة غير المبررة ليزرعها بين أضلاعه ويغمر وجهها بقبلاته
بعد أن طال الصمت همست العنود بخفوت: ممكن أروح الصالون العصر
فارس بكلمة واحدة حادة: لا
العنود تعرف أنه يرفض مطلقا ذهابها للصالونات ومراكز التجميل
ففارس الغيور يرفض أن تخلع عباءتها أو شيلتها في مكان غير بيتها..
وهي اعتادت منذ زواجهما الاتصال بالخبيرات وهن يأتينها للبيت
ولكنها هذه المرة وجدتهن جميعا مشغولات.. لذا همست برجاء: فارس بأروح الصالون القريب بس بأسوي شعري وأرجع بسرعة
فارس بغضب: العنود أنا ما أحكي هندي.. أظني قلت لش لا
وهالموضوع متفقين عليه من بداية زواجنا
وش اللي تغير اليوم؟؟
ثم أردف بنبرة مقصودة: أو وش اللي تغير من البارحة؟؟
صمتت العنود وهي تشعر بتأثر عميق من نبرته الحادة معه
إلى متى وهذه النبرة مستمرة في الحضور بينهما؟!!
هل سيكتب عليها أن تعيش حياتها كلها مع عصبيته وغضبه وغيرته؟!!
وهل ستحتمل هي؟!!
وهل لديها جَلد احتمال فعلي حتى وإن كانت تحبه كل هذا الحب؟!!
*******************************
واشنطن
بعد صلاة الظهر
بيت يوسف
يوسف يدخل إلى بيته ..
كان وجهه متغيرا.. محمرا.. متفجرا.. غامضا.. مريبا..مرعبا.. متألما
يمور بعشرات الانفعالات
كانت باكينام مع جدتيها تجلسن عند المدفأة
يوسف دخل كالسهم وهو يصعد للأعلى
لم يلقِ السلام حتى.. ولم يتوقف
شعرت باكينام بالقلق المتزايد
ترددت .. هل تصعد خلفه؟؟
أو تتركه؟؟
عقلها قال لها أن تتركه.. فيوسف شديد التحكم في أعصابه
واعتاد على التمثيل ببراعة أمام جدتيها
ومادام هذه المرة ولأول مرة لا يمثل أمامهما
فمعنى ذلك أن هناك غضب تجاوز الحد يعصف به
ولكن قلبها أمرها أن تصعد وراءه
لا تستطيع تركه وهي رأت كيف كان وجهه مشبعا بالأسى
قلقها يمزقها عليه
لذا استجابت لقلبها وهي تصعد بخطوات مترددة له
وليتها استجابت لعقلها
لأن يوسف ذاته لم يكن يريد الاحتكاك به وهو غاضب هكذا
أو ربما أراد!!!
لذا عاد للبيت مباشرة بعد مقابلته لمشعل
ولكن دائما لنداء العقل منطقيته
فلوكانت استجابت لنداء عقلها لم تكن لتتلقى جواب يوسف عن سؤالها
حين صعدت وجدته يدور في الغرفة كالأسد الحبيس.. وكأن نيران الحرائق تنفث دخانا من أذنيه
توجهت ناحيته وهمست بقلق: فيه إيه يا يوسف؟؟؟
كان رده المباشر عليها
صفعة حادة
مباشرة قوية على خدها الأيسر ألقت بها على الأرض بعنف
وكان ردها على صفعته
أن نهضت عن الأرض بكل هدوء وهي تتجه للسرير وتخرج حقيبتها الفارغة من أسفله
وتضعها على السرير لتبدأ بوضع ملابسها فيها
يوسف انتبه لفعلته الشنيعة وهو ينظر بذهول ليمناه الضخمة التي تركت أثرا شديد الوضوح على بياض خدها
زالت السكرة وحلت الفكرة
فرغ طاقة غضبه الأولي وبأبسط طريقة ولكن أشنع طريقة
توجه للباب وأغلقه بالمفتاح ووضع المفتاح في جيب بنطاله
يبدو أن فضيحتهما أمام العجوزين قادمة قادمة
أما أنهما ستريان أثار كفه على وجه باكينام وحينها ستندلع الحرب العالمية الثالثة عليه بتحالف تركي إيرلندي
وأما أنهما ستسمعان صوت المعركة التي ستندلع الآن
ولكن أقله أنه هنا يغلق على باكينام وسيحاول أن يتحكم بتعالي صوتيهما
توجه لباكينام بوجهها المحمر وهي تحاول مغالبة دموعها وهي تضع ملابسها في الحقيبة بحركة سريعة جنونية
اقترب منها وأمسك بمعصميها ومنعها من التحرك.. حينها بدأت بالصراخ:
سيبني أنا بأكرهك.. بأكرهك
أنا تضربني بالألم ياحقير.. ياندل
حينها أدارها ناحيته ليلصق ظهرها بصدره ووضع يده على فمها ليسكت سيل شتائمها المنهال بعنف
ويده الأخرى كتف بها جسدها
بدأت ترفس بعنف وهي تحاول عض يده
ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل مع قوته الجسدية التي لم تأثر فيها مطلقا محاولاتها البائسة
رفست مطولا حتى انهارت من التعب
حينها جلس بها يوسف على أرضية الغرفة وهما على نفس الوضعية
ثم مدد ساقيه وأجلسها عليهما
وهمس في أذنها: بس يا مجنونة.. هلكتيني
شوفي أنا هاسيبك بس أوعي تصوطي
ما أن أفلتها حتى انهارت في البكاء وهي تبتعد عنه وتبكي و تدفن وجهها بين ركبتيها وهي جالسة على الأرض
حينها اقترب منها وهمس بعمق: أنا آسف ومش آسف
رفعت وجهها المحمر له وهي تهمس بغضب بين دموعها: وأنا مش عاوزة أسفك وعدم أسفك
أنا باكرهك.. باكرهك.. باكرهك.. ولو فيه حاجة فوء الكره تبئ شعوري ناحيتك
يوسف تنهد بعمق وألم وهو يمد يده ليمسح وجهها ولكنه لطمت يده وابعدتها عنها
يوسف يشعر بألم عميق كثيف ومعقد..
يعرف الآن أنها لم تخنه.. ولم تحب أحدا قبله.. ولكنها لا تحبه هو أيضا.. ومافعله الآن أنهى أي مساحة أو أمل للحب في قلبها
منذ البداية لم تعطه أي دليل على رغبتها في الاستمرار معه
حتى أنها لم تحاول أن تبرئ ساحتها أمامه
تركته يحترق مع شكوكه
جعلته يعيش في أسوأ كابوس قد يعيشه رجل ما
"العيش مع امرأة خائنة .. تفكر في سواه بينما هو يذوب في هواها"
بل تعايش مع مشاعر أشد قسوة ووحشية
تعايش مع احتقاره لنفسه
فهو منذ ظنه بوجود علاقة بينها وبين آخر
تمنى في داخله أن يطلقها وينهي علاقته بها
ولكن قلبه لم يسمح له بهذا.. وأجبره أن يتنازل عن كرامته واحترامه لذاته
ليرتبط بامرأة يحتقرها ويحتقر حبه الجنوني لها
ثم استولت عليه جسدا وروحا
ليكره جسده الذي اكتوى بقربها
ويكره روحه التي ذابت في أطياف روحها
عاش عذابا مأساويا لا يمكن أن يخطر ببال بشر
بين عشقه واحتقاره لها وكراهيته واحتقاره لنفسه
ثم يكتشف وبكل بساطة
أنه لا شيء يربطها بسواه.. وأن كل العذاب الذي عاشه هو نتيجة لغرورها وكبرياءها الذي رفض التنازل والتبرير
أو ربما كان السبب ببساطة أنها تكرهه ووجدت لها طريقة مجانية لتعذيبه والانتقام منه على إجبارها على الزواج به
*****************************
الدوحة
سيارة بيت عبدالله بن مشعل
مازالت مشاعل مستمرة في البكاء بعد أن حكت لموضي كل شيء
موضي تبتسم: بس يا الخبلة.. بسش بكاء.. تنفخين وجهش وتخربين مخططي علي
مشاعل بين شهقاتها: أي مخطط وناصر زعلان علي.. ويظن إني رحت أبيت عند هلي عشاني ما أبيه
موضي تغمز: ليه أنتي صدقتي أنه أنتي بتبيتين عند هلي؟!!
مشاعل ترفع رأسها: عجل ويش؟؟
موضي بنبرة خبث مقصودة: المهم هو يصدق
بس اللي أنتي بتسوينه شيء ثاني
مشاعل باستغراب: ويش؟؟
موضي تتنهد وابتسامتها تتسع: خطة ثورية (ميد ان موضيز مايند)
اسمعي ومخخي
*************************
بيت فارس بن سعود
غرفة العنود وفارس
بعد صلاة العصر بساعة
العنود تستخرج مكواة السيراميك الخاصة بها وتقرر البدء في فرد شعرها
فهي أساسا شديدة المهارة في عمل الزينة والشعر
ولكنها كانت مرهقة لأنها لم تنم جيدا منذ البارحة وكانت تتمنى أن يكفيها أحد عناء المهمة
ولكنها في غنى عن إغضاب فارس ولسبب تافه
تنهدت بعمق.. فبما أن فارس نهاها عن الذهاب لمكان معين.. فيجب أن تطيعه حتى وإن كانت غير مقتنعة
كانت تنتظر أن تسخن المكواة
رن هاتفها.. ابتسمت وهي ترد: هلا علوي
معالي بنبرتها الحماسية المعتادة: هلا مدام فارس..تروحين معنا؟؟
العنود بتساءل: وين؟؟
معالي: بأروح للصالون.. أمانة امشي معي.. بنبسط سوا
العنود برفض: لا ما أقدر
معالي برجاء: تكفين عنودة.. خواتي شعورهم حرير.. ماشاء مهوب محتاجين
أنا الكشة..
ثم أكملت (بعيارة): وبعدين أمي بتروح معنا بودي جارد
العنود بتردد: ما أقدر علوي
معالي تحايلها: يا الله يا الدبة.. كلها شغلة ساعة بنروح الصالون القريب ونرجع
يا الله البسي.. احنا جاينش
لم تعطها معالي فرصة للرد وهي تغلق الهاتف
والعنود تفكر أن فارس لن يعود سوى ليلا
وحتى إن لم يجدها سيظنها ذهبت لبيت أهلها
فلِمَ لا تذهب مع معالي وعمتها؟!!
لذا أعدت أغراضها لتذهب معهم.. وأخذت الفستان لتتركه في السيارة
وتطلب منهم أن ينزلوها عند بيت أهلها
ولكن ما لم تعلمه العنود أن المخططات لا تسير دائما كما خُطط له
وأن طريق السلامة هو طريق السلامة
والمرأة حينما ينهاها زوجها من أي شيء مهما كانت ترى أو تظن أن هذا الشيء تافها فطاعته واجبة
فحينها كان فارس عائدا للبيت.. ولأي سبب؟؟
كان معه هدية للعنود
فهو قرر ختاما أن يكون من يحتوي دلالها
لأنه كان قاسيا عليها وهي ما اعتادت على هذه القسوة
وهو يعلم يقينا أنه يتنفس هواها.. ويذوب من نظرة عينيها
وترتعش عروقه من همساتها
فلِـمَ المكابرة؟؟
إن كان فعلا دفعها أسقطها أرضا..فهي تستحق أن يرضيها
فليس لها علاقة بنواياه.. ولكن بما حدث فعلا
وما حدث أنه كان عنيفا معها حتى وإن لم يقصد هذا العنف
وماهدف له في البداية لابد أن يكون وصلها..وهو أنها لا بد أن تكون أكثر تقبلا لتصرفاته
وتكون أكثر جلدا ومسؤولية
رأى سيارة بيت عمته تخرج من بيتهم.. صعد لغرفته ولم يجد العنود
اتصل بها.. فلم ترد..
فالعنود التي ارتعشت بعنف وهي ترى اسمه يضيء شاشة هاتفها تمنت لو تستطيع العودة للبيت الآن
وهي تشعر بعظم جريمتها التي ارتكبتها.. فلو علم فارس بمخالفتها أوامره فهي لا تستطيع تخيل ردة فعله
فهو يغضب ويحتد دون سبب فعلي.. فكيف عندما يجد له سببا.. وسببا وجيها أيضا
فارس حين لم ترد عليه ترك الهدية على السرير حتى تجدها حينما تعود
ثم قرر الاتصال بعمته ليسألها عن سبب الزيارة ولِـمَ لم تبقَ حتى يراها؟؟
كانت العمة نورة حينها قد أصبحت في الصالون وتجلس في صالة انتظاره
رن هاتفها
- السلام عليكم ياعمة
- هلا ياقلب عمتك
- أشلونش يالغالية؟؟
- طيبة فديتك
- شفتش طالعة من بيتي.. ليه ماقعدتي لين أواجهش أسلم عليش؟؟
- تدل بيتي يأمك والحق لي.. وأنا كنت جاية مستعجلة أبي أخذ العنود
- تأخذينها وين؟؟ (جأتها النبرة غامضة متحفزة مستعدة للانفجار)
- الصالون يأمك
***************************
بعد صلاة العشاء
حديقة بيت محمد بن مشعل
الجو منعش لأبعد حد ويميل لبرودة خفيفة غاية في اللطف
أجواء أواخر شهر فبراير المثالية
الكشافات مسلطة على الحديقة التي امتلئت حتى أخرها بالحاضرات
وأميرات آل مشعل غاية في التألق
ولكن أكثرهن تألقا الليلة اثنتين
موضي...... ومشاعل
بينما أكثرهن انطفاء وعلى غير العادة... العنود
العنود كانت تشعر بتوجس كاتم
لم يسبق لها مطلقا أن خالفت والدها أو أشقائها
حتى فارس منذ بداية زواجهما لم تخالفه في شيء مطلقا
فماذا استفادت من مخالفته؟؟
قلبها مقبوض.. وعاجزة عن التنفس
عاجزة عن تخيل ردة فعله لو علم بما فعلته..
فهو لم يعاود الاتصال بها بعد مكالمته الأخيرة
ولكنها حاولت التبرير أنه مازال يعاند بعد موقفهما البارحة
فمن أين سيعلم أنها ذهبت؟؟!!!!!!
زاوية في الحديقة
لطيفة وشيخة
لطيفة بمودة: يعني شيوخ ما أشوفش إلا في مناسبة أو عزيمة
يأختي سيري علي.. خلي عيالش يلعبون عيالي
شيخة بمرح: يأختي خبرش طلال داخل صف أول ابتدائي.. جنني على الواجبات
الواجب كله صفحة نقعد عليه من الظهر لين ننام
وسميتش ليتني ما سميتها عليش.. أبيها تطلع ذكية مثلش.. طلعت بقرة بعيد عن السامعين.. مهما أدرس فيها ما تفهم
لطيفة تضحك بخفوت: عاد حدش كله ولا لطوف.. حبيبتي هذي
ثم أردفت لطيفة بنبرة جدية: تدرين شيخة اللي يشوف خفة دمش ما يصدق صكتش على ذا البزران
حرام يأختي هلكتيهم بالدراسة.. وهم ماشاء الله مستواهم زين.. والله يخليهم لش ماشفت مثل أدبهم وشطارتهم.. لا تعقدينهم
شيخة برنة حزن غير معتادة: أخاف عليهم يا لطيفة من كل شيء.. وأبي لهم الأحسن.. أنا ما طلعت من الدنيا إلا بذا البزرين
أخاف ربي يحاسبني إذا قصرت في حق ذا الأيتام..
لطيفة تبتسم: ليت كل الأمهات مثلش.. ما يلحقش قصور يأم طلال..
شيخة تبتسم: قلت لي أم طلال ذكرتيني بمسؤولياتي.. خليني أبقق عويناتي
أشوف البنات المزايين.. يمكن ألاقي وحدة ترضى في القرد اللي عندي في البيت
لطيفة تضحك: الله يعين راشد عليش
زاوية أخرى
معالي ومشاعل
معالي (بعيارة): ميشو لا يكون حد قص عليش وقال إنش العروس
وش ذا الزين يا بنية؟؟ ما خليتي للآنسات طالبات النصيب مثلي شي
النسوان يسألون عنش أنتي وأنا ماحد طل في وجهي
مشاعل بحرج: ياحبش للمبالغة بس
معالي تغمز بعينها: أنا أبالغ.. ليه ماطالعتي المرايه.. أو..
أكملت بخبث:
أو.. ما سألتي الخيّال راعي الجليلة؟؟
مشاعل تهرب بخجل: بأروح أشوف النسوان اللي هناك تقهوا وإلا لأ
زاوية ثالثة
موضي ومريم
موضي تجلس بجوار مريم التي كانت مستغرقة في أفكارها العميقة
تهمس بمودة مرحة: وش فيها عروستنا مكتمة؟؟
مريم تنتبه وترد بعذوبة: العروس أنتي
موضي تبتسم: لا خلاص راحت علي.. خربتي علي.. كلتي الجو علينا
صمتت مريم وهي تتنهد بعمق
موضي احتضنت كف مريم واقتربت منها هامسة: ترا سعد رجّال كلن يمدحه
أكيد التوتر شر لا بد منه
بس المهم ما تخلين التوتر يخرب عليش ويضايقش
مريم ربتت على كف موضي وهي تهمس بهدوء عميق: أنا ماني بمتوترة أنا قلقة يا موضي
أنا مرة كبيرة وضريرة..يعني التغيير شيء مرعب بالنسبة لي
أنا كنت عايشة طول عمري على نظام معين تعودت عليه
وتناسيت جانبي الأنثوي أو أني أنثى حتى
والضغط والخوف اللي أنا حاسة فيه ذابحني..
حياة جديدة تلزمها أنثى جديدة بمسؤوليات جديدة
وأنا خايفة أكون حمل ثقيل على سعد
موضي بمودة وعمق: عمرنا مااعتبرناش ضريرة يامريم.. بالعكس كلنا نحس إنش تشوفين أحسن منا كلنا
وأنتي تستحقين كل الخير والسعادة في حياتش مع سعد..
لا تحسسين سعد إنه أنتي حمل
لأنه أنتي عمرش ماكنتي حمل على حد.. ماشاء الله عليش مريم
مريم تتنهد: الكلام مافيه أسهل منه ياموضي.. وأنا اكثر من مارس مهارات الكلام..
بس وقت الفعل.. كل الكلام يتبخر إذا ماكان تحته استعداد للفعل
سكتت موضي وجملة مريم ترن في رأسها
(وقت الفعل.. كل الكلام يتبخر إذا ما كان تحته استعداد للفعل)
لا تعلم لِـمَ بدت لها هذه الجملة موجعة حادة عميقة...... وغريبة..
ربما كانت تحتاج هذه الجملة في حياتها
ولكن من يحتاجها الليلة فعلا هي مشاعل
فهي حشت رأس مشاعل بالكلام والنصائح
ولكن حين يحين أوان الفعل.. تخشى أن تخذلها مشاعل وتهرب
جبهة قريبة
مجلس آل مشعل
مشعل يهمس لراكان الجالس جواره: وش فيهم فارس وناصر مكتمين الليلة؟؟
راكان بهدوء: والله ما أدري.. سألتهم.. وكل واحد منهم يقول مافيه شيء
مشعل باستغراب: يعني فارس بنعديها... أحيانا يكتم بدون سبب معروف ومستحيل حد يعرف وش اللي وراه.. تربيتي وعارفه
بس ناصر مهوب عوايده أبد
راكان بمودة: يا ابن الحلال لا تشغل بالك.. إذا حد منهم عنده مشكلة أو متضايق يعرف يتصرف
ولو حبوا يتكلمون احنا حاضرين..
خلنا فيك.. الوالد يقول أنك تبتي تعتمر على خير الأسبوع الجاي
مشعل يبتسم: إيه طال عمرك.. أتناك توكل على الله وتروح بطولتك
عشان نقط عيالنا على مرتك.. ونروح أنا وأم محمد شهر عسل جديد
راكان يبتسم: يا سلام عليكم.. أنت وأم محمد تروحون شهر عسل جديد
وتقطون شواذيكم على مرتي.. أرجع ألاقيها مستخفة من عيالك
مشعل يضحك: ياويلك من ربي.. عيالي ملايكة مثل ابيهم
راكان بابتسامة: أمّا ملايكة ومثل ابيهم فكثر منها طال عمرك
عودة لحفل النساء
مازالت لطيفة تجلس بجوار شيخة.. رن هاتفها برقم غريب ومميز
ردت بحذر: ألو
جاءها الصوت الأنثوي الواثق الذي عرفته جيدا: هلا أم محمد
لطيفة بذوق رغم استغرابها: هلا أم علي
فاتن بشكل مباشر: عندج 5 دقايق نتكلم؟؟
لطيفة بحذر: دقيقة واتصل لش
لطيفة استاذنت من شيخة وتوجهت للداخل وأغلقت على نفسها في غرفة فارغة واتصلت بفاتن: هلا أم علي.. أخدمش بشيء؟؟
فاتن بثقة: أتمنى إنج تقدرين تخدميني
لطيفة بحذر وتحفز: تفضلي
فاتن بمهنية: اسمعيني يأم محمد.. أنا بيزنس ومن.. وكل شيء في حياتي واحد زائد واحد يساوي اثنين إلا ولدي علي.. هو عندي كل شيء
وعشانه مستعدة أسوي كل شيء.. واعترف إني فاشلة في تربيته لأني دللته زيادة عن اللزوم
علي محتاي ريال شديد يحكمه..
لطيفة باستغراب رغم انها بدئت تشتم رائحة غير مريحة: طيب أم علي.. وأنا بويش أقدر أخدمش؟؟
أم علي بثقة: أنا في كل رجال الأعمال اللي عرفتهم.. ماشفت حد مثل أبو محمد
وشفت بنفسي أشلون يتعامل مع عياله.. وعياله سابقين سنهم
خليني أكمل ولا تعصبين.. أنا أتكلم في بيزنس از بيزنس.. لأنه بيني وبين مشعل شغل وايد
أدري أبو محمد يحبج وايد.. وأنا بعد التفكير شفت إنه هالشي أريح لي
أنا أصلا موب حمل زوج ولا اتحمل تحكم ريل فيني... أنا أبي أبو لولدي وبس..حد ولدي يخاف منه ويعمل حسابه....
كانت فاتن مازالت ستكمل شرح وجهة نظرها الغريبة لولا أن لطيفة قاطعتها وهي تقول ببرود:
بصراحة عمري ماشفت قلة حيا كذا.. متصلة تبيني أوافق أنش تزوجين رجّالي
وأكيد إنش ما اتصلتي لي إلا عقب ما فشلت محاولاتش مع مشعل وماعطاش وجه.. فتبين تدخلين له عن طريقي
اسمعيني يام علي..دام انش منتي بعارفة تربين ولدش.. ولاهية في مشاريعش ومطاردة الرياجيل..و تبين حد يربي ولدش..
هذا أنتي عندش فلوس وخير... دخلي ولدش أكاديمية القادة وأنا متأكدة أنهم بيحكونه لش ويطلعونه رجّال
ومشعل مالش شغل فيه.. واحترمي نفسش وولدش
ثم أنهت لطيفة الاتصال وهي تغلي من الغضب.. فمجرد تفكيرها أن فاتن عرضت نفسها على مشعل أشعل غيرتها لاقصى حد
وهاهي لطيفة تشتعل.. وتشتعل.. وعلى وشك الانفجار
نعم هي كانت تظن أن فاتن قد تكون تخطط على مشعل.. لذا كانت تستعيذ بالله من سوء الظن..
ولكن أن تتيقن أن الظن أصبح حقيقة فهذا شيء لا يمكن أن تحتمله.. لا يمكن
(أكاديمية القادة.. لمن هم خارج قطر.. هي مدرسة أولاد داخلية بنظام عسكري صارم..
تستقبل الطلاب من الصف السابع حتى ينهون الصف الثاني عشر بنظام البكلوريا الدولية)
*******************************
انتهى الحفل
وعاد الجميع كلٌ إلى بيته
وهناك أربع جبهات
اثنتين منها على وشك الاشتعال
واثنتين على أبواب التحفز
راكان وناصر
كلاهما يدخلان باحة البيت قادمان من المجلس
ناصر لو كان الأمر بيده
لم يكن ليرجع للبيت.. فهو يشعر بضيق عميق
كلما اعتاد على وجودها العذب جواره
استكثرت عليه حتى هذا الوجود
استكثرت عليه متعته بمجرد وجودها جواره
أي حياة هذه؟؟!!
أي حياة؟!!
وإلى متى ستكتب عليه هذه الحياة الجافة؟!!
تكاد عروق قلبه تجدب من الجفاف والقحط
تكاد مشاعره تذوي وتضمحل يأسا واشتياقا
راكان يدخل إلى بيته وهو يشير لناصر بالتحية
بينما ناصر توجه لداخل البيت بخطوات ثقيلة مثقلة
وهو يصعد الدرج متوجها لغرفته
**********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
العنود وصلت أولا.. فهي لم تستطع البقاء حتى انتهاء العشاء حتى
فشعورها بالضيق والندم خنقاها
لذا قررت القدوم مبكرة لانتظار فارس والاعتذار له عن خروجها اليوم دون أذنه
فالخطأ يُبنى عليه أخطاء
وهي غير مستعدة لبناء حياتها مع فارس على سلسلة من الأخطاء
ولطالما كانت قادرة على امتصاص غضبه بلباقتها ورقتها
فلتحاول هذه المرة.. وبجدية
دخلت بخطوات متوترة مترددة
وجدت كيسا فخما على السرير
شعرت بتوتر أكبر
اقتربت وفتحت البطاقة المعلقة على الكيس
كان خطه الأنيق يتلوى بفخامة على الفضاء الأبيض
لينغرز في عمق قلبها الموجوع والنادم والمتوتر
"لحبيبتي اللي مايهون علي زعلها
الله لا يحرمني منها
فارس"
لم تستطع فتح الهدية
فهي تمددت على سريرها وانخرطت في بكاء حاد
فالألم كان أكبر من احتمال قلبها الغض
بكت كثيرا ومطولا..
لم تعلم كم مضى عليها وهي تبكي
نص ساعة!! ساعة ربما
حتى تعبت من البكاء.. وحان أوان الفعل
نهضت من سريرها وقررت أن تستحم
فوجهها اختلطت ألوانه
وشعرها أصبحت تكره تسريحته التي كانت سبب خروجها بدون إذن فارس
وهاهي تريد أن تعيد شعرها لطبيعته
استحمت
ثم صلت
ارتدت قميص نوم أنيقا وتأنقت كما لم تتأنق قبلا
ثم عادت بخطوات مترددة لفتح الهدية
فهي قررت أن تلبسها حتى يراها فارس عليها عندما يعود
فتحت العلبة بأنامل ترتجف
كانت سلسلة ناعمة من الذهب الأبيض
يتدلى منها قلب ماسي يحتضن كلمة ألماسية مرصعة بالألماس
(أحـــبــــك)
شعرت بألم أكبر.. وأكبر
والكلمة تنغرز في عمق قلبها المثقل
(أحبك)
(وأنا أيضا أحبك فارس
أحبك أكثر مما يمكنك أن تتخيل
أعلم أنك قاسٍ وأنا مدللة
ونختلف كثيرا
ولكني أحبك حتى آخر نبض وشريان
أقسم أني أحبك)
كانت تريد العودة للبكاء وتأثرها العميق يغلبها ويهز مشاعرها
ولكنها حاولت مغالبة دموعها وهي تتناول السلسلة بارتعاش وترتديها
كان منظر السلسة على نحرها الرائع أكثر من مبهر
ولكنها شعرت كما لو أن ملامسة المعدن لبشرتها كملمس النار
وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة
حينها دخل عليها فارس
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة لطيفة ومشعل
لطيفة عادت أيضا أولا من أجل أولادها
تأكدت أنهم ناموا جميعا
ثم بدأت تدور في البيت كالأسد الحبيس
قررت أن تستحم لتهدئ أعصابها ثم صلت
ولكن أعصابها مازالت تشتعل
فهي تعلم تماما أن فاتن لم تكن لتتوجه إليها لو لم تكن يأست من استجابة مشعل
لطيفة لا تشك مطلقا في مشعل
ربما لو كان هذا الموقف حدث قبل عدة أشهر لكانت لطيفة شعرت بالجزع
ولكنها تعلم الآن أنها تحكم سيطرتها على قلب مشعل
ولكن كل هذا لا يمنعها من الاحتراق غيرة.. الاحتراق حتى الترمد
فلطيفة مغرمة حتى أقصى خلاياها وشرايينها بمشعل
وفاتن قررت أن تلعب بورق مكشوف.. ولطيفة لا تحتمل مطلقا فكرة وجودها قريبا من مشعل بعد أن أعلنت نواياها.. حتى وإن كان لمجرد العمل
فالمثل الشعبي يقول (كثر الدق يفك اللِحام)
ولطيفة تخشى أن يكون قرب فاتن من مشعل "هو الدق اللي يفك اللِحام"
لطيفة كانت جالسة على الأريكة.. غارقة في أفكارها
دخل عليها مشعل لم تنتبه لدخوله ولا حتى للسلام الذي ألقاه
لم تنتبه حتى شعرت باحتكاك شعيرات عارضه بخدها وهو يلصق خده بخدها ويهمس: اللي ماخذ عقلش
تنهدت لطيفة: أنت اللي ماخذ عقلي..
ابتسم مشعل: ياحظي اللي خذت عقل شيخة الحريم
عاودت لطيفة التنهد: اقعد حبيبي أبيك في موضوع مهم
مشعل جلس جوارها واحتضن كفها: آمريني ياقلبي
لطيفة تحاول التمسك بالهدوء: مشعل أنا عمري ما تدخلت في شغلك.. صح؟؟
مشعل بهدوء: صح
لطيفة بذات الهدوء: بس لما شغلك يتدخل في بيتي وحياتي.. ما أقدر أسكت
مشعل بحذر: والمعنى؟؟
لطيفة تتنهد بعمق ثم تلقي جملتها كالقنبلة: أبيك تفسخ كل شغل بينك وبين فاتن الفرج
مشعل بغضب مفاجئ: نعم؟؟
لطيفة بهدوء مازالت تحاول التمسك به: أظني أنك سمعتني عدل
مشعل يعاود البرود: آسف ما أقدر
لطيفة هذه المرة من ردت بغضب مفاجئ: نعم؟؟
مشعل بهدوء بارد: أظني إنش أنتي الحين سمعتيني عدل
لطيفة من بين أسنانها: وممكن أعرف السبب
مشعل بهدوء: لطيفة أنا ماني بمستعد أخلي غيرة النسوان تخرب شغلي
يعني قال لش إني ماني بمنبه لحركات فاتن من سنين
ولو أنا بعطيها وجه كان عطيتها من زمان.. يعني أنا ما التفتت لها قبل ما نتصافى
ألتفت لها الحين
لطيفة بمناشدة: تكفى مشعل عشان خاطري.. أدري إنك أنت منت بمتفكر فيها
بس أنا باجن من الغيرة وانا عارفة إنها طامعة فيك وجنبك
مشعل بهدوء وهو يقف كاعلان لإنهاء الحوار: أنا آسف لطيفة
أنا ما أشوف في ففاتن إلا شريك شغل مثلها مثل أي رجّال
وبيني وبينها شغل بالملايين.. هذي عقود وسلفيات بنك وشروط جزائية.. مهوب لعب
والمجمع الأخير اللي نسويه لها بيقفز بشركتي قدام.. ماني بمستعد أخاطر بذا كله عشان أفكار في رأسش أنتي
أنتي تاكدي إن القلب مافيه غيرش.. بس شغلي مالش دخل فيه
حينها لطيفة تنهدت بحزم: مشعل أنا ماني بغبية
أدري إنك تقدر تحول شغل مجمعها لأي شركة
وأي شركة تتمنى تسوي مجمع مثل ذا
حينها رد مشعل عليها بحزم أكبر: وأنا بعد ماني بغبي
وهذا أنتي قلتيها ..أي شركة تتمنى تسوي مجمع مثل مجمعها..
فليش أعطيه لأي شركة على طبق من ذهب عقب ما مهندسيني أنا خلصوا تصاميمه
وخلصنا تعقيدات تراخيصه.. وبدينا الأساسات..
وش استفدت أنا؟؟
عدا أنه تحويله لشركة ثانية لازم فاتن توافق عليه عشان ما تقاضيني.. مهوب قراري بروحي
لطيفة بغضب: يعني ويش؟؟ خايف منها؟؟ وإلا خايف على مشاعرها؟؟
مشعل يتناول غترته ويقول بحزم غاضب: أنتي اللي ما أدري أشلون تسمعيني
أقول لش خساير مالها حد لشركتي.. وأنتي راسش مافيه إلا فاتن
أنا بأروح للمجلس ساعة وأرجع.. تكونين فكرتي وهديتي
قبل ما أعصب أنا.. وأقول شيء يزعلش مني
مشعل خرج من الغرفة ولكن لطيفة المرأة المطعونة بوهم الغيرة كانت مازالت تشتعل
فكل ما خرجت به من الحوار العقيم من وجهة نظرها هو أن عمل مشعل مستمر مع فاتن.. وهذا الشيء يستحيل أن تحتمله
كان مشعل قد وصل لأسفل الدرج وتبقى سلمتين اثنتين حين وصلته
وأمسكت بعضده وهو تهمس من بين أسنانها بخفوت
والغضب والغيرة يحولان تفكيرها في اتجاه كلمات لا تقصدها بحذافيرها: وقف كلمني مثل الرياجيل
مهوب تطق وتخليني احترق
حينها التفت لها مشعل بحدة وعيناه تطلقان شررا مرعبا وصوته يشتعل وهو يصر على أسنانه..
فرغم الغضب الذي التهم الاثنين إلا أن ابنائهما كان حاضرين في تفكيريهما كلاهما ..وهما يخفضان أصواتهما حتى لايسمعونهما:
هذي اخرتها لطيفة.. أنا ماني برجّال عشان أوقف أكلمش مثل الرياجيل
لطيفة بغضب عارم حمله صوتها المكتوم: لا منت برجال.. لو أنك رجّال ماكان خفت من مرة
كان رد مشعل عليها
ولأول مرة
وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من العشرة
صفعة قوية
جعلتها تتعثر عبر السلمتين الباقيتين لتسقطها على الأرض بحدة
*****************************
عودة لغرفة فارس والعنود
كان منظر السلسة على نحرها الرائع أكثر من مبهر
ولكنها شعرت كما لو أن ملامسة المعدن لبشرتها كملمس النار
وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة
حينها دخل عليها فارس
انتفضت بعنف حين دخل
وانتفضت بعنف أكبر وهي ترى وجهه المتغير
وقبضته التي كان يعتصرها ويبدو كما لو كان يحاول مغالبة غضب لا حدود له
توجه ناحيتها وهو يقترب منها بخطوات ثابتة
والعنود تتراجع للخلف وهي تشعر برعب حقيقي مؤلم
كانت تتراجع وهو يتقدم حتى حجزها السرير فوقعت جالسة عليه
حينها أنحنى وهو يغرز أصابع كفيه في عضديها العاريين ليوقفها بحدة
تقافزت دموعها من عينيها وهي تشعر بألم اعتصاره لعضديها وترى عن قرب عينيه الناعستين وهما تشتعلان غضبا متوحشا
همس بصوت بارد حاد غاضب: وين رحتي اليوم بدون حتى ما تعطيني خبر؟؟
حينها انفجرت في البكاء : آسفة فارس.. آسفة
والله ما أعيدها.. والله ما أعيدها
كان رده عليها كرد من رباه.. رغم اختلاف موقف المرأتين
فإن كانت الأولى تحدت وأهانت بدون خوف
فإن الثانية كانت تذوب خوفا ووجلا وهي تناشد وتترجى وتعتذر
وإن كان من رباه حاول بالفعل أن يتفادى هذا الرد
فإن فارس كان يتقدم إليها وهذا الرد هو كل ما يلتهم تفكيره وهو بظنه ما سيطفئ نار غضبه عليها
كان صوتها الباكي.. صوتها الساحرالذي لطالما أذاب قلبه عامرا بالرجاءات الموجعة:
آسفة حبيبي.. والله إني ندمانة..
تكفى لا تزعل علي.. أمنتك الله تسامحني
والله ما أعيدها.. تنقص رجلي لو خطيت برا البيت من غير أذنك
أو رحت مكان أنت ما ترضاه
آسفة.. والله إني آسفة
.................
قطع سيل كلماتها الموجع
صفعة موجعة ألقت بها على السرير
↚
واشنطن
بيت يوسف
غرفته تحديدا
مازال الاثنان يجلسان على الأرض
باكينام تسند ظهرها للحائط.. تحتضن ساقيها المثنيتين وتدفن وجهها بين ركبتيها وتبكي
بكت كما لم تبكِ طوال عمرها
ويوسف كان يجلس جوارها وهو يمدد ساقيه الطويلتين
وينظر أمامه إلى اللاشيء وصوت بكاءها يمزق أوردته وينثر دماءها
لم يعلما كم مضى عليهما من الوقت وهما على هذا الوضع البائس المحزن
وكلاهما غارق في أساه وبحر مشاعره المتلاطم الأمواج
كان يوسف أول من تحرك وهو يحرك جسده ليجلس جوار بكينام بشكل معاكس وهو يثني ركبتيه ويلصق قدميه بالحائط
ثم يمد يديه ليرفع رأسها
حاولت أن تقاومه بشدة ولكنها لم تستطع منعه وهو يرفع وجهها إجباريا
وتغرق عيناه في بحر عينيها الخضراوين التي أصبح بياضهما إحمرارا موجعا
وخطان لا يتوقفان يسيلان على خديها
وأثر كفه بدا شديد الوضوح والاحمرار على صفحة خدها الثلجي
ثبت وجهها بكفيه ثم همس لها من قرب بنبرة شديدة العمق ومغرقة في الوجع:
أنا بحبك يا باكينام
انتفضت باكينام بعنف وشرايين قلبها تتهاوى وهي تسمع اعترافا لم تتوقع أنها قد تسمعه يوما
الاعتراف المستحيل وجعا وألما وشجنا
الاعتراف الذي حلمت به وتمنته.. وظنته حلما بعيدا المنال
هاهي تسمعه من رجل حياتها وبنبرته الموجعة
ولكنها سمعته في وقت متأخر... متأخر جدا
ربما لو كان اعترف لها بمشاعره من قبل.. لكانت اعترفت بعشقها له وأنه الرجل الأول والأخير في حياتها
ولكن الآن.. لا.. لا
لا..
لا..
اقترب أكثر وهو يهمس بعمق أكبر ويشدد احتضانه لوجهها حتى لا يسمح لها بإبعاد عينيها عن مدى عينيه:
أنا مش بحبك بس
أنا بعشئك.. باتنفسك..
كل نبض في ئلبي ليكي
وكل نئطة دم اسمك مكتوب عليها
حاولت باكينام أن تهرب من كلماته التي لا تريد سماعها.. تتأخر للخلف
لولا أن الحائط احتجزها
ووجهها الساكن بين كفيه مثبت بين أنامله
قرب وجهه من وجهها ليمنعها من محاولة الهرب وليغمره بقبلاته
لكنها حينها بدأت بالصراخ: لأ.. لأ
الوش اللي ضربته ما تحلمش ترجع تبوسه
يوسف وضع يده على فمها وهو يهتف بحزم: باكي ما تفضحيناش في ستاتك
باكينام أزالت يده بغضب: هو أنته هامك فضيحة وإلا غيرها
لحد هنا وكفاية يا يوسف
ليلة جوازنا واحنا لسه في مصر لما شديت شعري..
ئلت لك لو مديت إيدك عليا تاني
هاخربها وائعد على تلها.. ولا يهمني بنت دبلوماسي ولا ابن عمدة
واديك الليلة مش مديت ايدك بس
اديتني بالألم على وشي ومن غير سبب
خلاص خلي ستاتي يعرفوا كل حاجة.. لأنك الليلة هتطلئني هتطلئني
يوسف يتجاهل كل ماقالته ويهمس بعمق موجوع:
ليه ما ئلتيليش إن الراجل اللي كنت بتزوريه يبئى ابن عمة صاحبتك؟؟
هان عليكي تعزبيني بالشك كل ده؟!!
باكينام انتفضت بغضب: كده يا هيا.. طيب حسابك معايا
ده وأنا منبهه عليها ما تئولش ليك
يوسف بصدمة: وكمان منبهة عليها ما تئولش.. للدرجة دي بتكرهيني؟؟!!
وكنتي مبسوطة وأنا بتعزب؟!!
باكينام بحدة: وئتها ماكنتش باكرهك.. وكان عندي استعداد أعيش معاك
لكن أنته سمحت لنفسك تشك فيا
وأنا كان مستحيل أسمح لك تحطني في موضع شك
لأنو عمري ما كنتش موضع شك.. واخلائي فوء مستوى أي شك
ومفترض إنه البنت اللي انته حفيت عشان تتجوزها وغصبت عليها تتجوزك
وسلمتها اسمك وشرفك يكون عندك ثقة فيها
يوسف من بين أسنانه: ومفترض إنه الست المتجوزة لما جوزها يسألها تجاوبه
وتكون ئد ثقته فيها
يعني كان هينئص منك رجل والا إيد لو كنتي ئلتي لي إنه مافيش حاجة بينك وبينه
باكينام ببرود ساخر: وأديك عرفت.. كان مكافئتي على محافظتي على شرفك الغالي إيه؟؟
ضربتني زي كلبة
يوسف بغضب موجع: أنا مجروح أوي من اللي عملتيه فيا.. وفي النهاية يكون كل عزابي من غير سبب
حرام عليكي اللي عملتيه فيا.. انا اتعزبت عزاب مستحيل يخطر ببالك
باكينام بغضب موجع مشابه: وأنا تعزبت أكثر
ومش مستعدة أكمل حياتي في العزاب ده
طلئني يا يوسف.. طلئني
*****************************
بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية
فور وقوع لطيفة الموجع على الأرض
انتفض مشعل بجزع وهو يركض لينحني عليها
ويهمس لها بجزع حقيقي: لطيفة حبيبتي أنتي بخير؟؟
لطيفة اعتدلت ومشعل يساعدها وهي تجلس بشكل مائل على وركها وتستند على كفها دون أن تنظر ناحيته
مشعل بألم: الله يهداش لطيفة أنتي شايفتني معصب
وأبي أخلي البيت
وأنتي إلا تلحقيني وتستفزيني..
السموحة يأم محمد.. تنقص يدي لو مديتها عليش مرة ثانية
السموحة يالغالية
لطيفة مازالت عاجزة عن النظر ناحيته
تجلس على ذات الوضعية وهي تشعر بألم حاد في أسفل بطنها وأسفل ظهرها
ولكن كل الآلام الجسدية تهون أمام ألم الروح الذي لا حدود له ولا مساحات
ألم الروح الذي تشعر به يخنقها.... يبعثرها..... ينهيها
لم يخطر ببالها ولا حتى في أسوأ كوابيسها أن مشعلا قد يضربها يوما
وبعد مرور كل هذه السنوات
وبعد هذه العشرة الطويلة
يمد يده عليها
تعلم أنها أخطأت باستفزازه.. ولكنها لم تظن أنه مهما غضب قد يضربها يوما
شيء ما انكسر في روحها
شيء عظيم وثمين وشديد السمو
مشعل مازال هو من يتكلم: تكفين يا قلبي ردي علي..
لطيفة تكلمت أخيرا.. بصوت خال من الحياة: مشعل روح الحين
خلني لين أهدأ
مشعل بتردد موجوع: بس لطيفة...
قاطعته بنفس النبرة الميتة وهي تستند على الأرض بكف وتضع الكف الأخرى على أسفل بطنها:
خلاص مشعل.. إذا لي خاطر عندك.. روح
************************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الغرفة التي ستصبح لفارس وحده الليلة
مرت لحظات ساكنة مثقلة
العنود ترتمي على السرير وأثر كف فارس واضح جزئيا على صفحة خدها الناعم
بينما فارس واقف كتمثال حجري دون أن ينظر ناحيتها
كان يعتصر كفه وندم عميق عميق يتسلل لروحه
يتذكر الآن رجاءاتها الموجعة وبكاءها المؤلم
يشعر بالألم والندم يمزقان روحه
فهي لم تكن مطلقا بالعنيدة أو المكابرة على الخطأ
اعترفت فورا بخطئها..وبكت بكاءها الذي ينحره
كان يستطيع تأنيبها بالكلام.. ويعلم أنها حتى الكلام بالكاد تحتمله لشدة رقتها
فلماذا يجرحها ويهينها بصفعها على وجهها؟؟!!
ألم يجد له حلا آخر؟؟ أو وسيلة أخرى؟؟
العنود نهضت دون أن تنظر إليه.. دون أن تعاتب.. دون أن تبكي.. دون أن تتكلم
توجهت لدولاب عباءاتها وارتدت عباءة مغلقة كالثوب فوق قميص نومها
فارس فُجع وهو يراها ترتدي العباءة.. ولكنه لم يتحرك من مكانه..
ولم ينطق بحرف وعزة نفسه تمنعه من التنازل أو التصرف وهو يراقبها بطرف عينه
ارتدت شيلتها كيفما اتفق على رأسها
ثم توجهت بخطوات ثابتة هادئة لباب الغرفة
خرجت
وأغلقته خلفها بذات الهدوء
**************************
واشنطن
شقة مشعل
مشعل يعود للشقة بعد مقابلته مع يوسف ثم توجهه للجامعة
يدخل بهدوء وهو يبحث عن هيا.. وجدها في المطبخ.. تضع الملح في قدر الغداء
سلم بمودة وردت عليه وهي تبتسم.. اقترب منها واحتضنها من الخلف
ثم همس في أذنها: يا قلبي يا هيا ألف مرة قايل لش لا عاد تعبين نفسش
وضعت كفها على خده وهي تهمس برقة: والله العظيم انطونيا توها طالعة الحين
استأذنت تبي تجيب ولدها من المدرسة توديه للبيت وبترجع.. يعني هي قطعت كل شيء وغسلت كل شيء.. وهي اللي حمست
أنا بس بهرت وملحت
مشعل بابتسامة شاسعة: زين تعالي للصالة عندي لش بشارتين
هيا خلعت المريلة وتوجهت خلفه
جلست قريبا منه وهمست بفضول: يالله بشرني
مشعل بابتسامة دافئة: البشارة الأولى.. خلصنا من موضوع يوسف
والرجّال بان عليه التأثر واجد ولو أنه حاول عقب يبين أنه الموضوع عادي
هيا بسعادة: الحمدلله.. والله العظيم انبسطت بذا الخبر
مشعل بمودة وسعادة حقيقية: انتظري الخبر الثاني وانبسطي أكثر
هيا بفضول أكبر: يالله حبيبي بلاها حرقة الأعصاب ذي
مشعل بابتسامة شاسعة: موعد مناقشتي قدموه من شهر 7 لشهر 5 يعني بأخلص معش
وبنرجع للدوحة قبل موعدنا بشهرين
هيا قفزت لترتمي في حضنه وتحتضن عنقه وهي تهتف بسعادة: جد مشعل؟؟ جد؟؟
مشعل يحتضنها بحنو ويهمس: وهذا موضوع فيه مزح
*****************************
بيت محمد بن مشعل
قسم راكان
راكان دخل بخطوات هادئة رزينة وهو ينادي: موضي موضي
ولكنه لم يحضَ بجواب
دخل للداخل وهو ينادي ويبحث عنها
ولكنه لم يجدها
استغرب.. أين ستذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل؟؟
توتر نوعا ما.. وقلق ما يتسلل لروحه
كان على وشك الاتصال بهاتفها لولا أنه سمع صوت باب البيت يُفتح
توجه للصالة
كانت تعطيه ظهرها وهي تخلع جلالها بخفة وتطويه
التفتت لتجده أمامها
انتفضت بخفة.. ثم ابتسمت: خوفتني.. تنحنح.. قل شيء
بقي صامتا للحظة وعيناه تطوفان بكل تفاصيلها
لا يعلم لِـمَ منظرها الفاتن أشعره بالألم.. الكثير من الألم
ألم عميق في قرارة قلبه.. في أعمق نقطة في قلبه..
يراها تحفة فنية نادرة غاية في البهاء.. يشتهي فقط أن يتحسس وجهها
حاجبيها.. أهدابها.. حد أنفها .. خديها.. شفتيها.. ذقنها
أن تعانق أنامله تفاصيلها الباذخة روعة الموغلة حسنا
أن يفكك خُصل شعرها الملتفة في حلقات لولبية خصلة خصلة
ولكنها كأي تحفة ثمينة كُتب عليها "ممنوع اللمس"
لذا فلابد أن يكتفي مجبرا بمجرد النظر
ابتسم لها وهو يرد بعمق ودود: بصراحة أنتي اللي خوفتيني
موضي باستغراب: أنا؟؟
راكان بابتسامة: ايه أنتي.. ولسببين
أول شيء خفت عليش لما لقيتش
موضي تبتسم: كان عندي مهمة في البيت العود.. خلصتها وجيت
وش ثاني شيء؟؟
راكان بنبرة عمق مقصودة: ثاني شيء خفت منش لما لقيتش
موضي بحرج حزين وهي تلف إحدى خصلاتها على أصبعها بتوتر:
شكلي يخرع يعني؟؟ ما عجبتك؟؟
راكان اقترب منها حتى وقف خلفها ثم همس في أذنها بعمق موجع:
ماعجبتيني؟!! صاحية أنتي؟!!
أنتي الليلة جمالش خطير ويخوف
موضي تبتعد عنه وعن دفء أنفاسه على أذنها الذي بعث قشعريرة حادة في كل جسدها
وتهمس بخجل: دايما تحب ترفع معنوياتي
راكان يبتسم وهو يجلس: رفع المعنويات للي يحتاجونه.. لكن أنتي ما تحتاجين
موضي جلست وهي تبتسم لتسأله بمودة: شأخبار التدريب اليوم؟؟
راكان بهدوء: تمام.. دعواتش بالذهبية
موضي تبتسم: إذا على الدعاء أنا بأدعي لك واجد اللهم استجب
المهم تكون مستعد
راكان بثبات: وأنا مستعد إن شاء الله
ثم أردف: أقولش سر؟؟
موضي بحذر: قول
راكان بجدية: هذي البطولة بتكون آخر بطولة أشارك فيها
عقبها باعتزل البطولات.. عشان كذا أقول يا الله ذهبية.. عشان يكون اعتزال مشرف
موضي باستغراب: توك راكان على الاعتزال
يعني الرماية مهيب رياضة مرتبطة بالعمر مثل الكورة وإلا السباحة
دام يدك ثابتة تقدر تشارك.. يعني ممكن توصل 45 سنة وأنت تشارك في البطولات
راكان هز كتفيه وابتسم: خلاص كفاية علي شغلي.. وانا توني استلمت رئاسة قسم
وكفاية علي من ناحية ثانية الشطرنج.. ولو أني ناوي بعد أقلل مبارياتي فيها
موضي بعفوية: أحسن.. خلك جنبي
موضي شعرت بحرج بعد خروج جملتها العفوية وراكان ينظر لها بعمق
تحججت بتبديل ملابسها لتهرب من أسر نظراته
وراكان تنهد وهي يرى خيالها الهارب
(ليتكِ تعلمين أن هذا هو السبب الوحيد
أريد البقاء إلى جانبكِ
أريد التخلص من كل ماقد يبعدني عنكِ
سابقا كنت أريد ما يشغلني ليملأ خواء حياتي ويشغلني عن برودة أيامي
ولكني أشعر الآن أن حياتي ممتلئة.. ممتلئة تماما
ممتلئة بكِ ومن أجلكِ
لم أعد أعرف سر هذه الغرابة
أو ماذا فعلتي بي
وماعاد يهمني
المهم أن نبقى معا.. وتبقين لي وحدي
لي وحدي فقط)
*****************************
قبل ذلك بوقت
بيت محمد بن مشعل
ناصر يصعد بخطوات مثقلة
كانت موضي تغادر غرفته للتو
حين سمعت صوت الخطوات على الدرج.. اختبئت حتى تأكدت من دخول ناصر لغرفته
وهي تحمدالله على خروجها قبل وصول ناصر وإلا كانت كل مخططاتها باءت بالفشل
التفت بجلالها وهي تنزل الدرج بسرعة لتتوجه لبيتها
بعد أن وصت مشاعل أن تقول لناصر أن المخطط كاملا هو من تخطيطها هي وألا تذكر اسم موضي
حتى يتأكد أنه هو من يشغل تفكيرها فقط
قبل ذلك بلحظات
ناصر يقف أمام باب غرفته
يتنهد بعمق
يشعر بضيق عميق.. ويتمنى لو يعود أدراجه
ولكنه وصل إلى باب الغرفة.. وليس لديه رغبة بالذهاب إلى أي مكان
ويبدو أنه مجبر الليلة على البقاء مع ذكرى أطيافها الموجعة
فتح الباب وأغلقه دون أن ينتبه للغرفة
أولا صدمته الرائحة العطرة العذبة والكثيفة
ثم حين تلفت حوله شعر بالغرابة وهو يظن أنه ربما أخطأ بالغرفة
فالغرفة كانت مطفأة الأنوار..وتغرق في أضواء عشرات الشموع بمختلف الأحجام والأشكال
عدا عن صفين من شموع صغيرة كانت تصنع مسارا محددا بدءا من باب الغرفة
والباب يفتح أولا على الصالة ثم غرفة النوم وكلاهما شاسعتان
لأنهما كانتا أساسا غرفته وغرفة راكان
ناصر شعر بالغرابة تتزايد وهو يتتبع مسار الشموع
من وضع كل هذه الشموع؟؟ ولماذا؟؟
مشى ناصر في المسار حتى وصل غرفة النوم
ليجد المفاجأة الصادمة أمامه
المفاجأة العصية على التصديق والتخيل
فتح عينيه وأغلقهما عشرات المرات.. كان عاجزا عن تصديق مايراه أمامه
بل كان عاجزا عن مجرد التخيل
كانت مشاعل تقف أمامه يلتهمها خجلها وتوترها
ولم يكن هذا هو سبب عجزه عن التخيل
بل ما كانت ترتديه
فمشاعل كانت تقف أمامه بفستان عروس أبيض حقيقي غاية في الرقي والنعومة
وبطرحتها الطويلة الناعمة
بل وحتى مسكة الورد بين يديها
↚
بيت محمد بن مشعل
ناصر يقف أمام باب غرفته
يتنهد بعمق
يشعر بضيق عميق.. ويتمنى لو يعود أدراجه
ولكنه وصل إلى باب الغرفة.. وليس لديه رغبة بالذهاب إلى أي مكان
ويبدو أنه مجبر الليلة على البقاء مع ذكرى أطيافها الموجعة
فتح الباب وأغلقه دون أن ينتبه للغرفة
أولا صدمته الرائحة العطرة العذبة والكثيفة
ثم حين تلفت حوله شعر بالغرابة وهو يظن أنه ربما أخطأ بالغرفة
فالغرفة كانت مطفأة الأنوار..وتغرق في أضواء عشرات الشموع بمختلف الأحجام والأشكال
عدا عن صفين من شموع صغيرة كانت تصنع مسارا محددا بدءا من باب الغرفة
والباب يفتح أولا على الصالة ثم غرفة النوم وكلاهما شاسعتان
لأنهما كانتا أساسا غرفته وغرفة راكان
ناصر شعر بالغرابة تتزايد وهو يتتبع مسار الشموع
من وضع كل هذه الشموع؟؟ ولماذا؟؟
مشى ناصر في المسار حتى وصل غرفة النوم
ليجد المفاجأة الصادمة أمامه
المفاجأة العصية على التصديق والتخيل
فتح عينيه وأغلقهما عشرات المرات.. كان عاجزا عن تصديق مايراه أمامه
بل كان عاجزا عن مجرد التخيل
كانت مشاعل تقف أمامه يلتهمها خجلها وتوترها
ولم يكن هذا هو سبب عجزه عن التخيل
بل ما كانت ترتديه
فمشاعل كانت تقف أمامه بفستان عروس أبيض حقيقي غاية في الرقي والنعومة
وبطرحتها الطويلة الناعمة
بل وحتى مسكة الورد بين يديها
ناصر تقدم أكثر
حتى وقف أمامها
فهو خطر بباله أنه من المؤكد أنه يهلوس
وأن اشتياقه لمشاعل صور له وجودها أمامه وبهذه الصورة الموغلة في العذوبة والتعذيب
كان ينظر لها بتمعن وهو مازال يظن أنه يحلم
كانت عروسا حقيقية بكل معنى الكلمة
بل أجمل وأبهى من ليلة زواجهما قبل شهرين
كانت رقيقة إلى حد الوجع
وفاتنة إلى حد الهلوسة
كانت مشاعل هي من تكلمت وهي تهمس بصوت مرتعش:
ناصر ترا بيغمى علي من الحرج لا تقعد تخزني كذا كررت سالفة الحمام وخربت الدنيا
ناصر انتفض بخفة وهو يهمس بعمق ويمد يده ليتحسس خدها ليتأكد أنها أمامه فعلا:
أنتي قدامي صدق وإلا أنا أحلم
إن كنت أحلم تكفين لا تصحيني
وإن كنت صاحي يا ويلش تجيبين لي طاري الحمام
مشاعل بخجل: ما أدري تحلم حلم حلو وإلا كابوس؟؟
ناصر اقترب أكثر ليتناول الورد من يدها ويضعه على السرير ويمسك بكفها ويحتضنها ويهمس بعمق دافئ:
أخاف من كثر ماهو حلو أشرق بحلاه
مشاعل صمتت وخجلها يحتويها ودقات قلبها تتصاعد وهي تدعو الله بعمق ألا تخذل ناصر وتفسد فرحته
ناصر رفع كفها لشفتيه وهو يطبع في باطن كفها ومعصمها قبلات دافئة رقيقة مشتاقة
ثم
أفلت يدها فجأة
وهو يهمس بمرح مقصود: دقيقة باروح أقفل باب الغرفة ثم أسحب كل المفاتيح
وخصوصا مفاتيح الحمامات
لا وعندنا حمامين هنا.. على أي حمام بألحق لو قررتي تستخدمينها كلها
مشاعل بصدمة رقيقة: ناصر أنت من جدك؟؟
ناصر تحرك وهو ينفذ ماقاله: إيه والله من جدي
وبالفعل أغلق ناصر باب الغرفة ثم سحب المفتاح وتوجه للحمامات وسحب مفاتيحها
وهو في هذا يقصد إلى إثارة مرح يمتص به توتر مشاعل وخجلها لأنه لاحظ شدة ارتعاش يدها بين يديه
ثم تذكر شيئا هاما بالفعل وهمس لها بمرح: شكلش وأنتي عروس صدق.. ذكرني بشيء كان المفروض عطيتش إياه قبل شهرين
بس تيك الليلة الله لا يعيدها مخي اختبص.. وعقب نسيت أو يمكن ماجات فرصة
وبالفعل بدأت مشاعل تتخلص من توترها وهي ترى أن ناصر يفسح ويترك لها مجالا للتنفس ويثير فضولها
ناصر وضع المفاتيح على التسريحة ثم توجه لحقيبة رسمية كانت تقبع فوق الدولاب
مد قامته الرفيعة ثم أنزلها بخفة
أدار أرقامها ثم فتحها.. استخرج علبة مغلفة بتغليف شديد الفخامة والأناقة
ثم اقترب من مشاعل وشدها بلطف وأجلسها على السرير وجلس جوارها
ثم وضع العلبة بين يديها
وهمس بعمق لطيف: هذي هدية عرسش متأخرة شوي
ثم أردف بنبرة مقصودة: أو يمكن في وقتها
ابتسمت مشاعل وهي تفتح الغلاف: تدري إني كنت أقول اللي ماعنده ذوق ماجاب لي شيء
ناصر ضحك: بعد تبين أجيب لش هدية وأنتي مخليتني أنام على باب الحمام
مشاعل ضحكت برقة مصفاة وهي تكاد تفتح الهدية: مهوب شغلي.. الهدية حقي لو وين ما نمت
ناصر وضع يده على قلبه: يا ويل قلبي.. اضحكي بعد مرة.. بعد مرة تكفين
ولكنها لم تكن تضحك ولا حتى تبتسم...بل تغرغرت عيناها بالدموع وهي ترى الهدية
ناصر بشجن: ياحبيبتي.. وشو له الدموع بعد؟؟ حرام عليش.. أقول سمعيني ضحكتش اللي تذبح.. تبكين
مشاعل ارتمت على صدره وهي تبكي: أنا أسفة يا ناصر.. آسفة على كل شيء
والله أنا ما أستاهلك.. ما أستاهلك
ناصر احتضنها بحنو وهو يطبع قبلاته على شعرها: بس يا قلبي.. وش ذا الكلام؟؟
رفعت رأسها عن صدره وهي تمسح وجهها وتهمس بتأثر: وهذا أنا خربت المكياج ووصخت ثوبك بعد
ناصر بعمق حنون: أنتي عندي أحلى من شافت عيني.. ويفداش الثوب وراعيه
والحين عطيني يدش ألبسش الساعة
ناصر مد يده للعلبة واستخرج الساعة البلاتينية الأنيقة التي حُفر على ميناها الداخلي حرفان مرصعان بالألماس
n&m
ليغلف بها معصمها الرقيق
*******************************
ذات الوقت
وذات المكان
بيت محمد بن مشعل
العنود وصلت ولكنها قررت ألا تدخل من الباب الأمامي
بل توجهت إلى غرف الخادمات بجوار المطبخ الخارجي
فالعنود رغم الحزن الموجع الذي يثقل روحها
إلا أنها لا تريد إثارة فضيحة في هذا الليل
ولا تريد أن يتعارك أشقائها مع ابن عمهم وتكون هي سببا لشرخ في العلاقة بين شباب آل مشعل التي كانت دائما مضربا للمثل في القوة والمتانة
فهي تعلم يقينا أن والدها وأشقائها لن يرضوا مطلقا بضرب فارس لها
لو لم يضربها لبقي الحق معه.. ولكنه بضربها منحها كل الحق.. وجعلها في موقع القوة
طرقت الباب على الخادمات حتى فتحن الباب.. نادت سونيا سائقة مريم وطلبت من البقية العودة للنوم
ثم توجهت للمطبخ دون أن تلتفت للسائقة حتى لا ترى وجهها
ثم طلبت منها أن تتوجه لغرفتها لتحضر لها بجامة
فدخول سائقة مريم للبيت في وقت متأخر ليس مستغربا
والعنود لا تريد إثارة ريبة أحد
فسونيا تبقى أحيانا مع مريم لوقت متأخر.. ترتب معها أغراضها أو حتى تحادثها
سونيا توجهت للداخل وهي تعرف أن هناك خطب ما
ولكنها وبعد سنوات من العمل مع مريم
تعودت أن تصمت أكثر مما تتكلم
بينما العنود غسلت ما تبقى من زينتها عن وجهها
ثم تناولت ثلجا من الثلاجة وبدأت بتدليك خدها به
فأثر كف فارس على وجهها لم يكن قويا.. وهي تتمنى أن يزول قبل صباح الغد
سونيا أحضرت البيجامة وعادت وهي تتسحب حتى لا يراها أحد
العنود همست لها بخفوت: حد شافش؟؟
سونيا بنبرة محايدة: نو
ثم عادت لغرفتها
بينما العنود أغلقت عليها باب المطبخ وأبدلت ملابسها
ثم طوت قميصها وعباءتها ووضعتهما في كيس قمامة وربطته ثم ألقته في القمامة
فهي ماعادت تريد شيئا يذكرها بهذه الليلة المرعبة
ثم عادت لتدليك وجهها بالثلج لفترة من الزمن وهي غارقة في أفكارها.. حزنها.. ومرارتها
تعلم يقينا أنها أخطأت خطئا كبيرا.. وتعلم يقينا كذلك أن فارس قاسٍ
ولكنها اعترفت بخطئها وندمت عليه واعتذرت
فلماذا يهينها بهذه الطريقة؟؟
لماذا يجرحها بهذه الطريقة؟؟
كيف هانت عليه حبيبته العنود؟!!
هل تغلبت القسوة في قلبه على حبها؟!!
هذه ليست القشة التي قصمت ظهر البعير
ولكنها الجبل الذي طحن البعير طحنا
تعلم أنه يحبها وهي أيضا تحبه
ولكنها لا تستطيع أن تكمل حياتها معه.. لا تستطيع
فالحب في قلبها سيموت ويجف مع قسوته
مع خوفها منه
الخوف ينحر الحب.. ولا يمكن أن يتعايشا معا
الحب نبتة تحتاج للشعور بالأمان حتى تعيش وتترعرع وتقوى وتزهر
ومع فارس بدأ شعورها بالأمان يهتز
لذا لن تعود..
لن تعود..
كانت أفكارها تذهب بها للبعيد في دوامات سريعة وعميقة
حتى سمعت أذان الفجر
حينها تنهدت بعمق وهي تنزل شعرها على وجهها
ثم تتوجه للداخل بثقة زائفة
وهي تستعد لاخبار من سيراها أنها باتت هنا أساسا بعد سهرة البارحة
***************************
قبل ذلك
بيت مشعل بن محمد
مشعل يعود للبيت بعد نصف ساعة من مغادرته له
فهو لم يستطع ترك لطيفة أكثر من هذا
وهو يعلم أنه جرحها وأهانها
وكأنه جرح نفسه وأهانها
يشعر بألم عميق متجذر.. يتمنى بالفعل لو استطاع قطع يده التي امتدت على لطيفة
فلطيفة ليست مجرد زوجة أو حتى حبيبة
هي أمه وأم أطفاله ورفيقة دربه.. كانت معه في كل شيء.. في فشله ونجاحاته
في كل مامر به في حياته كانت معه
لا يستطيع الآن أن يتذكر شيئا في حياته لم تكن معه فيه
حتى أيام بروده معها.. لم يكن يستطيع الاستغناء عنها أو عن وجودها جواره
دخل للبيت على عجل
فوجئ بأضواء الصالة السفلية جميعها منارة
ثم فُجع بمنظر أحد الخادمات وهي تمسح الرخام مكان سقوط لطيفة
سألها بحدة: وش تسوين؟؟
الخادمة بخوف: أنظف دم
مشعل برعب حقيقي موجوع: نعم؟؟ دم؟؟
ثم فُجع أكثر بل تمزق وهو يرى نقاط دم متباعدة بين مكان سقوط لطيفة والمطبخ الداخلي
حيث تسندت لطيفة حتى وصلت للمطبخ ونقرت على جرس الاستدعاء
مشعل شعر قلبه يهوي ويهوي من علو وهو يتوجه للخادمة بالسؤال بنبرة مرعبة: وين مدام؟؟
ثم شعر قلبه يصل الأرض ليتحطم شظايا متناثرة والخادمة تجيبه:
روح مع درايفر ونور تو ومن هوسبيتال
مشعل توجه بسرعة جنونية لسيارته ليقود بسرعة أكثر جنونا متوجها لمستشفى النساء
وهو يشعر بالاستغراب المشبع بالألم
لماذا مستشفى النساء وليس مستشفى حمد؟؟؟
كان يتصل بهاتف لطيفة ولكن لا مجيب
ثم اتصل بهاتف السائق الذي أخبره أنه أنزل لطيفة ومعها الخادمة في طوارئ مستشفى النساء
استغرق وصوله للمستشفى أقل من ربع ساعة مع سرعته الجنونية
توجه من فوره لسؤال الاستقبال عن لطيفة
أجابته الموظفة بنبرة مهنية رتيبة: توها دخلت الحين
تسقيط عادي..
بس يسوون لها تنظيف ونطلعها فوق
مشعل جلس بتثاقل على أقرب مقعد
الموظفة وصفته بـ "تسقيط عادي"
لكنه بدا له "جريمة قتل غير عادية"
هل قتل طفله حقا؟؟
هل قتله؟!!
هذا الجنين رغم أنه لم يعلم به.. ولكنه تمناه.. تمناه بكل القوة والوجع
فهذا الجنين بالذات هو ثمرة حب مصفى وولع وغرام لا متناهي
فلماذا ذهب؟؟
لماذا؟؟
ولماذا يذهب بسببه.. بسببه هو؟!!
خطرت له فكرة مرعبة.. موجعة..متوحشة في ألمها.. ولا يعلم لها سببا
"هل موت ثمرة الحب يعني موت الحب نفسه؟!!"
*******************************
بيت فارس بن سعود
قبل أذان الفجر بقليل
غرفة فارس
جالس في الصالة.. يسند رأسه إلى كفيه وأنامله تتخلل خصلات شعره
مشبع بالأسى
بل هو مشبع فوق الإشباع
يرفع رأسه للمرة الألف ليجول بنظره في المكان
ليس سوى صحراء قاحلة دون عطر أنفاسها ورقة خطواتها
أي جناية جناها على نفسها؟!!
أي جناية؟!!
يعلم أنها تحبه كثيرا
ولكنه يعلم أيضا أنه يحبها أكثر مما تحبه.. أكثر بكثير
ستصبر هي على بعده
ولكن هو كيف سيصبر؟؟ كيف؟؟
سيموت بعيدا عنها.. سيموت
وعلى الطرف الآخر يعلم يقينا أن كبرياءه الأحمق لن يسمح له أن يقف أمام عمه وأبناء عمه في موقف المذنب لطلب السماح
لوكان لم يمد يده عليها لكان الحق معه ولكان عمه وأبناء عمه وقفوا معه
فهي أخطأت بخروجها دون أذنه ولمكان نهاها عنه
ولكنه بمد يده لم يترك له حقا عليها... ففي عرفهم لم يكن الضرب يوما هو وسيلة للتفاهم أو العقاب
يستطيع تماما معرفة مشاعر أبناء عمه
فهو رغم محبته لهم جميعا على استعداد تام أن يمزق من سيمد منهم يده على لطيفة أو موضي أو مشاعل
بل هو يكاد يجن من مجرد فكرة أن واحدا منهم قد يمد يده على زوجته العنود لأي سبب وبأي طريقة
فكيف وهو من فعلها؟؟
هو من فعلها!!
مثقل بالتفكير والحزن واليأس
يريدها أن تعود اليوم قبل الغد
قبل أن ينحره غيابها
سينحره غيابها
فهو مجنون بها.. عاشق متيم.. مدله في الغرام حتى أقصى عروقه وخلاياه وأنفاسه
ولكن
كيف يعيدها؟؟
كيف؟؟
↚
مستشفى النساء والولادة
غرفة في الطابق الخامس
بعد صلاة الفجر وقبل شروق الشمس
يجلس جوارها ويحتضن كفها بين كفيه ويرفعه بين الفينة والفينة ليطبع عليه قبلة عميقة مثقلة بالندم والوجع:
تكفين لطيفة سامحيني
أنا ماني بقادر أسامح روحي
بس أنتي طول عمرش قلبش كبير
أنا ما أقدر أتخيل حياتي وأنتي زعلانة علي
الدكتورة طمنتي على صحتش.. والله يعوضنا عن اللي راح
العوض بسلامتش يأم محمد
لم ترد عليه.. ولكنه يعلم أنها واعية وتسمعه..
غاضبة؟؟.. عاتبة؟؟؟
مستعد لإرضاءها حتى آخر يوم في عمره
المهم ألا تجفوه.. أو تبعده عن دفء حنانها
استمر مشعل يتحدث مطولا
يسترضيها حينا.. ويناجيها حينا آخر
حتى همست بنبرة رتيبة وعيناها مغلقتان: عيالي حد عندهم؟؟
ابتسم مشعل: أمي عندهم
كلهم نايمين.. مابعد حد منهم صحا من نومه
حينها لفت جسدها قليلا لتعطيه ظهرها وهي تهمس بذات النبرة الرتيبة:
شوف إذا الدكتورة ممكن تكتب لي خروج
مافيني شيء يستلزم التنويم
*************************
واشنطن
بيت يوسف
مازال يوسف يغلق عليه وعلى باكينام باب غرفتهما
يحاول امتصاص غضبها من غير جدوى
هو يراها مخطئة وتبالغ في الخطأ
ولكنه لا يستطيع تركها بل يستحيل
إذا كان أساسا كان رافضا لتركها وهو يشك بها
فكيف بعد أن تأكد من براءتها؟!!
إطلاق إسارها هو رابع المستحيلات
يوسف يتنهد بعمق: خلينا نتفاهم
باكينام ترفع حاجبا وتنزل الآخر: نعم؟؟ نتفاهم؟؟
انته بتعرف تتفاهم؟!!
أنته مخلوء همجي.. وأنا مستحيل أعيش معاك
يوسف يعاود التنهد ثم يرد عليها ببرود: وأنا مستحيل أطلئك
باكينام بغضب: ما تخلينيش أدخل بابا وعمو طاهر
يوسف يهز كتفيه ثم يتوجه للجلوس على السرير ويقول بهدوء متمكن:
دخليهم
لعلمك ولو كنتي ناسية أنا راجل في التلاتين.. مش عيل
ومافيش حد هيجبرني أطلئ مراتي
باكينام بتحدي ولثاني مرة تقولها بعد زواجها من يوسف: هأخلعك
يوسف بابتسامة: ومالو.. وأنا هأعين محامي شاطر.. وكل ما يحكمو لك هأستأنف
لا وهاديله وكالة عن الموضوع ومش هاحضر الجلسات وهاريح دماغي
والمحاكم حبالها طويلة
عدا أنه عشان ترفعي قضية الخلع لازم نكون في مصر
فاصبري لحد ما نرجع مصر.. هدنة يا باكينام هدنة ربنا يخليكي
باكينام بصدمة: وأعيش معاك لحد ما نرجع مصر.. مستحيل.. مستحيل
ثم أردفت بألم: والهدنة مش أنا اللي خربتها
قالتها وهي تلمس خدها المشتعل احمرار
يوسف يتنهد: اسمعيني باكي.. أنا وأنتي كلها 3 شهور ونخلص دراسة
حرام عليكي تشغليني وتشغلي نفسك
خلينا نخلص بالطول أو بالعرض
باكينام برفض: وأعيش معاك في نفس المكان.. مستحيل مستحيل
يوسف بهدوء: خلاص أنا اللي هامشي.. بس أنتي ما تسيبيش البيت
اديني بس ربع ساعة
هأخذ لي كم غيار.. واخذ أوراقي واللابتوب بتاعي من المكتب وأمشي
بس ما تنزليش لحد ما أمشي
أنا مش حمل ستاتك وزعلهم
يوسف تناول حقيبة صغيرة ووضع فيها بعض الملابس
ثم توجه للباب ولكنه مر بباكينام أولا
وقف أمامها يتأملها للحظات
وهي تنظر له بتحدٍ مشبع بالألم
حينها مد يده وهي انتفضت برعب أن يكون سيودعها بصفعة
ولكنه ربت على خدها المحمر وهمس بعمق وهي تبتعد عن مدى يده:
أنا آسف يا باكي
وبحبك.. بحبك بجد
وعلى ئد ما بحبك وأغير عليكي كان تصرفي متطرف وغير متوقع
حاولي تحطي نفسك مكاني
مازلنا في بيت يوسف
العجوزان تجلسان في الأسفل
تتبادلان النظرات المستغربة
فباكينام أطالت غيابها في الأعلى
نزل يوسف
لم يتحادث معهما
توجه لمكتبه وغاب قليلا ثم عاد لهما
وقف أمامهما ثم همس باحترام:
هناك مشكلة صغيرة بيني وبين باكينام
وأنا سأغادر المنزل
وأنتما اعتبرا نفسيكما في بيتكما
وماريا وسانتياغو في خدمتكما في أي شيء
ثم حمل حقيبته وغادر
بعد دقائق نزلت باكينام
كانت تنزل بثقة وهي ترفع رأسها
ما أن رأتها العجوزان حتى قفزتا
وكل واحدة منهما تفتح عيناها للحد الأقصى
ثم بدأت العبارات الحادة بالانهيال.. خليط قديم وجديد من كلمات عربية وتركية وانجليزية وايرلندية
بين لغة الأصل ولغة الممارسة:
الحقير.. يقول مشكلة صغيرة
كل هذا ومشكلة صغيرة؟؟
ثم يهرب كالجبان.. إلى أين ذهب الحقير؟؟
العربي الهمجي
اتصلي به ليعود.. إذا كان ضربك ونحن هنا
فماذا فعل بكِ وأنتِ وحدكِ؟!!
باكينام أوقفت سيل الشتائم والغضب المتدفق وهي تقول بحزم:
بس
تعرفي يأنّا أنتي وفيكتوريا.. أنتو أخر حد يتكلم
الرجاله الاتراك في المركز الاول بين شعوب العالم في ضرب ستاتهم
.
والرجال الإيرلنديون النساء عندهم كالأحذية التي يرتدونها في أقدامهم
.
يوسف أول مرة يمد ايده عليا
وأنا اللي غلطت عليه
وماحدش يتدخل بيني وبين جوزي
.
العجوزان انقلب حالهما للنقيض فجأة
وهما تبتسمان
ثم تربتان على كتف باكينام:
هذه ابنتنا فعلا
باكينام تنهدت وجلست
لم تكن تريد الدفاع عن يوسف
ولكنها تعرف جدتيها تماما.. لو سمحت لهما بالتدخل
سيحيلان حياتها جحيما حربيا
لذا فلابد أن تحرص من البداية على تنحيتهما عن مشاكلها حتى تريح رأسها
أن تفعل كما فعلتا هما
فكلتاهما لم تسمحا لأهلهما بالتدخل في حياتهما أو مشاكلهما مع زوجيهما
*****************************
اليوم التالي على كل الجبهات
انجلاء غبار المعارك
*******************************
قسم راكان
موضي لم تنم إلا قليلا
فهي من بعد صلاة الفجر لم تنم
أعدت فطور راكان
ثم التهت على جهازها المحمول لتعد بعض البرامج المطلوبة منها لعملها
لأنها تريد الذهاب للعمل لتسليمها ثم تطالب بتمديد إجازتها لأسبوعين آخرين
رغم أنها كانت تريد العودة للعمل لتلتهي عن غياب راكان من ناحية وحتى تثبت أقدامها في عملها الجديد من ناحية أخرى
ولكنها الآن ستلتهي مع أولاد لطيفة بعد سفرها للعمرة ولابد أن تتفرغ لهم
أنهت عملها حوالي الساعة التاسعة
ثم توجهت لراكان النائم على فراشه الأرضي
جلست جواره وهمست بخفوت رقيق: راكان.. راكان
فتح عينيه ببطء ثم ابتسم وهمس بنعاس: تدرين أحلى صباح عندي لما أفتح عيني
ويكون أول شيء أشوفه وجهش
موضي ابتسمت: الكلام هذا تقوله وأنت بكامل قواك العقلية؟؟!!
أو مازلت تحت تأثير النعاس وكوابيس خرعة البارحة علي ومني؟؟
راكان اعتدل جالسا وهو يبتسم: منش أحلى خرعة.. خوفيني كل يوم
مازال كلاهما جالسين على الأرض.. همست برقة: زين ياالخواف.. توديني للدوام مثل ماقلت لي البارحة؟؟
راكان بحنان عذب: أودي مندوبش لو جاني
أنزلت موضي برأسها بخجل.. دائما يخجلها بلباقته ولطفه وكلامه
مع انخفاض رأسها للأسفل تساقطت بعض خصلها الناعمة على وجهها
مد راكان يده ورفع الخصل ودفعها لما خلف أذنها وهو يلمس خدها بطريقة عفوية لم تكن عفوية
كلاهما التمس والتبس وشررات كهربائية تندلع بين الخد واليد
موضي نهضت بارتباك وهي تهمس: يالله غسل عشان نتريق.. انتظرك برا
راكان تنهد بعمق
مازال عاجزا عن تفهم مايحدث له
ولكنه يعلم أن السيطرة على نفسه باتت مرهقة ومؤلمة
لا يريد إحراجها أو إيذاءها
ولكنه بات يتحرق إلى ملامستها بأي طريقة
سيكتفي بمجرد معانقة أناملها أوحتى لمس أطراف أهدابها
شيء من عبقها يعطر أنامله ويبرد بعضا من النار التي باتت تستعر في جوفه
ولكنه لا يستطيع أن يتناسى أنها قالت: أنها لا تحتمل لمسات أي رجل
لذا لجأت له ليكون هو من يحتوي ضعفها ويأسها.. لن يخذلها مرة أخرى
ويكفي رسوبه وبجدارة في الاختبار لمرة.. رغم روعة ذلك الرسوب في مخيلته المثقلة
ابتسم لمجرد الذكرى وهو يقف ليتوجه للحمام
بعد حوالي 40 دقيقة
الاثنان في سيارة راكان متوجهان لمكان عمل موضي
ويدور بينهما كالعادة حديث ممتع كلاهما مستمتع به لأبعد حد
رن هاتف راكان
التقطه وهمس بمودة واحترام: هلا والله بأبو محمد
....................
ليش؟؟ (تغير وجه راكان)
....................
الحين جايينكم (قالها بحزم مخلوط بالقلق)
.....................
موضي شعرت بالقلق من المكالمة المريبة همست لراكان بخفوت وقلق:
راكان وش فيه؟؟
راكان بهدوء حازم: بسيطة إن شاء الله
أم محمد سقطت البارحة.. بس هي طيبة وبخير وفي بيتها الحين
وبأوديش تشوفينها
موضي بنبرة موجوعة متناثرة: لطيفة سقطت.. ليه هي كانت حامل؟!!
**************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 11 إلا ربع صباحا
ناصر يفتح عينيه على صوت حفيف خافت
ابتسم بعمق وهو ينظر لها منهمكة في عملها
بدت له كالملاك العذب مع طلتها الصباحية الأنيقة.. وشعرها الحريري القصير يتحرك مع حركتها الدؤوبة
كانت تسحب صندوقا بخفة حتى لا توقظ ناصر
وتضع فيه الشموع المتناثرة في زوايا الغرفة
ابتسم ناصر وهو يرفع رأسه ويسنده على كفه ويهمس بصوت عميق مثقل ببقايا النعاس:
صباح الخير يا قلبي
التفتت مشاعل وابتسمت برقة: صباح النور
ناصر بعمق ودود: كنها الشمس شرقت عندنا اليوم في الغرفة
وصباح النور حاف ما يمشي حالها
مشاعل بخجل عذب: صباح النور.. حبيبي
ابتسم ناصر: شاطرة
وبعدين وش ذا الأشغال الشاقة اللي بادية فيها نهارش؟؟
مشاعل برقة: وش أسوي؟؟ مايصير أخليها منثرة في الغرفة كذا
ناصر باستغراب: إذا أنا هلكت البارحة وأنا أطفيهم
أشلون أنتي شلتيهم وفرقتيهم وولعتيهم بروحش
مشاعل تتذكر نصيحة موضي تبتسم وترد بعذوبة: عشان رضاك أسوي أي شيء
ناصر بشجن: **** يا قلب ناصر.. والله العظيم ****.. ولو فيه شيء فوق الرضا ****..
مشاعل أنهت مهمتها وتريد حمل الصندوق ولم تستطع لثقله
ناصر هتف لها بهدوء: خليه حبيبتي .. بأركب ساقي وأشيله أنا
قالها وهو يمد يده تحت السرير ليسحب ساقه
حينها توجهت مشاعل ناحيته وجلست على الأرض وهي تتناول الساق من يده
وهمست بحنان: أنا بأركبها.. وكل يوم أنا اللي باركبها وأفكها إذا الله أحيانا وعطانا العمر
ناصر ضغط على يديها الممسكتين بالساق وهمس بحنان موجوع: مهيب سهلة يامشاعل.. خلي منش أنا تعودت خلاص
مشاعل وضعت الساق في حضنها ومدت يديها لساقه المبتورة لتجذبها ناحيتها:
خلاص حبيبي تكفى.. لا تحط بيننا حواجز
لم تكن المهمة سهلة مطلقا على مشاعل الرقيقة وعلى قلبها الرقيق.. أن ترى مكان البتر من هذا القرب وبهذا الوضوح
ثم تركب هي الساق... ولكنها ماعادت تريد شيئا يبعد ناصر عنها أو يبعدها عنه
تريد أن يتمازجا ويتماهيا للحد الأقصى.. ومادام سيحتفظ بتركيب الساق وفكها لنفسه ستبقى حاجزا بينهما.. وهذا ما لن ترضى فيه
تريده أن يعلم انها تتقبله بل وفخورة به على كل حالاته.. بساقه أو بدونها
حاولت أن تقوم بالمهمة على الوجه الأكمل تحت بصر ناصر الذي كان ينظر لها بتأثر وشجن كبيرين
أنهت مهمتها بإتقان وسرعة رغم أنها محاولتها الأولى
ولكن مالم يعلمه ناصر ولن يعلمه أنها حفظت دليل تركيب الساق عن ظهر قلب وكان قد بقي لها أن تجرب.. لذا كانت تجربتها ناجحة تماما
ابتسم ناصر وهو يمد يديه ليمسك بعضديها ويرفعها بخفة ليجلسها جواره ويهمس: ماشاء الله عليش.. كنش متعودة على تركيبها
أنزلت رأسها بخجل.. مد ناصر يده لوجهها ووضع سبابته أسفل ذقنها ورفعه بحنان ثم همس بخفوت: إشرايش نسافر حبيبتي؟؟
مشاعل باستغراب: نسافر؟؟
ناصر ابتسم: إيه نسافر شهر عسل مثل كل الناس.. هذا فارس والعنود سافروا عقب عرسهم بأسبوعين
إحنا نسافر عقب عرسنا بشهرين.. ليش لأ
مشاعل بتردد: وشغلي اللي المفروض أبداه ذا الأسبوع؟؟
ناصر بابتسامة: زحلقيه أسبوعين.. أو تدرين؟؟ خليش ذا الفصل عندي ما أبي شيء يشغلش عني
ووعد علي أجيب لش الوظيفة اللي تبينها في المدرسة اللي تبينها مع بداية السنة الجايه
مشاعل ابتسمت وهزت كتفيها: خلاص بكيفك نسافر.. بس سالفة الشغل خلها لين نرجع ونتناقش فيها
ناصر بمرح حنون: حاضرين.. ويا الله تدللي وين تبين تسافرين.. بس أشري
مشاعل بخجل: بكيفك
ناصر يبتسم: كيفي لا.. أنا أصلا كنت مرتب لش خوش برنامج وحاجز قبل شهرين بس تفركش كل شيء.. ذا المرة ذوقش واختيارش
مشاعل ابتسمت: خلاص خلني أفكر
ناصر وقف وتحرك بناحية الصندوق: فكري ياقلبي بس لا تطولين
انحنى على الصندوق وحمله بخفة وهمس بهدوء: وين أحطه؟؟
مشاعل برقة: تحت السرير
ناصر بمرح: ومتي بيطلع من تحت السرير؟؟
مشاعل ابتسمت: السنة الجاية نفس تاريخ البارحة إن شاء الله
ناصر يضحك: وعد؟؟
مشاعل ضحكت بخفوت وعذوبة: وعد
***********************
جبهة فارس والعنود
أم مشعل تفاجأت بوجود العنود عندها في البيت
ولكن العنود بررت وجودها مبدئيا أنها تأخرت في سهرة البارحة مع بنات عمها فاستأذنت فارس في المبيت
استغربت أم فارس قليلا.. ففارس مطلقا لم يسمح لها أن تبيت من قبل
حتى عندما كانت تتأخر في السهرة عندهم كان يحضر بنفسه لإحضارها
لأنه يخشى أن يخيفها شيء وهي تعبر الباب الواصل في وقت متأخر
العنود كانت متوترة بشدة وتريد تأجيل لحظة المواجهة قليلا
عندما عادت مريم من عملها.. سألتها والدتها : تدرين إن العنود أمست هنا البارحة؟؟
مريم باستغراب وهي تخلع عباءتها وشيلتها وتعطيها لسونيا: لا.. ليه هي أمست هنا؟؟
أم مشعل تتنهد: إيه.. مريم يأمش روحي شوفي وش فيها.. أصلا شكلها متغير
وما ترفع عينها فيني
أنا خايفة إنه صاير شيء بينها وبين رجّالها..
لو كان صاير شيء صحيح.. عقليها وخليها ترجع قدام يدري أبيش وأخوانش
مريم تنهدت بعمق.. كانت تعلم أن هذه اللحظة قادمة لا محالة
ولكنها جاءت مبكرة كثيرا.. لم يمضِ على زواجهما إلا شهرين فقط
تعلم أنها أحسنت تربية العنود ولكنها تعلم أيضا أنها مدللة ورقيقة
وأنها احتملت من قسوة فارس الكثير ولكن ليس لها جَلد احتمال طويل
لذا ربما حانت لحظة انهيارها
مريم وقفت على باب العنود.. طرقته برقة.. ثم دخلت
وقتها كانت العنود تتمدد على سريرها
ما أن رأت مريم حتى قفزت عن سريرها وارتمت في حضنها باكية
فهي منذ البارحة لم تبكِ مطلقا وهي تشعر بالصدمة والقهر والجمود وتحاول إدعاء القوة
لذا ما أن رأت مريم حتى انهارت كل مقاومتها
وانخرطت في بكاء حاد
مريم جلست هي وإياها على السرير وتركتها تبكي حتى أفرغت كل ثورتها الحزينة
ثم همست لها بحنان: شاللي صار يا قلبي؟؟
العنود بين شهقاتها الموجوعة: ضربني... ضربني
مريم شهقت بجزع: ويش؟؟ ضربش
مريم رغم صدمتها الحقيقية وجزعها من مجرد الفكرة.. أن يكون فارس ضرب العنود لأس سبب كان
ولكنها في ذات الوقت لا تريد تكبير رأسها حتى تعرف ماهو أساس المشكلة
لذا تنهدت وهمست بهدوء: ضربش بدون سبب؟؟
العنود بخجل: لا.. أنا غلطانة.. بس والله العظيم اعتذرت له وقلت له والله ما أعيدها.. ومع كذا ضربني
مريم برزانة: زين قولي لي السالفة كلها
العنود حكت الحكاية كاملة وبكل صدق لمريم
تنهدت مريم بعمق وتفكيرها يتشتت لأول مرة.. أختها أخطأت ولكنها ترى ردة فارس مبالغ فيها كثيرا
فالعنود اعتذرت له وطلبت منه السماح ومع ذلك تناسى ذلك وقرر تأديبها بأسوأ طريقة وأبشعها.. الضرب
لو كان تجاهل العنود وتعامل معها ببرود وأشعرها أنها أخطأت وهجرها وهجر حتى التحدث معها
كان لهذا العقاب أن يكون بالغ الأثر على العنود
ولكن أن يلجأ فورا للضرب وهو يعلم يقينا أن هذا الأسلوب مرفوض
وأن أحدا لن يقبله منه أو يبحث له عن عذر
فهذا الأمر كان خطأ كبيرا منه
تنهدت مريم وهي تربت على كتف العنود: أنتي الحين خلش عندنا.. ريحي يومين
وعقبها محلولة إن شاء الله
فارس بيعرف إنه غلط يوم مد يده عليش
وأنتي بعد عرفتي إنه المرة المفروض ما تعصى رجّالها
والمرة مالها إلا بيت رجّالها
العنود بحزم غريب عليها: لا مريم.. أنا ماني براجعة لفارس..
والشيء الثاني ما أبي حد يعرف إنه ضربني
ما أبي مشاكل بينه وبين أخواني
*************************
بيت فارس بن سعود
الصالة السفلية
بعد الغداء
فارس يعود من الغداء في المجلس
الوضع كان طبيعيا هناك ويبدو أن عمه وأبناء عمه لم يعرفوا بما حدث
فقط مشعل كان يبدو عليه الضيق الشديد
وعلم فارس أن السبب هو إجهاض لطيفة لذا قرر أن يزورها بعد صلاة المغرب
حين دخل وجد والدته جالسة في الصالة
ألقى السلام ثم انحنى يقبل رأسها
وجلس جوارها
همست أم فارس بهدوء: فارس وين مرتك؟؟
فارس بهدوء: في بيت أهلها
أم فارس بذات النبرة الساكنة: متى راحت لبيت أهلها؟؟
إذا هي البارحة رجعت البيت قدام أرجع أنا
وأنا اليوم من صبح قاعدة وماحد مر علي غيرك وأنت رايح دوامك
فارس يتنهد: أحيانا يمه تسألين أسئلة وأنتي مبين إنش عارفة أجوبتها
أم فارس بحزم: زين خلنا من الأسئلة والأجوبة وندخل في المفيد
متى بترجع العنود؟؟
فارس ينهض وهو يقول بهدوء: ما أدري.. خلها لين تشبع من الزعل ثم بترجع
أم فارس أمسكت بكف فارس وهمست بهدوء: اقعد يأمك
عاود فارس الجلوس رغم أنه لا يريد الجلوس.. فما يشعر به من الضيق أكثر من كافٍ.. أكثر بكثير
همس باحترام: لبيه يمه
أم فارس احتضنت كفه بحنان: يأمك يافارس.. مافيه حد يزعل بدون زعل
ولا يرضى بدون ماحد يرضيه
إذا أنت غلطت على بنت عمك لازم إنك ترضيها
فارس تنهد: يمه تكفين ريحي رأسش من ذا الموضوع.. مشاكلي أنا ومرتي أنا باحلها لا تشغلين بالش جعلني فداش
أم فارس بحزن: أشلون ما أشغل بالي يأمك.. عقب ما الله رزقني بنية ترادني الصوت ومالية البيت علي ..تبي البيت يرجع خالي علي؟؟
اليوم ما اشتهيت لا ريوق ولا غداء عشانها مهيب عندي وعشاني دريت إنه غيبتها مهيب طبيعية
تنهد فارس بألم لم يظهر في صوته وهو يهمس بهدوء ثابت ويقف: يصير خير يمه يصير خير
(ياه يمه.. ياااااه
إذا أنتي فاقدتها.. أنا وش أقول؟؟
من البارحة وأنا حتى النفس أحسه صعب علي
والوسيعة ضايقة علي
وقلبي مهوب في مكانه
راح معها وخلاني
وش يبي فيني وهو ملكها وطوع أمرها؟!!
ياه يا العنود
تدرين إني عصبي وقاسي ومتكبر.. لا تكسريني
سامحيني وارجعي
يهون عليش فارس وأنتي متأكدة إنش الهوا اللي يتنفسه
أهون عليش ياقلبي؟؟ أهون عليش؟!!)
*******************************
بعد المغرب
بيت مشعل بن محمد
مجلس الحريم
نساء عائلة آل مشعل جميعن عند لطيفة بعد معرفتهن بخبر إجهاضها ومعهن بعض جارات لطيفة
وضع لطيفة الصحي مستقر تماما
فالحمل كان شهرا بالكاد وحتى هي لم تكن تعلم بوجوده
ولا تعلم هل كانت فوضى الهرمونات هي من تسببت بجنونها البارحة؟!!أو ماذا؟!!
ولكن ما تعلمه أن وضعها النفسي كان شديد السوء
ليس من أجل الإجهاض فقط فهذه ليست المرة الأولى التي تجهض فيها
فهي أجهضت مرة بين مريم وعبدالله
وليس من أجل أن مشعلا هو من تسبب في الإجهاض
فهي مؤمنة بقضاء الله وقدره.. وتعلم أنه لم يكتب هذا الحمل لها
سواء كان السبب مشعلا أو غيره
ولكن أن يحدث هذا الإجهاض مع صفعة مشعل لها وبسببه كان شيئا فوق احتمالها وجعا وألما
فهي مازالت عاجزة عن استيعاب صفعة مشعل لها
كيف هانت عليه عشرة السنين؟؟!!
كيف يمد يده على أم أطفاله وابنة عمه؟؟!!
كيف يمد يده على... حبيبته؟!!
( أ لستُ حبيبته؟!!
ألم يسكرني بهذه الكلمة طوال الأشهر الماضية
وفي كل مرة أرتعش كأني أسمعها للمرة الأولى
"حبيبتي"
ولكنها الآن ماعاد لها سحر أو أهمية!!
كان يعلم أنه يتسلق روحي ويتغلغل فيها
يتغلغل في عروقي وخلاياي
فلماذا قطع عروقي ونسف خلاياي؟!!)
الجدة هيا تهمس بحنان: مجارة من الشر يأمش
والعوض برأسش ورأس مشعل
أنا يأمش راح علي وسقطت أكثر من اللي جبتهم
سقطت 6 مرات وماعاش علي إلا خمسة
لطيفة تبتسم وهي تربت على فخذ جدتها التي تجلس جوارها:
الحمدلله على كل حال يمه
ماني بجازعة من عطاء ربي وقسمته
عندي 4 الله يخليهم لي ويصلحهم
↚
الجدة هيا باستنكار: ليه تبين تقعدين على ذا الأربعة وأنتي عادش بنية؟؟
لطيفة تتنهد هذا آخر من ينقصها.. الإدعاء والتمثيل مع وضعها الحالي
ابتسمت لجدتها باصطناع: ماحد يعترض على رزق ربي
واللي الله يكتبه خير وبركة
مريم ابتسمت وهي تقول برقة: خلاص يمه خلي لطيفة ترتاح
الدور على عرايسنا الجداد موضي ومشاعل .... والعنود
(قالت العنود بتقصد وتأني)
موضي ومشاعل تبادلتا النظرات بخجل أو ربما بعض وجل
بينما العنود انتفضت بارتباك وبعض غضب (ماذا تقصد مريم بهذا التعريض؟!!)
بينما أم فارس ارتعشت بأمل عميق
فارس أوصاها بعدم التدخل.. وهي لن تتدخل.. ولكنها لا تستطيع منع نفسها من الأمل
ومعالي هتفت بمرح: إيه يمه نبي انتاج جديد.. عيال لطيفة لوعو كبودنا ماعندنا بزران غيرهم وهلكناهم دلع وهم قرود ما يستاهلون
لطيفة تحاول أن تبتسم وتبدو طبيعية: كذا ياعلوي..
ربي رحمش إنش قاعدة بعيد مني وأنا مافيني حيل أقوم لش وإلا كان وريتش أم الغزلان وش بتسوي فيش
رن هاتف أم فارس.. كان فارس هو المتصل كان عند باب الصالة الخارجية الذي يفتح على باحة البيت الداخلية..
كان يريد السلام على لطيفة
أم فارس همست للطيفة: لطيفة فارس عند باب الصالة يبي يسلم عليش
لطيفة التفتت على العنود بأمر رقيق: العنود فديتش دخلي رجّالش المقلط الداخلي.. شوى وأجي له
لطيفة كانت تريد الذهاب للحمام أولا.. تريد التغيير وتغيير ملابسها قبل الخروج لأخيها
العنود انتفضت بعنف.. وشبح ابتسامة يرتسم على وجهي مريم وأم فارس
العنود كانت تفضل أن تُقاد لقبرها ولا تخرج لرؤية فارس
ولكنها لا تستطيع الاعتذار أمام هذا الجمع الكبير من النساء
وخصوصا أنه لا أحد يعلم بخلافها معه بعد إلا مريم
العنود وقفت وهي تتوجه للخارج وهي تتمنى أن يحدث شيئ ما ينقذها من مقابلة فارس.. معجزة ما
وصلت للباب ومازال لم يحدث شيء ينقذها.. فتحت الباب بأنامل مرتعشة
كان يقف وظهره للباب.. بقيت للحظات تتأمل جسده الفارع الطول
عرض كتفيه.. وحتى عضلات ظهره
شعرت بالألم يجتاحها الكثير من الألم وذكرى الأمس تعاود مهاجمتها بوحشية
همست بخفوت حتى تنتهي من هذه المهمة: فارس
فارس انتفض.. هل يحلم؟؟
هل سمع صوتها؟؟
يبدو أنه بدأ بالهلوسة
همست للمرة الثانية بصوتها الساحر الذي يحي عروقه وينفض خلاياه: فارس تفضل ادخل
أدار وجهه لها.. لحظات مرت
والعين بالعين
نظرات عتب وألم وندم واشتياق
كانت العنود من كسرت خيط النظرات وهي تهمس بهدوء: تعال للمقلط الداخلي
كانت العنود ترتعش والمسافة تبدو لها طويلة لا تنتهي وقلبها المثقل بالوجع والحيرة يتمنى انهاء هذه المهمة بسرعة.. فماعاد بها احتمال
وتكاد تنهار باكية وهي تشعر برغبة موجعة في دعك خدها
فارس كان ينظر لظهرها وهي تتقدمه بخطوات قليلة لتقوده للداخل
كان يحفظ بيت مشعل وغرفه.. ولكنه اليوم تائه وبوصلته هو هذا الجسد الندي الذي يعبر أمامه والذي مافتئ يعبر أحلامه
العنود وقفت على باب المقلط وهمست بهدوء دون أن تنظر له: تفضل بتجيك لطيفة بعد شوي
كانت تريد العودة لمجلس النساء ولكنها فوجئت بيد قوية تشدها وباب يغلق عليها وعليه
همست بغضب: فارس وش ذا؟؟ خلني أروح
فارس ثبتها على الباب ليمنعها من التحرك وفي ذات الوقت ليتأكد من إغلاق الباب
كان قريبا منها.. قريبا جدا وهو يثبت كتفيها بيديه
وينظر لها عن قرب وبتمعن
هي كل ما يفتنه ويثيره ويؤلمه بكل تفاصيلها
رائحتها المشبعة بعطرها الرقيق الموجع
أهدابها الطويلة الجارحة كسهام تنغرز في قلبه
استدارة شفتيها ونعومة خديها
حضورها المختلف العامر بالمتناقضات.. الأشبه بإعصار يكتسح قلبه والأشبه بنسمة رقيقة تغلف روحه
استرقت عينه صفحة خدها حيث زلزلت كفه هدوء حياتهما
مازال هناك أثر طفيف لجريمته لا يكاد يُلحظ.. ولكنه لحظه وجرحه وأذاه
وهو يتذكر موقف البارحة المؤلم.. الموقف الذي كان من الممكن أن يتفاداه.. وليته تفاداه!!!
مازال صامتا وعيناه تطوفان بها وكأنه يريد أن يشبع نظرا إليها
وكلما نظر كلما إزداد عطشا
العنود ازداد ارتباكها والكلمات تجف على لسانها وكفاه الساكنتان على كتفيها تلسعانها كجمرتين متوقدتين
لطالما كانت عاجزة عن مقاومة حضوره الذي يبعثرها ويبعثر مشاعرها ويسلبها الإرادة
تكره هذا الإحساس وتكره استسلامها الخانع له الآن.. كانت تعلم أن هذا ما سيحدث.. لذا لم تكن تريد رؤيته
لم تكن تريد أن تسمح له بهزيمتها وهزيمة احترامها لذاتها
وهذا ما يجب أن تفعله
أخيرا تكلم فارس وصوته الخشن العميق بدا غائرا مثقلا بالمشاعر:
ممكن أعرف متى بترجعين لبيتش؟؟
العنود أشاحت بنظرها حتى تبتعد عن أسر نظراته وتستطيع الإجابة:
ماني براجعة
تكاد أن تقسم أنها شعرت بارتعاش لايكاد يُلحظ ليديه الممسكتين لكتفيها
ولكنه أجاب بهدوء: وممكن أعرف السبب
العنود بألم: أظني إنك عارف السبب
فارس تنهد: العنود حن لا حن أول ولا آخر زوجين يصير بينهم مشاكل
هل كل مايصير بيننا شيء بتخلين بيتش وتروحين لهلش؟!!
العنود باستنكار رقيق: فارس لا تبسط السالفة كذا ولا تسخفها وتحاول تبين إني رحت لبيت هلي عشان شيء سخيف
لأنك عارف إنه مهوب شيء بسيط
لو أني على قولتك بأروح لبيت هلي كل ما يصير بيننا شيء
كنت رحت لأهلي من أول يوم في زواجنا.. وكل يوم عقبها ثلاث وإلا أربع مرات
فارس بصدمة: لذا الدرجة شايفة نفسش مستحملة الحياة معي؟!!
العنود بمصارحة أليمة: ليه فارس أنت تجرح ولا حتى تنتبه؟!!
فارس إنت على أبسط الأشياء تقسى علي وتحتد وتعصب
ما أقدر أنكر إنك مغرقني في حبك.. لكنك في نفس الوقت غرقتني في قسوتك
خلاص فارس أنا صرت أخاف منك.. وشي حلو انكسر بيننا
شئ اسمه الإحساس بالإمان في حضنك
فارس بألم عميق: تخافين مني؟؟ مني يا العنود؟؟
أنا لو علي ودي أخبيش في عيوني عن كل شيء ممكن يأذيش
ودي أخبيش داخل قلبي عن كل شيء ممكن يجرحش
العنود بألم مشابه: وإذا كنت أنت اللي بتأذيني وتجرحني.. أشلون تحميني من نفسك؟؟
ارتخت يدا فارس عن كتفيها وابتعد خطوة للخلف وحزن عميق يخترم روحه
تنهد ثم همس: أنتي الحين ارجعي بيتش وعقب يصير خير
العنود بألم جارح ومجروح وهي تبتعد عن الباب للداخل قليلا: آسفة فارس.. أنت حتى لاحظ طريقتك في الكلام
أنت ماحاولت ترضيني أو تسمح خاطري.. أو حتى ذكرت مجرد ذكر إن مدك ليدك علي كان شيء خطأ وماراح يتكرر
كان فارس على وشك الكلام لولا أن الباب فُتح ولطيفة دخلت
لتغادر العنود وعينا فارس تشيعانها بألم
******************************
بيت عبدالله بن مشعل
قبل صلاة العشاء
كان سلطان الصغير يعبر الصالة بعد أن توضأ للصلاة ويريد الآن التوجه للمجلس ليذهب مع والده للصلاة
يرن هاتف البيت.. يلتقطه بسرعة بعد أن رأى الرقم في الكاشف وهو يرد بحماس مرحب:
ارحبي يأم سلطان
هيا تضحك: على كيفك سميته سلطان
سلطان بطريقة المغايظة: أصلا أبي يقوله.. يقول بيسمي ولد مشعل سلطان
وأنتي تلايطي وعلى بيض.. ماعندنا نسوان يطولون ألسنتهم
هيا تكاد أن تموت من الضحك وهذا دائما مايحدث لها كلما هاتفت سلطان
الذي لو لم تجده في البيت تتصل على هاتفه:
زين يا سليطين دواك عندي
أشرطة الأكس بوكس اللي شريتها كلها بأروح الحين وأقطها في الزبالة
سلطان بنبرة خنوع مصطنع: جعلني فدا خشم أم سلطان وإلا أم طوني وإلا أم اوباما وإلا أم حسنين
سميه اللي تبغين إن شاء الله هريدي.. المهم أشرطتي ماحد يجيها
هيا تبتسم: ناس ما تجي الا بالعين الحمراء
زين يالموذي وين جدتي؟؟
سلطان (بعيارة): ياكثر ما تهذرين على رأس جدتي.. أنتي كم مرة تدقين في اليوم عليها
تراش في أمريكا منتي في سوق واقف.. كل ساعة فاتحة خط وداقة
هيا تضحك: شيء من حلالك.. جعل عمر مشعل طويل
وأنت تراك اللي هذرتك واجدة خلصني أبي جدتي
سلطان يبتسم: جدتي طاقة لبيت لطيفة.. طالبة اللجوء السياسي من إزعاجش
(لم يخبرها ولا ينوي أن يخبرها بتسقيط لطيفة
فهو تعّلم من أهله أن مشعلا لابد ألا يعلم بأي خبر يضايقه وطبعا أصبحت هيا معه الآن في هذا القرار)
هيا بغيظ: ياالمزعج هذا هو رصيدي خلص.. شوف قول لجدتي إنه إن شاء الله بنرجع شهر 5 يعني حوالي شهرين ونكون عندكم
مشعل قدموا مناقشته.. وأنا حلفت عليه مايقول الخبر لأحد.. كنت أبي أخذ البشارة
بس يالله حلال عليك
سلطان بفرح بدأ بالصراخ: صدق؟؟ صدق بتجون عقب شهرين؟؟
ولكن لا مجيب لأن الخط انقطع
سلطان قرر أن يتوجه للمجلس ويخبر المتواجدين هناك حتى يأخذ البشارة منهم جميعا وبالأخص والده وراكان يعلم أن بشارتهما له ستكون كبيرة
فهذه هي عودة مشعل النهائية بعد الحصول على الدكتوراة.. ولابد أن تكون البشارة توازيها
ثم بعد الصلاة سيذهب لبيت لطيفة ينتظره هناك خمس بشارات أمه وجدته وشقيقاته الثلاث
***************************
بما أن الوقت كان مساء في الدوحة
فالوقت كان الصباح المبكر في واشنطن
إنه اليوم التالي لمعركة يوسف وباكينام
باكينام قضت البارحة ليلة سيئة
حينا تبكي.. وحينا تفكر
تشعر أن حياتها مشوشة تماما وهي تعقد تحالفا مع المجهول
كانت تريد الذهاب للجامعة فلديها محاضرات اليوم
ولكنها لا تستطيع الذهاب مع هذا الأثر الواضح على وجهها
اتصلت بهيا وكانت هيا وقتها أنهت اتصالها مع سلطان وتتجهز تريد الذهاب للجامعة
هيا بترحيب: هلا بالهاربة.. وينش؟؟ البارحة كلها أتصل لش ما تردين
باكينام بنبرة غامضة: ممكن تمري عليا ئبل الجامعة
وجيبي لي معاكي كريم قوي للكدمات
هيا بقلق: ليه سلامات؟؟
باكينام بذات النبرة الغامضة: لما تيجي هتعرفي؟؟
باكينام أعدت عتابا كبيرا لهيا وتريدها أن تحضر حتى تصدمها به
وهي من ناحية أخرى تحتاج فعلا لكريم الكدمات
مشعل يدخل على هيا التي أنهت لباسها قادما من غرفته بعد أنهى لباسه
وهاهو ينهي اللمسة الأخيرة بعقد حزامه الجلدي على خصره
ويهمس لها بحنان: يا الله حبيبتي أوديش عشان أروح المكتبة
هيا برجاء: ماعليه يا قلبي نمر الصيدلية ثم أنزل عند باكينام شوي؟؟؟
وعقب بأروح للجامعة مشي أنت عارف بيت باكينام قريب واجد من الجامعة
مشعل بهدوء: ماشي يا قلبي
بس ماني بمخليش تروحين مشي.. باقعد عند يوسف لين تخلصين وعقب أروح أنا وياش
***************************
بعد صلاة العشاء
باحة بيت مشعل بن محمد
كانت سيارة ناصر تتوقف في البارحة
قادما لاصطحاب مشاعل ليتعشيا خارجا
مع خروجها كان سلطان يصل ويتوقف عند السيارة ليسلم على مشاعل
مشاعل تحتضنه بحنان وتبدأ بسؤاله باهتمام عن دراسته وعن أحواله
سلطان يبتسم: توش سألتيني أمس في التلفون
مشاعل بحنان: بس فيس تو فيس تختلف
سلطان بمودة: فديت الفيس ياناس
واسمعيني تراني أبي بشارتي
مشاعل بفضول رقيق: عيوني لك..وش البشارة؟؟
سلطان بسعادة: مشعل وهله جايين عقب شهرين مهوب أربع شهور
مشاعل شهقت بسعادة وهي تحتضنه وتقبله: صدق؟؟ صدق؟؟ أبشر بأحلى بشارة فديت وجهك.. جعلني الأولة
ناصر يطل من سيارته ويهمس بمرح: مطولين يا جماعة؟؟.. تأخرنا
ثم أردف بجدية وأريحية: سلطان أمش أراحك معنا..
سلطان همس لأخته بخفوت: يا شين التميلاح.. ما يبي إلا الفكة مني
ثم ألتفت لناصر وهتف باحترام: تسلم يابو محمد.. توكلو على الله
قالها وهو يتأخر ويفتح الباب لشقيقته.. حتى ركبت ثم أغلق الباب
ثم توجه للداخل
ما أن تحركت السيارة حتى تناول ناصر يد مشاعل واحتضنها ثم همس بمرح:
ما أدري ليه أحس سليطين ما يهضمني
مشاعل تضحك بعذوبة: لأنه فعلا ما يهضمك
ناصر باستغراب مرح: ليه يعني؟؟
مشاعل برقة: يغار منك.. فأنت لا تزودها عليه
ناصر يضحك: يغار مني ليه.. بيني وبينه فرق 16 سنة مهوب شوي
قد إبيه يعني
مشاعل بعذوبة: سلطان متعلق فيني واجد.. وقبل أنا اللي مسؤولة عن كل شيء يخصه
وبعدين جيت أنت وخذيتني منه.. فلازم إنه يغار منك
ناصر بنبرة مقصودة وهو يشدد احتضانه لكفها: والله المفروض إنا اللي أغار منه
جاه في ذا الوقفة النتفة من الأحضان والبوسات اللي واحد مسكين محروم مثلي ما يحلم فيها
مشاعل شدت يدها بخجل: بس ناصر لا تحرجني
ناصر ضحك: فديت المستحيين ياناس.. خفي علي يا قلبي
تراني ما استحمل
***********************
بيت مشعل بن محمد
بعد العشاء الذي جمع من بقي من نساء آل مشعل
يرن هاتف موضي
تنظر موضي للشاشة ثم تخرج بهاتفها لناحية المغاسل
ترد باحترام رقيق: هلا راكان
راكان بهدوء فخم: هلا والله باللي طول اليوم مخليتني
موضي بخجل وهي تعتقد في قرارة نفسها أنه يجاملها: وأبي أترخصك أبيت عند لطيفة
راكان شعر بضيق حقيقي لكنه ابتسم وهمس: زين كلها كم يوم وأروح سنغافورة وباتي عندهم على كيفش
موضي برجاء لطيف: تكفى راكان لطيفة تعبانة شوي وأبي أقعد عندها
راكان بصدق شفاف: إذا اليوم عشاني ماشفتش حاس مثل طفل مضيع أمه
أشلون بقدر أنام وأنتي منتي بعندي
بس خلاص ولا يهمش
مثلش مايرد.. ومثل أم محمد تمون
وأنا بصراحة بأنام في المجلس.. ما أقدر أرجع للبيت وانتي منتي بفيه
شعرت موضي بألم شفاف.. دائما يخجلها برجولته المغلفة بحنانه المختلف
ولكن يبقى دائما إحساسها إنه يجاملها يتجذر كجرح مؤلم في قلبها
أنهت موضي اتصالها وعادت للجلوس بجوار لطيفة.. همست لها لطيفة: راكان اللي متصل؟؟
موضي بهدوء: إيه
لطيفة بحزم: زين وش مقعدش؟؟ روحي لبيتش
موضي تبتسم: وش ذا الطردة؟؟ بأنام عندش
أم مشعل قاطعت الحديث بحنانها المعتاد: لا يأمش مالش حتى أسبوعين من عرستي
تبين تخلين راكان
أنا اللي بأنام عند لطيفة.. أصلا قلبي مهوب مرتاح دامني ماأنا بعندها
لطيفة وجهت الخطاب لأمها بحنان مغلف بالاحترام: لا يمه فديتش
أبي وجدتي وسلطان وريم كلهم ماعندهم غيرش
وأنا أصلا ماني بمحتاجة حد جعل يومي قبل يومش
خداماتي عندي مالهم حاجة..بأبيت في غرفة الضيوف اللي تحت.. وبأخلي نور تبات معي لين أشد حيلي
أم مشعل بمناشدة: زين امشي عندي لبيتي
لطيفة برفض: لا يمه ما أقدر عيالي عندهم مدارس.. وما أبي أشتتهم
وخصوصا انه حن على أبواب امتحانات نص الفصل
لو كان الأمر بيد لطيفة ورغباتها لرغبت بترك البيت لمشعل
فهي عاجزة عن مجرد النظر إليه
ولكن أبنائها يكسرون ظهرها
ماعادوا صغارا.. وأصبحت لهم خصوصياتهم في غرفهم
والأسوأ أنهم باتوا يلاحظون كل شيء
ليست مستعدة للتضحية براحتهم لمجرد عقاب مشعل
فهي لا تشعر حتى برغبة لمعاقبته .. تشعر أنها تقف على الحياد
على الــــحـــــيـــــــاد
الــــحـــــيـــــــاد تماما!!!!
************************
بعد صلاة العشاء
بيت سعد بن فيصل
سعد يدخل للبيت عائدا من المسجد مع ابناءه فيصل وفهد اللذين صعدا للأعلى لينهيا حل دروسهما للغد
سعد ينادي أبا صبري الذي عاد قبلهما بدقيقة من المسجد
- جاي ياواد ياسعد
- اسمعنى بو صبري تراني خلصت كل أوراق أم صبري.. أبيها تجي في أسرع وقت.. زواجي عقب أسبوعين ونص
- إن شاء الله
- الشيء الثاني.. بكرة بيجون عمال بيسوون شوي تجديدات في غرفتي وغرف العيال بعد
- ماعلش يابني على دي الكلمة.. بس الست حرمكم هتشوف التجديدات يعني.. مالوش داعي ئلبة الدماغ دي
سعد بغضب: أبو صبري لا تزعلني منك
أبو صبري بلهجة أبوية: عارف إنك مش هتزعل مني
أنا راجل كبير وبأخطرف أحيانا.. خدني على ئد عئلي
راجل زيك.. شب وزينة الشباب.. صحة وفلوس ومركز يتجوز وحدة ما بتشوفش ليه؟؟
أنا ماسألتش ئبل كده لأني كنت فاكرك بتهزر.. بس دلوئتي اتأكدت
سعد بعتب: أنت غالي يابو صبري.. بس ما اسمح لك تقلل من مرتي
وتسمع يابو صبري قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجندة.. فماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف)
هذا أنا ومريم.. روحها جذبت روحي.. ومافكرت في أي شيء ثاني
ثم أكمل في نفسه: وأتمنى ما أندم في يوم
******************************
واشنطن
بيت يوسف
مشعل اتصل في يوسف ويوسف أخبره أنه ليس في البيت ولكن في مكتبة الجامعة
فمشعل أخبر هيا أن تنهي زيارتها بسرعة وهو سيعود عليها بعد نصف ساعة فقط
هيا طرقت الباب
فتحت لها ماريا وأدخلتها إلى مكتب يوسف كما أخبرتها باكينام
حين دخلت باكينام للمكتب
فُجعت هيا بمنظر الكدمة التي تحولت للون بنفسجي
لم تستطع باكينام أن تعاتبها وهي ترى نظرة الرعب في عينيها
ابتسمت وهمست بألم: مش ئلت لك ماتئوليش ليوسف
أدي النتيجة
هيا بفجيعة: جعل يده الكسر قولي آمين
باكينام همست بجزع عفوي: ما تدعيش عليه
هيا تقترب وهي تلمس خد باكينام بألم: وماتبيني أدعي عليه بعد
يعني وش يبي بعد
خيانة ودرا إنش ما خنتيه.. يقوم يكافئش كذا الجاحد
باكينام تهمس كأنها تكلم نفسها: ئال إنو بيحبني
وئال لي كلام كتير عمري ماحلمتش إنو ممكن اسمعه فيوم
هيا تبتسم بوجع: يعني يضرب بيد ويداوي بالثانية
باكينام تهمس بحزن: على ئد مابحبه على ئد ما بكرهه
هيا بتساءل مثقل بالشجن: وآخرتها زين؟؟
باكينام بحزن: عاوزة أتطلئ..
هيا بصدمة: وأنتي الطلاق علكة في ثمش.. يعني إذا تطلقتي بتكونين مبسوطة؟؟
باكينام بحزم حزين: أئله هاكون ****ة عن نفسي ومحافظة على كرامتي
ازاي أعيش مع راجل وراني كل ألوان الإهانة
غصبني عليه وسلبني حئي في اختيار شريك حياتي
شك فيا وهزئني بكلام جارح
اتسلى بيا وهاني في أخص حاجة بين جوزين
وختمها بالضرب
**************************
الليل المتأخر في الدوحة
ليل وجع للبعض
وليل سعادة لآخرين
الليلة الثانية التي يقضيها فارس وحيدا
تبدو له كما لو كانت السنة الثانية
يلمس يديه بحنان
مازال يشعر بنعومة ملمس جلدها تحت قميصها الحريري الذي كان ينزلق تحت أصابعه وهو يثبت كتفيها الليلة في بيت مشعل
لِـم لم يشدها بالقوة ويأخذها لبيتها؟!!
لِـمَ يعطيها فرصة التفكير لهجره؟!!
لِـم يمنحها فرصة التنفس بعيدا عنه؟!!
هو عاجز عن التنفس بعيدا عن نسيمها وأعاصيرها
فحتى متى سيصبر؟؟ حتى متى؟؟
يريد إنهاء هذه المشكلة بأسرع شكل
ولكنه حتى الآن لا يعلم ماذا قالت لأهلها
إن لم تخبرهم عن الضرب فحل المشكلة سيكون سهلا
ولكن إن أخبرتهم عن الضرب سيطول حل المشكلة
يعلم أنها ستحل وأن عمه في النهاية سيجعلها تعود ولكنه لابد ان يأدبه على ضربه لها
وهو ماعاد به جلد احتمال على غيابها
وليس به طاقة للاعتذار.. فهو يفضل أن يموت ولا أن يقف كتلميذ مذنب أمام أعمامه وابناء عمه
فكيف يوفق بين رغباته الموجعة ووسائل التنفيذ المؤلمة؟؟!!
الطرف الآخر
العنود
هاهي تنام في حضن مريم وتبكي
بكت مطولا
وهي تتذكر موقف البارحة وموقف اليوم
يا الله كم تحبه!!
اليوم بالذات علمت أنه تغلغل في روحها أكثر مما كانت تعلم.. أكثر بكثير
ارتعشت بين يديه كعصفور مبلل
وكادت أن تضرب بكرامتها عرض الحائط وترتمي بين ذراعيه
ووجوده قربها يشتت تفكيرها ويضعفها ويضعف مقاومتها
يجب أن تحرص على ألا تراه مرة أخرى
فالمرة القادمة التي ستراه فيها ستنهار لا محالة
وهي لا تريد أن تنهار
ويجب ألا تنسى شيئين أساسيين
أنها أصبحت تخاف منه فعلا
والشيء الآخر أنه لم يعترف مطلقا بخطئه في حقها
ومادام لم يعترف بخطئه فهو سيكرره
مريم تمسح شعر العنود المتمددة في حضنها وتهمس بحنان مصفى: بس ياقلبي
خلاص.. هلكتي روحش بكا.. وشو له تبكين الحين
العنود بين شهقاتها: أحبه وأبيه
مريم تبتسم: ارجعي له.. ليه تسوينها قضية
العنود بحزن لاسع: ما أقدر.. صرت أخاف منه.. وهو نهائي مايشوف نفسه غلط علي
مريم برزانة رقيقة: صدقيني إنه عارف إنه غلطان بس يكابر شوي
العنود بيأس: تعبت مريم ما أقدر أعيش حياتي بين قسوته وغيرته وتكبره
مافيني أتحمل حتى لو أنا أحبه
خليني أطلع من ذا الزواج بأقل الخساير
أقلها مابيننا أطفال.. لو كنت حملت.. كان مستحيل أقدر أخليه
ويمكن هذي إشارة من ربي إني أخليه قبل ما يربطون بيننا الأطفال للأبد
***************************
بيت جابر بن حمد
الساعة 11 مساء
الصالة السفلية
الفتيات مازلن ساهرات
ونورة تصرخ بهن: أنتو بتقومون تنخمدون وإلا والله لأجيب عقال أبيكم وأكوفنكم فيه شوي
معالي تضحك: يمه حرام عليش.. أنتي تستخدمين عقال إبي أكثر ماهو يستخدمه
نورة بغضب: نعنبو دار عدوكم.. رحت لحجرتي أول ماجينا من بيت لطيفة
وقلت لكم كل وحدة لغرفتها.. عندكم مدارس
أجي ألاقيكم قاعدين ساهرين
عالية بخجل: وش سهرته يمه؟؟ تو الناس
نورة بغيظ: عالية ووجع.. مدارس مدارس ما تفتهمون.. قدامي فوق يالله
كن الفتيات على وشك الركض لفوق هربا من تهديدات والدتهن التي يعلمن أنها لا تقصدها بحذافيرها
رن هاتف المنزل.. علياء كانت الأقرب نظرت للرقم ثم صرخت بوالدتها: يمه مصر.. مصر
نورة كادت تتعثر وهي تركض باتجاه الهاتف بشوقها ووجعها:
هلا والله
صوته الهادئ العميق والمحمل باشتياق عميق: هلا والله بش.. ومن جدي
نورة بوجع: قدام أي شيء.. متى بتأتي؟؟
حمد بابتسامة عميقة: بأجي الأسبوع ذا اللي بياتي
خلصت دورتي
بس أبي أتشرى لش وللبنات وبأجي
نورة بلهفة مؤلمة: مانبي شيء.. تكفى.. بس تعال
حمد بمودة راسخة: مايصير يالغالية تبين بناتش يأكلون وجهي
خلاص فديتش والله العظيم.. الأسبوع الجاي بأشوف حجز وجايكم خلاص
***************************
قسم راكان
وقت متأخر من الليل
موضي عادت منذ بعض الوقت
ولكنها تعلم أن راكان سيبات في المجلس
تشعر بضيق غريب لغيابه.. وشعور أشبه باشتياق موجع
ولكنها تخجل أن تتصل وتخبره أنها عادت
ماذا سيقول؟؟ تتعمد إزعاجه.. وقد يكون نام أصلا
ولكنها في ذات الوقت لا تشعر بأي رغبة للنوم
لذا قررت أن تقلب البيت وتقوم بتنظيفه
وتتلهى عن غياب راكان وفي ذات الوقت تستغل غيابه في التنظيف مادام لن يحضر الليلة
ارتدت بيجامة من القطن.. خليط أنيق من اللونين الأحمر والأسود ببنطلون قصير و(بروتيل) (توب) بحمالتين بعد أن أغلقت باب البيت وسحبت المفتاح
حتى لو أراد راكان المجي صباحا لتغيير ملابسه يفتح بمفتاحه
ولولا أنها كانت تعلم يقينا أن راكان لن يأتي الآن
أو كان من المستحيل أن تلبس مثل هذا اللبس الذي يكشف عن إصابة كتفها كاملة
فهي رغم تبسطها في اللبس أمام راكان نوعا ما.. ولكنها أقصى ما لبست بلوزة بدون أكمام
وكانت حريصة تماما ألا تكشف أي جزء من نحرها أو كتفها
كانت تعتقد أن راكان لم يلاحظ ولكنه كان قد لاحظ..
لاحظ تماما أنها تتجنب أن يرى إصابة كتفها
كانت موضي مستغرقة تماما في التنظيف وشعرها مرفوع بفوضى للأعلى
لم تنتبه مطلقا أن هناك عينين تلتهمان مفاتنها بوجع منذ بعض الوقت
كان يقف مبهورا تماما
بل الانبهار وصف أقل بكثير من حالة الذهول اللذيذ التي صابته
(كيف من لمن كان لها كل هذا الحسن أن تخجل به؟؟ وترى في ذاتها نقصا؟
أين هذا النقص؟؟
هل هناك مخلوقة مكتملة كهذه؟؟
وموجعة كهذه؟؟
وفاتنة كهذه؟!!)
راكان يشعر بضيق ما من نفسه
فهو يرى أنها تحرك فيه الرجل بكل الوجع والعنفوان
ولكن أين العاشق؟؟
ولكن أ حقا لم يتحرك العاشق النائم في أبراجه العاجية؟!!
إن كانت لم تحرك فيه إلا الرجل.. مجرد رجل!!.. فلماذا لم يتحرك هذا الرجل أمام مئات النساء بل الآلاف اللاتي عبرن أمام عينيه؟!!
لِـمَ هي فقط من تحركه وتثيره وتذيبه؟!!
راكان شعر بالحرج وهو يتأملها.. شعر كمن يسرق شيئا هو له
لا يعلم كيف يستوي هذا الشعور
ولكن هذا هو ما شعر به
هي حق له.. ولكنه يعلم أنها لا ترضى أن يراها بهذه الصورة
فكأنه يسترق شيئا هو له!!
تنحنح راكان.. وأخيرا
موضي فُجعت وهي تسمع صوت نحنحته الفخمة
كانت تنحني على الرخام تدعكه
ألقت بالاسفنجة من يدها وهي تجذب طرف (التوب) الأمامي لتغطي به صدرها وكتفها المصابة
ولكنها كانت محاولة فاشلة وموجعة لأنها كشفت أكثر ما سترت
لذا قفزت وهي تعود أدراجها للغرفة
كان بود راكان أن يوقفها.. أن يرى إصابتها عن قرب
فمازال حتى الآن لم يستطع رؤيتها بوضوح
يشعر أنه هذه الإصابة تقف بينهما كوحش خبيث مرعب
ولكنه لم يتقدم ولم يوقفها.. خشي أن تعتقد أنه يحاول إعادة ماحدث في دبي
لذا تركها تعود للغرفة
وهو بقي جالسا في الصالة
موضي أغلقت على نفسها باب الغرفة
وبكت بكاء موجعا.. لم يكن عويلا ولا نشيجا
لكنه بكاء روح.. ويا لا قسوة بكاء الروح!!
كان بكاء موغلا في الشفافية والوجع
لأنها اكتشفت أنها كلما حاولت خداع نفسها والتناسي
صفعتها ألامها المتجذرة بصفعة جديدة وكأنها تستكثر عليها هذا الأمان والسعادة بجوار راكان
ستبقى تشعر بالنقص جواره.. ليس تشويه الجسد فقط
ولكنه تشويه أقسى للروح
لم تعلم كم مضى عليها وهي تبكي
حتى سمعت طرقات راكان على الباب وصوته الحازم يصلها: موضي بطلي الباب
همست بصوت حاولت جعله طبيعيا: الحين راكان.. دقيقة بس
استبدلت ملابسها على عجل
وهي تغسل وجهها بماء بارد في محاولة لإخفاء أثار البكاء
ثم فتحت الباب وهي تحاول ألا تنظر ناحيته وتبتسم باصطناع:
آسفة.. طولت عليك
راكان همس بحزم: تعالي موضي أنا انتظرش في الصالة
راكان حين أطالت عليه الغياب علم يقينا أنها تبكي.. ولم يحتمل مطلقا أن تبقى تعاني وحدها.. ولم يحتمل فكرة أنها تبكي
آلمته الفكرة لأبعد حد.. أبعد أبعد حد
يريدها سعيدة كما جعلته سعيدا.. حتى لوكانت سعادته مبتورة وغامضة
فهو الآن سعيد كما لم يكن طوال حياته
قربها بعث فيه روح جديدة مرفرفة.. فلماذا يعود هذا الأثر اللعين ليطل برأسه عليهما ليفسد هشاشة سعادتهما؟!!
موضي تقدمت بخطوات متوترة وجلست قريبا منه
همس بحزم: لا .. جنبي
نهضت بتوتر أكبر وهي تجلس بجواره
همس بحزم حنون: ممكن أعرف ليش البكاء؟؟
موضي تحاول أن تبتسم: من قال لك بكيت؟؟ وليش أبكي أساسا؟؟
راكان مد يده إلى وجهها ليرفعه برقة وهو ينظر لخديها المحمرين كخدي طفلة لفحتها حرارة الصيف وعينيها المحمرتين بوجع
همس بألم مثقل بالرجولة: كل هذا وما بكيتي؟!!
حرام عليش موضي تسوين كذا في نفسش
موضي بشجن: تكفى راكان لا تشغل بالك فيني
راكان بعبق رجولته الخاص: إذا ماشغلت بالي فيش.. من اللي يستحق يشغل بالي؟؟
موضي بحزن: حد يستحق يشغل بالك
ثم أردفت بحزن أشد: راكان أنا ما خدعتك.. قلت لك إن تجربة زواجي الأولى خلتني بقايا امرأة.. ماعاد فيني ثقة في نفسي
راكان باستنكار حقيقي: أنتي بقايا مرة.. موضي أنتي ما تشوفين روحش في المراية
أنتي أكثر من مرة بكثير.. وفيش من الأنوثة والجاذبية والجمال اللي لو قسموه على كل نسوان العالم كفاهم وزاد
موضي بألم: راكان بس تنفخ فيني على الفاضي
راكان بحزم صارم: أنتي وعدتيني تحاولين تنسين كل اللي سواه اللي ما ينذكر
موضي بحزن: هذا أنا أحاول
راكان بذات النبرة الحازمة: والله ماشفتش تحاولين
شايفش مستسلمة لسلبيتش
موضي صمتت.. وراكان بدأ يحس بالغضب لذا تنهد ووقف ليذهب للحمام ليستحم لأنه كان قادما أساسا ليستحم
وهاهو يحتاج للاستحمام فعلا ليبرد أعصابه الثائرة على موضي ومن أجلها
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة الضيوف في الطابق السفلي التي أعدتها موضي قبل مغادرتها لاستخدام لطيفة
وأحضرت بعض أغراض لطيفة وملابسها من غرفتها.. ورتبتها في الغرفة والحمام
وموضي لم تغادر البيت حتى تأكدت من نوم أبناء شقيقتها في غرفهم
ألمها كثيرا إحساس محمد ومريم المبكر بالقلق
فالاثنان بالذات لم يكونا يريدان مغادرة والدتهما
وهما لا يفتأن يسألانها: يمه أنتي بخير؟؟ أنتي طيبة؟؟ (طيبة= بخير وليست الطيبة المقابلة للشر)
ولا تعلم موضي لِـمَ بدت لها لطيفة مثقلة بالوجع وهي تحتضنهما وتهمس: دامكم طيبين أنا طيبة
والأطفال الأربعة لم يغادروا لطيفة إلا بعد محايلة طويلة من موضي ومعها العنود لأخذهم لغرفهم لتذهب موضي مع البنات والعنود مع الأولاد
بدت المهمة للاثنتان متعبة نوعا ما.. واستغربتا
كيف تستطيع لطيفة أن تحكم سيطرتها على الأربعة في وقت واحد وفي غرفتين مختلفتين؟؟!!
وهاهي لطيفة تتمدد على السرير وتستعد للنوم ولإرخاء جسدها المنهك
وكانت الخادمة التي ستبيت معها تفرش فراشها على الأرض لتنام بقرب لطيفة
لولا أن مشعلا طرق الباب ودخل عليهما
فطوت الخادمة الفراش وخرجت حتى تعود لاحقا حين يخرج سيدها
مشعل اقترب.. ولطيفة اعتدلت جالسة حين رأته دخل
همس مشعل: لا والله ما تقومين خلش مرتاحة
مشعل يشعر بقلق عميق وتوجس متوحش
فمنذ البارحة وهو مع لطيفة في المستشفى وحتى اليوم صباحا
وهي مطلقا لم تعاتبه على ضربه لها الذي أدى إلى فقدانها جنينها
مطلقا لم تذكر الموضوع حتى
كان يتمنى أن تصرخ به تعاتبه.. حتى يتصارحان ويتصافيان.. ولكن هذا لم يحدث
وهذا الشيء بعث توترا موجعا في روحه
همس وهو يجلس جوارها وهي تتمدد نصف تمدد: أشلونش اليوم؟؟
همست بنبرة باردة.. مشبعة ببرودة طبيعية: الحمدلله على كل حال.. ودوام الحال من المحال
همس لها بحنان: مرتاحة؟؟ تبين أجيب لش شي؟؟
ذات النبرة الباردة وهي لا تنظر له مطلقا: سلامتك
همس مشعل بمصارحة أليمة: أدري صعب تسامحيني.. بس حاولي يا قلبي حاولي
لو مهوب عشاني.. عشان عيالنا
لطيفة بنبرة مشبعة بجليد متوحش: مازعلت عشان أرضى.. ولافيه شيء أسامحك عليه
تنهد مشعل بعمق وجرح ما.. جرح جديد يتعمق في قلبه
يستحيل أن تكون هذه لطيفة.. يستحيل
لطيفة شعلة متدفقة من دفء وحنان
هذه ليست أكثر من شبح جليدي
ولكنه يحاول وسيحاول
مد يده يمسح بها على ذراعها العاري الساكن جوارها
لم تكف ذراعها أو تجذبها.. ولكنه شعر كما لو كان يلمس جثة هامدة
برودة لاسعة أرعبته.. ويدها ساكنة تحت كفه بلا ارتعاش بلا اضطراب
حتى في أيام غضبها الأول منه.. وهي تدعي البرود ببراعة هائلة
كان ما أن يقترب منها حتى تبدأ بالارتعاش غصبا عنها
صدّق تمثليتها لفترة.. لكنه اكتشف ثغراتها بعد عدة أيام
وهاهو الآن يحاول إيجاد ثغرة دفء ينفذ منها لروحها
ليعاود العزف على مشاعرها كما اعتاد وبرع
ولكن.. لا ثغرة..
لا ثــــغــــرة!!
لا ثــــــغـــــــــرة!!
↚
ساكنات شغاف القلب ونبضاته الغالية
اشتقت لكن جميعا
اشتقت لكن كثيرا.. كثيرا
بل اشتياقي لكن تجاوز مفردات الشوق
وهأنا أعود لكن غير ماكنت معكن في أخر مرة
أعود لكن أما..
"أم.. أم !!"
يالا روعة هذه الكلمة وعظمها
لا نعرف قيمة أمهاتنا كما يجب إلا حينما نمر بالتجربة العظيمة ذاتها
حفظ الله لنا أمهاتنا وأطال في أعمارهن على الطاعة
ولا حرم كل زوجة من نعمة الأمومة ومن نعمة احتضان طفل في أحضانها
.
.
خالص خالص شكري لمشاعركن النبيلة التي أغرقتموني فيها
عاجزة عن التعبير فعلا ومشاعري تخونني أمام فيض مشاعركن الذي كان أكثر مما استحق
.
.
.
أعود لتشريع أبواب "أسى الهجران" مرة أخرى وللمرة الأخيرة
لأني هذه المرة لن أتوقف حتى تنتهي الرواية إن شاء الله
لأنها انتهت فعليا
فأنا أنتهيت من كتابة أخر جزء منها قبل ولادتي بيوم واحد
وشعرت حينها بالفراغ وبافتقاد موجع لكل شخصيات أسى الهجران
ليأتي ابني ويشغلني عن كل شيء
والحمدلله أنني أنهيت الكتابة قبل أن ألد.. أو ربما كنت توقفت عن الكتابة.. فهذا الصغير الباكي حفظه الله يستنزف وقتي وتفكيري
.
.
الرواية انتهت.. ولكن متى ستنتهي تحديدا لن أخبركن
سترون الجزء الأخير ماثلا أمامكن
قد تتوقعنه أنتن ولكن أنا لن أنبه له.. سيمر عليكن كغيره من الأجزاء
وما أريده الآن وأتمناه.. ألا تستعجلنني.. فأنتن أصبحتن تعلمن أنها انتهت وانتظاركن سيكون له آخر إن شاء الله
لذا دعونا نتمتع معا بما تبقى
تمتعت كثيرا في كتابة هذه الأجزاء التي كتبتها دون ضغط وبراحة نفسية عميقة
لأنهي "اسى الهجران" كما تمنيت تماما دون زيادة أو نقصان
وأتمنى أن تشعرن بمتعة مماثلة وأنتن تقرأن
والأجزاء هذه المرة جعلتها طويلة طويلة
الجزء الواحد مابين جزئين إلى أربع أجزاء من الأجزاء التي كنت أنزلها بشكل يومي
لذا وحتى لا تصبن بالتخمة اسمحن لي أرجوكن أن أنزل يوم وراء يومين أو يوم وراء يوم على حسب ظروفي الجديدة
ولكن ما أعدكن به أن أكون دقيقة في مواعيدي كما اعتدن مني إن شاء الله
وعلى كل الأحوال ما سيرضيكن أنتن هو ما سيحدث.. تدللن نبضات قلبي
.
.
قبل جزء اليوم اسمحن لي أن أعيد تذكيركن بأحداث الجزء الأخير قبل رمضان
فأحداث جزء اليوم تكملة لها:
كنا في الليلة الثانية من غضب لطيفة والعنود وباكينام على مشعل وفارس ويوسف
لطيفة أجهضت وتتعامل مع مشعل ببرود
العنود عادت لبيت والدها ولا أحد يعلم بغضبها وسببه سوى مريم
يوسف هو من ترك البيت لباكينام
ناصر طلب من مشاعل أن تختار مكانا ليسافرا له في شهر عسل متأخر
حمد أخبر أهله أنه سيعود قريبا
راكان غاضب من موضي بسبب قلة ثقتها بنفسها على خلفية ماحدث حين رآها تنظف ورأى إصابة كتفها فهربت من أمامه
لتعود بعدها ويتناقشان في الموضوع
فيشعر راكان أنه قد يثور عليها لذا يقرر أن يذهب ليستحم"
الجزء الجديد سيكمل من هذه النقطة
وموعدنا القادم سيكون يوم الإثنين الساعة التاسعة والنصف صباحا إن شاء الله
فجزء اليوم طويل وأريد أن أتيح لكن القراءة وإعادة التواصل مع القصة
.
استلموا
.
الجزء الخامس والتسعين
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
أسى الهجران/ الجزء الخامس والتسعون
ذات الليلة الطويلة
بيت راكان
موضي بقيت في الصالة جالسة يلفها حزنها وأساها ويحيط بروحها إحاطة السوار بالمعصم..
وأكثر ما يضايقها أنها ضايقت راكان.. بل ضيقها كله تحول ليكون من أجله.. ومن أجله فقط!!
توقعت أنه سيعود بعد أن يستحم.. لذا بقيت جالسة لتطيب خاطره.. لتنتزع ضيقه وغضبه
ولكنه لم يعد.. وانتظارها طال
حينما طال انتظارها كثيرا.. توجهت للغرفة بخطوات مترددة
وجدته فرش فراشه وتمدد
آلمها أنه فرش فراشه بنفسه.. فهي من اعتادت على فعل ذلك
وآلمها أكثر أنه نام وهو عاتب عليها.. أو ربما غاضب!!
تنهدت وهي تتوجه للحمام لتغتسل
وتنهد هو تنهيدة أعمق وهو يسمع صوت باب الحمام يُغلَق
فهو تحاشى فتح حوار معها لأنه يخشى أن يثور..وهو يعلم أن ثورته ستكون مرعبة
وهو لا يريد أن يثور عليها.. بل يريد أن يحتويها
ولكن مبالغتها في الضعف والانكسار أصبحت تثير غضبه فعلا لأنه لا يرى مبررا لها
حين عرضت عليه أن يتزوجها قبل أكثر من شهرين وهي تصف نفسها أنها ماعادت تصلح لرجل لا جسديا ولا نفسيا
توقع أنها لابد أصبحت في شبابها امرأة دميمة أو معدومة الجمال أو تعاني من تشويهات حادة.. ومع ذلك وافق أن يتزوجها
ولكنه وجد أمامه وفي عينيه هـو آية من الجمال..رآها معجزة لا تتكرر.. وفتنة خالصة ماحسب أنه قد خُلق على الأرض مثلها
فتنة هزته بكل العنف والحدة.. علمته معنى الاشتياق والرغبة والالتياع بأقصى معانيها
فتنة لا تشبع عيناه من النظر لها بضراعة وإعجاب تجاوز كل مفاهيم الإعجاب!!
ومع كل ذلك بقيت تظن أنها تعاني نقصا ما
فأين هو هذا النقص سوى في عقلها الذي لا يريد التزحزح عن أفكاره؟!!
موضي خرجت من الحمام
توجهت لسريرها وتمددت في الناحية القريبة منه كما اعتادت
دقائق مرت
ثم همست موضي بخفوت: راكان.. (لم تستطع أن تنام.. ولديها أمل أن يكون لم ينم مثلها حتى ترضيه)
راكان رد عليها بخفوت مشابه وهو ينام على جنبه وظهره لها: أنا نايم.. ولا تكلميني
موضي اعتدلت جالسة وهمست برجاء عميق: تكفى راكان ما تزعل علي.. والله العظيم ضايقة علي الوسيعة مع زعلك
راكان بهدوء حازم: دامش مخلية ذا الأثر السخيف التافه بيننا.. بأزعل
صمت عميق استحكم للحظات
وراكان مازال يعتصم بوضعيته وهو يعطيها ظهره.. حتى صدمته نقرات ناعمة على كتفه
التفت ناحيتها
كانت تجلس جواره على الارض بكامل عذوبتها التي تعذبه
جلس احتراما لها.. وهما يتبادلان النظرات العميقة
موضي همست بانكسار موجع وهي تمد يدها لأزرار قميص بيجامتها لتفتحها:
دام شوفته بتريحه.. أنا ما أبي إلا الشيء اللي يريحك
كانت لم تفتح إلا الزر الأول حين امتدت يد راكان لتمسك يدها بقوة ويهتف لها بحزم: لا .. موضي.. لا
ثم تناول كفيها واحتضنهما وهي أنزلت عينيها للاسفل
همس راكان بحنان رجولي: أنا ما أبي أشوفه لمجرد الشوفة
أنا أبي يوم أشوفه ما أشوف نظرة الانكسار ذي
أبي يوم أشوفه.. أشوفه برضاش ولأنش أنتي تشوفينه شيء عادي ما يستلزم تدسينه عني
أنا ماطالبتش بشي يا موضي ولا أبي أضايقش.. بس على الأقل أبي أحس إنه إحنا أصحاب جد وما بيننا حواجز
قال "أصحاب".. ولا يعلم لماذا بدت هذه المرة ثقيلة جدا على لسانه!!
تمنى لو يقول كلمة أخرى..
أخرى تماما!!
نفض رأسه وكأنه ينفض أفكاره..
بينما الأفكار تبقى ملتصقة بجزيئات الرأس مهما اهتز!!
*************************
اليوم التالي
يوم جمعة
صباح الدوحة
بيت محمد بن مشعل
الساعة التاسعة والنصف صباحا
الصالة السفلية
مريم تجلس مع والدتها أمامهما فطور الصباح
العنود نزلت بعد لحظات
سلّمت.. ثم قبلت رأس والدتها ورأس مريم وجلست
أم مشعل بنبرة مقصودة: أشوفش ممسية عندنا اليوم بعد؟؟
العنود بابتسامة مُغتصبة: وبأمسي عندكم الليلة بعد..
أم مشعل بحزم: إذا أنتي حامل وتوحمين ومقروفة من بيتش.. حياش الله بدال الشهر سنة
أي شيء ثاني.. بيتنا يتعذرش.. وقومي لبيت رجّالش
العنود شهقت بصدمة: كذا يمه؟!!
أم مشعل بذات الحزم: إيه كذا..
المرة العاقلة تحل مشاكلها في بيتها.. ولو رجّالها هو الغلطان تعاتبه أو حتى تأدبه وهي عنده..
ما تطلع من بيتها وتشمت الناس فيها وتفضح روحها
العنود وقفت.. وعيناها تتغرغران بالدموع
وهمست بصوت باكٍ: رجعة لبيت فارس ماني براجعة
وإذا بيتش يمه ضايق فيني.. رحت لبيت اخي مشعل
قالت جملتها وركضت للأعلى وهي تنشج وتسف دموعها
مريم تنهدت وهي تهمس لأمها: يمه قسيتي عليها واجد
أم مشعل بألم: لو علي يامريم أنتي أكثر وحدة عارفة إنه العنود غلاها غير..
هي حشاشتي (الحشاشة=آخر العنقود) ..
ويوم جبتها ناصر عمره 8 سنين وأنا متشفقة عليها (متشفقة=تتمناها)
وأنتي عارفة إنه حتى المرض مرضت يوم تزوجت وراحت.. وأفرح ماعلي تقعد عندي وماتفارقني..
لكني ما أبي أكبّر رأسها على رجّالها
فارس رجّال مهيب معينه مثله.. أدري إنه فيه ثقل شوي.. لكن حلات الرجّال بثقله.. وهي لازم تعوّد على طبايع رجّالها
مريم تقف لتذهب للعنود وتهمس برقة: بس بعد يمه مهوب كذا.. لأنش ما بعد تعرفين وش بينها وبين رجّالها
هي إن شاء الله بترجع بس عطيها وقت
مريم تصعد للطابق العلوي بخطوات ثابتة هادئة حتى وصلت لغرفة العنود
طرقت الباب بخفة
ثم دخلت
كما توقعت: كانت العنود تبكي
مشت حتى وصلت السرير ثم جلست جوار جسدها الممدد لتمسح عليها وتهمس بحنان خالص:
بس يا قلبي.. أمي تبي مصلحتش
العنود بين شهقاتها: أمي عمرها ما كانت قاسية كذا
تقسى علي.. وعشان فارس؟!
مريم صمتت فهي تعرف العنود جيدا ومادامت بدأت بالبكاء فهي لن تتوقف حتى تنهي طاقة البكاء لديها وتهدأ
مضت فترة من الزمن والعنود تبكي ومريم تمسح على شعرها حتى هدأت
حينها رفعت رأسها وهمست بصوت مبحوح من أثر البكاء:
ممكن خدمة مريم؟؟
مريم بحنان مرح: بالعادة يقولون عيوني لش.. أنا بأقول أذانيي لش.. لأنها هي اللي مقام العيون عندي
العنود بخجل: أنا سألت أم فارس البارحة عن تلفوني قالت ما تدري
أنا خليته في الغرفة عند فارس
تكفين كلمي فارس خليه ينزله عند أمه تحت.. وأرسلي سونيا تجيبه
مريم بنبرة مقصودة: اخذي التلفون وكلميه
العنود بعتب: مريم تستهبلين علي؟!!
ثم أردفت برجاء: تكفين مريم تكفين
أبي تلفوني.. عندي كويز يوم الأحد وما أدري وش اللي داخل معنا لأني ماحضرت محاضرة أمس الخميس.. أبي اتصل في البنات
مريم تنهدت: زين ظنش فارس صحا من نومه؟؟
العنود بعفوية: عمره ما تأخر في النوم يوم الجمعة.. على ثقل نومه إلا إنه يقوم بدري
العنود بترت جملتها وهي تشعر بغصة كبيرة تتجمع في حلقها وهي تشعر برغبة حادة للعودة للبكاء
كيف هو حاضر في مخيلتها حتى بعاداته التي رسخت بتلقائية في فكرها!!
مريم تشعر بها تماما.. تشعر بألمها ووجيعتها
تتمنى لو كانت تستطيع حمل بعض آلام صغيرتها المثقلة بوجعها الشفاف
ما اعتادت على الألم ولطالما كانت مريم تحاول احتواءها واحتواء وجعها
فلماذا فشلت يافارس؟؟ لماذا؟؟!!
مريم تناولت هاتفها واتصلت به
ولكن مالم تعلمه العنود أن عادات راسخة قد تتغير في يومين
حينما يأتيها ماهو أقوى من رسوخها
ففارس لم ينم مطلقا خلال اليومين الماضيين
حتى انهار جسده من الإرهاق ونام بعد صلاة الفجر
لذا حينما رن هاتفه كان مايزال نائما
رن الهاتف مطولا وهو لم يشعر به
ولكنه نهض من نومه على الرنة الأخيرة والتقط الهاتف دون أن ينظر للاسم وهمس بنعاس غاضب: نعم
مريم باحترام: الله ينعم عليك
فارس حين سمع صوت مريم تحفزت حواسه كلها وهو يقفز جالسا
لأنه علم أن مريم لن تتصل إلاَّ من أجل العنود
وآه من العنود.. ومن كل ما يخصُّ العنود!!
همس باحترام: هلا والله ببنت محمد.. السموحة يأخيش ماشفت اسمش
مريم برزانة: مسموح طال عمرك في الطاعة
أشلونك فارس؟؟
فارس بهدوء راقٍ: طيب طاب حالش... بشريني منش؟؟
مريم بهدوء: يسرك الحال
ثم أردفت لتنهي سلسلة السلامات التي يتحرق كلاهما لإنهائها:
ممكن خدمة ولا عليك أمر؟؟
فارس شعر بتحفز لم يظهر في صوته الهادئ الواثق: آمري
مريم بذوق: تلفون العنود عندك في الغرفة يا ليت تخليه عند الوالدة تحت وبتجي سواقتي تاخذه
فارس تنهد تنهيدة لم تتجاوز أعماقه.. ثم همس بحزم: وليش العنود ما اتصلت تطلبه مني؟!!
يعني عشان زعلانة مني.. حتى من الكلام بتقاطعني ؟؟
أشلون بنتفاهم زين؟؟ بالحمام الزاجل؟!!
مريم ابتسمت: لا تعقدها يا ابن الحلال
عطها وقت
فارس بصراحة وثقة: ما أبي أعطيها وقت يامريم.. أبيها ترجع
العنود تهمس لمريم التي تراها تبتسم.. وحوار بدا لها غامضا بدأ يدور: "مريم وش يقول لش؟"
مريم تشير لها أن تصبر وتهمس لفارس برزانة: فارس مافيه شيء ينحل بذا الطريقة
لازم ت****ها
فارس بحزم: إذا رجعت لبيتها ****تها.. قبل كذا لا..
مريم تنهدت: بأقول لها..
فارس بحزم صارم يخفي وراءه أملا شاسعا: عطيني إياها أكلمها
مريم همست للعنود: فارس يبي يكلمش
العنود برفض حازم وصل لمسامع فارس: مستحيل.. ما أبي أكلمه
قبل أن ترد عليه مريم همس فارس بنفس نبرته الحازمة: خلاص مريم خلي سواقتش تجي
أنا رايح للصلاة وبأخلي التلفون عند أمي
حينما أنهى الاتصال
همست مريم للعنود بخفوت: يقول لش ارجعي لبيتش وعقب بي****ش
العنود بغيظ رقيق: أمانة عليش شفتي واحد مقفل مثل هذا؟!!
أنا أعرف الرضاوة قبل الرجعة
وهذا يبيني أرضى وأرجع بدون هو ما يتنازل وينزل من برجه العالي
خليه يولي يامريم
مريم بحنان: فكري ياقلبي فكري..المسائل ماتحل بذا الطريقة وأنتي عارفة إنش تحبينه
تنهدت العنود: الحياة الزوجية تحتاج شيء أكثر من الحب
تحتاج التفاهم والاحتواء أكثر
ثم أردفت: خلينا الحين من ذا السالفة.. أنا بأقوم أتسبح
قولي لسونيا إذا راحت تجيب تلفوني.. تستأذن أم فارس وتجيب كل الكتب والأوراق اللي على مكتبي وفي أدراجه ..أبي أدرس
على الطرف الآخر
حينما أنهى فارس الاتصال مع مريم
نهض ليبحث عن هاتف العنود واتصل به ليرى أين مكانه..
كان يرن ولكنه لا يسمع صوته
ثم وجده على ناحيتها التي كانت تنام عليها وكان مكتوم الصوت
وكان اسمه مازال يضيء على الشاشة
"فــارس قـلـبـي"
شعر بألم عميق ينتاب روحه.. فهو حتى لم يعرف بماذا كانت تحفظ اسمه في هاتفها
فهو لم يسبق أن فتش في هاتفها مطلقا
فهو مع شدة غيرتها عليها
لم يكن مطلقا يخطر له أن يشك فيها أو أن يفتش في هاتفها
فهي عنده كانت فوق كل الشبهات
أطهر من الطهر
حمامة بيضاء عذبة مثقلة بالطهارة
كم كان سعيدا ومحلقا بها ومعها!!
(آه.. يا أميرة قلبي أنتِ وحمامتي البيضاء
يابهجة أيامي.. ياخارطة عشقي ومسامات روحي النازفة ولهاً
أي جريمة ارتكبتها بحق نفسي قبل أن ارتكبها بحقكِ؟!!
حبيبتي لا تطيلي أيام عذابي
ماعاد بي صبر
يومان مرا كأنهما قرنان متطاولان وجعا وألما ويأسا
الشمس تشرق باهتة لأنها لا تشرق على محياكِ
والنسيم يمر متثاقلا لأنه لا يحمل رائحة عطرك
عودي إليَ حبيبتي.. عودي إليَ
عودي إلى حبيبكِ المتغطرس المتكبر
فهكذا هو فارس الذائب في غرامكِ!!
هكذا خُلقت!!
فلا تحاولي كسري)
فارس تنهد وهو يعود للهاتف في يده والذي أخذته ذكرى صاحبته إلى عوالم أخرى
عوالم مثقلة بالشوق اللا متناهي..
فتح الهاتف.. كان هناك عدد من الاتصالات لم يُرد عليها
من أشقائها وصديقاتها
وكان على الشاشة تذكيرا لورقة عمل لأحد مقرراتها
فتح فارس التقويم
كان على التقويم تحديد دقيق لأيام دورتها الشهرية خلال الشهرين الماضيين
ثم لأيام التبويض بدايتها ونهايتها
كانت العنود تخطط (بإذن الله ومشيئته) للحمل بأمل عميق
ولكنه جاء بقسوته لينسف كل أحلامها ويفسد كل ماهو جميل بينهما
تنهد بعمق موجع لاسع.. بصق وجعه نزفا وهو يتوجه للحمام ليستحم
حينما انتهى وارتدى ملابسه تناول الهاتف بحرص وهو يحتضنه في كفه بحنو وكأنه يحتضن بعض رائحة العنود
أعطاه لوالدته في الأسفل ثم توجه للمسجد
حينما عاد بعد الغداء في المجلس
جلس مع والدته قليلا ثم توجه لغرفته
عاد بعد أقل من دقيقة وهو يهمس بغضب حاد: يمه وين كتب العنود؟؟
أمه ببعض حزن لأنها عرفت ما أغضبه: عطيتهم سواقة أختها لأنها جات تبيهم
البنية تبي تدرس دورسها
تنهد فارس بحزن عميق..موغل في روحه المثقلة بالوجع
روحه ماعادت تحتمل.. فأي هم جديد هذا؟!!
اليوم أخذت كتبها.. سحبت بعضا من عبقها من حياته
ما يدريه أنها غدا لن تأخذ ملابسها وبقية أغراضها
لتتركه محروما حتى من رائحتها التي تصبره على بعض غيابها
ولتعطيه بذلك إشارة نهائية إنها لن تعود
*********************
ذات يوم الجمعة
الساعة التاسعة والنصف صباحا
بيت مشعل بن محمد
لطيفة تصحو من نومها على مداعبة جود لخدها
ابتسمت بعمق وهي ترى وجه صغيرتها وابتسامتها البريئة
ولكن ابتسامتها تحولت لكدر عفوي وهي ترى مشعلا يقف بجوار سريرها
رغم تضايق مشعل من تغير وجهها حين رأته..
لكنه استمر في ابتسامته وهو يهمس بعمق حنون عامر بعبق رجولة خاصّ: صباح الخير حبيبتي
همست بذات النبرة المحايدة التي باتت نبرتها معه مؤخرا: صباح النور
مشعل بحنان: أشلونش اليوم ياقلبي؟؟
لطيفة بهدوء: الحمدلله
مشعل بهدوء حانٍ: ترا عمتي أم مشعل هنا من الساعة سبع جابت لش ريوق.. وسبحت جود وعبودي
ومشطت شعر مريم عقب ماخلتها تسبح
وقعدت ورا حمود لين سبح ولبس.. وتوها راحت الحين
حينها ابتسمت لطيفة بشفافية: فديت قلبها.. وليه ماصحتني؟ وإلا قعدت؟؟
مشعل ابتسم بعمق لعودة ابتسامتها: تقول بترجع بس تبي تشوف أخوانش وجدتي أول
عادت لطيفة للكدر وابتسامتها للاختفاء ولكنها قربت جود منها وهي تحتضنها بحنان وشجن كبيرين
مشعل جلس جوارهما واحتضن الاثنتين
لم تمنعه من احتضانها لكنها في ذات الوقت لم تتجاوب معه
شعور كريه ومؤذٍ وجارح ومتوحش لأبعد حد
كما لو كنت تحتضن تمثالا.. لا يشعر بدفء أحضانك
تمثال خالٍ من الحياة والدفء والتدفق الإنساني
أكثر ما كان يفتن مشعل في لطيفة هو ذوبانها بين يديه
كانت تنصهر بعذوبة في أحضانه
ولكنها الآن تبدو كما لو كانت مخلوقا مجردا من أي إحساس معه بالذات
لأنه يرى لطيفة الطبيعية المتدفقة مع كل أحبابها عداه
"أحبابها؟!!"
هم أحبابها..
و هــو ماذا؟؟!!
************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 10 صباحا
"أسبانيا"
همس عذب خافت
ناصر يفتح عينيه ويبتسم بشفافية وهو يرى وجه مشاعل القريب منه
وهي تتمدد جواره على بطنها وترفع جزئها العلوي استنادا على كوعيها وذراعيها
وتهمس له من قرب
يهمس بنعاس: يالله صباح خير..الناس يقولون صباح الخير
وإلا قوم ياحبيبي
وانتي مقومتني بأسبانيا
مشاعل بدلال رقيق: أبي أسافر أسبانيا
ناصر يبتسم وهو يضع كفيه تحت رأسه: وش معنى؟؟
مشاعل بعذوبة: ماجيتها قبل وحابة أشوفها
ناصر بخبث رقيق: وغيرها ماله من الحب نصيب؟؟
مشاعل بمودة دافئة: غيرها الحب كله له
ناصر بتمثيل مصطنع لطيف: إيه كلام في كلام..
مشاعل مالت عليه وطبعت على وجهه عدة قبلات رقيقة ثم همست بخجل: مهوب كلام بس
ناصر بانشراح ودود: آه يا قلبي..
وش أفطرتي اليوم الصبح؟؟ كل يوم لازم تاكلينه
مشاعل برقة: مابعد أفطرت.. ليه أنا تعودت افطر قبلك؟!!
ثم أكملت بمرح لطيف: وبعدين هذا شغل تمسيح حق سفرة أسبانيا
ناصر يلقي بالغطاء ليجلس وهو يهمس بمرح: صدق إن كيدهن عظيم
ثم مد يده لتحت السرير ليتناول ساقه.. مشاعل أمسكت بيده وهي تحتضن ظهره ثم تهمس عند إذنه برقة: أنا وش قلت؟؟
هذي مهمتي أنا
ناصر احتضن ذراعيها المحيطتين بصدره بقوة وحنان..
ثم أفلتها وهو يبتسم: زين ياصاحبة المهمات الصعبة.. قومي خلصيني
عشان أسبح وأروح لصلاة الجمعة
**************************
مرت أيام ستة على الأحداث الماضية
ومازال الوضع على ماهو عليه كل الجبهات
عدا جبهة ناصر ومشاعل اللذين سافرا قبل ثلاثة أيام إلى أسبانيا بعد انجاز الفيزا على أن يعودا قبل موعد زواج مريم
وكان وضعهما أكثر من رائع مودة وتفاهما وحبا
بالتأكيد مازالت مشاعل خجولة ولكنه الخجل الأنثوي الرقيق الذي بات يفتن ناصر ويراه يميز شخصيتها العذبة
وناصر بات يعرف كيف يتعامل معها تماما وكيف يحتوي خجلها بحنانه ومرحه
وهي من ناحيتها باتت شديدة التعلق به وتحكم سيطرتها على حياته وقلبه في ذات الوقت الذي برع فيه هو في العزف على أوتار قلبها
راكان وموضي وضعهما على ماهو عليه
"أصـــــــــحـــــــــا? ?"
صحبة عميقة وود متأصل واحترام متبادل
ولكن الوضع بات صعبا على راكان خصوصا
مازال يحكم سيطرته على نفسه
ولكنه لم يتوقع أن قرب موضي جواره سيحيي مشاعر من أي نوع فيه
وهي تقتحم بدون قصد منها كل حصونه لتدكها دكاً
سفره لسنغافورة سيكون الليلة وهو يراه جاء في موعده تماما حتى يبتعد قليلا عن الجو المشحون
ولكنه في ذات الوقت لا يريد الابتعاد عن هذا الجو ولا عنها
بقربها أصبح لحياته معنى آخر ونكهة أخرى أكثر سعادة وحلاوة واختلافا
موضي قررت أن تعود لعملها فور سفر راكان
حتى تلتهي عن غياب راكان عنها
لا تستطيع أن تنكر أنها ستفتقده وستفتقده بشدة
تشعر مع اقتراب موعد سفره بما يشبه الضياع.. شيء يشبه الحرقة والوجع غير المفهومين
لا تعلم ماذا فعل بها راكان.. لكن الأحاسيس التي تعيشها جديدة عليها
ولذيذة.. لذيذة جدا
"أ هكذا تكون المشاعر بين الأصحاب؟!!!!!!!!"
جبهة العقاب والعقاب المضاد
مشعل ولطيفة.. فارس والعنود.. يوسف وباكينام
مازال الحال على ماهو عليه
لطيفة تحسنت بعد يومين وعادت لممارسة حياتها بصورة طبيعية
مع الجميع هي لطيفة التي يعرفها الجميع
عدا مشعل.. هي أنثى أخرى مثقلة بالبرود
تمارس مهامها بطريقة آلية.. فهي عادت لترتيب أغراضه وملابسه والاهتمام بكل ما يخصه.. ولكن بطريقة آلية تماما
يفتقد لمستها الحانية الدافئة إلى حد الوجع المتوحش
لا تناقشه ولا تشاكسه ولا تعانده.. بل لا شيء.. لا شيء إطلاقا
إن أمسك بيدها لن تمنعه.. ولكنه ما أن يمسكها على أمل أن يقرأ على رعشة أناملها عودة حبيبته حتى يعود لإفلاتها
لأن هذه الأنامل الساكنة المسكونة بالجليد ليست أنامل حبيبته!!
فارس والعنود مازال كل منهما في مكانه
ولكن قضيتهما باتت أكثر تعقيدا
العنود أخبرت والدها أن هناك خلافا بينها وبين فارس ولا تريد العودة له
حاول محمد ومعه أبناؤه مشعل وراكان وحتى ناصر قبل سفره إقناعها بالعودة لبيتها
ولكنهم فشلوا مع إصرارها على رأيها ثم انهيارها في البكاء الذي نحر قلب والدها الشيخ وهو يراها تنتحب في حضنه
لذا طلب من أشقائها وقبلها من فارس أن يصبروا عليها قليلا
لأنه لا يستطيع إجبارها على العيش مع فارس إن كانت رافضة للعودة بهذه الصورة الحادة
فارس يعاني بصمت من غيابها..ويعتصم بكبريائه العتيد وإن كان يكاد يجن اشتياقا لها
ومايصبره أنها مطلقا لم تأخذ أي شيء من أغراضها
مازالت كل أغراضها عنده
وهو يتصبر على أمل أنها تركتها لأنها ستعود لها
ولكن مالم يعلمه أن العنود لم تأخذها لأنها لا تحتاجها فعليا
فلديها من الملابس الكثير في غرفتها في بيت أهلها
وهي تشعر بالخجل أن تتوجه لأخذ ملابسها من بيت فارس
يوسف وباكينام
يوسف استأجر له غرفة في سكن طلابي قريب من الجامعة
ولم يعاود الاتصال بباكينام مطلقا
ولكنه يعرف أخبارها من ماريا وسانتياغو
لذا كان إصراره عليها أن تبقى في البيت.. حتى يستطيع الاطمئنان عليها وعلى كل أخبارها
وباكينام خفت كدمة خدها وعادت للجامعة
ولكنها تشعر بألم وحشة متزايد
لأن جدتيها سافرتا اليوم عائدتين كلٌ لبلدها التي لا تحبها ولكنها لا تستغني عنها
صفية لمصر.. وفيكتوريا لبريطانيا
كان بود الجدتين البقاء مع باكينام ولكنهما تعلمان أن حفيدتهما قوية وتعرف كيف تتصرف في حياتها
الجدتان لم تخبرا أحدا بما حدث بين باكينام ويوسف ولا تنويان إخبار أحد
فبما أن باكينام لا تريد أن يتدخل أحدا بينها وبين زوجها فهما لابد أن تستجيبا لطلبها وتحترمانه
ساكنا واشنطن الآخران: مشعل وهيا
وضعهما مستقر ودافئ وربيعي ومنعش
مستغرقان في الدراسة.. والتفاهم بينهما أكثر من مدهش
الصغار..
سلطان الصغير سعيد وغير سعيد.. سعيد لأنه حصل على الكثير من البشارات على تبشيره برجعة مشعل
وغير سعيد لأن مشاعل سافرت وستغيب لفترة يراها طويلة وهو حاقد على ناصر الذي سافر بها
فيصل وفهد أبناء سعد.. يشعرون بالتوجس والترقب
كيف سيكون هذا الوجود الأنثوي في حياتهم؟؟ وهذه الأم الجديدة؟؟
أمهما توفيت وهما صغيران.. فهد بالذات لا يذكرها جيدا
ولم يعرفا لهما أما سوى عمتهما وضحى وجدتهما أم والدتهما قبل أن تتوفى
أو ربما بمعنى أصح لم يعرفا لهما أما وأبا سوى والدهما الذي حاول أن يقوم بالمهمتين معا
***************************
واشنطن
الساعة العاشرة والنصف مساء
بيت يوسف
باكينام تدور في البيت.. تشعر بوحشة عميقة
اشتياق عميق لجدتيها
واشتياق موجع.... لـــــه
تتمنى لو تعود للسكن.. ولكنها عاجزة عن التنفيذ ولا تعلم السبب
هل لأنها هنا قريبة من رائحة ذلك المتوحش الكريه؟!!
رغم كل شيء.. وبكل الجنون غير المفهوم: قربها من عبق رائحته يهدئ ألم قلبها ويبعث إحساسا عميقا بالأمان في روحها
قررت أخيرا أن تجلس في في الصالة السفلية وتقرأ لها كتابا
كانت حينا تقرأ وحينا تسرح في عالم أفكارها
ثم
سمعت صوت باب البيت يتحرك
شعرت بالرعب وهي تقفز لتتناول السيخ الذي يقلب به الحطب من المدفأة المطفأة
وتقترب بتحفز من الباب
كانت تقرأ آيات من القرآن الكريم في قلبها وهي تحاول أن تستمد بعض القوة رغم الخوف الشديد الذي تشعر به
فُتح الباب بهدوء وهي شهقت من الرعب وهي ترفع السيخ لتهوي به على رأس اللص المقتحم
لتتفاجأ أن اللص ليس سوى يوسف
باكينام تنهدت براحة وهي تنزل السيخ
ولكنها عادت للتقطيب وهي تهمس بغضب مكتوم: انته جاي ليه؟؟ وفي الوئت ده؟؟
يوسف ينظر لها باستغراب: إيه الاسئبال الغريب ده؟؟
باكينام من بين أسنانها: فزعتني.. كنت فكراك حرامي
يوسف يجيل بصره فيها وفي قميص نومها القصير: وأنتي كنت ناوية تضربي الحرامي وأنتي لابسة كده
ده أنتي كده خطر أكتر من الحرامي
باكينام تراجعت بخجل وهي تنتبه للبسها: ليه كنت عاوزني أئول للحرامي استنى لحد ما أغير ملابسي وأرجع لك
يوسف بهدوء حازم وهو يقول بجدية: ما يهمنيش.. لو كان فيه حرامي بجد
خليه يسرء اللي هو عاوزه بس أنتي ما تطلعيش ئدام أي حد كده
ثم همس بعمق وهو يقترب من أذنها: أنا ما أسمحش لحد يشوف حاجة بتاعتي أنا وبس
باكينام تراجعت بوجل وهي تهمس بحياد: أنته جاي ليه؟؟
يوسف تجاوزها وهو يخلع جاكيته ويلقي به على المقعد: مش هادايئك
محتاج شوية كتب من مكتبي وهامشي
باكينام بنبرة محايدة: الليلة؟؟
يوسف يبتسم: زي ما تحبي.. لو عاوزاني أمشي الليلة هامشي
يوسف فعليا لا يريد شيئا.. لكنه علم من ماريا أن العجوزين سافرتا
لذا قدم يريد الاطمئنان على باكينام فقط
تنهدت باكينام بحزم: آه عاوزاك تمشي الليلة
يوسف قطب حاجبيه ثم همس بحزم مشابه: عشر دئايئ..بس أخد كتبي وأمشي حالا
وبما إن ستاتك مشيو..لما تخرجي مكان ابئي اديني خبر رايحة فين وراجعة امتى.. ولو هتخرجي بالليل أنا اللي أوديكي وأرجعك
******************************
ذات الوقت في الدوحة
ولكن توقيت مختلف
الساعة السابعة والنصف صباحا
بيت مشعل بن محمد
لطيفة تعود لغرفتها بعد ذهاب أولادها لمدارسهم وإنهائها لجولتها الصباحية في أرجاء البيت
كان مشعل يستحم حين دخلت للغرفة
أخرجت ملابسه وعطرتها كما اعتادت ووضعتها في غرفة التبديل..
فعلت ذلك كعادة.. كواجب.. كالتزام اعتادت عليه.. وليس كروح!!
حين خرج مشعل وارتدى ملابسه
وجدها ترتب السرير
اقترب منها ليحتضن ظهرها بقوة حانية وهو يطبع قبلة دافئة على جانب عنقها
لم تتحرك مطلقا ولم تتجاوب.... كما لم تمنعه
تنهد مشعل في داخله بألم محرق يخترم روحه كالجمر.. ولكنه حاول الابتسام وهو يهمس في أذنها:
لطيفة حبيبتي.. ترا مشروع العمرة ما انلغى بس مؤجل شوي لين تطهرين ونروح
وش رايش؟؟
لطيفة بهدوء تام: على راحتك
مضى لها فترة وهي لا تهمس باسمه مطلقا..مــطـــلــــقـــا!!
اسمه غائب تماما في حوارتهما.. وهو بدأ يلاحظ هذا
ولكنه يعلم أن مافعله بحقها ليس بسيطا ولا سهلا
لذا (مــــــازال) يبحث عن العذر لها
وهو مستمر في محاولاته الدؤوبة لإذابة جليدها
↚
الدوحة
بعد صلاة المغرب
بيت راكان
موضي تغلق حقيبة راكان بعد أن أنهت ترتيب ملابسه وأغراضه بعناية بالغة
بينما كان راكان يقف عند التسريحة ويضع جواز سفره وتذكرته في حقيبة رسمية صغيرة
موضي تتحاشى النظر لراكان
وتشعر أنها على وشك البكاء وهي تتمترس خلف قوة زائفة وتحاول ألا تنظر لناحية راكان حتى لا تتبخر هذه القوة
همست بصوت حاولت جعله طبيعيا: راكان خلصت شنطتك
راكان التفت لها ولاحظ أنها تتلهى بإعادة ترتيب بعض الأشياء في الدولاب
همس بهدوء: موضي تعالي
موضي اقتربت بتردد ودون أن ترفع بصرها إليه
همس لها بلطف: تدرين إنش اليوم من صبح ماحطيتي عينش في عيني
تعاقبيني أنتي؟؟
همست بجزع: لا والله.. بس
ثم صمتت
حينها مد راكان يده لذقنها ورفع وجهها بحنان
لتلتقي عيناها الدامعتان الوجلتان بعينيه الحنونتين العميقتين
وحـيـنـهـا.......... سالت دموعها بصمت
مد راكان كفيه الاثنين ومسح دموعها بحنان مصفى ثم همس برجاء فخم:
موضي لا تبكين واللي يرحم والديش
موضي بمصارحة شفافة وصوتها يختنق: باشتاق لك
راكان بذات الشفافية الموجعة: وأنا باشتاق لش بأكثر
غريبة هذه الشفافية!!..
ومصارحتهما العذبة بمشاعرهما دون ارتباك أو حواجز!!!
ولكن أ ليس الأغرب هو عجزهما عن تصنيف هذه المشاعر وإدخالها في خانتها الفعلية التي تنتمي لها؟!!
همست له بحنان ودموعها مازالت تسيل برقة على خديها: خلي بالك من نفسك.. ونبي ذهبية
همس لها بذات حنانه المصفى: إن شاء الله.. بس ما أبي أروح وأنا آخر شيء أشوفه دموعش.. تكفين
موضي مسحت دموعها وابتسمت: خبرك حن النسوان نحب نسوي أفلام هندية أو ما نرتاح
راكان بفخامة: مافيه في النسوان مثلش.. فلا تحطين نفسش معهم في الخطاب
ولا تقارنين نفسش بحد
انتفضت موضي بخفة وهي تنظر بشجن عميق لراكان
(هل تقصدها ياراكان؟!!
هل تقصدها؟!!
أ حقا لا ترى من تساويني؟!!)
قطع لحظاتهما الخاصة رنين هاتف راكان.. كان مشعل يستعجله وينتظره في الخارج ليوصله للمطار
همس راكان بهدوء: هذا مشعل ينتظرني برا.. ما تبين شيء
موضي تتذكر شيئا: بعد أذنك أبي أستأذنك.. فيه ناس محتاجين مساعدة.. وحدة من صديقاتي قالت لي عنهم..
تقول حالتهم تعبانة تعبانة.. أبي أروح لهم أعطيهم المقسوم..
ماني بنازلة.. بس بأروح مع السواق والخدامة.. عشان أتأكد إن السواق بيعطيهم اللي أنا عطيته كله
أروح؟؟؟
راكان ابتسم بحنان: جعل خيرش واجد والله يكتبه في ميزان حسناتش.. روحي
قالها وهو يمد يده لمحفظته ويستخرج كل مافيها ويمدها لها ويردف: وعطيهم هذي بعد
موضي بهمس متأثر: ماخليت معك شيء
راكان بهدوء عميق: الخير واجد يابنت الحلال.. ولئن شكرتم لأزيدنكم.. الحمد لله وألف شكر
موضي بتأثر: جعل خيرك واجد.. والله يردك سالم غانم
راكان علق حقيبته ا