📌 روايات متفرقة

رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5 بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5 بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5

رواية اسي الهجران بقلم انفاس قطر

رواية اسي الهجران الفصل الخامس 5

بيت جابر بن حمد

غرفة حمد التي أعادت والدته وشقيقاته تجديدها وفرشها

الساعة 10 ونصف صباحا





نورة تدخل الغرفة بهدوء

تعلم أنه لم ينم إلا بعد صلاة الفجر

ولكنها مشتاقة له وماعاد بها صبر حتى ينهض من نومه

والساعات التي قضتها معه البارحة لم تروِ اشتياقها له

كانت ليلة البارحة ليلة فرح غامر لها ولزوجها ولبناتها

فحمد كان عائدا بشخصية جديدة مثقلة بالحنان والاشتياق والهدوء والثقة

شخصيته الجديدة والغريبة عليهم أثارت استغرابهم وفرحتهم

وهم يتمنون جميعا ألا تكون هذه الشخصية شخصية مؤقتة يعود من خلفها حمد القديم

.

.

.



تتذكر كيف دخل عليهم بالأمس بشكل مفاجئ

فهم لم يعرفوا بموعد وصوله المحدد

.



كانت الساعة العاشرة والنصف مساء

جابر جاء من عشاء عند نسيبه عبدالله بن مشعل وصعد للأعلى ليستبدل ملابسه

بينما نورة وبناتها كن جالسات في الصالة السفلية

يتعشين عشاءً خفيفا (فطائر وحليب كرك)

نورة تمنع بناتها من شرب الكرك مساء في أيام المدرسة حتى لا يسهرهن

ولكن بما أن غدا يوم إجازة فكان مسموح لهن بالسهرة



نورة تهتف لبناتها: يا بنات ترا مشاعل كلمتني وتسلم عليكم



معالي بحماس: ياحليلها ميشو مانست منا.. لو أنا منها والله ما أتذكر حد منكم

وش أبي فيكم.. أسبانيا ونويصر المزيون!!



نورة تضربها على موخرة رأسها: صدق شين وقوات عين.. أنتي ما تستحين يا بنت



معالي تتمسح في والدتها.. وتهمس باستجداء مرح: يمه فديتش اليوم عطلة وبكرة عطلة.. أنتي ما تأخذين عطلة؟!!



نورة تبعدها عنها.. وتهمس بغضب مصطنع: وخري مني.. وش ذا التلزاق يالقطوة؟!!



ولكن معالي تلتصق فيها أكثر وهي تموء: مياو.. ميااااااااو.. أحبش.. مياو..أحبش.. مياااااااو





"وش فيكم؟؟ مربين قطاوة داخل البيت؟!!"



صوت رجولي طال اشتياقهن له قاطع أجواءهن بجملته المرحة



النساء الأربع التفتن بحدة للباب

للجسد الطويل النحيل الواقف بقرب حقيبة ضخمة

كان شكله مختلفا في بنطلون الجينز (والتيشرت) السماوي.. وشعره الذي طال قليلا ليصل أسفل عنقه

ألجمتهن الصدمة للحظات.. الصدمة الكاسحة الرائعة الموجعة.. والجالبة للترقب!!



الأربع تراكضن للباب مع استيعابهن للاطلالة التي طال اشتياقهن لها

ولكن الفتيات الثلاث توقفن قبل أن يصلن له..وذات التفكير يدور في رؤوسهن

توقفن لسبيين

الأول شعورهن بالوجل من حمد نفسه..

والثاني أنهن أردن أن يفسحن المجال أولا لأمهن اللاتي يعلمن أن قلبها ذاب اشتياقا له



نورة وقفت على بعد خطوة منه تملأ عينيها منه

مهما كانت الأم ترى ابنها سيئا بالنظرة الموضوعية.. فحبها له بعيد عن قياسات المنطقية

فالأم لا تحب ابنها لأخلاقه ولكن تحبه لأنه ابنها.. قطعة منها..مزيج دمها وروحها

خلاصة سهر الليالي.. والحمل وهنا على وهن.. تعب التربية.. وعناء الشغف

هو ابنها وكفى!!

حب مصفى لا قياس له ولا حدود

الابن قد يقسو ويجفو.. ولكن الأم لا .. لا يمكن..

هكذا تكوينها!! وهكذا خُلقت!!



كان حمد من بادر وهو يشد والدته ويقبل رأسها ثم يحتضنها بكل قوته

اشتاق لها.. اشتاق لعبق رائحتها

اشتاق لدفء أحضانها.. اشتاق حتى لشدتها وحرصها

"اشتحنت لش فديت عينش.. اشتحنت لش"



نورة تهمس بألم وهي تملأ روحها من رائحة ابنها: اشتحنت لي وأنت مخليني ذا كله!!



حمد يبعدها قليلا ليحتضن وجهها ثم يقبل رأسها ويهمس بألم مشابه: والله العظيم غصبا عني



ثم التفت حمد للوجوه الغضة الثلاثة التي تقف خلف أمه.. ابتسم بحنان وهو يفتح ذراعيه على اتساعها : والقطاوة ما يبون يسلمون



تقدمن الثلاث بخطوات خجولة تتقدمهن معالي

ليشدهن حمد إليه ويحتضهن بحنو وهو يوزع قبلاته عليهن ويهمس بصدق موجع:

وحشتوني يا بنات.. والله العظيم وحشتوني فوق ما تتخيلون



حينها انخرطت الفتيات في البكاء وهن يشهقن: وحن بعد اشتقنا لك واجد



حمد بحنان: بسكم.. حد قايل لكم إني كنت مهاجر ورجعت.. كلها دورة كم شهر.. يعني مافرقت عن يوم كنت أدرس ماجستير



كانت نورة من أجابت: لا فرقت.. يوم رحت ماجستير.. تلفونك عندي وكل مابغيتك كلمتك..

لكن دورتك ذي يالله أسمع صوتك مرة كل كم أسبوع

حرام عليك يأمك.. ماعاد فيني حيل



حمد عاد لها ليحتضن كتفيها ويقبل رأسها ويهمس بود عميق: السموحة يالغالية جعلني أخذ شرش



نورة بهمس موجوع: إلا جعلني أخذ شرك أنت وخواتك



معالي تمسح دموعها وتبتسم: بنكتبها في التاريخ.. نورة بنت مشعل قالت لنا كلمة حلوة

ثم أردفت بمرح تزيل به بقايا تأثرها العميق: إلا حمد وش ذا النيولوك.. طالع واو



حمد يلتفت لها ويقرص خدها بحنان: وش نيولوكه أنتي بعد؟؟ هناك كنت أرتب لحيتي بنفسي بس الشعر ماقصيته

وبكرة بأروح أقصه..



معالي برقة مرحة: لا.. حرام حلو..



حمد يبتسم باستنكار: يازيني أقابل الرياجيل بجمتي ذي.. مالش لوا

خلكم من شكلي بكرة أضبطه.. أنتو أشلونكم كلكم؟؟



الجميع بحماس ودي: طيبين ناقصنا أنت وبس



نورة تشد ابنها ليجلس بينما همس هو باهتمام كبير: إبي وينه؟؟



نورة بمودة: فوق.. بينزل الحين



حمد يقف ويتجه للدرج: باطلع له



ومع اتجاهه للدرج كان جابر ينزل وهو يرفع أكمامه ويهمس بحزم: وشفيكم صوتكم واصلني



حينها رأى العائد الذي أطال الغياب

شعر أنه عاجز عن المضي وإكمال طريقه للأسفل

وقف في منتصف الدرج

وهو يمعن النظر في ابنه الذي أجبره على السفر قبل أكثر من خمسة أشهر

يعلم أنه يوم أبعده وقسى عليه كان يبعد روحه ويقسو على نفسه

يعلم أنه عندما أجبره على تطليق موضي جرحه وآذاه

ولكنه كان يريد حمايته من انتقام آل مشعل لابنتهم.. أراد أن يسبقهم ويبادر

وأراده أن يعلم أن هذا العقاب مهما كان قاسيا هو نهاية طريقه الذي سار فيه

وهكذا هو التزام الرجولة والقرابة المفروضين

أراده أن يغير حياته.. أن يكون كما أراد وتمنى

وهاهو يراه الآن..

يشعر أنه تغير.. كلاهما يشعر بتغيير الآخر

جابر يشعر بالترقب لأنه يرى ابنه بروح جديدة

وحمد يشعر بالألم لأنه شعر أن والده كبر.. كبر كثيرا

تزايدت كثافة شعره الأبيض.. تزايد وهنه

ما به؟!!

لا يعلم أن غيابه هز جابر كثيرا..

فهو يوغل في شيخوخته وبناته توغلن في الصبا ليزداد قلقه ووجله عليهن..

يخشى أن يتركهن بدون سند

أو مع شقيق قد يكون عدمه أفضل من وجوده..

فماذا فعلت بك الغربة ياحمد وفترة العلاج؟!!



جابر عجز عن إكمال دربه.. كما أن حمد لم يسمح له أن يكمل وهو يركض له صاعدا

ليتناول كفه وينكب عليها مقبلا

جابر ينتزع كفه ليرفع حمد ويحتضنه بحنو كبير

لقاء مختلف.. مختلف وموجع.. حنين وشوق مغلفان بالرجولة



نورة وبناتها تخنقهن العبرات وهن يرين التأثر البالغ البادي على رجلي حياتهن



جابر يهمس بحنان عميق: الحمدلله على سلامتك يأبيك الحمدلله على سلامتك



حمد يقبل كتف والده ويهمس باحترام وشوق: الله يسلمك.. بشرني منك؟؟



جابر بتأثر: الحين يوم شفتك.. أبشرك باحسن حال الحمدلله اللي قر عيني بشوفتك



حمد تناول كف والده لينزل به للأسفل



الفتيات همسن بحماس: بنروح نجيب لك عشاء.. وعقب بنودي شنطتك لغرفتك



حمد بحنان: اقعدوا.. كلت في الطيارة

والشنطة لكم أنتم طلعوها لغرفكم مهوب لغرفتي.. أنا مالي شيء فيها..أنا جاي بس باللبس اللي علي.. اشتقت للبس الثوب والغترة



نورة بحنان: ثيابك وغترك كلها في غرفتك مكوية ومبخرة



حمد يميل على كفها ليرفعها ويقبلها: الله لا يخليني منش

.

.



وهاهي نورة تفتح باب غرفته اليوم بهدوء

ومع دخولها الغرفة فوجئت أنه كان مستيقظا واستحم وهاهو يمشط شعره أمام المرآة

ابتسمت نورة: صباح الخير يأمك



ابتسم وهو يرتدي نظارته ويهمس باحترام حنون: صباحش أخير جعلني فداش



نورة بحنان: تعال فديتك.. خواتك ينتظرونك على الريوق كل وحدة منهم مسوية لك شيء

ثم أردفت بابتسامة: الله يستر عليك لا تسمم بس



حمد بحنان: جعلني ما أذوق حزنهم..

ثم أردف بمرح: حتى لو بأتسمم بأكله.. أكلة تاريخية ذي

بناتش كلهم داخلين المطبخ



كانت نورة على وشك المغادرة للأسفل انتظارا لحمد

وحمد كان واقفا أم المرآة يغلق أزرار جيب ثوبه .. همس بنبرة اجتهد حتى تكون غاية في الطبيعية: يمه أشلون جدتي وخوالي؟؟



نورة وقفت وردت بتلقائية: طيبين كلهم.. ولا تنسى لازم اليوم تروح تسلم على جدتك



حمد بذات النبرة الطبيعية غير الطبيعية: أكيد بدون شك.. وعمتي أم مشعل وعيالها أشلونهم؟؟



حينها انتبهت نورة لمغزى أسئلته وأحبت أن تختصر عليه المسافة وهي تهمس بحزم:

موضي طيبة وبخير ومبسوطة واشتغلت شغل زين في منصب زين......... وتزوجت



حمد كان يستمع بشبه ابتسامة حتى وصلت للكلمة الأخيرة.. حينها تقلصت أصابع يديه بشدة وهو يشعر كما لو أن قلبه قفز ليقف في بلعومه

ورأسه تضرب به آلاف المطارق الثقيلة الموجعة

وهو يهمس بجزع حقيقي: تزوجت.. مسرع!!



نورة بحزم: حمد.. موضي خلاص مالك شغل فيها.. جاها ماكفاها منك

وحتى لو كانت ما تزوجت أنت عارف إنها ماعاد تحل لك

خلها توفق وتروح في طريقها



حمد تنهد بعمق وسحب أنفاسه بدا صعبا عليه كما لو كان مع شهيقه يسحب أمواسا لتشّرح روحه.. ومع زفيره ينفث نارا محرقة

ولكنه يفكر أنه لابد أن يتجاوز كل هذا.. فهو لم يبتعد عن أهله طوال هذا الوقت ويعاني كل هذه المعاناة في العلاج ليعود وينسف كل هذا
همس بهدوء قدر ما يستطيع: الله يوفقها.. من تزوجت؟؟



همست نورة بهدوء وهي تخرج: ولد عمها راكان



نزل الاسم على رأس حمد كالصاعقة.. تمنى لو كانت تزوجت من رجل غير ابن خاله راكان.. شخص يكون بعيدا عن عينيه

ولا يذكره بخسارته الجسيمة لموضي كلما رآه



ثم أن يكون راكان.. راكان بالذات الذي ضربه من أجلها وجعله يغادر الدوحة غارقا في دمائه..

بدت له المصادفة موجعة.. مــوجــعـــة



ثم أن تتزوج شخصا هو بالمنطق الطبيعي وفي نظر الناس قــد يكون أفضل منه

بدت له المقارنة قاسية بل شديدة القسوة ومتوحشة



فراكان أصغر منه سنا وأكثر وسامة.. وفي منصب وظيفي أفضل ويتمتع بالشهرة وبطل رياضي ..هذه هي الشكليات التي قد لا تكون مهمة

لكن الأهم من كل هذا أنه عُرف بشخصيته الجذابة الواثقة الهادئة والمعطاءة

وناتج كل هذه المعطيات أن راكان قد يستطيع الاستيلاء على قلب موضي الذي يعلم حمد يقينا أنه بقي حصنا منيعا أمامه

وكان هذا من الأسباب التي تستثيره لضربها

وهو يعلم على الناحية الأخرى أنه كلما ضربها كلما استحال عليه الوصول لقلبها ليضربها أكثر وأكثر

في دائرة ألم لا تتوقف بين شد وجذب



يتذكر كل هذا ويتنهد بعمق.. ويحاول أن ينفض كل هذه الأفكار من رأسه

لينزل إلى أسرته التي قصّر في حقها كثيرا وهي من يجب أن تكون أولويته الآن

أمّا موضي فقد اكتفت منه ومن وجعه.. وأصبحت السعادة حقا طبيعيا لها







***************************







ذات الوقت

بيت عبدالله بن مشعل

الصالة السفلية



لطيفة وقفت لترتدي نقابها وتعدل عباءتها: خلاص بأروح بروحي ولو أنه مشعل ما يحب أطول في السوق وأنا ما معي إلا الخدامة



وهي تقف عند الباب همست لموضي بعفوية: إيه نسيت أقول لش

حمد ولد عمتي وصل من السفر البارحة في الليل متأخر

قولي لأمي عشان تهني خالي وعمتي بسلامته



وقتها كانت موضي تصب لنفسها كأسا آخر من الكرك وعائدة لمقعدها

ولطيفة قالت جملتها وخرجت

ليسقط الكأس من يد موضي على الرخام

ويتكسر بصوت مدوٍ

ويتناثر السائل الساخن على قدميها



موضي ارتاعت وهي تضغط جرس استدعاء الخادمات لينظفن المكان

وتتوجه لغرفتها بسرعة لتبدل ملابستها.. فجلابيتها الطويلة والخفين حميا ساقيها وقدميها من شظايا الزجاج وخطر الاحتراق



كانت ترتدي ملابسها على عجل وهي تهمس لنفسها:

طول عمرك موذي ياحمد



والغريب وأنه بعد تجاوزها لصدمتها بعودة حمد.. لا يشغل بالها الآن سوى راكان ومنافساته التي تريد أن تشهدها منذ البداية..

وحمد يختفي تماما من عقلها وينزاح أمام اهتمامها براكان في إحساس عميق أشبه بالسحر

فهي كانت أمام موقفين يستدعيان كلاهما أقصى الانفعالات

عودة حمد

ومنافسات راكان

فأيهما يجب أن يكون له أولوية اهتمامها؟!!



راكان وكل ما يخصه كان لهما كل الأولوية والاهتمام والتأثر

لذا عادت للنزول بسرعة بالغة وهي تتخشب أمام التلفاز ولكنها انتقلت للمجلس الداخلي حتى لا يزعجها أحد





لم تكن متفائلة كثيرا بحصول راكان على ذهبية وهي ترى قوة المنافسين

ولكنها أملت أن يحصل على فضية أو برونزية حتى لا يعود خالي الوفاض

وخصوصا أن هذه ستكون بطولته الأخيرة قبل الاعتزال



في الأيام الماضية كان أدائه أكثر من رائع وهو يركز مشاركته على البندقية الهوائية..

رغم أن راكان كان له مشاركات سابقة في المسدس .. ولكنه قرر أن يحصر تفكيره في هذه المسابقة في البندقية فقط

واجتاز مرحلة التصفيات التي كان تتركز على إطلاق 60 طلقة على بعد 10 أمتار.. ليصيب راكان 59 طلقة من الطلقات الستين

ولكن هذه النتيجة أحرزها لاعبون آخرون.. كما أن هناك لاعب صيني استطاع احراز 60 من 60 لذا كان أمل موضي متذبذبا في الذهبية..

رغم أن راكان في كل مكالمة لها كان يطمئنها أنه سيحرز الذهبية هذه المرة





حينما رأت ظهور راكان الأنيق المهيب على الشاشة بلباسه الكاكي المختلط بألوان العلم القطري

بدأت دقات قلبها بالتصاعد حتى شعرت أنها تكاد تصم أذنيها دقاتها المتعالية



راكان اجتاز المراحل جميعها بنجاح.. وصل مع ستة آخرين للنهائي

وشعرت موضي أنها تكاد تصاب بسكتة قلبية وهي تراه يقترب من الذهبية يخطى حثيثة

اجتاز المرحلة الأخيرة (مرحلة الخمسة والسبعون ثانية) بنجاح باهر وبقي فقط انتظار نتائج الآخرين

استرخت موضي على مقعدها قليلا رغم أعصابها المشدودة وهي تنظر له بشغف عميق وهو ينهي الإطلاق بنجاح على الصحن الأخير

كانت الكاميرا تتابعه وهو ينزع النظارة عن عينيه بمهابة

ثم يبتعد للحافة ويمد يده في جيبه ليستخرج هاتفه

استغربت موضي (من اللي هو بيتصل فيه ذا الوقت وفي ذاك المكان؟)

ولكن استغرابها لم يطل.. ليحل مكانه تأثر عميق متجذر اكتسح روحها.. وهاتفها يرن

التقطته بلهفة وشجن وهي تهمس بعمق موجع لراكان وتنظر له عبر شاشة التلفاز وهاتفه في أذنه: الناس كلهم بيسألونك الحين من كلمت؟؟



همس بعمق: ما يهمني حد غيرش.. والذهبية إن شاء الله جبناها

وتراها لش وعشانش



قالها وهو يلتفت للكاميرا ويلوح لها بكفه..

لـــهــا فقط..

ويكفيها أن تعلم أنها المقصودة!!

ليتزلزل قلبها بكل العنف الكوني!!









****************************







ذات الوقت

بيت محمد بن مشعل

المقلط الداخلي



أم مشعل بن محمد تصب القهوة على عمتها وعلى أم مشعل بن عبدالله



الجدة هيا همست بحزم: خلصنا من القهوة.. شكّرنا (شكّر= اكتفى من القهوة)

ثم التفتت لمريم وهي تهمس لها بحنان حازم: مريوم يأمش العنيّد مهيب مسلمة علي..

قد لها كم يوم ما جاتني.. وكل ماسألت عنها قلتوا لي لاهية في الجامعة

اليوم مافيه جامعة وانا جايتها بروحي



مريم تنهدت بعمق.. فهي تعلم أن العنود كانت تتقصد الاختباء من جدتها

فهي منذ انتشار خبر خصامها مع فارس وهي تتحاشى مقابلة جدتها

فهي تعلم محبة جدتها لفارس.. فكونه وُلد يتيما والشيء الوحيد الذي بقي لها من ابنها سعود جعل له معزة خاصة عند جدته

وليس معنى ذلك أن جدتها ستقف معه لو كان مخطئا.. فجدتها لا ترضى بالخطأ

ولكن بما أن العنود ترفض العودة له ولا تذكر لذلك سببا فذلك يجعلها هي في خانة الخطأ في وجهة نظر جدتها

وهي تعلم أن جدتها لابد أن تعاتبها بل قد تتجاوز العتاب للقسوة والتوبيخ

وهي لن تحتمل كلمات جدتها الحادة



ولكن بما أن جدتها جاءتها بنفسها للبيت فلابد أن تنزل لمقابلتها ولابد أن تحتمل ما سيأتيها منها

وهاهي مريم تتصل بها هاتفيا وتهمس لها: العنود انزلي.. جدتي ملزمة تبيش

يا بنت الحلال انزلي واخذي المقسوم قدام تصيدش في مجلس مليان نسوان وتحرجش

الحين مافيه حد غير خالتي أم مشعل
العنود تنهدت بوجل وهي تنزل بخطوات مترددة وتدعو الله أن يكون توبيخ جدتها لطيفا قدر المستطاع







*************************







ذات الوقت

ولكن بتوقيت آخر

الصباح بتوقيت أسبانيا





مدينة قرطبة الأندلسية قديما.. الأسبانية حديثا المعروفة باسم كوردبا Cordoba بالأسباني والانجليزي

والتي تقع على نهر الوادي الكبير في الجنوب الأسباني



وتحديدا في جامعها الكبير المعروف بجامع قرطبة (كوردبا موسكيتا)..والذي يقع قريبا من النهر وسط حارة أموية قديمة بزقاقها الضيقة

تحفة معمارية حقيقية تشهد على روعة المعمار الإسلامي القديم.. فهذا المسجد يرجع تاريخ بنائه لسنة 92 هـ منذ عهد الخليفة الأموي الأول في الأندلس عبدالرحمن الداخل

ومن أشهر معالمة الرائعة اليوم الصحن الذي يتوسط المسجد والذي عُرف بصحن النارنج محاط بسور مبهر في عمارته وينفذ منه سبعة أبواب لنواحي المسجد المختلفة..

والمؤلم والموجع أن هذا الجامع تحول إلى كنيسة مسيحية.. رغم محافظته على طابعه الإسلامي ووجود الآيات القرآنية والمحراب فيه..

ويحضى المحراب فيه بإقبال غير طبيعي من السياح الغربيين..





ناصر يحتضن خصر مشاعل وهما يمشيان في أروقة الجامع ويهمس لها بحنان:

بس ياقلبي.. بسش بكا.. أخاف يقولون إني خاطفش على البكاء ذا كله



مشاعل تمسح أنفها المحمر: يعني تبيني أشوف في كل زاوية في المسجد صليب لا وحاطين فيه كنيسة بعد وما أبكي..



ناصر بهدوء: الإنسان يشوف ويعتظ.. مسلمين الأندلس لما كانوا متمسكين بدينهم حكموا أسبانيا كلها..

ولما تخلوا عن دينهم ولهوا في الدنيا بدت مدنهم تطيح في يد الأسبان مدينة مدينة لين طاحت غرناطة آخر شيء



مشاعل بهمس مبحوح: وبكرة بنروح غرناطة بعد؟؟



ناصر بود: بنروح.. بس أخاف لا شفتي قصر الحمراء تقعدين تبكين بعد

وأقلب الآية وأقول لش مثل ما قالت أم عبدالله بن الأحمر له: إبك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال



مشاعل بألم حقيقي عميق كعمق التاريخ : بس والله شيء يقهر.. من يوم جيت ذا الديرة وانا مقهورة

كل ما شفت آثار المسلمين ومساجدهم اللي صارت بيد اللي مايرعى حرمتها انقهر



ناصر بجدية: حبيبتي إذا بغيتي نروح مكان ثاني رحنا؟؟ حن معنا تأشيرة للعبور عبر دول الاتحاد الأروربي كلها..

والحين أصلا شهر مارس مهوب شهر سياحة..بنغير حجزنا وين ما تبين؟؟



مشاعل برجاء لطيف: يعني منت بزعلان إني جبتك أسبانيا وعقبه كرهتها؟!!



ناصر بحنان وهما يتجهان خارج الجامع: أنا قلت لش تدللي والسفرة هذي على كيفش..



مشاعل بعذوبة: يعني نطلع باريس مثلا وإلا روما؟؟



ناصر يبتسم: نطلع موزمبيق لو تبين.. المهم نرجع قبل عرس مريم









*************************







قبل ذلك بساعات ولكن بتوقيت آخر

واشنطن

مساءً





باكينام كانت في زيارة لهيا في بيتها والاثنتان في غرفة هيا القديمة

ومشعل كان في غرفته يعمل على أطروحته

مشعل لا يعلم مطلقا بغضب باكينام من يوسف

فهيا لم تخبره لأنها خشيت أن يحتد عليها مرة أخرى ويظن أنهم هم سبب مشاكلها مع زوجها



ويوسف قابل مشعل عدة مرات الأيام الماضية في الجامعة

واكتشف من حديث مشعل أن مشعلا يظنه مايزال في بيته ومع زوجته

لذا فهو طبعا لم يغير تفكير مشعل حفاظا على مظهره عنده



باكينام لم ترَ يوسف منذ أيام

منذ زيارته الليلية الغريبة التي لم تستغرق سوى عشر دقائق خرج بعدها شبه مطرود من بيته



والليلة هي الليلة الأولى التي تتأخر فيها خارج البيت وتذهب في مشوار عدا الجامعة

هيا تصب كأسا من الشاي لباكينام ثم تهمس لها: باكي أنتي استأذنتي يوسف تسهرين عندي؟؟



باكينام تبتسم: حلوة النكتة دي؟؟



هيا بجدية: ومن قال نكتة أتكلم من جدي..



باكينام بغيظ: اسكتي بس واتلهي



هيا ابتسمت: صراحة مخش جزمة قديمة على قولتكم.. يعني أنتي بروحش قايلة لي إنه منبه عليش ما تطلعين مكان إلا قايلة له

ولو بتتأخرين هو يوديش ويجيبش.. يعني سوري باكينام.. بس أنتي كذا عصيتيه متعمدة.. وعصيانه عصيان لربش وأنتي عارفة



باكينام بضيق: خلاص هيا ما تحبكيهاش.. يوسف عارف إني بأزورك على طول

لو كنت رايحة مكان تاني كنت عصرت لمون على ئلبي واستأزنته



هيا بابتسامة: زين اسمعيني إذا رحت أوصلش أنا ومشعل دوري لمشعل أي عذر ليوسف عشانه ماجاء يأخذش

ترا مشعل ما يدري إنكم متزاعلين.. وأخاف يسوي لي سالفة إذا درا



باكينام باستغراب: وأنتو توصلوني أساسا ليه.. أنا وحدة لفيت الدنيا ولوحدي

هأخاف من مشوار ئريب كده



هيا بهدوء: لو ماجاء يوسف يأخذش مشعل مستحيل يخليش تروحين متاخر بروحش.. أنتي صرتي عارفته





على الجبهة الأخرى كان مشعل يخرب مخططاتهما وهو يتصل ليوسف:

شوف مايصير توصل باب البيت وترجع

يوم وصلت مرتك هنا ومادخلت.. عديتها لك

بس الحين إذا جيت تاخذها لازم تدخل وتتقهوى.. عيب عليك



يوسف شعر بالتشويش ولكنه استوعب أن باكينام عندهم.. ومشعل يظنه من أوصلها ومن سيأخذها.. لذا همس بثقة: خلاص ولا يهمك

لما اجي أخذ باكينام هأنزل عندك شوية



وأصبحت معضلة يوسف أنه لا يعرف مكان شقة مشعل

ويستحيل أن يسأله وهو يظنه من أوصل باكينام لذا وجد أن أهون الشرين أن يتصل بباكينام ويسألها

ولكن قبل أن يتصل بها كان مشعلا قد اتصل بهيا وطلب منها أن تعد القهوة والشاي والفوالة وتضعها في الصالة قبل أن يصل يوسف ليأخذ زوجته



هيا التفتت لباكينام وهي تهمس: يوسف جاي يأخذش ومشعل يقول لي أسوي شاي وقهوة

أنا رايحة شوي وبأرجع لش



باكينام فتحت عينيها بذهول: إيه حكاية يوسف جاي يأخدني دي؟؟



هيا تنهض متجهة للمطبخ وتهز كتفيها: وأنا وش دراني



استغراب باكينام لم يطل.. فمع خروج هيا اتصل يوسف فردت عليه بشكل مباشر: إيه حكاية إنك جاي تاخدني



يوسف بغضب: وأنتي إيه حكاية إنك طالعة من البيت لمكان غير الجامعة بدون ما تاخدني ازني مع أني منبه عليكي

لا وكمان سهرانة عندهم.. وعاوزة ترجعي متأخر لوحدك.. مش شايفة إنك زودتيها أوي؟!!



باكينام بحدة: مش هارجع وحدي هيا وجوزها هيرجعوني.. ماتجيش



يوسف بغضب حاد: باكينام ما تحرجنيش مع مشعل.. مشعل مش عارف إنه فيه بيننا حاجة.. فماتصغرنيش ئدام الراجل

ئولي لي فين بيته.. عشان هو فاكرني أنا اللي جبتك.. مش عارف إنك خارجة من ورايا



باكينام أعطته العنوان وهي تغلي من الغضب لاحتداده عليها في الكلام

(أي رجل بغيض هذا!!)







***********************************





مجلس آل مشعل

الساعة العاشرة إلا ربع صباحا



مشعل يجلس مع والده وعمه وينتظرون قدوم فارس

والجميع في حالة ترقب وهم ينتظرون انطلاق منافسات راكان



رن هاتف مشعل

نظر للاسم دون اهتمام.. وضعه على الوضع الصامت ثم ألقاه جواره

أضاء الهاتف عدة مرات قبل أن تتوقف الاتصالات



كان المتصل هو

أم علي



مشعل من بعد إجهاض لطيفة.. وهو يتجنب قدر ما يستطيع مقابلة فاتن أو مكالمتها

فهو تأثر كثيرا مما حدث.. ولا يريد أن تظن لطيفة إنه يحاول إثارة غيرتها أو الإساءة لها
هو وفاتن من أصحاب الأعمال الأذكياء

والعمل بينهما يسير كأفضل ما يمكن

ولا يمكن أن يفسدا مشاريعهما الضخمة بسبب ظروف شخصية يستطيع كلاهما تجاوزها

لذا أصبح التواصل بينهما غالبا عن طريق سكرتيريهما

مازالت فاتن من وقت لآخر تحاول الاتصال به

ولكنها أصبحت تتفهم أنه لا يريد أن يرد عليها

وربطت ذلك باتصالها بزوجته

لامت نفسها على تسرعها

ولكنها فكرت بطريقة عملية.. فبينهما مشاريع بالملايين

لا يمكن أن تفسدها بحساسية النساء

فهي سيدة أعمال قبل أن تكون امرأة حتى!!!

ووصلتها رسالة مشعل واضحة

أنه لا مكان لها في حياته

وأن مكانها هو في عمله فقط!!!







*************************





عودة لبيت محمد بن مشعل



العنود وصلت للجالسات

انحنت لتسلم على جدتها ثم على أم مشعل ثم جلست بجوار مريم



العنود كانت تود سؤال جدتها وأم مشعل عن أحوالهما كالمعتاد.. ولكنها فضلت الصمت وهي تتمنى لو ينسينها جميعهن وينشغلن بالحديث

لأنها حين دخلت كن منخرطات في الأحاديث

ولكنها كانت أمنية مستحيلة.. لأن الجدة هيا جاءت اليوم في مهمة خاصة ولن ترجع قبل تنفيذها



الجدة هيا حين أنهت الجدل حول القضية اللاتي كن يتناقشن بها.. هتفت للعنود بنبرة جهورية مقصودة: أشلونش يالعنيّد؟؟



العنود تكاد تختنق بكلماتها خوفا من جدتها: طيبة يمه جعلني الأولة.. بشريني منش؟؟



الجدة بنبرة مقصودة: أنا؟؟

والله لش علي.. ما الخاطر بسامح



العنود تبتلع ريقها: أفا.. ليه فديتش؟؟



الجدة تصل لمبتغاها وبأقصر طريق وأسرعه: والله انشدي روحش



العنود صمتت فهي ليست لا مقاما ولا قدرة على مستوى محاورة جدتها وفي موضوع كهذا بالذات



ولكن الجدة لم ترحم صمتها فسألتها بحزم: مريضة أنتي؟؟



العنود بضعف: لا



الجدة بذات الحزم: حامل؟؟



العنود بذات الضعف: لا



الجدة بهدوء حازم: زين وش مقعدش عند أمش؟؟ ماعندش بيت؟؟



الحوار مستمر بين الجدة والحفيدة.. والمستمعات الثلاث تحفزت مشاعرهن مع الحوار وخصوصا شعور الشفقة على العنود التي غار لون وجهها تماما



العنود تنهدت وهي تحاول التسلح بالقوة لن تسمح لأحد بإجبارها على العودة إلى فارس......

............. إلا كما تريد هي!!!!!........ وبالطريقة التي تريد!!!!!



همست العنود باحترام: البيت اللي راحتي فيه هو بيتي يمه



الجدة ببعض غضب: وش عندش في ذا الحكي يا بنت محمد؟؟



العنود بهدوء واحترام: اللي أنتي فهمتيه يأم محمد



الجدة بغضب: والله وغدا لش لسان



العنود بعتب: يعني يمه تبغينا ننقهر وحتى الرد ما نرد



الجدة بجزع رقيق: ماعاش من يقهرش

ثم تنهدت وهي تزيح مكانا جوارها: تعالي جنبي يأمش



العنود اقتربت وجلست جوار جدتها لتحتضنها جدتها بحنو

والعنود كانت أعصابها وصلت الحد الأقصى من الشد

وماكان ينقصها هو حركة كهذه لتنخرط في البكاء في حضن جدتها

جدتها بجزع حنون: أفا يذا العلم.. تبكين يأمش



العنود استمرت في البكاء في حضن جدتها

والوضع بات مشحونا في المكان وبين الجالسات

حينما هدأت العنود همست لها جدتها: فارس يأمش مزعلش؟؟



هزت العنود رأسها إيجابا



الجدة باستفسار: مزعلش في ويش؟؟



العنود بصوتها المبحوح: شي بيني وبينه



الجدة ابتسمت لأن العنود رفضت اخبارها.. شددت احتضانها لكتفها وهمست في أذنها: عفيه

ثم أردفت: زين إن خليت فارس يجي الحين وي****ش.. تروحين معه عشان خاطر جدتش العجوز وحشيمة لجيتها عندش؟؟



العنود ردت بشكل مباشر ومفاجئ وصادم:



الحشيمة كلها لش..

إن جاء وراضاني هنا وقدامش أروح معه على طول وذا الحين
بيت محمد بن مشعل

العنود استمرت في البكاء في حضن جدتها
والوضع بات مشحونا في المكان وبين الجالسات
حينما هدأت العنود همست لها جدتها: فارس يأمش مزعلش؟؟

هزت العنود رأسها إيجابا

الجدة باستفسار: مزعلش في ويش؟؟

العنود بصوتها المبحوح: شي بيني وبينه

الجدة ابتسمت لأن العنود رفضت اخبارها.. شددت احتضانها لكتفها وهمست في أذنها: عفيه
ثم أردفت: زين إن خليت فارس يجي الحين وي****ش.. تروحين معه عشان خاطر جدتش العجوز و وحشيمة لجيتها عندش؟؟

العنود ردت بشكل مباشر ومفاجئ وصادم:

الحشيمة كلها لش..
إن جاء وراضاني هنا وقدامش أروح معه على طول وذا الحين


مريم فوجئت تماما من ردة فعل شقيقتها.. ولكنها بعد لحظات ابتسمت وهي تفهم مقصدها
(والله ذا البنية مهي بهينة
طلعت داهية)

العنود اكتشفت أن حبها لفارس هو أكثر بكثير مما كانت تعتقد أو تظن
فهي كادت تجن من مجرد فكرة أنه قد يتزوج عليها
ولكنها في ذات الوقت تشعر بالتخوف من العودة له وهو مازال لم يعتذر لها أو ي****ها
مع أنه كان من المفترض أن يقدر أنها لم تخبر والدها وأشقاءها بضربه لها
وحينها كان سيجبر على اعتذار سيحرجه.. لأنه سيكون في المجلس وأمام الرجال
أو ربما يرفض مثل هذا الاعتذار وهذا التصرف هو الأقرب لشخصية فارس.. فتصبح القضية حينها أكثر تعقيدا ..لأن والدها سيري رفضه الاعتذار إهانة له

العنود طيلة الأيام الماضية وضعت كل هذه الاحتمالات في ذهنها والتفكير أرهقها

العنود تريده أن يعتذر لها اعتذارا يؤلم كبرياءه قليلا .. ولكن في ذات الوقت لا يبالغ بكسره ولا بإهانته
ومثل هذا الاعتذار جاءها على طبق من فضة مع اقتراح جدتها لها
يأتي ويعتذر لها أمام جدتها.. اعتذار مؤلم نوعا ما ولكنه أهون بكثير من اعتذاره أمام والدها وربما أشقائها وعمها أيضا..
وفي اعتذاره أمام جدته تقتص العنود منه وتجعله يفكر ألف مرة قبل أن يمد يده عليها مرة أخرى

والاحتمال الآخر أن فارسا قد يرفض الاعتذار أمام جدته.. وحينها يصبح كل العتب والذنب عليه.. والعنود سترتاح من إلحاح الجميع عليها بالعودة
ولكن العنود رأت هذا الاحتمال بعيدا..
أو ربما رأته قريبا!!! أقرب مما تتوقع
وهي تتمنى في داخلها وتدعو ألا يحدث


الجدة ابتسمت ابتسامة شاسعة أبرزتها تجاعيد عينيها الباديتين من خلف برقعها وهي تهمس بحزم لأم مشعل: دقي على فارس وعطيني إياه


فارس وقتها كان في سيارته عائدا من الحلاق للمجلس ليشاهد منافسات راكان.. حينها رن هاتفه ورأى اسم أمه أم مشعل.. ابتسم وهو يرد: هلا يمه ومرحبا

أم مشعل بود عميق: هلا بك يأمك.. وينك أمس ماشفتك؟؟

فارس بمودة واحترام: بأجيش الليلة جعلني فداش.. أسلم عليش وعلى جدتي

أم مشعل بحذر: على طاري جدتك.. هذي هي تبغيك

فارس ابتسم: عطيني إياها فديت عينها

الجدة هيا تناولت الهاتف وهي تهمس بحزم: فارس تعال أبغيك ذا الحين

فارس ابتسم: زين خليني أقول السلام عليكم.. أشلونش أول

الجدة بذات الحزم: تعال لي في بيت عمك محمد والسلامات خلها عقب

فارس بحذر: وليه في بيت عمي محمد ومهوب في بيتش؟؟

الجدة بحزمها المعتاد: أنت ما تبغي مرتك؟؟ عاجبكم حالكم
تعال راضها قدامي وخذها لبيتها
العنود عندي وتقول إنك لو ****تها بتروح معك

فارس شعر كما لو أن قلبه سيقفز من بين جنبيه لهفة واشتياقا وهو يتمنى انتهاء كل هذا لتعود العنود إلى أحضانه الذائبة شوقا
ولكن الرغبات في قاموسه شيء مختلف تماما عما يسمح لنفسه بفعله.. لذا رد على جدته بهدوء واثق:
يمه أنا قلت للعنود قبل: إذا رجعت بيتها ****تها.. وماني بم****ها قدام حد
أنا مازعلتها قدام حد عشان أ****ها قدام حد
زعلتها وأنا وهي بروحنا.. وفي بيتنا.. وبأ****ها في بيتنا وأنا وهي بس

الجدة بنبرة غضب: الحين العنود يوم طلعت من بيتها.. طلعت بسبب وإلا بدون سبب.. أنت أزعلتها وإلا لا؟؟

فارس بذات النبرة الواثقة: أكيد طلعت بسبب.. وأنا أزعلتها

الجدة بذات النبرة الغاضبة: وعشان تدري.. تراها عيّت تعلمني بالسبب (عيّت=رفضت)
و بنت محمد عداها العيب والمنقود.. تعال راضها واخذها ذا الحين
وإلا والله ثم والله ما عاد أنب وراك ولا دونك (= لا أسعى لك في الموضوع)
ولا عاد أقول لها شيء.. إن شاء الله تقعد عند إبيها لين تموت

فارس بهدوء واحترام: يمه تكفين ما تزعلين روحش
اللي عندي من الكلام قلته للعنود قبل.. وأنا ومرتي نتفاهم

الجدة بغضب: جعلك أنت وياها في دعثور مايثور.. ومالي خص فيكم
ثم أغلقت الخط في وجهه

فارس تنهد بعمق.. يعلم أنه هذه المرة تجاوز الحد
هو بذاته ضيقه وصل منتهاه.. واشتياقه للعنود يمزقه تمزيقا
مرات عديدة وجد نفسه يقف أمام بيت عمه على وشك النزول والاعتذار
ولكنه لا يستطيع.. لا يستطيع
هكذا خُلق.. لا يستطيع تغيير نفسه
لو أهان نفسه من أجل حبها.. لن يبقى لحبها ذات الرونق والعمق والمكانة
لأنه أحبها بكامل كبريائه وتكبره وغروره
تغير كثيرا من أجلها وهو يتخلى عن كثير من قسوته من أجلها وحتى يحافظ عليها
ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع.. فالقسوة كانت عارض في شخصيته
ولكن الكبرياء ليس عارضا مؤقتا بل صفة مترسخة
مستعد هو أن يرضيها حتى آخر نفس في عمره.. أن يغرقها حبا وحنانا
ولكن ليس بعد أن تكسره..
لتعد إليه ولأحضانه.. هما فقط.. هو وهي فقط
حينها سيغرقها بهذا الكم الهائل من المشاعر الذي بات يخنق روحه


الجدة حينما أغلقت الهاتف التفتت لأم مشعل وهي تهمس بحزم غاضب: قومي نروح لا بارك الله في ولدش من ولد
والله لو أنه مشعل وإلا مشعل وإلا راكان وإلا ناصر ماحد منهم يفشلني مثل ما فشلني

عبرة كبيرة تجمعت في حلق العنود.. بحجم الكون ربما
لم تتخيل أن فارس قد يفعلها.. كان بينها وبينه خطوة واحدة وهاهي تصبح أميالا ومسافات
أبعدها عنه.. أبعدها لأبعد حد..
تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. رأسها يدور.. وعيناها تغيمان وهي ترى جدتها تتعكز على عكازها وعلى يد أم مشعل لتخرج
ومعهما والدتها..

(أحقا فعلتها يا فارس؟!!
أ كان كبريائك أهم مني؟؟
أم أنا من طمعتك فيَ حين لم أخبر والدي بضربك لي
فقلت لنفسك: مادامت لم تخبر أحدا فهي تحبني.. وستعود دون أن أكلف نفسي أي عناء؟؟؟
أو ربما كان حبك لي محض ادعاء وجاءتك الفرصة لتتخلص مني؟؟
أحقا هذا يا فارس؟؟
ربما لو أكن بالنسبة لك سوى محض زوجة مكانها البيت
وليس حبيبة مكانها القلب!! )


وقفت تريد الهرب لغرفتها
ولكنها ما أن وقفت حتى شعرت بدوار شديد
لتسقط مغمى عليها على الأريكة
وقتها كانت أم مشعل أوصلت عمتها للسيارة وعادت
لتتفاجأ بل وتفجع وهي ترى العنود تسقط
ولتثير رعب مريم على العنود بصراخها المكتوم القلق على ابنتها



***********************



واشنطن
شقة مشعل

يوسف أنهى زيارته لمشعل ويريد المغادرة
وقف واتصل بباكينام لتوافيه عند الباب
وسلم على مشعل وتوجه للخارج
بينما مشعل عاد لغرفته ليخلي المكان لخروج باكينام

باكينام قبل أن تخرج من غرفة هيا نظرت لنفسها في المرآة وهمست لهيا:
أوعي تضحكي أنا شيفاكي بتبتسمي يا هبلة

هيا تريد أن تنفجر من الضحك وهي ترى باكينام تتأكد من شكلها بل وتضع بعض أحمر شفاه رغم أنها لم تكن تضع قبلا

أردفت باكينام بما يشبه ابتسامة: أهو هبل.. بس أنا عيزاه يشوفني حلوة

هيا تبتسم: وأنتي حلوة.. ولا تدورين لنفسش عذر عشانش تبين تكشخين لسي السيد

باكينام انهت زينتها برشات من العطر وهي تهمس لهيا: هبلة ومش بحبك

هيا حينها انفجرت ضاحكة: الله المغني عن حبش.. خليه لغيرنا

باكينام رن هاتفها للمرة الثانية ويوسف يستعجلها
خرجت بخطواتها الواثقة المعتادة رغم أنها كانت تذوب توترا

كان يقف عند الباب وظهره للبيت
يرتدي جاكيتا ثقيلا منحه منظرا مهيبا مع عرض كتفيه
همست بهدوء متوتر: مساء الخير

التفت لها يوسف ليتأملها للحظات
ثم همس لها: مساء النور.. يا الله بينا؟؟

خرجت معه.. ليغلق باب الشقة وهو يخرج
وينزل معها للأسفل.. كان يتحرق ليعقد ذراعه في ذراعها
مشتاق لها.. مشتاق.. بل ما يشعر به من اللهفة تجاوز الاشتياق بمراحل عديدة
وصل لسيارته.. فتح لها الباب ووقف حتى ركبت ثم أغلقه
ركب جوارها في مكان السائق
المكان الضيق والمكتوم جعل كل منهما يستنشق عطر الآخر بعمق موجع
وكل منهما يتمنى لو يتنفس هذه الرائحة المعذبة عن قرب أكثر دفئا
باكينام هزت رأسها لتنفض هذه الأفكار التي يستحيل أن تسمح بها لنفسها حتى ولا في أحلامها
بينما يوسف استغرق في أفكاره أكثر وأكثر
وهو يرى أنها أخذت وقتا أكثر من كافٍ للتفكير.. فهو تعب من هذا العبث
ويريد أن يعيش حياة زوجية مستقرة ككل أزواج هذا العالم
أخطأ في حقها.. وأعتذر.. ومستعد لإرضاءها.. ماذا تريد أكثر؟؟
إلى متى تريد تعقيد الوضع بينهما؟!!


والشيء المؤكد أن علاقتهما تغير بها شيء ثوري.. ثوري تماما
رغم التوتر الذي يلف هذه العلاقة وخصوصا من جانب باكينام
ولكنها أصبحت علاقة مريحة..
قد يُستغرب وصفها بالمريحة..
ولكن بعيدا عن الشك الذي يستزف وجع الروح يصبح كل شيء مقدورا عليه
فيوسف تأكد من براءتها لترتاح روحه المعذبة
وباكينام ارتاحت من حالة التحفز التي كانت تعيشها وهو يضعها في دائرة الشبهات وهي تتحفز للرد
فالخلاف بينهما ماعاد يجرح رجولته ولا يستهين بأنوثتها

السيارة تتهادى على الطريق
يوسف كان يحاول تصيد كفها لاحتضانها..
ولكنها كانت تعتصم بالصمت وكفاها معقودان في حضنها
لم يعاتبها.. لم يهاجمها.. متعب من كل هذا العبث
وهي بدورها بقيت صامتة وهي تتمنى بغرابة أن يطول الطريق.. ويطول..

استمر الصمت هو الحاضر بينهما
حتى وصلا للبيت

تمنى أن ينزل لو قليلا.. فهو لم يراها جيدا حتى
وهي تمنت بغرابة أن ينزل قليلا أيضا.. يتحادثان قليلا ربما
فهي تشعر بوحشة متزايدة في بيت يوسف الذي يُعتبر كبيرا بالنسبة لغرفتها في السكن
ولكنها يستحيل أن تسمح له أن يبيت
وهو يستحيل أن يحرج نفسه
يخشى أن تفعل به كالمرة الأخيرة
لذا همس لها ما أن وصلا: انزلي.. وياريت تبئي تحترميني أكتر من كده
أنا ما طلبتش حاجة أكتر من أبسط حئوئي..
أعرف أنتي رايحة فين

همست بهدوء غريب غير معتاد وهي تفتح بابها لتنزل: حاضر

كان بوده أن يوقفها لأي سبب
وهي تمنت أن يستوقفها لأي سبب
ولكن هو لم يفعل.. وهي نزلت وتوجهت للبيت
وبقي حتى تأكد من دخولها للبيت
وحينها غادر..
وعيناها المتلصصتان تراقبانه من النافذة



**************************



بيت محمد بن مشعل


مريم ووالدتها مفجوعتان من الرعب عى صغيرتهما التي مازالت مغمى عليها
مريم تحاول أن تتماسك: يمه رشيها بماي وأسقيها

والدتها تنفذ فورا.. لتشهق العنود المستلقية في حضن مريم مع وصول الماء المفاجئ لوجهها.. ثم تبدأ تئن أنينا مؤلما خافتا دون أن تفتح عيناها

أم مشعل تهمس لمريم بقلق: مريم العنود حامل؟؟

مريم بقلق مشابه: لا يمه فديتش.. وين حامل؟؟.. الدورة الحين عليها أصلا قد لها يومين
بس هي أصلا معها نقص فيتامينات والبارحة نامت ما تعشت.. واليوم ما بعد تريقت
وجاها ذا الخبر وغثها.. الله يهدي فارس..

حينها انتفضت العنود وصرخت : ما أبي اسمع اسمه.. ما أبي اسمع اسمه..

ثم قامت وهي تتعثر لتركض للأعلى



بعد صلاة الظهر
مريم بعدما صلت.. توجهت لغرفة العنود لتتأكد من وضعها.. لم تجدها فيها
وجدتها نزلت للجلوس مع والدتها
وكأن شيئا لم يكن.. ولكن مريم تعلم أن ماحدث كان شيئا كبيرا
وأن العنود تحاول التماسك والادعاء وأن هذا الادعاء سرعان ما سينهار
فهي تعرف العنود جيدا
وما فعله فارس جرحها لأبعد حد وأهانها
وأحرجها أمامهن جميعا
وهاهي تشتم من رائحة صوتها المهتز انكسارا موجعا.. ويأسا قاتلا
وعزما جديدا محملا برائحة القسوة


مريم عادت لغرفتها وتناولت هاتفها واتصلت بفارس
حينها فارس كان في غرفته.. فهو كان يشعر بضيق عميق من كل ماحدث ويخشى من تبعاته
هل من المعقول أنه خسرها وبسبب كبريائه المجنون؟؟
فكيف هي من ستعود ودون أن يرضيها.. ليرضيها هو بعد أن تعود؟؟
أي سلسلة معقدة هذه؟!!

هاهو يتمدد على سريره وبيده صورة للعنود كانت تضعها في برواز
يمرر أصبعه على الصورة بحنان وحنين غامرين
كم اشتاق إليها!!
لم يرها من بعد ذلك اليوم في بيت مشعل قبل حوالي أسبوعين
يكاد ينتهي ويتناثر اشتياقا لها

خطرت بباله موضي.. هي من تستطيع مساعدته دون أن يحرج نفسه
اتصل بها ليأتيه صوت موضي مشبعا بالسعادة: هلا والله باللي ناسينا

فارس ابتسم: شكلش ميتة على روحش من الوناسة.. مبروك الذهبية لراكان

موضي بسعادة حقيقية: الله يبارك فيك.. أنا اليوم رأسي بين النجوم

فارس سعيد من سعادتها: دوم ذا الفرحة يارب
ثم أردف بنبرة مقصودة: ودامش مستانسة ونسي غيرش واكسبي اجرهم

موضي بنفس نبرته المقصودة: عيوني لغيري

فارس بشكل مباشر: أبي أشوفها

موضي باستغراب باسم: فارس أنت تستهبل؟!! وإلا شكلك كذا؟!!

فارس بغيظ: مويضي احشميني.. قدام أجيش وأعرفش أصلش ياقليلة الحيا

موضي تضحك: عدال لا ينقطع لك عرق
أول خليتك تشوفها لأنكم متملكين والشوفة صعبة وأنا حبيتك تطمن على مستقبلك مع مرة مزيونة
بس الحين مرتك.. روح وشوفها

فارس بهدوء: أنتي اللي لا تستهبلين علي.. أنتي عارفة إنها زعلانة في بيت أهلها

ثم أكملت موضي بنبرتها المقصودة: وأنت مع سواد وجهك قصدي بياضه.. فشّلت جدتي ومارضيت تروح لها ت****ها

فارس بهدوء مثير: مأسرع وصلتش العلوم

موضي بعتب: الله يهداك فارس.. جدتي من يوم جات وهي مفولة عليك
ثم أردفت بحنين عفوي: فديت راكان اللي عمره ما زعلها

فارس بثبات: الحين رجّالش وش دخله في السالفة..
جدتي أنا أعرف أ****ها بأجيها العصر وأطيب خاطرها.. وأنتي اطلعي انتي ورجّالش من بيننا
والحين فكري لي في طريقة أشوفها فيها بشكل يكون غير مقصود
وأنتي عاد ما ينخاف عليش

موضي تضحك: والله شر البلية ما يضحك.. خلاص عطني كم يوم أفكر لك في طريقة تشوفها شوفة عدل

فارس باستنكار: وش كم يومه؟؟ راكان واصل بعد بكرة.. وانتي بتلهين مع الشيخ وبتنسين مني
أبي أشوفها في أسرع وقت.. خلصيني
موضي تبتسم: ويوم إنك واحد قلبك ذايب كذا.. وشو له العنظزة والنعرة وكسر قلب البنية
ترا مهوب ناقص منك يد ولارجل لو أنك سمعت شور جدتي ورحت و****تها
كان هي ذا الحين بدل منت تكلمني عشان تشوفها.. هي بكبرها نايمة في حضنك
بس وش نسوي في يباس الرأس الله يكفينا شره

فارس بغضب: تدرين موضي الشرهة عليّ اللي أطلب منش شيء
الله المغني.. واقلبي وجهش

ثم أغلق الخط في وجهها وهو يغلي من الغيظ عليها.. لِـم َ هم عاجزين عن فهمه هكذا؟؟
حتى موضي؟؟ حتى موضي؟؟
لمن يشتكي؟؟ لمن؟؟

كان مازال يمسك بهاتفه حين رن.. انتفض قلبه وهو يرى اسم مريم يلمع على الشاشة
رد باحترام: حيا الله بنت محمد

مريم بهدوء راقٍ: حياك الله
ثم أردفت: فاضي اتكلم معك؟؟

فارس بحذر لم يظهر في صوته: فاضي طال عمرش في الطاعة

مريم بهدوء: فارس ليش سويت كذا؟؟ ليش تكسر قلب العنود كذا؟؟

شعر فارس كما لو كان قلبه هو ما انكسر.. يسمعها مرتين متتالية أولا من موضي ثم من مريم.. هل حقا كسر قلبها؟؟
يتمنى أن يمزق شرايين قلبه ولا أن يخدش طرف خدها
فكيف يكسر قلبها؟؟ كيف؟؟

فارس تنهد وهمس لمريم بصراحة ثابتة: مريم ما أدري العنود قالت لش أنا وش كثر أحبها وهي عارفة ذا الشيء زين
هي عارفة إني أحبها حب عمر رجّال ماحبه لمرة
وعارفة إني تغيرت كثير عشانها.. بس أكثر من كذا ما أقدر
يعني مريم أنتي عارفتني وعارفة عزة نفسي
يهون عليش إنها تبي تجيبني كني بزر قدام جدتي عشان أ****ها
يعني هي بتستانس يوم تكسرني كذا
أنا أموت يا مريم ولا أنكسر

مريم تتنهد وهي تشعر بألم عميق.. فهي تتفهم ألم هذا الشاب المثقل بكبريائه والممزق بين هذا الكبرياء العتيد وبين حبه العميق
همست له بهدوء مساند: زين والحل؟؟ عاجبكم حالكم كذا؟؟

فارس بهدوء: يا مريم هي ليش تعقدها كذا
قلت لها بأ****ها في بيتها.. أنا مستعد أجيها الحين وأخذها لبيتها
والله لأ****ها باللي هي تبي إن شاء الله لو تبي قص رقبتي
بس بيني وبينها.. ماحد يتدخل بيننا

مريم بمصارحة هادئة: اسمعني فارس لو كان فيه قبل أمل إنه العنود ممكن تسويها وترجع لبيتك بروحها
فالحين الأمل تراجع.. تراجع واجد

فارس بثبات: وليه يعني؟؟ عشان مارضيت أ****ها قدام جدتي؟؟

مريم بثبات مشابه وهي تقرر أن تؤلمه قليلا عله يجد له حلا:
العنود يافارس انهارت عقب ما طلعت جدتي واغمي عليها
وعقبه صارت تصارخ إنها ما تبي تسمع اسمك
يعني مهما كان.. مرتك ما تستاهل منك تحقير كذا

فارس قفز عن سريره وهو يعتصر الهاتف ويهمس بحزم جازع: مريم أنا جايكم الحين أتطمن عليها

مريم بجزع: لا فارس تكفى.. أولا هي صارت زينة
وثانيا ما ظنتي توافق تشوفك




*****************************



بيت مشعل بن محمد
قبل صلاة العصر

يجلس في صالة غرفته
لطيفة والأولاد غير متواجدين في البيت
يتصل بلطيفة وهاتفها مغلق
واتصل بالسائق قبل نصف ساعة وأخبره أنها والخادمة مازالتا داخل المجمع

بعد دقائق
كانت لطيفة تدخل
عادت لبيتها أولا.. حتى تستحم ثم تذهب لبيت أهلها حيث تركت أولادها

دخلت سلمت بنبرتها الباردة المعتادة مؤخرا
همس مشعل بهدوء: ليش تلفونش مسكر؟؟

لطيفة بهدوء مشابه في المستوى ولكن صقيعي في حرارته..وهي تخلع عباءتها: خلص الشحن

مشعل بهدوءه الاعتيادي: زين لطيفة أنتي منتي بعارفة إني ما أرضى تطولين في المجمعات وانتي مامعش الا الخدامة والسواق؟؟

لطيفة تفك رباط شعرها وتنثره على كتفيها وتجلس وتهمس بذات الهدوء البارد:
مالقيت حد يروح معي.. ومريم مابعد خلصت أغراضها

مشعل بحزم هادئ: أنا أوديش

لطيفة نهضت وهي تتجه للحمام: حاضر.. تامر

كانت توشك على الوصول لباب الحمام حين فوجئت بيده تطبق على عضدها وتلفها ناحيته
كانت قريبة منه.. قريبة جدا.. تكاد تتنفس أنفاسه من شدة القرب
ولكنها كانت ساكنة كسكون قبر موحش وهي تراقب عيني مشعل الدافئتين المستعرتين بغضب ما
همس بغضب خفيض: أنتي ليش تتعاملين معي كذا؟؟

ردت بهدوء مرعب في برودته: وش سويت؟؟.. هنتك؟؟.. سبيتك..؟؟ قصرت في حقك بأي شيء؟؟

همس بنبرة مقصودة موجعة ودافئة:
نـاديـنـي.. قـولـي مـشـعـل

لطيفة بذات النبرة على ذات المستوى دون تغيير أو تذبذب: لو سمحت خلني أروح أسبح..ثم أروح لعيالي

أفلت يدها وهو يتأخر للخلف وبداخله وجع بات يثقل روحه
بينما هي ابتعدت لتختفي داخل الحمام..وبداخلها:
لا شــــــــــــيء!!!




******************************



بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي
بين العصر والمغرب


لطيفة تتمدد على سرير موضي

موضي تجلس عند ساقيها وتدلكها
لطيفة تهمس بتعب: وشدارش إني محتاجة حد يهمزني.. تعبانة حدي

موضي بحنان: فديت قلبش توش من أسبوعين سقطتي.. بديتي فرارة عشان عرس مريم

لطيفة تبتسم: وش أسوي ماباقي إلا كم يوم على عرسها.. مافيه وقت
وأنا خلاص أصلا قربت أطهر..

موضي بتساؤل: بتعتمرون؟؟

لطيفة هزت كتفيها: ما أدري.. كيف مشعل

موضي ابتسمت: إلا تعالي قولي لي.. فارس وش سوى مع جدتي.. راكان كلمني وطلعت ماسمعت وش قال لها

لطيفة ضحكت: كل بعقلها حلاوة على قولت المصريين..

موضي ضحكت: جدتش ماحد يأكل بعقلها حلاوة.. هي خلته يمشي عليها وبمزاجها.. لأنها أصلا قلبها ما يقواها على فارس

لطيفة بتأثر: يالله ياكريم الله يهديه ويهدي مرته.. ونشوف عيالهم.. جدتي بتموت من الشِفقة على عيال فارس بالذات..

موضي بتأثر مشابه: آمين
ثم أردفت: زين ومن اللي جاي بعد لجدتي؟؟
يوم جيت بانزل قالت لي امي ارجعي.. فيه رجّال جاي يسلم على جدتش

لطيفة صمتت ثم أجابت بنبرة حاولت أن تكون طبيعية: حمد ولد خالي

موضي صمتت لثوانٍ ثم همست بطبيعية: حياه الله

لطيفة بعمق: من قلبش؟؟ تدرين اليوم يوم قلت لش إنه جا وطلعت عقبها..قعدت أضرب رأسي
أشلون أقول لش أنتي بالذات وأطلع كأني ما سويت شيء.. خفت عليش
وكنت بأرجع.. بس عقبها قلت يمكن الأحسن أخليش بروحش

تنهدت موضي: تدرين لطيفة اليوم الصبح يوم قلتي لي إنه جا
ارتبشت وطاح القلاس من يدي وتكسّر
وشريط حياتي المرعب معه يمر قدام عيني في دقيقة
لكن عقبها ماقعد في ذاكرتي غير راكان.. وحمد اختفى
ما أدري أشلون.. عمري ما توقعت إني ممكن أنسى اللي سواه حمد فيني
وكنت خايفة من رجعته وتأثيرها على نفسيتي..
لكن عقب مارجع
والله العظيم لطيفة حاسة إنه مجرد ولد خالي وولد عمتي.. نسيت حتى إنه كان زوجي
لأني ما أبي أكون زوجة لأحد غير راكان.. حتى في ذكرياتي
حمد هذا مسحته من ذاكرتي.. مسحته نهائي
ما أدري أشلون.. بس هذا تأثير راكان أكيد..

لطيفة بتأثر عميق ودمعة موجعة تفر من طرف عينها: تكلمين جد؟؟

موضي ابتسمت: تبين دليل

قالتها وهي تمد يدها لجيب بلوزتها اللاصقة وتسحب الجيب حتى اتسع ثم تظهر كتفها للطيفة
وتهمس بهدوء: هذا من حمد.. وعشان كذا كنت استحي أبدل قدامكم
لكن الحين عادي.. ما يهمني

لطيفة انتفضت بعنف كاسح.. و مدت يدها تلمس الأثر بوجع.. ثم احتضنت موضي بقوة وانخرطت في بكاء حاد

موضي بتأثر عميق: لطيفة تكفين مالي خلق أبكي.. ماني اليوم في مود أفلام هندية
وبعدين أنتي بالذات ما تعودت إنش تبكين.. لو مشاعل ماعليه أم دميعتين
بس أنتي لأ.. فلا تخليني أخورها الحين (يخورها= يفقد اتزانه)

لطيفة تتنهد وهي تلفت موضي: والله العظيم مبسوطة لش.. أنتي وراكان تستاهلون كل خير

موضي تبتسم لمجرد ذكر اسمه: فديت الطاري
أبي أغير في شكلي شوي قبل يجي.. بويش تنصحيني؟؟

لطيفة تبتسم وهي تمسح بقايا دموعها: عاد أنتي أخر من يعطى نصيحة في الكشخة
راجعة كشيخة وبقوة..
بس تبين نصيحتي؟؟... تحني.. أنتي مالحقتي تحنين في عرسش
تحني حنا من قلب.. اليد تحني لين عضدش.. والرجل لين تحت الركبة

موضي تضحك: زين ماقلتي لي اليد لين الكتف.. والرجل لين الفخذ

لطيفة بغيظ: والله أتكلم جد يالعبيطة

موضي تهز كتفيها وعيناها تلمعان: خلاص بكرة بأروح أصبغ شعري وأقصه قصة جديدة.... وعقب بأروح أتحنى..
يستاهل راكان.. جايب الذهبية

(هل هي الذهبية فقط ما أحضرها.. ياموضي؟!!!)



***************************



سيارة فارس التي تدور في شوارع الدوحة دون هدف معين


فارس خرج من عند جدته بعد أن أرضاها
ولكنه هو ذاته يشعر بقلق متعاظم منذ أخبرته مريم بانهيار العنود
يريد الاطمئنان عليها.. فلِـمَ التردد وهو ما اعتاد التردد؟؟

تناول هاتفه واتصل بها
كانت في غرفتها تدرس.. أو تدعي إنها تدرس حتى لا ترى أحدا أو ترى نظرة شفقة في عين أحد تذكرها أن فارسا نبذها
وأن كبرياءه كان أهم من كرامتها
الكرامة متطلب حياة لكن الكبرياء ترف زائد
فترفه كان أهم من متطلباتها

كان الهاتف على السرير وهي تدرس على مكتبها
رن مرة.. وليس لها رغبة بالرد..
ثم رن الثانية
حينها نهضت بتثاقل لترى اسمه يضيء على الشاشة
لا تشعر بالنشوة.. ولا تشعر بالاضطراب.. ولا تشعر بالشوق
ولا أي من المشاعر التي كان يثيرها اسمه فيها
تشعر..... بالغضب .. الكثير من الغضب
(ويجرؤ على الاتصال بي الوقح؟!!)

أغلقت الاتصال

حينها اشتعل فارس غضبا
أوقف السيارة على جانب الطريق.. لأنه شعر أنه ماعاد يرى الطريق من احتكام غضبه
عاود الاتصال.. فعاودت الإغلاق في وجهه

حينها أرسل لها رسالة
"زين يا العنود
دواش عندي"

فأرسلت له
" أعلى مافي خيلك اركبه
ما تهمني أنت
ولا اللي بتسويه"


"أنا جايش الحين
وشوفي وش بأسوي"

العنود توترت
تعلم أنه سيفعلها
وهي أيضا تستطيع أن تتصل بوالدها وشقيقها مشعل لتخبرهما بتهديد فارس لها
ولكنها تعلم أنها ما أن تفعل ذلك حتى تحول مشكلتهما من شيء بينهما لمشكلة عائلية
وهذا ما لا تريده.. يكفيها أن تعيش هي التوتر وتتناساه حين تكون مع الآخرين
فلو عممت مشكلتها على الجميع
سيصبح الجو العام مشحونا وتعيش ضغطا متواصلا

تنهدت واتصلت به
فور انفتاح الخط همست من بين أسنانها: نعم

فارس بغضب مكتوم: أشلون تسكرين الخط في وجهي؟؟

العنود تحاول التسلح بالبرود رغم فشلها الذريع: والله حرية شخصية.. أكلم اللي أبي

فارس بغضب حاد: وبعد؟؟ مع شينه قوات عينه؟؟

العنود تتنهد: ليه فارس هو أنت بس اللي لك حق تعصب ويكون عندك كرامة
وغيرك تدوسه بأرجيلك ولا تهتم
ليش أساسا أرد عليك.. متوقعة منك كلام حلو عقب اللي سويته فيني اليوم؟؟
أنت خلاص ما تهمني.. انت اللي قطعت اللي بيننا أول وتالي..

فارس بغضب مرعب: زين العنود أنا أوريش

حينها انفجرت العنود: أنا أبي أعرف أنت على شنو شايف حالك
أنا ماني بجارية عندك تبيعني وتشتريني
ضربتني بدون سبب وحتى الاعتذار ورد كرامتي استكثرته علي
اللي تبي تسويه سوه.. أنا في بيت محمد بن مشعل
فكر بس تفكير إنك تدهم حرمة البيت عشان تشوف اللي بيصير لك
والله إن قد تعيف تكبّارك اللي على غير سنع وتعرف قدرك

فارس لم يعد يرى من الغضب فعلا وهو يكاد يحطم الهاتف بين أنامله:
اقطعي واخسي قدام أقص لسانش.. والله إنش خسارة فيش المحبة والحشيمة

العنود بغضب مشابه: وش في يدك؟؟
بيتك وطلعت منه.. تبي تطلقني؟؟ طلقني
وبعدين وش محبته وش حشيمته؟؟
الله يلعن أبو الحب اللي تعرفه.. أنت ما تحب حد غير نفسك
خلك مع نفسك وحبها على كيفك

فارس أنهى الاتصال لأنه خشي من شدة غضبه أن يتهور ويطلقها فعلا
حبه العميق لها بقي الحاجز الأخير الذي منعه من الانغماس في تيار الغضب


كلاهما ينتفض غضبا في مكانه
فارس في سيارته
والعنود تدور في غرفتها
وحزن أكثر عمقا يتجذر في قلب الاثنين
والهوة بينهما تتسع أكثر وأكثر




*************************



بعد يومين
يوم الاثنين
يوم عودة راكان


موضي متوترة تماما..
مشتاقة.. بل نضجت من الاشتياق.. لم تتوقع أن افتقادها له سيكون موجعا هكذا
تبدو كل رحابة الأرض أضيق من فتحة إبرة بعيدا عن رحابة وجوده..
اشتياقها له غريب..عميق.. مختلف
أ هكذا يكون اشتياق الأصحاب للأصحاب؟!!

موضي لا تفكر مطلقا بتجاوز حدودها معه
فهي وإن كانت تجاوزت وبنجاح غير متوقع مأساتها مع حمد.. وعودة حمد هي من فتحت الباب لهذا التجاوز
وهي تعلم بعودته بل وتلمحه وهو خارج من بيت والدها ولا تثير عودته لديها أي مشاعر.. فمشاعرها كلها تنبض اهتماما براكان فقط
فراكان وحضور راكان احتلا كل مسامحات قلبها وتفكيرها وماعاد هناك مجال لتفكر بسواه
ولكنها تتذكر أن راكان قال لها في بداية زواجهما أن الوجود الأنثوي لا يهمه ولا يستهويه.. وهناك شبح حبيبة بينهما.. شبح يؤلمها بوحشية
فبأي وجه تستطيع فرض نفسها عليه؟!!
ألا يكفي أنه تزوجها بناء على طلبها وشروطها التي لولا أنها ناسبته لم يكن ليوافق عليها
فكيف تحاول تغييرها الآن؟!!
راكان يستحق كل الاحترام والتقدير.. وهذا ما يجب أن تحرص عليه

موضي أنهت ترتيب بيتها وتبخيره وتعطيره.. استحمت وهاهي تكوي شعرها أمام المرآة وهي تنظر لنقوش الحناء الدقيقة والمبهرة على ذراعيها الناعمين
و للون شعرها الجديد وقصته الجديدة التي ناسبتها تماما
تدريج خفيف لشعرها على نفس طوله.. ومع كثافة شعرها ونعومته بدا التدريج كأمواج بحر من الشيكولاته والكراميل اللونين اللذين ناسبا القصة ولون بشرتها لأبعد حد



*************************


صباح واشنطن
شقة مشعل بن عبدالله


هيا ترتب غرفة مشعل الذي يحتسي قهوته في الصالة ويراجع الفصول الأخيرة من أطروحته

هيا تتناول جاكيته لتعلقه ولكنها تنفضه أولا وتمسحه
فوجئت بوجود شعرة شقراء متوسطة الطول على الجاكيت
تنهدت هيا بعمق.. وهي تعد للعشرة
فهي تعرف أنها تصبح مجنونة حين يتعلق الأمر بغيرتها على مشعل
حين وصلت للرقم عشرة تنهدت بعمق أكبر
مشعل يستحيل أن يفعل أي شيء من هذا القبيل
حتى لو لم يكن لها هي أهمية عنده.. فمشعل شديد التدين والحرص على كل ما يتعلق بدينه.. ويستحيل أن ينحدر لهذا المستوى
قد تكون الشعرة التصقت به مع الزحام.. أو شعرة نادلة وقفت جواره لتضع طلبا ما على طاولته
أو أي شيء آخر

ولكنها حتى تقطع السبيل على الشيطان ووسوسته.. تناولت الجاكيت وخرجت به لمشعل

همست بحنو: حبيبي بدون ما تعصب علي.. تدري هذي جات من وين؟؟

قالتها وهي ترفع الشعرة عن الجاكيت

مشعل ابتسم: والله كني شايف ذا الحركة في فيلم عربي مـــغــبـــر أيام الأسود والأبيض
والشعرة لازم تكون شقراء عشان تبين عدل
وعقبها بكرة بعد تقعدين تدورين روج على ياقات القمصان .. وتشمين ثيابي تدورين ريحة عطر نسائي عشان تسوين الجزء الثاني من الفيلم

هيا ألقت الجاكيت على الكرسي وهي تهمس بغيظ: تدري إنك بايخ
وتدري إني أغير عليك فلا تحرق أعصابي

مشعل وقف واحتضنها بعمق: وانتي تدرين إني أموت عليش
والشعرة والله العظيم ما أدري من وين جات
أكيد لصقت فيني مع الزحمة
أول كان ممكن أقبل منش ذا التفكير
بس ذا الحين لا.. لا يأم سلطان
تشكين في أبو سلطان؟!!



*************************



مجلس آل مشعل
بعد صلاة العشاء
عشاء ضخم وحاشد والمجلس ممتلئ عن آخره بالرجال

الليلة عودة راكان
وكان هناك استقبال حاشد له في المطار
ورابطة المشجعين أعدوا له مسيرة سارت من المطار إلى الكورنيش إلى مقر نادي الرماية حيث انتهت

وهاهو على وشك الوصول من نادي الرماية
لم يغب أحدا مطلقا من أهلهم ومعارفهم
حتى حمد كان موجودا
حمد خلال الأيام الماضية زار أخواله وجدته وطلب سماح خاله عبدالله واعتذر له بحرارة
وكان عشائه عند خاله البارحة ولكنه لم يكن مرتاحا مطلقا.. ففارس ومشعل كلاهما كانا ينظران له شزرا
وهما يتذكران منظر موضي قبل عدة أشهر محطمة الأضلاع في المستشفى
وكأنهما يتحرقان لإفراغ غضب ما فيه
غضب قد لا يكون له هو ذنب فعلي فيه

لذا كان حمد لا يريد الحضور اليوم.. فآخر ما ينقصه هو مقابلة راكان والنظر في عينيه
ولكن والده أصر عليه..
ألف شعور متقلب يغزو روحه
الغيرة والحزن واليأس والاهانة والألم


راكان مع فارس في السيارة
ويسأله عن أخبار الأهل جميعهم

فارس بهدوء: كلهم طيبين

راكان بهدوء حذر: العنود رجعت لبيتها؟؟

فارس بهدوء: مالك لوا

راكان بهدوء: ومطولين كذا؟؟

فارس يريد إغلاق الموضوع: الله يجيب خير

راكان فهم رغبته في إنهاء الحديث فهمس بهدوء: أشلون أمي هيا؟؟

ابتسم فارس: أنت ليش ما تجيبها من الآخر.. وتقول أشلون موضي؟؟

ابتسم راكان: يانظر عيني موضي كلمتها أول ما نزلت من الطيارة.. ما أنتظر أخذ علومها من جنابك

فارس بابتسامة: الله يديم عليكم المودة..
ثم أردف بمرح: أما موضي صارت تحفة
اسمك ما يطيح من لسانها.. راكان فديته كذا وراكان فديته كذا
حتى لو مالك خص في السالفة لازم تدخلك.. حتى لو الكلام عن رياضة الجمباز وإلا عن طبخ الكبسة.. بتدخلك بتدخلك

راكان باستغراب لم يظهر في صوته الهادئ: موضي؟؟

فارس يبتسم: إيه موضي حرمكم المصون
ثم أردف بهدوء: يالله وصلنا انزل

راكان يبتسم: ماشاء الله وش ذا السيارات كلها..

فارس بهدوء: مشعل مسوي لك عشاء كبير وماخلا حد ما عزمه
ثم أردف بحذر: وترى ولد عمتك رجع من دورته.. ويمكن يكون موجود

راكان بحدة حاول أن يكتمها رغم أن لون وجهه تغير: أي ولد عمتي؟؟

فارس يفتح الباب ويستعد للنزول:
ليه عندك غيره؟!!
حــــمـــد بن جـــابـــــر
مجلس آل مشعل
بعد صلاة العشاء

راكان يدخل للمجلس
ويقف الجميع للسلام عليه

بينما مشعل بعد أن سلم عليه.. خرج لخارج المجلس واستخرج مسدسه من جيبه وأفرغ المشط كاملا في الهواء احتفالا براكان

راكان كان يسلم على الرجال ويستقبل تهانيهم وسلاماتهم بينما عيناه تبحثان عن وجه ما
حتى التقت العينان بالعينين
تم السلام بصورة طبيعية لم تلفت انتباه أحد
ولكن النظرات لم تكن طبيعية مطلقا
خليط من غضب حاد وغيرة موجعة

كلاهما يعرفان تماما قيمة المرأة التي خسرها أحدهما وكسبها الآخر
خسارة فادحة لأحدهما.. وربح مبتور للآخر

ولكن كلاهما قررا أن يكبرا عقليهما
حتى لا ينقلا مشاعرهما للعلن
فبينهما قرابة ويحكمهما العرف
جلسا كلاهما وفي مكانين متباعدين
وكل واحد يغرق في مشاعر عميقة من الوجع

حمد كان يحاول تجاوز كل هذا
موضي لم تعد له.. ولن تصبح له يوما.. شعور مؤلم وجارح لأبعد حد ولكن لابد من تجاوزه
تكفيه حاليا فرحة صغيراته الثلاث به
يريد أن يعوضهن عن كل حرمان
أن يشعرهن بأبوته وأخوته.. أن يدللهن كما يستحققن منه

ولكن مشاعر راكان كانت أكثر تعقيدا وألما ووحشية
كان ينظر لحمد وهو يود انتزاعه من مكانه وتحطيم وجهه ونسف هذه الابتسامة الرتيبة التي يرسمها على وجهه

(تزوج موضي لأربع سنوات
كم مرة لمسها خلال هذه السنوات؟!! وكم مرة ضربها؟!!
كم قبلة قبلها؟!! وكم مرة أدمى شفتيها بصفعاته؟!!
كم مرة أمسك بأناملها بين يديه؟!! وكم مرة اعتصر أناملها بقسوة؟!!
كم مرة مسح على شعرها؟!! وكم مرة مزّق شعرها؟!!)

راكان يكاد يجن من هذه الافكار.. يحترق.. يتناثر.. وجعا وغيرة وألما

(حمد يبتسم بينما موضي مازالت تعاني مما فعله بها
سأراها بعد قليل لأجدها تلتف مني وتخفي المها عني
وهي ترى نفسها امرأة ناقصة لابد أن تخفي عيوبها
بعد أن سلبها هذا الحقير ثقتها بنفسها
وامتهن روحها وجسدها
جسدها الذي يستنـزفني الاشتياق له.. بينما هي تراه أقل مما استحق بعد أن ترك ذلك الحيوان آثار ضربه عليه)

راكان حينما وصلت أفكاره لهذا المستوى بدت قبضته تتقلص بشدة وهو يحاول السيطرة على نفسه

"وش فيك راكان؟"

راكان يجاوب الجالس جواره بهدوء ظاهري: مافيني شيء أحمد؟؟

أحمد بمودة: زين طال عمرك.. أنا لازم أستاذن..
سمو الأمير الله يحفظه بيسافر عقب يومين للكويت
والليلة عندنا اجتماع عشان اللي بيسافرون الفجر في الوفد المرافق اللي بيوصل قبل سموه

راكان بحزم: انتظرني.. والله ماتروح لين تعشى..
ثم بأروح معك.. عندي أصلا شنطة مجهزة في الديوان لحالات الطوارئ

أحمد باستغراب: وين تروح معي؟؟ توك واصل ما حتى ارتحت

راكان بحزم شديد: قلت لك انتظرني

أحمد هز رأسه إيجابا فهو يعرف راكان ومادام أصر فلا شيء سيردعه

راكان كان في رأسه تفكير مختلف.. فهو غاضب.. غاضب لأبعد حد
ويخشى أن يفجر غضبه في موضي.. حين يرى انكسارها الذي سيذكره بما فعله بها الجالس أمامه
لن يحتمل المزيد من انكسارها.. ولا ترهات نقصها.. ولا خوفها على جسدها ومن جسدها
يخشى أن يؤذيها أو يجرحها
وهو يود أن يكتوي بنار اشتياقه لرؤية عينيها التي رافقته حتى في أحلامه في الأيام الماضية
ولا أن يسبب لها أدنى أذى
لذا قرر أن يسافر حتى تهدأ أعصابه..
قرر أن يحرم نفسه من رؤيتها خوفا من مجرد فكرة أن يجرحها


بعد العشاء خرج أحمد لسيارته
وراكان همس لوالده وشقيقة مشعل أن هناك سفرا مفاجئا يستلزم ذهابه الآن
ولن يتأخر.. سيعود قبل زواج مريم
الذي سيكون الخميس بعد 3 أيام
ثم خرج للحاق بأحمد الذي كان يستعجل راكان لأنهما تأخرا كثيرا



**************************



قسم راكان
الساعة الواحدة بعد منتصف الليل


موضي لم تعد تستطع الجلوس قلقا واشتياقا
فراكان تأخر عليها ولم يتصل بها حتى
أعصابها تكاد تتلف

وأخيرا رن هاتفها
التقتطه بلهفة موجعة: وينك راكان؟؟

رنة اللهفة في صوتها آلمته لأبعد حد.. همس بحنان: سامحيني موضي
بس ما أقدر أجي

موضي برعب: ليش؟؟ فيك شيء؟؟

شعر بألم أكبر من أجلها وليس من أجل نفسه: لا والله مافيني شيء.. سالم
أنا الحين في الديوان.. وباطلع للكويت

لم يعطها أسبابا ولا تفاصيل.. فهو لا يريد اخبارها بالحقيقة وفي ذات الوقت لا يريد الكذب عليها
صمتت موضي بألم بالغ..
لم يخطر ببالها أنه قد يكون هاربا منها ولأجلها
كل مافكرت به هو احترام ظروف عمله حتى لو على حساب نفسها ومشاعرها واشتياقها الذي تشعر به الآن يمزقها بوحشية

حاولت أن تبتسم: دامك سالم.. كل شيء يهون

همس لها بحنان مصفى: تبين شيء؟؟ قاصرش شيء؟؟
أنا ماني بمتأخر.. قبل زواج مريم باجي إن شاء الله

همست بألم لم تستطع اخفائه: كنت أبي أقول لك باشتاق لك
بس ما أقدر أقولها.. لأن كل الشوق اللي عندي خلص
تكفى راكان ما تتأخر

راكان تسلل لروحه إحساس عميق بالندم.. هو أيضا استنفذ كل الشوق الذي في العالم
فهل سيصبر لعدة أيام بعد؟؟
همس لها بمودة: ماني بمتأخر.. أدري ما تقدرين ترجعين بيت عمي الحين
نادي العنود تنام عندش.. زين؟؟

فهمست له بمودة أعمق: إن شاء الله.. وكلمني أول ماتوصل.. ترا ماني براقدة لين تكلمني

فهمس لها بقلق رقيق: لا موضي نامي.. وأنا بارسل لش مسج

موضي بعذوبة موجعة: مستحيل يجيني نوم.. ناطرتك

طوال الأيام التي مضت من زواجهما اعترفا بصراحة وأريحية وعمق بكل المشاعر التي قد تكون بين العشاق
بل وصلا فيها حدها الأقصى.. الأقصى
الشوق.. الولع.. اللوعة.. الاحتياج
ولكنهما مازالا يعتقدان أن ما بينهما محض مشاعر ود كالتي تكون بين الأصدقاء
مازالا كلاهما بعيدين عن الاعتراف بحقيقة الشعور الذي بات يجمعهما بل يمزج بينهما بكل العنف والقوة والعنفوان


انتهى الاتصال
وموضي سمحت لأنهار دموعها المحبوسة بالانهمار
عميق هو هذا الألم الذي تشعر به
تشعر أن قلبها يؤلمها فعليا.. وكأن أحدا يعتصر قلبها بيده بقسوة لتنبثق دمائها من بين أنامله

اقتربت من المرآة لتزيل مشابك الكرستال من غرتها
كانت تنتزعها بأسى عميق.. وهي تنظر في المرآة الطويلة لتعبها الطويل في التأنق الذي ذهب هباء دون أن يراه
زينتها المتقنة التي اختلطت بدموعها.. لمعان شفتيها وكحل عينيها
تسريحتها الأنيقة التي أبرزت القصة الجديدة ولونها بشكل بديع
تنظر حتى لصندلها الكريستالي الذي أضفى لنقوش الحناء على قدميها ألقا مثيرا
و تنظر بذات الأسى لفستانها الأسود القصير الذي يصل لأسفل ركبتيها
في طراز روماني معلق في أحد الأكتاف بخطوط رفيعة من الكريستال
بينما يكشف الطرف الآخر عن
كتفها المصابة
كـــــــامــــلــــــة!!!



*******************************



باريس
منتصف الليل
شارع الشانزلزيه
شارع العرب المفضل في باريس
والذي أخذ كثيرا من طباعهم وحبهم للسهر والاستعراض
مشاعل تتأبط ذراع ناصر وتهمس برقة: تدري قبل سنتين جابنا مشعل هنا أنا وسلطان وريم
بس ذا المرة عندي غير.. والله غير

ناصر يبتسم: ليه أنتي تبين تقارنين خوتي بخوة مشعل أبو دم ثقيل وإلا سليطين الأذوة؟؟

مشاعل قرصته في ذراعه وهي تهمس بغضب رقيق: حدك ناصر.. كله ولا أخواني

ناصر يدعك القرصة رغم أنه لم يشعر بها حتى.. ويهمس بمرح: يمه.. تصير نمرة مفترسة عند أخوانها..
أمزح أمزح.. أخوانش على رأسي.. وحتى سواقكم وراعي البقالة اللي ناحية بيتكم.. ولا يهمش

مشاعل تبتسم: مليغ

ناصر يبتسم: مليغ بس يحبش

مشاعل تهمس له: وأنا أحب المليغ مع أنه مايستاهل
ثم أردفت برقة: متى نرجع حبيبي؟؟

ناصر بابتسامة: تونا واصلين قبل أمس.. زهقتي مني؟؟
توش تقولين باريس معي غير

مشاعل بخجل: حرام عليك مهوب قصدي.. أنا بس عشان أبي أشتري لمريم هدية عدلة.. وأبي أعرف كم بنقعد
وأبي أشتري للبنات كلهم بعد..

ناصر يضحك: إلا العنود

مشاعل باستغراب باسم: أمحق أخ.. ليش يعني؟؟

ناصر يبتسم: تأديبا لها عشان ماتبي ترجع لفارس.. حرقت قلب الولد

مشاعل ترفع حاجبها: ياسلام وأنت بتصف مع حزب الرياجيل حتى على أختك

ناصر بحنان: فديتها أختي.. هي صحيح دلوعة.. بس والله ما شفت أذرب منها ولا آدب.. ولا أطيب من قلبها وسموحة خاطرها
بس أنا مايهون علي فارس.. أدري إنه متولع فيها

مشاعل تشدد احتضانها لعضده وهي تضع رأسها عليه: والعنود متولعة فيه...و هي ورجالها يعرفون يحلون مشاكلهم
مثل ماانحل اللي بيننا.. مصير اللي بينهم ينحل إن شاء الله

ناصر بحنان: ليه هو كل الحريم مثلش؟!! مافيه مثلش ياقلبي

مشاعل ببعض حزن: إلا قلها بصراحة.. أنت اللي مافيه مثلك
بس أنا جننتك
تدري ناصر أنا أقرب وحدة في خواتي لأمي.. ودايما تدعي لي
والأكيد ياناصر إنك أنت بركة دعاء أمي لي.. الله خلاك من نصيبي
الله لا يحرمني منك.. والله مثلك في الرياجيل مافيه



************************


واشنطن
شقة مشعل
بعد صلاة العصر


هيا صلت العصر
ثم انشغلت في إعادة ترتيب ملابس مشعل وكتبه فهي انتهى وحمها من غرفته منذ عدة أيام
وعادت للنوم فيها منذ أيام فقط وهي ترى أن الكثير من الأشياء يحتاج للترتيب
بعد أن كانت تترك له سلة الملابس المكوية على باب غرفته ليدخلها بنفسه
لذا كان كل الترتيب يفتقد لمستها الحانية الدقيقة

رن هاتفها
ابتسمت: أهلا مدام يوسف

باكينام بابتسامة تخفي بها حزن غير مفهوم: هو يوسف فاكر المدام أصلا

هيا بابتسامة خبيثة: بعده ما أتصل من يوم خذش من عندي قبل أمس

باكينام تنهدت: اتصل امبارح..كلمتين وئفل
ازيك؟؟ عاوزة حاجة؟؟
وبس

هيا بابتسامة متسعة: والله العظيم حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفي المسكين

باكينام بألم تخفيه بابتسامة: أعمل فيه الجزمة الئديمة اللي في دماغي على ئولتك
ثم أردفت: سيبك مني أنا ويوسف.. تيجي تزوريني؟؟ هاطئ من جنابي

هيا تضحك: تطئي ما تطئي.. ما أقدر.. عندي ترتيب كثير لازم أخلصه

باكينام باستعجال عفوي: هاكلمك بعدين ونتفاهم.. الجرس بيضرب.. يارب يوسف

هيا تضحك على جنون باكينام المستعصي وهي تعود للترتيب

"هاه ما أسرع سويتي الجزء الثاني.. بديتي تدورين الروج والعطر؟!!"

صوته المرح العميق قاطع ترتيبها

التفتت للقامة المديدة التي تتسند على الباب وابتسمت: سخيف.. والله العظيم حدك سخيف

اقترب منها وهي تجلس على الأرض وترتب..أوقفها بحنو وخفة وهمس لها بحنان مصفى:
لا عاد تجلسين على الأرض كذا.. هذا أولا
ثانيا: يا ويلش تقولين سخيف ذي مرة ثانية

هيا تبتسم برقة: وأنا وش أسوي يوم تستفز أعصابي يعني.. ماعندي إلا ذا اللسان
هذا أولا
ثانيا: خلصنا من الجزء الأول والثاني.. أبي أرتب ذا العفيسة اللي اسمها غرفة
ثم أردفت بمرح وهي تقبل عضده: لكن إن لقيت شي من اللي أنت تقوله
خل عمتي أم مشعل ترحم على روحك بس



**************************



ليل الدوحة المتأخر
بيت محمد بن مشعل

غرفة مريم

مريم صلت قيامها.. وأنهت وردها.. وتمددت تريد النوم
ولكنها سمعت الخطوات الرقيقة إياها التي تسهرها كل ليلة

ابتسمت مريم: الله كاتب علي الشقا كل ليلة
كنت مرتاحة منش يوم كنتي عند فارس

كان الرد قفزة ناعمة لجوارها.. ثم جسد لين معطر يتمدد في حضنها
وهي تهمس بمرح عفوي: شأسوي أنا وحدة تعودت أنام في حضن
أول أنتي
ثم فارس.. وفارس بعد مهوب أي حضن.. طول الليل خانقني.. ما يخليني أبعد عنه حتى سانتي واحد
تعودت ما أنام إلا مخنوقة

همست لها مريم بحنان وهي تحتضنها برقة: اشتقتي له؟؟

تصلب جسد العنود وشعرت مريم بذلك والعنود تهمس بحدة: لا ما اشتقت له.. يخسي
ثم تنهدت وهي تسيطر على أعصابها: لكن باشتاق لش انتي عقب كم يوم

حينها تصلب جسد مريم لتشعر العنود بهذا التصلب وتهمس لها بحنان لتزيل توترها: ترا سعد والله يجنن
شفت صوره عند عمتي أم فارس.. ياي يامريم.. وش ذا الرزة؟؟ وش ذا الثقل؟؟
وإلا شكله في اللبس العسكري وااااااو.. وااااااااااو يطير العقل

كانت العنود مستغرقة في وصف سعد الذي كان فيه جزء من الحقيقة وأجزاء من المبالغة تحاول بها تنحية المشاعر السلبية عن مريم
حينها مريم قاطعتها وهي تهمس بهدوء: العنود ترا شكله ما يهمني.. حتى لو كان أبشع رجّال في العالم.. أنا وش يهمني؟؟ بأشوفه يعني؟؟
حتى أخلاقه.. أدري الكل يمدحه.. لكن الرجّال مع مرته غير..
والشيء الثاني أخاف إني أنا اللي ما أعرف أشلون أتعامل معه

العنود تبتسم: أنتي بس خليه لين يشوفش ويعرفش.. والله لا تضيع علومه أول وتالي
ريحي أعصابش ولا تتوترين.. ماباقي على عرسش شيء

كانا في حوارهما حين رن هاتف العنود.. كانت موضي تطلب منها أن تنام عندها
وتخبرها أنها ستفتح الباب وتنتظرها عنده

همست العنود لمريم: الله ريحش من إزعاجي.. بأروح أقط غثاي على موضي

مريم بتساؤل: إلا صدق راكان ليش مامر علينا حتى قبل يسافر مرة ثانية؟؟

العنود تستعد للخروج: سافر مع الديوان مستعجل.. اتصل في أمي وقالها



***************************


قبل ذلك بعدة ساعات
بيت جابر بن حمد

غرفة معالي حيث كانت تجتمع هي وشقيقتيها ويدور بينهما حواراتهما المعتادة
بين الدراسة والتعليقات

كان الباب مفتوحا.. وأصواتهن عالية
دخل عليهن حمد الذي كان عائدا من العشاء ومتوجها لغرفته.. وجذب انتباهه الصوت
صمتن ثلاثتهن بتوتر.. خفن أن يؤنبهن أو يوبخهن على علو أصواتهن

ابتسم: أما أشكالكم وانتو عويناتكم ترمش من الخوف تونس

معالي بنصف ابتسامة: والله خايفين تدبغنا على الأصوات الجهورية الجميلة اللي كان لي أنا النصيب الأكبر منها

حمد توجه لسريرها وجلس جوارها ثم احتضن كتفيها بحنان: تستاهلين من يدبغش ويكوفنش شوي.. بس ذا المرة سماح

قفزت معالي لتخلع نظارته ثم تقبل عينيه: جعل عيونك الأربع كلها سالمة

حمد يضحك: احشميني يا بنت.. أنا بو أربع عيون

معالي تنظر للنظارة في يدها وتشير لها وهي تهمس بمرح: والله أنا ماقلته.. هذي تقوله

حمد يلتفت لعلياء وعالية الصامتين: وهذولا وشفيهم كنهم عجايز ماكول عشاهم
وإلا معالي محرمة عليكم الكلام..؟!
وإلا أكيد خلصت الحكي عليكم؟!!

الاثنتان في نفس الوقت: لا والله فديتك

أشار حمد للناحية الأخرى جواره لتجلسا فيها كلتاهما ثم همس بهدوء أبوي:
أشرايكم أوديكم ذا الويكند أي مكان تبونه؟!!

الثلاث صرخن في وقت واحد: أي مكان؟؟

حمد بابتسامة: خرقتوا أذني.. إيه أي مكان
الشاليهات.. دبي.. البحرين.. الخبر
أي مكان

معالي تهمس قبلهم: هذي تبي لها تفكير.. ممكن؟؟

حمد يهمس لهن بحنان: لا ما تبي لها تفكير.. لأنه كل أسبوع بأوديكم مكان
فاللي منتو بجاينه ذا الأسبوع تجونه الأسبوع الجاي

الثلاث بتأثر: صدق حمد..؟!!

الفتيات الثلاث كان سفرهن نادرا.. فوالدهن رغم استطاعته المادية ولكنه رجل كبير في السن.. ويخاف أن يسافر بهن إلى أي مكان..
وحمد طوال عمره كان لاهيا في عوالمه.. بل حتى في داخل قطر هناك الكثير من الأمكنة اللاتي لم يزرنها والتي تحتاج لوجود رجل معهن
ووالدتهن بحرصها الشديد عليهن كانت تبالغ في الخوف عليهن
لذا كن دائما يشعرن بنقص ما.. وهن محرومات من رفقة شقيق لهن ككل الفتيات..
لم تكن السفرة تهمهن بقدر فرحتهن باهتمام شقيقهن بهن


حمد أجاب بحنان مصفى: أكيد صدق
ومن الحين فكروا في المكان اللي تبونه عشان سفرة الصيف اللي بتكون طويلة طويلة
تدللوا بس!!!
*************************************
.
.
قسم راكان
قبل أذان الفجر


الفتاتان مازالتا ساهرتان تتحدثان
تتمددان على السرير
موضي كانت قد أخذت إجازة في الغد على اعتبار عودة راكان
والعنود ليس لديها سوى محاضرة واحدة عصرا
لذا قررتا ألا تناما إلا بعد الصلاة

العنود تهمس لموضي: موضي الأكل اللي برا شلتيه أو لا؟؟

موضي تبتسم: أكيد شلته

العنود بابتسامة: أما راكان ذا ماله في الطيب نصيب.. فاته ذا الحلويات كلها
أحس بطني بينفجر من كثر ما كلت

موضي بعذوبة: فيه عوافي ربي لبطنش

العنود برقة: بس أنتي ماكلتي شيء

موضي بهدوء: والله ماني بمشتهية..
وعلى فكرة ترا الحلو اللي عجبش.. يحبه فارس موت

همست العنود بألم غريب: أدري.. أنا صرت أحبه من عقبه

موضي برقة: ولمتى والوضع على ماهو عليه؟؟

العنود برجاء عميق: تكفين موضي قفلي ذا الموضوع
ثم أردفت وهي تمسك ذراع موضي: أما الحناء عليش خيال صراحة
خسارة إن راكان ماشافه
ويوم يرجع بيكون بهت.. حرام والله

موضي تبتسم بألم: جعل الحنا وراعيته فدوتن له.. مايهم..

العنود تبتسم: ياسلام على العشاق اللي على مستوى عالي

موضي شهقت بعفوية: عشاق؟؟

العنود ضحكت برقة: عدال على اللي تخرعت.. إيه العشاق.. وإلا بتسوين روحش مستحية علي

ارتبكت موضي ولكنها همست بطبيعية ومرح مصطنعين: تحشمي عنودة..
هذا شيء ما تعرفينه.. إذا كبرتي شوي قلت لش

موضي صمتت
وكلمة "عشاق" ترن في رأسها كالمطارق
"عشاق" أم "أصحاب" ؟!!
عشاق؟!
أصحاب؟!
عشاق؟!
أصحاب؟!
اليوم التالي
قبل صلاة الظهر بساعة


موضي صحت من نومها قبل العنود
تنظر للفتنة الطاغية النائمة بجوارها..وتبتسم
(ما ألوم فارس بيستخف عليها
شوفتها حتى وهي نايمة تفتح النفس)

ثم شهقت وهي يخطر ببالها شيء
( فارس يبي يشوفها.. وهذي أحسن فرصة
خلني اتصل له)

نهضت بهاتفها وخرجت للصالة
اتصلت بفارس

فارس بهدوء: هلا والله بالشيخة موضي

موضي تبتسم: وهلا والله بالشيخ فارس.. وينك؟؟

فارس بثبات: في الشغل

موضي بخبث رقيق: تقدر تجيني خلال نص ساعة

فارس بنخوة: أفا عليش.. أقدر.. آمريني

موضي تبتسم: فازع الأخ.. مشكور ما نبي فزعة
تعال عشان أوريك مرتك اللي نايمة عندي البارحة

فارس تنهد وهو يهمس بثقة: ما أقدر أجي

موضي باستغراب: مهوب توك قبل يومين.. تقول أبي أشوفها أسرع وقت

فارس بثبات حازم: هذاك قبل يومين.. أشياء كثيرة تغير خلال يومين
مشكورة وما أبي أشوفها

موضي هزت كتفيها: كيفك

فارس أغلق هاتفه وهو يسب كبريائه المقيت.. كم هو مشتاق لها!!
كم هو مشتاق!!
يكاد يذوب اشتياقا
ولكن يستحيل أن يعبر لها عن اشتياقه بعد كلامها الحاد معه في مكالمتهما الأخيرة
فإن كانت غاضبة منه
فهو الآن غاضب منها



*****************************



بعد ثلاثة أيام
يوم الخميس
يوم زواج مريم
بيت محمد بن مشعل


الترتيبات على قدم ساق في كل أرجاء البيت
لطيفة تقود الترتيبات تساعدها موضي وأم فارس
والجو مازال منعشا لطيفا وخصوصا في الليل لذا تقرر ترتيب الحديقة الشاسعة خلف المنزل للحدث

موضي ولطيفة تغطيان وجيههما بالأجلة من فوق النقابات لإبعاد أشعة الشمس
ولطيفة تهمس: خلينا نخلص قبل الصلاة

تهمس موضي: هاه..صرتي تصلين ؟؟

لطيفة بهدوء: الحمدلله.. أصلي من البارحة

موضي خطر لها خاطر صادم وبصورة مفاجئة
فهي للتو انتبهت لشيء ما
حين سألت لطيفة إن كانت تصلي الآن
فأجابتها لطيفة بالإيجاب
انتبهت أنها تصلي منذ وقت طويل دون انقطاع
تذكرت أن آخر دورة جأتها كانت في لندن قبل أكثر من 6 أسابيع
لا تعلم كيف لم تنتبه قبلا
انشغل تفكيرها بالكثير من الأشياء
راكان وعملها ثم بطولة راكان ثم مساعدة لطيفة في التجهيز لمريم
توتر عميق اغتالها
أ يعقل؟؟
أ يــعــقــل؟؟
أ يــــعــــقــــل؟؟

حتى أنها في الأيام الاخيرة ماعادت تشتهي الطعام
بل ورجعت مرتين
كيف لم تربط؟؟ كيف؟؟
هي أرجعت ذلك لغياب راكان.. وتأثرها لغيابه
لأنها لم يخطر ببالها ولا حتى لجزء من الثانية
ولا للحظة
أنها ربما تكون

حــــــــــــامـــــــــل


شعرت أنها عاجزة عن الوقوف
فجلست على أحد المقاعد

همست لطيفة بقلق: موضي وش فيش؟؟

موضي بنبرة حاولت أن تكون طبيعية: مافيني شيء..خلينا ندخل داخل

موضي لا تريد أن تخبر أحدا حتى تتأكد
بل إذا تأكدت.. لن تخبر أحدا أيضا

تشعر بخجل كاسح
وترقب موجع
تخشى أن تكون حاملا
وتخشى أكثر ألا تكون

تخشى أن تكون حاملا لأنها لا تريد أن تربط راكان بها وكأن الله عز وجل يعاقبه على تهوره لليلة واحدة
فربما كان لراكان مخططات أخرى بعيدا عنها
ربما كان يريد زوجة أخرى هي من تكمل معه حياته.. وتكون هي أم أولاده
تبدو الفكرة متوحشة لها في قسوتها.. ولكنها من أجل راكان قد تفكر بكل شيء


وتخشى ألا تكون حاملا
فالبنون هم نعمة عظيمة من الله.. فكيف وهذا الطفل هو بعض من رائحة راكان ستنمو في أحشائها؟!!!
منذ خطرت الفكرة ببالها وهي تمسح بطنها بيدها بسعادة غريبة موجعة

(أ يعقل أن أصبح أما
ولطفل يكون والده راكان
أي طفل رائع سيكون؟!!
تكفيه جينات راكان ليكون الطفل الأروع في العالم
يا آلهي ..يا آلهي
بدأت يداي ترتعشان من مجرد تخيلي لفكرة حمله بين يدي
وضمه إلى صدري
أحقا.. ابني أنا؟؟ أو ابنتي؟؟
طفلي أنا.. مزيج مني ومن راكان
رحماك ربي.. لا أحتمل كل هذه السعادة)



*****************************



مازلنا في بيت محمد بن مشعل
قبل الظهر
غرفة مريم


العنود بقلق: أنا أبي أعرف وش اللي موترش كذا؟؟ طول عمرش أكثر حد يمسك أعصابه

مريم بحزن: يعني عاجبش إنه عرسي اليوم وأخواني مافيه حد منهم موجود إلا مشعل

العنود تبتسم: فديت قلبش.. ناصر وصل أصلا .. وراح رجّالي المبجل المغرور عشان يجيبهم من المطار

مريم بتساؤل: وراكان؟؟

العنود بطمأنة: توه اتصل في أمي.. يقول طيارته الساعة وحدة
يعني أنتي خلش في نفسش ولا تدورين شيء يوترش

وهما في حواراتهما دخلت عليهما لطيفة وموضي

لطيفة جلست بجوار مريم
بينما موضي جلست على الأريكة بعد أن سلمت وصمتت وأفكارها تأخذها للبعيد وجلا وقلقا وتوترا ولهفة

لطيفة تهمس: شأخبارها العروسة؟؟

مريم بهدوء: أنا زينة.. بس الظاهر أنتم اللي هلكانين تعب..

لطيفة بمودة: تعبش راحة.. ليت كل التعب مثل تعبش

ثم مالت على أذن مريم تهمس في أذنها: مريم أنا وديت أغراضش كلها البارحة لبيت سعد.. وأم فارس راحت معي
شوفي أنا بأشرح لش الترتيب حبة حبة.. بس أهم شيء
قميص نومش أنا حطيته في دولاب بروحه.. الدولاب اللي في غرفة الملابس ناحية الحمام على طول هو وصندله والأغراض اللي ممكن تحتاجينها أول ليلة
وبلاها نظرة الرعب اللي في وجهش ذي.. أنا منقية لش قميص فخم ومستور
ولازم تراعين يامريم يا قلبي.. حتى لو أنتي ما تشوفين إنه سعد يشوف


حينما طال الهمس بين لطيفة ومريم.. العنود تمددت على الكنبة وهي تضع رأسها على فخذ موضي
موضي تداعب شعر العنود بحنو.. والعنود تهمس لها: وش سويتي بحناش؟؟ يهبل اليوم

موضي تبتسم: رحت البارحة وخليتها تعيد عليه.. النصابة خذت مني ضعف سعره.. تقول الإعادة صعبة وحساسة ومتعبة

العنود تضحك: ماعليه يستاهل أبو محمد.. وعقبه طلعي اللي دفعتيه من ورا خشمه

موضي تضحك بعذوبة: لا توصين حريص

وهما في حوارتهما سمعا صوت (هرن) سيارة.. لطيفة أطلت مع النافذة.. ثم همست بحماس لطيف: مشاعل وناصر وصلوا.. والظاهر فارس يبي الخدامات يأخذون الشناط

لطيفة وموضي كلتاهما أنزلتا نقابيهما على وجيهما وألتفتا بالأجلة الواسعة ونزلتا لاستقبال شقيقتهما وزوجها

حين تأكدت العنود من خروجهما أطلت مع النافذة
كانوا ينزلون من السيارة
وفارس لأنه لم يسلم على مشاعل في المطار نزل ليلف لناحيتها وليحتضنها بحنو
مشاعل وضعت يدها على خد فارس وهي تهمس بحنان:
وش فيك ياقلبي.. ليه شكلك تعبان كذا؟؟

فارس وضع يده على يدها باحتواء حانٍ وهمس بهدوء ودود: مافيني شيء.. ضغط شغل بس

مشاعل بهمس عميق: متأكد إنه ضغط الشغل بس؟؟

ابتسم فارس: خليها على الله
ثم عاد لاحتضانها وتقبيل رأسها

ناصر بمرح: مسختوها.. وأنت لا تأكل مرتي.. وخر عنها.. تراني أغار عليها

فارس يلتفت عليه ويبتسم: غارو عليك القوم.. قول آمين.. خواتي أحبهم على كيفي مالك شغل

وإذا كان ناصر ادعى الغيرة من باب المرح.. فإن غيره شعر بها فعليا
لم تكن غيرة بقدر ماهي غبطة
كانت تنظر لهم من الأعلى
تنظر لمشاعل وكفها تسكن على خده.. ثم وهي تسكن بين أحضانه
تمنت بعمق موجع أن تكون مكانها
فكم اشتاقت لأحضان هذا اللئيم الكريه المغرور!!
لحضنه الدافئ كدفء الحياة
العابق دائما وأبدا بدهن العود الذي تشبعت به مسامات جسده
تشعر الآن كما لو كانت تشعر بقوة ذراعيه وصلابة صدره وتشتم رائحته وهي تحتضن نفسها بذراعيها
حتى لا تضيع في هذا الفراغ الموحش بعيدا عنه

انتزعها من أفكارها صوت مريم: العنود شتسوين؟؟

العنود بتلقائية: أشوفهم مع الدريشة

مريم ابتسمت: تشوفينهم كلهم وإلا تشوفين واحد محدد؟؟

العنود بشفافية: اشتقت له النذل

مريم تبتسم: اشتقتي له!! ونذل!! أشلون تجي ذي؟؟

العنود تبتسم وهي تمسح دمعة فرت من طرف عينها: هي كذا
ثم أردفت بحزن: بس والله العظيم قلبي آجعني.. شكله تعبان

مريم بشجن: الشوق ما يسوي

العنود هزت كتفيها بألم: لا تخافين عليه.. يمكن مشتاق لروحه



******************************



بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة الواحدة ظهرا


لطيفة بعد السلام على شقيقتها مشاعل والانتهاء من تجهيزات الحفل الأولية
قررت العودة لبيتها لترتاح قليلا قبل أن تعود لبيت عمها بعد صلاة العصر
لاستكمال الترتيبات وللتزين حيث ستأتيها المزينة هناك

وهاهي تتمدد على سريرها بعد أن استحمت
دخل مشعل
كان يريد استبدال ملابسه والتوجه للمطار لإحضار راكان الذي سيصل في حدود الساعة الثانية
وجد لطيفة متمددة على جنبها وظهرها ناحيته.. فتمدد بجوارها بخفة وهو يطبع قبلة دافئة على كتفها ويستنشق رائحتها العطرة بعمق
همس لها بحنان: عسى ما تعبتي؟؟

همست بهدوء وعيناها مغلقتان: شوي

اقترب منها أكثر ليلصق صدره بظهرها ويحتضنها بحنو وقوة ويهمس في أذنها: أحجز للعمرة عقب 3 أيام إن شاء الله؟؟

همست بذات هدوؤها: مثل ماتبي

مشعل بات يشعر بضيق حقيقي من برودها الفعلي معه
هاهو يحتضنها ويشعر كما لو كان يحتضن جثة هامدة
لم يعد يشعر بأي رغبة للاقتراب منها.. ولكنه لديه دائما أمل أن لمسته القادمة ستلقى مصيرا مختلفا
أن لمسته القادمة ستحتوي لطيفة المتدفقة الدافئة التي أضناه اشتياقه لها

نهض وابتعد عنها وهو يهمس بهدوء موجع: أنا طالع المطار أجيب راكان



***********************



قسم راكان

الساعة الواحدة والربع
موضي تريد أن تبدأ التأنق استعداد لحضور راكان
وهي تحاول أن تتناسى فكرة الحمل التي باتت تسيطر عليها وتخاف منها وتسعدها
تريد أن تشتري اختبارا للحمل.. وتهاب الخطوة
لذا قررت تأجيل هذه الخطوة قليلا

رن هاتفها
التقطته بقلق: أشلون تدق تلفون وأنت المفروض في الطيارة؟؟

راكان بهدوء حذر: لأني مانيب في الطيارة

موضي بجزع كاسح: ليه وش فيك؟؟

راكان بثبات حنون: والله مافيني شيء.. بس واحنا في المطار وبنطلع للطيارة واحد من ربعي انفجرت معه الزايدة
ماقدرت اخليه وأنا الحين معه في المستشفى

موضي بألم: يعني ما كان فيه غيرك يقعد معه؟؟

راكان برجولته المصفاة: تدرين أنا اللي لازم أتهور وأعرض خدماتي..وأحلف على الباقيين..
حلفت على ربعي الباقيين يسافرون وأنا باقعد معه لين يجي أخيه

موضي بوجع عميق: جعل عمرك طويل وفزعتك ماتوقف
ثم أردفت بتساؤل حزين: زين منت بحاضر عرس مريم كذا؟؟

راكان بهدوء: وش أسوي؟؟ بأكلم مريم وأتعذّر منها
وخليني الحين أكلم مشعل لا يجيني المطار




انتهى الاتصال
ولكن ألم موضي لم ينته..
لم تقل له شيئا ولم تعبر له عن اشتياقها ووجعها
فلم يعد للكلمات معنى
ماعاد لها معنى!!

أي حظ هذا!!
كلما اقترب مجيئه حدث مايمنعه من الحضور
متلهفة لأن يراها بروحها الجديدة
أن يعلم أنها من أجله تجاوزت كل الآلام والذكريات البشعة
وأنه بقي في حياتها ذكرى جميلة واحدة اسمها
راكــــــان



*****************************



بعد صلاة العشاء
مجلس سعد بن فيصل

سعد كان في غاية الهيبة والأناقة في بشته الأسود
ومشعل يجلس جواره بألق مختلف تماما وشديد الإبهار وحزام أسود (مجْند) معبأ بالرصاص يلف عضلات صدره العريض لينتهي بمسدس فخم عند خصره

سعد يبتسم: أنت وش عندك في لبس المجْند.. حتى عرس ناصر وفارس ماشفتك لبسته

مشعل بابتسامة: بتدري عقب إذا زفيناك عند مريم

سعد بذات الابتسامة: زين حن وش مقعدنا؟؟ يالله قومو زفوني

مشعل (بعيارة): يالله جارك من الطفاقة
ترا ذا الحين غير عرسك قبل 16 سنة يوم زفيناك عقب صلاة العشاء على طول
الدنيا تغيرت
اقعد واركد.. بنزفك عشر وإلا عشر ونص

سعد يبتسم: إلا أنت اللي تذكر عرسك.. كان عقبي بسنتين
نبي نزفك.. وأنت تقول شوي.. شوي

مشعل بابتسامة: إيه قالوا لك مطفوق مثلك.. الركادة زينة
ثم أردف وهو ينظر لأولاد سعد الذين كانوا يجلسون مع أولاده ومع سلطان بن عبدالله في الزاوية ثم همس: عيالك وش أخبارهم؟؟

تنهد سعد: والله ما أدري يأخيك.. الأيام اللي فاتت وهم نازل عليهم سهم ربك
ساكتين على طول
حتى فهيدان كان هادي على غير عادته.. الله يعين أختك عليهم

مشعل بثبات: أنا كلمت مريم عنهم واجد.. عشان يكون عندها خلفية عنهم
وخصوصا عن فهيدان ومشاكله
هي بصراحة متخوفة.. بس ظني في مريم ما يخيب.. وإن شاء الله إنها ما تخيبك

سعد بقلق يعيده لعمق مخاوفه: إن شاء الله


زاوية أخرى
فارس وناصر


ناصر يهمس لفارس بنبرة قلق: فارس وشفيك؟؟ شكلك منتهي من التعب
مريض أنت؟؟

فارس يبتسم: مافيني شيء يا ابن الحلال أنت ومرتك تبون تمرضوني غصب

ناصر بهدوء: يمكن لأنه حن اللي لنا زمان ماشفناك.. نلاحظ الفرق

فارس يغير الموضوع: أما أنت ماشاء الله عليك في ذا السفرة
أسبانيا وعقبه فرنسا.. كان كملتوا بعد

ناصر يبتسم ويهمس بمرح: وش أسوي بأختك الدلوعة.. أسبانيا ماعجبتها.. كل شوي هاله الدميعات علي.. وأنا واحد قلبي رهيف مايستحمل
يوم أشوف دميعاتها أخق.. وأعطيها الخيط والمخيط.. لو تبيني أنام واقف نمت واقف

فارس باستغراب باسم: أنت ما تستحي.. اصطلب يارجّال.. تقول مرتك امشيتك على كيفها

ناصر (بعيارة): خلها تمشيني على كيفها.. حلالها.. وش حارقك أنت
جعلني فدوتن لعيونها بس

فارس صمت..
لطالما حسد ناصر على انفتاحه في التعبير.. يعلم أن ناصر رغم مرونته قد يكون آخر من تفرض زوجته عليه شيئا
وأن استجابته لرغبات مشاعل هو شيء من طيب أخلاقه وسماحة خاطره
ولكنه مع ذلك لا يتشدق بسيطرته.. بل يمارسها بشفافية
تنهد فارس..
(ذلك ناصر
وشخصية ناصر
لكن أنا شيء مختلف
ولا أستطيع أن ألبس ثوب غيري)



*****************************



بيت محمد بن مشعل
ليلة استثنائية لعروس استثنائية

الترتيب كان أكثر من رائع.. أكثر من أنيق
والكل يبالغ في الاهتمام من أجل مريم
ربما هي لن ترى الترتيب.. ولكن مقامها عالٍ عندهم جميعا
وبقدر اهتمامهم بمريم كان اهتمامهم بالترتيب والتأنق

المدعوات كن يتوزعن في الحديقة الواسعة خلف البيت
بينما مريم كانت تجلس في مجلس الحريم
مريم كانت ترتدي فستانا أبيض أنيقا فخما كان من اختيار موضي وهي من أصرت عليه وكان معها العنود ولطيفة
وكانت محقة في اصرارها
فمريم كانت آسرة بالفعل وإطلالتها مبهرة لأبعد حد


وهاهن الفتيات يتبادلن بالتناوب البقاء معها أو الخروج للترحيب بالمدعوات
العنود كانت فاتنة في فستان أسود ناعم بالدانتيل الفضي
بينما أميرة اللون الأسود لطيفة تنازلت عنه هذه المرة للعنود لتكون غاية في الإثارة بل فتنة متحركة في فستان أخضر عشبي من الشيفون
مشاعل كانت غاية في الأناقة في فستان باريسي مختلف باللون الذهبي
أما موضي فكانت متألقة لأبعد حد في قصة شعرها الجديدة لذا اختارت لها فستانا بنفس تدرجات لون شعرها الشيكولاته والكراميل

أما أميرات حمد الجديدات فلأول مرة يرتدين الثلاث نفس اللون والفستان..
ومعالي تقرر أن تتكرم وتلبس مثل شقيقتيها.. لأنهن ذهبن لشراء الفساتين مع حمد.. وهو من أعجبه هذا الفستان
لذا قررن ثلاثتهن أن يلبسن على ذوقه.. تعبيرا عن سعادتهن بالمرة الأولى التي يرافقهن للتسوق
وبالفعل كان ذوقه رفيعا ومناسبا وهو يختار فستانا ألوانه خليط من الأبيض والأزرق البحري الذي ناسب حيوية الفتيات وسنهن


موضي تهمس للفتيات الثلاث: ماشاء الله أول مرة أشوفكم ثلاثتكم مطقمين

معالي بشبه توتر وهي تحاول رسم ابتسامة: عشان حمد اللي اختاره قررنا نطقم

موضي ابتسمت بعفوية وهي تقرص خد معالي: حلو ذوقه.. وعليكم بالعافية

معالي بابتسامة: جد؟؟

موضي تبتسم: أبو الجد وأمه.. طالعين روعة.. شيء شيء.. شكلكم بيجيكم معاريس الليلة

معالي وضعت يدها على قلبها: آه ياقلبي.. من بئك لباب السما
خلاص يمكن تجي وحدة تبي وحدة من خواتي البُرص ذولا.. وتقول أبي البنت اللي لابسة أبيض وأزرق.. يقومون يلزقوني فيها
لاني مستحيل انصرف إلا بذا الطريقة..


مشاعل والعنود

مشاعل تهمس للعنود: تراني جبت لش شغلات واجد عشان الجامعة.. جزم وشنط.. بس مابعد لحقت أفك الشناط

العنود تبتسم: لاحقين.. فكيهم براحتش.. المهم حقي محفوظ
ثم أردفت بحزن وهي تنظر لمريم: والله الليلة ما أدري أشلون بأنام.. كل ليلة كنت أنام مع مريم.. والله باشتاق لها

مشاعل بابتسامة: خلاص ولا يهمش أنا بجي أنام عندش

العنود بابتسامة: تتكلمين جد؟؟

مشاعل برقة: أكيد.. بس خليني أستأذن ناصر أول

العنود تبتسم: يا بنت الحلال كفاية عرضش.. تبين ناصر يحقد علي
بأروح أنام عند موضي..


لطيفة تجلس بجوار مريم وتهمس لها بمودة صافية: ماشاء الله عليش طالعة روعة

مريم بحنان مغلف بالتوتر: وين جود ومريوم؟؟ ماسلمت عليهم

لطيفة بحنان: يلعبون برا.. تبينهم جبتهم

مريم بخفوت: ولا عليش أمر

لطيفة تقف لتنادي بناتها وتهمس بمرح: الله لا يحرمهم منش وأنتي متذكرتهم وأنتي في الوضع
وعلى العموم يالله صار عندش ولدين جاهزين.. لا تنسين بناتي زوجيهم فهيدان وفصول..
وخصوصا سميتش اللي سميتها عليش مريوم زوجيها فيصل.. يمدحه مشعل على طول

لطيفة أحضرت ابنتيها لتسلما على عمتهما ثم عادتا للعب بينما كان هاتف لطيفة يرن
كان مشعل يهمس لها بهدوء حازم:
لطيفة وسعوا درب وتجهزوا
بنزف سعد الحين
واشنطن
صباحا
بيت يوسف


كانت ليلة قاسية على باكينام.. لم تستطع النوم إلا بعد صلاة الفجر
كانت تعاني من أرق مزعج سبّب لها صداعا أشد إزعاجا
وتناولت الكثير من المسكنات وبشكل مبالغ فيه وبدون فائدة
حلمت بعشرات الأحلام وكان نومها متقطعا حينا وعميقا حينا آخر
هاهي تفتح عينيها وتغلقها و تشعر بالدوار المختلط بالهلوسات حتى وهي متمددة
عيناها تعاودان الانغلاق وهي تشعر بالنعاس مرة أخرى

كانت تحلم بيوسف
كم اشتاقت له.. باتت تحلم به كثيرا مؤخرا.. بل تكاد لا تحلم بشيء سواه
وهاهي تحلم أنه معها في الغرفة..
تحلم أنها تتمدد على السرير
وتراه يفتح الدواليب وكأنه يبحث عن شيء معين بهدوء خافت وكأنه لا يريد إزعاجها
تهمس له برقة دافئة: يوسف

فينتفض بخفة وهو يهمس لها: صحيتك؟؟

تمد يدها له وهي تهمس برقة مصفاة: لا.. أنا نايمة ماصحيتش

ابتسم لها: حلوة دي

عاودت مد يدها وهي تهمس بخفوت: تعالى حبيبي.. اديني ايدك

انتفض حينها بعنف شديد كما لو كان لسعه تيار كهربائي بالغ القوة وهو يهمس بصدمة موجعة كاسحة: حبيبي؟؟ (نطقها وهو يشدد على كل حرف بوجع)

ابتسمت باكينام بشفافية: آه حبيبي.. تعالى جنبي

يقترب بتوتر بالغ ويجلس جوارها ويعطيها يده.. تأخذ كفه وتضعها تحت خدها ثم تهمس بعذوبة: وحشتني حبيبي.. أهون عليك تسبيني كل ده

يوسف بصدمة حقيقية وعيناه تتسعان: باكينام أنا يوسف

باكينام تبتسم بذات الشفافية: حد يتوه عن ئلبه.. عارفة إنك يوسف.. دي الدنيا كلها مافيهاش رجالة غير يوسف جوزي وحبيبي

يوسف تزداد عيناه اتساعا: باكينام أنتي ماكله إيه؟؟

باكينام برقة: ماكلتش حاجة.. أنا باحلم بس.. باحلم بيك كل ليلة
بس النهاردة الحلم حلو آوي.. خليك جنبي شوية يائلبي
وحشتني خالص..

قالتها وهي تستخرج يده من تحت خدها وترفعها لشفتيها وهي تقبل كل إصبع من أصابعه بعمق واشتياق وهلوساتها تزداد غرابة
حينها بدأت يد يوسف بالارتعاش.. كان عاجزا عن التصديق ومشاعره بدأت تخونه

فباكينام العتيدة ذات الكبرياء العتيد المتأصل لم تكن تحلم.. وهذا الجالس إلى جوارها ليس طيف يوسف.. بل هو يوسف فعلا

يوسف كان في حاجة إلى طقم لباس رسمي يحضر به اجتماعا للجنة المناقشة
لذا حضر في وقت مبكر ليختار له طقما لأنه لم يأخذ معه سوى ملابس قليلة
دخل بحذر
وجد باكينام ماتزال نائمة تغلفها عذوبتها التي لطالما آسرته.. وهو يتذكر أنه كان يقضي معظم الليالي التي قضاها معها في تأملها وهي نائمة
دون أن يشعر بتحفزها أو عنادها.. ويراها سحرا خالصا يستغرق في نوم سماوي

وهاهو يمارس عادته التي اشتاق لها
قضى عدة دقائق وهو يتأملها وألم اشتياقه لها يعتصر شرايين قلبه بقوة

ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يحاول نفض تأثره العميق بها
ليبحث بين أطقمه عن طقم مناسب ليخرج بسرعة
ولكنه ما أن بدأ بالبحث حتى سمع صوتها الناعم يناديه بعذوبة

انتفض بخفة.. لم يكن يريد أن يوقظها ليبدآن نهارهما بمعركة هو في غنى عنها اليوم بالذات

بدت له آسرة وموجعة وهي تفتح عينيها بخفة وتنادي اسمه بأرق طريقة سمعها في حياته..
لم يتخيل أن اسمه بهذه الجمال حتى سمعه بنبرتها التي كانت موغلة في الدفء والعذوبة
ثم أصابته بصدمة أكثر وجعا وبعدا عن التصديق وهي تهمس له بـ "حبيبي"
اعتقد أنها تهلوس.. وتمنى بكل الألم ألا تكون..
كان لكلمة "حبيبي" من بين شفتيها سحرا لم يتخيله موجودا في كل هذا العالم
( أ حقا قالت لي: حبيبي؟!!
وحقا هل أكون يوما حبيبها؟!!
يا لروعة الكلمة من بين شفتيها
أتمنى سماعها بعد.. مرة أخرى بعد
حتى وإن كانت تهلوس
لا تحرمني يا آلهي استمتاعي بهلوساتها)

ولكنه لم يسمعها مرة أخرى فقط بل سمع ماهو أكثر عجبا.. غزلا دافئا رائقا
كلمات حب لم يتخيل أنها في قاموس هذه المغرورة المتكبرة

أما مالم يحتمله مطلقا فهو ملمس يديها ثم قبلاتها تعانق أنامله
بدأ يرتعش غصبا عنها
هو بكل قوته وجَلَده لم يحتمل رقة كلماتها ثم رقة شفتيها على خشونة يديه

حينها أمسك بيدها هو ورفعها لشفتيه ليغمرها بالكثير من قبلاته
وهو يهمس لها بين كل قبلة والأخرى "بحبك"

باكينام كانت تنظر له بشجن ووله عميق وهذا الحلم المشحون بالهلوسات بدا لها أكثر من رائع
ولكن يديه الدافئتين اللتين تحتضنان يدها ثم شفتيه المرتعشتين على بشرة يدها
ثم دفء همساته العميقة الموجعة
بدت أكثر دفئا وصدقا من أن تكون حلما

حينها ارتفع الادرنالين عند باكينام لحده الأقصى لتزول كل أشباح الهلوسات بشكل كامل وصادم لها بشكل مرعب
(أنا كنت بأهبب إيه؟!!)
انتفضت وهي تجلس وتنتزع يدها من بين يديه وتهمس بغضب وهي تريد قلب الطاولة عليه: انته بتعمل إيه؟؟

يوسف يرفع حاجبا وينزل حاجبا: أنا وإلا أنتي؟؟

باكينام بحرج وتوتر: أنا كنت نايمة ومش فاكرة حاجة

يوسف يبتسم نصف ابتسامة: والله؟؟ نايمة؟؟
طيب مش هأعطلك.. ارجعي نامي
أنا جاي أخد لي بدلة عشان اجتماع لجنة المنائشة.. وهامشي
نامي ياحبيبي نامي (قالها وهو يرص على كلمة حبيبي)

باكينام لم تستطع أن ترد عليه بكلمة وهي تبتلع لسانها حرجا موجعا
كانت تعبث بطرف المفرش وهي تتمنى لو تنشق الأرض لتبتلعها
وهي تراه ينتقي الطقم
ثم يلقي عليها التحية ويغادر
وابتسامة شاسعة.. شاسعة جدا ترتسم على وجهه
ابتسامة نصر حقيقي
(لم ترد!!
لم ترد!!
صمتت
أيعقل؟؟
أيعقل؟؟)



***************************





الدوحة
بيت محمد بن مشعل
مجلس الحريم
الساعة العاشرة مساء


البنات ارتدين عباءاتهن وتغطين عدا مشاعل لأنها أساسا شديدة الخجل فهي توجهت للبقاء مع المدعوات المتواجدات في الحديقة خلف البيت
بينما من بقي مع مريم هن لطيفة وموضي والعنود وأم مشعل بن محمد وأم فارس
وبعضا من قريباتهن اللاتي كن قادمات للسلام على مريم
وحين جاءت الزفة التففن بعباءاتهن وجلسن في الزواية

العنود كانت ملاصقة لمريم ودموعها بدأت بالانسكاب وهي تمسك بكف مريم
ومريم عرفت أنها تبكي من صوت النشيج الخافت وهي تحاول التماسك...
فهمست لها بحنو: أنا عارفة إنه المفروض أنا أبكي وأنتي تهديني مهوب العكس

العنود احتضنت كف مريم قريبا من قلبها وهي تهمس من بين شهقاتها: مايهون علي فراقش

مريم بحنان: بس يا الهبلة.. أنا بهاجر يعني.. لطيفة تقول لي بيت سعد ورا بيتنا بشارعين بس

مازالت العنود تحتضن كف مريم.. فسمعا صوت أعيرة نارية تُطلق في الهواء من مكان قريب يبدو كما لو كان من باحة البيت الأمامية
حينها تصلبت أصابع مريم على كف العنود.. فهمست العنود بابتسامة دامعة: لا خلاص فكيني..

مريم أفلتت يد العنود وهي تقرأ آيات من القرآن الكريم والكثير من الأذكار
العنود ابتعدت وجلست جوار موضي
بينما لطيفة اقتربت بسرعة من مريم وهي توقفها ثم تتأكد من شكلها وتهمس في أذنها و تعود بذات السرعة لتجلس بجوار موضي من الناحية الثانية

ليدخل في ذات الوقت سعد يتوسط محمد وعبدالله ومشعل وناصر
ويقتربون بخطوات ثابتة حتى وصلوا لمريم يحيط بهم جميعا ألق رجولي خاص

سعد حينما دخل كان يلفه توتر ما.. ليس شابا صغيرا.. وليست المرة الأولى التي يتزوج فيها ليشعر بكل هذا التوتر
ولكن الاختلاف كان في العروس.. كيف هي عروسه الضريرة؟!!
قِيل له أنه جميلة.. وهو فعلا لا يهمه الجمال مطلقا
ولكن يهمه روحها التي آسرته..أسرته حتى النخاع
الأسر الذي أثار تخوفه فيما بعد
هل تهور في خطبتها؟؟ هل استعجل؟؟ هل هي من تصلح له ولظروفه؟!!

هاهي عيناه تقتنصان البهاء الأبيض
ليتنهد بعمق وترتعش أعماقه.. وهو يتيقن أن أسره هو أسر أبدي سرمدي
تقدم ناحيتها وهي تقف بثبات خجول متوتر
عيناه تطوفان بها

(هل هذه مخلوقة حقيقية أم حورية سماوية؟!!
هل توجد امرأة بهذا الجمال الرقيق
تبدو كما لو كانت تشع.. تشع بكل معنى الكلمة
كما لو كانت محاطة بهالة من نور
تبدو كما لو كنت سأرى ماخلفها لشدة صفائها
وكأنها مخلوق زجاجي كرستالي شفاف موجع في شفافيته وروعته)

كانت مريم تحاول الوقوف بثقة وهي تشتم رائحة خليط من عطور رجالية عرفت أربعة منها.. وخامس مجهول
كانت تقف في فستانها الحريري الأبيض الناصع البياض كأنها حمامة بيضاء تستعد للطيران
كان الحرير مزموما عند صدرها برشات من الكريستال
ليتسع بنعومة في الأسفل
ويبدو على قامة مريم الطويلة شيئا خياليا في أناقته
الكمان مزمومان بطريقة مبتكرة مختلفة الأطوال ونقوش الحناء تزين الظاهر من يديها
لم ترتدِ طرحة ولكن شعرها المتوسط الطول في لفاته اللولبية كان مزينا بمشابك كرستالية موزعة بطريقة أنيقة

كان سعد يتمعن في كل تفاصيلها وهو يحاول جاهدا ألا يعاود النظر لوجهها
لأنه شعر أنه على وشك أن يسكر فعلا من ملامحها المسكرة في رقتها
استدارة وجهها.. عنقها الطويل
أنفها الناعم.. شفتاها الذائبتان فتنة أجبرته على الارتعاش
حتى عينيها الخاليتين من الحياة بدت له مشبعة بالسحر وهما تتسربلان بروح حياة مختلفة
امتدت اختلافها من روح مريم المختلفة التي أضفت على كل شيء ألقا مختلفا ومبهرا
شعر بروحها تناجي روحه فعلا وهو يقترب منها بخطوات هادئة
ليصلها ويطبع على جبينها قبلة دافئة
حينها انتفضت مريم بعنف وهي تتعرف على شفتين مختلفتين ورائحة مختلفة
همس لها بعمق: مبروك

لم تستطع الرد
حينها اقترب منها والدها واحتضنها بحنو وهمس لها بحنان مصفى: مبروك يأبيش

ثم التفت لسعد وهمس له بتأثر: ما أوصيك فيها يابوفيصل ترا مريم غالية غالية..

ابتسم سعد رد عليه بنخوة: في عيوني مايحتاج توصيني

مريم شعرت بالاختناق وهي تشعر بعبراتها تخنقها وهي تعاود الارتماء في حضن والدها.. أعاد والدها احتضانها وأطال
حتى همس لها عبدالله بابتسامة: وخر يامحمد خلني أسلم على بنتي

سلم عليها عمها بحنان شاسع.. وهو يعرف تماما شعورها وشعور محمد فهو زوج ثلاثا من بناته
ويعرف تماما قيمة مريم عند والدها وعندهم جميعا
همس لها عبدالله بحنان: مبروك يا بنتي.. وترا سعد رجّال مافيه مثله
وإن شاء الله إنش ما تضامين في بيته

كانت ترد عليهم بعبارات خجولة هادئة

جاء دور مشعل.. شقيقها الأقرب لها في السن والروح
احتضنها بخفة وحنان عميق ثم همس في أذنها: حسيتي بملمس المجند؟؟
اليوم لبست المجند (قالها وهو يتناول كفها ليجعلها تتحسس الحزام)
مثل ماقلت لش يوم كنا بزران.. إني ما ألبس المجند إلا في عرسش أنتي وبس

حينها أسندت رأسها لكتف مشعل وبكت بخفوت فتأثرها بلغ أقصاه
حينها شد ناصر مشعلا وهمس بمرح: لا تخربين المكياج ما بعد شافش سعد عدل
بيبكي علينا الحين
قالها وهو يقبل جبينها ثم همس لها: مبروك يا شيخة آل مشعل.. مبروك



موضي تهمس للطيفة في أذنها: وش عنده رجالش على المجند؟؟طالع شكله غيييييييير.. المجند الأسود مع بياض غترته وثوبه ورزته شيء خيال
ماتشوفين النسوان بياكلونه بعيونهم.. جعل عيونهم البط.. الله وأكبر عليهم

لطيفة بهدوء: من جدش شايفته غير؟؟

موضي باستغراب: ليه أنتي ماعندش عيون؟؟

لطيفة بذات الهدوء: عيوني تشوفه عادي

موضي تبتسم لها وتهمس: أنتي دايما تقولين إني أم عيون.. لا تخافين ماني بناظلته.. تبين توخرين العيون عنه تقولين عادي.. لا مهوب عادي.. موتي حرة
يجنن ويطير العقل بعد

لطيفة صمتت.. لا تريد أن تُشعر موضي بشيء
لأنها كانت ترى مشعلا بدون أي مشاعر خاصة
مثله مثل أي شخص آخر
بلا إحساس خاص
أو شعور خاص
أو أي شيء
إطـــــلاقــــا!!!

"أحقا يا لطيفة ترينه كما ترين الآخرين؟!!
أحقا؟!!"


أم فارس اقتربت من سعد وسلمت عليه بسعادة غامرة.. ولكن يشوبها شيء غامض من الحزن
سعيدة وهي ترى الفرحة في عيني سعد بعروسه الجميلة
نعم هي لم تخبر سعد بمقدار جمالها ولكنها أخبرته أنها جميلة بدون تفصيل لأنها لا تريده أن يتولع بها
لأنها كانت تتمنى في داخلها وحتى اللحظة الأخيرة أن سعد قد يتراجع عن فكرة الزواج
(فما فائدة الجمال لضريرة؟؟ هل سيقوم مقام عينيها؟!!)

وأم فارس مثلت شريحة من تفكير كثير ممكن كانوا يرون مريم.. وإذا كانت أم فارس لا تصرح بهذا الرأي
فغيرها صرّح ووصل رأيه لمريم حتى
(ماذا ستفعل هذه الضريرة بكل هذا الجمال؟؟
مادامت لا تراه
ويستحيل أن تتزوج
وإن تزوجت ستتزوج ضريرا مثلها
فما ستسفيد بهذا الجمال الضائع هباء؟؟ أ ليس غيرها أولى به؟؟)

لم يراعوا مطلقا مشاعرها.. وكأنهم استكثروا عليها أن يمن الله عليها بالجمال بعد أن اختبرها الله بأخذه نور العينين
رغم أن مريم وفقا لمقياس الجمال الموضوعي لم تكن بذلك الجمال المبهر..
ومع ذلك هناك من استكثر عليها جمالها الطبيعي..
استكثر عليها أن يعوضها الله بجمال لا تراه لأنها لا حاجة لها به من وجهة نظرهم..
وكأنهم كما يقول المثل الشعبي "يحسدون الفقير على موتة يوم الجمعة!!"
وكأن من ابتلاه ربنا بإعاقة لا بد أن يُحرم من كل شيء!!
ألا يعلمون أن الله أرحم بعباده منهم على أنفسهم.. وأنه ما أخذ من عبده شيئا إلا عوضه خيرا منه.. في الدنيا أو يدخرها له في الآخرة.

والصفة التي كانت تتميز بها مريم فعلا هو صفاء بشرتها وشفافيتها وكأن صفاء روحها انعكس على شكلها


سعد همس لأم فارس أن تلبس مريم عباءتها ليذهب بها لبيته
ولطيفة كانت قد جهزت لها كل شيء
لذا تناولت أم فارس العباءة وساعدت مريم على لبسها بدون أن تفسد شعرها أو مكياجها
وخصوصا أن المسافة قريبة جدا
السيارة تنتظر عند باب الصالة الرئيسية مباشرة ثم ستنزل في باحة بيت سعد

سعد تناول كف مريم.. شعر كما لو أن يدها ستذوب في يده من شدة نعومتها..
مازال يذكر المرة الوحيدة التي رآها فيها.. لم ير شيئا سوى يدها التي انبهر بصفائها ونعومتها من بعيد
فكيف وهي تسكن يده الآن.. ويده تحتوي نعومتها المصفاة
شعر بيدها ترتعش بعنف بين أنامله.. همس لها بحنان رجولي عميق: لا تخافين

همست مريم بوجع: تكفى لا تطيحني

شعر سعد بألم عميق.. أن تكون الجملة الأولى التي تقولها له خوفا من السقوط وهي تجسد مأساة عماها بوضوح أمامه


كان مشعل هو من سيأخذ سعد ومريم بسيارته
وأم فارس ستتبعهم مع سائقها الذي ينتظرها في الخارج لتتأكد من وضع مريم قبل أن تعود لبيت محمد بن مشعل مرة أخرى

خرج سعد وهو يقود مريم بحذر بينما توجه الآخرين للمجلس
والعنود حينها توجهت لأم فارس وهمست باحترام: يمه بتروحين مع مريم؟؟

أم فارس بمودة: إيه يأمش

العنود بحذر: من اللي بيوديش

أم فارس بعفوية: سواقي واقف برا

تنهدت العنود براحة: زين بأروح معش.. ممكن؟؟

أم فارس بود: أكيد يأمش.. يالله

الجميع خرجوا

سعد مازال لا يعرف كيف يقودها بالطريقة الصحيحة
كان يمشي بها ببطء حتى وصلا لسيارة مشعل وفتح لها الباب
دخلت للسيارة بصورة طبيعية
وحين تأكد سعد من جلوسها أغلق الباب وتوجه للباب الآخر وجلس جوارها
همس مشعل بمرح: أنت يأخ أنت تعال اقعد جنبي تراني ماني بسواقكم

سعد بمرح مشابه: مهوب حولي.. مكاني جنب المدام.. ماتبي تسوق فينا؟؟
حول وخل سواق بيت فارس يودينا.. هذا هو واقف عقب ماطرده فارس من السيارة

مشعل يبتسم: خلاص بأعديها لك عشان خاطر مريم.. أنا سواق مريم.. لكن أنت تخسى

أم فارس توجهت لسيارتها بشكل مباشر والعنود تتبعها
أم فارس تلبس نقابها لذا ترى بوضوح.. ولكن العنود كانت تغطي وجهها بطبقتين من الشيلة حتى لا تفسد مكياجها وشعرها
لذا كانت لا ترى سوى خيالات وهي تتبع أم فارس

ركبتا كلتاهما
فور ركوبها سمعت آخر صوت تتمنى سماعه وأكثر صوت تتمنى سماعه
كان يستعد للتحرك وهو يهمس بحزم بصوته الخشن العميق: يمه أشلون تبين تروحين مع السواق بروحش مامعش حد من الخدامات
أنا كنت جاي مع خالي سعد باوصله للباب وبارجع
ويوم شفت السواق ينتظرش وهو مامعه حد... قلت له ينزل

أم فارس صُدمت وهي ترى فارس من يقود السيارة.. لم تعرف ماذا تقول
ولكن غيرها تجاوز الصدمة للتصرف
العنود فتحت الباب رغم أن السيارة كانت على وشك التحرك
حينها انتبه فارس للمخلوق الآخر الجالس جوار أمه وخلفه مباشره.. وعرفه... تصاعدت دقات قلبه بشكل هستيري وهو يراها قريبة منه هكذا
أوقف السيارة بشكل حاد.. كانا مازالا في باحة بيت محمد
نزل فارس وهو يرجع لناحية باب العنود التي كانت فتحت الباب وعلى وشك النزول والهرب

همس لها بغضب ناري وهو يفتح الباب على اتساعه ويقف في مدى انفتاحه: أنتي مجنونة؟؟ تبين تنزلين والسيارة تمشي؟؟

العنود لم ترد عليه وهي تنزل لم تكن تريد الانتظار أو البقاء معه في ذات المكان لدقيقة إضافية بعد
فهي منذ المرة الأخيرة التي رأته فيها وهي تخشى أن تنهار في حضرته
ولكنه كان يسد الباب بجسده الضخم
لم تهتم وهي تنزل فعليا ليلتصق صدرها بجسده وهي تهمس بصوت مبهور الأنفاس: وخر خلني أروح

لم يتحرك..
عاجز عن التحرك.. كأنه مقيد للجسد اللين الغض الملتصق به
رأسها تحت ذقنه ورائحة عطر شعرها تسللت لأنفه لتثير مشاعره المنهكة بعنف
العنود باتت عاجزة عن التنفس وهي تشعر أنه سيغمى عليها فعليا
وآخر ما تريده أن يغمى عليها بين يدي فارس
وضعت كفيها في منتصف صدره ودفعته.. شعرت كما لو كانت تدفع حائطا لا يتزحزح
همست بجزع: تكفى فارس وخر.. وخر.. طالبتك وخر.. وخر

فارس استجاب آليا لها وهو يتنحى جانبا.. لتركض هاربة وهي تتعثر في خطواتها عائدة للداخل

فارس عاد لمكان السائق وهو يعتصم بالصمت وشعور حزن عميق يتسلل لروحه ويُضاف لأحزانه
لهذه الدرجة لا تريد رؤيته ولا تريد قربه!!
تهرب منه كما لو كانت تهرب من وباء معدٍ
أي تعقيدات باتت تتشابك بينهما؟!!
كل يوم يحلم أنها هذه الليلة ستنام في حضنه
ليجد في اليوم التالي أن الحلم أصبح أبعد وأبعد
****************************



بيت سعد بن فيصل
الساعة العاشرة والنصف مساء
باحة البيت الأمامية

سيارة مشعل تتوقف
ومريم تتنهد بعمق.. فهي كانت متوترة طوال المشوار القصير
رغم أن سعدا لم يجلس ملاصقا لها حتى.. وهو يتركها بحريتها ويترك بينهما مسافة فاصلة

سعد نزل ثم دار من ناحية باب مريم وفتح لها الباب وساعدها على النزول
وهي ماتزال تنزل كانت أم فارس تصل وتساعدها بدورها
حتى أدخلتها للبيت وساعدتها على خلع عباءتها بخفة
سعد مد يده لها وهمس لها بحنان: يالله بنطلع فوق
حينها تنهدت مريم وهي وهي تدخل ذراعها في ذراعه وتحتضن عضده بخجل
لم ترد أن تكون ضريرة تحتاج من يقودها
بل عروسا ذراعها في ذراع عريسها

تأثر سعد بعمق من حركتها المحتمية العميقة فوضع كفه الثانية على كفها الساكنة على ذراعه وهمس لها: سمي بسم الله

همست بخجل: بسم الله
هنا كانت تجهل الاتجاهات تماما
لذا تعلقت به بقوة أكبر وهي تخطو خطوتها الأولى
وكلما شدت على ذراعه كلما انتفض قلبه تأثرا
همست بخجل: آسفة لو ضايقتك.. بس أنا خايفة لأني مادل في بيتك

همس لها بابتسامة ودودة: تدرين؟؟ بادعي إنش ما تدلين.. عشان تبقين متقبضة فيني كذا

مريم شعرت بالخجل فأرخت قبضتها قليلا.. فهمس لها بمرح: خلاص يا بنت الحلال سحبت كلامي

وهو يتكلم مع مريم لمح أم صبري التي وصلت من يومين تطل عليهم بحرج
نادها باحترام: أم صبري تعالي

تقدمت العجوز الممتلئة قليلا بملامحها الودودة وهي ترتدي جلابية سوداء واسعة وحجابا أبيض اللون وهي تهمس بحرج: مبروك ياعرايس
مش عايزة أغلس عليكو.. بس كنت خايفة تكونوا عاوزين حاجة

أم فارس بمودة: هلا والله يأم صبري حياش الله

وسعد همس لمريم بهدوء: هذي أم صبري.. مدي يدش يأم صبري لمريم
أم صبري من سكان البيت وأي شيء تبينه يامريم بتساعدش فيه

تناولت العجوز يد مريم الممدودة في الهواء ومريم تهمس لها بعذوبة: حياش الله يأم صبري
تراش هنا مثل أمي

أم صبري بتأثر: سعد غالي علينا آوي.. وغلاوتك هتبئى من غلاوته.. وانتي هتبئي زي بنتي.. وهاحطك في عنيا الاتنين

همست لها أم فارس: أم صبري العشاء اللي أرسلته حطيتوه في الغرفة

أم صبري باحترام: كلو زي ما أمرتي..

ثم همست أم فارس لسعد بمودة: يالله اختك.. اطلع بعروسك.. خلني أتوكل على الله

همس لها سعد باهتمام: تكفين وضحى شوفي العيال قبل تروحين

أم فارس ابتسمت: لا توصي حريص فديتك.. وعيالك رياجيل ما ينخاف عليهم

مريم لم تخطئ نبرة اهتمامه وقلقه عليهما.. تمنت أن تستطيع بالفعل مساعدته على الاهتمام بهما

عاود سعد التشديد في احتضانه لذراعها وهو يصعد بها لأعلى
ومريم تبرمج ذهنها للتعرف على الاتجاهات وعدد الدرجات

حتى وصلت لغرفته/ لغرفتهما
فتح الباب وهمس لها: سمي مريم..

لأول مرة ينادي اسمها منذ بدء زفتهما.. بدا لها اسمها متألقا بنبرته الرجولية
أن تسمع اسمها من رجل غير والدها وأشقائها.. بنبرة مختلفة ومشاعر مختلفة
اختلاف عميق ودافئ شعرت به يغلف روحها

همست بعمق: بسم الله.. اللهم أعطنا من خيره.. وأكفنا شره

دخلت بتوتر وهي تشتم في الجو رائحة بخور لطيفة المفضل.. شعرت بالشجن والامتنان للطيفة.. لا تعلم كيف ترد للطيفة كل أفضالها عليها
وهي ترهقها بالتسوق والترتيب وهي خرجت للتو من إجهاض دون أن تشتكي مطلقا

سعد أدخلها حتى أجلسها على الأريكة
حينها سلمت أم فارس عليها وهي تهمس لها: ما أوصيش في سعد
ثم سلمت على سعد وهي تهمس لها: ما أوصيك في مريم

ثم أردفت بصوت عالي: ويالله اسمحوا لي أستأذن
هذا عشاكم عندكم.. وأنا بجيكم بكرة الصبح قبل صلاة الجمعة

ثم صمتت لدقيقة وأردفت بحزن: وطالبتكم إذا صليتوا ذا الحين إنكم تدعون لفارس والعنود ربي يهدي كل واحد منهم للثاني

سعد احتضن شقيقته وقبل رأسها وهمس لها بحنان: لا تشغلين بالش
الله كريم ويهديهم اثنينهم قادر على كل شيء


أم فارس غادرت وأغلقت الباب خلفها
مريم حين سمعت صوت اغلاق الباب انتفضت بعنف.. الشيء الذي لاحظه سعد
جلس جوارها وتناول كفها واحتضنها بقوة وهمس لها: لا تخافين من شيء
وتراني ما أعض ولا أكل
مع أنش من حلاوتش الواحد وده ياكلش

مريم صمتت بخجل
بينما سعد أمضى دقائق في تأملها
تأمل كل شيء فيها.. حتى خطوط الحناء الدقيقة على أناملها الزبدية الساكنة في كفه
تنهد بعمق وهو ينتزع نفسه من ضغط أفكاره ومشاعره
وهمس لمريم: خلينا نقوم نصلي... تبين توضين؟؟

همست مريم: أنا على وضي.. بس أبي سجادتي.. وصلني للدولاب وأنا بأخذها

سعد بحنو: أنا بأجيبها لش

مريم بهدوء رقيق: لا سعد.. أنت منت بعندي على طول تجيب اللي أبي
أنا عارفة مكانها.. أم محمد شرحت لي الترتيب.. بس وصلني للدولاب

سعد أوصلها للدولاب ثم خلع ثوبه وغترته ليتوضأ
مريم أزالت المشابك من شعرها ووضعتها في علبة في الدولاب وفقا لتوصيات لطيفة
ثم تناولت السجادة وهي تعود أدراجها لتجلس في ذات المكان الذي أجلسها فيه سعد

حينما خرج وهو يجفف وجهه ويديه.. وجدها أكثر ألقا وخصلها الملتوية تتناثر على وجهها الشفاف بشكل بالغ الجاذبية
همس بهدوء يحاول به تجاوز تأثره المتزايد بها: ماشاء الله رجعتي بروحش..

ابتسمت مريم بشفافية: كلها خط مستقيم.. يعني مافيها ذكاء الرجعة

همس لها سعد بعمق: تدرين إن ابتسامتش تأخذ العقل

همست مريم بخجل: شكلك تحب تجامل واجد

همس سعد بشفافية: وعيونش الحلوة إني ما أجامل

همست مريم بألم حاولت ألا يتسلل لصوتها ولكنها فشلت: زين قول شيء غير عيوني عشان أصدق

كان قد جلس جوارها حينها.. فلمس شفتيها بطرف اصبعه وهمس بعمق: زين ولو قلت وشفايفش الحلوة.. مستحيل يكون عندش اعتراض
لأنهم مهوب حلوين بس.. إلا موت

أبعدت مريم وجهها بخجل وهمست بخفوت: نقوم نصلي؟؟



*************************



بيت محمد بن مشعل
الساعة 11 ونصف

غالبية المدعوات غادرن ولم يتبق إلا لطيفة وموضي ومشاعل والعنود

لطيفة همست: أنا بأقوم أروح لبيتي.. بناتي تأخروا ماناموا

موضي بهدوء: اخذيني معش لأنه أنتي مارة بيت هلي مارة (موضي ستبات في بيت أهلها.. وبيت عبدالله بن مشعل يقع بين بيت محمد وبيت ابنه مشعل
فلطيفة ستعبر بيت والدها قبل أن تصل بيتها)

هتفت العنود التي كانت تعاني من صمت غريب من بعد زفة مريم: تكفين موضي امسي الليلة في بيتش.. خلني أنام عندش
ما أقدر أنام ومريم مهيب في البيت

التفتت موضي للطيفة وابتسمت: خلاص روحي يأم محمد.. ما نصير نعطلش أكثر.. ذا الزين كله ماله خانة كن أبو محمد ماشافه

مشاعل ابتسمت: زين وأنا براءة خلاص.. أطلع لغرفتي؟؟

العنود تغتصب ابتسامة: توكلي على الله..
ثم التفتت لموضي: وأنتي يا ماما الروحية الجديدة الله يعينش على غثاي.. انتظريني أجيب بيجامتي وأروح معش



*********************************



بيت مشعل بن محمد
لطيفة وصلت للبيت وهي تحمل جودي التي تشعر بالنعاس
بالكاد أبدلت لها ملابسها ونامت
ثم وضعت مريم في سريرها.. وقرأت الأذكار على الاثنتين
ثم توجهت لغرفة أولادها ووجدتهما نائمين.. وذلك يعني أن مشعلا هنا منذ بعض الوقت
قرأت الأذكار على الولدين ثم توجهت لغرفتها
لم يخطر ببالها حتى تنظر لأي من المرايا في طريقها للتأكد من شكلها كما كانت تفعل حتى في أيام غضبها الأول من مشعل
كانت تريد أن يراها دائما جميلة
ولكن الآن لا يهمها أن يراها جميلة أو بشعة
لا تعلم ما الذي حدث لها.. شيء في روحها قد مات.. انتهى.. ذهب للفناء

دخلت غرفتها بخطوات هادئة
سلمت على الجالس يقلب أوراقا في يده
رد عليها وهو يبتسم لها بإعجاب عميق
كانت تريد التوجه لغرفة الملابس لاستبدال ملابسها
همس لها بعمق خاص: تعالي جنبي حبيبتي

توجهت له بآلية وجلست جواره
همس لها بنبرة إعجاب حقيقية: وش ذا الزين كله ياقلبي؟؟

ردت عليه بهدوء: زانت أيامك

أزاح الأوراق جانبا..ليتناول كفها بلهفة ويطبع في باطنها قبلات عميقة مشبعة بالوله.. ثم نقل قبلاته المشتاقة لباطن معصمها
ثم ...
توقف
وهو ينزل يدها الجليدية الساكنة ويعيدها لحضنها بحركة مقصودة
ثم يتناول أوراقه ويهمس بهدوء واثق أخفى وراءه ألما لا حدود له:
قومي لطيفة .. أنا ما أبي جسد حلو وراه روح ميتة



******************************



بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل

مشاعل صعدت لغرفتها .. أعادت ترتيب زينتها انتظارا لناصر
ولم يطل انتظارها له
فور دخوله وقفت.. ليقترب منها ويلف حولها بإعجاب ثم يهمس لها بابتسامة: هذا الثوب اللي خذتيه من باريس؟؟

هزت مشاعل رأسها إيجابا وابتسامة ناعمة ترتسم على محياها

همس ناصر (بعيارة): تدرين؟؟ كان على المانيكان اللي في الواجهة أحلى

مشاعل همست بغيظ من بين أسنانها: الشرهة علي اللي قاعدة انتظرك عشان تشوفه

قالتها وهي تتوجه لغرفة التبديل.. لتفاجأ بيده تشدها ليحتضن خصرها وينظر إلى عينيها ويهمس لها بوله:
قلت لش ألف مرة.. أنتي في عيني أحلى ماخلق ربي
والله ما يملا عيني غيرش.. ولا فيه في النسوان من تسواش عندي

صمتت مشاعل خجلا.. فهمس ناصر لها وهو يقربها منه أكثر: وين لسانش؟؟ كلته القطوة؟؟

مشاعل بخجل رقيق: أنت يعني ما تستانس لين تحرجني

ناصر يبتسم: لا ما أستانس لين أشوف خدودش ولعوا حُمر.. وقتها أعرف إنه هذي مشاعل مرتي




**********************************



واشنطن
السكن الطلابي حيث يؤجر يوسف غرفة
غرفة يوسف

كان يوسف يعقد ربطة عنقه وهو ينظر للمرآة
وابتسامته الشاسعة إياها مازالت ترتسم على وجهه

إذن المغرورة المتكبرة تحبه!!
كيف استطاعت أن تخفي عليه مشاعرها بهذه الطريقة؟!!
ربما كان هو الغبي الجاهل في دواخل النساء وفي قاعدتهن الذهبية
"يتمنعن وهن الراغبات"
فحبها له كان واضحا ويستطيع الآن أن يتذكر عشرات الأدلة
كم كان غبيا!!!

الآن يستطيع أن يغير مخططاته لينقلها لحقل آخر
فهو منذ بداية خطبتهما وهو يعتقد أنها لا تحبه
ولكن الآن هناك العديد من الأفكار تختلط في ذهنه ولا بد أن يتأكد من مشاعرها قبل أن يتهور في مخططاته

لذا ما أن أنهى لبسه حتى اتصل في مشعل
بعد السلامات المعتادة همس لمشعل بذوق: معلش مشعل ممكن أسألك سؤال تسأله للمدام
وبعدين ترجع تجاوبني
وياليت السؤال والجواب يبئى سر ماتعرفوش مراتي

مشعل بهدوء رزين: والله يايوسف على حسب طبيعة السؤال.. إذا هو أصلا سر أمنتها عليه مرتك.. مالها حق تجاوبك
إذا شيء غيره.. يصير خير

يوسف يتنهد واحترامه لمشعل يتزايد: لا هو سؤال عادي..
أنا عاوز أعرف بس.. لما باكينام دخلت المستشفى هنا ومعاها انهيار عصبي كان السبب إيه؟؟

مشعل أنهى الاتصال وتوجه لهيا بالسؤال

هيا بنوع من الحذر: هو الجواب شيء عادي.. بس أنت لا تعصب علي مشعل
باكينام ويوسف لهم طبايع غير طبايعنا

مشعل بنفاذ صبر: خلصيني بلا مقدمات.. خلاص المرة الحين مرته.. إذا الجواب مافيه شيء يضرها.. جاوبيني أجاوبه

هيا بذات الحذر: باكينام تحبه من أيام ماكان يشتغل جرسون في الكوفي.. ويوم رجع لمصر وهم متخاصمين جاها انهيار عصبي

مشعل يضربها بحنان على رأسها ليميل بعدها ويقبل جبينها: وبس؟؟ خوفتيني حسبت فيه شيء كايد.. دامهم عرسوا خلاص بكيفهم
وبعدين يعني أنا واحد مخي مهوب مقفل على طول.. أحترم عادات الناس اللي يحترمون انفسهم.. وأنا أشهد إن يوسف ومرته محترمين

مشعل عاد ليوسف بالجواب.. لتتسع الابتسامة أكثر وأكثر
وسعادة عميقة تتغلغل إلى عمق روحه التي استزفها الهجر واليأس والأسى
وليبدأ برسم مخططاته في اتجاه آخر..آخر



***************************


قسم راكان

الفتاتان استحمتا واستبدلتا ملابسهما وصليتا قيامهما
ولكن العنود لا تشعر برغبة في النوم
وأفكار عميقة تستنزفها
اشتياقها لمريم
مشاكلها مع فارس
كل ذلك أكثر من طاقة احتمالها.. أكثر بكثير
ولكن ماذا تفعل.. لابد أن تحتمل

موضي همست لها بإرهاق: عنادي أنا منتهية من التعب بأروح أنام

العنود بمودة: خلاص أنتي روحي نامي.. أنا بقعد في الصالة أقرأ قرآن لين يجيني نوم وعقب بأجيش



****************************



بيت سعد
غرفة سعد ومريم


الاثنان أنهيا صلاتهما ودعائهما
مريم خلعت ثوب الصلاة بخفة وطوته في السجادة لتضعها على المقعد

همست بخجل: سعد.. أو تحب أقول لك أبو فيصل؟؟

سعد بمودة: أي اسم من بين شفايش حلو.. اللي تبين

مريم برقة: كلهم حلوين.. بس سعد أخف.. لكن قدام عيالك بأناديك أبو فيصل

سعد بهدوء: كلش ذوق.. ومايجي منش غير الذوق

همست مريم برقة: ممكن تدلني وين غرفة التبديل أبي أبدل ملابسي

سعد أمسك كفها بحنو ليقودها لغرفة التبديل الملحقة بالحمام وهمس لها بهدوء: هنا الحمام وغرفة التبديل

مريم دخلت وأغلقت الباب.. وسعد كان يريد التوجه لرؤية ولديه فهو يشعر بقلق متزايد عليهما
ولكنه توجه أولا لهاتفه في جيب ثوبه المعلق لينبهه لصلاة الفجر.. ليفاجأ أن الهاتف المكتوم الصوت يشير باسم راكان

تناوله ليرد عليه
ثم عاد لمريم من فوره وهمس لها بحزم: مريم لا تبدلين.. راكان واقف قدام البيت يبي يسلم عليش
قلت له يدخل الصالة اللي تحت..

كادت مريم تتعثر فرحا وصدمة محلقة.. وهي تعيد إغلاق سحاب الفستان عليها
وتخرج ووجهها يشع بفرحة عميقة وهي تتعلق بجيب ثوب سعد الذي أعاد ارتداءه: صدق سعد؟؟ صدق؟؟ راكان جا؟؟

سعد يحتضن كفيها: والله العظيم إنه تحت.. المسكين متفشل.. قال بأدق دقتين لو حد رد علي أو بأروح للبيت
جاي من المطار دايركت هنا.. بس حظه حلو إني مع دقته كنت بأخذ تلفوني أنبهه للصلاة

مريم بتأثر عميق: فديت قلبه.. كنه حاسس إن فرحتي ناقصة بدونه الليلة

سعد بخبث رقيق: يعني أفهم إنش فرحانة بس كان ناقصش راكان؟؟

مريم بخجل: سعد لا تصير لئيم.. يالله نزلني... مافيني صبر والله

احتضنت ذراع سعد وهما يتوجهان للباب ثم همست برقة خجولة: سعد شكلي مرتب؟؟

سعد يحتضن ذراعها ويهمس بمودة: ماشاء الله تبارك الله.. مافيه أحلى من كذا

نزلا معا ليجدا راكان ينتظرهما في الأسفل

وقف وهو يرى شقيقته تنزل.. قد لا تكون تراه ولكنه يراها ويحترمها ولها في روحه بروج مشيدة من التقدير والإعزاز

لم يتركها تمشي طويلا فهو تلقفها فور وصولها أسفل الدرج ليحتضنها بقوة وحنو ويهمس بحنان:
مبروك يأم محمد ألف مبروك.. خلاص مالش عذر محمد إن شاء الله بياتي

دفنت رأسها في عمق صدره وسالت دموعها وهي تهمس بتأثر: فديت قلبك ما تخيل أشلون فرحتي بجيتك

راكان يهمس لها بعمق مرح: ما تخيلين وش سويت عشان أجي.. باقي أخطف طيارة..من يوم وصل أخ رفيقي المغرب وأنا أدور حجز
حسيت إني ممكن انجلط لو مرت ليلة عرسش وأنا ماسلمت عليش وقلت لش مبروك

مريم بجزع حنون: بسم الله على روحك الغالية..

سعد كان في غاية التأثر من فرحتهما المتبادلة وتأثرهما العميق

راكان أفلتها بخفة ثم تناول كيسا فخما كان قد وضعه على الأرض ووضعه في يد مريم وهمس بحنان: هذي هدية عرسش
وأنا اسمحوا لي لازم أروح.. ماحد يدري إني وصلت بعد
وسامحوني على قلة ذوقي.. أزعجتكم.. معاريس ليلة عرسهم.. أدري عمرها ماصارت.. بس دوروا لي عذر

مريم بتأثر عميق: مشكور فديتك.. جيتك أحلى هدية جعل يومي قبل يومك

راكان غادر لسيارة الأجرة التي كانت تنتظره خارجا

سعد همس لمريم بحنان: عادي أقول لش الكحل ساح؟؟.. بس والله تهبلين

مريم تحسست وجهها بخجل: ودني عشان أتسبح
ثم أردفت لسعد وهما يصعدان: سعد ولا عليك أمر.. عقب ما أسبح لو عيالك صاحين أبي أسلم عليهم



**************************


قسم راكان
الساعة الواحدة ليلا تقريبا

راكان كان قد توجه للمجلس ولم يجد إلا (الصبيان) العاملين فيه
اتصل بوالدته ثم بموضي ولم يرد عليه أحد
فتيقن أن الجميع نيام.. لذا قرر التوجه لبيته لينام

حاول فتح الباب فلم ينفتح.. ومعنى ذلك أن المفتاح موجود في الطرف الآخر
شعر بسعادة حقيقية تغلف روحه
فهذا يعني أن موضي في البيت.. شعر أنه عاجز عن الانتظار لدقيقة إضافية لرؤيتها
فهو منذ هاتفها قبل ثلاثة أيام ليخبرها بسفره للكويت ولسعه رنين اللهفة العميقة في صوتها
وهو يتمنى لو عاد في لحظتها
فكل غضبه المتعاظم ذاب من همسة واحدة من بين شفتيها
والغضب يتحول لنوع من التوجس خوفا على موضي نفسها
كيف هو تقبلها لعودة حمد؟؟
هل سيبقى حمد شبحا بينهما؟!!
يكره أن يكون لأي رجل تأثيرا أيا كان على زوجته؟؟
ورغم كل هذه المشاعر المتشابكة
كان هناك شعور واحد طاغ سيطر على كل المشاعر بقوته وعنفوانه
الاشــــتــــيـــاق لها
ولم يكن الاشتياق بمعناه العابر أو الطبيعي بل بما يتجاوز كل المعاني والمفردات

تنهد بعمق وهو يطرق الباب
فاجأه صوت العنود الخائف: من؟؟

همس بمودة: أنا راكان عنودة

العنود فتحت له الباب بعد أن ارتدت روبها فوق بيجامتها وارتمت في حضنه وهي تهمس بمرح:
حرام عليك يا الظالم صار لك اكثر من 10 أيام غايب
ماخفت الله في قلب ذا المسيكينة
لا وحتى عرس مريم ماحضرته

راكان احتضنها وقبل خدها بحنو ثم تجاوزها وهو يلقي غترته على المقعد القريب من الباب ويهمس لها بهدوء: مريم توني جاي من عندها وسلمت عليها
ومن المسيكينة اللي ما خفت الله فيها؟؟

العنود بابتسامة لطيفة: مرتك

راكان بجزع حقيقي: فيها شيء موضي؟؟

ضحكت العنود بعذوبة: أنا أشهد أنكم مستويين أنت وإياها
لا مافيها شيء.. بس حرام عليك ليلة رجعتك من سنغافورة مافيه شيء ماسوته كنها عروس
حتى الحناء تحنت
وانت طنشت وسافرت.. والحين بعد عادت على حناها مرة ثانية.. وكان خاطرها إنك بتشوفها وبعد ماكنت بتجي
وهذا هي رقدت.. كسرت بخاطرها مرتين

راكان شعر بشجن عميق وألم شفاف يغزو روحه وأفكار مضطربة تغتاله
(هل فعلت ذلك من أجلي؟!!
أو حتى تقنعني أن حمد لم يعد له أهمية في مخيلتها بعد عودة ذلك الحقير للظهور؟!!
يا الله ألهمني الصواب
أتمنى أن أموت قبل أن أوذي موضي بأي تصرف أو حتى تفكير)

العنود صمتت مع صمت راكان وهو مايزال واقفا ثم همست برقة: اسمح لي بأروح البيت

راكان بجدية: وين تروحين؟؟ نامي مع موضي.. وأنا بأنام في الصالة

العنود تبتسم: لا والله ثم لا والله.. قبل ما تتهور وتحلف علي
بأروح أنام في غرفتي

راكان بهدوء: زين بأوصلش

العنود تبتسم: وين توصلني.. كلها خطوتين!! بس وقف لي عند الباب.. لين أدخل باب البيت

راكان يبتسم: خلصيني بأوصلش ذا الخطوتين

راكان أوصل العنود وعاد بخطواته الواثقة المعتادة وإن كان يلفها هذه المرة توتر ما
أغلق باب البيت
وتوجه بهدوء إلى غرفته
راكان أوصل العنود وعاد بخطواته الواثقة المعتادة وإن كان يلفها هذه المرة توتر ما
أغلق باب البيت
وتوجه بهدوء إلى غرفته

كانت الأضواء خافتة..فموضي أضعفت قوة الإضاءة ولم تطفئها من أجل العنود عندما تأتي للنوم

شعر راكان بتوتر وترقب متعاظمين
مشتاق لرؤيتها.. روحه مثقلة بالاشتياق لها
لكل مافيها.. ملامحها.. صوتها.. كلامها.. روحها.. مجرد وجودها ودفء حضورها المختلف في روحه

تقدم أكثر..
كانت مستغرقة في النوم وهي تغطي جسدها كاملا ولا يظهر منها سوى رأسها وشعرها متناثر على وجهها
حتى وجهها لم يستطع رؤيته
تنهد بعمق.. كان بوده أن يوقظها.. وتمنى أن يوقظها
ولكنه لم ولن يفعلها.. أولا لا يريد تكدير نومها.. وهي تبدو مرهقة ومستغرقة في نومها تماما
ثانيا: مافائدة إيقاظها إن كان لن يزرعها في صدره وبين أحضانه الذائبة اشتياقا؟!!
فهو حتى الآن لا يعلم تاثير عودة (ذاك) عليها.. ربما أصبحت أكثر تحسسا من اقترابه منها؟!!
أو ربما تصبح أكثر اندفاعا لتثبت لنفسها شيئا لم يحدث بعد؟!!

لذا فليكتفِ بالنظر وبالكثير من الوجع!!الكثير اللا متناهي منه!!
تنهد راكان تنهيدة عميقة طويلة.. وملتهبة..
ثم توجه للاستحمام..
صلى قيامه
ثم فرش فراشه وتمدد وهو يدير وجهه ناحيتها وهو يتمنى بكل وجع الكون المتسع لو كان يستطيع تملس خديها.. تنفس أنفاسها..غمر وجهها بقبلاته
كان يتذكر بشجن مؤلم المرة الأخيرة التي رآها فيها
مازال ملمس شفتيها العذبتين يعذب أحلامه.. وحتى يقظته!!



*****************************



بيت سعد
غرفة سعد ومريم

سعد بعد أن دخلت مريم للحمام توجه لغرفة الولدين ووجدهما نائمين
تنهد بعمق
(تأجلت المواجهة ليوم بعد)

قرر أن يقرأ ورده الليلي مادامت مريم في الحمام
والحق أنها أطالت وهي تعاني من استكشاف أرجاء الحمام
كان شعورا موجعا وهي تتحسس زوايا الحمام خوفا أن تنزلق أو تتعثر في شيء لا تعرف مكانه
ثم معاناة آخرى وهي تريد التعرف على أماكن الشامبو وغسول الجسم
في حمامها كانت سونيا تضع كل شيء في مكان محدد ومريم تتجه له بشكل مباشر
لكنها الآن اضطرت إلى فتح كل العلب وهي تشمها لتتعرف عليها
حاولت أن تعيد ترتيبها ولكنها غيرت رأيها
لأنها لم تعد تستخدم الحمام لوحدها.. فمعها شخص آخر سيفسد ترتيبها
تنهدت بعمق وهي تشعر بألم ما
هذه هي المشكلة الأولى التي تصادفها.. قد تبدو تافهة ولكنها أساسية ويومية
فهي في بيت والدها لم يكن هناك من يستخدم حمامها ولا يحرك شيئا في غرفتها عداها.. لذا تعرف مكان كل شيء بدقة وتتحرك بثقة
لكن هنا لها شريك أساسي.. له مثل ما لها.. وسترتب وسيغير الترتيب وفقا لما اعتاد

لا تنكر أنها تقبلت سعد بشكل أسرع وأعمق مما توقعت.. فهو كان لطيفا وحنونا ومتفهما
ولكن هل سيحتمل ثقل امرأة ضريرة ومتطلباتها؟!!

مريم تأخرت في الحمام
وسعد قلق عليها أن يكون قد حدث لها شيء
همس لها عند باب الحمام: مريم.. مريم

أجابته من الداخل بهدوء: جايه سعد.. دقيقة وحدة بس

همس لها بنفس هدوئها: ترا العيال نايمين يامريم

سعد عاد ليجلس
بينما مريم خرجت ملتفة بروبها وفوطتها
ثم أغلقت باب غرفة التبديل عليها
وهي تجفف شعرها وجسمها
ثم تبحث عن أغراضها وفقا لشرح لطيفة لها
ارتدت قميصها الأبيض الملكي الذي كان عليه رداء حريريا فخما بتطريزات أنيقة
تعطرت وعطرت شعرها
سمت بسم الله وخرجت

سعد هتف لها: بأجيش

همست مريم بهدوء: لا خلك.. بس تكلم شوي خلني أعرف مكانك

سعد ابتسم: وش أقول؟؟ من يوم شفتش طالعة من باب غرفة التبديل أحس الكلام كله ضاع

مريم ابتسمت بعذوبة وهي تتجه نحوه: هذا كله وما قلت شيء؟!!
خلاص اللي قلته كفاية.. دليت مكانك

مريم توجهت نحوه بخطوات هادئة وهي تمشي بحذر..
فهي وإن كانت حددت مكانه تماما من اتجاه صوته فهي لا تعرف إن كان الطريق سالكا خاليا من أي عوائق

وصلته وهو وقف وأمسك بيدها وأجلسها جواره.. همس لها بإعجاب: ماشاء الله عليش أبهرتيني.. أشلون دليتي كذا

مريم برقة: وش أبهرتك؟؟ أنا أمشي وأنا مرعوبة خايفة أصدم بشيء

سعد بحنان: لوتبين أفضي الغرفة من كل شيء.. فضتيها.. أخليها بس السرير والكبت والتسريحة

مريم بابتسامة عذبة: لا وش تفضيها؟؟ بس يا ليت تقول للي في البيت كلهم إنهم ما يغيرون أي شيء من مكانه..لين أعرف مكان كل شيء
أنا بس أبي لي كم يوم وأعرف الاتجاهات وأماكن قطع الأثاث

ابتسم سعد: هذا عندش أم صبري وخدامتين ثانين واللي تبين بيسونه لش

همست مريم بذوق: سعد بعد أذنك أنا ما أستغني عن سواقتي.. أبي أجيبها عندي لو ماعندك مانع

سعد بمودة: أكيد ماعندي مانع.. اللي تبينه سويه.. بس فيه شيء صغير أبي انبهش له..
ترا أم صبري مهيب خدامة .. هي جاية هنا عشان تساعدش أنتي وبس..

ابتسمت مريم: فاهمة سعد بدون ما توصي
صمتت مريم لدقيقة ثم همست بقلق رقيق: وعيالك سعد؟؟

سعد بجدية: وش فيهم؟؟

مريم بذات النبرة القلقة: متقبلين وجودي؟؟

تنهد سعد: ماني بكاذب عليش.. هم ما بينوا لي شيء.. قالوا أنهم موافقين
بس أشلون بيتصرفون عقب ما أدري
فيصل ماني بخايف منه.. مؤدب وهادي وعاقل.. لكن الخوف من فهيدان.. استحمليه مريم شوي.. أدري إنه بيجننش

مريم برقة: لا توصيني سعد.. والله العظيم إنهم مثل عيالي

سعد بحذر: ولو جبتي أنتي عيال؟؟

مريم بخجل عميق: ولو أن هذا كلام سابق لأوانه.. وأساسا ذا الشيء علمه عند رب العالمين.. يمكن الله ما يكتب لي عيال
لكن ولو صار.. عيالك مثل عيالي وربي شاهد علي مابينهم فرق

مد سعد يده ومسح خدها بحنان: الله لا يحرمني منش

انتفضت مريم بخفة وهي تتراجع للخلف قليلا
ولكن سعد اقترب منها أكثر وهو يهمس لها بإعجاب عميق: تدرين.. ما تخيلتش حلوة كذا

مريم بخجل أعمق: حلت أيامك.. واسمح لي ما أقدر أقول تخيلت شكلك كذا أو كذا

همس سعد بنبرة مقصودة وهو يمسك بكفيها: وليش ما تكوّنين صورة بنفسش
يعني أنا ماني ببشع ترا.. ماشي حالي

قالها وهو يضع كفيها الناعمين المعطرين على وجهه.. مريم شعرت باضطراب عميق
ولكنها لم ترد أن تكون قليلة التهذيب وهو يعرض عليها التعرف على ملامح وجهه
لذا بدأت تحسسها بخفة لوجهه بأناملها الطويلة الرقيقة بدءا من جبينه فحاجبيه ثم عينيه.. وأنفه
شعرت بالخجل من ملامسة شفتيه فنزلت لذقنه وهي تتحسسه برقة ثم تتحسس عارضيه المحددين بأناقة

ثم أنزلت كفيها في حضنها وهي تهمس بخجل رقيق: خلاص كوننا صورة
والصورة حلوة ماشاء الله

سعد بعمق أكبر وهو يقترب أكثر ويعاود إمساك كفها: باقي شيء خليتيه

ثم قبل باطن أناملها بعمق وهمس بعمق أكبر: كذا كملتي الصورة



***************************



بيت فارس بن سعود
غرفة فارس

مازال فارس ساهرا.. عاجزا عن النوم
يلمس صدره بوجع.. يشعر بألم فعلي يمزق عضلات صدره بوحشية
في ذات المكان الذي لامسته يدي العنود اليوم
تمنى لو أمسك بها وزرعها غصبا عنها في أحضانه المشتاقة
أو حتى سحبها بالإجبار إلى بيته
وضعه بات مزريا.. والجميع بدأوا بالملاحظة.. قد تكون قوة شخصيته تمثل غطاء لامعا يخفي عن الجميع معاناته في غيابها وهو يتحكم تماما بنفسه
ولكن شكله لا يستطيع التحكم به
فوزنه بدأ بالانخفاض والإرهاق يبدو على محياه
في ظل انعدام شهيته وقلة نومه

أمل مــا يداعبه
وهو متعب.. متعب..
مــــــتــــعـــــــب

تناول هاتفه وأرسل رسالة..
ولتكن هذه محاولته الأخيرة!!

أرسل الرسالة وهو يتيقن أنه لن يتلقى ردا لأنه يظنها نائمة
ولكنه فوجئ بالرد السريع
تنهد وهو يفتح الرسالة بحذر..
فهو مستنزف تماما
مستنزف من الشوق.. مستنزف من الكبرياء.. مستنزف من العناد

قرأ الرد..
اتسعت عيناه ذهولا..وصدمةً وألما ساديا شرّح روحه وخلاياه
ثم صرخ بألم جارح يتغلغل في قلبه أكثر ويتجذر..
شعر أنها نحرته.. نحرته بدم بارد
اعتصر الهاتف في كفه حتى ابيضت مفاصله
ثم قذف به إلى الحائط بكل قوته
قوة حاول أن يبث فيها بعضا من صدمته وغضبه وجراحه وآلمه غير المحدود
ليتهشم الهاتف لأجزاء متطايرة
كقلب فارس الذي تهشم تماما



**************************



قبل ذلك بقليل
بيت محمد بن مشعل
غرفة مريم

العنود عادت من بيت راكان منذ بعض الوقت
لم تستطع العودة لغرفتها
تسللت إلى غرفة مريم
مازال عطر مريم الرقيق يعبق في الغرفة
لطالما أحبت العطور الناعمة الرقيقة لأن حاسة شمها المتحفزة تتضايق من العطور القوية حين تكون على جسدها هي

العنود تشعر باشتياق هائل لها..
يبدو البيت كما لو كان قبرا من غير وقع خطواتها الهادئة وهي تشيع في المكان روح السكينة والطمأنينة
لطالما كانت مريم جوارها كلما احتاجتها.. ولكنها الآن أصبحت لسعد
تشعر أنها عاجزة عن التنفس ومريم ليست في المكان
مريم الأم والأخت والصديقة
مريم الحنان والاحتواء

العنود تمددت على سرير مريم ووضعت رأسها على مخدتها وبدأت تبكي بكاء خافتا مكتوما موجوعا
بكاء تشعر أنها كتمته منذ قرون رغم أنها كثيرة البكاء ولكن هذه المرة كان بكاءها مختلفا.. مختلفا تماما
حادا رقيقا متألما مثقلا بالأسى

انتزعها من بكائها رنة رسالة وصلت هاتفها
تناولت الهاتف وهي بالكاد تراه من بين دموعها

كانت رسالة منه.. من فارس

"العنود.. خلاص كفاية
ارجعي لي
أنا تعبان..تعبان.. والله العظيم تعبان بعيد عنش
الناس كلهم لاحظوا
أنتي ما لاحظتي؟!!"

العنود تشعر الليلة بالكثير من الألم.. وفارس ماكان ينقصها ليكتمل ألمها الليلة
تكره نفسها لأنه تحبه ..بل متيمة به .. بينما هو يتسلى بتجريحها وإهانتها وإبعادها.. ثم يقول أنه هو المتعب..
(عن أي تعب تتحدث يا فارس؟!! عن أي تعب؟!!)

العنود كتبت رسالتها المجنونة وأرسلتها

"فارس.. مادريت بأخر خبر؟؟
أنا أكرهك
أكرهك
أكــــرهــــــك"


اعتقدت أنه سيفهم كلمة "أكرهك" كما تقصدها هي
ربما كانت هذه الكلمة أكثر كلمة تقولها المرأة وهي تقصد عكسها تماما
ولكن فارس فهمها كما هي
فهمها كما هي : "أكرهك"

ذبحته دون أن تعلم..
نحرت مابقي من روحه المتعبة
نحرته من الــوريــد إلى الــوريـــد!!



*************************



بيت راكان

صلاة الفجر

راكان يقوم لصلاة الفجر رغم أنه لم ينم حتى ساعة واحدة.. فهو قضى وقتا طويلا يتقلب
ولكن موضي لم تنهض من نومها بعد
استغرب.. لم يكن نومها ثقيلا هكذا
وكانت تقوم على منبهه قبل أن يقوم هو حتى

وهو ماعاد به صبر لرؤيتها.. يشتعل اشتياقا.. يشتعل بكل معنى الكلمة
ولكن ربما كانت لا تصلي لعذر شرعي لذا لم تنبه هاتفها للصلاة
لأنه طيلة الأسابيع التي كانا فيها معا.. كانت شديدة الحرص على الصلاة في مواقيتها
شعر راكان بالحرج من الفكرة
فهو لم تخطر له هذه الفكرة مطلقا مع شقيقتيه
ولكن التصاق امرأة به لهذه الدرجة جعله يتوقع مثل هذا الشيء
قرر أن يتركها تكمل نومها
وتوجه للصلاة في المسجد

ولكن مالم يعلمه راكان أن موضي نبهت هاتفها للصلاة.. ولكن شحنه نفذ فانطفى لوحده

راكان تأخر قليلا قبل أن يعود لأنه قابل والده وعمه وأشقائه وفارس في الصلاة بل حتى سعد وحمد ووالده جابر قابلهم في الصلاة
فهم جميعهم في بيوت متقاربة ويصلون في ذات المسجد
قبل أن يعود للبيت الكبير للسلام على أمه

حاول أن يتجاوز رؤيته لحمد بعد صدمة الغضب الأولى..
فهو سيراه كثيرا.. وليس راكان من يتوتر من وجود أي أحد مهما كان ولن يسمح له أن يوتره مرة أخرى

عاد لبيته.. وتمدد لينام.. بعد أن أطل عليها وتأملها مطولا وهي على ذات الوضعية حتى وجهها غير واضح من تناثر شعرها عليه
(هذي شكلها ناوية علي
حتى وجهها ماشفته!!)


الساعة السادسة والنصف صباحا
موضي تنهض من نومها فزعة وهي ترى أشعة الشمس تتسلل من بين الستائر القاتمة اللون

قفزت للحمام دون أن تنظر للناحية الثانية
فالحمام كان عن يسارها وراكان ينام يمينها

توضئت وصلت وهي تلعن الشيطان الذي جعل النوم يسيطر عليها لهذه الدرجة
حينما أنهت صلاتها.. استغربت
(وين العنود؟؟)
توجهت للصالة لم تجدها.. وجدت باب البيت مغلقا من الداخل
استغربت أكثر وهي تشعر بالخوف وتسمي بسم الله
لينقلب خوفها إلى صدمة سعادة موجعة وهي ترى الغترة الملقاة على المقعد
تناولتها بلهفة لتستنشقها بعمق.. رائحة عطره الفاخر التي تغلغت في حويصلات رئتيها
تنهدت بعمق وهي تبتلع ريقها بصعوبة ودقات قلبها تتصاعد بهستيرية
وتضع الغترة بحنو على المقعد
(يعني هو نايم داخل!!)

خطوات ملهوفة متوترة نقلتها للداخل
شعرت أنه قد يغمى عليها فعلا قبل أن تراه
كانت تسير كالمخدرة المحمومة حتى وصلت مكانه المعتاد
كان الجسد الضخم متمددا.. مستغرقا في النوم وغطائه ملقً جواره
جلست جواره وهي تملأ عينيها من محياه.. فلا تمتلئ
تملأ روحها من وجوده.. فلا تمتلئ
تملأ أنفاسها من عطره.. فلا تمتلئ

كان بودها أن تلمس خديه.. شعر عارضيه
كم اشتاقت له.. وكم كانت تشعر بالخواء بعيدا عنه!!
كانت تشعر أن روحها صحراء بور تشققت عطشا بعيدا عن زخات مطره
وهي كانت كمن يمشي في هذه الصحراء حافيا
أحرقتها الرمضاء وألهبت خلاياها نار الهجير المحرقة بعيدا عن نسيمه الخالص كخلاصة سر هذه الحياة
لم تعلم كم مضى عليها وهي تتأمله.. المؤكد أنه مضى وقت طويل لم تشعر به حتى بدأت تشعر بالألم في ساقيها من جلوسها على الأرض

حينها انتزعت نفسها انتزاعا بعيدا عنه
فلديها الكثير لتفعله
بدا لها الابتعاد عنه دون النظر إلى عينيه بعد كل هذا الاشتياق الخانق كإحساس حد المقصلة

ولكنها نهضت لتقوم بعملها
أعدت له إفطارا فاخرا.. وضعته في حافظاته
صلت ضحاها
ثم توجهت للتأنق
لم تعلم ماذا ترتدي تحديدا؟؟
لا يليق أن ترتدي فستانا كالذي ارتدته يوم عودته من سنغافورة والذي كانت اشترته خصيصا لتلك المناسبة
ولكنها اشترت أيضا أشياء أخرى
ارتدت بنطلونا أبيض قطنيا لاصقا (ليقنق legging) يصل طوله لأسفل ركبتيها
ثم ارتدت قميصا واسعا طويلا لمنتصف الفخذ زهريا بورود بيضاء بحمالات عريضة يكشف عن جزء كبير من إصابتها ولكن ليس كلها
لأن موضي شعرت أنه من الابتذال أن ترتدي لباسا مكشوفا كثيرا
حينما وصلت للحذاء ارتدت صندلا شفاف اللون بإصبع وبدون كعب نهائيا
ففكرة الحمل باتت مسيطرة عليها تماما وباتت تخشى على جنينها المفترض من كل شيء
زينة صباحية خفيفة بتدرجات اللون الزهري
ثم فردت شعرها ليتدفق شعرها الكثيف بلونه الجديد وقصته الرائعة
ورفعت بعض خصلها الأمامية بمشابك بيضاء

حين انتهت كانت الساعة تقارب العاشرة إلا الثلث قررت أن تجلس في الصالة تنتظره فهو لابد أن يكون نبه هاتفه قبل صلاة الجمعة

جلست على الكنبة ثم رفعت ساقيها وهي تتسند على جانب الكنبة بشكل نصف مائل
لا تعلم ما بها؟؟ ولماذا هذا الإحساس بالنعاس؟؟
نامت دون أن تشعر وهي جالسة بشكل مائل



*************************



بيت سعد
غرفة سعد ومريم

الساعة التاسعة والنصف صباحا
مريم تصحو من نومها قبل سعد
وتعرف أنه مازال نائما من صوت تنفسه المنتظم
تقرر أن تتركه نائما قليلا قبل أن توقظه لصلاة الجمعة
فهما كلاهما لم يناما إلاَّ بعد صلاة الفجر
تحدثا مطولا.. وكلاهما يبدأ بالتعرف على تفكير الآخر وشخصيته شيئا فشيئا

مريم اغتسلت واستبدلت ملابسها لترتدي جلابية مغربية حريرية تعرفت عليها باللمس..مشطت شعرها ورفعته ذيل حصان
أما الزينة فلم يكن لها نصيب فيها
يكفيها صفاء بشرتها ونقاءها عن أي زينة

قررت استكشاف المكان بنفسها وهي تمشي بحذر
فتحت باب غرفتها لتسمع صوت تلفاز قريب
توجهت ناحيته وهي تمشي ببطء وحذر شديد حتى وصلت للغرفة الصادر منها الصوت
كانت جلسة أولاد سعد
فسعد أعد لأولاده غرفة منفصلة تكون جلسة لهما وفيها تلفاز
حتى لا يستخدما غرفتيهما سوى للنوم والدراسة
وهذه الغرفة تقع بين غرفتيهما

حين وصلت مريم.. سلمت
كان فهد هو الجالس يشاهد التلفاز
حين سمع الصوت الأنثوي الذي يسلم .. رد السلام وهو مازال غير مستوعب

همست مريم بمودة: فهد.. صح؟؟

فهد باستغراب: أشلون عرفتي وأنتي ما تشوفين؟؟

مريم بابتسامة: صوتك حلو.. عرفني عليك

مريم حين سمعت الصوت الطفولي الذي يرد السلام أيقنت أنه فهد.. لأن فيصلا في الخامسة عشرة وبالتأكيد صوته سيكون أكثر خشونة

صمت فهد.. ومريم أكملت برقة: تعال سلم علي

فهد وقف وتوجه ناحيتها.. ومريم تحسست وجهه ثم قبلت خده

همس فهد بعفوية: ريحتش حلوة

ردت مريم بحنان: وأنت ريحتك تجنن

همس فهد بذات العفوية: تبين اقعدش؟؟

مريم برجاء لطيف مقصود: يا ليت.. تسوي فيني خير

فهد تناول كفها وأجلسها على الأريكة وكان يريد العودة للجلوس على مخدته على الأرض أمام التلفاز

همست مريم التي شعرت من حركته أنه يريد الابتعاد: اقعد جنبي لو مافيه مضايقة لك

جلس فهد جوارها.. همست مريم: أي صف أنت؟؟

فهد بنبرة عدم اهتمام: السابع.. اول إعدادي بمصطلحاتكم يالكبار

مريم انتبهت فورا أن فهدا هذا قد يكون أذكى مما يبدو..
صمتت تريده أن يتكلم بما يشاء حتى لا توجه حديثه أو أفكاره

همس فهد بعد دقيقة صمت: تدرين.. ماظنيتش حلوة.. لأنه إبي يوم قال إنه بيأخذ عمة حمود العمياء.. قلت أكيد إنها شينة

قد تبدو الكلمات التي قالها فهد جارحة ولكن ليس لمريم وهي تصدر عن طفل مثل فهد.. وهي تتجاوز معنى الكلمات إلى محاولة جر فهد للكلام

همست مريم بابتسامة: وليش ظنتيني شينة؟؟

فهد بذات النبرة غير المهتمة: لأنه عمياء ومزيونة ومايصير

مريم بحنان: تدري فهد.. الله يوم يأخذ من الإنسان شيء.. يعطيه أشياء
يعني الله خذ عيوني..بس عطاني قوة السمع والشم والذكاء.. و عطاني الجمال بعد.. يمكن أنا ما أشوفه بس الناس يشوفونه
والحمدلله على كل حال

فهد بسؤال عفوي قد لا يكون عفويا مطلقا: زين.. الله خذ أمي.. وش عطانا بدالها؟؟

تنهدت مريم وهي تتيقن أن فهدا يريد إسقاطها في حفرة الجواب المعقد..
ولكنها أجابت بشكل هادئ ومباشر: الله خذ أمكم عنده رحمة بها
أمكم كانت مريضة وتتعذب.. يمكن لو عاشت أنتو تعذبتو وأنتو تشوفون عذابها ولا تقدرون تسوون شي
ومن ناحية ثانية الله يوم أخذ أمكم عوضكم بأب حنون..
يعني تخيل لو كان أبيكم قاسي عليكم.. يعني هو موجود في كل الحالات..لكن وجود عن وجود يفرق..
وحنانه عليكم كان تعويض عن غياب أمكم

فهد وقف وهو يهمس بنبرة عدم الاهتمام إياها: كلامش دخل من هنا وطلع من هنا (قالها وهو يشير على أذنه اليمين ثم اليسار) لأنه كلام مسلسلات
ما أدري في أي مسلسل بايخ سمعتيه؟!!

ثم أردف وهو يقول بسخرية: أوه نسيت إنش ما تشوفين
أنا كنت أقول كلامش دخل من أذني اليمين وطلع من اليسار
ومع السلامة

مريم استغربت انقلابه المفاجئ.. فمنذ دقائق كان لطيفا
فمابه أصبح حادا ومؤذيا وبشكل صادم وجارح

كان قد خرج ومريم أصبحت متأكدة من ذلك لأنها افتقدت رائحته وحركته في المكان
تنهدت مريم وهي تعود أدراجها لغرفتها لتوقظ سعد ليستعد لصلاة الجمعة



***************************



بيت راكان
الساعة العاشرة والربع صباحا

راكان نهض من نومه.. فور أن فتح عينيه نظر ناحيتها
لم يجدها

تنهد بعمق وهو يقف ليتجه للحمام ليغتسل ويتوضأ
وكأنه بماء الوضوء يهدئ بعضا من نار روحه المستعرة ويصفي أفكاره المتشابكة
حين أنهى الوضوء نادى موضي.. ولكن لا رد

توجه للصالة
ليجد المفاجأة الرقيقة اللذيذة التي بدت له عصية على التصديق
الأميرة النائمة
أو
الفتنة النائمة
أو
المعجزة النائمة
أميرته هو.. وفاتنته هو.. ومعجزته هو!!

الساقان والذراعان المطرزة بنقوش الحناء
القصة الجديدة ولون الشعر الجديد
بدت له متألقة ومبهرة لأبعد حد
إلى حدود الوجع والهلوسات

ولكن كل هذا الألق لا يهم.. لا يهم
أمام ما كان يراه يطل عبر فتحة الجيب الواسعة

هل يتخيل؟؟
هل تقصدت أن تريه إياه؟!!
هل لكشفها له علاقة بعودة حمد؟؟
هل تريد أن تثبت أنها غير مهتمة وربما كانت العكس؟!!
ولكنه طلب منها أنه عندما سيراه المرة القادمة لا يريد رؤية تظرة الانكسار إياها
بقي أن تفتح عينيها.. ليرى في عينيها ما يسعده أو يجرحه

همس لها من قرب بنبرة شديدة العمق والخصوصية: موضي..

لم تجاوبه..
استغرب..
( لطالما كان نومها خفيفا.. ماذا حل بها؟!!)

أعاد الهمس وهو يقترب أكثر منها ويأخذ نفسا عميقا من رائحتها التي أضناه الاشتياق لها: موضي
حينها انتفضت بخفة لتلتقي عيناها بالعينين السوداوين العميقتين من قرب.. شهقت بقوة
فهمس بجزع: بسم الله عليش

تراجعت للخلف خجلا وهي تلمس شعرها خوفا أن يكون شعرها قد تشعث مع نومتها الغريبة غير المتوقعة

ثم ابتسمت بشفافية وسعادة عميقين: حلوة ذا التخريعة.. الحمدلله على سلامتك

ابتسم لها بعمق: الله يسلمش

تبادلا النظرات العميقة للحظات هو يقف وهي جالسة
نظرات بعمق سنوات وسنوات
عشرات المشاعر الكثيفة والمتشابكة والمتغلغلة
الشوق.. الشجن.. الاحترام.. المودة.. الاحتياج.. اللوعة
و الحـــب الذي أضاع طريق التعبير الصحيح

كانت موضي من قطعت خيط النظرات بوقوفها وهي تهمس بعمق شفاف موجع:
اشتقت لك.. كن الدوحة خالية من غيرك بسلامة أهلها

فهمس لها بعمق أكبر: وأنا اشتقت لش أكثر.. كن العالم كله خالي من غيرش

وحينها التقطت عيناه جزءا كبيرا من إصابة كتفها
شعر بتأثره يتعاظم.. مد أنامله ليلمس إصابتها بحنو
لم تتأخر ولم تحاول إخفاءها وهي تقف ثابتة أمام لمسته التي أشعرتها بالاضطراب
ليس لأنه يلمس إصابتها.. ولكن تأثرا من لمسته نفسها
همس لها بعمق موجع موغل في الرجولة: مقصود توريني؟؟ أو غير مقصود؟؟
ولو مقصود.. مقتنعة؟؟ أو غير مقتنعة؟؟

موضي وضعت كفها فوق كفه وألصقته بكتفها ليلتصق باطن كفه بإصابتها بشكل كامل.. ونظرت لعينيه بشكل مباشر
وهمست بشفافية: عيوني شتقول لك؟؟

ابتسم راكان بسعادة عميقة جذرية موغلة: تقول أنا أحلى عيون في الكون

همست موضي بابتسامة رقيقة: قل لها أنتي عيون كذابة..

ابتسم راكان بعمق: بس أنا خلاص شاهدها.. وبصمت لها بالعشر والعشرين إني ماشفت أحلى منها

موضي انتزعت كفها من فوق كفه بخفة.. ووجد نفسه حينها مجبرا أن يرفع يده عن كتفها.. بدت له المحاولة مستحيلة وشاقة
ولكنه فعلها وهو يقهر رغبات نفسه

حينها همست موضي بحنان: تعال أفطر ماعاد باقي على الأذان الأول إلا شوي

كانت نظراته تتابع موضي التي كانت تقوده للمائدة.. وقلبه تدق أجراسه على وقع خطواتها..
لا يعلم لماذا أصبح البيت لاهبا فجأة.. بدا له كتنور مفاجئ ملتهب
وهو يشعر أن عرقه يتصبب فعليا.. ودقات قلبه تتصاعد بشكل عنيف

جلس وهو لا يشعر مطلقا بأي رغبة لأكل أي شيء.. بل يشعر برغبة حادة للهرب خارج أسوار هذا البيت
لأنه يشعر أن السور الأعظم بينه وبين موضي قد تلاشى تماما!!
يخشى ألا تكون مستعدة!!
يخشى أن يستعجلها من أجل قرار قد تحتاج وقتا له

حين جلس.. همست موضي بنبرة مرحة خاصة: اقعد بجيب لك شيء

موضي توجهت للداخل.. وراكان صب لنفسه كأسا كبيرا من الماء..
سمى بسم الله وشربه دفعة واحدة عله يبرد بعضا من نار جوفه التي تأبى الانطفاء

حين عادت موضي كانت تحمل كيسا لمحل مجوهرات وساعات شهير.. ناولت الكيس لراكان الذي نظر لها مستفهما
همست بحماس رقيق: شوف بروحك

استخرج الهدية المغلفة بغلاف فاخر.. فضها بهدوء.. ثم فتح العلبة
رفع عينيه لموضي معاتبا: باتيك فيليب مرة واحدة!!

موضي بحذر: من طريقتك ما فهمت ذوقي عجبك أو لأ؟؟

راكان ابتسم بمودة عميقة: أكيد عجبني.. بس كلفتي على نفسش واجد.. والله واجد..

موضي ابتسمت: كنت أبي أجيب لك شيء أحسن بعد.. بس كل ماركات الساعات عندك.. إلا الباتيك.. قلت يالله توكلنا على الله
فيه صاحب مثلي بيهديك ساعة باتيك اللي انعرفت إنها ساعة الملوك المفضلة؟!!

هذه المرة هي من قالت "صاحب" لتبدو لها الكلمة ثقيلة جدا على لسانها وقلبها
راكان شعر هو أيضا من ناحيته بضيق لم يظهره لها
حتى متى وكلمة "صاحب" تقف حاجزا كريها بينهما؟!!

حاولت موضي تجاوز المشاعر الملتبسة التي كادت تخنق بهجتهما.. وهي تهمس بمودة : ممكن ألبسك إياها؟؟

راكان بابتسامة: أكيد ممكن

تناولت الساعة ثم تناولت يد راكان لتلبسه.. بدت له رشاقة أناملها المطرزة بنقشات الحناء شيء يفوق الخيال وهي تعقد له الساعة
همست حين انتهت وهي تمسك بيده: وش رأيك؟؟

همس وعيناه على يديها لا على الساعة: خيال والله العظيم

موضي رفعت يديها عنه وهمست بحنان ومودة: ملبوس العافية..الله يعطيك من خيرها ويكفيك شرها

حينها أمسك راكان بكفها.. واحتضنها في كفه وهمس: مشكورة.. الله لا يحرمني منش..

ثم أردف بابتسامة شفافة وهو يستعرض أناملها الساكنة في احتواء كفه: حلو الحناء عليش

همست موضي بخجل وهي تستعيد كفها وتحتضنها بكفها الأخرى: زين لاحظت

راكان بهدوء باسم: يعني تبين تحنين ثم تعيدين عليه.. وما انتبه بعد

موضي بابتسامة خجولة: يمه منك.. أشلون دريت
ثم أردفت وابتسامتها تتسع: العنود الفتّانة.. وأنا اليوم الصبح أدورها
أثرها فتنت وراحت

راكان باستفسار هادئ: على طاري العنود.. ما تبي ترجع لبيتها.. مسختها بالزعل

موضي تصب له فنجان قهوة وتناوله إياه: ماحد يدري وش اللي بينهم.. والله يصلح بينهم

استغرقت الأحاديث بينهما حوالي ثلث ساعة مدة إفطارهما السريع
وراكان يخبرها عن سفرتيه لسنغافورة ثم للكويت على عجالة
لينهض بعدها متوجها للمسجد



**************************



قبل ذلك بقليل
بيت جابر بن حمد

صالة البيت السفلية
الفتيات أنهين فطورهن وتوجهن لغرفهن ليجهزن حقائبهن لرحلتهن التي وعدهن بها حمد

تبقى حمد ووالدته ووالده

حمد بهدوء: يمه فديتش حطي غدانا عقب الصلاة على طول.. عشان نتغدى قبل نروح

أم حمد بهدوء: إن شاء الله يأمك

أبو حمد بحزم: حمد.. الله الله في خواتك

حمد بحنان: لا توصي حريص يبه... بناتي ذولا مهوب خواتي

أبو حمد بثبات: أنا وأمك ماعاد فينا جلد مطامر ورا ذا البنات.. ولا حن من هل الشاليهات والبحر وإلا كان رحنا معكم

حمد يبتسم: إلا قل إنك تبي توزعني إنا وخواتي عشان يخلى لك الجو أنت وعجوزك

أم حمد بنبرة مقصودة: وأنت متى بيغدي عندك عجوز؟؟

حمد وهو يتفهم مقصدها: يمه ذا الحكي ماله داعي.. مالي طربة في العرس

أم حمد بغضب: أشلون يعني؟؟ تبي تقعد طول عمرك عزابي
ماتبي لك عيال ومرة.. أنا وأبيك ماحن بدايمين لكم.. وخواتك مسيرهم معرسين وكل واحدة منهم رايحة لبيت رجّال
بتقعد بروحك يعني

تنهد حمد بعمق وصمت

بينما كان أبو حمد من تكلم وهو يقول بحنان: يا أبيك.. مايصير قعادك كذا
شبابك بيقضي.. ولازم لك عيال يسدون شيبتك
وحن نبي نشوف عيالك يا أبيك.. ارحم شيباتنا

تنهد حمد بألم (يروحون ويرجعون على العيال.. وش أقول لهم ذولا؟!!
أولا مافيه مرة عقب موضي تملأ عيني
وثانيا وش ذنب المرة اللي بأخذها تاخذ واحد عقيم مافيه عيال)

حمد وقف وهو يقول لأبيه لينهي الحوار:
يا الله يبه جعلني فداك
خلنا نروح المسجد نلحق الصف الأول



***********************



قبل ذلك
بيت سعد
غرفة سعد ومريم

مريم تتحسس طريقها حتى وصلت السرير
تجلس بجوار سعد وتهمس برقة: سعد.. سعد.. بو فيصل
قوم

فتح سعد عينيه بكسل.. ولكنه لم يتكلم.. كان يريد تأملها وهي توقظه
مريم ابتسمت: أدري إنك صحيت.. مالها داعي ذا الحركات

سعد بدهشة: يمه منش.. أشلون دريتي

مريم تريد الوقوف: بسيطة.. طريقة تنفسك تغيرت

سعد شدها وأجلسها وهو يهمس بمودة: ماشاء الله عليش
ثم أردف: ليش مستعجلة على الهريبة.. خليني أمتع عيوني بشوفة وجهش
كل صبح قبل يا أقوم بريحاتي شكلي يكسر الخاطر أول وجه أتصبح به وجهي المغبر في المرايه
يا أقوم وأتصبح بوجه أبو صبري وهذاك اليوم يكون كئيب اللهم أجرنا

مريم همست بما يشغلها: قابلت فهد

سعد تحفزت مشاعره: عسى مقابلة زينة بس؟!!

مريم بمودة: يجنن.. حبيته وحبيت ذكائه.. باقي أشوف فيصل

سعد يطبع قبلة على جبينها ثم يلقي غطائه وينهض من السرير وهو يهمس: بتشوفينه على الغداء إن شاء الله.. قصدي تقابلينه
فيصل حبيب.. دامش قابلتي فهيدان السوسة.. عديتي ثلاث أرباع الطريق



***************************


واشنطن
مساء
بعد صلاة العصر
بيت يوسف

ماريا كانت قد توجهت لشراء بعض الحاجيات..
لذا حُين طُرق الباب.. قامت باكينام لتفتح وهي ترتدي حجابها بسرعة
نظرت عبر العين السحرية في الباب.. استغربت
شابة جميلة بشعر أسود فاحم وعينين حالكتي السواد وبشرة خمرية
جمال هو نقيض لجمال باكينام الشقراء
كانت الشابة تحمل بعض الكتب في يدها
فتحت باكينام وهي ترحب باللغة الانجليزية
ولكن الشابة أجابتها: السلام عليكو (باللهجة المصرية)

باكينام بمودة مغلفة بالاستغراب: وعليكم السلام

الشابة بابتسامة رسمية: مش هاخد من وئتك كتير.. تفضلي كتب جو
واسمحي لي أستأزن

لا تعلم باكينام لما شعرت بضيق مفاجئ
لماذا تأتيه بالكتب في البيت؟؟
شابة جميلة تأتي لرجل في بيته!!
لماذا لا تواعده على اللقاء في الجامعة؟؟
هل اعتادت أن تزور يوسف في بيته؟؟
ثم وهي تقول (جو) ببساطة مما يوحي بتعودها عليه
كل هذا أورث باكينام ضيقا عميقا محرقا تعرفه لأول مرة
شبح كل سيدة متزوجة (الغيرة)
سابقا لم تلحظ على يوسف ما قد يجعلها تغير
ولكنها تحبه.. والحب تتبعه الغيرة.. حتى لو كانت تريد الطلاق..فهو الآن زوجها وملكها..

همست باكينام للشابة بنبرة اعتيادية قدر ما استطاعت: أنا شفتك هنا ئبل كده؟؟

الشابة وهي تستعد للمغادرة وتهمس بذات النبرة الرسمية الرتيبة: وأنتي موجودة لأ.. بس جو زرناه كتير هنا


الغيرة أشعلت باكينام تماما
(زارته كثيرا؟
الحقير
الحقيــر
الـــحـــقــــيــــر!!)

والغيرة أعمت باكينام وتفكيرها وحتى سمعها
عن ملاحظة شيئين
الشيء الأول: كلمة (زرناه) فهي لم تقل (زرته).. بل (زرناه)
الشيء الثاني : الدبلة في بنصرها اليسار

والمضحك والطريف والمسلي وربما المبكي لباكينام أن هذا ما أراده يوسف تماما
وهو يطلب من صديق مصري له أن يعيد له الكتب التي استعارها منه
وأن تعيد زوجته الكتب لأن البيت لا يوجد فيه سوى زوجة يوسف
ويوسف يحبك الحكاية بلطف ..ولسبب لطيف وخفيف

تحبه؟؟؟
لتذق بعض الغيرة كما أذاقته

أولا طلب من ماريا الحضور لمقابلته لكي يعطيها نقودا لمصاريف البيت
ثم يتصل بصديقه ويخبره أنه بحاجة ماسة للكتب
ويستأذنه أن تحضر زوجته الكتب لأن يوسف ليس في البيت وليس من اللائق أن يذهب صديقه بالكتب للبيت في غيابه
وتكون ماريا غائبة حتى لا تتعرف على زوجة الصديق التي رأتها عدة مرات مع زوجها في زيارات ليوسف
والشيء الآخر شخصية الزوجة التي كان يوسف لا يهضمها
وكثيرا ماقال لصديقه: (أنته صابر عليها إزاي؟؟)
وصديقه يرد عليه : (هي كده مريحة دماغي)
فهي تتعامل برسمية مع الأمور.. وتختلف في طبيعتها عن المصريين الودودين المحبين للحديث.. فهي يستحيل أن تسترسل في الحديث مالم تُسئل
وهذا تماما ما أراده يوسف: فهي يستحيل أن تعطي باكينام أي تفاصيل وخصوصا أنها قادمة في مهمة محددة وليست في زيارة

خطة بسيطة يعتورها النقص في عدة جوانب.. ولكنها نجحت
نجحت نجاحا باهرا



************************



ذات البلد واشنطن
ذات التوقيت
مكان مختلف.. شقة مشعل
ذات الموضوع.. الغيرة



هيا أحضرت الشاي ووضعته على الطاولة التي تتوسط غرفة الجلوس
سكبت لمشعل المنشغل على حاسوبه الشخصي
وهو يجلس على المقعد
ويمدد ساقيه أمامه

شكرها ونظره مثبت على الشاشة
هيا نظرت له وهو مستغرق تماما في عمله
وابتسمت بشفافية وحنان.. كم تحبه!! وكم يشجيها رؤيته وهو يستنزف نفسه في أطروحته
كم تتمنى أن ينتهيان من كل هذا ليعودا لبلدهما

عادت لمقعدها وهي تتناول كتابا عن مراحل الحمل
أصبحت الآن في بداية الشهر الرابع
استغرقت في قراءة كتابها

رن هاتف مشعل.. نظر للشاشة.. رقم بدون اسم
رد: آلو
.....................
أهلا داك (نبرة ضيق حاول ألا يبينها للمتصل من باب الذوق)
....................
بخير
...........................
على وشك الانتهاء
.........................
لا أعلم بموعد المناقشة بعد
........................
لا أستطيع أبدا.. أرجو المعذرة
............................
لا أستطيع
........................
مع السلامة

أنهى الاتصال وأعاد الهاتف مكانه

همست هيا بفضول: من ذا الدكتور اللي ماقلت له عن موعد مناقشتك مع إنه تحدد

مشعل وعيناه معلقتان بشاشة حاسوبه: لأنه ما أبي ذا الدكتور يحضر مناقشتي

هيا بفضول أكبر: ليش يعني

مشعل يبتسم: عشانش ما تحبينه

هيا باستغراب: أنا؟؟

مشعل بذات الابتسامة: يس

هيا باستفسار: من هو؟؟

مشعل مازال مبتسما: دكتورة باتريشيا

حينها ألقت هيا الكتاب من يدها وهي تهمس من بين أسنانها: وهي ليش تكلمك؟؟ وأنت ليش ترد عليها؟؟

مشعل بهدوء: أول شيء اقعدي.. العصبية مهيب زينة لش.. وخصوصا إنه الموضوع تافه وما يستاهل
أول شيء رقمها حذفته من زمان.. فهي دقت ماعرفت الرقم
والحين أحطه في البلاك ليست..
ثاني شيء بلاها حركات الغيرة ذي.. عيب هيا..

هيا بغيظ وهي تعاود الجلوس: يعني أشلون ما أغير عليك بعد

مشعل بهدوء: أول شيء أنتي عارفتني رجّال مصلي وراعي دين.. وذا السوالف مهيب لي ولا أنا لها
ثم أردف وهو يبتسم: وثاني شيء القلب خلاص صار لواحد ماله شريك

هيا توجهت ناحيته وجلست جواره وقبلت رأسه وهمست بعمق:
سامحني مشعل لو ضايقتك
بس حبيبي حس فيني.. أنا خلاص مالي غيرك
أنت أمي وأنت إبي..وزوجي وحبيبي وأبو عيالي
يعني كل شيء لي في الدنيا.. أنا أكره الدنيا يوم أفكر إنه فيه وحدة ممكن تشاركني بس في تفكيرك
استحمل خبالي شوي.. بأجيب العيال ثم والله بانهد وبارحمك



***********************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة العاشرة صباحا
غرفة مشعل ولطيفة


مشعل يصحو على قبلات ناعمة على وجهه
تعرف فورا على صاحبتها وهو يفتح عينيه ويبتسم:
فديت الوجه ياناس

جود تضع أصبعها على جفنه وتفتح عينه إجباريا وهي تهمس بنبرتها الطفولية المحببة: دوم بابي

مشعل يبتسم: عطي بابا بوسة بعد وعقبه بأقوم

جود تهز رأسها رفضا: لا مابي.. هبيتك واجد

مشعل ابتسم وهو يهمس بحنان: شوفي.. حبيني.. وأجيب لش فلة جديدة

التمعت عينا جود بفرحة وكانت على وشك تقبيله لولا أنه قاطعهما صوت لطيفة الحازم: لا جودي..
ثم أردفت: عطي بابا بوسه عشانه بابا حبيبش بس فلة مافيه

كانت لطيفة تجلس قريبا منهما على مقعد التسريحة تمشط شعرها ثم ألتفتت لمشعل وهي تهمس بنبرتها الهادئة المعتادة ببرودها:
مشعل لو سمحت.. قلت لك قبل.. لا تخرب جود بذا الطريقة.. تخليها تتعلم إنها ما تعطي شيء إلا مقابل شيء

مشعل اعتدل جالسا وهو يهمس بابتسامة: كذا خربتي علي بوستي
شوفي أشلون مادة بوزها زعلانة.. فديت البوز السكر

حينها تناول مشعل جود وهو يضعها في حضنه ويدغدها ويقبلها حتى تعالت صرخاتها الضاحكة:
بث مابي فلة.. مابي فلة

حينها التفت مشعل للطيفة التي انشغلت برفع شعرها
كم تبدو فاتنة!!
فـــاتــــنـــة!!
البارحة كان غاضبا منها لبرودها معه وهو يطالبها أن تبتعد عنه
ولكنه الآن مشتاق لدفنها بين أضلاعه
لا يستطيع أن يغضب منها
فهذه المرأة تتغلغل في روحه وتتربع على عرش قلبه
كلما جرحه برودها معه.. كلما تجدد لديه الأمل في المرة القادمة
أمل يشعل جذوته: حبه لها ورغبته في استعادتها

همس لجود الضاحكة في حضنه بخبث لطيف: تبين تروحين لجنغل زون؟؟

صرخت جود بهستيريه طفولية: إيه إيه أبي ألوح

مشعل التفت للطيفة وهو يهمس لجود: خلي ماما هي اللي تعطيني بوسة هنا
قالها وهو يشير على خده

حينها قفزت جود لأمها وهي تجر طرف جلابيتها الحريرية وهي ترجوها:
ماما هبي بابي.. هبي بابي

لطيفة وقفت بهدوء وهي تستجيب لشد جود لها.. توجهت لمشعل وانحنت عليه
تحفزت مشاعر مشعل للحد الأقصى وهو يشتم رائحة عطرها الرقيق ويرى ملامحها الفاتنة من قرب
لينتهي تحفزه
بقبلتها الباردة

حينها أبعد مشعل خده عن شفتيها وهو يهمس ببرود:
تدرين.. ليتني قعدت على بوسة جود أبرك لي.. على الأقل فيها شوي احساس

وقف وهو يبتعد عن السرير ويهمس للطيفة بهدوءه الحازم:
جهزي العيال يروحون معي لصلاة الجمعة



*********************************


بيت سعد بن فيصل
مقلط البيت في الأسفل
فترة الغداء

الغداء مرتب على سفرة على الأرض وعلى الجلسات الأرضية يجلس سعد وأولاده انتظارا لمريم

وسونيا ذهبت لاحضار مريم من الأعلى.. مريم لا تشعر برغبة في الأكل.. فهي تخجل أن تأكل أمامهم
ولكنها لا تستطيع أن ترفض النزول فهي متشوقة لبدء حياة أسرية طبيعية مع سعد وولديه

سونيا أوصلتها للباب وهي تهمس في أذنها بعدة كلمات لتخبرها عن نظام المقلط والمتواجدين فيه
ثم غادرت للمطبخ

فيصل كان من وقف وهو يقبل رأسها ثم يمسك كفها ليقودها
همست مريم بحنان: أشلونك فيصل؟؟

فيصل بتهذيب: طيب جعل شيبانش الجنة

سعد همس له بحنان أبوي خاص: قعدها يأبيك

فيصل أوصلها لطرف السفرة ثم همس باحترام: اقعدي عمتي

مريم جلست بحذر ثم ابتسمت وهي تهمس لفيصل برقة: ترا بكيفك تحب تقول عمتي وإلا مريم ترا كله واحد اللي يريحك

تجنبت مريم التهور الذي يصيب بعض زوجات الأباء حين يطالبن أبناء أزواجهن بمناداتهن أمي فور زواجهن من أبائهم..
ولأسباب كثيرة قد لا يكون الحنان من بينها!!!!

فيصل همس باحترام: عمتي أحسن.. كان ماعندش مانع

مريم بحنان: لا فديتك ماعندي مانع
ثم أردفت: وفهد وش يحب يقول؟؟

فهد قلب شفتيه وهو يقول بنبرته المعتادة.. نبرة عدم الاهتمام: كله واحد.. انتي تبين أقول لش عمتي قلت.. تبين مريم قلت.. تبين مريوم قلت

سعد ينهره بخفة: فهيدان احشم عمتك

مريم تبتسم: وشفيك سعد ماقال شيء.. خلاص فهد قل لي عمتي مثل فيصل

سعد نظر لفهد بنظرة حادة.. فهم فهد مغزاها ولم يهتم لها
سعد بهدوء: سمو بسم الله

مريم لم تمد يدها وهي تشعر بالخجل المؤلم لأنها لا تعرف أين أماكن الطعام.. وهي اعتادت أن يُغرف لها في صحن تتناول منه ولا تمد يدها لسواه

همس سعد بمودة: مريم مدي يدش

مريم بخجل: فيصل حبيبي ولا عليك أمر.. اغرف لي في صحن صغير وحطه عندي.. لأني ما أعرف وين الأكل فيه بالضبط
(اختارت أن تطلب من فيصل احتراما لسعد.. وحتى لا تأمره بشيء أمام أولاده)

سعد شعر بالألم يحز في روحه.. كيف أنه شرع في الأكل دون أن ينتبه أنها بالتأكيد ستحتاج للمساعدة

فيصل همس بلطف: إن شاء الله عمتي.. ابشري.. وكل يوم أنا اللي باغرف لش

فيصل غرف لها في صحنها وهو يخبرها بلطف ماذا وضع لها فيه حتى تعلم بالضبط ما ستأكله.. وإن كانت تريد المزيد من أي شيء

فهد كان ينظر لفيصل ويرقص حاجبيه
بينما فيصل ينظر له نظرة نهر حتى لا ينتبه والده لحركاته

فهد (بعيارة): فصّول وش فيك على عمتي؟؟
عمتي ما تشوف.. بس تعرف تذوق
يعني مافيه داعي تميلح وتقول فيه عيش ولحم وبطاطس.. وما أدري ويش

سعد كان على وشك نهر فهد.. وغضبه بالفعل يتزايد من قلة تهذيب ولده لولا إن مريم كانت من سارعت بالكلام وهي تهمس برقة:
فديتهم اثنينهم شايلين همي
الله لا يخليني منكم
اشرايكم عقب الغداء تودوني غرفكم.. وتشرحون لي ترتيبها عشان أصير أدل فيها إذا ما عندكم مانع



*****************************


الدوحة
بعد صلاة العصر
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل


ناصر ينهي إغلاق حذائه المرتفع (البوت) كخطوة أخيرة في لباس الفرسان وهو يستعد للذهاب للتدريب

رفع رأسه ونظر بشجن عميق إلى مشاعل التي كانت تطرز قماشا في يدها وشعرها الناعم القصير يتمايل بخفة مع حركتها

همس ناصر: مشاعل أنتي من زمان وأنتي تقصين شعرش كذا؟؟

مشاعل رفعت عينيها إليه وهو يقف ويتناول نظارته الشمسية..
تراه على الأقل مرتين في الأسبوع بلباس الفرسان ومع ذلك كل مرة تنظر له كطفلة مبهورة
صمتت وعيناها تتعلقان انبهارا بالقامة الفارعة الطويلة

ابتسم ناصر: قلبي ما جاوبتيني

مشاعل انتفضت بخفة وهمست برقة: طول عمري حبيبي.. من يوم وأنا في ابتدائي ما أحبه يطول
على طول أقول للطيفة توديني الصالون يقصونه لي
يعني أنا ما عرفت عمري إلا بالكاريه ما أطيقه يطول

ابتسم ناصر وهو يميل عليها ويهمس بعمق خاص: ولو قلت طوليه عشاني.. بتقولين ما تقدرين؟؟

همست مشاعل بوله عميق: لا والله ما أقوله
إلا بأقول من عيوني الثنتين



****************************



واشنطن
ليلا
بيت يوسف

باكينام تشتعل .. وتشتعل وتشتعل
تريد أن تتصل بيوسف ولكنها تحاول منع نفسها حتى لا تُشمت يوسف فيها
يكفيها الخزي الذي تشعر به منذ الصباح منذ زيارة يوسف الغريبة
حين ظنت نفسها تحلم وتصرفت تصرفات مجنونة تخجل من مجرد تذكرها

ولكنها أخيرا فعلتها واتصلت
وعذرها الطبيعي معها
فهناك من جاءت لإحضار كتب له.. ولا بد أن تخبره به

اتصلت به
الاتصال الذي كان يوسف يتوقعه وينتظره
كان حينها يجلس على مكتبه ويعمل على الأجزاء الأخيرة من رسالته

رن الهاتف ابتسم وهو يرى اسمها
رد بهدوء خبيث: أهلا باكينام.. أوعي تكوني بتحلمي كمان

باكينام كحت بحرج.. ولكنها تماسكت بسرعة وهي ترد ببرود: زريف أوي
ثم أردفت: فيه ناس جابوا لك كتب

يوسف بنبرة مدرسة: مين؟؟

باكينام بهدوء تشتعل تحته: وحدة ست

يوسف يبتسم: حلوة وإلا وحشه؟؟

باكينام بصدمة: نعم؟؟

يوسف يكاد ينفجر ضاحكا ولكنه يرد بتماسك هادئ: بسألك حلوة وإلا وحشة؟؟
أصل مراتي عاوزاني أطلئها والواحد لازم يضمن مستئبله

باكينام تكاد أسنانها تتكسر من رصها عليها: حلوة.. حلوة آوي
ثم لم تستطع .. لم تستطع
انفجرت: عاوز تتجوز وأنا لسه على زمتك..
وبتئولها ئدامي كمان؟!!
يائليل الأدب.. يا بتاع النسوان.. يا بصباص

حينها انفجر يوسف ضاحكا: بتغيري..؟؟ صح
عارفة يا باكي اللفة الطويلة اللي عملتها تستاهل تعب التفكير والاتصالات
لما تبئى حنان ترجع تزورك سلمي لي عليها
عشان أنا النهاردة اتصلت بجوزها وئلت له يخليها تودي الكتب عندك
ومالحئتش أئول له يسلم عليها

باكينام تكاد تبكي حرجا وهي تكتشف كيف سخر يوسف بها ومنها
أغلقت الهاتف
وهي تبكي بدموع القهر
تود أن تمزقه بأسنانه لو كان أمامها

دائما يعرف كيف يسخر منها!!
حتى وهو يشعل غيرتها كان يسخر منها!!
أي رجل هذا!!
أي رجل!!
مرت ثلاثة أسابيع على الأحداث الأخيرة


الأوضاع المستقرة
هيا ومشعل رائعان متفاهمان.. فبعد كل مامرا به كلاهما أصبح تفاهمهما أعمق وأعمق
مناقشة مشعل وامتحانات هيا بعد حوالي أسبوعين..
اقترب موعد عودتهما النهائية للدوحة


ناصر ومشاعل.. وضعهما رائع ومستقر.. زوجان طبيعيان تماما في حياة طبيعية
مشاعل عملت في المدرسة القريبة.. بعد أن استخدمت أسلحة دلالها ورجاءاتها في إقناع ناصر الذي لم يكن عنده مانع فعليا ولكنه كان يريد الاستمتاع برجاءاتها العذبة
وهاهما كلاهما يذهبان لعمليهما.. وناصر هو من يوصل مشاعل قبل ذهابه لعمله وهو من يعيدها كذلك


الزوجان الآخران في ذات البيت
وضعهما أبعد ما يكون عن الطبيعية وأقرب مايكون لها كذلك
كلاهما عادا لعمليهما.. وهما رفيقان في طريق الذهاب والعودة
علاقتهما ببعضهما تتعمق أكثر وأكثر.. وكلاهما بات مستحيلا أن يستغني عن الآخر
وخصوصا مع زوال شبح حمد عن حياتهما
ولكن وضعهما على ذات الحال "أصحاب"
رغم أنهما كلاهما أصبحا يكرهان هذه الكلمة وكلاهما يتحرقان لانهاء الوضع الملتبس بينهما
ولكن احترام كل منهما للآخر هو ما يمنعهما
فكلاهما ينتظر أن يكون الآخر هو المبادر حتى لا يكون يفرض على شريكه شيئا قد لا يكون يريده
فراكان يخشى ألا تكون موضي متقبلة له كرجل رغم أنه بات يلاحظ تأنقها الدائم وألقها المستمر في حضرته ولكنه أيضا لا يريد رسم آمال على مجرد شيء هو يعتقده
موضي وضعها أصعب.. فشبح حبيبة راكان السابقة بات يتضخم ويتضخم حتى كاد يخنقها
فراكان بات يستولي على مشاعرها لآخر خلية في جسدها وآخر نفس في روحها
ولكنها تخشى أن حبيبته ربما مازال لها مكان في قلبه لذا يريد هو أن يبقى الوضع على ماهو عليه
الغيرة تحرقها من هذه المنافسة المجهولة التي تستولي على قلب والد طفلها

نعم!!
والد طفلها!!
موضي حـــامــــل!!

تأكدت من بعد عودة راكان بيومين.. ولكنها لم تخبر أحدا رغم أنها وفقا لحساباتها وحساب الطبيبة تكاد تدخل الشهر الثالث
(الحمل يتم احتسابه منذ اليوم الأول لآخر دورة شهرية)
وحمها ثقيل جدا.. فهي قليلة الأكل ودائمة الترجيع
وإن كان الآخرون لم يلاحظوا شيئا.. فراكان شريكها في السكن لاحظ تماما
وقلقه عليها تصاعد
ولكنها أرجعت ذلك إلى تهيج القولون رغم أنها غير مصابة بالقولون أساسا
واقنعته أنه تتناول علاجا له رغم أنها كانت تتناول حمض الفوليك وفيتامينات للحمل وأقراص للوعة فقط
لم تكن موضي تريد الكذب على راكان ولكن هذا ما خطر ببالها..
ولكن هذا لم يمنع راكان من القلق ومعركة يومية بينهما تندلع بعد كل ترجيع لأن راكان يريد أخذها للمستشفى وهي ترفض
وراكان بات يشعر بوجع متزايد ورعب متوحش أن تكون مريضة وتخفي عليه مرضها



هناك أيضا من يعاني من التعب وقلة الأكل ولكن وضعه أكثر سوءا بكثير بكثير
إنه فارس
فارس يكاد ينهار جسديا.. لا أحد يعلم ما حل به
فوزنه مستمر في النزول بشكل مرعب.. والتعب والمرض باديان تماما على وجهه
من بعد تلك الليلة المشؤومة التي صفعته فيه العنود بكراهيتها له
ففارس يمثل وبغرابة فريدة طراز عشّاق انقرض منذ قرون.. العشاق المستيمتون في الغرام.. والذين قد يقتلهم الغرام
رغم أن شخصيته القوية الحادة تناقض هذا النوع من العشق ولكن هكذا أراد له الله سبحانه.. أن يبتليه بهذا الحب
وإن كان جسده يوشك أن ينهار.. فإن كبرياءه مازال صامدا بل تزايد
فهو مازال في شخصيته وطبيعته وحياته على نفس النظام.. يذهب لعمله بشكل يومي..
رغم أن رئيسه بات يرجوه أن يأخذ إجازة ليذهب للعلاج في أي مكان
فيهمس له فارس بحزم (هل قصرت في عملي؟!!)
فيرد عليه رئيسه(بالعكس في العمل أنت الأفضل ولكن المرض باد عليك)
فيرد فارس بذات الحزم (إذن عليك من أدائي الوظيفي وليس شكلي)

وكما رئيس فارس لاحظ فأهل فارس لاحظوا قبل ذلك: والدته وخاله وأعمامه وأبناء عمه وأخواته..وهم يرجونه جميعا أن يجري فحوصات ليتأكد من وضعه الصحي
و ناصر بالذات كل يوم يلح عليه أن يذهبا لاجراء فحوصات طبية له
وهو يرفض بشكل قاطع لأنه يعلم أن علاجه ليس بيد الأطباء ويستحيل أن يخبرهم أن علاجه بيد من نحرت فؤاده

العنود هي من لا تعلم بوضع فارس فهي من بعد زواج مريم باتت أكثرانعزالا.. وتقضي أغلب وقتها في غرفتها تدرس
وليس السبب زواج مريم فقط.. ولكن جرحها بتجاهل فارس لها..
فهي تعيش على أمل أنها ستعود يوما لأحضانه ولكن هذا الأمل بات بعيدا لتفقد هي متعة الحياة ورغبتها في الحديث مع أي أحد
والكل بات يتفهم رغبتها في الانعزال وإن كانوا جميعا يستغربون هذه الرغبة
والدها حاول معها كثيرا أن تعود لفارس الذي ماعاد يذكر اسمها اطلاقا أمام أحد
ولكن العنود رفضت بشراسة ويأس وحزن أن تعود له مع كل هذه التعقيدات بينهما التي مازالت لم تحل.


باكينام ويوسف الوضع المضحك المبكي
رأته خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عدة مرات زارها فيها ولكن كل مرة تنتهي بعراك
فيوسف بعد أن عرف مشاعرها ناحيته بات يتلاعب بهذا الوتر جيدا
وهو يقربها ويبعدها بمهارة في محاولة لكسر مقاومتها
فهي في البداية حين كان هو مستميتا في الركض خلفها ورفض الطلاق
كانت هي مصرة عليه
ولكنه الآن بات يلمح لها أنه لا مانع لديه من الطلاق لتشتعل هي بالغيرة وهي تقول له: أن أكثر ما يسعدها هو التخلص منه
رغم أنها باتت مرعوبة أنه قد يفعلها.. فهي في البداية كانت تطلب الطلاق وتراه رافضا بشدة لذا كانت مطمئنة بغرابة الأنثى أنه لن يفعلها
فهي كانت تقنع نفسها أنها تريد الطلاق ولكنها في أعماقها ترفض شيئا قد يبعدها نهائيا عن يوسف

(مابه تقبل الطلاق فجأة؟!!
هل هناك أخرى في حياته يريد أن يتخلص مني من أجلها)
شعورها بالخطر وخوفها من فقدان يوسف.. الرجل الوحيد الذي أحبته
أشعل مشاعرها للحد الأقصى



عائلة جابر بن حمد
العائلة بأكملها تعيش سعادة عميقة بعودة حمد وشخصيته المختلفة الحنونة
وأكثرهن سعادة شقيقاته الثلاث وهو يبالغ في تدليلهن وتنفيذ رغباتهن وكأنه يريد تعويضهن عن كل ما مضى
ولكن والدته ووالده مازالا يلحان عليه ليتزوج
وهو يبحث عن أعذار مختلفة في كل مرة
يحاول بجد أن يتناسى موضي..
ولكنه لا يستطيع أن يتناسى عدم قدرته على الانجاب ولا يريد أن يظلم أحدا معه



مشعل ولطيفة الوضع المبكي المبكي فعلا
طاقة مشعل للصبر تكاد تنفذ.. فالرجل بطبعه ليس صبورا فكيف حينما لا يجد له سببا للصبر؟!!
حينما غضبت لطيفة منه المرة الأولى.. رغم أنها منعته حتى من لمسها لمدة قاربت ثلاثة أشهر ومع ذلك صبر وكان مستعدا للصبر أكثر
لأنه كان يعلم أنها تذوب ما أن يقترب منها حتى لو حاولت الإنكار وادعاء البرود
ارتعاش أطرافها ورعشة صوتها واضطراب تنفسها واختلاج نظراتها
كان يستمتع بقراءة توترها الذي يهز مشاعره بعنف وعمق
كان يعلم حينها أنها لا تريده أن يلمسها حتى يطيب خاطرها وتكون بكامل مشاعرها معه
لذا صبر وصبر

ولكن الآن الوضع مختلف تماما.. فهي مطلقا لم تمنعه من حقه الشرعي عليها
ولكن مشعلا هو من بات يكره الاقتراب منها أو التحدث معها بحديث حميم
فهي تجرحه وتجرح رجولته ببرودها الثلجي
وما يجرحه أكثر حين يرى انطلاقها ودفئها مع الجميع عداه.. يفتقد لطيفة القديمة بوجع.. ويبدو له كما لو كانت لطيفة تلك ماتت ودُفنت
لطيفة ذاتها لا تعلم ماحل بها.. وترى أنها لم تخطئ بشيء فهي تنفذ كل رغباته وتقوم بكل شؤونه.. وأكثر من ذلك ماذا تستطيع أن تقدم؟!!
ذهبا للعمرة وعادا خلال يومين.. والحال هو الحال..
لطيفة مازالت تدرس بجدية وهي تستعد لأداء الامتحان النهائي



مريم وسعد وأولاده
مريم وسعد بينهما تفاهم رائع.. فكلاهما ناضجان.. تجاوزا طيش الشباب وحماسته
لذا كان تفاهمها بعمق نضجهما
وكلاهما يجد له بعد طول زمن روحا يسكن إليها وشريك روح يحمل بعض همه
تعبا في الأيام الأولى ومازالا يعانيان قليلا وكلاهما يعتاد على طباع الآخر ويراعي نظام الآخر
سعد الآن بات حريصا على إعادة كل شيء لمكانه الدقيق حتى تجده مريم فيما بعد
ومريم باتت تتفهم طباعه ورغباته ونظام معيشته وطريقة تربيته لأولاده
بينها وبين سعد لا مشاكل مطلقا وكلاهما يجد نصفه الآخر بكل معنى الكلمة.. ولكن المشاكل بينها وبين فهد
فهي مازالت عاجزة عن فهم هذا الفتى
فهو يقلل كثيرا من احترامها وهي ما اعتادت على ذلك.. فهي معلمة لديها طلاب بسنه اعتادوا على احترامها
وكذلك أبناء شقيقها مشعل وريم وسلطان ابناء عمها عبدالله.. جميع الأطفال يحترمونها ويحبونها ولكن هو نظام مختلف تماما
فيصل باتت تربطها به علاقة مودة تقوى يوما بعد الآخر.. وهو يحرص أن يكون من يساعدها حين يكون موجودا
ومريم تجلس ليليا عند رأسه وهي تحادثه حتى ينام.. حتى أنه اعتاد الآن أن يضع مقعدا عند رأس سريره من أجل مريم
وقبل أن تأتي لفيصل تتوجه لغرفة فهد لتجلس معه أيضا وتحكي له الحكايات حتى ينام هو أولا..
ولكنه يظل يتأفف أو يلقي عليها كلمات مسمومة مغلفة بالبراءة المصنوعة
ولكنها لا تبالي بما يقوله حتى ينام حينها تتوجه لفيصل..
ثم بعد ذلك تتوجه لغرفتها ويكون سعد حينها قد وصل أو على وشك الوصول من جلسته في المجلس
وهو يرتاح كثيرا من هم أولاده مع وجود مريم.. وهي تتأكد أن الاثنين لابد أن يكونا قد ناما قبل الساعة العاشرة

ولكن مالم يعلمه سعد أن فهدا بات يبالغ في أذية مريم.. ومريم تحرص ألا يعلم سعد بشيء لأنها تعلم أن هذا ما يريده فهد
يريدها أن تخبر والده حتى يعاقبه فيجد له سببا لكراهيتها..
وهي من ناحية أخرى تريد أن تتفهم سبب تصرفات فهد بدون تدخل أحد بينهما
رغم أنها وفي داخلها باتت تخاف من فهد فهو مبصر وهي ضريرة وهو طفل لا يزن الأمور وتصرفاته في الأيام الماضية كانت مؤذية
وتصرفه الأخير كان مؤذيا جدا وكادت أن تصاب لولا ستر الله وحفظه
ففهد كان يتفنن في تنفيذ المقالب لمريم

أولها أنه قال لها مرة : ( فيه شيء على خدش)
ثم مسح خدها وذهب
وحين دخلت عليها أم صبري همست لها باستغراب : (بت يامريم على وشك صبغة سوداء)
حينها تنهدت مريم وهي تنادي سونيا لتحضر لها مناديل معقمة لتمسح وجهها
دون أن تخبر أحدا عن سبب الصبغة السوداء على وجهها

المرة الثانية
كانت على وشك الجلوس فوضع لها على الأريكة مادة لزجة كالجل لا تطبع ولا توسخ
ولكنها توحي بالقرف وخصوصا لمن ستشعر بملمسها دون أن تراها

مريم حين جلست وشعرت باللزوجة تحتها قفزت وكادت تتعثر بينما هو تعالت صوت ضحكاته وهو يقول بخبث : مزحة عمتي.. لا تزعلين

فضحكت مريم برقة رغم تأثرها وخوفها: ماشي ذا المرة.. بس تكفى فهودي بلاها ذا الحركات.. أنا ما أشوف ياماما.. خطر علي كذا

ورغم تحذيرها له ولكنه تجاوز كل حد في مقلبه الثالث
كانت مريم تدخل للمطبخ الداخلي.. كانت تريدهم أن يعدوا لها قهوة
سارت لناحية طاولة الطعام ثم تحسست المقعد وهي تعده لتجلس عليه كانت على وشك الجلوس فإذا بها تسقط على الأرض بشكل موجع لأن فهد سحب المقعد من تحتها
وكان هو من شدة ذكائه أوخبثه يلهيها بالكلام لأنه يعلم أن حاسة السمع عندها حساسة وقد تنتبه لصوت انسحاب المقعد

مريم مطلقا لم تغضب من فهد فهو طفل وتصرفاته هذه لابد من مبرر لها.. ولكنها لا تنكر أنها باتت تخاف أن يؤذيها وهو لا يقصد



*************************



الدوحة
يوم جديد يمر في حياة أبطالنا
الساعة السادسة صباحا

قسم راكان

راكان يقف عند باب الحمام.. ويهمس بقلق : موضي شأخبارش؟؟

صوتها المكتوم يصله من الداخل: طيبة راكان .. روح أفطر بأجي لك

راكان بغضب وحزم: أي فطوره أنتي بعد؟؟ خلصيني أوديش المستشفى

موضي خرجت وهي تغطي فمها بفوطة صغيرة وتهمس بضعف: مافيه داعي راكان.. الوضع طبيعي وأنا أكل علاجي

راكان غاضب من عنادها: أي طبيعي موضي.. البارحة بالذات كان أكثر من كل يوم.. تقريبا ما نمتي وأنتي كل شوي قايمة ترجعين
وبطنش مافيه إلا الماي
موضي لا تجبريني أشلش بالغصب للمستشفى

موضي تجلس على طرف السرير وتهمس بتعب: تكفى راكان بس عطني يومين
لو ما تحسنت بأروح

راكان جلس جوارها وهو يحتضن كفها ويمسح أناملها بحنان
قلقه عليها بات يتصاعد.. كان يستطيع أن يحلف عليها ويعلم أنها لن تعصيه
ولكنه هو نفسه بات يخشى الذهاب للمستشفى
لأنه يرى اصرارها على الرفض.. يخشى أنها مريضة ولا تريد صدمه بمرضها
بات يعيش رعبا متواصلا عليها.. وهو يخشى من لحظة الصدمة
مشاعره تضغط عليه بعنف
رفع كفه عن كفها ليحيط كتفيها بذراعه وكأنه يريد حمايتها من أي شيء قد يؤذيها أو يأخذها منه
موضي وضعت رأسها على كتفه ليشدد احتضانه لكتفيها
كم تمنت الاستكانة بين أضلاعه.. وهاهي تستكين
سمعت تنهداته المؤلمة التي مزقتها.. همست ورأسها مختبئ في كتفه:
راكان والله العظيم ثم والله العظيم إني مافيني إلا العافية

راكان همس بعمق: حلفتي ياموضي

موضي لم تقاوم رغبتها بتقبيل كتفه حيث يستكين رأسها .. قبلت كتفه وهمست برقة: وأنا حلفت وربي شاهد علي

راكان انتفض بخفة ومشاعر عذبة شديدة الوطأة تغتال مشاعره المستنزفة مع ملامسة شفتيها لكتفه
لم تعطه موضي مجالا للرد أو التعبير وهي تنهض وتقول: يالله راكان تعال أفطر نلحق نلبس ونروح الدوام

راكان مازال عاجزا عن تجاوز مشاعره وهو يهمس بثقل: أنا بأروح للدوام لكن أنتي لا

موضي بتأفف لطيف: ليش راكان؟؟

راكان تنهد بعمق لينفض بقايا تأثره العميق ثم أجاب بحزم: الوضع الصحي اللي أنتي فيه ما يكفيش
قلت اليوم مافيه دوام يعني مافيه دوام



*************************


بيت فارس بن سعود
الصالة السفلية
الصباح الباكر

أم فارس تجلس أمام الفطور الذي تعلم أنه لن يأكل منه شيئا.. ومع ذلك تحاول
فارس ينزل وغترته في يده كعادته ليلبسها أمام المرآة المجاورة للباب

يسلم على أمه ويقبل رأسها ثم يجلس ويصب لنفسه فنجانا من القهوة
يرتشفه بعجالة ثم ينهض

أم فارس برجاء عميق: فارس بس قلاص حليب يأمك

فارس يبتسم: مالي فيه فديت عينش.. بأروح للدوام

أم فارس برجاء أعمق: تكفى يأمك عشان خاطري

فارس جلس وهو يقول بحنان: صبي يالغالية

أم فارس صبت له كوبا من الحليب الساخن وحلته بقليل من السكر وناولته إياه وهي تعلم أنه مثل كل يوم سيرتشف منه رشفة من أجلها ثم سيتركه
همست له بحنان متألم: يأمك لمتى وأنت على ذا الحال؟؟

فارس تنهد وهو يحاول الابتسام: فديتش مافيني شيء

أم فارس برجاء موجع: تكفى يأمك روح المستشفى خلهم يفحصونك عشان تدري وش اللي فيك

فارس يقف ويقبل رأسها ويهمس لها بحنان: أروح للمستشفى بدون سبب؟!!

ثم ارتدى غترته وخرج

لتتناول أم فارس هاتفها وتتصل.. وعبراتها تخنقها



**************************



بيت محمد بن مشعل
الصالة السفلية
الصباح الباكر

مشاعل وناصر مع أم مشعل يتناولان افطارهما وهما مستعدان للذهاب لعملهما
تنزل العنود بجلابية البيت

تسلم عليهم وتقبل جبين أمها وتجلس

ناصر بمرح: والأخ الكبير ماله حبة على الرأس

العنود وقفت وقبلت رأسه وهي تبتسم: يستاهل اخينا الكبير

ثم التفتت على مشاعل وهي تسألها: شأخبار المدرسة؟؟

مشاعل بعتب أخوي حنون: زين فكرتي تسألين.. ترا صار لي ثلاث أسابيع مداومة؟؟ اشتقت لش ترا

العنود بحرج: سامحيني.. خبرش امتحانات وضغط دراسة

ناصر يهمس للعنود بحنان: امشي أوصلش الجامعة على طريقي

العنود تبتسم: أولا الجامعة مهيب على طريقك.. دوامك وين والجامعة وين
ثاني شيء محاضراتي متأخرة شوي.. بتوديني سواقة مريم
ثالث شيء فيه فلاش مضيعته عليه شغل مهم لي.. أبي أدوره قبل أروح الجامعة



*****************************



بيت مشعل بن محمد
الصباح الباكر

لطيفة جهزت أولادها وذهبوا للمدارس ثم عادت لغرفتها
وجدت مشعل أنهى استحمامه ويرتدي ملابسه

توجهت لمكتبها لتدرس
مشعل حينما أنهى لباسه توجه للأريكه وجلس عليها ثم همس للطيفة بحزم:
لطيفة تعالي أبي أكلمش شوي

سابقا لو بدأ مشعل حديثه بهذه الجملة كانت ستشعر بالتحفز والقلق ولكنها الآن لا تشعر بشيء مطلقا سوى أنها لابد أن تطيعه لأنه زوجها

جاءت وجلست قريبا منه
تنهد مشعل ثم همس بهدوء حازم: لطيفة عاجبش حالنا كذا؟؟

لطيفة بهدوء: أي حال؟؟

مشعل بهدوء ثابت: برودش معي..

لطيفة بذات الهدوء المسموم: والله أنت 13 سنة وأنت بارد معي.. ما اشتكيت
وبعدين اظني إني ماقصرت في حقك..
لا منعتك من حقوقك
ولا قصرت في حق بيتك ولا عيالك

مشعل بذات الهدوء المدروس: شوفي لطيفة الـ13 سنة اللي فاتت أظني إنه احنا تجاوزناها وأنا اعتذرت لش عنها
وأنا ماقلت لش إنش قصرتي في حقي.. قلت أنا ما أقدر أتحمل برودش معي

لطيفة بثبات: والمطلوب مني؟؟

مشعل بهدوء موجوع: ولازم يكون فيه شيء مطلوب منش.. أنا تعبان وماتعودت منش على ذا البرود حتى في الـ13 سنة اللي تقولين
إذا أنتي منتي بقادرة تحسين فيني.. نكون وصلنا طريق مسدود

لطيفة بذات الهدوء البارد: أنا ماقصرت في شيء.. وأكثر من كذا ما أقدر أسوي..

مشعل يقرر أن يلعب بالورقة الأخيرة والخطيرة وهو يهمس بنبرة مدروسة:
الرجّال لو مالقى راحته في بيته.. دورها برا بيته..

لطيفة وقفت وهي تهز كتفيها وتهمس ببرود: دامه في الحلال.. سوو اللي تبيه

مشعل بغضب حقيقي: أكيد بالحلال.. ليه أنتي شايفتني راعي حرام؟!!

لطيفة توجهت لمكتبها وهي تهمس بهدوء غير مفهوم: مبروك مقدما
لو تبي اتصلت فيها وباركت لها بنفسي بعد

مشعل شعر كما لو كان ضُرب على رأسة بمطرقة ثقيلة
شعر بصداع مفاجئ قسم رأسه إلى نصفين
(إلى ذا الدرجة أرخصتيني يا لطيفة
لذا الدرجة؟!!)

يتذكر ثورتها الرائعة المفعمة بالحياة حين أخبرها أنه قد يتزوج قبل عدة أشهر
تدفقت الحياة في عروقها إلى حد الامتلاء الصارخ الفاتن
الذي أشعل مشاعره حتى النخاع
ولكنه الآن انطفئ..
انـــطـــفــــىء
انطفئ مع انطفاءها!!



****************************


بيت جابر بن حمد
الصباح الباكر

الصالة السفلية
أم حمد وأبو حمد ومعهما حمد يفطرون سويا

حمد همس بهدوء: يمه البنات وينهم..بيتاخرون على المدرسة كذا وبيأخروني على دوامي

أم حمد بحنان: يامك روح لشغلك.. البنات مريسهم واجد
إبيهم بيوديهم.. وإلا وديتهم أنا مع السواق

حمد بمودة: لا أنا بأوديهم..يستانسون لا وديتهم أنا

أبو حمد بحزم: يأبيك لا تخرب البنات بالدلع..

حمد بحنان: خلهم يتدلعون.. جا الدلع على ذا الروحة يعني

أم حمد بحزم أمومي: لا يأمك مهوب على ذا الروحة بس
بس أنت صاير تدلعهم بزيادة
وهذولاء بنات صغار.. لازم الواحد يحكمهم شوي مايخَلون على كيفهم

حمد بود: والله يمه ماشفت مثل أدبهم وذرابتهم.. ربيتي وأحسنتي التربية
ولا تخافين عليهم.. ماني بمخربهم عليش بالدلع لا تحاتين

(بلى خربنا تكفى)

كان هذا صوت معالي المرح وهو تنزل الدرج

قفزت بمرحها المعتاد لتقبل رأس والدتها ووالدتها ثم تتعلق بعنق حمد وهي تطبع قبلة كبيرة على خده

أم حمد تنهرها: بس خنقتيه

معالي تفلت حمد وهي تنظر لأمها بنصف عين وتقول (بعيارة): لا تخافين على دلوعة ماما.. هذا هو كامل ما كلت منه شيء

حمد يقرصها في ذراعها ويهمس بمودة: كم مرة قايل لش بلاها دلوعة ماما ذي.. احترميني يا بنت

معالي تدعك مكان القرصة رغم أنه لم يؤلمها حتى وتهمس بألم مصطنع:
لا حول ولاقوة إلا بالله عايلة تخصصها قبص من الجيل الأول للجيل الثالث

حمد بحزم لطيف: خلصوني.. وين خواتش؟؟

معالي ترقص حاجبيها: الكوبي والبيست تدري لازم يقيسون بالمسطرة ملابسهم وشعورهم عشان تكون نفس الشيء

(هذا احنا جينا.. لا احد يكذب علينا)

علياء وعالية تنزلان السلم وهما مستعدتان للذهاب
تتوجهان لتقبيل رأس والديهما ثم حمد بمودة كبيرة وهما تهمسان: يالله فديتك

حمد بحنان: لا أول افطروا.. ونمشي



******************************


بيت سعد بن فيصل
الصباح الباكر
الصالة السفلية

مريم تهمس بحنان: فهودي كلت ريوقك إلا لأ.. مهوب تلعب علي عشاني ما أشوف

فهد بتأفف: كلته.. والله العظيم كلته.. حتى الأكل غصيبة
وبعدين قلت لش قبل ما أحب فهودي ذا.. أنا ماني ببزر عمره سنتين

مريم تبتسم: خلاص الشيخ فهد السموحة

فهد يتأفف أكثر: تمسخرين علي؟!!

سعد وصل منتهاه منه: أنت بتصبح وتفلح وإلا وريتك الشغل

فهد بانكسار مصطنع: إيه تعصب علي عشان مرتك.. عشاني يتيم مسيكين.. ماعندي أم تدافع عني

مريم همست بجزع وهي تتحسس حتى وصلت فهد واحتضنت رأسه:
تكفى سعد ما تقول له شيء.. أصلا كل اللي هو يقوله عسل على قلبي

فهد يرقص حاجبيه وهو في حضن مريم

بينما فيصل كان الشاهد المبتسم.. الذي يفهم تصرفات شقيقه تماما

سعد همس بحزم لأولاده: قوموا أوديكم في طريقي

مريم برقة: كفاية عليك فيصل.. خل فهد باودية معي وأنا رايحة المعهد

فهد برفض: مهوب حولي.. أروح مع مرة وسواقتنا مرة

مريم ابتسمت: خلاص لا تزعل.. روح مع أبيك

كان سعد يركب سيارته حين رن هاتفه.. تناوله باحترام وهو يهمس:
هلا والله بالغالية

فجعه شهقاتها على الطرف الآخر: أفا... تبكين يا وضحى؟!!

أم فارس من بين شهقاتها: تكفى يا سعد تكفى طالبتك يأختك طالبتك

سعد بنخوة وهو يكاد يجن من بكاءها: أطلبي عزش وأنا أخيش لو على قص رقبتي

أم فارس بصوت باكٍ: تكفى.. اليوم تدخل فارس المستشفى.. تدخله
اغصبه.. احلف عليه.. المهم تدخله.. خلهم يسوون له فحص كامل
الولد بيروح مني يأختك.. ماطلعت من ذا الدنيا إلا بذا الصبي وبيروح مني

سعد بشهامة: ابشري جعل عيني ما تبكيش.. بأروح له دوامه وأسحبه منه وادخله المستشفى يسوون له فحص كامل
وإن شاء الله مافيه إلا العافية
واشنطن
مساء
بيت يوسف


باكينام تدرس في صالة الاستقبال
تقترب منها ماريا بخطوات مترددة
تهمس باكينام وعيناها في الكتاب: ماريا مضى عليكِ أكثر من نصف ساعة وأنتِ تدورين.. ماذا وراءكِ؟؟

ماريا بتردد: جو؟؟

تحفزت مشاعر باكينام بشدة: مابه جو؟؟

ماريا بنبرة قلق: منذ خروجه من المنزل وهو كان يهاتفني يوميا ليسألني عن أخبارك
ولكنه منذ ثلاثة أيام توقف عن الاتصال.. اليوم رأيت أن تأخره لا يمكن أن يكون طبيعيا.. اتصل بهاتفه ولكنه لا يرد

باكينام بدورها شعرت بالقلق يغزو روحها.. إذن كان يطمئن عن أخبارها من ماريا بينما هي لم تكلف نفسها عناء السؤال عنه
لا تنكر أنها اشتاقت له.. فهو يطل عليها كل يومين أو ثلاثة مرة
وتكون وصلت منتهاها شوقا له
ومع ذلك ينتهي اللقاء بمشاجرة طريفة لا تعلم من منهما افتعلها..


قلقها الآن يتزايد..
اتصلت بدورها في هاتفه ولكن بدون رد
تذكرت أنه كتب لها عنوان السكن للضرورة ووضعه في الجارور عند الباب

استبدلت ملابسها وارتدت حجابها ومعطفها وقررت التوجه له في السكن
رغم توترها من هذه الخطوة
فهي بهذه الخطوة ستكسر كثيرا من الحواحز بينهما
فهل هي مستعدة لذلك؟!!



*******************************



بيت محمد بن مشعل
بين المغرب والعشاء

بنات عبدالله بن مشعل يجتمعن

لطيفة تجلس بجوار موضي وتهمس لمشاعل القريبة منهما: مشاعل مافيه بيبي في الطريق؟؟

مشاعل بخجل تخفي خلفه توترها من تأخر دورتها الشهرية عدة أيام عن موعدها المعتاد:
أنتي ماعندش حد غيري تستلمينه..كل ماشفتي وجهي تبين بيبي..
يا اختي استلمي موضي جنبش شوي وفكي مني

لطيفة تبتسم وهي تخاطب مشاعل: أنتي اللي مسوية فيها مستحية.. والله العالم لو تحملين يمكن تولدين ماعلمتي حد
لكن موضي أدري بها.. لو حملت أنا أول حد بتقول له (قالتها وهي تضع كفها على فخذ موضي)

موضي شعرت بخجل عميق يخترم روحها.. كيف ثقة لطيفة بعلاقتهما بينما هي تخفي عليها فعلا خبر حملها

العنود تنزل وتهمس بمرح: يا هلا ومرحبا.. غزلان عبدالله بن مشعل مجتمعين عندنا الليلة..
وين ريمي عشان تكملون

لطيفة تبتسم: الرويم بعد موجودة.. هذي هي داخل هي ومريوم وجودي... جات معي..
إلا أنتي وينش تأخرتي علينا..

العنود بتأفف وضيق: ضايع مني فلاش مهم.. تدرون ما خليت مكان أدور له.. قلبت المكان فوق حدر بدون فايدة

موضي بخبث: يمكن الفلاش في غرفتش الثانية.. الثانية

العنود جلست بخجل جوار مشاعل وهي تتفهم مقصد موضي
(فعلا يمكن يكون هناك.. انا أصلا ما شفته من لما جيت بيت هلي)

ومشاعل هي من أكملت بابتسامة: ترا فارس الليلة مهوب في البيت.. تقول أمه مسافر
ومهوب جاي إلا بكرة
أم فارس أصلا في بيت سعد وبتجينا عقب شوي مع مريم..
لوتبين تروحين تدورين الفلاش روحي

العنود بخجل: إذا جات أم فارس تأكدت منها

بعدها انخرطت مشاعل والعنود في الحديث
ومالت موضي على أذن لطيفة وهي تهمس: لطيفة فيه شيء بينش وبين أبو محمد؟؟

لطيفة بهدوء: ليه؟؟ حد قال لش شيء

موضي بجدية: بصراحة راكان اللي قال لي..
يقول إنه ملاحظ على أبو محمد إنه متضايق مع أنه في شغله يقول الأوضاع تمام ماشاء الله ووضع شركته صاير قوي جدا
ثم أردفت بنبرة خاصة: يعني تكون الضيقة من شيء ثاني يمكن؟!!

لطيفة بهدوء أخفت خلفه ألما عجزت عن فهمه: كفاية عليه مبسوط في شغله.. يكفيه عن كل شيء

موضي باستغراب: الكلام هذا من جدش؟!!

لطيفة بذات الهدوء: إيه من جدي

موضي باستغراب: بصراحة أنا صار لي فترة ملاحظة عليش التغير من ناحية مشعل.. بس قلت يمكن أنا غلطانة
وين لطيفة اللي كانت تموت على التراب اللي يمشي عليه مشعل
أول.. يوم يطرا عندش اسم مشعل تفزين
الحين لا جا طاريه كنه طاري واحد من أقصى الجماعة

لطيفة بهدوء عميق: مشعل أبو عيالي.. وله عندي الاحترام والتقدير

موضي بعمق: وغير الاحترام والتقدير؟؟

لطيفة هزت كتفيها وهي تهمس بطبيعية: ولا شيء

موضي بدهشة: الكلام ذا مايمشي عندي يأم محمد
أنا عمري ماشفت مرة تحب رجّالها قد ما أنتي تحبين أبو محمد
قولي السالفة من أولها


لطيفة تنهدت وهي تحكي لموضي بخفوت حكاية خصامها الأول ثم الثاني من مشعل وتحاول أن تكون موضوعية قدر الإمكان
ولكن حين يكون هناك طرفان في قضية.. فكل منهما يحكي الحكاية وكأنه المظلوم في القضية وهو يحشد الدلائل ويحورها لصالحه

تنهدت موضي ثم همست بجدية: شوفي لطيفة وهذا أنا سامعة السالفة منش مهوب من أبو محمد.. وانتي اللي أختي اللي أغلى من عيوني
لكن بصراحة الخطأ راكبش من ساسس لرأسش
الحين مالقيتي حد تسوين فيه كذا إلا مشعل.. مشعل اللي طول عمره فارض هيبته واحترامه على الكل
أنا وأنا بزر كنت أخاف من مشعل أكثر ما أخاف من أبي مع أنه عمره ما لاغاني ولا صاح علي.. بس يوم أشوفه أرتبش

من الزعلة الأولى الرجّال اعتذر وكبّر قدرش ومع كذا نشفتي ريقه كم شهر
ثم جات الزعلة الثانية اللي والله مالها سنع.. زين ومد يده عليش واعتذر لش على طول.. والجنين اللي راح قسمة رب العالمين
ترا الاعتذار صعب على الرجّال... وكسرت الرجّال شينة
ليش تبين تكسرينه أكثر

لطيفة تنهدت: موضي أنا لا أبي أكسره ولا شيء.. بس الأحاسيس اللي في قلبي ناحيته ماتت.. ماتت.. وش أسوي يعني..
حقه وعلى راسي وعيني
زوجي وأبو عيالي وولد عمي.. لكن أكثر من كذا ماعندي

موضي بصدمة: تبين تقنعيني إن أبو محمد ماعاد يهمش؟؟

لطيفة بثبات: هذا اللي صاير

موضي بجدية ممزوجة بالغضب: والله لو حلفتي لي ألف سنة أنه مشعل ما يهمش إني ما أصدقش
ثم أردفت بغضب أكبر وهي تخفض صوتها: قولي لأبو محمد.. إذا بغى يتزوج أنا اللي بازوجه

لطيفة بهدوء مستفز: لا تحاتينه مسنع روحه على الآخر

قاطع حوارهما المتحفز دخول مريم ومعها أم فارس
وعودة أم مشعل من مشوار لاحضار حاجيات البيت
ليتجه الحديث في اتجاهات مختلفة ومتنوعة



بعد صلاة العشاء
جلست العنود بجوار أم فارس وهمست لها بخجل: يمه فيه شيء ضروري أبيه من غرفة فارس (لم تقل غرفتي أو غرفتنا)

أم فارس بعفوية: روحي يأمش المكان مكانش.. فارس أصلا مسافر ومهوب راجع إلا بكرة وأنا بارجع مع مريم لبيتها
الخدامات في البيت ومفتاح الغرفة في نفس المكان اللي أنتي خابره

ثم بترت أم فارس حديثها وهي تشعر بالألم على حال ابنها وزوجته
الالم الذي تفهمته العنود وهي تقف لتلتف بجلالها
ثم تميل على أذن والدتها لتخبرها

أما سر سفر فارس..
ففارس مر به خاله في عمله وأصر أن يأخذه وأن يذهبا للمستشفى الأهلي حيث حجز لفارس جناحا ليجري فحوصات شاملة الليلة وغدا ويبيت لديهم ليراقبوا تحليلاته

لذا وكي لا يقلق عليه أعمامه حين يعلموا أنه في المستشفى اتصل بهم وأخبرهم أنه مسافر.. وطلب من والدته أن تأكد على كلامه
فأخر مايريده هو حشد في المستشفى من أجل إجراء فحوصات بسيطة



**********************



بيت سعد بن فيصل
غرفة فهد
الساعة التاسعة والنصف مساء

مريم تدخل على فهد.. كان فهد يلعب بلعبة psp وهو في سريره
همست مريم وهي تقترب منه : بس فهودي حبيبي.. خلص القيم عشان تنام وراك مدرسة

فهد وعيناه مثبتتان على شاشة اللعبة: بس دقيقة وأخلص القيم.. وثاني شيء قلنا فهودي ذي ما أحبها

مريم بحنان: خلاص آسفة حبيبي

جلست جواره وهو أزاح لها جواره بتلقائية.. ثم تذكر وعاد إلى مكانه وهو يحاول أن يضيق عليها المكان

مريم تبتسم: عادي مكان صغير يكفيني ماني بدبة

جلست جواره.. ثم احتضنته بحنو وقبلت رأسه
فهد بتأفف: ماني ببزر كل شوي تحبيني

مريم تبتسم: خلاص ياشيخ الرياجيل حرمنا... باحبك في العيد بس.. مسموح؟؟

فهد يتنحنح: ماقصدي بكذا

مريم تعيد تقبيل رأسه وهي تهمس بمرح: يعني قصدك كذا

فهد يتأفف كعادته الدائمة: أنتو يالنسوان تفهمون كل شيء على كيفكم
أول كنا مرتاحين منكم
أنا وأبي وفيصل وأبو صبري والصبيان اللي يشتغلون في البيت والمجلس وبس.. مرتاحين من حنت النسوان.. الحين البيت صار مليان نسوان.. أنتي وأم صبري والخدامات وسواقتش بعد

مريم تبتسم: زين وش اللي يرضيك؟؟ أرجع بيت هلي وأم صبري والخدامات نرجعهم لبلادهم

فهد يهز رأسه بتأفف: أنتي كل شيء تفهمينه على كيفش

مريم بحنان: زين خلك من ذا.. وخلني أقول لك قصة حلوة بتعجبك

فهد بتأفف: كل ليلة أقول لش ماني ببزر تقولين لي سوالف

مريم تبتسم: بس كل ليلة تقعد تسمع وأنت مبلق عيونك اللي ما أشوفهم بس حاسة فيهم
وبعدين من قال لك السوالف للبزران بس.. شفت خواني راكان وناصر لين تزوجوا وأنا أقول لهم قصص وسوالف

فهد بدهشة طفولية: راكان وناصر العمالقة الطوال؟!!.. كذابة

مريم تضحك: زين اسألهم بنفسك وشوف أنا كذابة إلا لأ

فهد بجدية لطيفة: ماأبي قصة.. قولي لي أخوانش وش يأكلون لين صاروا طوال كذا..

مريم تضحك: يأكلون كل شيء صحي ومفيد.. البيبسي والشيبس ما يعرفونها

فهد يتأفف: نرجع للقصة أحسن


مريم جلست مع فهد تحادثه حتى نام.. ثم توجهت لفيصل الذي كان يقرأ في كتيب للأذكار حين دخلت عليه

ابتسم: تأخرتي علي الليلة..

مريم تبتسم وهي تمشي بهدوء حتى وصلت للكرسي المجاور لسريره: فهيدان عنده هذرة واجدة الليلة

جلست وفيصل تناول كفها وربت عليه بلطف وهمس باحترام: الله لا يحرمنا منش
واستحملي فهد شوي.. ترا فهد يحبش.. بس طريقته في التعبير عن الحب غريبة شوي

مريم مسحت على شعره وهي تهمس بحنان: ولا يحرمني منك.. أنت يافيصل والله العظيم نعمة من ربي
الله يكملك بعقلك ويحفظك من كل شر

فيصل يبتسم: ادعي لي عمتي على طول

مريم بحنان: ادعي لك على طول..
ثم أردفت بمرح: وادعي ان فهد يخف علي شوي

فيصل بهدوء: تدرين عمتي.. فهد مسكين.. يحاول بطريقته إنه يبعدش عنه مع أنه يبي قربش وهو أكثر واحد محتاج لش
فهد يبي له أم تحن عليه وتدلعه مثل منتي تسوين الحين.. بس هو يتكبر شوي

فهد ماعرف أمي الله يرحمها.. أمي ماتت وعمره 3 سنين وأنا 6 سنين والله يغفر لها السنة الأخيرة من عمرها قضتها في المستشفى
وحن بين بيت عمتي وضحى وبين بيت جدتي أم أمي الله يرحمها
وعقب.. ماعرفنا لنا أم غير إبي.. إبي حنون واجد علينا.. بس حنان الأم غير
تكفين ما تزعلين عليه ولا من مقالبه
أدري هو يسوي فيش مقالب كثير وأنتي تسترين عليه.. هو قال لي وأنا لاغيته والله العظيم

مريم بحنان: فيصل حبيبي لا تهتم.. ولا تحمل نفسك فوق طاقتك
عيش سنك وحياتك.. فهد لا تهتم منه.. فهد ولدي مثل منت ولدي..
وأنا وياه نعرف نتفاهم

مريم بقيت مع فيصل حتى بدأ بالنعاس حينها أطل عليهم سعد قادما من غرفة فهد بعد أن تأكد من نومه..
ألقى التحية عليهما ثم سأل فيصل عن تفاصيل معينة في دورسه..
حينها أستأذنت مريم وخرجت
وبقي سعد مع فيصل قليلا

مريم كانت قد أنهت الاغتسال وتبديل ملابسها حين دخل سعد وكانت تقف تمشط شعرها

سعد اقترب منها واحتضن خصرها وهمس بمودة عميقة: العيال متعبينش؟؟

مريم مدت يدها تتحسس صدره للأعلى حتى وصلت خده ووضعت كفها عليه وهمست برقة: لا والله.. ماشاء الله عليهم.. أنا أشهد إنك ربيت وأحسنت التربية

سعد تنهد وهو يفلتها ويتوجه للأريكة: لا تبالغين.. قولي ذا الكلام عن فيصل
بس فهيدان لحد الحين أربي فيه.. وشكله هو اللي بيربيني

مريم تبعته وهي تتعرف مكانه من مكان صوته.. مد سعد يده لها وأمسكها وأجلسها جواره وهي همست بهدوء:
لا تحاتي فهد.. الشطانة والعناد تجي كل اللي في سنه.. بس أساسه طيب لا تحاتيه

سعد بهدوء: وضحى وينها؟؟ مالقيتها في الصالة

مريم بهدوء: ضايقة ما أدري وش فيها.. ومن عقب مارجعنا من بيت هلي عقب العشاء وهي في غرفتها وقالت تبي تنام

سعد يقف ويهمس بهدوء: بأروح أطل عليها..



****************************



قبل ذلك
بعد صلاة العشاء
في بيت فارس بن سعود
غرفة فارس


العنود وصلت للبيت بخطوات مترددة
مضى لها حوالي شهر ونصف منذ غادرت هذا البيت مضروبة ومهانة
لا تحتمل الذكرى المؤلمة
تريد أن تجد فلاشها بسرعة لتعود بسرعة

صعدت للأعلى وخطواتها تزداد توترا وثقلا
وجدت المفتاح حيث كانت تضعه دائما
يعرف مكانه ثلاثة فقط هي وفارس وأم فارس

شعرت بألم عميق وهي تدخل
رائحة عطر فارس الثمين تعبق في الاجواء
اهتزت بعنف لمجرد تعرفها على الرائحة وكأن صاحبها موجود
شعرت أنها عاجزة عن سحب أنفاسها وثقل عميق يغلف روحها

الغرفة على حالها لم يتغير فيها شيء.. حتى مكتبها في مكانه
فقط مكان صورتها هو ما تغير
فهي كانت على التسريحة
وهاهي الآن على الطاولة بقرب فارس
شعرت بألم أعمق..هل يسامر صورتها كل ليلة؟!!!
ساعته على التسريحة.. لمستها بحنان غامر وكأنها تلمس معصم فارس ذاته
لم تستطع مقاومة فتح دولاب ملابسه
وهي تنسى تماما الفلاش الذي كانت تريد أن تجده بسرعة لتعود بسرعة
تحسست الثياب المعلقة بحنان وشوق غامرين وكأنها تلمس صاحبها
فتحت ناحية ملابسه الداخلية المصفوفة
لا تعلم لـمَ شعرت بالألم.. لم تعد ملابسه على ذات ترتيبها.. كان يحب ترتيبها المنظم
لم تقاوم مطلقا إعادة ترتيبها
(ما الذي سيدريه أني أعدت ترتيبها؟!
ولا يوجد أحد في البيت.. أستطيع أخذ حريتي)

لا تعلم كم استغرقت من وقت وهي ترتب
كانت على وشك الانتهاء
حين فوجئت بصوت باب الجناح يُفتح
ثم لتُفجع بأقسى صدمة وهي تسمع الصوت العميق المشتعل غضبا:

من اللي هنا؟!!
بيت فارس بن سعود
الساعة التاسعة والنصف مساء


سيارة فارس تتوقف في الباحة قادما من المستشفى.. فهو حلف على خاله أن يعود لبيته.. فهو ليس مريضا ليبقى مرافقا معه
وحينما خرج خاله..شعر بالتملل.. فاستأذن الطبيب في الخروج ووعده أنه لن يتناول شيئا حتى موعد الفحص التالي الذي سيكون في السادسة صباحا
وأنه سيعود قبله.. لأنه يريد النوم في بيته

وهاهو يدخل البيت.. ينادي والدته.. ثم يتذكر أنها لابد في بيت خاله
فيقرر أن يتركها الليلة تبات عندهم.. تتحدث مع مريم وسعد وأولاده
فهي تعبت من الوحدة
وآه من الوحدة التي كُتبت عليه
وتغلغت في روحه بعيدا حتى عن مجرد الأمل في حبها!!


يصعد للأعلى بخطوات هادئة.. يصل لباب غرفته..
ليُفاجأ أن الباب موارب والمفتاح معلق في الباب من الخارج
(من سيجرؤ على دخول غرفته في غيابه وغياب والدته؟!!
أ يعقل أن تكون واحدة من الخادمات؟!!
حتى عندما ترتبن فإن والدته تبقى معهن حتى ينتهين
فكيف تتجرأن على الدخول الآن؟!!)

لذا صرخ بغضب وهو يدخل الغرفة : من اللي هنا؟؟

العنود فُجعت.. صُدمت.. انتهت من الحرج
وهي تتمنى أن تنشق الأرض لتبتلعها..أن تتلاشى
عيناها امتلئت بالدموع ويكاد يُغمى عليها من الخزي والحرج
كيف ستبرر وجودها له؟!!كيف؟!!
ستهرب..
ستهرب دون أن تنظر له حتى
ولكنها لم تستطع التحرك من مكانها حتى لتهرب... قدماها متصلبتان مغروستان في عمق الأرض
تحاول التحرك وقدماها يبدو كما لو كان الدم توقف عن الجريان فيهما.. فهي تأبى الاستجابة لها
بقيت واقفة متصلبة في مكانها بين فتحتي الدولاب وهي تشعر كما لو ضلفتي الدولاب تتقاربان لتطبق على كل أنفاسها

فارس تجاوز الصالة لغرفة النوم وهو يصرخ بغضب أشد:من اللي هنا؟؟

لاحظ الدولاب المفتوح فتوجه ناحيته وهو يخشى أن هناك ما سُرق
وأكثر ما يخشى عليه هو أغراض العنود.. فالعنود لم تأخذ شيئا من مجوهراتها ولا ساعاتها

وقف أمام الدولاب المفتوح بكل غضبه
لِـ
لِــ
لِــــ
ماذا يسمي مارآه بين فتحي الدولاب؟!!
معجزة؟!!
أعجوبة؟!!
دعوات أمه؟!!
رضى ربه عليه؟!!
كانت مفاجأة صاعقة.. لم يتخيلها ولا حتى في أشد أحلامه جموحا
المفاجأة الأعذب في تاريخ حياته وخارطة تكوينه
وجد سارقا كما توقع..ولكنه السارق الأروع والأجمل.. السارق الذي سرق قلبه واستولى على روحه ليرتحل بهما للبعيد

كانت العنود تقف بين دفتي الدولاب كطفل مذعور
عرقها يتصبب بغزارة على جبينها ..وشعرها المشعث يلتصق بجبينها وعنقها
حلقها جاف.. وعاجزة حتى عن ابتلاع ريقها لترطيبه ولسانها المتخشب يلتصق بقاع فمها
دقات قلبها تتصاعد بجنون متوحش..
تدعك أناملها وهي تضم يديها لصدرها الذي يكاد يتمزق من فرط ارتعاش ضلوعها
عيناها تنظران للأسفل..
وهي تدعو الله في أعماقها بكل الوجع واليأس أن ينقذها من هذا الحرج الذي سيقضي عليها
تكاد أن تذوي حرجا كمجرم أجبرته مرارة الحاجة أن يسرق للمرة الأولى فيمسكونه بالجرم المشهود

(ليس فارس
ليس فارس
يارب أرجوك.. ليس فارس
ليس هو
لن احتمل رؤيته.. لن احتمل رؤيته.. مع كل هذا الاشتياق الذي خنق روحي
أخشى أن انهار في حضرته)


فارس تنهد بعمق لاسع وهو ينظر بكل الوجع والشوق واللهفة للمخلوق المرتعش أمامه
يشعر ببراكين مشاعره تثور.. وأعاصير أحاسيسه تجرفه في دواماتها العميقة

(أ حقا هذه العنود أمامي؟؟
وفي بيتي؟!!
أخيرا.. أخيرا!!
كم أنا مشتاق.. مشتاق
بل نضجت واستنزفت اشتياقا لاهبا موجعا
أخيرا يا أميرتي..هنا.. هنا)

فارس تناسى كل شيء.. عـــداها
تناسى الغضب.. وكراهيتها
تناسى اليأس والألم
ماعاد يشعر بشيء في العالم سوى دقات قلبه الصاخبة التي تنادي دقاتها الأكثر صخباً

اقترب منها وهي تقف وترتعش وتضم كفيها لصدرها.. ودموعها بدأت بالانهمار بغزارة
فلا مناص.. ولا مهرب وهي ترى طرف ثوبه أمامها مباشرة

همس باسمها..
وأخيرا من هذا القرب..
همس بخفوت الــعـنــود)
همس اسمها بكل وجعه واشتياقه ولهفته العميقة

العنود شعرت مع مناداته لاسمها بماء بارد يسكب على رأسها.. إذن هو رآها !!
كانت تحلم أنها قد تحولت لمخلوق غير مرئي.. وأنه لم يراها
لكنه ناداها
نــاداها!!
آه وألف آه من جرس اسمها بصوته الرجولي المشتاق
ازدادت رعشتها
وهي ترفع عينيها

لـــتــفـجــع
تفجع تماما بما رأته أمامها..
ماذا حل به؟؟ مابه؟؟
كان شكله مريضا.. مريضا جدا
انخفض وزنه كثيرا.. هالات شديدة السواد تحيط بعينيه
يبدو على وشك الانهيار الفعلي

انتفضت بجزع كاسح وهي تنسى كل شيء.. عـــــداه
اقتربت منه ووضعت يدها على خده بجزع ورقة واحتواء
وهمست بصوت مختنق: فارس وش فيك؟؟

فارس تناول كفها من خده لينقلها لشفتيه وهو يطبع في باطنها قبلة عميقة وهو يتنفس بعمق موجوع عبق رائحة خطوط يدها
ويهمس لها بعمق مجروح: هذا اللي سواه فيني غيابش
قواش قلبش تهجريني ذا كله؟!!
قواش قلبش؟!!
أنا كنت كل يوم أموت ألف مرة بعيد عنش
قواش قلبش تقولين إنش تكرهيني؟!!
تكرهين فارس يا العنود؟!!
فارس اللي يتنفس هواش
فارس اللي لو قطعتي لحمه لقيتي اسمش على كل وريد وشريان
هان عليش تسوين فيني كذا يا العنود؟!!

انتفضت العنود بشدة أكبر وخلاياها تتهاوى مع كلماته
( أ أنا من فعلت به هذا؟!!
أنا؟!!
أفعل هذا بفارس؟؟ بفارس؟!!
أريد أن أبكي.. أبكي كثيرا
أريد أن أهرب من أمامه
أريد أن أهرب
سأنهار الآن.. سأنهار)

العنود خلصت كفها من كفه بلطف وهي تتراجع وعبراتها تخنقها.. وعيناها غائمتان تماما من كثرة الدموع وهمست بصوت مختنق تماما:
أنا جاية أبي لي شغلة وبامشي

قالتها وهي تتجه للتسريحة وتفتح الجارور الأول حيث تتوقع وجود الفلاش
وتتناوله وهي تهمس بصوت أشد اختناقا وارتعاشا: اسمح لي استأذن.. تأخرت على أمي

كان جلالها على السرير.. تناولته وهي تمر بفارس في طريقها للخروج هربا لتختلي بحزنها المستحكم قبل أن تنهار
ولكنها فوجئت بكف قوية تطبق على معصمها وصوته الحازم يهمس:
من جدش أنتي تبين تروحين؟؟

العنود بضعف: فكني فارس

ولكن فارس شدها أكثر ناحيته وهو يتناول الجلال من يدها ويلقيه على الأرض
ثم يحتضنها من ظهرها بقوة وحنو..وذراعاه تحيطان كتفيها بإحكام
وينحني من عليائه ليلصق خشونة عارض خده بحرير خدها ويهمس لها بعمق رجولي موجع:
أولا: أنا آسف على كل اللي صار
ثانيا: قولي لي الحين فكني
ولو أنتي تبين أفكش صدق.. فكيتش




**************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة الـ11 مساء

لطيفة عادت من بيت عمها منذ وقت.. تعشت مع أولادها
ثم نيمتهم وهاهي تدرس دروسها ومستغرقة تماما في الدراسة

دخل مشعل
ألقى التحية.. ردت بهدوء
دخل ليستحم.. أعدت ملابسه وعطرتها كعادتها تماما.. وضعتها في غرفة التبديل وعادت لدراستها

حين خرج مشعل.. صلى قيامه وشفعه ووتره.. ثم توجه ناحيتها وجلس على الأريكة
ثم تنهد بعمق وهمس بهدوء: فكرتي في كلامنا اليوم الصبح؟؟

لطيفة بهدوء وعيناها على كتبها: أظني قلت لك مبروك مقدما

حينها وقف مشعل كأسد جريح ليتوجه إليها وينتزعها من مقعدها وهو يهز عضدها ويهمس بغضب:
إذا كلمتيني.. ارفعي عينش وحطيها في عيني
تراني رجّالش ماني بأصغر عيالش

لطيفة تنهدت وهي ترفع رأسها له وتخلص عضدها من كماشة كفه القوية: أنت وش تبي مني؟؟

مشعل يحاول السيطرة على غضبه: لطيفة اسمعيني.. أنا زواج عليش ماني بمتزوج
مافيه مرة تسواش عندي.. وماني بظالم بنات الناس معي..أتزوج وقلبي معش
أنا قلت كذا أبي أشوف ردة فعلش

لطيفة تتجاوزه بهدوء وتجلس على الأريكة: وهذا أنت شفت ردة فعلي

مشعل يعود ليجلس قريبا منها ويهمس بألم عميق يختفي خلف هدوئه الثابت الحازم: يعني أفهم من كذا إنه أنا ماعاد لي أهمية عندش

لطيفة بهدوء: محشوم يا بومحمد أنت رجّالي وأبو عيالي الله يخليك لعيالك

مشعل بتساؤل حذر موجوع: ولش؟؟

لطيفة بذات هدوؤها: إذا سلمت لعيالك كفاية

مشعل يشعر بصدمة فعلية كاسحة من برودها القاسي .. همس بسخرية جارحة ومجروجة:
أفهم من كذا إني لو مت بيكون كن اللي مات عنزة جيرانكم

لا تعلم لطيفة لِـمَ شعرت بنغزة ألم حادة حادة وموجعة في عمق عمق قلبها مع ذكره للموت
لأول مرة تنتفض مشاعرها بل وبهذا العنف الهائل في حضرته منذ إجهاضها قبل حوالي شهر ونصف

ولكنها همست بهدوء بارد: لو عشت جعل عمرك طويل لعيالك.. ولو مت ماحد يموت قبل يومه

مع انتهاء جملتها شعرت بالنغزة الثانية في قلبها..شعرت مع الألم المتزايد في قلبها أن أنفاسها تثقل وسحبها للأكسجين يصعب

لم يكن هناك بأسا في جملتها (فلا أحد يموت قبل يومه المحدد)
ولكن طريقتها في قولها أوحت بمعنى فوق المعنى.. معنى موجع.. موجع لأبعد حد

لذا وقف مشعل وهمس بحزم ملتهب: تدرين لطيفة وش اللي كبر رأسش علي
أنش دريتي إنش حكمتي القلب وتحكمتي.. شختي عليّ يا بنت عبدالله!!
قاعدة تلعبين بي كني بزر!!.. لا واللي في رفع سبع سماوات بليا عمد
ما أكون ولد محمد وأبو محمد إن خليتش تلعبين بي أكثر من كذا

حلا لش الزعل يأم محمد.. قلتي هذا يحبني وما يقوى بعدي.. خلني ألعب به.. أبعده شوي واقربه شوي.. واحرقه شوي
لا يأم محمد.. لا.. لهنا وخلاص.. لا أبو الغلا اللي خلاني مسخرة لك
أقص عروق قلبي وأحرقها ولا أذل نفسي لش أكثر من كذا
أخرتها موتي وحياتي عندش سوا.. مابقيتي شيء أتحسف عليه يأم محمد

باروح أنقلع في قلعة وادرين.. وأنتي مالش شغل فيني.. هذا يعني لو كان الثلج يهتم وإلا يحس


مشعل ارتدى ملابسه وخرج كإعصار غاضب
لطيفة كانت جالسة كالمذهولة وكأنها تفيق من حلم طويل.. طويل
بل كأنها تصحو من غيبوبة أشبه بالموت
لم يهمها قسوة كل ماقاله
عدا جملة واحدة أشعلت كل مشاعرها الراكدة تحت الجليد
أشعلتها لأقصى حد
وهي تنتفض بعنف.. وغشاوة الأسابيع الماضية التي وضعتها هي بنفسها وتحكمت هي بها تُزال عن عينيها وقلبها
لم تزال فقط بل تمزقت
تمزقت تماما..
ولطيفة القديمة..عاشقة مشعل.. تعود للظهور بكل القوة والحدة والعنفوان
لأن الموقف لا يحتمل البرود ولا الجمود ولا حتى التصنع
ولا يمكن أن يحتمل
(موته وحياته عندي سوا؟؟)

(من اللي يقول كذا؟؟
من؟؟)



************************




واشنطن
مساء
سكن يوسف..
في المنطقة الجامعية القريبة من جورج تاون


باكينام تصل للسكن
تشعر بحرج بالغ وهي تعبر بهو السكن للاستقبال
فالمتواجدون في البهو جميعهم شباب ويبدو من أشكالهم أنهم عرب

تتوجه للاستقبال كان الموظف شيخا عربيا يبدو شاميا
توجهت له بالسؤال: أنا عاوزة أسأل عن يوسف عزت

الشيخ بنبرة رسمية عفوية: سامحيني بنتي .. غير مسموح بطلوع بنات للسكن

باكينام بهدوء: أنا مرات يوسف

الشيخ رفع رأسه مستفهما: وين عقد الزواج ؟؟

باكينام استخرجت عقد الزواج الذي لا يفارق حقيبتها أصلا وناولته الشيخ

الشيخ نظر في العقد ثم همس بهدوء: غرفة 15 الطابق الثاني.. ربع ساعة بس وتنزلي

باكينام صعدت بخطواتها الواثقة المعتادة ولكنها شعرت بالحرج من نظرات الاستغراب التي طاردها بها الشباب

وصلت للغرفة وقفت على الباب لدقيقة وهي تتنهد بعمق..
ماذا لو لم يكن هناك بأس في يوسف
وكل ماهنالك إنه انشغل عن الاتصال
كيف ستبرر قدومها له؟!!

طرقت الباب بخفة
فتح الباب شاب في بداية العشرينات تمعن في باكينام ثم همس بانجليزية ركيكة بها وضوح اللكنة المصرية: هل أخطأتِ الطريق أيتها الجميلة؟!

باكينام بالعربية وبنبرة حازمة: مش دي اوضة يوسف؟؟

الشاب يطل برأسه للداخل ويهمس بمرح: إلحئ ياعم يوسف.. بت زي فلئة الئمر بتسأل عنك

وصلها صوت يوسف المتعب من الداخل: ئول لها تتسهل.. أكيد غلطانة

الشاب يبتسم: العم يوسف مالوش في الطيب نصيب.. أنا ما انفعش؟!!

باكينام بغضب: أنته ياواد انته.. اتلم وانته متبعتر كده.. أنا مرات يوسف

الشاب بحرج: آسف يامدام.. والله كنت باهزر معاكي..
أنا ئاعد مع يوسف عشان هو بعافيه شويه
خلاص اتفضلي وانا هارجع اوضتي

الشاب خرج.. وباكينام دخلت بخطوات هادئة وأغلقت الباب

همس يوسف وعيناه مغلقتان: مشيت البت يامحمود؟؟
ازاي الريسبشن خلوها تطلع.. كلم عم أبو فراس وئول له

(عشان عم أبو فراس هو اللي سمح لي أطلع)

يوسف يقفز جالسا وهو يفتح عينيه على اتساعهما
يحتاج دقيقة ليستوعب وجود باكينام في غرفته
ثم صرخ بغضب بقدر مايسمح له مرضه: إزاي تيجي هنا؟!!

باكينام ببساطة: يعني لو كنت أنا عيانة مش هتيجي تطل عليا

يوسف بذات الغضب: اتصلي تلفون مش تيجي لسكن كلو شباب

باكينام بهدوء: شوف موبايلك..

يوسف يتناول هاتفه وجده على الصامت.. يبدو أن محمودا من وضعه على الصامت منذ بداية مرضه وهو لم يهتم بالسؤال عن هاتفه
وجد عدة اتصالات منها ومن ماريا ومن والديه في مصر ومن عدد من أصدقائه

يوسف تنهد: خلاص اديكي اتطمنتي.. امشي يالله

باكينام جلست جواره وهي تهمس بعناد: لأ لسه ما تطمنتش عليك
قالتها وهي تمد يدها لتضعها على جبينه
التسعت برودة يدها بحرارة جبينه.. وهو لُسع من ملمس يدها نفسها
همست بقلق: انته سخن أوي.. انته بتاخد علاج ايه؟؟

لا ينكر ..
لا يــنــكــر..
نبرة القلق في صوتها لذيذة..لذيذة جدا..
قلقة عليه حقا!!
كم هو مستمتع بقلقها!!

يوسف بهدوء: شوية برد.. ومحمود جاب لي دكتور وأديني باخد الدوا

باكينام باستنكار: والعيل اللي اسمه محمود هو اللي بيديك الدوا
هو بيعرف يلبس البامبرز لوحده؟!!

ابتسم يوسف.. كم هي لذيذة اليوم!!..
(طعمة) كما يقول المصريون (وطعامتها) تجاوزت كل حد!!

همس يوسف بهدوء: خلاص باكينام امشي.. انتي كده بتخالفي قوانين السكن
ليكي ربع ساعة بس.. وئربتي تخلصيها

باكينام بحزم: انته اللي امشي معايا البيت
مستحيل اسيبك وانته تعبان كده.. ومع اللي اسمه محمود ده.. دا هو بنفسه مش ماسك في بعضو

انتفض داخل يوسف بانتصار.. هاهي تدعوه للعودة وبنفسها
ليته مرض منذ زمن.. بل هو يوشك الآن على الشفاء.. اليومان الماضيان كان مريضا حقا..
ومع ذلك همس لها بتعب اصطناعه هذه المرة أكثر من حقيقته:
مائدرش باكينام.. أنا تعبان.. ومائدرش أنزل.. وأخاف تيجي لي نكسة

يريدها أن ترجوه أكثر.. وكم هو خائف أن تنسحب ولا ترجوه..
هاهي صمتت.. وهو يسب نفسه في داخله
(كنت قاب قوسين أو أدنى للوصول لهدفي
ماذا استفدت الآن من تخطيطاتي الفاشلة)

باكينام أنهت صمتها وهي تهمس بحزم:
أديني مفتاح عربيتك.. هاجيبها لحد باب السكن
وانته خلي محمود ده ينزلك

ابتسم يوسف في داخله بانتصار أكبر
بينما باكينام تقنع نفسه أن هذا ما يجب تفعله (بنت أصول) مثلها مع زوجها المريض

ساعدته على ارتداء ملابسه حتى جواربه وحذاءه
بينما يوسف يزيد من عيار تمثيل المرض وهو مستمع حتى النخاع بقربها وحنانها المختلف
أنهت مساعدتها له بإلباسه جاكيتا ثقيلا

ثم نزلت لتحضر سيارته
بينما يوسف كان غارقا في نشوة عميقة ..
لمساتها.. قربها.. حنانها.. كل شيء كان مختلفا.. وممتعا.. ولذيذا
لــذيـــذا جـــدا



****************************


بيت فارس بن سعود
غرفة فارس


العنود تتناول جلالها عن الأرض وتلتف به
فارس بدهشة عميقة: العنود وين بتروحين؟؟

العنود بغضب خجول: بأروح بيت هلي

فارس بذات النبرة المدهوشة: من جدش؟؟

العنود بذات النبرة الغاضبة الخجولة: أنت واحد نذل وحقير.. كذا تسوي فيني

فارس بنبرة بدأ يتسلل لها الغضب الذي يحاول كتمه:
أول شيء عيب عليش ذا الكلام
ثاني شيء أنا ماسويت لش شيء..أنتي مرتي واللي صار صار برضاش

العنود قاطعته بخجل كاسح: لا.. أنت جبرتني..

فارس باستغراب عميق: العنود أنتي تلعبين علي وإلا على نفسش
ثم تنهد وأردف بعمق: خلاص خلش من اللي صار
أنتي الحين في بيتش
وأنا قلت لش إني في بيتش بأراضيش
وهذا أنا اعتذرت لش
وأعتذر مرة ثانية.. آسف ياقلبي
وتنقص يدي لو انمدت عليش مرة ثانية
والرضاوة اللي تبينها تجيش.. وش تبين؟؟ تدللي
لو مهما بغيتي أنا حاضر.. تدللي بس

العنود بعناد متوتر متذبذب: ما أبي شيء.. أبي أروح لبيت هلي.. أمي تنتظرني

تفكير معين يدور في رأس فارس.. همس لها بهدوء مدروس: براحتش
اللي علي سويته.. تبين تروحين روحي

العنود شعرت بالصدمة أنه لم يلح عليها بالبقاء بعد كل هذا.. رغم أنها تمنت بكل اليأس أن يفعلها..
لم ترد أن تتركه وهي تراه على هذا الحال.. ولكنه لم يلح عليها
(هل مازال يستكثر عليها رد بعض كرامتها؟!!)
همست بغيظ وهي تتوجه للباب ثم تعود لتأخذ فلاشها: حقير.. وأكرهك

خرجت بينما ابتسامة فارس اتسعت.. وشمس جديدة تشرق في روحه
بعد أيام المعاناة المرة طيلة الأسابيع الماضية

(قولي أكرهك..
الحين فهمت إنش تقولين أكرهك وأنتي قصدش أموت عليك

قولي أكرهك..
لأنه وأنتي بين أحضاني قبل دقايق همستي لي أحبك ألف مرة

قولي أكرهك..
ماعاد يهمني.. لأنه عرفت مكاني في قلبش خلاص
وبترجعين يالعنود.. بترجعين وقريب)

فارس توجه لدولابه ليتناول له غيارات ويستحم
وجد ترتيبها الذي يستحيل أن يغفل عنه.. الأنيق كأناقتها
اتسعت ابتسامته أكثر:
بترجعين ياقلبي.. بترجعين


فارس حين عَلم أنها جاءت ليس لتعود ولكن لتأخذ فلاشها فقط.. لم يرد أن يجبرها على البقاء..
قرر تركها عدة أيام حتى تهدأ بما أنه اعتذر له.. ولابد أن اعتذاره سيطيب خاطرها حتى وإن أنكرت ذلك.. فهو اعتذر لها بكل صدق
وبعد ذلك سيأتي لأخذها هو وأمام أهلها.. تكبيرا لقدرها عنده
ويكفيه الآن أن قلبه اطمئن بمكانته عندها وتمكنه من روحها
لم يعد لديه أدنى شك بمدى تغلغله في طيات قلبها وغياهبه
القلب الذي كاد يموت فارس حين ظن أن العنود أبعدته عن أسواره



***************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة الثالثة بعد منتصف الليل


لطيفة تكاد تجن قلقا
مضت أكثر من ثلاث ساعات منذ خروج مشعل من البيت

لطيفة تجلس في صالة البيت السفلية
تجلس على الأريكة وهي ترفع قدميها وتحتضن نفسها وترتعش بعنف موجع
تريد أن تبكي.. بل تريد أن تنتحب..تريد أن تبكي أنهارا متدفقة
ولكنها لا تجرؤ
لا تـــــجــــرؤ
البكاء فأل سيء.. وهي تخشى من مجرد أفكارها
ليت لسانها أصابه البكم قبل أن تقول لمشعل ما قالته
كيف طاوعها قلبها أن تقول ذلك لمشعل؟!!
لــمـــشــعــــل؟!!
مـــــــشـــــعــــل!!!!


أ لم يكن مشعل هو صباها وشبابها ونضجها؟!!
رفيق الأيام حلوها ومرها
أ لم تكن تزداد جمالا من أجله.. ومن أجله فقط؟!!

بينهما:
ليس عاما ولا اثنين ولا خمسة
بل يوشكان أن يقطعا السنة الرابعة عشرة معا
لا تعرف للحياة لونا أو نكهة بدون مشعل
الحياة عندها تمثل مشعل
في كل ولادة من ولاداتها كان الاسم الذي الأول تنطق به فور صحوها هو مشعل
ويكون الوجه الأول الذي تراه هو وجهه
حينما كانت تدخل الشهر التاسع كان يرفض السفر لأي مكان خوفا أن يفاجئها الطلق وهو غير موجود..
كان يصرُّ أن يكون من يأخذها للمستشفى ويبقى يدور في أورقة المستشفى حتى تلد
قد يكون طوال السنوات الماضية تعامل معها ببرود تام بينما كانت هي تحترق دفئا له ومن أجله
ولكنها لا تستطيع أن تنكر أنه قدم لها شيئين بدونهما انهارت كثير من الزيجات:
الاحترام والتقدير
ولم يكونا احتراما وتقديرا بمعناهما العابر
بل بأقصى معانيهما

ثم بعد أن تصافيا.. جعلها تعيش خلال أشهر حبا عميقا بعمر قرون
كان لحبه نضج الكون ودفء العالم وكل أحاسيس الحياة
فكيف طاوعها قلبها أن تجفو مشعل كل هذا؟!!
ثم كيف طاوعها لسانها أن تقول له ما قالته؟!!
موته وحياته سواء؟!!
كيف؟؟
كــــيــــف؟!!
هل يستوي الجليد والنار.. والثرى والثريا.. والليل والنهار.. الموت والحياة؟!!

حينما أجهضت قبل شهر ونصف على خلفية عراكها مع مشعل
برمجت عقلها الباطن على الجمود معه حتى تحمي مابقي من روحها المتهاوية..فهي لن تحتمل مطلقا الصفعة الثالثة..
تريد أن تحفظ مابقي من قوتها لأبنائها.. فحبها لمشعل مع صفعاته المتتالية استنزف كل طاقتها.. كل مشاعرها
لو حدثت صفعة ثالثة.. ستنهار الانهيار النهائي..فمن سيكون لأولادها؟!!
يكفيها أن مشعلا جوارها وقوتها كاملة محفوظة لأبنائها

لم يخطر لها مطلقا أن الصفعة الثالثة قد لا تكون من مشعل ولكن من أجل مشعل؟!!

في فترة برودها السابقة عجزت كل المؤثرات عن اقتحام جمودها
لا مشاعر مشعل الدافئة
ولا حتى تهديده أن يتزوج أخرى
لأنه في كل الأحوال سيبقى موجودا أمامها وحولها
اكتفت بمجرد هذا.. ولم تسمح لمشاعرها أن تتدفق ناحية مشعل لأنها تعبت من الجرح.. وماعاد بها طاقة
لذا كان الجمود سلاحها الوحيد للصمود
ولكن أن تتخيل الحياة من غير مشعل؟!!
حياة بدون خطوات مشعل؟؟
بدون قوة مشعل؟؟
بدون وجود مشعل؟؟
هذا هو ما نسف كل جمودها نفسا
هذا هو هو ما مزق كل شرايينها حزنا ورعبا
لا بأس بحياة جمود يكون مشعل فيها!!
ولكن أي حياة بدون مشعل مهما كانت هي حياة مرفوضة.. مرفوضة!!

لا تعلم كيف استطاعت طمر مشاعرها تحت كل هذا الجليد
ولكنها كانت تعلم يقينا أن جذوة حب مشعل المحرقة بقيت تنتظر تحت الجليد
تنتظر من ينفض ركام الجليد
وهاهو الركام انتفض.. انتفض بكل العنفوان
ليعد مشعل الآن..
لــيــعــد..
ويجد لطيفة المشتعلة له ومن أجله كما تمنى
لــيــعــد فقط!!


قامت لتتوضأ قبل صلاة الفجر
صلت طويلا
ودعت الله بكل القوة والوجع والألم أن يحفظ مشعلا لها..
لــها هــي
فلا يمكن أن تكون هناك لطيفة بدون مشعل
فأي غشاوة حقيرة أحاطت بقلبها وروحها طوال الأسابيع الماضية وهي تبعد مشعل عنها؟!!

(يارب احفظ مشعل بحفظك
وأحطه بعنايتك
أعده لي يارب.. أعده لي
سأعتذر منه ألف مرة.. سأعتذر له حتى آخر دقيقة في عمري
سأبكي على كتفه كما لم أبكِ طوال عمري
أعده لي ياذا العزة والجلال
لا تعاقبني يا آلهي في مشعل.. لا تعاقبني فيه
يا ذا المنة والكرم.. أنعم علي برؤيته يدخل علي سليما معافى)



*****************************



اليوم التالي
بيت محمد بن مشعل
الصالة السفلية
الساعة التاسعة صباحا


العنود تنزل وحقيبتها وعباءتها بيدها
تقبل جبين والدتها وتجلس وتسكب لنفسها كوبا من الكرك وتهمس برقة: يمه سونيا جات؟؟

أم مشعل بهدوء: جات من شوي وتتتناش في السيارة في الحوش

العنود ترتشف من كأسها بهدوء
ووالدتها أردفت بعفوية: اشفيش تأخرتي البارحة في بيت فارس؟؟

العنود شرقت وكحت وهي تُصدم بالسؤال الذي أثار بالغ حرجها
ثم تناولت المناديل الورقية وهي تمسح وجهها وتحاول أن تهمس بطبيعية: قلبت الغرفة أدور الفلاش لين لقيته
وعقب استحيت أخلي الغرفة معفوسة.. قعدت أرتبها

والدتها ابتسمت: تدرين.. يوم تأخرتي.. قلت يمكن البنت عقلت وبتقعد في بيتها

العنود بحرج: يعني تبيني أرجع بدون ما يكلف فارس على نفسه إنه يجي عندي ويراضيني؟؟

أم مشعل بحنان: يأمش ماطال مسخ.. وفارس عرف غلطه..
وفارس يأمش رجال مثايله نادرين.. لا تضيعين رجالش من يدش

العنود وقفت وهي ترتدي عباءتها ونقابها وتهمس لانهاء الموضوع: مايصير إلا خير يمه.. مايصير إلا خير



******************************



بيت فارس بن سعود
بعد صلاة العصر
الصالة السفلية


فارس يعود من المسجد.. ويجد والدته تجلس أمام قهوة العصر
يقبل رأسها ويهمس بابتسامة شاسعة: يمه عندش حلا.. مشتهي شيء حلو مع القهوة

أم فارس رفعت رأسها لفارس وهي تبتسم بسعادة حقيقية: ماشاء الله وجهك اليوم أحسن.. وأبشر بالحلا
الخدامة مسوية بسبوسة.. قلت لها وديها لبيت محمد جنبنا.. ماعندنا حد يأكلها بس مابعد ودتها

فارس بابتسامة: عطوني منها قطعة.. وودو الباقي لبيت عمي محمد.. يستاهلون الحلو

أم فارس باستغراب سعيد: ماشاء الله على ذا المستشفى.. ما أمسيت عندهم إلا البارحة.. وصحتك أحسن
وش عطوك؟؟

فارس بابتسامة شاسعة: الله يمه بس على ذا المستشفى.. الله لا يخليني منه فديته.. أحلى ليلة في حياتي ليلة البارحة أصلا

أم فارس تضحك: فارس يأمك أنت صاحي.. تفدى بالمستشفى؟!!!

فارس بمرح: بلاش يمه ماعرفتي ذا المستشفى وحلاته وطيبة قلبه ودلاله اللي يذوب الحجر

أم فارس مستمرة في الضحك: شكلك استخفيت يأمك!!

الحوار المرح مستمر بين فارس وأمه حتى رن هاتف فارس
التقطه بترحيب: هلا والله بأم محمد
..........................
تغير وجهه وصوته: جايش الحين.. الحين


أم فارس بقلق: وش فيها لطيفة يأمك؟؟

فارس وهو يقف متوجها للباب: ما أدري يمه.. بس تقول تبيني ضروري.. وماتبي حد يدري..
زين يمه؟؟

أم فارس بذات القلق: زين يأمك أبشر.. بس طمني..




************************



بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية


لطيفة تدور كإعصار مجنون.. ماعادت قادرة على الجلوس في مكان
تكاد تجن قلقا ورعبا
مشعل لم يعد
وهاتفه مغلق
ولم يذهب لشركته.. وسكرتيره لا يعرف شيئا عنه
لم يعد ما تشعر به مجرد قلق
بل رعب متوحش سادي يمزقها تمزيقا

أرسلت أولادها لوالدتها لأنها لا تريدهم أن يروها وهي على هذا الحال
وطلبت من والدتها أن تبقيهم عندها حتى تتصل بها

واتصلت بفارس وهاهي تنتظره
لم تمر دقائق حتى كان فارس يدخل عليها
لم تسمح له بالدخول للداخل وهي تتلقاه عند الباب وتمنع نفسها من الانهيار في البكاء وهي تخبره بغياب مشعل

فارس بقلق كبير: من البارحة غايب وحتى الشركة ماراح لها.. الله يستر عليه بستره

لطيفة بصوت مختنق: تكفى فارس.. طالبتك تدوره

فارس يتنهد بحزم: على أي سيارة راح؟؟

لطيفة توشك على الانهيار: ما أدري.. ما أدري

فارس يطل في مواقف البيت ليجد أن سيارة مشعل ذات الدفع الرباعي تقف في موقفها المعتاد

يهمس للطيفة بذات النبرة الحازمة: باتصل برفيق لي في كنترول العمليات وأسأله

لطيفة شهقت برعب متوحش: تكفى فارس ما تفاول على مشعل

فارس بحزم: وش أفاول وما أفاول.. مشعل إن شاء الله مافيه إلا العافية
بس لازم أتأكد قبل ما أبدأ أدور له

فارس يتصل بصديقه: محمد أنت في الدوام؟؟
- ..................
- افتح لي الكمبيوتر.. وشوف لي سيارة بالمواصفات ذي لو جاك أي تبليغ عنها
- ..............
- مرسيدس s500 سوداء موديل السنة.. رقمها رباعي بس ماني بحافظه
- ..............
- معك
- ................
- ويش؟؟ويش؟؟ ويـــــــــش؟؟ (وجه فارس يسود تماما ويمتقع وملامحه تنقلب لأسوأ أسوأ تعبير وأبشعه وأكثره ألما..)

لطيفة برعب كاسح بل بما يتجاوز الرعب وكل كل معانيه وتفسيراته وأوجاعه:
فارس.. وش فيه مشعل؟؟
بيت مشعل بن محمد

لطيفة برعب كاسح بل بما يتجاوز الرعب وكل معانيه:
فارس وش فيه مشعل؟؟

فارس بحزم موجوع: لطيفة الزمي بيتش.. لا تطلعين منه لين أتأكد وأرجع لش

لطيفة غرزت أظافرها في ذراع فارس وهي تصرخ بهستيرية: وش فيه مشعل؟؟

فارس بحزم: اذكري الله يا لطيفة.. اذكري الله.. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. وانتي مره مؤمنة

لطيفة تكاد تجن.. روحها تصرخ ألما وحشيا: أقول لك وش فيه مشعل؟؟

فارس يحاول أن يتماسك..ولكنه لم يستطع..وكيف يستطيع؟!
هذا مشعل.. مــشــعـــل
مشعل والده وابن عمه.. سندهم القوي الذي لم يخذل أحدهم يوما
فارس ينزف وجعا لا حدود له
وجعا سرمديا بلا بداية ولا انتهاء ولا ملامح:

سيارة مشعل لقوها محترقة على طريق الشمال..
ولحد الحين يحاولون يطلعونه (لم يستطع تخيل بشاعة الفكرة!! لم يستطع!!)
يطلعون اللي يسوق ولا قدروا
.
.

فارس غادر بيت مشعل بن محمد وهو يركبه ألف عفريت متجها لطريق الشمال
لا يستطيع تخيل مايراه أو بشاعته.. ولكنه قرر أن يتصرف لوحده
فهو قد يكون الأكثر جَلَدا فيهم جميعا بعد مشعل بن محمد
يريد أن يجنب عميه وأبناء عمه مصيبة رؤية حادث مشعل

فارس شعر بألم يتجاوز مفاهيم الألم وهو يغادر لطيفة
أو بمعنى أصح يغادر بقايا لطيفة
شلاياها المتناثرة بعد أن مزقتها قذيفته
لم تعد تستطيع الوقوف.. جلست بصمت مرعب كمخلوق مجرد من الحياة
لا تستطيع حتى أن تشعر بالألم
أي ألم هذا؟!!
أي ألم؟!!
ماعاد للألم معنى أمام ما تشعر به
ما عاد للألم قيمة وهو يندحر أمام شعور سادي متوحش يحرث روحها وجسدها بمناجله
تشعر أن جميع خلايا جسدها وعقلها ممتلئة حتى آخر نقطة بهذا الإحساس القاتل.. تشبعت تماما به
لو لُمست أقل لمسة ستنفجر خلاياها الممتلئة بقيح الوجيعة/والفجيعة

لم تستطع حتى أن تبكي.. مشعل لا يُبكى كما يُبكى كل الناس
فهل هناك شيئ يتجاوز البكاء يعبر عن شعورها المتجاوز للألم؟!!
كيف تستطيع أن تعيش بعده؟!! كيف؟!!
كــــيـــــف؟؟؟!!
هل يصبح أولادها أيتاما؟!!
كم هي قاسية هذه الكلمات: أرملة وأيتام!!
والأقسى هو حقيقتها ومعناها!!

طوال سنواتها الماضية لم تخشَ مطلقا شيئا من مصاعب الحياة ومشعل يقف خلفها سندا حديديا
فهل ذهب السند؟؟ هل ذهب؟!!


لم تعلم كم مر عليها وهي جالسة
وقت طويل مر.. ساعة.. ساعتان ربما
مرت عليها قرن.. قرنان.. فما تشعر به الوجيعة والألم والجرح والأسى أحدُّ من كل شيء وأعمق من كل شيء
هاهي تجلس في بيتها.. وبيت مشعل
عيناها زائغتان.. وقلبها كقبر مهجور.. تنظر لما حولها
لكل شيء حولها رائحة مشعل.. وذوق مشعل.. وإحساس مشعل
فكيف تعيش هنا من بعده؟!!
كـــيـــف؟!!
أي قدمين ستحملانها؟!! وبأي روح ستعيش؟!!
هل ما تشعر به هو محض ألم؟!!
إن كان يصح تسمية هذا الشعور الوحشي في قسوته ألـــمـــا!!
فما شعرت به من هذا الألم يكفيها عمرها كله.. كــــلـــه
كــــــلــــــــه!!



(يا نور.. نــــور..
تعالي اخذي السمك لا بارك الله فيش)

انتفضت لطيفة بعنف..وقشعريرة حادة تجتاح جسدها كالزلزال
وعظامها تكاد تتحطم لفرط ارتعاشها
هل جنّت؟؟
هل تتخيل صوته؟؟

(نور.. نـــور.. السمك باخليه عند الباب)

وقفت لطيفة بشكل حاد وهي تلتفت للباب بحدة
كان هو
هـــو
هـــــــو
يقف عند الباب وينزل كيسا ضخما عند الباب

حينها رآها
نظر لها ببرود.. وسلّم ببرود وهو يتجه للسلم ليصعد
كانت تنظر له بدهشة عميقة وفرحة أعمق.. تكاد تشهق من فرحتها وهي تملأ عينيها من رؤيته
عاجزة عن التصديق.. بعد كل هذا الرعب والألم
أن تنتقل من النقيض للنقيض في لحظة واحدة

كان يرتدي (برمودا) أسود و(تيشرت) أبيض قذر بدون أكمام ملتصق بعضلات صدره ومتسخ تماما
ويعقد غترته فوق رأسه على شكل عمامة (حمدانية)
ومازال يرتدي نظارته الشمسية التي خلعها ليمنحها نظرة البرود إياها
قد يكون في شكله خالٍ تماما من الأناقة.. ولكنها رأته بعينيها المخلوق الأكثر وسامة والأكثر رجولة كما كانت تراه طوال حياته..
حتى وإن كان الأبشع.. يكفيها أنه عاد لها
عـــاد لـــها!!

لطيفة جرت قدميها جرا وقطعت الطريق عليه وهي تقف أمامه مباشرة

مشعل همس لها ببرود: لطيفة وخري خليني أروح أسبح.. حالتي حالة
ريحتي سمك وثيابي وسخة

لطيفة مدت يديها وهي تتحسس خصره وذراعيه بوجع.. ثم تتحسس وجهه بكل الحنان والألم الممتدين بلا حدود كامتداد الكون

حــيـنـهـا
انخرطت في بكاء حاد ومفاجئ وهي ترتمي في أحضانه
لم يستطع مشعل إلا أن يحتضنها ويحتوي بكاءها
وهو يهمس لها بقلق: لطيفة وش فيش؟؟ حد فيه شيء؟؟

همست لطيفة بين شهقاتها ووجهها مختفٍ بين عضلات صدره وفي (تيشرته) القذر:
كنت خايفة عليك بس..

مشعل تنهد وذراعاه القويان يحيطانها باحتواء: البارحة رحت لرفيق لي عنده مركب في الخور..
وطلعنا للصيد.. أنا فصل شحني.. وهو نسى تلفونه

لطيفة احتضنت خصره أكثر وهي تهمس بوجع صارخ: تكفى مشعل سامحني
أنا آسفة حبيبي

تصلب جسد مشعل.. لأول مرة منذ خصامهما تناديه باسمه بهذه النبرة الموجعة.. بل وتقول (حبيبي)
تمنى أن يحتضنها بشكل أقوى..يخفيها بين أضلاعه.. ويغمر وجهها بقبلاته الوالهة المشتاقة
ولــكــنــه
أزاحها بخفة وهو يقول ببرود مستحكم: شوفي السمك
ووزعي منه على بيوت أهلنا.. واللي تبين عطيه.. السمك واجد

لطيفة أمسكت معصمه وهي تقول بصوت مختنق: تكفى مشعل سامحني

مشعل خلص معصمه من يدها بخفة باردة
وصعد للأعلى

مشعل لم يعد لديه رغبة في إطالة الخصام بينهما.. فحبه لها أعمق وأنضج من هذه المهاترات.. وهو متعب من طول هجرها
ومشتاق للطيفة القديمة التي رأى لمعان عينيها قبل لحظات وشعر بها تذوب بين أحضانه
ولكنه يريد تأديبها قليلا.. فما فعلته به المرتين الماضيتين لم يكن قليلا..
لم يكن قليلا أبدا!!
فهو إن كان لم يتقصد أن يكون باردا معها طيلة سنوات زواجها الماضية
فهي تقصدت معاقبته والبرود معه
فليذقها من ذات الكأس لتعرف مرارتها

مرارة البرود المتعمد!!!


لطيفة تنهدت بعمق وهي تجلس لتتماسك بعد كل هذا الانفعال
(لا بأس.. لا بأس
ليفعل مايريده بي
فأنا أستحق ما قد يفعله
فقد تماديت.. تماديت كثيرا
يكفيني أنه عاد سالما لي ولأولادي)

حينها كان هاتفها يرن.. كان فارس.. ردت وجاءها صوت فارس المشبع بالسعادة: أبشرش لطيفة أبشرش..
السيارة مهيب سيارة مشعل.. صحيح نفسها بالضبط.. بس راعيها انجليزي كان سكران اللي يكفينا الشر

لطيفة ابتسمت بشفافية: وأنا أبشرك إن مشعل رجع البيت.. توه واصل وكنت بأكلمك

فارس يضحك بسعادة: الله يبشرش بالخير.. ترا عشاء مشعل الليلة عندي
فرحتي الليلة فيه مالها حد
كفاية روعتي وروعتش



*****************************



بيت سعد بن فيصل
صالة البيت العلوية

بين العصر والمغرب

مريم تجلس أمام القهوة والشاي.. تقرأ لها كتابا..
وهي قررت أن تجلس هنا
لأن كلا من فيصل وفهد لديهما مشاريع يعملان عليها ولا بد من تسليمها بسرعة لأن الامتحانات النهائية اقتربت
ومريم تريد أن تكون قريبة من غرفتيهما

فهد فتح باب غرفته بخفة.. رأى مريم جالسة تقرأ .. وضع حذائه تحت إبطه وهو يمشي متسحبا لينزل للأسفل
فابن الجيران اتصل به ليرى إن كان سيذهب معه ليأخذا جولة على الدراجات ويذهبان لمحل البقالة القريبة

مريم همست بهدوء: فهد تعال

فهد انصدم كيف عرفت بوجوده.. ولكنه قال أنها قد تكون تنادي اسمه دون قصد.. فأكمل مشيه البطيء
مريم همست بحزم: فهد تعال.. أو تبيني اتصل في ابيك وأقول له إنك نازل تسحب مثل الحرامية

فهد ألقى الحذاء على الأرض بصوت مسموع وهو يتجه ناحيتها ويقول بغيظ:
أشلون عرفتي إني طالع؟؟ أنتي منتي بعمياء؟؟

مريم تبتسم: إلا عمياء.. بس مثل ماقلت لك قبل ربك يأخذ منا شيء ويعطينا أشياء
والحين ارجع وكمل مشروعك.. مدرسك يقول إنك أكثر طالب متأخر

فهد يضع يديه على رأسه: وكلمتي مدرسي بعد؟؟
تكفين كله ولا المدرسين لا تكلمينهم.. تبينهم يقولون قدام العيال إن أمي تكلم تبحّث وراي

مريم شهقت بعذوبة..(هل قال أمي؟!!)
ولكنها تعلم أنه قالها بعفوية لذا لا تريد احراجه
أخفت سعادتها العميقة المحلقة وهي تقول له بحزم: خلاص ما تبيني أكلمهم تصير رجّال وتكمل مشروعك

لم تخبره أن والده هو من هاتف مدرسيه ليسأل عنه كعادته.. قررت أن تجعله يظن أنها من كلمتهم رغم استحالة ذلك.. حتى يهتم أكثر

فهد بتأفف وهو يتجه عائدا لغرفته: زين.. هذا أنا راجع

مريم تبتسم: ترا هديتك مني غير هدية ابيك أخر السنة
بأوديك المكان اللي تبيه تختار الهدية اللي تبيها وأنا بأدفع بدون نقاش.. بس بشرط

عينا فهد تلتمعان: يعني ممكن أسحبش وأوديش فيرجن وإلا الرعاية التقنية وإلا مكتبة جرير وأختار أي شيء أبيه؟؟

مريم تبتسم: اللي تبيه بس أنا قلت بشرط

فهد يعود ويقفز جوارها: تشرطي..

مريم تبتسم: هياته في الشوارع ممنوع.. طلعة بدون أذن ممنوع.. سهر ممنوع
وأهم شيء تنجح على الأقل بتقدير جيدجدا..
لو أخليت بأي شرط من الشروط ذي ولو مرة وحدة لين نهاية الفصل تروح عليك الهدية

فهد لوى شفتيه: مهوب كنها شروط تعجيزية شوي؟؟

مريم تهز كتفيها: والله بكيفك..

فهد يقفز ويقبل رأسها: موافق.. بس مهوب تغيرين رأيش عقب

مريم تبتسم: أفا عليك..كلام رجّالة



******************************



بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
قبل صلاة المغرب ببعض وقت


مشعل توجه إلى الحمام ليستحم
ولطيفة بقيت جالسة في الأسفل لفترة من الزمن حتى استجمعت قواها التى كادت تنهار بل انهارت من الانفعال والضغط النفسي المضني

حينها سحبت نفسها لتصعد لمشعل في الأعلى
حين دخلت كان مشعل أنهى استحمامه وارتدى ملابسه ويجلس على الأريكة ويكلم في هاتفه الموصول بالشاحن: أنت من جدك؟؟ وشو له العشاء؟؟
....................
يا ابن الحلال أنت سبقتني بالحلوفة.. بس والله ماله داعي.. أنت خبل؟؟.. وش ذا العشاء اللي ماله حِل؟؟
...............................

كان مشعل مستغرقا في حواره مع فارس..
فلم ينتبه لدخول لطيفة حتى شعر بأناملها تتخلل شعره المبلول..
ثم تنتقل يداها لكتفيه وهي تتحسسه بكل الشجن والحنان لتتأكد أنه أمامها فعلا

شعر مشعل بارتباك عميق وتنهد بعمق أكبر وهو يشعر بملمس أناملها الحانية..
ولكن ارتباكه وتنهيدته لم تتجاوز داخله وهو ينهي اتصاله ويهمس للطيفة بحزم ساخر:
ترا عنز الجيران سالمة ماعليها شر.. هذي هي رجعت

لطيفة دارت حول الأريكة لتجلس جواره.. وتمسك كفه وتهمس بعمق:
تكفى مشعل.. سامحني.. والله العظيم عرفت غلطي.. آسفة حبيبي.. آسفة

مشعل نفض يده من يدها وقام من جوارها.. ليس لأنه غاضبا.. لكن لأنه لا طاقة له بمقاومتها..

مشعل لم يرد عليها وهو يتجه للتسريحة ليمشط شعره ويحكم إغلاق أزرار كميه
ولكن لطيفة لم تتركه وهي تلحق به وتهمس بألم عميق: حبيبي مشعل خلاص واللي يرحم والديك.. يهون عليك تخليني أترجى ذا كله

حينها التفت لها مشعل بحدة وهمس من بين أسنانه بغضب حقيقي:
الحين أنتي متكاثرة كلمتين أسف قلتيهم
واللحية اللي قدامش.. الرجّال اللي قال لش آسف بدل المرة ألف ماهان عليش؟؟

لطيفة صمتت وهي تتراجع وتشعر بعمق ذنبها في حقه لأنها الآن من أصبحت في مكانه..
ولكنها من الناحية الأخرى لن تسمح له أن يفعل معها مافعلته به.. همست بشجن:
مشعل أنت جرحتني واجد.. وأنا قلت لك قبلها إني ماراح أتحمل منك شيء ثاني

مشعل يحاول التماسك وهو يرد عليها بهدوء: هو فيه حياة زوجية تخلى من المشاكل وسوء الفهم؟!!
إذا كل مرة بتسوي في رجالها إذا غلط عليها مثل ما سويتي فيني.. خربت الدنيا
هذا وأنا اعتذرت لش يا لطيفة بدل المرة ألف.. بس يا سبحان الله مهوب كل إنسان يعطى على قد حبه

لطيفة انتفضت بوجل وهي تحتضن ذراعه وتسند خدها لعضده:
تكفى مشعل ما تقول كذا..
والله العظيم إني أحبك.. مهوب أحبك بس إلا أحب التراب اللي تمشي عليه
تكفى حبيبي تسامحني

مشعل شعر فعلا أنه عاجز عن الاحتمال.. فهو لا يريد اهانتها أو إذلالها.. ولكنه لا يستطيع أن يسامحها فورا بعد كل مافعلته به
لذا خلص ذراعه من بين ذراعيها ببرود وارتدى غترته وخرج.. وهو يتنهد بعمق

بينما عادت لطيفة لتجلس على الأريكة وهي تشعر بحزن عميق
غاية في العمق يرهق فؤادها



************************



قبل ذلك وقتا وتوقيتا
واشنطن
بيت يوسف
مساء


باكينام ويوسف يدخلان البيت.. ويوسف يحاول حشد كل مهاراته التمثيلية الفاشلة
قد يكون مريضا فعلا ومستنزفا من الحمى.. ولكنه يعلم أنه يعبر المرحلة الأخيرة في مرضه لأنه عانى حمى شديدة وانفولنزا ثقيلة الأيام الماضية

باكينام تسنده رغم أنه لا يحتاج من يسنده.. بل من هو في ضخامة جسده سيطحن رقة عظامها.. ولكنه وضع يده في يدها وهما يصعدان:
هيكفيني أحس بيكي جنبي
بلاش تسنديني أحسن أكسرك

باكينام انتفضت بوجل رقيق (ايه العيان الفايئ ده؟)

حين وصلا لغرفتهما
ساعدته باكينام على خلع ملابسه.. وعلى لبس بيجامته
كل ما بينهما يبدو كثيفا ومعقدا ومفعما بالمشاعر
أناملها المرتعشة وهي تغلق أزرار بيجامته
كفاه الساكنتان على كتفيها
العين التي تناجي العين.. والروح التي تنادي الروح
وإعصار مشاعر عاتٍ يدور في الغرفة يوشك على قلب كل شيء رأسا على عقب

همست باكينام بهدوء تخفي تحته ضغط مشاعرها: أنا هانزل أشوف ماريا عملت إيه للعشاء
يادوب تصلي أنته العشاء يكون العشاء جاهز

يوسف همس بهدوء متعب لا يُعلم حقيقته من تمثيله: مش عاوز عشاء
هاصلي وأنام

باكينام بحزم رقيق: عشان كده تعبان بئى لك كم يوم.. ازاي عيان ما يأكلش؟!!

يوسف ينفذ عن ذراعيه ليدخل الحمام وهو يهمس بصدق حقيقي هذه المرة:
بجد ماليش نفس.. ماتشغليش نفسك يائلبي

قال (قلبي) بعفوية.. وتقبلتها هي بعفوية
فكل واحد منهما يحمل للآخر مشاعر حب حقيقية غاية في العمق والاختلاف
فعلاما المكابرة؟!!
وحتى متى يستمر العقاب والعقاب المضاد؟!!



******************************



بيت محمد بن مشعل
غرفة مشاعل وناصر
قبل المغرب

مشاعل تدور في الغرفة متوترة نوعا .. يغتالها نوع الترقب وكثير من اللهفة

يُطرق عليها باب الغرفة.. تهمس بهدوء: تفضل

العنود دخلت وهي تبتسم: مشاعل أمي تسأل عنش.. ما نزلتي من عقب رجعتش من المدرسة.. لا تغديتي.. ولا نزلتي تقهوين معنا

مشاعل تبتسم: أنتي اللي غريبة اليوم متغدية ومتقهوية مع أمي بعد

العنود بابتسامة شاسعة: مزاجي رايق

العنود انتعشت بعد اعتذار فارس لها حتى وإن كان وفق شروطه وفي بيته
ولكنه اعتذر لها بعمق وغمرها بدفء مشاعره التي استنزفها الاشتياق لها
وهي تشعر الآن بسعادة حقيقية.. فهو لها ومشاعره لها..
وما تنتظره الآن أن يأتي لأخذها من بيت أهلها وأمامهم..
فهو اعتذر وهي قبلت الاعتذار حتى وإن كانت لم تخبره بذلك

ثم أردفت العنود بمودة: خليش مني أنتي وش أخبارش؟؟

مشاعل برقة: طيبة الحمدلله

العنود بابتسامة: يعني بتنزلين؟؟ أمي تحاتيش

ابتسمت مشاعل: قولي لها بأنزل فديت عينها

العنود نزلت .. ومشاعل فتحت حقيبتها لتستخرج علبة مستطيلة استخرجتها من فترة الظهر حتى الآن عشرين مرة وأعادتها
لها عدة أيام ينتابها الشك..

متوترة متوترة متوترة
تتمنى أن تكون حاملا
تتمنى أن تهدي ناصرا هذه الفرحة
وتخشى في ذات الوقت تحطم آمالها

تنهدت بعمق.. وهي تتناول علبة الاختبار بحزم
وتدخل إلى الحمام



***************************



بيت جابر بن حمد
بعد المغرب
الصالة العلوية


حمد كان عائدا من صلاة المغرب
وجد شقيقاته في الصالة العلوية يدرسن حينا ويتحدثن أحيانا
سلّم عليهن ورددن السلام بابتهاج

همس لهن بمودة مصفاة: وين تبون تروحون بكرة

عالية وعلياء تبادلتا النظرات.. ومعالي همست بمرح: بصراحة يابو جابر
ماخليت مكان في الدوحة يعتب عليك إنك ماوديتنا له
جعلنا مانذوق حزنك يالغالي
حنا نبي شيء ثاني؟؟

حمد بمودة: آمروني يالغوالي

معالي بابتسامة: نبيك تزوج

حمد ضحك: أمي وابي اتعبوا مني وكلوكم بالمهمة

معالي بجدية لا تتناسب مع شخصيتها: لا والله العظيم ماقالوا لنا شيء
أصلا أمك بتزعل لو درت انه احنا كلمناك.. تقول البنات مايتكلمون في سوالف العرس.. تفكير عجايز أول

حمد يبتسم ويهمس بمرح: لا مهوب تفكير عجايز أول.. عيب عليكم.. اقصروا الحكي أو علمت أمي عليكم يا اللي ما تستحون
ماعاد إلا هو.. بنات ويحكون في العرس.. وينش يا بنت مشعل تسمعين بناتش؟!!

علياء بخجل: تكفى فديتك مايصير عايش عزابي كذا.. حتى ربع ماعندك تطلع تسهر معهم..

حمد بمودة: زين ما تخافون أخذ وحدة تصك علي.. ولا عاد أوديكم ولا أجيبكم.. ووقت الدلع القصير يخلص بسرعة

عالية بخجل رقيق: لا ماحنا بخايفين.. لأنه لو جيت للحق أنت قبل ما تأخذ موضي ما عمرك عبرتنا..فما تغير علينا شيء
والحين يوم تتزوج نتأمل إنك ما تتغير علينا

حمد احتضن عالية القريبة منه وهمس بحنان: إن شاء الله إن ربي قاله.. عمري ما أتغير عليكم إن شاء الله
سواء ما عرست أبد.. أو خذت أربع نسوان حتى

معالي قفزت وهي تصرخ وتحتضن حمد وعالية: حضن.. حضن.. لازم تحضنوني معكم
أموت في الأفلام الهندية
وبعدين وش سالفة أربع نسوان؟؟ حنا قلنا لك أعرس وجب لنا مصيبة وحدة
مهوب أربع مصايب




*****************************



بيت راكان
بعد صلاة العشاء مباشرة


راكان عاد إلى بيته ليستبدل ملابسه من أجل عشاء فارس لمشعل
لم يجد موضي

كان بوده أن يراها فهو غادرها قبل صلاة العصر وكانت تبدو متعبة
بل كانت متعبة منذ عودتها من عملها
لم يكن يريدها أن تذهب للعمل اليوم ولكنها رفضت أن تتغيب ليومين متتاليين

في طريق عودتهما من العمل كانت طوال الطريق تسند رأسها للمقعد بشكل مائل وهي تشعر بألم متزايد في معدتها.. خليط من الجوع والغثيان
فهي لم تتناول أي طعام حتى لا تتقيأ في العمل

همس لها راكان بهدوء حان: موضي

موضي انتفضت بتلقائية وصوت راكان يأخذها عن إحساسها بالألم: لبيه

همس راكان بحنان رجولي عميق: خلينا نروح المستشفى موضي

موضي بضعف: أنا قلت لك عطني يومين بس راكان.. لو ما تحسنت بأروح

راكان تنهد ثم همس بحزم: هذا كان أمس..

ابتسمت موضي بشفافية: عاد عندي لين بكرة

راكان بشجن: أنا أبي أتطمن عليش يا موضي.. حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفيني وكل يوم حالش أشين من اللي قبله..

موضي أعادت رأسها لتسنده للزجاج وتهمس بعمق: بكرة ياراكان.. بكرة


وها هو اتصل بها من بعد العصر حتى قبل صلاة العشاء عدة مرات ليطمئن عن وضعها الذي بات يمثل رعبا متواصلا له..

لم يكن فعليا يحتاج لتبديل ملابسه.. فملابسه أرتداها لصلاة العصر
ولكن ربما كانت مجرد حجة ليطمئن عليها
وهاهو لم يجدها أيضا..

اتصل بها
جاءه صوتها المرهق: هلا راكان

تنهد بعمق وهو يحاول تجاوز اهتزاز أوتار قلبه من ضعف صوتها البادي.. ثم همس بحزم: وينش؟؟ أنا في البيت

همست وهي تعتدل جالسة عن فخذ والدتها حيث كانت تضع رأسها:
عند أمي
قلت لك اليوم وأنت طالع لصلاة العصر
تبي شيء؟!! تبيني أجي؟!!

كان بوده أن يقول لها: (إيه تعالي.. أبي أشوف عيونش بس)
لكنه همس بهدوء: لا خلش عند الوالدة وسلمي لي عليها
أنا يمكن أتأخر شوي على العشاء

موضي باحترام عميق: براحتك.. أنا بأرجع للبيت بعد العشاء على طول

موضي أغلقت هاتفها.. احتضنته بعفوية .. وعادت لتضع رأسها على فخذ والدتها التي تجلس على طرف الأريكة
أم مشعل كانت تمسح على شعر موضي بحنان.. ثم همست لريم التي كانت تحل واجباتها عندهما وهي تنثر كتبها على امتداد الصالة:
الرويم قومي لغرفتش يأمش

ريم بتأفف: يمه..فديتش

أم مشعل قاطعتها بحزم: قلت قومي.. لا تراديني

موضي بهمس متعب: خليها يمه تقعد

أم مشعل بذات الحزم: أنا قلت تقوم لغرفتها تقوم.. ما أبيكم ثنتينكم ترادوني

ريم نهضت وهي تتأفف وتجمع كتبها (بتحلطم) ثم هتفت بصوت عالٍ وهي تقف في منتصف الدرج:
إذا خلصتي السالفة اللي تبين تقولينها لموضي وعيب أسمعها.. ادعيني
فيه واجب أبي موضي تساعدني فيه قبل تروح لبيتها

موضي ابتسمت وهي ترفع عينيها لأمها: صدق يمه عندش سر تبين تقولينه لي وإلا هذي تأليفة من الرويم الدعلة؟؟

ابتسمت أم مشعل: مافيه دعلة غيرش.. وظنش الناس كلهم مثلهم

موضي ضحكت رغم إرهاقها الواضح: أفا.. تسبيني يأم مشعل؟!!

أم مشعل بحنان مباشر: أي شهر؟؟

شهقت موضي وهي تجلس وتهمس بحرج وعيناها في حضنها: شهر وشو يمه؟؟

أم مشعل قرصت خد موضي بحنان غامر: أنا صار لي تقريبا شهر وأنا طايرة فوق السحاب
يعني من قبل ألاحظ الوحم اللي أنتي داسته حتى.. بس كنت أنتظر تفرحيني أنتي؟؟

موضي صمتت بخجل حاد ووهي تشعر بحرج عميق من والدتها

همست أم مشعل بحنان: يأمش أنا ما أتشره عليش.. أنا كنت أبي أسمعها منش بس

موضي بخجل: والله العظيم توني دريت من 3 أسابيع.. واستحيت يمه

أم مشعل بحنان: تستحين مني يأمش؟!!

موضي أبعدت عينيها عن مدى رؤية والدتها حتى تخفي لمعان الدموع في عينيها
وحتى لا تقرأ والدتها في هاتين العينين سبب إخفائها خبر حملها: الموقف كله غريب علي بس فديت عينش

والدتها ابتسمت: يعني غريب علي ومهوب غريب على راكان يا مويضي

موضي بحزن: أنا حتى راكان ما قلت له

أم مشعل بهمس غاضب عاتب: لا يأمش ما يصير تدسين على راكان
وبعدين ماله عيون يشوف ذا الوحم... هذا وأنتي تدسينه وواضح
أجل لو ما تدسينه.. أشلون؟!!

صمتت موضي وحزن عميق يخترم روحها.. ماذا تقول لوالدتها؟!!
ماذا تقول لها؟!!




***********************



انتهى عشاء فارس في وقت متأخر نوعا ما
فالعشاء لم يكن عشاء اعتياديا بل كان عشاء كبيرا فخما حضره عشرات المعازيم
الجميع كان مستغربا من كون العشاء لمشعل وبهذه الضخامة ودون مناسبة
ففارس لم يخبر أحدا بحكاية السيارة المحترقة وحالة الرعب التي عاشها

الجميع عادوا لبيوتهم

ليلة جديدة تحمل من المفاجآت الكثير



بيت مشعل بن محمد


مشعل يتنهد بعمق وهو يدخل لبيته ويحشد في قلبه عشرات الدعوات أن يتجلد أمام لطيفة
قرر أن ينام فور انتهاءه من صلاة القيام
حتى لا يعطيها أي مجال للحديث

ولكن إن كان هو يخطط.. فلطيفة كذلك تخطط
حين دخل.. كانت رائحة بخور وزيوت عطرية قوية تفوح من الغرفة
مفرش جديد بالغ الفخامة على السرير
قد تكون لطيفة بطبيعتها شديدة الاهتمام بهذه الأمور.. تحب البخور كثيرا وكثيرا ما تغير مفرش السرير كل أسبوع تقريبا.. وأحيانا مرتان في الأسبوع
ولكن اليوم مختلف.. مختلف تماما
أو ربما هو إحساسه من أوحى له بهذا..!!

ولكنه حين رأى لطيفة تخرج من الحمام وهي تجفف يديها وتهمس برقة: "جاي من زمان حبيبي؟؟"
تأكد أن اليوم مختلف بل غاية في الاختلاف

فلطيفة كانت فتنة متحركة قد تشكل خطرا قوميا في قميص نومها البحري

مشعل تجاوزها وهو يهمس ببرود كان يحترق تحته حتى آخر ذرة: دامش شفتيني قدامش.. أكيد جيت

دخل للحمام يتوضأ
خرج وصلى دون أن يلتفت لها
ثم تمدد على سريره الذي كان غارقا في رائحة العطور

ولكن لطيفة لم تتركه في حاله وهي تتمدد جواره
أعطاها ظهره وهو يقول ببرود بارع: طفي الليت.. بأنام..

لطيفة اقتربت أكثر

مشعل التبس والتمس (اللهم طولك ياروح
يالله ياكريم لا تفشلني .. لا تفشلني)

لطيفة اقتربت منه أكثر وهي تضع كفها على عضده وتهمس في أذنه برقة مدروسة شعر بها تذيب عظامه لتصل إلى عمق النخاع
وهو يتنفس رائحة عطرها الموجع ويشعر بنعومة جسدها المستحيل:
حبيبي مشعل قلت لك آسفة بشكل مباشر.. وقلتها بشكل غير مباشر
لا تصير قاسي كذا
والله ما يهون علي زعلك.. تكفى حبيبي تكفى

مشعل أزاح يدها عن عضده بيده الأخرى.. وهو يهمس بذات النبرة الباردة:
لطيفة بعدي عني.. ما أقدر أنام وأنتي لازقة فيني كذا

لطيفة انسحبت بخفة ولكن قبل أن تنسحب نهائيا.. طبعت قبلة رقيقة على صدغه ثم نقلت شفتيها لأذنه وهمست:
أحــبــك




****************************



بيت محمد بن مشعل
غرفة مشاعل وناصر


يبدو أن الليلة ليلة خطط بنات عبدالله بن مشعل
مشاعل أيضا لديها ليلة مفعمة بالاختلاف.. ليلة لن تتكرر
فهذا الخبر حين يكون في مرته الأولى يكون له أفق فرحة لا حدود لها

ناصر دخل
ابتسم حين رأى مشاعل وهمس: وش ذا الزين؟؟
مشاعل كانت غاية في التأنق والألق وهي ترتدي فستانا قصيرا وضيقا باللونين الأحمر والذهبي

مشاعل تقف وهي تأخذ غترته منه وتهمس بعذوبة: يا النصاب يعني أنا ما أتزين لك كل ليلة!!

ناصر باعجاب وهو يمسك بكف مشاعل ويديرها ليراها من كل الاتجاهات:
بلى يا قلبي.. بس الليلة حلاش زايد

همست مشاعل بخجل: أبيك تشوف رشاقتي دامني رشيقة

ناصر تناول كفها وقبلها وهمس بابتسامة: أنتي على طول رشيقة

مشاعل تنهدت ( مافهم التلميح الأول... نتتقل للثاني)

ناصر توجه للأريكة وجلس وهو يشير للمكان المجاور له حتى تجلس جواره
مشاعل توجهت له وجلست جواره
وناصر همس بعمق ووله: جد يا قلبي حلاش الليلة غير طبيعي.. ماشاء الله تبارك الله خايف عليش من عيني

مشاعل بخجل: خلك من حلاي ومن مجاملاتك الواجدة..
كنت أبي أسألك عن شيء

ناصر بمودة: آمريني يا قلب ناصر

مشاعل بنبرة خاصة: مهوب أمر مجرد سؤال
الحين الجليلة ممكن تجيب مهر صغير.. عشان أنا أبي لي مهر صغير بس من نوع طيب

ناصر باستنكار: بعيد الشر عنها
ثم أردف بابتسامة: الجليلة عادها بعزها.. اللي مثلها ما تخلا تحمل الحين.. إذا كبرت شوي وماعاد تنفع للسباقات.. ممكن تحمل
بس..ووش تبين بالمهر يعني؟؟

مشاعل بنفس النبرة الخاصة: زين إذا أبي مهر أصيل وطيب عروق... من وين نجيبه؟؟

ناصر يبتسم: أما أنتي الليلة غريبة على ذا الأسئلة..
اسمعيني يا قلبي.. ترا طِيب الحلال إن كان خيل وإلا أبل وإلا غنم.. تعتمد في الأول على الفحل
إن كان الفحل طيب.. طاب نسله..
وإن كان الفحل طيب والأم طيبة.. إن شاء الله يجي النسل من أطيب ما يكون.. (الطيب هنا بمعنى الجودة)

بس لحد الحين ما فهمت وش تبين بالمهر الأصيل الطيب؟؟

مشاعل ابتسمت وهي تهمس بخفوت وتنغم جملتها ببطء كلمة كلمة:
يعني أنت تكون عندك فرس طيبة.. وولدك مايصير عنده مهر طيب؟!!
أبيه فارس مثل ابيه



***************************



قسم راكان


موضي لم يكن لديها أي مخططات على عكس شقيقتيها
لأن راكان دخل عليها ووجدها في الحمام تتقيأ
ولأن البيت كان خاليا والغثيان داهمها فهي تركت الباب مفتوحا
فُجع راكان وهو يراها تجلس على فوطة على أرضية الحمام
وتتقيأ في المرحاض ويبدو أنه مضى عليها وقت طويل وهي على هذا الحال
فوجئت موضي بيد قوية تطبق على عضدها وهمسه الحازم: قومي الحين نروح للمستشفى

موضي كان وجهها محمرا وعيناها محمرتان لكثرة ماتقيأت
همست بصوت مختنق.. فهي كانت متعبة حقا: تكفى راكان خلني.. المستشفى ما يقدرون يسوون لي شيء

راكان شعر بالجزع وجملتها تخترق روحه اختراقا متوحشا.. همس برعب:
أشلون مايقدرون يسوون لش شيء
موضي أنتي وش داسة علي؟!!

موضي تحاول أن تقف .. تشعر بالدوار..وتكاد أن تسقط.. فيحتضنها راكان بقوة
لم يسندها..
ولكن احتضنها .. احتضنها بكل قوته..بكل شغفه بها وخوفه عليها
ماعاد به طاقة للاحتمال..
يشعر كما لو كان على وشك أن يفقدها..

يــفـــقـــدها؟؟!!
يستحيل.. يستحيل
كيف يفقدها؟!! سيفقد روحه معها!!

موضي همست بضعف ورأسها مختف في عضلات صدره:
راكان تكفى هدني.. خلني أتسبح.. ريحتي خايسة
كل يوم وأنا أتحلم بحضنك.. ما تحضني إلا وأنا كذا

همس لها راكان بكل وجع العالم ورجولته: موضي لا تخليني.. لا تخليني
لا تخليني عقب ما لقيتش

لأول مرة في حياته يشعر بهذا الضعف.. وهذا الاحتياج..!!
معها يتجرد من الجبروت والقيود ليتحول مخلوقا صافي المشاعر.. يعبر عن خوفه وولعه وواحتياجه

موضي باستغراب متوجع: وين بأخليك؟؟ أخاف أنت اللي تخليني

راكان بدهشة أعظم: أنا اللي وين أخليش؟؟ وأشلون أخليش؟؟

موضي تخلصت من حضنه بلطف وهمست بعمق: راكان خلني أتسبح الحين
عشر دقايق وأجيك.. وأقول لك كل شيء

راكان توجه لينتظرها جالسا على السرير.. بينما عادت هي للحمام
شعر أن العشر دقائق مرت عليه عشر سنوات
فقلقه ورعبه يتصاعد أن تكون مريضة بمرض خطير تخفيه عنه

موضي أنهت استحمامها
خرجت ملتفة بفوطتها وروبها.. والتعب بادٍ تماما على وجهها

قفز راكان واقفا وهو يمد يده لها فور أن رآها
موضي وضعت كفها في كفه المحتوية وكأنها تستمد القوة من قوته

راكان احتضن كفها بحنو وهو يقول لها بحزم حنون: شوفي سالفة القولون الملتهب خلاص ما تدخل مخي
قولي لي وش فيش.. ولا تدسين شيء علي

موضي أنزلت عينيها للاسفل وسالت دموعها بصمت
راكان بجزع حقيقي وقلبه يتمزق شظايا متناثرة: ودموع بعد؟!! والله إن السالفة كايدة

موضي بضعف: راكان يمكن تستغرب بس أنا مبسوطة.. مبسوطة فوق ما تخيل.. سعيدة سعادة عمري ماعشتها

راكان بدهشة عميقة: مبسوطة وأنتي مريضة وتبكين؟!!

موضي بصوت مستنزف من الإرهاق: اسمعني راكان
أدري إنه يمكن كان عندك مخططات تبي تسويها في حياتك بعيد عني
وفي قلبك حبيبة يمكن باقي لها مكان فيه
وأنا ما أقدر أمنعك من أي شيء تبي تسويه
بس تكفى راكان تكفى... حتى لو ماكنت مبسوط بالخبر
بيّن إنك مبسوط عشاني.. لا تكسر فرحتي

راكان بتوجس عميق: أي خبر؟!!

موضي بتوتر وترقب رقيقين وهي تدعك أناملها بحدة:
أنـــــا حـــــامــــــــل !!!
بعد صلاة العشاء
بيت سعد بن فيصل


الجلسة الخاصة بأولاد سعد
مريم تسمع صوت التلفاز وتتجه ناحيته حتى تطلب من فهد أن يتعشى معها
لأنها تعلم أن فيصلا ذهب به والده ليعزي معه على أهل متوفٍ... أخوه في كتيبة سعد..
وبعد ذلك سيعودان ليتعشيا في المجلس

كانت مريم تتجه بخطوات اعتيادية هادئة لأنها أصبحت تعرف الاتجاهات وأماكن قطع الأثاث تماما

كانت وصلت لداخل الغرفة حين سمعت صراخ فهد: عمتي انتبهي انتبهي

ولكن صرخته حدثت بعد أن تعثرت فعلا في أشيائه المبعثرة
لتسقط بشكل حاد ومباشر

على الطاولة الزجاجية التي تتوسط الغرفة
ليتهشم الزجاج
وتسقط مريم على أكوامه المتناثرة


مريم حاولت ألا تتحرك وهي تشعر بالألم في كافة نواحي جسدها
وهي تهمس لفهد: لا تقرب فهد من الزجاج.. قايلة لك يأمك بلاها ذا المقالب أنا ما أشوف

صوت بكاء فهد يرتفع بهستيرية: والله العظيم مهوب ودي.. مهوب ودي
أنا كنت ألعب بس

كان يبكي بصوت عالٍ وهو يحاول الاقتراب منها..

مريم بجزع رقيق وهي تتمزق من صوت بكاءه وتشعر بجزع أكبر لأنه تعلم من صوت حركته أنه يمشي باتجاهها:
لا تبكي ياماما.. مافيني شيء.. أنت لا تقرب من الزجاج
روح اركض.. وادعي أم صبري وسونيا والخدامات


فهد نزل ركضا للأسفل وصوت نشيجه يقطع القلوب

عاد بعد لحظات وهو يسحب أم صبري بيدها.. والعجوز تلهث وأنفاسها متقطعة: فيه إيه ياواد.. ئطعت نَفسي

والخادمات وسونيا يركضن خلفهما.. حين وصلوا فجعوا من المنظر..
الزجاج المهشم ومريم تجلس بشكل مائل على وركها وهي تتسند على كفها
دون حراك خوفا من انغراز مزيد من الزجاج في جسدها

سونيا كانت من استلمت زمام التصرف وهي تصرخ بهن أن يحطن بمريم من النواحي الأربعة.. ليرفعنها
وحين أوقفن مريم وأبعدنها عن الزجاج أمسكت سونيا بمفرش صغير كان على طاولة جانبية وبدأت تنفض الزجاج بخفة عن مريم
ثم نقلوها لغرفتها..
وفي كل هذا كان صوت بكاء فهد لم يتوقف

مريم همست له: حبيبي مافيني شيء.. تعال..

كان فهد يتحرق للبكاء في حضنها.. ولكن أم صبري منعته من الاقتراب منها:
ماتجيش جنبها يا بني.. يمكن يكون فيه ئزاز في جسمها

فهد بقي واقفا في مكانه.. وصوت بكائه يتعالى

ومريم تشعر بالتمزق من صوت بكاءه.. فهي لم تسمعه يبكي مطلقا.. بل والده نفسه يقول أنه نادرا جدا ما يبكي..

تشعر أنه بكى بكاءً يكفيه لسنوات.. تود أن تحتضنه وتهدئه.. ولكنها هي نفسها تشعر بآلام في كل جسدها ولا تعلم بالتحديد مدى إصابتها

كانت إصابات مريم غير معلومة بعد.. سارعت سونيا بنفسها للاتصال بطبيبة مريم المعتادة فهي صديقة لمريم وبيتها ليس بعيدا..
وزارت مريم في بيتها الجديد لتبارك لها.. لذا فهي تعرف مكان البيت جيدا
لم تستغرق الطبيبة سوى أقل من عشر دقائق لتصل وهي تحضر معها عدتها..

أخرجوا فهد خارج الغرفة..
ليزداد بكاءه هستيرية وهو يتوجه للجلوس على الدرج
كان يبكي بطريقة هستيرية موجعة .. كان يخشى برعب طفولي أن يتيتم للمرة الثانية
فهو تيتم من أم لم يعرفها..
فكان كل رعبه الكاسح أن يتيتم من أمه التي عرفها حتى ولو كانت لفترة قصيرة
ولكنه شعر بحنان سنوات متعاظم في أعطافها الحانية
حنان سيجن إن فقده.. سيجن!!


في غرفة مريم
الطبيبة قصت ملابس مريم بحذر ووضعتها في كيس وطلبت أن يُرمى..
وبدأت تتفحص جسد مريم جزءا جزءا بعدسة مكبرة وبدقة شديدة
ستر الله على وجهها من الإصابة.. والإصابات في جسدها كانت كلها طفيفة وسطحية.. ورأت الطبيبة أنها لا تستلزم الذهاب للمستشفى
استخرجت الزجاج.. وطهرت الجروح ووضعت عليها لزقات طبية.. ثم طلبت أن يلبسوها ثوبا واسعا وخفيفا
وكتبت لها مضادا حيويا

قبل انتهاء الدكتورة بثوانٍ.. كان سعد يدخل مع باب البيت يتحدث مع ابنه فيصل...
فُجع وهو يسمع صوت بكاء فهد الواضح..
ركض للأعلى وفيصل يركض خلفه ليفجع بمنظر فهد على الدرج.. ووجهه المحتقن من كثرة البكاء

سعد شده عن الدرج واحتضنه بقوة وهو يهمس بجزع: وش فيك يأبيك؟؟

فهد بين شهقاته: أمي .. أمي.. أمي طاحت على طاولة القزاز.. والقزاز كله دخل في جسمها..

سعد شعر أنه سيجن.. لم يحتج أن يسأله من أمه..
فهو عرفها.. فهي أصبحت أمهم جميعهم
أصبحت رغم الظلمة التي تعيشها السراج الذي ينير ويدفئ حياتهم الباردة

سأله بهستيرية: وينها؟؟

فهد بين شهقاته: في غرفتها

سعد توجه للغرفة وهو في غير وعيه جزعا وقلقا..
فتح الباب فلم ينفتح فهو كان مغلقا من الداخل
لم يفكر بطرقة بل رفسه بقدمه.. لينخلع قفله من رفسته القوية

حينها كانت الطبيبة انتهت وتجمع عدتها
ومريم تتمدد ببطء بعد أن أبدلن ملابسها

فجعن جميعا من صوت كسر الباب المدوي وأعينهن تتجه ناحيته
ليدخل سعد من خلاله كأعصار أهوج وهو لا يرى أحدا في الغرفة عدا مريم
توجه ناحيتها لينحني عليها بجزع حقيقي وهو يتحسسها بحنان موجوع:
وش فيش ياقلبي؟؟

مريم برقة: والله مافيني شيء كلها إصابات سطحية حتى مستشفى ما أحتاج
هذي الدكتورة واقفة إسألها

سعد انتبه للتو للمتواجدات.. تنحنح وهو يسأل الطبيبة عن وضعها والطبيبة تطمئنه تماما

حينها همس سعد لمريم بحنان: بأروح أدعي فهيدان.. ذبح روحه من البكاء

مريم بحنان: إيه تكفى ادعه

كانت الطبيبة تستعد للمغادرة.. انحنت على مريم وهي تهمس في أذنها:
ما شاء الله.. شو هالرِجال.. يئبر ئلبي.. سوو رومانتك..

مريم بخجل: تدرين إنش متفرغة

الطبيبة تبتسم: إيه متفرغة.. تاركة جوزي وولادي بهالليل منشانك ومتفرغة
ثم أردفت: بمر بكرة تا إتأكد من كِل شي

الطبيبة خرجت.. وسعد استوقفها ليعطيها إجرها.. ولكنها رفضت تماما أخذ شيء وهي تغضب من تصرف سعد الذي كان يجهل أنها صديقة لمريم

بينما فهد دخل باستعجال يتبعه فيصل بخطوات وجلة..

فهد ارتمى في حضن مريم التي كانت تجلس بشكل مائل.. مريم أنّت بخفوت.. انتفض فهد وهو يبتعد عنها: أجعتش؟؟؟

مريم شدته وهي تحتضنه بخفة: لا حبيبي.. بس خلني أنا اللي أحضنك

فهد عاد ليبكي بخفوت وهو يشهق ويقول: تكفين لا تزعلين علي يمه.. والله مهوب ودي

مريم شهقت بسعادة
(أ قالها بصراحة؟!!
أ حقا قال: أمي.. قال: أمي؟!!
أ حقا سمعتها أخيرا؟!!)

مريم احتضنته أكثر رغم ألمها وهي تختنق بعبراتها: أزعل عليك وأنت تقول يمه؟!
اللي ما زعلت ولا قاله الله

سعد وفيصل كانا يراقبان الموقف بتأثر

فهد رفع رأسه وهو يهمس لوالده بخجل: يبه.. ماعليه أنام عندكم الليلة
بس الليلة.. يمكن أمي تحتاج شيء.. وأنت نومك ثقيل

تجمعت عبرة كبيرة في حلق مريم.. بينما هز سعد رأسه وهو يهمس بحنان: حياك الله.. تنورنا

فيصل بتأثر: زين خلو لي مجال أسلم على عمتي..

فهد تأخر عن مريم.. وفيصل قبل رأسها وهو يهمس بمودة واحترام: ما تشوفين شر..

مريم تمسك بيده وتهمس بمودة: الشر مايجيك يالغالي

فيصل بمودة: الغلا شكل فهيدان خذه وخلانا

مريم بحنان: غلاكم واحد.. وكلكم عيالي

سعد بتأثر عميق: الله لا يحرم العيال وأبيهم منش



***************************



ذات الليلة
بيت مشعل بن محمد
الساعة التاسعة والنصف

لطيفة تعود لغرفتها بعد أن نام أولادها.. تشعر أنها مرهقة وعظامها محطمة تماما.. من بعد الاستنزاف الذي حدث بعد رعبها اليوم
كانت تريد أخذ جود لتنام معها.. ولكن مريم رجتها أن تتركها لأنها لن تستطيع النوم وهي ليست معها

استحمت ولبست بيجامتها وصلت
ثم قررت أن تنام

وهي تتقلب على فراشها.. دخل مشعل..
جلست احتراما له حين رأته يدخل..
ألقى غترته على الأريكة وهمس بحنان: تو مريت غرفة البنات.. ماشاء الله جود رايحة في النوم

لطيفة بألم وهي تتذكر موقف الليلة: الحمدلله ألف حمد وشكر ..بنتي ماتت إلا شيء
لولا أنت بعد الله اللي كتب إنك تكون موجود أو كان ماتت بسم الله على روحها

مشعل توجه ناحيتها وهو يجلس جوارها ويحتضن كفها..
لطيفة استغربت.. ورعشة دافئة تجتاح أوصالها
كان حنونا في موقفهما السابق مع جود.. ولكن لأن الموقف اضطره لذلك
فما الذي يضطره الآن؟!!

همس لها بحنان: يعني نسيتي إن حمود ومريوم وعبودي كلهم بلعوا أشياء غريبة

لطيفة بألم عميق: بس ماحد منهم صار له مثلها.. كانت بتروح يا مشعل.. بتروح مني

مشعل شدد احتضانه لكفها وهو يهمس بهدوء: لا تفاولين عليها.. بسم الله عليها

لطيفة التمست بعنف مع تشديده المقصود على كفها.. بدأت دقات قلبها بالتعالي وهي تشعر أن بطنها بدأ يؤلمها
تخشى أن تبادر لإرضاءه للمرة الألف فيصدها.. أو تتجاهله فتخسر الفرصة

قررت ترك قلبها يقودها..
مدت يدها لوجهها.. لتمسح عارضه بأطراف أصابعها وهي تهمس بعمق أنثوي شفاف: قلت قبل وش أكثر أحبك؟!!

مشعل تناول أصابعها من خده ليطبع قبلة طويلة على أطرافها ويهمس بعمق:
وأنتي تدرين وش كثر أحبش
ما أسمح لش مرة ثانية تجفيني.. ولا تلاعبيني.. ولا تشكين فيني
والله اللي ما ينحلف فيه باطل.. واللي زرع عروق حبش في قلبي
إنش لا تعيدين ذا التصرفات معي.. إني لـ................

لطيفة أسكتته بوضع أناملها على شفتيه.. وهي تهمس بعذوبة:
بدون تهديدات ما أبي أعرفها.. خلاص حرمت يا قلبي.. حرمت

مشعل احتضن كفيها الاثنين وألصقهما بصدره ثم همس بعمق دافئ جذري:
لطيفة.. شايفة ذا الشيب اللي ملأ رأسي..
كله طلع وأنا معش يوم بيومه..
احشمي ذا الشيبات واحشمي عشرتنا والعيال اللي بيننا
واحشمي غلاش اللي ماله حد
أنا ما أدري أنتي وش كثر تحبيني
بس الوكاد إنه حبش مع الهوا اللي أتنفسه.. مع الدم اللي يمشي بعروقي
ما ينفع عقب ذا الغلا كله تسوين معي كذا

لطيفة بحرج رقيق: خلاص حبيبي.. قلت لك حرمت.. آسفة والله العظيم آسفة

مشعل يفلت يديها ليحتضن وجهها ويغمره بقبلاته الدافئة المشتاقة
ثم يفلتها برقة
ويهمس بخبث رقيق: آسفة كلام ما ينفع
أبي لي رضاوة فعلية..

لطيفة تهمس بوله: تدلل ياعمري..

مشعل يبتسم ويهمس بمرح: أبي لي بيبي.. تبين نويصر وراكان أحسن مني.. ويقولون إني شيبت

لطيفة تبتسم: الله كريم.. ولا يهمك.. إذا الله كتب..
أنا أصلا مشتهية بيبي صغير فوق ما تتخيل.. بس خل خواتي لين يولدون.. أمي مهيب قادرة عليهم كلهم..
وعقب إن شاء الله نوريهم انتاج الشيبان الأصلي.. علامة الجودة



************************



ليل الدوحة
قسم راكان
ذات الليلة


موضي كذلك عادت من بيت أهلها وتعمل على بعض مشاريعها الحاسوبية

دخل عليها راكان.. حين رأته ابتسمت بعمق وهي تغلق جهازها وتضعه على الطاولة
اقترب منها وجلس جوارها وهو يسلم.. ردت السلام برقة

راكان مد يده ليلمس بطنها بخفة ويهمس بحنان: مشعل عاده متعب أمه؟!!

موضي تبتسم: متعبها.. أمي تقول ما بعد شافت وحام ثقيل مثل وحامي

راكان يمسح على بطنها ويهمس بابتسامة دافئة: ولدي مهوب سهل..مايبي يجي بالساهل..

موضي بعمق: جعلني فدا الولد وابيه

راكان تناول كفها وهو يطبع قبلات عميقة على كل إصبع من أصابعها
ويهمس بعمق: والله لا يحرمه هو وإبيه واخوانه منش

موضي فتحت عينيها باتساع: أخوانه؟!!
حرام عليك عادني في وحم الأول تطري علي الباقيين

حينها أسند راكان رأسها لصدره وأنامله تتخلل خصلاتها الناعمة وهو يهمس لها بعمقه الكوني:
تدرين حبيبتي.. الأطفال هذولا نعمة من رب العالمين
اللي بيجي من الله حياه الله
أنا يكفيني أنتي جنبي.. قبلش ياموضي ما كنت عايش
والله العظيم ماكنت عايش.. ماعرفت معنى الحياة إلا بش ومعش

موضي تعلقت في جيبه بضعف: أحس أحيانا إنه ذا السعادة كثيرة علي..
أنت ياراكان نعمة من ربي.. والله العظيم نعمة

راكان يحتضنها بقوة حانية.. يطبع قبلاته على شعرها..
ويهمس بخفوت: النعمة أنتي.. كاملة والكامل وجه الله
أكيد أنتي الله أرسلش لي لأنه راضي علي..
اللهم لك ألف حمد وشكر



********************************



واشنطن
بيت يوسف
مساء


باكينام تجلس في الصالة تدرس وتنتظر عودة يوسف
تأخر قليلا وكانت باكينام على وشك الاتصال حين دخل

قفزت وهي تهمس بقلق: تأخرت حبيبي

ابتسم يوسف بسعادة: نعم؟؟ ئلتي إيه؟!!

باكينام بطبيعية: بائول تأخرت

يوسف يقترب ويحتضن وجهها بين كفيه ويهمس بعمق: لأ التانية التانية.. اللي بستناها من زمان

ابتسمت باكينام وهي تهمس ببطء: حــبـــيـــبـــي

يا الله أي ثقل يشعر به؟!!
وما أشد وطأة مشاعره عليه؟!!
يعلم أنها تحبه.. ولكنه كان ينتظر انهيار كل حاجز بينهما
ينتظر تماهيهما وتمازجهما التام

اقترب منها بخفة.. قبل عينيها ثم همس في أذنها بخفوت: وأنا بموت فيكي
ربنا ما يحرمنيش منك

تناولت باكينام كفه لتطبع قبلاتها الرقيقة عليها..
تشعر بذنب عميق لكل ما فعلته به
حينما تصفو الأرواح تصفو الرؤية
لو كانت أخبرته منذ البداية بحقيقة علاقتها بحمد كانت وفرت عليه وعلى نفسها الكثير من العذاب
كان من حقه أن تبرر له وتريحه.. ولكن كرامتها لم تسمح لها.. فماذا استفادت؟!!
أضاعت على نفسها وعليه وقتا طويلا من السعادة كان كلاهما يتمناها


يوسف كانت باكينام تشغل تفكيره ويرى أنها عانت كثيرا في الفترة الأخيرة
لذا همس لها بحنان يخفي وراءه توتره أن توافق على اقتراحه:
تحبي تروحي لندن لما تخلصي امتحانات؟!!

انتفضت باكينام بخفة: ليه؟؟

يوسف يشدها ليجلس هو وإياها على الأريكة ويحتضنها بخفة ويهمس بذات الحنان:
أنتي هتخلصي امتحانات بعد أسبوع
وأنا بائي لي شهر
لو تحبي تروحي لأهلك.. ولما أخلص أجي لك وننزل سوا مصر زي ما تحبي

باكينام بعتب: عاوز تخلص مني؟!!

يوسف يشدد احتضانه لها ويهمس بمودة مصفاة: لو عليا يا ئلبي أنا عاوز رجلي على رجلك
بس أنا عارف إنك تعبتي الأيام اللي فاتت كتير.. فئلت يمكن عاوز تشوفي ماما وبابا.. ماحبيتش أبئى أناني

باكينام احتضنت خصره وهي تهمس برقة: هاشوفهم بس معاك
ثم أردفت بخفوت عذب: أنته بتتكلم جد؟؟ عاوزني أسيبك وأنته منائشتك ئربت
أمال حبيبتك وحبيبي إزاي لو سبتك في وئت زي ده؟!!

احتضنها أكثر وأكثر وهو يهمس بعمق شاسع: ربنا ما يحرمنيش منك

ردت عليه بذات العمق: ولا منك



************************



بعد أسبوع آخر

عودة مشعل وهيا ستكون بعد يومين بعد أن تجاوز كلاهما العراقيل بنجاح
هو تجاوز المناقشة.. وهي تجاوزت الامتحانات بتفوق كبير

وضع الجميع على حاله..

مريم تحسنت كثيرا.. وتعلق فهد زاد بها كثيرا
هو وجد فيها الأم التي لم يعرفها
وهي أروت في غريزة الأمومة المتدفقة فيها


أم حمد عانت أسبوعا مريرا بعد معرفتها بخبر عجز ابنها عن الانجاب
ولكنها الآن تقبلت الفكرة رغم صعوبتها واتجه تفكيرها لناحية جديدة


مازالت مشكلة فارس والعنود معلقة.. فمخطط فارس لإعادة العنود أفسدته دورة العمل التي عاد منها البارحة فقط



*************************



بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة السادسة والربع صباحا

يرن منبه هاتف ناصر.. يمد يده ويغلقه.. ثم يتحسس جواره ليوقظ مشاعل
ولكنه وجد مكانها خاليا
تلفت حوله لم يجدها.. استغرب فهي نامت جواره بعد صلاة الفجر.. فأين ذهبت
ربما في الحمام.. توقع أنها في حمام الغرفة.. لذا ذهب لحمام الصالة

ناصر أيام العمل لا يخلع ساقه بعد صلاة الفجر.. وبشكل عام إن كان سينام لساعة أو ساعتين لا يخلعها.. بل ينام بها

مشاعل فعلا كانت في الحمام ومنذ وقت طويل
ولكنها فكرت أنه حين يصحو سيتجه لحمام الغرفة لذا ذهبت لحمام الصالة

حين فتح الباب وجدها تجلس على طرف الحوض وتسند رأسها للحائط.. وشكلها مرهقة تماما
توجه لها بقلق وسألها بقلق عميق: وش فيش يا قلبي؟؟

كان ردها عليه أن أزاحته برقة لتقف وتتقيأ في المغسلة.. ولأن معدتها أصبحت خالية تماما.. تقيأت القليل جدا من عصارة المعدة

ناصر يمسك بعضديها من الخلف وهو يهمس بقلق حقيقي وحزم طبيعي: يالله نروح المستشفى

مشاعل غسلت وجهها جيدا وجففته ثم همست بضعف: مافيه داعي حبيبي.. أبي أنام بس.. ماني برايحة الدوام اليوم

ناصر بحنان: مايصير مشاعل.. أنتي تعبانة..

مشاعل بذات الضعف: تعب طبيعي حبيبي..
ناصر بحنان مصفى: خليني أوديش السرير زين.. ولو رجعت من الدوام وأنتي تعبانة.. ماعلي منش.. بأوديش للمستشفى

مشاعل كانت تشعر بضعف شديد لكثرة ما تقيأت إضافة إلى أن بنيتها ضعيفة أساسا.. لذا كانت تمشي ببطء وناصر يسندها
حين رأى ضعفها البالغ.. والمسافة طويلة نوعا ما بين حمام صالتهما والسرير في غرفة نومهما
قال لها بحزم: وقفي
ثم أفلتها ليقترب منها ولكن بوضعية جديدة.. وهو يحملها بين يديه بخفة

مشاعل همست بجزع: نزلني.. تعب عليك

ناصر يتوجه بها للسرير وهو يحتضنها قريبا من قلبه: أي تعب الله يهداش
أنا قايلين لي أقدر أشيل أثقال بساقي هذي
أنتي على وزنش هذا نجيب أربع منش عشان تصيرون ثقل واحد

حينها تعلقت مشاعل برقبته وطبعت قبلة على خده وهمست بابتسامة رقيقة:
يمكن يعجبني الوضع.. وأقول لك يالله كل يوم شيليني

ناصر يبتسم وهو ينزلها بحنان وخفة على السرير: حاضرين.. ندلل عبدالله وأم عبدالله

مشاعل باستغراب: عبدالله؟؟ ما تبي تسمي محمد؟؟

ناصر يبتسم: من يوم حن بزران وحن عندنا ثلاث أبان:جدي مشعل وابي محمد وعمي عبدالله
مشعل سمى الكبير محمد.. وصار هو أبو محمد.. وراكان يقول إن شاء الله بيسمي مشعل
أنا أصير أبو عبدالله إن شاء الله..وخصوصا إن أخيش مشعل يبي يسمي سلطان
ولو جيتي للحق عبدالله بن ناصر اسم رزة.. اسم شيخ صدق.. لأنه ولدي لازم يصير شيخ على بزرانهم كلهم

مشاعل تتمدد ببهدوء وهي تهمس بشجن: الله كريم.. الله يتمه بخير..
ياحلوه اسم عبدالله.. فديت عبدالله العود جعلني ماذوق حزنه



بعد حوالي نصف ساعة
كان ناصر ينزل للصالة السفلية
وجد والدته والعنود
قبل رأس والدته.. والعنود وقفت وقبلت رأسه
والدته سألت بقلق وهي تسكب له كوبا من (الكرك): وين مشاعل؟؟

ناصر بهدوء: اليوم تعبانة ومهيب رايحة المدرسة
خليتها نايمة
ثم التفت لأمه وهمس باحترام: يمه فديتش ولا عليش أمر طلي على مشاعل

أم مشعل بحنان أمومي: بدون ما توصي فديتك.. مشاعل بنتي

العنود بابتسامة: يعني ما تقدر توديني موعدي اليوم؟؟

ناصر يبعثر شعرها بحنان: ليه أنا قد وعدتش بشيء وأخلفت.. تجي على موعد يعني؟!!
أفا عليش

العنود تبتسم: قلنا حبيبة القلب تعبانة.. يمكن المخ اختبص

ناصر يبتسم: هو بصراحة من حيث إنه اختبص .. فهو اختبص.. لكن عشانش نسمكره
ثم أردف وهو ينهي كوبه: تجهزي عقب صلاة العصر على طول.. مثل موعدنا أمس..

العنود كانت ذهبت البارحة لإجراء فحص الدم الإخير بمناسبة انتهاء برنامجها العلاجي
واليوم تعطيها الطبيبة النتائج..



*************************



بعد صلاة العصر
بيت حمد بن جابر
غرفة حمد


حمد عاد من الصلاة.. ويريد تبديل ملابسه.. ليتجه للنادي حيث بدأ برنامجا رياضيا للياقة وبناء الجسد

دخلت أمه.. عرف فورا من وجهها أن لديها حديثا
همس بهدوء وهو يغلق حقيبته الرياضية: آمريني يأم حمد

ثم جلس على السرير لشد خيوط حذائه الرياضي

وجلست أمه جواره وهمست بهدوء عميق: اسمعني يأمك
كل إنسان الله يكتب له نصيب.. والواحد ما يدري وين نصيبه
يمكن الله ما كتب لك عيال.. أو يمكن يكون كاتب لك مع مرة ثانية.. ماتدري
لكن على كل الأحوال أنت توك شباب ومحتاج لك مرة تحصنك.. ترادك الصوت.. تسولف معها
مهما كان الرجّال مع مرته غير..

حمد بضيق: يمه فديتش ماخلصنا من ذا السالفة

أم حمد برجاء عميق: يأمك خلني أكمل كلامي.. وأنت فكر.. وعقب براحتك

حمد صمت ليفسح لها مجال الحديث

وأم حمد أكملت كلامها: يأمك فيه بنية من بنات الجماعة.. رجّالها متوفي وهي عندها ولد وبنت.. وتوها صغيرة عمرها حول 28 أو 29
وأنا أعرفها زين ماحدن مثلها.. مزيونة وحشيمة ونفسها خفيفة
وهي تراها مخلصة الجامعة وكانت تشتغل
بس عقب موت رجّالها خلت الشغل عشان تفرغ لعيالها
وأنا أشوفها مناسبة لك واجد..

حمد بهدوء ليتخلص من إلحاحها: ومن هي بنته؟؟

أم حمد بابتسامة انتصار: بنت سالم بن راشد الله يبيح منه..
مالها ذا الحين إلا أخيها راشد.. تعرفه؟؟

حمد بهدوء: أعرفه.. رجّال والنعم
ثم أردف بذات الهدوء وهو يقف: زين خليني أفكر جعلني ما أبكي خشمش..

حمد وضع حقيبته على كتفه وتوجه للنزول
وهو في منتصف الدرج..خطر له خاطر (خلني أسأل السؤال مهوب حرام..)

ثم عاد أدراجه لغرفة معالي

حمد بذاته ليس لديه أدنى رغبة للزواج.. ولكنه يفكر بشكل منطقي أنه قد يندم مستقبلا على تضييع شبابه في الوحدة
ومادام هناك امرأة بمواصفات كهذا... فليحاول استغلال الفرصة قبل تبخرها
ولكنه يشك في قدرة والدته على الوصف
فقد تكون والدته تبالغ لإقناعه..
لذا قرر أن يسأل معالي.. فهي شابة أعرف بذوق الشباب.. ومن ناحية أخرى لا تعرف المجاملة

طرق الباب بخفة.. جاءه صوتها من الداخل: ادخل

حين دخل كانت تطوي سجادتها.. همس بغضب: توش تصلين الحين؟!! أنا جاي من المسجد قبل نص ساعة

معالي بابتسامة: وش أسوي بأمك توها تقومني وهي رايحة لك وفي وجهها علامات الشر.. تقول شرشبيل رايح يأكل السنافر

حمد يقترب ويشد أذنها برفق: عيب يا بنت.. تراها أمش كنش نسيتي مهيب أختش الصغيرة

معالي تدعك أذنها وهي تقول (بعيارة): شكلي بأعنس وأطيح في كبودكم من كثر الإصابات اللي فيني

حمد لم يستطع إلا أن يبتسم: عيب يا بنت عيب..

معالي حين رأته ابتسم تمادت قليلا: تكفى حمودي ماتعرف واحد مزيون طايح في كبد هله.. يأخذ وحدة مزيونة بتطيح في كبد أهلها

حمد يقعد ويبتسم: أنتي تبين لش أدبن مهوب ذا.. بس ذا الحين ما أنا بمتفرغ
أبيش تزوجيني أول

معالي قفزت جواره وهي تهتف بحماس: صدق حمد صدق بتعرس

حمد بابتسامة: ياحبش لطاري العرس ياللي ما تستحين
الحين خلينا نتطمن ونسألش على العروس وعقبه يصير خير

معالي بذات الحماس: من هي؟؟ من هي؟؟

حمد بهدوء: بنت سالم بن راشد الله يرحمه

حينها انفجرت معالي بالضحك: شيوخ الدبة

حينها قطب حمد جبينه: دبة دبة.. يعني مافيها طب طبيب؟؟

معالي بابتسامة شاسعة: تدري أمك هذي خطيرة.. ما أدي من وين طلّعت شيخة

حمد بتقطيب: ليه لذا الدرجة طايح كرتها؟!!

معالي بابتسامة شفافة: بالعكس أمي جابت اللي تنفع لك تمام

حمد بدهشة باسمة: أما أنتي الواحد مايعرف لش.. توش تقولين دبة

معالي تبتسم: هي تقول على روحها دبة.. بس لو جيت للحق وبما أنك رجّال بتخطب فحق لك تعرف مواصفاتها
هي مليانة شويتين.. بس بالطريقة اللي تعجب العجايز.. والرياجيل بعد: جسمها معزل..
بس تدري احنا نحب الرشاقة ونغار اللي من متان بس أجسامهم ملفوفة.. فلازم نقول دبة

حمد يبتسم: وحلوة؟؟ وإلا بعد دبة وشينة

معالي بصراحة شفافة: مقبولة وجمالها بعد من اللي يعجب العجايز ما أدري يمكن يعجبك أنت بعد.. عيونها كبار وشعرها طويل

حمد يبتسم: عز الطلب.. ليش أحس إنها مهيب عاجبتش

معالي تبتسم: لأنها على طول تعلق على نفسها.. فصار صعب علي أجمع الصورة الفعلية والصورة اللي هي ترسمها لروحها

حمد يضربها على مؤخرة رأسها بخفة: شين الفلسفة
ثم أردف: خلينا من الشكل.. دامها مقبولة.. الجمال مايهمني أساسا
أنا يهمني أخلاقها

معالي تبتسم باتساع: عاد في هذي ماعليها كلام.. ماعليها كلام أبد.. قمة ماشاء الله تبارك الله

حمد يقف ويبتسم: يعني أتوكل على الله

معالي تقف بدورها وتبتسم: توكل والقلب داعي لك



************************



قبل المغرب بقليل

سيارة ناصر

ناصر يهمس للعنود الجالسة جواره بقلق: وش فيش يالغالية من عقب ما طلعتي من عند الدكتورة وأنتي ساكتة.. وش هي قالت لش؟؟

العنود تبتسم من تحت نقابها وتهمس بصدق: والله العظيم إنها قالت إن كل شيء عندي تمام والنقص اللي كان عندي تعوض بالكامل ورجع كل شيء لمستواه الطبيعي

ناصر بهدوء : زين وش فيش؟؟

العنود بهدوء غامض: مافيني شيء بس متوترة عشاني بأرجع لبيتي اليوم
فارس بيجي يأخذني عقب المغرب

ناصر بفرحة حقيقية: من جدش؟؟ وأخيرا؟؟ ما بغيتو؟؟

العنود بغموض: كنا نبي نصفي اللي بيننا.. وصفيناه غصب

ناصر بابتسامة شاسعة: زين ماسويتو.. المرة مالها إلا بيتها

العنود تتنهد بعمق.. بفرحة شاسعة.. بحزن مجهول
وهي تستعيد ماحدث خلال النصف ساعة الماضية

كانت تجلس بتلقائية أمام الطبيبة التي كانت تتصفح التقارير أمامها ثم ابتسمت:
وقت مناسب للحمل تماما.. كل شيء عندك صار تمام

العنود تتذكر بحزن جلوسها أمام ذات الطبيبة قبل أكثر من شهرين
حين جاءت مع أم فارس وهي تظن أنها قد تكون حامل

همست العنود بخفوت: إن شاء الله.. الله كريم.. الله يرسل الخير من عنده

الطبيبة بابتسامة أوسع: لا.. مافهمتيني..
أنا قصدي إنك حامل ووقتك للحمل كان في وقته ولله الحمد لأنه كل شيء عندك في مستواه الطبيعي

العنود شهقت بعنف وهي تقف بحدة وتميل على مكتب الدكتورة:
نعم؟؟ أنا ؟؟
أنــــــا؟؟
أنـــا حـ ـ ــ ـامـ ـل

الطبيبة بابتسامة واسعة: ليش فزعتي؟؟ أنتي ماكان عندك شيء يمنعك من الحمل أساسا
متى كانت أخر دورة عندك؟؟

العنود عاودت الجلوس وهي مازالت غير قادرة على الاستيعاب وهي تهمس بخفوت: قبل حوالي 24 يوم

الطبيبة بهدوء: يعني أنتي بديتي الأسبوع الرابع من الحمل

العنود قاطعتها: بس..
ثم صمتت ليس لديها ما تقولها سوى
ســـــوى
ســـــــــوى
أنها........ ســعــيــدة..
سعيدة فعلا
تسللت ابتسامة حقيقية لشفتيها العذبتين..
(حامل.. وأخيرا.. حامل
باجيب لك سعود يافارس
صحيح أنت ما تستاهل.. بس هذا اللي الله كتبه
يا الله مبسوطة.. مبسوطة.. مبسوطة
بس..
بس..
وش أقول لهلي.. صار لي عندهم شهرين وعقب أقول لهم حامل)

زفرت حينها بغضب: ( كله منك يا فارس.. كله منك)

كانت في غرفة الانتظار بعد أن خرجت من الطبيبة التي أعطتها مجموعة من الوصايا وفيتامينات خاصة بالحمل
العنود قررت أن تجلس تفكر قليلا قبل أن تتصل بناصر الذي ينتظرها في قاعة انتظار الرجال

هداها تفكيرها لشيء تكرهه ولكنها مضطرة له
تناولت هاتفها وأرسلت رسالة


ذات الوقت
فارس كان في بيت عمه عبدالله يريه قسم مشعل الذي تم انجازه
ولكنه تركه بدون فرش بناء على طلب مشعل الذي يريد فرشه بنفسه

فارس يبتسم لعمه: بصراحة يبه ذوقك ما يعلى عليه.. غطيت على الشباب

عبدالله يبتسم: يأبيك مهوب كله ذوقي.. شيء ذوق أمك أم مشعل.. وشي من ذوق البنات.. والباقي خلاص يكمله مشعل ومرته

فارس بمودة: أنت الخير والبركة

عبدالله بمودة: يالله يأبيك أراحك داخل البيت نتقهوى عندك جدتك..

كان فارس يخرج مع عمه حين اهتز هاتفه في جيبه معلنا وصول رسالة
تناوله دون اهتمام.. فور رؤيته اسم العنود يتصدر الرسالة انتفض قلبه بعنف..
وشعر بخليط متوحش من الترقب والقلق والفرحة
فهو وصل منتهاه شوقا لها.. وكان يريد التوجه لعمه الليلة ليطلب منه أن تعود معه فهو عاد من دورته البارحة فقط

ليتفاجأ بل يُصدم بالرسالة

" فارس لو سمحت تعال اخذني بعد صلاة المغرب
وإلا هذي بعد بتسكثرها علي؟!!"

فارس لم يسألها عن سبب ولا يهمه.. المهم أنها تريد العودة وبنفسها
أي فرحة هذه؟!! أي فرحة؟!!
همس في داخله:
( وأخيرا يا حبيبتي حنيتي علي.. وأخيرا
أدري إني زودتها
وحتى أخر يوم يوم جيتي للبيت المفروض ماخليتش تطلعين
بس أنا بغيتش ترجعين وأنتي مقتنعة
وأنا اللي أجي أخذش قدام هلش
والله العظيم بدّيت حشمتش وقدرش على قلبي اللي ذاب)

فارس طبع رسالة وأرسلتها

" أشلون أستكثرها عليش
الله يالعنود!!
يعني ما تعرفين قدرش عندي؟!!
وإلا نسيتي؟!!
جاي عقب صلاة المغرب على طول"

بيت حمد بن جابر
عقب صلاة المغرب

حمد يعود من الصلاة
يمر بوالدته في غرفتها وهي تقرأ أذكارها
يقبل رأسها ويجلس جوارها على الأرض

أم حمد بابتسامة: وش عندك؟؟

حمد يقطب جبينه: ليش ماقلتي إنها دبة؟!!

أم حمد بغضب: من اللي يقوله؟!! اكيد معالي الكلبة.. زين علوي الزفت دواها عندي

حمد يضحك: بس يمه.. أمزح معش..
توكلي على الله.. إسألي المره قبل وقولي لها يمه بصراحة عن وضعي وإني ما أجيب عيال.. لازم توافق وهي على بينة

أم حمد بفرحة: إن شاء الله أبشر.. وإن شاء الله بتوافق

حمد خرج من عند والدته.. ونورة سارعت للاتصال بلطيفة



**************************



بعد المغرب
بيت محمد بن مشعل


سيارة فارس تتوقف في باحة البيت

العنود تنزل من الأعلى مرتدية عباءتها.. ونقابها في يدها
تنزل بحقيبة يدها فقط دون أي ملابس أو حقائب كبيرة.. كما جاءتهم تماما

مشاعل وموضي ومريم جميعن متواجدات مع أم مشعل
فهن يعلمن أن أم مشعل ستتأثر لعودة العنود حتى وإن أنكرت

العنود عيناها امتلئتا بالدموع وهي ترى والدتها تحاول إخفاء دموعها
اقتربت من والدتها لتقبل رأسها وتهمس لها بشجن:
مهوب أنتي اللي ماعاد باقي إلا تطرديني.. وكل يوم تقولين لي ارجعي بيتش
هذا أنا بارجع.. ليش الدموع جعلني فدا عيونش

أم مشعل بصوت مختنق وهي تخفي سبب حزنها: مستانسة يأمش برجعتش لبيتش

العنود تحتضن والدتها بخفة وهي تحاول منع نفسها من البكاء..
لأنها تعلم استعدادها لإسالة نهر كامل وخصوصا أن أعصابها مشدودة تماما
همست في أذن والدتها: يمه بيتي جنب بيتش وبيننا باب.. مافيه شيء بيتغير.. كل يوم عندش يالغالية

موضي بمرح لإنعاش الأجواء: ييمه خليها تفارق لبيتها.. تفضي الأجواء لي أنا وأختي وعيالنا

أم مشعل بشجن: كلن له غلاه يا بنتي.. كلن له غلاه

موضي تبتسم: بس هي غلاها واجد نبي نستولي عليه ونضمه لأملاكنا

ثم أردفت وهي توجه حديثها للعنود: وأنتي روحي لأخي.. خاس في السيارة

مريم شدت العنود ناحيتها وهمست في أذنها بهدوء رقيق: الزعلة ذي إن شاء الله ما تكرر.. رجالش وعرفتي طبايعه ياقلبي
ولو مهما صار لا تكررين طلعتش من بيتش.. البيت كبير ازعلي عليه وأنتي في بيته..

همست العنود بضعف: إن شاء الله مريم حفظت درسي

مشاعل تقبل العنود وتهمس لها بدورها بخفوت: فارس يحبش فوق ما تخيلين يالعنود
شوفي حاله عقب ماطلعتي من بيته.. الولد كان بيموت..
طالبتش ما تزعلين عليه.. ولو زعلتي ما تطولين عليه الزعل.. روحه معلقة فيش
لو أنتي ماحسيتي.. أنا حسيت وزيادة

همست العنود بألم: يصير خير.. يصير خير

العنود خرجت وهي تجر أقدامها حرجا وتوترا وتكاد لا ترى الطريق أمامها

فارس منذ رؤيته لخيالها الأسود يعبر من باب البيت
شعر بطبول حرب مجنونة تصطخب في قلبه المستزف اشتياقا والمفعم ولعا
اشتاق لها.. ولكل مافيها
خطواتها الرقيقة.. صوتها الساحر.. همساتها المشبعة بغنجها الطبيعي.. دلالها اللذيذ
كل مافيها يفتنه ويسحره ويحوله لمخلوق آخر هو أسير لها وحدها
قلب خُتم عليه باسمها وحدها
كيف استطاع أن يصبر على بعدها؟!! كيف استطاع؟!!

العنود وصلت وركبت جواره.. كان يريد احتضان كفها بل يتمنى
ولكنها احتضنت كفيها في حضنها وهي تغرق في صمت عميق

فارس همس بعمق: هلا والله وألف هلا.. والله إني صادق
اشتقت لش ياقلبي.. مهوب اشتقت إلا ذبت من الشوق

العنود ببرود تشتعل تحته: إيه مبين اشتقت لي

فارس يبتسم بتلاعب..
لن يغضبه شيء مطلقا.. يكفيه أنها عادت له وهو يعرف تماما كيف يرضيها:
أفا.. الحلو زعلان

العنود بذات النبرة: ليه الحلو على قولتك حد راضاه؟!!

فارس بذات الابتسامة المتلاعبة: أنا راضيته لو هو ناسي.. وأراضيه بعيوني
ثم أردف: وين تبين تروحين؟؟

العنود باستغراب: ليه فيه مكان نروح له غير بيتك؟ (شددت النبر على بيتك)

فارس على ذات النبرة المثيرة بتلاعبها: قصدش بيتش ياقلبي..
وإيه فيه أماكن واجد نروح لها.. تدللي

العنود بحزم: أبي أروح للبيت.. فيه أشياء لازم نتفاهم عليها

فارس لم يرتح لجملتها ولا لطريقتها في قولها ولكنه همس بهدوء: حاضرين

خرج من بيت أهلها ليدخل إلى باحة بيته الملاصق

نزلا كلاهما وهو يهمس: أمي راحت تجيب أغراض للبيت.. ماقلت لها.. حبيت أسوي لها مفاجأة
كانت متشفقة على رجعتش واجد

العنود تدلف للبيت وهي تهمس بذات النبرة الباردة المشتعلة: على الأقل فيه حد في ذا البيت متشفق على رجعتي

كان فارس على وشك الرد عليها ولكنه أُخرس أُخرس تماما
وهي تخلع شيلتها ونقابها بحركة واحدة لتعلقهما على مشجب عند الباب
ويتناثر شعرها على كتفيها..
إشعاعها غمر المكان.. غمر المكان بشكل مذهل أشبه بالسحر
لا يعلم ما الذي فتنه..
شيء ما بها تغير..شيء تغيّر.. ازدادات فتنة..
وعلائم الغضب الرقيق ترسم على محياها فتنة أشد طغيانا
كانت طاغية.. طاغية بكل معنى الكلمة..
أسطورته الفاتنة المسيطرة

لم يستطع أن ينطق بحرف حتى قطعت هي الصمت:
ممكن نطلع لغرفتك نتكلم

فارس انتفض بخفة في داخله وهو يصحو من غيبوبة فتنتها اللذيذة ويهمس بهدوء وهو يتجه للصعود:
ترا لو قلتي غرفتنا شيء عادي.. ماحد يحاسبش على الكلام يعني

العنود نجحت في إثارة غضبه.. تعلم ذلك.. همست ببرود: هذا أنت انتبهت

فارس مازال محافظا على هدوءه رغم غضبه: والله أنتي تبيني انتبه.. أشلون ما أنتبه

وصلا كلاهما لغرفتهما
تناول فارس المفتاح وفتح الباب ليدلفا كلاهما

ثم توجه لأحد المقاعد وجلس بينما توجهت العنود للأريكة وجلست

همس فارس بهدوء: يالله تدللي
واسمعيني زين يا العنود.. الحين نتصافي.. ونصفي كل اللي بيننا
زعل زيادة ما أبي خلاص

حــيـنــهــا

انخرطت العنود في كل البكاء الذي كتمته منذ أخبرتها الطبيبة بخبر الحمل
دموع الفرحة.. ودموع القهر.. ودموع الشجن
شعرت أن فرحتها مبتورة من كل ناحية
أولا: عادت لفارس بطلبها هي.. وهي تهين نفسها له.. ولا تعود كما تمنت وأرادت
ثانيا: تعلم بالحمل وهي غاضبة منه.. رغم أنها كانت تتمنى أن يكون معها ويكون من يسمع الخبر معها
ثالثا: يجعلها تشعر بالخجل من حملها فلا تجرؤ على إخبار أمها أو حتى مريم كأنها ارتكبت جرما

فارس انتفض بعنف وهو يقفز ليجلس جوارها ويحتضنها بكل قوته
رغم ممانعة العنود ومقاومتها له ومحاولتها التفلت من أحضانه وهي تحاول دفعه بعيدا عنها
لتنهار بعد ثوانٍ وتتلاشى كل مقاومتها وهي تتعلق برقبته وتدفن وجهها بين رقبته وكتفه.. وتشهق: كله منك.. كله منك

فارس يمسح على شعرها بحنان ويهمس لها بحنان مصفى: خلاص ياقلبي اعتذرت لش.. وش تبين أسوي أكثر أنا حاضر

العنود مازالت تتعلق بعنقه الذي تبلل من دموعها وهي تهمس من بين شهقاتها: خربت فرحتي بكل شيء أول وتالي

فارس يبعدها برقة ليمسح وجهها بأطراف أصابعه ويهمس لها بعمق: ما تشوفين إنش مزودتها يا قلبي؟!!
خربت فرحتش؟!! ليش ذا كله؟!!

صمتت العنود وهي تختنق بعبراتها

وفارس يستحثها لتتكلم: هاه ياقلبي.. وش اللي في خاطرش؟؟

حينها همست العنود بعمق ألم شفاف: وش كثر تحبني يا فارس؟!

فارس أمسك بكفها واحتضنها بقوة وهو يهمس بعمق متجذر:
أنتي ما تسألين ذا السؤال يالعنود
لأنه حبش ماعاد يقاس ولا ينحسب.. شيء فوق كل خيال وتصور

حينها همست العنود بألم: وأنت تدري إني أحبك واجد.. أكثر حتى مما كنت أنا أظن وأعتقد

فارس بشجن: أدري ياقلبي أدري

حينها ألقت العنود وبشكل مفاجئ بالخبر القنبلة الذي تتحرق لمشاركته به قبل أن تجبن عن قوله:
فارس.. أنا حامل..

فارس يفتح عينيه ويغلقهما وهو يهمس بذهول: نعم؟؟

العنود تنكمش قليلا: حامل يافارس حامل

حينها قفز فارس بشكل مفاجئ وحاد وهو يصرخ متوجها للخارج.. كان يصرخ بسعادة مجنونة:
يـــــــــمـــــــه
يــــمــــه... يــــمــــــه
العنود حامل.. العنود حامل

العنود لحقت به بجزع.. كان قد وصل الدرج حين لحقت به وأمسكته وهو يهمس بسعادة لا حدود لها: فكيني..خليني أبشر أمي
يا الله ياقلبي.. الله يفرحش مثل ما فرحتيني
بس مافيه حد بيفرح كثر أمي

العنود تكاد تبكي: فارس أول شيء أنت قلت لي أمك مهيب هنا

فارس بتذكر: إيه والله

العنود بذات النبرة المختنقة: تعال بأقول لك شيء أول

قالتها وهي تشده للداخل
حينها أمسك بها فارس ليحتضنها بكل قوته.. حتى شعرت بالألم في أضلاعها من شدة احتضانه لها..
وهو لم يشعر أنه قد يكون احتضنها أقوى مما يجب حتى أنّت بضعف
حينها أفلتها وهو يهمس بحنان: آسف يا قلبي.. أجعتش؟!!
والله ما حسيت بنفسي.. فرحان حبيبتي فرحان
ثم همس بجذل عميق: مبروك ياقلبي مبروك

حينها همست العنود بخجل عميق: تكفى فارس ما تقول لأحد

فارس تأخر للخلف قليلا وهو يقول مراعاة لخجلها كما يظن: بأقول لأمي بس

حينها اختنقت العنود بكلماتها: تكفى فارس لا تقول لأحد.. لا تفضحني

حينها اشتعل كل غضب فارس: نعم؟؟ أفضحش؟؟
وليه؟؟ حن سوينا شيء حرام عشان ندسه؟؟

العنود عادت للبكاء: يعني إلا تعصب علي أو ما تستانس؟!!

فارس انتفض بخفة وهو يشدها ويجلسها ثم يجلس جوارها ويحتضنها بحنان: ياقلبي يالعنود
أنتي الكلام اللي قلتيه يخلي اللي ماعنده دم يحترق دمه.. أشلون واحد دمه حار مثلي

العنود احتضنت خصره وهي تسند رأسها لصدره: افهمني فارس
أنا صار لي عند هلي أكثر من شهرين
وألف مرة الكل سألوني أنتي حامل.. وقلت لا
أشلون أرجع لك وأقول إني حامل في نفس اليوم
يعني على طول هلي بيفهمون إني كنت أستغفلهم.. وأنا وأنت متراضين من زمان
يرضيك تحرجني كذا؟!!

فارس تنهد وهو يتفهم وجهة نظرها رغم عدم اقتناعه بها.. فهو يرى أنه لم يرتكب أي خطأ حتى يخفيه

همس وهو يمسح على شعرها: حاضر ياقلبي.. ولو أني ماني بمقتنع
كان خاطري أفرح أمي
أمي من يوم وعيت على الدنيا ودعوتها لي: جعلني أشوف عيالك

همست العنود برقة ورأسها مختبئ في صدره: اصبر فديتك.. بس ثلاث أسابيع ونقول للكل

يبعدها قليلا عنه.. يملأ عينيه منها ثم يبتسم بشفافية: أحلى حامل شفتها في حياتي
وأنا أقول من أول ماشفتش إنش محلوة بزيادة
أثره ولدي اللي محليش

ابتسمت العنود وهي تمد أصبعها لتمسح برقة على حاجبة الغليظ الشديد السواد وتهبط نزولا إلى خده..وتهمس بعذوبة: حلو مثل أبيه

ابتسم فارس: بنعديها عشان القمر الحامل ماتزعل

ابتسمت العنود: كيفي خلاص.. ولدي وأبيه.. أقول حلو.. أقول شين.. بكيفي مالك شغل

فارس يقترب منها أكثر ويحتضن وجهها بين كفيه وهو يتمعن في كل تفاصيل وجهها بشوق هادر ووله مصفى
ثم يهمس بعمق: الحين أكثر من شهرين مروا.. ما اشتقتي لي يالظالمة؟!

العنود بجزع رقيق: ما اشتقت لك؟!! بلاك ماحسيت فيني.. ذاب قلبي من الشوق يافارس
تدري فارس حبي لك شيء مافيه شك.. لكن الحياة الزوجية ياقلبي مهوب حب وبس..
الحين بيصير بينا طفل.. وأنا ما أرضى إنك تعصب علي قدام عيالي.. وقبل أي شيء ما أسمح لك تمد يدك علي
لو فكرت تمد يدك علي طلقني قبلها أحسن

انتفض فارس بجزع حقيقي: ياشين ذا الفال!!
ثم تنهد وأردف بهدوء عميق: مد يدي عليش مرة ثانية.. تنقص يدي ولا أسويها
لكن التعصيب أنا أعرف نفسي.. رجّال محراق
لكن أوعدش إني أحاول أتحكم في أعصابي قد ما أقدر.. وأنتي حاولي ماتسوين شيء يزعلني
وإن شاء الله نبقى دائما في منطقة الوسط متراضين

ثم أردف بابتسامة ذات مغزى: وعلى طاري متراضين.. ماتبين تشوفين رضوتش؟؟

العنود باستغراب: رضوتي؟!!

فارس بابتسامة: أنا أصلا معتبرش رضيتي من المرة اللي فاتت بس قلت خلني أخذش من بيت هلش وقدامهم
بس جات دورتي وخربت علي.. وتوني راجع أمس
ورضوتش شريتها من قبل أسافر حتى.. لأني قلت لش تدللي واختاري
بس أنتي قلتي: ما أبي شيء.. أبي أرجع بيت هلي (يقولها وهو يقلد طريقتها في قولها)

العنود بخجل رقيق: بس لا تحرجني

فارس ابتسم وهو ينهض ليحضر له كيسا فخما من أكياس مجوهرات ريفولي الشهيرة وضعه على فخذها
وهمس بفخامة حميمة: إن شاء الله تعجبش

العنود فضت الغلاف الفخم بألوان ريفولي الزرقاء والبيضاء المعروفة
لتتفاجأ بالصندوق الجلدي الفخم همست بدهشة: فيرتو؟!!

ابتسم فارس: افتحيه.. وإلا كفاية تشوفينه من برا
المفتاح موجود في الكيس

العنود شعرت بحماس متزايد وهي تتناول المفتاح الذهبي الصغير وتفتح به الصندوق الجلدي
وتفض الأغلفة الداخلية لتصل للهاتف المتألق البالغ الأناقة والفخامة

همست العنود بدهشة أعمق: ومرصع ألماس بعد.. بكم شريته فارس؟؟

فارس يبتسم: وليمتد إديشن مانزل منه الدوحة إلا تلفون واحد على ذمة البياع اللي في ريفولي.. والواحد ذا صار عند الشيخة العنود

العنود بخجل عميق: فارس واجد كلفت على نفسك.. والله واجد

فارس يحتضنها بحنان وقوة وهو يهمس بكل رجولته الخالصة: عشان تدرين إن زعلش مهوب رخيص عندي



***********************



بعد صلاة العشاء
مكالمة تلفونية بين لطيفة وشيخة


شيخة ببساطة: بأصلي صلاة استخارة الليلة وبأرد عليش بكرة

لطيفة تبتسم: بذا السرعة كذا

شيخة تبتسم: ما أحب دلع البنات الماسخ وتمرطاسهم
مبدئيا هو عاجبني.. إذا صليت استخارة وكان الله يبي لي الخير معه.. ليش أطولها وهي قصيرة

لطيفة بتحذير: بس تذكري شيخة اللي قلته لش.. حمد كان يضرب موضي صحيح يعز علي أطلع أسرارنا
لكن أنا عارفتش زين وإن السر ما يطلع منش.. الشيء الثاني إنش لازم تكونين على بينة
حمد تعالج في مصر.. وحتى مشعل اللي ما يطيقه من بعد سالفة موضي يقول إنه متحسن واجد
الشيء الثاني إنه مايجيب عيال.. حطي هالشيئين في رأسش وأنتي تفكرين

شيخة تنهدت: اسمعيني لطيفة
أنا ما أني بمثل موضي.. موضي صبرت عليه عشان ولد عمتها وولد خالها
لكن أنا لو فكر يمد يده علي والله لأسحبه للشرطة ولا يهمني شيء
ثم ابتسمت: وبعدين عندي أخي رويشد المقلوع بيموت عشان يكفخ له حد.. بأجيب له حمد يكفخه لو كفخني
الشيء الثاني اللي هو العيال.. انا عندي ولد وبنت وولله الحمد..
لو الله كتب لي عيال معه نعمة من الله وفضل.. ولو ما كتب يمكن الله رايد لي وله ولعيالي الخير

وبعدين يا لطيفة وين ممكن يجيني حد مثل مواصفاته
أنا كل اللي تقدموا لي يا شيبان مخاريف يا شباب نص لبسة خفت على عيالي من تأثيرهم السلبي
وحمد واحد توه صغير ومعه ماجستير ومن ناس معروفين ووضعه المادي زين.. وين ألاقي واحد مثله؟!!
أنا ما كنت أبي أتزوج قبل عشان عيالي.. بس لما جاء حمد هذا قلت يمكن هذا يكون الأب المناسب لعيالي..
ثم ابتسمت: ولو ماعجبني وعجب عيالي.. حذفناه ورجعنا على رأس أخي راشد
اللي هو بعد لازم يشوف حياته ومستقبله ويتزوج



*******************************



واشنطن
بيت يوسف

الظهر

باكينام أنهت امتحاناتها بتفوق وهي مشغولة هذه الأيام مع هيا للتجهيز لعودتها للدوحة

تنزل للأسفل وهي ترتدي لباسا للخروج طقم مكون بنطلون رسمي وجاكيت طويل للركبة باللون الأخضر الفاتح وحجاب خليط من الاخضر الفاتح والغامق

تمر بيوسف الجالس في الصالة والمستغرق في القراءة
تتسلل وراءه بخفة لتحتضن عنقه وتطبع قبلة طويلة على خده ثم تهمس في أذنه: بحبك.. وإيدك على المفاتيح

ابتسم يوسف وهو يشدها ليجلسها على حجره ويحتضن خصرها:
إيه المادية اللي عندك دي.. مافيش بوسة لله يائمر

باكينام تخلص يديه برفق لتقف وهي تهمس برقة: خلصني ياواد يا بكاش
أنا تأخرت على هيا

يوسف يطبع قبلة على أصابعه وينفخها باتجاهها: المفاتيح على الطرابيزة اللي عند الباب.. وما تتأخريش

باكينام تؤدي قبلة طائرة مشابهة وهي تتجه للباب وتلوح له: حاضر يائلبي



ذات الوقت
هيا ترتب بعض الأغراض في الحقائب

مشعل يدخل عليها ويهمس بحنان: تعبتي نفسش حبيبتي.. انتظري لين تجي أنطونيا وتساعدش

هيا تبتسم وتهمس بمودة: أولا مافيه تعب صرت في الخامس.. يعني الوحم خلص
وتوني مابديت في الثقل.. حتى موعد رجعتنا للدوحة ماشاء الله مناسب لحملي تمام
وثاني شيء خل أنطونيا لين أجيب الأغراض اللي بأطلع أجيبها الحين مع باكينام

مشعل بدهشة: أي أغراض بعد مع ذا الشناط كلها؟!!

هيا بدلال لطيف: هاه حبيبي.. خواتك حوامل بأول بيبي ولازم أجيب لهم هدية تستاهل

مشعل بهدوء: لو على خواتي أنا متأكد إنهم مايبون شيء.. الدوحة مليانة.. أنتي ريحي نفسش بس

هيا تقف لتتجهز للخروج تمر بجواره لتقرص خده: مايصير ياقلبي.. مايصير



***************************



بعد يومين

بالأمس حمد ووالده قدما للخطبة بعد أن اتصلت شيخة بلطيفة في الصباح لتخبرها بموافقتها.. ولطيفة اتصلت بعمتها وأبلغتها
وجاء حمد معه والده ومعه أيضا محمد بن مشعل وعبدالله بن مشعل اللذان قدما كجاهة لحمد
راشد أعلن موافقته المبدئية ولكن لابد من أخذ موافقة أخته
واليوم سيعطونهم الرد النهائي


اليوم أيضا وصول مشعل وهيا
والعمل على قدم وساق في بيت عبدالله بن مشعل استعدادا لحضور الغاليين الغائبين



***************************



بعد صلاة العصر

مجلس راشد بن سالم

حمد جاء لوحده ليعرف الرد الذي كان إيجابيا
راشد بهدوء: أم طلال موافقة.. ومتى مابغيت تجيب المملك حياك الله

حمد بهدوء: مشعل ولد خالي عبدالله راجع الليلة من أمريكا متخرج..
عشاه الليلة في مجلس خوالي
وبكره عشاه عندنا.. وأنت معزوم على العشيات كلها

فخل الملكة عقب يومين عقب صلاة العصر كن ماعندك مانع

راشد بثبات: خير إن شاء الله

حمد همس بهدوء عميق: أبو سالم كن ماعندك مانع أبي أكلم أم طلال ذا الحين
دق عليها من تلفونك وبأكلمها قدامك

سالم انتفض بغضب ولكنه تنهد وهو يسيطر على نفسه: ذا الكلام مايصير يابو جابر..

حمد بذات الهدوء: ماحد منا ببزر.. وأنا قلت لك بأكلمها قدامك
وهذا حقي وحقها

راشد رغم عدم اقتناعه بهذه الأفكار ولكنه يعلم أنه يطالب بحقه فعلا

اتصل بشقيقته وأخبرها ثم ناول حمد الهاتف وتأخر ليجلس بعيدا ..التصرف الذي حمده حمد له

حمد بهدوء: مساش الله بخير يأم طلال

شيخة بثقة مغلفة بالخجل: مساك الله بالنور

حمد بذات الهدوء: أشلونش وأشلون عيالش؟؟

شيخة بخجل عذب: طيبين طاب حالك

حمد بهدوء رائق: أنا حبيت أسمع موافقتش بنفسي.. أنتي صرتي عارفة بعيوبي..
وأم محمد اتصلت فيني وقالت لي إنها قالت لش كل شيء.. عشان تبري ذمتها قدامي..
فأنا استغربت إنش وافقتي عقب الكلام اللي سمعتيه

شيخة بهدوء رقيق: أنا سمعت إنك تعالجت.. والعلاج النفسي مهوب عيب.. أنا وحدة متعلمة وأعرف ذا الشيء....
وإذا كان على العيال هذي قسمة رب العالمين وماحد يعترض على حكم الله
الشيء الثاني مافيه إنسان خالي من العيوب.. فيك عيوب مثل ما فيك مزايا..
ومثل ما بتلاقي فيني عيوب ومزايا.. المهم كل واحد يتقبل الثاني بعيوبه ومزاياه

حمد أعجب كثيرا بمنطقية تفكيرها وصوتها الذي جمع في عمقه هدوء شفاف مغلفة بروح مرحة متبدية حتى في حوارها الجاد

أردف حمد بثقة ثابتة: شوفي يأم طلال.. أنا واحد حياتي مليانة أخطاء.. وأكبر خطأ في حياتي سويته في حق موضي بنت خالي الله يسامحني
لكني والله ماكنت في وعيي.. وهذا أنا تعالجت وأوعدش إنه إن شاء الله ما تنضامين في بيتي ولا عمر يدي تنمد عليش ولا أهينش.. لش القدر والحشيمة
وتأكدي إنه عيالش عيالي.. ويمكن هذا قضاء الله سبحانه اللي راد يجمعنا
إني أكون أب لذا الأيتام.. وإن شاء الله أوعدش إني أكون خير أب لهم

شيخة بتأثر: ريحت قلبي الله يريح قلبك.. عيالي هم أهم شيء في حياتي

حمد بهدوء واثق: زين أنا حاضر لأي شرط أنتي تبينه.. بس أنا عندي شرط واحد.. إنه حن بنسكن مع هلي
هلي مالهم غيري.. وبيت الوالد كبير واجد

ابتسمت شيخة وهي تهمس باحترام: جعلك كبير قومك دوم
وأنا وحدة أحب الونس والناس.. وهلك هلي
بس شرطي الوحيد إنه لكل واحد من عيالي غرفة

ابتسم حمد: ماطلبتي شيء.. لكل واحد منهم غرفة كبيرة بحمامها الخاص
وخلاص اسمحي لي أسكر.. أخيش يتفكر فيني كني مسوي جريمة


شيخة أغلقت الهاتف وهي تعيد صلاة الاستخارة للمرة العشرين
وتدعو الله بعمق أن يكون حمد بحق والدا حقيقيا لأبنائها أولا.. وسكنا روحيا لها ثانيا



*******************************



بيت سعد بن فيصل
بعد صلاة المغرب بقليل


مريم تجلس مع فهد في صالة الأولاد.. وهو ينشد على مسامعها القصيدة المطلوب منه تسميعها..

دخل عليهما سعد وهمس لمريم بمودة: مريم أنا بأروح لمجلس آل مشعل عشان نستقبل مشعل إذا جاء
تروحين معي.. أوديش بيت عمش عبدالله؟؟

مريم برقة: لا أبو فيصل فديتك.. الحين مشعل يبي يقعد مع هله شوي.. خلهم براحتهم.. وأنا بأروح لهم عقب ما أصلي العشاء
سونيا بتوديني.. تسهل طال عمرك في الطاعة

سعد بحزم هادئ: خلاص فهد قوم معي

فهد بخجل طفولي شفاف: يبه..ماعليه أقعد مع أمي وأجي معها؟؟

سعد بابتسامة: هاه يأمه؟؟ موافقة؟؟

مريم تحتضن فهد وتهمس بحنان: أكيد موافقة

سعد بحزم: بس يجيني في المجلس.. ما ينزل عند النسوان ولا يدخل عندهم

مريم بثبات: أكيد بدون ماتقول

سعد خرج
وفهد أدخل نفسه أكثر في حضن مريم وهو يهمس بمودة صافية: يمه.. أنا أحبش واجد

مريم احتضنته بحنان مصفى: وأنا أحبك أكثر

فهد ابتعد عنها قليلا ثم همس: يمه ليه ما تعالجين عيونش عشان تشوفين

ابتسمت مريم بمرح: يعني أنت ما تبيني عشاني ما أشوف؟!!

فهد بجزع: لا والله.. بس عشان ما يصير مثل تيك المرة يوم طحتي على القزاز
أنا خايف عليش

مريم عادت لتحتضنه وهي تهمس بحنان: فديت اللي خايف علي ياناس
ثم أردفت برقة: أنا يا حبيبي فحصت واجد
إبي ما خلا مكان ما وداني له.. وعقبه أخواني كلهم كل واحد منهم وداني ديرة
بس لحد الحين مالقوا علاج لحالتي
وخلاص يأمك أنا محتسبة أجري عند الله سبحانه.. إن شاء الله ربي يعوضني عن عيوني بالجنة.. قول آمين

فهد بحماس: آمين.. بس أنا بعد إذا كبرت بأوديش أعالج عيونش.. أبيش تشوفيني

مريم بابتسامة عذبة حنونة وهي تبعثر شعره: خلاص يمكن على وقتك يكونون لقوا لي علاج.. الطب كل يوم يتطور



********************************




بيت عبدالله بن مشعل
بعد المغرب

الجميع في انتظار وصول مشعل وهيا اللذين ذهب عبدالله ومعه سلطان لاحضارهما
رغم أن الشباب جميعهم حاولوا أن يبقى ليرتاح وهم من سيحضرون مشعلا ولكنه رفض
وقال إن رجعة مشعل الختامية تستحق أن يكون من يستقبله هو بذاته كما كان هو من ودعه


مشاعل تقف مع جدتها عند الباب وتهمس بحنان: زين إنها أخر مرة توقفين ذا الوقفة الحمدلله.. سيحوا رجيلاتش

جدتها بحنان ممزوج بالتوتر والترقب: أنتي يأمش اللي روحي اقعدي.. لا تتعبين روحش وأنتي توش في شهورش الأولى
خلش من خبال العجايز

مشاعل بحنان مصفى: لا والله.. أقعد وأنتي واقفة؟!! يا كبرها عند الله!!
ننتظرهم سوا فديتش

موضي بابتسامة: أنتو يانواطير البيبان اقعدوا واللي يرحم شيبانكم

الجدة بصوت مرتفع: على شحم يالملقوفة

موضي تضحك: إيه والله ملقوفة وخذت جزاي.. قلبتي علينا يأم محمد
وإلا وشرايش يأم محمد نمبر تو؟؟ (قالتها وهي تلتفت للطيفة الجالسة جوارها)

لطيفة بابتسامة شفافة: بصراحة تستاهلين.. جدتي بروحها ذابحتها الشفقة جاية حضرتش تفلسفين

موضي ترقص حاجبيها: زين يا لطوف.. خلني لين أزوج أبو محمد وأأدبش
(موضي قالت هذا لأنها تلاحظ التغيير على لطيفة منذ عدة أيام.. وتريد التأكد)

لطيفة بمرح: تزوجينه في عينش ياقليلة الحيا.. زوجيه عشان أزوج راكان

موضي بمرح مشابه وهي تشعر بالسعادة لتأكدها من انصلاح الحال بين لطيفة ومشعل:
لا تكفين كله ولا راكان.. توني ما تهنيت أنا وولدي.. لكن أبو محمد خلاص قد له 14 سنة عندش زهقتي منه

لطيفة بشجن: فديت قلب مشعل.. لو أعيش معه ألف سنة مازهقت منه

موضي (بعيارة): عشتو.. حتى الشيبان يعرفون يحبون.. شِين السرج على البقرة

لطيفة تقرصها في ذراعها: حن شيبان ياللي ما تستحين.. لا وبعد أنتي وذا المثل اللي كنه وجهش


ريم التي كانت تقف في الحوش دخلت كالإعصار: مشعل جاء.. مشعل جاء

الجميع وقفوا وهم في ترقب مفعم بالسعادة
وأخيرا يعود مشعل نهائيا
مشعل الابن والشقيق والأب
مشعل الحنان المصفى والرجولة الصافية والسند الأخوي
استنزفهم الشوق له
عودة مختلفة هذه المرة.. معه ابنة عمهم تحمل ابنه.. عودة مختلفة مغلفة بالسعادة من كل ناحية
يعود وكلهم يعيشون سعادة صافية تزايدت بعودة مشعل
وربما كان أكثر أهله سعادة هذه المرة موضي
فهو في كل مرة كان يعود فيها في السنوات الماضية كانت محملة بحزن ما.. وهي تخشى أن يكتشف مشعل مأساتها فيثور..
ولكنها اليوم سعيدة.. سعيدة جدا

مشاعل التي كانت تحمل هم شقيقتيها هي أيضا اليوم تحلق في السعادة.. سعادتها الخاصة أولا.. ثم التماع السعادة في عيون شقيقتيها بعد طول معاناة

لطيفة تعيش أيضا في سعادة عميقة تستحقها بعد كل هذه السنوات التي كانت فيها أخت الجميع وأم الجميع


مشعل وهيا يدخلان خلفهما عبدالله وسلطان
تتلقاهم الجدة هيا التي ما أن رأتها هيا حتى ارتمت في حضنها وهي تبكي بنشيج خافت

الجدة تحتضنها بحنو وتهمس بصوت مختنق النبرات: بس يامش البكاء مهوب زين لش.. غريرش قده يحس فيش

هيا تقبل رأس جدتها ثم كتفها ثم يدها وهي تبللها بدموعها وتهمس بشجن:
اشتحنت لش يمه واجد واجد

مشعل يميل من علو ليقبل رأس جدته وهو يهمس بمودة: وخري خليني أسلم على جدتي زين
وإلا هي حقتش بروحتش؟!!

الجدة تحتضن رأس مشعل وهي تهمس بحنان مصفى: هلا والله إني صادقة
مبروك التخرج يأمك رفعت رأسنا

مشعل باحترام حقيقي: رأسش مرفوع دوم يأم محمد

مشعل يلتفت لوالدته..
لوالدته دائما الحضور المغلف بالسماوية في روحه
طيبة قلبها وتفانيها الصامت.. لم تشتكِ يوما مهما تألمت
وحملت هم الجميع دون أن تكل أو تمل..
لا يعلم لِـمَ يشعر حين يرآها بعد غياب طويل بألم عميق يهز فؤاده؟!
هل لأن قلبه ينتفض بوجع وطأة شوقه لها؟!!
أو لأنه يعلم أن ألم الشوق استنزفها دون أن تشتكي

انحنى مشعل على كف والدته.. ولكنها سحبت كفها لتحتضن رأسه وتقبل خده بعمق.. وتهمس بشجن مشبع بالألم:
مابغيت يأمك.. مابغيت.. ذاب قلبي وأنا كل سنة أقول ذا السنة أخر سنة

مشعل يحتضنها ويهمس في أذنها بحنان مختلف: خلاص يأم مشعل.. خلصنا.. مشعل ماعاده برايح ديرة.. قاعد عندش

أفلت والدته وهو لا يريد افلاتها ليتوجه لشقيقاته..
بينما هيا كانت تسلم على عمتها التي همست لها بحنان: بشريني منش يأمش.. عسى ماتعبتي

هيا تقبل رأسها وتهمس بمودة صافية: لا يمه فديتش.. ما تعبت ولله الحمد

مشعل يرى أميراته الأربع أمامه
أميراته الأثيرات دائما وأبــدا

همس وهو يوزع أحضانه العميقة وقبلاته الدافئة عليهن وهو يحمل ريم التي تتعلق برقبته: أم محمد لا تكونين أنتي بعد حامل؟!!

لطيفة همست بمرح: والله كان فيه مشروع بس الله راد ما يكتمل

مشعل بقلق: سقطتي؟؟
ثم أردف بغضب: ولا حد قال لي

موضي تبتسم وهي تعيد احتضان مشعل وتقبيل خده:
يا أخي خل ذا العجوز توخر من دربنا
عيالها حلوين
تبيها تجيب واحد معنا يأكل الجو على شواذينا

مشعل بعتب: بس بعد زعلان عليكم كلكم.. يعني لطيفة تسقط ولا حد يقول لي.. حسابكم بعدين
ثم أردف وهو يلتفت لمشاعل ويهمس بحنان: وآنسه مستحية وش علومها مع الحمل؟؟

مشاعل بخجل رقيق: تمام جعلني الأولة

ثم التفتن لهيا التي أنهت السلام على عمتها وهن يهتفن بحماس: يا الكرشة
الكرش عليش تجنن.. وش ذا؟؟ محلوة واجد مع الحمل
تجننين

لقاء مفعم بالمشاعر جمع بين هيا وبنات عمها.. مودة صافية وحقيقية
لقاء حافل جعل دموع هيا تتساقط وتختنق بعبراتها وهي تتذكر كل مرة تعود فيها للدوحة
هي وأمها فقط تفتحان بيتا مهجورا مغبرا تعوي الرياح والوحدة في أرجاءه
يلفهما السكون والحزن وذكرى سلطان تغتالهما كلاهما
تزايد تساقط دموع هيا
وهي تتذكر والدها ووالدتها وحياة الوحدة والوحشة التي عاشتها طوال سنوات


حين عادت المرة الماضية كانت تعود بتوجس كيف سيستقبلونها آل مشعل
ولكنها عادت هذه المرة بحماس وشوق غامرين لعائلتها المثقلة بالحب والحنان والتكاتف والكبرياء..
حتى كبرياءهم الممقوت كان رائعا في عينيها لأنه يتلبس عائلتها التي لن تتكرر..



بعد انتهاء السلامات
هيا جلست ومشعل جلس جوارها

وسلطان هتف بحماس: هويه شوفي عندش فرصة لين عقب عشاء الرياجيل تطلعين أشرطتي اللي وصيتش عليها
ياويلش لو طلعتي ناسية شريط واحد

أبو عبدالله ينهر سلطان: سلطان تركد.. قشانك مهي بطايرة جعلك تخرفها إن شاء الله ( = أغراضك مهيب طايرة جعل عمرك طويل)

ثم التفت لمشعل وهو يهمس له بحنان رجولي خاص:
مشعل أنا بأروح للمجلس.. وأنت الحقنا يأبيك.. الرياجيل يتنونك

مشعل هتف لوالده باحترام عميق: أبشر يبه

ثم التفت لهيا التي كانت تبكي بصمت وبشكل غريب وهمس في أذنها بخفوت حنون:
ياقلبي أنا أبي أعرف ليه من يوم نجي للدوحة تصيرين صياحة
المرة اللي فاتت والمرة ذي.. في أمريكا ما سويتي كذا

هيا تدير عينيها في أهلها المحيطين بها: جدتها وأم مشعل وموضي ومشاعل ولطيفة وبنات لطيفة.. وعمها وسلطان اللذين يغادران
وتفكر فيمن تعلم يقينا أنهن سيأتين: عمتها وبناتها وأم مشعل وبناتها وأم فارس وعمها محمد..
كل أهلها بلا استثناء يحتلون تفكيرها إلى جانب ذكرى ضخمة أبدية هي ذكرى حصة وسلطان..
همست لمشعل بصوت خافت بشجن عميق بعمق آلامها وأحزانها التي عاشتها طوال سنوات وسنوات:

الحين يا مشعل مالي حاجة أمثل القوة
الله يخليك لي ويخليهم كلهم لي..
ولا يحرمني من حد منكم
تمت بحمدلله
تعليقات