رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3 بقلم طيش
رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3
رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الثالث 3
إن قصتنا لاتكتب ،
وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ،
لقد كان شهراً كالإعصار الذي لايُفهم ، كالمطر، كالنار،
كالأرض المحروثة التي أعبدها إلى حد الجنون
وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة
حين قلت بيني وبين ذاتي
أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي ،
وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك
ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبا تعينيّ
ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد
*غسان كنفاني.
،
وقفت مُتصنمَة هي الأخرَى و الخوفْ يدبُّ في قلبها و الحُمرَة تكتسِي وجهها وعيناها تكاد تختنق من بياضها المُرتجف ، أمام أشباح أم ماذا ؟ لم نؤمن بوجُود الأشباح يومًا .. من هؤلاء ؟
همست بصوتٍ مُهتز : خلينا نركض
سُمية : شوفيهم ما يشوفونا ؟
أفنان تُغمض عيناها بشدَّة : ماأبغى أشوف تكفييين خلينا نروح .. نادي أحد
سُمية رجعت للخلف وأرتطمت بِرفٍ لتسقط عدة ملفات على الأرض ،
ألتفتُوا الأربعة المُكتسين بالسوَاد من رؤوسهم إلى أقدامِهم و لا يظهرُ البياض إلا من أسنانِهم المُنقطة بالدمَاء ، سارُوا بخطواتٍ موسيقية مُرعبـة ، بلعت ريقها أفنان و لا صوتُ لها ، و سُمية فكوكها ترتطم في بعضها وترتجف لتصرخ ،
بصرختها ركضُوا بإتجاههم ليركضُوا بلا مسَار بين الأرفُف و الممرات الضيِّقة.
جُرَّت قدم أفنان لتسقط على الأرض المُغطاة ببعض الأتربـة ، ألتفتت عليها سُميـة وكادت تعُود إليها لولا آخرًا شدَّها من فمِها و كفِّه ذات رائِحة معجُون الطماطم ، لطَّخ شفتيْها بسائِلٍ لزج ،
أنطفأ النُور لينتشِر الظلام و لا مجال للنُور إلا من نافذةٍ علويـة قريبة من السقف ، أفنان الواقعة على الأرض رفعت عينها لبصيص النُور المُنبعث لتتلاقى عيناها مع عينا هرَّةٍ حمراء كـ مشرُوب التُوتْ القاني ،
أفنان برجفة : سميــة ..
و لاصوتٌ سوى صداها ، قتلوها ؟ لا بُد أن يقتلوها ؟ رُبما عصابـة ، عقلي يتفجَّر و الظلام ينغمسُ بعيني ، لابُد أنه حلم ، يالله حلم !! خيال !! ماذا يحصُل ألم يسمعُوا صُراخنا ؟ كل المكاتِب بجانبنا ! كيف يتجاهلُون أصواتِنا ؟ سيقتلُونِي الآن ،
همست : سُميـــة .. يارب يا رحيم
شعرت بوخزٍ يسار صدرِها و ضبابٌ يلفُّ عيناها ، سيغمى عليّ ولا أحد بجانبِي ، سيقتلوني وأنا هُنا في كَان ؟ يالله و أهلي ؟
قدمِها مُتيَّبِسة غير قابلة للوقوف ، مكسُورة و تشعُر بالضعف والمرض من أن تقُوم.
سمعت صرخة داميـة من حُنجرة سُميـة ، أيقظت عيناها التي تُجاهد أن تفتحها رُغم الدوَار الذي يُصيبها ،
بصوتٍ حاولت أن تُعليه إلا أنَّهُ أتى خافِتًا : سُميــة ..
انفتحت الأضواء لتنتشِر ضحكاتهم و هُم يصرخون : Happy Halloween
نزعُوا الأقنعة ليخرُج شابٌ فرنسِي ذو شعرٍ بُندقِي مُجعَّد وبعضُ النمش يعتلي وجنتيْه و شابٌ كندِي ذو شعرٍ أسوَد قصِير وملامحٌ بيضاء كالثلج و آخرٌ مغربِي ببشرةٍ سمراء وشعرٌ قصير و الأخيرُ سُوري ببشرةٍ بيضاء و عوارضُ خفيفة مُتقاطِعة .
سمية بعصبية : كلاااااااااب ..
الفرنسي بلكنتِه مُتغنجة : نعتذر كُنَّا نُحضر للهالوين في الشهر القادم و رأيناكُم
أفنان و دمُوعها تنساب ، أفكارها حلقَّت لشيءٍ بعيد ، " تُوبة أدخل هنا " ، كل إعتقادي بأنِي كُنت على وشك الموت و أنا لستُ بأرضِي .
سُمية بغضب : هالوين في عينك يالأشهب
أوليفر بإبتسامة نقيَّة : excusez moi ?
سُمية وكأنها تحوَّلت لعجوزٍ صغيرة : أنا مو قايلة لك ديرة الكُفر ماترتجين منها شي
أفنان مدَّت إيدها وبنبرةٍ باكية : طيب وقفيني
قيس السُوري : عم نمزح يا صبايا
سُمية وهي ترفع الملفات عن طريقها : طيب لو فرضًا متنا بسكتة قلبية بتقولون " تُقلد صوته " : عم نمزح ؟
قيس بأدبْ وهو الآخر يُزيل الملفات الساقطة : بنعتزر
أفنان تقِف وقدمِها ملتويَة و دمُوعها مختنقة في محاجرها : وقفوا قلبي
الشاب الكندي الغيرمُبالي : المُسلمات يخافن حتى من ظلِهن
سُمية بلكنة نجديَّة : أنجس من ذَنَبْ التسلب *الكلب*
أفنان وتعرُج قليلا لتهمس : عيب لاتحكين معهم والله يحطونا براسهم ويذبحونا
سُمية : لايهمونك أصلا فيه رقابة دقيقة مايقدرون يسوون شي
أفنان بقهر : أشوف هالرقابة ماجتنا
أوليفر بإحترامٍ شديد : فعلاً أنـا آسف لم أقصُد الإذاء إنما المتعة
أفنان بصوتٍ خافت وبلكنة إنجليز بريطانية الغليظة : العفُو لم يحصل شيء
خرجُوا من المكاتِب الظالِمة ليجلسَا في الطابق الأوَّل حيثُ مكانِهُم.
سُمية تمسح من وجهها السوائِل الحمراء : يالله أقرفوني ... بروح الحمام أغسِّل .. وذهبتْ.
أفنان أنحنت لتُخفض رأسها ، يكفِي يا أفنان لِمَ البُكاء الآن ؟ كان عبارةٍ عن مزحة و لم أعتادها ، لا تكُونِي سخيفة وتبكين .. حدَّثت نفسها لتقاوِم عبراتِها و صُداع يفتُك برأسها.
أتَى وهو يوسِّع ربطة عنقه الضيقة على رقبته : أفنان جيبي لي أوراق الـ ... لم يُكمل و هو ينظِر لملامِحها المخطُوفة بالبياض و الحُمرة تخنق عيناها.
رفع حاجبه بشك : وش فيك ؟
رُبما نحنُ لا نُريد البكاء ولكن السؤال عن حالِنـا يُبكينا و كأنَّنا ننتظِر همسةٍ دافِئة لنبكي ، الغُربة ليست سهلة ، الغُربة تُضعفنا حتى تصبح قلوبنا هشَّة ، أبسطُ الأشياء تُبكيها .. لا حضنٌ يُسمِّي عليك و لا كتفٌ نرتمِي عليه ، الغُربـة صعبة قاتِلة ذات صخبْ لا يُسمَع.
أفنان بصوتٍ جاهدت أن يخرج بإتزان : أيّ أوراق ؟
نواف ترك ماكان بيدِه على طاولتها وهو يجلسُ مُقابلاً لها على طرفِ مكتبها : مضايقك أحد هنا ؟
سُمية عادت و أنظارُها تتفحَّص أفنان : مزحوا معنا ثقيليين الدم
نواف : مين ؟
سُمية : كنا ندوِّر بالأرشيف على محاضرات يوم الإثنين و لقينا أُولِيفر و جاك وقيسْ و عبدالله كانوا يحضرون للهالوين وماأعرف أيش من خرابيطهم وطفُّوا علينا النور وأرعبونا
نواف : إيه الهالوين الشهر الجايْ
سُمية بغضب : وقفوا قلوبنا وأرعبونا
نواف يُخفض صوته لأفنان المُنحنية برأسها : وهذا اللي مبكيك ؟
أفنان شعرت وكأنه يستصغرها ، لم تُجيبه وأكتفت بالصمتْ.
نواف ألتفت على الصخب الذِي يخرُج من المصعد الكهربائِي
سُمية بحقد : جوّ
نواف أبتسم وهو ينظُر لصديقه الحميم أوليفر : أوليي
أتى إليه و بحرج : أقسمُ لك أننا كُنَّا نمزح لم نتوقع أن تغضب
نواف : أعتذر لها الآن !
ومرةً أُخرى يلفُظ أوليفر : أنا آسف يا فنَا ..
نواف : أفنان وليس فنـا
أوليفر بضيق : و أنا أُحبه فنـا
أفنان بهمس مُحرج : خلاص إستاذ نواف ماصار شيء هم كانوا يمزحون وأنا فهمتهم غلط
أوليفر : يجب أن تُخبرني بخطوطكم الحمراء حتى لا أتجاوزها
نواف بضحكة : النساء باكملهم خطٌ احمر
أوليفر : صديقة لا غير ؟
نواف : لا صداقة بين رجُل و إمرأة سدًا لباب الفتنة
أوليفر : أوووه ؟ بربِك النساء بأكملهُن فتنة.
نواف رفع حاجبيه وهو يُراقصهن ويتفنن بهُن : أنتهى عملك اليوم.
أوليفر بإبتسامة : حسنًا يا فنـا .. هل السلام أيضًا غير جائز ؟
نواف : دُون مصافحة
أوليفر : حسنًا ماذا أيضًا ؟
نواف : لآ تُطيل النظر بهُن
أوليفر : هههههههههههه وماذا ؟
نواف ألتفت لسُميـة وأفنان : وش مضايقكم بعد ؟
سُمية : مفروض الأماكن المغلقة واللي ماتندخل دايم إحنا ماندخلها ! و أعيادهم ذي محرمة وإحنا مانحبها
نواف يُحدِّث أوليفر بالفرنسية حتى لا تفهمان عليه أفنان وسُمية : لا دعوات لحفلاتٍ ولا سهرات هُنا ، و المشرُوبات الكحولية لا تجيء لهذا الطابق
أوليفر : ياإلهي ألا يُوجد شيء إسمه إستمتاع ؟
،
تقِف أمامه مرعُوبـة تعلم أنَّه سيشربْ من دمِها تعرفُ غضب و براكين سلطان ، أردفت : خلاص عشان خاطري هالمرَّة
سلطان و يرمي السلاح المركون بخصرِه على الطاولة : تحترم المكان اللي هي فيه غصبًا عنها وماهو كل مرة بطنِّش عشانك يا حصة !!
العنُود بإندفاع طائِش : لآ أنا أبغاك ماتطنَّش ! مستقوي على الحريم .. لو فيك خير تستقوي على الرياجيل ولا بس شاطر علينا !! مالك دخل فيني .. أنا مسؤولة عن نفسي لا أنت أبوي ولا أخوي وأمي الحمدلله للحين عايشة !! مالك علاقة فيني أسوي اللي أبيه ولا بعرف كيف ألوِي إيدك بـ *بنبرةٍ خُبث مُهددة* بالجوهرة.
حصة بعصبية : العنووووود ... لاتجننيني
سلطان وكأنَّ برودٍ أصابه الآن : عفوًا ؟ وش قلتي ؟ أبيك تعيدين
العنُود بإبتسامة : أقول إذا تبي تحافظ على زواجك من الجوهرة تحفظ نفسك بعيد عني
سلطان: توِّك ماطلعتي من البيضة وتهدديني ؟ والله وطلع لك لسان .. تقدَّم إليها ومحاولات حصة بائِسة هزيلة.
العنُود حاولت ان تهرب ولكن وصل لها سلطان ليشدِّها من شعرها و يدفعها على طاولة الطعام ذات الخشب المحرُوق ، حاولت أن تُمسكه حصة عن إبنتها الوحيدة ولكن قوتِه الكبيرة جعلته ينشرُ الكدماتِ على ملامِح العنُود الناعِمة.
سلطان يرفع رأسها من شعرِها وبخفُوت : مسألة أنك تهدديني هذي جديدة عليّ ، صدقيني ممكن أذبحك و أدفنك مع تهديدك .. لاتحطين راسك براسي عشان ماتخسرين نفسك !!
العنُود ببكاء : يمممممممممممه شوفيييه
حصَّة تُمسكه من ذراعه بضُعف : تكفى يا سلطان خلاااص قطَّعت شعرها
سلطان : هذي بنتك يبي لها تربية من جديد
العنُود بصراخ : متربية غصبًا عنك وقبل لا اشوف وجهههك !!
سلطان وكان سيقترب منها مرةً أخرى ولكن حصة وقفت أمامه : خلاااص .. ياعنود روحي لغرفتك
العنود تمسح نزيفُ شفتيْها : شوهني الله يشوِّهه الكلب
سلطان : مين الكلب ؟
العنود بحدة : أنت .. وأنت .. وأنتتت . وانـ
لم تُكمل من صفعةٍ مدوية على بالقُرب من شفتيْها جعلتها تنزفُ أكثر ، أبعد حصة عن طريقه و لوى ذراعها خلف ظهرها وهو يحرقُ أذنها بغضبه : كلامِك أحسبي حسابه قبل لا ينقال فيني .. فاهمة . .
شدّ على إلتواء يديْها أكثر حتى كادت تنكسِر و تركها.
،
سحبها لغُرفةِ التخزين الخاصَّة بأدواتِ التدريبْ و الحوائِط الخشبية ، بعيدًا عن الأنظار المُختبئة خلف نوافِذ القصر ، فتح " اللمبة " الخافتة التِي تتدلى من السقف الخشبي بخيطٍ رقيق و الظلامُ يُحيطهم.
رتيل بغضب تُخفِي خلفه توتُرٍ عميق : أتركني أروووح .. وش تبي ؟ يخيي فكني منننك
عبدالعزيز بنظراتٍ غير مفهُومة ، أو أنه حتى هو لايفهم رغباتِ عينِه ، واقفٌ أمامها بالغُرفةِ المُغلقة الخشبيـة الضيقة و لاشُباكٍ يثقبُ هذا الخشبْ ذُو لونِ الشاطىء.
رتيل نبضاتِها لا تستقر و رجفةٌ تهزُ أطرافِها ، بفكوكٍ تتصادمْ رهبةً : عبدالعزيز .. لو سمحت
عبدالعزيز و انظارِه لا ترمش عليها ، يُردف بهمسٍ مُرعب : على ؟
رتيل وأفلتت أعصابها : روح لأثيرك وتمتع فيها زي ماتبي .. أما أنا تتركني
عبدالعزيز بإبتسامةٍ تُظهِر القليلُ من أسنانه : أنتِ غير و أثير غير
رتيل عادت بخطواتٍ قليلة إلى الخلف ، و بنبرةٍ مُهتزة : وش قصدِك ؟
عبدالعزيز : أثير زوجتي و حاضري و مُستقبلي
رتيل أهدابِها ترتجف ، تشتعل غيرةً من هذه الأثير و كلماتِه عنها.
عبدالعزيز : لكن أنتِ . . .
رتيل تشعُر بأنَّ عيناها تتفجَّر بالحرارةِ و ثقبٌ من نصلِ غيرةٍ يلتهمُ قلبها ،
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة تُشبه تأثيرُ النور حولهم : مقدر أرفضك .. يعني أنتِ تخيلي أحد يعرض نفسه عليك ؟ ترفضين ؟ أكيد لأ
حممٌ تنصَّبْ في قلبِ رتيل ، و إهتزازُ رمشِها يفضحُ ربكة قلبها و إنتفاضِ روحها العالقة في حُنجرتها تتشكَّل على هيئة غصَّة ، قليلٌ فقط قليلٌ من الرحمة أو حتى من الشفقة فأنا راضيـة ، فقط القليل لا أطلبْ الكثير فقط أن تحترم هذا الحُب ، ألهذه الدرجة يا عزيز ؟ يالله أوصَل حالِي إلى مرحلة أنَّ تشفق عليّ حتى الأشياءُ الصغيرة التي لا تعنيك شيء ؟ يا لذاعَة عقلي الآن و يا قسوةِ سياطه على قلبِي ، خوفِي عليك و صوتِي الجبان الذِي لا يصرخُ بِك تخيَّل أنه يشفق عليّ في وقتٍ كان يجبْ أن تُحيطنِي ببضعِ حُبٍ و إن كان عابِرًا و لكن تبقَى صُورتِك نقيـة في وسطِ قلبِي ، حتى " أُحبك " تشفق عليّ الآن !!
عبدالعزيز يقترب بخطواتٍ رقيقة ، يُحاصرها بالزاويـة ، وقفت مُنكسِرة ودمُوعها مازالت تُكابِر وهي تختنق في محاجِرها وتحجبُ عنها الرؤيـة بوضوح.
لا مفَّر من عزيز الآن ، ذراعيْه مُثبته على الحائِط و رتيل بينهُم ،
رتيل بحدَّة أتت مُهتزة : حتى زوجتك تخونها !! قذر .. حقير .. أنت مستحيل تكون رجَّال .. لو رجَّال ماتخون اللي ماصار لك كم يوم متزوجها .. لو رجَّال ماتختلي فيني كذا ... لو رجَّال ما تنسى حدودك .. لو رجَّال . . لم تُكمل وهو يضع باطن كفِّه على فمِها ،
عبدالعزيز و يُلصق جبينه بجبينها و كفِّه على فمِها وبصوتٍ محروق : و أنتِ ؟
دمُوعها تلتصِق بكفٍ عبدالعزيز ، و عيناها تحكِي الكثير ، يااه يا عيُونِي و يا رحمةُ الحديثِ بينها !
عبدالعزيز ببحةٍ قاتِلة لبقايا رُوحها : قلبك هذا *أشار بأصبعه وكأنَّها سهمٌ يغرز صدرِها* أنا أعرفه أكثر منِك ، أكثر بكثير
رتيل شدَّت على شفتيْها حتى تبكِي بصمتٍ و لاتخرُج منها شهقةٍ تائِهة تُدمِي قلبها ، دمُوعها تنساب على ملامِحها.
عبدالعزيز و مازال يُحاصِرها : أرفعي عيونك وقوليها .. قوليها وببعد عنِّك إن صدقتي فيها
يالله يُريد إذلالِي ، يُريد إهانتِي بكل قوَّاه الذكوريـة ، معك فقط شعرتُ بقمع المرأة و تسلطُ الرجال ، معك فقط شعرت لِم الصبيـة تحلمُ أن تُنجب طفلاً ينتمِي لجنسِ آدم المُتغطرس ، لأن لا أحد يُؤذينـا كالرجال ! لا أحَد يا عزيز يُؤذينـا ويُحطمنا كـ أنتُم.
بعد عبادةِ الله أشعُر أنَّ وظيفتكُم بالحياةِ هي تملُك المرأة و ممارسة غرُوركم على جسدِها و قلبُها بين كفُوفِكم يعتصرُ ولا رحمةٍ.
بحدة أرهبت رتيل : قوليها
رتِيل وعيناها تبكِي حُمرةً و بقايا الكحلُ تُحيطها بهالةٍ سوداء ، بنبرةٍ مُهتزة كاذِبة : أكرهههك
عبدالعزيز بجنُون : كذابة ، شفتِي أنك كذابة .. وتسأليني ليه أخون أثير ؟ أنا ماأخونها ! لأن أنتِ ولا شيء .. ولا شيء .. ولو أقولها عنك ماحرَّك فيها شعرة لأنها تدرِي أنك . . ولاشيء.
رتِيل أخفضت رأسها ، قوتِها تُجهض من رِحم هذا الحُب ، لا قوةٌ تملكها حتى تُدافع عن نفسها ، كُل ما كانت تقوله طوال الأيام الماضية لنفسِها بأنها ستتجاهله ولن تضعف أمامه و ستتناساه و ستتصنع كُرهه إلى أن أتكرهه ، كل شيء تبخَّر الآن ، كل شيء لا وجُود له ، أيّ معصيةٍ أرتكبتها ؟ أيُّ مقبرةٍ تدفنِي فيها يا عزيز !! أكان ذنبِي هائِلاً لهذه الدرجة ؟ أنا أصبحت " لا شيء "
يالله يا قسوةِ هذه الكلمة مِنك ، قسوت جدًا و جدًا تعنِي جرحٌ لا يُغتفَر و أشياءٍ رماديـة لن تتلوَّن مُجددًا .
رفعت ملامِحها الممتلئة بالدمُوع و حرارةِ أنفاس عبدالعزيز تحرقُ وجنتيْها : أنا ولا شيء ؟
عبدالعزيز يضع كفوفه الدافئة على جانبيْ رأسِها لتُغطِي إذنها : أنتِ مين أصلاً ؟ حتى أبوك وهو أبوك أرخصك ليْ !! . . زيادة عدد يا رتيل .. تجرح صح ؟ توجع أنك تكونين زيادة عدد في دنيا مثل هذي !
رتيل بحُرقة و بهمسٍ مجرُوح : لأ ما تجرحني لأنها منك وأنت ماتعني لي شي ..
عبدالعزيز و لمساتِه لملامِحها تزيدُ من إختناق عينها بالدمُوع ،
أردفت بحدَّة : و لا بأحلامك يا عبدالعزيز ... إذا أنتِ تشوفني ولا شيء أنا أشوفك نزوة .. نزوة وبتعدِّي .. مثلك مثل غيرك
عبدالعزيز كاد يخنُقها وهو يُذيب عظامِ وجنتيْها بكفيْه : نزوة !!
رتيل وضعت كفوفها على صدره لتدفعه و لم تستطِع قوتها الهزيلة ، خرجت من بينْ ذراعيْه وتخطُو بُسرعة إلى الباب وبربكة تُحاول فتح قفله ، شدَّها عبدالعزيز من خصرِها ليجعلها تقِف على أطراف أصابعها وتصِل لمستواه : وأنا بخلي للنزوة ذكرى
وضع ذراعه خلف ظهرِها مُحاولاً فتح أزارير بلوزتِها و حين أستصعب عليه مزَّقها من جهة الأمام ،
رتِيل سقطت على ركبتيْها بضُعف مقاومتِها لتهمس : إحنا بالعشر حرااام .. حرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
عبدالعزيز و هو الذِي فتح أزارير قميصه ، نزعه ليُغطِيها وهو يهمس في أذنِها بأنفاسٍ حارقة : النزوات ما تمُوت في قلبك يا رتيل
أخفضت رأسها ليرتطِم على كتفِ عزيز ، وضعت رأسها على كتفِه باكيةً ، تحترق من داخلها من الله الذِي يراها في هذا المنظر ، رُغم كل هذا هي مُتشبثة مُتماسكة لم تقِف وتقُول أن الله يراني ، يأِست ، وصلت لمرحلة من اليأس تجعلها تغرقْ دُون أن تطلبَ النجاة.
طوقُ النجاة المكسُور على حافةِ حُبك يا عزيز ،
الشمسُ تشرق عليهم و بين ثقُوب الخشب يخترقُ ضوئُها ، خرج أنينها ، و خرج عزفُ الدمُوع.
عبدالعزيز بصدرِه العارِي يخنقُ ملامِحه بشعرِها ، يغمسُ أنفِه بين خصلاتِها البُندقيـة ،
رتِيل ويداها مريضةً تُوازِي جسدِها و قلبُها ينتفِض بدقاتٍ لا تهدأ تُشبه جرسٌ يُنذِر عن حريق ، أحترق بك يا عبدالعزيز ولا نجاة.
عبدالعزيز : تخافين مني ؟
رتيل بصوتٍ يمُوت : أخاف من الله
عبدالعزيز يُبعد ملامِحه عنها لتلتقِي عيناهُم ، و هواءٌ قليل يفصلُ بينهم و يُتسابقون عليه ، نزلت أنظارِه لقميصه الذِي يُغطيها الآن ،
رتيل بنبرة مُوجعة : كل اللي مزعجني أنك تسوي فيني كذا ؟ حتى إسم اني بنت صديق أبوك ماأحترمت هالشيء ! .. في كل البنات اللي تقابلهم واللي عندك ولا شيء تسوي فيهم كذا ؟ . . عُمري ماراح أكره شخص مايعني لي شيء قد ماأكرهك الحين !! و بتعدِّي يا عزيز .. ماراح أسمح لك تتعدى حدودك معايْ ..... ولأنك ماتعني لي شي راح أقول لأبويْ .. أخفضت نظرها لقميصه مُجبرة أن ترتدِيه ، أغلقت أزاريره حتى تُغطِي جسدها الذِي كُشِف أمامه
قبل أن تخرج ألتفتت عليه : انا ماكنت رخيصة بس أنت اللي ماكنت رجَّال .. وخرجتْ تارِكةً عبدالعزيز في وضعِ غير مُتزِن.
تنهَّد بضيق مما كان سيحدُث لولا رحمة الله ، يُدرك أن ماكان سيفعله هو من حقه الشرعِي ولكن دُون علم رتِيل يجعله يشعُر بدناءة الكون ترتمِي في قلبه ، يالله ماذا يحصُل بي ؟ يجب أن أروِّض نفسِي عنها ، يجب . . لا حل غير أثير ، يجب أن تكون أثِير حقيقةٍ في حياتِي .
في جهةٍ أُخرى أرتمت على السرير ورائِحة عطره تخترق أنفِها ، دفنت وجهها في سريرها وهي تبكِي بشدَّة ، كان سيُكتب على جبينها " زانيـة حتى لو أظهرتُ رفضِي " ، يالله كيف تجرأ أن يُمزق ملابسِي ؟ كيف تجرأ و نسَى الله و نسى تربيتِه و إسمه و نسى حتى مكانةُ أبِي ، مُستحيل أن يكُون عبدالعزيز الذي أحببته ، مُستحيل أن يكُون كذلك !
رُبما هذه الأسئلة كانت تُقال لي في فترةٍ مضت و لم أهتم بها و ها أنا أُعاقب عليها و كما تُدين تُدان ! ليتني فكرتُ بكلامِ عبير ، ليتني أخذتُ حديث والدي الدائِم ليْ بأهمية.
لا شيء آخر سوَى أنني سأكرهه رُغمًا عن قلبِي ، رُغمًا عن كُل شيء ، يارب أنزعه من قلبِي و من حياتِي عاجلاً غير آجل.
،
في صباحٍ داكِن تطلُّ الشمسُ من خدرِها غاضِبة تحرقُ ملامِح المارَّة ، الرياضُ المُزرَّقة من إتهاماتِهم الباطلة ، الرياضُ الخجولة مثقُوبة بكدماتٍ من كذبِ البعضْ على عفتِها ، الرياضْ الصاخِبة صيفًا و الدافئِة شتاءً تلمُّ شملً القلُوب حولِها ، تبقى الفتنةُ بقمرٍ طلّ من سماءِ الرياض ، يا من تركت الرياض . . كيف الحياة بدونها ؟ رُغم التذمر و الشكوى من هذه الأرض ، إلا أنَّ الجفافُ يبقى " بللُ " و العشاقْ يربطهُم رضـا الله و النجُوم ضياءٌ تشهد بسبابةِ القمَر.
في مُنتصف طريق بقي تقريبًا 5 ساعات حتَى يصِلُوا إلى حائِل ، يُوسف بهدُوء : نزلي الكرسي عشان يرتاح ظهرك
مُهرة أنزلت يدِها بجانب المقعَد حتى تضغط عليه لتُردف : ماينزل
يُوسف ألتفت عليها : مو الأولى الثانية
مُهرة بخوف : شوف الطريق طيب
يُوسف خفف سُرعته و ركَن سيارتِه جانبًا لينحنِي عليها من الجهة الأخرى ،
مُهرة أخذت نفسًا ولم تزفُره من قُربه ، شفطَت بطنها من قُربه وهو يحاول إنزال الكُرسِي ، تسمعُ أنفاسِه و دقاتِ قلبه ، أنزله إلى أن قارب المرتبة الخلفية : كِذا تمام ؟
مُهرة بصوتٍ مُرتبك : إيه
يُوسف عاد لمقعدِه و حرَّك سيارتِه : فيه محطة قدامنا إذا تبينا نوقف عندها ؟
مُهرة : لأ
يُوسف : كلمتي أمك ؟ يعني قلتي لها !
مُهرة : لأ بس أوصل أشرح لها .. ماراح تفهمني من التليفون
يُوسف : تدلين بيتهم
مُهرة : لأ بس نوصل للقصيم ويبقى ساعتين على حايل أكلمهم ويعطوني العنوان
يُوسف تنهَّد : طيب ، .. *صمت لدقائِق يُحيطهم ثم أردف* .. ودراستك بالرياض ؟
مُهرة : أوقفها عادِي
،
الضوءُ يخترق النوافِذ التي تُشبه السجُون ، يقطعُ الزجاج أعمدةٍ كثيرة و رائِحة المكان مُقرفة تُثير الغثيان ،
مُغلق عيناها بوشاحِها ومُثبت أقدامها بالكُرسِي الخشبِي الممتلىء بالرسومات والعبارات التعصبية ، في مكانٍ مُظلم و كأنهُ مهجور.
سعَد : طيب .. لآ ولا يهمك ... تآمر آمر إن شاء الله ... وأغلق هاتِفه ، سحب كُرسي ليجلس أمامها ،
سحب اللاصِق من فمِها ليُثير الحمرة حول ثغرها : مين اللي اعطاك الفلوس ؟ أبي كلمة وحدة
لا رد يأتِي ،
سعَد : صدقيني ماهو بصالحك أبد ، يعني لو وصل موضوعك لبوسعود و بوبدر .. بتكونين في عداد الموتى
أمل : . . . . . .
سعَد : بعِّد لين العشرة إن ماتكلمتي يؤسفني أنه بيتم التبليغ عنك . . . واحد . . إثنين . . ثلاثة . . أربـ
أمل : ناس
سعد أبتسم بإستخفاف : أحلفي عاد ؟ ناس ؟ تصدقين أحسبهم حيوانات
أمل أشاحت نظرها بعيدًا عنه و الألمْ يسيرُ ببطء بين ملامِحها بعد أن نامت ليلتها على هذا الكرسي ،
سعد بغضب : أنطقـــــــــــــــــي !! . . كنتِ راح تعيشين زي ماتبين .. وش تغيَّر ؟
أمل : . . . . . .
سعد : لا توجعين راسي عندي ميَّة شغلة غيرك ، غادة مع وليد الحين ولا ندري عنهم شي والبركة بأفعالك !! تكلمي عن كل شي تعرفينه ، لا والله يصير شي مايعجبك
أمل : هي تحب وليد
سعد بغضب : مالك شغل تحبه ولا تكرهه قولي لي شي يفيدني بعيد عن هالخرابيط
أمل : مدري قالوا بيطلعون برا باريس
سعد : طبعا ماراح يقدرون لأن جوازها هنا .. أبغى إسم المدينة اللي راحوا لها
أمل بإرهاق : وقلت لك مااعرف
سعَد بهدُوءٍ مُخيف : أفكِّر بردة فعل سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل متعب إذا عرفوا عنك
أمل بلعت ريقها و الخوفُ يتشكَّلُ بأنفاسها المُتصاعِدة ،
سعَد : مقرن يبي يساعدك ويبعدك لكن أنتِ تجبرينه يتصرف معك كذا !!
،
في الضاحية الشرقية لباريس ، مقبرةُ دي بلفيز في مُربع المسلمين ، وكَّل شركة فرنسية تدفع لهُم الرسُوم في شراء المقابر هُنا حيثُ أنّها تُشترى و حسبِ المُدة فـ كُل عائلة عبدالعزيز و أُمِي كل 30 سنة يجب أن نُجدد الشراء لهم وإلا أخرجت السُلطات الفرنسية الجثث و أحرقوها ، وقف عند قبرِ أُمه و قرأ من القرآن " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا " ، أحمَّرت عيناه وهو يجمع كفُوفه ليدعِي " اللهم أبدلها دارًا خيرًا من دارها و أهلاً خيرًا من اهلها و أدخلها الجنةِ و *تحشرج صوتِه ليصمت ثوانِي ثم يُردف بصوتٍ موجوع* و أعِذها من النار و من عذاب القبر ، اللهم تجاوز عن سيئاتها و جازِها عن الحسناتِ إحسانًا و عن السيئات عفوًا و غُفرآنا ، اللهم أجمعنا في يومٍ لاريب فيه .. أكمل دُعاءه بخشوعٍ تام و عيناه تبكِي وجعٌ "
مرَّت دقائِق طويلة و هو امام قبرِ أُمِه ، قبل أن يذهب عنها أبتسم لم يراها كثيرًا . . توفيْت و هو في ثاني متوسط ، ليتهُ كان معها في آخر أيامها ، أيامُ مرضِها و علاجُها الذِي توجَّب عليه الذهاب لباريس . . ربَّ ضارةٍ نافعة ، لو لم تأتِي للعلاج في باريس لما رأيت غادة.
وقف أمام قبرِ هديل ، دعَى لها كثيرًا و كأنها أخته ، هو فعلاً يشعُر بأخويتِه مع هديل وحميمية الأخوة بينهُما رُغم أنَّ لا موقفًا يُذكَر بيني وبينها .. إلا أنها أختُ من أفديهِ برُوحِي و أختُ من تملَّكت قلبي.
أقترب من قبرِ والِد عبدالعزيز ، دعَى لهُ بالمثل إلا أنَّه تأثَر أكثر أمامِه و صوتُه يختنق و يتحشرج و يقِف بمساحاتٍ شاسعة تُشبه الخواء الذِي يواجه قلبه الآن في وحدتِه ، وقف أمام قبرِ والدة عبدالعزيز ، قرأ بعضُ آيات القرآن و دعَى لها .
أتَى الدور على القسم الأكبرِ من قلبه ، وقف هذه المرَّة على رُكبتيْه أمام قبرِها ، شدّ على شفتيْه ويحاول أن يبتسم أن يفرح ، يُريد أن يصِل شعُوره إليْها ، قبل أن آآتي إلى هُنا قرأت أداب زيارة المقابر حتى لا أقع بشيءٍ منهي عنه و قرأتُ حديثًا صحيحًا شعرتُ بأنَّ عُرسًا يُقيم في قلبي " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم " هذا يعني انها تشعُر بيْ ؟ يالله يا غادة أُريد أن أُخبرك عن حُزنِي دُونك و انَّ الحياة ناقِصة تتشعبُ منها زوائِدٌ مهما حاولت أن أُعطيها بعضُ الأهمية إلا أنَّها تعجز أن تحلُ جزءً من قلبِي مثل ما حييتِ هُنا – قلبي - ، " نزلت دمعتِه ليُكمل بأحاديثِ نفسٍ لا يُجرؤ أن تخرج بصوتِه ، تعبنا يا غادة ، لا عزيزٌ سعيد و لا أنا ، لا نحنُ نحن و لا الحياةُ ترتضِي أن تُسعِدنا ، يالله ياغادة لو تعرفين أو تدركين كيف أنني غير قادِر على العيش و الحياة ! والله لستُ بقادِر و أخافُ السخط على قدرِه يا غادة . . يا جنُونِي . . يا حبيبتي ، أولُ مرة أرى باريس بهذه الثيابُ الرثَّة ، أول مرَّة أفقدُ اللهفة في عينيْها ، أول مرَّة أجِد أن باريس جافة مُفلسَة ، أيامُنـا القديمة و تفاصِيلُنا المُباغتة لذاكرتِي التي تمِّر ببُطء على قلبي حتى تنزلق بِك يا رُوحي ، يا سمائِي . . يا أرضِي ، يا كُل شيء ، تراكمت الغيُوم يا غادة و لم تبقى السماءُ كما عهدتِ . . تراكمت ولم ترحمُ العطشى و الحزانى ، لم ترحمهم وتُمطِر.
أتشعُرين بي الآن ؟ يارب أنك تُشعرين بيْ ، أنا لم أنساك و لم أنسى وعدُنا لبعض ، والله لم أنسَى.
كانت الحياة أقصَر من أحلامِنا الممتدَّة على قارِعةِ حُبِنا ، أحلامُنا التي كانت أن نشيخ سويًا و أحفادِنا حولنا ، لم نشيخ يا غادة و لم نرى أطفالُنا حتى . *بكَى بشدَّة و بصمتٍ مُطبق شدَّ به على شفتيْه إحترامًا لهذا المكان و أن لا يجبِ النواح فيه*
كانت أقصَر يا غادة ، والله ستكُون الحياة أسعَد لو تركتِ لي طفلاً ، فقط طفلٌ واحِدٌ ياغادة ، أنا أحببتُك و أحببتُ أن تُبللين جُحرِي بطفلٍ يقع و يتشبثْ ، يسرقُ من تفاصِيل أُمِه الكثير ، أن يُشبهك ،
تذكرين المرةِ التي قُلت لكِ فيها " الأربعين الشبيه اللذين يحشرُون أنوفهم بقصائِد الشُعراء لا وجود لهم و لم تصدقيني "
أتُصدقيني الآن ؟ أين أشباهكِ يا غادة ، أين هُم ؟
أُريد أن أحكِي لك الكثير ، الكثير مما حصَل ، عُدنا للرياض التي كُنتِ تشتاقين إليها ، عُدنا يا غادة ولم تكُونِي معنا.
لم تتغيَّر كثيرًا ، أرضُ لم تطأ بها قدماكِ هي عنصرٌ كونِي مُكتَّظ لا أحد يلتفتْ إليه و الآن باريس تدخلُ تحت هذا المصطلح بعد أن كانت حسناءٌ راقِصة تسرقُ من عينيْكِ ضياءُها و مِن رقةِ شفتيْك فتنتُها . . آآآه يا غادة لِمَ المُدن تتشابه ؟ لِم الأرضُ بأكملِها تُشبه غصةً في صدرِي تلعبُ بأعصابِي ولا ترحل ، لِمَ كُل شيء في غيابِك " باهِت " ، لا شيء يُذكَر بعد ، سنَة كاملة لم أفعل بما شيئًا يستحقُ الذِكر حتى الأمور البسيطة كانت في وقتِنا هي أهمُ الأشياء ولكن فقدتك و فقدتُ كل أشيائِي خلفك.
قبل أن أرحَل أُريد أن أُخبرك ، . . . . *خرجَت شمسُ باريس الخجولة و أشعتُها الخافتة لتعكسَ دمع ناصِر على ملامِحه*
أُريد أن أقُول أنني أحببتُكِ أكثرُ مما يُدرَك في هذه الحياة الوضيعة و لم أتوقَع أن خسارتِي فادِحة إلا و أنا أرى السماء تُطوِي سُحبها المُتمايلة بين همساتِنا لتقطع خيطًا بيني وبينك.
أُريد أن أقُول يا غادة أننِي أشتاقُك . . ، أشتاقُك و جدًا ،
أدعُو الله أن يُسامحنِي على إحتفاظِي بصورِك و بكلماتِك و بأقراصٍ تضمُ مشاهِدٌ تضحكِين بها كإتساع الشمس و قطراتُ المطَر و تبكِين فيها كرذاذِ عطرٍ لا يكفُّ عن السؤال عنك.
أدعُو الله أن يعفُو عنِّي لما أفعله الآن ، رُغمًا عنِّي أضعفنِي فُقدانِك في ليلتنا التي جلسنَا سنين نُفكِر بها ، في ليلتنا التي كان يجب أن أُصلِي معك شُكرًا أنَّ سقفُ حُبي بات يجمعُنا على أرضٍ واحِدة ، في ليلتنا التي كان يجبْ أن نوثِّق بها حُبنا لأطفالنا ، في ليلتنا يا غادة أتى موتُك خاطِفًا قتلنِي و قتل عبدالعزيز من خلفِي.
أدعُو الله أن لا يجعلنا من الساخطين على أقداره ، والله لا أُريد ، والله لا أُريد أن أكون مجنُونًا هكذا ، لا أُريد أن يغضب مني الله ببُكائِي ، لا أريد يا غادة ولكن رُغمًا عنِّي ، لا أُريد أن أضعف ولكن حُبك أقوى ، لا أُريد أن أنكسِر ولكن غيابُك أقسى ، لا أُريد أن أنهار ولكن حضُورك أكثرُ إتزانًا ، لا أُريد يا جنُونِي لا أُريده ولا أُحبه و الله على كُل هذا هو الأعظم وهو القادِر على أن يُخفف من جمرةُ أشتياقٍ واقفة في حلقي ، كل شيء يا غادة يتطفَّلُ ليظهر أمامِي ليُذكرني بك وكأنِي نسيتك ، كانت أُمنيتي سابقًا أن نشيخ سويًا و لكن الآن أُمنيتي أنَّ الجنة تجمعُني بك لأحبك من جديد.
أستمَّر دقائِقٌ يحاول أن يتزِن و يُطفأ حُرقة دموعه ، وقف وجمع كفيَّه ليدعُو لها و نصف ساعة و أكثَر وهو يدعُو إلى أن قال مودِعًا " يالله إنك فطرت إبن آدم على قلبٍ ضعيف ينشغلُ بلهوِ الدُنيـا فـ يارب علِّقني بِك و أرحمني و أرحمها كما ترحمُ عبادِك الصالحين ، يالله أني لم أُحببها لأجلِ دُنيا فانية ، يالله أني أحببتُها طاعةً فيك لم تُشغلني يومًا عن ذِكرك فـ يارب كما أحببتُها بالدُنيا حُبًا عظيمًا قائِمًا على طاعتِك و على رضاك أن تجمعني بها في أعلى جنانِك "
،
مُستلقي على السرير الوثِير و رائِحتُها تُثير حواسِّه الناعِسة ، صُداعٌ يقضُم خلايـا مُخه و يفتحُ عيناه ببطء.
نظر للسقف مُستغربًا إلى أن أستوعب ماجاء بِه إلى هُنا ، مدَّد ذراعيْه بإرهاقٍ و تعب بعد أن أستنزفت كُل قوَّاه بالأمس العنُود ، يالله يا هذه الأنثى يشعُر بأنَّه يكرهها أكثر من اليهُودِ أنفُسهم ، تحرُرها الزائِد و مظهرها الذِي يشعُر به دائِمًا بالتقزز ، يخجَل من أن تكُون إبنة عمِته بهذه الصُورة ، سيئَة جدًا حتى أخلاقُها تشوِّهها كثيرًا رُغم أنَّ ملامِحها تُشبه عمته الأقرب لقلبه ولكن تبقى عمته أجمل بكثير و هي لاشيء يُذكَر عِندها ، هذه العنُود سأعرف كيف أُعيد تربيتها من جديد و أجعلها تحترم عاداتنا وتقاليدنا ولو كان رُغمًا عنها.
تأمَّل الغُرفة التي هو بِها مرةً أُخرى ، غُرفة الجوهرة في أيامها الأخيرة هُنا ، لا يعلم لِم شعَر بضيق من أن يدخل جناحه ولا يعرف كيف قادتِه أقدامه لغرفتها هيَ ، مازال يرنُّ في إذنه بُكائِها و كوابِيسها.
مقهور جدًا من طريقة إستغفالي هذه وأنا الذي لم أعتاد أن أحدهُم يُهينني بهذا الشكل كيف وأنتِ الجوهرة ؟
أنا قادِر على العيشْ دُونِك لم تكُوني يومًا أهم من والديْ ! ولكن بي من القهر ما يجعلُنِي أردُّ إساءتِك ليْ ، أُريد أن أردَّها بأقربِ فُرصة ، أُريد أن أُذيقك مرّ ما ذِقتهُ مِنكِ ، ليتك تشعُرين بشعُور الرفض الذي كنت أراه بعينك إن حاولتُ الإقتراب مِنك ، شعُور سيء يُثير أعصابي و يُغضبني ، لمْ تشعُري يومًا بفِكرة أنني زوجُك و ألقى الرفض من كُل جانب !
أنتِ و تُركِي ستدفعُون الثمن غالِي و أنا أُقسم بذلك.
دخل للحمامْ المُلحق بالغُرفة ، بلل وجهه و كالعادة توضأ رُغم أنه ليس بوقتِ صلاة ،
خرَج و أنتبه لبعضُ الحركة في غُرفةِ سُعاد ، دخل و لقيَ حصَّة و عائشة ، رفع حاجبه : وش قاعد يصير ؟
حصَّة بحزِم :سعاد والله يرحمها بتبرَّع بأغراضها للفقراء ، فيه محتاجين كثير ومنها نكسب أجر
سلطان بهدُوء : طيب ماهو كان لازم تستشريني ؟ قلت لك يا حصَّة مليون مرة عن هالموضوع
حصَّة بحزم أكبر : أنا أكبر منك ومفروض تحترمني وتحترم شوري
سلطان بإنفعال : أيّ شوري أيّ بطيخ !! هذي أشياء تخصني
حصة بهدُوء تُريد أن تختبره : بس الجوهرة أكيد بتجي قبل العيد ومايصير تشوف هالغرفة في بيتها
سلطان : والله ؟ ومين قال بتجي ! حصة لو سمحتِ أطلعي أنت وعايشة وأتركوا الغرفة
حصة بنبرةٍ خبيثة : ليه نايم بغُرفتها اليوم ؟
سلطان يُظهر اللامُبالاة و الإستغباء في آنٍ واحِد : أيّ غُرفة ؟
حصة وهي تمسك الكُتب وتُسلِّمها لعائشة : مدري أي غرفة بس يقولون لك اللي قلبه على حبيبه يدور عليه ويجيبه
سلطان الغاضب لانت ملامِحه ليبتسم : مخك متبرمج على أفلام أبيض وأسود
حصَّة بإبتسامة : سعاد بحّ . . طيب ؟
سلطان : عطيني الكتب بحطها في مكتبتي
حصَّة : أنت ماتقرأ كتب رومانسية وأدب ليه أحطها لك
سلطان : إلا أقرأ .. جيبي بس
حصَّة : علي ؟ خلك على كتب المجانين حقتك ومالك دخل بهالكتب
سلطان بجدية : عطيني أبيها . . الجوهرة تقرآها
حصَّة بضحكة : صدق ؟
سلطان : أسألي الجاسوس اللي جمبك
عايشة بإندفاع وخوف : أنا ما يقول شي
حصَّة : مالك دخل بحبيبتي عيوشة
سلطان بسخرية : يا عيني بس !!
حصة : أوَّل قولي الجوهرة تقرأ الكتب الأدبية ؟
سلطان : والله تقراها
حصة : طيب أخذها أجل .. مدَّت له الكتب
سلطان : خل عايشة تحطها في صندوق واحد وتجيبها المكتبة انا أرتبهم
حصَّة و هدُوء سلطان يُغريها بالأسئلة : متى راح تجيبها ؟
سلطان بضحكة يُردف : تحزنيني والله عاد أمس مكلِّم أبوها نتفق على الطلاق
حصَّة توسَّعت محاجرها : من جدك ؟
سلطان بجدية : حصة الله يخليك الموضوع منتهي وماأبغى أتناقش فيه وهي تعرف مصلحتها وأنا أعرف مصلحتي
حصَّة بإنفعال : ننععععم ! لا والله ماتطلقها .. وش تطلقها ماصار لكم سنة عشان تطلقها ؟ مهما كانت هالمشكلة العظيمة اللي بينكم وأدري أنها سخيفة بس مايصير
عائشة عندما علت الأصوات أنسحبت بأطراف أصابعها وملامح الخوف تظهَر بملامحها ،
سلطان : خلاص ولا يهمك اطلقها عقب ماترجعين لندن
حصة بغضب : تستهزأ فيني ؟
سلطان يقترب منها ليُقبل رأسها وبنبرةٍ خافتة : الموضوع منتهي
حصَّة بحزنٍ واضح على ملامحها : طيب ليه ؟ سلطان أنت كبرت مايصير تبقى كِذا !! بكرا تتقاعد وش بتسوي ؟ قولي بس وش بتسوي ؟ أنا خايفة عليك وأبيك تعيش حياتك زي مالكل عايش .. يكفي شغل ماراح يجيك كثر ماراح من عُمرك في هالزفت شغلك ، وش أستفدت منه ؟ طيب قلنا نسلم أمرنا لله وتبقى في هالشغل لكن حياتِك !! أنا ماشفت الجوهرة بس واثقة أنها ما تستاهل الطلاق .. مرَّة وحدة بحياتك حاول تحافظ على شخص .. أنت منت ملاحظ أنك تخسر الناس بسهولة !! منت قادِر تحميهم .. لآتقولي أنا أحمي غيرهم .. لكن أحنا أهلك و الجوهرة أهلك يا سلطان .. يا روحي الله يخليك يكفي اللي مضى ، لا ترخص هالناس اللي حولك .. بيجي وقت تحتاج فيه لأحد يسمعك ويكلمك .. رجِّعها عشان خاطرِي وبعدها يحلها ربِك ، و كل مشكلة لها حل
سلطان تنهَّد : أنا ماأصلح أكون كذا ، ماأعرف أكون زوج ولا غيره .. أنا ماأصلح الا بمكان شغلي وبجلس فيه لأني أحبه و هو حياتي كلها .. ومستغني أنا عن هالحياة الثانية اللي مع الجوهرة و غيرها.
حصَّة و أختنقت محاجرها بالدمُوع : مستغني عنَّا ؟ يالله يا سلطان ماأعرف كيف قلبك حجر كذا !! ليه ماتحس أنه بكرا بتشيب وهالشغل بيستغني عنك مثل ماأستغنى عن غيرك و بتبقى بروحك لا زوجة ولا أهل ..
سلطان بصمتٍ يتأمل عيناها التي تُجاهد أن لاتبكِي ،
حصَّة تُكمل : إذا تغليني ولو شويَّة يا سلطان لا تخسر نفسك أكثر من كذا .. لآتخسرها ورجِّعها .. لآتطلقها بس عشان ترضي عقلك .. لأن هالعقل اللي تفكر فيه مصيره بيتخلى عنه وماراح تلقى بقلبك إلا ذكرى ناس أنت خسرتهم بنفسك !! .. رمقته بنظراتٍ راجيَة وخرجت.
سلطان وقف في مُنتصف غُرفة سعاد و أفكارِه تهوَى كما تسقُط قطراتُ الماء من المباني ، أصطدم به أكثرُ من فِكرة و حديثُ حصَّة مُوجع لقلبه ، كم خسَر في حياته ؟ فترةُ الشباب الطائشة و عمِي عنَاد و إبنه نايف في رحلتِنا الغارقة على شواطىء صقليَّة ، أُمِي الجنَّة و لا جنةٌ في الدُنيا سواها و أبِي الرائحة العتيقة التي يحتفُظ بها قلبي ، أجدادِي الذِين باغتهُم المشيب حتى ماتُوا تباعًا و المصائِبُ لا تأتِي فُرادى ، من بقيَ ؟ كان يجبْ على والديْ أن يُفكِرُوا بوِحدةِ إبنهم بعد عُمرٍ طال ، لو أنَّ لديْ أخ الآن قريبًا من عُمري كان الأمر سيكُون مسليًا رُبما كنت سأعلمه على الفروسية أو رُبما أُعلمه على انواع الأسلحة و من الممكن أن يُعلمني شيئًا .. كنت سأجِد مُتسعًا لأحتفِظ بهذه الحياة كما رددتها عمتِي ، ولكن حياتي ليست مُغرية لأنَّ أتشبث بها ، أصابني الله في حُبِ عملي حتى أفقدنِي الكثير و مازال.
،
دُو فِيل على أمواجِ البحر المُستقرِة ، على شُرفةِ شقتِها تنظرُ للبعِيد الغير آتي ،
وضعت كفَّها على صدرِها ، نبضاتِها غير مُستقِرة تشعُر بهيجان يحرقُ أطرافِ قلبها ، أحدهُم يُناديها ، أحدهُم يُثير سمعها كما لو أنه يضع جمراتٍ مُتراصَّة حول غضارِيفِ أُذنها الرقيقة ، عيناها تبكِي بلا سبب او رُبما حتى الأسباب تجهلها ، مازال قلبُها يتواطؤ مع حُزنِها و يُمارس الإختباء ، يتألم ولا يُخبرني ما يؤلمه ، أحدهُم أشتاقُ إليه كما يشتاق إليْ ، أحدهُم يخنقنِي و قلبهُ الأكسجين ، أحدهُم صيحةٌ عظيمة تنهشُ بعظامِي ، أحدهُم يُضعفني ، يُعصرني ، يُبكيني ، يؤلمني ، يجرحني ، يكسُرني ، يُقتلني . .
أحدهُم قلبي يعرفه جيدًا ولكنه جبانٍ من أن يقُول ليْ ، أحدهُم مُزعِج جدًا لذاكرتي ، يُثير الخوف على أطرافِ حُزني ، أرجف.
أكفف عن هذا ، أرجُوك . . لا طاقة لديْ لهذا الألم ،
أخفضت رأسها و كفوفها تنزل ببطء لبطنِها و غثيانٌ يُداهمها كأنَّ جنينًا بها يصرخُ عن والِده ، والِده ؟ يالله يا .. يا .. من أنا ؟
يالله يا رُوحي أكان هُناك شخصًا أُحبه قبل الحادث ؟ " طيب مين ؟ "
هديل . . رُبما أختي ، و عبدالعزيز أخي ، و مقرن . . أبي أو من ؟ لن أُسامحه إن كان حيًا و تركني ضائعة مُشتتة ، لن أُسامحه أبدًا وهو يُسقطني غرقًا في هذه الدُنيا دُون أن يحمِيني ويطوِّقُني ، لن أُسامحه على هذا الحُزن أبدًا.
ناصر ؟ . . . صمتُ لدقائِق طويلة حتى تُردف بحديثِ عقلها المُتشابك مع قلبها . . رُبما أخي ؟
أبتسمت بين أمواجِ دمُوعِها و قلبُها يضطرب كإضطراب البحرُ في مواسِمه و إرتفاعه.
همست : وينك ؟
أين انت من كُل هذا ؟ أين قلبِك الآن ؟ يبدُو أنَّ قلبي يُحبك يا ناصِر كما يُحب هديل الغائِبة عني و عبدالعزيز الذي لا أعرفُه ، أحبكم و لكن " وينكم " ؟
يالله يا من أجهله كم أشتاقُ لك كتكاثُر الغرباء في مُحيطي.
،
أفاق و العرقُ يُبلل الجُزء العلوي من جسدِه العاري ، أنفاسِه تُسمَع كإرتطامِ قطعٌ معدنية على الأرض ، شعَر بوخزٍ يسار صدرِه و رعبٌ يدبُّ في قلبه المُضطرب في هذا الصباح المُتأخر.
مسح وجهه و عيناه تسرقُ تفاصيل ما رآه ، أعُوذ بالله من هذه الكوابيس ، صدرِه يهبط ويعلُو بوقعٍ شديد . .
أن أرَى أختي تمُوت أمامِي مرةً أُخرى هذا يعني أنها تتعذَّبُ في قبرها ، يالله يا غادة ماذا يحصل معك في ظُلمتك ؟ أكاد أحلف أنك لم تفوِّتِي فرضًا ولا صلاة !! ماذا فعلتِ ؟ بربِّ الناس ماذا فعلتِ في دُنياك ؟ يالله يا غادة أشعُر بحممٍ تُصبّ في قلبي من أنكِ تتعذَّبين ، حفظتِي أجزاءً كثيرة من القرآن كما حفظتُ أنا ، فعلتِ الكثير من الأعمال الصالحة ، مالفعل المذموم هذا الذي محَى كل أعمالك وجعلكِ تتعذبين ؟ يالله أرحمها وأرفْ بحالها ، يالله جازها عن الحسناتِ إحسانًا وعن السيئات عفوًا وغُفرانًا.
لم يتحمَّل حتى أخذ هاتفه و يتصِل على ناصر ، ثواني حتى أتاه صوته المُتعب : هلا
عبدالعزيز بصوتٍ مخنوق : غادة تتعذَّب
ناصِر و للتو هدأ ، أختنق مرةً أُخرى ، ليتك هُنا يا عبدالعزيز حتى تسمعُ لعينيْ وتقرأُها ، ليتك هُنا .
عبدالعزيز يُكمل برجفة حُبٍ و إشتياق : ما سوَّت شي والله ماسوَّت ، حتى طلعاتها ماكانت الا معاك و نادِر ماتطلع لوحدها وصلاتها ماتطوِّفها ، أحيانًا تضطر تأخرها لكن تصليها .. ماطوَّفت فرض .. وماعليها ديُون .. وش صاير ؟ أحس بموت من التفكير .. هديل و أُمِي و أُبوي أحسهم مرتاحين .. حتى أمي كانت تبكِي كثير لكن الحين مرتاحة أنا أعرف هالشي أحس فيه .. حتى أبُوي أحس فيه .. بس غادة ليه ؟
ناصر بوجَع : كنت عندهم اليوم .. زرت قبورهم
عبدالعزيز ونفسه تلهَّفت : رحت لهم ؟
ناصِر بصوتٍ شارف على البُكاء : إيه
عبدالعزيز أختنقت عينه بالحُمرَة ، أشتاق لهم ، يشعُر بأن روحه تخرج من مكانِها الآن ، ليتهُم دُفِنُوا هُنا ، بئس تفكيري في ذلك الوقت أنه سيعيش عُمره هُناك فأردتُ أن يكُونوا بجانبِي .. لكن حتى أطيافهُم رحلت بعيدًا عني.
ناصِر : قبل شوي رجعت ، سو لهم شي ، خل لهم صدقة جارية كلهُم .. أخاف يختنقون من وحشتهم
عبدالعزيز مسح جبينه مُتعبًا وهو يضغط على عينيْه المُغمضة : وش يرجِّعهُم ؟
ناصِر نظر لشِقته الخاوية لتنساب دمعته على خده ، و أنفاسه لا تهدأ
عبدالعزيز و دموعه تتصارع في محاجره لتحجب عنه الرُؤية وبصوتٍ خاف ممتلىء بالوجع : مرَّت سنة . . كيف عشتها بدونهم ؟ محد حولي ومحد جمبي .. مححد .. كيف ؟ ماأبغى أدعي على نفسي بس يذبحني هالألم يا ناصر .. ماأبي هالحياة ، مليييت ..
بصوتٍ حطم حصُون اهدابه : موجوع يا ناصر حييل
ناصِر جلس على طرفِ طاولته الخشبية ، أنحنى بظهره لتسقُط دموعه على الأرض ، وجَع يفتُك عظامه هو و صديقه.
،
على فراشٍ ذو رائِحة نتِنة ساقِط و نومُه عميق و هالاتٍ داكِنة تُحيطه و رائِحةُ الغرفة تختلِط برائِحة الشُربِ و الألوان ، اللوحاتِ مُرتبة بجانِب بعضها في زاويةٍ ، دخل عليه برهبة و هو يرفع الملابس العفِنة ليصيح به : فااارس أصححى بسرعة أبوك جاي بالطريق
فارس بهذيان ناعِس : خلني أنام
حمَد يفتحُ الستائِر و النوافِذ الزُجاجية ليختلط الهواء النقِي بالغُرفة : أبووك بالطريق .. ركِّز معي ... رائد الجوهي بالطريق .. راائد اللي هو أبوك بالطريق
فارس فتح عينه : وشو ؟
حمد لم يتحمَّل تناحته حتى أخذ قارورة زُجاجية ممتلئة بالماء ، أخرج منها الورد و رماه و بلل فارس بمياهِ الزهر : أصحححى أخلص عليّ والله إن شم ريحتك لا يذبحك
فارس بعصبية : يامجنووون ليه ترمي الورد !!
حمد : هذا اللي يهمك يا مرهف الإحساس . .أنقلع للحمام فرِّك نفسك لين تطلع هالريحة ، نص ساعة وبتلقى أبوك هنا وساعتها شوف عاد وش يسوي فيك
فارس وقف عاقد الحاجبيْن : طيب بخِّر الغرفة .. وسحب منشفته داخلاً للحمام.
حمد : يا حومة كبدك يا حمد .. نظف غُرفة فارس وهو يرمِي بعض الأشياء التي بنظرِه تافهة و لكن بنظر فارس مُهمة.
دقائِق طويلة مرَّت وحمَد يُبخِر المكان برائِحة العُود العتيقة ، خرج فارس ناعِسًا : جاء ؟
حمد : لآ بس على وصول
فارس ببرود : طيب أطلع ببدِّل
حمَد خرج تارِكه ليُبخِر الصالة العلوية أيضًا ،
أرتدى فارس ملابسه بهدُوء وهو يتأملُ غرفته أن لايكون هُناك آثار لجريمته ، خرج لحمد
حمد : خلنا ندخل غُرفتك نشوف فيها ريحة ولا لأ
وبتحشيشٍ فعليْ ، أغلق حمد باب غُرفة فارس ومن ثُم فتحه ليدخل ويستنشق وكأنه يُمثٍّل دُور الجوهي : همممم أحس فيها شي
فارس : يالله خلف على عقول الحمير .. خلاص اترك الغرفة ريحتها ريحة ألوان
حمَد بخبث يجلس مُقابلا له : تدري أمس وش قلت لي ؟
فارس بلا إهتمام يتصفح الجريدة : وش ؟
حمَد : عبير
فارس رفع عينه له : نععم !!
حمَد : ههههههههههههههههههههه وش فيك عصَّبت ؟ تقول أنها لذيذة و ******* و
لم يُكمل من رفسة فارِس على بطنِه ، وقَف وجعله يتمدد على الطاولة الخشبية وبغيرةٍ شديدة لكمَه على عينِه ومن ثُمَ صفعةٍ مُدويَّة على خدَّه و لم يكتفِي بذلك ، ضربةٌ بالقُرب من أنفِه لينزف دماءً.
بصوتٍ غاضب شدّ شعره ليُقربه من وجهه وهو الذِي أعتاد من فارس البرُود و الهدُوء : قسم بالعلي العظيم لو تجيب سيرتها على لسانك لا أقطعه لك
حمد يدفعه وهو يُعدِّل بلوزته التي تمزَّقت أطرافها وكان سيُهدد كالعادة لولا حضُور رائِد بينهُم ،
فارس أقترب من والِده وقبَّل جبينه ،
رائد : وش فيكم تتهاوشون ؟
فارس بهدُوء : نمزح
رائد بضحكة : تمزحون !! عنيفيين ماشاء الله
حمد بإنسحاب : رايح أغيِّر ملابسي
جلس رائِد وبجانبه فارس ، أردف : شلونك ؟
فارس بخير الحمدلله
رائد رفع حاجبه : مبخرين البيت ؟
فارس : إيه حمد مبخره
رائد : عليّ ؟
فارس بلع ريقه : ليه وش فيه البخور ؟
رائد : ماتبخرونه الا فيه ريحة لمصايبك !!
فارس ويُمثل دور البريء : دايم تظلمني يايبه دايم تظن فيني ظن السوء ، خلاص من اليوم ورايح بقوله لا يبخِّر البيت وأستمتع بريحة الألوان والعفن اللي دايم تقوله
رائد بإبتسامة : شوي وتآكلني ، خلاص ماقلنا شي بخروه .. قولي وش مسوي بالتدريب ؟
فارس : كل يوم قبل لا أنام أتدرَّب
رائد : زين هذا اللي أبيه منك ، أنا بعد فترة راح أسافر ويمكن أطوِّل كثير فـ راح تكون مع حمد وماأبغى مشاكل
فارس : طيب ينفع أطلب طلب ؟
رائد بضحكة تُشبه ضحكة إبنه الساحرة : لأ
فارس إبتسم : طيب تروح وترجع بالسلامة
رائد : ههههههههههههههههههه قول وش تبي ؟
فارس : يعني الحرس والله مالهم داعي ، ماني بزر .. خلاص أنا كبرت على هالحرَّاس اللي يمشون مثل ظلي أبي آخذ شوية نفس وخصوصية
رائد بهدُوء : أبوك عنده أعداء كثير و
فارس يُكمل عنه بسخرية مُقلدًا لنبرته : و الأعداء هذولي يدورون عليّ الزلة ويبون يأذوني بأي طريقة وممكن يأذوني فيك .. حفظتها يايبه والله حفظتها من طلعت على هالدنيا وأنا أسمعها .. طيب أنا بجلس أنحبس كذا إلى متى ؟
رائد : طيب سافر لكن هُم معاك
فارس بإستهزاء : شكرا دايم ماتخجلني في كرمك
رائد يضرب ظهره بقوة ضاحِكًا : مسألة الفرفرة بالرياض أنسى
فارس: كسرت ظهري
رائد : اليوم صاير تتدلَّع كثير
فارس : يبه والله تعبت وحمد يخنقني .. طيب جيب لي واحد ثاني
رائد : أنا أثق في حمد
فارس : الله والثقة عاد
رائد بحزم : فاارس !!
،
صوتُ القرآنِ يضجُّ في البيت ، بعد أن راجعت بعضُ السوَر حتى لا تنساها وتأكِد على حفظِها ، نزلت لوالدتها ساعدتها قليلاً حتى جلسَا بالصالة و صمتٌ مُريب بينهم.
الجُوهرة بهدُوء : يمه زعلانة مني ؟
والدتها بإقتضاب : لأ
الجُوهرة جلست على رُكبتيها أمامها وهي تُمسك كفوفها وبإبتسامة : أجل ليه ماتكلميني ؟
والدتها : لأنك ماتبين تريحيني
الجُوهرة ومازالت تُحافظ على تقويسةِ ثغرها : أنتِ لو تطلبين صحتي وعافيتي وراحتي كان أقول فداك بس ماأبي أشغلك معي وأضايقك
والدتها بنبرةٍ مُهتزة : ماراح تشغليني ولا بتضايقيني .. أنا بس برتاح وأتطمَّن
الجُوهرة : تطمَّني يا روحي ،
والدتها : وش بينك وبين سلطان ؟
الجُوهرة بلعت ريقها وكأنَّه بدأ الهواءُ يضيقُ عليها : مابيننا الا كل خير
والدتها : مأذيك بـإيش ؟
الجُوهرة بهدُوء : ما تطلع الشينة من بوبدر
والدتها : طيب وش هالمشكلة اللي تخليك تتركين بيتك وأبوك يوافقك !!
الجُوهرة : أنا بس كنت أبي أرتاح عندكم ومشتاقة لكم
والدتها بخوفٍ يرتسم بعينها : غيره يالجوهرة هالكلام مايقنعني !
الجُوهرة أبتسمت حتى بانت صفةُ أسنانها العُليا : مافيه شي غيره
والدتها بضُعف : أحلفي بالله ..
الجُوهرة صمتت و لا كلمةٌ تنطقها و تُسعفها في هذا الموقف.
والدتها : ليه تكذبين عليّ ؟ أنا أمك بس قولي لي وش اللي صار وريْحيني !!
الجُوهرة ثبتت أسنانها العُليا على طرفِ شفتِها السُفلى ، بصوتٍ ضيِّق : مشكلة بسيطة .. وبتنحَّل إن شاء الله
والدتها بصمت تتأمل عينِ إبنتها ، تُريد أن تقتبِس من هذه العينُ بعض الأحاديث التي من الممكن أن تُطمئنها ،
الجوهرة أخفضت رأسها لتُقبِّل كفوفٍ عتيقة لها رائحةُ الجنَّة التي تحلم بأنَّ تكون يومًا من نصيبها.
أنساب شعرِها في حضنِ والدتها لتتضِح بعضُ الخيُوطِ الحمراء المُتخثِرة بالدم و كدمةٌ ليلكية تُفسد بياض رقبتِها ، أرتجفت أهدابِ الأمِ الخائفة : مين سوَّى كِذا ؟
الجوهرة رفعت عينها بعدم فهم ،
والدتها بغضب ممزوج بحُزنٍ عميق : وتقولين مافيني شي ؟
الجُوهرة أبتعدت قليلا عن والدتها و على جبيُنها يرتسمُ الإستغراب.
والدتها : ضربك ؟ لا تكذبين وتقولين ماضربك !!
الجُوهرة مسكت رقبتها لتقِف مُرتبكة مُرتجفة لا جوابْ لديْها . .
دخل ريان : السَلام عليـكم .. .. دارت نظراتِه بينهُما و رفع حاجبُ الشك : وش فيكم
والدته تتجاهله تمامًا : ليه تكذبين عليّ ؟ وش مسوي فيك هالأغبر ؟
الجُوهرة أرادت لو أنَّ والدها موجود يُنهي هذا النقاش بدُبلوماسيته المُعتادة ، أرتجفت بوجودِ ريَّان !
والدتها وعيناها تختنق بغضب : أكيد صاير شي كايد ولا مايضربك من هنا والطريق وأبوك واقف معك بعد !! ريحوني بس قولوا لي
ريَّان وعقله بهذه المواضيع يفهمها من كلِمة ، بهدُوء : سلطان ضربك ؟
الجُوهرة بدفاع مُرتجف : أنا زوجته ولو يكسِر راسي حلاله ، مشاكل وتصير بين أيّ زوجين ليه تعطونها أكبر من حجمها
والدتها : اللي يضربك مرة قادر يضربك مليون مرَّة
ريَّان : وليه ضربك ؟
الجوهرة بلعت ريقها بخوف : مشكله بيني وبينه
ريَّان رفع حاجبه مرةً أُخرى : زين حفظتي كرامتك وجيتي !!
الجُوهرة : وش قصدِك ؟ . . يعني أختك ماعندها كرامة *تعمَّدت أن تلفظُ - اختك - حتى تُشعره ببعض الذنب*
ريَّان ببرود يجلس : أنا واثق أنه المشكلة أساسها منِك عشان كذا ماألومه لو يكسِر راسك على قولتك
والدتها بحُرقة أمٍ ترى إبنتها بهذه الوضعية : وأنت معه بعد !! أنتوا بتجننوني ! كيف يضربك ؟
الجُوهرة و لا تُريد أن تبكِي ولكن نبرةِ والدتها جعلتها تبكِي لتلفظ بين بُكائها : يمه الله يخليك !! ماهو ناقصني
ريَّان بإبتسامة : أحمدي ربك ماذبحك .. أنا لو مكانه دفنتك على أيّ غلطة تطلع منك ودام سلطان ماشاء الله صبور فأكيد هالغلطة كايدة وخلته يضربك .. عاد الله أعلم باللي تخفينه عننا ويمكن عن سلطان
الجوهرة بقهر : ليه دايم ظنك فيني سيء ؟ . . أنا أختك من لحمك ودمك تعاملني كذا وش خليت للغريب !! ،
بحدة لم تعتاد أن تُخرجها لأحد ، بغضب وكأنها أنفجرت من سيل أتهاماتِ ريان الباطلة التي لا تنتهي : أتذابح مع سلطان ولا يصير اللي يصير بزواجي مالك دخل .. مالك علاقة فيني .. ماعدت صغيرة عشان تكلمني بهالطريقة ، أنا عمري 26 ماني بزر عندِك عشان تقولي هالكلام ... أرحم حالك وأرحمني من كلامِك
والدتها بحدة : هذا اللي شاطرة فيه تراددين أخوك !! تزوجتي وصغر عقلك
الجُوهرة بضيق : أنا الحين كذا ؟ يمه أنا متضايقة منه ومن كلامه بدل ماتوقفين معي توقفين معاه
والدتها : ماراح أوقف لا معك ولا معه .. سوِّي اللي تسوينه ماعاد يهمني .. وخرجت ،
ريَّان يصفق لها بسُخرية : برافو طلع لك لسان والله من سيادة الفريق سلطان !! سلطان هذا اللي تحتمين فيه رماك ولا كان أتصل من زمان ، بيعدي شهر وإثنين وثلاثة وورقة طلاقِك بتشرِّف .. ومحد بيبقى لك إلا أحنا .. أهلك .. فحاولي ماتخسرينا زي ماأنتي الحين تخسرين أمي !
الجُوهرة بنبرةٍ هادئة مبحوحة : ما رماني ، و أنا عندي لسان قبل لا أشوف هالسلطان اللي مرة مسبب لك أزمة !! بس أحترمتك يا ريان وأحترمت أنك أخوي الكبير بما فيه الكفاية لكن بديت تغلط علي كثير وأنا ماعاد أتحمَّل كلامِك اللي عُمرك ماطلعت ليْ بكلمة حلوة !!
ريَّان : وغصبًا عنك يا ماما بتحترميني .. ماهو كرم ولا تفضُّل منك .. وخرج هو الآخر ،
الجوهرة بقيتْ واقِفة لوحدها ولا ترى أحدًا يُشاركها الحزن الآن ، الجميع بات يتشمَّتْ بيْ منك يا سلطان.
،
أرتفع أذان المغربْ ، و مازال الهدُوء و الغضب المُختبىء خلف البرُود يُحطيهم.
عبير بهدُوء : يبه ما قلت لنا وش سويت بباريس ؟
عبدالرحمن : شغل وش بسوي غيره يعني !
رتيل رفعت عينها لوالِدها ، و عبير تُشاركها نظرات " الكذب و الشك و رُبما الإستحقار "
عبدالرحمن و من نظراتِهم باغته شك : وش صاير لكم ؟ تركتكم أسبوع ورجعت كل شيء محتاس !! لا أنتم بناتي اللي متعود عليهم ولا شيء
عبير تشربْ من كأس الماء : سلامتِك بس كذا بناتك نفسيات
عبدالرحمن بحدة : تكلمي معايْ زيين ماني أصغر عيالك
عبير ببرود : كيف أتكلم يعني ؟ سألتني وجاوبتك
عبدالرحمن رفع حاجبه : يعني هذا أسلوب تكلميني فيه ؟
رتيل الصامتة الهادئة الحزينة تُراقب الكلمات المُبطنة التي ترمق بها عبير لوالدها و عيناهُا متورِّمة بالبُكاء.
عبير تنهَّدت : الحمدلله .. وقفت ولكن حدة صوتِ والدها جعلتها تثبتُ في مكانها : عبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــر !!
عبدالرحمن بغضب : أشُوف طالعة بحكي جديد ؟؟ خير إن شاء الله ؟
عبير بصوتٍ مُرتجف :آسفة
عبدالرحمن بهدُوء : وش صاير لك ؟
رتيل ونطقت أخيرًا : قولي له .. مو قلتِ بتقولين له !!
عبدالرحمن وأنظاره تتجه لرتيل : عن ؟
رتيل ببرود : عن الزواج اللي صار بالخش والدسّ
عبدالرحمن توقفت عيناه عن الرمش غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز قد يُخبرهم عن زواجه بإحدى إبنتيْه ، غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز يفعلها معه ، صعبة على نفسِه بأن يتقبَّلها من عزيز . . ولكن الأصعب كيف يقنعهُم بهذا الزواج !!! يالله يا رتيل كيف سأُقنعك بعبدالعزيز !
بحزمٍ أردف . . .
،
لا أحاديِث تُذكَر بينهُم ، الصمتْ يحكمُ شفاهِهم ، و طريقٌ ضيِق للنقاش لا يُفتح الآن.
أرتشف من القهوَة الداكِنة و عيناه تحكِي الكثير و لكن لا ردّ من الطرف الآخر !
سلطان : ما طفشت من الحكي ؟
عبدالعزيز رُغما عنه أبتسم : مررة
سلطان تنهَّد : ماتبي تحكي شي ؟ يعني يخص الشغل .. يخصك ؟
عبدالعزيز بهدُوء وعيناه تغرقُ في فنجانِ قهوتِه : أستسلمت منكم
سلطان : إحنا ؟
عبدالعزيز : للأسف ،
سلطان ضحك : وبعد ؟
عبدالعزيز : سلَّمت أمري و فكرت
سلطان بهدُوء : وش وصلت له ؟
عبدالعزيز يُحرك مُربعات السكر المُغلفة على الطاولة و يضع حبتيْن بالأمام ليتشكَّل مُستطيل وحبَّة في الوسط وحبةٌ أخرى بعيدة : أنه المربع يضِل جُزء من المستطيل و أنه المستطيل مايقدر يستغني عن المُربع !
سلطان و يُمعن النظر في عينيّ عبدالعزيز ، يُشبه والِده كثيرًا حتى طريقة تفكيره ، ذكي مهما أنكسر وضعِف يبقى " داهية "
عبدالعزيز : أنا مقدر أطلع منكم و أنتم ماتقدرون تستغنون عني ..
سلطَان بنبرةٍ خافتة : وهذا الصح
عبدالعزيز بإبتسامة ونبرةِ سُخرية وهو يضع فوق المُستطيل مُربعٍ آخر : لكن ممكن المستطيل يقمع المُربع
سلطان يأخذُ مُربع السكَر منه ويُزيح المربعين ليُلصق المُربع الجديد بينهم : لكن يقدر المُربع يثبت نفسه ويكون مُستطيل
عبدالعزيز رفع عينه لسلطان : و كيف ؟
سلطان : كون صبُور مهما أستفزّتك الأحداث اللي حولك ، طنِّش وتقدر ، لا ترمي كل شيء عشان كلمة أو عشان موقف ! خلك دايم ثابت والبقية هم اللي يتحركون لاتكون أنت اللي يتحرك حسب مالظروف تبي !! أوقف بوجه كل شيء يواجهك وخلك ثابت !!
عبدالعزيز يرتشفُ من قهوته التي برَدتْ ،
سلطان : وين جلست باليومين اللي غبت فيها ؟
عبدالعزيز : أول يوم مالقيت مكان وجاني أرق ، كل مارحت مكان قالوا لازم عوائل
سلطان أبتسم حتى بانت صفة أسنانه العليا : كان لازم تعرف قوانين بلدك
عبدالعزيز : وش يعرفني أنه ماينفع العزابية يسكنون بالفنادق بعد !!
سلطان : على حسب الفندق
عبدالعزيز : ثاني يوم تعبت وكنت أبي أنام ولقيت عمارة ومكتوب عليها شقق مفروشة للعزابية ، كانت أقذر مكان شفته بحياتي وبعدها أضطريت أرجع !
سلطان : ماهو أضطريت !! لكن لأن هذا مكانك الصح
نظر لهاتفه الذي يهتز إثر رسالة ، قرأ " تُركي في مزرعتك طال عُمرك "
↚
أنتِ لي . . أنتِ حزني وأنتِ الفرح
أنتِ جرحي وقوس قزح
أنتِ قيدي وحرِّيتي
أنت طيني وأسطورتي
أنتِ لي . . أنتِ لي . . بجراحكْ
كل جرح حديقهْ ! .
أنت لي .. أنت لي .. بنواحك
كل صوت حقيقهْ .
أنت شمسي التي تنطفئ
أنت ليلي الذي يشتعل
أنتِ موتي , وأنت حياتي”
*محمُود درويش
،
عبدالعزيز : ثاني يوم تعبت وكنت أبي أنام ولقيت عمارة ومكتوب عليها شقق مفروشة للعزابية ، كانت أقذر مكان شفته بحياتي وبعدها أضطريت أرجع !
سلطان : ماهو أضطريت !! لكن لأن هذا مكانك الصح
نظر لهاتفه الذي يهتز على الطاولة إثر رسالة ، " تُركي في مزرعتك طال عُمرك "
رفع عينه لعبدالعزيز : نمشي ؟
عبدالعزيز وقف : إيه
خرجُوا من إحدى المقاهِي على شارع التحلية الصاخب ، كلٌ على سيارتِه ، ذهب البائس حيثُ الحيّ المُنزوِي بمثلِ إنزواءِ سُكانِه ، نظراتِه أرتفعت لنافِذتها المُظلِمة و ستارٌ يُغطِيها ، أخذ نفسًا عميقًا ، أفلس من هذه الدُنيا ولم تعُد من أحلامه – الغنى –
لِمَ أقِف ؟ الحياةُ تسير كـ رمشةِ عين و ما زلت مُتغير مُتحرك حيثُ ما حولِي يُريدون ، لا عائلتِي سيعُودون و لا أنـا سأفرح ، يجب أن أنسى حتى لو كلَّف أمرُ نسيانهم " موتْ أعصابي " ، سأنسى مثل ما ينسى الجميع إلا أنني سأحتفظ بقلبٍ لا يرى سوى الغائبين من على هذه الأرض ، غادَة و هديل و أبي و أمي . . أنتُم في حُجرةٍ من قلبي لا تنكسِر و البقية لا يهُم.
لا يهُم ، مثل ما وهب سلطان حياته للعمل سأبذل كل طاقتِي فيه و سأنشغل وأنسى كما نسيَ سلطان ومن قبلِه عبدالرحمن بن خالد ، سأنسى و هذا وعدٌ لقلبِي.
،
قبل ساعتيْن و 37 دقيقة مُربِكة ، غير مُصدِق لما يُحدث مع إبنتيْه ، كيف كشف عبدالعزيز الخِمَار عن هذا الزواج المُحكم في سلاسِل الألسُن ، أيُّ جوابٍ مُقنع يمسح به شحُوب قلبِ رتيل ؟ أيُّ صفعةٍ ستتحمَّل رتيل ؟ أحلامُ الصِبـا ذابت كما السُكر يذُوبِ في سخُونةِ الكأس ، كان سهلاً عليه أن يُقنع عبير ولكن يقف الآن عاجِزًا عن خلقِ عُذر يُبعد هذه الشكُوك أو رُبما اليقين الذي يجزمانِ به ،
رتيل ببرود غِير مُبالي وهِي تدفنُ الملعقة في قاعِ السلطة الخضراء : ضي
أتسعت محاجره و شفتيْه تثبت ، راحةٌ بسيطة تسللت إلى قلبه فأمرُ ضي هيِّن أمام فاجِعتها بعبدالعزيز ،
عبير بقهر : الله أعلم من متى متزوجها
رفع عينه على إبنته الواقفة و الذِي يُفترض أن تكُن أكثر أدبًا : لو متزوجها من قبل لاتنولدين ؟ وش بتسوين يعني ؟
رتيل بإستنكار و غضب سقطت الملعقة من بين أصبعيْها على أرضية الرُخام : متزوجها أيام أُمي الله يرحمها ؟
عبدالرحمن بهدُوء : ماتلاحظون أنكم نسيتوا أنفسكم وجالسين تحاسبوني ؟
عبير أنفاسُها تضطرب : مانحاسبك ! بس ليه دايم إحنا على هامشك ؟ ليه دايم إحنا مالنا حق نسألك أو حتى نشاركك القرار ؟ هذي حياتنا زي ماهي حياتك .. ليه دايم إحنا مالنا كلمة ولا حق الإختيار .. ليه دايم إحنا ننجبر وغصبًا عنَّا مانناقشك !
رتيل بهدُوء : تزوجت ماتزوجت مايهمني !! دامك فصلت حياتك عنَّا فما لنا حق نحاسبك بحياتِك أنت وأنت بروحك
عبدالرحمن بحدَّة : تكلمي زين أنتِ وياهاا !! أنا الحين حاطكم على الهامش ؟
صرخ بعبير : انا كذا ؟ يعني أنا مقصِّر و ماني سائِل عنكم ؟
عبير حاجتها للبُكاء من بؤسٍ تراكم على قلبها جعلت هدبيْها يرتجفَان لتترامَى الدمُوع على خدِها ، أردفت بخفُوت : طيب ليه ؟
عبدالرحمن : هذا شيء وأنتهى ماراح أجلس أبرر لك عشان تقتنعين !
عبير أطبقت فكيْها المرتجفة فوق بعضِها لتشدَّ عليها وكأنها ستطحن أسنانها من قهرها : ما طلبت منك تبرير ! بس ليه تفصل حياتك عن حياتنا ! إحنا مانستاهل هالحياة !! . . بكرا راح تتحاسب على بناتك .. على كل قهر ذقناه و أنت تبني حياتك مع وحدة ماندري مين ولا حتى أصلاً نبي نعرف مين !!! ما طلبنا منك المستحيل .. بس زي ما أنت تعيش حياتك أتركنا إحنا نعيشها خلنا نبكي منها ولا نبكي منك .. خلنا ننقهر ونضيق ونطيح في مصايبها بس نتعلم .. لا تحبسنا ..
رتيل بصوتٍ هادىء مُوجع : مايفيد ؟ لو تقولي الحين روحي يا رتيل وعيشي زي ماتبين .. ماراح يفيدني بشي ؟ 24 سنة مرَّت و أنا ما أعرف وش يعني صداقة و لا ناس ومناسبات .. تبي تعلمني الحين كيف أصادق غير بنات ربعك !! أعدد لك كم بنت صادقتها وأطول فترة صادقتها فيها ؟ هي وحدة .. وكورس واحد وجيتني قلت هالبنت لاتختلطين معها ..والحين هيفاء !! وطبعًا لأنها بنت بو منصور ولا كان قطعت علاقتي فيها من زمان ... لا تقولنا ماني مقصِّر .. أنت علمتنا كيف نفقد ثقتنا بهالناس كلهم و نبعد ؟ بس ما علمتنا كيف نعيش بدُون صداقة .. بدون أهل .. بدون أم .. بدون . . . أب طبيعي !!
عبير بإقتناع في حديث رتيل أردفت : حياتك مع اللي إسمها ضي تخصك أنت بروحك .. لا تخلط بيننا و عيش مثل ما تبي وإحنا بعد راح نموت مثل مانبي . . . وصعدتْ لغُرفتها بخطواتٍ سريعة و دمُوعها تُسارع خُطاها.
رتيل أخفضت نظرها بسُخرية مُبكية : بتعلمنا كيف نمُوت و ببطولة ؟ وبننهي هالمثالية اللي عايشين فيها !!
عبدالرحمن و تواطؤ اراء رتيل مع عبير يُثير في داخله ألفْ كدمةُ حزن ، لم يتفقَا طوال حياتهُما و الآن يتفقان على " الموت " ، ألهذه الدرجة الحياة هُنا جحيم ؟ ألهذه الدرجة تكدسَّت الهمُوم في قلب إبنتيْ ؟ خُفت الفُقد ! لم أتحمَّل فكرةُ أن أفقُد أحدٌ مِنكُما . . لو أن أسجنكما في عينيْ لبقيتْ غير مُطمئِنًا أيضًا ، ليتكُما تُدركان الخطر و الرهبة التي تدبُّ في نفسي كُلما فكرتُ في " كم ضالاً يسيرُ بشوارِعنا ؟ ، كم حقيرًا يُلطخ طُرقنا ؟ ، كم مُجرمًا يدُوس على أعراضنا ؟ . . " حاولت أن أُطمئن نفسي كما تُحبان ولكن أيضًا فشلت ، أنا غير قادِر على جمعُكم بمُجتمع يكسرُ غصنُ الأنثى و أنا أخاف على إنعواجِ ضلعٍ بِكُما . .
رتيل رفعت عيناها لتلتقِي بعينيْ والِدها اليائسة ، بنظراتِ والِدها سقطت دمُوعها : آسفة ، . . . . برجفة شفتيْها نطقت : مانبي نضايقك ، نعرف أنك تتعب عشانا بس يبه ضقنا .. ضقنا حيييل ماعاد نقدر نكتم أكثر .. لما عرفت عبير عن الموضوع وهي تبي تجيب الكام من غرفتك .. تخيَّل أنه عبير جرحتني بكلامها وطلعتني ولا شيء .. عبير اللي مستحيل تنفجر بوجه أحد .. أنفجرت فيني . .
بلعت ريقها وهي تنظرُ لوالِدها بإنكسار : يشوفوني رخيصة مالي فايدة بهالحياة .. ماني معارضة زواجك من حقك تعيش لكن إحنا يبه نبي نعيش .. كفاية والله كفاية .. أنا ندمانة قد شعر راسي على كل شي سويته وأنا أعصي أوامرك .. كل شيء ندمانة عليه .. لأني الحين عرفت سبب أوامرك .. لأني الحين عرفت كيف عصيانك يخليني رخيصة !! بس . .. ماأحملك شي ،كلها أغلاطي بس لولا أوامرك اللي خلتني احس بالنقص قدام ناس كثير ماكان سويت كذا !! لولا أقنعتني صح بقوانينك ما وصلت لهالمرحلة ولا وصلت عبير لهالشيء !!
أقتربت بِخُطى هزيلة لتُقبله بين حاجبيْه و تدفنُ ملامِحهها على كتفِه و تُبكِي بإنسياب ، عبدالرحمن وضع ذراعه خلف ظهرِها لايعرفُ كيف يُربت أو يُخفف حزنها ، لوهلةٍ شعر بأنه عاجز عن كُل شيء و لا شيء يستحق بأن يُغلف الحزن هدايـا السماء لقلبه.
رتيل بصوتٍ مخنوق : آسفة
والدها بصوتٍ يتقطَّعُ بسِهامُ حُزنٍ : حاولت ... حاولت يا رتيل أسعدكم بس واضح أني مقدرت
رتيل وقفت بقدميْها كاملة بعد أن أعتلت أطرافها حتى تصِل لجبينْ والِدها ، غرزتْ رأسِها في صدرِ حبيبها المُتبقي و التي لم تخرج من حُبِه خائبة : يكفي أنك موجود هنا . .
،
دخَل مزرعتِه المُتسِعة لقتالٍ من نوعٍ آخر ، يعرفُ أنَّ تُركي سيستفزِه سواءً بحقيقة أو كذبة لذلك أخرج السلاح من جيبه و سلَّمهُ للسائِق ، رمى مفاتيحه و هاتفه على الطاولة الخشبية التِي يُزيِّنها مفرشُ الكُورشيه ، سَار بخطواتٍ هادئة خافتة غاضبة حاقدة مشحُونة بكُل شيءٍ بائس ، فتح باب الغُرفةِ الخلفية الخاصة بأدواتِ الزراعة و الحراثة ، ألتقت عيناهُ باللاصِق الذِي يربطُ عينا تُركي ، تمتم في داخله " أستغفرك ربي من كل ذنبٍ فعلته أعلمه أو جهلته "
وقف خلفه وفتح اللاصِق بشدَّة جعلت الهالات الحمراء تُقيم حول عيناه ،
سلطان بنظراتٍ ساخرة حادة : يا أهلاً
تُركي بلع ريقه و جسدِه النحيل المُهتَّز يُثير ريبة ملامحه التي تتفجَّر بالبياض الشاحِب ،
سلطان فتح قيدِه من على يدِيْه و قدميْه ، شدَّه من كتفه ليُوقفه و بغضب : لا تلف ولا تدور ، اللي سويته مع بنت أخوك تقوله ليْ . . . وبالتفصيل
تُركي بنبرةٍ مُتعبة : ما سويـ
لم يُكمل من صفعةٍ أدمَت شفتيْه : كذب ماأبغى ... ترك كتفيه ليُرمى على الكرسِي الخشبي الذِي مال به حتى سقط على ظهره
،
سلطان شد الكُرسي له وجلس : لا تحسب أنك بتفلت ، طبعًا تترحم على نفسك مني وبعدها الهيئة تعرف تتصرف معاك !!!
تُركي بمرضٍ يُجاهد أن يتمسك به ، لا شيء يراه سوَى الجُوهرة و عشق الجُوهرة ، وكل شيءٍ ينحدِر من الجُوهرة أُحبه و هي تُحبني ، هذه الحقيقة يجب أن يعلمها الجميع و يجب أن نٌدافع عنها حتى تُثبت في عقُول من حولنا ،
أردف : هي تحبني .. وراضية
سلطان بغضب وقف ورمى الكرسي عليه لتنكسِر إحدى سيقان الخشبْ عليه وتجرحُ جبين تُركي : مين اللي راضية ؟ .. صرخ : مين ؟
تُركي ولايشعرُ بهذا الألم الجسدي مثل ألمِ قلبه : أنت ماتحبها .. انا بس اللي أحبها .. حياتها معايْ انا .. معاي أنا .. محد بيوقف معها إلا أنا .. محد بـ
سلطان أنحنى عليه ليشدُّه من الأرضِ ويُثبته على الجدار : قلت تحبها ؟ ؟
تُركي بغضب : و أعشقها
سلطان أبعد رأسه عن الجدار ليدفعه بقوة ناحيتِه : تعشق مين ؟
تُركي بإنهيارٍ تام و موتٌ لقلبه وعقله الذِي بات مشلول لا يستطيع أن يُفكر بما يجب أو بما يُحرَّم عليه : أعشق الجوهرة .. الجوهرة ليْ أنا بروحي
سلطان وشدِّه من ياقةِ ثوبته ليدفعه للجهة اليُمنى و يتحطم من جسدِ تُركي زُجاج النافِذة وبصرخة حارقة : بنت أخوووك !! من لحمك ودمك يا *****
تُركي و جسدِه يُخدش بقطعِ الزُجاج المُتناثرة حوله : أنا أحبها و راح نقدر نعيش بدونكم .. إحنا لبعض لازم تعرف أنها ماهي لك .. ماهي لك ... هي وافقت عليك غصبًا عنها .. تبيني أنا .. رفضت مليون واحد قبلك عشاني .. عشاني أنا .. و أنا أحبها
سلطان تمنَى لو أنه لم يترك سلاحه حتى يقتله إبتداءً من لسانه الميِّت : أغتصبتها ؟ أغتصبت بنت أخوك ؟
تُركي بجنُون : لأنها حقي .. حقي أنا
سلطان وأعصابه تلفت ، تقدَّم إليه ليشدُّه من شعره الطويل و ثبَّت ذقنه عند حافة حوضُ المياه الحارَّة المُعلق : يعني أغتصبتها ؟
تُركي ولا يُبالي بشيء حتى المياه التي يتصاعدُ دُخانِها : أنا أول رجال في حياتها وآخر رجَّال .. لا أنت ولا غيرك راح يقدرون يلمسون شعرة منها .. هي لـي أنـ
أغرقه سلطان بحوضٍ تذُوب به أغصانُ الأشجار و ينعوِجُ به سلكُ المعدن المُتماسك ، أغرقه و ملامِحه تحترِقُ بالحُمرة
تُركي بصرخة : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
سلطان يرفع عن المياه : تعرف وش راح يسوون فيك ؟ بتهمة الإغتصاب والتحرش طوال الـ 7 سنوات ممكن يحكمون عليك بالقصاص وبأقرب وقت.
تُركي بإستفزاز لسلطان وعيناه يتجمَّعُ بها دمعٌ أحمر : أموت وياها
سلطان لكمه على عينِه : أنا أعلمك كيف تمُوت وياها ،
جرّ شعره إلى أن وصَل لزاويةٍ أُخرى ، ضغط على زرٍ لتتحرَّك أعوادٌ من الحديد متينة تصطدمْ بسلسة من الحديد أيضًا ، لو وضع قطعةٌ معدنية لتفتت بهذه الآلة ،
تُركي أتسعت محاجره الحمراء وهو ينظرُ لحركةِ الآلة المُخيفة ،
سلطان وضع ذراع تُركي على طاولة الألمنيُوم الحارِقة : تقولي كل شيء ولا بتودِّع أصابعك !!
تُركي : طلقها هي مـا
سلطان يُقرب الفكوك الحديدية منه : جاوب على قد السؤال
تُركي وينظرُ لهذه الآلة التي تقترب : هي جتني
سلطان : كيف ؟ .. بصرخة أردف : تكلم زي الناس
تُركي برجفة : كانت قريبة مني حيل و بوقتها كانت راجعة من عرس و عندها إختبارات الثانوية .. راح عبدالمحسن وزوجته للرياض وتركوها عندي أنا وريان .. شفتها و .. . . هي أغوتني .. هي اللي جتني في ذيك الليلة وقالت لي محد موجود و أننا نقدر نعيش زي مانبي .. و إحنا نحب بعض .. 7 سنين إحنا نحب بعض ومحد له علاقة فينا .. رفضت كل اللي جوها عشاني .. و لما جيت أنت ضغط عليها أبوها وريان و وافقت و .. حتى قبل كم أسبوع جيتها في بيتك .. و ودعتني وقالت بأقرب وقت راح آ . .
لم يُكمل من لكمةٍ في أنفه جعلته يسقط على الأرض وهو يتذكَر ذاك اليوم التي أمتلأ عُنقِها بحُمرةِ قُبلاتها ، لو أنِي ذبحتها في يومها لكان أفضَل.
تُركي : إذا هي داشرة أنا وش دخلني ؟ أنا زيي زي غيري نشوف بنت أكيد بـ
حذف عليه علبةُ المسامير لتنزف ملامِح تُركي من كُل جانب ، شدّه من رقبته ليُوقفه وحرارةِ أنفاس سلطان تكاد تحرقُه من جديد : تشوف بنت تآكل تبن و ماتقرب لها .....
دفعه على الأرض الممتلئة بالمسامير : هالحكي بتقوله قدامها عشان تنذبح وراها ....
خرج و وصَّى الحارِسُ عليه ، أقترب من الطاولة المُثبتة على الأرضِ الخضراء المزروعة ، أخذ هاتفه و ضغط على " الجوهرة "
هِي غارقةُ في البُكاء الصامت الخافت و كفِّها أسفَل خدِها ، تنظرُ لهاتِفها الذي يهتزُ على الطاولة ، تجاهلته وهي تتأمله.
دقائِق حتى مدَّت يدِها بضيق و ما إن قرأت " سلطان " حتى أرتعشت أطرافِها و قلبُها ينتفض ويعلقُ بقفصٍ هزيل مُتعب ، ردَّت برجفة و دُون أن تنطِق شيء و أنفاسِها المُرتفعة هي من تصِل إلى مسامِع سلطان.
سلطان بحدَّة : تجهزين نفسك بكرا الصبح تكونين عند الباب
الجُوهرة بهدُوء : أتفقنا على الطلاق
سلطان بصرخة ألجمت الجوهرة : طلاق يآخذك لجهنم الحمرا أنتِ وياه .. تشوفين حل مع أبوك مع أي زفت عندك والساعة 6 أنتِ عند الباب ... وأغلقه.
سلطان وضع سلاحه في جيبِه و مفاتيحه و . . . . أتجه حيثُ طريق الشرقية ،
هُناك أرتطم فكيْها ربكة و خوفْ ، سيقتلني لا مُحال .. لِمَ يطلبنِي وهو قد أتفق على الطلاق مع أبي ؟ ماذا يُريد بيْ ، لو لم أخرج له سيفضحني عِند أُمي و ريَّــان ، لكن أبي ؟ كيف أُقنعه ! لن يوافق ولن يستطِع سلطان أن يجبُرني ولكن سيصِل بنا إلى طُرق مسدودة !! ستنتهي علاقاتٍ كثيرة منِّي ، إن كان يُريد الطلاق إذا لِمَ يُريد أن يراني ؟ رُبما لم ينتهِي من ثقب جسدِي بكدماتِه ، يالله يا سلطان كيف تُريدني أن أخرجُ لك دُون علم أحد ؟
،
على أطرافْ القصيم ، جسدِها مُتعب من السيارة التي كسرَت ظهرِها ، كتبتْ له العنوان : هذا هو
يُوسف : طيب على مانوصل حايل بتكون الساعة 4 والناس نايمة
مُهرة و لا فكرةً لديها أو رُبما لا تُريد أن تُفكِر ، تنهَّدت : وش نسوي ؟
يُوسف بإرهاق : ننام في القصيم وبعدها نمشي لحايل
مُهرة : طيب
دقائِق طويلة حتى وصلُوا لأولِ فُندق واجههم على الطريق ، يُوسف : بشوف إذا فيه غُرف فاضية .. نزل وتركها تغرق في تفكيرها.
تأملتهُ حتى دخل ، وضعت كفِّها على بطنها و هي تدعي بأن يصرف عنها السوء ، مشاعر مُتشابكة مُلخبطة و الأكيد أنَّ يُوسف ليس بالزوج المُناسب لها.
كيف ستشرح لوالدتها الموضوع بأسلوبٍ سلس يُقنعها ؟ يالله كُن معي و أحميني من عبادِك الضالين ،
تُفكِر لو تقدَّم لها يُوسف في ظروفٍ أجمل ؟ كـ زواجٍ تقليدي إعتياديْ ، هل كانت ستوافق عليه ؟
رُبما لأ ولكن ماهي أسبابي ؟ الدراسة ليست حجة مُقنعة ، ذو أخلاق و طيِّـب و . . . جميل.
عقدت حاجبيْها من تفكيرها فيه وفي صفاتِه ، سيء . . رُبما كنت سأُخدع به و بصفاتِه هذه ، هزلِي لا يحتمِلُ الجدّ كان سيقهرني كثيرًا في تصرفاتِه الهزليـة و لن أتحمَّل ، أيضًا عائلته ليست بتلك الجمال حتى أُخالِطهُم و يجتمع مع أخيه تحت سقفٍ واحد و نظامٌ يقتُلني أن تُحاصرني غُرفة واحدة أو رُبما جناح ولكن أيضًا لا تكفي حتى أرتاح في منزلي.
لا شيء في يُوسف يُغري للحياة معه ، ألتفتت على الباب الذِي يُفتح : لقيت غرفة
نزلا معًا متوجهين للطابق الرابع حيثُ غُرفتهم الفندقـية ، يُوسف رمى نفسه على السرير وفي المنتصف أيضًا ، مُتنهِدًا براحة حتى أنه لم ينزع حذائه .
مُهرة تتأمل لثواني معدودة الغرفة الضيـقة نوعًا ما ، أخذت نفسًا عميقًا : ممكن تخليني أنام ؟
يُوسف بصوتٍ ناعس : أفصخي جزمتي وببعد
مُهرة بعصبية : نعععععععم ؟
يُوسف : زوجك !! ماراح ينزل من قدرك شي
مُهرة : ماأنحني لك
يُوسف بسُخرية : يامال الضعفة والله .. أقري وتثقفي وش كانوا يسوون نساء الرسول عليه الصلاة والسلام
مُهرة تكتفت : عائشة رضي الله عنها قالت عن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ..
يُوسف بعناد وضع الوسائد أسفَل رأسه و أغمض عينيْه.
مُهرة بجدية : من جدك بتنام ؟ طيب وأنا وين أنام ؟ حتى مافيه كنبة هنا !! بعدين تعبت من الطريق ... قوم
يُوسف ولا يردُ عليها ،
مُهرة تنهَّدت بغضب لتجلس على طرف السرير و تنزع طرحتها و تضعها على الطاولة ، أردفت : يعني كيف ماأنام اليوم ؟ ترى دعوة الصايم مجابة
يوسف وهو مُغمض عينيْه : منتي بروحك صايمة حتى أنا صايم
مُهرة وقفت لتنزع عبايتها ، رفعتها وبإرتفاعها بدأت بلوزتها الليلكية بالإرتفاع ، فتحت عيناها و نظرات يُوسف الضاحكة جعلتها تعض شفتِها و ترمي عليه العباءة : قليل أدب
يُوسف صخب بضحكتِه : ههههههههههههههههههههههه تصبحين على خير
مُهرة تفتح شعرها و تسحب وسادة أسفَل رأسه لتستلقي بجانبه ولو أزاحت قليلا لسقطت من السرير ،
يُوسف الناعس أستعدَل بجلسته ليرمي حذاءه عند الباب و يعُود تارِكًا مجالا واسعًا لمُهرة ، نامَا و ظُهورِهم تُقابل بعض.
،
أشرقت شمسٌ خجلى تُداعب السُحب في سمـاء المملكـة الـعربيـة الفاتـنة ،
طفلٌ يُريد الحيـاة و قلبُه ينبضُ برقةٍ نحو أُمه ، يعضُ جُدران رِحمها طالبًا الدُنيـا ، تنظُر لحبيبها الأوَّلُ و الأخير ، زوجُهـا الطيِّب العذب ، ما كان الحُب يومًا إختيارًا ، طفلِي سأُعلمه كيف تجعلُ الحُب يختارك بالزواج و أنَّ من يختار الحُب له نارٌ في يومٍ لاريب فيه ، سأُعلمه كيف الجنـة تتسع للمُتحابين في الله ، سأُعلمه كيف الحياة جميلة بالحلال و برضا الله ، سأُعلمه كيف أن ظُلم النفس شديدًا ولا يكُون ظُلم النفس الا بمعصية الله ، سأُعلمه كيف أنَّ الجنةٍ طُرِد منها آدم بسبب تُفاحةٍ فلا تُتقل القول ويفلتُ منك الفوزُ العظيم ، سأُعلمه كيف أُحب والِده و كيف أنتظرناه ؟ سأُعلمه كيف يتفادى الخيبات ؟ سأُعلمه كيف أنَّ كثرة الأصدقاء شقاء ، سأُعلمه عن البهجة و الدهشة .. وكل الأشياء الملوِّنــة الجميلة.
أمام المرآة يُعدِّل " نسفة " غترتِه ، بصوتٍ هادىء : يمكن اليوم أتأخر بالدوام لأن يوسف ماهو موجود
نجلاء تنظرُ له بلمعةٍ عينيْها المُضيئة حُبًا ، وضعت كفِّها على بطنها : منصور
منصور و عيناه على المرآة : همممم
نجلاء بفرحة عظيمة رُغم كل الألم الذي تشعرُ به و التقلصات في بطنِها ، دمَّعت عينها خوفًا و رهبةً و فرحةً وبهمس : بُولد
منصور ألتفت عليها ليسقِط " عقاله " : وشششش ؟
نجلاء و دمعتها تسقط و برهبة من التجربة الأولى و ربكة : آآ .. مدري ألم ولادة ولا شيء ثاني ؟ .. أنحنت بظهرها قليلا من شدة الألم
منصور أخذ عقاله ، و بمثل ربكتها : لحظة !! هو فيه فرق بالألم ؟
نجلاء بتوتر : منصوووور
منصور حك جبينه : يعني نروح المستشفى ؟
نجلاء : لحظة .. راح .. لألأ
منصور بعصبية : كان لازم نآخذ ورقة مكتوب فيها كيف نعرف أنه هذا ألم دلع ولا ألم طلق
نجلاء بإبتسامة شقية في كومةِ ألمها : ماودِّك تآخذ ورقة بعد مكتوب فـ .. لم تُكمل من ألمٍ شعرتْ وكأنه سهمٌ ينغرز بها .. آآآه
منصور يجلس عند ركبتيْها وعيناه على بطنِها المُتكوِّر وبهمس : بتولدين . . قرَّب شفتيْه من كفيْها التي تُحيط بطنها ، قبَّلها : ثواني . . أخذ عبايتْها و . . . ربكة كبيرة تطفُو على مُحيطهم ، إنه الطفل الأول ، الضحكة الأولى ، و " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " يا عذُوبـة النطق الأول و ماما / بابا من فمٍ مُتغنجِ بالبراءة ، يا سيلانُ الطُهر في أحشائِي ، يا طفلي.
،
أقتربتْ من طرفِ حُفرةٍ عميقـة ترمِي بجمراتٍ من نار بيضاء و دُخانٌ بارِدٌ يتصاعدُ مِنها ، خلخلت أصابعُ اليمين باليسار لتضُم كفيْها نحو صدرِها و عيناها تسقطُ دمُوعًا كـ حُبيباتِ ثلجٍ باردَة تستقرُ في القاع و تُشعل النيران مرةً أُخرى.
الهواءُ يُداعب شعرهِـا البُندقي ، و .. تكاد تنزلقْ ، يذُوب الصخرُ بجانِب قدميْها لحممٍ بُركانيـة ، أنـا أنزلق.
أفاقت و أنفاسها تعتلِي سقف غُرفتها ، صدرها يهبط و يرتفع بشدَّةٍ تخترقُ قلبها المُنتفض ،
بللت شفتيْها الجافة بلسانِها و هي تنظرُ لِمَ حولها ، لطالما آمنتُ برسائِل القدر وأنَّ الصُدف وسيلة لهذا القدر.
لطالما قُلت بأنَّ كل كلمةٍ تسقط عليها عيني هي " رسالة من الله " ، أؤمن بكل هذا.
الله غير راضٍ عنِي ، الله يُمهلنِي وقتًا ولكن لا يهُملني ، الله يُريد التوبة لي كما يُريد التوبة لعباده ولكن لن ينقصُ منه شيئًا ولن يضره إن كفرنـا به فهو غنيٌ عنـَّا ونحنُ الفقراءِ إليه ، الله لم يُوحي لي بهذا الحلم إلا لسبب ، الله لم يجعلني أقرأ ذاك الكتاب الا لسبب ، الله لم يجعلنِي أدخل ذاك الموقع و المنتدى إلا لسبب .. الله لم يُبقيني حيَّـة إلى الآن إلا لحكمةٍ ورُبما حسب عقلي الصغير " الله يُريد ليْ حُسن الخاتمة " ، رُبما هذه خاتِمتي . . رُبما الموتُ يقترب مني ويجب أن أُحضِّر لآخرتي.
يتصبب من جبينها حُبيباتِ العرق المُتشبثة بها و النُور يعكسُ لمعة البرونز من على ملامِحها.
يالله يا عزيز ما أنت فاعلٌ بي ، أبعدت فراشها عن جسدِها لتقف أمام المرآة ، يجب أن أكون قويَّـة ، هذا الحُب أنتهى ، هذا الحُب يا رتيل أنتهى ، هذا العزيز أنتهى ،
" أرادت أن تقسُو على نفسِها بكلماتِها " ، عزيز لا يستحقني ، عزيز لا شيء ، عزيز يُريد إذلالي و أنا لستُ في موضع ذُل ، عزيز يا رتيل " بحّ " ،
أخذت نفسًا عميقًا وهي تشعُر بأنها تخدع نفسها ، لن أضعف مرةً أُخرى ، لن أضعف لو كلَّف الأمرُ الكثير ، ليغرق في معاصيه لستُ مُستعدة أن أغرق معه . . و أنا لستُ طوق نجاةٍ لأحد و لن أُساعد أحد ، لستُ طيبة و صالحة بما يكفي حتى " أرحمُ " رجُلاً مثل " عبدالعزيز ".
دخلت الحمامْ لتستحِم بدقائِقٍ طويلة دافِئة و كأنها تُريد أن تظهر بوجهٌ آخر وإن كان تصنُعًا ، وإن كان تمثيلاً ، لا مكان لعبدالعزيز في حياتي و لا يستطيع أن يُجبرني على شيء.
رتيل الإنهزاميــة يا عزيز " ماتت ".
فتحت دُولابها لتسقط عينها على قميصه ، أخذته و مزقتهُ بيدِها لتأخُذ كحلها الأسوَد وتكتُب عليه بمثلِ قول غسان كنفاني الذي يُحبه هو و " بقرته " ، كتبت " إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة . . مثلك تمامًا يا عبدالعزيز ، كُنت حيًا و صالِحًا لأن تقع في حُبك أيُّ أنثى و لكن الآن لم تعُد سوى ميتًا يقعُ في حُبك مُخلفاتِ البشر كـ أثير .. مبرُوك أتمنى لكم قبر سعيد "
لملمت قطع القميص الممزقة ووضعت الكُم في الأعلى حيثُ كلماتِها المكتُوبة ، أرتدتْ ملابِسها ،
و وقفت أمام المرأة لتلمُّ شعرها المُبلل والملتوِي حول بعضه مُتشابكًا ، رفعت حاجِبها " لِمَ لا أهتم بنفسي ؟ لا أحد يستحق أن أحزن عليه ، تعلمي اللامُبالاة يا رتيل " جففت شعرَها و أخذت نفسًا عميقًا من هذا الجُهد البسيط لترى شعرها و كأنَّ قُنبلةٍ ما أخطأت الإتجاه و أنفجرت به ، تأملت نفسها قليلاً لتُداهم خيالاتِها أثير بشعرِها الناعم ، و لِمَ أكُون شبيهة بها لأنال رضـا عين عزيز ؟ لا يهُمني ، في حديثٍ خافت " كل الناس يبون الكيرلي وأنا طبيعي "
تمتمت : إلا الرجال و العجايز
تنهَّدت و تفننت بشعرها دُون أن تستعمل السرامِيك و تُنعمه ، أخذ خصلتيْن من الجانبين لتربُطهما في بعضهما وتركت شعرها بمثلِ إلتوائِتها ماعدا أنه أكثرُ ترتيبًا.
رطَّبت ملامِحها و أخذت القميصُ الممزق ونزلت للأسفَل بخطواتٍ هادئة ، نظرت لأوزدي : عبدالعزيز راح الدوام ؟
أوزدي : no
مدَّت لها القميص : tell him it's a gift
أوزدي أبتسمتْ و خرجت متوجِهة إليه ، ركضت رتِيل لنافِذة الصالة الداخلية المُطلة على بيتـه من جهةِ غُرفته ، لا شيء يكشفُ له ملامِحه حتى تراه بوضوح ، أخرجت هاتِفها الآيفون لتفتح تويتر و لا تعرف كيف توجهت لإسمها على الرُغم من أنها تُريد التجاهل قرأت تغريداتها لليوم " العُمر يُقاس بالتجارب " و كجنُون رتيل تمتمت بسُخرية : حكيمة ماشاء الله .. جايبة شي جديد
أوزدي : good morning
عبدالعزيز دُون أن ينظِر لها مُنشغل في تركِيب هاتفه الذي رماهُ صباحًا عندما رفع فِراشه ، بعد ثواني طويلة رفع عيناه لها ،
أوزدي : miss ratel told me that it's a gift to you
عبدالعزيز وقف ليقترب ويأخذُ القميص الممزق من بين يديْها ، أوزدي : have any Orders؟
عبدالعزيز هز رأسه بالرفض لتخرُج أوزدِي ، لم ينتبه للكُم المكتُوب عليه ، مالمقصُود من حركتِها هذه ؟ ما الذي تُريد أن تُوصله إليّ ؟ و . . أنتبه بكلامٍ بخطٍ مُتعرج أسود ، أمال برأسه قليلاً ويقرأ ما كُتب به لتعقد على حاجبيْه علاماتُ الغضب ، عض شفتِه بغضب ،" أجل أنا ميت يا آنسة رتيل ؟ " طيب يا بنت أبُوك بعلمِك كيف قبري سعيد "
أخذ هاتِفه و بأصابعٍ غاضبه يضغط على إسمِ " أثير ".
،
طل من شباكِه على الحركة المُثيرة للشك في جنباتِ حديقتهم الكئيبة ، هذا القصر يُؤمن بكل شيء عدا الحُريــة.
أخذ كتاب " لا أشبه أحدًا لـ سوزان عليوان " أستلقى على سريره و غارقٌ في القراءة و عيناه تلتهمُ الأسطر حتى وصَل لـ " هذه التعاسةُ الرماديّةُ في عينيك ما سرُّها؟ وماذا أستطيعُ أن أفعلَ كي ألوّنَها؟ "
أتته عبيرُ على جناحٍ وثِير يُلتمسُ به خيالِه ، فتح هاتِفه الذي لا يضمُ رقم أحدٍ سواها ولا رسائِلُ إلاها.
كتب لها مِثل ما كتبت إبنةُ عليوان و " إرسال ".
في حصارٍ من نوع آخر كانت تتأملُ السقف منذُ ساعتيْن ، أهتز هاتِفها و قطع خلوتِها القلبيـة مع أفكارِها المُتشابِكة ،
رفعت هاتِفها وهي تفتحُ الرسـالة لتتشبَّع عيناها ريبةً ، نظرَت لِمَ حولِها ، كيف يعرفُ حتى الحُزنَ إن رمَدت به عينايْ ؟ كيف يعرفُ تفاصيل قلبي الدقيقة ؟ كيف يعرُفنِي بشكلٍ لاذع هكذا ؟
لا عودة يا عبير ، الحرام إن أنتهى بحلال يكُن بائِسًـا يمُوت عِند أولِ مرضٍ ينهشُ بجسدِه ، الحلال دائِمًا مايكُون ذُو مناعةٌ قويـة .. تذكر هذا يا قلبي ، تذكَّر بأن لا ردَّةٌ تجذُبني لهذا الرجُل.
،
قبل 4 ساعاتْ ، الساعَة تُشير للخامِسة فجرًا و بُضعِ الدقائِق ، أتصَلت عليه مرارًا ولا رَد ، نزلت بخفُوت إلى الأسفَل و الظلامُ يُسدِل ستاره على الطابِق بأكمله ، جلست في الصالة المُطلة على " كراج " بيتهم حيثُ سيارة والِدها و ريـان ، أرسلت له رسالة " لازم نتفاهم " . . مرَّت ساعة و أيضًا لا ردّ مِنه ، مُشتتة هل تُخبر والِدها وهو يتصرف معه ؟ ولكن إن أيقظته الآن سأُثير الشك في نفسِ أُمي ، بدأتُ بالدعاء كثيرًا أن يستُر الله عليها و يرحمها برحمته التي وسعت كُل شيء.
بلعت ريقها ورجفَة سكنت أطرافِها عندما أهتز هاتفها بين كفيْها ، ردَّت وحاولت أن تتزن بصوتِها : سلطان ..
لم يعطِيها مجالاً واسعًا وبحدة : اطلعي برا
الجُوهرة بتحدي : ماراح أطلع ، أدخل للمجلس لازم نتفاهم أول
سلطان ببرود : كلمة وحدة .. أطلعي برا أحسن لك
الجُوهرة أخفت ربكتها : ماراح أطلع
سلطان عض شفتِه بغضب : الجوهرة لا تستفزين أعصابي
الجُوهرة : اللي بيننا أنتهى ،
سلطان بحدة وبين أسنانه المشدُودة على بعض : أطلــــعــــــي
الخوفُ يدبُ في نفس الجوهرة : مقدر أبوي نايم
سلطان بصرخة : أنــا زوجك !!
الجوهرة وقفت و هدبيْها يرتجفَان : و راح تكون طليقي ماينفع تشوفني و دام أتفقت مع أبوي ليه تجيني الحين !!
سلطان بهدُوءٍ مُناقض لغضبه : تحسبيني جاي من شوقي لك ؟ أنا عندي حساب معك ماخلَّص ، ولا أبي أسمع منك كلمة ثانية .. ثواني وأشوفك برا ولا ماراح يحصلك خير
الجُوهرة بعد صمتٍ لثواني طويلة وهي تسمعُ لأنفاسه الهائجة : لأ .. يا سلطان
سلطان بغضب كبير : قسم بالله وأنا عندي حلفي لا أخليك معلقة لا أنتِ مطلقة ولا متزوجة ... أطلعي أحسن لك
الجُوهرة و لأن ما يربُطها به " هاتف " تجرأت أن تحكِي له ما لا تستطيع أن تقُوله أمامه : ما هو على كيفك
سلطان : قد هالحكي ؟
الجوهرة : حل اللي بيني وبينك مع أبوي و
سلطان قاطعها بصرخة زعزعت طمأنينتها : الجــــــــــــــوهـــــــــــــــرة !!!
الجُوهرة برجاء : طيب بالمجلس .. ماراح أركب معاك
سلطان بعد صمتٍ لثواني : طيب .. وأغلقه في وجهها ، نزل من سيارتِه متوجِهًا للمجلس المفتُوح و المفصُول عن البيتِ تقريبًا.
أرتدت الجُوهرة عبائتها و طرحتها دُون نقابها ، فقط غطت ملامِحها البيضاء من طرف الطرحة ، دخلت المجلس لتلتقي عيناها بعينْه ،
وقفت في آخر المجلس و أنظارِها المُرتبكة تحمَّر كالقُرمز ، بلعت غصتِها لتنطق بهدُوء : آمرني
سلطان و عيناه تخترقْ تفاصِيلها الصغيرة كالسهام ، أكان موتُ الحلم في مهدِه جريمة ؟ ماذا يعنِي أنَّ تمُوت الأخلاقُ في الطُهر ؟ ماذا يعنِي أن تمُوت الأمانة في الحياة ؟ ماذا يعنِي أن أرى الخيانة بكامِل إتزانها أمامِي ؟ ماذا يعني أن أشهدُ على هذه الخيانة !!
وقف ليُربك الحواسِ الضيِقة في الطرف الآخر ، : راح نروح الرياض
الجوهرة أبتعدت أكثر : لأ
سلطان و خطواتِه تتراقص على أعصابُ الجوهرة و تقترب
الجوهرة و أسهلُ وسيلة أن تهرب الآن ، مشت بسُرعة نحو الباب ولكِن سبقها سلطان وهو يقف أمامها وبسخرية مُتقرِفًا منها : عندي لك مُفاجآة
الجوهرة أنفاسها تضيق ، بربكة حروفها : سلـ ..
صرخ :لآتنطقين أسمي .. ماأتشرف فيك
الجُوهرة و سقطت حصُونِ أهدابها لتبكي : دام ماتتشرف فيني أتركني
سلطان يشدُّها من يدِها لتقترب منه و تحترِق بحرارةِ أنفاسه : صدقيني لا أنتِ ولا هو راح تتهنُون بعد قرفكم هذا !!
الجُوهرة بنبرةٍ موجوعة : فاهم غلط
سلطان بغضب : تدرين وش أكثر شي مضايقني في الموضوع ؟ أنك تمثلين الطهر و أنك حافظة لكتابه !!
الجوهرة أبتعدت حتى أصطدمت بالتلفاز : لا تقذفني كذا .. حرام عليك
سلطان : أقذفك باللي قاله المعفن عمك !! كل شيء قاله لي
الجوهرة بذبول همست : وصدقته ؟ .. كذاب والله كذاااب
سلطان يشدُّها من زِندها ويضع الطرحة على ملامحها الباكية : ولا همس !!
دفعها في المرتبـة الأمامية بجانبه حتى يحكُم سيطرته عليها ، ربط الحزام عليها بطريقةٍ خاطئة حيثٌ شدُّه حول الكُرسِي ومن ثُم أدخله في مكانِه ليُبعد عنها كل محاولة للمقاومة والحركة ، تحرَّك متوجِهًا للرياض غير مُباليًا بتعبه وإرهاقه ،
أخفضت وجهها الشاحِب والبُكاء يغرقٌ كفوفها المُقيدة بالحزام ، أيُّ قسوةٍ هذه يا سلطان ؟ إن كُنت في شهرِ العبادة تفعل هكذا ماذا تركت لبقية الشهور ؟ في كل يوم أكتشف بك جانبًا سيئًا و أكثر.
،
بضحكةٍ صاخبة تُقلدها لتُردف : يازينها بس وأخيرًا عبود راح يجي
الأمُ الهادِئة على سجادتها تدعِي بكُل صِدقٍ على أنه يُسهِّل على نجلاء ولادتها ،
ريم بتوتِر : يا حياتي يقولون يمكن عملية ... يارب تسهِّل عليها
هيفاء بفرح : وش فيكم خايفين ؟ أنبسطوا بس وأفرحوا .. على قولتهم العيد أتى باكِرًا
ريم تنهَّدت : جد رايقة ، الحين صار لها 5 ساعات ، شكلهم بيولدونها بليل
هيفاء بعبط : يووه قهر أجل بنام وصحوني لا ولدت
ريم : أنقلعي بس
هيفاء بتجاهل لريم : ليت يوسف موجود أشهد أني بقضيها ضحك وياه على شكل منصور
والدهُم دخل : ما ولدت ؟
هيفاء : هههههههههههههههههه يعجبني الجد المتحمس
والدها بإبتسامة : هذا ولد الغالي وحفيدي الأول
هيفاء : بدأ التمييز من الحين ، الله يعين عيالي بكرا
ريم : هذا إذا تزوجتي إن شاء الله
هيفاء : بسم الله على قلبك يالزوجة الصالحة !!
،
في هدُوءٍ يتأملها وهي واقفة أمام البحَر والموجُ يرتبط بقدمِها ، لا تخشى الموت و لا الغرق ، جاِلس على بُعدٍ منها بعدةِ أمتار ، لو أنَّ هذا الموجُ يبتلعنِي ، لو أنني أرجُو الله للحظةِ فرحٍ أُصبِّر بها قلبي لسنواتْ ، كيف أخترقُ اليأس بأمل ؟ علمتُ المئاتْ من مرضى و طُلاب عن التفاؤل و الأمل و الأحلام وعجزتْ أن أتمسكْ بأملٍ واحد ، يُحزنني أن أكُون في هذه الحالة الوضيعة ومن ثُم أأمرها كيف تحلمُ بـ غد وأنا عاجزٌ عن إنتظارِ الغد.
يالله يا رُؤى ، تسرقين التفاصِيل لتنحازُ لأجلِك و فقط ، يجب أن أعترف في هذه اللحظة أنني أحببتُك في وقتٍ كانت الحياة لا تحتاجُ لحُبِ طبيبٍ ضائع لا يعرفُ كيف يُلملم شتاته مع أحدٍ إلا قلبه ، في وقتٍ كُنتِ تحتاجين به إلى الصدق و الفرح.
لم يفِي قلبي بوعُودِه بالرحيل ، بقيتُ بجانِبك ومازلت لأجلِ " الإنسانيـة " وأنا أُدرك تمامًا أن الأرض لن تتنازل عن قطعةٍ من خمارِها يُغطينا و يجمعُنا.
ألتفتت عليه و أبتسمت وبصوتٍ شبه عالٍ ليصِل إليْه : تدري وش أحس فيه ؟
وليد بادلها الإبتسامة : وشو ؟
رؤى : تفكر كيف هالحياة قاسية عليك
وليد ضحك بوجعٍ حقيقي ، أردف : تقرأين أفكاري .. وقف ليقترب مِنها ،
رؤى : الجو اليوم حلو بس غريبة مافيه أحد هنا
وليد : عندهم داوامات ، .. زهقتي ؟
رُؤى هزت رأسها بالرفض : لأ ... وليد
وليد : سمِّي
رؤى : ينفع نروح السعودية ؟
وليد رفع حاجبه إستنكارًا : ماتقدرين !! كثير أشياء راح تمنعك أبسطها الجواز
رُؤى بضيق : كنت أقول يمكن فيه حل
وليد وصدرِه يشتعل حُرقة من كلامٍ لا يُريد أن يقوله ، أحيانًا نخيطُ لأحدهُم راحةً و نحنُ جرحَى نُعرِي أنفُسنـا : أرجعي رؤى اللي تبينها وبعدها تقدرين تكلمين السفارة و تطلبين منهم وهم راح يبحثون عن أهلك
رُؤى : مو قلت أنه ماقمت أسولف لك عن أهلي ؟
وليد : الأدوية جايبة مفعولها قبل لايتطوَّر عندك موضوع إنفصام بالشخصية لكن بعد إلى الآن ، بين كل يومين ترجعين لسارا مدري مين .. وتكلميني على أساس أني أخوك
رُؤى تنظرُ للبحر و عيناها ترجف : تحمَّلني
وليد أدخل كفيْه بجيُوبِه ، ألتزم الصمتْ لا يُريد التعقيب و يجرح نفسِه أكثر ، " تحمَّلني " هذا يعني أن وقتًا مُعينًا و سأختارُ طريقةً أنيقة للوداع.
أتاهُ طيف والِدته الشقراء ، مُتأكد لو أنني شكوتُ لها لأغرقتني نُصحًا وفائِدة ، مشى بجانِب المياه و قدماه العاريـة تُغرقها المياه تارةً وتارةً الرملُ يتخلخل به ، عينـاه أحمَّرت و مثل ما قال الشاعرُ محمَّد " من يوصف الدمعه اللي مابعد طاحت؟ "
ألتفت على رؤى بإبتسامة ضيِّقــة : يالله أمشي
،
أخذتْ لها حمامًا دافِئًا ، أرتدت ملابِسها على عجَل وهي تُلملم شعرها المُبلل على هيئةِ " حلوى الدُونات " بصوتٍ مازال مُتعب : يُوسف .. يــوسف .... أووف .. يوووووووووووووسف
وكأنهُ جثـة لا يتحرَك ، أتجهت للحمام لتُغرق كفوفها بالمياه و بدأتْ بتبليل وجهه : يالله أصحى تأخرنا
يُوسف بإمتعاض : فيه وسيلة ألطف تصحين فيها الأوادم ؟
مُهرة بإبتسامة : للأسف لأ
يُوسف تأفأف مُتعب يحتاج أن ينام أسبُوعًا ، فتح هاتفه لينظرُ للساعة ولفت نظرِه مُحادثةً من هيفاء ، فتحها و أعراسُ من الأيقونات لم يفهمها عدا الكلمةُ الأخيرة " أرجع لا يطوفك الدراما اللي في البيت ... بتصير عم يا شيخ "
يُوسف أتسعت إبتسامته و الفرحة تُعانق عيناه ، أتصل بسُرعة على هيفاء لترد هي الأخرى بثواني قليلة : لازم هدية بالطريق على هالبشارة
يُوسف : ولدت ولا للحين ؟
هيفاء : على كلام أخوك الصبح إلى الآن ماولدت
يُوسف بفرحة ضحك : ههههههههههههه الله
هيفاء وتُشاركه " الهبال " : ههههههههههههههههههههههه وأول حفيد بالعايلة
يُوسف يحك جبينه : راح أرجع بعد المغرب بس أكيد بوصل الفجر هذا إذا ماوصلت الصبح
هيفاء : أجل بيطوفك
يُوسف بخبث : تكفين أوصفي لي شكل منصور
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طلع خوَّاف
يُوسف : ههههههههههههههههههههههههههه قههر كان مفروض أشهد هالخوف عشان أذل عمره فيه
هيفاء : أرجججع بسرعة اللي هنا كآبة كأننا بعزا
يُوسف : بوصِّل مُهرة و برجع على طول
هيفاء : طيب بإنتظارك
يوسف : يالله أقلبي وجهك .. وأغلقه ضاحِكًا ،
مُهرة وفهمت أنَّ نجلاء أنجبت لهُم حفيدًا ، لم تهتم كثيرًا فمازالت تكرهها وتكره كل فردٍ في عائلةِ يُوسف ، أردفت بهدُوء : أستعجل عشان ماأتأخر ولا أنت تتأخر
،
في ضحكةٍ فاتـنة غاب بها من غاب يبقى القمرُ حاضِرًا و لن يضرُه نومُ النجُوم ، داعبت أنفه بأصبعِها : يا زعلان حنّ شوي علينا
ناصِر غارقُ في الكتابة وبنبرةٍ هادئة : أبعدي عني خليني أكتب
غادة : ماأبغى لين تقولي أنا راضي وعادي عندي
ناصِر ألتفت عليها : ماني راضي ولا هُو عادي
غادة تسحب القلم بين أصبعيه وبإبتسامة شقيَّـة : وش تبي أكثر من أني أعتذرت لسموِّك ؟
ناصِر سحب القلم منها مرةً أُخرى : شفتي الباب .. لو سمحتِ خليني أكمل شغلي
غادة وتُمثل الضيق : تطردني ؟
ناصر : للأسف
غادة ضحكت لتُردف : أنا أقرأ قلبك و قلبك يبيني
ناصِر رُغمًا عنه إبتسم ، دائِمًا ما تُفسد غضبه بكلماتِها الدافئة : بس إلى الآن متضايق من الموضوع ! على أيّ أساس تركبين معاه
غادة : والله أنه الكعب أنكسر ومقدرت أمشي وبعدين الطريق طويل وهو عرض عليّ مساعدته وكانت موجودة أخته يعني ماأختليت فيه ولا شيء .. يعني مُجرد زميل مابيني وبينه الا السلام
ناصر : منظرك مقرف وأنتِ تنزلين من سيارته
غادة بغضب : أنتقي ألفاظك
ناصِر تنهَّد و أكمل كتابـة : غادة لك حُريتك وخصوصيتك بس في خطوط حمراء وعادات ماتتجاوزينها لو أيش !!
غادة : يعني تبيني أمشي لين البيت وكعبي مكسور ممكن أطيح في أي لحظة وساعتها بتمصخَّر قدام العالم والناس
ناصِر : أكسري الكعب الثاني وتنحَّل
غادة : تستهزأ ؟
ناصِر : بالله أتركيني ماني ناقص وجع راس
غادة وقفت : طيب .. زي ماتحب طال عُمرك !! بس عشان بكرا لو قابلت إساءاتِك بإساءة نفسها ماتقولي ليه كل هالحقد وتشيلين بخاطرك ؟
ناصر ببرود : سكري الباب وراك
غادة تنهَّدت بغضب ودفعت كُوب الماء من على الطاولة بهدُوء ليتناثر الماء على أوراقه التي تعب عليها : مع السلامة ..
ناصر بعصبية : غـــــــــــــــــــــــــــــــــــادة
غادة أخذت حجابها لترتديه ولكن يدٌ من حديد شدَّت ذراعِها بقوةٍ آلمتها : وش هالحركة إن شاء الله ؟
غادة رفعت حاجبها : أترك إيدي .. توجعني
ناصِر لوَى ذراعها خلف ظهرِها وهو يهمسُ في إذنها : هالحركة ماتنعاد معي .. ويالله أكتبي كل اللي كتبته والله ماتطلعين الا لما تعيدين كل هالأرواق
غادة سحبت ذراعها وهي تحِكه بألم : يالله يا ناصر توجعني
ناصر بإبتسامة خبث : عشان ثاني مرة تحسبين حساب هالحركات
غادة جلست و هي تُمسك أوراقًا جديدًا وتتأفأف كثيرًا ، ندمت على فعلتِها ولكن لم تتوقع منه أن يُجبرها أن تكتب كل هذه الأوراق ، جلس بجانِبها يتأملُ خطِها و يُحلله كيفما يُريد ، أخَذ مع عبدالعزيز دورة في علم تحليل الخطُوط ولكن خرجُوا " بالفشل " عندما أُختِبرُوا آخر أسبوع بالخطوط ، تذكَّر كيف الإحراج أغرق ملامحهم و هُم يقدمون الإختبار بفشلٍ فادح جعل المُحاضر يقول لهم " أبحثُوا عن شيء آخر بعيدًا عن التحليل "
ناصر : اكتبي بخط حلو وش هالخط المعوَّق
غادة بعصبية : هذا خطي بعد
ناصر : أنا أعرف خطك لا تضحكين عليّ .. أخلصي أكتبي
غادة همست : أشتغل عندك
ناصر : نعععم !!
غادة : يخيي أكلم نفسي
ناصر أبتسم : عدلي *قلد صوتها* يخيي
غادة بعناد : كيفي
ناصر يُقبل رأسها وشعرُها يُداعب أنفه : كملي بس
غادة أبتسمت : لا تقولي كل هالأوراق لأن مافيني حيل
ناصر : بس هالورقة
غادة ضحكت لتُردف : دارية أنك ماراح تخليني أكتبهم كلهم ... حنيِّن يا ألبي
ناصر : هههههههههههههههههههه هذي المشكلة مقدر أتعبك
غادة بإبتسامة واسِـعة و الخجلُ يطويها : بعد عُمري والله
ناصِر سحب القلم منها : خلاص .. الحين أبوك يبدأ تحقيقاته معي لو تأخرتِي
غادة : طيب تصبح على خير و فرح و .. حُب
ناصر : و أنتِ من أهل الخير و الفرح و الحُب و كل الأشياء الحلوة
غادة أبتسمت وهي تقِف عند المرآة وتلفّ حجابها جيدًا ، جلست على الطاولة لترتدِي حذائِها ، أخذت جاكيتها المُعلق خلف الباب .. أقترب منه وأخذت القلم لتكتبْ له على الورقة المُبللة التي فسدَت " أشهدُ أنني أُحبك بكُل إنتصاراتِ هذه الحياةُ معِي و بكلِ المكاتِيب المنزويـة في صدرِي و بِكلُ الحُب و أناشيدُ العُشاق ، أُحبك يا ناصِر لأنني لم ألقى جنةٌ في الدُنيـا بعد أمي إلاك ، 16/10/2009 "
بين كفيْه ورقةٌ جافـة مُبللة منذُ 3 سنين كانت هُنـا ننُهِي خلافاتِنـا بضحكةٍ ضيِّقـة و قُبلة ، كُنـا أجمل كثيرًا ، ثانِي سنـة بعد ملكتنا ، مرتُ السنين و أتى الحلمُ مُعانقًا في سنتِك الأخيرة دراسيًا ، و في ليلة زفافنا : لم يُتوَّج حُبنـا.
ليتك كتبتِي أسطرٌ كثيرة ، لِمَ لمْ تكتبتِي للذِكرى .. للبُعد .. للموتْ ، أثقلتي ذاكرتِي كان يجب أن تكتبِي أشياءً كثيرة حتى أقرأُها وأشعرُ أنكِ معي ، كتبتُ لكِ مرةً في الفُصحى و من بعدِها بدأتِ تتحدثين بالرسائِل بها ، كُنتِ تُحبين كل شيء يرتبط بي وكل طريقةٍ أُحبها ، كُنتِ جميلةٌ جدًا عِندما تحاولين تقليدي و كُنت أبدُو وسيمًا عندما أحاول أن أُقلدك ، كُنــا أحياء و العالمُ يحيـا من أجلنا.
كيف أعيشُ بنصفِ قلب ؟ بنصفِ جسد ؟ بعينٍ واحِد ؟ بذاكِرة كاملة ثقيلة تحتفظُ بك ؟
يا نصفِي الآخر ، يا أنـا في مكانٍ بعيد : أشتاقُك.
أدخل الورقة وهو يواصِل البحث في شقتِه ، صورُهم تتساقط على كفيْه في كل لحظةٍ و اللهفة تقتُل عيناه.
ينظرُ لورقةٍ أُخرى مُتسِخة ببقع القهوة ، قرأ " أحببتك رجلا لكل النساء ، للدورة الدموية لأجيال من العشاق وسعدت بك فاشتعلت حبا – حتى سميتي تتغزل فيك :$ ، ترى ماقريت الكتاب كله تعرفني أمِّل من القراءة بس هذا إقتباس منه عشان تعرف أني أحاول أقرأ أيْ شي منك *وجه مُبتسم* "
سقطت دمعتِه على سطرِها اللاذع لقلبه الآن ، كان أولُ كتابٍ أهداها إياه لـ غادة السمَّان أراد أن يقرأ الحُب في أصابعها التي تكتُب ، كل شيء بك يا غادة أُحبه ، تفاصيلك الرقيقة ، حتى أنامِلُك المُستديرة التي تُغطينها بطلاءِ الأظافِر الأسوَد و حركاتِك البسيطة أنتبهُ لها كـ حاجبِك اليمين إذا أرتفع غضبًا و عقدة حاجبيْك البسيطة بالخجل و شفتيْك التي تُختزل مساحتِها إذا أبتسمتي بضيق ، بُكائِك إن أختنق في عينِك وأنزلتِ بعضُ خصلاتِك على وجهك حتى لا أراها ، شعرُكِ الذي لا ترفعينه على هيئة كعكة بائِسة إلا وأنتِ حزينة و عِندما تربطِين نِصفه إن تأخرتِ ، و شعرُك المُنسدِل على كتفيْك حين تفرحين و ذيلُ الحصان حين تُخططين لشيءٍ ما أو تدرسين .. أترينْ كيف أحفظُ تفاصيلك ؟ 4 سنوات يا غادة ، 4 سنواتِ فاتنة مُبهجة مُدهشة ملوَّنة جميلة رقيقة عميقة أنيقة .. و كنا على وشك الخامسة ولكن رحلتِ.
،
خرجَت من المصعد و هي تبتسمْ بهدُوء بعد أن أستلمت تهزيئًا غير مُباشر من مُشرف الدورة الأمريكي بأنَّ الإبتسامة يجب أن لا تختفِي من ملامِح أحدكُم ، جلست على مكتبِها بنشاطٍ وحيويــة ، أنتبهت لصندُوقٍ نحيل مُمتلىء بالحلوى المُغرية لصائِمةٌ مثلي يعتليه ورقةُ بيضاء كُتب فيها " Sorry Fna , oliever "
أبتسمت بحميمية الهديـة الجميلة ، يالله على هذا الإحترام * داعب تفكيرها وقالت : ولو انَّ الشيطان سيغويني في الوقوع بحُب شابٌ مثل أوليفر "
أتجهت وبيدها الصندُوق المكوَّن من الكرتُون المقوَّى لمكتبِه المنزوي : أسعد الربُ صباحك
أوليفر أبتسم : وصباحك أيضًا . . أخذتُ درسًا في كيفية التعامل مع المُسلمات
بادلتُه الإبتسامة : أخجلتني ولكن شُكرًا كثيرًا .. كثيرًا
أوليفر ضحك بخفُوت ليُردف : وعفوًا كثيرًا
أفنان ألتفتت للظِل الذِي أنعكس بعينِ أوليفر ،
أوليفر : أعتذرتُ من إبنة بلادِك الجميلة
نواف رفع حاجبه : دُون مغازلة
أوليفر : مُجرد إطراءٌ بسيط
نواف أبتسم : صباح الخير أفنان
أفنان بحرج : صباح النور .. صح كنت بقولك عن شيء
نواف : تفضلي
أفنان : بٌكرا بيكون آخر يوم في كان صح ؟ لأني حجزت على باريس بكرا المغرب بس سُمية قالت أنه فيه أسبوع ثاني
نواف : لآ عادِي ماهي مُشكلة ، الأسبوع الجاي بيكون تطبيق وإضافات ماهو مهم مررة
أفنان : طيب شُكرًا
نواف : العفُو .. ماراح تعزمينا ؟
أفنان أبتسمت : صايميين نتركها لين تغرب الدنيا
نواف : الله يتقبَّل منا ومنك صالح الأعمال .. وذهب.
أوليفر : ألن تذوقيه ؟
أفنان : حتى يحل المغيب لأني صائمة
أوليفر : أووه عُذرا ،
أفنان : مرةً أخرى شُكرًا
،
حذَف سلاحه على الطاولِة الخشبـية ، شدَّها من ذراعه ليُدخلها الغُرفـة المُظلمة ، وقفت أمام قاتِلها ، مُنتهِك عرضها ، من سرق الضِحكة من شفاها وخبأها في جيبه ، من أختطف من عينيها الفرحة ، من أقتبس من الظُلمِ آهآته ، من تركنِي مُغلفة بالحُزن ، من جعلنِي أعيشُ سنوات عُمرِي ضائِعة ضعيفة ، من أوقفنِي في مُنتصف الحياة ليُتفنن في طُرقِ موتي ، من أجهض أحلامِي و كسَر الحلمُ في قلبي ، يالله يا تُركي .. يا عمِي .. يا من كُنت في حياتِي فرحةً .. يالله ما أقبحَ اللحظة التي تجمعُني بك في العشرِ الأواخر ، أكرهُك بكامل وعي و إتزان.
تُركِي الذي بات مشوهًا من أفعالِ سلطان له في ليلة الأمس ، رفع عينه الضعيفة للجوهرة ، ألتقت عيناهِم و أحاديثٍ غير مفهومة تُدار حسب ما يُخيِّل له سلطان ، وقف في المنتصف بينهم : عيد كلامك اللي أمس .. وبدون لف ولا دوران
الجُوهرة و يديْها ترتجِفان ، أبتعدت قليلا وهي تهزُ رأسها بالرفض ، تبكِي بشدَّة و الليلةُ التي قتلت بها روحها تُعاد ، تجاهل سلطان بكل قسوَة بُكائها و أنينها وهو يدفع كُرسي تُركي ليسقط على الأرض وبغضب : تكلللللللللللللم
تُركي بهمس مُتعب : الجوهرة !!
وضعت كفيْها على إذنها وهي تسقط على ركبتِها : لأ .. لأ ... لأ خلاااص ... تكفىىى خلااااص
سلطان : تكلللم
تُركي تجاهل سلطان وبعينٍ تبكِي دماء جفَّت على جفنِه : الجوهرة طالعيني ... طالعييني
الجُوهرة تُغمض عينيْها بشدَّة و شلالًا من البُكاء يرتفع على خدِها وبصرخةٍ حادَّة : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
سلطان لم يلتفت إليْها ، لا يُريد أن يراها ، عقد حاجبيْه من صرختِها التي أخترقت قلبه قبل مسامِعه ، لا يُريد أن يرى شيئًا و لا أن يشفقُ عليها حتى.
تُركي ببكاءٍ عميق : طالعييني .. أحبببك ... أحببببك قولي له أنك تحبيني ... قولي له ... قولي له .. *بصراخ طفلٍ يتألم* قولي له حرام عليك
الجُوهرة والأرضُ الباردة تخدشُها ، مازالت مُغمضة عينيْها وكفيْها على أُذنها وتهزُ رأسها بالرفض : يارب .. يارب ...
بإنهيار تام : ياللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــه رحمتك
ألمٌ يخترق صدرِها ، لم أعد صبيـةٍ تتغنجُ من كلمة زواج ، لم أعُد بأنثى كاملة لرجُلٍ يُريد الحياة ، لم أعُد شيئًا يستحقُ الذكر بسببك ، دمَّرت مُراهقتِي و شبابِي ، دمَّرت الأنثى التي بداخلي ، دمَّرت الحكايـا الملوَّنة في قلبي ، دمَّرت كُل شيء ، أيعيد أسفك الحياة التي أنتهت ؟ أيُعيد إحترامُك ما نثرتهُ من كرامتي ؟ أيُعيد ندمُك شيئًا يا تُركي ، والله لا أحتمل كُل هذا ، والله لا أستحق أن تُلطخني بسوادِك ، لِمَ ؟ فقط قُل لي لِمَ تصِّر على أنَّ ما بيننا شيءٌ شاهق لا يُمكن لأحد أن يعتليه ؟ لِمَ تُصِّر على ذلك وانت تعلم أنك فاسدٌ أفسدتنِي بتصرفٍ حقير ؟ أنت تعلم جيدًا أن ما تفعلهُ يُغضب الله و يقهرني .. ومازلت تفعله.
لا أرجُو أحدًا بدُنيــاه ، أرجُو من خلقني ، من أحكم تدبيري ، من رزقني حفظُ كتابه ، أرجُو الله أن يرحمني.
تُركي وشهقاتِه تعتلي و الخوفُ هذه المرَّة من الجوهرة : تكفين طالعيني .. تكفييين .. قولي لهم .. قولييي لهم الله يخليك ... قولي لهم أنك تحبيني .. أنتِ تحبيني أنت تبيني .. قوليها
الجُوهرة و ألمٌ آخر يتجدد في نفسِها ، صرخاتُها تُفجِر قلبها ، صرخاتها التي ماتت في تلك الليلة مازالتْ تسمعُ صداها ، بحُرقة وهي مازالت على هيئتها السابقة : لا تظلمنــــــــــــــــــــي
سلطان شدّ تُركي المُقيد من كل ناحيـة ، أجلسهُ على الكُرسي وبغضبٍ حاد : حكايات الحُب والغزل أنت وهالحقيرة بعيد عنِّي .. تكلم وش صار في ذيك الليلة !!
الجُوهرة تخفضُ رأسها بإنكسارٍ حقيقي ، قلبُها لا يتحمَّل هذا البُكاء وهذه الغصاتْ المُتراكمة : لآ .. الله يخليك لأ ...
تُركي بضُعف : جلستي عشان مين ؟ كلهم راحوا الرياض إلا أنتِ ! كنتِ تبيني ولأنك تحبيني
الجُوهرة و البُكاءِ يتساقط على الأرضِ الجافـة : لأ .. لأ .. حرام عليك .. يا تركي حررااام .. ماني كذا ماني كذا .. والله ماني كذا
رددت حلفها بجنون : والله ماني كذا ... والله العظيم ماني كذا ..... أقسم برب البيت ماني كذا ... ياربي حرام والله حرام اللي تسوونه فيني ... والله حرااااام
تُركي ويبكِي لبُكائِها مُتعذبًا : أحببك .. أنتِ ماتقدرين تعيشين مع أحد غيري .. أنتِ لي .. صدقيني ليْ .. قولي أنك ليْ .. قوووووووووووووووووووووووووولي ... قووووووولي * أنهار ببكائِه هو الآخر وقلبهُ يتقطَّع حُزنـا على الجوهرة *
سلطان مسك ذقن تُركي بكفيْه وأعتصره بقوة : تعيش معاك ؟ تبيها تعيش معاك ... بجهنم إن شاء الله يا كريم
تُركي لا يأبه في آلامِ سلطان الجسدية ، وجعهُ النفسي أقوَى بعينٍ مُتلهفة : قولي له يالجوهرة
الجُوهرة بإختناق و يداها تسقطُ من أُذنيها بإنكسار و أنفُها يبدأُ ببكاءٍ الدماء ، لم تلقى صديقًا وفيـًا كدِماء أنفِها التي تُشاركها الوحدة و البُكاء و الخوف : مرة وحدة .. بس مررة وحدة ... قول الصدق ... قوووله حراام .. اللي تسويه في نفسك وفيني حراااام
تُركي بصراخ جنُوني : انتِ تكذبين .. ليه تكذبييييييييييييييييين !!
الجُوهرة رفعت عينها للمرةٍ الثانية بعد دخُولها لتنظرُ له وبصوتٍ خافتْ يمرضُ ويموت : ماأكذب ، أنت اللي جيتني أنت اللي قهرتني .. أنت اللي قرَّبت مني في صالتنا القديمة .. أنت اللي خليتني أصرخ و أنا أقولك حراام اللي تسويه .. أنت ماهو أنا
تُركي بضُعفٍ من نوعٍ آخر و بُكائِه ينزفُ من عينه : أنتِ زوجتي وحبيبتي وأختي وأمي وكل شيء .. أنا أبيك تكونين ليْ ..
سلطان بغضب صفعه ليسقط على الأرض ، ضغط على زرٍ يُحرِر قطعةُ مُسطحة طويلة من المعدَن شبيهة بآلة الشواء ، الجوهرة صرخت : لأ ... لأ
سلطان توقف قليلاً وهو يلتفت عليها وبصوتٍ جنُوني : خايفة عليه ؟
الجوهرة بخوفِ تراجعت للخلفْ ليرتطم رأسها بحافةِ شيءٌ صلب ، عيناها تبكِي و أنفُها يبكِي و قلبُها أيضًا لا يكفُ عن أنينه ، هزت رأسها بالرفض و الربكة.
سلطان دفع تُركي على الجدار ليصطدم رأسه هو الآخر ، أقترب من الجوهرة المُنكسِرة ، شدَّها من شعرها ليُغرق كفيْها المُتلاصِقة بالنار الذائِبــة ،
الجُوهرة صرخت من جوفِ قلبها : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ آآآآه
تركها لتسقط على الأرض وهي تضمُ كفيْها المُحترقــة بين فُخذيها و الألمُ ينتشرُ بأنحاءِ جسدها ، كررت الوجعُ كثيرًا على صوتِها المُختنق و بُكائِها لا يصمُت : آآآآه ... يُـــــــــــــــــــــــــــمــــــــــــه ...
سلطان ولم يشفِي غليله بعد ، مسك تُركِي من ياقةِ ثوبه ودفعه على الجدار مرارًا ليلفُظ الجحيم : والله بسماه لا أخليك تبكِي على موتك
رجَع للجوهرة وشدَّها من ذراعِها ، خرج معها لتدخل معه المبنى المتوسِط حجمًا في مزرعتِه ، أدخلها إحدى الغُرف في الطابق الثاني و دفعها على الأرض : ماأنتهى حسابك للحين ، لأخليك تحترقين بحُبه صح !!
،
ثبَّت الهاتِف على كتفِه و هو يلبس الكبك الفُضِي : وإذا يعني ؟
ناصِر : لأنك تكذب على نفسك بهالحكي ، أنا سامعك بإذني وعارف وش تفكر فيه !! قلت أنه حياة الفري ماتعجبك والبنت بنظرك ماتتغيَّر
عبدالعزيز : أنا أغيِّرها
ناصر بعصبية : طيب ليه أثير ؟!! عز لا تستهبل على مخي .. البنت ماتصلح لك ولا تناسبك
عبدالعزيز تنهَّد : عاد هذا اللي بيصير
ناصر : وأنت متزوج بنت عبدالرحمن ؟
عبدالعزيز أبتسم : الشرع محلل 4
ناصر بغضب : محلل 4 بأحكام وشروط ماهو كل ماطق في راسك زواج قلت بتزوج
عبدالعزيز بهدُوء : أنا بعرف ليه دايم تدافع عن الناس اللي ضدي ؟
ناصر : لأنك غلط .. أفهم أنه اللي تسويه أكبر غلط
عبدالعزيز : وش دخلني في بنته ؟ كيفه هو وياها يتفاهمون ! أما أنا بعيش حياتي مثل ماأبي
ناصر : ومثل ماتبي ؟ مع أثير !
عبدالعزيز : إيه
ناصر : أقطع إيدي إن أرتحت لحظة وياها ، أنا أعرفك مستحيل تتحمَّل تصرفات أثير !!!
عبدالعزيز تنهَّد وهو يُمسك الهاتف : مشكلتي داري أني ماراح ألقى منك شي يطيِّب الخاطر ومع ذلك أقولك
ناصر ضحك ليُردف : لأنك أنهبلت .... الحين بفترة قصيرة بتتزوج ثنتين وطبعًا محد يعرف .. يالله على حقد بعض البشر .. ماأعرف كيف لك قلب تتسلى بمشاعر الثنتين .. أثير نعرف أنها تحبك والله أعلم عن بنت عبدالرحمن
عبدالعزيز بهدُوء : الغاية تبرر الوسيلة
ناصر : ووش غايتك إن شاء الله ، اللي مخلية وسيلتك دنيئة ؟
عبدالعزيز : أعيش .. يخي من حقي أعيش ، كيفي أتزوج وحدة ثنتين ، إن شاء الله 4 .. بدلِّع نفسي
ناصر : هههههههههههههههههههه تدلع نفسك !! يارب ارحمنا
عبدالعزيز بإبتسامة : قلت لك أني قررت أرجع للشغل وببدأ صفحة جديدة وياهم
ناصر : إيه الله يثبتك
عبدالعزيز : بس مقهور !! ليتني علَّمت بوسعود عن أثير قبل لا تصير هالمصالحة عشان ساعتها بيضطر يقول لرتيل ...
ناصر تجاهل إسمها وبهدُوء : يا خبثك
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههه تخيَّل منظرهم وهو يقولها والله زوَّجتك بدون لا تدرين .. يخي شعور ماش بين بنت وأبوها
ناصر : عزوز أصحى وش هالحقارة اللي نازلة عليك فجأة
عبدالعزيز : وش دخلني أنا ضربته على إيده وقلت له لا تعلِّمها ... كل شيء برضاهم أنا طالع منها
ناصر : أستغفر الله بس هذا وإحنا بالعشر وتسوي كذا
عبدالعزيز بحدة : وش سويت ؟ مسوي شي يغضب الله ؟ ما تعديت حدودي ولا شيء ..
ناصر : الحكي معك ضايع .. مع السلامة .. وأغلقه ،
عبدالعزيز تنهَّد لو كان محلِ ناصر كان بالتأكيد سيهزأه على أفعاله مثل ما يحصل الآن من ناصر و لكن كل الأشياء تتغيَّر لن نبقى على حالنا.
أخذ سلاحه وخرج ، توجه لسيارته وقبلها رأى " رتيل " تتوجه لسيارة السائِق الفُورد السوداء ، تراجعت رتيل للخلف قليلاً ولكن تجاهلته وأستمرت
عبدالعزيز وقف أمامها : على وين ؟
رتيل بهدُوء : ماهو شغلك
عبدالعزيز ولا يرى سوَى عينيْها الداكِنة : وأنا سألتك ومضطرة تجاوبين ؟
رتيل : لأ ماني مضطرة و لو سمحت أبعد عن طريقي !!
عبدالعزيز رفع حاجبه : السالفة عناد ؟
رتيل : عفوًا ؟ أعاندك ؟ ليه مين أنت ؟
بصوتٍ عالٍ غاضب وحاد أخترق مسامعهم : عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــز
↚
لمْ أَزَلْ أمشي
وقد ضاقَتْ بِعَيْـنَيَّ المسالِكْ .
الدُّجـى داجٍ
وَوَجْـهُ الفَجْـرِ حالِكْ !
والمَهالِكْ
تَتَبـدّى لي بأبوابِ المَمالِكْ :
" أنتَ هالِكْ
أنتَ هالِكْ " .
غيرَ أنّي لم أَزَلْ أمشي
وجُرحـي ضِحكَـةٌ تبكـي،
ودمعـي
مِـنْ بُكاءِ الجُـرْحِ ضاحِـكْ !
*أحمد مطر.
عبدالعزيز وقف أمامها : على وين ؟
رتيل بهدُوء : ماهو شغلك
عبدالعزيز ولا يرى سوَى عينيْها الداكِنة : وأنا سألتك ومضطرة تجاوبين ؟
رتيل : لأ ماني مضطرة و لو سمحت أبعد عن طريقي !!
عبدالعزيز رفع حاجبه : السالفة عناد ؟
رتيل : عفوًا ؟ أعاندك ؟ ليه مين أنت ؟
بصوتٍ عالٍ غاضب وحاد أخترق مسامعهم : عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــز
رتِيل دبَّ الخوفُ بها مثل ما يُرعب الفيضان الأسماك الصغيرة ، أبتعدت للخلف قليلاً وهي تخافُ أن يفهم والدها الأمرُ خطأ ، أو رُبما يفهم الخطأ بحدِ ذاته.
عبدالعزيز بإبتسامة باردة : مساء الخير
عبدالرحمن بنظراتٍ عاتبة غاضبة ، وقف أمامهم : خير ؟ وش عندك هنا ؟
عبدالعزيز و عيناه تُرِسل تهديدٌ مُبطن ، بصوتٍ هادىء : كنت أدوِّر عليك ، بروح احجز لباريس كم يوم .. بشوف زوجتي
عبدالرحمن وملامِحه تستكين بالبرُود أو رُبما الغضب الغير مفهُوم ،
رتِيل ودَّت لو أنها تُفرغ كل أسلحة والِدها في رأسه الآن ، يستلذُ بالتعذيب حتى أمام والدها لم يخجل ، أم أن والدي من الأساس يعرف لِمَ يخجل ؟ ليتك يا عزيز تفهم عظمة الحُب قبل أن ينهار هذا المُلك في قلبي ، ليتك.
عبدالعزيز بإبتسامة صافية : زوجتي أثير ...
عبدالرحمن بهدُوء : رتيل أدخلي داخل
رتيل أستجابت لأمره دُون أن تناقشه ، دخلت بخطوات بطيئة حادة غاضبة مقهورة ، " زوجتي أثير ! الله يآخذك ويآخذ أثير وراك و يحرقكم إن شاء الله " ... جلست على الأريكَة الوثيرة ، فتحت هاتفها وأقدامها لا تهدأ من الوكز على أرضيَة الرُخام.
لا تعرف مع من تتحدَّث وتُفرغ غضبها ، و لا تعرفُ لِمَ أصابعها تدخلُ على تطبيق " تويتر " ، دخلت صفحة أثير المحفوظة عندها و بملامِحٍ باردة تقرأ تغريداتها " اليوم أحلى يوم في حياتي ، الحمدلله "
تمتمت : أحلى يوم طبعًا راح يجيك عسى الطيارة تـ .. لم تُكمل وهي تستغفر .. " كلب ! "
، - " هذِي رسمة قديمة يمكن قبل سنتين كنا في زيارة لمتحف بيكاسو و عزوز تحركت أحاسيسه ورسمها *صُورة مُرفقة تحوي رسمَة لجماهيرٍ غير واضِحة ملامِحهُم على مُدرجاتٍ ذهبيـة و أمامهُم مضمارْ للخيُول " ،
بحنق : يازين من يهفِّك فيها يالسامجة ...
أغلقت التطبيق و غضبها أزداد ، لِمَ أبحث عنها ؟ " في حريقة هي وياه " ، حدَّثت نفسها بهبَل الغيرة " وش قلنا يا رتيل ؟ مالك دخل فيه خليه يولِّي هو و هالأثير اللي ميت فيها .. شينة معفنة وهو أعفن منها بعد "
عبدالرحمن بغضب : وش تبي توصله ؟
عبدالعزيز بإستغباء : ولا شيء ، أنا صدق بتزوَّج .. يعني للأسف على بنتك
عبدالرحمن بلع ريقه و الحدة ترسمُ ملامِحه : تبي تعاندني ؟
عبدالعزيز بهدُوء : ماأعاندك ! بس أبي أعيش حياتي و بنتك ماراح تعطيني هالحياة
عبدالرحمن : ومين أثير إن شاء الله ؟
عبدالعزيز بإبتسامة باردة : زوجتي اللي بتعطيني هالحياة
عبدالرحمن بحدة لم يتزن بها : طيب .. أنت تبي تخسرنا و صدقني إن خسرتنا ماراح نوقف وياك بأيْ شكل من الأشكال ! وأنا إلى الآن أقابل إساءاتك بالإحسان لكن راح يجي يوم و بتلقى هالإحسان منتهي وماراح أقدر أقابلك الا بإساءاتك يا عز
عبدالعزيز : إذا خسارتي لكم بتكون في كسب نفسي فأنا أرحِّب بهالخسارة
عبدالرحمن بغضب كبير : رتيل خط أحمر .. قسم بالعلي العظيم لو أشوفك مقرب لها مرة ثانية لا يصير لك شي يخليك تندم على حياتك كلها !! و أتق ياعبدالعزيز شر الحليم إذا غضب . . . ودخَل للداخل.
عبدالعزيز عادَ لبيته و بغضب جنُوني شدَّ على قبضةِ يده ليضربها على الجدار و يجرحُ نفسِه ، تألم من الضربة ، جلس لم يعد يعرف بِمَ يُفكر أو كيف ؟
أول ما أتَى كان الكُل سعيد و لكن أنا ؟ الآن الكل مُضطرب حزين ! و أنا مازلت أيضًا بحُزني ، لم أستطع كسب نفسي بعد سنة كاملة و لم أخسرها أيضًا ! مازلت مُعلَّق ! يالله يا رحمن أكان يجب أن تضُمني الرياض الآن وهي لا تملكُ وشاحًا تُدفىء بها أطرافي ؟ الرياض عقيمة لن تُنجب لي فرحًا ولن أستطِع أن أخلق لي فرحًا سرمديًا ، بينهُم أنا أعيشُ الرماديـة.
،
في أجواءٍ مجنُونَة مُحرمَة ، وقف على عتبةِ الحجرُ القاسِي ، مسَك سلاحِه و بضحكة تُشبه والِده : يا حزين
حمَد بإبتسامة : أنا وش أقولك ؟ فيفتي فيفتي مايصير كذا
فارس بملامِحٍ مُشفقة : هم مايقدرون يتخلون عنِّي
حمَد : قولهم من أبوك وعلى ضمانتي ينحاشون
فارس بوقفةٍ مُضطربة : أنا ولد سيادة المحترم رائد الجوهي و شُكرًا
حمد بضحكةِ تُشاركه الجنون ، يُقلد صوتٌ أنثوي ناعم : يا حرام أنت ولد بابا رائد !! ما يسير حبيبي كذا
فارس : ههههههههههههههههههههههههههههههههههه وش أسوي يا حياتي !!
رن الهاتِف و إسمُ " رائد " يُرعب الشاشة ، حمد : أششششششششششش هذا أبوك
فارس : قوله مانيب فاضي عندي حفلة اليوم
حمَد بتحشيشْ فعلي : لحظة شمِّني أخاف يكشفنا من الريحة
فارس ويقرب منه : لألأ ماهي واضحة الريحة
حمد يرد بصوتٍ متزن : ألو
رائد : ساعة على ماترد حضرتك .. عطني فارس بسرعة
حمد : فارس بالحمام من ساعة جايه إمساك يا حياتي
رائد : يا مال القرف أنت وياه
فارس أرتمى على الأرضِ الخضراء و ضحكته تصخب به أطرافُ القصر
رائد بغضب و حنق : سكران !!!!
حمد : هااا .. لأ .. إيه أقصد لأ .. لآ ماهو فارس هذا الكلب الثاني
رائد يُغلقه في وجهه و أعصابه تتلف ،
حمد : ههههههههههههههههههههههههههههه أبوك يا حبيبي عرف .. هيَّا الدونيا مش حتضحك لنا أبدن
فارس و السلاح على صدرِه و مازال مُستلقي على الأرض : قوله أنا ميت لين يسافر
حمَد ويرتمي بجانبه : أنا ميت معاك
فارس وينظُر للسماء الصافيـة ويُشير بتعبِ بذراعِه المُهتزة : هذيك عبير .. شفتها هنااااك مررة بعيدة .. مقدر أوصلها
حمَد وعيناه مُغمضة : خذ لك صاروخ وروح لها
فارس بضيق حقيقي : مغرورة ماتتنازل وتنزل ليْ
حمَد : أفآآ وراه عاد مغرورة ؟ أذكرها وش حليلها ذيك عبير اللي جتنا صح
فارس يجلس : لأ يا خبل .. هذيك .. همممم وش إسمها .. هذيك أمي ... إيه أمي .. وش إسم أمي صح ؟
حمد : موضي
فارس : إيه هذي موضي اللي جتنا بس حرام تكسر الخاطر
حمد وملامِح الحزن يُمثلها بسُكِر : الحريم عوار قلب هم اللي يجيبونه لنفسهم .. صدقني
فارس : لأ هالحين أبوي تطلق منها صح
حمد : يعني أبوك مطلقة
فارس وبلسانٍ أصبح ثقيل مع كثرة الشُرب : إيه لأن أمي هي اللي طلقته .. حسافة عاد كنت أبي أبوي يقهرها وهو اللي يطلقها
دقائِق طويلة تمُر بأحاديثِ السُكر الغائِبة عن العقل ، بأحاديثِ الحرام و الرائِحة التي تفُوح منها في أواخِر رمضان ، يالله أيُّ قلبِ يستطِع أن يعصِي الله بهذه الجُرأة ؟ و الله الذِي قد يعفُو عن العاصين إلا من جهر بمعصيته لا يشمله عفوًا ، أيُوجد أقسى من أن تكُون خارِج عفو الله ؟
شدُّه من ياقةِ قميصه المُبللة ببعض ما سقط من زُجاجة الخمر ، أوقفه وجسدِه لا يتزن على الأرض ، عيناه تدُور وتُثبت في عينيْ والِده الغاضبة ، لكمَه بشدّه على عينه ليرفعه مرةً أخرى وبصرخة أرعبت جميع الحرس : مو قلت تبطِّل شرب !!!!
فارس بضحكة : أوووه رائد الجوهي منوِّرنا
والده صفعه على خدِه ليسقط على الأرض ، توجه لحمد : وأنت معاه بعد !!! مين اللي يوفِّر لكم الشرب قسم بالعلي العظيم دفنك اليوم على إيدي لو مانطقت !
فارس بعبط طفُولي : هذا يا بابا هو اللي قالي أشرب
حمد : نصاب لا تصدقه هو اللي خلاني أشرب أصلاً
رائِد بغضب : تكلم مين اللي يوفِّر لكم الشرب
حمد هز كتفيْه بعدم معرفة : هذا اللي جابه لي .. *أشار بأصبعه لفارس*
فارس : كذاب لا تصدقه هو يغار مني عشان كذا يحب يورطني دايم
رائد ويسحبه من ذراعه ليدخلا إلى قصرِهم المنزوي بعيدًا عن أحياء الرياض المعروفة ، دخل الحمام و فتح صنبُور المياه الدافِئة ، أغرق وجه فارِس به :أصححى جبت لي الضغط والمرض
فارس بصُداعٍ يُفتفت خلايا رأسه : خلاااص ... خلااااااااااااااااااااااص
رائِد وبغضب ضرب رأسه بالصنبُور المعدنِي لينجرح جبين فارس وينزفُ بدماءِه ، تركه وهو يُغسِل كفيْه : قووم حسابك أنت وحمد ماأنتهى ، بشوف مين اللي يوصلكم هالخمر
،
قبل ساعاتْ ضيِّقـة ، في عصرِ حائِل السعيد و كبارُ السِن يتبادِلُون الإبتسامات سيرًا على الطريق و السلامْ يحيـا بكفوفهم التي ترتفع كُلما مرَّ أحد بجانبهم.
ركَن سيارتِه أمام البيتْ المتوسِط الحجم ذو اللون الأبيض و الذِي أصبح يُقارب " البيج " بسبب عوامِل الجو و الغبار.
يُوسف رأى خال مُهرة الكبير ، نزل وسلَّم عليه و قبَّل رأسه إحترامًا للشيب الذِي يتخلخلُ شعرُ لحيتِه
الخال : وش علومك ؟
يُوسف بإبتسامة : بخير الحمدلله
مُهرة قبَّلت جبين خالها الذي تهابه : شلونك خالي ؟
الخال : ماعليّ خلاف .. و دخلُوا ، مُهرة توجهت للبابِ الجانبي الخاص بالبيت أما يُوسف و خالِها توجهُوا للمجلس.
يُوسف و شعر بالخجل من أنه لا يعرف حتى أسمائهم ، سلَّم على جميع من هُم في المجلس وجميعهم يجهلهم.
الخال : زارتنا البركة والله
يُوسف : الله يبارك بعُمرك
الخالُ الآخر والذِي يبدُو أربعيني بالعُمر يتخلله بعضُ الشيب : عشاك اليوم عندي بعد التراويح .. قل تم
يُوسف : جعل يكثر خيرك بس والله مستعجل
الخال : آفآآ تجينا و مانعشيك !!
يُوسف بحرج كبير بلع ريقه : ماعاش من يردِّكم لكن الجايات أكثر
الخال الثلاثيني ورُبما عشريني : لازم توعدنا بزيارة
يُوسف بإبتسامة : إن شاء الله على هالخشم
في جهةٍ أخرى ، بعد أحاديثهم الحميمية الدافِئة صعدُوا للأعلى
أم مهرة : حرمة عيد ماتعطي خير أبعدي عنها
مُهرة ضحكت لتُردف : يمه تكفين مانبغى نحش فيهم خليهم بحالهم
أم مهرة : بيجلس كم يوم ؟
مُهرة و تحاول أن تُمهِّد الموضوع : يوسف بيرجع اليوم !
أم مهرة : مسرع جايين من الرياض عشان يوم !
مُهرة بتوتر : لآ ، يعني بيخليني هنا
أم مُهرة بحدة : وراه إن شاء الله ؟
مُهرة بربكة : يعني فترة بس و
أم مهرة : تبي تتركين بيت رجلتس ؟؟
مُهرة تنهَّدت : يمه بس فترة وبعدها خلاص يعني برتاح عندك .. وعندي لك خبر حلو
أم مهرة جلست بضيق : مايجي من وجهتس أخبار حلوة
مُهرة تجلس على ركبتيْها أمامها : أنا حامل
أم مُهرة : وشهوووووووو !!
مُهرة أبتسمت بتمثيل الفرحة وهي الغاضبة على هذا الحمل : إيه والله
أم مُهرة بفرحة عميقة : جعله مبارك .. بس هسمعي حريم خوالتس لا يدرون ترى عينهم قوية وشينة
مهرة : هههههههههههههههه أبشري
أم مهرة : أقري أذكارتس ترى الناس ماتعطي خير
مُهرة تنهَّدت ، ودَّت أن تقول " من زين حظي "
،
صباحٌ آخر ، يُشابه الأمس ، أيامُ رمضان تركض و يكاد تفلتُ خيوطها منَّا إلا من مسك زمامُ الطاعة و ركع.
سجَد على الأرض و لسانهُ يُردد " الحمدلله حمدًا كثيرًا مُباركًا فيه " ، يا شعُور السعادة المُنصَّب على قلبي اليوم ! يا راحة الكون التي زُرعت في قلبي هذا الصباح ، يا جمال الدُنيـا التي أراها الآن ، يا كرمُ الله الذِي لا يُعد ولا يُحصى .. سُبحانه الكريم المُعطي ، أُحبك يالله لأنني لا أعرفُ غيركُ مُعينٌ و مُعطِي ورازق ،
دخل عليها ليُقبِّل جبينها و يغرقُ في تقبيل ملامِحها المُتعبة هامِسًا : الحمدلله على سلامتك يا أم عبدالله
أبتسمتْ و عيناها شاحِبة صفراء وببحة مُتعبة : الله يسلمك
منصُور و فرحَة عميقة ترقصُ في قلبه لدرجة لا يعرف كيف يُعبر عنها إلا بركعتينْ أرسَل بهما أحاديثٍ و دُعاء مُبتسمًا إلى الله.
نجلاءَ لم تكُن أقل منه فرحَة ، هي الأخرى لا تعرفُ ماذا تفعل ، و عيناهُما تُقيمان أعراسًا لا تنضبّ ، غرقت محاجِر نجلاء بدمُوع اللهفة و الفرَح و بللت التعبُ بها بضحكةِ عينها المُدمِعة.
دخلت الممرضة و معها " عبدالله " الصغيرُ المُكتسِي ببياضٍ مُحمَّر.
كاد قلبه يخرج من الشوق له و الفرحة ، مسكه برهبة بين ذراعيْه و هو يؤذن في أذنه اليُمنى " الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله الا الله اشهد أن لا إله الا الله ، أشهد أن محمد رسول الله أشهد أنّ مُحمد رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله الا الله "
قبَّل أنفه الصغير و خدِه الأحمر و جبينه الرقيق " اللهم أجعله من الصالحين الأتقياء "
مدَّت نجلاء ذراعِها ليضعه بجانِبها ، قبَّلتهُ كثيرًا وهي تشمُ رائِحة الطُهر فيه : اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
منصُور بإبتسامة تتسع لفرحته الكبيرة ، ألتفت للباب الذِي يُطرق بخفُوتْ ، كانت والدة نجلاء ، قبَّل رأسِها وكفَّها
أم نجلاء : مبرووك الله يجعله من الصالحين
منصور : امين الله يبارك فيك
نجلاء بضحكة مجنُونة : يممه تعالي شوفيه
منصور : عمي برا ؟
أم نجلاء : إيه
منصور خرج و سار قليلاً حتى أنتبه لعمِه ، قبَّل رأسه
أبو نجلاء : مبرووك يا ولدي عساه يكون شفيع لكم
منصور : الله يبارك بعُمرك
أبو نجلاء : أذنت فيه ؟
منصور : إيه تو جابوه
أبو نجلاء : عطيته تمرة ؟
منصور بعدم فهم : تمره !!
أبو نجلاء : إيه من السنة وأنا أبوك
منصور بإبتسامة : الحين أروح أجيب له
أبو نجلاء بإبتسامة مُتسعة فرحةً بملامح منصور الضاحكة : و أنا بروح أشوف الغالي
،
مرَّت الأيام ، وصلنـأ إلى :
اليومُ الأخير لرمضان ، الوداع المُرتجفْ للثلاثين اليومْ ، أُتِّم رمضان تمامًا كـالرمشة ، رُبما أحدُنا تمسك بأهدابِها طاعةً و رُبما أحدُنا سقط دُون أن يفعل شيئًا إلا أنَّ الندم سيحفُر بقلبِ كُل من أعرض عن ذِكر الله و الله الغنيُّ عنَّـا.
الساعَـة الثامِنة ليلاً ،
عبدالمحسن : الحمدلله ، طيب وينها ؟ أبي أكلمها
سلطان سار بخطواتِه للغُرفة التي أمامها ، دخل و رآها على سجادتِها ، بصوتٍ خافت : تصلي ، بس تخلص أخليها تكلمك
عبدالمحسن : طيب .. بحفظ الرحمن .. وأغلقه.
سلطان ادخل هاتفه في جيبه و جلسْ بجانبها ، ألتفتت عليه و بخوفٍ تراجعت قليلاً ،
بهدُوء ينظر لباطِن كفيْها المُحترقة ، سحَب كفوفها ليحُاصرهم بكفوفِه ، سقطت دمُوع الجوهرة المهزومة.
سلطان : أتصل أبوك ، تبين تكلمينه ؟
الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب دون أن تنطِق حرفًا و يديْها مازالت مُقيدة بكفوفِ سلطان.
سلطان بهدُوء : قلت له بتجلسين عندي فترة ... وبرضاك طبعًا
الجُوهرة بهدُوء عيناها تلتقِي بعينيْه ، و أحاديثٌ من نوعٍ آخر تُجرى بينهُما ، بلعت ريقها لتهمس : طيب
أخرج هاتفه ليتصل عليه ويمدُّه إليها ، مسكت الجُوهرة وسرعان ماسقط منها عندما شعرت وكأنَّ ملحًا يُمرر على حرقِها ،
سلطان عقد حاجبيْه و رفعه إليها
الجوهرة مسكته بين أصبعيْها و دمُوعها تغرق في محاجرها ، من ينقذُ الدمُوع من الغرق ؟
ببحة : ألو
عبدالمحسن بصمتٍ طال يحزنُ به على إبنته ، أردف : شلونك يا روحي ؟ عساك بخير ؟
الجُوهرة بهدُوء وهي تنظرُ لسلطان : الحمدلله أنت شلونك ؟
عبدالمحسن : الحمدلله بخير ، مرتاحة ؟ .. أصدقيني القول
الجوهرة بلعت ريقها : الحمدلله ، بس مثل ما قالك فترة ... تعمَّدت قولها حتى تسدُّ كل محاولات سلطان التي رُبما ستأتي قريبًا.
عبدالمحسن : بيجي عرس ريان بعد كم يوم و بتحضرينه وممكن ترجعين معنا
الجوهرة بصوتٍ تحاول أن تتزن به : إن شاء الله
عبدالمحسن : تآمرين على شي
الجوهرة بصوتٍ خانها باكيًا : سلامتك
عبدالمحسن بهمسةٍ دافئة : الله يسلمك ، أنتبهي لنفسك
الجوهرة : بحفظ الرحمن .. مدت الهاتف لسلطان.
سلطان و يخشى جدًا من نفسه عليها ، لا بُد من أحدٍ يحميها ولا أحدٌ سيفعل هذه المهمة دُون أن يشعر إلا عمته : بنرجع البيت اليوم
الجوهرة و صمتُها يستنطِق حُزنًا ، حطَّم كل شيء و أحرقه و كيف تعُود الحياة بعد أن أحرقتها ؟ لا شيء يشفِي أوجاعي منك يا سلطان و لا شيء يُلملم حُزني منك يا تُركي ، لا أحَد من الأوطان التي أردتُ أن أنتمي إليها رحَّبت بيْ ؟
سلطان : جهزي نفسك نص ساعة بالكثير وبنرجع .. خرَج تارِكها
و عُتمة الظروف جعلتها تُخفض رأسها لتبكِي بإنهيار و تُفرغ كل طاقاتِها السلبية الباكيـة ، حُزنها المتراكم و الغيمُ الذي لا ينجلي بسوادِه كل هذه الأشياء تجعلها تختنق في بُكائِها ، أتجهت للحمام لتغسل دمُوعها ببرودة المياه ، تجاهلت حرقِ كفوفها الذِي يزداد ألمًا كُل يومْ ،
لم يكتفِي تُركي بـ 7 سنوات أتى سلطان يتوِّجُ العذاب بحرقِه ، يالله يا أبناءِ آدم كيف تغتالون الأنثى دُون أن يتحشرج بكم حُزنًا أو ضيقًا.
ملامِحها باهِتة شاحِبة ولا الحياةُ تسكن في مُحيَّاها ، رفعت شعرها الطويل بترتِيب و أرتدت عباءِتها.
دخَل سلطان ليجلس قريبًا من السرير : تعالي
الجوهرة بخطواتٍ موسيقية خائفة وقفت أمامه ، أخذ الكفْ اليُمنى و وضع عليه مرهم ليلَّفها بـ شاشْ وفعل بالأخرى مثل الأولى.
سلطان وقف أمامها و لا شيءٌ يفصلهما سوَى مرور هواءٍ هزيلٍ مُختنق في حضرةِ حُزنِ الجوهرة.
سلطان بهمس : أنتظرك برا .. خرج ليتحدَّث مع الرجُل ذو سمَارٍ شرقي : خل عيونك عليه
: تآمر آمر
سمع صُراخه المُنادي " الجوووووووووووووووووووووووووهـــــــــــــــــــــ ــرة "
سلطان تنهَّد بغضب كبير لو أتى إليه سيدفنه فعليًا ، تقدَّمت له الجوهرة وسمعت صرخاته لترتجف ، ألتفت عليها سلطان وبسُخرية غاضب : تبين تودعينه ؟
الجُوهرة بقهر أتى صوتُها حادًا : لا ، لأنه محد فيكم يهمني
سلطان عقد حاجبيْه : محد فيكم ؟ أنا تقارنيني فيه ؟
الجوهرة بلعت ريقها بخوف لتعُود عدة خطوات بسيطة ،
سلطان بصوتٍ مُهدد : طيب يابنت عبدالمحسن ..
،
على فراشِه منذُ ساعتيْن ، لآ يُريد أن يُفكِر بشيء ولا يتحدَّث مع أحد ، دفن وجهه في الوسادة و تفكيره مُشتت بين أشياءٍ كثيرة ، غدًا العيد كيف يشهدُ حضُوره دُونهم ؟ يالكآبة العيد و يالحُزنِ الأرضِ التي لا تحويهم و ياجفافِ زهرُ الحياةِ دُون ماءِ عينهم ، يا سوادِ السماء الزرقاء المزحومَة بغيمِ حزني ! لا أنا أنا ولا الحياة هي الحياة ! من يستنطِقُ بي فرحًا يا أُمي إن غبتِ ؟ من يُقوِّسُ بي ضحكةِ إن رحلت يا أبِي ؟ أُقسمُ بربِ خلقنِي أنني حاولت أن أصبر ولم أستطع ، أصعبُ شيء أواجهه ولا أجِد به مخرجًا هو الفُقد و كيف أصبرُ عنه يالله ؟ و أنا الذِي لم أجِد طريقة أُصبِّر بها قلبي عن جوعه و شغفه بعينِ الهديلْ و بضحكةِ الغادة !
يالله مرر على قلبِي كِسرةُ صبرٍ تُسدِد هذا الثُقب المنزوي في قلبِي والهائِجُ بحُبهم ،
تمتم : اللهم أرحمهم وأغفر لهم برحمتك التي وسعت كل شيء ، يارب أعفُ عنهم وأغفر لهم بأضعافِ وأضعاف إشتياقِي لهُم وحاجتِي لرؤيتهم ، يالله أرزقني رؤيتهم في الجنان يا كريم يا رزَّاق.
تنهَّد واقِفًا ، سمع أصواتٌ مُتداخلة كثيرة في القُرب من نافِذته ، يعلمُ أنَّ بوسعود خرج ليجيءُ بـ زوجته ، يا شماتتي ببناتِه ! أيضًا لا يهُم بالنهاية والدتهُم متوفية منذُ زمن بعيد.
وقف مُبعِدًا الفراش عن جسدِه ، أدخل كفوفه في جيبِ بنطال بيجامتِه الكاروهات ، خرج لينظُر للقصرِ الهادىء تمامًا في مثل هذا الوقت أو رُبما كل الأوقات.
أقترب من حمام السباحة و لا أثر لأحد ، سقطت أنظاره على غُرفة التخزين ، تنهَّد من ذاك الفجر البائِس ، عاد ليصطدِم بها وواضِح أنها غير مُنتبهة لها ، مُنحنية تمسح شيئًا على بيجامتها المُتسخة الآن ، تنهَّدت بضيق من وقوعها قبل قليل على الطين المُبلل ، رفعت عينها وتجمَّدت في مكانها وشتمت في داخلها " ساندي " التي أخبرتها أنَّ عبدالعزيز نائِم وأضواء بيته مُطفئة.
الباب خلف عبدالعزيز إذن لابُد أن تمر من جانبه ،
عبدالعزيز و انظاره صامِتة هادِئة تتأملُها حتى شعرها غرق في تفاصيله وهو ملموم للأعلى ومموَّجُ بشكل يُغري العين.
رتيل بلعت ريقها وهي تسيرُ بجانب الجدار ، و هدُوئه يُثير في داخلها الشك لم تعتادهُ هادِئًا في الفترة الأخيرة.
عبدالعزيز وكأنه شعَر بأفكارِها و وقف أمامها ، رتيل أبتعدت للخلف بخطواتٍ قليلة لترفع عينها : وش تبي ؟
لاينطقُ شيئًا وعيناه في عينيْها ، غارقة. ستعرفين يا رتيل يومًا أنَّ عيناك كانت قصيدة مُؤجلة لم تجد بيْ أيٌّ من قوافيها.
رتيل بغضب : أبعد عن طريقي
عبدالعزيز بضحكة مُستفزة : ماهو لايق عليك تعصبين
رتيل عقدت حاجبيْها : والله ؟؟ وأنت ماهو لايق عليك تكون رجَّال
عبدالعزيز ببرود ينظر إليْها ولإستفزازها ، لو كان الأمرُ بيدِه لفجَّرها بوجهها حتى تعلم كيف تكون الرجولة.
رتيل وأراد أن تدفعه لولا أنَّ عبدالعزيز لوَى الذراع الممتدة له خلف ظهرها وهمس في أُذنها بحرارةِ أنفاسه : لا تحاولين تمثلين القوَّة !! .. وترك ذراعها مُتجِهًا لبيته.
رتيل مسكت ذراعها بألم وبصرخة وصلت له : الله يحرقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـك أنت وياها
عبدالعزيز أبتسم وهو يسير وضحكة تقوِّس شفتاه.
،
أغلقْ أنوارِ شقتِه التي باتت لا تزهُر في غيابِ قلبه الذِي أندفن مع غادة ، تنهَّد بضيق وهو يسحبُ حقيبتِه وبجيبه جوازِه الأخضَر ، غدًا العيد و من علَّق على حياتِها أعيادٍ لا تنتهِي رحلت ، من كانت ضِحكتُها عيدْ و عيناها عيدٌ آخر ، من كُنت أُشارِكها الأعياد غابتْ و الآن أعجزُ ان أفرح بعيدٍ واحِد و انا الذِي أعتدتُ العيد منذُ عرفتِك.
في ليلةٍ صاخبة - دُوفيل - على الشاطىء ، هذه ليلةِ ثانِي أيامُ العيد.
عبدالعزيز خرَج من المياه الدافئِة عاريْ الصدِر و الضحكة ترتسمُ على مبسمه : خربت جوِّكم
ناصِر الجالِس بجانِب غادة : ماهو شي جديد عليك
عبدالعزيز بعبط : بابا قالي لا تتركهم بروحهم
ناصر: ياغثِّك ، طيب المويا باردة ؟
عبدالعزيز أستلقى على التُراب المخملي : لأ برودتها حلوة
غادة ترمي عليه المنشفة : غط نفسك لايدخلك برد
عبدالعزيز وزحف حتى وضع رأسه في حُضنِ غادة وبخبث : ألعبي بشعري
ناصر : ههههههههههههههههههههههه بزر
غادة بإبتسامة : تدري قبل شوي هديل تكلمني وتسب فيك تقول كل عيد لازم أنثبر وأنتم تفرفرون
عبدالعزيز : وش أسوي في هالحمار اللي جمبك !!
ناصر : أنا ساكت من اليوم إحتراما لإختك بس بقوم عليك بعد شوي أخليك تعض التراب
عبدالعزيز : أقول أنبسطوا بس هذا آخر عيد لكم يتحكم فيه أبويْ .. العيد الجاي إن شاء الله بتآخذ مُرتك وتنحاش
غادة بخجل شتت أنظارها ، والإبتسامة تُزيِّن ثغرها الخجُول ، هذا اليومُ المُنتظر منذُ سنين.
ناصِر بضحكة واسِعة : شعور حلو أنه أحد يستأذن مني تجيني وتقولي بروح بيت أهلي وأقولها لأ .. أخلي أبوك يجرب الـ لأ مني
عبدالعزيز : أكسر راسك والله إن حاولت
فُتِح المصعد مُتجِهًا لسيارة الأُجرة المُنتظِرة تحت ، صُدِم بأمرأةٍ رفع لها حقيبة اليد التي سقطت : آسف
أمل و عيناها تتأمل ناصِر بنظراتٍ طويلة ، ناصِر بقيَ واقِفًا بريبة من نظراتِها
أمل بعربيـة : عفوًا
ناصِر أكتفى بإبتسامة ودخل السيارة متوجِهًا للمطار.
أمل وذراعِها الملتوي يؤلمها إثر جلُوسها على المقعد مربوطة عدةِ أيام تحت التحقيق الأسود من قبل سعد ، لم يخرج سعد بحقٍ ولا باطِل ، أعرفُ جيدًا كيف أحفظُ الأسرار كما أعرفُ كيف أعيشُ في مُنتصف المعركة.
ألتفتت على سيارة الأجرة البيضاء ، هذا " ناصر " أنا مُتأكِدة من ذلك ، سبق و رأيت صورتِه ، يبدُو لي أنه مازال يأتي إلى باريس ولم ينتقل بشكِل كُلي للرياض ، لا يهُم واضِح أنه مُغادر من حقيبته .. من الجيد أنَّ غادة ليست في باريس.
في عُتمة السيارة فتح أزارير قميصه ، يشعُر بضيقٍ بلا سبب أو رُبما باريس هي السبب ، غثيان يُداهمه و نظراتِ تلك المرأة العربية مُستفزة لمعدتِه الفارغة ، أثارت الشك في قلبه و رحلت. من الممكن أنها سبق ورأتني أو رُبما تعرفني لذلك توقفت ، " أستغفرك ياربي من كل ذنب " ، تنهَّد و قلبه يضيقُ به أكثر.
،
دفنتْ ملامِحها الباهِتة في الوسادة ، تبكِي بإنهيار قلبٍ بات لا يتحمَّلُ الإنتظار ، غدًا العيد و لا أهلٌ تتسع فرحتهُم ليْ ، تشعُر بضيقٍ تام من أنَّ لا أحدًا بجانبها سوى ولِيد الذِي لن يكُن زوجًا تُقبِّله ولا أخًا تُعانقه ، ماذا يفعلون الآن ؟ رُبما يُجهزون ملابِسهم الجديدة للغد و رُبما لأ.
ضربت رأسها كثيرًا على الفِراش تُريد أن تتذكَّر ولكن بيأس تضربُ غير مُصدِقة ، أنينها يرتفع " لِمَ كُل هذا يحصُل بيْ "
بحُزن عميق : آآآآآآآآه .. ساعدني يالله
فقط يالله أُريد أعرفُ كيف كان عيدي السابق ؟ كيف كانت فرحته ؟ أنا لا أنسى ضحكاتِهم ولكن أنسى ملامِحهم ! أنساهُم يالله ولا أُريد ! والله لا أُريد أن أنسى من أُحب.
،
سَار بغضب لا يعرفُ ماذا يفعل الآن ، أرسَل رسالة لمقرن " أمل ماتعرف مكان غادة و وليد ، بحاول أدوِّر في المناطق القريبة "
مرَّت سيارةُ الأجرة بالقُرب من الرصيف و تناثَر ماءُ الطريق عليه ، سعد بحنق : الله يآخذك
ناصِر ألتفت للنافِذة الخلفية من سيارةِ الأجرة مُتفاجِئًا : هذا سعد !! ...
ماذا يفعل في باريس ؟ أذكُره جيدًا في بدايةِ حضُوري لباريس كان لا يُفارق والِد عبدالعزيز و من ثُم ألتزم بعمله في الرياض ، مالذِي جاء بِه إلى هُنا ؟
،
تسيرُ حول البيت و رائِحة البخُور والعُود تنبعثُ من كفِّها الحاملة للمبخرة ،
العنود بإمتعاض : يمه خنقتينا !! كل هذا لوشو ؟
حصة بإبتسامة : سلطان يقول بتجي الجوهرة اليوم
العنود بسخرية : ماشاء الله وكل هذا بس عشانها بتشرِّف بيتها مفروض هي اللي تقوم فينا الحين
حصة : أقول أبلعي لسانك اللي وش طوله
العنُود تنهَّدت و أخذت مُجلة تتصفحها ،
حصة : أسمعيني زين بس تجي ماعاد أشوفك طالعة بهالمصخرة قدام سلطان ، تلبسين طرحتك ولبس زي العالم والخلق
العنود بدلع : هذا لبسي وهذا أنا ماراح أتغيَّر عشان خاطر أحد
حصة عضت شفتِها السُفليا : يا شين هالدلع بس !!
فُتِح الباب مُتقدِمًا سلطان على الجوهرة ، حصة ببهجة كبيرة : يا هلا والله تو مانوَّر البيت ،
الجوهرة بهدُوء سلَّمت على حصَة و التي عرفتها من صوتِها أنها العمة التي تحدثت معها سابِقًا ، تقدمت العنود لها وكان سلامًا بارِدًا جدًا.
سلطان همس في أذنِ حصة : شوفي لك حل مع بنتك
تنهَّد جالِسًا وهو يملىء فنجانه بالقهوة مُتجاهلاً تماما مايحدثُ خلفه بين الجوهرة و عمتِه.
العنود توجهت لغُرفتها بعد أن رمقت الجوهرة بنظراتٍ لم تعرفُ تفسيرًا لها.
حصة : وش فيك واقفة ؟ تعالي أجلسي خلني أعرف أخبارك
الجوهرة حمدَت ربها كثيرًا أنَّ ملامِحها لا تحوِي أيّ أثرًا للجروح وهي تدسُ كفَّاها بطرفِ أكمامها ، بإبتسامة شاحبة جاهدت أن تخرُج لها ولا تعرفُ بأيْ كلمةٍ تُردف
سلطان ألتفت : خليها تصعد ترتاح شوي
حصة : إيه أكيد أخذي راحتك حبيبتي
الجوهرة وبخطواتٍ سريعة صعدَت للأعلى ،
حصة جلست بجانب سلطان : وش فيها ؟ وجهها أصفر مررة
سلطان بغير إهتمام : تلقينها مانامت
حصة : مالت عليك إيه والله مالت
سلطان رفع عينه غاضبًا ،
حصة : يخي تحرَّك مافيك قلب يحس !! .. روح ألحقها شف وش فيها وش منَّه تعبانه ؟
سلطان بحدة : تنام وترتاح
حصة تنهَّدت : الحكي معك ضايع ، بكرا العيد حاول تكون لطيف شوي
سلطان رُغما عنه ضحك ليُردف : طيب بصير " قلد صوتها " لطيف
حصة أبتسمت : لا عاد جد سلطان ، خلك وش زينك وأهتم فيها ، ماشاء الله هالزين مفروض مايضيق
سلطان تنهَّد : طيب
حصة بضحكة : بس والله عرفت تختار !! هذا وهي تعبانة كذا كيف عاد وهي كاشخة .. الله لايضرها
سلطان : هههههههههههههههههههههههههه يارب دخيلك ، بتجلسين تمدحينها لين بكرا عارف أسلوبك
حصة : إلا والله أني صادقة ، ماشاء الله تبارك الرحمن ربي يحرسها من عيون خلقه .. أحلفك بالله ماهي أزين من شفت بحياتك ؟
سلطان بتضييع : أنتِ أزين من شفت والله
حصة : يا شينك لا قمت تضيع السالفة ، المهم سلطان أنا حجزت لك في مطعم ***** طاولة بكرا لك أنت والجوهرة ، المكان مررة راقي وهادي وبيعجبك أنا واثقة
سلطان : لأ مقدر بكرا مشغول
حصة : حتى في العيد مشغول !! عليّ هالحركات !!
سلطان بضحكة وقف : روحي أنتِ وبنتك
،
رفعت شعرها الأسوَد على شكلِ " ذيل حصان " ، أخذت نفسًا عميقًا ونزلت للأسفَل ،
وقفت في مُنتصف الدرج وهي تسمعُ الصوتُ الأنثوي الغازِي لبيتِهم ، تجمَّدت في مكانها وهي تنظرُ إليها بريبة و كُره.
عبدالرحمن : عبيير
عبير نزلت بهدُوء وهي تعلم من هي ولكن بحقد أردفت : مين هذي ؟
عبدالرحمن عقد حاجبيه وبحدة : إسمها ضي
عبير ، أنظارها تتفحصها من أسفَل للأعلى و بكُرهٍ يكاد يُنطق بينهم.
رتيل بحرج من أنظار عبير : بقول للشغالة تسوي لنا قهوة ... وأتجهت للمطبخ.
عبير سلَّمت عليها ببرود إستجابة لعينِ والِدها الغاضبة ،
عبدالرحمن جلس وبجانبه ضي : شلونك ؟
عبير بصوت خرج حادٌ : بخير
ضي أكتفت بإبتسامة وهي تشعُر بأنَّ عبير ممتلئة بحقدٍ عليها عكس رتيل التي رحبَّت بها.
عبدالرحمن : بروح أشوف عز ... وخرج.
توتَّرت الأنظار بين عبير و ضي لتتقدَّم إليهم رتيل ، : ماقلتي لنا وش أخبارك ؟
ضي : بخير الحمدلله ، أنتِ بشريني عنك ؟ قالي عبدالرحمن أنك كنتِ تعبانة اليومين اللي فاتت
رتيل بإبتسامة : لآ الحين أحسن الحمدلله ، خلصتي دراسة ولا ؟
ضي : لآ مخلصة من زمان بس كنت آخذ دورات خبرة وكذا
رتيل : وش تخصصك ؟
ضي : إدارة أعمال
رتيل : حلو زي تخصص عبير
عبير وتنهيدتها كانت تصرُفًا غير لائِق أبدًا لضي و لو كان حاضِرًا عبدالرحمن لرمقَها بنظراتٍ كرهت بها حياتها ، أردفت : عن إذنكم .. وصعدتْ.
رتيل : معليش بس عبير متضايقة هاليومين
ضي أبتسمت : لآ عادِي ،
رتيل : أبوي وين راح ؟
ضي : قال بيشوف عبدالعزيز
رتيل وتغيرت ملامِحها لحدةٍ و غضب.
ضي ضحكت : وش فيك كذا تغير وجهك
رتيل بإبتسامة : ماأطيقه أبدًا
ضي وألتزمت الصمت و أتاها شعُور الرحمة لرتيل التي لاتعرف بأمرِ زواجها هذا ، " ماتطيقه " كيف لو تعرف بأنها زوجته ؟
دخلت عبير غُرفتها وأغلقت الباب بغضب ، إذن أتى بها ؟ يُريد أن يفرضها علينا بحياتِنا !!
من المُستحيل أن أحترم انثى لم تحترم عُمر أبِي وتزوجته والأكيد أنَّ زواجها طمعًا به ، ماذا تُريد من رجُل في مقامِ والدها ؟
لا تُريد سوى " المادَّة " ، فئة حقيرة تُجبرني على شتمِها.
أستلقت على السرير وأخذت هاتِفها ، لا توَّد أن تضعف ولكن تشتهي ان تقرأ له رسالةً ، كل رسائِله حذفتها حتى لا تشتاق إليه ولكن رُغم ذلك هي تشتاق ، يالله أغنني بحلالك عن حرامك.
،
يُقرب أنفه لرقبتِه القصيرة ليُقبلها ورائِحة الجمال تنبعثُ مِنه : فديته والله حبيب عمه
منصُور بإبتسامة : عقبالك
يُوسف ضحك ليُردف : آمين .. متى تطلع ؟
منصور : مدري عنهم كل يوم طالعين لنا بشي جديد بس بكرا الصبح بطلعها تجلس عند أهلها
يُوسف : ماتشوف شر ، متى نويت التمايم ؟
منصور : إن شاء الله الخميس الجايْ .. شفت أهل زوجتك ؟
يُوسف : أسكت قسم بالله وجهي تقلب عندهم ألوان ولا واحد أعرف إسمه وكل شوي أغلط فيهم بعد
منصور أبتسم : كثار ؟
يُوسف : شفت يمكن 4 وواحد صغير بس عيالهم البزارين نشبه يخي نظام اللي يحشرونك بأسئلتهم
منصور : ههههههههههههههه أمدى تشوفهم كلهم
يوسف : أجل تحسبني جلست مقابل الجدران كل شوي داخل عليّ واحد وبزارينه ، بس والله والنعم فيهم كلهم ماقصروا
،
تنهَّد بعد صمتهم الذي طال و تأمُلات عبدالرحمن في ملامِحه ، يُدرك وجعه في ليلةٍ كهذه ولا حلٌ لديْه و عبدالعزيز يبنِي حواجزٌ كثيرة بينهُما.
عبدالرحمن : حجزت لباريس ؟
عبدالعزيز : إيه بعد يومين ،
عبدالرحمن : وكم بتجلس ؟
عبدالعزيز : مالقيت حجز عودة قريب في الخطوط السعودية .. حجزت على الإماراتية ترانزيت بعدها بأربع أيام
عبدالرحمن بسُخرية : قليل مرة على زوجتك
عبدالعزيز بضحكة أتت لكي يُنفِّس عن غضبه : إلا الشغل أنا أحترمه كثير
عبدالرحمن أبتسم : آآه منك يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : سلامتك من الآآه ،
عبدالرحمن : تضايقنا كثير بس مالنا قدرة نضايقك
عبدالعزيز : بسم الله على قلوبكم اللي دايم تفرحني
عبدالرحمن : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه خذ راحتك وتطنَّز على كيفك
عبدالعزيز أبتسم : أنا ماأنكر أبد مكانتك في قلبي بس تضايقني دايم
عبدالرحمن بإبتسامة دافئة : مشكلتك يا عز منت راضي تفهمنا ، أحلف لك بالله أني أخاف عليك حتى من ظلك و كل شي نسويه عشان مصلحتك
عبدالعزيز : فاهمك لو ماني فاهمك مارجعت لكم
عبدالرحمن : كويِّس ، المهم بشِّرني عنك ؟ وش مسوي ؟
عبدالعزيز : بخير الحمدلله ، ماعندي شي أسويه غير مقابل الجدران
عبدالرحمن : وينه ناصر صار لي فترة ماأشوفه ؟
عبدالعزيز : راح باريس
عبدالرحمن بهدُوء : وش عنده ؟
عبدالعزيز : يقول كذا بيغيِّر جو ، اليوم طيارته راح يوصل الفجر
عبدالرحمن : يوصل بالسلامة
،
في سهرةٍ ليلية مُعتادة قبل العيد ، بناتُ عائِلتهم مُجتمعين التي تكُّن لبعضهم كُرهًا و تكُن لبعضهم الآخر حُبًا.
زوجةِ خالها الشابـة : ماقلتي لنا مُهرة عن زواجك ؟ يعني كذا بالخش والدس تتزوجين !
مُهرة ببرود : كان توه متوفي فهد الله يرحمه
غالية : ماشاء الله يتوفى الأخو من هنا وتعرس الأخت من هناك
مُهرة ومازالت بارِدة : طيب ؟ وش المطلوب مني ؟
غالية : المطلوب أنك مفروض تنتظرين قبر أخوك يجف بعدها لاحقة على الزواج ولا شفتي ولد عبدالله جايك وعلى طول لصقتي فيه
مُهرة بهدُوء : لصقت فيه ؟ وليه ألصق ناقصني شي لا سمح الله ؟
زوجةِ خالها الأخرى : ماهو ناقصك شي ياملي بس ولو ، من الأصول أنك تنتظرين
مُهرة ودَّت لو أنَ والدتها موجودة لتُسكتهم كالعادة ، أردفت : والله عاد هذي حياتي ومحد تدخل في حياتك عشان تتدخلين فيني
غالية : إحنا ننتقد الموضوع بس ، أجل أنا عمتي وضحى *أم مهرة* أسألها عنك وتصدمني تقول تزوجت طيب على الأقل قولي لنا نبارك لك
مُهرة تنهَّدت بضيق : موضوع وصار بسرعة ،
وضحى الشابَة إبنة خالِها تنظرُ إليها وإلى شحوب ملامحها : حامل ؟
مُهرة صُعقت من وقاحة أسئلتهم التي من جلست ولم تهدأ أحاديثهم عنها وعن يُوسف ، ملامِحها تجمَّدت.
والدة وضحى : هههههههه واضح انها حامل ولا بعد ماتبين تقولين ! مو أنتِ ماشاء الله بكرا تتطلقين وتتزوجين غيره ولا نعرف بعد
مُهرة وقفت : فال الله ولا فالك ..
زوجةِ خالها الأكبر : هههههههههههههههههههه وش فيك عصبتي ؟ الله يرزقك الذرية الصالحة ويخلي لك زوجك بس أم وضحى فرضت أنك تتطلقين
سحبت ذراعها بلُطفٍ عنيف لتُجلسها : أجلسي توَّها السهرة بأوَّلها
مُهرة : مو أنتم ماشاء الله من جلسنا وشغالين أسئلة فيني !!
دخَلت صبيةٌ عشرينية تُبغضها مُهرة بشدة تكُن إبنةِ خالتها : ماعاد نشوفك يا مُهرة ؟
مُهرة : أنشغلت بزوجي *حدَّت من كلمتها الأخيرة حتى تُغيضهم*
،
في أطرافِ الليل ، ضحكت لأولِ مرَّة بعد سلسلة الأحداث الدرامية التي حلَّت على حياتها
حصَّة : جد أحكي ، الزوج الرابع عاد ذا مشكلته مشكلة كان عُمري تقريبا 24 وأنا ماني متعودة أبد على نظام الطبخ والقلق ذا كله ، مقدرت أصبر وتطلقت منه
الجوهرة بصدمة : هذا زوجك الخامس !!
حصة : لآ خليهم أنا مقسمتهم اللي فصخنا الخطوبة واللي كنَّا مملكين هذا كان زوجي الرابع رسميًا
الجوهرة ضحكت لتُردف : ماشاء الله
حصة تُكمل ماضِيها الشيِّق : جاني بعدها شايب يجيب الهم قلت نجرب حظنا كان عمره بالأربعين ، من قالي أنا ملول وأطلق هربت منه وفصخنا الخطوبة وش لي بالهم أجل يقولي أنا ملول !!
الجوهرة أبتسمت : اللي بالأربعين ماهُم شياب مررة
حصة : ذاك كان الشيب مغرق وجهه ، المهم جاء زوجي اللي جبت منه العنود
الجوهرة وتحمست كأنها تحاول ركل حُزنِها بأحاديثِ العمة حصَة : إيه
حصة : ضربني عاد يوم ضربني مقدرت أصبر وطلقني منه حبيبي سلطان
الجوهرة : طلبتي الطلاق من أول مرة ؟ يعني ممكن بلحظة غضب ويعتذر لك بعدها ، يعني بينكم بنت وحرام
حصة : لآ عاد اللي يضربك مرة قادر يضربك مرتين وسلطان مارضى بعد
الجوهرة بهدُوء : مارضى !!
حصة :إيه طبعًا ماعندنا حريم ينضربون !! هذا اللي ناقص رجَّال يمد إيده على حرمة
الجوهرة ألتزمت الصمتْ بضيق و لم تُعلق ، لآ يرضى على عمته ولا على أحدٍ و لكن يرضى عليّ حتى الحرق ، ما قسوة قلبك يا سلطان.
دخل على ذكرِه راميًا مفاتيحه على الطاولة : السلام عليكم
: وعليكم السَلام
سلطان :سهرانين ؟
حصة : أحكي لها عن زواجاتي
سلطان بسخرية : من زين الماضي يوم تحكينه !
حصة بضحكة : وليه ماأحكيه بالعكس أتشرف فيه
سلطان جلس بجانب عمته ،
حصَّة : أقولها عن أبو العنود وأنك طلقتني منه بس عشان ضربني
سلطان أخذ فنجان القهوة الذِي مُدَّ من الجوهرة ،
خرجت العنُود من غُرفتها بالبيجاما الحريريـة ذات اللون السُكرِي ،
الجوهرة صُعقت وهي تنظُر إليْها ، كيف تخرُج هكذا وبهذا المنظر أمام سلطان ؟
أنحرجت حصة من نظراتِ الجوهرة بينما سلطان أنظاره كانت على فنجانه ولم يهتم أبدًا بالكائن الحي المُدعى " العنود ".
حصة أتجهت للعنود وبهمس : مجنونة أنتِ ، أدخلي داخل أشوف
العنُود بصوتٍ مسموع مُتغنج : كنت أبغى أشرب مويآآآه
حصة بحدة تهمس : العنود
سلطان تنهَّد ليلتفت إليْها : حصـــــــــة
حصة بصوتٍ خافت : الحين بيقوِّم الدنيا عليك .. ادخلي داخل
العنود تأفأفت بصوتٍ عالٍ حتى تأفأفها كان " دلعًا " .. و دخلت لغُرفتِها.
حصَة بحرج كبير جلست ، سلطان همس بإذنها ضاحِكًا " حاولي بالمرة تقولين لها عن ماضِي بنتك عشان تستفيد "
حصة بصوتٍ يصِل للجوهرة : تتطنَّز حضرتك !!
الجوهرة وقفت : تصبحون على خير .. ومرَّت من جانب سلطان وتعثَّرت بساقِ الطاولة ، كادت أن تسقط لولا يدِ سلطان التي مسكتها من عندِ خصرها.
الجوهرة بربكة سارت بخطواتِها السريعة للأعلى.
حصة بصوتٍ خافت : وش فيها إيدها محروقة ؟
سلطان : كان سألتيها ؟
حصة : تقولي من آلة الكوي
سلطان : طيب ليه تسأليني أجل
حصة تنهدت : ياربي منك .. طيب روح ألحق مرتك
سلطان : مو جايني النوم بسهر معك
حصة تقف وتأخذ صحُون " الحَبّ " : وأنا ماراح أسهر ، تصبح على خير
سلطان تنهَّد و أتجه للأعلى ، فتح باب جناحِهم بهدُوء وعينه تسقِط عليها وهي تُغطي وجهها بالفراش.
سلطان : الجوهرة
بلعت ريقها و الربكة تُصيب أهدابها ليُردف : قومي بقولك شيء
الجوهرة ألتفتت عليه و الرجفَة تُحيط أطرافها ، بصوتٍ مخنوق : آآ .. آآ وشو !
سلطان جلس على طرف السرير مُقابلها ، بصوتٍ أكثرُ إختناق وضيقًا : . .
،
دخلت مع ضي بعد ماكانوا بالحديقة الخلفيـة وبإبتسامة أردفت : وهذا الله يسلمك مكتب أبوي اللي يعتبر خط أحمر في البيت كله
ضي أبتسمت : عاد إلا الخطوط الحمراء وأبوك عصبي بعد
رتيل : أما عصبي !! بالسنة مرة يعصب
ضي بعفوية : كل يوم آكل تهزيئة منه
من خلفهم : أفآآآ
ألتفتوا عليه لتُردف رتيل : هههههههههههههههههههههه كنا نحش فيك
عبدالرحمن : أجل أنا كل يوم اهزأك !!
ضي أبتسمت : حلالك ،
عبدالرحمن : أجل أنا بآخذ المهمة من رتول وبوريك الدور الثاني .. و توجهُوا للاعلى هو وضي.
رتيل أتجهت للباب الخلفي المُطِل على حمام السباحة لترتدِي حذائها " الفلات " بعد أن تركته على عتبةِ الباب ، توقفت قليلاً و هي تسمعُ صوته.
عبدالعزيز وهاتفه على إذنه : 4 أيام تكفي أنا اصلاً قايلها مشغول هالفترة بس يتم زواجنا وبرجع وبعدها أضبط اموري وأجيبك .... لأ .... " تنهَّد " عاد الله أكبر اللي الفرحة مقطعتني بدون هالأشياء ... وأنا قلت بجيبها أعذبها .. ههههههههههههه إيه وش بيتغيَّر يعني ؟ .... طيب كلهم يتغيرون وأنا أقدر أغيَّرها ... لا يدري ... قبل كم يوم شافني مع بنته وتكلم ... لأ للحين ماتدري ... أكتشفت أصلاً أنه زواجي من رتيل غلط في غلط والله ندمان قد شعر راسي !!
↚
يا الله
هنا جذوة في صدري
و وتد قهر
أصطلي به ..
أستحرمتها عليك ؟
و استحللتها علي ؟
أي فؤاد يتربع في صدرك ؟
و أي ندم يتآكل في روحك ؟
أدرك جيدا
أن هناك شيء بدأ
يتنامى بيننا
أنت ترى ما بعد غشاوة
غضب .. يا الله ماذا صنعت ؟
و أنا أجدني
لا أستحق سوى نفسي
فأنت نزعت كل بذرة
قد تزرع غفرانا ..
أتدرك أنك
بت شيئا باليا ..
فبعض صنيع يوغر
في الصدر بركان ثائرا ''
*المبدعة : وردة شقى.
تنهَّد مُتجِهًا للأعلى ، خطواتِه خافِتة غاضبة لا يعرفُ للحلولِ وسطًا يُهدأ اللهيبْ المُشتعل في جوفه ، لستُ أول رجُل في حياةِ أمرأة بنيتُ لها سقفًا في المستقبل يعتلينـا معًا ، كان يجبْ أن تذهب منذُ اول يومٍ عرفت به أنني لن أقبل بها ، كانت تُخطط أن تُخبرني لذلك قبل إعترافها اللعينْ عانقتني ، تعرفْ جيدًا أنني لن أسامحها مهما بلغ الأمر بها ، تبقى " لعبةٌ " تلاعب بها عمَّها وأتتني ، وأنا والله لتُحرم عليّ ما دامتْ سهلة لعمِها فهي سهلة لغيره ، يالله يالجُوهرة بائِسة أنتِ و أنا أكثرُ بؤسٍ منكِ ، نؤمن بأنَّ عصيانُنا يُمكننا أن نتُوب منه ولكن انا لا أؤمن بذلك و لا نفسِي تقبلُ بأن أقبَل الحياة معك و أنتِ لستِ عذراء. غاضب من نفسِي ومنكِ كثيرًا ، ثقتي بِكُن يا بناتِ حواء هشَّة لا أستطيع أن أُسلِّم قلبي لَكُن ، كنت على وشك ان أُسلِّمك قلبي يالجوهرة و الحمدلله أنني مازلت قادِر على الإستغناء عنك.
فتَح بابِ الجناح و يدِه تشدُّ على قبضة البابْ ، نظَر إليْها و ما إن شعرت به حتى غطَّت ملامِحها بالفراش ذو اللونْ السُكرِي بنقُوشٍ سوداء مُتداخلة تُشبه تداخل أفكار سلطان ، أخذ نفسًا عميقًا : الجوهرة.
أرتجفتْ تحت الفراش و أهدابِها تُصاب بالربكة العميقة التي تجعلُها تختبىء أكثر ولو بيدِها لألتحمت بالسرير حتى لا تراه ، أردَف سلطان وسطَ تجمُدها و صلابةِ جسدِها الذِي لا يتحرك في حُرقة إسمها الخارج منه : قومي بقولك شيء
أبعدت الفراش بحركةٍ بطيئة كقلبها الذِي ينبض بخفُوت و بطءٍ من رهبةِ قُربه ، أرتجفت كلماتها : آآ .. وشو ؟
سلطانْ بصوتٍ مُختنق تكدَّست به مشاكلُ الحياة المُتكاثرة في فمه الضيِّق و تحوَّلت جبهتُه لتعرجاتٍ هزيلة : أقنعيني كيف مقدرتِ تدافعين عن نفسك ؟
الجُوهرة و هبطت غيمةُ سوداء على صدرها لتُزاحم نبضها و تُبطئه أكثر : ليه تسأل ؟
سلطان بقسوةٍ و نبرةٍ جافة : بكلا الحالتين مالك محل في حياتي بس أبي أعرفْ
ترفرفت دمعةُ سئمت من سُجن المحاجِر وسقطت ، أردفت ببحةِ البُكاء الموجوعة : ماراح أجاوبك لأن مالك في حياتي شغل
سلطان بحدَّة : سؤال وأبي له جواب والحين !!
الجُوهرة ألصقت رأسها بمُقدمة السرير تحاول أن تهربَ مِن صوتِه و عينه و كلماتِه و جحيمه ، ودَّت لو أنها قطعةُ خرزٍ تندَّسُ في الوسادة .
سلطان بغضب : الجــــــــــــوهرة.
الجُوهرة : ما عندي جواب
سلطان ويُشير بسبابته غضبًا : صدقيني محد بيخسر غيرك ولا تحسبين تُركي وحده اللي بيتعاقب !!!
الجُوهرة أخفضت ملامِحها الباهتة بالبُكاء : ما تقدر
سلطان و شياطينه وقفت عند عتبه عينِه ، أقترب منها ومسكها من كتفيْها ليصرُخ بها : مين اللي مايقدر !!! تحسبينه شيء عادي ! إذا ربي سترك كل هالسنوات فهو قادر يكشفك .. والله بعظمته و
قاطعته ببكاء و أنفاسها تختلطُ بأنفاسه : ما غلطت
صفعها على خدِها لتصمُت ، سيُجن جنُونه من دفاعها الميِّت عن نفسها وعن خطأِها ، ترك كتفيْها إثر صفعتِه القوية على وجهها.
و مازال في غضبه متكوِّرٌ : ماغلطتِ ؟ تكذبين على مين !! تحاولين تصلحين غلط مين بالضبط ؟
الجُوهرة بحشرجةِ صوتها و ألمُها من صفعتِه لها : لو اني غلطت ماقلت لك ولا قلت لأبوي عقب كل هالسنين
سلطان بسُخرية : لأني كنت راح أعرف من نفسي و أبارك لقلبي بزواجي من وحدة ناقصة
الجُوهرة تضببت رُؤيتها من دمعها الذي يخنقُ مساماتِ قلبها المُبتلَّة بكلماته : ناقصة ؟ .. أبتلعت غصَّتها لتُردف ببكاء هيستيري : ماجيته ... هوو . . ليه ماتصدقني ؟ أحلف لك بالله .. أحلف لك بعزته أني ماجيته و أني ماحاولت أقرب منه ... أنا حافظة حدودي زين و عارفة ربي .. كيف بقدر أسوي شي زي كذا ؟ ... ليه ماتحسن ظنك فيني ... ليه تصدقه ؟ أنا ماني محتاجتك .. الله يغنيني عنك بس لا تقذفني .. *صرخت* لا تقذفني بكلامك !! أنا .. أنا ماأستاهل والله ماأستاهل كل هذا ..
تصادم صُراخهم لينفجِر هو الآخر : وأنا أستاهل ؟ ليه تكذبين من أول ! ليه ماقلتي لي !! لو أنك صادقة ليه ماقلتي لأبوك أول ماصار هالزفت !!! لو أنك منتي راضية كان دافعتي عن نفسك ..... كنتِ سهلة له .. سهلة حيل يالجوهرة !!
الجُوهرة وضعت كفيْها على إذنها لتضغط عليهِما و ببكاءٍ مُحترق في لهيب سلطان : مقدررت .. كان أقوى مني ..
سلطان : فيه مية طريقة تدافعين فيها عن نفسك ... لآ تتعذرين وتقولين مقدرت .. و الله أعلم كيف كان شعورك وقتها
الجُوهرة بتقزز من وصفِه و إنهيار تامِ لحُجرةِ عينها : يكفــــــــــــــــييييييييييي .. كان شعوري قهههر .. تعرف وش يعني قهههر ؟ زي شعوري الحين وأنت تتكلم عني !! ماكنت راضية .. أغمى عليّ والله أغمى عليّ و ما صحيت الا و أنا .....
غطت ملامحها بكفوفها وهي تجهشُ ببكائِها مُنهارة لا كلماتٌ لديْها.
سلطان بتعبٍ في قلبه : صحيتي وأنتِ وشو ؟
بقسوةٍ بددت نفسُ الجوهرة شتاتًا : وأنتِ منتي بنتْ !! .. كيف أبني حياتي معاك ؟ ماراح أقدر ولا أرضاها على غيري كيف أرضاها على نفسي
الجُوهرة رفعت عينيْها له و إلتقاءُ نظراتِهما جحيمٌ في مُنتصفِ غابةٍ سوداء : و لا أنا راح أرضى على نفسي أعيش مع شخص صدَّق واحد مريض مايحسب لكلامه حساب !! .. ليه تنظر لي بنظرة دونية وكأني عاهرة !! حياتي ماراح توقف عليك وعلى تصديقك ليْ !!
سلطان بغضبٍ كبير : ولاتفكرين تبدين حياتك من جديد !!!
الجوهرة بحنق : ماهو على كيفك
سلطان : تتسترين فيني وتستغفليني وناوية تبدين من جديد !! لأ يا روح أمك ماهو أنا اللي برضاها على نفسي ... بكرا يتزوجك غيري ويقول والله طليقها داخل عليها مايدري أنه عمك من لحمك ودمك لاعب فيك ، تبين تخدعين غيري زي ماخدعتيني وهذا عشم أبليس في الجنة !!
الجوهرة بصرخة عميقة هزَّت حصُونِ قلبها و أبكتها البحَّة التي تحشرجت بها : يكـــــفــــي حرااام عليك .. حرااااااااااام
سلطان بغضب أحاط رقبتها بكفوفه و ودّ لو يقتلها الآن و بهمسٍ مجروح محروق : وأنتِ ! ماهو حرام عليك ... لو غيري كان شهَّر فيك وفي عمك و نزَّل سمعتكم بالقاع ... لو منتي بنت عبدالمحسن كان عرفت كيف أربيك .. واللي خلقني يالجوهرة أني لا أذوقك جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة أنتِ وعمك
الجُوهرة بإختناق كبير : مين أنت عشان تحكم عليّ بجحيم الآخرة ؟
سلطان ترك رقبتها لتصرخ الجُوهرة : مالك حق ... مالك حق تعاقبني وأنا مالي ذنب !
سلطان أبتعد بخطواتِه للخلف : الله لايريَّح فيك قلب ... وخرَج صاعِدًا للأعلى ، دخَل الغُرفَة الفارِغَة إلا من سريرٍ فقِير لا يحوي فراش ، أستلقى عليه و أنظاره للسقف به من الغضب مايجعل النومْ يهرب منه و النومُ لئيم سيختبأ ولن يجِدهُ أبدًا ، وجُود الجُوهرة بقُربه يستفزُ كل قوَّاه و حتى رجُولته تُرهق وتُستفَز ، بُكائِها و صرخاتِها تُؤذيه لأنه لا يُصدقها و يشعرُ بأنَّ إستحقارهُ لها يعُود إليه إن أنتبه لشعُور الإستغفالِ في داخله ، ماأقبحه من شعور حين تُلامسه كلمة " أستغفلتني ".
،
يسيرُ ذهابًا وإيابًا في عُرضِ الحديقَة المنزليـة التي يُصيبها الجفاف مع أجواءِ الرياض ، مُختنق في جيبِ وطنِه و ضائِع مُشتت كورقاتِ الشجر الساقطة و تُحركها الرياحُ بقسوة ، يُحادث ناصر : متى بتجي ؟
ناصِر بصوتٍ مُتعب : طيارتي بعد ساعتين ، يمكن على الصبح والله مدري على حسب إذا ماصار فيه تأخير
عبدالعزيز تنهَّد : بالسلامة يارب
ناصر : الله يسلمك ، تخيل مين شفت ؟
عبدالعزيز : مين ؟
ناصر : تذكر سعد .. اللي كان مع أبوك يوم كنت في أول سنة جامعة ..
عبدالعزيز : لأ كيف شكله ذكرني
ناصر : أسمر ومصلِّع .. طويل شوي .. عزوز تذكَّر كان دايم يجيكم و مرَّة جانا الجامعة
عبدالعزيز عقد حاجبيه : المهم وش سالفته ؟
ناصر : وش جايبه باريس ؟ ماعنده أحد هنا وغير كذا يمكن قبل 5 سنوات أو 6 راح وقال أنه قبلوه الرياض بشكل رسمي .. يالله ياعزوز تذكَّر
عبدالعزيز بعد صمت لثواني طويلة أردف : سعد حسن ؟
ناصر : إييه هو
عبدالعزيز : منقطعة أخباره من زمان ! يمكن .. *صمت و أفكاره تُعيد ترتيب نفسها دُون تدخل منه*
أردف : في باريس ؟ كان مع أبوي الله يرحمه في ... أستغفر الله لا لا مستحيل
ناصر : الله يرحمهم أجمعين ، أنا أستغربت وطول الطريق وأنا أفكر وش الشي اللي يجيبه هنا !
عبدالعزيز : يمكن مآخذ إجازة وجايْ سياحة
ناصر : مدري ما أحسه جاي عشان سياحة !! وبعدين شفته بروحه ماكان أحد معاه !
عبدالعزيز بهدُوء : تذكر قبل لا يتقاعد أبوي بسنة أستقر في باريس لشهور كثيرة وكان ينزل فترة للرياض وبعدها يرجع باريس عكس السنوات اللي طافت في شغله ؟ وكان يقولنا أنها آخر سنة له و عنده شغل في باريس !!
ناصر : وش كان شغله في باريس ؟
عبدالعزيز : مدري بس كان يطلع مع سعد طول النهار .. وبعدها تقاعد و راح سعد للرياض
ناصر : لا سعد راح الرياض بعد فترة طويلة من تقاعد أبوك
عبدالعزيز بصمت مُرتبك أردف : صح صح .. يعني ... لا ناصر مستحيل أبوي يوم تقاعد من الشغل خلاص أبتعد كثير عن حياة الشغل !! كيف كان يشتغل حتى بعد تقاعده ؟
ناصر : أنا نفسك ماني فاهم ... ليتني كلمته .. أكيد يتذكرني
عبدالعزيز تنهَّد : راسي صدَّع
ناصر : خلنا من هالسالفة .. كلمت بوسعود عن سفرتك ؟
عبدالعزيز : إيه و أكيد ماراح يعارض
ناصر بهدُوء : فكِّر ترى هذا زواج ماهو لعبة ، طيب أستخير والله أنك تظلم نفسك كثير ياعبدالعزيز بأثير
عبدالعزيز : فكرت و قررت و أنتهيت
ناصر تنهَّد بضيق : بس ماينفع .. ليه ماتفكر بمنطقية أكثر .. صاير تفكر بعواطفك
عبدالعزيز : ناصر تكفى سكِّر الموضوع أنا قررت ومالي رجعة عن هالقرار
ناصر : طيب كم بتجلس ؟
عبدالعزيز : 4 أيام والليلة الخامسة أنا راجع بس ترانزيت على الإماراتية
ناصر : 4 أيام بس ؟
عبدالعزيز : إيه 4 أيام تكفي أنا أصلاً قايلها مشغول هالفترة بس يتم زواجنا وبرجع .. وبعدها أضبط أموري وأجيبك
ناصر عقد حاجبيْه من طريقة حياة عبدالعزيز التي في إنحدار مُستمر : و قلت لها أنك عايش في بيت بوسعود ؟
عبدالعزيز : لأ
ناصر : احيانا أحسك تدوِّر وش يضايقك وتسويه ؟ .. ليه تحاول تستفز كل اللي حولك وتخسرهم .. كل هالأشياء تقهرك وتسويها
عبدالعزيز تنهَّد : عاد الله أكبر اللي الفرحة مقطعتني بدون هالأشياء !!
ناصر : وتجيب أثير هنا ليه ؟ تبي تقهرها بعد ؟
عبدالعزيز بحدة : وأنا قلت بجيبها أعذبها !
ناصر : كلامي معاك ضايع ماراح يتغير شي من تفكيرك اللي بيوم وليلة تغيَّر !
عبدالعزيز ضحك بسُخرية تثقب قلبه بحُزن : هههههههههههه إيه وش بيتغيَّر يعني ؟
ناصر : قبل فترة تقولي أنك ماتطيق حياة هالبنت وفجأة تبيها
عبدالعزيز : طيب كلهم يتغيرون وأنا أقدر أغيرها
ناصر بحنق : تعذب نفسك والله !! .. وبوسعود ما يدري أنك تعرف مين زوجتك ؟
عبدالعزيز : لآ يدري
ناصر : قلت له ؟
عبدالعزيز : قبل كم يوم شافني مع بنته وتكلم
ناصِر تنهَّد : وهي عرفت ؟
عبدالعزيز : لآ للحين ماتدري
ناصر : أستغفر الله .. اللي تسوونه مايجوز .. لآ البنت تدري و الحين بتتزوج عليها وهي ماتدري بعد !! عيب قبل مايكون مايجوز !!
عبدالعزيز : أصلاً أكتشفت أنه زواجي من رتيل غلط في غلط .. والله ندمان قد شعر راسي.
في جهةٍ تبعدُ عدةِ خطوات منه ، شدَّت على قبضة البابِ و أطرافها ترتعش لا تتزن ، " زواجي من رتيل " !! عقلها جفّ ويبِس ، توقفت عن التفكير كما توقف قلبها عن النبض بطبيعية أكثر ، كل شيء في جسدِها يرتعش و يصمُت للصدمة التي يراها.
عبدالعزيز يُكمل : أنا ماأنفع لها ولا هي تنفع ليْ ، وحتى أثير .. بس على الأقل أثير ممكن أتعايش معها وأتكيف مع أطباعها ! أما بنت عبدالرحمن هي تحت امر أبوها دايم يعني أنا أتوقع لو تزوجت بنته الكبيرة مستحيل بينسحب من حياتها ومن قراراتها !! أحس محاصرهم من كل جهة و يضلون تحت ظله و أطباعهم نفس أطباعه .. يعني مررة تحس منغلقين على بعض وشخصياتهم تصلح لفترة مؤقتة بعدها تزهق لأنهم يرجعون لأبوهم و شغله .. مع أنهم مالهم علاقة في شغله الا أني أحس أنهم داخلين في شغله .... الزبدة أني أنتظر اليوم اللي أترك فيه هالحياة بكل اللي فيها و أبدأ حياة ثانية من جديد مافيها لا بوسعود ولا بنته ولا أحد من هالرياض !!!
بلعت ريقها بصعُوبة و الغصَّات تتراكم في صدرِها ، دوَار يلفُ رأسها و عيناها لا ترى بوضوح ، كل شيء يبدُو مُبهمًا ضبابيًا يصعبُ على عقلها التركيز في كُل هذه الكلماتِ القاسية صاحبة السطوة على قلبها ، آخرُ من أتوقع في حياتي أن يرخصني لأحد هو أبي ! آخرُ من ينسلخُ من قلبي هو أبي .. كيف يوافق على عبدالعزيز حتى لو على حساب بنته ؟ ألهذه الدرجة وصل عبدالعزيز مكانة في قلب أبي تعتليني و ترخصني أيضًا ؟ كان يقترب مني وهو يعلم تمامًا بأنني حلالٌ عليه و أنا التي أصابنِي الأرق و أكتئبتُ في حُجرةٍ سوداء حتى صعدني الإنهيارُ بسهولةٍ أمام إستسلامِي و هو في جهةٍ كان ينام مُرتاح البال و الضمير لأنه لا يعصي الله ، يالله بأيّ ذنب أُعاقب حتى أتعذب كل هذا العذاب ؟ لِمَ أنا دائِمًا على الهامش حتى في مصيري يحكمُون عليه دُون أن يشاوروني .. " على الأقل يخبروني " ، لا أفهم أحدًا ولا أفهم حتى كيف أنني إبنته إن كان يقبل بتعذيبي دُون أن يتحشرجُ به ضمير ؟ لا أفهم أبدًا ما يحدُث في حياتنا و أفهم تمامًا كيف أنَّ عزيز صدق في قوله " رخيصة " مادام أبي يفعل بي هكذا إذن لا لوم على عبدالعزيز و البقية.
تجمعت الدمُوع بها و الغضبُ ينحصر في زوايـا عينيْها ، لا عُذر سيقنعني ولا قلبٌ سيغفر لأحدٍ مادام لا أحد يلتفتُ إلى قلبي ، و إن أمتلىء حُبه في قلبي والله لن أسمح بأن يتلاعبْ بي هكذا و لن أُعاود ثقتي بمن مُفترض علي أن أُناديه " يبه " ، هو أصبح أبْ عبدالعزيز و يُدلله حتى في سبيل التضحية بإبنته وبقلبها ! ، لم يعُد أبي ولم أعُد إبنته.
تراجعت للخلف وهي لا تعلمُ بأيّ إتجاهٍ تذهب ، كل الأفكار تتشابك في بعضها البعض وتُفقدها وعيْها ، أصطدمت بالطاولة الصغيرة ليسقط هاتفُ المنزل من عليْها ، تُريد ان تصعد لغُرفتها ولكنها مُشتتة ، تفقدُ وعيْها بإستسلامٍ من أعصابها التالفة ، أنا أختنق.
سقطت على الأرض و أرتطم رأسها بقوَّة على حافةِ الطاولـة العريضة المُرتبطة بمرآةٍ طُوليـة ، و لا أنفاسٌ تُسمع.
خرجت من المطبخ الخادِمة التي تُغطي رأسها بقطعةِ قُماشٍ بيضاء تأخذُ شكل المُثلث و بين يديْها كأسُ عصير الأناناس ، سقَط على الأرض ليتناثر زُجاجه و تبتلُ الأرضية الرُخامية بالعصير عندما أخرجت شهقة من منظرِ رتيل ، كانت الدماء تخرجُ من مؤخرةِ رأسها إثر إرتطامها على الطاولة الحادَّة ومن ثُم على الأرض.
ساندِي صعدت بخطواتٍ سريعة للأعلى لترى ضي و عبدالرحمن في الصالة العلوية غارقين في الأحاديث ،
عبدالرحمن مُعطيًا ظهره للباب و ضي التي تُقابله أنتبهت لتصاعدُ أنفاسِ الخادمة ، عبدالرحمن ألتفت بعد نظراتِ زوجته المُريبة : خير ؟
ساندي وفي صدمةٍ تجعلها تُردد إسم رتيل فقط.
عبدالرحمن بخطواتٍ سريعة تسبقُ الريح ، نزل لتتسع محاجره من الدماء ، أنحنى لها وهو يضع أصابعه أسفَل أنفها و تصادمُ أنفاسها في أصبعه جلب له بعض الراحة ، بحدة و ربكة : جيبي عباتها بسرعة
ساندي ركضت لغُرفة رتيل لتُخرج عباءِتها و تُسلمها لعبدالرحمن ، حملها بين ذراعيْه وتوجَّه لسيارته.
ضي في مُنتصف الدرج مُتجمِّدة تمامًا و الرجفة تُصيب قلبها من أن يحصلُ سوءً لرتيل ، بلا شعُور أنهمرت دمُوعها على بشرتها الصافيـة ولم تستوعب بعد دهشتها بما رأت. ليلةُ عيد تُعزي فرحها.
،
تفكيرُها لا يهدأ ، الأرقُ بدأ يُصيبها من الآن ، أقتربت ليلةُ زفافها ومن الآن بل منذُ أول لحظةٍ أخبروها عن ريَّان وقلبها يُقيم عرسٌ صاخبٌ لا يمُّل ، شعرت بأن قلبها يتسع في كُل مرَّة تُفكر فيها بـ ريان و تُحبه دُون حتى أن تراه وتسمعُ صوته ، تمتلىء حُبٌ أبيض من الرجُل التي ستختلط به وتُشاركه حاضره و مُستقبله ، رُبما ليس حُبًا ولكن شغفًا وجنُونًا وإعجابًا وميلاً وكل الأشياء الجميلة تُقيم في قلبي وتنحني بإتجاهِ ضوءٍ يُدعى " ريَّان " ، لايهمُها أمر وسامتِه فهو أخ الجوهرة و أفنان التي تعرفهم جيدًا و تعرفُ أيضًا إبنتيْ عمه فهي واثقة تمامًا بأنه لن يكُن سيئًا وإن لم يكُن جميلاً بالتأكيد سيكُن جذابًا بما يكفِي ، الأهم أنه سيكُون زوجٌ حنُون و يحتويني. قلبي لايكف عن نسج كنزاتٍ من الحُب و الجمال تسقطُ عليها الأزهار و تزهرُ بالألوان. يالله يا ريان كُل هذا وأنا لم أسمعك و أراك ، أشعُر أن قلبي سيتوقف إن رأيتك إن كان يتسارعُ في نبضه بمُجرد التفكير بك. أنت خلف كل إبتسامةٍ مُفاجئة تُباغت شفتي.
هيفاء أستلقت على الأرضْ وأسفلُ رأسها " خُدادية " الأريكة ، بضجر : ماطفشتي ؟ مافيه شي ينشاف بالتلفزيون وماهو جايني النوم !
ريم بإبتسامة حالمية : بكرا العيد
هيفاء : الحمدلله والشكر !! أنا أكلمك بإيش وأنتِ تكلميني بإيش .. *بخبث أردفت* تفكرين في صاحب الحظ السعيد هههههههههههههه
دخل يُوسف و بجانبه منصور : صاحيين ماشاء الله
منصور : أنا بروح أنام لآتنسى تصحيني على صلاة العيد
يوسف : طيب .. جلس بجانبهم مُتنهدًا : يوم دخلت سكتوا ! أعوذ بالله من سوالف الحريم اللي فوق 18 سنة
هيفاء ضحكت لتُردف : والله ماكنا نسولف بس أقولها طفشت
ريم بنبرة طفولية شغوفة : شفت عبود ؟ يجنن ماشاء الله
يوسف وش يجنن !! أنتظري كم شهر لين تبان ملامحه وعاد أحكم لكم هو مزيون ولا بيطلع شين نفس أبوه
هيفاء : عيونه كوبي من منصور وخشمه خشم منصور بعد .. بس شفايفه لأ
يُوسف تقوَّست شفتيْه بتناحة : أمدى !! أقول البزر منخفسة عيونه و ماله خشم اللهم فتحتين ماتدرين وش محلها من الإعراب أستغفرالله بس أنا جاملت منصور قلت مزيون الله لايضره وبغى يآكلني بعد يقولي قول ماشاء الله .. على وش ياحظي !!
ريم : هههههههههههههههههههه حرام عليك هو لأن وزنه يخوِّف مررة نتفة أنتظره يكمل شهرين وبتشوف بس واضح مآخذ من منصور أكثر من نجلا
يُوسف مسح وجهه بكفُوفِه مُرهقًا وبإبتسامة : بس والله شعور حلو الله يديم فرحته ،
هيفاء : آمين ، صدق ماقلت لنا وش سويت في حايل ؟
يُوسف : يهبلون سوالفهم تونِّس ماتملين منها
هيفاء : شفت كل أهلها ؟
يوسف : والله مدري يعني شفت خوالها الكبار و عيالهم مدري عاد إذا فيه أحد ماكان موجود
هيفاء : يازين لهجتهم . . صديقتي أيام الثانوية من حايل
يُوسف بإبتسامة : لا متأثرين مرة بأهل الرياض مدري شكلهم كانوا ساكنين هنا بس مهرة وأمها ماتقولين من حايل بس عيالهم الشباب عليهم رزة ماشاء الله .. بخطبك لواحد منهم
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههه على حسب الوسامة
يُوسف : شوفي خششهم عادية بس الله معطيهم خشوم قسم بالله تشوفين خشمك عندهم وتتفلين بوجهك
ريم : أصلاً مُهرة بعد خشمها حلو ،
يُوسف : إحنا ماورثنا من بعض الا خشوم عوجا
هيفاء : تكلم عن نفسك حبيبي خشمي وش زينه
يُوسف : يالله ليلة عيد وماأبغى أمصخرك على ذا الخشم النتفة
ريم : طيب متى بترجعها ولا خلاص ؟
يُوسف بهدُوء : بخليها تكيِّف عند اهلها وإذا بغت ترجع تعرف رقمي
ريم : من جدك !! أكيد ماراح تتصل عليك وتقولك تعالي .. أصلاً ماينفع .. لازم أنت تتصل
يُوسف : وليه ماينفع !!
ريم : أنت وش يعرفك بالحريم ؟ أي حرمة مكانها مستحيل تفكر هي اللي تتصل لازم الرجَّال
يوسف بضحكة : خلينا من هالموضوع عندي لكم خبر حلو
هيفاء بحماس : بتسافر وتآخذني ؟
يوسف : حطي في بالك لو سافرت أخاوي لي كلب ولا آخذك معي
هيفاء تُجمِّع كفوفها لتُشير إليه : مااقول الا مالت
يُوسف بتجاهل لها : المهم مهرة حامل
ريم شهقت بفرحة : صدددق !! مبروووووووووووووك
يوسف : الله يبارك فيك
هيفاء فتحت فمِها غير مُصدقة
يُوسف بسُخرية لهيفاء : الله يبارك فيك
،
في غُرفتهم المعتمة لولا ضوءُ الأبجُورة الصفراء الخافتة ، على السرير مُتربعة وفي حُضنها جهازُ الآيباد : ماأرتحت لها
حصة : بالعكس وش زينها البنت تهبِّل حتى واضح ماهي راعية سوالف وتطلع حكي منشغلة بنفسها
العنُود : ماتعجبني هالنوعية
حصة : انتِ وش يعجبك أصلاً ؟ نامي الله يرحم لي والديك
العنُود : يمه أجلسي معي شوي بسولف لك
حصة : إذا سوالف تغثني والله النوم أولى
العنُود بضحكة : تعرفين ماجد صح ؟ اللي معاي بالجامعة ؟
حصة : إيه وش فيه ؟
العنُود بإبتسامة شغوفة : راح يجي يخطبني ..
حصة أستعدلت لتجلس على السرير ومحاجرها مُتسعة : نععععععععععععععم !!
العنُود تغيرت ملامحها السعيدة للدهشة من ردة فعل والدتها المُتفتحة في نظرها : وش فيك ؟
حصة بحدة : هالموضوع يتسكَّر ولا أبي أسمعه مرة ثانية
العنُود بهدُوء : ليه ؟ أنا أشوفه شخص فيه كل الصفات اللي أبيها ليه أرفضه ؟
حصة : مايصلح لك وبس
العنُود : أقنعيني طيب بالأسباب وبسكِر الموضوع
حصة : هذولي الناس يتزوجونك فترة وبعدها يطلقون .. شفتي أبوه طلق أمه بعد عشرة عُمر .. عندهم الطلاق سهل وكل شيء يحلونه بفلوسهم .. وهالفئة من الناس مستحيل أوافق أنك تختلطين معهم
العنُود : بالعكس أنا أشوف أني أأمن مستقبلي وممكن يوفِر لي الحياة بكل متطلباتها ومنها الفلوس
حصة : يعني أنتِ بتتزوجينه عشان فلوسه ؟ ليه إحنا ناقصين ؟
العنود : بصراحة أيه .. يعني أحب وأحب طيب وبعدين ؟ أتزوج واحد سيارته من عشر سنوات وبيته متكسِّر يالله يصرف على نفسه !! أنا أحب أتزوج بعقل والحب تاركته للمراهقات ، وعقلي موافق على ماجد
حصة : العنود لا تنرفزيني .. هذا ماجد مايصلح لك وأنتهينا ولا سلطان راح يوافق عليه
العنود بغضب أشتَّد من ذكر " سلطان " : وش دخل سلطان فيني ، ماجد إذا جاء راح يخطبني من أبوي وإذا أبوي وافق ماله حق يتدخل ..
حصة : بس أنا ماني موافقة !!
العنود : هذي حياتي يمه أرضيك بكل شي بس حياتي خط أحمر
حصة رفعت حاجبها : يعني رايي ماهو مهم ؟
العنود : أنتِ قلتيها ! رايك ؟ يعني ممكن أتقبله وممكن أرفضه ماهو قرارك !!
حصة بغضب : إلا قراري وهالموضوع منتهي !! زواج من هاللي إسمه ماجد مافيه ! .. هذا اللي ناقص بعد وأصلاً هم ساكنين في دبي
العنُود : إيه طيب ؟ وش فيها دبي ؟
حصة : تبين تعيشين بعيد عني ؟
العنُود : يمه قلت لك هذي حياتي بنهاية الأمر أنا راح أبعد إذا مو اليوم بكرا !
،
تنزع عباءتها و تنفث على نفسها مرارًا متعوِّذة منهم : أعوذ بالله وش هالناس !! ليتك كنتي موجودة يمه وسمعتيهم .. أقرفوني
والدتها : عساتس ماقلتي لهم أنتس حامل ؟
مُهرة : بدون لا أقولهم البزر وضحى سألتني
والدتها : هذي بزر !! الا عقرب من تحت لتحت ، الله يزوجها ويفكنا منها !! تراها حسود أنتبهي
مُهرة : ليت بنات خالتي مزنة كانوا موجودات حبي لهم والله بدون لا أحكي يسكتونهم
والدتها : و عسى مرت خالتس مسفر العوباء ماتكلمت ؟
مُهرة : إلأا هي اللي مستلمتني *تُقلد صوتها* من الأصول أنك تنتظرين سنة على وفاة فهد !
والدتها : ماعليتس منهن منقهرات
مُهرة بضحكة : أصلاً بيَّنت لهم أني ميتة على يوسف
والدتها : ورآه ناوية على شي ؟
مُهرة توتَّرت : أكيد يمه يعني إحنا مانصلح لبعض وبعدين كيف تقبلين أتزوج واحد أخوه قتل أخوي ؟
والدتها بحدة : أقول أنثبري مافيه طلاق ولا عاد أسمعتس تجيبين طاريه لا قدامي ولا قدام يوسف وإن سمعت أنتس جايبته قدامه ماتلومين الا نفسك .. أنتِ الحين حامل والله يثبته لتس ومافيه أحسن من يوسف أبو و زوج لتس
مُهرة بغضب : يمه لا تخليني أدعي الحين عليه وعلى هاللي في بطني !! يوسف اليوم ولا بكرا راح يطلقني .. ماراح أعيش مع ناس قتلوا أخوي
والدتها : أسكتي لحد يسمعتس ويحسب أنتس متزوجة واحد قاتل !!!
مُهرة تنهَّدت لتستلقي على السرير القريب من سرير والدتها : يمه الله يخليك الموضوع بيني وبين يوسف منتهي وأنا مابغيت أخبرك بنفس الوقت عشان ماأزعلك بس إحنا أتفقنا وأنا جاية الحين ومالي رجعة له
والدتها ضربت صدرها بقوة مدهُوشة : وشهو ؟ من بكرا تتصلين عليه وتخلينه يجيتس هذا اللي ناقص بعد تبين تهدمين بيتتس بإيدتس وتشمتين حريم خوالتس فينا
مُهرة بحنق : ماراح أتصل ولا تخليني أدخل خالي محمد بالسالفة وتعرفين أنه مايرفض لي طلب
والدتها :والله لا أقِّص رجلتس قص .. لو وصل العلم عند خوالتس الثانيين تعرفين وش بيسوون ؟ ماله داعي أقولتس أنتِ عارفة وخابرة
مُهرة خنقتها عبرتُها وغطت نفسها بالفراش ودفنت وجهها في وسادتِها لتنسابْ دمُوعها بهدُوء وصمت ، تعرفُ جيدًا كيف يتكوَّن عقل خوالها و بما يُفكرون وطريقة تفكيرهم ، و حتى إن تطلقت من يُوسف سيجبرُونها على الزواج من إحدى أبنائهم. لا حل أستطيع أن أهربُ منه إلا " خالي محمد " هو وحده الأكثر تفتُحًا و الأكثرُ رحمةً عليها.
،
رائِحةُ المستشفى لوحدِها تُثير المعدة غثيانًا وتُمرِض المُعافى ، خرَج من جهةِ الطوارىء المُنعزلة عن بقية أقسام المُستشفى ، صمتُها يُثير في داخله ألفْ علامة شك و يعقدُ حاجبيْه بتعجُب ، قادَ السيارة متوجِهًا للبيت و أذانُ الفجرِ يقترب وقته.
، - جالِسة في الأمام بجانبِ والدها التي تكُن له غضبًا شديدًا ، مازالت تشعُر ببعض الألم في رأسها بعد أن تم خياطتُه بعدةِ غُرز وقطعةٌ بيضاء تلفُ رأسها لا تشبه أبدًا تفكيرها السوداوي في هذه اللحظة ، نظرت لساعةِ سيارتِهم لتندهش من الساعة الثالثة فجرًا وهي تتذكرُ أنها كانت مع ضي في الساعة العاشرة أو رُبما الحادية عشر.
والدها : رتول حبيبتي
لم تُجيبه ، تشعُر بقهرٍ فظيع يجعلها تصمت عنه.
والدها : قولي لي بس وش فيك ؟ ريحيني !! كيف طحتِ ؟ ماهو معقول على الأرض ويخيطون رآسك !!
رتيل بصوتٍ جاهدت ان يخرج متزن : طحت على الطاولة
والدها بضيق : الفترة الأخيرة صايرة تداومين بالمستشفى !! أنتبهي الله يخلي لي شبابك.
رتيل أكتفت بتنهيدة أثارت قلب والدها المهمُوم.
،
" الله أكبر .. الله أكبر " أخذ نفسًا عميقًا وهو مُستلقي على السرير لم يأتِه النوم ، أتجه للحمام و توضأ ليرتدِي ثوبه دُون أن يلبس شماغه ، ترك شعره القصير مُبعثرًا و جذابًا على حدِ عينه المُعجبة بشعره. وضع هاتفه على " الصامت " و سقطت عيناه على سواكه ليأخذه متوجِهًا لمسجِد الحيْ الذي يبعدُ عدة خطواتٍ منهم ، دائِمًا إن دخله يشعُر بأناسٍ من كوكب آخر ، صامتُون هادِئون ، نظراتِهم مُريبة مُربكة ، قبل أن يتجاوز سُور المسجِد ألتفت و رفع حاجبه مُستغرِبًا من سيارة بوسعود التي مرَّت ، أطال النظر حتى دخلت السيارة القصر و رآها على جمب ليكشفْ عن الأنثى التي يكسيها سوادُ الحشمة !! " رتيل أم عبير .. مهما تكُن مالذي يجعلهما يخرجان في مثل هذا الوقت !!!!! "
دخل المسجد و تفكيره مشوَّش مُنشغل.
،
وضع رأسه على شباكِ الطائِرة لينظُر للسُحب التي تُزاحم السماء والقريبة جدًا من عينيْه ، مُرهقة عيناه من النظر لغير غادة ، مُرهقة جدًا هذه العينان إن نظرتْ للأشياء و من يُضيئها غائبٌ تحت التُراب ، ما بيننا الآن مسافاتٌ شاسعة مُؤذيـة مُؤرقة. مابيننا حياةٌ طويلة يا غادة.
تنهَّد أمام المُضيفة المُبتسمة برقة " ماذا توَّد أن تشرب ؟ "
ناصر " شكرا لا شيء " .. أنزل كُرسيه ليُجاهد نفسه أن ينام و يبتعد عن خيالاتِ غادة.
جلس بجانِبه في الدرجةِ الأولى رجُل ثلاثيني ذو بشرةٍ شقراء.
ناصِر أستعدل في كُرسيْه فالنوم فعليًا لن يأتي ، أردف : مرحبا
الرجُل بإنكليزيةٍ رقيقة : أهلاً .. رأيتك نائمًا ولم أشأ أن أُضايقك
ناصر : كنت أحاول ولم أستطع للأسف
: يجب أن تُفرغ ذهنك و سيأتيك النوم
ناصر : منذُ ساعتيْن و أنا أحاول النوم ولا عقلٌ ينعس
: العقل يستجيبُ لأوامرنا إن رغبنا فعليًا بذلك
ناصر بإبتسامة دافئة : يبدُو أنني أعصي عقلي
: تعرف شيئًا ؟ في كل مرةٍ ينشغلُ عقلي في شيءٌ مضى ويُتعبني ، أقرأ كتابٌ مُمِل إلى أن أنام ، كل الأشياء الرمادية لها جانبٌ مُضيء و حتى الكُتب السيئة لها جانب جيِّد.
ناصر : و الموت ؟ له جانب مُضيء !
: الذكريات الجميلة هي من تُضيئنا .. أيُوجد أفضل من الذكريات ؟ وإن كانت مُوجعة هي من تُريح القلب في الغياب.
ناصر : الذكرياتْ موتٌ بطيء ننزلق به
: من فقدت ؟
ناصر : زوجتي
بضيق : منذُ متى ؟
ناصر : منذُ عام ، في ليلة زفافنا
: أووه !! أعتذر لذلك
ناصر أبتسم بوجَع : لا بأس ، سنعتاد.
: يجب أن تُفكر بأنَّ حُبها هو من تحيَا الآن لأجله رُغم موتها ، لذلك كُن ممتنًا دائِمًا أنك أحببتها
ناصر و كأنَّ الوجعُ يتشكَل به أو رُبما حاجته للحديث تجعله يحزن أو رُبما لأنه عيد و قلبه مُتعب من أنه عيدٌ لا يضمُ غادة : لم أسخط يومًا من حُبها وهي من كانت خلف كل إبتساماتي و ضحكاتي.
،
أزاحت السماء عن خِمارها لتتوهَّجُ شمسها و السُحب تتراكضُ لدِفئها ، أضاءت دُوفيل و اليومُ مُرادفٌ للفرحة ، أتَى العيدُ مُدهِشًا يتشكلُ على هيئة ضحكة تُبهج قلوب الأطفال والكبار.
أفاقت مُبكِرًا لتُحضِر الفطور ، لا تشعُر بأنه يومًا مُختلف عن بقية الأيام ، العيدُ يأتِي كيومٍ عادي ، لأن لا أحد بجانبي ، لا أُمٍ ولا أب أقبل جباههم و ألفظُ " عيدكم مبارك " ، لا أحد أُعايده و أُبارك له لأشعُر ببهجةِ العيد. و رُغم كل هذا لستُ في منطقةٍ تضجُّ بالعرب حتى ألمحُ العيد في ملامحهم و أسعَد.
قاطع تشابُك تفكيرها المُكتئب الجرس ، خرجت من المطبخ التحضيري وهي تلفُ حجابها على عجل ، فتحت الباب لتتسع إبتسامتها و لا ترى سوى جسدِها وملامِحه تُغطيها بالونـة كبيرة على شكلِ قطعةٍ نقدية من فئة 500 ريال – بانت بها صُورة الملك عبدالعزيز رحمه الله –
وليد بإبتسامة : عيدك مبارك
رؤى : من العايدين والفايزين ... أبتعدت حتى يدخل ، .. الله جايب فطاير
وليد يضع الضفائر الفرنسية من العجين عل الطاولة ويجلس مُبتسمًا : طيب تعالي بوريك عيديتك
رؤى ضحكت لتُردف : مين قدي اليوم
وليد بإبتسامة : توِّك ماشفتي شي
رؤى : وين بتوديني بعد ؟
وليد : بنروح منطقة ثانية بعدين أحكي لك عنها راح تحسين بالعيد وجماله
رؤى أبتسمت وهي تجلس وأمامها علبة من الكرتون متوسِط الحجم طُولي ذو لونٍ زهري باهت و فوقه شريطة بيضاء ، فتحتها بخجل و الفرحة تغمرُ عيناها ، أتسعت إبتسامتها عندما رأت غلافُ الكتاب " أبراجُ المملكة مُصممة بطريقة الكولاج " ، أبعدته لترى علبةُ صغيرة ذات اللون التركوازي من ماركةِ تيفاني ، فتحتها لترى عقدًا كاملاً من الألماس : مررة كثير يا وليد
وليد : كل شيء يرخص لك
رؤى بحرج كبير : لآلآ جد مررة كثير تراني ماأعرف أعبر
وليد ضحك ليُردف : الكتاب راح تكتبين فيه كل شيء يضايقك بوقتها وبعدها تقطعين الورقة وبالزبالة وبينتهي هاللي مضايقك
رؤى بإبتسامة عميقة و عيناها تُرفرف بالدمع : جد مشكوور
وليد : طيب فيه شي ثاني
رؤى أنتبهت للـ " ريال " ، ضحكت : كلفت على نفسك
وليد : جبنا لك ريحة السعودية
فتحت الريال الملتوي حول نفسه ، كُتِب عليه " أعيادك سعيدة "
رؤى تزاحمت بها السعادة حتى بكت ، وليد يمدُ لها المناديل البيضاء : ماأتفقنا كذا ؟ وبعدين الخبز راح يبرد وما فطرنا !
رؤى وقفت وعيناها ممتنة لوجُود وليد بجانبها : 5 دقايق بس و يكون جاهز الفطور .....
،
بعد بُكاء متواصِل جفَّت دمُوعها ، وحدتها في هذا العيد أجبرتها على تنحِي سعادتها لتبكِي ، الغُربة مُزعجة إن أتت أيامُ العيد و الفرح ولم تجد من يُشاركها هذا العيد ، تمنَّت لو أنها بالشرقية الآن وترى والدتها و والدها و تُهنئهم بالعيد. رُغم أنها سمعت أصواتِهم و باركت لهم بالعيد إلا أنها مُتلهفة لملامِحهم و مُشتاقة جدًا.
منذُ ان رحلت ضي وهي تُحاول أن تقنع سمية بأني تأتي لها وتُشاركها الشقة وبعد أيام من محاولاتِ أفنان أتت قبل يومين وسكنت معها.
سميـة تخرج من المطبخ بكُوبِ الحليب : خلصتي من البكي ؟ يختي أنبسطي بس ناقصين هم وحزن !!
أفنان بحزن : هذا اول عيد أكون بعيدة عنهم
سُمية المعتادة على الغربة : تتعودين ، المهم وش تبينا نسوي اليوم ؟
أفنان : وش نسوي بعد ؟ بننثبر هنا !
سُمية : يا كآبتك يا أفنان ، لا ياحبيبتي ترى باريس بتنفجر من العرب وكلهم يحتلفون بالعيد ، خلنا نروح نتمشى وننبسط ونعيش جو العيد
أفنان أنتبهت للظرف الأبيض الذي ينزلق من تحت الباب : شوفي وش جاء
سُمية تركت الكوب على الطاولة و اخذت الظرف ، لتقرأ على ظهره " سُميـة و أفنان " : شكلها دعوة لنا
أفنان توجهت لها لتقرأ معها ، فتحتها سُمية وكانت فعلاً دعوة لحضُور حفلة العيد.
سمية : زين جانا العيد لعندنا
أفنان : لآ وشو ؟ مستحيل أروح ! يعني أكيد حفلة مختلطة وأنا صراحة أخاف وماأحب
سمية : وش فيك ؟ يعني حفلة العيد أكيد الشباب اللي معانا مسوينها .. ومين قال بتختلطين معهم !! عادي إحنا بنجلس بروحنا وننبسط
أفنان : لآ يمه سمية أخاف من هالحفلات وممكن فيها سكر وشرب ومدري وشو
سمية : ماعليّ منك راح تروحين وأنتِ ساكتة
،
رجَع بعد ان أتجه بنجلاء إلى بيتِ أهلها حتى تقضي الأربعين يومًا هُناك ، هذا العيد مُختلف جدًا. هذا العيد أتى معه طفله.
سلَّم على والدته التي لم يراها صباحًا : عيدك مبارك يالغالية
والدته : من العايدين والفايزين.
جلس مُرهقًا : بآخذ نفس قبل لا يجون الرياجيل
والدته : ومين قال محد جاء ؟ روح المجلس ممتلي
منصور بتعب وقف مُتنهِدًا : الله يعين .. توجه للمجلس الذي أمتلىء بالجيران و الأصدقاء المُباركين بالعيد و البهجة ترتسمُ بملامِحهم. جلس بجانب يُوسف ليهمس : وراك جالس ؟ قم قهويهم
يوسف بمثل همسه : توني جالس وبعدين تبي تعلمني أصول المرجلة الله يرحم من كب القهوة على بوسعود
منصور : ياذا السالفة اللي بموت ولا أنت ناسيها !!
،
العيد هو يومُ السبت و لا شيء آخر ، يمُر بجفافٍ على قلبه مثل كُل سنة ، أبعد عيناه عن السقف ليتفآجأ بوجودِ والده نائِمًا على الأريكة الطويلة ، بلع ريقه وهو يسيرُ بخفوت نحو الحمام. أستحَّم لدقائِق طويلة وهو يشعُر بأن رائِحة الشُرب تفوح منه بقوة كما يفُوح العُود العتيق من أبيه. أرتدى ثوبه و بدأ بهدُوء يخشى ان يصدرُ صوتًا فيفيق والده وهو لايعلم ماذا حدث بالأمس ، أزاح لوحاته جانبًا وملابسه المتسخة المرمية على الأرض ، خرج ليرى حمَد جالسًا و واضع رجلٌ على الأخرى أمام التلفاز ،
فارس : أبي بخور أي شي بعطِر غرفتي
حمَد بهدُوء : ماتدري وش صار أمس ؟
فارس : وشو ؟
حمد : أبوك جاء هنا وشافك سكران
فارس بغضب : أسكت هو نايم عندي
حمَد بربكة أستعدل في جلسته ليُبعد رأسه قليلاً ويراه نائِمًا ، شهق : نايم عندك !!!!
فارس بلع ريقه رهبة و جلس على الطاولة : وش صار أمس ؟
حمد بخبث : وش لي ؟
فارس : لآتجنني تكلم وش صار ؟ ماكنت شارب مثلي !
حمد : لآ ياحبيبي أنا ماأشرب أنا آخذ رشفة رشفتين أسكر شوي بس عقلي موجود
فارس : لايكثر وقل وش صار ؟
حمد : شافك يا حبيبي وأنت تقول عبير حبيبتي .. هههههههههههههههههه
وبحالميةٍ يُكمل : عبير مُستقبلي وحياتي
فارس : كذااااب
حمد : هههههههههههههههههههههههههههههههه لا ماكنت تهذي بس قليت أدبك قدامه وقمت تسبه وعطاك كم ضربة وبعدها نمت
فارس ولم ينتبه لنفسه أو يراها بالمرآة ، توجه للمرآة الموجودة بالصالة لينظِر لعينه المتورِمة بالزُرقة و شفتِه السُفلية يتخثرُ بها الدم : الله لا يعطيك عافية يا حمد
حمد بضحكة خافتة : شف عاد وش بيقولك لا صحى !! .. أنا بروح أجيب البخور لا يذبحنا مع هالريحة ...
فارس بدأ يُقطِع بأظافره القصيرة ويُفكر بحيلةٍ يهرب بها من أسئلة والده التي يتوقعها ، جلس و بابِ غُرفته المفتوح يكشف له عن جسدِ والده ، لن يُصدقني بالتأكيد مهما أعطيته من الأعذار ، يالله دمرتُ نفسي الآن لن يسمح لي بتاتًا بالسفر.
لاحظ حركةِ أقدامه والده ، وقف ونزل للأسفل حتى يتدرب رُبما يحن عليه أو حتى يشفق ، أخذ سلاحه و أهتز هاتفه في جيبه ، رد بملل :ألو
والدته : هلا يمه .. عيدك مبارك
فارس دون تركيز : وأنتِ بخير
مُوضي : قلت لك عيدك مبارك
فارس بتذمُر : طيب يايمه كلها وحدة .. من العايدين والفايزين
مُوضي بضيق : كذا تكلمني ؟
فارس تنهَّد : لأن توني صاحي ومالي خلق لأحد
موضي : وأنا صرت أحد ؟
فارس : يالله يايمه تجلسين تدققين على كل كلمة وكل حرف وكل زفت .. خلاص
مُوضي : طيب حقك علي أزعجنا مزاجك السامي
فارس : شخبار أريج ؟
مُوضي : أبد مشتاقة لك ماراح تجينا ؟
فارس : وأبوي مخليني أتنفس عشان أجيكم ! تعرفين هو مانعني عنك
مُوضي : بس أنا أمك وهذي أختك الصغيرة
فارس بسخرية : دام أبوها ماهو رائد الجوهي إذا هي ماهي أختي
موضي : وش هالحكي إن شاء الله ؟ وبعدين عمك يسأل عنك !
فارس : ماهو عمي إسمه زوجك !!
مُوضي تنهدت : أستغفر الله العلي العظيم .. يعني ماراح تجي ؟
فارس : لأ
مُوضي : ياقسوتك مثل أبوك .. وأغلقته.
فارس أبتسم عندما تذكَر عبير ، أخذ هاتفه الآخر الذي لايحتوي إلاها ، أرسل إليها رسالة " كل عام و أعيادُك جميلة كـ أنتِ "
صوتُه الرجُولي الضخم قاطعه : فاااااااااارس
فارس ألتفت وإبتسامةٌ بلهاء تُسيطر على شفتيْه : هلا .. تقدَّم إليه وقبَّل جبينه .. عيدك مبارك يبه
رائد : من العايدين والفايزين ... ماشاء الله صاحي بدري وتتدرب
فارس شعر بسُخرية والده لذلك ألتزم الصمت.
رائد : مو قلت لك تبعد عن الشرب !! قلت لك ولا لأ ؟
فارس بتوتر : وأبعدت يعني بس أمس ولا أنا منقطع فترة طويلة
رائد : تكذب على مين ؟ أنا ماعاد أصدقك أصلاً لأنك منت رجَّال وكلمته وحدة
فارس عقد حاجبيْه بغضب من وصف والده : رجَّال وماني محتاج شهادة في رجولتي
رائد : ولسانك طايل ؟
فارس : يبه يعني تجلس تهيني وأسكت
رائد : لو أكسر راسك تسكت بعد !!
فارس تنهَّد : طيب
رائد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .... أمك كلمتك ؟
فارس : إيه وقالت لي أجيها بس رفضت مثل ماتبي
رائد أمال فمه ليُردف : روح لها لا تبكي عليك بعد
فارس ضحك : لآ ماني رايح كل شي ولا زعلك
رائد بضحكة يُشاركه وكأنهم أصدقاء أكثر من أب وإبنه : لا رُوح عشان ماتجلس تسوي مناحة عليك ، تعرف أبوك حنون
فارس : هههههههههههههههههههههه متى تبيني أروح ؟
رائد : العصر .. بس طبعا مو بروحك خذ حمد وياك
فارس بضجر : أجل مانيب رايح إذا حمد بيجي ويايْ
رائد : فارس ماراح أخليك بروحك !! ماهو من زود ثقتي فيك
فارس : إيه ليه ماتثق ؟
رائد : أمس بعيوني شفتك سكران وتبيني أثق فيك !! خلك رجَّال وأبعد عن هالخرابيط
فارس تنهَّد ، : طيب خلاص خلني أمشي بموكب والحرس وراي بعد
رائد : تتمصخر !! مشكلتي هالفترة شغلي هادي ومتفرغ لك فلا تخليني أتصرف معك بتصرفات ماتعجبك
،
في طريقِ عودتهم من المطار ، بجانبه صديقه الحميمي و الفاقِدُ أيضًا مثل فقده ، : أبوك في البيت ؟
ناصر : لأ رايح الشرقية عيدنا هناك ..
عبدالعزيز : أحسن مالي خلق أرجع البيت ولا أشوف أحد مخنوق منهم كلهم ، بجلس عندك اليوم
ناصر : بكرا بليل تسافر و تبعد عن هالأجواء اللي خانقتك
عبدالعزيز بسُخرية : بكون عريس للمرة الثانية
ناصر ضحك ليُردف : أنت جايب لنفسك عوار القلب !! المشكلة ولا عرس فيهم بيكون بمسمى فعلي عرس .. زواج ملكة وبس حتى حفلة تحس فيها بالزواج مافيه !!
عبدالعزيز : أثير أكيد بتسوي لنفسها وأنا بس أوقع العقد بآخذ نفسي وأنحاش من باريس اروح أي منطقة ثانية أجلس الأيام اللي بتبقى وأرجع
ناصر بتقزز من الكلمة : أوقع العقد !! يخي حسستني صفقة بشغلك وأنتهت .. مدري متى تحس بمسؤولية الزواج
عبدالعزيز : تكفى ناصر ترى اليوم عيد فلا تضيِّق علي بمحاضراتك
ناصر أبتسم : ماراح أحاضر عليك ، بس وش رايك في عيد الرياض ؟
عبدالعزيز : كئيب ماعدا صلاة العيد هي اللي حسيت بنشوة فرح وعيد وغيره والله زي أي يوم ثاني
،
تشغلُ دور ربةُ البيت بإمتياز ، حضرت الفطُور لهم و من صُنعها أيضًا ، تشعُر بفرح عظيم وهي في منزله الآن و تتصرف كزوجة طبيعية و هذا العيدُ وقعه مختلف وجدًا على قلبها المُتكاثر في السعادة ، رُغم أنه بائس على إبنتيه و مُختلف عليهما بأنه أتى حزينًا.
ضي : طيب أكلمها ؟
عبدالرحمن العائِد من مجلسه الذي أمتلىء في الصباح الباكر بالمعيدين ، جلس ولم ينام ليلة الأمس جيدًا : لا تضغطين عليها بس حاولي تفهمين منها .. رتيل ممكن تآخذ وتعطي وياك وأنا بروح أشوف عبير
صعدا للأعلى و تغيرت إتجاهاتهم ، دخل عبدالرحمن بهدُوء لغرفةِ عبير المُتجمدة من درجة التكييف العاليـة ،
عبدالرحمن بإبتسامة : وش دعوى ما تعايدين أبوك ؟
عبير الجالسة على الأريكة ومُنشغلة في هاتفها و مُحادثات الواتس آب ، رفعت عينها لتقف ببرود و تقبِّل خدِه وجبينه : عيدك مبارك
عبدالرحمن أخذ نفسًا عميقًا : ليه ما نزلتِي تحت ؟
عبير : تعبانة ومالي خلق
عبدالرحمن : تعبانة !!!
عبير جلست وبهدُوء : أظن ضي تكفيك
عبدالرحمن جلس بمُقابلها لينتبه للوحات التي تُزيِّن غرفتها : مين راسمك ؟
عبير بلعت ريقها لترتبك حروفها : وحدة من البنات
عبدالرحمن : وماعندها إسم هالبنت ... أقترب من إحدى اللوحات.
عبير بخوف وقفت خلفه : منيرة .. إيه إسمها منيرة أعرفها أيام الجامعة كانت ترسم وقلت لها ترسمني
عبدالرحمن ، ألتفت على الزاوية المُتخمة بالزهر الذبلان ، أصطدم في عقله من هددهم بأن لا يزوِجُوا عبير لعبدالعزيز !! ، أردف : من مين جايتك كل هالأشياء ؟
عبير : أنا شاريتها أحب أشتري ورد ..
عبدالرحمن يُقلب الزهر بين يديه دون بطاقةٍ يقرأها أو شيءٌ يُؤكد شكوكه ، رفع حاجبه إليْها :كل هالورد شاريته !!
عبير بصوتٍ جاهدت أن يتزن : إيه وش فيها ؟ لآيكون حرام بعد
عبدالرحمن : لآ ماهو حرام طيب دام شاريته أهتمي فيه كله ذبلان ، طيب أرميه وأشتري غيره !! ولا فيه شي يخليك تحتفظين فيه
عبير : وش قصدك يبه ؟ أكيد مافيه شي .. تبي ترميه أخذه وأرميه .. *بإنفعال كبير* لازم تطلعني على غلط حتى لو شي خاص بيني وبين نفسي تقرر عني بعد
عبدالرحمن بهدُوء : صوتك لا يعلى
عبير بضعف تام تجمَّعت دمُوعها ، رُبما العيد الذي يهطل عليهم بالحُزن او رُبما لأنها لا تشعُر بالعيد وأثَّر ذلك على نفسيْتِها .. أشياء كثيرة تتراكم في صدُورنا و تنفجِر في وقتٍ مُؤجل : إن شاء الله
عبدالرحمن : الحين ليه تبكين ؟ كان مجرد سؤال ...
تعليل والدها لبُكائِها جعلهُ ينساب بعد أن أختنق ، أردفت : أنا متضايقة و انت زدت عليّ بسؤالك ،
عبدالرحمن : وليه متضايقة ؟ عشان ضي ؟
عبير أبعدت أنظارها بإتجاه الشُباك و لم توَّد أن تناقشه في موضوع ضي.
عبدالرحمن : إلى متى يعني ؟ بنهاية المطاف راح تتقبلينها يا عبير بس ممكن تتقبلينها بدون لا تضايقين أبوك وممكن تتقبلينها وأنتِ مضايقة أبوك
عبير : ماتهمني أصلاً عشان أتقبلها أو ماأتقبلها
عبدالرحمن : أجل ليه متضايقة ؟
عبير و كلماتُها جلدٌ لقلبِ والدها : لأن العيد صار مثله مثل أيّ يوم عادي و طبعًا السبب يرجع لك أنتْ
عبدالرحمن : أنا ؟
عبير ألتزمت الصمتْ و ضيقها يتشكلُ بين ملامِحها ،
عبدالرحمن شد على شفتيْه ليُردف : وش قاعد يصير لك ؟ ما كنتِي كذا !! هذي التصرفات ماتطلع منك ... ممكن أصدق أنها تطلع من رتيل لكن ماأصدق أنها تطلع منك !! أبي أفهم وش قاعد يصير في بنتي ؟
عبير : لأني مليت من أني أكتم وأنت ولا همِّك يبه
عبدالرحمن : أنتِ لو تطلبين عيوني ترخص عشانك وتقولين لي ماأهتم لك !!
عبير والبُكاء يُبلل خامةِ صوتها : محتاجة أتنفس ! أختنقت من هالجو كله
عبدالرحمن تنهَّد : طيب قلتي لي تبين تشتغلين ؟ دوَّرت لك شغل مالقيت شي يناسبك
عبير : ماهو مالقيت شي يناسبني !! مالقيت شي يناسب قوانينك اللي مدري من وين جايبها
عبدالرحمن بحدة : عبير تكلمي معاي زين !!
عبير بهدُوء مُزعج : مافكرت بعد عُمر طويل كيف بتكون حياتنا بدونك ؟
في جهةٍ مُقابلة ، دخَلت ضي غُرفة رتيل المُعتمة ، فتحت الستائِر و كشفت الشمسُ عن أشعتِها ، جلست على طرف السرير بجانبها و رتيل عيناها على السقف ذات عقل مشغول و فارغ في آنٍ واحد.
ضي بإبتسامة : أبوك يقول عمك عبدالمحسن بيجي و قالي أنه عرس بنته بعد آيام .. مايصير نشوف كل هالحزن فيك
رتيل صامتة تسمعُ لها و قلبُها يسمع حديثِ عبدالعزيز الأخير ، " زوجته " يالله ما أبشعها الكلمة و ماأوقحُ سلامها على قلبي.
ضي تضع كفَّها على شعرها البُندقِي المُجعَّد بإلتواءاتِه : رتُول ، ألبسي وجهزي نفسك وخلينا ننزل ننبسط ، ماهو لايق عليك الحزن
تشعُر كأنها أبتلعت لسانها ولا صوتٌ يجرؤ أن يخرج ، لم تستوعب بعد أن والدها يُرخصها ؟ صعبٌ على قلبها أن تستوعب ما يحدُث في حياتها الآن.
ضي : طيب قولي لي ، ماهو زين تكتمين .. وأوعدك مايوصل شي لأبوك إذا أنتِ ماتبين تقولين له ... أعتبريني صديقتك .. أختك .. أي شي
ألتفتت إليْها وعيناها قصةٌ أخرى ، أحيانًا تجِد في بعضِ الإناث أعيُن تُثرثر بإستمرار ، أعيُن لا تصمتْ ولا تهدأ ، تشعُر بها في الضياع هذه هي رتِيل و حالُ عيناها ، بصوتٍ غائبٌ عن وعيْه لذا أتت الكلماتُ مُرتجفة : تعبانة و برجع أنام الحين
ضي : تنامين ؟ طيب أشربي لك قهوة تصحصحين فيها ساعتين بالكثير وأرجعي نامي وأصحيك بليل
دخَل عبدالرحمن مُنزعج جدًا من عبير بل حزينٌ عليها ولا يعرفُ حلاً آخر ، يوَّد لو أن رتيل الآن تخفف وطأةُ وجعِ أختها عليه ، ولكن خابت آماله عندما رآها على السرير ، أنحنى عليها ليقبل عينها اليُمنى كما أعتادت أن تُقبله أحيانًا ، أبتسم : عسى أعيادك كلها فرح
رتيل تنظرُ لوالدها بنظراتٍ غارقة حزينة عاتبة ، همست : آمين.
ضي : كنت أقولها تنزل معايْ بس شكلها عنيدة مثلك
عبدالرحمن بإبتسامته الصافية : أنا اليوم مغضوب عليّ ، أغلى ثنتين في حياتي متضايقات
رتيل و جُملته أتت كملحٍ على جرحٍ غائر ، أختنقت بدمُوعها إلى أن بكت.
عبدالرحمن يمسحُ دموعها على خدِها الشاحب : وش فيها روحي متضايقة ؟
رتيل أرتمت على صدرِه وهي تتمسكُ بثوبه وتُبلله ببكاءِها ليضيق صوتُها . . .
،
في مجلسهُم المُزدحم بإناث العائِلة المُتغنجات في الصِبـا ، تتثاقل أحاديثهم التي ترمى على بعض و كلماتِهم المقصُودة لإغاضة بعض ، لا يهدأن و كُلما سكَنت أحاديثهن أفاق حديثٌ آخر يُهين الأخرى بطريقةٍ غير مُباشرة.
مُهرة فتحت هاتِفها لترى رسالَة من يُوسف " بكون أحسن منك وبقولك عيدك مبارك يا زوجتي الحبيبة و الغالية و الشيء الكويِّس "
ضحكت بخفُوت لتكتب له " من العـ .. " لم تُكمل من كلمةُ إمرأةِ خالها لها : أحترمي المجلس وشو له ماسكة تليفونك !
مُهرة رفعت حاجبها : كيف أحترمه ؟
زوجة خالها : والله عاد إذا أمك ماعلمتك أنا ماني مكفولة أعلمك
مُهرة أبتسمت بإغاضة : طيب حقك عليْ إذا ماأحترمت سواليفك اللي ماينمَّل منها
غالية : وش قصدك ؟ يعني سواليفنا ماهي من مقامك
مُهرة و مزاجُها بالسماء ، ضحكت لتُردف : لا أبد مين قال ، بس تعرفين ماتعوَّدت على هالسواليف
غالية : بسم الله على قلبك ياللي مقطوع سرِّك في لندن
مُهرة : لآ في الرياض يا قلبي
أعتلت شُحنات المكان السالبـة في حضرةِ حديثِ مُهرة.
خالتها مزنة : حبيبتي مُهرة كيف الزواج والرياض ؟
مُهرة أبتسمت لخالتها المُحببة لقلبها : أبد تجنن و الله رزقني الزوج الصالح والفاهم و العاقل وماهو مقصِّر عليْ بشي وش أبي أكثر !
مزنة : وأنتِ يا قلبي تستاهلين من يشيلك على راسه
مُهرة : يابعد عُمري والله
وضحى تنهَّدت : عيدنا صاير كئيب
مُهرة : عاد تصدقين هذا أحلى عيد مر في حياتي أحس له طعم ثاني
وضحى أمالت فمها و نظرها بعيدًا عن مُهرها وهي تشتعل حقدًا.
مزنة : هذا جوالك الجديد ؟
مُهرة وسؤالٌ أتى على طبق من ذهب لتُجيب : من يوسف
مزنة : الله يخليه لك يارب
مُهرة بإبتسامة : آمين
غالية : والله الحين الحريم ماعاد في وجههم حياء كأنهم واقفات عند الباب ويطلبون من يتزوجهم
مُهرة وقصدت أن تجرح غالية ولا تعرف بأنها تجرح نفسها أكثر : صادقة والله بس عاد الحريم يختلفون يعني فيه بنت معززة مكرمة يجيها من يشتريها لين بيتها وفيه بنت لأ
دخلت والدة مُهرة بعد أن كانت مُنشغلة في المطبخ : الله يديم مجلسكم .. وجلستْ بجانب إبنتها.
نظرت لهاتفها المُهتز إثر رسالة جديدة ، فتحتها كانت من البنك " تم إيداع 100.000 ريال في حسابك " و تلتها رسالة من يُوسف " عيديتك من شقا عُمري كله يعني يمديك ترجعينها بطريقة ثانية خصوصًا أني فلَّست "
أبتسمت لتوكزها والدتها : وش بلاتس تضحكين كنتس مجنونة ؟
مُهرة همست : يوسف حط في حسابي 100 ألف يقول عيدية
والدتها : قومي أتصلي عليه برا ولايسمعونتس هالمهبَّل
غالية تهاب والدة مُهرة لأنها ترد الواحدة بعشِر ، لذلك صمتت.
وضحى الغير مُبالية : الله يرحم أيام نوكيا
مُهرة عضت شفتها بهدُوء ودَّت لو تقتلها ، والدتها : أعوذ بالله من عيون بعض الناس .. وش تبين أنتِ قبل كم يوم أنتِ في المهاد
وضحى غضبت من تصغير والدة مُهرة لها : اللي على راسه بطحا يحسس عليها .. أنا قلت مُهرة ؟ هجمتي عليّ على طول
والدتها : أقول مهرة لاتطولين على زوجتس ..
مُهرة و أضطرت أن تقف وتتوجه للصالة الأخرى ، مرَّت دقائِق وهي عند إسمه ، أخيرًا أتصلت عليْه ، أتاها صوتُه الضاحك : يا صباح الخير
مُهرة لم ترد لثواني طويلة ثم أردفت : صباح النور
يوسف : عيدك مباارك .. طيب على الأقل كان كملتي الجملة وش هالبخل اللي عليك
مُهرة لم تفهم عليه : من العايدين والفايزين !! .. بس مافهمت
يُوسف : راسلة نص المسج
مُهرة : يمكن أرسلته بدون لا أدري
يُوسف : طيب .. شخبارك ؟
مُهرة : بخير الحمدلله أنت شلونك ؟
يُوسف : تمام ، مرتاحة ؟
مُهرة بلعت ريقها لتُردف : الحمدلله ..
بعد صمتٍ بينهم طال تحاورت به أنفاسهم ، أردفت مُهرة : مشكور على العيدية ولو أنها كثيرة
يوسف بضحكة : قلت لازم أذلِّك على شي
مُهرة ضحكت لتُردف : يعني ماهي لله ؟
يُوسف : 75% نيتي شينة في الموضوع
مُهرة أبتسمت وبعفوية : بخليها لولدي
يُوسف عيناه كشفت عن لهفتها ليُردف : لولدك ؟
،
رجَع مُهلك بعد سلسلة من زياراتِه و مُعايدته للأقارب والأصدقاء ، وضع رأسه في حُضنِ عمته : ودي أنام سنة كاملة
حصة بضحكة : أطلب منك طلب ؟
سلطان بهدُوء : على حسب الطلب
حصة : أصعد فوق بس شوف الجوهرة اليوم
سلطان ضحك ضحكة صاخبة ليُردف : ليه طيب ؟
حصة : بيجي أبوها الحين وقبل شوي نزلت ليْ وماقصرت البنت بس روح شوفها
سلطان : إيه ليه أشوفها ..
حصة أبتسمت بشغف : شكلها صاير يهبِّل
سلطان : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه لانزلت لأبوها شفتها
حصة : سلطان تكفى والله حرام تضيع الفرصة
سلطان : وش فرصته بعد ؟ صار لي شهور أشوفها بتفرق يعني ؟
حصة : إيه بتفرق .. يالله حبيبي روح
سلطان : لا تزنين على راسـ ... لم يُكمل من حضُور الجوهرة أمامه . . . .
↚
غريب أمرك
يا من لقبت زيفا بزوجي
تعبث بجراحي
تتفنن باستلذاذ وجعي
تخوض في وحل
انكساري ..
تبحث عن
عذر لوهني
و أنت استحرمت
مغفرتي ..
أما كفاك
بصمة حجر
وسمت بها كفاي ؟!
أما كفاك
طعنات عاثت
بها روحي ؟!
يالله
أي بشر
أنت ؟!
///
نحن إناث
سقطنا في بئر
حب لا قاع له ..
أنا كسرت
و أحسست
بسنين تبعثر
أعوامي اليتيمه ..
أحببته
و أخطأت
و دفعت الثمن
منه
و حتى من والدي
شاركه
في جرحي
و كان ثمنا غاليا
جد غال ..
قدمني
بطبق من ألماس
و ذاك تفنن
بدهس
مشاعر مجنونه
عربدت في
صدري
و أطارت صوابي
فبت أسقط
رويدا
رويدا
من مقلتي
و منه
و حتى من أبي ..
لكم قهري
وعبرات جاش
بها وجعي ’’
*المبدعة : وردة شقى.
- قبل بُضع ساعاتْ -
صلَّتْ ركعتيّ الضحى و بقيتْ واقفة أفكارُها مُتشابكة في بعضها البعض ، تُفكر بأن لا تحضر حفل زفاف أخيها و لكن لِمَ تُخطط بأن تُحبط كل غيمة فرَح تُريد أن تُبللها ! لِمَ دائِمًا لا أترُك الغيم يمُر على قلبي بسلام ، لِم أجعله يتكدَس ويخنقني ؟
مهما حدث من حقي أن أحيا حياة كريمة تُخاطبني بالسعادة فقط. كل تلك الأشياء التي تُحزني ستجِد طريقها يومًا للفرح و سأبقى أراقبها. أنتهى وقتُ الترقب و المراقبة يجب أن أُمارس حقي بالفرح كما أُمارسه إذلالا بالحُزن. يجب أن أعيش.
مثل ما أوصانِي ربُ الخلائق في كتابه ، يجب أن أصبُر و أن لا أدع الحُزن يُضعفنِي ، لو كانت إحدى الصحابيات رضوان الله عليهن في حياتنا الآن ؟ لو كانت تواجه صعوبة مثل ما أواجه أنا ؟ هل ستنزوي في دارِها و تبكِي تنتظِرُ الفرج من أحدِ الخلق !!
يالله يا أنا ، لا أعرف من أين أبدأ او من أين أنتصِف ، أذكُر جيدًا ما قالتهُ ليْ أستاذة الدين في الثالث ثانوِي و صوتُها المتحشرج في تلك الأيام.
" أمام الطالبَـاتِ الواعيـات وَ المُرهقات إثر آخر سنَـةٍ لهُن ، أردفَت بصوتٍ تحفُه الطمأنينة : عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء ، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه ، إلا الجنة .... مدركين رحمة الله في عباده ؟ .. إذا مات أخوك ولا أبوك ولا أيّ شخص غالي في حياتِك و صبرتِي وأستغفرتي الله يجزيك بالجنة .. فيه أكثر من كذا رحمة ؟ .. يقول الله تعالى ابن آدم ! إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى ؛ لم أرض لك ثوابا دون الجنة ... شايفين أجر الصبر كيف عظيم ؟ ليه دايم نبكِي ونمتنع عن الأكل ونعتزل الناس وفيه بعضهم يقطعون رحمهم بحجة أنهم في مصيبة !! يجلسون سنين على هالحال و كأن الحياة وقفت على ما فقدُوا !! إن من يُشقي نفسه ويمتنع عن الصبر سيشقيه الله في الدنيا والآخرة ... "
تذكر يا قلبِي جزاء الصبر ، تذكَّر الجنة ، من يحفظ الله يحفظه .. من يحفظ الله يا قلبي يحفظه.
وقفت أمام المرآة ، تتجاهل كل ما يأتي بأمرِ " سلطان " ، نظرت لكفيْها .. هذا الحرق لن يذهب بسهولة كما أنَّ حُزني من سلطان لن يُمحى بذاتِ السهولة ، ستندَم يا سلطان على " قلبي " و سأندم على أملِي الضائع بك ، كل تلك الأشياء التي ندمت عليها يومًا كانت ولادة ضيِّقــة لخيباتِي في الحياة.
رطبَّت ملامِحها منذُ فترة طويلة لم تعتني بنفسها " إعتناءً أنثويًا " ، أستغرقت دقائق طويلة في وضعها لمساحيق التجميل الناعمة. لم تكُن تحتاج للكثير لتُبرز جمالها النقي أكتفت بتوزيع كريم الأساس ذو لونٍ طبيعي و غطَّت هالاتِها المتعريـة بالـ " كونسلر " لتضع الكحل على طريقةٍ فرنسـية بحتَة فوق عينيْها مُمتد بذيلٍ قصير للخارج ، تخشَى التمرُد دائِمًا حتى في وضعِها للكحل ، رفعت شعرها الطويل بطريقةٍ رُومانيـة ، أتجهت للجُزء الآخر من الغرفة الذي يُجاور الحمام حيثُ دواليب ملابسهم التي تُخبىء تفاصيلٌ كثيرة لا تستنطِقها الألسن.
وقفت و هي لا تعرف ماذا ترتدي ! كُثر تلك الفساتين التي لم ترتديها أمامه ، أو ربما لم تحظى بزواجٍ بتفاصيله الشيقة حتى تُفكر بإرتدائهن.
أرتدت تنُورة تضيقُ عليها ، ألتفتت حول نفسها و أرمقت جسدِها بالإشمئزاز من أن تخرُج امامهم بهذا المنظر رُغم أنَّ التنورة ليست بذاك السُوء و لكِن شعُورها بالعريْ قادَها لِأَن تنزعه ، مُذ سبع سنوات و أنا أرَى الإتساعُ بكل شيءٍ " رحمـَـة لنفسي " .
أخذَت فُستانٌ قُرمزي. لا تعلم أيُّ نزعةٍ أنثوية أصابتها لتتباهَى بجمالها هكذا ! أو شعُورها بأنها تُريد أن تبرهن لأحدِهم أن الحياة لا تقف عليه أو أنه تحدي لذاتها بأنَّه يجب عليها الصمُود و التمسُك بكل فرحةٍ تأتيتها وتتمسكُ بما قاله الله في كتابه.
نزَلت للعمَّة ، أرتاحت قليلا من فكرة عدم وجود سلطان في الصباح الباكر ، أبتسمت أمام إطراءاتِ حصَّة المُرحبـة بها.
حصة : ماشاء الله تبارك الرحمن وين مخبية هالزين كله
الجُوهرة بإبتسامة خففت وطأةُ حزنها : بعض من زينك
،
أغفِر ليْ ذنب بُكائِي يالله جهلاً و تفاهةً على من لايستحقُ إختناق الملحُ في محاجري ، أغفر لي يالله على هذا الحُب ، أأطلبُ الغفران مِن عقلي الذِي مرضَ بك تفكيرًا أم من قلبي المُثقل بتفاصيلك ؟ أجهِض يالله هذا الحُب من رُحمِ حياتِي.
أبعد ملامِحها المتورِمَة بالبُكاء ، أردَفْ بإبتسامةٍ حانية و وجهها بين كفيِّه : وش سويت ؟
رتيل أخفضت نظرها لا ردَّ لديْها ، حاقِدة و لكن لا تعرف كيف تحتاجه رُغم كل هذا ، لا نيَّـة لديْها بإخباره. كل الأشياء السيئة و الخبيثة تنهالُ على عقلها ، لم تكُن سيئة إلى هذا الحد كشعُورها اليوم ، لن تنسى تلك الليلة التي صُفعت بها من عبير و نهب عبدالعزيز غُصنها الذي تتوكئ عليه. لن تنسَى كُل هذا بسهولة ، والله يا عزيز لوعدٍ على نفسِي أن أُشبعك قهرًا مثل ما أشبعتنِي ، والله يا عزيز إن أرخصنِي والدي لا أردُّ هذه الكرامة بنفسي أنا وحدِي ، والله و بالله و تالله يا عزيز لأجعلك تندَم بكل حواسِك على هذا الزواج و أُعلمِك كيف الندَم الحقيقي عليّ ؟ عسى الله يبتليني بكُلِ ما أكره إن حاولت مرَّة أن أغفرُ لك ، يا ليتك ياعزيز تعرفُ شعور الإناث أمام من يستاهل بحُبهن ، ليتك تعرفُ بكيدِ النساء الذِي سيُصيبك بإذن من أوقع الحُب في قلبي ، ليتَك تعرفُ كيف الحقد يتشبعُ بقلبِ الأنثى إن كرهتْ ، و منذُ اليوم لن أقُول " ليتـك " بل ستُجربه و أنا عند وعدِي و لن يردُني أحدًا و إن كان أبِي يحميك فأنا قادِرة بإذنه و ويلُ الرجالِ قبيلةً من حقدِ أمرأة.
ضي وقفت : يالله عبدالرحمن خلنا نتركها شوي ترتاح و أكيد بتنزل ؟ صح رتول ؟
رتيل و تصادُم الأسطِر تُضبب عليها قراءة أيامُها المُقبلة ، أردفت بإبتسامة أتقنت تمثيلها : بتروَّش وأتنشط و أنزل
عبدالرحمن : ننتظرك لا تتأخرين ، و أنتبهي لجرحك ... ونزَل برفقةِ ضي إلى الآسفل.
ضي وهي تسيرُ بجانبه : وش صار مع عبير ؟
عبدالرحمن : صاير لها شي وماهي راضية تقول ؟ ماهي بنتي اللي أعرفها ! متغيرة 180 درجة ، لو هي فعلا متضايقة من تصرفاتي عشانهم كان قالت لي من زمان بس انا متأكد مليون بالمية انه فيه شي وراها مخليها تحط تربيتي لهم حجة
ضي : وش يعني بيكون وراها !! تلقاها متضايقة ومحتاجة تفضفض وعشان كذا ترمي عليك هالحكي
عبدالرحمن : عبير إن كانت متضايقة ما تبيِّن لأحد بس الحين تبيِّن !! أكيد فيه سبب وراها يخليها تنفجر بهالصورة
ضي أبتسمت : ماتوقعتك شكاك كذا
عبدالرحمن جلس بتعب : ماني شكاك بس بنتي واعرفها ! رتيل لو تقول كل الألفاظ الشينة بوجهي بقول متضايقة وجالسة تفرغ وبتركها لكن عبير مستحييل الا اذا كان فيه شي بحياتها ما أدري عنه
ضي : أنا أقول لا توسوس كثير وهي بروحها تعبانة و إذا شكيت فيها بتنقهر زيادة وتتعب ، خلها ترتاح شوي بدون لا نضغط عليها وهي من نفسها بتجيك
عبدالرحمن بعد صمت لثواني طويلة أردف بإقتناع : شورك وهداية الله
،
على طرفِ سريره جالِسْ و عيناه تحكِي اللهفـة و تفاصيلُ البراءة و رائـحة الزهر المُعانق بشرةٍ ناعـمة ستأتي بعُرسٍ في قلبه ، أقتحمهُ العبير من كُل جانب ، أردف : مافهمت !!
مُهرة بربكـة بحثت عن موضوعٍ آخر تهرُبًا : كيف عيدكم ؟
يوسف : عادي
مُهرة بشك و قد أخذتها العفوية في مُحادثته : معقولة ! اكيد راح تطلع مع ربعك تسهرون وكذا
يُوسف بضحكة : كل ربعي بيسهرون مع حريمهم
مُهرة : هههههههههههههههه عيش حياة العزوبية من جديد
يُوسف : وانا قلت لأ ؟
مُهرة جلست على الطاولة التي يُغطيها بعضُ ذراتِ التُراب بعد أن طال وقوفها في مُنتصف الصالة الخاوية و تكوَّرت حول صمتِها مرةً أُخرى . .
يُوسف : الحين ماهو لازم مراجعات عند دكتُورة .. يعني تراجعين معها الحمل وكذا ؟
مُهرة : بس أفضى اشوف لي وقت أحجز فيه موعد
يُوسف بجديَّة : بس تفضين ؟
مُهرة التي لا تجِد ما يُشغلها في حائل : إيه عندي أشياء أهم
يُوسف عاد لرحمِ صمته ، يختنق أو رُبما يُكابِر ، رقَد الصبرُ به حتى جاهد نفسه بأن لا يتلفظُ عليها بكلمةٍ تجرحها.
مُهرة لا تعرف كيف التناقضات في مُكالمته تجتمع. تشعُر بالخيانة لأخيها وهذا بحدِ ذاته شعور مُشين ولكن لا تنكُر بأنها أول مُكالمةٍ نقيـة خالية من شوائِب الحقد و الكُره و الكلمات السيئة.
مُهرة بهدُوء : اليوم بشوف لي عيادة زينة
يُوسف ولا تخمُد براكينه الغاضبة ، مازال مُلتزم الصمت و انفاسه العالية تكشفُ غضبه.
مُهرة : تآمر على شي ؟
يُوسف ببرود : بحفظ الرحمن . . وأغلقهُ قبل أن يسمَع ردِّها.
،
في الساعاتِ الاولى من نهارِ العيد الطويل و المُفعم بالفرحَة المُتغنِجة كيف ولا ؟ وهذا عيدُ المُسلمين حيثُ تضخُّ بلادِنـا بـ " ضحكة "
حضُورها بتر كلماتِه و رأسُه في حُضنِ عمتـه الجميلـة ، أسبق و قُلت أن عمتِي مُرادف لكل الأشياء الحميمية " عمتِي و خالتي و أبي و أمي و أختي و أخي و . . أيضًا زوجتي " ،
لا تعرف لماذا أرادت أن تجرحه بأي طريقةِ كانت حتى لو كان هذا الأمر يُحزنها مثل أن تجعله يندم عليها و كأنها سلعة تردد في شراءها.
حصَة دفعته ليجلس : أجلس زي الناس ..... تعالي الجوهرة أجلسي هنا .. أشارت لها بجانب سلطان.
الجُوهرة طوال ليلها تدعي بهذه اللحظة التي تُبقيها مُتزنة أمامه ، أردفت بإبتسامة : تقهويتوا ؟
حصة الرقيقة أرادت أن ترتكب الصُدف بينهما : سلطان ماتقهوى
سلطان المُشتت انظاره ولم ينظر إليْها إلا النظرةِ الأولى ، ألتفت على عمته : متقهوي وخالص
الجوهرة أخذت فنجان وملأت ربعِه لتمدُّه إليه ، ثواني طويلة أمام أنظار حصة المُراقبة و قلبُ الجوهرة الذي يكاد يقتلع من صدرها ، خشيْت أن ترتبك أكثر وتنزفُ دماءها.
أخَذ سلطان الفنجان ، و حصة رسمت إبتسامة إنتصار على مُحياها.
سلطان بحديثه لعمته يتجاهل وجود الجوهرة تماما : وين العنود ؟
حصة : راحت لعماتها مجتمعين
الجُوهرة تنظُر إليْه بعينٍ - تغار - ، لِمَ السؤال عنها ؟ لِمَ كُل هذا الإهتمام !! ليست سعاد وحدها من لها ماضٍ مع سلطان. حياتُك يا سلطان تبدأ من النساء و تنتهي منهنُ و رُغمًا عنك يجب أن تقتنع بذلك.
حصة بعد صمتٍ طال أرادت أن تذهب وتتركهُما ولكن تثق في الجدار الذي بجانبها أنه سيذهب أيضًا ولن تنجَح مسألة إختلاءهما في بعض.
سلطان يُحرك خرزاتِ المسبحَة غير مُبالي تماما بالكائن الجميل الذي يُقابله في الجهةِ الأخرى.
حصة : سلطان يقول ماشاء الله حافظة القرآن
الجوهرة : ايه الحمدلله قبل زواجي بفترة قصيرة ختمته
حصة بتأليفٍ مُتقن : وقتها كان سلطان بس يسولف عنك
سلطان و هادئ جدا يستمع لخُرافات حصة بسلاسة و شبه إبتسامة تطفو على مُحياه و عيناه مازالت على المسبحة.
حصة : كان والله ودنا نحضر بس كانت العنود عندها اختبارات ومقدرت اخليها لحالها و لأن بعد سلطان قالي الزواج صار بسرعة يعني ما أمدانا حتى .. عاد ما ألومه يوم أستعجل
الجُوهرة بدَت الحُمرة تغزي ملامحها البيضاء.
سلطان عض شفتِه السُفلية مُمسكًا ضحكتِه ، أردف بهدُوء : أستعجلنا عشان شغلي
الجوهرة وقفت بتأخذ فنجان حصَّة ، سكبت لها القليل و من ثُم أتت لسلطان ، بقُربها منه مرة ثانية شعرت بالغثيان ، دقاتِ قلبها لا تنتظِم و تشعُر كأنهُ ينظر إليها بعينه المُحمرة الغاضبة.
توترت كثيرًا و هي تسكبُ له ، مدَّت يدها و بمُجرد ما لامست أصابعه يدِها حتى سقط الفنجانُ أرضًا.
حصة : بسم الله عليك ، ... خليه عنك تجي عإاايشــة . .. عـــــــــــــــــــــــــــــايـــــــــــــــــش ة
الجوهرة بربكة : آسفة ..
بمجردِ وقوفها من إنحناءِها على قطعِ الزُجاج بدأ أنفُها بالبكاء دماءً كالعادة ، يُشاركها الحُزن و الخوف والغضب و التوتِر ، أنفُها يُشاركها كل الأشياء السيئـة و عيناها تعتصِرُ بالتناقض بين الفرَح و الحُزن.
حصة بدهشة و هي التي لم تعتاد على هذا المنظر ، أردفت بخوف : وش فيييك ؟
الجوهرة أخذت منديلٌ لتنسحب نحو المغاسل.
سلطان ببرودٍ تام : هي اذا خافت نزف خشمها
حصة بغضب : وانت جالس !!
سلطان تنهَّد : تعودي انك بتشوفينها كذا كثير
حصة : البنت تنزف وتقول تعودي ! ودَّها المستشفى على الأقل
سلطان بحدة : حصة وش فيك ! قلت لك من يومها صغيرة وهي كذا اذا خافت تنزف
حصة : وليه تخاف إن شاء الله !! لا يكون مسوي لها شي ؟
سلطان تنهَّد بضيق : استغفر الله العلي العظيم
وأتجه للمغاسل ، مُجرد ما أنتبهت لظله مسحت دمُوعها التي أوشكت على النزول.
سلطان : وقف ؟
الجوهرة لم ترُد عليه ، وقف خلفها تمامًا و جمَّدها في مكانِها وهو يغرزُ أصابعه في خصرها و يردف بحدة : لما أسألك تجاوبين
الجوهرة تنظرُ إليه من المرآة ، بقيت تُصارع ألمها ولا تُصدِر صوتًا ، . . تُجاهد أن تبقى قوية. عيناها تلتقِي بعينيْه الحاقِدة التي أصبحت تجزُم بأنَّ الحجار تُعشعش به.
سلطان أخذ منديلٌ أبيض ليُبلله بمياهٍ دافئة ، مسكها من كتفيْها و جعلها تُقابله ، قرب المنديل من أنفِها و رائحةُ العود تنبثقُ من ذراعه الممتدة حولها و أنفاسه تُخالط أنفاسها. و حواراتٍ من نوعٍ قلبِي يحدُث بينهُما الآن.
عقدت حاجبيْها و كأنَّ هذه العُقدة ستحميها من الدمُوع ، هي ثواني ، واحِد ، إثنين ، ثلاث ، أربع .. و نزلت كُراتِ الملح الرقيقة على خدها مُتدحرِجة على يدِ سلطان.
صدّ وهو يرمي المنديل المُحمَّر في الزُبالة ،
و قوةِ الجُوهرة تخونها ، مرَّت بجانبه و رائِحة عطره تخلُ في توازنها ، قد أملكُ الحصانة نحو كُل شيء إلا رائِحته.
على بُعد خطواتِ قصيرة ، عائشة : أنا شنو يسوي ماما ؟ انا ما يأرف *يعرف* شي
حصة نظرت للجوهرة و تجاهلت عائشة التي تُثير الهوامش ، أقتربت منها : عساك بخير يمه ؟
الجوهرة صمتت ، هي تعلم إن تكلمت ستنهار بالبُكاء.
سلطان من خلفها : ماتبين تروحين لعمك عبدالرحمن ؟ اهلك كلهم بيجون هناك
يالله يا سلطان ما أوجعُ مرورك على قلبي الآن ؟ تسألني بكل برود لتُثير حرارة قلبِي و مرضِه الخامد في زاويـته ، يتسابقون بأسئلتهُم و هُم يدركون بأني على حافةِ إنهيار. ، لن أخضع لقلبي بعد الآن ، خضعت لك 7 سنين و شطرتني في المُنتصف ولن أجعلك تشطرُ بقايايْ يكفيني يا قلبِي أن تُشاركني حُزني ولا تُقرر عني.
حصة و تغرقُ في عيناها المُتحدِثة ، أقتربت منها أكثر لتمسح ملامحها بكفِها الدافئ ، لمسةٌ حانية واحِدة كفيلة بغرق الجوهرة في بُكائها.
حضنتها و كانت ردةُ فعل البائِسـة مُوجِعة لصدرِ العمـة القلقة ، تمسكت بجسدِها التي تُغلفه رائحة الأمومة.
أتجه سلطان لمكانه مُردِفًا : كان ناقصنا دلع !!!
جمَّدت أعصابُ الجوهرة حول جسدِ عمته الحاني ، " دلع !!! " أنا تافهة جدًا عندما أبكي منك و تافهة أكثر عندما أُعلق أملاً بك ، قليلٌ من الإحساس يا من كان يجب أن ألفظُه سلطاني ، فقط القليل الذي يُشعرني أنَّك إنسان رُغم كل قساوتِك ، ما أثقلك على قلبي الذي باتت جُدارنه تتصدَّعُ منك.
رمى نفسه بجانب صديقه ، على سريرٍ عريض و وثير يتسع لتخبئةِ الأحزان المُتثاقلة على ظهرك. ناصر بتعب : جايني أرق ماني قادر أنام صار لي يومين انام ساعة و أصحى وهذي حالتي
عبدالعزيز بإبتسامة طاهرة مُغمض عينيْه : تذكر السنة اللي فاتت وش كنا نسوي ؟
ناصر ضحك بخفُوت ليُردف : علينا تصرفات المراهقين ما يسوونها
عبدالعزيز ومازال مُغمض العين يعيشُ الحلم بكافة تفاصيله ، عض شفتِه السُفلية بشغف : كان متعة والله ضربنا لبعض
ناصر بإبتسامة محَت كُل تعب الطائرة : خذيت منك كفوف والله كانت إيدك حجر أعوذ بالله
عبدالعزيز : و أبوي ماقصَّر فيني رجع لك حقك
ناصِر أنفجر ضحكًا وهو يتذكَر شكل عبدالعزيز وبين ضحكاته : أبوك عليه تعذيب نفسي يخليك تعض الأرض
عبدالعزيز أبتسم : تذكر يوم يعلق العلب فوق رآسنا ويقول بشوف توازنكم قسم بالله قمت أستشهد من الخوف
ناصر : أي تستشهد قمت تترجاه !! " يُقلد صوته " تكفىى يبه هذا سلاح أخاف الشيطان يدخل وأموت ... تكفىى يبه توني بأول العمر
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههههههههه الله يرحمه ويغفرله .... وبصوتٍ خافت .. أشتقت له ، كنت أحسب لأفعالي ألف حساب لأني داري أنه ورايْ ماكنت أخاف أغلط لأني عارف أنه في أحد وراي بيصلح الخطأ
ناصر : الله يرحمه يارب ... والله أشتقت له كثير .. أشتقت حتى لهواشه ليْ ..... مدري كيف كان عصبي ورحوم بنفس الوقت .. كل الصفات الحلوة فيه
عبدالعزيز بعينٍ مُتلهفة لأحاديثٍ عنهم علَّ أطيافهم تُشاركه العيد : أول مرة هاوشك فيها وزعلت ماكنت متعوِّد على أسلوبه و باس رآسك وقالك " يُقلد صوت والده بحُبٍ عظيم " ما بين الأبو و ولده زعل
ناصر تحشرجت دمُوعِه لذكرى والِد عبدالعزيز ، أبتسم و عيناه تتضبب برؤيتها : ما أظن غادة بروحها اللي أشتقت لها
عبدالعزيز فتح عيناه ينظرُ للسقف الشبه مُعتم كقلبه الذي يحتفظ ببعضِ الضوء من ذكراهم ،
،
يرنُ في إذنــه وصفِ والدته لها ، جديًـا لا يُفكِر كثيرًا بزاوجه الذِي يضطرب بالعدِ التنازلي ، و لا يُفكِر كيف التعارف سيكُون بينهُما ؟ أو حتى كيف يتخيَّلها . . لم يُطالب بالرؤية الشرعية و لم يطمَح من الأساس بأن يراها.
في الطريق المؤدي للرياض خلف سيارةِ والده ، على جنباتِ طريقٍ يفيضُ بالجفاف كجفافِ شُباكِ قلبه الذِي لن يُغرِي حمامةٍ مثل ريم بأن تقِف عليه ، تنهَّد و قلبي يُعيد إستماعه " بصوتٍ به من اللهفةِ لهذا الزواج الكثير ، أردفت : طولها كذا يعني تقريبا أقصر من أفنان بشوي ، و ضعفها حلو ماهو ضعف المرض لا ضعف يعجبك .. و لا الخصر قل أعوذ برب الفلق وش زينها يوم شفتها آخر مرة بالفستان و طالع جسمها ماشاء الله تبارك الرحمن .. أنا لمحت أخوها الكبير مرَّة على ماظنتي منصور .. فيها شبه كبير منه بس هي أزين بعد .. ما أقول إلا الله يهنيكم ويرزقكم الذرية الصالحة "
هذا الوصف و تلك الكلماتِ تُشبه ما قالته والدته في مُنــى ، يُذكِر تلك الليلة البائســة و ضحكاتِهن الحقيرة ، حتى الجُوهرة كانت تعلم و لكِن لم تقُل لي و لا أُلام على كُرهك يالجوهرة !
( بخطواتٍ خافتة يصعد لينجذب نحو أصواتِهن ، و مُنى بسُخرية : ههههههههههههههههههه إيه ماشاء الله معذبة قلوبهم كلهم ، علقت عليها الجُوهرة بذاتِ السُخرية " قولي بعد أنك تحبينه " مُنى بضحكةٍ صاخبة أجابت : إيه أحببببه .. هههههههههههههه )
زاد بسُرعته و براكينٍه تثور مُجددًا ، و الأفكارُ تأتي بمُنى الآن ـ
" ألتفتت عليه وهي تُغلق هاتِفها ، سألها " مين تكلمين ؟ " أجابت " مدرِي مزعجني هالرقم كثير " . . سحب الهاتِف لينظُر للرسائِل الغزليــة . . . . " و أشياء لا يستحق قلبي ذكرها الآن ، بتَــر تفكيره بها و هو يُجدد اللا ولاء لريم.
،
قبَّل جبينها و كفَّها ليجلس أسفَـل السقف الذِي تتدلَى منه الثُريـا الذهبيــة المُشعة التي تُشبه عينـا مُوضي المُشتاقة ، وبصوتٍ ممتلىء بالحنان : بشرني عنك ؟ وش مسوي ؟
فارس : بخير مافيه شي يذكر
مُوضي وهي تُخلخل أصابعها في شعرِ فارس القصير : تدري يمه ؟ أشتقت أصبح على وجهك
فارس بصمت ينظرُ للفراغ الذي أمامه ، لم يضع عينه في عينِ والدته إلا عند سلامه لها.
مُوضي و دمُوعها تخنقُ محاجرها : أشتقت لك كثير
فارس و جامِد جدًا ، قلبه يتفتت لفُتاتٍ رقيق يمرُ بحمُوضة بين خلايـا دماءه المالحة.
مُوضي بلهفـة : سولف لي عن أخبارك ، 7 شهور ماشفتِك .. أبي أعرف وش صار فيها !
فارس بهدُوء وعيناه على دلـةِ القهوة : أنام آكل أقرأ أرسم .. بس
مُوضي بقهر الأم : ليه تكلمني بهالطريقة كأنك ماتعرفني ؟ أنا أمك لا تسوي فيني كذا
فارس تنهَّـد : آسف
مُوضي بإعتذاره نزلت دمُوعها بلا مُقدمات ، وضعت كفَّها على كفِ إبنها الأسمَر : أبي أحس أنك قريب مني ، تدري يا فارس أني أحتاج لك كثيير
فارس ألتفت عليْها و عيناه في عينيْها ، عقَد حاجبيْه وجعًا و سحبها لحُضنه ليُعانقها و يستنشقُ الأمومة الضائعة منه ، دفءٌ يُهدأ ضجيجُ البرودة الذي يحفُه ، لِمَ دائِمًا أفشَل في قولِ ما في قلبي ؟ لِمَ دائِمًا أُعاند قلبي و أقُول شيئًا مُختلفًا لأجرح من حولي !
تعلمين جيدًا يا أُمي أني ، أفتقدُك كما أشعُر بفُقدي لجنةِ الدُنيــا بين كفيِّك.
،
على طُرقِ باريس العتيـقة مشيـَا و شمسٌ خجولة تطُل دقائِق و تختفِي تحت خمارِ السُحب ، أدخَلت أفنان كفيْها في جيُوبِ معطفها : برررد
سُميــة تنظرُ لِمَ حولها :أتوقع هنا المكان ...
أفنان : ترى إذا فيه أشياء مااش ماعجبتني راح نطلع
سُمية :أكيد إذا فيه شرب وحركات قلة أدب على طول نطلع
أفنان : طيِب ..... و بهدُوء دخلتا الممر الضيِق ليواجها مدخلاً مُزيَّن بجدائِل الزهر الريفيــة ، أفنان بضحكة : شوفي الورد وش زينه يمدينا نسرقه !
سُمية : مدري من وين يجيبونه مررة يجنن ! بس هنا مايبيعون الا المخيِّس
أفنان و سُميـة توزَّعت أنظارهِن حول المكان المُزيَّن بالطاولاتِ المُستديرة و المقاعِد التي تُشبــه مقاعِد النوادِي الليلية ، كان اللون العنابِي و الذهبِي يطغى على المكان و نقشاتُ الجُدران تُشبـِه التُراث النجدِي.
و الضحكات تصخب في كُل مجموعةٍ جالِســة و المُوسيقى تنهال من كُل صوب.
أفنان همست : خلينا نطلع !! بيجلسون ينطربون الحين ويرقصون !!
سُميــة : إلا وناسة بس تعالي نتفرج ونتطمش .. محنا مسوين شي إحنا
أفنان : يمه أشكالهم تخوف ماكأنهم مسلمين
سمية بجدية : أفنان ياكثر وسوستك إلا مسلمين شوفي هالوجيه السمحة بس !!.. سحبتها وجلستـا في إحدى المقاعد المنزويـة بالأخير حيثُ مكان إستراتيجي لسُميـة في التأملُ بملامِح الضيُوف.
أفنان : الحين حقين " كَــان " بيجون ؟ يعني أستاذ نواف وكذا ؟
سُمية : مدري والله بس أتوقع يمكن
أفنان أمالت فمها : ماهو حلوة يشوفنا كذا
سمية بحماس : شوفي ذيك بس ..
،
غرقَت في ضحكتِها وهي تُغسِل كفاهَــا ، بعضُ من نجد يلتصق بها الآن و الرائِحـة العذبـة تكشف عن إشتياقها ، أردفت : حلوو ؟
وليد و هو ينظِر لنقشِ ظاهِر كفَّها و بإبتسامة : مع أني ماأحب هالأشياء بس حلو عليك
رُؤى أبتسمت للإمرأة السوادنيـة العذبـة و شكرتها لتتبع وليد.
ولِيد أبتسم و سحب قُبــعةِ القش ليضعها على رأسِ رُؤى و أكملا سيرهُما على الشاطىء و الجو يتكاثف على نغمةِ العيد.
أردف : ما توقعت فيه عرب هنا !
رؤى : يازينها بس .. والله ودي آخذ رقمها
وليد ضحك ليُردف : خليك واقفة هناا
رؤى بشغف : فيه مفآجآة بعد ؟
وليد : وش قلنا ؟ الأقدار مكتوبة و ماله داعي نفكِر بالمستقبل .. لازم نضحك ونعيش يومنا و نتفاجىء بعد
رؤى بإبتسامة حُب و حماس طفُولي : طيب .. وش بعد ؟
وليد : شايفة الشي اللي هناك .. أشار لها بيدِها ،
رؤى شهقت : لآلآ مستحيل قول أننا بنركبه
وليد : هههههههههههههههههههه رحلة على شواطىء باريس وش رايك بس ؟
رؤى ضحكت بفرحة كبيرة : يالله وليد ... وين ألقى مثلك ؟
وليد أبتسم : ترى بنتأخر على الرحلة لأن معانا ناس ثانيين .. ماحبيت نحجز بروحنا .. يعني عارفة الوضع
رؤى بإمتنان : مو بس وين ألقى مثلك ؟ إلا وين ألقى شخص يخاف علي حتى من نفسه
أتجهـا نحو الباخِرة العريضـة كانت تحوِي على أُناس يتحدثون الفرنسيـة المُتغنجة بألسنتهم ، صعدَا للأعلى حيثُ لا أحد ، رؤى تقِف و الهواء يعبثُ بها ، بنظرَة ساحِرة لعُرضِ البحـر : أحس بسعادة ما تنوصف
يشطرُ بصرها ضحكةٌ لرجُلٍ لا ترى ملامِحه يعتلي صوته بجانبِ آخر : وي آر إن باغييس .. We are in paris
يُكمل عنه الآخر : و تخرجـــــــــــــــنا و رفعنا الراس
و رمُوا أجسادِهم من الباخِرة في البحر وسط صخب ضحكاتهم و فرحتِهم ،
ألتفتت على وليد و أصابعها تتمسك بحواجِز الحديد : أحس هالمنطقة قد شفتها !!
،
على مكتبــه يُطفئ سيجارتِه ، في كفِه الهاتف : أنتظر بعد .. أنا كلمت صالح و هو قالي فترة و بعدها نتفق بموسكو ...... لا وش فيك ؟ .... لآ أكيد مستحيل أنا أثق فيه كثير .... هو مشغول الحين يقول أضبط الأمور وماأعرف أيش أنا مخليه براحته لأن داري راح يرضيني بالنتيجة ...... هههههههههههه لا في هذي تطمَّن أقولك واثق فيه ....... مُستحيل قولي ليه ... مدري عنه يقولون متزوج بنته .. ما عليّ منه أنا قبل كنت أفكِر بولد سلطان أنه ممكن يفيدنا بس طلع متزوج بنته وين يفيدنا فيه بعد !! ... هههههههههههههههههههههه والله عاد هالعبدالرحمن أنا ماأفهم تركيبته ..... خل يحشر بناته ولا يذبحهم ما عليّ منه .. المهم شف لي الحجوزات أبيك تتأكد و تراجع لي شروط العقد أخاف يشوفون لهم ثغرة زي العادة ويقلبون الموضوع علينا ..... إيه أنا معتمد عليك في الأمور القانونية ..... لا بنتظر لين تجيني الجنسية الفرنسية عشان كِذا أكون تحت حماية الحكومة الفرنسية ... إيه طبعًا ... ههههههههههههههههه مو بس يآكل تراب إلا بيتبخَر هو و الثاني سلطان ....
،
أرتدَت فُستَـان إلى رُكبتِها ذو لونٍ أسوَد ، أعتادت على ألوانٍ تجعلها بعُمرٍ أصغَر أما هذه المرة أرادت أن تخرجُ بلونٍ كئيب أو رُبما لونٌ يُبرهن صخبِ أنوثتها . . أرادت أن تكشِف نوايـاها في ردائها.
تركت شعرها البُندقي مموَّجُ بخفُوت على كتفِها و الشاش الأبيض مازال يلفُ منتصف رأسها و يُمسك شعرها من فوق ليظهر أكثر ترتيبًا ، تركت أحمرٌ صارخ يتكأ على شفتيْها و الكحلُ الأسوَد يُذِيب شحُوب عينيْها.
أرتدت كعبـها الأسوَد و سمعت أصواتِهم ، عمي عبدالمحسن وصَل !! . . ألتفتت لغُرفـة عبير ، أتجهت لها و طرقت الباب ، مرةً وإثنتين وفتحت الباب ، ألتفتت عبير المُستلقية على السرير إليْها.
رتيل بهدُوء : ليه جالسة ؟
عبير صُعقت من منظرِ الشاش ، فهي لم ترَى رتيل منذُ أمس : وش فيه راسك ؟
رتيل : طحت أمس .. طيب أمشي ننزل عمي عبدالمحسن جاء وأكيد جوجو معه وخالتي
عبير : لا مالي خلق بنام
رتيل تنهَّدت : قومي وشو له تضيقين على نفسك !!
عبير بإستغراب من تصرفات رتيل : وش صاير لك اليوم ؟
رتيل أبتسمت و الخبثُ يخرج من عينيْها البريئة : ولا شيء بس إذا أحد أزعجك أزعجيه وإذا أذَّاك أذِّيه و إذا قهرك بعد أقهريه ، أما أنه يقهرني وأجلس أكدِر نفسي عشانه !! ليه ؟ وحتى سالفة زواج أبوي خلاص تزوج بجلس أضيق عمري وأبوي مبسوط ؟ لأ .. عيشي حياتك زي ماتبين وأتركيهم عنك واللي يدوس لك بطرف رديها له ..و أحرقـــــيه .. " شدَّت على كلمتها الأخيرة بكُره "
عبير رفعت حاجبها : يعني أزعج أبوي لأنه أزعجني ؟
رتيل : أبوي حالة أستثنائية بس دامه مبسوط خلاص .. أنا أقول قومي وألبسي ... محد خسران بحزنك هذا غيرك أنتِ .. لا أبوي بيوقف حياته عندِك ولا ضي بتبكي عشانك .. محد يهتم لنفسك غيرك .. أنا بنزل .. وتركتها تُصارع أفكارها المشوشة ، كلمات رتيل تُثير في داخلها الريبة والشك و كل الأمور السيئة.
نزلت رتيل لتُسلم على عمَّها و إمرأتِه و الجوهرة ، بسؤال المُشتاق : وين تركي ؟
عبدالمحسن بهدُوء : مسافر
رتيل : صار لي فترة طويلة ماشفته
عبدالرحمن وقف : دام جت رتول أحنا بنمشي
عبدالمحسن و خرج مع أخيِه الأصغر ،
رتيل بإبتسامة : أفنان متى ترجع ؟
الجُوهرة : أتوقع الشهر الجايْ
رتيل بعد صمت سقطت عيناها على كفِّ الجُوهرة المُحمَر و المتورِم أيضًا : وش فيها إيدك ؟
الجوهرة لمَّت كفوفِها حول بعضها بربكة : بالغلط لما كنت أكوِي
رتيل : يوه سلامتك والله
الجُوهرة : الله يسلمك
رتيل : طيب أفنان يعني ماراح تحضر عرس ريان ؟
أم ريان : إلا أكيد بس مالقت حجز الا قبلها بيوم بتكون تعبانة بس الله يعين
رتيل : توصل بالسلامة . .
،
تقيأت كُل ما دخَل بطنها في صباح هذا العيد ، مسكت بطنَها بوجَع ،
والدتها من خلفها : ذي عين ما صلَّت على النبي .. خلنا نروح المستشفى أخاف صاير به شي
مُهرة بألم : لأ ماله داعي .. أنا بحجز موعد قريب عشان أراجع الحمل
والدتها : قايلة لتس الجلسة هنيّـا تقصر العُمر
مُهرة جلست على سريرها : يممه تكفين لا تضيقين علي بعد !!
والدتها خرجت وهي تتحلطُم : ماتبين تسمعين الكلام أحسن لك بكرا يصير فيك شي وتعالي أبكي عندي
مُهرة تنهَدت وأستلقت على ظهرها و يداها على بطنِها الصغير ، تسللت دمعَة يتيمـة على خدِها ، مسحتَها لا تعرف كيف تُفكِر لأيامها المُقبلة أو بأيْ منطق تُفكِر أيضًا ؟
أهتز هاتفها على الطاولة ، مدَّت يدها وأخذته لترى رسالة بأسماء عياداتِ النساء و أرقامهُن . . مِن يُوسف ،
في جهةٍ أخرى كان مُستلقي في الصالة الداخليـة و أمامه هيفاء و بجانبه ريم و والدته.
والدته : عزمتهم بكرا
ريم : بس طبعًا ماراح أطلع لهم وعرسي ما بقى له الا كم يوم
والدتها : إيه أكيد ،
يُوسف حك جبينه : وليه ماتطلع لهم ؟ عيب تجي أم رجلها وماتطلع لها !
والدتها : لا ياحبيبي البنت قبل عرسها بفترة ماتطلع قدام أحد
يوسف أبتسم بإستخفاف : يالله ثبت العقل بس
والدتها : أنت وش يعرفك !!
يُوسف : يمه بلا هبال خليها تطلع بتحكرينها في البيت والله تجيها كآبة
والدتها : لا حول ولا قوة الا بالله .. أقول أنت ماتعرف بهالمواضيع لا تتدخل فيها
يوسف بإبتسامة : إيه صح ماأعرف بمواضيع الحريم
هيفاء : أنا مستحيل أخلي زواجي كذا
يوسف : أنتِ بنزفِّك على خيل ... هههههههههههههههههههههههه أستغفر الله أنا شكلي من كثر ما أتطنز صايرة حياتي دراما
هيفاء : أحسن تستاهل .. حقير وش خيل ؟ مراهقة أنا عندِك !!
يوسف : وش فيها المراهقة ؟ يقال الحين طالعة من بطن أمك وأنتِ بالجامعة ! الله يرحم أيام اللبس الوسيع هههههههههههههههههههههههههههه
هيفاء بصدمة : أناا ؟
يوسف : كنتي تحسسيني أنه جسمك مغري وأنتِ قلم رصاص لو أنفخ فيك طرتِي
ريم : بلا قلة أدب
يوسف : وش قلت أنا ؟ قلت الصدق ههههههههههههههههههه لحظة مراهقة ريوم كيف كانت ؟ ... أذكِر فجأة صرتي ماتسلمين علينا أنا ومنصور ... هههههههههههههههههههههه عليكم حركات أنتم يالبنات مدري وش تبي ؟ فجأة تنقلبون علينا إحنا المساكين
والدته : أنت شكلك قاري شي ؟
يوسف : يازين اللي تكشفني .. تو أبحث عن عيادات عشان مهُور و قمت أدخل المواضيع هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ريم فتحت فمَها بدهشـة و الإحراج يُغطيها ، وقفت وبخطوات سريعة خرجت وعكسها تمامًا هيفاء ضحكَت لتُردف : شايفة يمه قليل حيا مايستحي ..
يوسف بضحكة : ماهو ذنبي أنكم مهبل وتكتبون مشاكلكم في النت !! بعرف مين الفاضية ذي تكتب مشكلتها في منتدى !!
هيفاء : ماعلينا .. صار إسمها مهور بعد .. يخي لا بغيت تدلع دلِّع بشيء يفتح النفس
يوسف : أنا أحب الأسماء بحرف الواو . . لو كان الأمر بإختياري كان تزوجت وحدة إسمها تهاني يازينه بالدلع تخيلي كذا جاي مروق وأناديها تهُون .. الإسم له هيبة
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههههه أشك أنه الإسم كذا من الله
يُوسف : لآ والله أنا أحب إسم تهاني من زمان ولو جتني بنت بسميها تهاني .. المعذرة منك يمه أسمحي لي أنتِ وابوي خلوكم على عيال منصور أما أنا بجدد الأسماء
والدته أبعدت نظرها بغرور : مالت عليك وعلى الأسماء اللي بتختارها
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هه ريلاكس كل هذا عشان إسمك الملكي
هيفاء : والله إسم أمي يهبل .. كذا له وقع على النفس جميل ... يعني تخيل بكرا تتزوج بنتك ويناديها زوجها ريانتي .. يالله يالجمال بس
يوسف : عز الله ما ناداها ريانتي إذا أبوي أظنه ناسي إسم أمي من كثر ما يقولها يا أم منصور
والدته : أجل تبيه يقول يا ريانة تعالي .. بالعكس هذا تقدير ليْ ومن كبر معزته لي يناديني بإسم عياله
يوسف : لآ والله ماهو تقدير طيحوا الميانة وشو له التعقيد
والدته :أقول بس لا تكثِر قراية يبي لك تأديب ...
يُوسف أبتسم : أمزح والله مادخلت الا موضوع وحدة كاتبة ... ولا أقول أستغفر الله ماأبغى أتطنز
والدته : متى بتجيب مُهرة ؟
يُوسف بهدُوء : خلها ترتاح هناك متى مابغت تتصل هي
والدته : بالله هي تتصل ؟ الأسبوع الجايْ جيبها قبل لا تبدأ جامعتها .. أكيد ماراح تتصل عليك وتقولك تعالي
،
يصرخُ بحُرقــة و الحزنُ يقتلع عيناه من ملامِحه المُحمَّرة و آثارُ الدماءِ عليها لم تُمسح منذُ يومَان : الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــوهـــــ ـــــــــــــــــــــــــــــرة
على بُعدِ خطوات للتوَ دخل المزرعـة الكئيبة ، بعُقدة حاجبيْه : عطيتوه أكل ؟
: إيه طال عُمرك
سلطان تنهَّد و ترك سلاحه الشخصي على الطاولة مُتجِهًا إليْه ، فتَح الباب و في الظُلمـة لا يُرى شيء سوَى دماء تُركي و بُكاءه ، جلس بمُقابلـه و كُل ما ينظِر إليه يزيدُ غضبه و تثُور البراكين الخامدة في داخله ـ أردف بحدةِ صوته : على مين تصرخ ؟
تُركي بضُعف ينظر إلى سلطان : أنت ماتحبها !! انا بس اللي أحبها .. أنا بس
سلطان و أعصابه التالفة لن تصبُر أكثر ، لكمَه على عينه ليسقُط ويسقط عليه الكُرسي المربوط به و بغضب : يوم أنك تحبها كان خفت عليها !! كان ما أنتهكت حرمات الله !!
تُركي بهذيان : أحبهااا .. أحبهاا .. أنت ماتحس .. أقولك أحبها
سلطان بغضب وقف ، لا يُريد أن يتهوَّر يحاول أن يضبط أعصابه هذه المرَّة ، يحاول فعليًا أن لا يُجرم بنفسه و يقتله بكل ما أُعطيَ من قوَّة : مريض !! هذي بنت أخوك .. فاهم وش يعني بنت أخوك .. يعني مثلها مثل بنات عبدالرحمن أخوك .... ترضى تنتهك حرمة أخوك وعرضه في بناته !! .. رد علي ترضى .. صرخ به .. قول ترضى !!!! ترضاها على بنات عبدالرحمن ؟
تركي : الجوهرة غير
سلطان و بمجرد لفظ إسمها سحبه من ياقة قميصه التي تعتليها الغُبار : غير بـــ وشو ؟؟؟؟؟؟؟؟ قولي غيييييييير بإيش !!!
تُركي و كأنَّ موتًا بطيئًا يُصيبه ، بصوتٍ يتقطع و تعبٌ ينهشُ بجسدِه : أحبها . . الجوهرة غير .. الجوهرة ليْ .. محد يحبها غيري أنا .. أنا بس ... أناا بس
سلطان و بقوتِه الجسدية صفعه على خدِه ليسقط وينكسِر سنُّ تُركي الجانبي ، أردف بغضبِ البراكين : هذي بنت أخووووك !!! بنت أخوووووووووووووك ليه منت راضي تفهم أنها بنت أخوووك !! .. .. لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيـ ــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــه ؟
تُركي : ماهي بنت أخوي .. هذي حبيبتي
سلطان تمتم بجحيم : أستغفرك ربي و أتوب إليه ... أعطاه ظهره وهو ينظرُ للجدَار يحاول بجِد أن يضبطُ أعصابه ، . . يارب أرحمنا .. ألتفت عليه : وش تبيني أسوي فيك ؟ تبيني أقطعك قدامها عشان أعلمك كيف تحبها صح !!
تُركي بخفوت : فداها
سلطان و بغضب أخذ كُرسيــه ورماه عليْه ، يستفزُ كل خليـة بجسده بكلماتِه الغزليـة المُقرفة له : تبي أخوانك يدرون عنك ؟ تبيني أقولهم ؟ صدقني ماراح يلوموني لو أذبحك !! . . تبي عبدالرحمن يدري ؟ . . . . .
أقترب منه وبصرخة : تبيـــــــــــــــه يعرف ؟
تُركي وصوتُه يأتي مُتقطعًا خافتًا مُتعبًا : .. ابي الجوهرة . . أبيها
سلطان خرج و تركه ، بخطواتٍ غاضبــة حادة أخذ سلاحه و خرج مُتجهًا لبيتِ عبدالرحمن حتى يأخذ الجوهرة ،
،
نفَرت من رائِـحة العصير لتُردف بتقزز : شكل فيه كحول !!
سُميـة ببرود : عصير برتقال عادي
أفنان أخذته لتُقربـه من شفتيها ولكن يدٍ أُخرى أبعدته ليسقُط الكأس على الأرض و يتناثِر زُجاجـه . .
ألتفتت وهي جالـسة على الضخم الذِي أمامها ، بنبرةٍ حادة : هذا خمر !!!
أفنان بلعت ريقها وبربكة : قالوا عصير برتقال !
نواف بعصبية : وأنتِ أي شي تشربيـنه .. وألتفت على سُميـة وسحب الكأس من أمامها أيضًا .. تأكدوا قبل كل شي
سُميـة بهدُوء : طيب خلاص ماراح نشربه وش يدرينا إحنا !!
نواف : لا تشربون شي من أماكن عامة دام ماتأكدتُوا !
سُميـة تضايقت من أوامره وكأنه وصي عليهم و أخذت حقيبتها وخرجت تارِكة أفنان مُحتارة واقفة وعقلها متوقف أيضًا عن التفكِير ،
نواف : وش جايبكم هنا ؟
أفنان بنبرة متزنة : دعونا وقلنا نجي نشوف الحفل !! فيها شي غلط ؟
نواف رمقها بنظراتٍ مُستحقرة ليُردف دُون أن ينظِر إليْها : أحترمي الحجاب اللي لابستــه ...
أفنان بإندفاع وإنفعال لم تتعوَّد أن تُسيطر عليه : وأنا طالعة بـ وش ؟ لو سمحت لا تجلس تكلمني بهالأسلوب ما أشتغل عندك ولا أنا بأصغر عيالك
نواف نظَر إليْها بنظراتٍ ذات معنَى سيء على قلبِ أفنان وتجاهلها تمامًا مُتجِهًا للخارج.
أفنان أمالت فمَها و براكين تثُور في داخلها ، لآ تُحب هذه الطريقة التي تُذكرها بطريقة ريــَّــان المُزعجة لها. بعد غد سأتوجه للرياض و فُرصـة أسبوع في الرياض من أجلِ حفل زفافه ستكُون جيدَّة لتعُود نفسيتي.
،
بين يديْـــه ثقيلُ الجسد ينظرُ إليه بضُعفٍ كبير و عيناه تبكِي و تختنق بأمورٍ لا يعلمها ، أخذ نفَسًا وأظلمَ الكونُ بعينِــه ، يُريد أن يفهم عين والدِه أن يقرأها و يقتبسُ ما يُطمئنه.
والده المُخترق الضوءُ بجسدِه ، بصوتٍ أكثر تعبًــا و إرهاقًـا : قلت لك لا تروح . . ليه رحت ؟ . . ليه يا عبدالعزيز ؟ . . تذكر وش وصيتك فيه ؟ . . يا روح أبوك أنت تموت قدامي و مقدر أسوي لك شي . . لا تسوي في نفسك كذا يايبه .. تعرفني صح ؟ تعرفني ولا نسيتني ؟ . . . يبه عبدالعزيز ... طالعني .. طالعني يا يبه و لا تعيد نفس الغلط . . لا تعيده . . لا تعيده عشان خاطري . . عشان خاطري يا روحي
شعَر بكفٍ تمسح على وجهه بمياهٍ باردة ، بصوتٍ هامس : عزوز أصحى
فتح عيناه بتعب و العرق يتصبب مِنه ، عقد حاجبيـه وهو يتذكَر ما حدث في حلمه
ناصر : بسم الله عليك .. تعوّذ من الشيطان
عبدالعزيز تمتم : أعوذ بالله من همزات الشيطان ومن أن يحضرون
ناصر تنهَّد و هو يُخلخل يداه في شعره المُبلل : ثاني مرة توضأ قبل لا تنام .. تختنق وأنت نايم ولا تحس أبد
عبدالعزيز أستعدل بجلسته واضِعًا كفوفه على جبينه و الضيقة تُدفن في صدره : بروح البيت . . .
،
ترك عبدالمحسن إبنـه و أخيه في المجلس و سَار مع الجُوهرة حول قصرِ عبدالرحمن ، بصوتٍ هادىء : تبيني آخذك اليوم ؟
الجُوهرة ألتزمت الصمتْ هي تعلم جيدًا بأنَّ الطلاق قدرٌ و واقعٌ عليها لا شك و لكِن شعُورها بأن تُثبت براءتها لسلطان يكبرُ بعد مَا كان مُتقلِصًا في الأيام الفائتـة ،
عبدالمحسن يُردف : أنا بس أنتظر أعرف مكان تُركي وساعتها بينتهي كل شيء وبتنحط النقاط على الحروف ، لكن مافيه شي يجبرك تجلسين عنده . . أنا عارف أنك تبين تطبقين اللي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بس أنتِ حالة ثانية
الجوهرة أبتسمت بسُخريـة ، تفكِير والدها بها بريء جدًا بالنسبة لأفكارها و شعُورها ،
عبدالمحسن : إحنا في زمان غير ، يعني لما قبل البنت تتطلق وتجلس عند زوجها العدَّة ماكان أحد يشوفه غلط و فيه بعضهم يرجعون لبعض لكن هالتفكير مايمشي الحين .. تغيَّر الوقت وتغيرت نظرة الناس و إن وقعت الطلقة الأولى ما تنذَّل النفس وتجلسين عنده !! هذا وهو توَّه ماطلقك يعني ماابيك تجلسين وتنتظرينه يطلقك .. بس لأنه هو طلبني و سلطان تعرفين أني مقدر أرده بس إذا أنتِ تبين فأنتِ عندي أهم وأولى
الجوهرة : لآ عادي .. أصلاً عمته موجودة
عبدالمحسن : في بيته ؟
الجوهرة : إيه برمضان جت و تسلي وقتي
عبدالمحسن بهدُوء : أبي أتطمن عليك . .
الجُوهرة أبتسمت بشحُوب : لآ تطمَّن ، كلها فترة و تنحَّل أمورنا بإذن الكريم.
عبدالمحسن أبعده أنظاره ليتأمل الفراغ الذِي حوله و يُردف : مدري وين أراضيك يا تركي !!
الجُوهرة ودَّت لو تُخبره ، لكن تعلم جيدًا أنَّ سلطان سيفهم ذلك خطأ أو رُبما حتى يبصق عليه بالخطأ وإن كان عن حسنِ نيّــة ، أكملُوا سيْرِهم و هي تلمحُ الضيق في عينِ والدها . .
بعد دقائِق طويلة ، عبدالمحسن : الجوهرة ماأبيك تستحين مني .. أبي أسألك سؤال
الجوهرة بلعت ريقها لتقِف و أنفاسها تتصاعدُ مُتناسبة طرديــًا مع نبضاتِها المُرتجفة . .
،
بعد أن هدأت الأجواء و أتجهُوا جميعهم للأعلى ، خرجَت و بتمرُد مُباح هذه المرَة قادتها أقدامها لبيتِ عبدالعزيز ، دخَلت و صوتُ كعبها يصخب صداه ، أبعدت بيجامته عن الأرضية الرُخامية ، مسكت بعضُ الأوراق المرميـة على الطاولة التي عليها رسُومات صغيرة لبيُوت مُتراصـَّـة و أسلحـة و أشياء أخرى لا تفهمها ، تركتها بمكانِها مُتجِهة لغُرفته وقبلها نظرت للدُور العلوي الصغير الذِي يحتوي على كُتبِ والدها ، تركت الدرج الخشبي القصير و أتجهت لغرفته ، فوضوي جدًا ، الملابس مرمية على الأرض و السرير و في كُل مكان هُنــاك قطعة ساقطة. أقتربت من المرآة ، تذكُر كيف أختارت هذا الأثاث مع عبير !! تنهَّدت لترى حاسُوبه الشخصي ، فتحته لتجِدهُ غير مُغلق تمامًا ، دخلت على مُتصفح " سفاري " لتضغط على " التاريخ " و ترى الصفحات التي سبق دخولها آخر مرة ، شدت على شفتِها السُفليـة وهي تنظرُ لصفحة أثير في تويتر ، دخلتها لترى آخر تغريداتها بكُره شديد ، قرأت " هذا العطر من أجمل العطورات . . *مُرفق بصورة " أخذت نفسًا و سقطت عيناها على مثل العطر على طاولة عبدالعزيز.
تركت اللاب مُتجهة له ومسكته لثوانِي و سُرعان ما قذفته على الجدار ليتبلل جُزءٍ من الجُدار و الأرضْ بالعطِر و زُجاجه يتناثَر ،
رتيل تأفأفت و توجهت للأعلى حيثُ كتب والدها و رُبما هناك شيء لعبدالعزيز . .
هوَ يسيرُ بخطواتٍ سريعــة ، بعد كابوسِ ساعاتِ المغرب مُضطرب المزاج ، فتح الباب و . . . . . . . .
↚
ويلك
حين يعربد الانتقام
على مسارات قهري
و انسف الوجل
دون تردد ..
هذه المره
لفظت الرعب
فالقسم
يسري في وريدي
و الوجع
يتسلل
في شراييني
سأذيقك
شيئا
لا تعرفه
شيئا يضاهي
كل ما أسقيتني
إياه أنت و أبي ..
هذه المره
ستعرف
حقا ماذا
يعني كيد النساء ؟!
*المبدعة : وردة شقى.
،
بعد دقائِق طويلة ، عبدالمحسن : الجوهرة ماأبيك تستحين مني .. أبي أسألك سؤال
الجوهرة بلعت ريقها لتقِف و أنفاسها تتصاعدُ مُتناسبة طرديــًا مع نبضاتِها المُرتجفة . . صمتٌ يلفها و قلبٌ يرجِف.
عبدالمحسن مُشتتِ أنظارِه و أصابعه تتشابَك : سلطان ماقرَّب لك ؟
لِمَ السؤال مُربك إلى هذا الحد ؟ لِمَ أبكِي من سؤال ؟ أكان صعبًا علي الجواب أم لأني لا أجدُ مخرجًا من الصمتْ !!
يالله كيف تلفظُ الشفاه بما لايجبْ أن يُقال ؟ و ربُّ هذه الحياة لم أعرفُ أن للجسدِ لُغةٍ إلا مُنذ أن لوثنِي تُركِي و تخاطبتُ بها 7 سنواتِ بعينيْ ، لم أعرفُ إلا منذُ أن شطرنِي سلطان و تحدثت يدايْ بتشابِكهُما . . كيف أشرحُ لك يا أبي ؟
عبدالمحسن و لم يكُن بسهلٍ عليه ، أردف بربكةٍ كبيرة : الجوهرة . .
الجوهرة همست و الدمعٌ على خدِها يسيل : لأ
عبدالمحسن لمَح تلك الدمُوع ، أردف بوجعٍ كبير : لو أنه أخويْ . . أنتِ أهم ، هرب ولا عارف كيف أوصله ..
الجوهرة أخفظت نظرَها و لا قلبُها يهدأ ، ألتفتُوا لسيارة البانميرَا السوداء التي تُضيء بجانِب سياراتِهم ،
عبدالمحسن : هذا سلطان !! . . أسمعيني يالجوهرة .. ماراح أخليك ترجعين معه ..
الجوهرة تُراقب سلطان الغير مُنتبه لهُم على بُعد مسافاتٍ طويلة. أتعلم يا سلطان أنني بدأتُ أحفظك عن ظهرِ غيب ؟ بدأتُ أحفظ تفاصيلك وتلك الخطواتِ الغاضبة و الأخرى الخافتة ، أعرفُ جيدًا شعُورك من تقويسـةِ عينيْك و وقعِ أقدامِك. عرفتُ هذا مُتأخِرًا.
عبدالمحسن بهدُوء : أجلسي معنا هنا كم يوم لين عرس ريان و بعدها بترجعين معنا !! و كان الله غفور رحيم
الجُوهرة تنهَّدت وهي تمسحُ دمُوعِها بظاهرِ كفِّها : ان شاء الله
عبدالمحسن ألتفت عليه وهو يسيرُ بإتجاه مجلسِ الرجال ، بصوتٍ عالٍ : بــــــــــــــــــــــــو بدر
أنتبه سلطان للصوت و عاد بُضع خطواتِ ليراهِم ، أقترب بخطواتٍ مُخبـئة خلف ستار الهدُوء.
عبدالمحسن : كنا في سيرتك ، . . الجوهرة ادخلي داخل
الجُوهرة بربكةِ خطواتِها سارت بجانب سلطان ولكن أمام مرأى والِدها أوقفها بكفِه التي حاوطتْ معصمِها.
سلطان بنبرةٍ هادئة : مستعجل . .
عبدالمحسن رفع حاجبه مُتنهِدًا : الجوهرة بتجلس هنا
سلطان بعد صمتٍ لثواني مُتوتِرة أردف : ليه ؟
الجُوهرة زادت إنتفاضةُ قلبِها الهائِج في صدفتِه ، صدرُها يهبِط بذاتِ القوة التي يرتفعُ بها ، ذاب معصمها بكفِّه.
عبدالمحسن : وليه السؤال ؟ إحنا أتفقنا يا سلطان و لاتحسبني راضي على سالفة انها راحت بدون علمي ... أنا قبلت عشان كلامك اللي فات لكن الحين ماله لزمة ترجع معك ..
سلطان بحدَّة : كيف ماله لزمة ؟ إلى الآن هي بذمتي وماطلقتها
عبدالمحسن بذاتِ الحدَّة : ماله داعي تضحك على نفسك وتضحك عليّ !!! كل شيء أنتهى
سلطان شدّ على شفتيْه ليلفظُ بغضب : دام ما طلقت ماأنتهى شي !
عبدالمحسن و ضغطهُ يُنبأ بالإرتفاع ، كان سيتحدَّثُ بعصبية لولا صوتُ الحمامةِ التي نطَق : يــبه خلاااص
سلطان ركَّز عيناه الصاخبة بأضواءِ النار بعينِ الجُوهرة الدامـعة : روحي جيبي عباتك أنتظرك بالسيارة
ترك معصمها و نظرهُ يسيرُ بإتجاه عبدالمحسن : اترك هالموضوع احلَّه بنفسي
عبدالمحسن بغضب : بنتي ماهي حقل تجارب لك !! ولا راح أرضى .. لا تحدني يا سلطان أتصرف بشيء لا يعجبك ولا يعجبني
سلطان بنظراتٍ ذات معنى أردف : ريِّح نفسك أصلاً ماعاد يعجبني شي .. و سَـار لسيارتِه.
،
ركَن سيارتــِه بجانب سيارةِ سلطان دُون أن يُلقي لمن حولِه بالاً ، مُشتت ضائع ، يرى الأطيافُ تحوم حوله حتى بات لا يهتمُ بالحقيقة بقدرِ إهتمامه لأصواتِ هذه الأطياف. أخذ نفسًا عميقًا ليسيرُ بخطواتِ سريعة حتى لا يلحظهُ أحد.
مزاجُه مُضطرِب و مُجعّـد لن يستقيمُ بسهولة في هذه الليلـة بعد كابُوس المغرب. فتح الباب و عيناه تسقُط على زُجاجة العطر المرميـة. أقترب قاذِفًا مفتاحه على الطاولة الخشبيـة ذات المفرشُ القاني. نظَر لحاسوبه المفتُوح .. أقترب ليرى صُورة العطر من الملف الشخصي لـ أثير.
تمتم بحنق : هذا اللي كان ناقصني !!
تجاهل كل شيء ودخل الحمام ليستحِمْ . . في الأعلى سمعَت صوتِه ، سارت ببطء شديد حتى لا تصدرُ بكعبِها صوتًا ، الغُبار يعتلي الأرفُف ، لم تدخل هذه المكتبـة كثيرًا فـ المراتُ نادرة وجدًا. أقتربت من الكُتب الموضوعة على الطاولة التي يبدُو أنها آخرُ ما قُرأ. مؤسف أن ألبسُ اللامُبالاة حتى وإن بانت فضفاضة لا تليقُ بي. مُؤسف أن أكُون بهذه الصُورة و كأن لا قلب ليْ ولكن أنت تستحقُ أكثر من ذلك يا عزيز و يعزُ عليّ دمعي الذي لا تستحقه.
فكَرت قليلاً بحوارٍ مع ذاتِها يُشعل براكين الحقد. نزلت على الدرج الخفيفْ الذِي يصخبُ بكعبِها ، وقفت لتنتظِره. مرَّت الدقائِقُ طويلة حتى سمعت صوتُ خروجه من الحمام.
عادت خطوتين للأعلى و أصدرت صوتًا ثقيلاً على الأذن. لم يُحرك الصوتُ بهِ شيئًا ، كأنَّ الحياةُ مع اللابشـر يثقبُون قلبه البشرِي من فكرة الفضُول للأشياء الغريبـة و الأصواتِ التي ليس لها وجود.
أرتدَى بنطالِ بيجامته الرماديـة دُون أن يرتدِى شيئًا يُغطي جُزءه العلوي ، تفاصيله القديمة تُعاد ، منذُ أن رحلُوا وهو لاينام الا بشيءٍ يُغطي جسدِه بأكمله إلا أنه بدأ الآن ينام عاري الصدِر ، ماعاد هُناك شيء يستطيع أن يُخبئه. يشعُر بأن قلبه عارِي و يحتاج من يزيدُ بعُريِّـه فمن كان يُغطيه سابقًا " دعواتِ أمه ليلاً ".
رمَى نفسه على السرير و لامجال للنومْ . الأرق يُطارِده من كُل جهة و التفكيرُ بهم يهيج. أعينه تسقط على الجدار الذي تبلل بالعطِر والرائـحة القوية تخنُقه. أتجه للعطِر و عكَس الجِدارُ ظلالِها ، نظَر للظِل ! أأصبحتُ أتخيَّل ؟ جُننت رسميًا !! يالله أرحمني كما ترحمُ عبادِك الصالحين.
وقف بقامتِه المُهيـبة التي يشتركُ بها مع سلطانيْن. فقبلُ سلطان بن بدِر هُناك سلطان العيد.
ألتفت لينظرُ إليْها ، لم تتحركُ بها شعرة وهي تراه بل ركَّزت أنظارِها المُتحديــة بإتجاهه !
عبدالعزيز رفع حاجبـــه ، آخر ما توقعه ان يراها ، عيناه تتأملُها من خلخالِها الذهبِي إلى شعرها و الشاشُ الذِي يُغطي نصفه.
رتيل نزلت بقيـة الدرجات لتقترب منه وبنبرةٍ ساخِرة شامِتة : خربت خطتك ؟
عبدالعزيز بصمتٍ رهيب ينظرُ إليها بدهـشة تبدأُ من فكرةِ وجودها الآن أمامه وبهذه الجرأة .
رتيل بإبتسامة بانت معها صفـةُ أسنانها : إحنا اللي شخصياتنا تصلح لفترة مؤقتة و بعدها تزهق " أردفت كلمتها الأخيرة بدلعٍ عفوِي أرادت أن تسخَر به منه "
أكملت بملامحٍ مُشفقة : يا مسكين !! لهدرجة مضايقينك ومحاصرينك من كل جهة . . تبي تترك هالحياة وتبدأ حياة ثانية !! كسرت خاطرِي مايهون عليْ أشوفهم يتلاعبون فيك كأنك ولاشيء . . أو يمكن مالك أهمية أو تصدق .. عرفت الحين من اللي زيادة عدد !!!
عبدالعزيز ماكان ينقصُه أحدٌ يُشعل النار المتوهِجة. كل الأشياء تفيضُ ببراكينها. كان ينقصُه كلمة ليتنفجِر حِمَمِه.
رتيل في داخلها أرتبكت من نظراتِه ولكن أظهرت قوتِها لتُردف : تعرف مايهمني أكون زوجة لإنسان مثلك !! بس أشفق عليك وعلى أثير اللي بتقبل بشخص ماله رآي وشخصية .. جابوه من باريس غصبًا عنه و الحين يزوجونه بطريقة قذرة !! بس إسم أنك زوج .. إسم أنك رجَّال لكن بالحقيقة مافيه أفعال تثبت شيء من كل هذا
صفعها بكُل ما أوتي من قوَّة ، صفعها ولأولِ مرَّة يمدُ كفِّه على أنثى. أختَّل توازنها بالكعب لتسقُط على عتبة الدرَج و شفتِها تُجرَح ليختلطُ الدمُّ القانِي بأحمرِ شفاهِها المُسكِرة.
رتيل رُغم أنَّ الدموع تجمَّعت في محاجرها ، وقفت لتتحدَّاه وبسخرية : برافوو .. طلعت رجَّال وأنا الغلطانة .. صح اللي يضرب هو الرجال ... الله يقويك عرفت تبرهن عن رجولتك
عبدالعزيز مسكها من كتفيْها ، لولا عظامها الثابتة لذابت في كفُوفِه ، أحان وقتُ إفراغُ الجحيم ؟
صرخت به مُتناسية كل الألم : قرَّبت مني و أنت تدري أني ماأعرف بهالمصخرة اللي صارت !! قرَّبت مني وأنت عارف أني ماراح أنام الليل كله من خوفي من الله !! كنت تدررري بس أنا ؟ ... سمعت باللي قال الحُب دعاء !! ..
رجفت كلماتها لتنطُق و البُكاءِ يتلبسُها : الله يزيييدك قهر و يوريني فيك مكروه يهزِّك يا عبدالعزيز ...
دفعها على الجدار لتسقُط مرةً أُخرى على عتباتِ الدرج الخشبـية ، عقد حاجبيْه بضيق ، ماذا تبقى حتى أرى به مكرُوهًا ، أو هل بِي حياةٌ حتى تهتَّز من أجلِ أحد !! مُت منذُ زمن و مازلتُ أُمارس حماقة الحياة.
عاد إليْها و شدَّها من ذراعها ليلفظُ الغضب الثائر : وتحسبيني منتظر حضرتك تدعين ليْ !! أو حتى حاسب لك حساب ! عُمرك ماراح تكونين شيء و أنتِ أصلك رخيص !!!!!
حاولت أن تضربُ صدره العاري لتبتعدُ عنه و قطراتُ الماء من شعره تسقطُ عليها ، أنفاسها تتعالى كأصواتِ الرنين التي لا تهدأ.
يُكمل مُزلزلٌ أعماقها : ما يفصلني بيني وبينك شي !! قادِر أخليك زوجتي فعليًا بس مزاج .. ماأبيك أنتِ اول بنت في حياتي .. فيه اللي أهم منك
أتَى كلامُه قاسيًــا وجدًا على قلبٍ رقيق كرتيل. أتَى حادًا شطَرها نصفيْن ،
عبدالعزيز بسُخريـة ينظرُ إليْها : لآ يكون جاية اليوم وحاطة أمل في هالزواج !! للمرة المليون تعرضين نفسك عليّ يا رتيل . . بس هالمرة راح أرفض عرضك
رتيل المتصوِرة شيئًا أنقلب سحرُها عليْها و كل ما فكَّرت به وقعت في شرِّه الذي مازال في بدايته.
أردفت بقوةٍ هزيلة وهي بين ذراعيْه : لاتعطي نفسك أكبر من حجمك !! و للمرة المليون أقولك كون رجَّال ولو مرَّة وحدة
عبدالعزيز بضحكة خافتة غرز أصابعه في شعرِها المُجعَّد : علمي أبوك ليه زوجِّك واحد تشوفينه ماهو رجَّال ؟ ولا الكل يشوفك رخيصة مو بس أنا ؟
رتيل همست :أبعد عنِي
عبدالعزيز : جيتيني وتقولين أبعد
رتيل صرخت : قللت أبععد
عبدالعزيز يُحاوطها من خصرها بشدة لتقف على طرفِ كعبها وتصِل لمستواه : أصرخي بعد لين يجي أبوك و يشوفك كيف عارضة نفسك عليّ !!!
رتيل رُغم أنَّ بُكائها لا يتوقف إلا أنَّ حدتها بالكلام تزدادُ أكثر : حقـــــــــــيـــــــــر أنت حرام تعيش !! ليتك لحقت أهلك
كلمتُها الأخيرة أشعلت قلبه من جديد ، دفعها بقوة بإتجاه التلفاز ليتعثرُ حِذائها بالطاولة وتسقُط مرةٌ أخرى على رأسها الذي مازال يتألم من ضربـةِ الأمس.
بقيت مُتصلـبة على الأرضْ إِثر الغليان التي تشعرُ به في مُؤخرةِ رأسها ، أرتفع فُستانها لمُنتصفِ فخذيْها و نارُ عبدالعزيز لا تهدأ ، وقفُ ينظرُ إليْها دُون أن يتحرك به شيئًا في حين أنها تشعُر بالأرضِ من حولها تدُور و إغماءةٌ تتسللُ إليْها.
أغمضتْ عينيْها الباكيــة لتهدأ رجفةُ أطرافها ، ومازال واقِف ينظرُ لموتها البطيء وإنزلاقِ روحها بدمعها ، ينظرُ إليْها وكأنها جثــة.
رتِيل أبتلعت الغصـة و مسكت طرف الطاولـة حتى تقِف ، لم يتحرك ولم يحاول مُساعدتها ، نظراته حادة لايرمشُ بها لثانية.
تقدَّم بخطواته ليجلس بجانبها ، ألتقت عيناهِم ، من يسألُ العين بماذا تحكي ؟ من يطلبُ الترجمة لعينِ عبدالعزيز المتقوِّسـة ؟ من يُنيب عن عين رتِيل ويحكي بماذا تلفُظ الأهداب ؟ دقائِقُ تخيطُ شفاهِهم و لا همسٌ يُذكَر سوَى الأنفاس المُتصاعدة بينهُما ، في قلبِ الأنثى المكسورة تراتيلٌ تحتاج لمن يسمعها ! آآآه يا عزيز تُرغمنِي على إيذاء نفسِي بِك. تُرغمني أن أؤذي الجميع. يالله على هذا العذاب . . هذا الحُب لا يستقيم وكأنَّ من بنودِه " الجحيم " لم تمُر يومًا على قلبِي خفيفًا ، دائِمًا ما كُنت تمِر بي لتشطُرني نصفينْ.
عبدالعزيز و مازال مُتجمِد في مكانه بجانبها ، مُــتــنا يا رتيل. نسيتُ كيف أعيش ؟ و لِمَ أعيش ؟ مُتــنا والقبر السعيد الذي أردفتيه بأمنيتك أصبح يضمُك ، حياتُنا عبارة عن نُكــتة لم نفهمها فبكيْنا.
وضعت كفوفها على وجهها لتمسح دمُوعِها ورأسُها الثقيل لا يكفُّ عن الغليانْ وكأنَّ براكين قلبها تنتقل الآن لرأسها ، شدَّت نفسها للخلف لتجلس و تسحب فُستانها و تُغطي سيقانِها النحيلة ، تعذَّب يا عبدالعزيز لتعرف من خسَرت ؟ خسرت " رتيل " و أنت تعرف من هي رتيل ! هي التي تُرادف قلبك. هي أنا ولن تنكُر ذلك ،
عبدالعزيز مسك كفَّها لتقِف تترنَّح من دوارِ رأسها و كعبُها الذي لايتزن على الأرض ، مسكها من خصرها ليُوقفها بإتزان ، رفعت عيناها الباكيــة له ، عبدالعزيز بخفوت : أجلسي
رتيل وضعت كفوفِها على ذراعه التي تُحيط خصرها ، أرادت أن تُبعده ولكن قوتها ضعفت بعد سقوطها ، كل عظامها رخوَة تذبلُ بذبول عينيْها.
جلست على الطاولة ، أبتعد عنها ليأتِي بالماء ويمدُه لها ، أخذته لترميه عليه و جنَّ جنُون رتيل.
أخذت ترميه بكل شيء على الطاولة بأنظارٍ مُشتعلة ، رمَت إحدى الفازات الثقيلة عليه لتؤلم بطنِ عبدالعزيز. تجاهل ألمه وتقدَّم إليْها بغضب ليُمسك كلتَا ذراعيْها ، همس بحرارةِ غضبه : إيدك ما تنمَّد لا والله أكسرها لك
رتيل بحقد : أكرهههك .. أكرهههك ... أكرههههك ... *رددتها و دمُوعها تنسابُ مع كُل حرف*
عبدالعزيز تركها ليقِف : أطلعي برااا
رتيل صرخت : خل يجي أبوي .. أنا أبغاااه يجي ... أنا أبيه يشوف الكلب اللي مدخله بيتنا
عبدالعزيز و لايتحملُ إهاناتٍ اكثر ومن أنثى كرتيل ، بلاوعيْ أخذ قارورة المياه الزجاجيــة الخالية من الأملاح ليرميها عليها !
رتيل أنتبهت وأنحنت جانبًا لتُصيب طرف يدِها ، تناثر الزجاج حولها !!
عبدالعزيز بحدة يُشير بسبابتِه : وبعزته لا أخليك تندمين على كل حرف تقولينه وربِّك يا رتيل لا أوريك نجوم الليل في عز الظهر
،
صعدَا الدرجْ ليلتفت ناحية غُرفة رتيل : نامت ؟
ضي : من شوي صعدت وقالت بتنام
همَّ عبدالرحمن ليتجه نحو غرفتها لولا يد ضي التي مسكته : أترك لهم شوية خصوصية
عبدالرحمن بهدُوء : بس بشوفها ماني محقق معها
ضي : ولو يا قلبي البنات كبروا و أنت شايف كيف ينفجرون عليك لأنهم يحسونك محاصرهم بكل جهة ، أتركهم فترة وهم بنفسهم راح يجونك ..
عبدالرحمن تنهَّد وتوجه لغُرفــتِه ، ضي من خلفه : أفكر أتصل على أفنان وأقولها فشلة تشوفني بعرس أخوها وتنصدم يعني أمهِّد لها
عبدالرحمن ينزَع الكبك ومن ثُم ساعتِــه ، أردف بلاإهتمام : ليه تنصدم ؟ بكلا الحالتين ردة فعلها بتكون وحدة !!
ضي : لآ ولو ماهو حلوة تشوفني في عرس أخوها واقفة و تنصدم
عبدالرحمن بحدة لم يُسيطر عليها : سوي اللي تبينه
ضي عقدت حاجبيْها : ليه تكلمني كذا ؟
عبدالرحمن : يعني كيف أكلمك ؟ واللي يخليك ضي ترى مزاجي مايتحمَّل اليوم
ضي نظرَت إليْه بإستغراب لتُردف بقهر : طيب
عبدالرحمن نزَع ملابِسه و أرتدى بيجامته لينام مُتجاهلاً ضي ، شدَّت على فكيْها من قهرها وكأنها توَّد أن تكسر أسنانها ، نزلت للأسفَل لن تتحمَل أن تنام وهي غاضبـة ، جلست بالصالة لتنساب عليها أفكارٌ كثيرة لم يسعفُها الوقت لتناقشها مع ذاتها بسبب دخُولِ رتيل ، صُدِمت لتقف : رتيل !!!
ألتفتت عليها. تضببت رؤيتها من دمعِها و هالاتُ الكحل ترتسم حول عينيها. تقدَّمت لها ضي : بسم الله عليك وش فيك ؟
رتيل بحديثِ ضيء الدافىء عادت لبُكائِها ، سحبتها ضيء لصدرِها وهي تعانقها : تعالي أجلسي ... جلست وبجانبها ضيء : كنت أحسبك نايمة !! وين رحتِي ؟
رتيل بحشرجة صوتها المبحوح : لعبدالعزيز
ضيء رفعت حاجبها : عبدالعزيز !!
رتيل بقهر : أكيد تدريين لحد يمثِّل عليْ
ضي : أبوك ماقالك عشان ...
رتيل قاطعتها بغضب : لآتبررين له !! الكل مسترخصني .. من الصغير لين الكبير !! طيب مايحق لهم يزوجوني كذا ! كيف يزوجوني وأنا ماعندي خبر .. تدرين انه كان يقرب مني ويقهرني وأنا أحسبه حرام وماأنام ليلي من التفكير وآخر شي يكون هو وأبوي متفقين عليّ !! مين أهم أنا ولا عبدالعزيز ؟ مو حرام عليهم يسوون فيني كذا ؟ .. .. أصلاً هو بيتزوج !! شايفة الرخص كيف ؟
أخفضت رأسها لتجهش ببكائِها أمام ضيء المُتجمِدة في مكانها لا تعرف بأيّ حديثٍ تُخفف وطأة الخبر على رتيل.
همست : محد رخصك ! والله أبوك مارخصك أضطر .. هم عندهم مشكلة في الشغل و . . .
صرخت في وجه ضي لتُقاطعها : الله يلعن الشغل !! الله يلعنه ... اللله يلعنه !! مين أهم أنا ولا الشغل !
صخب البيت بصُراخِ رتيل لتُكمل : ماصارت حياة حتى أبسط حقوقي يتحكم فيها هالشغل !
ضي بهدُوء وقفت : أهديي لا تصحينهم .. بشرح لك الموضوع كيف صار .. عبدالعزيز متنكر بإسم شخص ميِّت وراح لشخص يبون يمسكونه وخطر علينا وقالهم أنه عبدالعزيز العيد متزوج بنت بوسعود !! و خلَّى أبوك في موقف لايحسد عليه ، عبدالعزيز أجبرهم يزوجونه ! ماهو برضا أبوك بس بعدين أبوك أقتنع وقال مانعطي خبر لعبدالعزيز ولا لرتيل لأن هذا الصح بس عبدالعزيز عرف وأنتِ الحين عرفتِي
رتيل : كيف عبدالعزيز عرف ؟ يعني بيتزوج وحدة مايعرفها !! قولي حكي يدخل المخ
ضي دُون أن تنتبه لخطورة ما تقُول : هو ماحدد أنتِ أو عبير يعني كان ممكن تكون عبير زوجته فعشان كذا
رتيل و خيبةٌ أخرى تشطِرُ قلبها ، خيبةٌ أكثرُ مآسآوية من التي قبلها ! خيبةٌ أكبر من أن تتحملها ! يالله ألهذه الدرجة ؟ يُفضل عبير عليّ ؟ ألهذه الدرجة عبدالعزيز يُريد أن يقهرني بأختي ؟ يالله أني لا أتحمل هذه الدناءة ، رأسُها يدور وعيناها تتضببُ برؤيتها.
ضي بهمس دافىء : صدقيني أبوك كان مجبور ومضطر ، شايفة قد أيش ضحى عشانكم بس هالمرة ضحي عشانه وبالنهاية عبدالعزيز ماهو بالشخص السيء ! يكفي أنه ولد سلطان العيد . . بس هالفترة لين تنحَّل مشاكلهم بالشغل وبعدها راح تقدرين تعيشين معاه بـ . .
قاطعتها رتيل بصُراخ هزّ البيت : يالله بسهولة تقولينها كأنه شي عادي !! تبون تذلوني وتقهروني !! أنا دايم اللي لازم أضحي أنا اللي لازم أنهان .. بس عبير لأ .. عبير تبقى معززة مكرمة محد يدوس لها بطرف بس رتيل عادي .. أصلأً مين رتيل ؟ أحلف بالله أنه الشغالة ترحمونها أكثر مني
أتاها الصوتُ الرجولي الحاد ليقطع حديثها : رتــــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــ ــــــــل
رتيل المُنفجرة تمامًا ، ألتفتت لوالدها الواقف عند الدرج و بأعلى الدرج عبير تسمعُ لحديثها ،
رتيل بسُخرية و البكاء يهطلُ كمطرٍ أتى بعد جفاف : هلا بأبوي هلا بالغالي اللي ذلني لعبدالعزيز وأرخصني
عبدالرحمن بغضب : أحفظي لسانك زين
رتيل بقهر : ليه تبيعني له ؟ ليه أنا بالذات ؟ ليه دايمًا تقهرني هذا وأنت أبوي ؟ كيف تبي الناس تحترمني وأنت ترخصني للي يسوي واللي مايسوى !!
عبدالرحمن بهدُوء : ما بعتِك ولا أرخصتك لأحد !! كان راح تعرفين بالوقت المناسب
رتيل صرخت : هذا زواج كان لازم أعرف !! عطني حريتي ولو مرة وحدة !! حرام عليك يكفي .. يكفييي هالحياة اللي عايشة فيها حتى عن الزواج تبي تقرر عني !! طيب آمنا بالله وقررت عني طيب أترك لي خبر .. طيب حسسني ولو مرة بأهميتي في حياتك !! .. أنا وش ؟ قولي انا وش بالنسبة لك ؟ من أول يوم جاء فيه عبدالعزيز خليته يقهرني ويذلني له !! أنت بنفسك سمحت له يذلني !! لهدرجة أنا ولا شيء بالنسبة لك ؟ وش أفرق عن عبير !! قولي وش أفرق عنها ! أنا بديت حتى أشك انك أبوي
صرخ عليها : كان بيجي وقت مناسب أقولك فيه ! ولو قلتي لي ماأبيه كان طلقتك منه ولا بجبرك على شي ماتبينه بس بهالفترة أنا مضطر .. أفهمي معنى كلمة مضطر .. الحياة ماتمشي زي مانبي أحيانا لازم نسوي أشياء مانبيها عشان نقدر نعيش
رتيل بخفُوت وسُخرية :إيه صح مضطر !! صح أنا نسيت أنه عندك شغل أهم مني !
عبدالرحمن بهدُوء : مافيه شي أهم منك
رتيل بجنُون تصرخ : إلا فيه .. فيه عبير .. فيه سواقنا .. فيه شغالاتنا .. فيه عبدالعزيز .. فيه ضي .. فيه ناس كثيرة أهم مني .. أنا ويني منهم !! مالي مكان .. بس هالعبدالعزيز اللي مصعده للسما ذلّ بنتك إذا يهمك أمر بنتك ... كان يجيني ويقهرني لأنه يعرف أني زوجته بس أنا ماكنت أنام الليل من التفكير وأنه الله بيعاقبني وأنك لو دريت بتذبحني !! بس طلعت أنت بنفسك مسلمني لعبدالعزيز .... لو أمي حيَّة ما تجرأت تلعب فيني كذا ..
أرتفع صوتها أكثر :لو أمي موجودة ماكان لعبت فيني !! أنت حرام تكون أبو .. حراااااااااااااااام .... مين بقى لي ؟ قولي مين بقى لي ؟ كلكم تخليتوا عني كلكم أرخصتوني !! الله يآخذني ... الله يآخذني ....
أقترب والدها ليحتضِنها ويُسكِن البراكين الناعمة التي تثُور ، أبتعدت ليلتصق ظهرُها بالجدان المزخرف بتموجاتٍ عتيقة لتلفظُ بصوتٍ خافت بعد أن أستنزفت طاقتها : الله يرحمني منكم . . . وبخطواتٍ سريعة ركضت بها للأعلى حيثُ غرفتها.
،
في زاويـةِ البيت ضحكاتِهم تتعالى و أحاديثُهم الخافتـة لا تُسمع ، أردَفت بضحكة : بتشوف بنت أبوها وش بسوي
غالية : وش ناويتن عليه ؟
وضحى بخبث : بعلمها كيف تتفاخر بزوجها المصون ! ..
غالية أبتسمت : اليوم كل ما كلت رجّعت شكلها صدق حامل
وضحى : وأنتِ صدقتيها ! إلا حامل وقولي وضحى ماقالت ! .. أستغفر الله بس مدري كيف تزوجت وأخوها ماصار له سنة !! مافي قلبها رحمة
غالية نفثت على نفسها : فكينا بس !! هي عندها إحساس أصلاً
وضحى تُقلد صوتها : يـــــــــــــوسف !! .
غالية : تهقين يحبها !
وضحى : لآ أهل الرياض جافين مايعرفون يحبون ولا شي
غالية : تغيروا ماعادوا على خبرتس يا حظي !! .. بنات جارتنا فتُون اللي ماينطل بوجههِن مآخذين من الرياض ورجاجيلهن قايلين بهن هه *حركتْ يديْها بإشارة لتدليعهن* .. تحسبينهم على زمن جدتس وجدي !
وضحى تنهَّدت : حتى عيالنا مو ناقصهم شي
غالية بسُخرية : أبد يصبحتس بوردة ويمسيتس بضحكة
وضحى رفعت حاجبها : أصلاً وش ذا اللحوج وردة وأفلام أبيض وأسود ..
غالية بخفوت : تهقين يوسف مسوي بمهرة تسذا ؟ *كذا*
وضحى : الله يعلم بس شكله كذا .. مير مالت عليها على وش ياحظي ! شينة و رجَّال مابها أنوثة
أكملتا الأحاديث عن هيئاتِ الخلق و نسُوا الخالق الذي يُمهل ولا يُهمل ، يأكلُون في ليلهم لحُومٍ أخوانهم المُسلمين اللينـة ، كيف قبَلت أنفسهم بأنَّ تغتاب و الله يراهم ؟ كيف رضُوا بأكلِ اللحوم اللينة ؟ أيُّ تقزز و قبحٍ تكتسي أنفسهم ! و نحنُ الذين درسنا التوحيد و نعرف أن لا أحدٌ يموت الا وفعل مثل ما كان يعيبه !
،
يُرتِب غُرفتــِه وهو الذي لايُحب الفوضى وإن أرتكبها يومًا ما. من يراه يقُول " رائِد الجوهي " أمامه ليس هيئةً فقط بل هيبـة و سكينة وإن كان له جانبٌ سيء ، قليلُ الكلامْ صامت خافت هادىء قارئ مجنُون شغوف عاشق مُهيب هوَ في ضد مع نفسه عندما يشرَب ويسكُر ! نظَر لصحيفة الأندلس التي في أعلى الرف يُتوسطها مانشيت بعنوان " عبدالرحمن آل متعب ينفِي تعرُضه لمحاولة إغتيال في باريس " رماها في علبة النفايات الصغيرة ذات النقوش العثمانية ، أبتسم بسُخرية وهو الذي يعلم تفاصيل تلك الحادثة . . يعرفُ عن أدق مخططات والده في وقتٍ يشعُر والده بأنَّ إبنه لا يعرفُ شيئًا وأنه " على نياته " ، والدِي يحسبُنِي أنني معزول كليًا عن عمله و أنا الحاضِر بكل زواياه ، سرَح عقله لتلك الأيام.
يرسُمها في أول لوحة لها ، يغمسُ رأس الفُرشاة الناعمة بخيُوطِ اللون العنابِي ليُشبع شفتيْها بها ، وضع سماعةِ هاتفه ليستمِع للطرف الآخر : بيروحون باريس وراح يخطفون بنته هناك !
فارس بهدُوء : أهم شي . . عبير
: وش يعرفني كيف شكلها ! فارس لا تورطني معك
فارس : كيف ماتعرف شكلها ! أكيد أختها الثانية واضح انها أصغر !
: أبوك بدا يشك فينا !
فارس بحدة : آخر طلب !! لو سمحت
تنهَّد الآخر ليُردف : طيب براقبهم وبشوف مين عبير فيهم
فارس : يكون أحسن
بهدُوء : طيب دام عندك صورتها ليه ماترسلها وتريحني
فارس : نعم يا رُوح أمك !!
الآخر بتخوف : خلاص خلاص ياكلمة أرجعي مكانك
عاد لواقعه وهو يُلملم قصاصات الورق البائسة حيثُ كتاباتِه الضعيفة ، يالله كيف كان يشعُر برجولته وهو يحميها ! و سهراته اللذيذة حين يكتبُ لأجلها و يرسمُ لأجلها و يؤرخ كل الأشياء الجميلة ليحتفل بميلادِها ومن أجلها فقط.
يالله يا عبير كم كان حُبك صبيًا في قلبي وكم كان الحُزن يتغلغل في قلبِي إن ضاقت بك جُدرانِ غُرفتِك السُكريّـة ، يالله يا عبير أيُّ جنُون رزقني الله به حين أحببتك ؟ أيُّ جنون ذاك الذي جعلني أُحب إبنة من يكُن عدُو والدِي ! يا حبيبتِي كما قال إبن زيدُون " أغارُ عليكِ من عَيني ومِني ، ومِنكِ ومن زمانكِ والمكان ! " و . . . . أغارُ عليكِ حتى من كلماتٍ تقرأُها عيناك لم أكتُبها أنا.
،
لم ترتاح في نومها القصِير حتى أستيقظت و أستيقظ غثيانُ معدتِها ، تقيأت و الألمُ يسبحُ في أحشائِها ، عقلها الضائِق كُل ما يُفكِر به صعوبة هذه الحمل ! إن كانت في هذه الشهور الأولى هكذا إذن ماذا سيحصُل بها في شهورها الأخيرة ، نزلت دمُوعها بتفكِيرها ، صغيرة جدًا على تحمُل هذا ! صغيرة جدًا لتعرف كيف تتحمَّل هذا الألم ، خرَجت من الغُرفة حتى لاتزعج والدتها النائمة بجانبها ، أتجهت لغُرفة الجلوس الصغيرة في الدور العلوي ، جلست وهاتِفها بيدِها ، حتى صديقاتِها علاقتها بهُن محدُودة و لا تعرف كيف تتسلق الحواجز التي بينهُن ، لا تُحب أن تتعمق بعلاقاتها مع أحد لذلك هي الآن وحيدة بعد أن كان فهد يحلُ جزءً كبيرًا في أحاديثها .
يالله يا فهد لو تعلم بشوقِي لك ، كُنت ستفرح بيْ ، كُنت ستُراقب تضخُم بطنِي لتضحك عيناك ! لا أحد سعيد بحملِي ، الجميع كلماتُهم منافقة مُعتادة ! لا أشعُر بأنَّ أحدهُم يسعدُ لأجلِي. لاأحد.
دخلت الواتس آب ، وقفت عند محادثة يُوسف كثيرًا ، دقائِق طويلة تمُر وهي تتأملُ كلماته الماضية حتى رأت الـ " on line " أسفَل إسمه ، كانت ستخرج لولا أنهُ حادثها " غريبة صاحية الحين ! "
بلعت ريقها لتكتُب " كنت بنام "
يُوسف " يعني آكل تبن وأسكت "
أبتسمت لتكتب " لأ "
يُوسف " حجزتي لك موعد ؟ "
مُهرة " إيه بعد بُكرا العصر إن شاء الله "
يُوسف " طيب الحين نامي وارتاحي "
مُهرة " يوسف "
يُوسف " ؟ "
مُهرة بربكة أصابعها التي تكتُب تراجعت و أرسلت " خلاص ولا شيء .. تصبح على خير "
يُوسف و لايعرفُ كيف يفهمها بهذه الساعة " ينفع أتصل عليك ؟ "
مُهرة لم ترُد عليه بل ضغطت على إسمه لتتصل و يأتيه صوتُه الناعس ،
مُهرة بصوتها الهادىء يزيدُ صوت يوسف خفُوتًا : كذبت ماكنت أبي أنام ، قبل شوي صحيت
يُوسف : ليه ؟ تو الساعة عشان تصحين !
مُهرة بضيق : تعبانة أحس روحي يتطلع من الترجيع وأنت بكرامة ..
يوسف : بسم الله عليك ، أتوقع هذا طبيعي ولا ؟
مُهرة : يمكن بس أنا مقدر أتحمل كذا ، يعني هاليومين ماني قادرة أنام بشكل متواصل كل شوي أصحى . . نومي متقطع مرة
يُوسف بصمت يستمِع لها ، لأولِ مرةٍ تُفضفض له أو رُبما لأولِ مرة تحكِي له شيئ مطولاً يقطع الدقائِق بتمدده.
مُهرة بنبرة توشك على البُكاء ، الحمل أضعف قلبها وبشدة ، أردفت وهي تُخفض رأسها ويغطي ملامحها خصلاتُ شعرها : مقدر أشرح لك .. مااعرف كيف أوصلك معنى كلامي بس . . . تعبت حيل وأنا توني دخلت الثاني كيف لو جت الشهور الأخيرة !
ولا يعرفُ كيف يواسيها و بنبرةٍ دافئة : أكيد بالبداية بتتعبين بعدها خلاص ، يعني هذي الشهور الأولى و .. أتوقع أنها عند الكل تكون كذا
مُهرة أبتسمت بسخرية : ماشاء الله عندك خبرة
يُوسف ضحك ليُردف : اللي أعرفه أنه دايم كل شي جديد يكون صعب في البداية
مهرة بعد صمت لثواني طويلة : خلاص ماأبغى أسهرك ويخرب نومك ..
قاطعها : أصلاً طار النوم
ضحكت بعفوية لتُردف : تدري يوسف !!
يوسف المُستلقي على سريره و الكاذب بشأنِ نُعاسه : هممممم
مُهرة : أنك مجامل و مستفز
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
مُهرة : جد اتكلم يعني مستعدة أحلف أنك الحين متغطي بالفراش و ودك تنام
يوسف : ههههههههههههههههه قايل من زمان شيوخ حايل يحللون الشعوذة
مُهرة : هههههههههههههههههههههه بسم الله على قلبك يا ولد الرياض
يوسف أبتسم حتى بانت صفة أسنانه : صدق ما قلتي لي وش تخصصك ؟
مُهرة : رياض أطفال
. . . ساعة تلو ساعة ، دقيقة تمُر و تأكلُ الدقيقة الأخرى ، أحاديثٍ مُتواصلة لا تجِف حتى شهدتْ الشمسُ عليهما وهي تشرُق على أصواتِهما و تتغنجُ ببطء لتغمزٌ السماء لهُما بضحكة .
،
أستيقظ باكِرًا فاليوم مُهم جدًا بإجتماعٍ عند العاشرة صباحًا يضمُ شخصيات مُهمـة ، في مكتبِه يُرتب بعض الأوراق و الملفاتِ التي يحتاجُها ، يُصنف بعض الملفاتِ السوداء تحت " مُهم ، ليس مُهم " ، تنهَّد ليسند ظهره بتعب على الكُرسي و ينظرُ للباب الذي يُفتح بهدُوء : صباح الخير
سلطان : صباح النور
حصة بإبتسامة : أهلكت نفسك
سلطان : عندي إجتماع مهم
حصة : الله يعينك
سلطان : آمين
حصة زمت شفتيْها ليقرأ سلطان بسهولة ماذا تُريد و هو يُفكِك بعينِه أصابعها المُتشابكة : ماهقيتك تستحين مني ؟
حصة ضحكت لتُردف : لآ تصدق نفسك !! لآ بس كنت بسألك .. الجوهرة نايمة عند أهلها !
سلطان بهدُوء : لأ
حصة : طيب .. تعال أفطر
سلطان :لآ مو مشتهي شي ! بس سوي لي قهوة تصحصحني
حصة : من عيوني . . وخرجتْ لتصعد بخطواتٍ مُباغتة للأعلى ، طرقت باب جناحِهم مرةً و إثنتان و ثلاث لتفتحه الجوهرة وترفعُ حاجب الإستغراب !
حصة : كويس أنك صاحية ، أبيك في شغلة
الجوهرة أبتسمت : وشو ؟
حصة وتتأملُ ملامِح الجوهرة الشاحبة وشعرُها المبلل : أول شي أستشوري شعرك لايدخلك برد وبعدها أنزلي
الجوهرة بعفوية : مالي خلق أستشوره خليه كذا
حصة بعتب : لآ وش تخلينه كذا ! لآ تنسين انه سلطان هنا مايصير تطلعين له الا وأنتِ بأحلى صورة
الجوهرة بدأتُ الحمرة تسيرُ في كامل وجهها ،
حصة بإبتسامة شقية لا تُثبت عُمرها أبدًا : يالله بسرعة ورانا شغل .. ونزلتْ تاركة الجوهرة في حيرة من أمرها ،
أتجهت الجُوهرة للمرآة لتتأملُ نفسها و تتذكرُ الليلة الماضيـة التي طرقت بها بابًا للخوفْ عندما أحتدَّ مع والِدها ،
( ليلة الأمس ، الساعة الحاديْ عشر و ستةٍ وأربعون دقيقة مُربِكة )
فتح الجناحُ ليُشير لها بعينيْه أن تدخل أولاً ، سارت بخطواتٍ مُرتجفة كقلبها الذي لايهدأ من الحِراك والتمدُدِ والتقلص.
ألتفتت إليه و طرحتها تسقط على كتفِها ، سلطان أخذ نفسًا عميقًا وكأنه يتمرَّن على اللاغضب !
بلعت ريقها المُرّ بصعوبة وهي تنظرُ إليْه لحظةً و تُشتت أنظارها دقيقةً ،
سلطان بهدُوء : قلتي لأبوك شي ؟
الجوهرة : لأ
سلطان : ما سأل عن إيدك ؟
الجوهرة برجفةِ حروفها : محد أنتبه
سلطان و أنظاره تطوف حول جسدِها النحيل ، أمال بفمه قليلاً وكأنه يُفكر بشيء ما
وتلك الأنثى التي تُقابله و تبلغُ أوَّجُ أنوثتها يهبطُ صدرِها ويرتفُع ، هدُوئِه هذا غريبٌ عليّ منذُ فترةٍ طويلة لم أشهدهُ بهذه الصورة !
الجُوهرة بللت شفتيْها لتُثبت أنظارِ سلطان على فمِها الصغيرْ ، أردفت بربكة : تآمر على شي ؟
سلطان تنهد : لأ
بعد دقائِق قصيرة نزلت وشعرُها الأسوَد المُظلِم يتراقص على كتفيْها ، أرتدت من الفساتينُ الناعمة الخاصة بالبيت الذي يصِل لمنتصف ساقها ، كان عاديًا جدًا ذو لونٍ واحِد " بصلِي " ،
دخلت المطبخ : آمريني
حصة بإحباط : يالله يالجوهرة على الأقل كحل !!
ضحكت لتُردف : ماأحب المكياج كثير
حصة : طيب كحل بس خط صغير على الأقل ... عيوش حياتي
عائشة : نأم ماما
حصة : جيبي لي كحل من غرفتـ .. لم تُكمل وهي ترى عائشة تُخرج من جيبها كحلُ القلم الأسود
حصة : منتي بهينة والله تتكحلين بعد
عائشة ترمشُ بعينيْها بخجل : بأد شنو يسوي لازم يسير أنا هلو
حصة أبتسمت لتقترب من الجوهرة ولم تجعل لها مجالاً ان تُناقش وهي تُكحِل عينيْها التي تأخذُ من تُركي الكثير و أيضًا والِدها و الأكيد عبير التي تُشبه تركي كثيرًا !
حصة بإبتسامة رضا : إيه كذا شكلك تمام ، طيب أخذي .. مدَّت فنجانُ القهوة ذو الحجمِ الكبير .. : سلطان بمكتبه ووديه له
الجوهرة بربكة : لألأ ..
حصة تُقلد صوتها الخجول : وش لألأ .. أقول روحي بس
الجوهرة : يعني يمكن مايبي قهوة
حصة : إلا هو طالبها مني
الجوهرة وتبحثُ عن مخرج : طيب يمكن مشغول يعني مايصير أزعجه بشغله
حصة بنفاذِ صبر : لا إله الا الله .. أقولك هو طالبها يعني يبيها
الجوهرة : الله يخليك حصة والله مـ
حصة لم تتركها تُكمل كلمتها وهي تسحبُ بيدها لتخرجُ من المطبخ متوجهة لمكتبِ سلطان ، أمام مكتبه وضعت الفنجانُ بين يديْها وهي تهمس : ترى ماأبيك يعني عادي تكيفين هنا .. وتركتها بضحكة.
الجوهرة أخذت نفسًا عميقًا لتطرُق الباب وتطُل برأسها ، لم تلفظُ كلمة وهو الآخر لم يرفع رأسه من الأوراق المُبعثرة على الطاولة ،
أتجهت بخطواتٍ خافتة نحو مكتبه لتضع الفنجان بجانبه و صوته الهادىء المُربك يخرج دُون أن ينتبه لها : الله لايحرمنـ .. رفع عينه وتوقفت الكلماتُ عن الإندفاع من عتبةِ فمِه ! رائحة عطرها أسكرتهُ .
الجوهرة و أرادت أن تقطع عليه أيُّ كلمة تُحبطها منه : حصة هي اللي قالت لي أنك تبي قهوة !!
سلطان برفعةِ حاجب : وش إسمها ؟
الجوهرة بلعت ريقها : عمتك حصة
سلطان : و تقدرين تنادينها بعد عمتي أو أم العنود ! بس ماهو حصة حاف كذا .. يعني ماهو معقول أعلمك الأدب
الجوهرة شعرت بأن الأكسجين ينفذ من الغرفة ، أرتجفت أهدابُها وهي تُثبت أنظارها عليْه
سلطان بسياطِ حروفِه : والله مصيبة إذا بربيك من جديد !!!!
الجوهرة : حقك عليْ بس هي قالت لي أني أناديها كذا و أنه مابيننا رسمية ..
سلطان يرمي عليها اللاإهتمام وهو يضع عينه على الأوراق ويتجاهلُ حديثها
الجوهرة الواقفة بجانبه شعرت بالإحراج من طريقته بتجاهله ،
سلطان و شكلُه الظاهري يوحي تركيزه وهو المشتت لا يعرفُ أين يقرأ و بأيِ سطرٍ تلتَّفُ عينه . .
أطالت وقوفها حتى تلألأت عيناها بالدمُوع المُكابِرة التي لا تنزل ، رُغم ضعفها إلا أن نزعاتُ الجرأة تُحاصرها و هي تقترب أكثر منه لتجعل عيناه رُغمًا عنها ترتفع ناحيتها ،
الجوهرة بإتزانٍ أكثر رُغم لمعة محاجرها : ليه تقسى عليّ ؟ أنت تدري بقرارة نفسك ماأستاهل هالقساوة منك
سلطان حرَّك كُرسيْه ذو العجلات إلى الخلف مُبتعدًا عن المكتب و أنظاره الشامتة تهذي بأحاديثٍ كثيرة : عفوًا ؟
الجُوهرة أصطدمت فكوكها و صمتُ ثواني طويلة كفيل بأن يُهيِّج حرارةِ دمعها : نسيت الأسئلة بعقيدتك حرام ... عن إذنك ... و توجهت للباب لولا وقوفه و هو يتجه من خلفها ويُمرر ذراعه بجانِب خدها ليُغلق الباب ،
سلطان : و نسيتي أن الأسئلة بدون جواب بعقيدتي حرام !
الجوهرة ألتفتت ولا يفصلُ بينهُما شيء ، يملكُ السطوة في كُل شيء !! يالله يا سلطان طاغي أنت حتى في رجُولتِك العنيفة ،
ادخل كفوفه في جيبه لينتظرُ عند حافةِ شفتيْها جوابًا ، من قال لهذا الثغرُ أن يعصي يالجوهرة ؟ من قال له أن يدسُ نفسه بقبرُ الحياة الذي يُعلق بين السماء و الأرض !
الجوهرة نزلت الدمعةُ المالحة التي بقيت غارقة في المحاجر حتى نجت ! ، أردفت بربكة : ولا شيء
سلطان و هو الذي يقرأ تفاصيلها كما يقرأ موظفيه : فهميني وش يعني ولا شيء !
الجوهرة بقيتْ ثواني طويلة تتمددُ بها الكلمات ولا تخرج ، أردفت بضيق : ليه تسألني بهالطريقة ؟ عشان تقهرني وبس !!
سلطان بهدُوء : مين أنتِ عشان أقهرك ؟ تبيني أذكرك مين أنتِ !
الجُوهرة بدأت دمُوعها تهطل لتُدافع عن بقايا عزةِ نفسها : مصلية و ماأفوت فرض وأكرم الله علي بحفظ كتابه .. هذي أنا أما اللي أنت تشوفه فهو نظرتك لنفسك ومالي علاقة فيها
سلطان أشتَّد غضبُه الذي كان هادئٌ في بدايته ، أمسكها من زندها مُتعجبًا من قدرتها على الرد : وش قصدِك ؟ يعني كيف نظرتي لنفسي !
شعرت بأن ذراعها تذوب بقبضته : أترك إيدي
بغضب رفع صوته : قلت وش تقصدين ؟
الجوهرة بربكة : ماراح أناقشك وأنت معصب
سلطان بحدة : لآ أنا أبيك تناقشيني بشوف وين بتوصلين له !
الجُوهرة و فعلاً تألمت ، بهمس وهي لا تنظرُ إلا لكتفه : عورتني
سلطان و زاد مرةً أخرى قبضةِ أصابعه وهو يغرزها في جلدِها اللين : أشوف لسانك طايل وترمين حكي بعد !! لاتختبرين صبري في شيء لأن محد بيخسر غيرك !
الجوهرة بألم : حتى الحكي حرام
سلطان بإمتعاض : معاي حرام
الجوهرة كالطفلةِ أخفضت رأسها لينسحبْ شعرها ويكشفُ عن آثارِ غضبه على عُنقها ، بكت وهو يفلتُ يدها من قبضته ، وضعت كفَّها الأيمن على زندها وهي تضغطُ عليه من حرارةِ الألم ،
سلطان عينه تُراقب البنفسج الذي يُعانق جوانب رقبتها و يتسللُ قليلاً حتى يُطيل النظر في باطِن كفِّها ، لم يبقى بجسدِها قطعة إلا وسَم عليها بغضبه !
رفعت عيناها له و شطرت قلبه بلمعتها ، من قال لها أن تكُن طفلة هكذا ؟ لِمَ أشعُر بالأبوَّةِ نحوها ؟ لا هذه ليست أبوَّة ، لِمَ أشعرُ بحاجة ذراعيْ بأن تحضُنها !
الجوهرة و كأنها تتعمَّد وهي تخنقُ الدمعات الشفافة في عينها وتزيدُ من لهفة خدها !
بتوتر عميق : باقي شي ثاني تبي تقوله ؟ أخاف أطلع و تطلِّع روحي بعدها !
سلطان و لايملُك سبب للإبتسامة التي غزت شفتيْه في حين رأتها الجوهرة شماتة و سُخرية ،
الجوهرة عقدت حاجبيْها : أروح ؟
سلطان وأعطاها ظهرها مُتجهًا لمكتبه ، خرجت الجوهرة و البُكاء يهطل عليها ويغرقها
حصة الجالسة في الصالة ضربت صدرها بخفة من منظرها : أعوذ بالله من وعثاء سلطان ..
بسلاسة أتجهت الجوهرة لها لترمي نفسها في أحضانِ حصَّــة ، : ماعليك منه ! ولا تزعلين نفسك وتبكين !! والله من قرادة الحظ والله وأنا من اليوم أقول الحمدلله نجحت الخطة الأولى مير وين الرجا مع ولد بدر !
الجوهرة بضيق : متضايقة من نفسي كثير
حصة تمسحُ على شعرها : حسبي الله على عدوه بس !!
الجوهرة تُبعد نفسها لتمسح دموعها بكفِها : أنا عارفة أنك تحاولين تصلحين اللي بيننا بس اللي ماتعرفينه أنه مافيه شي تقدرين تصلحينه .. فيه شي بيننا مكسور وعُمره ماراح يتصلَّح
حصة بإنفعال : مافيه شي إسمه مايتصلَّح .. غصبًا عنك أنتِ وياه يتصلح !!! يا بنت لاتنكدين عمرك عشانه ، الرجال مايعرفون يعيشون بدون حريم ولا يغرِّك سلطان مردَّه بيرجع لك وقولي حصوص ماقالت
الجوهرة أبتسمت من طريقة حديثها لتُردف وبحة البكاء بدأت تتضح : سلطان مستحيل يتراجع عن أفعاله ،
تُقاطعه : أنتِ ماعليك منه هم كذا يحبون ينفخون ريشهم علينا إحنا الضعيّفات ، شوفي أنا زواجاتي ماراحت عبث .. عندي خبرة بهالمواضيع .. طنشيه وأثقليه عليه وبتشوفينه كيف يركض وراك !! لأن كنت بجرب الطريقة الثانية معه بس شكله مايفيد إذا من أولها بكاك
الجوهرة : و ترضينها على ولد أخوك ؟
حصة : إلا من مصلحته ومصلحتك ، أبي أنبسط فيه وأشوف عياله بس قلتها من قبل وين الرجا وهو ولد بدر
الجوهرة أبتسمت بحزن : أصلاً ماتفرق معي لأن بعد عرس ريان برجع الشرقية
حصة شهقت : نعععم !! أنتي ناوية تخربين بيتك
الجوهرة : قلت لك بيننا شي مكسور مستحيل يتصلَّح
حصة : كل مشكلة ولها حل مدري وراه مهولِّين بالمواضيع ، أذكر سلطان يبسط اعظم الأمور
الجوهرة أخفضت رأسها : صعب
حصة صمتت لثواني لتردُف : وش فيها رقبتك ؟
الجوهرة سُرعان مارفعت رأسها وهي تُغطي رقبتها بشعرها ،
حصة : يضربك ؟ .. .. بحدة أردفت .. سلطان ضربك !!!!
الجوهرة بربكة : لأ ..
حصة بغضب : حسبي الله ونعم الوكيل .. مد إيده عليك ؟
الجوهرة : تكفين ماأبي مشاكل ثانية هو مـ
قاطعتها : مجنونة أنتِ و ساكتة !!!
خرج سلطان من مكتبه ومعه الملفات ، ألتفت على جلستهم بنظرات حادة
حصة تقف : أنت وش مسوي ؟
سلطان رفع حاجبه و نظراتِه تحتد ناحية الجوهرة ،
الجوهرة وقفت وبصوت خافت : تكفين ماله داعي تتكلمين بموضوع راح وأنتهى ..
حصة بصرخة أسكتت الجوهرة : على وش تتسترين عليه ! انتِ تدرين لو تشتكين على حضرته تآخذين عليه تعهد يعلمه كيف يحترم نفسه
سلطان ضحك بسُخرية : مين هذا إن شاء الله ؟
حصة بغضب : طبعًا أنت ! آخر واحد توقعته يمد إيده على بنت هو أنت ! معقولة سلطان تضربها ؟ أنهبلت ولا وش صار لك !!
سلطان بنظرة أربكت الجوهرة : أمدى تقولين لها تاريخك يا آنسة
حصة : مالك دخل فيها كلمني أنا
سلطان : لو سمحتِ يا حصة لا تتدخلين
حصة : إلا بتدخل دام أشوف الغلط بعيني
الجوهرة و عادت دموعها لسيْرها : ما قلت لها هي اللي شافت رقبتي
حصة : وشو له تبررين ! خليه يولِّي .. وإذا يعني قالت لي ؟ وش بتسوي مثلاً !! عيب عليك وش كبرك وش عرضك تضرب !! هذا وأنت الفاهم بالدين وعارف أصوله !! و رفقًا بالقوارير .. كل شيء أختفي مع الجوهرة
سلطان ترك الملفات على الطاولة ليُردف بغضب : حصــــــــة !!! ماني أصغر عيالك ولا عاد تكلميني كأنك وصي عليّ ! و أنتِ حسابك بعدين
حصة : حسابها بعدين !! يعني وش بتسوي ؟ مصدومة منك ماني مستوعبة أنك تمد إيدك عليها وتستقوي !! دام كذا ماراح تنام عندك عشان تعرف كيف تقدِّر قيمتها يا قليل الخاتمة
سلطان بحدة : خلاااص انتهينا لاعاد تزيدين بهالموضوع !
الجوهرة قطعت الحوار المُتطايرة براكينه بينهُما : خلاص يا حصة موضوع وأنتهى من زمان
سلطان بسُخرية الغضب : بسم الله عليك !! تشعلين الأمور بعدين تسوين نفسك مالك علاقة
الجوهرة أتسعت محاجرها بصدمة منه
سلطان : الله يكفيني من شر خبثك .... وصعد للأعلى ليُغيِّر ملابسه ويتجه لعمله .
حصة ألتفتت عليها : لآ عاد تسكتين له إن مدّ إيدك ! كلميني على الأقل !
،
أمام المرآة يمسح على جرحِ عينيــْــه ، بعد لكمةِ أبوسعود في فجرِ الأمس له لم ينام ، تفكيره ينحصر بعدةِ زوايـــا مُعتمة !
لم يحاول أن يدافع عن نفسه و أحترمه أشد إحترام وهو يقف بثبات أمام غضبه بعد أن دخل صاخبًا و ما إن ألتفت عليه إلا و هو يستلِمُ لكمة بالقُرب من عينه ،
أخذ نفَس عميق ، الأشياء السيئة لا تتردد بأن تظهر أمامه وتسيرُ ببطء أيضًا لتغيضه ، يُفكِر أن يعتذر له ولكن هناك كبرياء يقف بالمنتصف ولكن مسألة أنه " صديق والده " تُشعره بالتقزز من نفسه إن لم يعتذر إليْه ،
خرج و عيناه تبحثُ عن ظِل عبدالرحمن ، أتجه للسائق : بابا طلع ؟
السائق هز رأسه بالنفي ،
أمال بفمِه وأفكاره تتلخبَط ، قرر أن يتحدث إليه و يضع النقاط على الحروف ، أنتظر قليلا حتى يخرُج فالأكيد أن وقت عمله لن يفوته ، دقيقة تلو دقيقة حتى خرج من بابِ قصره المُتهالِكة أسسه الروحيـة ،
تقدَّم عبدالعزيز له في لحظةٍ كانت نظرات الغضب الممزوج بالزعل واضحة ،
عبدالعزيز : قبل لا تروح الشغل أبي أكلمك شوي
عبدالرحمن بهدُوء : ماعندي وقت
عبدالعزيز : لو سمحت !! بس 5 دقايق
عبدالرحمن وقف : عبدالعزيز هالموضوع لا تكلمني فيه ، جننت رتيل وش بقى شي ثاني تشرحه لي ؟
عبدالعزيز : طبيعي بتكون ردة فعلها قوية لأنها ماتدري بالموضوع
عبدالرحمن بحدة : كان ممكن أفهمها لكن أنت منت راضي تعترف وش صاير بينك وبينها !!
عبدالعزيز : والله ... *صمت بعد أن حلف لا يستطيع الكذب*
عبدالرحمن أبتسم بضيق وسُخرية : والله أيش ؟ أمنتك على بيتي و صدمتني ... وسار بإتجاه السيارة ولكن عاد عبدالعزيز للوقوف أمامه
عبدالعزيز : والله العظيم ما حاولت أغضب الله في وحدة من بناتك !!
عبدالرحمن يضع نظاراتِه الشمسية ويفتح الباب : خيبت ظني كثير يا ولد سلطان ...... ودخل سيارته الفُورد تارِكهُ .
عبدالعزيز بغضب ضرب سيارته البي آم بقدمه : أوووووووووووووووووووووووووووف .... مسك رأسه ليُردف بتمتمة : أستغفر الله العظيم وأتُوب إليه .....
الليلة سيتجه لباريس ، الليلة سيرى باريس بعد فترةٍ طويلة ، أأشتاقُ لها ؟ إنَّ الأماكِن لا قيمة لها ولكن قيمتُها في أصحابها ، يالله لو صُدفـة أرى بها أحدٌ يشبه طُهر أمي و بياضُ أبي و صخب هديل و خجلُ غادة ، لو صُدفـة أُشبع عطشي لهُم ،
،
في الشُرفـة المُطلة على الشاطىء ، جالِسة وبين يديْها كتابُ الزهايمر لغازي القصيبي ، من خلفها أتى وسحب الكتاب ليُغلقه وبهدُوء : ماهو ناقصك نكد !! لا تقرين هالكتب
رؤى أبتسمت لتلتفت إليْه و بين محاجرها تلمع الدمُوع : هذي رابع مرة أقرآها فيه
وليد يجلسُ بمقابلها : تحبين تضيقين على روحك ؟
رؤى بحزن : كم شخص زي يعقوب العريان ؟
وليد : و كم شخص زي نرمين ينتظر !!
رؤى نزلت دمعتُها الشفافة : تخيَّل لو كان عندي زوج و أحبه وأنسى أسمه
وليد شتت أنظاره بألم شديد ،
رؤى أكملت بإختناق : يالله .. كيف بعرف كيف الواحد يقدر يتحمَّل أنه مايتذكر شخص يحبه ؟ بيجي يوم يسألني أحد عن إسمك يا وليد و أنساه ؟ ياربي رحمتك كيف الناس عايشة كذا
وليد : رؤى لا تفكرين بغيرك ، الله أرحم مننا على عباده
رؤى : ماأفرق كثير عنهم .. هم فقدوا الأمل بالرجوع و أنا إلى الآن فيه أمل !! تهقى يتذكروني ؟
وليد رفع عينه و علَّقها عليها و الحُزن يطوف حولها
رؤى بهمس : لو مثلاً تجيهم رسالة تخبرهم عني !! كيف بيتقبلونها ؟
وليد بإندفاع : بسم الله عليك من اللي صار ليعقوب .. بسم الله عليك يا رؤى لاتفكرين بالموت ! لاتكونين سوداوية
رؤى ببكاء : محد بيحس فيك !! ليت هالعالم تعرف كيف نحس !! ووش نحس فيه لما مانتذكر أسماء نحبها ! مانتذكر أشكالهم ! محد والله محد يعرف كيف نفكِر وكيف نتألم !! يالله يا وليد أحس بنار و أنا أعرف بقرارة نفسي أنه عندي أهل ضايعيين .. عندي اهل ماأعرفهم ... ماأعرف الا أصواتهم
،
وزَّع عدة مصاحف من القرآن على مساجدٍ كثيرة في الرياض ، منذُ الصباح وهو يدخلُ المساجد واحِدٌ تلو الآخر ، كل هذا يا غادة بنيةٍ لكِ عسى أن يتقبلُها الله ، يالله أجعل كل من قرأ لها يدعُو لها و يشفع لها بدُعائه ، يالله يا رحمن وسِّع قبرها وآنس وحشتها ، يالله يا رحمن يا غفُور يا رحيم أغفر لها ذنُوبها و جازِها عن الحسنات إحسانًا وعن السيئات عفوًا وغُفرانًا ،
جلس في سيارته أمام الأرض البيضاء التي بدأت أُسسها تُظهر و العُمال ذوي القمصان الصفراء ينتشرون حولها ، نزل لهُم و أعطاهُم من المياه الباردة عددًا لا بأس به و بفرحتهم فتح محفظته و وزَّع نقودِه صدقة لهُم ! أعمال الخير تتكاثرُ به دُون أن يعلم قريبٌ منه بها ، لا أحد يظمنُ الجنة لا أحد يثق بشيء يشفعُ له ليُخفف عن عذابه ، و أنت يا ناصر ؟
لا أعرفُ كيف أخفف العذاب عنِّي إلا بصدقاتٍ علَّها تُقبل و تشفع لي يوم لا ظِل إلا ظله .
عاد لسيارته مودعهم مُبتسمًا ، اللهم لا إعتراض على أقدارك ، يالله خفف عليّ عذابُ شوقها ، لم أعد أحتملُ كل هذا ! والله لم أعد أحتمل بُعدها ، يارب يارب أجعلني ممتلىء بك وعوضني ، يارب إني لم أُحبب من النساء إلاها فلا تجعلُ أنثى من بعدِها تقع في قلبي ، يارب خُذني إليْك و قلبي تسكنهُ أنثى واحِدة أستوطنت بيْ و غادرت ! يالله أرحمني .
،
مساءٌ أسوَد قبل عام ، في مكتبه بعد ان أغلق الهاتف و هو يستقبلُ إتصالات المُعزين .
مقرن : بنته الكبيرة متعرضة لجروح كثيرة لكن حالتها مُطمئنة و الباقي راحوا مثل ما راح الله يرحمهم ويسكنهم الفردوس
سلطان الأشدُ تأثيرًا بموت سلطان العيد ، من علَّمه أصُول القتال و كان لهُ الموجِّه والمُعلِم ، أخفض نظره دُون ان يلفظُ بكلمة ،
مقرن : تطمنت على عبدالعزيز و قالي سعد أنه مآخذ إجازة ومايطلع من شقته حتى مايزور أخته في المستشفى
سلطان بهدُوء موجع : كان الله في عونهم ، الله يصبر قليبه
دخل بوسعود و الصدمة ترتسم على ملامحه و أنفاسه غير مُتزنة ويضطربُ صوته : مين قال أنه زوجة ناصر حيَّة ؟
مقرن بإستغراب وقف : أنا شفتها بنفسي و سعد كان هناك !!
بوسعود بتشابُكِ أفكاره : عبدالعزيز دفنهم الأربعة !!!
سلطان وقف الآخر وصدمة تشطُره نصفيْن : كيييف ؟
بوسعود : ماني قادر أفهم !! فيه أحد له مصلحة من هالموضوع !
سلطان ضرب بيده على الطاولة بغضب وهو يجزم بمن خلف كل هذا . . . .
بوسعود بنبرة خافتة و يخشى ما يُفكر بأن يكون صحيح : يا خوفي أنه ما دفن أهله ؟
سلطان رفع عينه : كيف يعني ؟
بوسعود بصوتِه المُتزن المتوتر يشرح لهُما ما عرف للتوّ و أدهش كُلاً من سلطان و مقرن بما يقُول ،
،
تُغلق حقيبتها الثالثـة بعد أن وضعت آخرُ قطعها الناعِمة ، أخذت نفسًا عميقًا و دمُوعها السعيدة تتلألأ : الحمدلله
هيفاء كابرت كثيرًا حتى لا تبكِي معها ولكن سقطت حصُون سخريتها ومُزاحها التي تُخفي به ألمها بالفراق : الله يوفقك يارب
ريم مسحت دمعتها قبل أن تلامس خدها : خلااص لا تبكيني ،
هيفاء أبتسمت لتمنع دمُوعها : ما بقى شي ربي يتمم على خير .. *أتجهت أنظارها نحوَ فُستان الزفاف الأبيض* ياربي ياريوم صدق أنك خايسة يعني لازم تبكيني ..... ومسحت دمُوعها التي هطلت بغزارة.
ريم ضحكت بين دمُوعها لترفع بصرها للأعلى وتمنعُ سيلانِ البقية : هذي حالة طبيعية أننا ننهبل
هيفاء بإبتسامة : أظن كذا
طل برأسه : وش تسوون ؟
هيفاء ألتفتت : ترتب أغراضها
منصُور بإبتسامة : وكيف عروسنا ؟
ريم لم تتحمل عندما رأت منصور لتغرق في بُكائها ،
منصور : أفآآ يالعلم بنت عبدالله تبكي !! ... أقترب منها ليعانقها و تُبلل بدمُوعها ثوبه ،
أقترب وهو يتثاءب بعد أن صحى مُتأخِرًا : يالله صباح خير عسانا من الحييِّن !!
هيفاء بضيق : كنا نرتب ملابس ريوم
يوسف أبتسم إلى أن بانت صفة أسنانه : وش جوِّك ريوم تبكين ؟ مفروض تنبسطين وتفرحين و ترقصين بعد !! الأمور فلة وراه التأزيم بس !
منصور بسخرية : تعرف تواسي والله
يوسف ينظرُ للفستان الأبيض الواضع من الدُولاب ، ضحك ليُردف : والله وكبرتي
منصور بجدية : يوسف !!
يوسف أبتسم : تعالي
ريم أبتعدت عن صدرِ منصور بحرج وهي تمسح دمُوعها
يوسف أقترب منها ليحضنها ويرفعها عن مستوى الأرض بمسافةٍ كبيرة و ينزلُ بها ليخرجُ صوت ريم : نزلنييي تراني كبرت مايصير تشيلني كذا
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههه ... مين اللي كبر ؟
ريم بخجل : ما عدتْ بزر تشيلني
يوسف يضعها على الأرض وهو يمسح دموعها بكفِّه : روقي لاحقة على الهم تحسبين الزواج وناسة ! كلها شهر وبعدها تآكلين تبن
منصور : نعنبا ذا الوجه يا يوسف
يوسف : أنا أقول بناء على التجارب طبعًا أنت معفي من هالتجارب يا بوعبدالله *أردف كلمته الأخيرة بخبث شديد*
منصور : وش قصدك ؟
يوسف : ههههههههههههههههه سلامة قلبك ماأقصد شي
يوسف جلس لتأتي أمه ويُقبل رأسها : وشلونها ريـانة قلبي ؟
أم منصور : بخير وينك ماتنشاف !! ولا قمت مع الناس ولا رحت تصلي الظهر
يوسف : والله مانمت الا الصبح
أم منصور : وش مسهرك !!
يوسف : أشتغل
منصور بسُخرية : عسى ماتعبت ؟
يوسف ويُكمل الكذبة المكشوفة : إلا والله أني تعبان حتى فكرت أرجع أنام بس قلت ماأبي أخرب نومي مررة
،
دخلت محل لادُوريـه الشهير ، رائـحته أسكرتها لتذُوب في لذة الأصناف حتى أحتارت ماذا تطلُب ، و أنواع المكرُون و الألوان الجذابة كانت كفيلة بأنَّ تُطيل في وقتها حتى تختار ، منذُ الأمس ونقاشها الحاد مع سُمية وهي لم تُحادثها و لم تخرُج معها كما أعتادت لتفطران سويًا ، طلبت ما أرادتْ و أتجهت للزاويـة حيثُ الكرسي الخشبي و النقوشات البصليـة تحفُ المكان و تهطلُ بنعومة و رقـة الألوان الهادئة الفاتحة .
مسكت هاتفها و فتحت الواتس آب لترى المُحادثات التي لم تفتحها منذُ يوميْن ، رأت ظلاً عليها لترفع عينها ،
نواف بهدُوء : ممكن أجلس
أفنان ولاتعلمُ أيُّ جرأةِ أكتسبتها الآن : لأ
نواف ضحك بخفُوت ليُردف : يعني شايلة بخاطرك ؟
أفنان بهدُوء مُتزن : لأ وليه أشيل في خاطري يا أستاذ ؟
نواف : بالمناسبة أعتذر عن اللي صار لأن مالي حق أحاسبكم بس تنرفزت لما شفتكم
أفنان لم ترُد عليه وهي تُشتت أنظارها ،
نواف يسحبُ الكرسي ويجلسُ بمقابلها . . : سُمية هنا ؟
أفنان أخذت نفسًا عميق : ما جت
نواف : أجل أشاركك الفطور المتأخر
أفنان بإبتسامة مُندهشة : وعزمت نفسك بعد !!
نواف : ما ظنتي بترفضين ،
أفنان صمتت عندما أتى القارسون و وضع طبقُ مكرُون ملوَّن و طبقٌ آخر يحتوي على الكرواسون الفرنسي ، و كُوب شايْ بطريقة تجهلُ كيف صُنِع من لذة وغرابة طعمه .
نواف طلب الآخر كُوب شاي و نظر إليْها : قالوا أنك بترجعين !
أفنان : عشان عرس أخوي بس برجع أكمل باقي الأيام وآخذ شهادة التدريب إن شاء الله
نواف : مبرووك الله يتمم له على خير
أفنان : الله يبارك فيك ... أنحرجت من الأكل أمامه لم تعتاد أبدًا بالأكل أمام أحد حتى في أيام الجامعة لم تكُن تُحب أن تأكل أمام الطالبات .
نواف أبتسم : ترى ما آآكل
أفنان دُون أن تُسيطر على نظراتِها التي تُبين " سماجته "
نواف غرق بضحكتِه لثواني طويلة وأردف : يالله يا أفنان على الأقل جاملي شوي
أفنان أنحرجت و الحُمرة تغزو ملامحها : ماكان قصدِي
وضع القارسون كُوب الشاي ليردُف نواف : خلاص بشرب الشاي وبروح
أفنان بإندفاع : لآ والله ماهو قصدِي ، لا تفهمني غلط وكذا بس
نواف أبتسم وهو يُزيد تركيزه على شفتيها وهي تتحدثُ بسرعة في ثواني قليلة
أفنان بحرج : بس يعني أنت عارف أني ماني إجتماعية كثير
نواف بهدُوء ينظر لكُوب الشاي و يغرقُ بصمته
أفنان وغرقت هي الأخرى في كُوبِها و الصمتُ يلتفُ حولهُما
نواف قطع الصمت : مفكرة وش تدخلين بعد الدورة ؟
أفنان : لأ للحين مافكرت يعني بشوف وش اللي يناسبني بالوقت خصوصًا
نواف : الفرص بالدمام كبيرة للبنات وأكثر من الشباب
أفنان : إيه تقريبًا لأن صديقاتي اللي ماجوّ هالدورة ضمنوا وظايفهم
نواف أخذ نفسًا عميقًا : الله يوفقك ويكتب لك كل خير
أفنان : آمين ويااك
قطع عليهُمـا هاتف نواف : عُذرًا .. وردّ .. ألو .... هلابِك ... إن شاء الله ... طيب ولايهمِك .. مع السلامة .. وأغلقه ..
ليُردف : زوجتي
دُهِشت تمامًا حتى أتسعت محاجرها بصدمة ،
نواف ولا يعرفُ لِمَ كذِب و لم يقُل " أختي " لا يعرف كيف نطق " زوجتي " في وقتٍ كان يُريد أن يقُول " أختي " هل هذا عنادٌ مُعتاد من لسانِه !! رُغم أنه لم يتعمَّد أن يكذب .
أفنان أبتسمت بهدُوء وبدأت قدمُها اليُمنى بالإهتزاز ،
نواف : حسيتك أنصدمتي !
أفنان : لأ بالعكس .. الله يوفقكم يارب ويرزقكم الذرية الصالحة
نواف : آمين ويـاك
أفنان هي الأخرى لاتعرفُ لِمَ تكذب أيضًا : إن شاء الله قريب
نواف : ماشاء الله ربي يهنيك
أفنان و الكذباتُ تنهال عليها : شهر 5 ميلادي
نواف : قريب مررة
أفنان : أجلناه عشان الدراسة و أموره شوي ماكانت مستقرة
نواف : و رضى تجين هنا بروحك ؟
أفنان أرتبكت من السؤال : إيه طبعًا يعني أبوي هو اللي قاله
نواف : آهآ ، أنا تقريبًا قبل 4 شهور تزوجت وجينا هنا
و أكملُوا سيلاً من الكذبات الغير مفهومة و المُبهمـة و التي لايفهمُون حتى أسبابها . . ولو رآهم أحد لأفرط بضحكِه من قوةِ الكذباتِ و إخفائهم للحقيقة ، كان الجوُ متوتِرًا بكلماتِهم .
،
في العمل الصاخب و الهادىء في مثل الوقت ،
حرك رقبته بتعب ليُردف : وبس هذي الورقة اللي معك آخر شي
بوسعود : طيب روح البيت شكلك تعبان وأتركهم علي اراجعهم
سلطان : لا بس ظهري تصلَّب من الجلسة
بوسعود رفع عينه : سلطان
سلطان أجابهُ بعينِيْه ، ليُردف عبدالرحمن : صاير شي بينك وبين عبدالمحسن ؟ قبلها مع الجوهرة والحين عبدالمحسن !!! ماودي أتدخل بحياتك بس بعد أكيد ماراح أشوف هالتوتر اللي بينكم وأسكت
سلطان تنهَّد : يتهيأ لك
عبدالرحمن : علي هالكلام ؟
سلطان مسح وجهه بيديْه : كلم أخوك وبتعرف أنه مافيه شي
عبدالرحمن : ذكرتني بتركي ، مدري وش بيسوي فيني هالمجنون عرس ريان قرب ولا يرد ولا حتى فكَّر يكلمنا .. الله يهديه بس ... أخرج هاتفه ليُعيد إتصاله على تُركي.
سلطان صمت ليقف : أنا رايح .. تآمر على شي
عبدالرحمن المُنشغل بهاتفه : سلامتك
سلطان أخذ هاتفه و مفاتيحه مُتجهًا لسيارته و في عقله لا يُفكِر إلا بالتوجه لمزرعته ،
،
في غُرفتها لم تخرُج منذُ الصباح تُفكِر بحديثِ رتيل و كلماتِها ، مازالت مصدُومة من أنها زوجة عبدالعزيز و شرعيًا ! لا تُصدق بأنَّ ما بينهُما مُباح و ليس كما تصوَّرت ! مازالت لا تُصدق بأن رتيل تزوجت ! ومن عبدالعزيز ! كيف حصل كُل هذا بهذه السلاسة ؟ لم أتوقع يومًا بأنَّ أبي يفعلها بإحدى بناتِه ! يالله ماذا يحصُل ! من المستحيل أن أبِي يختبرني طوال هذه الفترة ! مرَّت سنة وأكثر منذُ أول مُباغتة من المجهول إليّ ، سنة بأكملها مستحيل أن يكُون خلفها والدي !! يالله لا أستوعب لو انه فعلاً أبي بذاته هو خلف كل هذه الرسائل و الهدايا !
بدأ قلبُها بالنبض سريعًا و الأفكارُ تتشابك عليها ، كل ماهي واثقة به الآن أنَّ شيءٌ في البيت يجلبُ الجنون !
من يكُن خلف هذه الرسائل ؟ لكن سمعته ، سمعتُ صوته والله ! لا من المستحيل أن يطلب أبي من أحدهُم أن يُكلمنِي ؟ و لكن رضاها على رتيل !! يالله يا " يبــه "
مسكت رأسها والصُداع ينهشه من كثرة التفكير ، غير مُصدقة لما يحدُث في حياتها ، هُناك أمور لا تفهمها وفعليًا هي لاتعرفُ كيف تفهمها ،
كيف أرخص أبي رتيل بهذه الصورة ؟ والله هذا مالا أستطيع تصديقه ، و نحنُ المغفلات لاندري عن شيء .
لو عُذر واحِد يشفي حُرقة رتيل ويسدُ ثقب أسئلتي !! عُذرٌ واحد رُبما يقنعنا .
أتجهت للجُدران التي تُزيُّنها لوحاتِه ، أخذت تنزعُها و تضعها فوق بعضها البعض ، أخذتها ووضعتها أسفل سريرها حيثُ الغبار يرتمي على كُتبٍ قديمة مُخبأة هُناك ،
رفعت عينُها للباب الذِي يُطرق ، : تفضَّل
دخلت سليمَة بكيسٍ أنيق من اللونِ الأبيض ، رفعت حاجبها : وش هذا ؟
سليمة : ما بعرِف
عبير أقتربت منها : مين جابه لك ؟
سليمة : هادا يجي هندي ويسلم حق سايق برا
عبير أخذت الكيس : طيب خلاص
سليمة أنسحبت بهدُوء لتترك عبير في غيمة مُضطربة لاتعرفُ جفافها من بللها !
فتحت الكيس لترى كتاب زمانُ القهر علمني لفاروق جويدة ، رمت الكيس لتفتح أول صفحة و بخطِ يده غرقت " إذا كنتُ قد عشت عمرى ضلالاً فبين يديك عرفت الهدى "
شعرت بأنَّ الأكسجين يختفِي و أنَّ لاوجُود للهواء ، قلبُها ينتفض وهي تقرأ ما كتَب وخطُ يدِه أربكها حدُ التجمُد ! جلست و الأفكارُ مازالت تتشابك ! هذا ليس ذوقُ أبِي بالكُتب لكن أشعُر بحُبِه ! من المستحيل أن يكُن زيفًا !!
،
جالِسَــة وبين يديْها جهازُ الأيباد ، تنتظِر بملل الضيفُ الثقيل !
رفعت عينها أمام الباب الذِي يُدلف ، أستعدلت بجلستها ليستقيمُ ظهرها و تبتسم : يا أهلاً
جلسْ سعد بتقزز منها : تدرين أنك تلعبين لعبة ماهي قدِّك !!
أمل بلامُبالاة : والله عاد أنتم بديتوها !! ماكنتم واضحين من البداية ! فجأة أكتشف أنه ..
سعد قاطعها بحدة : ما لك علاقة بهالموضوع ! ومالك دخل فيه من الأساس ! هذا الشي يهم غادة و عبدالعزيز بس أما أنتِ وش تفرق معك إذا عرفتي من البداية أو من الحين
أمل : تفرق كثير !! أنا وش ذنبي أقول كلام لغادة وبعدها أكتشف أنه غلط !! وبعدين تقولون لي ببساطة والله تعاملي معها زين ولا تخلينها تبكي و يا ويلك من فلان الفلاني إذا عرف أنه غادة متضايقة و كله تهديدات بتهديدات
سعد بهدُوء : مين اللي سلمك الفلوس ذاك اليوم ؟
أمل بعصبية : وأنت مالك علاقة تسألني !! سويت شغلي زي ماطلبتوه مني لكن بالنهاية أنا ماني مسؤولة عن أكاذيبكم عليها وعلى غيرها !!
سعد : جننتي البنت وتقولين منتي مسؤولة تدرين أنه سلطان متحلف فيك !! وفوقها بعد بوسعود عاد تخيلي أنتي الوضع بوسعود الحليم يعصِّب !!
أمل أخفت إرتباكها : أصلاً هم مايعرفون عني شيء ! لاتنسى أنهم يحسبوني أمها الله يرحمها
سعد بعد صمت لثواني : وأنا مستعد أقولهم أنك منتي امها وأنه ..
أمل بخبث : وأنه أيش ؟ أنه مقرن متفق معك عليهم !! ... أستغفر الله بس ماأحب أتشمت لكن بصراحة ياشينها قدام بوسعود و بو بدر لو عرفوا !
سعد : تآكلين تبن وتسكتين لا أدفنك في مكانك الحين وتعرفيني زين إن قلت شي أسويه ولا عليّ من أحد
أمل صمتت و الخوفُ يُرعش قلبها
سعد : كل شيء تنسينه تسوين له مسح من مخك ولا بيصير لك شي ماظنتي بيعجبك ولا بيعجب الكلاب اللي وراك
،
أرتدى ثوبـه الأبيض ذو طلةٍ كلاسيكية ، يعتلِي رأسهُ شماغٌ أحمَر ، بأصابعه هذَّب شُعيرات سكسوكتِه السوداء التي تعكسُ بياض بشرتِه التي تميلُ للسُمرَة ، وضع قلمه الأسود والمحفُور به بطريقة عُثمانية " عبدالله القايد " أخذ محفظته السوداء و هاتِفه – جالكسي – و نزل بخطواتٍ سريعة للأسفل و رائحة العُود تسبقه لأمه .
↚
أرتدى ثوبـه الأبيض ذو طلةٍ كلاسيكية ، يعتلِي رأسهُ شماغٌ أحمَر ، بأصابعه هذَّب شُعيرات سكسوكتِه السوداء التي تعكسُ بياض بشرتِه التي تميلُ للسُمرَة ، وضع قلمه الأسود والمحفُور به بطريقة عُثمانية " عبدالله القايد " أخذ محفظته السوداء و هاتِفه – جالكسي – و نزل بخطواتٍ سريعة للأسفل و رائحة العُود تسبقه لأمه
والدته : تبارك المساا
ضحك لينحني مُقبلاً رأسها : متبارك فيك يا أميمتي ...
أتته الصغيرة ذات الشعر البُندقي والبشرة البيضاء ، تركضُ بخطواتٍ متذبذبة ، فتح لها ذراعيه لتدخل بها : هلا بشيخة البنات كلهُم
والدته تسكبُ له القهوة : كل هالكشخة لمين ؟
أبتسم فيصل ليُردف : معزوم
والدته أبتسمت والتي لا يتضح عليها عُمرها أبدًا إبتداءً من شعرها البنِي المرفوع نهايةً بجسدِها المشدُود : و ولد عبدالله مايقولنا وش هالعزيمة ؟
فيصل وهو يُلاعب رِيفْ بيديْه : معزوم على تمايم ولد ريانة حبيبة قلبك ! *أردف كلمته الأخيرة بضحكة*
والدته بدهشة : منصور تزوَّج !!
فيصل : والله يا أميمتي أنك غايبة عن هالعالم ! تزوج وعنده بزر وحتى يوسف تزوَّج
والدته : ماشاء الله ، الله يوفقهم ويهنيهم
فيصل بهدُوء : ماصارت ! عازلة نفسك عن العالم وناسك وحبايبك .. خلاص أطلعي وونسي روحك !
والدته بمثل هدوئه تُضيِّع الموضوع : عطني ريف لاتوصخك ....
فيصل تنهَّد ووقف : تآمرين على شي ؟
والدته : سلامتك وأنتبه على نفسك
فيصل قبَّل كفَّها المُعطَّر بالجنَّة : إن شاء الله . .
خرَج و ركب سيارته البي آم دبليو السوداء ، نظر لنفسه بالمرآة و عقله يغيبْ لأحداثٍ يكرهُها ، أولُ لحظةٍ شتم فيها عبدالرحمن آل متعب و أولُ كلمةٍ سيئة لفظها بوجهِ سلطان بن بدر و أول حقدٍ نفث به على وجهِ عبدالله اليُوسف والِد منصُور .
لا ينسى أبدًا عندما قال لسلطان العيد في وجهه و أمام الجميع " راح أخليك تترجاني " يالله يا وقاحة تلك الكلمة و يا وقاحة نفسي حين قُلتها له .
كل الأشياء السيئة كانت ترتطمُ به عندما توفى والِده إثر التدريبات و ترك كُل الذنب عليهم ، قطع علاقتِه بتلك العوائِل رُغم حبه لهم سابقًا ، قبل سنةٍ تقريبًا تبدَّل الحال و رُغم ندمه على بعض أفعاله التي فعلها بأشخاص لاذنب لهم سوى إرتباطهم بتلك العائلة إلا أنه تغيَّر عندما تعرَّف على شخصٍ أستطاع أن يجعلُ منه شخصًا آخر ، و لأجل هذا الشخص أنا هُنا في الرياض ، قريبًا جدا سأُصلح الأخطاء و سأردُ دين هذا الشخص .
تمتم : يارب أشوفك يا ناصر
،
رسالةٌ قديمة على البريد الإلكتروني تحمل تاريخ 17/12/2009 ،
" رتابـة الأيام تشطُر الحياة سوادًا ، تعال إليْ في مثل يومٍ كهذا أشتهِيكْ كالسماء و أكثر "
ترك حاسُوبه الشخصي ليبحث في الأرفف عن أقراصِ دائريـة تحملُ له الذكرى و تُشبع شوق نظره إليْها ، لايعرفُ لماذا كان يُحب أن يصوِّرها دائِمًا رُبما لأنه يخشى فقدانها لذلك أراد أن يحتفظ بها ، لم يكُن شغوفًا بالتصوير كحالته معها ، كانت شيءٌ إستثنائِي يوثق به حتى الأشياء البسيطة ، تلك الأشياء التي تتركُ في قلبه عمقٌ لا يُسَّد بسهولة ، من يحفظُ الذكريات كثيرًا يخافُ الفُقد ،
أدخل السي دي ليجِد أن الفيديُو مشوشًا ولا يعمل ، شتمُه كأنه إنسانٌ واقِف أمامه ليُدخل السي دي الآخر و فتح له على صفحةِ بياضٍ مُمتدة من قلبها ،
" تُخرج لسانها بشغب و من خلفها ربيعُ باريس الزاهي ، وضعت نظارتُها الشمسية مُردفة : عادي أفصخ حجابي دام مافيه أحد ؟
ناصِر الممسك بالكاميرا : طبعًا لأ
غادة تنزعُ الحجابْ بهدُوء ليتراقص شعرها على كتفيْها والهواءُ يُداعبه ، المكانُ الأخضر جنَّـة تخلُو من الجميع الا ظلالِهم : في قلبك موافق وهذا يكفيني
ناصر : على كيفك قررتي أني موافق !! ...
سارُوا للداخلِ أكثر مُبتعدين عن الأطراف التي توازي الطُرق ، ألتفتت عليه : صورني وبرسلها لهديل عشان تتحمس و توافق على اللي خاطبها
ناصر بضحكة : مين خطبها ؟
غادة : ماأعرفه بس ولد السفير وأبوي مدحه وطيَّره للسماء بس عيَّت تقول ماأبي آخذ واحد عنده ميول سياسي
ناصر بحماس : عبدالعزيز وش قال ؟
غادة : كنك داري ههههههههههههههههه قام يتطنز عليه طلعه ولا شيء !!
ناصر : لأن هو ذاك اليوم مع عادل يقول إذا قررت أتزوج بتزوج بنت شخص بسيط ماراح أتزوج بنت واحد عنده منصب مهم ! وحتى خواتي ماراح أرضى تتزوج واحد ولد شخص مشهور ولا شخص له منصب كبير
غادة : أصلا كل يوم أكتشف في عبدالعزيز عقد بشرية في مخه !! أمس أقوله أنت ولد شخص مشهور وله منصب سابق يعني ممكن فيه ناس تشوفك بهالمنظور قام ضحك وقالي أنا حالة إستثنائية
ناصر : بذكرك باليوم اللي راح يجي ويتزوج وحدة توازيه في المستوى الإجتماعي
أنتهى الفيديو ، يالله لو أكملناه لثواني لو للحظاتٍ بسيطة فقط لأراها أكثر لأسمَع أحاديثٍ أخرى ، لو فقط يا غادة تأتين كالحلم و أراكِ .
،
دخَل سلطان وكعادتِه رمى سلاحه الشخصي مع مفاتيحه على الطاوِلـة الخشبية و أتجه للغرفة العارية من كُل شيء وتضمُ تُركي ، أتجه خلف الكُرسي المربوط به وفتح قيْدِه ، جلس أمامه بصمتْ ،
أنحنى تُركي بوجهه ليجهش بالبُكاء كطفلٍ صغير ، لا أحد حوله ! لا أُم و لا أب ! لا أحَد يشعُر بألمِ تُركي الذي لا نفهمه ، أو كيف يشعُر ؟ لا عُذر يُبرر له ما فعَل و الله لا عُذر يشفي حُزن الجوهرة و كسرُها الذي جفَّ و صعبٌ على الحياة أن تُبلله !
لكن لِماذا ؟ لِمَ فعلت هذا ؟ كيف نسيْت الله و فعلتُها غدرًا من وراءِ ظهر أخيك ؟ كيف فقط قُل ليْ أيُّ الأعذار ستُخفف وطأة مصيبتنا !
سلطان بهدُوء الأموات الذي يلفُهم لولا بُكاء تُركي : أخوانك يسألون عنك ! قولي بس وش أسوي فيك ؟ أنت تدرِي أني مقدر أشتكي عليك وماعندي شهُود ! لكن الله ماراح يضيِّع حق أحد ! ولا راح أرضى أنك تبقى هنا وتكرر اللي سويته مع الجوهرة بغيرها !! راح تعترف يا تُركي ولا كيف ؟
تُركي ولا يردُ عليه الا بالبكاء المُزعج لكل روح إنسانية ، بُكاء يُفكِك قسوة الحجر .
سلطان عقد حاجبيه : أعترف لأن خلاص محد راح يفيدك لا عبدالمحسن ولا عبدالرحمن ! كلهم يدورون عليك و عبدالمحسن أكيد ماراح يسكت والله يعلم وش مخطط يسوي فيك !
تُركي ببحة قاتلة جعلت سلطان يشتُم كل هذه الحياة لأنها تُشبه بحة الجوهرة في البُكاء : أذبحوني ... ماأبي هالحياة .. ماأبيها
سلطان بحدة : و لا هي تبيك ! محد يتشرف أنك تمشي جمبه حتى الشوارع تكرم منك !!
تُركي ببكاء يتخلى فيها عن رداء الرجولة الشرقية : والله أني أحبها
سلطان و نفسه مُرهقة من هذا الحديث ، وقف ليُعطيه ظهره ويلفُظ بحرقة : بنت أخوك ! فاهم وش يعني بنت أخوك !!! .. ألتفت عليه ليصرخ ... مايجوز لك .. أفهم أنها ما تُحل عليك
تُركي بصراخ آخر : طيب أحبها !! والله أحبها ... أقسم لك بالعلي العظيم أني أحبها غصبا عني .. غصبًا عني أحبهاا
سلطان بسُخرية غاضبة : تعرف عن مين تتكلم !! تتكلم عن زوجتي يعني ممكن أحرقك في جحيم حبها عشان أعلمك كيف تحب
تُركي بصوت مُضطرب وخافت : ماتفرق معي .. ماعاد تفرق .. أما حياة مع الجوهرة أو فلا .. ماأبي هالحياة
سلطان : لا تحدني أجرِّك الحين للتحقيق وأخليهم يعتقلونك رسميا وساعتها ماراح يفيدك هالحُب
تُركي و الجرُوح تنتشر على وجهه ، رفع عينه بإتجاه سلطان : قلت لك ماتفرق
سلطان بغضب : عقوبتك مثل عقوبة الزاني المحصن يعني القتل !!
تُركي : ماتقدر تثبت شيء أنا والجوهرة نحب بعض والله نحب بعض
سلطان و تنرفزت حواسه بأكملها ، دفع الكُرسي الذي كان جالسًا عليه و هو يُشير بسبابته : يعني ماراح تعترف
تُركي ودمُوعه مازالت تُبلله : أثبت أنه الجوهرة ماتحبني !!
سلطان بحدة : لآ تنسى أنك أغتصبتها
تُركي : لأ هي جتني
سلطان بغضب : أغتصبتها
تُركي : لأ
سلطان و يُكرر عليه حتى يستفزه ويعترف : أغتصبت بنت أخوك وأنت عارف أنه حراام
تُركي : لأ .. والله لأ
سلطان : أغتصبتها
تُركي ببكاء : لآآآآ أنا ماأغتصبت أحد
سلطان صرخ : أغتصبتها
تُركي : لأ
سلطان : جيتها في آخر سنة لها بالثانوي وأغتصبتها لأنك مالقيت أحد في البيت !! لأنك جبان مقدرت تسوي أفعالك الا بغياب أخوك
تُركي بجنُون : لأ
سلطان : أنت اللي تتحمل الذنب كله ! أنت اللي راح تتعاقب وأنت يا تركي اللي بتطيح في شر أعمالك
تُركي يهز رأسه بالرفض : كذااب .. لأ ..
سلطان : كلهم بيوقفون ضدك !! أخوانك و أهلك كلهم بيستحقرونك ! بتموت في فضايحك يا تركي
تُركي يضع كفيْه على أذنِه و طريقةُ الجوهرة تُعاد بهيئةٍ أخرى ، يكرهُ هذا التشابه بأفعالهم ، يكرهه أشد كُره ليصرخ بغضب : روح وقول للقاضي والله أنا أحبها ! وشوف وش بيسوي فيك !
تُركي مازال واضع كفوفه ليسدُ إذنه وهو يرفضُ الإستماع له
سلطان : أغتصبتها !!! أعترف وخلك رجَّال لو مرة وحدة !! ... أنت أصلاً حرام عليك الشارب !!!! اللي عمره 11 سنة أرجل منك ... *صرخ به* أعترررررررررررررف لأن لو وصلت أمورك للمحكمة صدقني ماراح تفلت من العقاب !! أعترف باللي سويته و لاتنسى مين أنا !! حط في بالك دايم إذا أشتكيت وش بيصير ! خل هالشي في بالك
تُركي : ماسويت شي .. ماسويت شي .. ماسويت شي ... كرر كلماته كثيرًا في جنُون.
سلطان : أغتصبتها ... أنت يا تركي أغتصبتها بدون رضاها
تُركي صرخ : لأ
سلطان : إلأا أغتصبتها .. أغتصبتها و 7 سنوات تتحرش فيها !!
تُركي : لأ .. أنا ماني كذا
سلطان صرخ : أغتصبتها
تُركي بصراخ يبكي : لأ .. والله لأ
سلطان بعصبية : لآ تستهين بإسم الله على لسانك !! لا تحلف فيه كذب .. خاف ربك في نفسك
تُركي بتعبْ : لأ .. لأ
سلطان بهدُوء : أغتصبتها يا تُركي و راح تلقى جحيم هالدنيا قدامك
تُركي : لأ . . ماأغتصبتها
سلطان صرخ : إلا أغتصبتها
تُركي : ماأغتصبتها
سلطان يشد على أسنانه لينطق من بينها : إلأا أغتصبتها
تُركي بإرهاقٍ بكى : أيهه بس والله ماكنت أبي أسوي كذا .. هي والله اللي خلتني أحبها .. شفتها ومقدرت أمسك نفسي
سلطان بغضب صفعه ليرتمي على الأرض ، إعترافه وإن كان متوقعًا إلا أنه شطر كل ذرة رحمة في قلبه : هان عليك أخوك !! هان عليك ربك قبل كل شيء !
تُركي : ما هو بإيدي
سلطان بصرخة أرعبته : هذا إغتصاب عارف وش يعني أغتصاب !!! كيف تنجذب لها وهي بنت أخوك ! كيف تشوفها بهالطريقة القذرة !!!!!!
شدَّهُ من ياقتِه : راح أجيب أخوك وقدامه بتعترف وبعدها يا تُركي أطلب من الله حسن الخاتمة !!
،
في أطرافِ الليل المتسرِب بين جُدرانِ الوحدة ، غادر الرياض و ترك قلبٌ من بعدِه مثقُوب ، ترك أنثى غجريـة يرفرفْ قلبها على شوكٍ منثُور ، ترَك حُزنًا مُتلبِسٌ في عينيْها ، تركها و لم يعرفُ ثمَن ضحكاتها و لا فرحها ، لم يعرفُ كيف يُجازِي الحياة بها إلا بالجرح !
منذُ الأمس وهي لم تخرجُ من غرفتها ولم يدخلُ جوفها إلا الماء ، منذُ الأمس وهي تبكِي بحُرقة و تنامُ لبُضعِ ساعات وتستيقظُ باكية ، منذُ الأمس وهي لا تستوعبُ فجيعة ما يحصلُ بها ، منذُ الأمس و هي ميتــة نسبيًا بعد أن حشرُوا الأشواك في قلبها .
منذُ الأمس وهي ساقطة على سريرها لم يبقى قطعةٌ قطنية لم تتبلل ببكائِها ! أحترقتْ وغابُ وهجُ هذه الحياة بعينيْ ،
جلست على سريرها وهي تحتضنُ الخُدادية المُزخرفة بألوانٍ مُبهجة تجلبُ العصافير وأصواتها ، وهذا المفروض إلا أنَّ البُكاء أفقد القُطن شهيتهُ بالحياة ،
يهدأ بكاءها لحظة و يعتلي مرةً أخرى ، يزرعُ بها سمُوم الحقد و ينبتُ بقلبها ألفُ غصنٍ من الحزن ذابل ، يالله " قد إيش موجوعة منك "
أرتجفت وهي تُعاود بُكائِها ، خرج صوت كلماتها بين بُكائها وهي تلفُظ : آآآآه
من يُطهِر قلبي من هذه الأشواك ؟ من هذا الحُزن ؟ من يُخبرني كيف أبتسم مرةً أخرى ؟ تعبت و ربُ هذه الحياة مُتعبة من كل هذا ! لِمَ كل الأشياء التي تُحزنني هي منك يا عبدالعزيز ! لِمَ كل الأشياء الحزينة التي ليست مِنك هي تتواطؤ معك حتى أبي !! أبي الذِي أتيتُ من ضلعه تواطؤ معك و مع عذابِي ! يالله أكان هذا عقاب الطيش ؟ أكُنت أستحق كل هذا ؟ منذُ اليوم الأول الذي رأيتُك به و كسرني بها أبي بعقابه إلى هذا اليوم و أنا لا أفهمُ لِمَ كل شيء يقف معك يا عبدالعزيز !
حتى أنا ! حتى أنا لا أعرف كيف أستحقرُك ؟ أو كيف أُحزنِك ! حتى " أنا " تعصيني و أُحبك ! لِمَ أُحبك ؟ " ليه "
أرتفعت شهقاتها وهي تسألُ نفسها " لِمَ تُحبه "
و إني فهمتُ حديثهم عندما نطقُوه " إن الله يُمهل ولا يُهمل " أمهلني الله الكثير حتى أُصحح أخطائِي ، أمهلني ولم أتعلم ! أتبعتُ عنادِي وحقدِي حتى أكسُره و بالنهاية كسرنِي ! و بالنهاية كسرني حتى أبي .
و أنا الذابلة بالحُب من رأسي إلى أقدامِي : كسرُوني ، الله عليك كيف قدرت يا عزيز تجرحني بهذه الطريقة ؟ و ربُ هذا الحُب لِمَ تستهينُ بقلبٍ وهبك حُبًا سرق من الحياة كل شيءٍ لأجلِ ان يعيشك !
هان علِيك كثير بأن تُسقطني حُزنًا !! هان عليك و أستسهلُه قلبك ، ليتَك شعرت بحُرقة كلماتك على قلب أنثى تعشقك مثلي ،
. . منك لله يا أناني .
،
جالِس على الأريكة النحيلة وبين يديْه السبحة و هالاتٌ من الضيق تطوف حول عينيْه و تعرجات جبينه تكشفُ حزنه ، تقدَّمت إليْه بكأس شايْ ساخن و رائحة النعناع تفوح منه : لا تحمِّل نفسك فوق طاقتها
أخذ الكأس و جلست ضي على الطاولة التي أمامه : لا عبير ولا رتيل طلعوا من غرفهم اليوم
ضي بضيق : حاولت أكلم رتيل بس مافتحت لي الباب
عبدالرحمن بهدُوء : ماعدت أعرف وش الغلط ووش الصح
ضي تمسك كفِّه لتشد عليه : مو أنت اللي علمتني أنه الأشياء اللي تزعجنا نسويها عشان نحفظ أنفسنا !! و رتيل أكيد فترة وبعدها راح تتفهم الموضوع وتعرف أنه هذا بمصلحتها
عبدالرحمن : اللي شاغل بالي أنه اللي صار , صار من عز ! هو حتى نفسه يجرحها ، كيف رتيل ؟ .. أكيد سمَّعها كلام يسم البدن ! أكيد قالها شيء خلاها تثور بهالطريقة ! ... عز يأذي نفسه ويأذي اللي حوله دايم
أنزل الكأس ليُردف بحزن : وأنا كل ماقلت هانت جد علمِ جديد
ضي أخفضت رأسها و هي التي تتألمُ من ألمه وتشعُر بحُزن بناتِه وبناتِ قلبه ،
أردفت : كل شي بيتصلح إن شاء الله
عبدالرحمن وقف ولكن يدِ ضي قاطعت إتجاهه : لآ تضغط عليها ، أتركها هاليومين
عبدالرحمن بغضب : مقدر أتحمل وأصبر !! هذي بنتي يا ضي كيف أسكت وأنا أشوفها كذا .. ترك يدها وصعد للأعلى ،
ضي تلألأت دمعة على خدها ، لاتبكِي من أجل ما يحدُث ، تبكِي من ألمِ الأب على إبنته والتي أفتقدتهُ طوال حياتها .
طرق الباب ولا ردُ يأتيه ، بصوتٌ خشن موجوع : رتيل ..
رفعت عينها بإتجاه الباب الذِي يُطرق ، وصوتُه يلتهم كل خلية في عقلها ! يلتهمُه ويُحزنها !
عبدالرحمن : رتيل عشان خاطر أبوك أفتحي الباب
رتيل ولا ردٌ تنطقه و دمُوعها تواصل الرثاء .
عبدالرحمن بهمس : رتييل .. تعرفين أني بأضعاف حزنك أتألم ! أفتحي واللي تطلبينه بسويه حتى لو ماني موافق عليه !
رتيل مع كلماته الخافتة أزداد بُكائِها ، أتجهت بخطواتٍ مُرتجفة للباب !
عبدالرحمن بنبرة هادئة : هذي أول مرة يا رتيل تطولين فيها بزعلك مني !
رتِيل ودَّت لو أنها تفتحُ الباب ولكن بها من القهر ما يجعلُها تكره النظر له وللجميع ، بها من القهر ما يجعلُها تُفكِر بصورة شيطانية لا علاقة لها ببراءة عينيْها ، بها من القهر ما يجعلُها تُفكِر بفعلٍ خبيث توجهه لعبدالعزيز تعلم هي أنها ستؤذي نفسها ولكن الأذى الأكبر سيكون على ظهرِ عبدالعزيز ، أعرفُ أن من يُحب لا يؤذي غيره ولكن أنا ؟ أنهنتُ بما فيه الكفاية.
جلست على الأرض الرُخامية وهي تضع ظهرها على الباب وتسمعُ لحديثِ والدها ببكاءٍ شديد.
،
في صباحٍ فوضويْ بغُرفةِ يُوسف ، ركَل بنطاله الجينز من على الأرض وأخذ يُغلق أزاريره بعجَل وفتح هاتفه ليتصل عليها ويطمأن ، ثانية تلو ثانية ولا ردّ ، نزل بخطوات سريعة ليكتبُ لها رسالة " بس تصحين كلميني "
أدخل هاتفه بجيبه وألتفت عليهم مجتمعين جميعًا على طاولة الفطُور ،
رفع حاجبه : صباح الخير
والده : صباح النور
يوسف وهو واقف سكب له من الحليب الساخن
والدته : أجلس وأفطر زي الناس
يُوسف : مستعجل
والده بسخرية : عسى بس خايف يطير منك الدوام
يوسف بضحكة أردف : أخاف أنطرد
والده أبتسم : لا جد وش عندِك ؟
يُوسف : يمكن أروح حايل فماأبي أطلع متأخر وتظلم عليّ في نص الطريق
والده : أنتبه على نفسك
يُوسف : إن شاء الله ، يمه تكفين خلي الشغالات يرتبون الغرفة مررة قذرة
هيفاء وهي تأخذُ قطعة من الزيتون الأسود و تُردف : ارحمني يالنظيف
يُوسف : أقول كملي أكلك لا أخلي الزيتون يطلع من خشمك
هيفاء ضحكت ليتناثر العصير الذي كانت تشربُه من فمِها
ريم بتقزز : يا مقرفــــــــــــة
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههه
بو منصور وقف : يا مال اللي مانيب قايل .. وخرج.
والدتها : أحترمي النعمة في أحد يضحك وهو يشرب
هيفاء تمسح بقايا العصير : كله من هالحقير
يوسف ضحك وأردف : أحمدي ربك أنه منصُور مو هنا ولا كان خلاك حشرة وعطاك محاضرة بالأتيكيت ... يالله مع السلامة .. وخرج مُتجهًا لسيارته ، أخرج هاتفه الذي يهتز وفتح الرسالة " معليش مشغولة شوي "
شد على شفتيْه و بقيْ متوقفًا لثوانِي طويلة ، أرسَل " كنت بقولك أني بجي حايل "
ثواني طويلة حتى أهتز هاتفه و فتح الرسالة " حيَّاك ، طبعا مجرد زيارة "
بدأ ضغطه بالإرتفاع والغضب يعقد حاجبيْه ، ركب سيارته مُتجهًا للشركة و مُتجاهلاً الطريقُ الآخر الذي يتوجه للقصيم ومنها لحائل.
في جهةٍ أخرى ضحكت ومسحت الرسائل : أحسن
وضحى : بس والله الكلمة وقحة ههههههههههههههه أجل مجرد زيارة يعني طردة
غالية : أجل تنفخ ريشها علينا ،
وضحى : ماأتخيل ردة فعله كيف بتكون أدنى شي بيقول ماهي متربية أجل كذا ترسلي ههههههههههههههه
غالية ضحكت لتُردف : خلي الجوال هنا وأمشي نطلع قبل لحد يشوفنا
،
من خلفها قطع إتجاهها للباب بصوتٍ خشن و رجولي صاخب : على وين ؟
العنُود ألتفتت : بطلع
سلطان : طيب !! وأنا أسألك وين ؟
العنُود تنهَّدت لتُنادي والدتها : يمممممه
أتت حصة من الغرفة : يالله صباح خير !! ..
سلطان : فهمي هالشي بنتك فيه أحد يطلع بهالوقت !!
العنود : إيه أنا بروح أفطر مع صديقاتي وش دخلك أنت !!
سلطان : تكلمي معاي بأدب
حصة : خلاص يا سلطان !! خلها تروح
العنود بغضب ثارت : يمه تترجينه بعد !! كيفي بطلع ومالك حق تسألني فاهم !
سلطان الذي أخذ إجازة من عمله اليوم ، أردف بهدُوء : أفصخي الجزمة وأضربيني بعد
العنود تأفأفت : لا ماهي حالة تحاسبني على الطالعة والنازلة !! أبوي للحين عايش وأمي بعد !
حصة : خلاص لاتكثرين حكي وروحي أقلقتيني ... خرجت العنُود لتلتفت حصة عليه : يعني فيها شي لو راحت مع صديقاتها ! هي بروحها تكرهك وتنتظر عليك الزلة
سلطان بسُخرية يُردف وهو يتجه لطاولة الطعام : زين علمتيني عشان ماأقولها شي وتمسك علي الزلة
حصة ضحكت لتُردف : أستغفر الله بس أنا قايلة ماراح أكلمك بعد
سلطان أبتسم وألتفت عليها : تعالي أفطري معي ماأحب أفطر بروحي
حصة : لأ وتراني زعلانة بعد
سلطان : طيب تعالي وبراضيك
أتت حصة بطيبة قلبها وجلست أمامه وبجدية : أمس مقدرت أنام من التفكير ! كيف تضربها بسهولة ! مايجوز أبد تسوي فيها كذا من عذرها يوم راحت عند أهلها أجل تضربها وتسكت ! زين بعد مادخلت أهلها وخلوك تطلقها ! من متى المرة تنضرب ؟ ولا أنت تبي تعيد عادات الجاهلية !!!
سلطان بهدُوء : موضوع منتهي من زمان وخلاص لا تفتحينه وتنكدين علي هالصبح
حصة : طيب أجبر خاطرها في كلمتين !! تعلم شوي الكلام الحلو
سلطان ضحك ليُردف : علميني على إيدك
حصة : تتطنز !! أتكلم جد ، حسن أسلوبك معها ! أجل أمس خليتها تجيب لك القهوة وتطلع منك تبكي
سلطان : هي حساسة تبكي بسرعة
حصة : لا والله !! وهذا عذر ! إلا أنت أستغفر الله بس مانيب قايلة كلمة شينة بحقك
سلطان : أشوفك واقفة مع الكل ضدي
حصة : لأن اللي تسويه غلط ولا يرضي أحد
سلطان بهدُوء : خلاص يا قلبي الله يخليك سكري على الموضوع
حصة : هذا أنت تعرف تقول يا قلبي وياروحي طيب قولها شوي مو بس " تُقلد صوته الثقيل " الجوهرة
سلطان ترك كُوب الحليب لينفجر بالضحك ويُردف : طيب أبشري
نزلت الجوهرة بخطواتٍ هادئة وهي التي لاتعلمُ بأمرِ إجازته ، ألتفتت ولم تتوقع بأن تراه ،
بصوتٍ مُرتبك : صباح الخير
حصة : يا صباح الفل و الورد
الجوهرة أكتفت بإبتسامة ، وهمَّت بالصعود مرةً أخرى لولا وكزةُ حصة لسلطان الذي نطق : تعالي
الجوهرة : مو مشتهية بس كنت بشوف حصـ .. بترت كلمتها لتقُول .. أم العنود
حصة : ناديني حصة وماعليك منه .. *وجهت الحديثُ له* الحين إسمي ولا إسمك !! كيفي أبيها تناديني حصة
سلطان كتم ضحكته وأخذ يشربُ من الكُوب بصمتْ
حصة : تعالي يا روحي أفطري خلي سلطان يتهنى بأكله *أردفت كلمتها الأخيرة بخبث وقصد لسلطان*
سلطان ضحك بخفُوت وألتفت على الجوهرة لتقع عيناه الضاحكة بعينيْها المُرتبكة : تعالي .. وأشار لها على الكرسي الذي بجانبه
حصة تُراقب بشغف ما سيحصُل الآن و سلطان " رايق " لأبعدِ حد .
أتت الجوهرة وجلست بجانبه ليُفاجئها سلطان بسحبِ كُرسيها ليُلاصق كُرسيْه ،
حصة تسكبُ للجوهرة من الحليب الساخن و مدتُها إليْها : أخذي تغذي مهو نافعك أحد ..
سلطان بإبتسامة نقية تُظهر صفةُ أسنانه : مُعاذ الله من أنك تقصديني
حصة بضحكة : إلا أنت بجلالة قدرك
سلطان أبتسم : بسوي نفسي ماسمعتها
الجوهرة المُرتبكة بقُربه و رائحة العُود تتشنجُ معها أعصابها ، أخذت الكُوب وبأصابع مُرتجفة يهتزُ معها الحليبْ السائل ، و أعيُن سلطان تُراقبها وهي تشربْ .
الجوهرة لم تستطع أن تتذوقْ الحليب وأرجعته للطاولة وكل حواسها ترتجفْ ، لا تعلم لِمَ تشعُر بأن هُناك شيءٌ غائب عنها تجهله يجعل سلطان بهذه الصورة .
حصة : فيك شيء حبيبتي ؟
الجوهرة : لأ .. ولا شيء بس برد
حصة : عاد التكييف مقصرة عليه الصبح ...
سلطان يُفاجئها ليضع ذراعه على أكتافها ويسحبها ببطء نحوه و يُقبل رأسها مُستنشقًا ذراتِ الهواء من بين خصلاتِ شعرها ،
حصة وتشعُر بنشوة إنتصار : أنا بخليهم يجددون الحليب .. وأتجهت للمطبخ تاركتهم ،
الجوهرة و قلبُها ينتفض ، لا تعرفُ بأيّ التناقضاتِ تأتيتها وأيُّ شعورٍ يُباغت قلبها ،
سلطان بصوتٍ خافت : بردانه من أيش ؟
الجوهرة و فكيْها يرتجفان ، صمتت وهي تغيبُ فعليًا عن هذا العالمْ و حرارةِ أنفاسه تُسكِنها و تُهدأ عُمق حواسها ،
سلطان تنهَّد مُثبتًا ذقنه على رأسها و ذراعه مازالت تُحيط بها ، بتنهيدتِه تجمَّعت دمُوع الجوهرة ، كتمت نفسها وهي تشدُ على شفتيْها حتى لا تبكِي .
بعد هدُوءٍ لدقائِق طويلة و رأسُ الجوهرة على طرفِ صدره ، بحُمرة وجنتيْها حاولت تسحبُ نفسها لتنكشفْ رقبتها كالمُعتاد ، أقترب سلطان و لامستْ شفتيْه أثارُ ضربِه كأنهُ يحاول يشفِي الآثارُ بقُبلاتِه .
أبتعدت الجوهرة بإرتباك وهي تسحبُ نفسها مع الكرسي و تضع مسافةٌ قصيرة فاصلة بينهُما ،
سلطان بلل شفتيْه بلسانه وأردف : خلي عايشة تجيب لي القهوة لمكتبي .. وتركها .
الجوهرة وضعت يدها على صدرها وقلبُها لايتزن بنبضاته ، تشعُر بأن الأشياء تذوب من حولها و تذبل ورُبما حتى تتراقص .
حدَّثت نفسها لتُهذِّب تصرفاتها وربكتها ، لا تضعفين يا أنا ! هو شكّ بِك و أساء لك ، لن تلمسني بسهولة يا سلطان و لن أُسامحك و إن أحببتُ الوطن الذي وهبتني إياه .
،
مسكت هاتِفها لترى رسالته الأولى " بس تصحين كلميني " ، أتصلت عليه ، مرَّة ومرتين وثلاث ولا يأتيها رد ، عقدت حاجِبها بشك لتُرسل له بالواتس آب " يُوسف ؟ "
في جهةٍ أخرى على مكتبه يلعبُ بقصاصات الورق بنرفزة ، فتح محادثتها فقط ليظهر لديْها بأنهُ قرأ و لكن سيتجاهلها تمامًا ،
مُهرة و الشكُ يدب في قلبها من فكرة أنه يقرأ دون أن يرِد ، كتبت له " وش فيك ؟ "
يُوسف بعصبية كتب لها مثل ما كتبت له " معليش مشغول شوي "
مُهرة أمالت فمِها بقهر وأغلقت هاتفها لترميه على السرير و تمتمت : عساك ما رديت ...
،
تحت أجواءِ باريس الغائمة و الليلُ يُداعب السماء بخفُوت ، تنهَّد بضيق
أثير الجالسة مُقابلةً له في المطعم الهادىء و التي أكتملت زينتها بزواجها من عبدالعزيز : وش فيك ؟
عبدالعزيز : ولا شيء بس صار لي يومين مانمت وشكل المزاج بدآ يضرب
أثير أبتسمت : ومين سارق تفكيرك ؟
عبدالعزيز بهدُوء : أرق
أثير نظرت لهاتفها وأغلقته
عبدالعزيز : مين ؟
أثير : سلمان
عبدالعزيز شتت أنظاره بإمتعاض
أثير : مُجرد زميل في الشغل
عبدالعزيز بحدة لم يُسيطر عليها : وأنا قلت شي ؟
أثير عقدت حاجبيْها الفاتنيْن : لأ بس حبيت أوضح لك
عبدالعزيز تنهَّد وصمت
أثير : أنت صاير ماينحكى لك كلمة ، أمش خلنا نطلع وتروح تنام
عبدالعزيز : أثير يرحم لي والديك لاتزنين عليّ
أثير بهدُوء : مازنِّيت أنا أقترح عليك
عبدالعزيز بعصبية : طيب خلاص ماأبي أسمع شي
أثير تنهَّدت وصمتت ، أخذت هاتفها لتُقلِّب فيه وتُهدأ من حرارةِ غضبها في ليلةٍ مثل هذه كان يجب أن تحتفل !
عبدالعزيز بدأ الهزُ بأقدامه و أعصابه تشتدُ وجدًا ، بنظرة شك : تكلمين مين ؟
أثير رفعت حاجبها : شارب شي ؟ ماهو معقول اللي قاعد تسويه !! ... وقفت لتأخذ معطفها وتخرج
عبدالعزيز نثر مبلغًا يجهله على الطاولة وتبعها ، من خلفها مسك ذراعها ليوقفها وبعصبية : من متى إن شاء الله تعطيني ظهرك وتروحين ؟
أثير التي يمتزجُ خجلها بقوةِ شخصيتها : أترك إيدي !
عبدالعزيز يتجاهلُ ماتقُول ليُردف : لو تكررينها مرة ثانية صدقيني ما يحصلك طيِّب
أثير بهدُوء : عزوز حبيبي روح نام أحسن لأن عقلك بدآ يضرب من جد
عبدالعزيز ترك ذراعها ليلبس معطفه و يتنهَّد وبتنهيدته يخرجُ البخار الأبيض من فمِه.
أثير بعد صمت لثواني أردفت : يا رُوحي أنا فاهمتك ، لكن صار لك يومين منت نايم أكيد عقلك بيتوتر وماراح تفكر صح ! عشان كذا أرجع البيت وحط رآسك ونام و بكرا الصبح نتفاهم
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بحدَّة : طيب خلاص
أبتسمت : تصبح على خير
عبدالعزيز: وأنتِ من أهل الخير ...
أثير أقتربت منه وبجُرأة قبَّلت خدِه الأيمن : برجع بسيارتي ... وأختفت من أمامه خلال ثواني قليلة .
عبدالعزيزأخذ نفسًا عميقًا ليُمسك هاتفه ويتصل بناصر ، أتاه صوته : ألو
عبدالعزيز بقهر : تزوجتها
ناصر بعد صمت لثواني أردف : تعرف شي ؟ بقوله لك وماعليّ منك !! يا ويلك من عذاب الله في هالثنتين
عبدالعزيز سار بعيدًا عن المطعم وأقدامِه تُلامس الأرض المبللة : مدري وش اللي مخليني أتصل عليك .. وأغلقه في وجهه ، غاضب من كُل شيء و كل مازادت ساعات إستيقاظه زادت أعصابه توترًا ، لا عجب بأن من لا ينام يُصيبه سوء مزاج ولكن ماذا لو كان هذا الشخصْ بعادته سيءُ المزاج ! يالله كيف ستكون المصيبة إن صاحبه أرق ؟
ركبْ سيارته اللكزس الذي أستأجرها و عقلُه يُصيبه غثيان ، أستاء من تلك اللحظة ، تلك اللحظة التي وقَّع فيها على ذاك الورق مُعلنًا لزواجه من أثير الحقيقة ، و أخذ عقله بلؤمٍ شديد يُقارن بين رتيل و أثير ، تبًا لقلبي كيف له القُدرة على طردِك من ذاكرتي الآن ؟
حرَّك سيارته في طُرقٍ لا يعرفها ، يجهلُها ، يدُور بلا هوية تقُوده ، من المستحيل أن تكرهه ؟ أحلفُ بربِ الناس أنَّ ليس لها قُدرة على كُرهي ، مهما غدرت بها المسافاتْ لن تجِد ملاذًا لها غيري ، أنا النقطة التي ستنتهين بها مهما جاهدتِ أن تقطعين الأسطرُ بفاصِلة يا رتيل .
مسك طريقًا مُتجهًا لـ دُوفِيل القرية الرقيقة التي كان يزورها كثيرًا مع ناصِر وأيضًا عادل .
،
عادُوا من شاطىء دُوفيل الهادىء مُتجهين للفندق ، على وقعِ أصوات أقدامهم أتى صوتُ رؤى : الحين سكرت عيادتك بميُونخ ؟
وليد : لآ موقفها لفترة و كل مواعيدي بعد موقفها !!
رؤى بهدُوء تنهَّدت ، ليقطع وليد عليها أفكارُها قبل أن تبتدأ : أشتقتِ لأيام ميونخ ؟
رؤى أبتسمت لتلتفت عليه : إيه على الأقل كنت أحس أني عايشة بصدق أكثر من هالضياع
وليد : أصبري وأحتسبي ، لك في الصبر أجر
رؤى : الله يرحمنا برحمته بس
وليد : آمين ... وش رايك بكرا نرجع باريس !
رؤى : ماتفرق معي
وليد : لا إذا ماتبينها ماهو لازم ،
رؤى بهدُوء نظرت للعاشقيْن في محطةِ إنتظار الباص ، يقتربُ من أنثاه ويلتهِمها بحُب ولا يُبالي هذا الأشقر بأنظارِ من حوله ، شتت نظراتها و تجمَّدت في مكانها لتتضبب رؤيتها وتغيب فعليًا عن رؤية من أمامها ،
ضحكاتُه تُرَّن في إذنه و هو يُدخلها في معطفِه وينشرُ قُبلاته ، برُودة الأجواء لا يُهدأها إلا حرارةِ أنفاسه ، لا ملامحٌ تراها سوَى ذراعيه التي تُحيط بجسدِها ، هذه باريس !! يالله يا رحمن أكفف عني هذا !
تسمعُ صوت وليد المُنادِي ولكن رُغمًا عنها لا تستطيع أن ترى شيئًا سوى الشوارع الضيقة التي تُخبرها بأنها في باريس و ذراعٌ ذات أكمامٍ سوداء تُحيط بها ، من هذا الذي يُعانقني بهذه الصورة ؟ . . من المستحيل أن يكُن شخصًا غير زوجي ! .. الذي طلقني وقالت عنه أمي أنه مات !
وليد : رؤؤؤى !!
رؤى رمشت لتنظُر لوليد بشتات ، ثواني قليلة حتى سقطت على الأرض مغميًا عليها .
،
سمع آخر رسالة صوتية له على هاتفه " مشتاق لهم كثير . . . بحفظ الرحمن أنتبه على نفسك يا فيصل "
تنهَّد و هو يفكِر بأنَّ منصور ليس له علاقة تربطه بناصر ، يخجل من أن يتصل على عبدالرحمن بن خالد ويسأله عن ناصر ، لا ينسى أبدًا طيشه أثناء وفاةِ والده ، كيف يصِل الآن لناصر و يُنفذ ما قاله ذاك الرجُلِ الذي سرق قلبه !
هُناك أشياء يجب أن تُقال وبأسرع وقت ، هُناك أشياء كثيرة يجب أن تتضح لسلطان بن بدر أيضًا ! .. أأطلبُ موعدًا ؟ أم أُفاجئهم بزيارة حتى أجبرهم على الإستماع إليّ ؟ لكن هو لم يطلب مني أن أخبر سلطان أو حتى عبدالرحمن ! قال لي بالحرفِ الواحد " ناصر هو الأهم " .
يارب رحمتك من كل هذا ، رفع عينه لريف التي تلعبُ بكُتبِه ، أبتسم : ريووف
ألتفتت عليه بضحكة وهي تضربُ الأرض بخطواتها الرقيقة : أنىىى
فيصل وقف مُتجهًا إليْها لينحني ويحملها بين ذراعيه ، نزل بها للأسفَل و والدته تنظرُ للتلفاز بتملُل .
: بنتك بتحوِّس ليْ الغرفة
والدته بحالمية : بنتك ! يازينها من كلمة
فيصل ضحك ليُردف : بسم الله عليك يمه وش فيك ؟
والدته : فيصل متى تتزوج ؟
فيصل أنفجر بالضحك : مخك ضارب اليوم !! ..
والدته : لآ جد ماودك يمتلي البيت بعيالك !
فيصل : على إيدك ماأقول لأ
والدته بفرحة : صدق ؟
فيصل : هههههههههههه بس طبعًا ماهو أيّ بنت !! لازم أشوفها أول
والدته :ومين اللي بيرضى يخليك تشوف بنته وشوفة شرعية !! الناس الحين بدت تخاف
فيصل : زواج أكشط وأربح ما يمشي معي
والدته : قولي مواصفاتك وأنا أدوِّر لك اللي تسواهم كلهم
فيصل بهدُوء : ماأبي وحدة مايعة وتتدلع و لا أبي وحدة خفيفة ولا وحدة تحسينها هبلة ورومانسية زيادة عن اللزوم ، أبي وحدة ثقيلة وجدية يعتمد عليها تشاركني بتفكيري ماأبي عقلها صغير ، أبيها تساعدني بشغلي تفكر وياي ، أبيها ذكية وذكاء حاد بعد
والدته وفعليًا ملامحُها حزينة : حرام عليك ! من وين أجيب لك هالبنت
فيصل : هههههههههههههههههههههههههههههههه خلاص أجل لين ربي يكتب لك وتشوفينها ذيك الساعة أتزوَّج
،
في مكتبه يُثبِّت الحجز لباريس ، بدأت ساعات الخطرِ تبدأ و مرحلة الجوهي بإذن الله تنتهي ، كل هذه الأفكار تتزاحم بعقله ، فترة عصيبة ستكُون ، يُفكِر بأن يترك بناته هُنا ولكن قلبه لايحتمل ذلك ، حجز لهُم أيضًا و لعبدالعزيز .
لا يعرفُ كيف يتوقع بما سيحدُث في باريس بوجود طرف ثالث تُدعى زوجة عبدالعزيز الثانية ، بكلا الأحوال لن أرفض طلب رتيل إن أخبرتني بأنها تُريد الطلاق ! لن أترك عبدالعزيز يراها أو حتى يتلاعب بها ، سأجعلها أمام عيني و ليذهب عبدالعزيز وزوجته بالمكان الذي يُحب ، بالنهاية أخطاءُنا يجب أن نتحملها مثل ماأنا أتحملُ جفاف بناتي معيْ ، يجب أن يتحمل عبدالعزيز ثمار أفعاله الخاطئة إتجاه نفسه قبل كل شيء .
غدًا زواجُ ريَّان و يجب أن يفرحُون ولكن لا مجال للفرح في هذه الفترة ، يارب ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء
خرج و بوجهه ضي ، أبتسم لها : تمللتي ؟
ضي ضحكت : لا تحسسني أني متعودة على الناس والوناسة قبل
عبدالرحمن يضع ذراعه على كتفيْها : ماطلعوا من غرفهم ؟
ضي : رسلت الفطور لهُم وإن شاء الله يآكلون
عبدالرحمن أكتفى بتنهيدة لتُردف ضي : توقعت رتيل بيليين رآسها وبتضعف
عبدالرحمن : تدرين !
ضي رفعت عينها له ، ليُكمل عبدالرحمن : رتيل عنيفة حيل إذا عصبت ، و الله أخاف عليها تأذي نفسها ...
ضي : لآ بسم الله عليها إن شاء الله ما يصير إلا كل خير ، حجزت لباريس ؟
عبدالرحمن : إيه و أصلاً إحنا ماراح نطول فيها ممكن نروح روسيا بس ممكن أخليكم أنتم في باريس .. على حسب الوضع هناك
ضي : الله يعينك يارب
عبدالرحمن بإبتسامة : تدرين لو مسكنا الجوهي كذا بنكون حققنا هدف عظيم !
ضي بإبتسامة تُشاركه الحماس : إن شاء الله يارب تمسكونه
عبدالرحمن : مايجوز تردفين الدعوة بالمشيئة
ضي بضحكة : يارب يا رحمن تمسكونه من غير شر
أردفت : ما قلت ليْ وش صار مع اللي هددكم في عبير ؟
عبدالرحمن : خليت مقرن يبحث بالموضوع لكن إلى الآن مافيه شي ! مشكلتي ماني مستوعب انه عبير ممكن تتمرد وتطيش ! مستحيل هالشي حتى لو حاولت عقلها بيردعها
ضي : أنا ماأشوف فيها شي يخليني أشك يعني ممكن يكون واحد حقير يبي يهدد وبس لأن عبير ماشاء الله عاقلة
عبدالرحمن ضحك بسخرية : تهقينه عبدالعزيز ؟
ضي شاركته الضحكة : ترى ماأستغرب منه !! هههههههههههههههههههه هالإنسان تحفة ماهو طبيعي ! يمشي كلامه حتى لو بطرق ملتوية
عبدالرحمن : محد يعرف بزواج رتيل إلا هو وإحنا ! يعني مين غيره ممكن يتصل ؟
ضي : بس لاتنسى أنه يعرف موضوع غادة !
عبدالرحمن صمت لثواني ليُردف : إيه صح !! معقولة عبدالعزيز عرف وساكت !!! لآ مُستحيل !
أهتز جواله وردّ " هلا سعد ......... نععععم !! ... كيف هو في دوفيل ؟ .... طيب طيب ... شوف لك طريقة تخلي عبدالعزيز يرجع باريس ! ماهو وقته يعرف بهالموضوع ........ طيب و غادة ؟ ... كويس الحمدلله خلها بعيونك لا تغيب لحظة عنها ... أنا واثق في وليد بس بعد ماني واثق باللي حولهم ... أهم شي ! . . . شف لك حل مع عبدالعزيز ..... أنا بتصل عليه وبخليه يرجع لكن أنت أنتبه تراها قرية وكلها كم شارع !!
،
في ساعاتِ الفجر الأخيرة ، جالِس على الأريكة و أمامه بعض الأوراق يُراجعها ، تسلل نظرُه إليْها وهي نائمة على السرير ، أخذ نفسًا عميقًا و أفكاره تبتعدُ عن العمل لتنحصر بزاوية الجوهرة ، يُريد أن يمُر عرس ريان بخير و يُخبر عبدالمحسن بأن تُركي بين يديْه ، أكثرُ ما يخشاه أن يعرف ريان بالموضوع ! لا يُهمه رأيه بقدر ما يُهمه بأنه سيثُور ويفعل أفعالاً لا يقبلها العقل ، لستُ أفضل منه بالتأكيد ما زلت مقهور منها ومن تُركي لكن ولو ! لن أسمح لأحد أن يتدخل ، تُركي يجب أن ينال عقابه !
لو أعرف يالجوهرة لِمَ كل هذا الصمت ؟ 7 سنوات مرَّت كيف أستطعتِ الصبر بها ! هذا مالا أستوعبه ، تنهَّد و وضع القلم على الطاولة ليقف و يقتربُ إليْها !
بدأت تتحرك قليلاً ناحيةُ اليمين ، وقف يُراقبها ، تُواجه كابوسًا ! هذا ما خُيِّل له .
ثواني قليلاً حتى بدأت مساماتُ وجهها تُفرز الحُزن على هيئة ماءٍ مالح ، جلس على طرف السرير بجانبها و السكُون يحفُّ المكان ، تتحدَّث ولكن صوتُها خافت لا يسمعُ منه شيئًا . . يُريد أن يفهم ما يحصُل رُبما يفكك بعض الألغاز بهذيانِها ،
الجُوهرة تضع يديْها على صدرِها الذي يهبطُ بشدَّة و الرجفةُ تضطرب بها ، هدأت قليلاً حتى بدأ صوتٌ خافت يظهر : يممه .. يمـه ،
أراد أن يوقضها ولكن تراجع وهو يسمعها تقُول " أبعـــد .. أبععععد "
سلطان رُغم دناءة فكرته ولكن أراد أن يستغل هذا الهذيان بفهم ما يحدُث لها ، جلس بالقُرب أكثر ، تواجه كابوسًا أسوَد ،
شدَّت على بلُوزةِ بيجامتها وإنحناءات ترتسمُ على جبينها المُتعرق : يمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه .. يببــــــــــــــه .. تكفى قولي .. قـولـ ...تكفــ
بدأت كلماتُها تُنطق بنقص وغير مفهومة ولكن سلطان لا يفوته شيء
: ما سويت شي صح ؟ ... تكفىى قول ... مـ .. ما ..... سويت شي ! لا تكذب الله يخليك
سلطان و عقله يُترجم حديثها ، هي تترجى تُركي ، قالت أنه أغمى عليها أيّ لا تعلمُ فعليًا ماحدث ! و تسأل تركي ؟ أو رُبما تتحدثُ مع نفسها ! لا .. لا هي تتحدثُ مع تركي !
بدأت بالحركة يمينًا ويسارًا و دمُوعها تهطل ، غرزت أصابعها بصدرِها وكأنها تحمي نفسها
سلطان وضع يده أسفل كفيْها حتى لا تجرح صدرها ، بدأت الجوهرة تغرزُ أظافرها في كفِّ سلطان حتى جرحتهُ ، سلطان بصوتٍ هامس : الجوهرة
الجوهرة : أتركننني
سلطان شد على شفتيْه ليسألها على أساس أنه تُركي وهو يعرف تمامًا بأنها غائبة عن الوعي وستُجيبه صدقًا : جيتيني ؟
،
في يومٍ مُشمس ، نزعت الشاش عن رأسها لتسقط خصلات شعرها الملتوية من الأعلى إلى الأسفل ، ألتفتت لتُعطي المرآة ظهرها وتنظُر لمؤخرة رأسها ، صُعقت تماما وهي ترى جُزء صغير خالِي من الشعر بسبب الغُرز ، لعنت عبدالعزيز بأشدِ اللعنات مُتجاهلة تمامًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يدخلُ الجنة لعانٌ " ، رُغم أنَّ خصلاتُ شعرها التي في المقدمة تُغطي هذا الجُزء وكثافة شعرها تُساعد إلا أن حقدها على عبدالعزيز يجعلها ترى الأشياءُ من زاوية واحِدة .
مازالت تزدادُ كُرهًا له ، و أفكارها رُغمًا عنها تذهب إليْه ، الآن أين هو ؟ رُبما مع " الكلبة " لو القتل في شريعتنا حلال لأحرقتُك معها !
أتجهت لهاتفها وفتحت بروفايلها اللعين في تويتر ، لم تكتب شيئًا منذُ الأمس ، " طبيعي جدًا محتفلة مع الحقير الثاني "
مقهورة حدُ أنها توَّد أن تُحرقه وتحرق نفسها أيضًا ، فكرت بتِلك الحركة الدنيئة وأن تُجننه فعليًا بتصرفاتٍ يجهلُها ولكن أحبط خطتها منذُ اليوم الأوَّل ولكن مازال يا عبدالعزيز هُناك مُتسعًا ، تهنَى مع أثيرك و مع الفتاة الأولى بحسب ما تقُول ولكن أجزم أن من سلب عقلك هي أنا .
سمعت طرقُ الباب وألتفتت عليه ، ندمت على صوتها المرتفع بوجه والدها فمهما حدث من المفروض أن لاتصرخ و تدخلُ في العقُوق ولكن كرهت نفسها من تصرفات " الذي يُدعى زوجها " آآآه لو في شريعتنا الزواج بأكثر من رجلٍ حلال ! والله لتزوجت و احرقتُ قلبك .
تقدَّمت للباب وفتحته بهدُوء ، ضي الممسكة بـ " صينية " الفطور : تسمحين تفطرين معي ؟
رتيل تركت الباب مفتوح ورجعت للأريكة التي في زاوية غُرفتها ، ضي بإبتسامة وضعت الطعام على الطاولة : صباحك جنة
رتيل بهدُوء : صباح النور
ضي : وجهك منوِّر يا عساه دوم يا رب
رتيل ألتزمت الصمت أمامُها ونظراتُها تتشتت
ضي : رتيل .. أنا فاهمتك والله فاهمتك وعارفة كيف تحسين و أنه محد مهتم لك وطريقة زواجك كأنهم أرخصوك له
رتيل رفعت عينها لها ، و مازالت مُلتزمة الصمت .
ضي : أنا كنت أحس كذا لما أبوك يهملني بالشهور ومايسأل عني ، كنت أحسه مايحبني و ممكن حتى يطلقني بسهولة بدون لا يحس بشوية ذنب وتأنيب ضمير ، كنت أحسه حيل راخصني ! مايشوفني الا من فترة لفترة وكأني ولا شيء بحياته ، لكن بعدين فهمت أنه ماهو بإرادته ! كان الجو متوتر في البيت وكان الوضع متأزم بشغله فما كان يقدر يتحمَل أنه يقولكم أو حتى يضحي فيني ! . . . رتول والله أبوك صاير ماينام زي الناس ، ينام ساعة ويصحى و حتى نومه متلخبط ، يحس بقهر عليك ومقهور من أنك ماتكلمينه ويوم جاك مافتحتي له الباب ! .. أنا ماأقولك لا تزعلين .. من حقك تزعلين و مهما صار مفروض يتركون لك خبر لكن صعب والله ،
رتيل بهدُوء : مافيه شي صعب ! وش كان بيضِّرهم لو قالوا لي ؟
ضي :أنا اللي فهمته أنهم كانوا يراقبون عبدالعزيز قدام شخص إسمه رائد وكان يتكلم وفجأة قالهم أنه عبدالعزيز اللي تدوِّر عنه متزوج من بنت أبو سعود ، أنصدم أبوك وأنصدم حتى سلطان منه وأنه كيف فاجئهم وهُو يقوله ! طبعًا هذا الشخص لما عرف أنه عزيز متزوج أبعد نظره عنه لأن كان يبيه ضد أبوك لكن لما عرف أنه نسيبه مستحيل يوقف ضده ! فهمتي علي ؟ لكن ليه عبدالعزيز سوَّى كل هذا ؟ ممكن عشان يحمي نفسه و ما يزعجه هالشخص أو يأذيه لكن أكيد فيه سبب ثاني لأن عبدالعزيز عمره ماأهتم براحته ولا أهتم حتى كيف يحمي نفسه !
رتيل بتوتر : وش قصدِك ؟
ضي : عبدالعزيز يبيك و مستحيل سوَّى كل هذا الا وهو يبيك حتى أنه فيه شخص أتصل على أبوك وهدده أنه مايزوِّج عبدالعزيز الا رتيل ! .. و ممكن الحين عبدالعزيز معصب ولا مدري وش سالفته لكن بالنهاية ماله الا أنتِي
رتيل : أنتي تدرين أنه تزوَّج من وحدة إسمها أثير
ضي بهدُوء : طيب يطلقها ! اللي شرع الزواج شرع الطلاق ! مستحيل يكمل معها وهو مايحبها ، وأكيد أنه تزوج بس عشان يقهرك .. وأنتي لاتنقهرين وتبينين له أنك مقهورة ويحس أنه أنتصر عليك ، بالعكس ولا تخلينه يهز فيك شعرة ! أنتي منتي ضعيفة ، أرجعي زي أول ما كان يكلمني عنك أبوك و خليك قوية قدامه ! ولاتخلين حبه يضعفك ، زي ما تحسينه أهانك بزواجه من أثير حسسيه بالإهانة في برودك ! و اليوم عرس ريان أنبسطي فيه وبولد عمك .. رتيل أنتي صغيرة حيل أنك تحملين نفسك هالحزن ! هونيها وبتهون ! يكفي أنه هالشي مكره عيشتك لا تخلينه بعد يأثر على مزاجك
رتيل و الأقتناعُ يغزي عقلها : بس أنا أبي أقهره و أهبل فيه زي ما هبَّل فيني
ضي بضحكة : هبلي فيه ومن عيوني بساعدِك بدون لا يدري أبوك وحتى عبير
،
حمد يركضُ على الدرج : فروووس ووجع ... إذا عندك بلاوي أرميها ترى الحكومة على وصول
فارس مُستلقي و يكتبُ إحدى قصائِده في عبير : ماعندي شي إلا إذا أنت عندك ماعليّ منك
حمد بسُخرية : الله الله يالشابْ الصالح
فارس أرمقه بالإستحقار : مناك بس
حمَد : تكتب لمين
فارس يطوي الورقة بعيدًا عن أعيُن حمد الفضولية : ماهو شغلك
حمَد : هههههههههههههههههههههههههههههههه أرحمني يا نزار قباني
فارس بحدة : شفت هالقلم بطلعه من عينك ولا تتحداني
حمَد والذي يخافُ كثيرًا من غضب فارس أردف : لا تنسى بس كم مرة أنقذتك من أبوك
فارس : تعرف تآكل تراااب ولا أعلمك
حمد : طيب ياولد رائد أنا أوريك
فارس : يالله براااا
حمد خرج وهو يرفسُ إحدى لوحاته لتسقط و أخذ فارس كُوب الحليب ورماهُ عليه ليتناثر زُجاجه على الباب الذي دفعه بسرعة حمد و حمَى نفسه من ضربته.
فارس تنهَّد : يا ثقل دمِك ،
مسك هاتفه و ردَّ على المُتصل الذي يُفرحه دائِمًا ، : ألو
: هلا فارس .. بغيت أقولك ترى أبوك راح يروح باريس وخلاني أحجز له
فارس : طيب ؟
: و بوسعود وأهله بعد بيروحون
فارس حك ذقنه الخشن في عوارضه : طيِّب لا أوصيك
: بس هالمرة أبوك ماهو مخطط يأذي أحد فيهم ! لأن أصلاً مسوي فيهم دقَّة يعني يبي يخليهم يتعنون ويسحب عليهم مع صالح واللي معه لروسيا هذا اللي فهمته
فارس : مين صالح ؟
: مدري واحد معاه ! ماعلينا بس هو قال لما عرف أنه تزوج بأنه يمكن يتلاعب بأعصاب بوسعود في زوجته بس والله مدري عن أبوك وإذا أكيد يخطط كذا أو لأ .. تعرفه دايم يصدمني
فارس : طيب ولو خلها في عيونك .. ماأبي يجيها شي
أردف الصوتُ الآخر بهدوء : مدري ليه معذِّب نفسك ! تعرف أنها مستحيل تكون لك .. انت ولد رائد الجوهي وهي بنت عبدالرحمن المتعب !!
فارس بغضب وهذا الموضوع يستفزه : ماهو شغلك
: طيب خلاص لا تعصب علينا ! .. تبي شي ثاني ؟
فارس : لأ .. وأغلقه .
أخذ هاتفه الخاص لعبير و أتصل عليها ، بدأ يدعُو بخفوت أن ترِّد عليه ، يُريد فقط أن يسمع صوتُها ويعتذر عن كل الثواني الضائعة دُونها وكل العمر الذي أنقضى دون عينيْها ، يعلمُ جيدًا لو حدثت المُعجزة و تزوجها لن تصبرُ على طباعِه .
تمتم : يالله يا عبير ردِّي
أرسَل لها رسالة " فاروق جويدة يُخبرك يا عبير على لسانِي : مازال في قلبي بقايا .. أمنية أن نلتقي يوماً ويجمعنا الربيع أن تنتهي أحزاننا . . أن تجمع الأقدار يوماً شملنا "
في جهةٍ أخرى بين يديْها يتربكُ هاتفها ولا تردُ عليه ، تحاول أن تقوِّي نفسُها أمامه و امام أهوائها ، لا تُريد أن يعاقبها الله ، لا تُريد أن تدخل في شيءٍ توعَّد الله به ، لا تُريد أن تلفظُ عيناها " إن الله شديد العقاب " ، من ترك شيئًا لله عوَّضه ، تذكر هذا يا قلبي أرجوك ولا ترُد عليه.
ثواني حتى نظرت لرسالته وقرأتها ، يارب رحمتِك منه ، لِمَ أزدادُ حبًا ، لِمَ أراك من بين الحشُودِ شخصًا يغيبُ معه عقلي وقلبي معًا ! لِمَ يا من أجهله تسرُق لي قلبي و تتركني هكذا ! .. مسكت هاتفها لتُجيبه وكتبت " و فاروق جويدة يُخبرك أيضًا : إذا كنتُ أهرب منكِ .. إليكِ فقولي بربكِ .. أين المفر؟ "
مسحت الذي كتبتهُ بسرعة و تركت الهاتف لتتجه للحمام وتتوضأ ، تريد أن تصلي ركعتيْن حتى تمتنع عن المعصية ، يالله طهِّر قلبي من حُبه و أغنني بحلالِك عن حرامِك .
،
تبكِي وتضحك و تبتسم و تتوتر وتخاف وتعود لتبكي ومن ثم ترتاح و تخاف ، كل هذا في وجهِ ريم يظهر ، اليوم يومٌ عظيم و أهم ليلةٍ في العُمر ، اليوم الذي حلمت به منذُ الصِبَا ، ذاك الفُستان الأبيض الذي يتلألأُ بعينيْها ، الجميع متوتر وخائِف تلحظُ بأعينهم أشياء كثيرة ، والدتها المُرتبكة بأمورِ الزفاف و الضيافة و كل ما يندرجُ تحتها !
حتى يُوسف أنتبهت له وهو يُناقش يُوسف بأمرِ الرجال ، تشعُر بأن العالم بأكمله مُرتبك بعينيْها !
من خلفها مُصففة الشعر ، تبدأ بخصلاتِها لترفعهُا للأعلى وتفكيرها يغيب عن كل من حولها لينحصر بشخص إسمهُ " ريــان "
،
نام ساعةٍ واحدة وأستيقظ ، يشعُر بضيق الأجواء هُنا في دُوفيل بعد ماكانت تتسع له ولضحكاتِه ، بدأ لا ينام أبدًا وهذا الشيء يؤثر عليه سلبًا ، بالأمس تناول ثلاثةِ حبُوبٍ منوِمة ولا فائِدة ! سيُدمر نفسه بالحبُوب والنوم يبتعِد عنه .
يتذكر سوء الأشياء التي تحدُث إن لم ينام ، أبرزها أنه سيتخيَّلُ أشياءٍ ليست موجودة و سيُجن فعليًا حسب ما يعرف !
سار بالطُرقات الضيقة و المُزخرفة بالأزهار ، دخل للسوبرماركت ، أشترى قارورة مياه وسحب إحدى الجرائِد ليُسلي نفسه ، شعر بأن أحدًا خلفه ، ألتفت و سُرعان ماأنزل سعد رأسه خلف الأرفف ،
خرج ومازال يسير في الطريق الأشدُ إزدحامًا في هذه القرية بسبب المحلات المُنتشرة فيه ، في جهةٍ مُقابلة لا تفصل عنهما سوى خطوات كانت رؤى تسير بجانبِ وليد . .
سعد أعتلته تنهيدة وهو يتمتم : رحنا فيها
↚
نام ساعةٍ واحدة وأستيقظ ، يشعُر بضيق الأجواء هُنا في دُوفيل بعد ماكانت تتسع له ولضحكاتِه ، بدأ لا ينام أبدًا وهذا الشيء يؤثر عليه سلبًا ، بالأمس تناول ثلاثةِ حبُوبٍ منوِمة ولا فائِدة ! سيُدمر نفسه بالحبُوب والنوم يبتعِد عنه ويهرب بسيقانٍ هزيلة تشدُ الكسر على ظهرِ عبدالعزيز.
يتذكر سوء الأشياء التي تحدُث إن لم ينام ، أبرزها أنه سيتخيَّلُ أشياءٍ ليست موجودة و سيُجن فعليًا حسب ما يعرف !
سار بالطُرقات الضيقة و المُزخرفة بالأزهار ، دخل للسوبرماركت ، أشترى قارورة مياه وسحب إحدى الجرائِد ليُسلي نفسه ، شعر بأن أحدًا خلفه ، ألتفت و سُرعان ماأنزل سعد رأسه خلف الرفُوف ،
خرج ومازال يسير في الطريق الأشدُ إزدحامًا في هذه القرية بسبب المحلات الصغيرة المُنتشرة فيه ، في جهةٍ مُقابلة لا تفصل عنهما سوى خطوات كانت رؤى تسير بجانبِ وليد . . عقلُها يغيبْ للأمس الذي فيه سقطت على الأرض بعد أن رأت ذلك العاشقُ كيف يُعبر بحُبِه ! تتذكرُ أحدٌ كان بمثل ذاك العاشق ! ياللسخرية!! كيف أصبحنا ننتذكر و ننسى في وقتٍ واحِد ! يالله كيف صرنا بهذه الصُورة السوداء ، أنِي أشتاق و لاأحد يفهم. في اللحظة التي فتحتُ بها عيني على وليد الذِي يقرأ بعضُ الآيات القرآنية ، من قال ليْ يومًا بصوتٍ تخشع له هذه الأشجار " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " ، من قالها بصوتٍ بكت معهُ مساماتِ وجهي ، من رتَّلها على مسامعِي و أبكانِي ؟ والله أني أتذكرُ صوته و نبرته و أحاديثه ، والله أني أعرفُه من خامةِ صوته !! و أنا آسفة جدًا لصوتِك إن لم أعرفْ ملامِحه.
-
كان يومًا غائمة به القلُوب ، تجهشُ في بكائها ويضعها على صدرِه يضع كفُه أعلى رأسها و يتلُو من سُورة آل عُمران " إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ختمها بقُبلة على رأسها ليقُول بصوتٍ بحّ فيه الحُب وجعًا : يا ربْ يا ربْ يا ربْ ناديتُك ثلاثًا و أنا أبتغِي بأضعافِها و أنت الذِي وسعت رحمتُك كل شيء ، أبتغي يالله بأن تجمعنِي بها على خير و تُسعدنا بحُبك و حُب ملائكتك ، يالله أني أحببتها فيك حُبًا عظيمًا فلا تُفرق بيننا و أنا الذِي لا أعرفُ الحياة الا بها . . يالله إن
قاطعته ببكائها : يكفي يا ناصر
تجاهلها ليُكمل : يالله أنك تعلم بحُبها بأضعافها أزح همَّها و يسِّر أمرها ، يالله أنك تعلم أنّ حزنها لايخصها وحدها بل قبائلٌ في قلبي من بعدها تضيق عليها ، يالله أني أحببتها فلا تحرمنِي منها بالدارِين "
-
قاطع سرحانُها وضبابيةِ رؤيتها وليد بصوتِه الحاني : رؤى
رؤى بهمس : ناصر ! ... ألتفتت على وليد لتُخبره و العينُ تغرق بدمعِها ، أكتشفت إسم من تعشقُه بقبائلِ قلبه أجمع ، أردفت بنبرةٍ مبحوحة : نااااصر !! أعرف إسمه كان يقرآ علي مثل ما قريت عليّ أمس ! مثله والله يا وليد
وليد بتشتت رهيب ألتزم الصمتْ
رؤى والدمُوع تُطيِّرها الريح الخفيفة على دُوفيل : وليد معاي ! أنا أعرفه ! زوجي إلا أنا متأكدة .. هو زوجي بس ...
وليد بهدُوء : كرري إستغفارك يا رؤى و معه الفرج
رؤى تهز رأسها بنفي : أبيه .. أبي أشوفه .. تكفى يا وليد
وليد : لو أعرف مكان أحد يعرفك ماترددت لحظة ورحت له ! وش قالت أمك أقصد امل !! مات ؟
رؤى وكأنها تتقبلُ الخبر لأول مرة ، كأنها تنفجع به ، كأنها تعيش الضياع بدورةٍ جديدة تدُور عليها ، أخفظت نظرها و صدرُها يضيق بشدَّة. رفعت عينها للطريق المواجه لها
سعد في جهةٍ أخرى أعتلته تنهيدة وهو يتمتم : رحنا فيها ..... ركض بجانِب عبدالعزيز ليسحب الكيس من يدِه و يُشتت إنتباهه
عبدالعزيز بغضب : الله يلـ .... صمت و أحاديثُ اللعان تأتي في بالِه ، تذكَّر كيف أن والِده سابقًا يُهذِّب حتى لسانه و لسان أخوته ، كيف غضبه يتجمَّع بعُقدة حاجبيْه عند لفظِ شيء نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام ، تذكَّر جيدًا كيف أنه كان مزروع في بيئة تحفُّها الروحانيـة ، تذكَّر الألم و " عُقدة حاجبيْه " ، يتذكرُ جيدًا كيف غضِب على هديل ذات مرة ليُخبرها " لا يدخل الجنة لعانًا مين الحمار اللي يرمي نفسه بالنار بسهولة !! لنفسك عليك حق لا تأذينها بالمعصية وبالكلام المنهي عنه يا هديل ! ولاتعصبيني من . . . . . إلى آخره من أحاديثِ والده الغاضبة الخافتة الهادئة المُحببة لقلبه .
فتح أزارير قميصه الأولى و الأرضُ بإتساعها تضيق ، أقترب من سلة القُمامة ليُرجِّع كل ما في بطنِه ، شعر بأنَّ حُنجرته تبكِي معه وتنجرح ، تضببت رؤيته بشدَّة وهو لايعرف كيف يتزن ، أستند على عمُود الإنارة المُعلقة به سلة القُمامة و أنظارُ البعض تتقزز والأخرى تتجاهل و ينطبق عليها " حالُها من نفسها فقط "
على بُعد 19 خطوة تمامًا بقدمٍ مُثقلة ، كان ظهرُ وليد يُقابل ظهر عبدالعزيز المنحني و الوجعُ ينهش صدرِه.
رؤى و دوارٌ يُغيب الوضوح أمامها ، عيناها تقف على ذاك الجسد الهزيل المنحني ، واقفة عيناها رُغم شتاتِها ! مسكت يد وليد حتى لا تسقط و بثوانِي قليلة حتى قدَّم وليد كُمِه و مسك يدَها ، رُغم انها لمسة يد ولكن يعرفُ جيدًا غريزة إبن آدم و يعرف جيدًا بأن هُناك شيطان يفصلهم لم يشأ أن يبدأ الفتنة الخافتة من لمسة يد ، قاوَم كل إندفاعاته و جعلها تلمسُ يدِه التي تُغطيها كُمِّه.
وليد : بسم الله عليك ، خلينا نرجع ترتاحين !
رؤى وضعت يدَها الأخرى على صدرِها وهي تشعُر بأن الأكسجين يختفِي من هذه الأرض ، بل ليست هي بالأرض الآن وعقلُها يتكاثفُ للسماء دون وِجهة ، يتكاثف وهي لاتعرف ماذا يدُور بعقلها ، يتكاثف ويصعد بـ " لاشيء " ، سقطت دمعة حارِقة أولعت شجُون الآخر المنحني على نفسه ، تخيَّل أن وجعُ التقيؤ بلا طعام يُبكِي رجُل ؟ تخيَّل كيف يبكيه ؟ ليس السبب يتركز بالتقيؤ بل السبب يرتكز بالألم ، أحمَّرت عينا عبدالعزيز وهي تُنبأ عن دمعةٍ تُرفرف ، دمعة يا عبدالعزيز لِمَ لمْ تعتقها ، لِمَ مددت يدِك لتمسحها قبل السقُوط ، قبل السقوط يا أنا.
رؤى بهمس : أختنق
وليد و على عتبة الرصيف أجلسَها : أخذِي نفس عميق وأهدي لا توترين حالك
رؤى و صدرُها يهبط بشدة : أحس بموت
وليد : بسم الله عليك .. خلاص أشششش لاتحكين بشيء .. أهدي .. أهدي
رؤى أجهشت ببكائها و الضيقُ يلتهمها ، في جهةٍ أخرى أخرج منديلاً من جيبِ بنطاله ومسح فمِه و يسيرُ بجهةٍ مُعاكسة للصبية الجالسة على الطريق ، بجهةٍ مُعاكسة وقلبه يصرخ بالعودة ، بجهةٍ مُعاكسة و الطريقُ لايُريد لهمَا اللقاء.
ألتفت ، و كل إلتفاتة هي عودة مكسُورة ، وقف بخطواتٍ مُرتبكة لايرى بها شيئًا سوى ضبابٌ يعتلي دُوفيل ، ماذا يحصُل ليْ ؟
تراجع بخطواتِه للخلف وهو مازال ينظُر إلى ذاك الرجُل ذو الأعين الرماديـة أمام الفتاة المُحجبـة ، يرَى كيف مدّ كفِه ليوقفها ، . .. . . . . 00:00:01 ثانيـة تفصُل عن موت خلايا الإحساس في قلبِ عبدالعزيز ! أرتَّج دماغُه وهو يتخبطُ بوقوفه ولا يتزن ، لحظة يا " هييه " .. لحظة! .. يالله ما بال صوتِي لايخرُج ؟ كيف نسيتُ صوتي ؟ كيف نسيتُ أن أتحدث ، يا " هييييييه أرجع " ...... يالله .. يالله لاتذهبين .. أرجُوكِ لا تُغادرين ، أرجوكِ أبقِ لثوانِي فقط ثوانِي لم أراكِ بإتزان ، لم أراكِ جيدًا ، هذه العينان أنا .. هذه العينان التي لمحتُها أنا ، أرجوكْ يا أنت أرجعها ليْ ، هذه عينايْ وربُ الحياة أني أفتقدُك يا غادة. يا شبيهُكِ حسبي على أعداءُ فتنتِك كيف خرجتِ ليْ ! كيف قُولِي ! أرجوكِ لا تذهبين ، " أختفت رُؤى من الطريق وهي تسيرُ بعكس سير أخيها الواقف و بجانبها وليد ، أختفت من أمامه وهو مازال يهذِي بداخله "
نظر لمن حوله و بعضُ الأعين تتعجب من حاله وترمزُ له بالجنُون ، سقطت يداه بخطيْن متوازيَيْن ، سقطت و الحياةُ تشتمه بأشدِ لعانٍ على نفسه ، هذا اللعان الذِي يأتيه على هيئة الأطياف ، لِمَ يا " حياتي " تلعنينني منكِ " ؟ ليتك يا ذاك الرجُل كُنت ناصر حتى أحلفُ بربِ الكون أنها " غادة " ، رجع ليصدم بشخص نظر له بنظرةٍ حانية تشفق عليه ومن ثُم ذهب. أعطى الطريقُ الذي سارت عليه أقدامُ من يفتقدها ظهره ، أعطى الحياة ظهره و سَار بإتجاه الفندق الذي بالزاوية.
صعد لشقته بالدرج و هو لايرى بتركيز ويصطدمُ بالجُدرانِ أكثر من مرَّة ، دخل بخطوات سريعة للغُرفة مُتجهًا للحمام وهو يتمضمض و يُغسل ملامِحه بماءٍ دافىء ، قلبُه ينبض بشدَّة ، قلبُه ينبض بأعجوبة و كأنه يُريد أن يُخبره عن الثواني المُتبقيـة بحياتِه.
سقط على ركبتيْه وبجنُون ضرب رأسه على حافةِ المغسلة ، لا يستوعب ألمُ رأسه ، لا يستوعب أبدًا كمية هذا الألم وهذا الأرق !
صرخ و هو يلوم صوته الذي لم يخرج قبل ثواني : غــــــــــــاااادة
سحب نفسه لخارِج الحمام وهو يجلس على الأرض و ظهره على الجِدار البُنِي ، لايتنفس بإنتظام و الأطيافُ تطوف حوله ، يارب لم تعد قوتِي تحتمِل كل هذا ؟ يا " يبــه " إبنِك لم يعد الرجُل الذي تُحب ، الرجُل الذي لا تهزُه الظروف. أنهار و الله أني أنهارُ بما لايحتمل لعينٍ أن ترى ! ليتك هُنا ، ليتك فقط تربت على كتفِي لتُبدد عتمتي ببعضِ الضوء ، أحتاجُك يا والدي.
قبل عامٍ ، كان في تلك المستشفى التي تتوسطُ باريس ، دخل وهو يُريد أن يكذب ما سمعه بالهاتف ، أراد بشدَّة أن يكُن كل هذا حلم. رأى هديل كيف تمُوت و رأى أُمه بعد أن ماتت ، أكثرُ من ذلك ألم ؟ كيف أتحمَّل أن أرى الأموات في ثوانيهم الأخيرة ؟
أنتبه لذاك العريض الأشقر يسأله ليتأكدُون من الجثث المتبقية.كان قلبُه ضعيف جدًا بأن يرى أبيه و غادة محروقين.
بخطواتٍ ميتة باكية أتجه لتلك الغرفة التِي تُجفف الدمع ببرودتها ، دخل و الغطاء الأبيض حول جسديْن ، أغمض عينه لايستطيع أن يرى أكثر ! رفعوا الغطاء الأوَّل وشعرُ غادة الأسود ينسابْ بخفَّة.
أخفض نظره و شهقاته تعتلي دُون دموع ، وضع كفَّه على شفتيْه غير قادِر أن يرى أكثر ، هي نظرة واحِدة قتلت كل خلاياه.
الرجُل الأشقر يربت على كتفه : أهذه شقيقتك ؟
عبدالعزيز هز رأسه بالإيجاب وقلبُه يتفتت ، يالله يا غادة ، يا عروس أخيك ! أرجوكم طمئنوا قلبي ألفظتوا الشهادة جميعًا أم لأ ؟ والله لا أتحمل كل هذا. يا هذه الخاتمة كيف تُخفف الحرقة في صدري ؟ حادث ؟ ليته مرض يُمهِّد ليْ الموت ! ليته شيءٌ آخر إلا أن أنفجع بكل هذا !
الرجُل رفع الغطاء عن الجسد الأخر و ألصق ظهره ليرفع عينه المُحمَّرة الباكية و يرى والِده المختفية ملامِحه بأكملها ولا شيء واضِح سوى شُعيرات رأسه التي يحفظ الشيبْ بها ،
سأله بوجع على حاله : أهذا والدك ؟
عبدالعزيز بصوت شارف على الإنتهاء والموت : فقط ثانية
الرجُل : تفضَّل
عبدالعزيز أقترب من جسد والده المُغطى بالبياض ، أنحني وقبَّل جبينه المحروق وأطال بقُبلته حتى سقط على الأرض بلا حولٍ ولا قوة.
رجَع للواقع المُر ، للحياة التي لاتُريد أن تفرحه أبدًا . .
أخرج هاتفه و أتصل على آخرُ رقم " ناصِر " ، أجابُه الآخر بصوتٍ ناعس : ألو
عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح جرحه التقيؤ ، لا يرُد عليه.
ناصِر فزّ من سريره عندما رأى الإسم : ألو عبدالعزيز !! .. عزوز معايْ
عبدالعزيز بصوتٍ يُشارف على الإنهيار : شفتها !! .. شفتها والله ... بس راحت .. تخيل شفتها وماناديتها ! ماناديتها ، مقدرت أناديها !
ناصر : بسم الله عليك .. تعوَّذ من الشيطان
عبدالعزيز بجرح كبير صرخ به : أقولك شفتهاااااااا حرااام عليك .. حس فيني ...
ناصِر بوجع صمت
عبدالعزيز و دمُوعه لا تخرج ولكن صوته يكفِي للبُكاء ، يا عزة النفس التي تتكوَّرُ بدمعتي لِمَ لا تنهارين مثلي وتسقطين ؟ حتى الدمُوع تُكابر !
بضُعف : مقدرت أشوفها زين ، شفت عيونها ... عيونها يا ناصر .. عيونها اللي هي عيوني !! أغلط في كل شيء الا اللي تشبهني بعيونها !! إلا هي
ناصِر وفهم تماما ما يقصد ليتمتم : غادة !
عبدالعزيز و الصُداع يفتك جُمجمته و دمٌ يتقاطِر من مُقدمة رأسه إثر ضربته لنفسه : أنا الحقير اللي تعذرت بدوامي ! ليتني رحت وياهم ليتني شفتهم بآخر لحظاتهم ... ياربي ليتني شفتتهم بس لو شفتهم شوي .. شويَّة يا ناصر ماهو أكثر
ناصِر لم يحتمل إنهيار عبدالعزيز لينطق بحدة : عبدالعزيز خلااااااااص
عبدالعزيز بصوتٍ يتذبذب يتجه إلى الخفوت : ليتني ..
ناصِر أختنق قلبه : عبدالعزيز أدعي لهم ، زورهم !! اليوم زورهم والحين بعد
عبدالعزيز بهدُوء – هذا هدُوء الذين يسخَرُون من الحياة ويسقطُون بضحكتها أمواتًا - ، أردف : طيب
ناصِر لايتحمل صوتُ البحة من عبدالعزيز لذا نطق : أتصل علي بس ترجع وتهدآ ، بحفظ الرحمن . .
عبدالرحمن مدد أصابعه ليسقط الهاتف و قلبُه يتوقف عن التفكير و عقله في إغماءة. أريد أن أنام ، أُريد يالله أن أنام ، ياربي رحمتِك التي وسعت كل شيء أرزقني الصبر.
وقف بتثاقُل إلى المغسلة ، توضأ و الدماءُ من رأسه تتقاطر بقطراتٍ صغيرة و بسيطة ، تجاهلها تمامًا وهو يُكمل وضوءه.
لم يبتعد كثيرًا على الرُخام البارد سجد ، لم يستطع أن يقف على أقدامِه لركعتيْن أو حتى لركِعة ، لم يستطع و الحزنُ ينهش به.
سجَد و أنفُه يستقيم و ينعكس بالرُخام ، دمعةٍ في خلوتِه مع ربه سقطت ليُتمتم بهمسٍ قاتل : أرحمني يالله إن صار حالي بمثل ما صار لأهلي.
،
يُراقب تحركات شفتيْها البطيئة الضيِّقة ، يُريد أن يسألها أن يشفِي ما تثاقل على صدرِه ، ولو سمعت يا قلبي ماذا يُفيد ؟ أنت تعلم جيدًا أنني لستُ بقادِر على العيشْ مع فتاةٍ لم تُكمِّل أنوثتها برجُولتِي ! أنا مهما حاولت لستُ بقادِر على ذلك ، لايهُمْ يا سلطان . . لا شيء يهم يا قلبي.
همس : جيتيني ؟
صمت دبّ في الغُرفـة وكأنّ الأشياء من حولهم تُريد ان تشهد أيضًا ، ثواني طويلة و العرقُ يبللها بتعبٍ.
أنفاسُها ترتفع و أصابعها المغروزة في كفِّ سلطان ترتخِي ، لم ترُد و النوم العميق يتضح عليها ! سحب سلطان يدِه من على صدرِها وهو يُغلق أزارير بلوزتها التي فتحتها أثناء إيذاءها لنفسها ، أقترب وهو يُقبِّل كدمتُها القريبة من أذنها ، قبَّلها بهدُوء وأنفاسه الحارَّة تُداعب أذنها.
أبتعد بنفُور وهو يلُوم نفسِه ، عقد حاجبيْه بغضب على ذاته التي أصبحت تُسيِّره بأهوائه ، منذُ متى كُنت أسير بأهوائِي وأنا التي أكسرُ القلب إن أراد الذُل يومًا ! قبحٌ على دُنيا إن قادتني بقلبي.
.،
بخطواتٍ هادئة طرقت الباب ودخلت ، أنتبهت للضحكة المُتبادلة بين رتيل و ضي ، عقدت حاجبيْها عندما رأت ضيْ ،
ضي المُرتبكة في حضُور عبير ألتفتت عليها : صباح الخير
لم ترد عليها لتوجه أنظارها لرتيل : بس تخلصين تعالي أبي أحكيك في موضوع
رتيل رفعت عينها وبهدُوء : قولي
عبير بحدة أتت بصيغة الأمر : تعالي غرفتي .. وخرجتْ.
رتيل شربت من كُوب العصير لتُردف : بروح أشوفها ! ... وتركت ضيْ بغُرفتها ، أكتفت هي الأخرى بتنهيدة تعلم جيدًا ان الدخول لعالم عبير مُرهق وصعب ، صعب جدًا أن تتقبلها ! لأجلك يا عبدالرحمن سأحاول ولكن سينفذ صبري بكل تأكيد و أنا التي تعلمتُ الصبر منذُ نعومة أظافرِي حتى رأيتُك ، صبرتُ لأجل البهجة التي ستدخل قلبي يومًا ، رأيتُ بك النافذة التي سأطُل بها على الحياة و خذلتني في البداية ككل البدايات المُدهشة التي تقتلني بدهشتها حد الخيبة ، تقتلني وجدًا. و لكن عوضتني كما لم يعوضني أحدٌ من قبلك و لأجل هذا التعويض البسيط الذي يتشكلُ دائِمًا على هيئة عِناق : أنا أعيش ، أحيا ، أبتسم ، أضحك ، أفرح .. أنت حياتِي بأكملها.
بشحُوبِ ملامحها رفعت حاجبها : وش تبغين ؟ وبعدين ليه تسفهين ضي كذا !!
عبير : أنا مستغربة أصلا كيف لك طاقة تحكين عقب اللي صار أمس !
رتيل بسخرية : ماجربتي تبكين زيي ! ولا أذكرك بالكف اللي كليته منك !! تذكري بس أنه كان برضا الشرع وأنتِ اللي فهمتيه غلط زي ماأنا فهمته
عبير بقهر : نعععم !! وش يعني برضا الشرع ؟ وأنتِ حيوان عشان يختارون لك الزوج ويقررون عنك !!
رتيل : عاد الشكوى لله قولي هالحكي لأبوك
عبير : على فكرة الإثم على أبوك وعلى الكلب الثاني ! لأن من شروط الزواج رضا الزوجين ودام مارضيتي فعلقي ذنبك برقبتهم
رتيل تأفأفت لتُردف : معلقة ذنبي وخالصة ! بس أنتِ وش يهمك ؟ أيه صح تذكرت من زود خوفك علي *أردفت كلمتها الأخيرة بسخرية*
عبير بإرهاق فعلي صمتت
رتِيل و براكينها تثُور مجددا : قهروني بس والله ماأخليه يتهنى فيني لحظة !
عبير رفعت عينها لها لرتيل التي تستندُ على الباب : وكيف تقهرينهم ؟ لاتضحكين على نفسك كثير ولا تنسين كم مرة توعدتي وضعفتي
رتيل بكُرهٍ لما تنطقه شفاهِ أختها : ما ضعفت بس بالنهاية هو رجال أنا حتى ماأوصل كتفه !!
عبير : تدرين سكري على الموضوع لأني بمزاج مايتحمل مثل هالمواضيع
رتيل بعصبية كبيرة : بتشوفين كيف أقهرهم !! و بتعرفين أني قول وفعل !
عبير بسُخرية : إيه دارية أنك قول وفعل ماله داعي تقولين لي
رتيل بحقد : مرة وحدة شفتيني فيها وبتذليني عليها العُمر كله ! أنتِ أصلاً ماشفتي كل شي ، شفتي اللي يعجبك بس !
عبير بهدُوء : أكيد شفت اللي بعجبني
رتيل أحمَّر وجهها خجلاً من ذاك الموقف المقزز لذاكرتها ، رُغم انه يحمل أول قُبلـة مِنه و أول دفءٍ تذوقته شفتيْها و أولُ معصيـة من الشفاه ، أولُ الأشياء رُغم أنها بعض من مقبرةُ الحياة التي وُضعت بها.
أردفت بحدة : تدرين عاد !! كيفي إيه يختي كيفي أسوي اللي أبيه ! الحين بس بتطمن أنه الله راضي و عساني أصير أحقر إنسانة بهالكون !! وبفتخر بعد .. وش بتسوين لي ؟ بتحاضرين علي وبتعطيني من محاضرات التربية اللي حفظتيها ولا من هالكتب السخيفة اللي تقرينها !! لا تحسبيني غبية وأنه أي أحد يقدر يستغفلني ..
رفعت عبير بعينٍ غاضبة لآخرُ حديثها المُربك وكأنها تعرفُ بما يحصُل لها ،
رتيل تُكمل : إن كان أستغلني مرة أنا قادرة أستغله وبتشوفين يا عبير كيف أوقفه عند حده ولو على حساب هالقلب * أشارت لصدرها * وبذكرك كيف لو يذبحوني مانطقت له أحبك اللي أنتِ ذالتني فيها ! بتشوفين يا عبير
خرجت من غرفتها لتصدم بأبيها الواقف والذي يستمعُ لآخر حديثها ، بخطوات سريعة ركضت عبير لباب غُرفتها وأغلقته جيدًا لتنزل على الرُخام و تضع ظهرها على الباب و دموعٍ مُرتبكة تنتثر.
قلبُ رتيل لاينتظم و هي تخافُه ، تخاف أنه سمع كلماتِها ! ، أيُّ بذاءةٍ نطقت بها أمام والِدها.
أرتبكت وهي تُشتت نظراتها مُتجمدة في مكانها لينطق والدها : شافتك وين ؟
رتيل مُتحججة بزعلها : ماأظن يهمك .. وحاولت أن تمُر بجواره لتدخل غرفتها ولكن يد والدها قطعتها لتضيق على معصمها : من متى أكلمك وتروحين قبل لا أخلص كلامي ؟
خرجت ضي من غُرفة رتيل لترى الأجواء المشحونة ، أقتربت من عبدالرحمن في وقتٍ نطق هو : مهما صار ما تقللين أدبك معي
رتيل بصوتٍ خافت : إن شاء الله
ترك معصمها ليلفظ : وين شافتك ؟
رتيل أصطدمت فكُوكِها بربكة لتجد بأن لا رد يحضُرها ولا حتى كذبـة مُحرمة تنقذها.
عبدالرحمن بغضب كبير : معاه ؟
رتيل بإندفاع : لأ
عبدالرحمن رفع حاجبه : أجل ؟
رتيل وأنظاره لاتسقط إلا على الأبواب التي تُحيط بها ، بقهرٍ كبير نطقت : أني صارحت لها بشيء
عبدالرحمن و هذا الألمُ يشطره نصفيْن ، أنا المخطئ في كُل هذا و أنا الذي أتحملُ الذنب ، كنت أقُول خيرُ أخٍ لك سيكُون عبدالعزيز ! توقعته أن ينظِر لك بعينِ الأخوة وأنا الذِي عرفته منذُ صغره ، كُنت أريده أن يكُون إبنًا ليْ و خاب ماأريد ، خاب منذُ أول مرةٍ أتى وعاقبتُكِ به ، ليت مقرن أوقفني ، ليت أحدهُم أمرني حتى لو غضبت ، ليتني أوقفت المهزلة التي تصير في بيتي منذُ بدايتها ، لم أظنُ بك يا عزيز ظنًا سيء و ليتني ظننتُ كما أشك في هذا العالم بأكمله ، ليتني شككتُ بِك.
رتيل أخذت نفسًا عميقًا و هي تضطربُ بأنفاسها ،
عبدالرحمن تركها لينزل للأسفَل و ضي تُراقب سيره الغاضب ، ألتفتت على رتيل لتدخل هي الأخرة بمثل خطواتِ والدها الغاضب وتُغلق الباب بقوة.
،
في ظُلمةٍ تهبط إلى الأرض و الساعات تتأخر و تبدأ بالفجر ، أقترب بخطواتٍ خفيفة يُراقب تحركاتها بفستانها الذي يراه بـ " اللاشيء وكأنها عارية " رُغم أنه لم يضيق بها أبدًا ولكن عيناه ترى مالايراه هذا العالم.
أبتسمت عندما رأته و أشرقت الشمسُ مُبكِرًا من بين شفتيْها ، : تُركي ؟
تركي بإبتسامته الدافئة جلس بجانبها ، تحدَّثت معه و هو في إغماءةٍ لايستوعب ماتقُوله ، تطفُو ضحكاتها قليلاً لتهدأ وهي تتحدثُ بأمورٍ كثيرة و عينَا تُركي تُشير لشيءٍ آخر ، إبتسامته لم تكُن ذات معنى طيبٍ أبد
رفعت حاجبها بإستغراب : تُركيي !! وش فيك جالسة أسولف معـ ؟
ألتهم عُنقها لتدفعه و تسقط على الأرض ، سقط من خلفها و عيناه تحكِي عشقٌ ينمُو بشكلٍ مُقزز مُحرَّم ، يالله لاتسقط علينا هذا السقف ، إنا نخافُ غضبك وعذابك ، ما أنت فاعلٌ بي ؟ حاولت مقاومته/دفعه ولم تستطع ، أخذت الإناءُ ذو النقوش والزخارف الذي يزيِّنُ مفرش الطاولة لتحذفه عليه و مازال مُحكم قيدِه عليها ، صرخت : يـــــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــ ــــــــــه .. يبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ... ريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــآآآآآآآآآآآآآآن .. آآآآه ... حراااااااااااااام .. حرااام ... الله يخليك .. تركيييي أبعععد ... تركييي ما يصير ... مايصييييييير ...
أقترب منها أكثر و نسى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ, إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً " ، نسى بأن معصيـتُه تقُوده للنار مُثقلاً.
بدأ الضبابُ يغزُو محاجِرها و الدماء تسيل لتُلطخ الفرش الذي تحتها و سيقانها البيضاء تتحوَّل للحُمرة و صوتِ تُركي مُؤذي مُوجع و مُبكي لدناءته.
أغمضت عيناها وهي تتمتم: يالله ... يمممه ... ياربي .. يااربي
و حركةٌ من تُركي جعلتها تصرخ بالإستعانة بالله ، لتهدأُ رجفةِ جسدها المُتناثر قطع قماشه على الأرض و . . . .
فتحت عيناها و الشمسُ تخترق بضوئها عُتمتها ، ألتفتت يمنةً ويُسرة لتطمئن بأنَّ سلطان ليس هُنا .
وضعت يدِها على صدرها المضطرب لتنفثُ عن شمالها ثلاثًا وتُتمتم : اللهم أني أعوذ بك من همزات الشيطان ومن أن يحضرُون.
وقفت بخطى مُرتبكة و العرقُ يُغطي جبينها وهي تلومُ نفسها كيف فاتتها صلاة الفجر و الوصف المخيف يدبُ في أذنها دائِمًا كلما تثاقلت عن الصلاة ، يدبُ بصوتٍ إمرأة شرسـة هذَّبت مراهقتها أيامُ دراستها في السنة المتوسطة " و ما أدراك ما سقر لا تبقي و لا تذر" فمن دخلها دمر لحمه و ذاب عظمه حتى يتحول إلى فتات و تعود مرة أخرى و هكذا فمن هم أهل سقر و لماذا دخلوها " ما سلككم في سقر: قالوا لم نكن من المصلين " أن أول سبب لدخول سقر الرهيبة ترك الصلاة فتارك الصلاة يعلن ضمنا موافقته علي عذاب سقر "
أستعاذت من الشيطان و من عذابُ جهنَّم و كل تلك الأشياء السيئة و عندما وضعت كفَّها على مقبض الباب لتفتحه ، أنفتح لتتفآجأ بسُلطان خارج و هو يلفُ المنشفة على خصره.
أنتفض قلبها و هو ينبضُ بأعدادٍ مهوِّلة ، ولو كانت حامل لأجهضت من هذه الربكة التي سكنت قلبها الآن.
عادت للخلف عدة خطوات و أنظارها مُشتتة متوترة . . خائفة ،
تركها سلطان ليتجه مُبتعدًا عنها ، دخلت الحمام وهي تُغلقه أكثر من مرة ، مسكت وجهها المُحمَّر والذي يحترق بدرجة حرارتها !
غسلت وجهها بالماءِ البارد و هي تشعرُ بأن طيفًا خلفها ، ألتفتت برُعب ولا أحد سوى ظلِها ، بدأت بوضوءها وأعينها ترتبك ، تلتفت كثيرًا و تشعُر بأن هذا المكان يضيقُ بها ، لن تتردد بأن تذهب مع والدها ! من المستحيل أن تعيش بهذا الخوف دائِمًا.
بخطوات بطيئة خرجت و هي ترى إنعكاسه واقفًا يُغلق أزارير ثوبـِه الأبيض ، تخطتهُ لتفرش سجادتها وتقف مُصليـة ، ثواني قليلة حتى سلَّمت وهي واقفة وأعادت صلاتها لتخشع أكثر و تُقابل ربها بما يليق ، تنهَّدت لتقطع صلاتها مرةً أخرى و تفكيرها يرتكز بدوامةِ سلطان ، منك لله حتى في صلاتِي حضرت ! لاتعرف لِمَ هذَّبت أهوائها بأصواتِ الغاضبين العنيفين ، لاتعرف لِمَ إذا أرادت أن تذهب لمكانٍ ما يأتيها صوتُ سلطان الغاضب و لا تعرف لِماذا إذا نسيت صلاتها أو تثاقلت عنها يأتِيها صوتُ المرأة العنيف تلك المرشدة الطلابية ولا تفهم أبدًا لِمَ تحفظُ ذاك الصوت الثقيل الذي يُخبرها " إن أردتِ أن تُقابلين أحدًا مكرمك كيف يكُن لقاءك به ؟ إن كان باردًا فأنتِ سيئة التربية لم تُقابلي الشخص الذِي وهبك الكثير بالشكر ولو قليلاً ، إن كان لقاءك به مُجرد لقاء أنتِ هكذا لاتشكرينه ومن لايشكر أحدًا بسهولة سيسحب ماوهبكِ إياه وبيقول في نفسه ماتستاهل ! ولله المثل الأعلى ، لله المثل الأعلى وتعالى الله عن كل هذا ، مُخجل أن يكُن لقاءكِ به باردًا لاشعُور فيه "
ألتفتت على سلطان الذي وقف أمام المرآة و سُرعان ماكبَّرت وحاولت أن تخشع بصلاتِها ، ركعتينْ خافتتين عسى أن يتقبلهم الله هذا ماتمتمت به نفسها حتى تلت أذكار الصلاة و ألتفتت عليه لاتعرفُ كثرة إلتفاتاتها اليوم ولكن رُبما لأنها تخافُ الطعن في الظهر.
سلطان بهدُوء وهو يُعدِّل نسفةِ شماغه : محتاجة شي ؟
الجوهرة بهدُوء أكثر : لآ
سلطان تنهَّد وأخذ محفظته و هاتفه و بعض الأوراق ليلتفت عليها مُثبتًا أنظاره عليها ، صمت يُدار بينهم أنتهى بخرُوج سلطان و صوتُ ضحكات حصة تصل إليه ، أبتسم لضحكتها الصاخبة ! رُغم نعومة عمته في كل شيء الا أنها بالضحكة تُنافس الرجال.
: صباح الخير .. والله أني داري جلسة التحشيش بمين تُدار
عائشة وبين يديْها صحنُ الحبّ و المكسرات ، خافت من سلطان ووقفت لتُجلسها حصة : وش فيك !! يمه منك يا سلطان مرعب العالم كلهم
سلطان : وش تسولفين فيه ؟
حصة : ماهو شغلك سوالف حريم
سلطان رفع حاجبه : علينا ؟
حصة بخبث : ليه شاك بنفسك ؟
سلطان : لأ طبعًا بس مُجرد فضول
حصة : الله أكبر كل هذا فضول
سلطان أبتسم : أحلف بالله أنه الموضوع من تخاريف عايشة
حصة رفعت حاجبها بصدمة : وش تبي يعني ؟
سلطان : إيه خليها تخرب تفكيرك
حصة : بسم الله عليّ ! على الأقل تونسني ماهو أنت ياللي ترفع صوتك عليّ
سلطان : أفآآ ! هالحين أنا أرفع صوتي عليك ... وأقترب منها ليُقبِّل رأسها : ولاتزعلين
حصة أبتسمت وهذا السُلطان يُشبع غرورها كإمرأة : أبد مازعلت
سلطان أبتسم وخرج ، حصة : أركضي نادي الجوهرة
عايشة : زين ... وبخطوات سريعة صعدت.
ولكن باغتتها الجوهرة بخروجها ، نزلت معها وهي مُستغربة من صعود عائشة فالحظر مازال موجود ! و قوانين سلطان بالمنع مازالت قائمة.
: صباح الخير
حصة : يا صباح الورد والزين
أبتسمت لتُردف حصَّة : قايمة متأخر واليوم عرس أخوك !
الجوهرة بإرهاق : كل شيء مجهزينه وخالصين وأمي والبنات محد بيقصِر
حصة : طيب أختك جت ؟ وش قلتِي لي إسمها ؟
الجوهرة : أفنان إيه أمس لكن في بيت عمي عبدالرحمن
حصة : هم ساكنين عنده ؟
الجوهرة : لأ بس بيته فيه جناح كبير ورى مخليه لنا إذا جينا تقريبا معزول عن البيت
حصة : طيب ماعلينا وش قررتِ تسوين بشكلك ؟ ترى مافيه وقت
الجُوهرة بهدُوء : بخلي شعري زي ماهو و بحط مـ
حصة تُقاطعها : نععم ! هذا عرس أخوك ماهو واحد عادي لازم تكشخين و تطلعين للناس وترقصين بعد
الجوهرة بإبتسامة وديَّة : على حسب لأني ماأدري إذا بيحطون أغاني وكذا مقدر أحضر ، أهم شي أبارك لريم وريان ويكفي
حصة بتنهيدة : أجل ترقصين على الأناشيد ؟
الجوهرة أنفجرت بضحكتها التي غابت كثيرًا : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أصلا ماأعرف أرقص وبعدين فيه طق إسلامِي و يرقصون عليه دايم ! والحمدلله بدون ذنوب خلق الله اللي بتحضر العرس
حصة أبتسمت لضحكتها : طيب ماعلينا أهم شي يشوفونك العالم
الجُوهرة : ترى جد ماأحب أتكلف كثير بشكلي
حصة : ماهو على كيفك أنا قايلة للسواق يجهز نفسه بنروح المشغل ونضبط روحنا
الجوهرة : أصلاً ماراح يعجبك العرس لأن المعازيم أغلبهم أهلنا و غير كذا ماهو من النوع اللي إجتماعيين مرة
حصة : أنتِ وش عرفك بيعجبني أو لأ ؟ أنا شيء إسمه عرس يعني هرمونات التنكس تقوم .. فكيها بس وروحي جيبي عباتِك خلينا نتكشخ وأتشبب
،
المُنطرب على الآخر يُلاعب إبن علِي صديقه و هو يُمسك عقاله و ضحكاتِه تعتليه ، لا يُمكن شرح وسامة أخوةِ العرُوس ، دائِمًا ما يُجارون المعرس بطلتِه و بضياءه ، يُوسف وهو يرقص بجانب الصغير الذِي بلغ عُمر الـ 9 سنوات.
منصُور من خلفه : هههههههههههههههه من العصر أنطربت
يوسف بضحكة : اليوم عيد .. وشهو يا فواز ؟
فواز الصغير الجميل : عيييد
يوسف ويضع عقاله ليجلس : بتدخل مع ريان الصالة ؟
منصور : من جدك ! طبعًا لأ
يوسف : ههههههههههههههه يعني ثقل ؟ الله يغفر لي يوم كنت أحب أدخل مع المعرس عشان أخز الحريم
منصُور : من يومك فاسد
يُوسف : والله ماشفت ولا وحدة ! أستغفر الله هي وحدة ومن بعدها تبت إلى الله وأنا مغمض
منصور : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههه
يُوسف : جايتني طاقة رقص .. مشتهي عرضة ! يازين عرضة الجنُوب أيام عرس خويلد .. أحلى عرس حضرته بحياتي
منصُور : صدق وينه مختفي ؟
يُوسف بهمس حتى لايسمع فواز : المدام مسوية له حظر تجول
منصور : من جدك ؟
يوسف بجدية : ماهو طلقها وبعدين رجَّعها المهم يقول يبي يخليها في ديرتها عشان تعطيه وجه
منصور أبتسم : الله يجمع ما بينهم
يُوسف : ترى صدق بدخل مع ريان وبرقص مع هيفاء وبتنكس
منصور : أستح على وجهك كم عمرك تدخل على الحريم !
يوسف : والله عرس أختي وبستانس ! أصلا قايل لهيفا من يومين إن دخلت تعالي أرقصي معي عشان ماأتفشل
منصور : أنا صراحة أنقد على اللي يدخلون
يوسف : يوه عاد تندبل كبدي والله من النقود ونظرة الناس ! يخي فكَّها بس هو عرس مرة وحدة بالعمر ننبسط فيه !! وشو له التعقيدات ! أنا لولا الحياء كان قلت لريم قومي أرقصي وفليها
منصور : أصلا ريان ماراح يدخل وقول منصور ماقال ..
يوسف : بحلف عليه يدخل ! والله أختي يحق لها تنزف وتنبسط
منصور : بالعكس ترى الناس ماتعطي خير
يوسف : قرينا الأذكار والله الحافظ
منصور تنهَّد ليُردف : طيب قصِّر على الصوت أزعجتني
ويُغيضه مُعليًا الصوت ليُراقص فواز بضحكة عالية مُرددًا بصوتِ يُوسف الممتلىء بالضحك : ياهل السامري لاتوجعوني شيلكم يالربع يثر علي ، لاسمعته معا عذب اللحوني هلت العين والدمعه خفيه . . . . عاش فوَّاز
ضحك منصُور ليُردف : وش جوِّك يخي !!
،
في ساعات المغربْ الاولى ، صلَّت الفرض لتبدأ الحسناء التُركية ذات اللكنة الشاميـة بوضع لمسات المكياج ، بإبتسامة صافية : يا ريم بلاش هالدمِع سيَّحتي لي الكحلة
ريم وضعت يدها على صدرها الذي ينبض بسُرعات مجنُونة متفاوتة : طيب خلاص
: طيب تطلَّعي لفوء*لفوق* كل ماجاء في بالك تبكِي
ريم رفعت عينها للأعلى : طيب
مضطربة شديد الحرارة و الجو على ملامحها أستوائِي. فتفت هذا الحفلُ كل خلايا الصبر بها لتنسابُ حرارة دخُولها في حياة جديدة على قلبها ، كيف ستكُون أول ليلة و كيف ستكُون حياتها بحضرةِ ريـان و إنسلاخ فرعها من تحت والدها ليُصبح وليْ أمرها " ريـان " بل وليْ امر القلب و لا قُدرة عليْها أن تتجاهل كل هذا التفكير ! كيف سيكُون شكلها ؟ خائفة أن يبهت المكياج أو تخرب تسريحة شعرها ! " ممكن أزلق قدامهم بالفُستان طويل ؟ " كل الأشياء والتفاصيل البسيطة تُدغدغ مشاعرها وتوتِّرها .
والآن لا أحد بجانبها فالجميع مشغول بشكلِه بدايةٍ من والدتها نهايةً بهيفاء.
،
في الجهة الأخرى لم يكُن الأمر مهمًا رُغم أهميته في بداية الأمر ، صخب الجو بحضُورِ أفنان لهُما والتي أضفت للجو رونق حتى يصخبُ قلب رتيل في وقت كانت الإبتسامة الصفراء تُزيِّن شفاه عبير.
رتيل جعلت شعرها ينسابْ بنعُومة ومن ثم موَّجته تموجات خفيفة بُندقية تركته جانبًا وفُستانها ذُو اللون الليلكي عكس لونُ جسدِها البرونزِي ولم يكُن جميلاً في عينْها ، ماذا لو كان هُنا عبدالعزيز ورآه ؟ رُبما عيناه إن تغزَّلت بصمت سيترك في قلبها أنشودة للحُبِ تُردَّد . . رُبما ، لو كان هُنا و رآني لم أكن سأجعله يتلذذ في النظر ولكن سأكسرُ عينه حين يعرف أهمية من خسَر ؟ سيعرف أنني جميلة و رغمًا عنه وعن أثير.
و الأخت الأخرى طلتُها ريفيـة بحتة بدايةً من شعرُها المرفوع ومعقُود بظفيرة و جسدٍ أبيضْ يُزينـه الفستان الكُحلِي ، وأنا التعيسة في كُل شيء طرقته ، التعيسة في الحُب و ما يطوف حوله ! من يُزيِّن ظفيرتي بزهرةٍ أفُوح منه كما يفُوح العبير ! من يُزيِّن قلبي يا . . مجهُولي ؟ نحنُ الخائبات في الحُب من يشفي حُرقةِ صدُورنا ؟
أفنان ذات الطلة الحيوية بفُستانها الليلكي بدرجةٍ تُخالف درجة رتيل ، أبتسمت : وش رايكم نروح الصالة ؟
رتيل المُتضايقة من ضيق فُستانها في منطقة الوسط : لحظة أحس مقدر أتحرك ! تيبَّست
أفنان بضحكة طويلة أردفت : تعلمي تتحركين بالفساتين الضيقة
رتيل : الله يرحم من علمك كيف تمشين بالكعب !
أفنان : على فكرة فستانك ماهو ضيق مرة بس أنتِ ودّك تلبسين خيشة
رتيل : لو ماني خايفة على برستيجي كان تفلت بوجهك
أفنان : ههههههههههههه طيب أخلصي وخلينا ننزل
رتيل : بشوف ضي أول
أفنان رفعت حاجبها بإستغراب : ضي مين ؟
رتيل : يوه ما قلنا لك ! زوجة أبوي
أفنان شهقت : عمي تزوَّج !!
رتيل تنهَّدت : إيه
أفنان مازالت مصدومة تنظر بفمٍ مفتوح.
عبير بسُخرية : خليه يسلي عمره على آخره
رتيل ألتفتت على عبير : ممكن تخلين هالليلة تمر على خير !
أفنان صمتت لدقائق طويلة حتى تستوعب وتُردف : كيف تزوج ! يعني فجأة كذا
عبير بإندفاع : لآ طبعا متزوجها مدري من وين ولا من متى ولا وش أصلها وفصلها ! وتوَّه يقولنا
و على كلمات عبير الجارحة أتت ضيْ ،
أفنان و شهقت مرةً أخرى ، غير مستوعبة الأمر أبدًا
ضي تنهَّدت من هذه الاجواء المُتكهربة لتُردف : مساء الخير أفنان
أفنان في لحظات صدمة حقيقية. وكأنها زوجة عمها وليست إبنة أخيه.
رتيل بمحاولة تلطيف الجو : هههههههههههههههههه وش فيك ! لايطيح فكِّك بسْ
ضي أبتسمت : لأني عارفتها من بعثتها في باريس
رتيل بإندهاش : تعرفون بعض !!!
أفنان لثواني طويلة حتى اردفت : أنصدمت والله !! ليه ما قلتي لي ؟
ضي عقدت حاجبيْها : بوقتها مقدرت لأن عبدالرحمن ماكان يبغى أحد يعرف
أفنان بإبتسامة وديَّة : الله يوفقك يارب ويهنيك
ضي : آمين وياااك
عبير مسكت هاتفها لتُفرغ بعض غضبها بـ " اللاأحد " ، منذُ أن باتت تُشارك ظلَّها كل شيء ولا وجُود إنساني بجانبها بدأت تكتب يومياتها أو رُبما مُذكراتٍ إنسانة حزينة مُنكسرة تُغطي كل هذا برداءٍ التجريح لكل من حولها والبرُود.
فتحت المُفكرة وكما يكتُب ذاك المجهول ، تكتُب النثر بالفصحى بعد أن أستهوتهُ مِنه ومن ذوقه الأدبي في كُتبه ، يالله يا أنت كم غيَّرت حتى أذواقي ، كتبت " في قلبي خدشُ عميق واسع ، ثقبٌ لا يُسّد بسهولة ، لأن الحياة بائسة تقتُلني في اللحظة ستين مرَّة بدأتُ أُفرغ في غيري ، بدأتُ أسير على مبدأ التجريح في وقتٍ يجرحني هذا العالم بما هو أعمق ألا وهو الحُب ، لم أُبالي بأحد ! لم ألتفت لأجد أحد ، أنا والله أخاف عليّ من الجنُون ومحادثة ظلِّي ، أنا في حاجة للثرثرة ! أحتاج أن أتحدَّث وأسمع صوتي الذي بدأ يتراكم أسفل جلدِي و ينشُر الهالات على جسدِي ، كل هذا يُرادف شخص واحد ، شخص قتلني بصوته الرجُولي الصاخب و جعلني أرسمُ معه الأحلام لأنصدم كما تنصدم نصف نساء هذا الوطن و النصف الآخر يقعن في ما بعد الصدمة ألا وهو اللاحياة. أنا والله لاأريد لهذه العلاقة أن تسير كما كانت ، ولا أحنُ للحرام ولكن قلبي يحن له و جدًا ، لاأريد أن أضعف و نصف أهل النار النساء ، لا أريد أن اكون من أؤلئك النسوة والله أني لاأُحب أن أعصيك يالله ولا أتلذذ بعصياني لك. ولكن أشتاق له ، أشتاق كثيرًا في وقت لا أجد من يُشاركني سوى الظِلال. صبِّرني يالله عنه وعوضني بما هو خيـ . .
لم تُكمل إثر رسالةٍ جديدة قطعت عليها منه " أخافُك ، وكيف لا أخافُ منك و أنتِ بيدِك البُعد ! وأنا رجلٌ يخاف الغياب ! يخاف أن تتركينه بعد أن رأى بكِ الحياة "
لمعت في عينها الدمعة لتُقاطعها رتيل بعد أن نزلت ضي و أفنان للأسفل.
رتيل رفعت حاجبها : وش فيك ؟
عبير ببرود : ولا شي
رتيل و تكاد تحلف بأن بها شيئًا لا تُريد ان تخبر به أحد : ليه تبكين ؟
عبير بجمُود اكثر : مين قال أبكي ؟
رتيل هزت كتفيْها : حسيت أنك تبكين
عبير : وفري إحساسك لنفسك
رتيل تنهَّدت : الشرهة علي ماهو عليك
،
بعد أن أكتملت زينتهُن في إحدى مشاغل الرياض أتيْن ليرتدين فساتينهُن ، و طلةُ الملاك تتضع بين ملامح الجوهرة في فُستانها السُكرِي. ومازالت تخافُ الضيق في كل شيء فأتى فُستانها مرسومًا حتى بدأ بالإتساع حين لامس خصرها ، علّ هذا الإتساع يأتيها في قبرها حين تُحشر به و هي التي سترت نفسها في الدُنيـا.
برجاء كبير : بس شوي أنتظري
الجوهرة : تأخرت مررة مقدر أنتظر وبعدين امي بروحها و . .
حصة بحيلة تُقاطعها : مانبي السواق يودينا في هالليل وإحنا متعطرات مايجوز
الجوهرة : انا ماتعطرت ، عطري في الشنطة
حصة وتبحث عن حيلةٍ أخرى : طيب أنا تعطرت !!
الجوهرة بعينيها البريئتيْن عقدتهُما لتلفظ : هذا عرس أخوي مفروض انا أول الحاضرين .. يعني ننتظر مين ؟
حصة : سلطان
الجوهرة بصدمة : لأ .. أقصد يعني هو راح وخلص
حصة : لأ للحين ماراح هو قالي بمِّر البيت
الجوهرة بنفسٍ ضيق : الله يخليك حصة يعني أنتِ عارفة وش صاير ماأبغى ..
لم تُكمل من إبتسامة حصة ذات المعنى و ظلِ سلطان ينعكس ، ألتفتت للخلف لتراه.
حصة بضحكة أردفت : بروح أجيب عبايتي ... لتنسحب مُتجهة لغُرفتها.
شعرت بأن الأكسجين في حضوره يختفي ، أن الإختناق يقتربُ منها بخطواتٍ عريضة ، و أعيُنه تطُوف عليها و من أقدامها حتى رأسها سَارت عينُ سلطان ببطء ، وضعت يدها على جانبيْ فُستانها وكأنها تُريد أن تغطي شيئًا من وهمِ خيالها.
الجوهرة بلعت ريقها لتنتحي وتأخذ عباءتها الموضوعة على " الكنب " ، لبستها بإستعجال حتى تُبعد أنظار سلطان. حصة بعد أن أستغرقت ثواني طويلة جعلتها تشتمُ في داخلها من برود سلطان الذي لم يلفظ كلمة ، أتت لهُما : يالله نمشي.
سلطان أخرج تنهيدة أحرجت الجوهرة و أحمَّرت بها خجلاً ليُردف : يلا
،
دخلتْ الرقيقة نجلاء و المُكتملة زينتها وكيف لأ ؟ وهي أنجبتْ جميلاً يأخذُ منها الكثير ، الأمهاتْ اللاتِي تنبتُ من تحت أقدامهن الجنان يبدُون كجمالِ السماء حين نستشهدُ بالجمال : ماشاء الله تبارك الرحمن ، الله لايضرك و يهنيك
ريم والتي لم تلبسُ فستانها بعد : يمممه نجول أحس قلبي بيوقف
نجلاء : بسم عليك .. صليتي ؟
ريم : إيه
نجلاء : أهم شيء الحمدلله ، ريلاكس وأنبسطي هذي ليلة للعمر
ريم وضعت يدها على صدرها الذي يهبطُ بشدَّة : أخاف أبكي في الزفة ويخرب شكلي
نجلاء بإبتسامة بانت بها صفةُ أسنانها البيضاء : طالعي فوق إذا جتك الصيحة وتعوذي من الشيطان !! يختي أبتسمي وخففي هالربكة والوسوسة
دخلت هيفاء : مالبستي للحين !! يالله ألبسي عشان منصور ويوسف بيجون يصورون معك لأن ريان ماراح يدخل القاعة
ريم بخوف : يممممه تكفون أحس بنهبل
هيفاء : هههههههههههههههههههههههه يختي تحركي وألبسي وبعدها أنهبلي على كيفك
نجلاء بضحكة : لاتخربين شكلك بس وأبتسمي عيشي الفرحة لاتفكرين بشيء ثاني يخص العرس أهم شي أنتِ ، وكل أمور العرس تمام وأم ريان مهي مقصرة بشيء و خالتي معها بالقاعة ويقولون كل شيء تمام
ريم أغمضت عينيْها وكتمارين اليوغا مددت يداها : خلاص خلاص خلاص أنا هادية
هيفاء : ههههههههههههه أنا بنزل أتنكس مع يوسف قبل لا نروح القاعة
نجلاء : جاء منصور ؟
هيفاء : أيه وراح أبوي
نجلاء : يالله ريوم ألبسي وناديني إذا احتجتي شي أنا هنا
تركُوا ريم في ربكةٍ عظيمة تُشبه عظمة هذا اليوم الأبيض. ، أرتدت فُستانها الأبيض الذي كان فرعٌ من أحلام الصبا بل هو الفرعُ الرئيسي الذي تفرعت منه الأحلام الورديـة ، الليلة سأجتمعُ مع رجُل لا أعرفه ولكن يكفي أن يجتمعُ إسمي بإسمه و أنا والله أُحبك و إن كُنت لا أعرفُ الا إسمك ، أُحبك يا من سرقت فكرِي و نومي لليالٍ طويلة حتى هذه الليلة. يا " ريـان " القلبْ أني أسمُو بحُبٍ أبيض خالص فـ زدنِي إليكْ عشقًا يُجمِّل الصبيـة التي بين ذراعِيْك ، زدني عشقًا و أجعلني أُحبك بأسبابٍ كثيرة.
دقائِق طويلة مرَّت حتى طلت عليها نجلاء و ضبَّطت الطرحة البيضاء التي تعتلي شعرها ، أعطتها مسكةُ يدِها الملمومة بالورد الزهري.
هيفاء أتت بكاميرتها و وضعتها على خاصية الفيديو : نجول تغطي عشان يوسف
نجلاء : طيب .. وأتجهت لجناحها لتأخذ عباءتها
هيفاء : أمشي ننزل عشان الصالة مرتبة للتصوير
ريم بربكة كبيرة و أطرافُها ترتجف ..نزلت بمُساعدة هيفاء . . .
هيفاء بضحكة بدأت تزغرد لتعلن وصُول ريمْ.
بأسفل الدرج يُوسف و منصُور وإبتساماتهم تُضيء بل تشتعل فرحةً بـ ريم ، لمعت الدمعة بعينِ يُوسف و الفرحة تغزوها. و عين منصُور تُثرثر بالكثير من معانِي الحياة المُتشكلة بفرحة.
ريم ما إن رأت اللمعة في عين يوسف حتى سقطت دمعتها
هيفاء : لألألأ ريم الله يخليك لاتبكين
يوسف بنبرة بدوية : بنت عبدالله ماتبكِي !!
هيفاء بإبتسامة تضع الكاميرا بإتجاه يوسف : يالله يوسف قول شيء
يوسف بضحكات مُتكاثرة : تراني حافظها من زمان عشان أقولها ... ياعروس الكون يا ضي العيون ..يا ملاكٍ ينثر عطور الزهور .. ياعرس الكون يا نَف المزون .. يا أميرة فاقت الحسن بظهور .. و ... والباقي نسيت ههههههههههه *أردف الأبيات بصوته وكأنه شاعرُ زمانه وكيف لأ وصوتُ يوسف زاد القصيدة جمالاً*
لمعت دمُوع هيفاء هي الأخرى بكلماتِ يوسف لتُردف : هذا وأنت حافظها من زمان !!!
منصور بصوتٍ يُرتِّل الدُعاء : اللهم أحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين و وفقها و أسعدها بأضعاف من يُحبها
ريم و الدمعة تُرفرف ، رفعت نظرها للأعلى وهي تنزلُ للعتبـةِ الأخيرة.
أتاها يوسف ورُغم أنها أبتعدت حتى لا يُقبل رأسها ويكتفي بقُبلة خدَّها ولكن يوسف أرغمها و قبَّل رأسها قُبلةٍ عميقة : ألف مبروووك
منصور هو الآخر قبَّل رأسها و الدمُوع تتراكم في عينِ ريم : مبروووك يالغالية
ريم بصوتٍ متحشرج : الله يبارك فيكم
يوسف بإبتسامة ومازالت الفرحة تلمعُ في عيناه : ورينا إبتسامتك نبي نصوِّر
ريم أبتسمت لتضحك من نظرات يوسف ، هيفاء صوَّرت أولاً يُوسف مع ريم ومن ثُم مع منصُور ، لتضع الكاميرا على الترايبود وتضع المؤقت لها 10 ثواني. . ووقفُوا جميعًا لصورةٍ جماعية للذكرى ، للذكرى البيضاء التي تُحلِّق في ضحكةِ زفافِ ريم.
،
كانت أعيُنه تبحث عنه ، خابت كل توقعاته عندما رآه لم يحضُر أو ربما لم يدعُوه ! لا أنا مُتأكد أنهُم دعُوه ولكن لِمَ لمْ يحضُر ؟ حتى عبدالعزيز لم يحضر ! يالله ليتك يا ناصر هُنا ! ماذا بيدي أفعل حتى أراك بمكانٍ يضخ بمن تعرفه ! تنهَّد بعُمق وإبتسامته ترتسم على ملامِحه البدويـة الخافتة. أنقبض قلبه في لحظات عندما دخل والِد ناصر ، عيناه لا ترمش حتى وقف دون أن يشعر عندما رأى ناصر. بلع ريقه و الإضطراب يُسيطر عليه. أقتربُوا من ريـان الذي يتوسطُ القاعة وعلى جانبِه والده و عمِه عبدالرحمن ومن ثُم أقرباءٌه من بعيد حتى يصل إلى سلطان الجابر و فيصل القايد.
بدأوا بالسلام من جهة ريان حتى اليمين ، ناصر أبتسم لفيصل و سلَّم عليه . . جلس بجانبه في وقتٍ جلس والد ناصر بجانب عبدالرحمن.
شعر بأنه ليس له قدرة على الحديث و بجانبه ناصر.
في جهةٍ مُقاربة كان ريَّان متوتر ، ومهما حصل فهذه الليلة مُربكة لكل رجِل و قاتلة لكل أنثى ، السكسوكة السوداء كالليل الغامق زادتهُ فتـنة وكيف لايكُن فتنة وهو من سلالةٍ تضمُ أختيه و أيضًا بناتِ عمِه و فوق ثوبه الأبيض بشتُ أسود زاد الليلُ سعادة.
،
حالتُه النفسيـة سيئة بل هي الاشدُ سوءً منذُ أن غادرت عائلته ، ينتبه حتى لنملةٍ إن مرَّت ، بدأ إنتباههُ يُركز بالتفاصيل الصغيرة التي تسرقُ منه النوم ، على فراشه في شقته بباريس بعد أن عاد من دُوفيل الكئيبة. ترك غُرفته ليتجه لغُرفة والديْه ، تمدد على سريرهُما و كالطفل تكوَّر حول نفسه و عيناه تتأملُ التسريحة التي مازالت تحوِي عطوراتِ والده و والدته.
زمّ على شفتيْه كي لايبكي رُغم انه لايخجل أن يبكي في وحدته ، لكن لايُريد أن يبكِي و ينهار ببكائِه و يدخلُ في دوامة سوداء لن يخرج منها بسهولة ، أغمض عيناه مُحاوِلاً فيها النوم ، أرجوك يالله لا تمُر الليلة الرابعة دون نوم ! أرجُوك يالله لا تمُر . . والله أني أحتاجُ ان أنام ، أحتاج أن أنام . . تمتم بأحاديثٍ روحية حتى همس : أبي أنام .. أخذ المخدة وألصقها في وجهه ، مُتعب جدًا لأنه لا يستطيع النوم و اللانوم يُجهده و يؤثر على وظائفه ، حتى تركيزه يضعف بشدَّة حتى أنه العصِر أراد أن يصنعُ له كُوب قهوة وأرتجفت يداه وسقط الكوب على الأرض.
بلاحيل ولا قوة ترك المخدة و تأمل السقف و أحاديثهم الفائتة تصخب بها مسامعه ، لو يعُود الزمن لن أُضيّع وقت في حِجْر أُمي وبين ذراعيْ والدي ، لِمَ عندما يرحل الأحبه نُفكر بالدقائق الضائعة من عُمرنا دونهم ؟ لِمَ عندما يرحلون نُتمتم " ليت " ، لِمَ لمْ نُجالس والديْنا قبل أن يرحلوا و تتضبب رؤيتنا من بعدهم ! ليت والله ليت يا أبي تعُود و أخبرك عما فعلُوه بإبنك ! ليتُكِ يا أُمي تأتين فأنا أفتقدُ السؤال ، أبسطُ الأشياء التي أُحبها " وجهك مخطوف ، سلامتك يا حبيبي وش فيك ؟ ، حبيبي فيك شي ، عزوز قلبي مسخِّن ؟ ، حالك ماهو عاجبني . . " والقائمة تطول أفتقد هذه الكلمات ، لا أحد يسأل عني ليسمعني الجميع يُردد سؤاله بإعتيادية ميتة " كيف حالُك " هذه الكلمة من شأنها أن تشطرني نصفيْن حين أقول " بخير ". والله انا لستُ بخير ولا أعرفُ للخير طريق و أنا لولا رحمةُ الله لوقعت الآن من فجيعةِ خيبتي.
،
أرسلتْ رسالة إليْها تُهنئها بزواجها لتجلس على سريرها في حيرة من أمرها ، لِمَ عاملها يوسف هكذا ؟ رُغم انها شعرت بتحسُن علاقتهما ؟ أنا الغبية التي فضفضتُ له عن ما يُشعرني بوحدتي ، أنا الغبية التي سهرتُ معه و مع صوتِه طوال الليل لأشرح له حُزني وألمِي و بعضُ وجع هذا الحمل ، أنا الغبية والله و هذا هو لم يُخيب الظن به ! خذلني كما خذلتني أمي. و الآن أنا حامل ؟ حتى الحمل الذي يجب أن أفرح به . . تعست ، و أنا أشعرُ بالرخص حتى وإن قالت أمي عكس ذلك ، حتى وإن قالت بغير ذلك ! أنا لستُ أفهم لِمَ الحُزن يترصدُ لي في كل مرةٍ أبتسم فيها.
دخلت والدتها : وش بلاتس قاعدة ؟
مُهرة بحزن : وش تبيني أسوي ؟
والدتها : تكلمي معي زين !! جاتس جنون الحمل
مُهرة : بسم الله عليْ ، يمه يعني تعرفين أني متضايقة فأتركيني شوي لاتضغطين عليْ
والدتها : ورآآه ! لايكون ما يرد عليتس !
مُهرة أنفجرت بالبكاء : خلااااص يمه ! لاتسأليني وتوجعيني أكثر
والدتها بإستغراب : يممه مُهرة هذا وأنتِ العاقلة تبتسين*تبكين* ؟ الحين بجيب لتس شاهي تدفين فيه نفستس وتريحين أعصابتس .. خرجت وتركت الشتات ينفجرُ بدمعِ أبنتها.
لامست بطنها الذي بدأ يبرُز ، مسحت دمُوعها تكره أن تضعف ولكن هذا الذي يتكوَّرُ في بطنها يُرهقها ويُحمِّلها مالاطاقة فيه.
يبدُو أنه في أوجِّ سعادته الآن ، لن أحسد سعادته يومًا ولكن كان أبسطُ حقوقي أن يُشاركني تلك الفرحة. " ههه !" يا أنا كيف أشاركه الفرحة وهو سلب فرحتِي الأُم ، فرحتي الحقيقة كأيْ عرُوس تُحب أن تحتفل ، أجهض أحلامي الورديـة كيف من بعدِها أن أفرح معه ؟ تبًا لك يا يُوسف ومن خلفِك أخيك أيضًا.
،
أشغَل القرآن بصوتِ الشيخ السديس لتضجُ غرفتها بصوتِه و تنتشرُ السكينة والروحانيـة بين زواياها ، وليد بصوتٍ خافت : أنا بروح والجوال جمبك بس تحتاجيني بشيء أتصلي عليْ .. طيب ؟
رؤى ببحة : طيب
وليد : بحفظ الرحمن . . وخرج من غُرفتها ويقفلها بالكرت الثاني الذِي معه وبمُقابل غرفتها الفندقية دخل غرفته.
رؤى تتأملُ السقف بسكينة و الصوتُ يثلج مسامعها ، أشتاقت لـ " مكة " . . كيف أشتاقُ وأنا لم أزورها ؟
سكتت قليلاً لتُردف بهمس : وش يدريني أني مازرتها ؟
بدأتُ المعلومات تتشابكُ في عقلها و تتجعدُ اللحظات بين حقيقة و خيال. أزُرت مكة أم لأ ؟ ولكن نطقتها ، قُلتها بتأكيد أنني لم أزورها ! . . حاولت أن تتذكر أشياء كثيرة ولكن ضغطها الكبير على ذاكرتها جعلها تيأس وتصمُت لتعود لعدّ النقوش في السقف. يالله كيف أتذكر ؟ كيف أقولها ؟ . . هُناك ناصر ! هُناك أحدٌ يدعى ناصر أحبه ولكن أين هو ؟ أمات في حادث أم مات فجأة أم مات بمرض ؟ . . أم أنه موجود ؟ هل يُعقل أن يكُون حيًا ؟ إن كان حيًا لِمَ تركني ؟ سأصدق أنك ميِّت ! سأقول أنك ميِّت ولكن لا تكُن حيًا و تصدمنِي بخيبتِي في تركِك ليْ ؟ لا تصدمني أرجُوك فما عاد بي أعصابُ تحتمل.
و إن كان لي أختْ ؟ متزوجة لاهية او رُبما مازالت عازبة ! لِمَ تركتني ؟ لِمَ تركوني ؟
إذا لم تكُن تلك أمي و خدعتني ! كيف سمحتُوا لها بأن تقتحم عالمي ! كيف سمحتُوا لها وأنتُم عائلتي ؟ يالله يالخيبة الكبيرة منكم ! أهان عليكم حياةً تتجسدُ بيْ ، يئست جذورها وأنحنت بذبول. أنا ذابلة بائسة حزينة ضئيلة ، أحتاجُ من يُضيئني ! أحتاجُ لعائلة حقيقية.
،
مُرتبكة يعني أنَّ متوسط ضربات القلبْ بها وصل إلى الصفر إلاّ شيئًا ضئيل ، الليلة في آخرُها ، صخبت وضجت بفرحة الحضُور ، كانت الأعيُن صامتة في زفتِها ، كانت شديدة الصمت وأكثر في ذهولها ، شيءٌ كان مُخبأ في بيت عبدالله وبان الآن.
الإبتسامات البيضاء المُزهِرة تنتشِر و أيضًا الصفراء الخبيثة. في " كوشتها " تصوَّر كل من تُحب من عائلتها إلى صديقاتها . . أبصرت المحبة وهُم يرقصُون من أجلها و ينطربُون فرحةً بزفافها ، كل الأشياء الجميلة التي توَّجت هذا الحفل تركت في قلبها بُكاء عميق ، بكاء سعيد.
همست في أذنها : ريان جايْ . .
كلمتيْن كانت كفيلة بأن تتعمقُ بربكتها وإرتجاف أطرافها لتشتعلُ حُمرة عينها و يبهتُ لونها ، لم تأكُل شيء منذُ الصباح.
هيفاء بخوف : ريمم بسم الله عليك .. أهدِي
أتت والدتها : بسم الله عليك يمممه
هيفاء : بيغمى عليها ... بروح أجيب موياا
عبير أقتربت منهم : وش فيها ؟
هيفاء وأتت بمنديلٍ مُبلل : شكل ضغطها نزل
عبير : طيب عطيني هالمنديل لانخرب مكياجها ،
بدأت عبير تُبلل كفّها بالمنديل لتُقرب ببرودة أطراف أصابعها لملامح ريم . . ثواني قليلة حتى بدأت بالتركيز وهي لم يُغمى عليها بعد ولكن عيناها التي بدأت بالنظر للأعلى أخافت هيفاء و والدتها.
عبير : خلها تآكل شي قبل لايجي ريان
ريم : لآ مو مشتهية
عبير : لآزم تآكلين لاتطيحين من طولك الحين . . ألتفتت على رتيل الغارقة بأحاديثٍ مع الجوهرة : رتول جيبي أي شي من البوفيه تآكله ريم
رتيل بهدُوء دون أن تناقش توجَّهت إلى البوفيـه ، في جهةٍ أخرى كانت الأعيُن تراقب الفتيات اليانعات ، بدأُوا بالإختيار بمثل ما يريدون وكأنهُن ضمنوا الموافقة في الجيب.
بصوتٌ مبحوح : إيه هذي يمه إسمها عبير .. بنت عبدالرحمن آل متعب واللي جمبها الجوهرة مرت سلطان بن بدر !
أجابتها والدتها : عبدالرحمن مايزوَّج بناته
هي الآخرى : يعني بيخليهن في رقبته طول عمره ! شفتي يمه ذيك اللي لابسة أسود .. تصير زوجته الجديدة
والدتها : تزوَّج !
: إيه يمه ! الرياجيل مايصبرون شوفيه تزوَّج وحدة بمقام بناته .. بس يقولون أنها كبيرة طبت الثلاثين
أتت الأخت الأخرى : والله أخت العروس قايمة في العرس
الأم : أي وحدة فيهن ! ضيّعت
: اللي لابسة تُفاحي
الأم : إيه سنعات بنات ريَّانة
ما إن نظرت لرتيل الآتية من البوفيه حتى تمتمت : وهذي بنت عبدالرحمن الثانية ! شاينة مررة
الأخت الآخرى : بالعكس الا زايد حلاها ولا أنتِ غايرة
نفثت أختها على نفسها : على وش أغار يا حظي ! تدرين أنها مفحطة بالجامعة ! اللي أصغر منها تخرجوا
، بإندفاع الصبية التي تصغرها : يمه تكفين خلينا نخطبها لحاتم والله تصلح له
الأم : والله البنت زوينة
هي : إلا مزيونة ونص
الأم : بشاور أخوك ونخطبها
* : ثنينتهم ماأنخطبوا إلى الآن ! وماعندهم عيال عم على ماأظن يعني إن شاء الله الموافقة في الجيب.
،
بخطواتْ خافتة نادته : عزوووز .. حبيبي
ظنّ أنه يتخيَّل وهو ينظرُ للتسريحة مُجددًا ، صوتُ أثير يُناديه ! هذا وهمٌ جديد كوهمِ عينيْ غادة.
سمع الباب الذي ينفتح ، وقف و فتح الباب لينظُر لها بنظرة الشك هل هي هُنا حقيقة أم كذب ؟
أثير : لايكون كنت نايم ؟
عبدالعزيز : أثييير
أثير بإبتسامة : إيه
عبدالعزيز تنهَّد وجلس بالصالة وهو غير واعي لما يحدُث ، رفع عينه ومازالت واقفة : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه
أثير بيدِها كيسٌ بني من الورق : جبت لك معي العشاء وقلت نتعشى بس شكل ماهو جوِّك نتعشى لبناني اليوم
عبدالعزيز بلع ريقه : تعالي
أثير بضحكة أتته لتُردف : وش صاير لك اليوم
عبدالعزيز لامس يدها ليتأكد من وجودها ، يالسُخرية الحياة به ! ويالجنونه الذي أصابه.
ترك يدها ليُردف : ماني مشتهي شي
أثير جلست على الطاولة بمُقابله ، مثل جلسة رتيل أو رُبما هو يتشابه عليه منظرُها ،
أثير بحنيَّة : مانمت اليوم ؟
عبدالعزيز و بهلوسة حقيقية : إلا نمت
أثير تأكدت أنه يوسوس ، وضعت يدها على جبينه لتُلامس جرحه : هذا من وين ؟
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : لاتكثرين أسئلة
أثير أبتسمت بضيق : إن شاء الله
عبدالعزيز تمدد على الكنبه ويديْه تُعانق بعضها البعض بين فُخذيه ، جلست أثير عند رأسه لتجعله ينام في حُضنها ، خلخلت يدها في شعرها : ريِّح تفكيرك عشان تنام
عبدالعزيز رفع عيناه لها ، منذُ زمنٍ بعيد لم ينام في حُضنِ أنثى . .
أثير بإبتسامة : وش فيك تطالعني كذا !
عبدالعزيز ببحة : ولا شيء
أثير بهدُوء : خطيبتك الثانية متى ترجع لها ؟
عبدالعزيز : قصدك رتيل ؟ ماهي خطيبتي قلت لك زوجتي
أثير بحدة : طيب غلطت ولا مايصير بعد أغلط
عبدالعزيز بهدُوء صمت
أثير بعد ثواني طويلة : حبيبي مو قصدِي بس يعني قلت أنك ماسويت عرس ولا شي فعشان كذا تلخبطت
عبدالعزيز ولا يردُ عليْها
أثير : طيب متى بترجع لها رتيل ؟
عبدالعزيز : هي بتجي هنا ويا أبوها
أثير : يا سلام ! بتجلس في باريس
عبدالعزيز : إيه
أثير تنهَّدت : الله يصبرني يعني بقابلها
عبدالعزيز بلاوعي : بتحبينها
أثير رفعت حاجبها : يا شيخ !!
عبدالعزيز ضحك بصخب و جنّ جنُون ماتبقى له من أعصاب : صدقيني بتعجبك
أثير أبتسمت : لو أني ماأعرفك كان قلت شارب
عبدالعزيز وهو يمدُ يده ليُجمعها على شكلِ دائرة : مانقدر نعيش ! مانقدر
أثير وهي تلعبُ في شعره : عزوز بديت تهلوس ، أششش ونام
عبدالعزيز عاقد حاجبيْه بضيق : ماأبي أأذيها بس هي تجبرني ! هي تجبرني
أثير : وإن شاء الله وش أذيتها فيه ؟ تحمد ربها
عبدالعزيز أبتسم بتناقض مشاعره في هذه اللحظات : جميلة حييييل
أثير حقدت من وصفه و شرحه لجمالها في مثل هذه اللحظة : عبدالعزيييييييييييز !! إذا تبي تسمعني وش كثر هي حلوة احتفظ بهالشي لنفسك
عبدالعزيز رفع عينه عليها وهي منحنية وشعرُها يُداعب رقبته : أقصد أنتِ
أثير ضحكت : ألعب عليّ بعد ؟
عبدالعزيز أستعدل في جلستـه ليُقابلها وبإبتسامة : تشكين في كلامي ؟
أثير بضحكة صاخبة : مجنوون والله أنك مجنون ! أنا بروح وأنت نام وريِّح أعصابك .. عشان بكرا من الصبح بكون عندك
وقفت ليسحبها عبدالعزيز و يُلصق جبينه في جبينها و يديْه تحاوطُ رأسها و تُخلخل شعرها ، أضطربت أنفاسُ أثير للإرتباك و هي تختلطْ بأنفاسِ عبدالعزيز ، أقترب أكثر ليُقبِّلها . . ثواني طويلة عميقة مرت بتلاصقهُما حتى أبتعد عبدالعزيز بنفُور وريبـة. أخذ المنديل ليمسح بقايا أحمرُ الشفاه الذي في فمِه. أبتعدت أثير و خرجت من الشقة دُون أن تنطق حرفًا.
لم يستوعب بعد أن من أمامه هي أثير وليس رتيل ليُعنِّفها أو ينفرُ منها ، لم تُحرك قبلتها به شيئًا ! كانت قُبلة ولاأكثر. يتذكرُ تلك الليلة التي أقترب بها من رتيل ، تحفرُ هذه الليلة بعقله بل تشطُره أيضًا.
لاينسى طعمُها أبدًا ، أسكرتُه و ترنَّح من بعدِها لفترة طويلة وهو يتذكرُ قُبلته لها وإن أتت عنيفة رُغمًا عنها إلا أنه أستمتع بها كما لم يستمتع من قبل. و لستُ أقل من نزار حين قال " يا طيب قبلتك الأولى .. يرف بها شذا جبالي .. وغاباتي .. وأوديتي ويا نبيذية الثغر الصبي .. إذا ذكرته غرقت بالماء حنجرتي.. ماذا على شفتي السفلى تركت .. وهل طبعتها في فمي الملهوب .. أم رئتي؟ "
تأفأف : أنا ليه أفكر فيها الحين !!
بلل شفتيْه بلسانِه مُتنهدًا ، أريد أن أنام لساعة واحدة فقط ، ساعة واحِدة.
،
ألتفت عليْه وبصوتٍ واضح : عندي لك أمانة وبوصِّلها
ناصِر رفع حاجبه بإستغراب : تخص مين ؟
↚
أنتهى الجُزء الأبيضُ المُتراقص ، و طرقت الثواني الأخيرة و اللحظة المُرتبكة ، البدايـة الخافتة المذعورة ، الأشياء المُنحنية الخائفة ، الجميلات المُتمايلات و الذِكر الذِي تلفظهُ الشفاه و " الله " المُرتِّلة بها الأُم الباكية فرحًا ، يالله يالله يالله ثلاثًا على ليلة زفافٍ كهذه يا أختِي ، يا عرُوسنا.
وقفت هيفَاء جانبًا لكِي لا تضعف بدمُوعِها ، ليلة كهذه كفيلة بأن تضحكُ بها الأعينُ حد البُكاء ، ليلة كهذه ترقصُ بها السماء طربًا وتصفُو للقلب الذي يهفُو إليْها ، السماء صافيـة و ريم : قمر
مشَت ريم بزفَّتِها للخرُوج من القاعة المُزخرفـة بجمالِ هذه الليلة ، رتيل المُبتسمة و الصمتُ يخيِّم للتأمل ، هذه اللحظات وجهٌ آخر للذكرى و وطرفٌ ثانٍ للتأملات فقط.
أردفت : يا شينه ريان كان دخل
الجوهرة : مايحب هالأشياء
رتيل بضحكة أردفت : أنا قلبي بدآ يرجف كيف ريم ؟
الجوهرة بحماس : حلوة أجواء العرس
رتيل تغيَّرت ملامحها ، حتى إرتجافة القلب حين تقُول " موافقة " لم تُجربها ! يالله " ما أقساك عليّ وأنا بنتك ".
الجُوهرة ألتفتت عليها بإستغراب : رتُول ؟
رتيل :نسيت لا أقولك أني تـ .. تزوجت
الجوهرة وقفت صامتة ثابتة جامدة مصدومة.
رتيل أرتجفت أهدابُها لتُردف بغير مبالاة : كل شيء حصل بدون علمي
الجوهرة بهمس : كيف بدون علمك ؟
رتيل : هذا بالضبط اللي ماأعرفه والجواب عند عمك
الجُوهرة بعد صمتٍ طال وهي تُفكر بما يحدُث الآن مع رتيل ، أردفت : من جدك رتيل ؟
رتيل أبتسمت بوجَع : إيه والله ! هالأمور فيها مزح ؟
الجوهرة : طيب كيف !! يعني .. ماني مستوعبة !!
رتيل بسُخرية : طبعًا أبوي مألفّ له دين ثاني
الجوهرة بحدة : رتييل !! وش هالحكي ؟
رتيل هزت كتفيْها بلامُبالاة : ديني يقول رضا الزوجين !
الجُوهرة تنهَّدت : على مين غصبك ؟
رتِيل بقهر : عبدالعزيز اللي ساكن معنا !!!
الجوهرة وصمتُ الدهشة يُسيطر عليها.
رتيل : من عذرك يوم تنصدمين !
الجوهرة : مصدومة من عمي ! عُمره ماكان متحجر بهالأشياء ! كيف يغصبك وهو كان يرفض اللي يجونكم و إن وافق على واحد ورفضتوه كان يرفضه !!
رتيل وهي تنظُر لعبير الجالسة على بُعد مسافات و يتضح أنها غائبة بعقلها لمكانٍ بعيد : أبوي تغيَّر من جاء عبدالعزيز ! كل شيء صار عبدالعزيز ! معتبره ولده وأنه الكل بالكل و إحنا ولا شيء
الجُوهرة بضيق : طيب ماقالك ليه ؟
رتيل : إلا ! بس وش عذره ؟ مافيه عذر يبرر هالشي ! ولو أبي كان عرفت كيف أزعل على أبوي و حتى على ضي بس خلاص مليت !! راح عُمري كله محكومة بقيود لا فادتني ولا شيء ! وبجي الحين أغص في فرحتي عشانهم !! ماهمُوني لكن فرحي بيكون لي وبكون أنانية فيه وماراح أترك لأحد مجال يفرح مني ! وش أستفدت من طيبة قلبي ؟ ماأستفدت شي! وإن جاء مثلاً عبدالعزيز يطلب مني أني أكون زوجته بطريقة طبيعية ؟ وإن جاء يطلب مني مثلا أنه يكون مبسوط في حياته معاي ؟ بروح له وأقول يالله خلنا ننبسط ونترك اللي فات !! مستحيل مادام أبوي أرخصني أنا ماأرخص روحي ! وفرحي يبقى فرحي وحزني يبقى معلق في رقبتهم !
الجُوهرة و الضيق يُضعف قلبها أكثر ، مُصارحة رتيل لها جعلتها تذبل أكثر ، أردفت : من متى كنتِ سلبية كذا ؟
رتيل بإبتسامة لم تعتادها الجوهرة : كيف تبيني أكون ؟ بالعكس ماني سلبية ! قلت لك بكون مبسوطة وبعيش حياتي زي ماأنا أبي وأن جاء يوم وحزنت بخلي كل اللي حولي يحزن معي !! فرحي يخصني وحزني يخصهم وهذي ضريبة اللي سووه فيني
الجُوهرة هزت رأسها بالنفي غير مستوعبة لتُردف : وش تفكرين فيه بالضبط ؟ هذا أبوك !! ماهو شخص عادي !
رتيل : وأنا قلت لك بشتكي عليه ؟ بس أنا من يرد لي كرامتي منه ؟ تحسين بقهري يالجوهرة ولا ماتحسين ! أقولك زوجوني وأنا مدري !! ومن شخص ... أستغفر الله بس
الجوهرة : من شخص ؟ هالشخص يكون عبدالعزيز ولد سلطان العيد اللي الكل يشهد بأخلاقه ونسبه
رتيل عضت شفتيْها حتى لاترجفْ بدمعها.
الجُوهرة تُراقب القاعة التي تفرغُ بمقاعدها متجهين للجهةِ الأخرى المخصصة للعشاء.
أردفت : الواحد لازم يتكيَّف مع الظروف اللي تجيه مايكون بهالصورة السوداوية !
رتيل : أنتِ في ليلة زواجك وش كنتِ تسوين ؟ كنتِ أكثر مني سوداوية !!
الجوهرة بإندفاع : كانت ظروفي غير
رتيل : وش الظروف الغير ؟ الجوهرة حسي فيني أقولك مقهووورة !! الحين هو مقضيها مع الحقيرة الثانية ! طيب أنا ويني منهم كلهم
الجوهرة : هو وينه ؟
رتيل تنهَّدت : متزوج وحدة ثانية إسمها أثير جعل مافيه أثير
الجوهرة أتسعت محاجرها بصدمة ، صمتت بشكل مُهيب لما يحصُل في إبنة عمِّها. كارثة تلو كارثة وهي آخرُ من يعلم!
رتيل و تمثيلُ البرود صعب جدًا على رُوحها المتوجِّعة : ماهمني كيفه ! بس بيجي يوم والكل راح يندم على اللي قاعدين يسوونه معايْ بس لحظتها ولا واحد فيهم راح أسامحه !!
الجوهرة همست : متزووج !!!
رتيل بتنهيدة حارقة : بكيفه ! و تدرين حتى ماراح أطلب الطلاق ! بخلي أبوي بنفسه هو اللي يطلقني بدون لا يشاورني ! أبيهم يعرفون وش خسروا !!
الجوهرة عقدت حاجبيْها بألم و حضُور أفنان المُحمَّرة عيناها قطع عليهُما : وش فيكم جالسين بالزاوية كذا !!
،
أنت يا ريّـان محظُوظ ، ظفرت بليلةٍ كهذه تستحق أن تسجُد لها شُكرًا في كل لحظة تتذكر بها أن بجانبِك أنثى تحتويك ، نحنُ فُقراء الحظ و يتامى الحُب نتفرجُ دائما لنرى العُشاق كيف تكُن نهاياتهم لنقُل " الحمدلله سلمُوا من خيبـة هذه الأرض التي تُفرقنا " حظِي الذِي بقيتُ لسنوات أهتف به ، خبأته يومًا في جديلتها لتأخذُ شَعرَها و ترحل. ومعها رحَل حظِي.
يا عُمرِي ماذا بقيَ لنحزن عليه ؟ يا عُمرِي كفاك من تلك السنين رثاءً ، كفاك ما رحَل و أبتسم لأجلِ أن نُصاحب بعض ، أحتاجُ ان أصدِّق هذه الحياة لتُحبنِي أكثر ، احتاج وبشكلٍ لاذع أن أُصادق ظلِي ، رحلتِ يا غادة و نسيتِ أن تُعلِّميني كيف لظلٍ يأخذُ مكانكِ ؟ وأنتِ التي كُنت على الدوامِ ظلِّي الأبيض الذِي يُشاركني كل شيء حتى سخافاتِ هذه الدُنيا ، لحظة! لم تكُن سخافات ! كل شيء معكِ تجمَّل وأزدهر حتى الأشياء البسيطة باتت عظيمة. أنتِ من غيَّرت عيناكِ صيغة الحياة في قلبي ! أخبريني كيف لي أن أعيش دُونك ؟
وقف مُتجهًا للخارج بعد أن ادى واجبه كصديق للعائلة ، شعر بيدٍ تُلامس كتفه ، ألتفت مُستغربًا.
فيصل بتوتر : عندي لك أمانة و بوصِّلها.
ناصر رفع حاجبه بإستغراب : تخص مين ؟
فيصل : ماينفع أقولها لك هنا ! لكن ضروري بأقرب وقت
ناصر : أبشر .. أخرج هاتفه .. عطني رقمك
فيصل نطق له رقمه ليُردف : أنتظر منك إتصال . . بحفظ الرحمن . . . وترك ناصر في حيرة من أمره ، ماذا يُريد ؟
،
في ساعات الفجرْ الأولى ، رمت عباءتها بتثاقُل لتنحني وتنزع حذائها العالِي وتصعد لغُرفتها دُون أن تنطق بحرفٍ واحد ، أغلقت رتيل الباب عليْها و شعرت بأنَّ قليلاً من العزاء شاركته الجُوهرة ، لم تعرف لِمَ أخبرتها بكُل هذا ولكن شعُورها بالإفلاس أمامها جعلت كلماتها تنطق.
على بُعدِ مسافات فاصلة دخلت عبير غُرفتها الداكنة على قلبها الذِي بدأ يضيق بكل شيء ، ليس سببًا ! والله ليس هُناك سبب يجعلني أو يُجبرني أن أذهب للحرام بإرادتي ، وإن تعاظمت الظروف وعلقت الأرضُ في حنجرتي حد أنّ لاشيء يُسعف الغصات المُتراكمة بيْ ! لا أحد يجعلني أذهبُ إليْك يا مجهُولي ولكن قلبي ! قلبي حتى في رخاء هذا العالمُ يُريدك كيف وإن عُصفنا بما نكره ؟ أتراني أناقض نفسي ؟ حين أقُول لن أعصي الله و أنا أقف بكل حواسِّي أمامك ، أمام قلبك.
لِمَ فعلت بيْ كل هذا ؟ لِمَ كل هذا ؟ لِمَ جعلتني أقع بالعشق و هذا الجنُون !! لِمَ كُنت حرامًا ؟ و إن أتيت يومًا بصيغة بيضاء تتشكلُ كالحلال ؟ أين أجد التوفيق بك ؟ أين أجد البياض ؟ أين أجد بعمق الجحيم هذا جنة ؟ كل شيء ضدنا ! كل شيء يا حبيبي ضدنا لأننا كُنا ضد الحلال. لو لم تُخدرني بصوتِك ! لو لم تجعلني كالعمياء أراك.
كُنت قويَّـة بما يكفِي ولكن بحُبك أصبحتُ هشَّة وهذا حُب لارجاء به ! الحُب الذي لايقويك هو مُجرد محاولات فاشلة للحياة.
شتت أنظارها للجُدران التي تفتقد لوحاته ، حتى ملامحِي رأيتها ! يالله كيف تسربت من تحت أبوابِ عالمي التي أغلقتها و أغلقها والدِي من بعدِي. يالله عليك! أتيتْ بشكلٍ لاذع لقلبٍ هشّ.
،
بهدُوء أنيق نزعت عقدها ، لتُردف : حسيتها مصدومة بس يعني ماخذتها بشكل شخصي كثير ! بالعكس حتى باركت ليْ
عبدالرحمن المُستلقي على السرير : كويِّس
ضي ألتفتت عليْه : زعلانة على عبير حيل ! ماني قادرة أفهمها بس اليوم طاحت عيوني عليها كثير !!! يالله ماتتخيل قد أيش واضح أنها حزينة ، حتى قلت لرتيل تروح لها بس مهي قادرة تتعامل مع رتيل ، مدري يمكن ماتبي تقول شي لأحد أصغر منها ! يعني أحس شخصيتها ماتتوافق كثير مع اللي يصغرونها بالعمر ، وش رايك بكرا تطلع معها مكان وتخليها تفضفض لك
عبدالرحمن ألتزم الصمت ، لا جوابْ يشفي حُزنه على حال بناته و حال إبنته الكُبرى
ضي جلست على طرف السرير بمُقابله : أكيد ماراح تخليها كذا ؟ أنا بصراحة مقدرت أتكلم معاها بشيء ! البنت تكرهني بشكل فظيع حتى اليوم لما صبّحت عليها سفهتني ، أنا فاهمتها يمكن ماتبي أحد يشاركها في أبوها ! والله حتى ماني شايلة في قلبي يعني ماأقولك ماني متضايقة إلا متضايقة ومقهورة لما سفهتني بس بعد من حقها ! .. يعني قبل لا نسافر خلها تفضفض لك وتقولك يمكن ترتاح ، أحيانا أقول ماهو معقولة عشان هالموضوع لأن حتى تعاملها مع رتيل حاد وجاف !
عبدالرحمن تنهَّد : كيف تعاملها مع رتيل ؟
ضي : يعني مدري كيف أشرح لك بس ماهو تعامل أخوي .. يعني بعيدين عن بعض كثير
عبدالرحمن بضيق : لأن رتيل مصارحة عبير بعواطفها وعبير رمت عليها حكي من هالأشياء اللي صارحتها فيها !! فعشان كذا متضايقين من بعض
ضي أبتسمت : وأنت مصدق هالشي ! طبعًا لا ياروحي .. رتيل ماصارحتها بأي شيء وهي بنفسها قالت ليْ
عبدالرحمن : وش قالت لك ؟
ضي بلعت ريقها : يعني عن علاقتها مع عبير وأنها هالفترة متوترة و .. بس
عبدالرحمن بحدة : ضي تكلمي
ضي : وش أتكلم ! قلت لك اللي أعرفه ،
عبدالرحمن تأفأف : طيب
،
دخل بصورة مُفاجئة للحرس المُنتشرين في هذا البيت ، أجبرهم على إلتزام الهدُوء ليصعد للأعلى و يُفاجئهم بحضُوره.
فارس المعطي لباب غُرفته ظهره ، صامت هادىء في وقتٍ كان يُثرثر بها حمد على رأسه : أنا أكلم جدار ؟ يخي تكلم أنطق حسسني أني بشر جمبك
فارس بهدُوء : أطلع برا
حمد بخبث : تفكر بمين ؟
من خلفه : حمممد
ألتفتوا جميعهُم لهذا الصوتْ الذي تحفظه قلوبهم مهابةً ، وقف فارس تاركًا كراسة الرسم البيضاء على الطاولة ، أتجه له حمد ليُسلِّم عليه ومن خلفه كان فارس ، قبَّل رأسه : شلونك يبه ؟
رائد : بخير !! .. وش عندكم ؟
حمد : ولا شيء جالسين نسولف
رائد رفع حاجبه : بأيش ؟
حمد بلع ريقه : يكلمني عن الرسم وكذا
رائد : آييه ، .. أقترب من كراسته ليأخذها فتح أول ورقة ولاشيء سوى رسومات مُتداخلة لايفهم بها شيئًا ، تركها ليتصفح الكراسة و . . آخر صفحة عيناها مُسيطرة.
ألتفت : هذي مين ؟
فارس بعد ثواني صمت أردف : خيالي
رائد بشك : خيالك !!
فارس : إيه
رائد بعدم تصديق : آيييه .. طيب أنا جاي بنفسي عشان أخبرك .. بتروح معاي
فارس : وين ؟
رائد : أقصد بتسافر يعني !!
فارس بإندفاع : لأ .. يعني ماودي أسافر هالفتـر
قاطعه رائد بحدة : أنا مو جاي أشاورك أنا جاي أبلغك
فارس : بس يبه أنت تعرف أنـ
رائد : قلت خلاص !! جهِّز نفسك هاليومين
فارس تنهَّد ليجلس مُتجاهلاً والده و غاضبًا بمثل الوقت.
رائد : يا سلام ! مدري وش عندك عشان ماتبي تسافر ..
وبُسخرية أردف : لآ يكون الدراسة شاغلتك ! ولا بنعطل أمور دوامك
فارس شتت أنظاره بعيدًا و قدمه تهتَّز غضبًا.
رائد بصرخة : أنا أكلمك !!
فارس ألتفت عليه : يعني وش أرد ؟ خلاص ابشر
رائد عقد حاجبيْه ، واقفًا على بُعد مسافات منه : تعال
فارس يعرفُ والده جيدًا لذلك ألتزم الصمتْ.
رائد : فااااارس ووجع !
فارس : يبه الله يخليك خلاص ماله داعي قلت لك أبشر
رائد بحدة : ماأبي أكرر الكلام !!
فارس تنهَّد ليقف مُتجهًا إليْه وهو يعرف تماما ماذا سيفعل ، وقف أمامه : يالله عطني كفّ عشان على قولتك أتربى وأعرف أرد عليك زين !! ماكأني بطولك و أعتبر ذراعك اليمين
رائد رفع حاجبه : دامك تعتبر نفسك ذراعي اليمين ماتقوم تراددني
فارس : أنا أناقشك !! قلت لك ماأبي أروح وقلت غصب عنك تروح وقلت لك خلاص أبشر ! يعني وش تبيني أسوي ، أبكي عند رجلك وأقولك تكفى يبه خلني هنا وماأبي أسافر ! ماعدت بزر أوصل لبطنك وأترجاك ! قلتها لك كثير وبرجع أقولها أنا لي شخصيتي مهما حاولت تهمِّشني ببقى فارس وبتبقى رائد ومستحيل أكون رائد ومستحيل تكون فارس عشان كذا يبه الله يرضى لي عليك لا عاد تكلمني بهالطريقة وكأني حيوان مربيه ما كأني ولدك
رائد أبتسم بدهشة : الله الله !! تبيني أصفق لك على الكلمات البطولية !
فارس شتت أنظاره لايُريد أن يعلق بحدة عين والده.
رائد : طيب يا ولد موضي !
فارس بحدة نظر إليْه : لاترمي الأغلاط على أمي !!
رائد : ذكي والله تفهمها وهي طايرة
فارس بقهر : الحين مين اللي ربَّاني ! أنت ولا هي ؟ أغلاطي هي نتايج تربيتك ماهي نتايج تربية *يُقلد صوت والده* موضي !
حمد ضحك على تقليد فارس لينسحب بهدُوء قبل أن يعلق هو الآخر بغضب رائد الجوهي.
رائد يحك شفته مُنبئًا أنَّ هُناك ضرب سيأكله فارس الليلة.
فارس بهدُوء أراد أن يحرج والده ، تقدَّم إليه ليُقبِّل مابين حاجبيْه : هذي نتايج تربية موضي ...
،
على السرير مُستلقي و هاتفه الموصول بسماعاتٍ رقيقة على بطنه ، بخيبة أجابه : يوم شفتك طوَّلت قلت أكيد نايم .. ليه مانمت ؟
عبدالعزيز بتعب : ماجاني النوم ! حتى الحبوب مانفعت ! هذي شكلها من دعوات بعض الناس
ناصر ضحك ليُردف : ياهي دعوة من قلب !!
عبدالعزيز بإبتسامة مُرهقة : أصلا قال بوسعود بيجون بعد كم يوم ! بنبدأ شغل ومدري كيف ببدأ وأنا مخي موقف و كل خلية بجسمي أحس ودها تنام
ناصر : طيب وش سويت من الصبح ؟ رحت المقبرة !
عبدالعزيز : لأ . . والله مافيني حيل أتحرك ، بكرا إن شاء الله بروح أزورهم
ناصر : إن شاء الله ... اليوم في عرس ريان كلمني فيصل القايد .. طبعا ماتعرفه ! المهم هذا أبوه كان ويا أبوك الله يرحمهم جميعًا
عبدالعزيز : إيه وش يبي ؟
ناصر : يقول فيه أمانة ولازم يوصلها لي .. خذيت رقمه ومن اليوم أفكر فيه .. مدري وش يقصد ؟ كل الأفكار السودا جت في بالي ! خفت يكون شي يخص شغلي القديم بباريس أو مدري ..
عبدالعزيز بـ " هبل " : يمكن يبي يزوجك وحدة من خواته
ناصر بحدة : عز أتكلم جد بلا خفة دمك !!
عبدالعزيز : طيب وهذا فيصل وش يطلع ! يعني كبير ولا بزر
ناصر : بعُمرنا يمكن بالعشرينات أو بداية الثلاثينات
عبدالعزيز : إيه يعني بزر
ناصر بخبث : سبحان الله تعرف لنفسك
عبدالعزيز ضحك ليُردف : إيه أنا بزر !! أبي ماما
ناصر : هههههههههههههههههههههههههههههههههه يالله تدري لو أني حقير وأسجل حكيْك وأسمعك إياه لا صحصحت بتصرخ وتقول هذا مو أنا ... بس تسنع ونام لأنك بديت تهلوس وماهو زين !
عبدالعزيز : تراني واعي وأعرف وش أقول ! أنا جالس أتمصخر وأقولك إيه بزر ! بس أنت ودك أنه من جدِّي أحكي
ناصر : طيب خلاص أنقلع نام .. وأغلقه في وجهه.
عبدالعزيز أخذ نفسًا عميقًا لتسقُط عيناه على معطف أثير المرمي على الكُرسي ، نسيْت أن تأخذه!
يالله أرتكبت حماقة اليوم ، يجب أن أُحادثها .. أخرج هاتفه ليتصل عليها في وقتٍ يبدُو أنه غير مناسب ، رنّ مرة و مرتيْن وثلاث و بطُول الإنتظار وإمتداده أجابت بصوتٍ ليس بناعس : هلا عبدالعزيز
عبدالعزيز : نايمة ؟
أثير بهدُوء : لأ
عبدالعزيز بعد صمتٍ لثواني أردف : آسف على اللي صار اليوم ..
أثير ألتزمت الصمت هي الأخرى
عبدالعزيز : أثير أنتِ معايْ ؟
أثير : معاك
عبدالعزيز : طيب ينفع تجيني بكرا الصبح بدري ؟
أثير : مقدر .. عندي شغل
عبدالعزيز : يعني زعلانة ؟
أثير بهدُوء : مين قال ؟ بس أنا جد مشغولة بكرا
عبدالعزيز : بس كان كلامك غير لما كنتِ هنا وقلتي لي بتجين !
أثير : تذكرت انه عندي موعد
عبدالعزيز تنهَّد : طيب
أثير : نمت ؟
عبدالعزيز : لأ
أثير : طيب نام الحين !
عبدالعزيز بضيق : أثير جد متضايق على اللي صار !! ماكان قصدِي أتصرف معك بهالصورة لكن مزاجي هالأيام مش ولا بُد ..
أثير : طيب يا حبيبي قلت لك ماني زعلانة
عبدالعزيز تنهَّد : طيب .. بحفظ الرحمن
أثير : مع السلامة .. أغلقته و فكرها لا يُسيطر عليْه سوى نفوره الذي تصرف به أمامها ، كانت ردة فعله لا تمت للذوق بصلَة ، لم تكُن ستُمانع من أن يُقبلها فهي زوجته ولكن طريقته بتقبيلها وكأنها لاشيء أحرقت صدرها طيلة اليوم.
،
قبل ساعاتٍ قليلة ، عقربُ الساعة يقف على الثانيـة فجرًا ، دخلُوا جناحهم المُجهِّز في إحدى فنادِق الرياض المشهُورة ،
وقفت متوترة وأقدامها ترتجف وهي ترى إنعكاس ظلِه على الطاولة التي تُقابلها ، لم تستطع ان تتحرك ، كل هذا الكونُ يتجمَّد في عينها اللامعة بالدمع.
ريـان بهدُوء : خذي راحتك ، . . ثواني قليلة حتى سمعت صوتُ الباب.
أندهشت من أنه تركها ، من الممكن أن يكون خجول أو ربما لايُريد أن يضايقني أو من الممكن أنه رآني منحرجة منه ففضَّل أن يتركني قليلاً ، الأكيد أنه سيعُود . . رُبما كل الرجال هكذا في أول ليلة.
دخلت لغرفتهم و هي تفتح الأشياء المُعقدة في شعر أيّ عروس ، سقطت الطرحة على الأرض لترفعها وتضعها على " الكنبـة المُزخرفة بالجلد البُني " ، اليوم صباحًا أتت والدتها ورتبت أغراضها هُنا ، فتحت الدرج لترى مُستحضرات البشرة ، توقعت أنَّ هذا مكانها فهي تعرف جيدًا الريانة كيف تُفضل ترتيب الأشياء. مسحت مكياجُها لتنزع عقدُ الألماس الذي يُزيِّن عنقها ، ثواني خافتة حتى تعرَّت من زينتها بأكملها ، أغلقت باب الغُرفة بأحكام و دخلت الحمام لتستحم وتُريِّح أعصابها المُرتجفة بماءٍ دافِي ، تمُر الدقيقة تلو الأخرى و ريَّـان لايأتِي. بدأت بالتفكير و الماء يُبللها برذاذه ، لمحته اليوم لمرةٍ واحدة ، كان وسيمًا جدًا تليقُ به هيئة العريس ، لكن لم ينطق شيئًا يجعلني أبتسم ، هي مُجرد كلمتين " خذي راحتك " يالله لو قال " مبروك " على الأقل كنت طُرت بفرحي.
تأفأفت من حديثِ النفس المُرهق لها وخرجتْ ، نشفتْ شعرها و هي تسبقُ الوقت حتى لا يأتِي ويراها بهذه الفوضوية ، رتبت التسريحة التي أمتلأت بزينتها ، فتحت الدولاب و بعفوية " وش مفروض ألبس ؟ " تمتمت : أستغفر الله بس !!
بدأت الحُمرة تسري بجسدِها وتطبع بقعها الكثيرة على أنحاء جسدها نهايةً بوجنتيْها.
تركت شعرُها بنعومته ، وبثرثرة طويلة لاتملُ منها حدَّثت نفسها " أحط ماسكرا بدون كحل عشان يحسب أنه هذي رموشي طبيعية " و تذكرت حديث هيفاء لها في في الصباح الباكر " أصحي قبله وحطي من هالروج *تُشير لها للونٍ يُشبه الشفاه الطبيعية* وطبعًا حطي كونسلر عشان أكيد بتكون عيونك تعبانة وإذا ودِّك بزيادة حطي كحل خفيف وأرجعي سوي نفسك نايمة عشان لا صحى يقول ماشاء الله جمال طبيعي ، في وقتٍ آخر ضحكت نجلاء : يممه على الأفكار ! كل هذا يطلع منك ! لاتصدقينها ريوم أنتِ منتي محتاجة وبشرتك حلوة ، أندفعت هيفاء : لآ ماعليك زيادة الخير خيريين وبعدين عشان يقول عيونها كحيلة ههههههههه ، نجلاء : تراها بتمصخرك قدامه تخيلي ينتبه أنه مكياج والله عيب يقول هذي تنام بمكياج ماعندها ثقة بجمالها "
أبتسمت لذكراهم ، رُغم ربكة الفرح في قلبها الا أنها بدأت بإشتياقها لهُم ، هذه أول ليلة لها كيف ستمُر ، يالله كُن معي.
لم تجِد جلال الصلاة ، فتحت الدولاب المُرتبة بها ملابسها لتفتح الطرف الآخر المعلق بها عباءاتِها ، أخذت عباءة و صلَّت ركعتيْن تُطمئن ربكتها.
أتجهت للباب وفتحته و جلست على السرير ، مرَّت ساعة بكامل ثوانيها ، لم تعد تعرف ماذا تفعل ! تنام قبله ؟ أم تنتظره ؟ أم . . ؟
كانت تحتاج لدروس مكثفة من نجلاء و هيفاء إن حصل لها مثل هذه الأشياء الضيقة ، كانت تُفكر بأشياء بعيدة كل البعد من أن يتركها في أولِ ليلة ، إلى أين ذهب بالضبط ؟ أستغرق وقتًا طويلاً ولا ترى من هذا المكان سوى بشته الأسود المطوِي بترتيب على الأريكة ، رُبما هذا أمر عادِي ! من الممكن أن يكُون مرتبك ، طبيعي أن يكُون مرتبك لكن لم أسمع بشخص يترك عروسه في أول ليلة.
تنهَّدت بضيق ودمعة تسيلُ بهدُوء على خدها لتهمس لنفسها " صدق أني سخيفة أبكي على وش !! " هذا شيء عادي يا أنا ، شيء طبيعي أن يرتبك ! و الأكيد أنَّه بالصباح ستجِده بجوارها.
،
كررت إتصالها كثيرًا حتى أجابتها بصوتٍ ناعس ، بغضب كبير : وينك فيه ؟
العنُود : عند أبوي !
حصَّة بعصبية : وأنا جدار ورااك !! ليه ماقلتي لي ؟
العنُود بضيق : يمه الله يخليك بنام ماني ناقصة
حصَّة : يعني تبين تمشين اللي براسك ؟
العنُود بهدُوء أستعدلت في سريرها : أبوي موافق
حصَّة بغضب : تنسين ماجد واللي جابوه !! فاهمة ! لايكون تبين تكسرين كلمتي ؟
العنُود : يمه أنتِ رافضة بدون سبب واضح ! أبوه مطلق أمه وش دخلني فيه ! أنا لي دخل من ماجد ! وماجد كل الصفات اللي أبيها فيه وهو يبيني ويحبني !
حصَّة : أنا أعرف كيف أتصرف معك .. وأغلقته في وجهها.
تنهَّدت بغضب ، هذه الإبنة تُريد كسر حتى العادات و التقاليد ، منذُ متى تتمردُ الأنثى على العادات وتتزوج من هو لا صلةٍ لنا به ؟ لا أحد سيُنقذ الموقف سوى سلطان.
،
في خطوات خافتة سريعة نزعت فُستانها لترتدِي بيجامتها البيضاء ، من السُخرية أنَّها منذُ أن تزوجت لم ترتدِي قميصُ نوم ينطقُ للجميع بأنها عروس و " الجميع " كلمة شقيـة مبنية على الجرح تعود إلى " سلطان " الذِي يأتي في حياتي كـ إسم مبني على الألم في محل مبتدأ سرق الخبر ولم يعتقه لأجلٍ غير معروف.
ألتفتت للباب الذِي يُفتح مُعلنًا حضُوره بعد أن صعد للأعلى ، لغُرفتها الخاوية أو رُبما مكتبته ، لا يهُم أيّ ظن سأظنُه فـسُعاد التي لا أعرفُ عنها شيء هي أسفلُ التراب و من العبث أن أغار من ميتة.
سلطان بعينِه الحادة التي تُثير القلق بلا حتى أسباب : منتظرة احد غيري مثلاً !
الجُوهرة أنتبهت لوقوفها وعيناها التي تتأمله ، شتت أنظارها بتوتر : عن إذنك ... مرَّت بجانبه لتخرج ولكن أوقفته يداه : خير على وين ؟
الجُوهرة بإختناق : مو جايني نوم بنزل تحت
سلطان شد على شفتيْه : لأ
الجُوهرة أتسعت محاجرها بلا فهم لتصرفه
سلطان : يالله نامي
الجُوهرة بقهر : ماني بزر تنومني وأنا ماأبي أنام
سلطان بحدة : قلت نامي !!
الجوهرة بضيق جلست على الكنبة لتتكتف : ماأبي أنام
سلطان عاد للباب ليُقفله ويضع المفتاح في جيبه و يستلقي على السرير.
الجوهرة أنتظرت ثواني طويلة حتى نطقت وهي تعلم بأنه لم ينام بعد : سلطان !! .. طيب أبي أنزل أشرب مويا .. أدري أنك صاحي ...
بقهر أردفت : تدري أني بكلم أبوي ومع ذلك تبي تمنعني !! .. طيب أبي جوالي ناسيته تحت ...
سلطان وهو مغمض عيناه : ولا حرف زيادة ! وراي شغل بكرا لاتسهريني
الجوهرة تأفأفت كثيرًا حتى أردفت و تشعُر بإنتصار عظيم لثقتها التي بدأت تكبُر بعد 7 سنواتٍ قضتها بهشاشةٍ عميقة : أبي جوالي
سلطان فتح عينه وبغضب : حنيتي للمراهقة على هالزن والحنّ !!
الجوهرة ببرود : أبي جوالي مالك حق تمنعني أني أكلم أبوي ! لو رجع الشرقية بخليك انت بنفسك توديني
سلطان رفع حاجبه : ماشاء الله تبارك الرحمن صرتي تهددين بعد !
الجُوهرة عقدت حاجبيْها : ليه وش ناقصني عشان ماأهدد ؟
سلطان بدهشة من تصرُفاتها الغريبة عليه وهو الذِي تعوَّد منها الصمتْ ولا شيء غير الهدُوء المُريب.
أردف بنبرة وعيد : طيب يالجوهرة
سلطان أعطاها ظهره ليُغمض عينيْه مُتجاهلاً ، الجُوهرة المُرتدية رداء الثقة العظيمة إلا أن كل خلية بها ترتجف ، خافت أن يقف ويأتيها ومن ثم يدفنها في مكانها بسبب " مراددها " له.
مرَّت 10 دقائق طويلة و مازالت الجوهرة تتأمل هدُوئه ، أتجهت للطرف الآخر من السرير وهي تنتظُر أن تسمع إنتظام أنفاسه حتى تتسلل وتأخذ المفتاح ، تخشى أن يذهب والدها في الصباح الباكر دُونها.
تمُر الثانية تلو الدقيقة العريضة و ساعات الفجرِ ترن ، بعد طُول إنتظار أقتربت منه وقلبُها يتسارع في نبضها ومن شدةِ نبضها تشعرُ أنَّ قلبها الآن له صوت رنين يُسمَع على بُعدِ أمتار ، لاتُخبىء خوفها منه أبدًا مهما تظاهرت بعكسِ ذلك ، لامست أطراف أصابعها طرفُ جيب بنطاله القطني ، أدخلت يدها وبلحظةٍ خاطفة شدَّ على يدها لتذعر بشهقة ، لوى ذراعها خلف ظهرها ليهمس في إذنها : لا تجربين تلعبين معايْ ... شدَّها ناحيته ليُلصق ظهرها في صدره و ذراعه تُحيط يديْها ، قُربه هذا أربكها وأنساها ألم ذراعها ، لم تستطع الحركة أبدًا وهو مُثبت ذراعيْها على بطنها و قلبُه يجاور ظهرها الضعيف بالنسبة له.
تشعُر بأنفاسه وهي تخترقُ شعرها ، تألمت من التجمُد بجانبه و تألمت من تمدُدها الموازي لجسدِه لتردُف بضيق : توجعني والله
و كأنه لا يسمعُ شيئًا رُغم أنَّ عيناه مُغلقة إلا أن الإبتسامة تُزيِّن ثغره.
الجوهرة : خلاص آسفة ، بس إيدي عورتني ... *حاولت أن تتحرك ولكن ذراع سلطان في هذه اللحظات كالجدار الصلب*
أردفت : لازم أكلم أبوي ،
سلطان بهدُوء : يا مزعجة أسكتي
الجُوهرة تفكيرها أتجه لحركة من الممكن أن تجعل والدها يصلي عليها اليوم ، خافت أن تُطبقها مع سلطان و تخسر حياتها.
سلطان بعد هدُوئها أرخى ذراعه ليُفكر جديًا بأن ينام ولا يسهر أكثر بعد يومٍ مُتعب.
الجوهرة بمُجرد ماحاولت الحركة عاد وشدّ عليْها.
الجوهرة أغمضت عينها خوفًا وعضَّت كفِّه بكل ما أوتيت من قوة.
سلطان أبعد يده لتبتعد الجوهرة عن السرير و تتجمدُ في آخر زاوية بالغرفة.
عقد حاجبيْه من آثار فكِّها على يدِه حتى تجرَّحت ، لم يتوقع هذه الشراسة منها. رفع عينه الغاضبة عليها : بالله ؟
الجوهرة برجاء : أفتح لي الباب !! ماراح يجيني نوم وأنا ماكلمت أبوي
سلطان بغضب كبير : تحسبيني أختك ولا أخوك تمزحين معي !!
الجُوهرة بإندفاع : ما مزحت ! بس أوجعتني و ماتبيني أكلم أبوي ! يعني تفكر أنك تمنعني بهالطريقة ، أنا متأكدة أنه أبوي راح يتصل عليك لو ماأتصلت عليه.
سلطان بحدة : تعالي ولا والله إن قمت عليك لا أخليك تصبحين على أبوك بدري
الجُوهرة بربكة شتت أنظارها دُون أن تأتيه.
سلطان : الجوههرررة !!
الجوهرة بحزن : يعني ليه ؟ يعني تدري أنه ماهو برضاي وإلى الآن تعذبني !!! طيب أنا ماأقولك أقبلني .. خلاص أعتقني واللي شرع الزواج شرع الطلاق ! أنت رجَّال وأتفهم غيرتك وعدم رضاك أنك ترتبط بوحدة مـ ....خنقتها عبرتها لتصمتْ وتخفض نظرها وتُردف بوجع : ضربتني وحرقتني وطلعت كل حرتك فيني !! ماكفاك ؟ خلاص أنت ما تقدر تعيش مع وحدة على قولتك ضيَّعت شرفها !! طيب حتى أنا ما أقدر أعيش مع شخص ما ترك لي مكان إلا و علَّم عليه بضربه ! .. وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا .... وأظن أنك ماقصرت بضرِّي
تعرف كيف تلوِي ذراعي بالقرآن وبحديثِ الله ، تعرف جيدًا هذه البريئة كيف تُوجع قلبي بآياتِ الله و بكل لؤم تُدرك أنني لن أستطيع الرد عليْها.
الجُوهرة : ماني رخيصة لك ! أنا وراي أهل وناس ، لاتحسبني مقطوعة يوم أنك تضربني كذا !! مهما كانت مكانتك في قلب أبوي إلا أني بنته ، ولو أبي كان قلت له أنه تركي عندك ! بس عشان تعرف أنه هالإنسان مايهمني و أنه كذاب ! بس أنت ماتبغى تصدق !!!
و بمحاولة أن تنتصر لرُوحها : طلقنِي وصدقني ماراح تنزل عليك دمعة ، بقبل في غيرك و بيجي يوم تعرف أنه إسمي صار أم فلان .... و بعيش ! لأني أثق في الله. ماني غبية يوم أكون غلطانة وأعترف ! ماني غبية أبد عشان أفضح نفسي ! أنا كنت أبي أصارحك عشان أعيش بس عرفت أني مقدر أعيش معك
و أتى حديثُها القوي لاذع حاد مقهُور ذو أشواك على صدرِ سلطان.
وقف ليُدخل كفيْه بجيُوبه : و أنا وش أستفيد ؟ أيامي اللي ضاعت معك مين يرجَّعها ليْ ؟
الجوهرة سقط دمعها : وأنا ؟ طيب !!! أنا اللي جلست 7 سنين مقهورة ساكتة مقدرت أحكي بحرف !! مين يرجع ليْ سنين عُمري !!!!!! مستخسر تعطيني عُمري الثاني !! مستخسر تخليني أعيش ، تبي تستعبدني في حياتك و تقهرني في اللي بقى من عُمري !
سلطان ببرود : ماهو ذنبي
الجوهرة وهذه القسوة تشطُر قلبها : بيكون ذنبك إذا حرمتني من هالحياة !!
سلطان : ماحرمتك من الحياة ! أنتِ الغلطانة في كل هذا !!! لو قلتِ لأمك في وقتها وش ممكن يصير ؟ لو قلتِ لأبوك !! لو وقفتيه عند حدَّه ! مهما صار كان ممكن تدافعين عن نفسك أكثر
الجوهرة بغضب : أنا توني جمبك مقدرت أبعد عنك وأنت بس حاط يدك عليّ وهو ... لم تستطع أن تُكمل لتُردف : حرااام عليك !! ليه ظنك سيء فيني ؟ ما جربت شعوري وأنا خايفة من كل شيء حتى دراستي اللي حلمت أكمل فيها الماستر وقفتها .. كل شي ء ضاع مني و تبي تضيّع علي اللي بقى !!! ماراح أسمح لك .. إن ماطلقتني اليوم بيجي يوم وتطلقني وبرغبة منك .. لأنك بالنهاية زي غيرك في هالمجتمع ! تعرف وش يعني زي غيرك ! يعني يقدِّس العيب أكثر من الحرام !! أنا مالي علاقة فيك لكن يوم القيامة الله بيحكم بيننا وبتعرف عيب المجتمع اللي جالس يحكم في عقلك
سلطان بغضب أكبر : برافو والله !! صرتي تعطيني محاضرات ! تبيني آخذك بالأحضان عقب هالقرف اللي جبتيه ليْ !!
الجُوهرة و دمُوعها تتناثر : لآ ماأبيك تآخذني بالأحضان أبيك ترمي عليّ الطلاق وكلن في طريقه لا أنت مستعد تعيش معي ولا أنا ! ليه تبي تقهرني !! ليه تبي تشوهني أكثر عشان تمنعني من غيرك !
سلطان بسخرية غاضبة : أشوهّك أكثر ! ليه أنتِ الحين منتي مشوَّهة !!!! إذا أنتِ مآخذة الشرف عيب ونظرة مجتمع أنا مآخذه حراااااااااااااااام *نطق كلمته الأخيرة بحدَّة*
الجُوهرة جلست على الأرض لتُدخل كفيْها بين فخذيْها وتبكِي بحُرقة كبيرة من تجريحه لها ، من الحزن الذي لن ينسلخ عنها أبدًا ، من القهر الذي لا يُريد أن يفارقها ، من المحاولات التي تُريد أن تبدأها وتنتهِي بشهقة ، من كل الأشياء الذابلة في حياتها ولا تُريد أن تُظللها لمرةٍ واحدة ، تبكِي من سلطان.
سلطان وكأنهُ أنفجر هو الآخر : لا تفكرين للحظة أنه هدوئي يعني رضاي !! عُمري ماراح أرضى فيك يالجوهرة !!!!!!!!
رفعت عينها وبصوتٍ موجوع : ما قلت لك أرضى فيني ! أتركني لاتحسب أنك بتكسر أحلامي بطلاقي !! عُمرك ما كنت حلم عشان ينكسر !!
سلطان وهذه الكلمات الجارحة كأنها زيتٌ على نار ، أقترب بخطواته : لا تحاولين تمثلين القوة !! معاي أنا بالذات لاتحاولين ...... وعاد للسرير ليتجاهلها بقسوة راميًا : تصبحين على خير يا آنسة
الجوهرة رُغم محاولاتها البائسة في كتم أنينها إلا أنه خرج بقهر كبير ، سلطان الذي هرب النوم منه أغمض عيناه وكأنه يُجبر نفسه على شيءٍ لن يأتي أبدًا في ليلةٍ كهذه.
،
صباحٍ مُبتهج لا ذنب لسماءِ الرياض في شيء سوى سخطِ سُكانها الغاضبُون في مثل يومٍ كهذا ، لا ذنبْ للرياض من الحُزانى و العاشقين ، إنَّ المدينة بريئة من الدماء البيضاء التي تهطل من جميلاتها ، إنها بريئة من كُل هذا. لأنها الشماعة التي عُلِّق عليها عيُوب الحُب و ثغراته. يا الرياض مُعاذ الله أن أطلبُ منكِ الفرح و من خلقنِي يحكُمك ، إني أطلبُ من الله أن يُبلل سماءك حتى أُحبك كما ينبغي.
منذُ ساعة و هي جالِسة على الأريكة ذات الشكل الدائرِي ولا يفصُلها عن نافذتها التي تخترقُ منها أشعة الشمس إلا خطواتٍ قليلة ، شعرُها متناثر ويبدُو أنه متعب من تعبِها ، تنظرُ لسماء الرياض الجافة وقلبُها يذبلُ بمرُور عقرب الثوانِي التي يشطُرها ستُون مرَّة في الدقيقة.
لو أعرفُ من أنت يا مجهُولي ؟ لو أعرف فقط إسمُك الأوَّل لأنادِيك به. لِمَ كل هذه القساوة ؟ أُريد أن أعرف لِمَ الجميع يتواطأ معك عليّ ؟ لِمَ الجميع يستفزُ قهري و يغيضني ؟ رتيل رُغم أنَّها لا تُريده في مثل هذا الوقت الا أنها تُحبه وتزوجت ممن تُحب مهما كانت الطرق الوضيعة التي توَّجت هذا الزواج ! المهم أنها تزوجت منه و أبِي رُغم كل شيء تزوَّج من ضي الذِي يُحبها و أنا أعرفُ أنه يحبها ! أعرفُ كيف نظراته تختلف عندما يراها مهما حاول أن يُظهر بعكس ذلك. و أنا ؟
من بينهم جميعًا لم أجِد طريقًا للسعادة/للحياة. من بينهم جميعًا أنا الخائبة الخاسرة في كُل هذا. و يسألُوني لِمَ أفعل كل هذا ؟ أهذه حياة التي أعيشها ؟ أهذه حياة حتى أبتسم لهُم في وقتٍ الجميع به سعيد أو حتى نصف سعيد ! ولكن أنا ؟ حزينة من أطرافِ أصابعي حتى جذور شَعرِي ، أيُوجد أكثر من ذلك سواد ؟ رحمتك يالله إني أحتاجُ الحُب كحاجتي للماء.
وجهُها الأبيض المأسُور بفارسٍ مجهُول يذبلُ حتى تسقيه دمُوعها الشفافة. و يا عُمرِي إنِي منك مُفلسة.
،
في جهةٍ أخرَى نزلت رتيل بوجهٍ شاحب يطلُ عليه بقايا الكحل الأسود من شُرفة عينيْها ، نظرت لأفنان المُنشغلة بالمجلة : صباح الخير
أفنان رفعت عينها : صباح النور
رتيل : محد صحى ؟
أفنان : شكلهم كلهم تعبانيين حتى عمي ماشفته راح للدوام
رتيل : ولا ضي ؟
أفنان : حتى ضي
رتيل تنهَّدت وجلست بمُقابلها لتسكب لها كُوب شايْ ، أفنان : ترى بشرتك بتتعب إذا قمتي تنامين في المكياج !
رتيل بعدم إهتمام : تعيجزت أمسحه أمس
بعد صمتْ لثواني طويلة أردفت أفنان بحماس : رتُول بقولك شي
رتيل : وشو
أفنان : بصراحة سويت شي شنيع في باريس
رتيل بإبتسامة : وش الشي الشنيع ؟
أفنان : بنص الدورة قالوا لنا بتروحون " كَان " المهم كانت معايْ ضي وقالت لي أنه زوجها جاء اللي هو عمي وأنها بتجلس معه ، عاد أنا رحت بالقطار بروحي
رتيل : إيه
أفنان : المهم مالقيت مكان الا جمب واحد
رتيل بضحكة : والله من العوابة !! قطار وش كبره مالقيتي الا جمبه
أفنان بحزن فعلي : والله العظيم مالقيت الا جمب نواف
رتيل صخبت بضحكتها : وبعد إسمه نواف ! أمداك تتعرفين عليه
أفنان تنهدت : رتيل لا تتطنزين جد أتكلم
رتيل : طيب كملي
أفنان : المهم ما حصل بيننا حكي يعني بس سألني إذا متضايقة أني جالسة قدامه ويعني كلام عادِي وسطحي حيل ، يوم وصلنا أكتشفت أنه إستاذ ومُحاضر يعني إستاذي ، المهم يعني صار يصبِّح علي وكذا يعني مجرد كلام رسمي ما صار شي أوفر والله
رتيل بإستهبال دندنت موسيقى حزينة بصوتها : يصبِّح عليك
أفنان بعصبية : الشرهة علي أقولك
رتيل : ههههههههههههههه خلاص كملي وش صار بعدها
أفنان : المهم جتنا دعوة العيد أنا و سمية طبعا سمية تعرفت عليها بـ كَان ، ورحنا وكانت فيه مشروبات كحولية وإحنا ماندري ! عاد شافنا وتخيلي عصب وهزأني .. إلا مصخرني بحكيْه وطبعا أنقهرت ورديت عليه ، المهم بعد كم يوم كنت في لادوريه أفطر وشافني وجاني قام يعتذر
رتيل بإنفعال : طبعا ماراح تقبلين إعتذاره يآكل تراب !! خير إن شاء الله يهزأك مين هو أبوك ولا أمك ! يعني خلاص كل السعوديين أخوانك وأولياء أمرك في السفر .. خليه يولي بس أجل يهزأك وأنتِ ماتدرين
أفنان : كل هذا يهون قدام الصواريخ اللي قلتها
رتيل أتسعت محاجرها : وش قلتي ؟
أفنان : أتصلت عليه زوجته وهو يكلمني ، وأنقهرت يعني مدري كذا أنصدمت ماتوقعته متزوج ! قمت وقلت له أنه زواجي بعد فترة
رتيل : ههههههههههههههههههههههههههههههههه لا تطيح السما علينا
أفنان بقهر شديد : والله أني كلبة مدري ليه كذبت مع أني ماكان قصدي أكذب يعني تعرفين لما تقولين شي لا إرادي
رتيل : بالله وش ردّ عليك
أفنان : عادِي قال الله يوفقك !! كذبت كثير حتى من قوة الكذبات أول مارجعت كتبتها بمفكرة في جوالي عشان ماأنسى
رتيل بسخرية : عيب عليك ! تكذبين !!! أفآآ بس أفآآ
أفنان بضيق : يالله والله أني ندمانة لا تزيدينها عليّ
رتيل : الحين لما بترجعين وتكملين دورتك المعفنة ذي بيكون موجود
أفنان : مدري بس أتوقع ! أصلا خلاص ما بقى الا أقل من شهر يعني بتمُر بسرعة بس ماأبغى أشوفه أحس بيكشفني ! أحس كأنه مكتوب على جبيني تراني كذابة
رتيل بجدية : يعني ماأشوف سبب يخليك تكذبين ! إلا اذا كان يهمـ
قاطعتها أفنان بإندفاع : طبعًا لأ ، أقولك ماأعرف عنه الا إسمه يعني وش بيهمني فيه
رتيل بعد صمت لثوانِي : طيب تجاهلي الموضوع ! بعدين وش بينك وبينه عشان يجلس معك وتكذبين عليه !!
أفنان : يعني وش أقوله ؟ أنقلع !! يعني أنحرجت وهو جلس !
رتيل بصوتٍ ساخر : سدًا لباب الفتنة
أفنان تنهَّدت :يا شينك بس
،
أنتظر منه رسالة تُخبره عن موعدٍ يجمعهم ، طال إنتظاره وهو ينزلُ للأسفل و ريف الصغيرة تلعبُ عند عتباتِ الدرج ، أبتسم : ريووف
رفعت عينها وهي ترمش ببراءة ، ضحك ليحملها بين ذراعيْه : يا كُبر حظه من بيآخذك
ضحكت من خلفه والدته : الله يطوِّل بعمرك وتزفَّها على رجلها
أبتسم فيصل : عاد هالزين ما تآخذ أي واحد !
والدته بإبتسامة نقيـة : طيب أجلس أبيك بموضوع
فيصل جلس ليُلاعب ريف بيديْه : سمِّي
والدته : سم الله عدوك ، للحين تبي العرس ؟
فيصل صخب بضحكته ليستفز والدته :لأ
والدته برجاء : يالله عاد فيصل
فيصل أبتسم : مين شفتي بعرسهم ؟
والدته : ماشاء الله عرسهم يهبل ويجنن حتى العروس ...
قاطعها فيصل : مايجوز يمه توصفينها
والدته : طيب طيب لاتآكلني .. المهم شفت لك ثنتين وأنت أختار
فيصل بإبتسامة : ومين هالثنتين ؟
والدته : بنت عبدالرحمن آل متعب .. الكبيرة إسمها عبير والثانية أخت منصور الصغيرة هيفاء
فيصل تنهّد : لآ يمه ماأبي آتزوج منهم
والدته : وليه إن شاء الله ؟ بالعكس ناس نعرفهم ونعرف أصلهم وأخلاقهم
فيصل بهدُوء : يمه الله يخليك خلاص سكري على الموضوع ! إذا تبين تخطبين لي دوري لي من الناس البعيدة
والدته : عشان اللي صار ؟
فيصل ألتزم الصمت وهو عاقدٌ حاجبيه
والدته : طيب خلاص ماتبي من عبدالرحمن آل متعب رضينا ! لكن الحين علاقتك كويسة مع بو منصور وأهله
فيصل مازال مُلتزم الصمت لا يروق له هذا الحديث أبدًا
والدته : طيب أنا أحس هيفاء تصلح لك وذكية ماشاء الله وأحسها هادية وجدية نفسك .. كل الصفات اللي تبيها
فيصل بسخرية : فرضًا أنصدمت فيها وطلعت غبية خبلة هبلة
والدته بعصبية : فيصل لا تتكلم عن بنات الناس كذا !! بسم الله على قلبك يا مخ نيوتن يوم تبي وحدة ذكية
فيصل أبتسم : طيب غبي وغبية ماينفع أبيها ذكية عشان تعقلني
والدته : تتمصخر على كلامي ؟
فيصل : يا فديت روحك ماعاش من يتمصخر بس قلت لك ماأبي آخذ من الناس القريبة دوري لي أحد بعيد ولا خليني كذا مرتاح
أنتبه لهاتفه الذي يهتز ، فتحه وإذ هي الرسالة المنتظرة " صباح الخير فيصل ، وش رايك نلتقي الساعة 4 في ... ؟ "
،
رجعت من موعدِها الثقيل على نفسها ، رجعت وهي تشعُر بالضعف أكثر بعد أن أوصتها الدكتُورة بالعناية أكثر وإلا ستخسر هذا الطفل بإهمالها الشديد لصحتها.
و مازال لا يُحادثها ، مالذِي غيَّره بهذه الصورة الرهيبة ، كانت أحاديثُنا الأخيرة وديَّة ماذا حصل حتى يتغيَّر هكذا ؟
أنتبهت لـ غالية الجالسة وتتأملها ، رفعت حاجبها : مضيعة شي بوجهي ؟
غالية بإبتسامة : لآ بس أشوفك متضايقة عسى ما شرّ ؟
مُهرة : ماني متضايقة ولا شي .. بس أفكر
غالية مددت بكلماتها دلعًا : آهآآآ تفكريـــن !
مُهرة تنهَّدت بضيق منها لتجلس وهي تنزعُ طرحتها من شعرها : يقولك من راقب الناس مات همًا
غالية نفثت على صدرها : الحمدلله خالية من الهم
مُهرة أخرجت هاتفها لتُردف : وين أمي ؟
غالية : وش يدريني ! لآيكون الشغالة اللي تحرسها
مُهرة كشرت و نظرت لآخر دخُول ليوسف في الواتس آب كان فجرًا. أرسلت له صُورةٍ لرحمها غير واضحة تمامًا ألتقطتها وهي بالسيارة من الصورة الأصلية التي أخذتها من الدكتُورة ، كتبت تحتها " إذا كان يهمك أمري "
في وقتٍ آخر كانت النقاشات تدُور حول الزفاف و ماحصَل به و حماسُ هيفاء بوصفِ ماحدث طوال ما كانتْ ريمْ في القاعة.
هيفاء : بس قهرر والله كنت أبيكم تدخلون
يُوسف : ريان ما بغى ومقدرت بعد أجبره بس الله يهنيهم يارب
فتح هاتفه ليفتح مُحادثة مُهرة و ينظُر للصورة ، أنقبض قلبه بل أرتجف من أنَّ جنينًا ينمُو في أحشائها ، من أن روحًا تعيشُ في رحمِها منه ، مني أنا ؟ كل هذا يعني أنني قريبًا سأصبح أبًا ! يالله كم أنت رحيمٌ بعبادِك وكم أنت كريمًا على عبادِك ، عيناه كانت تحكِي أصُول اللهفة حتى جذب غيرُه له ، نطقت والدته : وش فيك يوسف ؟
يوسف و إبتسامة ضيقة تُزين شفاهه : لا ولا شيء .. وأبتعد صاعِدًا لغُرفته ، أتصل عليْها مرةً و إثنتين ولكن لم ترد.
كتبت له " ماني لعبة لمزاجك "
يُوسف تنهَّد ليكتُب لها و تبدأ حربٌ بالكلام " علمي نفسك هالحكي ماهو أنا "
مُهرة بقهر " الحين طلعت أنا الغلطانة ؟ تدري الشرهة علي ماهو عليك "
يُوسف " إيه طبيعي الشرهة عليك لأنك غلطانة وحتى ماودك تعترفين "
مُهرة " أنا ماأدري وش اللي قلبك بس أنا الغبية اللي فضفضت لك وأنت ماتستاهل !! منت بعيد عن ظنوني "
يُوسف بإستفزاز كتب لها " أكيد ماني بعيد عن ظنونك الحسنة "
مُهرة بغضب و مزاجُ الحامل لا يُستفز " حقييير "
يُوسف صُعق من كلمتها الوقحة بحقه وكأنه أصغر أبناءها وليس زوجها " قد هالكلمة ؟ "
مُهرة خرجت من الصالة لتصعد لغُرفتها وتُغلق عليْها الباب و بدمعها كتبت " إيه قدها "
يُوسف لم يرد عليْها و أخذ مفتاح سيارته لينزل للأسفل ويرمي حديثٍ على عائلته الجالسة دُون أن يقف لهم : أنا رايح حايل ....
،
" ياعـاقـد الحاجـبـيـن علـى الجبيـن اللجيـن إن كنت تقصد قتلي قتلتني مـــرتـــيـــن " هذا ما قالهُ الأخطل الصغير و هذا ما رددهُ قلبُ الجوهرة. جالسة بجانب العمة حصَة ، كانت أحاديثهم هادئة تميلُ لمزاجية الجوهرة في يومٍ تعيس مثل هذا لا يردُ عليها والدها أو رُبما لم ينتبه لهاتفه.
نزل المُتأخر في نومه بعُقدة حاجبيْه ، حصة : طيب قول صباح الخير
سلطان دُون أن ينظر للجوهرة : صباح الخير
حصة : وش فيك معصب ؟ أجل دام كذا بأجل موضوعي
سلطان جلس بجانبها : وش موضوعك ؟
حصة : ماراح تداوم اليوم ؟
سلطان : نسيتي ؟ إجازة !
حصة بهدُوء سكبت له من القهوة : صحصح وبعدين أقولك
سلطان أخذ الكُوب مُلتزمًا الصمتْ وبعد ثواني طويلة أردف : العنود وينها ؟ صار لي يومين ماشفتها !
حصة : عند أبوها
سلطان بسخرية : والنعم والله
حصة بحدة : سلطان !!
سلطان تنهَّد ليعُود لصمته ، وسط سكينة الجُوهرة و تأملاتها . . تهتم بالجميع وتبخل عليّ ؟ تهتمُ بِأن تُداري خواطرهم وتنسى خاطرِي في جيبِك ؟ كأنك واثقُ من رضايْ.
رن هاتفُ الجوهرة ليُعلن عن ضوضاءِ عينِ سلطان. كان الهاتف على الطاولة ، وقفت لتتجه إليْه أمام سلطان ، ردَّت على والدها : هلا يُبـه ..... وخرجت من الصالة.
حصة : بترجع الشرقية ؟
سلطان بحدة : مدري
حصة : كيف ماتدري !! يعني متى تتحركون وتحلون خلافاتكم ! ماصارت كل ماقلنا تعدلت رحتوا تخانقتوا من جديد !!
سلطان بخفُوت : عُمرها ماراح تتعدَّل
حصة : يعني أرجع وأقولك الكلام نفسه ؟ إلى متى !! أنتهينا من سعاد الله يرحمها ورجعنا لنفس الموضوع من جديد ! زواجك من سعاد كان شيء إستثنائي لاتحكم على كل زواجاتك من هالأساس !
سلطان : وش دخل سعاد الحين !! حصة تراك فاهمة الموضوع غلط
حصة : لا ماني فاهمة غلط !! أنت اللي مدري من وين جايك الهبال على آخر عُمرك ! تذكر وش قلت لك عن سعاد ؟ كل شيء سوَّه بحجة تأنيب ضمير الا الزواج ! الزواج ماينفع يكون أساسه شفقة
سلطان بغضب : ومتى كان زواجي من سعاد شفقة ؟
حصة بحدة : إلا زواجك منها شفقة ولو تحلف قدامي ماني مصدقتك ! ولا تحسب أنك محتفظ بغرفتها يعني مصدقتك انك ميت فيها !! طول عمرك ماكنت تشوفها أكثر من أخت و حتى هي الله يرحمها ماكانت تشوفك زوج !
سلطان رمى الكُوب ليتناثر زُجاجه ويقف غاضبًا ومزاجه لايُبشِّر بالخير : يا سلام !!! هالحين حكمتي على كل شي بمزاجك !! وكأنك تعرفين كل شي وفاهمة فيه ! ولا بنتك عرفت كيف تغيَّر موقفك من سعاد
حصة : العنود مالها دخل بس كانت صادقة في هالموضوع ! وما ألومها أنها تنقهر تبقى صديقتها
سلطان بغضب كبير : مين صديقتها ؟ بنتك لو فيها خير كانت زارتها بالمستشفى يوم مرضت بس ونعم الصداقة اللي تعرفها بنتك ! بس شاطرة تطوِّل لسانها وتحكي لي فيلسوف زمانها وش لازم يصير ووش اللي ماهو لازم يصير ! شوفي حصة للمرة المليون أقولها لك موضوع سعاد ماينفتح في هالبيت !!
في جهةٍ أخرى كانت تسمع لكل حرف بعد أن أغلقته من والدها ، أتجهت لهُم لتقف من خلف سلطان.
حصة ولم تنتبه للجوهرة التي بجانب الباب ، أردفت والغضبْ يشتدُ بينهما : إلا بينفتح لين تسكره من حياتك وماتخليه يأثر عليك بحياتك مع الجوهرة !! ليه ماتعطي نفسك حقها ! حرام عليك اللي تسويه بنفسك !! فيه أحد يشوف وش اللي يضايقه ويسويه !!!!! وين بتلقى أحسن من الجوهرة ؟ ليه تخلي مشاكل بسيطة تنهي علاقتك بالشخص ! قولي إلى متى يعني ؟ تبي تقطع نسلك و تقهرني فيك ! يكفي يا سلطان ماعاد صارت حياة هذي !!!! الشغل اللي معطيه كل عمرك ماراح يشيلك والشيب يكسيك ! ماراح يداريك بليل و ماراح يوقف معك بمرضك !!
سلطان بهدُوء : حصة الله يرضى لي عليك أنا أعرف مصلحتي ومعطي نفسي حقها ، و *بقسوة أردف* و نفسي عزيزة عليّ ماألطخها بأحد
من خلفه أرتجف قلبها ، أأصبحتُ أنا " قذارة " حتى ألطخك ؟ يا قسوتك حتى بحديثِك يا سلطاني.
حصة أنتبهت للجوهرة و شتت أنظارها مُلتزمة الصمت.
سلطان ألتفت لينظُر إليها ، هذه المرة لم تخجل بأن تضع عينها بعينه ، رُبما وجود حصة يُعطيها بعضُ الأمان ، بحدة عينه لم تخاف أن ترمي عيناها بشرر العتبْ الذِي سيُفكر به سلطان طوال يومه ، أثق بأنك ستُفكر بـ سرِ هذه النظرات يا إبن بدر !
فاجئها بصوتٍ خافت : تعالي فوق
↚
أرتبكت لتُشتت أنظارها و تبتعد عن الباب ليخرج صاعدًا للأعلى ، بعضٌ من الربكة يُخففها إتصال والدها ووعده بأن يأتيها عصرًا ، صعدت خلفه و هذا الهدُوء قاتلٌ لها و قلبِي الذِي لا أفهمه ولا أفهمُ ما يُمرره على ثغره أظنُ أنني فهمتُه ويجب أن أُجيب على عاقد الحاجبيْن بمثل ما قال الأخطل " مـاذا يـريبك مني ومـاهممت بـشين ، أصُـفرةٌ في جبيني أم رعشة في اليدين ؟ "
دخل سلطان لجناحهم المُمتد في الطابق الثاني ، ليُخرج تنهيدةٍ لها معانِي كثيرة و رُبما معانِي مروَّعة.
ألتفت عليْها : سكري الباب
أغلقته بهدُوء ، بلعت ريقها لتُدافع عن نفسها قبل أن يتهمها : ما يهمني موضوعك مع سعاد !
سلطان : وأنا سألتك إذا يهمك ؟
شدت على شفتِها السُفلى ، يُريد إحراجها بأي طريقَة حتى لو كانت طريقة لا أساس لها !
بقهر أجابته : طيب آمر وش تبي تسمِّعني ؟ أنه نفسك العزيزة ما ترضى أحد يلطخها ! ولا سموُك ما يتواضع وينزل ليْ ؟ .. على العموم أبوي على وصول و ساعتها فكِّر براحتك تطلقني ولا ماتطلقني ! بكلا الحالتين أنا باقية في الدمام ! والباقي يتفاهم معك فيه أبوي ،
سلطان رُغم البراكين المُشتعلة بداخله الا أنه أبتسم ببرود : جايبة هالقوة منين ؟
الجُوهرة بإندفاع : منك !! ولا نسيت حلالك على وش مربيه !
سلطان يعرفُ بماذا ترمي عليه ، يذكُر تلك الليلة التي أتتهُ بأقدامها ليعانقها ويهمس " وحلالي ماأرضى عليه بالغصيبة " ، تُريد إذلاله على كلماتٍ قالها في لحظةٍ كان يراها كاملة من كُل ناحية : لا مانسيت !! .. بقولك شيء يالجوهرة بس عشان ما تفكرين لحظة أني أخلفت بوعدي لما قلت لك أحسني ظنك فيني بقولك قبل لايروح كل شخص بطريقه !
الجوهرة تقطع قلبُها قطعًا بلفظه الأخير ، تقطَّع حُزنًا ، مهما كان أمرُ الطلاق على الأنثى جرحٌ و جرحٌ عميق ، أرتجفت أهدابُها ! كيف يكُون على إستعداد تام بأن يشهد على موتي ؟ كيف يكُون الرجال بهذه الصورة القاسية ؟ لمرَّة أنصفُوني يا رجال هذا العالم الهزيل ، لمرَّةٍ واحدة أعطُوني حق سلبتموه مني.
كيف أقُول " ارجوك لا تنطقها " دُون أن تسقط كرامتي بالمنتصف ، كيف أقولها يا سلطان !!
سلطان بصراحة ملَّت من أن تسكن جوفه : ما نمت أمس وأنا أفكر فيك .. ماراح أقول أنك ماتهميني ولا بكذب عليك
رفعت عينها و دمعةٌ مُرتجفة سقطت.
يُكمل : لو طلبتي الطلاق قبل لا تصاريحني أنا وأبوك ، لو أصريتي بالطلاق كان بتكونين ذكرى حلوة في حياتي ! كنتي بتكونين كذا ليه قلتي لي ؟
صُدمت من منطقه ، صُدمت وجدًا من تفكيره ، فكوكها ترتجف وتصطدم بلاحولٍ ولا قوة.
سلطان : لو كنتِ زوجة غيري ! كان بيصبر عليك مثل ما صبرت وأنا أشوفك كل يوم !! كان بيصبر ويمسك نفسه عنك وأنتِ حلاله ؟ .. محد صدقيني بس بتكون كارثة إن أكتشف بنفسه !! تدرين أني صبور وقادر أصبر عنك . . وش كنتِ متوقعة مني عقب ما قلتي لي أنا وأبوك ؟ كنتِ متوقعة أني أرضى ! أنا أحلف بالله أنك متوقعة ردة فعلي بدون أي شي ! وتعرفين أنه النهاية وحدة وهي الطلاق ! ليه قلتي لي من الأساس !!
بعصبية لم يُسيطر عليْها : عشان تقهريني ؟ عشان تخليني أفكر كيف كنت غبي وأنا أصبر وساكت !! ولا تحسبيني بقولك انا والله متفتح وأرحِّب بأني أسمع ماضي قذر زي هذا ومايهمني الماضي أهم شي عندي الحاضر !! .. مايهمني أنه برضاك ولا ماهو برضاك ! الفكرة الوحدة أني ماني متربي آخذ بقايا أحد ! شفتِي أنك غلطانة ومليون بالمية غلطانة أنك قلتي لي ! لكن هذا مايعني أني برضى لأن لو أكتشفت بنفسي والله يالجوهرة وبعزة ربي أحلف لك أني فرغت هاللي تشوفينه براسك *أشار لها لسلاحه المرمي على الطاولة* ، ليتك حفظتي شرف نفسك وطلبتي الطلاق بدون هالمصخرة ! بدون هالحقارة اللي سويتها !! إيه صح أنا أعترف أنك بريئة من قذارة عمك لكن منتي بريئة من قهري !! ولا راح تفهمين وش يعني قهر الرجال !! بس لا تطلبين مني أطلقك في وقت مثل هذا !! لأني مثل ماني متربي على آخذ البقايا بعد ماني متربي أني أكون أطرش بالزفة.
الجُوهرة بعد صمتٍ طويل أرتبكت به حواسُها : ما كنت أبي أخدعك ، صارحتك عشاني كنت بصدق معاك .. ما صارحتك عشان أقهرك ولا كان عندي أمل أنك تآخذني بالأحضان وتقولي مايهمني الماضي يهمني الحاضر ! صارحتك عشان أرضى على نفسي .. ليه تفكيرك بهالسلبية وأنه قصدي أقهرك !!! كيف أقهرك وأنت غالي عليّ ..
أردفت كلمتها الأخيرة بلا وعيْ ، بلا تفكير ، بلا شيء يُوحي أنها تتحدثُ بعقلها ، من يتكلم الآن هو قلبُها الضعيف.
أكملت بنبرة شارفت على الإنهيار : و الحين صرت بقايا ؟ أنا بقايا ؟ يالله بس بعرف بأي ضمير تتكلم !! مين المقهور فينا ؟ وأنت ترمي تجريحك عليْ ليل ونهار وأنا مقدر أرد عليك بكلمة لأني عارفة كيف بتكون ردة فعلك !! لأني عارفة لو أفتح فمي بكلمة بتحرقني بكلماتي
سلطان بغضب : ماقصرتي بأفعالك !
الجُوهرة : أيّ أفعال !! أنت تتكلم عن وهم من عندِك !! تبي تذلني ؟ تبي تعيشني عندك عشان أصحى كل يوم وأنا عارفة أنك ماراح تقبل فيني بس تبي تقهرني وتحسب أنك بهالشيء تشفي قهرك وترجع كرامتك !!
سلطان بحدة : كرامتي ما طاحت عشان أرجعها !! كرامتي محفوظة وأقطع أيد من يحاول يتعداها
الجُوهرة بإنكسار : ليه تذبحني ؟
سلطان : ما رضيت على حلالي بالغصيبة تتوقعين بأرضى عليه الذبح ؟
. . وخرج تارِكًا الجُوهرة في حيرة التناقضات الي يلفُظها سلطانها.
،
بعد نومٍ عميقْ فتحت عيناها على السقفْ السُكرِي ، ثواني صامتة تستوعبْ أين هيْ ؟ ثواني حتى تستوعب أنَّ هذا صباحُ العروس. ألتفتت يمينًا و يسارًا ولا أثر لريَّان ، رُبما أستيقظ قبلِي ؟ ولكن الجُزء الذي بجانبِي مُرتَّب ويبدُو أنّ لا أحد أستلقى عليه.
تركت وساويسُ عقلها وأتجهت للحمامْ ، هي الدقائِق الخافتة الصاخبة المُتناقضة بكل شيء حتى تتزينُ ريم بما يليقُ للعروس.
ودَّت لو أنها تقفز من السرير حتى تُبيِّن حجم السعادة التي تُعانق قلبها ، تُريد أن تعود لطفولتها عندما تتراقص على السرير إن حققت شيء ما ، كل شيء سيء يختفي بمُجرد أن تُفكر بأنها " عروس " وهذه الكلمة كفيلة بأن تنبت على شفتيْها زهرتيْن و أضعافُها. هذه الكلمة تعنِي جميلة ، فاتنة ، باذخة ، راقصة ، مُتمايلة ، ثابتة ، مُتزنة ، مُتفردة ، إستثنائية ، ... هذه الكلمات مُعتادة ولكن هذه المرَّة تأتِي على لسانٍ تُزهر به الضحكات الحلزُونيـة أيّ الضحكات الصامتة التي تحمرُ بها الوجنتيْن وتبكي بها العين.
فتحت هاتفها و أنهالت عليها رسائِلُ الواتس آب. أبتسمت لـ " قروب صديقاتها " فتحته و لم يُسعفها أن تقرأ كل الكلام لتلتقط عيناها " بنسوي قروب ثاني للمتزوجات ! إحنا العوانس مالنا رب " ضحكت لتخرج من غُرفتها وتقع عيناه عليْه ، نائمْ على الأريكة.
أولُ خيبـة تتلقاها في حياتها الجديدة ، هل هو يرسُل إليْ رفضُه الغير مُباشر ليْ ؟ وقفت مُتجمدة من هذا المنظر.
قاسي جدًا أن تبدأ زواجها بهذه الصُورة ، أنتبهت لإستيقاضه ، رفع عينه عليها وببرود : صباح الخير
ريم بلعت ريقها لتبتسم : صباح النور
وبهدُوء مرَّ بجانبها مُتجهًا للغرفة. تُريد أن تستوعب ما يحدُث ؟ يالله يالله أفعلاً أنا عروسه حتى يتجاهلني هكذا ؟
جلست وهي تُراقب خطواته حتى دخل الحمام. دخلت في قوقعة تفكيرها ! " أصلاً عادي كل الرجال كذا " لم أتعرف عليْه بعد رُبما أظن به سوءً من أول مرَّة رُبما يقصد شيئٌ آخر.
لا تعرفُ لم دمُوعها أتت حارَّة في محاجرها ، أخذت منديلا لتمسحها قبل أن تسقط ولكن الحُمرة التي تُدمي عينها من يمسحها ؟
دقيقة تلو دقيقة و ريم صامتة تنتظرُه ، سمعت صوتُ الإستشوار ، تأكدت أنه أنتهى من إستحمامه ، لاتعرفُ لِمَ ضاقت و قلبُها الذي بحجم الكفْ بات يضيقُ حتى أنه تتصوَّرهُ كحجمِ أصبعها الآن. تذكرت حديثُ صديقتها بأن أولُ أيام الزواج لا تفوَّت وأن هذه الفرحة الحقيقة لأيّ زواج. ولكن ؟
رفعت عينها للريان الخارج كان سيتحدثْ لولا أنه أنتبه لحُمرةِ عينيْها ، جلس على الطاولة التي تُقابلها ، أربكها بقُربه : ليه تبكين ؟ .... نمت بدون لا أحس هنا
أخفضت نظرها ، لا قوةً لديْها حتى تراه ، هي المراتُ قليلة التي رأتها به ولكن بهذا القُرب تعجز أن ترفع رأسها.
ريَّـان بهدُوء : ريم طالعيني !!! زعلانة من أيش ؟
ريم توترت حتى سقطت دمُوعها بحديثه لتهمس : ماني زعلانة
ريان أبتسم : أجل هالبكي ليه ؟ دلع ؟
ريم رفعت عينها وسُرعان ماأخفضتها
ريان وضع يده على كفِّها المُرتجفة ، لولا إصرار والدته لمَا حجز لشهر عسلهم : المغرب طيارتنا عندك علم ؟ .... تبينا نروح لأهلك تسلمين عليهم ؟
ريم شدت على شفتيْها لا تُريد أن تبكِي ولكن دمعة سقطت على كفِّ ريَّان.
ريَّان الهادىء على غير العادة ، وبنظرةِ الشك التي لم يتخلى عنها : تبكين من أيش ؟
ريم بلعت ريقها : آسفة مو قصدِي بس متوترة شويْ
ريَّان ترك يدها ليُردف : بطلب الفطور و بعدها بلغيهم أننا بنجيهم
،
في عصرِ باريس المُشمس ، غفت عيناه بعد أيامٍ مُثقلة بالأرق ، غفت وأخيرًا لينام مُرتاح البال ، على الأريكة الوثيرة نائمًا والشُباك مفتُوح و نسمات البرد تخترق الشقة و لا شيء يُغطيه. نائم بوضعية الجنين و سكينة ملامحه تُغري للتأمل والرسم وكل الفنون الجميلة مصدرُها رجلٌ وسيم و إمرأة فاتنة و لا ننسى أنَّ الفُرشاة أحيانًا تكُن لئيمة بفتنتها.
فتحت الباب بهدُوء وهي التي أخذت نسخة من مفتاح الشقة ، وقعت عيناها عليه لتبتسم بحُب.
نزعت معطفها لتُعلقه خلف الباب وبخطواتٍ خافتة دخلت لغُرفته وجلبت له غطاء تُغطيه به. ، تركت الطعام في المطبخ وجلست بجانب رأسه. لا تُريد إزعاجه بل ستنتظره متى يستيقظ ؟ أخرجت هاتفها من جيبه لتتسلى وتشغلُ وقت فراغها الآن.
مرَّت ساعة كاملة و شقيقتها الأخرى ، أصبحت الساعة تُشير إلى السابعة مساءً.
بدأ جسده بالحركة ليفتح عينيْه بتثاقل ، أستعدل بجلسته ليلتف ويرى أثير بجانبه ، يشعرُ بصداع وكتلة ضخمة فوق رأسه ، نومٌ بعد أيامٍ أفلس فيها النوم جدًا مُرهقة ، رُغم أنه يشعر براحةِ أعصابه ولكن عقله مثقل و مثقل و مثقل إلى مالانهاية.
أثير بإبتسامة : مساء الخير
عبدالعزيز ببحة : مساء النور .. كم الساعة ؟
أثير : 7
عبدالعزيز تنهَّد : يالله كنت راح أزور المقبرة الصبح
أثير : خلاص بكرا إن شاء الله
عبدالعزيز وقف ليُعدِل ملابسه التي تجهلُ بدايتها من نهايتها وهذا إثر نومه العميق .. ومن ثم اتجه للحمام.
أثير بصوتٍ عالي حتى يسمعها : بحضّر لك الأكل ...
تمُر الدقائِق بسُرعة مُفجعة ، وبالفترة التي جهَّزت بها أثير الطعام كان عبدالعزيز يُسلِّم من صلاته الفائتة ، وضعت آخر طبق على الطاولة وجلست : عسى أرتحت ؟
عبدالعزيز من خلفها أنحنى ليطبع قُبلة على خدها ويهمس : آسف على اللي صار
أثير المتوردة بحُمرة وجنتيْها : حصل خير
جلس بمُقابلها مُلتزمًا الصمتْ ، أثير : الأحد الجاي بسوي حفلة بسيطة ببيتنا وبعزم كل اللي نعرفهم من شغلنا والكلوز مررة ماراح نعزم ناس بعيدة
عبدالعزيز : والكلوز يدخل من ضمنهم مين ؟
أثير : يعني عادل و
قاطعها عبدالعزيز بحدة : أثييير !!!
أثير : هذولي كلهم أصدقائك
عبدالعزيز : فيه خط أحمر إسمه عادات وتقاليد !! من متى إن شاء الله الحفلات مختلطة ؟ ناقص بعد ترقصين وياهم
أثير بهدُوء : وأنا عازمتهم في نايت كلُوب الله يهديك !! يعني حفلة بسيطة وأبي كل أصدقاءنا يكونون موجودين
عبدالعزيز : قلت لأ
أثير تنهَّدت : طيب
عبدالعزيز : وياليت تخففين من هالمكياج اللي على وجهك !!
أثير : ماتلاحظ أنك قاعد تعطيني أوامر !! أنا إنسانة ماأحب أحد يأمرني
عبدالعزيز : لأن ماأبي كل من هب ودب يشوفك ! وحتى لبسك مررة ضيق ومايعجبني
أثير بهدُوء : سكر على هالموضوع
عبدالعزيز : ما تتنازلين عن الأشياء اللي تحبينها عشان خاطري على الأقل ؟
أثير رفعت عينها : إلا أتنازل وهذا أنا متنازلة حتى بموضوع رتيل !! لكن لبسي وشكلي لو سمحت لاتتدخل فيه
عبدالعزيز بغضب : كيف ماأتدخل فيه ؟ أنتِ زوجتي ومن حقي أحاسبك على لبسك !!! ولا تبيني حمار وراك أشوف عيون الكلاب بالشوارع تشوفك بنظرة ***** وأرضى !!
أثير بحدة : عزوز أنتقي ألفاظك !!
عبدالعزيز ببرود يشرب من كأس العصير البارد ليُردف : أنا قلت اللي عندِي !!
أثير وقفت : أجل مع السلامة .... وأخذت معطفها المُعلق و حقيبتها وهاتفها الذي على الطاولة لتخرُج بغضب يُعبِّر عنه الباب.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ، يعرف ويثق تمامًا بأنه هو وأثير لا يتفقا أبدًا لا تفكيرًا ولا عاطفيًا.
،
في إحدى مقاهِي الرياض على شارع الأمير محمد بن عبد العزيز ، بينهُما قهوتيْن تبدُو أنها تبرد و الصوتُ لايخرج من فيصل ، كيف يلفظُ له ، كيف يقُول له أنّ شخصًا ميتْ أصبح حيًا ؟ كيف يُخفف عليْه وطأةُ هذا الحديث ؟ كيف يُخبره دُون أن يخدشه بحُرقة ؟ كيف يقوله يالله ؟ صعب جدًا أن يُخبره ، مُرتبكًا متوتِرًا ، يالله خفف عليّ فجيعته ، لا أعرفُ أيّ جنُون سيتحلى به عندما يعرفُ بأنَّ شخصًا صلى عليه حيًا يُرزق ! يالله يالله يالله يا هذا الشعُور ! مؤلم وضيع ! لا أعرفُ أن أحدًا أبصره و عاش بعقله. أثق بصبرِ ناصر وقوته ولكن جنونا ما سأقُوله له.
ناصر أبتسم : إيهه وشو ؟ صار لنا ساعة وأنت تعيد نفس الحكي !! الموضوع يخص مين ؟
فيصل بربكة : مدري كيف أقولك
ناصر : إذا شي بيضايقني تطمَّن من هالناحية
فيصل تنهَّد : أنا أعرف أنه زوجتك مـ
ناصر قاطعه بحدَّة : وش فيها ؟
فيصل أخذ نفسًا عميقًا لايعرفُ فعليًا كيف يقُولُ له بإنسيابية تُناقض عظمة هذا الموضُوع : يعني أنت شفتها قبل لا تتوفى
ناصر ببرود : لأ ، شافها عبدالعزيز هي وأبو عبدالعزيز الله يرحمه .. وش بتوصله من هالحكي ؟
فيصل وأراد أن يُمهِّد له : طيب تأكدُوا من الجثث ؟
ناصر : إيه تأكدُوا
فيصل بربكة : أقصد يعني .. صليت عليهم صح ؟
ناصر بضجر : وش فيك فيصل تعيد نفس السؤال ؟ يعني بتشكك عبدالعزيز بعينه وهو شافهم
فيصل : لآ مو قصدِي بس ..... يعني ..
أنتبه لهاتفه الذِي يهتز ، ناصر : ثواني بس .. رد : هلا يبـ .... بُتِر كلمته مذعُور وهو ينطق : أي مستشفى ؟
أخذ محفظته و مفاتيحه : أعذرني فيصل .. وخرج.
إن المصائِب يا ناصر لا تأتي فُرادى ، حتى حينما أردتُ ان أُخبرك كان للقدرِ كلمته. رُبما حكمة من الله ولكن يجب أن تعرف بأقربِ وقت ، يالله كيف سألتقيه مرةً أخرى ؟ لا فُرصة لديْ إلا هذا الأسبوع وإلا سأضطر أن أفعل ما أخافه ولو كان هذا في سبيل خسارتِك يا سلطان بن بدر و يا عبدالرحمن بن خالد. كل الأشياء ما زالت تقف بصفهم. كلها دُون أن ترحمني وأريِّح صدري من هذا الهم. هذه المرَّة سأهزمُ كل هذه الأشياء وأخبره وإن كان سيشهدُ على ذلك جثتي.
،
عادُوا لباريس ، و الأجواءُ تختنق في باريس. لم تعُد زهريـةٌ تسُر الناظرين و العاشقين ، يالله ماذا أفتقدُ أنا ؟ جُزءٌ مني أجهله مفقود هُنا ، جُزءٌ أتنفسه هُنا ولكن أين ؟ أُريد أن أعرف كيف تكُن سماءنا واحِدة ولا نلتقي ؟ يا خيبةُ قلبِي ويا خسارتي!!
أين أنت يا ناصر ؟ هل تحت التُراب أم عيناك تنظُر لهذه السماء الآن ؟ أين أنتم يا عائلتي التي تخليْتُم عني ؟
أودُ أن أعرف كيف تجرأت قلوبكم بقسوة أن تتركُوني بعد الحادث ؟ ماذا يُوجد قبل الحادث وتخجلُون منه ومني ! ماذا كان هُناك ؟ أُريد أن أعرف من أنا قبل الحادث! سئمت هذه الحياة التي لا أعرفُ بها إلا إسمي الذي خلفه إسمُ أبٍ كاذب أو خائن أو لاأعرفْ حتى كيف أُصنفه. رفعت عينها للغيم الخفيف الذِي يضجُ في سماء باريس ، يومًا ما سينجلِي هذا الغيم ويبقى صوت الحقيقة واضحة. أُريدكم ولكن قلبي يحملُ عليكم كثيرًا ، رُبما أنا مستعدة أن أسامحكم في سبيل الفرح لكن أرجُوكم أبحثُوا عن أعذار تُرضي قلبي.
وليد بهدُوء : وين ودِّك نروح ؟
رُؤى التي تجهلُ كيف تعرف معلوماتٍ قديمة وهذا شيءٌ لم تنتبه إليْه : فيكتوريا نتمشى شوي هناك
وليد أبتسم : قريبة خلنا نروح لها مشي
و أقدامُ رؤى لم تفقد الذاكرة بعد ، تعرفُ هذا الطريق جيدًا ، تتوسَّل أرجُوك يا عيناكِ تذكرِي هذا الطريق ، هذا الذِي شهدتِ به أولُ لقاءٍ مع ناصر ، دعكِ من هذا ، هذا الطريقُ الذِي تراكمت عليه الثلوج وأضطررت ليلتها أن تنامين عند ناصر ، أرجوك يا قلبها تذكَّر. هذا الطريقُ الذِي مارست به الحُب كما يبنغي أو فوق ما ينبغي ، هذه لافنيو فيكتوريا أو كما تنطيقنها بتغنُجك بالفرنسية ، هذه فيكتوغيا. أنا أقدامُك ، أنا يديْك ، أنا كل حواسِك أتوسلُ إليْك يا عقلها و يا قلبُها تذكَّر أننا على أرضٍ لم تنكُرنا يومًا. هذا طريقُ ريفُولِي الذِي جئنا إليْه كثيرًا ، نحنُ أجزاءُ جسدِك لاننكرك. نحنُ نقيم ثوارتنا على قلبك الذِي يتذكرُ بأنانية و لايُرسل إلى عقلك معلوماته. نحنُ نريدك يا من تُحركِينا بإختيارك.
رؤى تسيرُ و الجو في هذه الأثناءُ غائم. سقطت عيناها على الجهة التي يصطفُ بها سياراتُ الأجرة ليطرق سمعها صوتُها الذي تخافُه " هي بضحكة : بوفِي فو غولي ؟ أجابها صاحبُ التاكسي : ديزُولِي غِيزفِيّ .. وذهبْ لتصخب ضحكةُ من تجهله : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه قلت لك من البداية اليوم النومة عندِيْ يالله هذي شقتي قريبة نروح لها مشي "
هذا الطريقُ تعرفه ، رفعت عينها للبيُوتِ العتيقة التي تطلُ منها شققُ كثيرة ، بدأت عينها بالغرق في هذه الشقق البيضاء و البنيـة.
وليد ألتفت عليها : رؤى !!
رؤى بضياع نظرت إليْه : هلا
وليد : وش فيك ؟
رؤى : فيه أحد أعرفه ساكن هنا
وليد : مين ؟
رؤى بتشتت : مدرِي بس أقولك أحس أنه فيه أحد هنا
،
الربكة تنفضُ قلبها بشدة ، هذا التوتُر يلاحقها بلا إنقطاع. فسَّرت حالها بأنَّ حياة جديدة تُقبل عليها والأكيد أن الطريقُ الذي يفصلُ بين هذه الحياتيْن لن يكُون ممهدًا بل سيضطرب وسيضطرب كثيرًا. رُبما في سفرنا هذا نجِد فُرصة حتى نفهم بعض. حتى المكان الذِي سأذهبُ إليْه أجهله. أأسأله أم " عيب " ؟
أنتبهت لوقوف السيارة أمام بيتهم ، هذه المرَّة تأتيهم كزائِرة ، يا فظاعة هذا الشعُور ، تشعُر بأن قلبها يسابقها في البُكاء قبل عينها المُتخمة بالدمع. هي ليست مُفرطة بحساسيتها ولكن لاتعرف لِمَ مسألة البُعد عن أهلها تجعلها تبكِي بكثرة.
نزلت دُون أن تنطق كلمة في جهةٍ دخل فيها ريَّان لمجلس الرجال ،
دخلت عليهُم لتصرخ هيفاء فرحةً : ريوووم .... ركضت لها لتُعانقها بشدَّة
خرجت والدتها من المطبخ : هلا هلا بالزين
ريم ووجدت سببًا لتبكِي ، وتُبلل ملامحها بماءٍ مالح ، أبتعدت هيفاء لتُعانق ريم هيفاء وهي تنحني لتُقبل رأسها وكفُوفها.
والدتها تبللت عيناها هي الأخرى ، من يشرح شعُور الأم التي تنظرُ لإبنتها العرُوس ؟ من يُفسِّر ضحكة العين الباكية ؟ من يقُول الشِعر في عين الأم و ثغرها المُبتسم ؟ بربِ هذه الحياة من يستطيع أن يتسع بوصفه ويُخبرنا عن ضحكات الجنة المُنسدلة من عين الأم ؟
ريم جلست بإبتسامة : وين الشباب ؟
هيفاء : يوسف رايح حايل يجيب مُهرة ومنصُور أكيد في المجلس
ريم بضحكة : إيه قولوا لي وش صار من بعد العرس ؟
هيفاء تُشاركها الضحكات اللامنتهية : رجعنا البيت و صحينا أنا وأخوانك نحلل اللي صار ، بس أنتِ بشرينا ؟
ريم : لآ الحمدلله .. الساعة 9 طيارتنا
هيفاء : بتسافرون بسرعة ؟
ريم : إيه مدري هو قالي
والدتها : الحمدلله أهم شي أنكم مرتاحين
ريم : إيه الحمدلله
هيفاء : طيب وين بتروحون ؟
ريم ضحكت : والله ما سألته يعني أستحيت أقوله وين !!
،
في مجلسه ذو الألوانِ العتيقة التِي تميلُ للماضِي ، مُتكأ ليُردف بإتزان : بس قبل كل شيء لازم تعرف أني لقيت تُركي
أنتفض من مكانه بغضب : لقيييته !!
سلطان بهدُوء : ماحبيت أقولك قبل العرس وطبعًا هذا سبب والسبب الثاني لحاجة في نفس يعقوب
عبدالمحسن : وينه ؟
سلطان : الجوهرة راح تبقى عندي
عبدالمحسن بحدة : وين تركي ؟
سلطان : الجوهرة زوجتي و أنا أبيها
عبدالمحسن بغضب : سلطان لا تستفزني !! أنا أدري كيف تفكر لكن بنتي برا كل أفكارك
سلطان : أنا جد أتكلم زوجتي وأبيها
عبدالمحسن بحدة: لا تكذب
سلطان بمثل حدتِه : أكذب ليه ؟ لو ماأبيها طلقتها وقلتها في وجهك بس أنا جد أبي أبني حياتي من جديد
عبدالمحسن لا يُصدقه بل غير قادِر أن يُفكر حتى بتصديقه : أسمع من الجوهرة هالحكي وبعدها أنا أقرر
سلطان بثقة : تسمعها ! ليه ما تسمعها !! .. الحين أناديها لك
عبدالمحسن : أول وين تركي ؟
سلطان تنهَّد : في مزرعتي
،
تجرَّدت من شعُور الخطوبة ، من تراقص الفرح حين تسمع أحدهم يقُول " فلان سيخطبك " كل هذا لم تعُد تشعر بالحماسة إتجاهه ، تماما مثل المتزوجة حين يخبرونها و تضحك بسُخرية ، هذه المرة من لم تضحك بسخرية بل شعرت بإشباعٍ لأنوثتها جعلتها تضحكُ بشماتةٍ لاذعة. أغلقت الهاتف لتلتفت عليْها ،
بضحكة عفويـة أطلقتها : جاء الوقت اللي يشهرون فيه بزواجكم
رتيل شاركتها الضحك : ههههههههههههههههههه قلتي لي وش إسمه ؟
ضي بإستهبال تُقلد صوتها : محنا لاقين لحاتم أحسن من رتيل ونعم التربية والأصل
رتيل : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه تكفين ضيوو روحي قولي لأبوي بس قولي له بجدية
ضي بإبتسامة : تبين تقهرينه !! تراه زوجي لاتنسين
رتيل برجاء : الله يخليك ضي صدقيني ماراح ينقهر
ضي : لأ مستحيل أبوك فيه اللي مكفيه
رتيل بضجر : تفكيين عاد
خرج عبدالرحمن من مكتبه ليُقابلهم بالقرب من الدرج : وش فيكم واقفين هنا ؟
رتيل كتمت ضحكتها لتُمثِّل البرود في ملامحها ، ضي : ولا شيء
عبدالرحمن رفع حاجبه : وأنا كل ما سألت قلتي ولا شيء !!!
ضي بحرج : لآ ماهو قصدِي بس يعني شي ماهو مُهم
عبدالرحمن ألتفت لرتيل : وش عندك رتيل ؟
رتيل بهدُوء والفُرصة أتت إليْها : أتصلُوا على بيتنا ناس وبس
عبدالرحمن : والناس مالهُم إسم !!
ضي شعرت بالورطة لتنطق : فيه ناس يبون يخطبون رتيل بس قلت لهم أنها مخطوبة
رتيل أنسحبت من المكان بهدُوء لتصعد للأعلى. وبمُجرد ما إن أعطت والدها ظهرهَا حتى أبتسمت بخُبثٍ شديد لمُجرد أن تُفكر بأفعالِ عبدالعزيز ، أتى اليوم الذي تُبرهن فيه عن إستغناءها التام عن عزيز وليس أقوالاً فقط. أتت اللحظة التي تقُول بها بقلبٍ بارد " أنا يا حبيبي لا يعنيني أمرك و الدليلُ المدعو حاتم " يالله يا عزيز متى أشعرُ بالنصر عليك. أنا في أوجِ إستعدادي لأهزمك بعد سنة كاملة هزمتني بها بكل شيء ولكن أتى دوري و " يوم لك و يوم عليك "
عبدالرحمن ولم يُفهم من ملامحه ردةٌ فعلٍ واضحة. كل ما أُبصِر هو تنهيدته.
ضي : لا تخاف صرَّفتهُم بس ماهو لازم تعلن عن زواجهم يعني عشان حكي الناس بعد !!
عبدالرحمن بهدُوء مُريب : بس نرجع من السفر
ضي : اللي تشوفه .. شفت عبير اليوم ؟
عبدالرحمن تنهَّد : بصعد لها الحين ... وبخطواتٍ ذابلة أتجه إليْها ليطرق الباب : عبير
تركت شعرها على جنب لتقف مُتجهة للباب ، فتحته بأعيُن لاتختلف عن شعُور خطواته. الذبُول نفسه نفسه. وإني يالله على إبتلائِك صابر و إني على حُزن بناتِي صابر.
بهدُوء : ممكن أدخل ؟
عبير صمتت ، لا أحد يُدرك جرحُ الكلمات البسيطة تخيَّل أن " ممكن أدخل " تجرح ! تجرح وبشدَّة إن أتت من قريبٍ كأبي ؟ تجرح كثيرًا إن أتى الإستئذانُ من صاحبِ القلب ذاتُه. الكلماتُ العاديـة التي لا تهُم غيرنا هي ذاتُها التي تترك بنا شرخًا عميقًا لا يُشفى بسهولة.
شدَّت على شفتيْها و هدبُها يرجفْ ، شتت أنظارها واقفة لاتنطق بكلمة. لا كلام يحضُر أمام والدها.
عبدالرحمن دخَل ليجلس على طرف سريرها : تعالي
بصمت أغلقت الباب وأتجهت نحوَه ، لتقف بين يديْه بضعف وهذا الضُعف لا يقرأه سوَى أحدٌ يحفظُها عن ظهرِ حُب ، هذا الأحد إسمُه أبي ويا للخيبة إن باعدتُ يومًا عن من يقرأني.
عبدالرحمن مسك كفَّها ليضغط عليْها وكأنه يُريد أن يمتص بريق الحُزنِ من عينيْها : صايرة تقسين كثير ! حتى على نفسك
تعرَّج جبينُها بضيق ومن يتعلمُ فراسةِ خطُوط الجبين ، إنَّي لوحةً لايتقنُ رسمها إلا القليل والقليل جدًا ومنهُم مجهُولِي الذِي يفهمُ كيف الرسم يكُون ؟ والآن أنا أفلستُ من ألوانِي ولا أحد قادر على تلويني بضحكة ، كل الألوان مائعة تذُوب في وجهِي وتُبقيني بشحُوب. كلها والله.
عبدالرحمن : وش اللي مضايقك بالضبط ؟ ضي ؟ منتي قادرة تتقبلينها ؟ قولي لي وش اللي معكر مزاجك ؟
عبير ولا جوابٌ تستنطقهُ.
عبدالرحمن تنهَّد : يالله يا عبير !! ليه تحبين تضايقيني ؟ أنا بسمعك .. قولي لي بس وش اللي مضايقك ؟
عبير بحزن : أنت تعرف وش مضايقني !
عبدالرحمن : يعني ما هي ضي ؟
عبير والدمُوع تتحشرجُ بها : ماتهمني ، متضايقة من حياتي كلها .. كلها يا يبه
عبدالرحمن : وش مضايقك فيها ؟ ناقصك شي ؟ ودِّك بشي وماسويته لك ؟
و دمعةٌ توَّردتْ على خدِها لتُردف : كثيير أشياء ناقصتني ، عُمري 26 لا وظيفة لا زواج لا شيء .. ماتحس أنك ظلمتني كثير يبه ؟
عبدالرحمن ترك يدها لينغرزُ به الألمُ من كل جهة ، نظر إليْها وكأنهُ يجهل إبنته في هذه اللحظة.
عبير : ما أقولك ميتة على الزواج ولا أقولك ميتة على الوظيفة .. بس ...
ببكاء أردفت : أصلا وش بيتغير لو أقولك
عبدالرحمن : قلت لك كملي الماستر والدكتوراه وأخليك تشتغلين بالجامعة نفسها
عبير بضيق : بس أنا ماعندي ميول للتدريس أبي أشتغل في تخصصي نفسه
عبدالرحمن : هالفترة لأ ، مقدر يا عبير
عبير بقهر : وتسألني إذا ودي بشي وما سويته ليْ !! .... عادت بخطواتها للخلف لتجلسْ على الكُرسي.
عبدالرحمن بتنهيدة أردف : أسوي لك شي أنا متطمن عليه !! بكون متطمن لو تشتغلين بالجامعة على الأقل أضمن أنه محد يدخل الجامعة .. لكن بنك وغيره ناس داخلة وناس طالعة .. أفهميني يا عبير بهالفترة مقدر أخليك تشتغلين بمكان مفتوح
عبير ببحةِ الحُزن الموجعة : خلاص ماأبي منك شي
عبدالرحمن وقف ليجلس بجانبها ويُخلخل أصابعه في شعرها : يا قو قلبك إن كانك ناوية على الزعل
عبير رُغمًا عنها أبتسمت لتُمحيها بسرعة ، هذه الجُملة كثيرًا ما رددتها على مسامعهُم.
عبدالرحمن بإبتسامة : يا بعد هالدنيا صدقيني أني خايف عليك ماهو مسألة أقيّدكم بس أنا من وعيت على هالدنيا وأشوف ناس أشكال وأنواع وأعرف أنه فيه ناس مندسِّين ويمشون جمبنا وإحنا نحسبهم زملاء وأصدقاء .. لكن بعدين نكتشف العكس وأنا منهم يا عبير أخاف عليك
،
فِي آخرُ الليل ، السماءُ صافيـة و الجوُ مُعتدِل مائِل للبرُودة. وهذا لايهُم ما يهُم جسدٌ بارد و قلبٌ مائِل للحُرقة و الأجواءِ بين أجزاءِ جسده ليست بصافية وجدًا.
سلَّم على خالِها الأصغر : السلام عليكم
: وعليكُم السَلام .. حياااك تفضَل
يوسف دخَل مُتنهِدًا ليجلس في غيابْ الكثير ، الهدُوء يخيِّم على هذا البيتْ.
الخالُ الصغير يسكبُ له من القهوة ليمدُها له : شلونك ؟ بشِّرنا عن أحوالك
يُوسف بإبتسامة : الحمدلله أحوالنا تسرِّك ، أنتم بشرونا ؟
: أبد بخير ،
بعد دقائِق طويلة تبادلُوا بها الأحاديثِ الوديـة حتى هبط الصمتُ عليهُم ، ليقطعه الشابُ الثلاثيني بحسبِ توقعات يُوسف : أنادي مُرتك ؟
يُوسف : ياليت والله لأني برجع الرياض
: أفآآ يا ذا العلم .. أنت ريِّح اليوم وبُكرا إن شاء الله تسرِي
يُوسف ويبحث عن حجَّة : مقدر والله عندي ظرف في البيت مقدر أطوِّل
بإستسلام : بيزعلون عليك *قاصِدًا أخوانه الكبار*
أبتسم : البركة فيك
وقف بإبتسامة : بروح أناديها لك
دخَل لتسقُط عيناه عليها خارجة من المطبخ : مُهرة ... يوسف بالمجلس
شعرت وكأن قلبُها يسقط في بطنها و يُجاور جنينها ، أخذت نفسًا عميق : طيب ، لم تتوقع بهذه السرعة سيأتيها ، لم تتوقع أبدًا بأنه يتنازل ويأتيها.
: وشو طيب .. يالله لا تصيفين عليه وأنا بصعد أشوف أمك
ولا مجال حتى للنقاش وهي تراهُ يصعد تاركها في ليلةٍ كهذه لا أحد هُنا ينظرُ لفضيحة عينيْها.
أقتربت من باب المجلس ، وضعت كفَّها على المقبض ، بلعت ريقها بل بلعت كلماتٌ متراكمة. تخاف؟ لا أكذبُ على نفسي وأخدعها بغير ذلك ! فتحتهُ لتلتقي عينه بعينها.
يُوسف وقف و سُرعان ما أستقرت نظراتُه على بطنها الذِي لايتضحُ به معالم الحمل ولكن الشعُور النفسي فوق أيّ إعتبار.
مُهرة بهدُوء : السلام عليكم
يُوسف : وعليكم السلام . .
بدأت أصابُعها مُتشابكة و بينهما خطواتِ مُرتبكة ،
يُوسف بتنهيدة : روحي حضرِي نفسك بنمشي الرياض الحين
مُهرة أخفت ربكتها لتُردف : عندي مواعيد كثيرة هنا .. مقدر
يُوسف بحدة : عسى بس الرياض تشكِي فقر العيادات ؟ لا تأخريني أكثر
مُهرة بهدُوء : مـ ...
قاطعها دخُول أم مُهرة ، لا إراديًا أبتسم .. " هلا هلا "
أقترب منها وقبَّل رأسها : هلا والله .. مشتاق لك
أم مُهرة : هلابك ، والله عاد العتب عليك مخلي مرتك هنا ومعشعش عند أهلك
يُوسف ضحك ليُردف : بشريني عن أحوالك ؟
أم مُهرة : الحمدلله حالنا يسرِّك
يُوسف جلس ليُردف : جايْ آخذ مُهرة
أم مُهرة : حلالك محنا بقايلين شي
يُوسف أبتسم ليرفع عينه : بسولف مع طويلة العمر ماعلى تجهزين نفسك
مُهرة بضيق : يمه تدرين أنه عندي مواعيد و مقدر .. يعني
قاطعتها والدتها : تشوفين مواعيدتس بالرياض
مُهرة : مقدر يمه
والدتها بعصبية : وش اللي ماتقدرين عليه !!
مُهرة خرجت لتغلق الباب بقوة مُعبرة عن غضبها ، صعدت للأعلى وهي تشتمُ كل شيء في هذا الكون.
والدتها بتغيُر النبرة الفظيع : وشلون أختك المعرسة ؟
،
يمرُ الوقت ، يمرُ العُمر ونحنُ العُشاق ننتظِر على مشارِف الموت. من يُطلقنا للحياة و يثقبُ ما بقيَ منَّـا ؟ يثقبُه إننا لا نُريد بعضُنا الملتصق بنا. المُتشبثُ بلا رحمة يجرُّنا للهاويـة. تمُر الأيام و سماءُ الرياض على حالها لا تبكينا ، تمُر الأيام و باريس لا تعطفُ علينا ، تمُر الآيام و مثل الأيام. لا شيء يُخبرنا أننا بخير. لا شيء يعنينا ولا شيء بات يهمُنا. نحنُ نُفكِر الآن كيف نمُوت بطريقةٍ سلمية ؟
في إحدى مُستشفياتِ الرياض ، الطابقُ الأول حيثُ يستديرُ القلبُ يسارًا و من ثُم ممرٌ موحش حتى تلتقي الأعيُن بزُجاجٍ فاصِل يهمسُ لنا قبل الدخول " أنتبه! هُناك أحدٌ يهمُه أمرك "
مُمسكِ يدّ والده الباردة بين يديْه الدافئة وعيناه تتأملُه بضعفٍ شديد ، أُفكِر كيف الحياة دُون والدِي ؟ أشعرُ بالجنُون ! حياتِي تشعرُ بالخواء لمُجردِ التفكير بأن لا أحد بقيْ سوَى والدِي و عبدالعزيز. وهذا هو عبدالعزيز يرحلُ لجهنمِ الدُنيا بإبتسامة واسعة. لا أحد يرحمُني من هذا الغياب ! أُريد أن أصرخ إن حياتكم لا تعنيكم وحدكم ، إن حياتكم تعنيني أنا أيضًا ، تعني من يُحبكم ! إن نويتُم الرحيل فكرُوا بنا ، نحنُ المُعلقين على مشجبِ حياتكم ، وأنا أشهدُ بالثلاثة أنَّ نيتكُم فاسِدة لاتمتُ للعقلِ بصلة يا أنتم يا من أحببتُهم وكانوا أناسًا متهورين متذبذبين أنانيين. يالله أرحمنِي من غباءِ عبدالعزيز إنِي لا أتحملُ غيابه ، وأرحمنِي من إستسلام والدِي إني لا أتحملُ فقده. أخبرته مرارًا أنك كبرت يا والدِي ، كبرت على القيادة ويجب أن يأتيك سائِقًا كجميع الرجال في عُمرك ، إن أمتنعت عن القيادة أخبرنِي أنا أقُودك ، أنا أفعلُ كل شيء تريده. إنه إبنك الذي يجلس أمامك الآن ، إنه إبنك التي تُناديه بين ضحكاتِك " نويصر ووجع " ما عاد له قوة حتى يتحمل أكثر تهوراتِ من يُحب. حتى " الوجع " الذي تقوله بعد إسمِي أشعرُ بأنه أتى كُدعاء وألتصق بيْ ، حياتِك يا أبِي لاتعنيك وحدِك ، من خلفك إبنٌ يبكِي حضُورك وأنت أمامه. أرجُوك يالله لا ترني به مكروهًا.
،
لم تراه منذُ أن أستنشقتْ به هواء باريس ، في المقهى يجتمعن ثلاثتهن وسط أحاديثُ رتيل و ضي و هدُوء عبير.
لا تُخفي إشتياقها و لهفتها لرؤيته ولكن كانت تُخطط كيف تُهينه باولِ حديثٍ لها ، تخجلُ من أنها تُخطط على الإهانة قبل وقوعها في وقتٍ تجد أن عبدالعزيز لا يُخطط وهو الذِي يكسبُ دائِمًا في حصارها بشتائمه المُبطنَّـة.
ضي : لآ بـ كَانْ بتكون ، بس لازم نخليها تزورنا هنا إذا ما طلعنا من باريس
رتيل : أنا قلت لها أصلاً إذا خلصتِي بدرِي تعالي باريس ولاتجلسين هناك
ضي بإبتسامة : طيب وش رايكم نطلع ، طفشت من الجلسة
رتيل تنظرُ للباب الذِي يُدلف : أبوي جاء
ضي ألتفتت لتضحك عيناها بمُجرد أن رأته ، أقترب منهم : خلصتُوا ؟
رتيل : كلها كم محل بس
عبدالرحمن يتأملُ الأكياس الكثيرة بدهشة : كل هذا وكم محل !!
رتيل أبتسمت : لا تنسى أن أسواق الرياض ما طبيناها صار لنا قرن
عبدالرحمن أبتسم : طيب ، بتكملون يعني تسوّق ؟ لأن عندي شغل الحين
عبير : أنا ودي أرجع الشقة تعبت وأبي أنام
ضي : دام كذا خلاص نرجع كلنا ونطلع العصر
رتيل : أنت بتطوّل يبه ؟
عبدالرحمن : لآ مو مرة بس أوصلكم وبعدها ماتطلعون
رتيل تنظرُ لنافذة المقهى الزُجاجية لتقع عيناها عليه ، هذا ظهرُه وطوله. على بُعدِ مسافةِ طويلة واقف ومُعطي المقهى ظهره. تعلقت عيناها حتى أنتبه لها والدها و ليس هو فقط. بل ضي وعبير أيضًا.
عبدالرحمن تنهَّد : يالله خلونا نمشي
رتيل بلعت ريقها لتأخذُ حقيبتها وبعضُ الأكياس ، خرجُوا ليلتفت عبدالعزيز لهُمَا وهو الذِي يحسب بأنَّ الخارج عبدالرحمن فقط بعد أن أخبره بأنه سيتطمئن عليهم ويتجهون للتخطيط للعمل.
تعلقت عيناه بعينِ رتيل ، تجاهل والدها وغضبه الذِي سيحدثُ من وقع نظراته ، أطال نظره لتُشتت الأخرى نظراتها ، أعطتهُ درسًا في شراسةِ العيُون ، أعطتُه جوابًا للحُبِ من نظراتٍ حادة عنيفة لا تخرجُ من رقيقة كـ رتيل ولكن خرجت بعنفوان ولا أحد يجرؤ أن يسأل عن أسبابها.
في جهةٍ كانت نظراتُ عبدالعزيز تحملُ شيئًا مُبهم كأنه رأى قطعةً بعد أن فقدها لفترةٍ زمنية طويلة ، كأنه رأى شيئًا غريبًا يتملك قلبه اللهفة بأن يُطيل النظر ويفهمه.
مُقاطعًا كل تصوراته : نوصلهم وبعدها نروح . .
عبدالعزيز لم ينطق بكلمة ، تنفس بعُمق ليخرُج بخارٌ أبيض من بين شفتيْه يُبرهن على برودةِ الأجواء في مثل هذا الوقت من السنة.
سارُوا على الرصيف والفندق قريبٌ جدًا ، كانت خلفه تماما ، يشعرُ بخطواته ، يكاد يتعلمُ فراسة الخطواتِ أيضًا من صخبِ هذه الأقدام ، هي تسيرُ بين جسديْن ، بين ضيء و عبير ، يفهمُ جيدًا طريقة عبدالرحمن في التناقض ، لا يرضى بأحدٍ مهما كان أن يرى بناته والآن زوجته ولكن يرضاها عليْ ، يعتبرني إبنه لدرجة أخجل بها من نفسِي ، أخجل والله أن أرى هذا اللطف بعد أن أعتدتُ الجفاف. نفث أفكاره ليقف أمام الفندق وينظرُ لسيرها المُرتبك للداخل.
،
دخَل مبنى عملِه بثوبِه الأبيض الأنيق و الشماغ الأحمر يأخذُ وضعيته في الجمال الشرقي ، عوارِضه الخفيفة تتكاثرُ حول فمِه لتكُن سكوكة " تسرُ الناظرين " ، كل من يمرُ بجانبه يُصبِّح عليه ليُبادره بإبتسامة و يدخل مكتبه : وين أحمد ؟
متعب يضع الملف على الطاولة : راح يشوف المتدربين الجدد ، أمس رائد الجوهي سافر ومعه ولده بس غيَّر وجهته ، راح باريس
رفع حاجب الإستنكار : غريبة ! هالولد اللي مستتر عليه من عيوننا دايم ليه يبي يظهره الحين !
متعب : فيه شخص ثاني ماكان واضح شكله لأن معطي الكاميرا ظهره بس كان يقُول أنه أبوه يبي يعرِّف فارس على صالح
سلطان شد على شفتيْه : يعرفه ؟
متعب : إيه كذا سمعته يقول ، بس أكيد فارس مايدري عن شي لأن عازله بشكل كلي
سلطان : طيب أرسل صورته لعبدالعزيز و انا بكلم بوسعود
متعب : إن شاء الله .. تآمر على شي ثاني ؟
سلطان : لأ .. خرج متعب من جهة و بدأ هو بالتفكير بموضوع فارس ، لِمَ في هذا الوقت بالذات يُقحمه بعمله ؟ ماذا يُريد أن يصِل إليْه ؟ فارس شاب والأكيد أنه لايعرفُ الكثير عن عمل والده ! بماذا يُفكِر هذا الرجل ؟ أريد ان أفهم فقط بماذا يُفكر !! مجنون حتى تصرفاته باتت تُصبح محل غباء.
أشتغلت أصابعه الموسيقية بالطرق على الطاولة و أفكارُه تتداخل ، لو جعلنا رائِد يشكُ في رجاله ماذا سيفعل ؟ إن جعلناه يُفكر بوسوسة إتجاه إبنه !! بالطبع سيلجأ لصالح بأنه الرجُل المناسب ومحلُ الثقة
ضحك ليُردف : جبتها يا ولد بدر .....
وقف مُتجهًا لغُرفة المراقبة و تخطيطات كثيرة تلتهمُ عقله في مثل هذه اللحظات ، متعب وقف بمُجرد أن رآه
سلطان : شغِّل الكاميرات اللي حول بيت رائد
متعب فتح هذه الكاميرا على الشاشة الرئيسية التي تتوسطُ بقية الشاشات : هذا البيت اللي قدامه مين له ؟
متعب : أظن تابع له
سلطان : شف أبيك تتأكد لي من البيت اللي قدامه و كل خدمه تجيب لي أسمائهم ، خصوصا الحرس اللي عند الباب أبي أعرفهم واحد واحد.
متعب : إن شاء الله
سلطان أخذ ورقة و قلم ليكتب : شغل مخك شوي معي أبيك تحفظ كل كلمة
متعب بتوتر وهو من النوع الذِي إذا قيل له " ركِّز " يفقد كل تركيزه : طيب
سلطان : عند الباب الرئيسي أبيك تحذف من كاميرات المراقبة الصغيرة ، أبيها محروقة بس بدون لحد ينتبه لك ، وبعدها بتروح لأيّ بقالة وتطلب منه تكلم من تليفونه .. إلى الآن فاهم ؟
متعب : إيه
سلطان : تتصل على هالرقم *كتب له بالورقة رقم مُحدد* و تقول بالحرف الواحد روسيا ما تصلح لك .. وش تقوله ؟
متعب بربكة كبيرة : روسيا ما تصلح لك
سلطان : بعدها تقول لأحمد يكلِّم الشباب هناك أنهم يراقبون رائد ويصيرون له مثل ظله
بتمتمة أردف : أنا أخليه برجوله يجينا
،
بردٌ يا أسطنبُول و رقصُ لا يهدأ على أوتارِ فتنتِك ، الغيمُ يثقل في سماءِك و أنباءٌ عن أمطارِك الملوَّنة ، اللغةِ تتغنجُ من المارَّة و تسلبُ السمع لينحصِر به ، هذه المدينـة مُتخمة بالأثار المُمتدة لثلاثِة عصُور عاصرتها بإختلافاتها وتناقُضاتها ، هي التي تملكُ التفرد وتجمعُ بين قارتين بجسرِ البوسفور ، مدينة عملاقة و فخمة منذُ سلالات العهدُ الروماني حتى أتى محمدُ الفاتح.
تسيرُ بجانبه في إحدى أكثر شوارع أسطنبُول إزدحامًا " شارعُ إستقلال " ، لم تُناقشه بشيء مُهم أو حتى حديثٌ مطوَّل تشعرُ بأنه مغصُوب رُغم انه يغيِّر رأيها بسرعة إن باغتها بسؤالٍ ودِي أو حديثٍ حميمي يكسرُ أفكارها. أحاولُ جاهدةً أن أفهمك يا ريّـان ، صبيةٌ مثلي لم تعتاد أن ترى الرجال كثيرًا حين أخبروها أنَّ هُناك رجلاً سيتزوجها وقعت في حُبه دون أن تراه لأنها كانت في حاجةٍ ماسة بأن تكسُر عينها برجلٍ غير أقرباءها. رُبما أنا لا أُحبك ولكن . . لا أفهم حتى شعُوري إتجاهُك ولكن الحياةُ معك ستجعلني أعرفُ تحديدًا من أنا و ماهو قلبي.
ريـان : بردتي ؟
ريم : لا بالعكس الجو حلو
ريان غرقت عيناه في جنباتِ الطريق حيثُ الرسامُون و العازفُون و حتى الواشمُون ومن فوق المحلاتِ الموسيقى تصخبُ بالأندية الليلية.
مرّ شابٌ سكران بجانبها جعلها تمسكُ ذراع ريـان بشدَّة ، ألتفت عليْها بعد ان قطعت سرحانه : وش فيك ؟
ريم بحرج أبعدت يدها : لآ بس مر واحد شكله شارب ... ماأحب الأماكن الضيقة
ريّان خلخل أصابع كفِّه الأيمن بكفِّها اليُسرى ليخرُج من الطريق : نجلس يومين هنا ونروح بورصة ؟ وش رايك ؟
ريم : ما قد جيت تركيا ماأدري اللي تشوفه
ريَّان : بورصة أهدى و طبيعة أكثر
ريم بإبتسامة : اللي تشوفه
ريّان أقترب من إحدى الدكاكين ليشتري قارورتيْن مياه : تبين شي ؟
ريم هزت رأسها بالنفي ، ليخرجان على الساحةِ العريضة ، أتى على بالها هيفاء تُحب هذه الأجواء المُزدحمة والصاخبة في وقتٍ تكرهها كثيرًا. يالله لم يمُر سوى أيامٌ قليلة وأشتقت بها لهيفاء و يُوسف و منصُور و حتى مزاجية نجلاء. الأهم من كل هذا أنها أشتاقت لوالدها و والدتها.
جلسَا على إحدى الكراسي الخشبية ، والصمتُ يُدار بينهُما ، تمرُ الدقائِق الطويلة الخافتة لتضيق على ريم التي ملَّت من هذا الهدُوء ، هي تُحب الهدُوء ولكن لا يعني أن تتأمل وفقط دُون أيّ حديثٍ يُذكر. أهذا أيضًا طبيعي في بداية الزواج ؟
،
جالِسـة دُون أن تنطق بحرف ، في الجهة المُقابلة يسألها و تتجاهله تماما لتغرق في صمتها ، مازالت مقهورة منه ، يُريدها فقط من أجلِ هذا الجنين ! لو لم تكُن حامل لَمَا أتى لحائل ، كل شيء يفعله من أجل إبنه ليس من أجلي ، لو لم أُرسل له الصُورة لَمَا قال أُريدك ، رجل إستغلالِي وضيع !!
يُوسف : أكلم جدار ؟
مُهرة رفعت حاجبها : ماأبغى أكلمك ولا غصب بعد !
يُوسف بعصبية : لما أسألك تجاوبيني ماهو تسكتين
مُهرة بتصرفات طفولية : لآ كيفي ماأبغى أجاوبك
يُوسف عض شفته : بزر والله بزززززر
مُهرة تنهَّدت : على الأقل ما يجيني إنفصام بالشخصية من مزاجي
يُوسف : وش قصدِك ؟ يعني أنا مزاجي ؟
مُهرة : مدري أنت تعرف نفسك
يُوسف بحدة : لآ أنا أبيك تعلميني
مُهرة بعد صمتٍ لثوانِي رفعت عينها :أتخيل وش بتسوي بعد ما أولد ؟ بتآخذ ولدك وتقول تبين الطلاق ؟ ماطلبتي شي من عيوني
يُوسف أبتسم بدهشة : هذا ظنك فيني ؟
مُهرة : إيه هذا ظني ، ولا تخدعني بكلامِك .. أنا عندي عقل وأفكر .... لو ما أرسلت لك الصورة ماجيت حايل
يُوسف : يا شناعة تفكيرك بس الله يصبرك على روحك
مُهرة بعصبية : دام الله يصبرني على روحي وش تبي فيني !! إيه قولها أنك تبيني عشاني حامل ولو أني ماني حامل كان رامي طلاقك عليّ من زمان
يُوسف عقد حاجبيْه : تبين تقولِّيني شي ما قلته !!
مُهرة : أفعالك تقوله ماهو أنا
يُوسف ببرود يسخر : إيه أفعالي وش قالت لك ؟
مُهرة تُقلد نبرته بمثل سخريته : أنا والله مشغول ماعندي وقت لناس مثلك .. أنتِ أصلا مين ؟
يوسف أتسعت محاجره بصدمة : الحين أنا كذا ولا أنتِ ؟ ولا أنتِ حلال وأنا حرام !! إيه عادِي أنتِي تصرفِّين وتسبين وكل شيء منك عادي لكن أنت يا يوسف تآكل تراب وما تتصرف كذا عشان ماأطلع أنا الظالم
مُهرة بغضب : متى صرّفتك ولا سبيتك ؟ أنت تبي تقوّلني شي ما قلته .. وواضح أصلا تدوِّر الزلة بس أنا غلطانة يوم كلمتك لأنك عمرك ماراح تتغير
يُوسف بسُخرية لاذعة : أرحميني تكفين الله يخليك ..كان عُمري راح يضيع لو ما كلمتيني
مُهرة و لم تكُن يومًا حساسة ولكن هذا الحمل يملكُ سطوته عليها ، أردفت برجفة أهدابها : الشرهة علي ماهي عليك ... وقفت لكن يُوسف بعدم سيطرة أجلسها بقوة ليصطدم ظهرها بظهرِ الكُرسي ، شعرت بوخزٍ مؤلم ولكن كابرت لتُردف والدمعة تلمعُ من بين هدبيْها و بنبرةٍ تُسايره : خلاص لا تكلمني أنا غلطانة وأنت ماغلطت بأي شي .. أنا آسفة
يُوسف ببرود : إيه طبعا غلطانة لأن ماهو من الذوق أني صار لي ساعة أكلمك وتسفهين فيني .. ماني بزر عندِك !! أعرفي مين جالسة تكلمين فاهمة
مُهرة شتت أنظارها لتعُود لصمتها ، تكتمُ قهرها و ضيقها في أوقاتٍ كانت تنفجر به أمامه ولا تخشاه أبدًا.
،
مُستلقية على السرير بتعبٍ شديد ، تشعرُ بأن قوَّاها كلها أنهارت وأندثرت. هذا " الحيل " أنقطع والله أنقطع منِّي ولم يبقى شيئًا يُهدأ سكينة قلبِي ، لم يبقى شيئًا من هذا العالم. فقط هذا القرآن يطمئنني في وقتٍ أرى به الجميعُ يتخلى عنِّي.
لم تستطع منذُ أيام أن تطرد صوتُه من عقلها ، من حقده و قهرِي وهو يقُول " أنتِ عارفة أنه من بعد الله محد قادر يفصل بيننا إلا أنا و بمزاجِي ، سواءً برضا أبوك أو برفضه أنتِ راح تبقين عندِي لكن الأمر يرجع لك تبين أبوك يكون راضي ولا رافض وضايق "
مسكها من يدِها التي تؤلمها ، تعرف جيدًا أنَّ كلمةٌ من والدِي ستُحرجه وتجعلني أذهب ، لكن لم اتجرأ بالمغامرة حتى يصدمني سلطان بقلةِ ذوقه عند أبي ، كنت أثق بأن سلطان من المستحيل أن يتفوه بكلمة عناد أمام شخص يكّن له كل التقدير لكن خشيْت ، صرتُ أتوقع منه مالايتوقع ، أجبرنِي كعادة هؤلاء الرجال في بلدِي. كما أجبرني تُركي على الصمت لسنوات و الضحكة في عزِّ بُكائي ، مثله تماما يجبرني أن أكذب و أُخبر أبِي عن الحياة الوردية التي أعيشها مع سلطان. يالله كيف ينخدع أبي بسهولة ، شعرتُ بنظراته أنه يشكك بكلامي ولكن لم يقُول شيء ، لِمَ الجميع يتخلى عني بسهولة ، كان واضحٌ عليّ وأنا أخبره بأنني لا أرضى العيش ، الآن لا جدوى من الندم ، أعترف بأني نادمة ولو يعود الزمن للوراء لصرختُ في وجه سلطان وركضت لوالدِي. و أعوذ بالله من " لو " ومن أبواب الشيطان التي تُفتح منها. يا رب أرحمنِي.
طلَّت برأسها : عادي أدخل ؟
الجوهرة جاهدت أن تبتسم والدمُوع تبللها : حياك حصة
حصة أقتربت منها لتجلس على السرير بجانبها : مين مزعِّل القمر ؟
أستعدلت بجلستها لتمسح دمُوعها : تعبانة شويْ
حصة بتشكيك : والتعب يبكيك ؟
الجُوهرة بضيق : مشكلتي ماأعرف أكذب
حصة أبتسمت : وهذا الأحسن ، مزعلك سلطان ؟
الجُوهرة : كنت أبي أروح الدمام مع أهلي بس عيَّا
حصة : تبيني أكلمه لك تروحين كم يوم ؟
الجُوهرة بإندفاع : لألأ .. لاتقولين له بعدين يحسب أني أشكي لك
حصَّة مسحت على شعرها : والله مدري وش أقولك يالجوهرة بس سلطان أحيانا والله يقول كلام وفي قلبه كلام ثاني ، صعب عليه أنه يبدأ المبادرة ، أنتِ بادري بالرضا
يالله كيف أُفهمك يا عمته ما بيننا ! كيف أصِف لكِ أنَّ الذُل مرتبط بالرضا والله مرتبط به بشكلٍ رخيص جدًا ، لستُ أفهم الجميع حين يطلب مني المُبادرة رُغم أنَّ الأحقية معي. نسيت أننا مُجتمع شرقي والأحقيةُ مع الرجل دائِمًا.
حصَّة : أتركي كل خلافاتكم ورى ظهرك وأبدي من جديد ، أفتحي صفحة جديدة معاه وصدقيني سلطان بيبدأ معك
الجوهرة أخفظت نظرها لتنساب دمُوعها بإنسيابية الوجع بين احشائها.
حصة بإبتسامة حانية : نبي نشوف عيالكم
الجوهرة وكأن هذه الكلمة شطرتها نصفيْن ، يا نقاءُ الأحلام البيضاء ، طفلٌ يسيرُ أمام عيني و ضحكات لاتنتهي ، طفلٌ أنام بجانبه حتى لا يستيقظُ فزعًا و أُطعمه لأني أخشى على ملابسه بأن تتسخ ، طفلٌ طاهر يُشبهني أو يُشبهه لا يهُم. طفلٌ هذا أيضًا من أحلامِ الصِبَا التي أندثرت وماتت.
حصَّة بخجل شديد : أعتبريني أمك وأسمعي نصيحتي ، أحيانًا نص الخلافات تنحل من العلاقة الزوجية .. أقصد يعني.. أنتِ فاهمتني صح ؟
الجوهرة دُون أن تنظر إليْها هزت رأسُها بالإيجاب
حصَّة أكملت : بالنهاية هو رجَّال وأكيد له رغباته ، لاتخلينه يبعد عنك وبعدها يدوِّر عند غيرك ، عند اللي تشبع رغباته وتخسرينه ، الحُب مهم لكن العلاقة اللي بينكم أهم ، الحُب لازم تترجمه هالعلاقة ! إذا ماترجمته ماراح يفيد الحُب والإحترام المتبادل ! صحيح أهم شي العشرة وبيننا إحترام لكن بعد لازم العلاقة تكون في أحسن حالاتها .. هو قالك عن سعاد ؟
الجُوهرة رفعت عينها : لأ سألته مرَّة وعصب .. بس أدري أنه زوجته
حصَّة : سعاد الله يرحمها كـ . .
،
يشعرُ بأن النوم يهربُ منه من ضخامة ما يُفكر به ، كلامُ أخيه أوجعه ، جعل عقله يتوقف عن التفكير ، كيف يعترف أمامه بهذه الدناءة ؟ كيف يقهره ؟ شعر بأن العالم كله يتوقف أمامه و أن هذا الكون يعلقُ في حنجرته ، شعَر بأن الحياة هُنا تقف وهُنا تنتهي.
تُركي الذي من لحمِي ودمي يغدرني هكذا !! يالله يالله يالله ثلاثًا على ما يحصُل فينا ، يالله كيف تجرأ ؟ كيف تجرأ على إنتهاكِ حدُود الله !! يارب لا تخسف بنا أرضك بشرِ أعمال عبادِك. تُركي المُصلي الصائِم يفعل هذا ماذا بقي لغيره ؟ كيف مرَّت هذه الـ 7 سنوات دُون أن أشك للحظة بما حدث !! يالله أعفُ عنِي إني أبُوء لك بذنبِ تقصيري بتربية أماناتِك ، يالله أرحمنا من فتن هذه الدُنيا. وددتُ لو أقتله ولا أسمع ما قال. لو أنّني تخيلتُ عن إيماني للحظة وقتلته ولكن خشيْت ، خشيْت عذابٌ من ربٍ عظيم. ولكن يا تُركِي أني أبرأ نفسِي منك ، لا أعرفُ أخًا يغدُر بيْ. لا أعرفُ أبدًا و جزاءُك عند الله أما أنا فأني نفضتُ يدايْ منك. و رُغم رفضي في البدء من أن سلطان يجدك قبلِي ولكن الآن أنا راضٍ تمامًا بأن يفعل بك سلطان ما شاء وحتى لو سلَّمك وجلب الفضيحة لنا أنا عنك لستُ مسؤول ولكنِي أثق بأن سلطان لن يذهبُ بك إلى الشرطة هكذا ، رُبما يجد طريقة بأن يسجنك أو غيرها فهذا لا يهُمني ، ما يهُمني كيف غدرتني يا أخي يا إبن أمي وأبي ؟
قاطعهُ صوتها : ماهو من عادتِك تنام هالوقت ؟
ألتفت لزوجته ، لايُريد أن يتخيَّل لو أنها تعرفُ بالموضوع ! أن إبنتها التي تفهمُ سرّ نظراتها فشلت بأن تُفكِك شفراتها ، لا يعرفُ كيف ستنام لو أنها تعرف ! كيف ستستوعب أنَّ تُركي الذِي أصبح كإبنها هو خائِن وغدرها في إبنتها ؟ والله هو لا يكادُ يستوعب كيف قلبُ الأم ؟ أخشى عليك من الموت في حسرتك لو تعلمين ما يحدثُ بإبنتك.
،
أكتئب من هذه الأجواء التي يُمسي عليها و يُصبح بها ، من الإتصالات الكثيرة ، الأصوات الصاخبة المُزعجة ، التخطيطات الغبية السخيفة ، الأشياء العظيمة التي يتناقلونها ، القتل و التهريب ، التفاصيل المروِّعة التي تتناقلُ بين أفواههم ، تنهَّد بعُمق ليجذبُ انظار والده إليْه و بنبرةٍ ساخرة :أرسم ماعلى أخلص
فارس إبتسم ليُجاريه بالشماتة : حالف أني ماأرسم غيرك
رائِد : بالله !! طيب يا حبيبي
فارِس : جد طفشت ، ممكن أطلع أتمشى شويْ
رائِد : وش يخليني أثق أنك بترجع ؟
فارِس بسُخرية : ركِّب لي جهاز تتبع
رائِد : ههههههههههههههههههههههههه تعال .. عاد أنا آخذ هالأمور بجدية
فارس أقترب منه ليُخرج من درجه قطعةٌ سوداء ، وضعها على ذراعه ليصرخ فارس بألم لأن مسمارًا صغيرًا نسيَهُ ألتصق بجلدِه.
بانت الكدمةُ على ذراعه ليتقاطرُ الدمُ منها.
رائِد عقد حاجبيْه وبنبرةٍ حانية : بسم الله عليك
فارس سحب ذراعه وبغضب : خلاص ماني رايح بلصق فيك
رائِد أبتسم : خلاص روح ولا تزعل .. بس قبل الساعة 9 أنت هنا
فارس بقهر سحب معطفه وخرج من الشقـة التي تصخبُ بأقدام الخارجين و الداخلين.
تنفس بعُمق عندما خرج من العمارة بأكملها ، وبتنفسه يخرجُ البياضُ من بين شفتيْه ، أدخل يداه بجيُوبه وهو يتأملُ الطريق ، على بُعدٍ قليل تسكنُ عبير ، سيعبرُ هذا الشارع و من ثم الشارع الآخر ليلتف يمينًا و يدخلُ في تلك المنطقة المُزعجة التي في زاويتها الفندق ذاك. ليس بعيدًا أبدًا ، أخرج هاتفه وهو يعرف تماما أنَّ والده يُراقبه عن طريق هذه الجوال.
أتجه قليلاً لإحدى المحلات ليُطفىء هاتفه ويُصبح آخر تحديثاته في هذه المنطقة ، لاتُوجد حيلة للهرب من أعين والده المنتشرة في كل مكان إلا هذه الحيلة. يشعرُ حتى الجُدران تُخبر والده بخطواته.
،
أشترت أثير من الكعك الفرنسِي المشهُور وأفكارُها لا يمرُها سوَى أن تُراضيه. بالنهاية هي قادرة أن تُقنع عبدالعزيز بوجهات نظرها ، أنا أثقُ بقدراتِي بإرضاءه ، سارت حتى ألتقت عيناها بها ، رمشت كثيرًا بل أكثر من كثيرًا ، تسارعت نبضاتها وهي تتمتم : أستغفر الله .... سبحان اللي يخلق من الشبه أربعين .. أبتعدت عن هذا الطريق بعد نظراتِ تلك الغريبة التي تُشبه غادة ، سارت بخطواتٍ سريعة للعمارة التي تعشقها وكيف لا تعشقها وشقته بالطابق الرابع حيثُ حبيبها.
في جهةٍ أخرى تسللت للخرُوج بعد أن رأت أن الجميع غرق في نومه و والدها بالتأكيد مع عبدالعزيز ولن يرجع باكِرًا ، أخذت جاكيتها وخرجتْ بهاتفها دُون حقيبتها ، خرجت من الفُندق وبمثل اللحظة دخل والدها من الباب الآخر ، لو تأخرت قليلاً لرآها وهي خارجة من المصعد الكهربائي.
رتِيل تنهَّدت من برودة الأجواء ، لتُدخل يديْها في معطفها وتسيرُ بجانب الفندق و عينها أمتدَّت للعمارة التي في نهاية الشارع ، " أكيد إلى الآن ما سكنت عنده !! " . . . أكملت سيرها و . . . .
↚
رتِيل تنهَّدت من برودة الأجواء ، لتُدخل يديْها في معطفها وتسيرُ بجانب الفندق و عينها أمتدَّت للعمارة التي في نهاية الشارع ، " أكيد إلى الآن ما سكنت عنده !! " . . . أكملت سيرها مُتجاهلة تفكيرها ، مايهمني!
هو وحده من سيأتِيني ، وحده من سيتنازل في هذه الحرب! لستُ أنا والله من أقبل أن أأتيه! سأُجعلك تعلم أنَّ إهتمامي بك في أولِ مرةٍ سقطت بها في المستشفى كان إهتمامًا عابرًا وستُدرك جيدًا أنك لا تهمُني حين تسقط في المرةِ الثانية. دخلت السُوبرماركت القريبة وهي تفتحُ هاتفها وتكتبُ رسالةٍ لوالدها بعد أن شعرت بتأنيب الضمير " يبه أنا رحت السوبرماركت اللي تحتنا وماراح أتأخر بس دقايق وأرجع "
أقتربت من البائع العجُوز لتطلب منه بطاقة شحن لهاتفها ، أنتظرته بدقائِقٍ باردة ترتجفُ بها وهو يُخرج العلبْ ويبحث بطريقةٍ مملة.
على بُعدِ خطوات كان يسير على الرصيف مُتجهًا لشقته ، مرَّ من عندِ السوبرماركت و تعدَّاها بهدُوء ليقف وكأنهُ رأى شيئًا غريبًا ، عاد بُضعِ خطوات للخلفْ وتجمَّدت عيناه عليْها.
رتيل بالإنكليزية : أيوجد أم لأ ؟
العجُوز : I don't speak english
رتيل فتحت هاتفها على تطبيق الترجمة لتكتب له بالإنكليزية ومن ثُم تحوِّله له للفرنسية ، مدَّت هاتفها أمامه
العجُوز يقرأ بضعف نظر ، هز رأسه بالإيجاب و أشار لها بإصبعيْه أن تنتظر قليلاً
رتيل تنهَّدت لتخرجُ انفاسها البيضاء و تتلاشَى بأجواءِ باريس المُزدحمة بزخَّاتِ المطر ،
من خلفها يهمس : ما أشتقتِ ؟
ألتفتت برُعب لتأخذ شهيقًا ولم يُدركها الزفير ، تصنَّمت لتستوعب مُتأخرًا ، شتت أنظارها وهي تأخذ البطاقة من العجُوز وتخرج من جيبها المبلغ المطلُوب ، حاولت أن تخرج من الباب المُتهالِك و يتقاطرُ منه بقايا المطر المُتجمع فوقه ولكن وقف أمامها ، بعينٍ حادة ومازالت حاقدة : وش تبي ؟
عبدالعزيز بإبتسامة : طيب أسألي عنِّي و عن أخباري يمكن ماني بخير
رتيل : عساك بهالحال و أردى .. دفعته قليلا لتخرج مُتجهة للفندق بخطواتٍ سريعة لأنها أيقنت أن والدها عاد.
شدَّها من يدها : أبوك دايخ وراح ينام
رتيل رفعت حاجبها : طيب ؟
عبدالعزيز : خلينا نجلس شوي
رتيل ضحكت بسُخرية : انا الوقت اللي أحط فيه مناكير أثمن بكثير من الوقت اللي أقضيه معك
عبدالعزيز بإبتسامة تُسقط رتيل بضعفها : طيب عطينا من هالوقت دقايق
رتيل بحدة : لأ .. وأترك إيدي عشان مايدري أبوي وأخليه يتصرف معك
عبدالعزيز ترك يدها ليُدخل كفوفه بجيُوبه : شوي يالمغرورة من وقتك
رتيل : لأ ... وأعطته ظهرها ليقف أمامها مُجددًا وبنبرة جادة : رتيل بس شوي
رتيل : هالشوي خذها من وقت حبيبتك
عبدالعزيز بعبط : وهذا أنا بآخذها
رتيل بلعت ريقها لتُردف : روح لأثيرك ... وتجاهلته تمامًا مُقتربة من الفندق
عبدالعزيز سحبها مرةً أخرى من معصمها ، رتيل بمحاولة تهديد أخرجت هاتفها : بتصل على أبوي وأقوله
عبدالعزيز : قلت لك نايم .. بس عطيني شوي من وقتك ودي أقولك موضوع مهم
رتيل : ما بيننا مواضيع مهمة !!
عبدالعزيز : إلا بيننا
رتيل بحدة : أيوا صح نسيت مافيه أحد تمارس رجولتك عليه الا أنا
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ، تنهَّد : طيب يا رتيل تكلمي وأشبعي بكلامك
رتيل بشماتة : أشبع ليه مااشبع !!
عبدالعزيز عض شفته والغضب بدأ يجري في تعرجات جبينه : تتشمتين فيني ؟
رتيل بإبتسامة : وبكل فخر
في وقتٍ آخر نزلت من السلالِم لتكتب رسالةٍ نصية لـه " جيت الشقة بس ما لقيتك ومقدر أتأخر اليوم ، المهم حبيبِي كلمني ضروري بس تفضى "
سَارت بخطِ العودة ، مارةً من الدكاكين الصغيرة المُنتشِرة على هذا الشارعْ الممزوج بين الهدُوء ليلاً وصخبًا نهارًا ، أحاطت رقبتها بالـ " سكارف " بعد أن أشتَّد عليْها البرد. كانت أعينها تتأمل الطريق وأفكارها مُنحصِرة في زاويـة عبدالعزيز! كيف تُقنعه ببعضِ وجهات نظرها الغير قابلة للتغيير. تعرف جيدًا يا عبدالعزيز أني أُحبك منذُ سنوات ولأجلِك أستغني عن الكثير ولكن حُبك لايجعلني أتنازل عن قناعتنِي ، الحُب لايعني أن أسيرُ خلف كظلِك بكل أراءِك ، أنا لي شخصية مُختلفة و قناعات مُختلفة و الحُب يتوهَّج بالإختلاف وليس بالتشابه يا عزيزِ. ليتك تفهم ذلك و . . . تجمَّدت عيناها وهي تراه بمُقابل فتاة لاتتضح ملامِحها من بعيِد.
عبدالعزيز : ماهو ذنبِي إذا أبوك رفض يعلمك ! تذكري هالشي دايم
رتيل بسخرية : تكفى أرحمني يالمطيع! ما كأنك عصيته كثييير وكثيير وأنت عارف هالشي بتجي على هالزواج ! دوِّر لك عذر ثاني وأصلا ليه تدوِّر لك عذر مو أنا ماأهمك ! مو أنت قلت لي أنتِ مين ؟ وأنتِ شي زائد وماله أهمية !! خلاص وش لك فيني !!! أنا بعيش حياتي وأنت عيشها مالنا علاقة في بعض ! متى ماتبي طلِّق أو لا تطلق هذا شي راجع لك لأنك ماتزوجت وحدة راضية فيك فأكيد أمر طلاقها ما راح يرجعون فيه لها ... بالنهاية تصرف على راحتك بس حط في بالك أنك منت وصي علي ولا لك حق تكلمني بأي شي وبعتبرك إنسان غريب عليْ لأني ماوافقت على هالزواج ! بس الـ ..*كانت على وشك الشتيمة ولكن صمتت لتُردف بعدها* بس أثير فهذي زوجتك وحلالك وأنت حر فيها ! وأنا بنتظر طلاقِي بكل سعادة لأن فيه غيرك ينتظرني
عبدالعزيز بحدة : ومين إن شاء الله اللي ينتظرك ؟
رتيل وملامح الإنتصار تُضيئها لتبتسم : أسأل أبوي عن حاتم . . أنتبهت لأثير الواقفة من بعيد ، أطالت نظرها بها حتى تعرَّفت عليْها ، لا تُشبه الصورة كثيرًا ولكن هي تماما بل هذا شعرُها الأسود التي يتلاعبُ به هواء باريس.
عبدالعزيز ألتفت للمكان التي تنظرُ إليْه ، تعلقت عيناه في أثير ، كانت نظراته غريبة لأثير كانت نظرات تشتعلُ منها غيرة ، نظرات تُوحي عن العشق الذِي بينهُما. هذه تفسيراتْ قلبُ رتيل.
أقتربت أثير منه ليُلصقها عبدالعزيز به حين تشابك ذراع عبدالعزيز بذراع أثير : هذي رتيل اللي كلمتك عنها
أثير نظرت إليْها بنظرة من أقدامها حتى رأسها ، أبتسمت : أهلا
كلمتها عني ؟ لم تشعر بالغيرة حتى منِّي ؟ هذا يعني أنني فعلاً لاشيء بالنسبة لك. تبًا لك ولها وللعالم هذا بأكمله.
عبدالعزيز بإبتسامة : طبعًا أكيد تعرفينها .. أثير
رتيل ببرود ولا تُجامل : طيب ؟ أشبع فيها ...
أثير ضحكتْ لتُردف بدلع : إيه طبيعي يشبع فيني ... ماهو حبيبي وزوجي
عبدالعزيز بهدُوء يتأمل عينُ رتيل : ما يصير كذا! تعرفين بالذوق أكثر مني
رتيل ألجمته بحدةِ كلماتها : متعوَّدة أجامل ناس يهموني بس ناس ماتهمني ليه أجاملها !! أيه أشبعوا في بعض ما غرت عشان أخفف غيرتي وأمثِّل أني باردة وماتهمني ! أنت فعلا ماتهمني يا حبيبي وإذا بغار صدقني بتكون آخر شخص ممكن أغار عليه عندي غيرك كثييير ... تصبح على خير .... وأعطته ظهرها لتدخل للفندق.
أثير بتقرُف : عوبااااء !!
ترك ذراعها المُتشابك فيه ، عاقد حاجبيْه ومُلتزم الصمتْ تمامًا
أثير : طيب ماعلينا منها !! كنت أحسبك بشغلك مع أبوها ..
عبدالعزيز بهدُوء : رجعت قبل شوي
بثوانِي قليلة صعدتْ لغُرفتها ، تأكدت أن والدها فعلاً نام ولم يأتيهم. نزعت معطفِها وأبعدت حجابها ليسقط على الأرض ، حررت شعرها ذُو الإلتواءاتِ العنيفة لتمُر خصلة بُندقية على عينها الداكنة ، " وعدتُك ، أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ. وأن لا أقولَ بعينيك شِعراً وقُلتْ.. وعدتُ بأَنْ لا ...وأَنْ لا. وأَنْ لا .. وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ. " وعدتُك يا عزيز بالكثير وأمامك جبنت. أخذت نفسًا عميقًا تلألأت بها عيناهُا بلؤلؤٍ شفاف. لن أبكِي! لن أبكي! لن أبكي! أرجُوكِ يا عيني لا تسخرين مني هكذا ، أرجوكِ لا تبكِين وتتشمتُ دمُوعي بيْ! أرجوكِ يا عيني.
سقطت دمُوع الغيرة التي فتت قلبُها عندما رأتها ،عندما تلامس ذراعُها بذراعه ، كأنها تمتلُكه. لِمَ أفترض ؟ هي فعلاً تمتلكُ قلبه، أصبحت زوجته والله يعلمُ ما تُخبي نفسهُ لها ، كان الجميع يعرفُ عن حُبهم ؟ لمْ يخجل من هذا الحُب! قالتها أخته في ذاك المشهد الذي رأيتهُ مع عبير ، قالتها بكُل وضوح " أنت لأثير " حتى وإن بيَّنت الأخت الأخرى رفضها ولكن كان واضحًا جدًا أنَّ إسمك مرتبط بها منذُ زمن. أنا النزوة التي حضرت في المنتصف ، أنا المعصية التي قتلت نفسها ، أنا الكذبة التي أنكشفت قبل أبريل ، أنا كل الأشياء السيئة التي لن تنجذبُ لها عيناك يومًا.
حتى عيناك حينما رأيتها واقفة بعيدًا ، كانت غير! غير والله ، إلهي كيف يكُون صوتُ عيناك مؤذيًا هكذا ؟ كيف تكُون عيناك جارحة ؟ أنا لا أعرفُ كيف أتحمل رؤيتك مع غيري ! لستُ أعرف كيف أقوَى وأنا أرى القصائِدُ من عينيْك لها ، لستُ أعرف والله كيف " أحبك " تنطقها عيناك في وقتٍ لم أسمعها منك. أنت تُحبها وأنا ؟ " طيب وأنا ؟ " من كل هذه الحياة ألا أستحق أن أعانق كفِّك كما عانقتها ، ألا أستحق أن أُقبِّلك بكامل رضايْ ؟ ألا أستحق أن أُحبك بطريقةٍ مُهذبة كأيّ زوجيْن.
لِمَ تزوجتها ؟ أُريد أن أعرف كيف تزوجتها ؟ أنا من حقِي أن أبكي في داخلي ! أبكِي كثيرًا حتى يأتي الصباح مُثقلاً بشتيمتك! وعدٌ يا عبدالعزيز أن لا أصدقُ معك في شعُوري أبدًا. لستُ أوَّلِ العاشقين ، في مدينتي نصف العُشاق يفترقون. وأنت منهم أقصد أنا منهم لأنك لم تحبني يومًا كما تُحب " التافهة " تلك.
،
تنظرُ لعينيْ حصـة بضياع ، لم تتوقع ولو لحظة أنّ لسعاد قصة كهذه! لم تتوقع ولو قليلاً أن هذه حياته سابقًا ، كان كُل ما يدُور في بالها من تخمينات حول زوجته الاولى أنهُ يُحبها غير قادِر على طردِ ذكراها من حياته. كانت تخمينات ساذجة وأنا أشهدُ على ذلك الآن.
تُكمل بصوتٍ موجوع : كانت صديقة العنود مررة ، تصير بنت ولد خالِي ، يعني من بعيد .. بس سلطان مقدر يخليها في بيته كِذا لأن أكيد الناس بعد بتتكلم فتزوجها عشان يخليها قدام عيونه ،
الجُوهرة بهمس : قالت عايشة أنها كانت .. يعني ماهي في وعيْها دايم
حصة : أنهبلت الله يرحمها .. ربي رحمها وخذآ آمنته .. كانت بنتها عمرها سنة وزوجها حسبي عليه طلقها بس عرف أنها بنت .. تعرفين يالجوهرة التخلف اللي في هالرجال !! يتزوج ويطلق يبي الولد والله مارزقه وكانت آخر حريمه سعاد ... بس حصلت مشاكل في ذيك الفترة في شغل سلطان و تقاعدُوا ناس لهم مكانتهم في شغله .. كانت الفترة حيل متوترة ..
أردفت وهي تُخفض نظرها ودمعةٌ تقتل كل قلب أم : ماتت بنتها قدامها
الجوهرة أتسعت محاجرها والغصة تتراكم في حنجرتها ، أرتجفت أطرافها من فِكرة أن تمُوت إبنة أمام والدتها.
حصة : أنهارت وماعاد تفيد الأدوية .. في شهادة الوفاة كتبوا أنها سكتة قلبية
الجوهرة : كانت صورها مع سلطان كثيرة ... صمتت لتشعُر بخجلها من هذا السؤال .. آسفة مو قصدِي بس ... خلاص خلاص ولا يهمك
حصة أبتسمت : صدقيني ما كان بينهم شي ! حتى الصور هذِي قديمة .. يمكن في أول زواجهم لأن وقتها كانت إختبارات بنات بوسعود وكان عندهم شغل برا وقرر سلطان هو اللي يسافر بدال بوسعود .. وخذاها معه
الجُوهرة : الله يرحمها ويغفر لها
حصَة : آمين .. و العنود كانت منزعجة أنه سعاد ماهي مرتاحة حسب ماهي فاهمة وأنه مفروض سلطان يبعدها عنه لأن شغله حساس وسعاد ماهي بحالة تسمح أنها تتوتر أو تتضايق .. ولما ماتت بنتها لقتها حجة عشان تتمشكل مع سلطان ... يووه يالجوهرة خلينا من هالموضوع اللي يجيب الهم
،
يسيرُ و عيناه ترتكزُ أمام الفندق الذِي تسكنُه من سلبت عقله و قلبه وكله والله كله. أخذ نفسًا عميقًا تلاشت به ضبابية مؤقتة خرجت من فمِه المُثقل بقصائِد الشوق ، أنِي أُحبكِ بلا منطق ولا داعِي ، أُحبكِ هكذا لأنِي رجلاً أمامِك شعرتُ بحاجتي لأن أكتمل. أُحبك رغبةً بأن أبتسم ، أسعد ، أحيا. إنِي أُصلي من أجل أن يُصلحني الله لقلبك ، أنِي أدعُو الله بأن يحفظكِ ليحفظني ، إنَّ قلبي يا عبيرِ هُناك ! في يسارِك ، أنا والله لا أتزن دُونك ، انا لا أعرفُ عن عُمرِي شيئًا الذِي مضى دُونك ، أنتِ ميلادِي ، أرأيتِ مجنونًا يعشقُكِ من صُورة ! أرأيتِ مجنونًا مارس العشق دُون أن يعرف إسمك ؟ أريتِ مجنُونًا بقيَ أشهرًا يُفكِر بك كمجهولٍ سلب له عقله لا يُصبِّر جوعه سوى تلك الصور ، أرأيتِ مجنُونا مثلِي يُحبك و فعل المستحيل حتى يصِل إليك ؟ أرأيتِ مجنُونًا حتى في بُعدِك يحاول أن يحميك ، أنتِ حياتِي و عُمرِي منك إبتدأ.
جلس في المقهى المُقابل وهو يعرف بأنها نائمة ، هذا الأكيد. ليتكِ تلتفتين إليْ ، أُريد أن أتشرفُ بسلامِ عينيْكِ ! أُريد وبشدة أن تضحك عيناكِ ليْ. أنا والله العظيم أُحبك.
،
يمرُ يومْ و إثنان ، قلبٌ يتفرعُ منه حزنٌ وشك و صباحُ إسنطبُول طويل ولا يحملُ نسمةَ فرحٍ عابرة ، أهذا أيضًا طبيعي ؟ لِمَ عريس يكُن بهذا البؤس ؟ ماذا يشغلُ بالِك ويُشتت إنتباهك عنِّي ؟ أُريد أن أعرف كيف أخبرت والدتِك بأن تخطبني ؟ أم هو كعادة هذا المُجتمع الذِي يُلصقنا رغمًا عنا ليقُول " حبُّوا بعض " أم هي طريقة " أكشط وشف حظك " أكنت متخيلنِي بهيئة وأتيتُك بعكس خيالاتِك ؟ أأنا أقلُ جمالاً مما تُريد ؟ أم أنا لستُ جميلة بما يكفِي لك ؟ أُريد أن أعرف مالذِي لا يعجبك فيني ؟ إلهِي كيف أصبحت ثقتي في هيئتي هشَّة والبركةُ نظراتِك التي لا تحملُ ذرة إعجاب. لم أُحرِّك بك خلية منذُ ان أتينا!
نظرت له وهو يُغلق آخر أزارير قميصِه ، توقعته أن يُخبرها بأننا سنذهب سويًا لمكانٍ ما ولكن بمُجرد ما أن سمعت صوت الباب عرفتُ أنني غير مُرحَّب بها في حياتِه. أهتَّز هاتفها لتُجيب : ألو
هيفاء بصوتٍ شغُوف مشتاق : نسيتينا بهالسرعة يا كلبة ؟
ريم بضيق : وين أنساكم بس
،
دخَل بخطواتٍ خافتة لم تشعُر بها ، طلّ بعينه عليها لم يرى سوى ظهرها المُستلقي جانبًا على السرير وشعرُها الطويل مُتبعثرٌ حولها ، نظر لحركةِ أصابعها المتمللة على السرِير وأدرك بأنها مُستيقضة ، بصوتٍ هادىء : مُهرة . .
ألتفتت عليْه دُون أن تنطق حرفًا ، أردف : ليه ما قمتِي للحين ؟ .. تعبانة ؟
مُهرة : لأ .. مالي مزاج أقوم
يُوسف : كليتي شي ؟
مُهرة : ماني مشتهية
يُوسف بتنهيدة : طيب أكلي لك شي عشان صحتك !!
مُهرة بقهر : عشان صحتي ؟ ماهو عشان ولدك
يُوسف : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. أنتِ ليه تدورين علي الخطأ عشان تمسكينه وتذلين أم أمي فيه
مُهرة أعطته ظهرها لتُردف : طيب خلاص لا تكلمني دام أنا أدوِّر عليك الغلط
يُوسف أتجه نحوها على الجانب الآخر من السرير بالقُرب منها : إلى متى يعني ؟ مشكلتك معي ولا مع اللي ببطنك ؟ دام معاي خلاص ماله داعي تهملين صحتك عشان تحسسيني بالذنب !!
مُهرة أبتسمت بسخرية : إيه صح أنا أهمل نفسي عشانك !! طبعًا لأ .. أنا أخاف على نفسي أكثر منك ولا محتاجة منك إهتمام
يُوسف عض شفتِه السُفلى : طيب .... وقف ... اهملي نفسك وسوِّي اللي تبينه بس والله يا مُهرة لو يصير في اللي ببطنك شي ماتلومين الا نفسك
مُهرة بغضب أستعدلت : على وش تهددني إن شاء الله !! تبي تمشي حياتي على كيفك ! إيه صح أنا نسيت أنه حياتي تمشي تحت رحمة مزاجك .. تجي تكلمني بمزاجك وتضحك بمزاجك ولما اكلمك ترد عليّ بحقارة تشبهك
يُوسف : نعععم يا روح أمك!! تبيني أوريك رسايلك المحترمة لزوجك .. حتى ذوق مافيه
مُهرة : وش فيها رسايلي ؟ طول ما كنت بحايل ما رسلت لك شي يضايق بس أنت ودِّك تمسك عليّ الزلَّة
يُوسف يخرج هاتفه ليفتح الواتس آب ويصعد لمُحادثتها .... قرَّبها من وجهها حيثُ أحاديث تقرأها لأولِ مرَّة
بدهشة صمتت لتُردف بخفُوت : ما كتبت هالحكي
يوسف بسخرية : الجني الأزرق كاتبه
مُهرة رفعت عينها وأفكار كثيرة تتصادم بها : والله ما كتبته
يوسف : أجل مين ؟ كيف أجل كلمتيني بعدها !!
مُهرة غاب عنها أن تنتبه بأن الرسالة مقروؤة : ما أنتبهت أنه الرسالة مفتوحة ..
يُوسف بشك : ماأنتبهتي !! مُهرة قولي حكي يدخل المخ
مُهرة وأتى في بالها " غالية " ، أخذت هاتفها لتتصل على والدتها
يُوسف بصمت ينظرُ لها ، ردَّت : هلا يمه
والدتها : هلابتس
مُهرة : يممه غالية في البيت ؟
والدتها : إيه وش تبين في ذا الهبلة ؟
مُهرة : عطيني إياها ضروري
والدتها : أول أعرف وش عندتس معها
مُهرة تُشتت أنظارها بعيدًا عن يُوسف وبصوتٍ يميلُ للخفوت : يمه موضوع صغير أبي أعرفه منها
والدتها بتنهيدة : طيب طيب. .. وخرجت من المطبخ مُتجهة للصالة .. غاليية
رفعت عينها : هلا
أم فهد : دوتس مهرة
غالية : وش تبي ؟
أم فهد تمدُ لها الهاتف دُون أن تُجيبها ، : ألو
مُهرة وقفت لتتجه بعيدًا عن يُوسف الذِي يُراقب كل خطوة وكل نظرة.
أردفت : لو أعزمكم ع الرياض تجون ؟
غالية بضحكة : وش عندك ؟
مُهرة : كِذا ودي أشوفك
غالية : ما ظنتي المدارس راح تبدأ وتعرفين خوالتس
مُهرة : خسارة!! عاد تدرين توّ أتناقش مع يوسف وقالي أعزميهم هنا
غالية بتوتر : يوسف هو اللي يبينا نجي ؟
مُهرة : إيه خصوصًا بعد مشكلتنا الأخيرة
غالية : أي مشكلة ؟
مُهرة : ما تدرين !! غريبة أنتِ حتى مشاكل النمل تعرفينها
غالية بضحكة مُرتبكة : وش دعوى عاد لا تبالغين يا حييّ
مُهرة : حتى قالي أنه في ناس من أهلي راضونا على بعض وقلت أكيد هذي غالية أعرفها تحبني وتحب لي الخير
يُوسف جلس مُندهش من الحوار الذِي لا يفهمُ أوله ولا آخره.
غالية بتوتر : ههههه وش فيك مهرة ؟ وش يدريني عن مشاكلكم عشان أراضيكم
مُهرة : والرسالة ؟
غالية بلعت ريقها لتصمت.
مُهرة بحدَّة : آخر شي ممكن أتوقع أنك تسوين هالحركة معي !!! والله يا غالية هالحكي راح أوصله لخالي وهو يتصرف معك .. أغلقته بوجهها ،
ألتفتت على يُوسف : كان مفروض تكلمني تستفسر ! يعني مستحيل كنت برسلك شي بهالوقاحة !! بس أصلا أنت ماتثق حتى فيني
يوسف رفع حاجبه : أخذي العقال بعد وأضربيني !!! تكلمي معي زي الناس ماني أصغر عيالك لا يجيك كف يخليك تعرفين تتأدبين معي... تروحين تتهاوشين مع حريم خوالك مدري بناتهم وتغلطين وبعدها تحطين اللوم عليّ .. والله عجيب أمرك .... وخرج ليتركها في كومة غضبها.
أتصلت بسُرعة على خالها وهي تشتعلُ حقدًا من إبنته المُستفزة ، خالها الأوسط الرحُوم أحيانًا وأحيانا كثيرة هو الشديد.
رد عليها لترتبك بعد صوته ولكن لن يردعها شيئًا بمثل ما فعلت ستُعاقب : السلام عليكم
،
فِي – كان – الفرنسـية ، بعضُ الأمطار تهطل بخفُوت على الأرض. جالِسة في محطة إنتظار الحافلات ، تنتظرُ سيارة الأجرة لا قوة لها بأن تسيرُ تحت هذه الأمطار. تُراقب بعينها الداكنة كيف السماءُ تتزاحمُ بغيمها ، كيف يتكهربُ السكر وينسابُ منه الشراب العذب ، سُبحان الله العظيم القادر الحي القيُوم ، سُبحانه ومن لهُ الملك سوَاه ؟ وهو الذِي يأمرُ السماء فتُسكِرنَا حلالًا بها. أنشدَّت أنظارُها حول صبـيةُ ناعمة ذات شعرٌ بني غامق تسيرُ رقصًا مع رجلٌ بجانبها وضحكاتهم تنتشرُ و المطرُ يُبلل لباسهم على الرُغم من أنها ترتدِي فُستان قصير بلا أكمام ولكن يبدُو أن الحُب يُدفئها ، أبتسمت لتُعيد عدّ القطراتِ على الأرض بمللٍ كبير رُغم إستمتاعها بالأمطار ، لم تجعل دعوة تفرُ منها أبدًا في وقت إستجابة كهذا ! أولُ من أتى في بالي " الجُوهرة " أنا أدرك أنَّها المظلومة الوحيدة بيننا كُلنا في عين ريَّان ، لا أعرفُ كيف مشاكل تمرُ لسنوات دُون أن تنتهي ، كيف مشاكل كهذه أن تُبعد أحدُنا عن الآخر ، كيف فتَرت علاقتها مع ريَّان و أيضًا تُركي ، كيف بعدت كل هذا البُعد ؟ منذُ أول مرةٍ قالت بها " لا " لـ وليد و ضحكت بمُزاح منى التي تكدَّست في هاتفها عشرات الرسائل المجهولة التي تركت في نفسِ ريَّان شك بأنها ليست بمجهولة ! بل هو عاشق و هي خائنة! يالله يا ريان كيف نطقتها بوجهنا جميعًا وأنت تصرخ بالجحيم و أنها خائنة. كيف صوَّبت سهامك على الجوهرة بأنها تعرف وصامتة لأنها تُفضِّل منى عليك ، كانت هذه أولُ شرارات حقدك على أختك .. أختك يا ريان لا أعرفُ كيف لهذه السنين أن تجري ومازلت بحقدك وكأنه ماحصل كان بالأمس. كل من تقدَّم لخطبتها كنت تُحلل فيه بحسب تفكيرك المريض أنها ترفضه لأن هُناك عاشقٌ آخر و أنَّ صمتها على منى لأن منى تعرف عن علاقات الجوهرة !! أتهمت أختك وهي الأكثرُ دينًا بيننا ، أنا لا أنزهها ولكن حفظت كتابُ الله ولسنوات وهي تحفظُ وتحلمُ بحفظه و تأتِي تُشكك في أخلاقها ؟ متى تعُود ريَّان أيامُ منى ؟ متى تعُود ريَّان الذِي نُحب ؟ الذِي يغرقنا بلطفه والذِي لا يخجل بأن يقُول لنا عن حُبه العظيم لزوجته ؟ متى تعُود ريَّان الذِي جلسنا في مرحلة من مراحل عُمرنا نُسمِّي أبنائنا ومن سيحملُ إسم الآخر. قُلتها والله أمامنا " أحب إسم الجوهرة عشان كِذا بيكون إسم أول بنت لي " مالذِي حصل الآن ؟ ليتَك يا ريَّان تحسنُ الظن بها و أيضًا بيْ! ليتك تعُود وما أشدُ حُزني عندما أقُول " ليتك تعُود " وأنت هُنا بالقُرب منَّا ولكن ماتت بك الأشياء التي أحببناها بِك.
رفعت عينها عندما نظرت للحذاء الأسود المُبلل : نواف !! .. آآ أقصد إستاذ نواف
نواف :وش مجلسك هنا ؟
أفنان : أنتظر تاكسي
نواف رفع حاجبه : شقتك قريبة
أفنان : ماأبغى أتبلل ويدخلني برد
نواف مد لها الأمبريلا السوداء : طيب خذيها وروحي لأن مايجون تكاسي هالمنطقة يجون من الشارع الثاني
أفنان بحرج : لآ ..
نواف بضحكة : لا تخافين بترجعينها ليْ بكرا
أفنان أشتدت حُمرة وجنتيْها ومعها أرنبة أنفُها بهذه الأجواء الباردة : لا جد والله يعني خلاص بمشي .. وقفت وأخذت حقيبتها
نواف بهدُوء : أفناان خذيها
أفنان بخجل أخذتها : شُكرًا
نواف : عفوًا .. وسار بجانبها حيثُ إتجاه شقته ،
أفنان أنفاسُها العميقة تُؤخذ بربكة ، إلى الآن ترنُ في ذاكرتها الكذبات الي أطلقتها تشعرُ بانها يومًا ستُفضح و حبلُ الكذب قصير ولحظتُها ستقتنع بأنها " إنسانة لا تساوي شيئًا " لا يكذب إلا الناقص.
،
في مكتبه الذِي ينحصرُ في زاويـة بيته ، وضع الهاتفُ الثابت على " السبيكر " ، ليُراجع بعض التفاصيل مع ذاك الصوت.
فتح الملف الآخر : إيه
: البند الثالث ، في حال أنسحب طرف مؤسس يتم بيع الأسهم دُون الرجوع إليْه تحت مُسمى الوكالة التي أُخذت منه.
سلطان : أيه هذا العقد السويسري .. بس أنتظر بدوِّر على نسخ العقد الثاني أنا متأكد أنه عندي نسخ منه
بدأ بالبحث في رفوفه و الدرُوج .. ملفات كثيرًا أنتشرت على مكتبه الذِي تعمُه الفوضى الآن بكل جهاتِه ، أخرج بعضُ الأوراق : هذي حقت صالح العيد !! .. شف لي ملف التهريب حق سبتمبر 2008
: إن شاء الله طال عُمرك ... قليلاً حتى أتاهُ الصوت مرةً أخرى ... اللي حقق معه عبدالله اليوسف .. بو منصور
سلطان : إيه داري .. أقرأ لي وش أقوال هشام ؟
: تم التمويل من قبل صالح العيد تحت إسمٍ مزوَّر بإسم صالح يعقوب ...
سلطان يُقاطعه : لحظة لحظة ... في وقتها كان رائد ماهو في الرياض صح ؟
الآخر يتفصحُ ملف عمليات رائد الجُوهي : إيه نعم كان في باريس
سلطان تنهَّد : رائد هو اللي كان المسؤول عن هالعملية بس وين الدليل ؟
: بحسب أقوال هشام انه اللي خلفها صالح العيد .. اللي طبعًا كان يحمل جواز مزوَّر قدر يعبر فيه الحدود .. مافيه أي أثر للجوهي بهالعملية
سلطان : تذكر لما راح عز له .. لقى ورقة صالح العيد عنده .. مستحيل مايكون وراها !! لازم نجيب أوراق من مكتبه تثبت تورطه في هالعملية
بضحكة : ما يجيبها إلا عز
سلطان أبتسم : خله مشغول في باريس !! بكرا نشوف هالموضوع
: تآمر على شي ثاني
سلطان : لا مع السلامة .. وأغلقه ليرفع عينه للواقفة أمامه.
حصة : صار لي ساعة أنتظر مكالمتك تخلص .. وش هالحوسة !!
سلطان وهو يُغلق بعض الملفات : نادي لي عايشة ولا عليك أمر
حصة : وليه عايشة ؟ أنا أرتب معك
سلطان : لا ماأبيك ترتبين ولا شي ..
حصة أبتسمت وهي تتقدم له : أنا متمللة وأبي أرتب
سلطان بإبتسامة : دام كِذا براحتك ... إيه وش بغيتي ؟
حصة : فيه واحد متقدم للعنود
سلطان بضحكة : هذي الساعة المباركة
حصة بضيق : لا تتمصخر بالنهاية بنتي اللي يهينها يهيني
سلطان بـ وِد : وأنا أهنتها !! بالعكس مبسوط
حصة : بس أنا ماني راضية
سلطان : ماهي بزر !! كبرت وخلها تتزوج وتركد في بيت رجلها
حصة : مو قصدي كِذا بس أنا ماني راضية على الرجال و ابوها راضي ماتشوفها صار لها كم يوم عند أبوها وزعلانة
سلطان : مين يكون ؟
حصة : ماتعرفه كان معها بالجامعة إسمه ماجد بس .. يعني بدون لا أتبلى عليهم لكن ناسهم وعايلتهم ماتعجبني
سلطان : وش يطلع إن شاء الله ؟
حصة : ماجد الجخيم ( إسم وهمي )
سلطان بهدُوء : ولد فايز ؟
حصة : إيه
سلطان عقد حاجبيْه : أنا أكلم محمد وبعدين كيف تفكر بنتك !!
حصة : قلت لها والله أنه ما يصلح لك هم ناس غير عنَّا مافيه أي توافق بيننا لا عادات ولا حتى تقاليد تجمعنا معهم وحتى عايشين في دبي !!
سلطان : أنهبلت بنتك
حصَة : كلِّم أبوها يمكن يركد لأنها تقول أنه وافق
سلطان تنهَّد : مدري متى تهجد هالبنت !! .. خليها تجي البيت
حصة : تعرف ماأحب أغصبها
سلطان بإنفعال : وش تغصبينها! أجل مخليتها عند أبوها اللي مايدري عنها !!! ربِّيها على الشدة ماهو كل شي تبيه توصله .. لازم تعرف أنه لكل شي حدّ ...
طرقت عائشة الباب مفتُوح لتلتفت حصَة إليْها ، : أنُود فيه يجي !
سلطان ترك الأوراق وخرج ليأتيه صوت حصة : لا تكلمها أنا أعرف أقنعها
العنُود التي كانت على وشك الإتجاه لغُرفتها أنتبهت لهُما ، تقدَّمت لوالدتها وقبَّلت رأسها ،
سلطان : حلَت لك الجلسة هناك ؟
العنُود رفعت حاجبها وبدلع : إيييه عندك مانع ؟
سلطان عض شفتِه السُفلى : إيه عندي مانع !! ولا أنتِ تمشين على المصلحة متى ماأشتهى مزاجك سويتي نفسك البارَّة في أبوك ومتى ماتبين جيتي عند أمك
العنُود بصوتٍ ناعم : أنت مالك شغل أمي أشتكت لك ولا أبوي أتصل وقالك تعال خذ بنتي
سلطان : أمك أشتكت لي ! وأصلا الكلام معك ضايع لازم أرجع كم سنة لورى عشان أقدر أحاكيك بمستوى عقليتك
العنود بسخرية : تكفى عاد تواضع وكلمني.. يقال ميتة عليك
حصة بحدة : العنود تكلمي زين مع ولد خالك
سلطان بإبتسامة : لأا خليها تكمِّل عشان أخليها تتشهد قبل زواجها
العنُود بضحكة : آهآآ ! قول كذا أجل وصلك الخبر
سلطان بهدُوء : وش تبين فيه ؟ كِذا مزاج بعد بتتزوجين
العنود : مالك دخل في حياتي الخاصة وماراح أبرر لك إختياراتي !! أنا إنسانة وموافقة وولي أمري موافق ماأظن مكتوب في شروط الزواج لازم موافقة عيال الخال والعم
سلطان بحدة : شوفي لا تلعبين معي عشان ماأنسِّيك سنين عمرك الجاية ! وترى أسويها ..
العنُود فهمت قصده وبإنفعال : يوم تدخلت بحياتك مع سعاد الله يرحمها قلت أسكتي ومالك دخل والحين عادي تتدخل فيني ! اللي ما ترضاه على نفسك .. لا ترضاه عليْ لو سمحت
سلطان : لا يا بنت عمتي يوم تدخلتي بسعاد كان تدخلك ماله مبرر بس أنا الحين عندي تبريراتي ودام قادر أوقف هالزواج فأنا بوقفه بدون لا أسأل عنك .. أجل ناوية تتزوجينه كِذا إستهبال ولعب عيال
العنُود بجرأة : لا بتزوجه عشاني أحبه و أحب عقله .. ماأحبه بناءً على شهوات .. وأنت فاهم بعد وش أقصد
هذا الإتهام الصريح لسلطان من شأنه أن يفيضُ بالبراكين في نفسِه وفي نفسِ حصَة أيضًا.
حصة أتجهت لإبنتها : أدخلي غرفتك حسابك بعدين
سلطان بغضب : لحظة خليها !! وش يعني شهوات !! توِّك ما طلعتي من البيضة وجاية تحاضرين عليّ !! يوم تزوجت سعاد ما كنت ميت على جمالها ولا حتى جسمها !! وأنتِ أكثر وحدة تعرفين كيف صار زواجي منها فعشان كذا أبلعي لسانك ولاتقولين كلام منتِ قدَّه و أقسم لك بالله أنك راح تندمين على كل كلمة وزواج من ماجد تحلمين فيه لو يجيني ويقول أنه حافظ القرآن
العنُود بإنفعال أكبر : ليه ما طلقتها يوم طلبت منك ؟ أنت أصلاً تفكيرك محدود تفكير حيواني
حصة بغضب : العنووود ووجع !!
سلطان أقترب ونيته لا تُبشِر بالخير . . هذه الإتهامات الرخيصة التي ترميها ولا تعرفُ حجم ما تحكِي تجعلهُ يمدُ يده للمرةِ الألف ولن يشعرُ بتأنيب ضميرٍ أبدًا.
العنُود وجنّ جنُونها : إيه هذا الشاطر فيه تبرهن رجولتك على الحريم لأنك حـ ...
لم تُكمل من صفعة والدتها ، و النادر يحصلُ الآن تحت أنظار الجوهرة الواقفة خلفهم في مُنتصف الدرج، مدَّت يدها الأم الحنُونة التي بقيْت طوال عُمرها ترمي لومها على يدها القصيرة عندما تتجاوز إبنتها الحدُود ، هذه المرَّة لم تتنمَّل ذراعُها من تأنيب الضمير فهي تستحقُ ذلك.
العنُود بدهشة تنظرُ لوالدتها : تضربيني عشانه ؟
تجمَّعت دمُوعها في محاجرها لتصرخ : أنا غلطانة أني رجعت لأنكم ناس متخلفة إلى الآن ما تطوَّرت عقولها !!!!
سلطان بهدُوء : إيه متخلفين وش عندك ؟ وغصبًا عليك بترجعين لنا !! و التطور يا حلوة أنك ما تشتمين وتتهمين على باطل !! كانك تبين التطوِّر ولا أنتِ عندك الأسلوب الرخيص والكلام الوصخ هو التطوِّر ؟ تطوَّري بأقوالك يا ماما قبل أفعالك
حصة بضيق ويبدُو من عينيها المُحمَّرة أنها على وشك البُكاء .
العنُود :أنت بالذات مالك دخل !! يخي كيفي وش دخلك فيني !! روح لمرتك وطبِّق أساليبك عليها بس عليّ أنا لأ وألف مرة بقولها لك لأ !!! وراي أبو قادر يحط لك حد
سلطان بسخرية : تفكين خوفتيني بهالأبو !! أسمعيني وللمرة المليون أقولها لك نظام المصخرة اللي ماشية عليه تقطعينه ولا بتشوفين شي مايرضيك !!
العنُود بحدة : ماراح أقطعه ! ومالك حق تتدخل فيني .... وأتجهت نحو غرفتها لتضج البيت بصوتِ إغلاق الباب.
سلطان ينظرُ لعينِ عمته : تبكين عشانها !! خليها عنك ماعندها غير هاللسان .. أقترب منها ودمُوعها تنهمر
سحبها لصدره ليُقبِّل رأسها وبهدُوء : الحين كل هالبكي عشان كلامها ؟ أنا الحين أكلم أبوها وأخليه يوقفها عند حدَّها ... حصة ... طالعيني .. مسح دمُوعها بكفِّه الباردة
حصَة بإختناق : ماأبي تتجدد المشاكل بينكم .. كان ممكن نقنعها بهدُوء أنها ترفض هالماجد .. بس مو كذا !! يعني قهرتك وقهرتني
سلطان : خلها ترجع لعقلها ساعتها ماراح تصير مشاكل بس دامها بهالتفاهة اللي عايشة فيها فأنا بوقفها عند حدها ولا تكسر خاطرك بكم كلمة .. أعرف قلبك بسرعة يرحمها !! خليها تتعلم من أخطائها ما خرَّبها غير دلعك
أنسحبت بهدُوء للأعلى قبل أن يُلاحظونها ، تكرهُ هذه العنُود بل تشتدُ كرهًا ناحيتها ، تشعرُ بإهتمام سلطان لها ؟ رُغم كلامه لكن رُبما كان يُحبها سابقًا ، لِمَ يرفضُ ؟ لِمَ يتدخلُ بحياتها إلا إذا كانت مُهمة بالنسبة له أو . . فعلا يُحبها! هذا ليس إهتمام بسيط، حتى في غيابها يفتقدها ويسألُ عنها ؟ الجميع يحظى بإهتمامه إلا أنا ، الجميع مُغلَّف بحبه بجميع الأشكال حتى وإن بيَّن بروده أفعاله تفضحه إلا أنا !! ويُريدني ؟ يُريد أن يقهرني ، يستهزأ بعقل والدِي وهو يُخبره " ببدأ حياة جديدة " ، يعلمُ في قرارة نفسه أنه لن يبدأ معي ولكن هكذا ! ليقهرني ، ليُذيقني من عذابه و من سياطِ حُبي له. سأجهض حُبك عن قريب وسترى من هي الجوهرة التي أستصغرتها في كل أفعالك. تبًا لك يا سلطان.
،
ضحك على الأوراق المُتجعدة أطرافها إثر الزمن الذِي مرّ عليْها ، و بعضُ رسوماته السيئة وأيضًا بعضُها الجميل ، وكلماته وعباراته العنفوانية الباردة ، كان مُثير للإهتمام في عمله و أنظارُ الفتيات تحُوم عليه لأنه ببساطة كان قليلُ الكلام يجذبُهم فقط بنظراته وبصمته.
رفع عينه : من وين جبتيهم ؟
أثير بإبتسامة : أمي اليوم تنظف البيت وشافتهم
عبدالعزيز : تدرين ! أحسك تغيرتي حيل
أثير : من أي ناحية ؟
عبدالعزيز تنهَّد : مدري قبل كنتِ خجولة الحكي منك مايطلع بسرعة وكانت رسايلك هي الواضحة غيره فأنتِ حتى ماتحبين تحطين عينك في عيني
أثير بهدُوء : لأني أحبك
عبدالعزيز ضحك : ماهو سبب
أثير : ما تغيَّرت شخصيتي كذا مع الكل بس كنت معك أرتبك وأتوتَّر .. تذكر يوم هديل الله يرحمها قالت لك أثير جريئة ولها شخصيتها المستقلة قمت قلت أثير ماغيرها ! وما صدقت
عبدالعزيز : إيه صح ما صدقت لأني كنت أشوفك غير عن نظرة الناس لك
أثير ضحكت لتُردف : إيه قلت لك لأني كنت غير معك بس الحين بيننا عقد زواج فأكيد اللي كنت أرتبك منه تغيَّر
عبدالعزيز بهدُوء : اللي يحب يرتبك قدام اللي يحبه حتى لو بعد 100 سنة
أثير بضحكة : يعني تشكك في حُبي ؟ لا ماهو شرط ! يعني قبل في البداية أكيد بيننا إرتباك بعدين خلاص
عبدالعزيز : أنا أشوف شي ثاني ، الحُب ما يعرف الإتزان لا في الحكي ولا في النظرات ولا في الخطوات ولا حتى في المشية
أثير أبتسمت : يمكن بس أنا نظرتي للحب شي غير
عبدالعزيز بخفُوت : أبوك موجود ؟
أثير : لا تعرف عاد أبوي مع عمي ما يخلون ديرة عشان العلاج وكل مرة نفس الشي
عبدالعزيز : الله يشفيه بس كويِّس يعني مايقطع أمله
أثير بهدُوء : بس خلاص الواحد يرضى !! صار له أكثر من 5 سنوات وهو مقعد يعني يرضى باللي كتبه ربي
عبدالعزيز : ليه تتكلمين عن أبوك بهالطريقة ؟
أثير : لأني واقعية !! الأطباء قالوا خلاص العملية فاشلة ليه يتعب نفسه ويتعب عمي وراه
عبدالعزيز تنهَّد : طيب أبيك تجين تعيشين وياي
أثير بدهشة : هاااا !!!
عبدالعزيز رفع حاجبه : إيه يعني خلاص
أثير : كيف خلاص ؟ لازم عرس وأبغى أنبسط أنا مع صديقاتي
عبدالعزيز : أثير ماهو وقت عروس وخرابيط !! خلاص تزوجنا ولله الحمد بلاها هالأشياء الثانية
أثير : كيف يعني !! تبيني كذا أجيب أغراضي وأجي عندك .. معليش عبدالعزيز بس هالشي ينقص من قدري قدام الكل
عبدالعزيز : طيب نسوي حفلة بسيطة في أيّ زفت
أثير : لا ماأبغى في أي زفت!!
عبدالعزيز أخذ نفس عميقًا : حبيبتي يعني هالوقت بالنسبة لي ضيق وحساس وعندي شغل فما أقدر لمناسبات كبيرة .. إن شاء الله لا أستقرت الأمور أبشري في حفلة زي ماتبين
أثير بإمالة لفمها مُعبِّرة عن إمتعاضها : طيب
عبدالعزيز : الأسبوع الجاي
أثير شهقت : عاد مو لهدرجة !!
عبدالعزيز : شوفي يا إما الأسبوع الجاي أو بعد .. يمكن سنة وأكثر وأنتِ أختاري
أثير بقهر : يعني تجبرني بطريقة غير مباشرة !!
عبدالعزيز : ما أجبرك بس أنا ماني فاضي إلا هالويك إند وبعدها ماراح أقدر
أثير بضيق : طيب بقول لأبوي
عبدالعزيز بسخرية : عاد لا تحسسيني أنه كلامه يمشي عليك
أثير عقدت حاجبيْها : توِّك تنتقد أني أتكلم عن أبوي بهالطريقة !! يالله على تناقضك
عبدالعزيز : إيه طبيعي ماني راضي أنك تتكلمين عن أبوك بهالطريقة بس عشان أقولك أنك ماتتعذرين في أبوك مستقبلاً
أثير تنهَّدت وهي تقف : أنا ماشية
عبدالعزيز وقف معها في المقهى الصغير الذِي على زاوية الطريق ، أخذ معطفه و عينه تنظرُ لخلف أثير من النافذة المفتُوحة حيثُ رتيل وضيْء.
خرجُوا من المقهى ليقترب عبدالعزيز من أثِير ويطبعُ قُبلتِه على خدِها : أشوفك على خير
أثير رُغم أنها أستغربت إلا أنها أبتسمت : إن شاء الله ... وأتجهت بطريقٍ بعيد حيثُ تخرجُ من هذه المنطقة.
لم يضع عينه عليها حتى لا يُبيِّن لها أنه رآها ، سَار وإبتسامة الخبث تُزيِّن شفاهِه ، يوَّد لو أنه يلتفت ويرى الغضب في نظراتها ولكن مصلحته الكبرى تتحقق بأن لا ينظرُ إليها.
خلفه بعدة خطوات ، تمتمت : قذر حقيير
ضي ضحكت بخفُوت : أقص إيدي إذا ماكان منتبه لك ويبي يستفزك بس ماشفتي وجه أثير مبيِّن أنها مستغربة
رتيل : تعلميني فيه !! أصلا ما شافني ولا حتى ألتفت
ضي : لا تضايقين نفسك! مردَّه بيعرف قدرك
رتيل : ماأبغاه يعرف قدري بس لا يقهرني !! أمس شفته بليل
ضي رفعت حاجبها بإستغراب : نزلتي ؟ ؟
رتيل : كنت أبي أشحن جوالي طفشت وأنتم نايمين قلت أشغَّل النت .. رحت السوبرماركت وجاني كان يبي يكلمني بس ماخليته
ضي : هههههههههه كفو
رتيل : بس جت الحيَّة ذي وشفت نظراته لها ... ضي والله مبين يحبها !
ضي : رتيل أنتِ تقولين كذا من قهرك بس أنا أحكم من برا واللي واضح انه مايحبها .. ماشفتي نظراته لك ذاك اليوم يعني مبيِّن شعوره بس أنتِ عشانك مقهورة تقولين عكس هالحكي
رتيل بضيق : شوفي الكلبة لا حجاب ولا شي ويجي عندي يحاضر بالدين والأخلاق
ضي : كم وحدة بحجابها وأخلاقها صفر ووحدة بدون حجاب وأخلاقها طيبة
رتيل : أنا ماأقصد كذا بس شوفي لبسها حتى !! حيوانة تقهر
ضي : هههههههههههههههههههه تغارين منها
رتيل تنهَّدت : ماأغار بس كلبة
ضي : عاد شوفي الناس أذواق ! ماأشوفها حلوة .. يعني شعرها بس مزيِّنها و .. بصراحة جسمها حلو
رتيل بقهر : وش بقى يعني خشتها مهي بحلوة ؟ وبيضا بعد عاد هو يتقطّع قلبه عند البِيض جعله اللي مانيب قايلة
ضي بضحكة : خليك واثقة من نفسك .. أنتِ أحلى منها وبصفات كثيرة ماهو وحدة وبس !! عشان كِذا لا تبينين أنك غايرة منها
رتيل : قلت لك ماأغار !! خلها تولِّي أغار من ساندي ولا أغار منها
ضي : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أستغفر الله .. تكفين عاد لا تحشين
رتيل : ترى ساندي حلوة والله .. ماأقصد أتطنز
ضي : علينا ؟
رتيل : أقولك جتنا شغالة مزيونة من ثاني يوم رجعناها تقول عبير تآخذ أبونا بعدين هههههههههههههههههه عاد يوم قدَّمنا آخر مرة تفشلنا عند صاحب المكتب قلنا مانبيها تكون جميلة نخاف والله
،
على الرصِيف المُطل على النهر حيثُ القوارب و السُفن ، تنظرُ للبحر ورجفته كُلما مرَّ أحدهُم فوقه ، يُشبهني هذا الماء ، يخشى القُرب ، يخشى أن يأتِي أحدهُم ويُلطخه بشيءٍ يخافه. مثلي تماما والله ينتظر و يشتاق ، يسمعُ الجميع ولا أحد يسمعه ، يغدُر ؟ لا يغدر ولكن يُمارس ردة الفعل إتجاه بُكاء هذا العالم الذِي يزيد ملوحته بحُزنه وهو ليس بناقصٍ عليه كُل هذا الحزن.
ألتفتت على ولِيد الصامت ولا ينطقُ بحرف ، أطالت النظر به حتى شتتها بإتجاه هذه المياه الزرقاء التي تعكسُ غيُوم السماء ، كيف ننسى يالله ونحنُ علَّقنا مواعيدنا في السماء ؟ كيف ننسى والسماءُ مازالت فوقنا تُذكِرنا دائِمًا بخطواتنا أنَّ هُناك من نشتاق إليه ونفتقده.
رؤى : أنا أشتاق لهم يا وليد
مازال صامت لاينطقُ بشيء.
رؤى أخفضت نظرها : أعرف أسمائهم بس ماأعرفهم كثير .. أعرف أنه في وحدة إسمها غادة و أعرف أنه فيه زوج أو طليق إسمه ناصر .. أعرف أنه فيه شخص إسمه عبدالعزيز .. أعرف والله بس مدري مين !!
وليد : لو تعرفين أسمائهم الكاملة يا رؤى!! لو تعرفينها كان من زمان أنتِ عندهم
رؤى بحزن : ومين قال أني أبي أعيش عندهم ! هم تخلوا عنِّي بس أبي أشوفهم أبي أحضنهم مرة وحدة وبعدها خلاص ماأبي منهم شي .. لو يبوني كان دوروني ! لو يبوني خلهم يلقون لهم عذر ولو سخيف بصدقه
وليد تنهَّد : خلينا نحاول نتذكر ليلة الحادث .. مانبي نتذكر اللي قبل الحادث
رؤى : كيف ؟
وليد : بقولك أشياء وأنتِ حاولي طيب .. بس بدون لا تضغطين على نفسك .. أبيك من تلقاء نفسك تقولين مارّ عليك هالمنظر .. طيب
رؤى : طيب
وليد أخرج هاتفه الـ " جالكسي " وضع صُورة لعائلة مُجتمعة في سيارة وسعيدة : كان بليل ولا النهار ؟
رؤى بصمت يغيبُ عقلها في اللاشيء.
وليد يُريها إحدى السيارات خلفها : طلعتي من الشقة ؟ ولا من الجامعة ؟ ولا من وين بالضبط ؟ قولي أي شي وعادي حتى لو مو متأكدة
رؤى : أتوقع من الشقة أنا و ... بروحي
وليد يرسمُ لها في إحدى تطبيقات الرسم ، سيارة أجرة وهي خلفه
رؤى بإندفاع : لألأ ماكان تاكسي
وليد نظر إليْها ولمعت بعينه فرحةُ إنتصار وهزيمة لهذه الذاكرة التي سترضخُ لنا أخيرًا : طيب ...
رؤى : كان جمبي أمي
وليد بصمت ينظرُ لها وهي مُغمضة عينيها . .
رؤى تغرقُ بعمق : أتصلت عليه ، كان يتطمن علينا ... أبوي قدام .. جمبي ... مدري ...كنا كلنا موجودين ... ونضحك .. كنا مبسوطين والله
أرتفعت أنفاسها وضيقُ يحاصرها ، الأحداثُ تُعاد عليْها .. الأحداثُ المُفجعة تختلطُ بحزنها ، لا تُبقي بها ذرةُ أكسجين تتنفسها
وليد : رؤى طالعيني .. خلاااص
رؤى تبكِي بإنهيار تام ، تبكِي وهو يضجُ في أذنها " الصوتُ المخنوق المتحشرج يصرخ : تشهدُوا .. أذكروا الشهادة .... أذكرووهااا ................... تمتم : أشهدُ أن لا إله الا الله وأشهدُ أن محمد رسول الله "
وليد يحاول أن يجعلها تفتحُ عينيْها : رؤؤؤى
غارقة ببكائها و الغيمُ ينجب في هذه اللحظات مطرًا ، صرخات مُتعالية و صوتُه العذب يُبكِي أذنها " عاد من هالناحية ماأظن فيه أحد يعشق بناته كثر ماأعشقكم "
تعالت شهقاتها وهي تضع يدها على أذنها المُغطاة بحجابها و تتحدثُ بهذيان : لا يبه ... يبببه تكفى ..... يبببببه ....
هدأت الأنفاسُ في السيارة المنقلبة على الشارع المُبلل بالأمطار ، هدأت لتنظرُ بضعف لوالدتها التي بجانبها ، مسكت يدها وهي تهمس بصوتً يتقطَّع مُتعب لا حيل به " يمممه .. يممه .. لاتتركيني ... يممه ردي عليْ .. " كانت بجانبها أنثى أخرى ولكن لم تستطع أن تلتفتُ عليْها ، فلا قوة لجسدِها الذِي يُزينه ثوبٌ أبيضُ عريضْ يُعيق حركتها "
فتحت عينها على وليد بضياع كبير : زواجي !!! كانت ليلة زواجي والله .. صدقني !! والله هذا زوجي ماهو طليقي .. كذابة هذيك لا تصدقها !! تكفىىى قول أنك مصدقني أنا أعرفهم والله أعرفهم ... أنا ماني مجنونة .. ماني فاقدة الذاكرة .. هذولي أهلي ... والله أهلي .... تكفففى رجعني لهم .. تكفىى
وليد وقف بضيق شديد : خلاص خلاص .. أمشي خلينا نرجع ترتاحين
رؤى بشتات تبكِي : أمي والله أمي .. مين يرجِّع لي أمي .. أمي ماماتت ؟ ماماتت .. كانت تشوفني .. والله العظيم كانت تشوفني ..... أنا أعرفهاا أمي وهذاك أبوي اللي شفته .. أنا شفت أبوي ... صرخت به .. ليه تطالعني كذا !! ليه ماتصدقني .. أنا شفت أبوي
وليد بهدُوء : مصدقك .. عارف والله عارف بس خلينا نرجع
رؤى : ماأبغى أروح أنا بنتظر ناصر
وليد : ناصر راح يجيك بالفندق
رؤى بضيق : هو وعدني يجيني هنا .. أبعد عني ماأبغاك أنت ماتصدقني
وليد : رؤى خلينا نرجع وبعدها أحكي لك عن ناصر
رؤى بإنكسار : ليه سوَّى فيني كذا ؟ ليه ما يحبني ؟ ليه محد يبيني ؟
وليد مد يدِه التي تُغطيها القفازات بسبب برودة الأجواء : يالله يا رؤى
رؤى : قالنا تشهدُوا .. بس أنا ما مت .. أنا هنا ليه ما يصدقوني ..
وليد أدرك أنها تتخيَّلُ أحداث أخرى لا حقيقة لها ، عاد للجلوس بجانبها : الحين مطر أدعي الدعاء مستجاب
،
بخطواتٍ غاضبة يدخلُ ليرى أخيه بصورةٍ رثَّة لم يتخيَّلُ يومًا بأن تسوِّدُ المعصية وجهه هكذا ! نظر له بشفقة بحزن بغضب بقهر بضيق ، بأشياءٍ كثيرة أنتحرت في قلب عبدالمحسن قبل أن يراه ، أنتحرت كل الأشياء الحلوة التي تجمعه بأخيه وهو يطعنُه في ظهره ، تعرف كان جيد أن تطعني بظهري ولا تُريني غدرك وجهًا أقابله ، كان جيد أن لا أراك وأمُوت بجلطةِ قهري ، لكن ليس بجيِّد أبدًا أن تكُون أنت أخي وتفعلُ بيْ كل هذا ، لِمَ فعلتها ؟ لِمَ عصيت الله قبل كل شيء ؟ أترى معصية الله سهلة ؟ أَسهلٌ عليك أن تتجاوز حدُودك ؟ بينُنا ربٌ شديدٌ ذو إنتقام ، كيف تساهلت معصيته وأنت تعرفُ من هو الله ؟ يااه ما أقساك على نفسِك وما أقساك على أخيك الذِي أعتبرك كأبنه ، عاملتُك كإبن ولم أعاملك كأخ أبدًا!
أرتفع نظرُ تُركي إليْه ، نظرةُ الأموات هذه تشطرُ عبدالمحسن أنصافًا.
عبدالمحسن دُون أن يقترب منه وبنبرة تُبكي الحجر من لومِها : لِيه سويت معاي كذا ؟
تُركي ببكاء الرجال القاتل لكُلِ أحدٍ يسمعُ هذا الضجيج : أحبها
عبدالمحسن عقد حاجبيْه بغضب : تحبها ؟
تُركي بإندفاع : والله أني أحبها
عبدالمحسن أقترب بخطواته ليصفعه بقوة أسقطته على الأرض : ما عُمري مدِّيت أيدي عليك بس هالمرَّة يا تركي ما عاد بقى لك شي في حياتي ، من اللحظة اللي خنتني فيها وأنا ماأعرف إلا أخو واحد وهو عبدالرحمن
تُركي يتكورُ حول نفسه على الأرض لا سبيل غير هذا ليُدافع عن نفسه وبهذيان : أحبها .. أحبهاا والله أني أحبها ماأكذب
عبدالمحسن بصراخ : يوم أنك تحبها ليه ما حميتها ؟ ليه تتحرش فيها وتغتصبها !! هذي بنتي تعرف وش يعني بنتي !!!
تُركي : مقدرت أمسك نفسي عنها .. أقولك والله أحبها
عبدالمحسن بغضب شديد سحبه من ياقته الممزقة ليضربه بكل ماأتاه الله من قوة بعد أن جلس لسنوات عديدة لم يمدُ يده لا على رجلٍ ولا أنثى ، أخرج كل غضبه به. لم يستطع أن يمسك نفسه دُون أن يفرغ حزنه على حاله وقهره على حال الجوهرة.
كان تُركي مجنُونًا لا يتألمُ سوى من قلبه العاشق للجوهرة : ما يهمني لو تضربوني .. أنا أبيهااا حراام عليكم .. أنا أحبها
دفعه على الأرض : ماني مسؤول عنك ولو يذبحك سلطان ماهمني ... أتق الله في نفسك وتُوب قبل لا يقتصُّون منك ..... وخرج ليُقابل سلطان وبغضب : سوّ فيه اللي تبي ماني أخوه ولا أعرفه ......!
فاق من تلك الأحداث ، ينظرُ بضياع لزوجته : سمِّي
أم ريان : أنت هاليومين ما غير تفكر ومشغول بالك .. أقولك عرفت وينه فيه تركي ؟ حلمت فيه وخفت لا يكون صاير فيه شي
عبدالمحسن : وش حلمه ؟
أم ريان بضيق : كان يناديني من حفرة أو كان واقف عند حفرة والله ياعبدالمحسن مدري كيف بالضبط لكن يبكِي ويناديني ..خفت عليه
عبدالمحسن تنهَّد : مسافر ويا ربعه بيطوِّل ... يرجع بالسلامة
أم ريان : طيب خله يكلمني لأني أتصل على جواله ما يرد
عبدالمحسن بضيق وقف : إن شاء الله .. أنا رايح المسجد ...
،
في هدُوءِ هذا البيت بقلةِ ساكنيه ، تُقطِّع السلطة في الصالة وبجانبها تُساعدها ريف ببراءه وهي تأكلُ من الخيار المُقطَّع بشكلٍ دائري ، تبتسم لها : خلصتي الخيار علينا ؟
ريف تضحك بشغف : احبهاا
والدتها : يا عساه عااافية على بنيتي حبيبتي .. تُقبِّل خدها
دخل لتقفز له ريف ، رفعها ليُقبِّلها : يسلم لي إياها بنت الجميلة
ضحكت والدته : شلونك اليوم ؟
أنحنى ليُقبِّل رأسها : بخير الحمدلله أنتِ بشريني عنك ؟
والدته : بخير ،
فيصل : وليه تقولينها كذا ؟
والدته : وش أسوي من الطفش ؟ ماني لاقية شي أسويه .. أفكر أبدأ بمشروع خفيف يشغلني بس حتى مخي موقف
فيصل : أعزمي صديقاتك عندك ورجعي أيام العزايم بينكم ومنها تسلين نفسك وتغيرين جوّ
والدته بلكاعة : وهم بيجلسون معي طول اليوم ؟
فيصل فهم قصدها : ههههههههههههههههههههههه ترى أنا ما قلت لأ .. ركزي قلت لك دوري لي الزينة ومن عيوني بخطبها
والدته بإبتسامة : قلت لك بنت بو منصور كاملة والكامل الله
فيصل : يمه أنتِ عندك كل بنات الرياض كاملات والكامل الله
والدته : لآ هذي غير أنا متأكدة .. هيفاء كانت شايلة عرس أختها وقايمة في الناس
فيصل بهدُوء : طيب شوفي لنا وحدة من بعيد
والدته : قلت لك ماهو عاجبني الا هيفاء
فيصل تنهَّد : طيب
والدته بفرح تركت السكين : وشو ؟ أخطبها لك ؟
فيصل غرق بضحكته ليُردف : لحظة أفكر يعني بستخير وأرد لك خبر
والدته : قم يالله صل إستخارة الحين وأكيد بترتاح للخطوبة
فيصل : يمه أتركيني أمخمخ عليها أشوفها تناسبني ماتناسبني
والدته : لا حول ولا قوة الا بالله .. وش تمخمخ عليها ؟ طيب خلني أوصفها لك
فيصل ضحك : طيب
والدته : طولها كذا يوصل لكتفك يمكن أو شوي أعلى ، بيضاء شعرها طويل وناعم ماشاء الله ..
فيصل بعبط : مافيها شي مميز
والدته : إلا خشمها تبارك الرحمن وعيونها حورية ماهي إنسان
فيصل : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههه إيوا بعد
والدته : أحكي جد البنت مزيونة .. لحظة تعرف أخوها يوسف ! هي فيها شبه منه كثير
فيصل : شكلك ملخبطة يمه .. اللي يزورنا منصور ماهو يوسف
والدته : لآ أنا أعرفه يوسف الصغير يشبه لها كثير .. كذا مرة شفته
فيصل : طيب انا ماأحس أني متحمس لها يعني
قاطعته : إلا أنا أتوقع .. يعني بتحبها أعرف ذوقك وبتعجبك لأنها ناعمة وماتحب المكياج وماهي راعية آكل
فيصل : وش يعرفك بهالأشياء ؟
والدته : حاستي السادسة ماتغلط
فيصل بإبتسامة : طيب بفكِر وأشوف
والدته : طيب يمكن أبو منصور مايرفض أنك تشوفها يعني نظرة شرعية
فيصل : لآ مستحيل أطلب منه
والدته : طيب ماعلينا أخطبها لك خلني أفرح فيك
فيصل بإبتسامة :أصلي وأرد لك خبر
والدته بفرحة عميقة تلألأت بها عيناها : الله يكتبها لك يارب
،
في طريقه سيرًا تحت نسماتُ البرد التي تُحيطه ، مُثبت جواله في إذنه : والحين كيف حاله ؟
ناصِر : الحمدلله أحسن
عبدالعزيز : الله لا يفجعنا فيه
ناصر بتنهيدة : آمين .. أنت وش مسوي ؟
عبدالعزيز : هذاني رايح لهم اليوم بقابل الجُوهي
ناصر : أنتبه لنفسك
عبدالعزيز : إن شاء الله ، طمني على عمي إذا صار شي جديد
ناصر : إن شاء الله .. بحفظ الرحمن
عبدالعزيز : فمان الله .. وأغلقه ليُدخل في جيب بنطاله.
في جهةٍ أخرى من هذا العالم ، يقف بتثاقُل ينظرُ للمارَّة و رائحة المُستشفى تخنقه ، تُشبه رائحة الأموات الذين لم يستطع أن يراهم ، النظرة الأخيرة التي ودَّ لو أنها تتحقق ، كان حلمه أن يراها بفُستانها الأبيض ! ولم يراها بهذا الفُستان ، ليته أصَّر عليها عندما حاولت أن تمنعه ، كانت تُجيبه دائِمًا " مُفاجئة " ، بالضبط كانت مُفاجعة !! لم أتخيَّل يومًا أن تكُون نهايةُ حُبنا هكذا ! لم ينتهي الحُب ولكن أنتهى اللقاء ، الوصل ، الرسائل ، الهدايا ، المواعيد . . كل شيء أنتهى لم يبقى لنا سوَى الذكرى ، لم يبقى لنا أنا وقلبي سوَى تذكُرك يا غادة. وما أملكُ من الوصلِ سوَى : الدُعاء ، ينظرُ لبياض الجُدران ويغرقُ بضحكاتها اللامُنتهية.
بضحكةٍ ضوضائية تحت سقف الأشجار التي تُظللهم : باقي لي كثييير
ناصر : يا كرهي عاد ماهو لازم كل شي تشترينه خلي بعضه بعدين بعد الزواج !! لأن الحين أبوك صاير يتحجج فيك
غادة بإبتسامة : الحين مو قرَّبنا الموعد عشانك والله أبوي قال خلاص التاريخ ثابت و ناصر يصبر بنتنا ماتجيه بهالسهولة
ناصر بإندفاع : وش بهالسهولة !! طلعتوا عيني !! أنا يوم الملكة على شروط أبوك بغيت أترجاه من كثر ماهو يشك في ثقته فيني ! وفوق هذا بعد ما ملكنا وخلاص ما تعدينا حدود الله قام وقال مافيه طلعات !! ويوم وافق وحنّ علينا لصق بوجهنا عبدالعزيز .. بالله مين اللي متعذب غيري ؟ وتقولين بتجيني بسهولة !!
غادة : هههههههههههههههههههه يعني أنت تعرف أبوي يقول مايحب الأشياء الملكعة وحركات النص كم
ناصر: ذي حركات نص كم !! آآخ بس زوجتي ومناشبيني فيها
،
خرجت من الفُندق بعد أن تمللت من الجلُوس عند النافذة ومُراقبة المارَّة دُون أن تتحرك شفتيْها بكلمة تُبلل بها هذا الجفاف الذِي يُحبط بها ، أخذت هاتفها وأتصلت على رتيل : وينكم فيه ؟
رتِيل : نتسوق بالمحلات اللي بالشارع الثاني .. أمشي سيدا واول لفة على يمينك أخذيها وإذا وصلتي هناك كلميني وأجيك
عبير : طيب .. مع السلامة .. وأغلقته لتسير بهدُوء متزن على الرصيف المُبلل ببقع الماء العاكسة ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تبتعد بخطواتٍ عريضة عن الفُندق.
خلفُها يسير ، مُشتاق .. مُشتاق .. مُشتاق والله ، أحلى أيام عُمري أكادُ أقسم بربِ هذا الحُب أن اليوم هو يوم إستثنائِي ، هو يوم مختلف ، هو عُمر جديد يُكتب ليْ ، بمُجرد أن أراك حتى وإن لم تنظرِي إليْ ، يكفيني من هذه الحياة أن أراك تسيرين أمامي ، أنتِ أمامي " بجنُون يُحدِّث نفسه " ،
شعرت بشيء خلفها أربكها وألتفتت . . .
،
فِي زحام الشوارع و الطُرق المكتظة ، في الرسائِل العميقة و ملامِح الحُب المرسومة على تلك الوجوه ، في كل شيء يضمُ أسطنبُول يتفرعُ الحُب وخيُوطِ الحياة العُثمانية و أصُول ما مضى ، في الصبايا الجميلات و رقصُ الشرق في وسطِ نهرها.
ألتفتت عليه وبتوتر : منصور
ريَّان يرمي عليها سهام اللامُبالاة : طيب
ريم مدَّت هاتفها : حتى شوف
ريَّان رفع عينه عليها بحدَّة : وأنا قلت شي !! خلاص سكري على الموضوع
ريم بهدُوء يمزجه الإرتباك : ليه عصبت ؟
ريَّان : ماني معصب .. ولا تكثرين أسئلة على راسي ماني رايق
ريم أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تمنعُ نفسها من الغرق في بُكائها ، نظرت لطريق المشاة الذِي أمامُها دُون أن تلفظ كلمة.
عضت شفتها السُفلى حتى لاتبكِي ولكن غرقت محاجرها ، بصوتٍ مُرتجف : أبغى أرجع الشقة
،
يُلصق على صدرِه أداةُ التسجيل الصغيرة ، أرتدى ساعته الفُضيـة التي من نوع خاص ، فهي لا تنتمي إلا لماركة " المتفجرات البسيطة ". أغلق أزارير قميصه بعد أن صبغُوا له عوارض أغلظ حتى يُشبه المتوفي الذِي لم يكشفه رائد بعد. ويُعطيه عمرًا أبعد من عُمره . .
أدخل هاتفه الآخر في جيبه وهو يرتدِي المعطف ويلفُ حول عنقه الـ " سكارف " الذِي يخفف من وطأة البرد عليه.
نظر لشكله نظرة أخيرة في المرآة : كِذا تمام ؟
عبدالرحمن : إيه .. طيب لحظة خلنا نجرب السماعات .... أتجه نحو الغرفة الأخرى التي تنتشرُ بها الشاشات : عز ؟؟
عبدالعزيز : يوصل صوتك واضح
عبدالرحمن خرج من الغرفة متجهًا إليه : همتك يا بطل
عبدالعزيز بإبتسامة يمسح على وجهه لا يُخفي ربكته أبدًا : إن شاء الله ...
عبدالرحمن : حاطين حراسة وممكن يكشفون السلاح عشان كذا بس تحس الموضوع فيه إنَّ على طول تطلع ، بالشارع الثاني راح تكون فيه سيارة تنتظرك ، و بأشد الأوقات إذا مافيه أمل أضغط على هالمكان.. أشار له بـ زر بجانب ساعة يدِه ، ترى هالأغراض اللي عندِك غالية حيل وميزانية عشان كذا لا تخربها من أول إستعمال
ضحك عبدالعزيز ليُردف : ماني مخربها لا تخاف
عبدالرحمن بإبتسامة : طيب يالله أطلع من الباب الثاني عشان إذا كانت العمارة مراقبة ..
،
على مكتبه ينظرُ لعدةِ أوراق : فتح القضية من جديد ؟
: هذا اللي وصلني أنه سلطان يعيد فتح ملف التهريب حق 2008
رائِد بتنهيدة وصبرُه لن يطول أبدًا هذه المرة : أنا أعرف كيف أسكته
دخل عليهم وملامح الدهشة تُنيره : قصرك بالرياض كله كاميرات مراقبة
وقف بصدمَة . . .
: راجعنا كاميرات المراقبة حقت الباب الخلفي وشفنا . . .
↚
يركض بين السلالم الشاهقة التي تستنزفُ جسده ، عقله يغيبُ للأمر الذِي أكتشفه اليوم بإتصالاته مع حرس قصرِ رائِد الجُوهي ، دخَل والدهشة تُسيطر على ملامحه السمراء الصبيَّة : قصرك بالرياض كله كاميرات مُراقبة !
وقف بصدمَة ينظرُ إليه غير مُصدق لِمَ يقُوله فأكثرُ مكان مؤمن هذا القصر بكثرةِ الحرس والكاميرات المُنتشرة على أطرافه وفي داخله.
يُكمل وأنفاسه من التعب تتصاعد : راجعنا كاميرات المراقبة حقت الباب الخلفي وشفنا واحد ماهو من الحرس لكن ماهو واضح شكله بيرسلون لي الصور وأنت تشوفه يمكن تعرفه
رائِد بغضب : وصلت أنهم يتعدُون على البيت !! طيب طيب هم يبون يرجعون عهد سلطان العيد وأنا برجَّعه لهم
ينظر له الشخص الآخر : الحين صالح بيجي خلنا معه وبعدين نشوف للي صار صرفة ... خلاص زياد روح شوف شغلك
زياد بلع ريقه بتوتر : فيه شي ثاني ؟
رائد رفع حاجبه الحاد : وش بعد ؟
زياد : مكتبك مراقب
رائد ضرب بكفِّه على الطاولة : نعععععم !!
زياد : الصبح أكتشفوا كاميرات ورى الزرع اللي بمكتبك لكن الشباب الحين يحاولون يشوفون عمر بطاريتها عشان يعرفون من متى وهي موجودة وبنراقب كاميرات الممر وبنعرف مين دخل عليك الفترة اللي أنحطت فيها الكاميرات
رائد بحدَّة : قاعدين يلعبون بالنار معاي بس والله لأوريهم
زياد خرَج بهدُوء لا يتحمَل أن يجلس في مكان يُسيطر عليه غضب هذا الرائد.
: إذا كذا يعني هم يعرفون بمخططنا !!
رائد بغضب و القهر يفيضُ به : أكيييد ! لازم نتصرف هالصفقة ممكن تخليني أفلس وأنا مستحيل أخسرها
وقف الشخصُ ذو البشرة الحنطية : أنا بشوف الموضوع ، بتصرف لك وأنت شوف لقاءك مع صالح وحاول تقنعه بالتغيير ... وخرج.
رائد تصادمت أفكاره بكل حقد ، هذه الصفقة مستقبلُه الكبير وحياته أيضًا ، منها سيُنهي كلمة " السعودية " من حياته بأكملها ويستقر هُنا مودِعًا تلك الحياة و لن يستطيع أحد أن يُلصق به تهمة واحِدة وهو يملكُ الجنسية الفرنسية ، 5 سنوات تم تزوريها بأنه عاشها في باريس ليُسهِّل عليه الحصُول للجنسية التي تتطلب من الأجنبي أنه يقضي 5 سنوات في فرنسا وإثباتُ سكنه هُنا وهذا الفضلُ يعود لشركائه الفرنسيين الذِين ساهمُوا بشكلٍ كبير بهذه الجنسية ولكن أشترطُوا حصُول الصفقة ودفع رأس المال الذي يُكلِّف رائِد الكثير بتبادُل المواد الممنوعة وأيضًا المحرمة شرعًا.
في جهةٍ أخرى يسيرُ بين الحشُود حتى يُضيِّع الذين يراقبون عبدالرحمن آل متعب ، عبر السماعة " إلى الآن يا عز هم وراك ، أدخل أيّ محل يمينك "
عبدالعزيز بهدُوء دخل المحل الكبير ليسير بخطوات سريعة وهو الذِي يسيطر عليه التوتر بسبب عدم حمله للسلاح ، نظر إليهم من المرآة التي عند المحاسب ، أقترب من إحدى الرفوف وبخفُوت جعل المرآة المعلقة على الأرض مائِلةً قليلاً لتكشف أقدامهم ، وقف كثيرًا حتى شعرُوا بأنه خرج ، أتجها الرجليْن ذو القامة الطويلة للممر الآخر الخاص بالمشروبات الغازية ، أقترب عبدالعزيز من الرفِ الآخر وهو ينزع المعطف الأسود ويضعه على ذراعه ويخرجُ ببلوزته الرماديـة ،
عبر السماعة : كفوو
عبدالعزيز دخل عبر الممرات الضيقة حتى لا ينتبهُوا له ، أخرج هاتفه ليفتح تطبيق الخرائط ، يعدُ الخطوات وثقلها حتى أدرك بأن خطوتين زادت ، هذا يعني بأن رجلاً آخر خلفه ، أكمل سيره مُبيِّنًا عدم مُلاحظته ليدخل ممرًا آخر ، نظر إلى الزُجاج العاكس ليلاحظ أقدامه ، أقترب للجدار وهو يدرك الخطر الذِي به لأن حتى لا كاميرةً تكشفُ المكان وتُبين ما يفعله الآن لبوسعود ، سحب العصَا الخشبية الملقية على الأرض ليلتفت وبسُرعة ضربها على رأسه لتتضبب رؤية هذا الرجل ، ضربه مرةً أخرى على بطنه ليسقط. أخرج الرجُل من جيبه زُجاجة تُشبه العطر محاولاً أن يرشُها على عبدالعزيز ، فهم ما هي وبتعاركٍ ضرب عبدالعزيز على بطنه ليسقط وبيدِه الزُجاجه ، وقف الرجُل محاولاً أن يأخذُ العصا ويضربها على عبدالعزيز ولكن سُرعان ماأبتعد عز عن المكان زحفًا ليضرب بقدمِه باطن ركبة الرجل ويسقط مرةً أخرى ، سحب الزُجاجة ورشَّها عليه ليُغمى عليه. عبدالعزيز وضع الزُجاج الصغيرة في جيبه وهو ينفضُ ملابسه : هذا إحنا إستفدنا
عبدالرحمن عبر السماعة : بلاش ضرب ضيِّعهم وبس
عبدالعزيز : آخذ سلاحه ؟
عبدالرحمن : لأ
عبدالعزيز : مراقبيني أخاف يطلع لي واحد ثاني
عبدالرحمن : قلت لأ ماينفع هالمرَّة
تنهَّد ليُكمل سيره وهو يرتدي معطفه مرةً أخرى ويشد على السكارف حتى يُغطي ذقنه الخشن.
في داخله " اللهم أني أستودعتك نفسي يا من لا تضيع عنده الودائع "
خرج للشارع الرئيسي ، و أرضُ باريس تضجُ بخطواتِ المارَّة ، أفكارهُ تضجُ أيضًا ، إذا لم أسلَم من هذا ماذا سيحدُث ؟ يالله! لا أُريد التفكير ، لا أُريد والله أن أعرف كيف سيكُون مرور موتِي على الجميع عاديًا ! أصلاً من هُم الجميع ؟ لا أملك أمًا ستنهارُ في بكائها ولا أملكُ أبًا سينحني إنكسارًا و لا أملكُ شقيقات سيبكين برثائِي ! لا أملكُ أحدًا سيتذكرنِي غير ناصر.
أعُوذ بالله من هذه الأفكار السوداوية ، تقُول عنه حاتم !! من يكُون هذا أيضًا ؟ تُريد أن تستفزني بأيّ إسم أو فعلا هُناك من ينتظرها ، لِمَ لمْ تغار من أثير ؟ ألهذه الدرجة تكرهني! أستفزتني بحاتم ولم أستطيع أن أستفزها بأثير. لِمَ كِلانا يظلمُ معه إسمٌ ليتلاعب به حسب مصلحته ، لا أُريد أن أجرح أثير بكلمة ولكن يا رتيل لا أُريد أن تُرغميني بأن أفضلها عليك وأجعلك فعليًا تنتظرين حاتم. نحنُ الشرقيين لا نفهم شيئًا أكثر من فهمنا للكرامة ، هذه الكرامة يا رتيل خطٌ أحمر إن تجاوزتيه لايهمُ الحُب و " طوايفه ".
لِمَ أفكر بك الآن ؟ في هذا الوقت الضيِّق ؟ في هذا الوقت الحَرِج ؟ أنا أفرغ حاجتِي إليْك لكن لا أشعرُ بأن يومًا سيأتِي سنكُون به زوجيْن مثل أيّ زوجيْن وأنا أدرك ذلك ولن يأتِي يومًا تكونين به أكثرُ من " مرحلة " في حياتي ، أنا أشعرُ بهذا مهما حاولت أن أكذِّب نفسي به كثيرًا. لكن أنتِ تعرفين بأنهُ لم يكُن حُبك عابرًا وأنني لم أكُن نزوة يا رتيل. أنا أثق بقلبك كثيرًا وستعرفين هذه القيمة قريبًا.
دخل في طريقٍ ضيق يُشبه طرق المُشردين المُهاجرين ، أقترب من الباب الخلفي ، دخل وهو ينتبه للكاميرات التي على طُول السلَّم الخشبي ، صعد ليستقبله : تفضَّل من هنا
عبدالعزيز بهدُوء دخَل ليسلِّم مصافحةً لرائد : السلام عليكم
رائد : وعليكم السلام
،
عقد حاجبيْه بقلق بعد ان أستلم هذا الخبر السيء ، أن يعرف رائِد بمراقبتنا له فهذه مُصيبة ، طُرق رائِد في لوي الذراع واضحة جدًا ، يجب أن نضع حدًا.
: أنا أهلي أصلا مايطلعون كثير وإن طلعوا بالحفظ والصون لكن بوسعود الحين لازم ينتبه
أحمد : بسهولة راح يقدر يهدد في أهله لأنهم الحين بباريس
سلطان أخرج هاتفه ليتصِل على رقم عبدالرحمن الفرنسي ، دقائِق قليلة حتى أجاب مقرن : هلا بوبدر
سلطان : هلابك ، وين عبدالرحمن ؟
مقرن : يراقب عبدالعزيز راح للجوهي
سلطان : إيه صح ... طيب أهله وينهم ؟
مقرن بإستغراب من السؤال : موجودين ؟
سلطان : اليوم عرف عن كاميرات المراقبة اللي في مكتبه لأن غطوها بورقة كاتبين فيها إما لنا او لكم .. وبعدها بنص ساعة عطلوا كل الكاميرات .. وأكيد وصل العلم للجوهي عشان كذا أنتبه للبنات
مقرن بقلق : من وين طلعنا بعد هالموضوع !!
سلطان : عبدالعزيز وصل ولا للحين ؟
مقرن : إيه قبل شوي دخل عنده
،
تشعرُ بالخطوات ، برائحة العود التي تخترقُ مسامات جلدها ، أربكها من خلفُها وهي أدركت بأصُوله الشرقية ، ألتفتت.
تلاقت نظراتهم ليسير ببطء دُون أن يتعدَّاها ، أمعن النظر إليْها ثم أظهر عدم إهتمامه.
خجلت من نظراتها وأكملت سيرها بخطوات سريعة ومازال خلفها ، تاهت بعينه ، يالله أشعرُ بأنه يعرفني! نظرتُه ليْ كانت غريبة. صدرُها يهبط بشدَّة وينخفض وهي تشعرُ بأنها رأته قبل هذه المرَّة ، ثواني طويلة ومازالت تشعرُ بأنه خلفها حتى تذكرت.
تلك الليلة التي ذهبت بها مع رتيل إلى السوق ونظرت إليْه بغرابة لتُخبر رتيل عنها ومن ثم اختفى ، لا من المستحيل ؟ معقول يكُون هو صاحب الرسائل ، الهدايا الملوَّنة ، الصوتُ الرجُولي الذِي زلزل كيانها. بلعت ريقها لتلتفت مرةً أخرى ودَّت لو تسمع صوته وتتأكد ، وقفت ليتعداها دُون أن ينظرُ إليْها ، تمنت لو توقفه تسأله ولكن خشيْت أن لايكُون هوَ وتكُون في موقف مُحرج.
رُبما هو أو لا ؟ لكن إن كان هوَ كيف سيظهر أمامي بهالسهولة ؟ كيف سيتخلى عن جُبنه الذِي طال لسنة وأكثر ! من المستحيل أن يخرج بهذه البساطة! أخرجت هاتفها لترسلُ له ولكن بخيبة نظرت إلى الإكس الأحمر الذِي يعتلي الرسالة ، نظرت له للمرة الأخيرة قبل أن يدخل بالطريق الآخر ، ليتني نطقت له حرفًا لأسمع صوته ! كيف أتى باريس ؟ و مشى خلفي ؟ هذا الأسمر الشاهق سلب عقلي ! إن كان هو صاحب الصوت فهو سلب قلبي أيضًا. يالله لو أنني أعرفُ على الأقل إسمك.
،
في جناحهُم الذي شهَد كل الحالات السماوية من إضطراب إلى جفاف إلى حُب وغيم. كل الأشياء التي تحصلُ بيننا كانت هُنا ومنها " أحبك " التي تبادلناها لذلك أنا ممتنة ، ممتنة لصوتِ عينيْك و لضحكة عينيْك ولكل عينيْك كلها والله التي قالت " أحبك " و جلجلت أعماقنا بها. رُغم المشاكل ولكن حضُور " عبدالله " جعل من السماءِ تُمطرنا بلا توقف.
بتنهيدة عميقة تنظرُ لإبنها : أنا ما قلت شي
منصُور بهدُوء : لا واضح من تقصدين
نجلاء : طيب منصور خلاص ماأبغى أتكلم بهالموضوع واللي يسلمك
منصُور عقد حاجبيْه : ما ترتاحين اذا ما جبتي لي النكد
نجلاء ألتفتت إليْه وبغضب : يعني ماهو من حقي أقولك ابي بيت لحالنا !! يعني أنا ماني مآخذة راحتي في هالبيت كل مانزلت لازم طرحتي عليّ عشان يوسف !!
منصور : كل هالفترة ساكتة ولا تكلمتي الحين جيتي تتكلمين عشان مهرة ماهو عشان يوسف
نجلاء : ليه تحب تطلعني سطحية بتفكيري وأني أسوي كل هذا عشان وحدة نفس مهرة !! لا طبعا ماهو عشانها أنا فعلا ماني مرتاحة
منصُور ببرود : وأنا آسف طلعة من هنا لأ لأني ماراح أرتاح بجلستي بعيد عن أمي وأبوي
نجلاء بسخرية : بالنهاية لازم تعيش بعيد عنهم !! منت بزر ماتقدر تعيش بدونهم
منصور بحدة : أنا ما قلت مقدر!! قلت ماراح أرتاح نفسك !
نجلاء تنهَّدت : خلاص سكِّر على الموضوع
منصور : فكري ولو مرَّة فيني وفي عبدالله ، لاتكونين أنانية بتفكيرك وماتفكرين الا براحتك !!
نجلاء : أنا أنانية ؟ طيب قلت لك أبي أرتاح وين الأنانية في الموضوع !! خلاص حقك عليّ ..
منصور : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه ....
،
أسفلُ الجناح المُضطرب كانت الجلسة حميمية بين يُوسف و هيفاء ، مسكت الفنجان لتضربُ به بملعقة الشايْ الصغيرة : أنا كان مستقبلي الغنائي كبير
يُوسف : وأنتِ الصادقة طقاقة ..
هيفاء بضحكة تُمرِّن صوتها : آحم آحم يالله أطلب مني أغنية
يُوسف يُدندن كلامه : لآ يجي أبوي الحين ويهفِّك بهالفنجان ويخليك تقرين الفاتحة
هيفاء : يا شينك تحبيط بتحبيط !! .. قلت لك كلمت ريوم تقول أسطنبول خايسة
يوسف : أفآآ وراه عاد
هيفاء : مدري والله وأنا متشفقة على تركيا محدن معبِّرني
يوسف بجدية : وش رايك نروح ؟
هيفاء : من جدك ؟
يوسف : والله ماعندي مانع مافيها فيزا ولا قلق ، نحجز ونطير
هيفاء بضحكة : أحلف
يوسف : قسم بالله
هيفاء : دايم يقولون لي ليه تحبين يوسف ؟
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههه بس أنتظري ريم ترجع ونروح أحنا بعدين يقول ريان لاحقينا
هيفاء : طيب أقنع أبوي ماظنتي يوافق
يوسف : ماعليك خليه الإقناع عليّ ،
هيفاء : طيب ومهرة ؟
يوسف : ماأظن تقدر حامل !! نروح أسبوع ونرجع
دخلت مُهرة بحضُور إسمها : السلام عليكم
: وعليكم السلام
جلست بجانب يُوسف ، هيفاء : مهُور متى موعدك الجاي ؟
مُهرة : 9 الشهر
هيفاء ألتفتت ليوسف : طيب أنا أعرف كثير يسافرون وهم حمَّال
يوسف يفتحُ فمه ليعلمها النطق بلكاعة : أولا إسمهم حوامل !! حــــوامل ..وش إسمهم ؟ حوآآآآآآآآآمل ... تخصص لغة عربية وفاشلة بعد عييب
هيفاء : ههههههههههههههههه كيفي أنا أنطقها حمَّال حوامل وش دخلك مسوي لي فيها خلنا ساكتين لاأنشر غسيل الثانوي
يوسف بإبتسامة يلتفت لمُهرة : نبي نسافر تركيا شوفي الدكتورة إذا مافيه مشاكل بنروح
مُهرة بهدُوء : طيب
هيفاء نظرت لوالدتها وهي تضع عباءتها على الطاولة : اليوم ريَّانة مختفية
والدتها : ريانة بعينتس تأدبي
هيفاء بضحكة : وين رحتي ؟
والدتها : لأم فيصل القايد
هيفاء : يوووه وش ذا الغبار اللي طلع !!
يوسف : منصور ما قطع فيهم دايم عندهم
والدتها بإبتسامة واسعة : تعالي هيفاء معي أبيك بموضوع
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه الله الله يالمواضيع الخاصة
هيفاء : ذا الكلمة أخاف منها تخليني أتذكر كل الماضي الوصخ
والدتها بحدة : قومي يالله
يوسف بخبث : والله الغبار شكله عامل عمايله
هيفاء تُشير لعينيْها : يممه يممه .. وخرجت مع والدتها
بعد صمت لثواني ألتفت لمُهرة : كليتي شي ؟
مُهرة : كم مرة تسألني ؟
يوسف بإبتسامة : كذا أتطمن
مُهرة : كليت
يوسف : عافية
مُهرة : الله يعافيك .. وش سالفة تركيا ؟
يوسف : هيوف تقول متشفقة عليها وقلت نروح نغيِّر جو قبل لا تبدأ دراستك
مُهرة بصمتٍ خافت طويل أردفت : زعلان ؟
يوسف وهو يضع الدلة على الطاولة بعد أن سكب له : على ؟
مُهرة بتوتر : الرسايل !!
يُوسف بهدُوء : نسيت الموضوع .. قلت لك من زمان شي يضايقني ماألتفت له مهما بلغ أهميته
مُهرة : حتى لو انا ؟
يُوسف ألتفت عليها : أنتِ وشو ؟
مُهرة : لو أنا اللي مضايقتك ماراح تلتفت ليْ !!
يُوسف بهدُوء ينظر إليْها ، طال صمته في حين كانت عينه الثرثارة مُستقرة في محاجرها.
مُهرة أخذت نفس عميق مُشتتة نظراتها : مدري ليه أسأل وأنا عارفة الجواب
يوسف يضع الفنجان على الطاولة : لكل قاعدة إستثناء
مُهرة بربكة شعورها أبتسمت وهي تنظر للفنجان ، تلاشت إبتسامتها سريعًا وكأنها شعرت بالذنب ، تشعرُ بالذنب دائِمًا ليست هذه المرَّة التي تستخفُ بإبتسامتها إن كانت لفردٍ من هذه العائلة.
،
غطت وجهها بالفراش ، حتى أنفجرت ببكائها الصامت الذِي غرق الصوتُ به. لم تلفظُ حرفًا واحِدًا منذُ دخلت ، غيَّرت ملابسها بخفُوتٍ حتى أنسحبت للجانب الآخر من السرير. تشعرُ بلوعةِ الأم على فقد إبنها وأكثر، تشعرُ بخيبة مُشتتة لاتتزن بها الأمور ولا عقلها يستوعب ما يحدثُ معها حتى يُفكر ، كثيرٌ عليها هذا ! عذرتهُ في أول الأيام ولكن الآن ؟ الآن لِمَ كل هذا !! توقعتُ أشياء وردية وصُدمت بما رأيت. يبدُو حتى الأشياء الزهرية الجميلة تتشمتُ بي الآن، تمنيْت لو يقُول شيئًا أن يُبرر تصرفه على الأقل ! لو حتى يبتسم ويقُول أعذريني. سأقبلُ ما يقُوله وأبادله الإبتسامة دُون أن ألتفت لبكاء قلبي. لو فقط يشفق عليّ من هذه الكارثة التي تشطرني نصفيْن ويقول أنّ ما أمرُ به مُزحة. نكتة ثقيلة ! أيّ شيء لكن لا تقُول يا ريَّان أنَّ هذه شخصيتك! بربِ هذه السماء لا تقولها بأفعالك وتجعل أحلامِي مكسورة واقفة عند عتبة بابك! كثيرٌ عليّ والله. لا أستحقُ أن أبكِي في بداية أيامنا هذه! أيامنا التي يجب أن نتغنجُ بها طوال هذا العُمر الذي سيجمعنا. طوالُه يا ريّـان ولكن يبدُو أنك لن تُشاركني حتى ربعه.
على بُعد خطوات كان يُريد أن يتحدث ، أن يقُول شيئًا ، أن يُخبرها أيّ شيء كي لا تنام باكية ، كان يُريد أن يوقف بكائها رُغم أنَّ لا صوت لها ولكن يشعرُ بغرقها. أخذ نفسًا عميقًا ، جمُوده لا يساعده أبدًا على التقدم خطوة للأمام. أخذ محفظته وهاتفه وخرج.
بمُجرد ما سمعت الباب خرج صوتُها وصوتُ شهقاتها ، تركني ! لم يحاول ولا بأيّ كلمة! بقدر حُبي البريء لك في البداية الذي لم يكُن حُبًا من الأساس إنما شغف ورغبة بالنظر للسقف الذِي يجمعُنا ، للحياة الوردية التي حلمتُ بها ، بقدر هذا الحُب الذي رغبتُ بأن ألقاه أنا أقف كارهة لك وأثق بإحساسي هذا كثيرًا. أنا أكرهك.
،
بربكة أندفعت : لألأ .. ماأبغى يمه
والدتها التي جلست آخرُ النساء التي عاشرُوها في مرحلةٍ من عُمرها بعد أن خرجن لتُفاجئها أم فيصَل بموضوع هيفاء : وش اللي ماتبينه ؟ الرجَّال كامل والكامل الله
هيفاء بتوتر : لا يمه تكفين آخر عمري أتزوج واحد يشتغل شغل أبوي والقلق ذا انا ماأحبه ودايم قلوبهم قاسية ويخوفون
والدتها : فيصل تارك الشغل من عقب ماتوفى أبوه الله يرحمه الحين عنده تجارته ورجَّال مقتدر وناضج وولد أصل وناس
هيفاء بتشتيت أنظارها : يمه خلاص أنا رافضة ماأبي واحد كان يشتغل بهالشغل
والدتها : ترى الرياجيل هالأيام نشتريهم !! أحمدي ربك
هيفاء بإنفعال : وأنا ناقصني شي عشان ماألقى غيره !!
والدتها : ماهو نقص فيك بس فيصل والنعم فيه وأنا أبيه لك
هيفاء بتوتر : طيب طيب أفكر
والدتها : فكري زين قبل لايوصل العلم عند الرجال لأن إن وصل لأبوك ترى بيحلف أنه ما يردَّه
هيفاء بإبتسامة : أبوي مايجبرني على شي ماأبيه
والدتها تقف : ما خربتس إلا الدلع
بمُجرد خروج والدتها ، فتحت الفيس بوك ، بحثت عن إسمه ولم تلقاه لتتمتم : ماتوا اللي يدخلون الفيس !!
دخلت لتويتر وهي تبحثُ عن إسمه وتدعي في داخلها أن تجِده ، مرَّة ومرتين ولم تجِد أي نتائج بالبحث ليأخذها التفكير الداخلي " واضح دامه ما يدخل تويتر يعني ثوب قديم ! " دخلت لحساب أخيها يوسف بحثت في قائمة المُتابعين ، أنتفض قلبها عندما رأت إسمه مكتُوب بإختصار "@F_algaid فيصل عبدالله" بشغف فتحت الصُورة ، تأملتهُ كثيرًا وهي تُطيل النظر به ، غرقت ولم تشعرُ بشيء وهي تتأملُ بشرتُه القمحية وعيناه الداكنة ، أنفُه وحاجبيْه وكل شيء به حتى عوارِضه الخفيفة التي تطغى عليها السكوكة السوداء المرسومة، كان وسيمًا بعينِها. لكن تخافُ أفراد هذا السلك كثيرًا. تخافُ قوتهم سلطتهم جرأتهم غضبهم حتى حُبهم.
تنهَّدت لتخرج ولكن دخلت لتغريداته ، لم تفهم شيئًا ، شعرت بالغباء الكبير وهي تقرأ " شركة المدينة تربح 3.5 مليار ريال في 9 أشهر , بنمو 23% , وتوزع 700 مليون عن الربع الثالث ، نتايج مميزة هالسنة "
تغريدته الأخرى " واسك تعلن النتائج : بلغ صافي الربح الربع الثالث 6.37 مليار ريال، مقابل 7.50 مليار ريال للربع المماثل من العام السابق وذلك بانخفاض قدره 24%. " ، تمتمت في داخلها " يععع رياضيات وأرقاام "
أغلقت صفحته بأكملها ، شعرت بالغباء أمام ما يقُول ، إهتماماته إقتصادية بحتة و أيضًا لا تميلُ لهذه الإهتمامات. تنهَّدت وهي تعزم بأن تصلِي إستخارة.
،
بهدُوء ينظر إليْه : كيف يعني بنغيِّر المكان ؟ بس إحنا أتفقنا
رائِد : داري لكن بكلم محمد ويدبِّر لنا مكان ثاني انت عارف يا صالح أننا مراقبين وأنا ماأبي أي غلطة بسيطة
تنهَّد : طيب وين ناوي عليه ؟
رائد : ماراح نبعِّد كثير أفكر بلندن أقرب وأسهل !
عبدالعزيز : طيب إذا كذا ردّ ليْ خبر
رائد رفع عينه للباب الذِي ينفتح كان إبنه فارس ، ألتفت عبدالعزيز له لتصطدم عيناه بعينيْه ، تعلقت نظراتهم كثيرًا حتى أرتفع نبضُ عبدالعزيز الذِي شعر بأنَّ أمره سيكشف الآن.
فارس أكتفى بإبتسامة لطيفة ليُردف : آسف قاطعتكم
رائد : ولدي فارس .. صالح صديق لي
فارس رفع حاجبه : صالح !!
عبدالعزيز وكأنه يترجاه بعينه ، وقف وأنفاسهُ تكشفُ حرارة نبضه : كذا نكون أنتهينا .. راح نحدد لنا لقاء ثاني وهالأوراق فيها كل المعلومات اللي طلبتها
رائد : أوكي راح أشوفها .. بحفظ الرحمن
عبدالعزيز خرج مارًا من عند فارس الذِي يعرفه جيدًا ، تقابل معه في إحدى المرات ، تذكر ذاك الموقف.
بإحدى المقاهي كان بمُقابل ناصر أنتبه لنظراته ، رفع عينه المُستغربة له .. ثواني حتى تشتت نظراته لناصر الذِي نادى إسمه بوضوح " عزوز ".
فارس الآخر كان يتذكرُ الموقف ، من المرات القليلة التي خرج بها من السجن الذِي فرضه عليه والده ، كانت أيام حلوَة تلك التي تولى بها " زيد " حراسة القصر الذي كان يتفق معه مُقابل المال أن يُغطي عليه ويذهب لحيثُ ما يريد ، لكن منذُ شهريْن وهو مسجُون لأن زيد أستلم قصر والده والرجال الجُدد لايعطُونه مجال أبدًا للتفاوض.
عاد لواقعه ، صالح ؟ أعرفُه جيدًا هذا عبدالعزيز سلطان العيد ولكنه متغيَّر ! عوارضه الثقيلة لم أشهدها من قبل ، كان واضح وكأنه يُكبِّر عُمره بعشرة سنين أخرى ! يحتالون على والدِي ؟ ماذا لو أخبرت أبي بأنه عبدالعزيز ؟
أخذ نفسًا عميقًا يُجلجل عقله فقط " عبير ! إن عرف والدي بالتأكيد سيعرف أن عبدالرحمن له يد بالموضوع ومنذُ فتحتُ عيني على عمل والدِي وهو لا ينتقم إلا بالعائلة بأكثر شيء يؤلم أيُّ شخص وهو أحبابه "
رائد : وش فيك واقف !!
فارس بلع ريقه : ولا شيء.
خرج عبدالعزيز مُبتعدًا ليلفظ : ماأنتبه لشي وزي ماسمعت يبي يغيِّر المكان
بوسعود عبر السماعة : طيب أنتظرك نتناقش لما توصل
عبدالعزيز : دخل ولده فارس !
بوسعود : إيه ؟
عبدالعزيز : قابلته من قبل مع ناصر .. عرفني حسيت بنظراته يقول أنه كاشفني
بوسعود : تكلم بشي ؟
عبدالعزيز يُدخل يديه الباردة في جيُوبه : لمّا قال رائد أني صالح قام وسأل قال صالح !! حسيته يشكك بس رائد ماأنتبه لشي
بوسعود بقلق : المشكلة مانعرف ولده إذا أحسن من أبوه ولا نفس الطينة
عبدالعزيز : يوم ماتكلم أرتحت بس يمكن يقوله مدرِي
،
بغضب الصبيـة البيضاء التي ترفضُ التسلط والحدُود ، ترفضُ سلطان بكل ما تحملُ من خلايا عقلية ، تكره سطوته عليْها وأوامره ، تكرهُ تصرفاته مع سعاد سابقًا وتكرهُ تصرفاته معها حاليًا وكأنه والدها ، تكره كل شيء ينتمي إليْه ، تشعرُ بالحقد الشاسع في قلبها، لم تُحبه يومًا كأخ ولا أب ولا شيء ، لم تُحبه أبدًا رغم حاجتها للرجل. ولكن تشعُر بأنه آخر شخص تُفكر بأن تصالحه او تتجاهلُ ما يفعله بها ، أناني يُحرك الناس بحسبِ ما يُريد ، سلطان الشخصُ المنبوذ عندي وأيضًا المُتسع بصفاتِ الحقارة. لا أعرف كيف الرقيقة الجوهرة ترضى به ؟ لا شيء يجذُب لهذا الشخص ؟ لا شيء يجعل من هذا الشخص مدعاةً للحُب ، هذا الشخصُ بالذات الذي أشعرُ بأنه لا يصلح لشيء في الحياة غير القسوة التي تنبعُ منه.
: أنا موافقة وهذي حياتي !! أنا اللي بغلط ولا أنتِ يا يمه ! طيب خليني أجرب وأغلط وأتعلم من أغلاطي .. لاتوقفين أنتي والثاني بوجهي في كل شيء ! تدرين يا يمه أنه أبوي قادر يمشي حكيْه على سلطان وماله دخل فيني !! ولو أبي كان أشتكيت عليه وأنتِ تعرفيني يمه مايهمني كلام الناس ولا أقدِّر لا قريب ولا بعيد .. أنا اقدِّر واحترم الأفعال و ولد أخوك هذا من وعيت على هالدنيا ما وراني يوم حلو ! يحسب كل هالعالم يمشون بمزاجه ..
والدتها تنهَّدت : بس ماجد ما يصلح لك .. أنا أبي مصلحتك .. خليك من سلطان الحين بنتكلم في ماجد
العنُود : أنا من حقي أفكر بمصلحتي ماديًا وإستقراري .. وأنا أشوف أنه ماجد مناسب من كل النواحي
والدتها : وأخلاقًا ؟
العنود : شايفته يسكر ولا يماشي بنات ؟ يا ويلكم من الله كانكم تقذفون هالناس !!
والدتها بإندفاع : ما قذفته بس أنا أشاورك أخلاقيا زين ؟
العنود : إيه أخلاقيا زين أنا دراستي كلها كنت مقابلته في نفس التخصص وأعرف أخلاقه ..
والدتها : يمه يالعنود أنتِ تبين رايي ولا لأ ؟
العنُود بـ وِد : أنا أبي رايك يا يمه بس أنا من حقي أقرر مو انتم تقررون بحياتي
والدتها بضيق : طيب !! بس فكري .. أستخيري
العنُود بإبتسامة : إن شاء الله بس أقنعي الجدار اللي عندك أنه ماله علاقة فيني
والدتها بعتب : إسمه سلطان ماهو جدار
العنُود : تكفين يمه خلاني أكره هالإسم ! انا لا بغيت أوصف شي شين بأقوى المفردات قلت يشبه سلطان
والدتها تنهدت :أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه. .. وخرجتْ من غُرفتها.
في جهةٍ أخرى بالمطبخ ، تُقطِّع السلطة حتى تشغلُ وقتها ، عائشة : أنت ما يسدِق أنا *يصدق*
الجوهرة بإبتسامة : أنتِ تؤمنين بأنه الأرواح تعيش بعدين بناس ثانية لكن سعاد ماتت ومافيه أحد فوق ! تراك موسوسة
عائشة : شنو !!
الجوهرة : illusions
عائشة : نُو والله انا يشوف
الجُوهرة : أسألك سؤال ! تحلفين بالله وأنتِ ما تؤمنين بوجوده ؟
عائشة : أنا يقول مثل ما يقول أنتِ
الجُوهرة : طيب قريتي الكتب اللي جبتها لك ؟
عائشة ولقت المخرج الذي تُثرثر به : أنا وين يفضى أنا حتى نوم فيه مُشكل ويَّا هادا نفر مجنون ! مايخلي أنا ينام زين كله قرقر قرقر أنا ما يفهم فلبيني بس ها ها ها كل يوم
الجُوهرة ضحكت و ألتفتت لحصة : تقول الشغالات الثانيات مايخلونها تنام
حصة : عاد عيوش فيها عوابة
الجُوهرة أبتسمت : فيه غرف فوق فاضية لو تآخذ وحدة ماتضر وراه ينحشرون كلهم بغرفة وحدة ؟
حصة بغمزة : قولي لسلطان
الجوهرة بلعت ريقها لتُكمل تقطيع دُون أن تُجيب.
حصَة جلست بجانبها : أمس نمت وما شفتك ! عسى ماكنتي تعبانة ؟
الجُوهرة : لا بس كانت أجوائكم متوترة
حصة تذكرت خناق العنُود وبكائها : إيه الله يصلحها هالبنت
الجُوهرة ألتزمت الصمتْ دُون ان تُبيِّن أيّ ردة فعل ، تشعرُ بغيرة تحرق قلبها، العنُود الكاملة الصاخبة بأنوثتها، وأنا ؟ لا يرانِي سلطان سوَى ناقصة عدد زائِد في هذه الحياة.
حصة بهدُوء : مقدرت عليها ! تبي تتزوج شخص محنا راضين عنه
الجُوهرة بلعت ريقها لتُردف : ليه ؟
حصة : ماهو من ثوبنا
الجُوهرة بللت شفتيْها بلسانها بتوتر : إييه
حصَة : كيفك مع سلطان ؟
الجوهرة : عادِي
حصة : تمام ولا لأ ؟
الجوهرة رفعت عينها : قلت لك من قبل فيه شي أنكسر ومستحيل يتصلح
حصة بغضب : ليه كل هالتشاؤم ! مافيه شي إسمه ما يتصلح !! مهما كان تقدرون تحلُّونه
الجوهرة بضيق تخلط ما قطَّعته : هالكلام قوليه لحبيبك سلطان
: وش تقولي ؟
ألتفتوا جميعًا لباب المطبخ ، أخذت شهيقًا دُون زفير وهي تكتمُ نفسها. لم تتوقع مجيئه مُبكرًا !
حصَة : راجع بدري ؟
سلطان : خلصت شغلي وماعندي شي ثاني
حصَة : طيب روح غيِّر ملابسك وبنحط الغدا
سلطان بصمت خرج !
الجوهرة : طبعا لا تقولين له يحسبني أشكِي لك
حصة أبتسمت : لا لا تخافين سلطان ما يفكر بهالطريقة
الجوهرة برجاء : بس ولو الله يخليك
حصة تنهَّدت : طيب خلاص ماني متكلمة ...
في الأعلى غيَّر ملابِسه وتفكيره يتذبذب عند الجُوهرة ، وضع هاتفه على الصامت وتركه على السرير لينزل للأسفل ويستمعُ لهمساتِهم.
على طاولة الطعام تمتمت : لو تحاولين من هنا لليوم ما تفرق معه
حصَة بضحكة : ماتوقعتك كذا متشائمة حسيتك كتلة تفاؤل تمشي بس طلعتي من جنبها
الجوهرة بإندفاع : لا والله أني متفائلة الحمدلله بس أقولك عشان ما تكبر مشاكلنا بعد ..
حصة تنهَّدت : براحتك
أكمل نزوله للأسفل وجلس بجانب الجُوهرة ، ساد الصمت دُون ان ينطق أحد وسط شك سلطان الذِي يشعرُ بأن موضوع بين عمته وزوجته. يا ثقلُ هذه الكلمة على النفس ، يا ثقل " زوجتي " ، يقُولها وكأنها مرارة يقشعرُ منها وهي ليست هكذا والله. لم تكُن يومًا مُرَّة بقدر ما كان الماضِي المُرّ يصعبُ الإنسلاخ منه.
،
على الأريكة الطويلة مُستلقِي وعلى بطنه رِيفْ تلعبُ بأزارير ثوبه ، غائب كليًا لناصر ، كيف أقوله ؟ كيف أخبره بأن زوجته حيَّة ؟ كيف يتقبَّل أن يسمعها بإنسيابية دُون أن يتجمدُ هذا الكون ويتجمدُ معه ؟ دُون أن يُصيبه فزع يؤدي لحياته ، أتخيل لو أنَّ أحدًا يُخبرني " فيصل أبوك حيّ ! " يالله كيف سأسمعها دُون أن يتحشرجُ هذا العالم ويمُوت. سيُجَّن جنوني وأخشى ذلك على ناصر. لكن كيف ؟ أأخبر وليد يُمهِّد الموضوع ؟ أم أطلب منه المعونة فهو يعرف تماما كيف التصرف بهذه المواقف ولكن كيف سأقنع وليد أيضًا ؟ كيف سأخبره هو الآخر ؟ أخاف حتى أن أخسر صداقته! سيتهمني ورُبما يقطع علاقته معي لأنني كذبت. ولكن كيف أقنعه بأنني مُضطر ، لن يسمعني وليد ولن يقبل بأن يساعدني أنا أعرفه تماما ! مهما كان مُتسامحًا إلا أنه لن يقبل بأن يكُون مستغفلاً بهذه الصورة. أأفعل مثل ما خططتُ له ! أأخبر ناصر أولا وهو من يسترِدُ غادته من وليد دُون أن يشعر ولِيد بتدخلي ، دُون أن يعرف أن ليْ يدٌ بالموضوع. أنا المُخطىء في اليوم الذِي أخبرت أمل بأن تذهب لوليد وهو الأنسب لعلاج غادة! انا المُخطىء الذِي ورطت وليد بحُبها وهي متزوجة. يالله كيف أعتذرُ بطريقة مُناسبة لا تخدش قلوبهم ؟ كيف أكفِّر عن ذنبي لمن أصلح حالي بعد الله ؟ أنا لأجل هذا الشخص أفعلُ كل هذا ، أصلح هذه الأخطاء و رُكامها. لأجله أنا هُنا أخطط لإعلامِ ناصر لكن ليتهُ يساعدني ولا يحملني ذنب الإخبار كله.
: اللي مآخذ عقلك يتهنى فيه
ألتفت على والدته : أفكر بهيفاء
أم فيصل : هههههههههههههههه تتمصخر !!
أبتسم ليُردف : عسى تدُوم هالضحكة ! زمان عنها يالغالية
أم فيصل أبتسمت بحنين كبير لصاحب هذا البيت الذِي أصبح تحت التراب : دام أشوفك مبسوط أكيد بنبسط
فيصل أستعدل بجلسته وفتح الآيباد على الألعاب ليُعطيه ريف حتى تلهى به : كلمتي أم منصور ؟
والدته : إيه عقب ما راحوا الحريم ترددت شوي ماعرفت كيف أفتح الموضوع بعدين قلت لها وبصراحة عطتني موافقة مبدئية وقالت أكيد بو منصور مهو رافض لكن الرآي الأخير بإيد هيفا
فيصل : الله يتمم على خير
والدته بشغف : متحمسة كثيير ، أشوف عيالك حولِي ويملون عليّ هالبيت
فيصل غرق بضحكته : يوه يمه مطولين أول شي أعرفها أشوفها مناسبة تكون أم أو لأ ماأبي أتورط بعيال وبعدين نتطلق
والدته : أعوذ بالله من هالفاال !! أجل كم بتقعد
فيصل بضحكة : كِذا سنتين أو ثلاثة ماعلى أعرفها كويِّس بعدين أقرر بالعيال
والدته : أنا قايلة عيشتك برا خربت عقلك
فيصل بإبتسامة : خل تجي الموافقة وبعدها يصير خير
،
ضي غرقت بضحكتها لتردف : يا ويلك من الله ما بقيتي بنت بالجامعة ما حشيتي فيها هذا وأنتِ تقولين ماتداومين كثيير
رتيل بإبتسامة : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه ، يعني مو قصدِي أحس بس يعني أنتقد !! .. أصلا ذي اللي أقولك عنها أكبر مهايطية عرفتها الرياض بكبرها .. تقول عمها توفى وبنفس اليوم أندفن .. هنود إحنا !! ولا كل ما جلسنا *تُقلد صوتها بحرفية* : أناا بابا شرآ لي هذي الساعه من لوندون .. !!
عبير بضحكة : هذي نور ؟
رتيل : إيه مهي بصاحية هالبنت ههههههههههههههههههههه فيها جنون العظمة !! مرَّة قلت لها أنا شايفة هالفستان في حياة مول بغت تآكلني تقول لا أنا مفصلته خصيصًا من زُهير مراد .. يا شينها ماتنبلع أبد وأنا شايفة فستانها بزارا النصابة
عبير والمطر قادر على تغيير مزاجها : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ضي : يختي الله يبليك بكرا يقولك فيه حديث فيما معناه أنه الشخص مايموت إلا وهو مسوي الشي اللي كان يعيبه
رتيل : أنا والله سويت أشياء غبية في حياتي بس ما عمري قلت "تقلد صوتها" لوندون ولا عمري هايطت !! قدامنا تهايط ! ولا تغيب أسبوع وتجينا تقول والله كنت مسافرة وهي الكذابة مكفخها أخوها ومنحبسة
ضي : هههههههههههههههههههههه خلااص رتيل حراام
رتيل : ههههههههههههه والله منفقعة كبدِي منها توني أشوف بارسونالها بالواتس آب كاتبة لوندُون تايم. أنا كرهت لندن واللي جاب لندن منها .. الحين لو أتصل على بيتهم ترد عليّ
عبير : ترى حتى أختها الصغيرة يمشي الهياط في دمها !!
رتيل بضحكة : أحس كل مايحبسني أبوي أقول هذي حوبتها الكلبة على كثر ما افشلها ماتتعلم ، مرَّة قلت لها لا تحلفين كذب وشوي بغت تحرقني بعيونها .. أستغفر الله خلاص ماأبغى اتكلم عنها
ضي : عقب وشو !! نتفتيها تنتف
رتيل : يعني فيه فئة الكلاب كأنهم يقولون لي تكفين حشِّي فينا من كثر ماهم يجيبون لنفسهم الكلام زي الكلبة أثير
عبير : ودي أشوفها
رتيل : تلقينها تحوس هنا !! يارب يجي يوم يحترق شعرها ويصير فيه شي عشان يختفي جمالها
ضي أبتسمت : رتووول شوفيها هنااك
رتيل : وينها ؟
ضي : جمب اللي لابس كُحلي
رتيل : شفتوا قايلة لكم ماعندها غير ذا المنطقة !! حيوانة
عبير تُطيل النظر بها : مملوحة
رتيل : شينة هي وخلاقينها !! للحين عايشين حقين التطقيم الجزمة نفس لون الربطة والبلوزة ..
عبير ألتفتت عليها : وش هالغيرة !!
رتيل : يعني أنا ماأكذب ! صدق أغار منها بس هي سخيفة وتافهة يعني ماتسوى شي ! هي وربطة شعرها حقت البزارين .. أمشوا خلونا نطلع
ضي : لا تتحرشين فيها وتقعد تتشكى ترى شكلها من نظام الإستلعان
رتيل : أصير ألعن منها لو تبي ..
خرجُوا من المحل ليسيروا بمثل الرصيف الذِي يضمُ أثير. رن هاتف ضي لترُد : هلا حبيبي
عبدالرحمن : هلابك .. وينكم فيه ؟
ضي : نتمشى قريب من الفندق
عبدالرحمن : طيب أرجعُوا ضروري
ضي : صاير شي ؟
عبدالرحمن :بس أجي أقولك .. المهم أرجعوا الحين بسرعة وأنا جايكم
ضي : إن شاء الله .. بحفظ الرحمن
عبدالرحمن : مع السلامة .. وأغلق الهاتف.
ضي : أبوكم يقول لازم نرجع الفندق بسرعة
رتيل رفعت حاجبها : اليوم بيروح عز لحقهم مدري وش إسمه صح ؟
ضي : إيه يمكن صايرة مشكلة هناك مدري المهم قال أرجعوا
رتيل بقلق حكت أسفلُ شفتها : لايكون صاير شي فيه !!
ضي بضحكة تُقلدها : أنا أصلا مايهمني
رتيل : هههههههههههههههههههههههههههه طيب ما يهمني
،
في الغُرفة الصغيرة بعد أن حكى له كل ما حصَل وما دار ، أردف : أبي أكلمك بموضوع ثاني
عبدالرحمن أغلق هاتفه بعد إتصاله بضيء : وشو ؟
عبدالعزيز بإتزان : أظن جاء الوقت اللي ماتمنعني فيه عن رتيل
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : نعم !!!
عبدالعزيز بحيلةِ حديثه الذِي يقوله وهو غير مُقتنع به ، يعرفُ كيف هي النهاية ولكن لا بأس بأن يكذب على نفسه : يعني أكيد ماتبي لبنتك الطلاق !! ولا أنت ماتشوفني زوج مناسب لبنتك ؟
عبدالرحمن تنهَّد : لا تحاول تقوِّلني حكيي ما قلته أكيد أني اشوفك رجَّال والنعم فيه لكن مع رتيل لأ
عبدالعزيز : ليه ؟ عطني سبب واحد مقنع
عبدالرحمن : عبدالعزيز لا تنسى اللي صار بالرياض
عبدالعزيز بهدُوء : عفا الله عما سلف .. خلني أصلح أخطائي وأخطائك
عبدالرحمن : تعرف أني ماغلطت لكن أنت اللي خليتني بأفعالك أغلط !!
عبدالعزيز : طيب وأنا الحين بأفعالي ودي أصلح هالأغلاط
عبدالرحمن : يالله يا عبدالعزيز كيف لك القدرة تكذب حتى على حالك !!
عبدالعزيز يعرفُ بأن بين يديْ ثلاثة هو مفضوح " أبيه سابقًا وسلطان وبوسعود حاليًا " : هي بالنهاية زوجتي ما تقدر تمنعني عنها
عبدالرحمن : لآ أقدر أمنعك ! لا تحاول تمشِّي كلامك عليْ
عبدالعزيز أخذ نفس عميق : يعني ؟
عبدالرحمن : أنت تعرف !!! بنتي ما يجي بعدها أحد
عبدالعزيز : قصدك أثير ؟
عبدالرحمن وقف وهو يرتب بعض الأوراق : أظنك فاهم وش أقصد
عبدالعزيز : الشرع محلل 4 ليه أنت تبي تحرِّم علي ما أحله الشرع
عبدالرحمن ألتفت عليه : والشرع يوم حللك ما قالك عن شروط هالأربع
عبدالعزيز : طيب أنت منت راضي تخليني أكلم حتى رتيل عشان أعدِل أو ما أعدل
عبدالرحمن : أرخصتها يا عبدالعزيز وتحمَّل! ما أمداك ملكَّت عليها وعلى طول رحت تزوجت أثير !! أنت ماتشوفه رخص ؟ وماعاش من يرخص وحدة من بناتي
عبدالعزيز وقف : طيب ممكن تخليني هالفترة بس أقدر أقابلها
عبدالرحمن : فرضًا وافقت تظن رتيل بتوافق ؟ ماراح أجبرها يا عز
عبدالعزيز تنهَّد : إلا بتوافق
عبدالرحمن أبتسم : مشكلة والله ثقتك !! على فكرة حتى لو تشوفها تضحك ومآخذة الأمور بهداوة ماهو معناتها أنها راضية ! إذا أنت منت فاهم شخصيتها أنا أفهمك إياها !! رتيل مهي راضية وإلى الآن تحسسني بالذنب في كلامها دايم !
عبدالعزيز بخفُوت : أخذني بحسبة ولدِك ولا ترفض طلبي
عبدالرحمن ألتفت عليه : وأنا عمري حسبتك شي غير ولدي ؟
عبدالعزيز وبهذه اللحظة لم يفكر بأن يستغل عاطفته أو يمرُ بوترٍ حساس هو فعلاً كان يعنيْها ، قالها بكل ما أعطاهُ الله من حُب وإمتنان : طيب يا يبه ترضاها على ولدك ؟ أنه يجي أحد يمنعه عن زوجته ؟
صمت ساد بينهُم ولم ينتبه عبدالعزيز لكلمته أو وقعه لأنه قصدها فعلاً ، هذه الكلمة التي حُرِم منها عبدالرحمن من أن يسمعها من رجُل يتكئون عليه بناته ، مهما حصَل فكان يحلم بأن يكُن إبنه وينادِيه سعُود مثل ما تعوَّد منذُ مراهقته أن يُناديه الجميع " أبو سعود " حتى ألتصق به الإسم معنويًا ولكن فعليًا أفلس منه.
أردف : طيب يا عبدالعزيز بس بموافقة رتيل !! وأكيد حط في بالك أنك ماراح تآخذ راحتك مررة .. يعني لك من الصبح للمغرب وبس !! وحسب الشغل بعد
عبدالعزيز أبتسم بإتساع حتى بانت صفة أسنانه : أبشر
،
يُخلخل أصابعه بإبتسامة : الحمدلله على السلامة
والده ببحة موجعة مُستلقي على السرير الأبيض ومن حوله الأجهزة الكئيبة : الله يسلمك
ناصِر بضيق : كذا تخوفني عليك ؟ خلاص من اليوم ورايح لك سواق خاص
والده أبتسم وعيناه تحكِي إمتنانه لله بأنهُ عاش ، بأنه نظر لإبنه الآن ، هذا الإبن الذِي لم ينامُ لليالٍ من أجله ، الذِي سيطر عليه وصخبت مسامعه ببكائه بعد غادة ، هذا الإبن الذِي أوجعه الحنين مثل ما أوجع قلبه.
ناصر أبتسم لإبتسامة والده : حيّ هالإبتسامة .. أنحنى وقبَّل كفِّه.
والده أشار له بعينيْه لقارورة الماء ، وقف ناصر مُتجه وبغطاء القارورة سكب الماء لأن معدتهُ لأيام لم يدخل لها شيئًا فليس من الصالح أن يشرب كمية كبيرة ، سدّ رمقه ليُردف : عبدالعزيز شخباره ؟
ناصر : بخير الحمدلله ..
والده تطمئن فبهذه الحياة المُتسعة لا يملكُ سوى ناصر وعبدالعزيز حتى يخاف عليهم.
ناصر : كلمت الدكتور الصبح وقالي إن شاء الله هاليومين بتنوِّر بيتك
والده : الحمدلله ... ودي أصلي
ناصر بهدُوء : صلّ يبه بعيُونك ...
أبتعد ناصر قليلاً حتى جلس على الكرسِي ينظرُ لوالده ، حركات شفتيْه الخافتة وأصبعهُ الذِي يرتفع وينخفض ، إنحناءةُ رقبته القليلة بنية الركُوع والأخرى بنية السجُود. لمعت الدمعة في عين والده ، وميضُها أخترق صدر ناصر الذِي ينظرُ إليه. يالله يا رحمتُه كيف هي واسعة ؟ سُبحانه لا يشارك في مُلكه أحدٌ كيف حمَى رُوحًا أوشكت على الموت! سُبحانه لا إله الا هو الحي القيُوم.
،
تكتبُ له على جبيرتِه البيضاء " حبيبي والِدُ أطفالي قريبًا ، إني أُحبك بقدر ما قهرَ هذا العالمُ أفرادِه بالحرُوب وبقدر ما ولَد الحُب في الحرُوب و بقدرِ ما تراقص العشاق تحت المياهُ العذبة ، إنِي أُحبك بكل الأشياء الحسنة في هذه الحياة وإن حدث شيئًا كسَر هذا الحُب إني والله العظيم أُحبك "
أبتسم بحركة شفاهه التي تقرأ : و أم أطفالي شكلها بتصير شاعرة
غادة بإبتسامة : أتمنى لو أني أكتب شعر .. عيونك تستحق والله
ضحك بخفُوت ليُردف : شوفتك بالنسبة لي تغنيني عن القصايد كلها
غادة بخجل تغطي وجهها بكلتا يديْها : خلاص خلاص لا تتغزل بشكل مباشر
ناصر : تبين بشكل مبطَّن ! من عيوني هههههههههههههههه
على وقع الضحكات الصاخبة والهمسات الدافئة عند إذنها فتحت عينيْها المُتعرقة/ الباكية. نظرت للسقف الذِي تشعرُ بأنه يبكِي معها بتصدعاته ، صمتت وهي تسترجع الحلم الذِي غيَّب عقلها ، كأن طينٌ يقف في حنجرتها ، غصَّة وهي تشعرُ بأن حياتها السابقة مليئة بالحُب والتفاصيل الملوَّنة. لا تُريد الخروج من الشقة ، لا توَّد أبدًا أن تسير بشوارع باريس التي تشعرُ بأنها تحفظها.
ألتفتت لهاتفها رأت 3 مكالمات فائتة من وليد ، هذا الإهتمام الذِي يقتلُها و يشطُرها نصفيْن.
أتصلت عليْه وبصوت مختنق أجابته : هلا وليد
وليد : هلابك ، صح النوم
رؤى : صح بدنك .. ماأنتبهت للجوال
وليد تنهَّد : ودك تطلعين مكان ؟
رؤى : لآ مالي مزاج بجلس ..
وليد : طيب وش بتسوين ؟ العزلة بدون ممارسة شي بتخليك تفكرين بأشياء سوداوية .. وش رايك أجيب لك كتاب ولا فيلم تطالعينه
رؤى بضيق : جيب لي أي كتاب !!
وليد بـ وِد : خلاص أبشري ، بجيب لك وبروح أراجع أشغالي .. لأن بفتح العيادة هالفترة !! المهم بطلب لك أكل راح يجيك وأنتعشي الجو مطر وراح يجدد روحك ولا تنسين الدعاء في هالوقت
رؤى تشعرُ بالبكاء أمام هذا الكم من الإهتمام ، من الحُب ، من جمال الوليد : إن شاء الله .. ماتقصِّر
وليد : بحفظ الرحمن .. أغلقه.
رؤى مسحت وجهها بكفوفها وسحبت منشفتها لتدخل لإستحمامٍ يُبدد السواد الذِي يُحيط بها ، الماءُ ينسابُ على جسدِها وتفكيرها ينحصرُ بالغائبين اللذين تركوها. هذا ناصر ! انا بدأتُ أعرفه ، لكن ليتني أعرفُ ملامحه ، هيئته ، صوته ، لِمَ لا أعرفُ إلا صوته الذِي يحرق سمعي بحرارته في كُل مرةٍ يسيطر بها على عقلي ويغيِّبُ قلبي معه.
،
في أطرافِ ليلْ الرياض الداكن ، يهبطُ بكل خفَّة على السماء لينشر ظلامه ، على السرير تستلقِي لم يحضرُها النوم إلى الآن ، تُفكر بحياتها وبحياة إبنها الذِي في بطنها ، وضعت كفَّها على بطنها الذِي بدأ يبرزُ قليلاً ، تعبت في الفترة الأخيرة تعبُ سنين وهي تشعرُ بتقلصات وكأنَّ روحها ستخرج ، هذا الألمُ الذِي نهايته فرحَة ولكن تخشى من هذه الفرحة ! تخشى من هذه الحياة ! كيف تحمِي نفسُها دُون رجل يقف ويُدافع عنها إن جَارَ عليها يُوسف وعائلته.
دخل : السلام عليكم
مُهرة : وعليكم السلام
يُوسف دخل للجُزء المنزوي في غرفته المخصص للدواليب ، غيَّر ملابِسه ليستلقي بجانبها ويمسك هاتفه ، ثواني قليلة حتى وضعه على الصامت ، نزع ساعته ووضعها بجانب هاتفه وألتفت على مُهرة : مو جايك نوم ؟
مُهرة بلعت ريقها : بنام الحين .. غطت جسدِها حتى ذقنها بالفراش الخفيف ، تشعرُ بالبرودة بمُجرد ما تُفكر بالمستقبل وقلقها منه.
يُوسف نظر إليْها وأطال بالوقت وهو يتأملها : مُهرة .. وش فيك ؟
مُهرة تنامُ على جنبها الأيمن مُعطية يوسف ظهرها ، لم تلتفت إليه : ولا شي
يُوسف أقترب منها : طالعيني ماراح أخليك تنام لين تقولين لي
مُهرة ألتفتت عليْه : مافيني شي والله بس أفكر
يوسف المُستعدل بجلسته : بـ وشو ؟
مُهرة تنهَّدت : ولدي
يُوسف أبتسم : وش فيه ؟
مُهرة : أفكر بالمستقبل
يوسف فهم قصدها : منتِ واثقة فيني ؟
مُهرة : ماهو سالفة ثقة بس حتى الأخو يخون أخوه
يُوسف تنهَّد ليستلقي بجانبها: أتركي المستقبل عنك وركزي بالحاضر .. الله يكتب لنا الخيرة في أفضل الأمور
مُهرة تنظرُ له بضياع : كيف ماأفكر فيه ؟
يُوسف : لأنك بتضايقين نفسك على الفاضي ، خليها على ربك وماراح يضيع حق أحد
مُهرة بهدُوء صمتت ولم ترد عليه..
يوسف أبتسم : ناامي
مُهرة بادلتهُ الإبتسامة لتبان الغمازة التي لاتظهر كثيرًا : تصبح على خير
يوسف : وأنتِ من أهل الخير والسعادة
مُهرة عادت لوضعيتها السابقة ولكن تشعرُ بإشتياقها لصدره رُغم أنها لم تنام عليه من قبل ، ألتفتت عليه وبهدُوء أبعدت شعرها جانبًا ووضعت رأسها على صدره ووضعت يدها اليُمنى على بطنه ، لم تتجرأ أن تضع عينها بعينه وأكتفت بأن تُغمضها محاولةً النوم.
يُوسف قبَّل رأسها القريب و المُغطى بحريرها الأسود ووضع يده اليمنى خلف ظهرها. هذا القُرب الحميمي يجعلُ قلبها يقشعر بينما يُسلِّم يُوسف لحياةٍ سماوية يصفى بها باله حتى ينام.
،
ليل أسطنبُول المضطرب ، دخَل بعد أن تركها طيلة اليوم ، تنهَّد ليشتت أنظاره بإتساع الشقة التي تحتضنهم ، لم يراها ! أتسعت محاجره ليطرق باب الحمام كثيرًا حتى فتحه ولم يشاهد أثرًا لها ، كاد يجن جنُونه ! أين ذهبت في هذه الساعة ؟ وكيف تذهب ؟ توعَّدها بغضب كبير وهو يخرج هاتفه . .
،
تُريد ان تكسر خاطره فقامت بتعقيد حاجبيْها برقَّة مُبيِّنة حزنها الكاذب : أرجوك
بضحكة : لم أتوقع أنَّ نساء الرياض محتالات
أفنان : عفوًا ولكنِني من الدمام
جاك ضحك ليُردف : أين تقع هذه ايضًا ؟ توقعت أن الرياض هي التي ترسل فتياتها فقط
أفنان : المنطقة الشرقية
جاك : حسنًا
أفنان : ماذا بالنسبة للخروج ؟
جاك بضحكة عميقة : لا مرفوض
أفنان : أرجوك أُريد الذهاب لباريس نهاية هذا الأسبوع ، عائلتي هناك
جاك ينظرُ لنواف الخارج من المصعد : نِوَاف
لم ينتبه لأفنان التي تُعطيه ظهرها : هل تسمع بأن تأخذ مامدموزيل أفنان إجازة ؟
نواف ألتفت عليها : تبين إجازة ؟
أفنان : إيه بس الجمعة عشان الخميس بروح باريس أهلي هناك
نواف بفضُول لام نفسه عليه كثيرًا : قصدك زوجك ؟
أفنان أرتبكت : هاا !! لا لا بس بنات عمي
نواف بتوتر ودّ لو لم يتكلم : إيه خلاص
،
الساعة تُشير للرابعة فجرًا ، لم ينام بعد . . نظر إليْها وهي تتقلب وكأنها تواجه شيئًا ، أقترب منها : الجوهرة !
لا تردُ عليه وأتضح أنها صحَت ولكن لم تفتح عيناها ، غطت وجهها بكلتا كفيْها لتجهش ببكائها.
سلطان ويده على رأسها : بسم الله عليك .. قومي صلي لك ركعتين
لا تُجيبه بشيء سوَى بكائها ، شعرت بأنها تُقطَّع أنصافًا ، بأنَّ شيئًا أثقل عليْها وهي ترى والدها يمُوت في الحلم ، إن ذهب من سيقى ليقف معها ؟ إلا الموت ! لا شيء يجعلنا أقوياء أمامه ، هذا الموت الذِي يأخذُ أحبابنًا تباعًا يقتلنِي قبل أن يأخذهم ، يقتلُ قلبي الذِي أعتاد عليهم. شعرت بالإنهيار من فكرة أن والدها يمُوت.
سلطان : تعوَّذي من الشيطان ..
الجوهرة أبعدت كفوفها ووجهها يتبلل بدمعها ، بعينٍ مُحمَّرة مختنقة بالدمع نظرت إليْه وسُرعان ما أبعدتها.
سلطان عقد حاجبيْه : أقري أذكارك قبل لا تنامين
الجوهرة أستعدلت وجلست لتُخفض نظرها ودمعُها ينسابْ بهدُوء ، سلطان أقترب أكثر حتى شعر بأنَّ أنفاسه هي أنفاسُها . .
↚
أقتربْ حتى شعر بأنَّ أنفاسها هي أنفاسُه ، أقترب حتى شعر بقسوةِ دقات قلبها على صدرِها الرقيق ، أقترب حتى تلاشى كبريائُه وضاع ! ضاعت نظراتُه بعينيْها التي تُضيء بالدمع ، مرَّر كفِه على خدِها و بعينِه حديثٌ طويل ، من ذا الذِي يشرحُ ثرثرةُ الحواس ؟ من ذا الذِي يسمعُ الصوت بعد قطعِ اللسان ؟ عتبٌ ألتحم بأهدابِه حتى أكثَرَ مِن لومِ نفسه ، أنا أعترف بقسوتِي ، بقهري ، بتسلطي ، بصفاتٍ سيئة كثيرة لا تُحصى ، أعترف بكل هذا ولستُ فخُور ، ولكن ماذنبي ؟ ماذنبي بأن أنتظِر العُمر كله حتى أُصفع هكذا ؟ ماذنبي بأن أحلم بالإستقرار والعائلة كأيْ شخص وأُكسَر من البداية ؟ ماذنبِي بكُل هذا ؟ منذُ أول لحظة وقعت عينايْ عليك بمنشفتِك البيضاء ؟ منذُ اول لحظة رأيتُكِ بها وقررت تجاهلك وأنتِ تُفتتين عقلي ، تحضُرين بقمةِ إنشغالي ؟ ماذنبي من كل هذا ؟ لا تُخبريني بأن الجميع يعفُو ويسامح ؟ لا تطلبي من رجُلٍ عاش حياته يتعذبُ من فُقدٍ لفُقد ؟ لا تطلبِي من رجُلٍ قضَى شبابه في الصحراء يتدربُ بأقسى التدريبات على يدِ شخصٍ أيضًا فقدتُه ؟ لا تطلبِي من شخصٍ لا يستطيع أن يُحافظ على أحد أن يعفُو ويسامح ؟ أنا حتى نفسِي لا أُسامحها ! أنا قاسي أعترف بهذا ! قاسي حتى على نفسِي حين توَّد شي ؟ لو يضعُوني بمنطقة بين الجنة والنار ويُخيِّروني !!! لن تُدركين معنى الألم وأنا أسيرُ للجحيم حتى أُرضي عقلي !! لم أُعير قلبي يومًا إهتمام ! ولن أُعيره مهما حدث حتى لو كان لأجلك ! إذا عمك سلب مِنك عُذريتك التي كانت من حقِي أنا ! أنا وحدِي يالجوهرة! فالحياة سلبت منِّي كل شيء ! كل شيء تتصورينه ، سأعفُو بحالةٍ واحدة ، حين أصفعُ نفسِي وأجعلك تذهبين لشخص يحسبُني أول و آخرُ الرجال في حياتِك. أنا على أوجِ إستعداد بأن أصفع نفسي وقريبًا جدًا إن لم يغدُر بي أحدٌ ويُسقطني.
نظرت له وفهمتُ العتب الذي حقن محاجره ، فهمتُه وتعرفُه جيدًا ، هو أول شخص فهمها حين غرقت على صدرِه وبكت من شدةِ ألمها ، ألمُها الذِي كان بسبب أن أحدًا بعد كل هذه السنين يقرأ عيناها. بكتْ بشدَّة بعد أن أخفضت نظرُها للمرةِ الثانية وهي تهمس بصوتٍ مُتقطع : أحس فيك ، أحس بوجعك .. و أنا موجوعة أكثر منك ...
رفعت عينها بشتات لتُكمل : ليه تعذب نفسك وتعذبني معاك ؟ أقسم لك برب هالروح أنك تكااابر وتقسى على نفسك يا سلطان !!
بحدَّة : أقسى ؟ وأنتِ عُمرك فهمتيني ؟ صعب صعب كثير أني أتعامل بهالسهولة اللي تبينها .. صعب عليّ لأني مااقبلها على غيري ولا راح أقبل على نفسي
أنفجرت بغضب لتصرخ : تقبل بأيش ؟ أنا وش ؟ الله كرَّمني بأي حق ترخصني !! بأي حق ؟؟؟ كافي إهانات كافييي ... كافي منك لله يا سلطان .. منك لله وش هالقساوة !! غيرك كان ينتظرني قبلك !! أعدد لك كم شخص تقدَّم ليْ ! أنت تعرف أني عمري ما كنت بقايا أحد !! إذا أنت تشوف فيني النقص هذا عقلك ماهو أنا ، ماهو برضاي رحت له .. ماهو برضاي ومالك حق تحاسبني كأني خنتك ! مالك حق أبد .. أتركني وبتشوف من بعدِك كم شخص يطلب رضايْ . .
لم تُكمل من صفعةٍ حادة جرحت خدُها الناعم ، أردف بصوتٍ هادىء مقهور وهو يتملكُ ذقنها بأصابعه : تعرفين شي !! لو أني أتجاهل أخلاقي كان علِّمتك كيف كم شخص من بعدِي يطلب رضاك !! كان علِّمتك الرخص على أصوله ... ماهو أنا اللي ترمين بلاَك ومصايبك عليه ، تحمَّلي اليوم اللي وافقتي فيه عليّ تحمليه يالجوهرة ... أبتعد للجهةِ الأخرى من السرير.
أبتعدت وهي تسيرُ بخطواتٍ سريعة للحمام ، أغلقت الباب وهي تضع ظهرها على الباب وتجلس ببكاءٍ عميق. كم من إهانةٍ يجب أن يتحمَّل قلبُها ؟ لِمَ أحببتك ؟ لِمَ ؟ أنت لا تستحقني ! لا تستحق والله بأن أُحبك !!!
مسك هاتفه وأغلقه ، أخذ تنهيدة طويلة وأفكاره تصطدم من جديد ، نظر بإتجاه الحمام ، يسمعُ أنينها وبكائها المُزعج لروحه. أتجه للدولاب ، غيَّر ملابِسه ليردتي زيُّ العسكرية ، أخرج سلاحه ووضعه بمكانه المخصص على خصرِه ، ترك هاتفه وخرج في ساعاتٍ هدأت بها شوارعُ الرياض الصاخبة.
،
يلتفتُ بكل جهةٍ بالغُرفة ، بصوتٍ مُنادي حاد : رييييم !! .. لم يجِد إلا صداه الذِي حفَر في باله فكرةٌ وحيدة ، كل النساء خائنات حتى يُثبتن عفتهُن ، كل النساء متساويات بقدرِ الخيانة ، كل النساء لا يصلحن للحُب ، جميعهُم مُستغلات كاذبات كيدهُن عظيم وصدق قولُ ربي. أخرج هاتفه وبأولِ رقم ضغطه ألتفت للباب الذِي يُفتح ، أتجه نحوها بغضب جعلها تتراجع للخلف بخوف حتى أصطدم ظهرُها بحافةِ الباب.
ريان يُمسكها من زندها ليحفر أصابعه : وين كنتِ ؟
بملامحها الشاحبة وعينيْها المُحمَّرة ضاع حديثُها من التوتر والربكة. أخذت شهيقًا ونست زفيرُها معلقًا في عينِ ريَّان الذِي سلبْ أنفاسها بغضبه.
ريان صرخ : وين كنتِ ؟
ريم بتأتأة : أأ .. تصلُوا عـ
ريَّان بحدَّة : أتصلوا ؟ مين اللي أتصلوا إن شاء الله
ريم بلعت ريقها لتسيل دمعة على خدها : الريسبشن مقدرت أتفاهم معهم فأضطريت أنزل .. أخرجت من جيبِ جاكيتها محفظته .. نسيتها وكلموني بس مافهمت عليهم
ريان ترك ذراعُها ليأخذ محفظته التي لم ينتبه لضياعها حتَى ، رفع حاجبه : ثاني مرة ما تطلعين بدُون إستئذان !!
ريم أخفظت بصرها لتسيل دمُوعها بصمت ،
ريَّان تجاهلها ليجلس على الكُرسي ، دقائِق طويلة مرَّت على وقوفها وجلُوسه ، صمت وهدُوء مزعج يهرول بينهُما.
رفع عينه لها وبنبرة هادئة : أجلسي
وكأنَّ هذه الكلمة سكبت الزيتُ على النار حتى فاضت ملامحُها بالدمُوع وبالبلل. يطلبُ مني بهدُوء كأنهُ لم يصرخ للتو ! أيّ تناقُض تعيشه ؟ أيّ ألم يحفُر بيْ !! تحطمت احلامِي في مهدها ، لم تُطيل رفرفتها الزهريَة أمامي ، ناحت وأنت يا ريَّان سببُ حُزنها.
ريَّان : رييم ... أجلسي
على طرفِ الأريكة جلست دُون أن تنظر إليْه ، وهي تتشابكُ بأصابعها وفرقعتها تحكي شيئًا واحِد : وَجَع.
ريَّان : ماهو قصدِي بس لما دخلت ومالقيتك عصَّبت ..
ريم بصوتٍ مُتقطع : أبغى أرجع الرياض
ريَّان تنهَّد : طيب .. بقدِّم حجزنا .. هاليومين إن شاء الله
،
أستيقظ على صخبٍ وربكة خارج غُرفته ، نظر للساعة التي تُشير للثامنة والنصف صباحًا بتوقيت باريس ، تنهَّد و فتح الباب ليسمع صوتٍ مُبتهج : سبرااايز
رفع حاجبه بإستغرابٍ شديد وهو ينظرُ لترتيب الصالة الغير مُعتاد والأشياء الكثيرة المُتغيِّرة في الشقة ، إبتداءً باللوحات الزيتية المُعلَّقة إنتهاءً بالأرائِك.
أثير بإبتسامة : الليلة راح نحتفل يا زوجي العزيز
ضحك بسُخرية : سجليها بالتاريخ الزوجة هي اللي تحتفل
أثير عقدت حاجبها : لا والله ؟ يعني أطلع ؟
عبدالعزيز مُتجهًا للحمام : طلعي هاللي جايبتهم !!
أثير تنهَّدت وهي تخرج من محفظتها نقُود للعاملين ، دقائِق حتى أغلقت باب الشقة ونظرت نظرة أخيرة للمكان الذِي بدأ أكثرُ بهجة بألوانٍ دافئة. فهي لا تقبَل بمكانٍ كئيب ، أهتم كثيرًا بنفسيتي وبمزاجِي الذِي ينظرُ للمكان. ويجب أن أهيء عيني لرؤية ألوانٍ تُساعد على الإسترخاء والهدُوء. طبيعي أنّ رتيل ستخطف هدُوئي هذه الأيام.
خرج من الحمام وهو يضع المنشفة الصغيرة على وجهه : من الحين بديتي التسلط ؟ كان أستأذنتي ؟
أثير بدلع : لو مثلا أستأذنت بترفض ؟
أبعد المنشفة ليبتسم : لا
أثير : هههههههههههههههههههه خلاص أجل
عبدالعزيز جلس بخمُول على الأريكة الجديدة ليتألمُ ظهره : هذي شكلها من كذبتي
أثير رفعت حاجبها بحدة : عززووووز !! أنت ما تلاحظ أنك كل ما قلت لي كلمة حلوة قمت وتطنزت عليها !
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههه شفتِي هذا دليل مافيه ثقة مُتبادلة
أثير تنهَّدت : طيب الشرهة ماهي عليك ! الشرهة عليّ أنا
عبدالعزيز وهو ينظرُ للبسها من أقدامها حتى رأسها : قولي لي بس أنك طالعة بهاللبس ؟
أثير تكتفت : بنبدأ هالموَّال !!
عبدالعزيز بغضب : قلت لك مليون مرررة هاللبس ماتلبسينه معيي!! عيشي مصخرتك بعيد عني ماهو معي
أثير بحدة : أولاً لا تعلي صوتك عليْ ! ثانيًا تقدر توصِّل المعلومة بأسلوب أهدأ .. وبعدين كنت لابسة جاكيتي
عبدالعزيز : الكلام معك ضايع ! بس جربي تلبسين هالأشياء مرة ثانية اللي تخليني أتقزز من نفسي حتى والله يا أثير لأحرقها قدامك
أثير بقهر : تعرف شي ! أنا رايحة
عبدالعزيز ينظرُ إليْها ببرود : ماراح أقولك أجلسي
أثير ضحكت من دهشتها : لا والله !! ما تقصِّر يجي منك أكثر
عبدالعزيز بإبتسامة واسعة : هذا اللي عندِي ... كسرتي لي ظهري بهالكنبة !
وقف ليتكلم بجديَّة : أثير هاللبس أنسيه .. أحرقيه .. سوِّي فيه اللي تبينه .. وشعرك صدقيني أنا داري أنه طويل ماله داعي كل يوم فاتحته ! ولاحظي أني للحين مافرضت عليك الحجاب ..
أثير : ليه ناوي تفرضه بعد ؟
عبدالعزيز بضحكة :أنا أحاول أتدرَّج لك بالأحكام إقتداءً بالإسلام أحرِّم عليك الأشياء شوي شوي ..
أثير عضت شفتِها : صاحي ومروِّق وجاهز للطنازة
عبدالعزيز : أكيد بروِّق يا روحي دام أشوفك
أثير وجنَّ جنونها : عزووز ! لا تتمصخر
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب جايبة شي آكله ؟
أثير : لأ
عبدالعزيز : صار لك قرن تجيبين لي كل يوم وأكون ماني مشتهي ويوم أشتهيت يالبخيلة ماجبتي شي معك !
أثير بتمعُن شديد وكأنها تكتشفُ أمرًا : هالرواقة مو لله !
عبدالعزيز أبتسم : كذا من الله مستانس ولا حاسدتني على فرحتي بعد
أثير : على العموم جايبة فطور
عبدالعزيز أقترب منها ليطبع قُبلة رقيقة على خدها : شُكرًا
أثير بإبتسامة : وش سويت بالشغل أمس ؟
عبدالعزيز : عال العال
أثير وكأنها تُريد أن تعرف أمرًا : وبعد ؟
عبدالعزيز وهو يسكبُ له من الحليب : وش بعد !
أثير : قلت لك أني شفت حرم سيادتِك بالطريق أمس
عبدالعزيز : والله !! بشري أمك
أثير تجلسُ امامه : جد ماأمزح
عبدالعزيز بلامُبالاة : عسى ما هفتك كفّ
أثير : يا ثقل دمِك
عبدالعزيز رفع عينه : مدري عنك ! يعني وش أسوي طيب ؟ هم ساكنين بنهاية الشارع أكيد بتلتقين معها كثير
أثير بهدُوء : متزوجها برضاك ؟
عبدالعزيز بسخرية : عطوني كف وأجبروني
أثير بسخرية أكثر : لأن واضح الحُب ماشاء الله
عبدالعزيز بضحكة عميقة : أنا ورتيل بيننا تفاهم من نوع خاص
أثير بشماتة : الله يحفظ لك هالتفاهم
عبدالعزيز مستغرق بأكله : بيني وبينك تراها تنحَّب حاولي تصادقينها
أثير بغضب : كمِّل أكلك
عبدالعزيز بجديَّة : وش سالفة حفلة الليلة ؟
أثير تُقلد صوته : أنا يا أثير أبغاك تسكنين معي
عبدالعزيز يُغلظ صوته : وأنا يا أثير غيَّرت رايي
أثير أخذت الفطيرة لتحشُرها بفمِه وتتعالى ضحكات عبدالعزيز التي غصَّت ، بلع لقمته ليُردف : جوكينق يا شيخة
عند الباب ترتدِي معطفها : روِّق يا حبيبي زي ماتبي وتحمَّل ضرايب هالرواقة
عبدالعزيز : خلاص الليلة موعدنا ...
أثير : الليلة بس راح نعلن زاوجنا بشكل رسمي لكن مسألة أني أسكن عندك أنتظر أسبوع لأن عندي شغل
عبدالعزيز : شغل وشو ؟
أثير : مايهمك
عبدالعزيز كحّ ليُردف : نقانق يا مال ... أستغفر الله بس
أثير ضحكت من ملامحه المتقززة وبخبث : نسيت عقدة الهوت دوق !! يالله هني وعافية حبيبي .. وخرجت.
عبدالعزيز بأكمله مُتقرف ، شرب الماء دفعةٌ واحِدة حتى يذهب طعمُها الذِي يكره.
،
يسمعُ للخطط التي يشعرُ بفشلها لحظة وبنجاحها لحظات ، يُمعن النظر بعينِ والده الذِي يُحب مهما فعل ، مهما قال يبقى أبيه الذِي يعشقه ولا يتحملُ فُقده ، مهما كرَه ما فعَل يُحب قلبه وهذا يكفِي بالنسبة له.
كم من مرَّة يجب أن نُضحِي ؟ كم من مرَّة يجب أن نندم يا أبِي أننا ننتمي لبعض ؟ كم من مرَّة ؟ لستُ أتمنى أبٌ غيرك ولكن أتمنى صفات من غيرك بِك. أنا أعرفُ جيدًا نهايتُك ونهايتي لكن كيف أتحملُ الحياة دُونك ؟ أو كيف تتحملُ الحياة دُوني ؟ نحنُ الذِين نحب بعض بأكثرِ من رابِط أبٍ وأبنه ، أكثر بكثير من هذا المعنى أنا أشعرُ بأن لا أحِد على هذه الحياة يستحقُ التضحية من أجله سواك ومن ثُم التي سلبت قلبي ، لا أحد سواكُما. أعرفُ كيف تشتُمني كثيرًا وأنت تقصدُ " أحبك كثيرًا " أعرف والله يا أبِي كيف هي أفعالُك الحانية وأقوالك المُعادية ، أفهمُك وأفهمُ تسلطك وخوفك. لكن من حقِي أن تقف معي بهذا الحُب.
رائِد بنبرةِ وعيد لأحدِ رجاله : بالأشياء هذِي ماعندي ولدي ولا أبوي ! أحد يغدر فيني أغدر فيه لو كان قطعة من روحي .. أذبحه وأتلذذ بذبحه بعد
فارس بلع ريقه ، لا يرضى بأن يكُون والده في محل إستغفال مهما فعل يبقى والده الذِي لا يرضى عليه بشيء ، هل يُخبره ، أن يقُول له ما يعرف ! كيف يُخبره ؟ هل يبدأ بسردِ ما يعرفُ عن عبدالعزيز أو عن عملِ عبدالرحمن أو عن خططهم. تبقى مكانة والِده تفُوق عبير بعدةِ درجات ولن يستطيع أن يكُون بين ناريْن.
ألتفت لإبنه مُبتسمًا : وش تفكر فيه ؟
فارس بإبتسامة : الحرية
ضحك ليُردف : أفآآ !!
فارس أقترب ليجلس أمامه : يبه .. خاطري أقولك شي من زمان
رائِد أشار للجميع بأن يخرُج لينظُر بنظرةِ الأم الحنُونة على إبنها : وشو ؟
فارس : ما تحلم أني أكوِّن أسرة وأتزوج وأعيش حالي حال الناس
رائِد بصمت مُهيب ، ينظرُ إليْه دُون أن ينطق حرفًا ، يضيعُ هو الآخر بحديثِ إبنه.
فارس بتوتر : يضايقك ؟
رائد : لا ! بس هالفترة مستحيل هالشي
فارس بتنهيدة : إلى متى ؟
رائد : بنستقر هنا ونعيش هنا وبعدها تقدر تتزوج وتكوِّن حياتك
فارس بعُمق ألمه : ليه تكذب عليّ ؟ تقولها وكأنك راضي ! أنت مستحيل يا يبه تخليني أنسلخ بحياتي عنك
رائد بحدة : إيه صحيح ! مستحيل ودامه مستحيل لا عاد تفتح الموضوع
فارس عقد حاجبيْه بهدُوء : تبيني أموت ؟ وش تبي نهايتي بالضبط ؟ قولي عشان ماأحلم كثيير
رائد بغضب : لا تحلم بشي !!
فارس وقف ليصفع ضمير والده : طييب !! ... بفكِر بأي طريقة راح أموت وأوعدك ماراح أخيِّب ظنك في الموت زي ماتبي يا يبه ... بموت بطريقة بطولية تليق بإسمك
رائد تنهَّد ليُردف : أطلع برااا
فارس عض شفتِه السُفلى : من حياتك ؟
رائد بصرخة : فاااااااااارس !! أنتبه لحكيْك معي لا يجيك شي عمرك ماشفته
فارس أنحنى لهاتفه ليُخرج الشريحة أمام والده مُعلنًا التمرُد : تجسسك عليّ ماعاد ينفع معي ! أنا كبرت !!! أفهم شي واحد أني كبرت وأنه من حقي أعيش زي ماابي ماهو زي ماأنت تبي !
رائِد ينظرُ إليْه بصمت وكأنه يُفكر بشيء يُثير فزع فارس هذه اللحظات.
فارس : ماطلبت منك شي كبير ! حياتي يا يبه
رائِد : وش تبي بالضبط ؟ تبي فلوس ؟
فارس : لا .. أبي أكون حُر
رائد : وأنت مسجون ولا عبد عند أحد
فارس : إيه مسجون !! شخص ينجبر يجلس في غرفته زي المعتقل أكيد مسجون
رائد : كله يا غبي لمصلحتك !!
فارس : ما تخاف عليّ ؟ ما تخاف أحد يوجعني زي ما توجع خلق الله ؟
رائِد بغضب كبير : ومين آذيت إن شاء الله ؟ أنت أصلا ماتعرف وش صاير وجايْ تحكم !! مخك يا حبيبي توَّه
فارس بهدُوء ألتفت ليأخذ معطفه : تعرف يا يبه مهما سويت أني بكون يمينك وبشيلك على راسي لكن لمرَّة وحدة أصلح حالنا
،
صخب المُنبه بجانبهم مُعلنًا على وقُوف عقربه عند الساعة الحادية عشر ظهرًا بتوقيت الرياض. ألتفت ليُطفئه ، نظر لهاتفه ليتعرجُ جبينه بلوم ، تأخر على دوامه كثيرًا. أخذ نفس عميق ونظر لمُهرة الغارقة بنومها على صدره ، سحب يدِه ببطء ، شعر أنها تصلَّبت ، حرَّكها كثيرًا وهو يحاول أن ينشِّط دورته الدموية ، ردّ على هاتفه الذِي أهتز بصوتٍ ناعس : هلا منصور .... لا جاي الحين ... بس مسافة الطريق .. وأغلقه. مُتجهًا للحمام. مرَّت الدقائِق الخافتة حتى أكملت الحاديةُ عشر ونصف. واقف أمام المرآة يُعدِّل من – نسفة – شماغه. أتجه نحوها ليأخذ هاتفه ومحفظته ويرتدِي ساعته ، أنحنى وقبَّل جبينها. على وقعِ قُبلاتِه رمشت.
بإبتسامة : صباح الخير
مُهرة أستغرقت ثواني طويلة حتى تستيقظ فعليًا وتستوعب ، نظرت إليْه وعيناها تضحكُ بشروق الشمسِ المُتأخر بالنسبة لها : صباح النور
يُوسف أبتعد مُتجهًا للباب : عطي الفطور وجه ماهو زي العادَّة
ضحكت لتُردف : إن شاء الله
،
منذُ الفجِر وهو يتسلقْ حتى أنهك جسدِه وأرهقه بتدريباتٍ قاسية، أراد أن يُعاقب نفسه ويُعاقب جسدِه الذِي أمتنع عن عناقها من أجل الكرامة وتلك الأشياء التافهة التي جعلت نصف من عشقُوا يفترقُون ، لو لا وجود للغيرة ، للكرامة ، لعزة النفس كان سهلٌ علينا أن نتخطى جراحُنا ولكن كرَّمنا الله بالغيرة التي مهما كانت فهي تُجمِّلنا وتجمع كلانا بنصفه المفقود.
تنهَّد وهو ينظرُ لأحمد الآتي إليْه : صباح الخير طال عُمرك
سلطان : صباح النور
أحمد : حطيت الأوراق اللي طلبتها على مكتبك ؟ بتكمِّل تدريب ولا بتجي تشوفهم الحين
سلطان بعد صمتٍ لثواني : شوي وجايْ
أحمد أكتفى بالصمت وأنسحب من المكان.
مسح وجهه المُتعرق بكفُوفه ليتسلق آخر بُرج بلا حبال وكأنهُ يتحدَى نفسِه من يسبُق الرُوح إلى الموت ؟ هل الجسد يستسلم قبل أم روحه ؟ ياللأفكار الموبوءة التي تتسلطُ عليه في يومٍ كهذا. وقف في مُنتصفه ليجلس بتعب وإرهاق ، لم يُريد ضربها ، ليت هذه اليد تُقطع قبل أن تُمَّد عليْها. ياللسخرية! أنا الذي كُنت أنظر بإزدراء لكُل رجل يمدُ يده على أنثى ، أنا الذِي كُنت أستحقر الرجال وأضعهم في تصنيف أشباه الرجال في كل لحظة يضربون بها الإناث ! أنا الذِي كانت قناعاتِي ثابتة لم أكتفِي بضربها بل حرقتها !
أخذ تنهيدة طويلة ليتمتم : حسبي الله ونعم الوكيل
،
سلَّم من سُنةِ الظُهر ، أخذ نفسًا عميقًا ليغرق بتفكِيره الذِي لم يهدأ منذُ تلك الليلة ، ماذا سيحصلُ مع تُركي ؟ يكره أن يرى إبنه وأخيه الآخر بهذه الصُورة ؟ لا يعرفُ ماهو الأصَّح ؟ العقاب أم العفُو ؟ لا يعرفُ أبدًا كيف يغفرُ لتُركي أو حتى يحاول أن يجعلُ منه رجلاً صالح كالسابق وهو أعتدى على عرضِه ولولا ستر الله لكانت فضيحتهُم تُجلجل هذا المُجتمع هذا غيرُ إسم عبدالرحمن المُتصل بنا دائِمًا. أستخار كثيرًا ليطلبُ من الله المعونة ، أن يُريه الحق ، يُريد أن يستشير أحد ولكن لا يستطيع ؟ كيف يُخبر أحدهُم ما حدث ؟ لو أخبر عبدالرحمن ماذا سيفعل ؟ لن يُسامح نفسه بالتأكيد وسيشعر بأنه مُذنب ، لا يتحمَل عبدالرحمن كل هذا ! يكفيه الهمُ الذِي يحمله على أكتافه ؟ من يُقدم لي المشورة ! أنا أفلست والله من كل شيء ومن كل هذه السنوات التي مرَّت. لا أجِدُ ملاذًا غيرُك يالله فساعدني.
مسك هاتفه ليرسُل رسالة لـ سلطان " محتاج أشوفك يا بوبدر "
،
نظرت لسقفِ غُرفتها لدقائِقٍ طويلة حتى صخبت مسامعُها بصوتها : يالله تحرِّكي نبي نطلع
عبير ألتفتت مُستعدلة بجلستها و تفرقع فقراتُ ظهرها : مالي خلق
رتيل وهي ترتدِي جاكيتها : ليه ؟ لاحقة على النكد بالرياض !!
عبير تتأملُ عين رتيل لتسرحُ بعينِ الذي رأتهُ أمس ، تلاقت نظراتُهم وأرتعش قلبُها ، شعَرت به ، بشيءٍ يربطهُم ولكن من المستحيل أن يكُون هو ؟ من المستحيل أن يظهر ليْ بهذه البساطة! ليتهُ كان هو حتى أُفكِر بهذا المنظرُ دائِمًا.
ضحكت لتُردف : عاد أدري أنه عيوني فتنة بس عاد مو لهالدرجة
عبير بضحكة رمت عليها الوسادة : مصدقة نفسك
رتيل كانت ستتكلم لولا دخُول والدها وضي ، ضي : صباح الخييير
عبير ولأولِ مرَّة تردُ عليها : صباح النور
عبدالرحمن : هذا وأنتوا نايميين بدري قمتوا متأخر
رتيل وهي تجلس لترتدِي حذائُها : مصحيتها من ساعة بس جالسة تتأمل هالدنيا اللي أشقتها *أردفت كلمتها الأخيرة بسخرية شديدة*
عبدالرحمن بضحكة : طيب يا ستِّي وين ودِّك تروحين اليوم ؟
رتيل رفعت عينها بإبتسامة : وين ماتبي !
عبدالرحمن بمثل إبتسامتها : نروح بروحنا ؟
رتيل عقدت حاجبيْها : أيه !! كأني عرفت السالفة
عبدالرحمن بضحكة عميقة : ههههههههههههههههههههههههههه تفهمينها وهي طايرة ، قومي دامك جاهزة *مدَّ يده لها*
مسكت يدُه ووقفت : لا بروح معهم.
عبدالرحمن : طيب بسولف معك بشوي إذا ماعجبك الوضع رجعنا
رتيل تنهَّدت ليخرجَا من الغُرفة مُتجهين للمصاعد الكهربائية : عز يبي يشوفك
ألتزمت الصمت لم تنطق كلمة مازال والدِي يُمارس سطوتِه وإذلاله ليْ من أجل " عِز ".
عبدالرحمن : أنا عارف وش تفكرين فيه ، ماراح أجبرك على شي ، بس أتركيه يشرح لك وجهة نظره .. يعني عطيه شوي من وقتك
رتيل بجديَّة حادَّة : ماراح تجبرني !! أنت يا يبه حتى بطلبك هذا تجبرني بطريقة غير مباشرة ! يعني طلعتني من الغرفة عشان تقولي معناها أخذت موافقتي بالجيب !
عبدالرحمن بضيق : لا تفكرين بهالطريقة ، أنا بنفسي قلت له إذا رتيل مهي موافقة ماراح تشوفها
رتِيل : يبه الله يخليك قدِّرني شوي ! ماني رخيصة لهدرجة عاد عشان توافق له
أنفتح المصعد ليخرجَا مُتجهين للخارج حيثُ هواءُ باريس يُجمِّد أطرافهم ، أردف : هذا هو
ألتفتت رتيل لتلتقي عينها بعينه ، أخذت نفسًا عميقًا لتشعُر بحماسةِ يدِها بأن تصفعه ، : يعني يبه وش بيتكلم معي فيه ؟
عبدالرحمن بإبتسامة عتب : زوجك يا بعد الدنيا
رتيل ضحكت بسُخرية على حالها : إيوا صح زين ذكرتني بغيت أنسى
أقترب عبدالعزيز منهم على وقع ضحكتها الساخرة/الموجعة.
عبدالرحمن : لا تتأخرون ، ومرِّني الساعة 6 نشوف شغلنا
عبدالعزيز : إن شاء الله
تلاشى بوسعود من أمامهم ليلتفت عبدالعزيز لها : وين تبينا نروح ؟
رتيل تفيضُ قهر بهذه اللحظات ، لوَت فمِها مُعبِّرة عن ضيقها : أنت وين تبي توديني ؟
عبدالعزيز بإبتسامة : لأي مكان تبينه
رتيل : آهآآ !! طيب .. ودني لو لجهنم
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههه للجنة يا قلبي
رتيل سارت مُتجاهلته ، أدخل يديْه بجيُوبه : تبينا نحكي من بداية الموضوع
رتيل بسخرية : إيه أحكي لي عن الفيلم الهندي
عبدالعزيز يُجاريها : هذا الله يسلمك مرة وحدة قليلة حيا
ألتفتت عليه بغضب ليُردف : طيب أنا قلت رتيل سبحان الله اللي على راسه بطحا يحسس عليها
رتيل : جايبني عشان تستفزني .. طيب ... أرادت الرجوع لولا أنه أمسك معصمها : خلاص أسحب كلمتي ، مرَّة وحدة يعني حلوة نص ونص شفتها داخلة غرفتي عاد نحسن النية ماندري وش تسوي بالغرفة يمكن مالقت مكان تصلي فيه وكانت غرفتي قريبة .. أهم شي النية
أبتسمت دُون أن تمنع نفسها من إظهار صفُ أسنانها العليا وبنبرة خبث : الله يعطيك على قد نيتك
عبدالعزيز : أتقي الله
رتيل دُون أن تنظر إليه يُكملا السير على الرصيفُ الذي يضجُ بالخُطَى
عبدالعزيز وهذه الثقة الأنثوية تُدمِر أيْ رجُل : طيب ... أركبي
رتيل نظرت لسيارته وبإندفاع : طبعًا ماراح أركب .. وين بتوديني ؟
عبدالعزيز بضحكة : لا تخافين ماراح أتحرش فيك
رتيل : قذر
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه مقبولة منك
رتيل : وين بنروح ؟
عبدالعزيز : بهالمنطقة ماراح نبعِّد
رتيل ركبت دُون أن تنطق بشيء وهي تختنق من رائحة عطره الذِي تتشبثُ بأجزاءِ السيارة السوداء.
،
وضعت رأسها على صدرِها لتبكِي بوجع وحُزن عميق ، لا شيء سيمنعها من الحديث ، تشعرُ بأنها ستبتلع صوتُها وتنسَى حياتُها في هذا الموت البطيء الذِي تعيشه ، مسحت الأُم على شعرها : خلاص يالجوهرة أهدِي !! حسبي الله على عدوك يا سلطان
الجُوهرة أبتعدت عن حُضنها وبنبرةٍ باكية : حصة أحتاج تساعديني .. تكفين أضغطي عليه لا أنا اللي بفرح ولا هو اللي بينبسط بهالحياة اللي مدري كيف أسميها
حصة : لا تقولين هالحكي ! انا بنفسي بخليه يعتذر لك
الجُوهرة بوجع : مستحيل! أفهميني بس
حصة تُقاطعها : أنتِ اللي أفهميني مفروض ما توقفين حياتك عند أول مشكلة ، أوقفي على حيلك وبتقدرين .. كل مشكلة ولها حل
الجُوهرة : اللي تعتبرينه ولدك ضربني !! اللي خلاك تتطلقين من زوجك عشانه مدّ إيده عليك .. هو بنفسه يمد إيده عليّ
حصة بتشتيت نظراتها لا تعرفُ كيف ترُد عليْها.
الجُوهرة : ما تشوفين أنه ظلم بحقي ؟ هو يبي يقهرني وبس ! ما خاف ربه فيني ولا راح يخاف دامه يتصرف معي كذا .. حصة أفهميني أنا أدري أنك عمته وتخافين عليه وتبين له الحياة السعيدة بس انا مستحيل أوفِّر له هالحياة لأن ما بيننا من الأساس تفاهم .. ما بيننا أي شي من هذا كله
حصَة بضيق : تقدرين يالجوهرة ، أمسحي دمُوعك وإذا ضايقك مرَّة ومرتين لا تستسلمين وتبكين على طول ، إذا قهرك أقهريه ماراح أقولك أسكتي له .. ناقشيه بأيّ شي يفرضه عليك ومنتِ مقتنعة فيه ، ناقشيه يالجوهرة وراح تنحَّل مشاكلكم لكن إذا كل واحد يشيل بنفس الثاني أكيد ماراح تنحَّل أموركم
الجُوهرة : ولد أخوك عقله موقف عند حقبة زمنية ماراح يتعداها
حصة أبتسمت : لهدرجة عاد !!
الجوهرة بقهر : وأكثر !
حصة : طيب يا روحي أنا بكلمه
الجُوهرة بقهر كبير : أحسن قولي له عشان يعرف أني أتشكى عندك .. ماني خايفة
حصة تمسحُ دمُوعها الباقية على خدها : يدري أنك منتِ خايفة ! لا تشيلين في قلبك عليه كثير ..
الجوهرة عقدت حاجبيْها لتُخفض نظرها بدمُوعٍ تنساب بخفَّة : أنا ما أستحقره بس أستحقر نفسي لأني حبيته
حصة : لا لا يالجوهرة لا تقولين هالحكي ... وأكيد هو يحبك
الجُوهرة بلعت ريقها بسُخرية : واضح الحب
حصة : تمسكه فيك كل هالفترة اللي راحت ماهو حُب ؟
الجوهرة : حب تملك لو أني أبشع خلق ربي كشخصية أو كشكل راح يتمسك فيني بس عشان يرضي غروره
حصة تنهَّدت : ماني فاهمة والله ليه كل هالحقد الحين ؟ ماتعوَّدتِك كذا
الجُوهرة : مثل ما تمسَّك بسعاد وأنتِ تقولين أنه ما يحبها !! عنده هوس التملك وبس
برداء اللامُبالاة وكأنَّ عقلُها بدأ بالحِرَاك لتُردف: أنا أصلا ماأعرف ليه أبكي وهو بشغله الحين ولا حتى فكَّر فيني لحظة! سلطان أناني ولا تدافعين عنه لأن أنتِ أكثر وحدة تعرفين بأنانيته
تنهَّدت : ماهو أناني يالجوهرة .. أنتِ اللي قاسية بحكمك
،
في العمل المُضطربة أجوائه بعد نسيان يُوسف لمُراجعة شرطٍ مُهم جعلهُم يؤجلان الإجتماع ليومٍ آخر ، أردف بغضب : خلاص لا تناقشني
يُوسف بهدُوء يفتح أول أزارير ثوبه : يخي خلاص تأجل ما ضرِّنا بشي
والده :أنا أقترح تفصخ الجزمة وترميني فيها بعد
يوسف بضحكة : أفآآ يالغالي أنا أسويها ! قريت العقد أكثر من مرَّة بس كنت مرهق يعني ماركزت حيل
والده : واضح الإرهاق وأنت مقضيها جلسات مع هيفا .. يعني الإرهاق مايطلع الا بالشغل
منصور : ماتدري يبه! بيروح وياها أستانبول *قلد صوته بكلمته الأخيرة*
والده رفع حاجبه : لآ حيَت جدتي إن شاء الله
يوسف ضحك ليُردف : الله يرحمها ويغفر لها ، نبي نغيِّر جو ولا تنسى أني ما سافرت هالسنة كلها وأنت كريم
والده رفع حاجبه : من جدك ؟ وزوجتك ؟
يوسف : بتكلم دكتورتها إذا ما فيه مشاكل تروح معنا وإذا فيه تجلس وبنروح نفلّها أنا وهيفا
والده : لا مافيه ! هيفا تنثبر
يوسف : لا حول ولا قوة الا بالله ! يبه خلها تستانس بكرا تنفجر من الكبت هذا أنا حذرتكم
والده بضحكة عميقة : الكبت لأشكالك
يوسف : تراني أنا أعرفها أكثر منكم وهي تسولف عليّ مبيِّن أنها بتخرب
والده حذف عليه علبة المناديل : قم أطلع لا ترفع ضغطي
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههه أمزح طيب ليه ؟ ترى بحجز وبنحطكم أمام الأمر الواقع
والده : قلت هيفا لا
يوسف تنهَّد : طيب دام لأ ... منصور تخاويني نروح سفرة شباب
والده : خل منصور مع مرته وش تبي بتنشب لهم بعد ؟
يوسف : لو سمحت يبه أتوقع أني عديت السن القانوني
والده بتهديد : شف مين بيعطيك إجازة
يوسف بمُمازحة : لا أنا تزوجت وولي أمري زوجتي
والده نظر إليه بإزدراء ، ليغرق يوسف بضحكته : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه
،
رتَّب أوراقِه بعناية على مكتبِه المنزوي في غُرفته ، أخرج بعض الملفات ليُعيد تقسيم الأوراق التي بها ، رفع نظره لوالدته التي دخلت وبيدِها كُوب الشايْ الدافىء : وهذا الشايْ تريِّح فيه أعصابك
أنحنى وقبَّل ظاهِر كفِّه : يسلم لي هالإيدين
جلست بقُربه : محتاج مساعدة ؟
فيصَل يُغلق الملفات ويضعها بمكتبته التِي تضجُ بالكُتب الفكرِية والعلمية : لا ... وين ريف ؟
والدته : نايمة ...
فيصل نظر لإبتسامة والدته : هذي شكلها إبتسامة الموافقة ؟
والدته : يا واثق ! لا ماكلمتني بس مبسوطة
فيصل : عسى دُوم ..
والدته : يمه فيصل بسألك وش كنت تسوي بباريس مع عمك مقرن ؟
فيصل أخذ نفس عميق وبإبتسامة توتر ليُردف بعد ثواني طويلة : فاجئتيني بالسؤال
والدته : لأن اليوم وأنا أرتب طاحت إيدي على أوراق مافهمتها ! أذكر أنه عمك سلطان العيد الله يرحمه كان هناك .. رحت تعتذر له ؟
فيصل بعد صمت لثواني : إيه كلمته قبل الحادث بأيام ...
والدته : الله يزيدك من فضله ، والله كنت ماأنام وأنا أفكر أنك قطعت علاقتك فيهم كلهم .. انت تدري يايمه هذا قضاء وقدر ومو بس أبوك اللي مات الله يرحمه كثير ماتوا !
فيصل : داري يالغالية أنا كنت ذيك الفترة معصب ونفسيتي تعبانة فأكيد ما قدَّرت الكلام اللي قلته .. الله يخليك سكري هالموضوع يضايقني كثير
والدته أبتسمت : إن شاء الله ، طيب حبيبي شفت المسجد ؟
فيصل : قلت لك بصوَّره بس نسيت .. قلت لهم يروحون يشترون الفرش وخلاص ما بقى شي عسى ربي يتقبله منَّا ويجعله في ميزان حسنات أبوي
والده بإبتسامة لمعت في عينها الدمعة : اللهم آمين
،
خرجتَا لتسيران بهدُوء على الرصِيف المموَّج بالألوانِ التُرابيـة وعلى جانبِه المحلاتْ الخافتة في يومِ عملٍ كهذا اليوم ، لم تطرقَا حوارٍ ما أو يتشابكُ صوتهُما بشيء ، كان الصمت مُخيِّم فوق ألسنتِهم.
قطعتُه ضي : نجلس هنا ؟
عبير دُون أن تجيبها سارت معها للمقهى الذِي في الزاويـة ، جلستَا.
أتى النادل : بُونجوغ
ضي التي فاجئت عبير بلكنتها الفرنسية ، طلبت لها ولعبير وعادُوا لصمتهم المُمل.
عبير : كنتِ فيها من قبل ؟
ضي : قبل الدورة مع أفنان جيتها مرَّة مع أبوك بس من كثر الملل تعلمت كم لغة أمشي حالي فيهم
عبير أطالت نظرُها بعينِ ضي التي سُرعان ما شتتها ، ضي : عبير
رفعت عينها له لتُردف : أنا فاهمة سبب نفورك مني وضيقك .. بس ... يعني اللي بوصله لك . . .
عبير بهدُوء : عفا الله عما سلف ..
ضي أبتسمت : أفهم أنك منتِ شايلة في قلبك ؟
عبير : لا .. أنا كنت متضايقة ذيك الفترة ..
بدأت بطويِ المنديل المُزخرف على الطاولة وهي تُشتت أنظارها عليه : لما تحسين نفسك مكبوتة وماتقدرين تتحركين عشان أشياء مالك علاقة فيها وبعدها تشوفين اللي سلَّط عليك كل هالأشياء يتصرف بحرية .. أكيد بتنفجرين ! سواءً كانت أنتِ أو غيرك أنا ماكنت متحملة هالموضوع ولا قابلة فيه .. لأن أبوي حرمنا من أشياء كثيرة وماهو معناته أني بكون أنانية وأقول هو بعد مفروض يحرم نفسه ... يبقى أبوي لو يذبحني بقول حلاله .. لكن كنت متضايقة من الطريقة نفسها وكيف ما قالنا ! يعني حسيت أننا مالنا أهمية بحياته ..
ضي بنبرة هادئة : اللي كان يحرمه منكم كان يحرمني منه بعد ! كانت تمر أشهر وأنا ماأشوف الشارع وأصلا ماكان عندِي شي يخليني أشوفه .. يعني أنا ماعندي صداقات وماني إجتماعية كثير .. وتمر شهور كثيرة وأنا ماأشوفه من الأساس
رفعت عينها : ماعمري حسيت أنه متزوج كان طول الوقت بشغله أو معانا ! عُمره ما سافر بروحه حتى ! هي مرة ومرتين وشكلها كانت معك
ضي بإبتسامة : شفتِي ؟ هذا دليل أني ماكنت أشوفه كثير ..
عبير : وأهلك ؟ يعني را ..
ضي قاطعتها : ماعندِي ..
عبير عقدت حاجبيْها بإستغراب وقبل أن تُطيل بإستغرابها أكملت ضي : كنت في دار الأيتام
أندهشت حتى أتسعت محاجرها بصدمة كبيرة ، ألتزمت الصمت لا تعليق لديْها
ضي : ماأدري إذا عندي أعمام أو خوال .. يعني ماجاني الفضول أني أبحث بأسماء الناس اللي تنتهي بإسم عايلتنا .. من سن صغير بعد وفاة أبوي صرت في الدار .. وحتى ماأذكر عمي اللي جابني ولا أبي أتذكر
عبير ذهب عقلُها لبعيد ، أخذت نفسْ عميق بعد أن ضاق فُكرها بأنها إبنة غير شرعية. لكن تعوَّذت من شر ظنها السيء
ضي بإبتسامة حُب : وشفت أبوك .. كان جايْ يكفل يتيم يعني بإستقطاع من معاشه .. طبعًا قسم الرجال بعيد لكن كانوا يخلونا إحنا الكبار إذا نبي نتسلى أننا نمسك مكاتبهم وندير ويعلمونا الإدارة وأصولها .. يعني مجرد تسلية يمكن يومين بالأسبوع أو 3 أيام
عبير بشغف : وكيف شفتيه ؟
ضي ضحكت لتُردف : موقف يفشِّل ، كنت بوقتها تعبانة نفسيتي يعني أفكاري كلها أني بموت وخلاص ماأبغى أعيش لأن زميلتي اللي بالدار واللي كنت أقضي وقتي كله معها راحت فكنت مررة وحيدة .. في يوم طلعنا رحلة وهو كان جايْ يمكن بعدها بشهرين .. قمت ورميت نفسي على سيارته عشان أموت
عبير : وبعدها ؟
ضي : جلست بالمستشفى شهر وكانت يوميًا تجيني إخصائية ، مررة خفت يعني أني زين ما مت وكتب عليّ الإنتحار !
أرتعش جسدِها من هذه السيرة لتُردف بضيق : أكثر شي ندمت عليه في حياتي أني لو متّ بهالطريقة ! كنت جبانة كثير وأنا أروح للنار برجلي ! إذا ماتحملت ضيق الدنيا كيف بتحمَّل ضيق القبر وبعدها حرارة النار اللي أكيد مكتوبة لي ومكتوبة على المنتحرين
جاني مرَّة بالمستشفى يوم جاء وقت تغيير المشرفة يعني تروح اللي عندي وتجي وحدة ثانية ، ماكنت منقبة يعني بحجابي ، مع أنه في الدار دايم محاضرات دينية بس ماأستشعرت بحُرمة الكشف ! المهم كلمني لما عرف أني كنت بنتحر ! يمكن حسّ بتأنيب ضمير بصراحة خفت كثير أني مقد كلمت رجَّال بحياتي وقلت له أنه مالك دخل وأني أنا اللي غلطت وآسفة ، المهم راح وبعدها بأسبوع جاني مرة ثانية وبصراحة أبوك عنده طرق بالتحايل فظيعة لأن كان يجيني بوقت مايكون فيه احد عندي وبالقوانين ممنوع وحتى المشرفات مايتركوني لحظة ..
عبير بحماس : وش قالك ؟
ضي بضحكة أحمَّر بها وجهها : طلب يتزوجني بس ماقالها بطريقة مباشرة بس المشرفة كانت تسولف لي .. ماكنت أدري أنه هذا عبدالرحمن آل متعب ، يعني ماعندي علم بهالشي ومررة خفت حتى رفضت حسيته شفقان عليّ .. يوم طلعت من المستشفى جتني المديرة وسولفت معي وأقنعتني بس أقنعتني بطريقة إستغلالية يعني قالت أنتِ من حقك تعيشين ورجَّال زيه ما ينرَّد وأكيد ماتبين تعيشين عمرك كله بالدار .. وافقت وأبوك عجَّل بالزواج .. حطني في شقة وقالي إذا تبين شغالة بس رفضت وكان فيه الحارس تحت .. يعني أمَّن لي كل شي بس طبعا كان قاسي حيل في البداية
عبير بدهشة : أبوي قاسي ؟
ضي : مررة يعني أول شهر ما شفته كثير ومرّ ثاني شهر بدون لا يتكلم معي فخلاني أقتنع أنه شفقان ! بعدها بفترة طويلة جاني وكان تعبان مررة .. ما تكلم معي بأول يوم لكن يوم صحى قام يفضفض ويقول أنه متضايق من نفسه كثير وأنه فيه مشاكل بالشغل ومن هالأشياء .. هالفضفضة خلته قريب مني حيل لدرجة يوميًا صار يجيني ! بعدها بفترة قالي أبيك تتنقبين
عبير : وتنقبتي ؟
ضي : ما فرضه عليّ بس حسيت أنه فعلا يهتم لأمري لما طلب هالشي وغير كذا هو أقنعني بالنقاب يعني قالي ببساطة كل شي تبين تسوينه ومترددة بأنه حلال أو حرام قيسيه على الصحابيات رضوان الله عليهم ! شوفي إذا كانوا بيرضون يطلعون بهالطريقة أو لا ؟ أقتنعت وتنقبت بس فجأة أنقلب ورجع لحدته القديمة
عبير أبتسمت : هذا كله قبل سنة ؟
ضي : وأكثر بعد ..
عبير : ما مليتي يعني بروحك بالشقة مافيه شي ؟
ضي بضحكة : أبوك ما قصَّر كان يعاملني معاملة البزر حتى كنت أبكي لما أشوفه يتصرف كذا
عبير ضحكت لتُردف : وش كان يسوي ؟
ضي : يجيب لي أفلام وكتب بزارين ويقول عشان تتسلين .. وحط لي نت وقال أدخلي أي شي تستمتعين فيه !
أكملت : مرت سنة وبعدها صار أقرب أكثر وقام يحكي لي عنكم ..
بإبتسامة عميقة : كان يقولي كيف رتيل تعذبه بطيشها وكان يحكي لي عنك دايم .. يعني حسيته يقربني منكم بسوالفه .... وبس لين جاء الوقت اللي طلبت منه أنكم تعرفون رغم أنه رفض بس سبحان الله دريتوا وهو كان ناوي يخبركم
عبير : ماحسيتيه أكبر منك ؟ يعني مافيه توافق بالعُمر ؟
ضي : شوفي بالبداية حسيته يعاملني كأني بنته وأقتنتعت بفكرة أني بخليه يعوضني عن أبوي ! يعني ماكنا نتصرف كزوجين ، بس بعدين أنا فعلا حبيته كزوج ماهو كأبو ومجرد شخص عادِي ، العُمر أبد ما يفرق يعني ممكن أحيانا يفرق بس بيني أنا وعبدالرحمن ماحسيت بهالشي ولا تنسين هيئة أبوك وشكله ووظيفته ماتعطيه عمره يعني ممارسته بعد للرياضة وتدريباتهم مخليته شبابي أكثر .. فعشان كذا ماحسيت بفرق هذا غير تفكيره ونظرته للأشياء يعني مررة متزن ويجذبك .. وحسيته يحتويني ، الحب مايعرف عمر والإنسان ماينتهي عمره العاطفي عند سن معين ، يعني يوصل للأربعين ونحرِّم عليه الحب بالعكس الواحد حلو يعيش عُمره ويعيش حُبه
،
كانت حوارتهُم قصيرة هشَّة فاتِرة ، أرتدَى ساعتِه وهو ينظرُ إليْها في وقتٍ كانت تُسرِّح به شَعرُها ، أردف بخفُوت : لقيت حجز الأربعاء بس للدمام
ريم ألتفتت عليْه وبربكة : بتوديني للرياض بعدها ؟
ريَّان : بالويك إند إذا ماعندي شغل رحنا الرياض
ريم بلعت ريقها لتُردف بشتاتِ نظراتها : منت مجبُور يعني ممكن أكلم يوسف ولا منصور ويجوني
ريَّان وقف ليُدخل يدِه بجيُوبه : كيف يعني ؟
ريم : أقصد ..
ريَّان رفع حاجبه : وشو ؟
ريم بتوتر : يعني .. لم تستطع أن تُرتب جملتها في وضعِ رعشاتِ قلبها المُضطربة
أقترب ريَّان منها : أفهم أنك تلمحين للإنفصال !!
ريم وهي لا تستطيع أن ترفعُ نظرها وعينها مُسطلة على صدره : إذا أنت منت مرتاح أنا وش يجلسني ؟
ريَّان : ومين قال أني ماني مرتاح ؟ شكيت لك ؟
ريم أنحرجت : ما شكيت لي بس أفعالك توضِّح
ريَّان بإتزان : كل بداية زواج بتصير مشاكل أكثر من كذا ! هذي حياة جديدة عليّ وعليك أكيد مارااح تبدأ بسهولة
ريم تشابكت أصابعها ونظرُها مازال مُشتت عنه.
ريَّان وضع إصبعه على ذقنها ليرفعه وبإستقرار نظراتِهم : بحاول أغيِّر من مزاجيتي و عصبيتي لكن حاولي تصبرين بس هالفترة
ريم شعرت بأن لا أكسجين بالغرفة وأنَّ أنفاسُها تضيق وتضطرب ، لم ترد ولا تعرفُ بأيّ رد تُجيب.
ريَّان بدافع الرغبة وأهوائِه المُشرَّعة لهُ من الله أقترب حتى ألتصق جبينُها بجبينه ، أغمضتْ عينيْها المُرتبكة وهي تتداخلُ بأنفاسه ، وضعت يديْها الصغيرتيْن على صدرِه الذِي ألتصق بها ، أحاط بذراعه ظهرها حتى قبَّلها ، هي الأحاسيس لا تُشترى ولا تُباع ، هي وحدُها من يرتعشُ القلب في حضُورها دُون أيّ إرادة ، القلب الذِي ينبضُ دُون إرادتنا ويخفتُ بنبضه دُون إرادتنا أيضًا ، شدَّها نحوه ليُقبِّل رأسها ويحتضنها ، لامست صدره وأذنها تسمع ضرباتِ قلبه ، على موسيقى دقاتِه التي تضجُ بصدره دخلت بغيبوبةٍ جعلت دمعُها ينساب على قميصه. تمسكت يدُها بظهره وهي تتذوقُ حلاوةِ حُضنه لأولِ مرَّة.
،
في مكانٍ بعيد عن وسطِ المدينة الصاخب ، وفي حديقة مُنعزلة لا أحدٌ يمرُ بها سوَى بعضُ من يُمارسون الرياضة في هذا الوقت ، كل نصف ساعة يمُر أحدهُم ولكن هذه البساتين الخضراء مُوحشة دُون أحدٍ يسيرُ فوقها. جالِسة بجانبه على الكُرسي الخشبي ، مُتكتفة لا تُعلق على كلامه.
عبدالعزيز يُمثِّل الحزن : مو بإيدي
رتيل : كذاااب
عبدالعزيز : جد أتكلم ! عطفًا على أخلاقك الحلوة اللي ما تسمح لي أتكلم معك
رتيل ألتفتت عليه : آخر واحد يتكلم عن الأخلاق أنت ولا أذكرك وش سويت !! يعني لو بإيدي حرقتك كان حرقتك من زمان !
عبدالعزيز بجدية : اللي غلط من البداية أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بحدة : أنت
عبدالعزيز : يا سلام ! مين اللي جاني وتلفَّظ عليْ ؟ يعني أنا مسكت نفسي كثير إحتراما لأبوك
رتيل ببرود : كثَّر الله خيرك أحترمته مررَّ
عبدالعزيز : هالأشياء كنتِي تسوينها مع اللي يجيبهم أبوك
رتيل شعرت بإنتصار خفيف لتُردف بإبتسامة : على حسب
عبدالعزيز أراد أن يُفجر فيها : قليلة حيا
رتيل : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه مخليه الحيا لك
عبدالعزيز بحدَّة : لو أنك متربيـة ..
قاطعته بغضب : متربية قبل لاأشوف وجهك ! وأريِّحك أبوي أصلا ماكان يجيب ناس عنده كثير ! هم ينعدُّون على الأصابع وماكانوا ينامون عندنا يعني يجون فترة ويروحون وماأعرفهم ولا قد شفتهم
عبدالعزيز ابتسم : تعلمي ماتكذبين مرة ثانية
رتيل وقفت :أنت جايبني عشان ترفع ضغطي !! ..
أجلسها لتسحب يدِها بعصبية : خلصت كلامك ؟ دريت أنك أنت ماشاء الله اللي مالك ذنب بالموضوع وأني أنا الغلطانة
مرَّت شقراء راكِضة بشُورت ضيِّق ، ليُردف : بالله ماهي صاروخ ؟
ألتفتت عليه بغضب ، ودَّت لو تبصق عليه أو تصفعه بحرارةِ قهرها الآن أجابتهُ وهي تقف مُجددا : ذوقك معفن يا معفن
صخب بضحكته وهو يسحبها أيضًا ليُجلسها مرةً أخرى ، أردفت بحدة : رجِّعني
عبدالعزيز بعناد : عاد مالك الا تجلسين مالي خلق أسوق
رتيل عضت شفتها : كنت دارية أنك كلب !! موديني لمنطقة مدري وشهي عشان تجبرني أجلس
عبدالعزيز : عدلي ألفاظك بالأوَّل لا أغيِّر خرايط فكِّكْ
رتيل : ألفاظي وأنا حُرَّة فيها .. أنا وش ؟ حُــــــــرَّة !! *شدَّت على كلمتها الأخيرة وهي تُبطئ مرورها على لسانها*
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
رتيل بقهر وهي تنظرُ لهاتفه الذِي يهتز ويضعه على الصامت : رد عليها لا يغمى عليها من الخوف
عبدالعزيز أبتسم : تغارين ؟
رتيل تُشير لنفسها وهي تضع أصبعها على صدرها : أنا أغار ؟ يمكن بأحلامك
عبدالعزيز بقصد أن يستفزها : أصلا لا تشيلين هم ماراح نطوِّل لأن اليوم بنحتفل بزواجنا أنا وأثير
رتيل تنظُر له ، شدت على شفتيْها لن أبكي أمامه بدافع الغيرة ، لن أبكِي ! سيحتفلُون كأيّ زوجيْن بهذه الدُنيا ولكن أنا ؟ حتى كلمة " مبروك " لم أسمعها ! لمعت في عينها الدمعة ، شتت نظراتها دُون أن تنطق حرف.
ردّ على الهاتف وبقصدِ إغاضتها : هلا حبيبتي
أثير الذِي كان صوتُها واضح لمسامع رتيل : هلابِك ، وينك ؟
عبدالعزيز : مع بوسعود
رتيل دُهشت بأنه لا يُخبرها حتى ، أضطربت رعشاتُ قلبها الذِي جعلت من صدرها يهبط ويرتفع بشدَّة.
أثير : طيب متى تخلص ؟
عبدالعزيز : بجي بعد شويْ
أثير : بآخذ رايك بفستاني ماابي ألبس شي مايعجبك بعد!
عبدالعزيز : طيب عطيني ساعة وأكون عندك
أثير : أنتظرك.
عبدالعزيز : بحفظ الرحمن .. وأغلقه ، لم يلتفت عليها ولكن قادِر أن يُخمن تجمُع الدمع في عينها.
تكتَّفت وهي تنظُر للشارع الذِي لايظهرُ منه الكثير بسبب الاشجار التي تُحيط الحديقة الصغيرة ، لم توَّد أن تتحدث وتفضحُها نبرة صوتها.
عبدالعزيز ألتفت عليها بكامل جسدِه ، أطال نظره حتى شعرت بلهيب نظراته التي جعلت دمعتها اليتيمة تسقط ، لم تمسحها تركتها عالقة على خدِها لتُردف دُون أن تنظر إليْه : ماأبكي عشانك !! موجوعة من أبوي ومني كيف إلى الآن أنا جمبك ! لو كان أي شخص ثاني مكانك كان راح أبكي مو سالفة أني أغار ! بس .... أنا أصلا ليه أشرح لك ! عمرك ماراح تفهم شعور أي بنت بمكاني.
عبدالعزيز تنهَّد : طيب فهميني الشعور
رتيل : مثل شعور إنسانة ماتحبها بس تبي الطلاق عشان تآخذ غيرك ! مثل شعور التملك اللي بيجيك لها وأنك ترفض تطلقها مع أنك ماتحبها !
عبدالعزيز بهدُوء : يفرق! بين إنسانة أحبها أو ما أحبها
رتيل لوَت فمِها لتمسح دمُوعها التي هطلت على خدها بهدُوء : صح ! يفرق كثير بين إنسانة يختارها عقلك وبين إنسانة يختارها قلبك
عبدالعزيز : ماهو على كيفك تقررين لأني فاهم وش قصدك
رتيل ألتفتت عليه وهي تُركز نظراتها اللامعة بعينه : وش اللي ماني فاهمته! أنه وحدة قضيت معها سنين وتعرفك والله أعلم إذا كانت فيه علاقة قبل والاكيد فيه إعجاب متبادل وبعدها زواج! فهمي فيه شي غلط ؟ لو مختارها عقلك ماكان رضيت تطلع بصورة أنت ماتحبها أو ماترضى عليها بس أنت تتغاضى عشان قلبك ! يعني مختارها بقلبك ..
عبدالعزيز : تحليلك للموضوع بكبره غلط
رتيل بسخرية وبحةُ صوتها بدأت تخرج : كويِّس مين يلقى بهالدنيا الحين شخص يختاره قلبه وعقله مع بعض ؟
عبدالعزيز ببرود : وتقولين ما أهمك ؟
رتيل : قلت لك لو أي شخص مكانك كنت بفكر بهالطريقة ! مايهمني مين أنت أحبك ولا ماأحبك ! حتى لو أكرهك بنقهر لأني بالنهاية بنت وماتحب تشوف زوجها يروح لغيرها
عبدالعزيز صمت عند كلمتها الأخيرة ، تراقص قلبُه بجملتها ، بإبتسامة صافية : تغارين وأنتهى الموضوع
رتيل : تبي تثبت أنك الأقوى في كل شي حتى في موضوع الغيرة ! صدقني بتشوف كيف أنك بتدوِّر علي وماراح تلقاني بحياتك
عبدالعزيز بهدُوء : تهديد ؟
رتيل : أفهمه زي ماتبي ! لكن دامك خسرتني مرَّة ماراح أرجع لك المرَّة الثانية وبتعرف وقتها أنه ثقتك بأني مالي غيرك .. بحّ !
أكملت وهي تُشتت نظراتها : أنا قادرة أتعايش مع غيرك وأتزوج بعد ولا بتضرني حياتي اللي فاتت بشي !
وبحدَّة الوعيد وضعت عينها في عينه : وقادرة بعد أني أسمِّي أول عيالي عبدالعزيز وما راح يحرِّك فيني شي! عشان تعرف لو أني فعلا منقهرة عشان شخصك ماهو عشان الفكرة نفسها ما كان قلت لك كل هذا ! أفهم شي واحد أني أنا منقهرة من الفكرة نفسها ولا أنت ماهميتني
عبدالعزيز عض شفتِه السُفلى ، نبرةُ الصدق بحديثها جعلت البراكين في صدرِه تثُور. وقف وهو يخرج مفتاح سيارته مُتجهًا للـ " باركينق ".
،
فِي أطرافِ الليل المُمتد بضياءِ القمَر ، نزلت السلالم بعد أن تعطَّل المصعد ، شعرت بحماسٍ وهو يُخبرها وليد عبر سماعة الهاتف أنَّ هُناك مُفاجئة تنتظرها ويجب أن تنزل للأسفل. لم تنتبه للماء الذِي يُبلل عتباتِ الدرج الحلزُوني ، أنسحبت قدمُها بإنزلاق حتى سقطت من أعلاه الشاهق عند آخر عتبه تحديدًا عند أقدام وليد الذِي تجمَّد في مكانه إثر سقطتها القويَّة على رأسها وظهرها.
جلس على الأرض وهو يرفعُ رأسها بخلخلة أصابعه شعرُها بعد أن أنفّك حجابها : رؤى !!
سَال الدمُ على أرضية الرُخام بعد أن أعلن عن نزيفُ رأسُها . .
،
فزَع من نومِه مُتعرِقًا ، ألتفت لقارورة الماء التي عند رأسه ، شربها دفعةٌ واحِدة وهو يمسح وجهه بيدِه : اللهم أني أعوذ بك من همزات الشيطان ومن ان يحضرُون.
نظر لهاتفه الذِي يُشير للساعة الحادية عشر ليلاً ، فتح الرسائِل " ( فيصل القايد ) الحمدلله على سلامة الوالد ، ياليت يا ناصر بس تفضى تكلمني محتاجك ضروري "
تصاعد صدرِه بقوة وهبط إثر الكابوس الذِي رآه ، شعَر بأنهُ حقيقة وأنَّ شيئًا يُهاجم صدره ، غادة !! يالله بتمُر السنين وأنا بجلس على هالحال! أستغفرك ربي بقدر حُبها.
،
دخَل والتعبُ ذابلٌ في ملامِحه ، غدًا الجُمعة يومُ إجازته ، يُريد فقط أن يغرق بإستحمامٍ دافىء يُريِّح أعصابه ، تنهَّد بعُمق لينظُر إليْها بإستغراب شديد وهي ترفعُ شعرها والكحلُ يغزو عينها ، كانت هيئتُها تُوحي لإنسانة في قمةِ السعادة ، ألتفتت عليه ببرود : أنا بنام بالغرفة الثانية ؟
أرادت أن تُغيضه وهي تظهرُ بأحلى هيئة ، أرادت أن تُغيضني ولكنها تُدرك بأنها ستتعب هي قبلي في هذه اللعبة.
أردف : وليه يا مدام ؟
الجُوهرة بهدُوء تتظاهر بالقوة أمام هذا الجبرُوت : ماأرتاح .. ولا حرام ؟
سلطان بسخرية : جد ؟
الجوهرة تجاهلته وهي تأخذُ هاتفها وتُردف : تصبح على خير .. مرَّت من جانبه ولكن يدِه كانت أسرع ، شدَّها من خصرها ناحيته : تلعبين لعبة منتِ قدَّها
الجوهرة بجُرأة تُقلد صوته : جد ؟
عض شفتِه السُفليا ليبتسم ببرود ، نظرت له بضياع الكلمات ، بضيق المسافات التي تفصلُ بينه وبينها ، شتت نظراتها لتُردف : عُمري ما منعتك عن شي ! حتى في الوقت اللي كنت ماأبي هالشي جيتك وخفت من لعنة الملائكة عليّ
لتُكمل قبل أن يتلفظُ عليها بشيءٍ يكسُرها : لكن بكلا الحالتين ماعاد عندي رغبة بالحياة معاك لا معنويًا ولا جسديًا !! صرت ماأطيقك ولا أطيق وجودك .. ولا لك حق بعد دام نيتِك ماهي نية طيبة
سلطان حفر أصابعه على ذراعه ليشدُها ويجعلها تقف على أطراف أصابعها حتى تصِل لمستواه . .
،
الساعة الرابعة عصرًا – يومُ الجمعة - ، باريس " منطقة اللاديفانس ".
أخذ هاتفه يتصِل عليها ، ترك لها رسالةٌ صوتية : ردِّي ضروري !!
بخطواتٍ سريعة خرج من الممر الضيِّق الموحش ، أدرَك بأنهُ في خطر كبير وأدرَك بفداحة الخطأ الذِي فعله ، سيقتله ... بكل تأكيد. وضع يدِه على رأسه يُريد أن يفكِر بإتزانٍ أكثر ، أتصل مرةً أخرى ولا مُجيب ، أرسل إليْها رسالة " ردِّي بسرعة ماعندي وقت "
أنحنى جانبًا في إحدى الزاويَا ليُخرج سلاحه وهو يُجهِّزه ، وضع أداةٍ حادة صغيرة تُشبه المشرط بين أسنانه وهو يُدخل في جيبه علبة الرصاص ، أهتز هاتفه ليجد رسالة منها " حاول تترجى أكثر بكلا الحالتين ماراح أرِّد ولا أبي أرِّد "
في داخله أراد أن يراها ويطحنها بفكُوكه ، لم يُكمل حديثُ النفس هذا إثر شعُوره بفوهةِ السلاح التي تلتصق برأسه
↚
وقفت على أطرافِ أصابعها وصدرها يُلاصق صدره ، ذراعه التي أنسحبت خلف ظهرُها تحكِي برعشتها عرُوقِها المتفحِمة بسوادِ تفكيره. رفعت عينها لعينيْه التِي أرتعشت بنظراتِه وأستطاعت أن تُخبىء خوفها بجمُودِ ملامحها التي أحمَّرتْ بحرارةِ قُربه. صمَت ليس لأن حديثُه وجوابه الذِي أراد ان يُقوله ضاع ولكن غرق في عينها المُحصَّنة بالكِحل. أظن قرأتُها مرَّة على إحدى أوراقِي بخطِ سلطان العيد " لو كنتِ تدرين ماألقاه من شجن لكنت أرفق مـن آسى ومن صفحا " أظنُ أنني لم أفهمها جيدًا ، أظنُ أنني فهمتُها الآن ، فهمتُها من هذه العينيْن. علِّميني الحُب حتى أتعلم العفُو. فأنا لا أعرفُ بهذه الحياة سوَى حُب أمِي وضاع وعرفتُه جيدًا مع من يُشاركني الإسم إبن العيد وأيضًا ضاع ، علميني كيف يكُون للحُب بقاء ؟
تصاعدت أنفاسُها المُرتبكة لتضع يدها على صدره في نيةِ البُعد وهي تخشى القُرب بأن يصهرها ! " مدرِي أبكي ولا أضحك " باكِر العُمر يُخبرك عن شيْبه وضياعه في راحةِ كفيْك ، باكِر العُمر يرثي بياضه الذِي غزآ سوَاد شعرك ، باكِر سنندب حظُنا إن فاتنا العُمر لا أنت الذِي قبَّلت عُمرك بضحكة ولا أنا التِي رضيْتُ بغيرك. قبَّلها ، ليتَ الحديثْ يسرقُ من هذه القُبلات ونفهم بعضنا. ألتفتت برأسها ليُقبِّلها بالقُرب من شفتيْها ، دفعته برقَّةِ أصابعها لتبتعد بجمُودِ شعُورها ، أنحنت لتأخذ هاتفها الذي سقط منها وخرجت بخطواتٍ سريعة دُون ان تلفظ كلمة.
تنهَّد ليمسح وجهه بأنامله ، جلس على الكنبة مُنحنيًا الظهر يُغطي أذنيه بكفوفه التِي تضغط بكلُ قوَّاها على رأسه. لم أكُن بفظاعة هذا التفكير والحيرة ؟ لم أكُن يومًا هكذا ؟ ماذا يحصل معي ؟ لِمَ أشعُر بالحاجة المُلَّحة لأبي ؟ لسلطان العيد ؟ لو كان هُنا والله لن أستحِي بأن أُخبره ما يحدُث الآن معي ؟ لن أخجل من الإرتماء بكل حُزني عليْه ؟ لكن " لو " تقتل كل هذه الأحلام! موجوع جدًا من " لو " التي تتطفَّل بأحاديثي وتشطُرني أنصافًا ، موجوع من يأسي الذِي لم يكُن دخيلاً عليّ سوَى يوم عرفتك ، موجوع من ضربي لك ، من تصرفاتي بأكملها لأنها لم تكُن يومًا تُنسب إليّ بغير العمل الذِي أعترف بأني ضربتُ فيه الكثير ولكن لم أضرب أنثى رقيقة مثلك. " وينك " يا سلطان العيد ؟ تنظُر ماحصَل بيْ ؟ ، وينك ؟ تقرأ عيني وإبتسامة الرضا الكاذبة! وينك ؟ تُرشدنِي وتُخبرنِي ما الصح و ما الخطأ ؟ أحتاج أن تضربني حتى أستوعب والضرب منك لا أُصنِّفه ضرب.
الطائف – اليوم الحادِي عشر من الشهر السابع في صيفِ المملكة سنة 2005. الساعةُ تُشير للثانية والنصف ظهرًا وقتُ تعامد الشمسْ وحُرقتها.
جالِسْ أمامه دُون أن ينطق حرفًا.
سلطان العيد بإستفزاز واضح : إيه وش اللي مو عاجبك ؟
سلطان بدر يمسحُ جبينه المتعرق ويتجاهلُ حديثه
سلطان العيد بحدة : طالعني
سلطان بدر يرفع عينه و حرارةُ الشمس تغلي دماغه.
سلطان العيد بحدَّةِ صوته الطاغية : وش تنتظر ؟
سلطان بدر : أفكر باللي صار أنا مستعد أضحي بكل شي لكن أمي خط أحمر
سلطان العيد : وأمك بعافيتها وصحتها الحمدلله .. وبنفسي قلت لك بحط لك حرس ومحد بيقرِّب من أمك
سلطان بدر تنهَّد ليعُود لصمته.
سلطان العيد : اللي يخاف الفقد جبااان
سلطان بن بدر أخفض رأسه : ماني جبان بس هذي أمي ، تعرف وش يعني أمي ؟ مستحيل بأرضى
سلطان العيد : محد يرضى لكن ركِّز الحين بشغلك وماعليك من اللي فات!
سلطان بدر بغضب : وأنت خليت فيها تركيز ! سحبت كل جوالاتي
سلطان العيد بسخرية : أجل أنسى الجوالات من اليوم ورايح لين تنتهي مهمتنا
سلطان بدر : أبي أكلمهم
سلطان العيد : لا ..
سلطان بدر : لو سمحت !
سلطان العيد : تعلَّم تواجه الـ لا .. ماهو كل شي نعم
سلطان بدر تنهَّد ليقف ويرفس بقدمه المقعد الخشبي.
سلطان العيد بحدة : سلطااان !!
سلطان بدر دُون أن يلتفت إليْه : هذي إستراحتي وماأبي أقضيها معك
سلطان العيد الذِي أبتسم ، عقد حاجبيْه من العرق الذِي بدأ يتصبب على ملامحه : ترى بتتعاقب هذا أنا حذرتك
سلطان بدر : ما تقدر تظلمني
سلطان العيد ضحك بشدَّة ليُردف : تعاااال .. قلت تعاااااااال
سلطان بدر توقف ليلتفت إليْه مُبتسمًا : ماأظن من الشروط هنا انك تستفزني .. أنحنى ليأخذ قارورة المياه.
سلطان العيد بتصويب مُتقن على القارورة التي تناثر ماءُها.
سلطان بدر عض شفتِه لينظُر إليْه بحقدٍ كبير ، الآخر وقف مُتجهًا إليْه : و تعلَّم بعد *ضرب صدرِه* أنه الدنيا ما تمشي على الكيف والشي اللي بإيدك ممكن تخسره ! فحافظ عليه قبل لا تبكي عليه ...
وبضحكة عميقة أكمل : يعني ليتك شربتها بسرعة ...
،
تضاربت أصابعها وهي تتداخلُ في بعضها البعض ، بغير عادتها هادئة مُرتبكة تُخبره بالموضوع بتأتأةِ الخجل لتُردف : عاد أنا مدري ، يعني صليت بس حسيت مرة مرتاحة ومرة لأ
يُوسف المستلقي على الأريكة في بداية الفجر : والله فيصل والنعم فيه ، يعني شخصيته حلوة وإنسان كوَّن نفسه بنفسه !
هيفاء : بالله يعني أقتنتعت ؟
يوسف : هههههههههههههههههههه و مزيون يعني الحمدلله نثق بالجيل الجاي بس إذا طلعوا يشبهونك إنا لله وإنا إليه راجعون
هيفاء ترمي عليه المخدة : أستح على وجهك
يوسف بضحكة : لا بصراحة يعني الأختلاف يخلي بينكم توافق
هيفاء : ليه وش مختلفين فيه ؟
يوسف : شوفي هو ميوله إقتصاد وتجارة يعني ذكي ماشاء الله وحسابات وأرقام وأنتِ وش ميولك ؟
هيفاء : تكفى لا تحسسني بغبائي
يوسف : ههههههههههههههههههههه من ناحية غباء فأنتِ غبية جمبه
هيفاء بعُقدة الحاجبيْن : لا جد عاد يوسف أنتِ تنصحني بوشو ؟
يوسف : بالنسبة لي .. ودي أقولكم مبروك
هيفاء أبتسمت : يالله ما تآخذ الأمور بجدية
يوسف بإبتسامة : لو فيه عيب قلت لك عنه ، الرجَّال كويس وفاهم وواعي وتعجبني ثقافته غير كذا قايم في أمه الله يخليها له واختهم الصغيرة ريف عاد هذي محجوزة لعبدالله
دخَل منصُور وبين يديْه إبنه : كنت داري أنكم سهرانيين
هيفاء تخجل أن تتحدث بهذه المواضيع مع منصور فألتزمت الصمتْ.
يوسف يأخذُه من بين يديْه ويُقبِّله : بدت تطلع ملامحه ! والله شكيت فيه أول ماجاء تحس أنه أستعجل على الجيَّة
منصور ضحك ليُردف : عاد هذا مكتوب إن شاء الله لبنتك
يوسف : لآ خلَّه يآخذ ريف أخت فيصل
منصور : ذيك عوبا ما نزوِّجها هالزين
يوسف : الله أكبر على الزين خلنا ساكتين بس! لو طالع على عمه كان قبلت فيه .... رفع للأعلى بإبتسامة عريضة ليُرجِّع عبدالله حليبه الذِي شربه قبل قليل على وجه يُوسف.
هيفاء ومنصُور ضحكُوا بصخب حتى أختفى صوتُ الحديث ولم يستطيعوا أن يلفظُوا كلمة واحِدة من ضحكاتهم.
يوسف الذِي أستوعب متأخرًا وهو متجمد من الصدمة ، بتقرُف وضعه على الأرض ويسحب منديل يمسح وجهه : واضح تربية اليهود
منصُور : عسسسل على قلبك
يوسف : قل تبن إيه والله قال عسل!! .. وقف ... أنا لو أتروش 100 مرة ما راح تروح الريحة
منصور بضحكة : لآ تبالغ ريحتك مسك عاد هذا من السبع عبود
يوسف وملامحه يعصُرها التقزز : حسبي الله بس ... وخرج مُتجهًا للأعلى. دخَل لجناحه في حين كانت مُهرة تُخرج ملابس لها للإستحمام ، وقفت عند باب الحمام لتنظُر إليْه.
يوسف بلا تفاهُم مسك مُهرة من كتفيْها ليُبعدها ويدخل الحمام : أنتظري
مُهرة رفعت حاجبها : وش فيك ؟
يوسف غسَل وجهه كثيرًا : رجَّع عليّ ولد الثور الثاني
صخبت بضحكتها لتدخل بجانبه أمام المغسلة وتأخذ منشفتها الصغيرة وتمسح وجهه : بتروش بعدها انت لأني دايخة
يوسف بإبتسامة بلهاء شدها لخارج الحمام مُغلقًا الباب : طلعي لي ملابس ولايكثر ..
مُهرة وهي تنظُر للباب المقفل بوجهها : مافيه إحترام للكائن البشري التعبان واللي يبغى ينام
يوسف ويختلط صوته بصوتِ الماء : يا قلق تراك تكلمين نفسك ماأسمع
،
أشرقتْ شمس باريس على عينه التي سهَرت ليلة الأمس ، أخذ نفَسًا وشعر بحركة في الخارج تأكد من وجود أثير ، فتح الباب لتلتفت عليه وهي تضع طبقٌ على الطاولة : صباحك سكر
عبدالعزيز بصوتٍ ممتلىء ببحة النوم : صباح النور .. وتوجه للحمام تفكيره مُضطرب ولا أحد يشغله سوى " رتيل " ونبرةُ حديثها بالأمس تُفتت بقايا العقل الذِي يعيشُ عليه. الصدق الذِي شعر به جعل ثقته بحُبها تتقلص أضعافًا وأضعاف.
أثير التي لاتعرفُ لِمَ مزاجِه المُنقلب منذُ ليلة الأمس وإحتفالهم ، رُغم أنَّ الجو كان ينحصر على الأصدقاء المُقربِّين وهو من وافق على فُستانها ، لا شيء فعلته مُزعج أبدًا.
تنهَّدت وهي تراه يخرج ويتجه لغُرفته مرةً أخرى ويجلب هاتفه : عندك شغل اليوم ؟
أثير : إجازة
عبدالعزيز جلس ليشرب من كأس عصير البُرتقال الطازج.
أثير : متضايق ؟
عبدالعزيز رفع حاجبه : من أيش ؟
أثير : مدري من أمس وأنت مو على بعضك
عبدالعزيز : لا بس مشغول شوي بالشغل
أثير بغيرة مفضوحة : ولا رتيل ؟
لم يرد عليها ، ألتزم الهدُوء بعكس الإضطرابات التي تُقيم في صدره الآن.
أثير : يعني إيه ؟
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليْها : مصدِّع ومالي خلق أدخل بأيّ نقاش
أثير بهدُوء : طيب
عبدالعزيز بعد صمت لثواني : تراها زوجتي للعلم يعني
أثير : ودامها زوجتك ليه أخترت عليها وحدة ثانية ! هذا يعني أنها ولا شي عندك
عبدالعزيز بغضب : كيف ولا شي ؟ أثير الله يرحم لي والديك لاتنهبلين على هالصبح
أثير تنهَّدت : أنا ما قلت هبَل ! هذا شي واضح لو أنك تحبها ماتزوجت عليها يا عزيز
عبدالعزيز أبتسم : وش هالثقة اللي يخليك تتأكدين أني ماأحبها
أثير بإبتسامة : أنا واثقة من هالشي .. وقفت لتتجه نحو معطفها المُعلق خلف الباب ... الجو اليوم بررد حيل تدفى كويِّس
عبدالعزيز ينظُر إليْها : وين بتروحين ؟
أثير ألتفتت عليه : بطلع مع البنات نتسوق ...
عبدالعزيز : وين ؟
أثير ضحكت : وش هالتحقيق !
عبدالعزيز تنهَّد لينتبه لبنطالها الذِي يضيق عليها : ترجعين البيت وتغيرين اللي لابسته وبعدها تروحين
أثير تمتمت وهي تُغلق أزاريرها : لا
عبدالعزيز أتسعت محاجره : عفوًا ؟
أثير : هذا لبسي لا تتدخل فيه ! أنا ماتدخلت بلبسك ولا قلت لك لا تلبس هذا وألبس هذا
عبدالعزيز بتهديد : طيب والله بعزته لو أشوفك طالعة من البيت اليوم لا تشوفين شي عمرك ماشفتيه وهذا أنا حلفت
أثير بغضب : يعني بتحبسني ؟
عبدالعزيز : أفهميها زي ماتفهمينها ! اليوم تجلسين في بيتكم !!
أثير تنهَّدت : عزوز هالأشياء ماتمشي عليّ ! ولا راح أسمح لك تمارس سلطتك عليّ !! من حقي أرفض شي مايعجبني
عبدالعزيز : أنا قلت اللي عندي
أثير بجُرأة : بطلع وبشوف وش اللي ما شفته منك
عبدالعزيز وقف مُتجهًا لغُرفته : جربتي طعم الكفّ ؟
أثير بضحكة ساخرة وهي تتجه نحوه وتقف عند الباب مُتكأة على طرفه : وأنا أقدر أشتكيك
عبدالعزيز ألتفت عليها : ترى أحكي من جدِّي
أثير : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه .. طيب هالمرَّة بمشيها بس لاتفكر أنك بتمارس هالأشياء فوقي !!
عبدالعزيز وهو ينزع بلوزة بيجامته ويرتدِي قميصه ، أثير لم يتحرك بها شيئًا وهي تراهُ عاري الصدر لتُردف : أنا طالعة .. وخرجت.
سُرعان ما تخيَّل لو كانت رتيل هي التي أمامه ، يستطيع تخمين إحمرار خدِّها و " يا قليل الأدب " التي ستلفُظها. أبتسم من تفكيره ، يالله لو أنها تُصبِّح عليّ كل يوم لجعلتُ شتائمتها تعني " أحبك بشدَّة ".
،
مُتربعة فوق السرير وشعرها بفوضوية على كتفها اليمين : أنا أتوقع قالها بس كذا عشان يستفزك ... والله رتيل !
عبير المُستلقية على السرير وتلعبُ بخصلاتِ شعرها : أنا مع ضيْ ! يعني ليه يقولها قدامك أكيد يقصد يقهرك
رتيل الجالسة على كرسي التسريحة وعيُونها مُحمَّرة من البكاء : حيوان كلب كل شيء خايس في هالدنيا هو
عبير ضحكت وهي تقف مُتجهةٍ لها : أمسحي دموعك وخلينا نطلع وننبسط وماعليك منه خليه يولِّي
ضي : أنا بروح أشوف عبدالرحمن يمكن صحى
دخل عبدالرحمن قبل أن تقف ضي : صباح الخير
عبير القريبة قبَّلت رأسه : صباح النور
ضي ألتفتت عليه : توني أقول بجيك
عبدالرحمن بضحكة : أنتِ زين ما تسحبين عليّ
ضي : ههههههههههههه حرام عليك توّه ما صار لي ساعة جالسة عندهم
ألتفت لرتيل ليتفاجأ بملامحها الشاحبة : افآآ مين مزعلك ؟
رتيل تعرَّت بمشاعرها أمام والدها لتُردف بغضب : من الكلب
عبدالرحمن بإبتسامة : و مين الكلب ؟
رتيل : فيه كلب بهالدنيا غير عبدالعزيز
عبدالرحمن بضحكة عميقة أردف : وش صار أمس ؟
رتيل : قالي أنه الليلة بيحتفل مع الكلبة الثانية !
عبدالرحمن يجلس على طرف السرير : عيب يا رتيل
رتيل : لا ماهو عيب ! هي كلبة وصخلة بعد
عبدالرحمن : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أستغفرك يا ربي .. رتيل هالألفاظ أحرقيها كل هالجمال والنعومة وتقولين كلمات شوارعية ؟
ضي بضحكة وقفت : أنا بروح ألبس ..
رتيل بثقة الأنثى : إيه أنا ناعمة و جميلة لكن اللي يدُوس على طرفي أدوس عليه يا يبه وماله علاقة بالأنوثة أبدًا.
عبدالرحمن مدّ لضي كرت الغُرفة ليردف بإبتسامة : يمكن يبي يخليك تغارين ؟ لأن أمس المغرب جاني
رتيل : يبه أنت واقف معي ولا معه ؟
عبدالرحمن : معك أكيد بس أنا أقولك يمكن ! تعرفين عبدالعزيز شوي شخصيته ماتنفهم بسهولة
رتيل : إيه هُم الكلاب كذا
عبدالرحمن : رتتتيييل ! عيب يبقى زوجك
رتيل : يبه تكفى قول عبدالعزيز قول أي شي بس لا تقول زوجك لأن عندي حموضة من هالكلمة
عبدالرحمن أبتسم : طيب ما ودِّك تصفين العلاقة معه ؟
رتيل بجدية : وش كانت نيِّتك بزواجنا أول مرة ؟
عبدالرحمن : يمكن قلت بنية طلاق لكن والله في داخلي ماكنت أبيه طلاق لأن ماراح ألقى أحسن من عبدالعزيز ! بس بفترتها أكيد أنه كان غلط وجود عبدالعزيز معك فعشان كذا كنت رافض.. لكن لو بظروف غير بالعكس أنا راضي عن عز تمام الرضا
يُكمل : عشان كذا الحين ودِّي تتفاهمون أكثر
رتيل : ما بيننا تفاهم
عبدالرحمن يعرف أنها كاذبة ليُردف : اجل تبين الطلاق ؟
رتيل شتت أنظارها ولم تنطق شيئًا.
عبدالرحمن وقف : أجل حاولي يا رتيل
رتيل رفعت عينها بدهشة ، لم تتوقع أنَّها مفضوحة لهذه الدرجة!
عبدالرحمن أبتسم : يالله قومي ألبسي
،
مرتمي على الأريكة و ريحة الشُرب الكريحة تفوح منه ، منظرُه مقزز لأيّ شخصٍ سوِيْ يُدرك بأن العبثُ بحدُود الله هو جحيمٌ آخر غير جحيمُ الآخرة. نظر إليْه بعقدة حاجبيْه ليُفرغ قارورة المياه عليه : قووووم !!
فتح عينه بتثاقُل وهو ينظر لوالده. مُرتعشًا من برُودة الأجواء التي تتسلل من النوافذ المفتوحة.
رائد بغضب : قلت لك لا تشرب ورجعت تشرب!! وتلومني لا خليتك زي الكلب هنا ! لأنك ماتقدر تسيطر على نفسك !!
فارس يستعدل بجلسته والصُداع يفتفت عقله : أستغفر الله
رائد : ماشاء الله تعرف ربِّك
فارس بعصبية : وأنت يا يبه خليت فيني عقل يخليني أعرف ربي ولا ماأعرفه
رائد يجلس على الكرسي : والله أنك بلوة
فارس يمسح وجهه بأنامله : على الاقل بلاي على نفسي ماهو على مجتمع كامل
رائد بحدة ينظُر إليْه : نععم يا روح أمك ؟
فارس لم يتجرأ أن يُعيد كلماته ليقف مُتجهًا للحمام ولكن تفاجىء من المشرط الصغير الذِي مرَّ بجانب بطنه ، ألتفت على والده بصدمة : لو داخل فيني ؟ لهدرجة روحي رخيصة ؟
رائد الذِي يتقن الرمي رماها بجانبه ولم يقصد أن يرميها عليه ولكن ليُخيفه. تجاهله وهو يخرج هاتفه ،
فارس بغضب أغلق الباب بقوة لتضجّ الشقة معه.
،
وضعت البذُور في يدِها لتُدغدغ مناقير الطيور راحةِ كفِّها ، ضحكت لتُردف : يجننون
ريَّان القريبُ منها ، بإبتسامة : يالله جعت ! خلينا نروح .. مد يدِه لتُمسكها وتقف ..
أقتربت بائعة الورد لتبتسم بتغنُج ، في لحظةٍ كانت تنفُض ريم بعض البذور المتشبثة في جاكيتها.
مدَّت له وردة حمراء ذات غصنٌ زاهِي بالأخضر ، أخذها ليُخرج لها من محفظته بعض النقُود ، ألتفت على ريم ومدَّها لها.
أبتسمت : شكرًا
ريَّان بمثل إبتسامتها : عفوًا
ريم وهي تنظرُ للعالم من ضحكتِه وإبتسامته ، تشعُر بهزيمتها لكل البؤس منذُ أن عانقته ، لاتعرفُ كيف هي قيمةُ هذا العناق ؟ هذا العناق مُكلِّف جدًا جعلها تسعدُ بأولِ صباح إسمهُ صباح العروس فقط. هذا العناق لا يُشترى ودقاتِ قلبه أيضًا لا تُشترى ، هذا الشعُور جنَّة وأنا لا أعرفُ طريقًا أسهلُ أتذوقُ به جمالُ الدنيا إلا من عينيْه. هذا العناق للتاريخ ، لتاريخ قلبي فقط.
ريَّان شعر بأنها تسرحُ به ، ألتفت عليها وبإبتسامة إستغراب : وش فيك ؟
ريم هزت كتفيْها : أفكر باللي صار أمس
ريَّان خلخل أصابعه بكفِّها : ووش وصلتِ له ؟
ريم بضحكة : أني عجزت أفهمك
يسيران على شارع تقسيم الصاخب بالخُطى : ماهو بيوم وليلة بتقدرين تفهمين .. قدامنا عُمر
ريم أبتسمت وهي تنظرُ للوردِة التي بيدِها : معك حق
،
ينظرُ إليْها من خلف الزجاج ، منذُ ليلة الأمس وهي لم تفُوق بعد. كان يُريد أن يُسعدها ويُخبرها بأنه عرف إسم المستشفى التي أنتقلُوا إليْها بعد الحادث ، كان يشعُر بأنَّ هُناك باب سينفتح بعد أن تعرف ولكن خابت كل آمالها عندما سقطت ، رُبما حكمةٌ من القدر أنها لا تعرف الآن أو رُبما لا أعرف ! لاأعرف يا رؤى ما يحصلُ بهذه الحياة ؟ هذه الأمور التي تُعرقل كل فرصة لنبتسم لا أفهمها أبدًا. "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ " بمثل ما عاقبُوك يا رؤى هُم يستحقُون ! أمل الذِي نجهلها ومقرن الذِي نسبُوك إليْه وهو ليس بأبيك! جميعهم الذِين لا أعرفهم ولا أوَّد أن أعرفهم. الوجَع أنِّي أتماسكُ أمام إندفاع هذه العاطفة إتجاهك ، الوجَع أن أكُون راضيًا على نفسي من رضا الله وأكُون غاضب من قلبي الذِي يُريدك ، الوجَع كُل هذا الوجَع أنني أتجاوزُ عن " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ " و أفعل " وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ " أعرفُ جيدًا جزاء الصبر ولكن نفسِي تُريد شيئًا آخر. تُريد أن تفرغ كل هذا السواد وتنفثُه. مللت الصبر وأنا ساقطٌ في قاعِ يأسي. لا أعرفُ لو كُنت أنتمي لغير الإسلام ماكان حالِي ؟ لكُنت الآن أجرحُ جسدِي بكل جروح هذا العالم. أنا لولا رحمةُ هذا الدين لكُنت في خبرِ كَانَ ولكن ألمْ يجيء الوقت الذِي أبتسم به ؟ يالله أرزقني النفس الصبُورة ما عاد بنا قوَّة تتحملُ كل هذه التيارات القاتلة.
،
عض شفتِه بخبثْ ، ليتربع بجانبها على السرير ويأخذ خصلةِ شعرها الداكنة ليُدغدغ أعلى شفتها ، تحركت بتضايُق ، ليفتَح هاتفه على مقطَع هادىء حتى يخرُج وجهٌ مشوَّه بدهشة ، وضعه أمام عينها لتفتحها بتثاقُل وتشهق بخوف كبير. وتبتعد ليرتطم رأسها بقاعدةِ السرير الخشبية ، وتحذف الهاتف لآخر جهةٍ من الغرفة.
يُوسف أرتمى على السرير صاخبًا بضحكته حتى شعر بأن عينيْه ستبكِي من فرط الضحك على منظرها.
مُهرة أخذت الوسادة وحشرتها بوجهه بغضب : وقفت قلبي لو صار فيني شي ؟ يعني لو متّ يعتبر قتل تدري ولا لا ؟
يوسف المختنق ، أبعد الوسادة ضاحكًا : حايلية ما يهزِّك شي هذا أنتِ قمتي وبغيتي تضربيني
مُهرة عضت شفتها بغضب وهي تمسحُ وجهها من الرعب التي شعرت به : يالله !! أمزح مع ربعك ماهو معي ! خوفتني قسم بالله يعني لو صاير فيني شي ! و على فكرة قريت مرَّة أنه حرام ومايجوز وماني محللتك
يوسف كان سيتكلم لولا أنها هاجمته : وبعدين وش قصدك بالحايلية ؟ الحايلية تراها تلعب فيك لعب
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه الله لايضرك على هالطاقة مابقيتي ولا كلمة كليتيني بقشوري .. أنا أمدحك بالعكس وأقولك يالحايلية .. بس طلع عندك تعصب وعنصرية
مُهرة رفعت حاجبها بعناد : إيه اللي مو من حايل يطيح من عيني
يُوسف يمسحُ عينيْه وهو يعُود لصخب ضحكاته ، منذُ فترة لم يفعل مقلب بأحد ولكن شعور اللذة يطغى عليه.
مُهرة بعد أن أنتظمت أنفاسها : إيه أضحك .. ورحلت بخطوات هادئة مُتعبة ناحية الحمام. دقائِق طويلة وهو يتصفح هاتفه ومازال يشرقُ بإبتسامته. نظر إليْها وهي تخرُج : مهرة أسمعي
مهرة : ما أبغى أسمع شي
يوسف المستلقي على السرير : طيب أعتبريها إعتذار
مُهرة ألتفتت عليه بإبتسامة : يالله خلِّص قول
يوسف : يقولك الشاعر ياعرب وشهي سوات اللي عشق بنت بدويه ؟ حطت النيشان في صدري وبارقها رماني ، لا ربت يم الحجاز .. ولا وطت نجد العذيه ، لاسكنت أرض الجنوب .. ولا نصت درب العماني ، حايـليه لعنبو من لا عشق له حايليه ، أشهد ان دنياي زانت عقب ماخلي نصاني ، صوتها لامن دعاني كن جوفي به حميـّـه ، يفزع بنبض العروق أليا سمع خلي دعاني ، عينها القايد وانا كلي لها مثل السريه ، ان رفع بالصوت ياجندي ألبــّي بأمتناني ، وان وصلته اجمع الرجلين وادق التحيه ، وان لحظني برمش عينه أنحدر باقي كياني ، كن مابيني وبين الزين قوّه جاذبيه ، حالف ٍ قلبي على طاريه مايوم يعصاني
أردف بضحكة وبمثل نبرته الشاعرية وهو بقرأ إحدى " البرودكاستات " التي أتته : شامخه مثل الجبال و زينها ماشفت زيـّـه ، مايوصفها قصيد .. ولابيوت .. ولا اغاني ، وعزها عز الشيوخ اللي على الشيمه وفيه ، وخصرها لامن تثنى شبه عود الخيزراني ، شعرها مثل السفايف لا اعتلت ظهر المطيه ، منه ريح العود ينفح لا وصلني ثم غشاني ، منبهر .. ياقوة الله في تواصيف البنيه ، لو بعدد بالوصايف طول عمري مامداني. ... وسلامتك
مُهرة : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه صح لسانك
يوسف : بس ترى الشعراء كاذبون
مُهرة بإنفعال : أجل خل القصيدة لك
يوسف : ههههههههههههه يالله عززنا لك ولحايل وش تبين بعد ؟
مُهرة وهي تجلس على الأريكة البعيدة : محنا محتاجين تعزيزك !
يوسف : طيب مُهرة آخر شي أسمعي يلوق لك
مُهرة : بصلِّي الضحى أبعد عني
يوسف : آخر شي .. متغطرسه لو قصر الوصف تختص ، باهدابها لسان القصيده تقصه ، هيكل يبي عالم تضاريس مختص ، يوصف مدرج خصرها للمنصه ، متقسمه كل شيء خارج عن النص ، وجارت على فستان ملزم بنصه ، الكعب يوم الخصر من كتفها ارتص ، الردف رص الساق والساق رصه ، مشي المهار ايقاع وان عثرت وغص . .
لم يُكمل من علبة المناديل التي أتت بوجهه : قليل أدب ! وش هالغزل الفاحش ؟
يوسف بضحكة صاخبة : كل شي خارج عن النص .. هلا هلا يا حبيبي والله
مُهرة بحدة ترتدِي جلال صلاتها : وصخ !! وذوقك طلع رخيص
يوسف : حايلية ما يبيِّن في عينها
مُهرة ضحكت لتتلاشى ضحكتها وترفع كفَّاها : الله أكبر.
،
وضع العُود العتيق على مناطق النبض في جسدِه ليأخذ هاتفه ومحفظته ومفاتيحه خارجًا ، نظر للطابق الثالث ، بعد ثواني خافتة طويلة صعد مُتجهًا للغرفة التي سكنتها قبل أن تذهب لوالدها. فتحها بهدُوء ولم تنتبه إليْه وهي التي مُعطية ظهرها للباب ومُنسجمة بتسميعها لذاتها. واضح انها تراجع.
الجُوهرة وضعت رأسها على ظهر الكُرسي لتُراجع حفظها وبصوتٍ عذب يتحشرج بأياتِ اليوم الموعود : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمٰوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ، لِيَجْزِي اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ، هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ . . . . تعثرت بكلمتها ، وجَعٌ عظيم أن تُخطىء في آيةٍ واحدة بعد أن حفظت الكتاب بأكمله ، وجعٌ عظيم أن تتلخبط بكلمة وكأنك تشعرُ بضياع القرآن من يديْك. الحُزن كل الحزن أن يتحشرجُ صوتِي دُون أن أتذكر الكلمة.
تأتأت وهي تُردف : أنما هو إله واحد وليذكرهم .. أنما هو إله واحد وليذكُر ..
أتى صوتُه المبحُوح في القرآن من خلفها : أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.
لم تلتفت عليه ، أخفظت نظرها بعد أن تجمَّعت دمُوعها إثر ضياع كلمة من آيةٍ حفظتها تمامًا.
جلس على الطاولة التي أمامها بجانب كُوب قهوتِها ، أطال نظره لها بينما هي سحبت منديلاً ومسحت وجهها ، رفعت عينها المُضيئة بالدمع : لا يكون بتشكك بعد بحفظي للقرآن ! ما أستغربها مـ
قاطعها بهدُوء : لا
الجُوهرة أرتبكت من هدُوءه لتُشتت أنظارها. تشابكت أصابعها.
سلطان وعينهُ تُركز في الآثار التي على عنقها وبدأت تختفِي تدريجيًا ، طال صمتهُم لتقف الجوهرة مُتجاهلة جسدِه الجالس وبنبرةٍ جاهدت أن تخرج بإتزانٍ أكثر : تآمر على شي ؟
سلطان مُلتزم الصمت تمامًا ، جمُود ملامحه لا يجعل للجوهرة فرصة التخمين بماذا يُريد أو حتى يشعر. نظرت إليْه لتُعيد سؤالها بربكةٍ ظاهرة : تآمر على شي ؟
سلطان بهدُوء : بيفرق معك لو آمر على شي ؟
الجوهرة بقسوةٍ بانت في نبرتها : لا ماراح تفرق مجرد أداء واجب
سلطان تنهَّد ليقف ويتركها في وسطِ حمم القسوة التي لاتليقُ بها ، نزل للأسفل مُجيبًا على هاتفه : هلا بو ريان
،
تسيرُ بجانبه في منطقة اللاديفانس الأكثرُ أمنًا في باريس الصاخبة وأيضًا الأكثر تحضُرًا. لم أرفض ليس رغبةً به وبالجلُوس معه ولكن أُريد أن أشاركه الحقد الذي كان يفرغه عليّ في وقتٍ كُنت أرى الخطأ من جلوسنا مع بعض لكن هذه المرَّة مُختلفة. هذه المرَّة أنا راضية تمامًا وراضية على قهره ولن أبكِي على أنني قاسية عليه أبدًا ، يستحق أكثرُ من ذلك.
عبدالعزيز جلس على المقاعد التي على الرصيف لتجلس هي الأخرى بجانبه : كيف حفلتك أمس ؟
عبدالعزيز فاض بقهره من سؤالها ليُردف ببرود : حلوة
رتيل أبتسمت بتمثيل تقويسة البراءة : بس حلوة ؟
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليْها : تجنن
رتيل : هههههههههههههههههههه كويِّس
عبدالعزيز تنهَّد ، لتُردف رتيل بإستفزاز واضح : بسم الله على قلبك ما يصير كذا عريس وهذا منظرك !
عبدالعزيز : كلمة ثانية وبفجِّرك هنا
رتيل أبتسمت لتقف : ماأحب أجلس، بتمشى
عبدالعزيز : أذلفي لأي مكان
رتيل ببرود : يعني بتجلس هنا ؟
عبدالعزيز يُخرج سيجارة لتندهش رتيل بشدَّة من أنهُ " يُدخن " ، أردفت بإندفاع : تدخن ؟
عبدالعزيز الذي لا يُدخن أبدًا ولكن في الفترة الأخيرة بات يشتهيها في إضطراب عقله : ماهو شغلك
رتيل سحبتها من فمِه بغضب : وأبوي يدري ؟
عبدالعزيز بعصبية لوَى إصبعها ليجعلهُ يقترب من مُلاصقة ظاهِر كفَّها ، سقطت السيجارة على الأرض لتخرجُ " آآه " من فمِها الصغير ، سحبت يدها وهي تضغط على أصبعها من الألم : أحسن أنا ليه حارقة دمي إن شاء الله تموت منها !!
عبدالعزيز تجاهلها وهو يدُوس على السيجارة ويُطفئها ويُخرج الأخرى.
رتيل أتجهت للطريق الآخر لتدخل المجمَّع التجاري Les Quatres Temps وتفرغ غضبها بمحلاتِ العطُور التي تستنشق بها كل الأنواع وكأنها تستنشق " حشيش " حتى يُصاب رأسها بالصُداع وتنعس.
بقيَ يتأملُ المارَّة ، الخطوات الثقيلة والخفيفة ، المُبتهجة والمكسُورة ، الحُزن الواضع بهذه الأقدام أو الفرح المُتراقص بها ، سيقان الإناث الهزيلة أو الممتلئة ، أو سيقان الرجال المُتشعبة ، نفث دُخانه بات يكتسب الصفات السيئة تباعًا. حتى وأنا أدخن أشعرُ بالضمير الذي يحرق عليّ إستمتاعي بهذه السيجارة. أسقطها على الأرض ليُطفئها بقدمِه. وقف مُتجهًا ناحية المُجمع حتى يبحثُ عنها ، أنتبه للممر الذِي يخرجُ منه أحدٌ ينظر إليْه بريبة ، ألتفت للخلف ليجِد شخصٌ آخر ينظر إليه ، يحاصرُوني من كل جانب ، حك جبينه ليُكمل سيره وهو يشعرُ بالنظرات التي تُراقبه ، ألتفت لمن حوله يُريد أن يراها ، هؤلاء لا ينتمُون لرائد الجوهي أنا أعرفهم تمامًا هؤلاء مُختلفين. دخل الصخب وضاعت نظراته من الأدوار وإتساع المجمَّع ، وقف يُفكر بإتزانٍ أكثر. ليخرج مُتجهًا للممراتٍ فارغة بعيدة عن تجمُع الناس. وبمهارة أدخل يديْه في جيبه ليفتح هاتفه وهو مازال في جيبه ، كتَبْ " لا تطلعين من المجمّع " ضغط على جهة اليمين حيثُ سجل المكالمات ، بأصبعه تجاوز أول رقم والثاني ليضغط على الثالث الذِي كان لرتيل. أبتعد عن المنطقة تمامًا بسيْره ليدخل ممرٍ ضيِّق ويبدأُ الركض بأقصى ما أعطاهُ الله من قوَّة ولياقة. مُجرد وقوفه ليأخذ نفَس جعله يرى الأقدام التي أمامه ، رفسهُ بين ساقيْه ليسقط ، أتى من أمامه ليُمسك رأس عبدالعزيز ويصطدمُه بقوَّة على الجِدار ، سالت دماءُه من مؤخرة رأسه ليتضبب بصره ، رفع عينه ليلكمُه الرجل الأشقَر ذو الملابس العادية التي تُظهر أنه كعامة الناس. سقط عبدالعزيز على الأرض و كانت ستأتِي رفسةٌ من قدم الآخر على أنفه ولكن مسكها عبدالعزيز ليلوِيها ويُسقطه أرضًا ، وضع قدمه على صدرِه ليرفعه بشدَّة من شعره الأشقر ويضغطُ عليه بقوَّة من باطِن رقبته حتى أغمى عليه. أخذ سلاحه وأخرج من جيبه علبة الرصاص وأتجه بعيدًا وهو يمسح بطرفِ كُمه الدماء التي تسيلُ من رأسه ، بخطواتٍ سريعة خرج من الممر الضيِّق الموحش ، أدرَك بأنهُ في خطر كبير وأدرَك بفداحة الخطأ الذِي فعله ، سيقتله عبدالرحمن لو علِمْ أنني تركت رتيل لوحدِها ... بكل تأكيد سيفقد ثقته بيْ. وضع يدِه على رأسه يُريد أن يفكِر بإتزانٍ أكثر ، أتصل ولا إجابة ، أسند ظهره على الجِدار حتى يأخذُ نفَس أكثر ، كانوا أكثر من ثلاثة أشخاص ، أين البقية ؟ ضغط على رقمها مرةً أخرى ولا مُجيب ، أرسل إليْها رسالة " ردِّي بسرعة ماعندي وقت " أنحنى جانبًا في إحدى الزاويَا ليُخرج سلاحه وهو يُجهِّزه ، وضع أداةٍ حادة صغيرة تُشبه المشرط بين أسنانه وهو يُدخل في جيبه علبة الرصاص ، أهتز هاتفه ليجد رسالة منها " حاول تترجى أكثر بكلا الحالتين ماراح أرِّد ولا أبي أرِّد "
في داخله أراد أن يراها ويطحنها بفكُوكه ، لم يُكمل حديثُ النفس هذا إثر شعُوره بفوهةِ السلاح التي تلتصق برأسه ، بلكنةٍ فرنسية : أسقط السلاح !
عبدالعزيز بألم أدخل الأداة الصغيرة تحت لسانه وهو يشعرُ بتجريحها وطعمُ الدماء التي تغرق بفمه ولكن لا حيلة له أخرى إن تجرَّد من السلاح. وقف ليُخبره الآخر : دُون أيّ فوضى حتى لا تخسر نفسك ، تخرج الآن أمامي
عبدالعزيز بخضوع تام سار خارجًا للشارع المُكتظ ومن خلفه الرجل الذِي لم يرى ملامحه بعد ، يشعرُ بفهوة السلاح على خصره بعيدًا عن أعين الناس ، لكنتُه الفرنسية لا تُشعرني بأنه فرنسي الأصل ، لا من المستحيل أن يكُون من أتباع رائد. شعر بإهتزاز هاتفه ، أدخل يده وهو يُجيب ولا يعرف من. كان صوتُ المارَّة فقط من يُجيب طرف الآخر ، لا يستطيع أن ينطق جملة يخاف أن يبلع الأداةُ الصغيرة إن تحدَّث بشيء. تمنى لو أنه بوسعود سيعرف بالتأكيد بنباهته. نظر لرتيل وهي تخرجُ للطريق المجاور ، أراد أن يصرخ فقط لتبتعد ، بنبرةٍ خبيثة : حبيبتك
عبدالعزيز تقيأ دماءه على الأرض والأداة ليلتفت ويلكُمه أمام الناس التي تمُر وتنظر بإستغراب ، كان يُدرك بأنه لا يستطيع أن يُمسك سلاحه بطريقٍ عام وسيورط نفسه لو حاول قتلِي بمنطقة كهذه. سحب السلاح بخفة لجيبه وبلكنته الفرنسية التي تعلمها منذُ الصغر : شكرًا على غباءك ... سحب محفظته وأخرج بطاقة هويته وتركه على الأرض ، بخطواتٍ تسبقُ الدقائق أتجه للطريق الآخر ، بحث بعينه ليراها تهمّ بدخُول إحدى الطرق ... سحبها لتنتفض برُعب : خييير ؟
أتسعت محاجرها من منظرِ الدماء التي حول فمِه ، عبدالعزيز بغضب : ولا أسمع نفَس ... أتجهُوا حيثُ مكان وقوف سيارتِهم ، ركبت بصمتٍ مُهيب ومن المرات القليلة التي تخافُ منه بهذه الشدَّة.
أخذ قارورة المياه وفتح باب سيارته ليتمضمض ويُطهِّر فمه من الدماء ، سحب منديلا ومسح وجهه بأكمله ولم يُبالي برأسه المجرُوح ، حرَّك سيارته ليُخرج هاتفه وهو يقُود ، ينظرُ لآخر مُكاملة وكانت " ناصر ". أتصل عليه ليُجيبه بعصبية : وش صاير لك !! يخي ساعة أكلمك ولا ترد
عبدالعزيز : فتحته بدُون لا أحس توني أنتبه ..
ناصر : طيب أنا الحين عند أبوي بعد شوي أكلمك عندي موضوع مهم
عبدالعزيز : طيب .. وأغلقه. .. دُون أن يشعر عضّ طرف لسانه لتخرُج منه " آآخ ".
ألتفتت عليه بإندهاش ، بصدمة لا تعرف كيف تتحدث بكلماتٍ مُتزنة.
يُكمل قيادته وهو يمسحُ الدماء التي تنهمر في منديله ، ينظرُ للمرآة الخلفية والسيارة الواضحة أنها تتبعهم : أتصلي على أبوك بسرعة
رتيل بربكة أخذت هاتفه وضغطت على رقم والده ووضعته على " السبيكر " ، عبدالرحمن : ألو
عبدالعزيز بصوتٍ مختنق : قاعد يصير شي غريب ! فيه ناس يراقبوني الحين وما هُم من الجوهي أنا متأكد من هالشي ..
عبدالرحمن الذِي قام من مقعده : وينك فيه ؟
عبدالعزيز : الحين طالع على شارع جورج سانك
عبدالرحمن : طيب وين رتيل ؟
عبدالعزيز : معايْ .. مقدر أجيكم .. واليوم موعدي مع رائد ! هالصدفة ماهي كذا
عبدالرحمن بدآ يفقد إتزانه بالتفكير : طيب لحظة ..
عبدالعزيز بعد صمت لدقائِق وهو يخرجُ لطرقٍ بعيدة عن باريس ومازالت السيارة تُراقبه ، بتوتر : قرَّبت أطلع من باريس
عبدالرحمن الذِي كان ينظرُ للخريطة من الآيباد : قاعدة أدوِّر لك أقرب مكان .. مو معك سلاح صح ؟
عبدالعزيز : لا تهاوشت وخذيت
عبدالرحمن بدهشة : صاير شي ؟
عبدالعزيز : شوية جروح بس ! ورتيل ماجاها شي
عبدالرحمن أطمئن قليلاً : طيب أنت تدل دُوفيل صح ؟
عبدالعزيز : مقدر الحين أنا في جهة الشمال
عبدالرحمن تنهَّد : عز قولي أماكن تدلَّها عشان نتصرف
عبدالعزيز ينظرُ للوحة التي تُشير لـ Rouen 130 km : روَان قدامنا ..
عبدالرحمن : طيب خلك فيها وإحنا بنجيك .. كم شخص ؟
عبدالعزيز : أتوقع واحد اللي ورايْ لأن واحد أغمى عليه والثاني اللي سحبت منه السلاح
عبدالرحمن بتوتر كبير وكلماته تتسارع : طيب يمديك تتوّهم .. لا تدخل بمناطق ماتعرفها وتضيع ..
عبدالعزيز بقلق : طيب متى راح تجون ؟
عبدالرحمن : أنا الحين بروح أشوف بس أهم شي روحوا لمكان آمن .. بطاقتك معك ؟
عبدالعزيز يخرج محفظته ليتأكد : إيه .. طيب خذيت بطاقة الهوية مدري الرخصة حقت اللي مسكني .. إسمه حتى مو واضح البطاقة مكروفة
عبدالرحمن : طيب خلاص ركِّز .. أتصل عليّ بس يصير شي .. عطني رتيل ؟
عبدالعزيز بسخرية : تسمعك
عبدالرحمن بغضب من أنه وضعه على " السبيكر " وجعل رتيل تسمع كُل هذا : عـــــــــز
عبدالعزيز : بنتك ماهو أنا
عبدالرحمن تنهَّد : طيب .. أنتبه و بتصل عليك بس يصير شي وأنت بعد ... أغلقه.
عبدالعزيز : بدل جلستك يالباردة جيبي المناديل وأمسحي الدمّ
رتيل بقهر وهي على وشك البكاء : أنت الحين اللي لا تكلمني
عبدالعزيز بغضب : رتيييل لا يكثر وجيبي المناديل
رتيل أخذت المناديل وألتفتت بكامل جسمها لتمسحُ ما حول فمِه وبغضب شدَّت على مسحتِها ، عبدالعزيز أبعد رأسه : والله لو أني يهودي
رتيل : مين هذولي ؟
عبدالعزيز : ما أعرف
،
،
عانقتها بإشتياق كبير لتُعانق من بعدِها ضيْء ، أبتسمت : وين رتُول ؟
عبير : رايحة مع عز
أفنان عقدت جبينها : مع أنه قالت لي أمي بس يخي ماتقبلت الموضوع للحين وأنها تزوجت
عبير بضحكة : لآ رجعنا بيعلنون للعالم بعدها بتحسِّين
أفنان أبتسمت : شلُونك ضي ؟
ضي بمثل إبتسامتها : بخير الحمدلله .. طيب أمشوا نطلع أختنقت من الجو هنا
خرجُوا من المحطة ، لتسيرِ أقدامهُن الرقيقة على الرصيف ، عبير تنظُر للغيم : شكلها بتمطر
أفنان : من كثر ما أمطرت في كان صرت ما أحب المطر
ضي : وش سويتي في كَان ؟
أفنان : أريح من باريس كله سعوديين وعرب .. يعني الشغل بس برا نادر ماألقى عرب
ضي : و المُحاضرين ؟
أفنان بإبتسامة عريضة : فيه سعودي واحد و ثاني أردني والباقي أجانب
عبير تُخرج هاتفها لترى مُحادثة من رتيل قبل ساعتيْن " خلِّي أبوي يتصل عليّ " ، كتبت لها " موجودة ؟ " طال إنتظارُ عينها على الساعة لتعرف أنها بعيدة عن هاتفها. : غريبة رتيل راسلة لي أتصل على أبويْ
ضي أخرجت هاتفها : اليوم عندهم شغل أصلاً ... لحظة ... دقائق حتى أجابها بإتزانٍ أكثر بعد الربكة التي حصلت : هلا ضي
ضي : هلابك ، مشغول ؟
عبدالرحمن : لا .. خذيتوا أفنان ؟
ضي : إيه معانا الحين .. رتيل راسلة لعبير عشان تتصل عليها
عبدالرحمن : إيه خلاص كلمتها
ضي : طيب كويِّس
عبدالرحمن : وين بتروحون ؟
ضي كانت ستتحدث لولا أنه قاطعها : خلوكم في المنطقة نفسها لا تجوني
ضي رفعت حاجبها بإستغراب : يعني نجلس هنا ؟
عبدالرحمن : إيه وبجيكم بعدها
ضي : طيب .. تآمر على شي حبيبي ؟
عبدالرحمن : سلامتك وأنتبهوا على نفسكم ... بحفظ الرحمن .. أغلقه
ضي : أبوك يقول نجلس هنا ومانرجع
،
بتوتر عظيم بلعت ريقها لتُردف : موافقة
بضحكةِ عين والدتها وبإبتسامة أشدُ إتساعًا : هذي الساعة المباركة
هيفاء أبتسمت والإحمرار واضح على ملامحها الصبيَّة ، دخَل منصُور ويوسف ووالدها معًا : السلام عليكم
: وعليكم السلام والرحمة
هيفاء كانت ستخرج لولا نداء والدها : صايرين مو قد المقام
هيفاء بحرج : وش دعوى يبه بس يعني نومي متلخبط وكذا و أسهر
يوسف بخبث : إبتسامة أمي هذي وراها علُوم
والدتها : دامكم أجتمعتم بفاتحكم بالموضوع
بلمح البصر أختفت هيفاء التي سارت بخطواتٍ سريعة خارج المجلس.
والدتها بإبتسامة : ولد عبدالله القايد خاطب هيفا
يوسف يُمثِّل جهله بالموضوع : جد ؟
والده : والنعم فيه
منصور ينظُر ليوسف بشك ويُقلد صوته : جد!!
يوسف ضحك وهو يسكُب له من القهوة : عن نفسي موافق
منصور : وأنا موافق
والده : دام أخوانه موافقين أنا بعد موافق الرجَّال ما يعيبه شي
والدتها : أجل أنتظر الرجال يومين بالكثير وهُم جايينك أهم شي خذوا الموافقة المبدئية
يوسف : والله وبناتك يا يمه صاروا بخبر كانَ
والدتها بضيق : هذي سنة الحياة نكبِّر ونربي بعدين غيرنا يآخذهم منَّا
يوسف ينظُر للخادمة التي تجلب عبدالله لوالده ، منصور ضحك : وحبي له
يوسف : على وش يا حظي ؟ شايف خشمه
والده : شف على كثر ما تتطنز على ولده الله بيبتليك ما بقى شي ما عيَّبت عليه
يوسف بإبتسامة : أنا واثق بنسلي حتى الجيل الثالث
منصُور يرفع إبنه : كله زين بس بعض الناس ما تشوف
يوسف : أستغفر الله الواحد يستغفر لذنوبه على هالولد
منصور يحذفه بعلبة المناديل : قل يعدد حسناته يوم الله رزقه بهالشيخ
،
في غُرفتها المنزويـة بهذه الشقة في جهةٍ بعيدة ، مُتربعة على السرير وبمُقابلها سَارة. ترفع شعرها لتتمرد بعض الخصَل : ما شفتها كثير
سارة : طيب كيف يعني شكلها أوصفي ؟
أثير : مدري ما أعرف أوصف يعني مقبولة
سارة رفعت حاجبها : هذا الكلام من الغيرة ولا صدق
أثير بإبتسامة ثقة : أغار ! لو يبيها ما تزوَّج عليها
سارة : طيب .. أنا طفشت خلينا نطلع
أثير : عزوز حالف أني ماأطلع اليوم
سارة : بدينا حلف وسوالف مالها داعي
أثير : بخليه هالأيام بس بعدين مستحيل يمشِّي كلامه عليّ .. وأصلاً أحسه بيطلق الحلوة اللي معه
لتُردف : تدرين يقولي بخليك تتحجبين !!
سارة : بس ترى عاد شخصيته قوية يعني بيمشي كلامه عليك
أثير : ماني حمارة أمشي وراه ! لي شخصيتي وله شخصيته ... قاعدة أفكر بعدين لا رجع الرياض
سارة : بترجعين معه ؟
أثير : أبوه الله يرحمه كان يشتغل في الرياض وأهله هنا .. يعني عادي عشان كذا بجلس
سارة : وبتخلينه معها ؟
أثير بسخرية : يشبع فيها
سارة : صح على طاري أبوه! قبل فترة يخرب بيت الشبه تخيلي من شفت ؟
أثير ببرود : غادة ؟ شفتها بعد
سارة بدهشة : تشبهها مررة .. الله يرحمها ويغفر لها
أثير : أول ما شفتها تعوّذت من الشيطان بعدين تحسينها مريضة أو فيها شي يعني وجهها مرة أبيض .. بس غادة الله يرحمها بياضها مو كذا
سارة : إيه صح بس نفس الملامح الخشم والعيون .. يممه يالعيون نسخة
،
رائِد بغضب : كيف يعني ؟ بس أرسل مسج ؟
: إيه قال أنه ما يقدر يجي اليوم
رائد تنهَّد : يعني تتعطل أشغالنا فوق ماهي متعطلة ! وش صاير معه هالصالح !!!
دخل فارس : السلام عليكم
: وعليكم السلام
رائد الذِي جلس بالشقة بعد أن علِم بإعتذار صالح له ، أردف : وين رحت ؟
فارس بسخرية : الملاهي
رائد ببرود : طيب ..
فارس رفع عينه لوالده وبيأس : أنا قررت أتزوج
رائد بسخرية لاذعة غرق بضحكته ليُردف بين ضحكاته المُتفجرة : لايكون حاط عينك على وحدة ؟
فارس ينظرُ لضحكات والده ، يعترف لذاته بأنه مجرُوح الآن من هذه الضحكة والسُخرية : لا
رائد : أنا أقول نام عشان تصحصح شويْ
فارس : وانا مصحصح !!! أبي أتزوج
رائد : بالله ؟ طيب قولي مين !
فارس : قلت لك ما أبي أحد مُعيِّن ! أبي أتزوج أي وحدة
رائد : وليه ؟
فارس : كذا
رائد : لآ أبي أعرف السبب لأن واضح ماهو عشان زواج
فارس : إلا عشان زواج لا تخاف أنا ما ألعب بأحد عشان مصلحة
رائد أبتسم : إيه عرفت أربيك
فارس بضحكة : ما قصرت والله
رائد : طيب .. وأنا أقولك يا حبيبي .... لآآآآ *أردف الرفض بحدةٍ قطعت برود كلامه*
فارس تنهَّد : يعني تبي تجلسني عندك إلى متى ؟
رائد يُشير إلى رأسه ليُردف : مزاج
فارس وقف : طيب يا يبه أنت تبي تخسرني ماهو أنا .. صدقني قادر أبتعد وما أسأل عن اللي ورايْ
رائد يُقلد نبرته : وأنا صدقني قادر أنهيك ولا أسأل أنت ولدي ولا غيره !!
،
بنبرةِ الضحكات تلتفتُ لها الصغيرة الأنيقة : مبرووووك ، تأتِي الأم الأشدُ اناقة بإبتسامتها ، تُبخِّرها لتُردف : مبروووك يا بعد عيني. الأب السعيد يقرأُ عليها : يالله أحرسها .. تنظرُ إليْهم بإبتساماتٍ هادئة : وين عبدالعزيز ؟
و كأن بُخارًا يتلاشى حتى تسمعُ صوتها الضيِّق ، خلخلت أصابعها في يدِ والدتها بهمس : يمه ردِّي عليْ .. يممه .. لا تخليني .. لا تموتين .. يممه ردِّي عليْ .. يممممه ...
بدأت دمُوعها تسقط بإنهمار مع سماع أصواتِ المُلتفين حول السيارة ونبرةُ الشرطة : يممه . .
تحشرج صوتها وهي تشعرُ بفقدها للوعيْ : يبــــه .. يبـــــــــــــــــــــه ...
رمشت عينها لتسقط دمعةٍ وتفتحها على السقف الأبيض والأجهزة حولها مُلتفَّة. نظرت لمَا حولها لتبكِي بشدَّة : يممه .. يمـــه .. يمـــــــه
دخَلت الممرضة لتُثبت جسدها على السرير. رؤى بإنهيار كبير تدفعها : أبي أمي .... وين أمي ؟ .. وين هديل .. ويننننهم
الممرضة بعدم فهم ، بإنجليزية ركيكة : أرجوك أهدأي
دخَل وليد : رؤى
رؤى تنظرُ إليه بضياع : وين أمي ؟ وينها !!
وليد تسارعت نبضاته ليُردف : رؤى ؟؟
رؤى : مين رؤى !! أبي أمي .. جيب لي أمي
شعَر بإختناقٍ فظيع وهو يُردف للممرضة : هل لك بأن تتركينا قليلاً ؟
الممرضة بإستجابة خرجت مُلتزمة الصمت.
وليد جلس بجانبها : وش صار ؟
رؤى ببكاء : أنا أعرفك ! صديق عزوز ؟
وليد : إيه .. طيب يا ..
رؤى تمسك رأسها : أنا ! أنا .. ياربي وش صار !! وين عبدالعزيز ؟
وليد : عبدالعزيز !!
رؤى تصرخ به : أبي أخوووووووووي
وليد : طيب طيب .. أهدي بجيبهم لك
رؤى بضعف وإنكسار : و ناصر ! أبي ناصر بعد
وليد : طيب
رؤى وكأنها تذكرت أحدًا لتُردف بجنون : وين هديل ؟ هديل وينهااااا .. رد عليّ أنت تعرف بس ماتبي تعلمني .. أيه عرفتك عرفتك أنت الدكتور ! صح قولي صح أنت أسوأ دكتور شفته بحياتي
وليد أبتسم ومحاجره تختنق بإحمرار لأنه أدرَك أنها تستعيد ذاكرتها وتعيش التخبط بين ذكريات ما بعد الحادث وما قبله : إيه أنا أسوأ دكتور
رؤى بهذيان : وين أبوي ؟ .. وينههم كلهم !!
وليد هز كتفيْه : مدري .. ماأعرف
رؤى : أنت كذااب ! أبي ناصر .. جيبي لي ناصر .. ناصر ما يخبي عني شي
وليد عقد حاجبيْه : بجيبه لك .. بس أهدِي
رؤى صمتت لثواني لتبكِي وتتعالى ببُكائها : أبوي ما مات صح ؟
و كلمة " الموت " مؤذية لقلب كُل شخص فكيفْ أنا ؟ أنا المُتعذب بك : صح
رؤى هدأت أنفاسها براحة : وعبدالعزيز ؟ ما جاء ويانا الحمدلله طيب وينه ؟
وليد : بيجي
دخلت الممرضة ومعها إبرة مُهدأة ، رؤى تنظرُ لوليد بغرق حُبها الذي تجهله : روح أتصل عليهم .. نادهُم ليْ
وليد : إن شاء الله ..
تُغرز الإبرة في ذراعها لتهدأ أكثر مُستعدة للدخول في نومٍ عميق ، بكلماتٍ مُتقطعة : عبدالعزيز .. عـ ...
وليد أغمض عينيْه ليمسح دمُوعًا لم تخرج بعَد ، خرج من غُرفتها في حيرةٍ شديدة ، هي أستعادت ذاكرتها بحادثٍ مثل ما فقدته ولكن تتذكرني ! تعيش التخبط. يالله وكأنهُ ينقصنا ؟
،
أشتَّد تفكيره المُتذبذب ، عرَف رغبة عبدالمحسن ولن يُمانع منها بالنهاية يبقى أخيه مهما حدَث ، رُبما النصيحة تُفيد أو لا أعرف تماما ما يُفيده تماما ، لا يهمُني كل هذا ، الأهم أنني كيف أعيش ؟
قاطع تفكيره دخُول أحمد : فيه حالة حريق بحيِّك
سلطان وقف : بيتنا ؟
أحمد : لا .. من رجال الجوهي .. حارقين الفلة اللي قدامك
سلطان يأخذ هاتفه ليخرج مع أحمد ، يتصِل على عمته التي لا ترد وتشغلُ باله أكثر : الأمن هناك
أحمد : مسكرين الشارع
سلطان : مين اللي مسكرينه
أحمد بتوتر : أقصد صعب يوصلون الحيّ ! الطريق زحمة
سلطان ألتفت عليه بصدمة : الحي مافيه أمن !!
أحمد بربكة أكثر : إيه
سلطان يتصل على الجوهرة : زحمة وين في أي طريق ؟
أحمد : صاير حادث مروري
سلطان بعصبية : هذي مو صدفة .. قاعدين يستفردون فينا
،
هطل المطر بشدَّة والبرق يُرعب نفسَها التي تخاف ، منظرُ السماء في الغرُوب يُربكها أكثر : أبوي ما قال بيجي ؟
عبدالعزيز : إيه ..
رتيل بغضب : طيب الحين وش نسوي ؟
عبدالعزيز ببرود : طقِّي أصبع
رتيل : أكلمك جد!! والدنيا مطر يعني وش بنسوي
عبدالعزيز : شوفي تراني تعبان ومواصل والنفسية زبالة فأكرميني بسكوتك
رتيل تخرج هاتفها لتندهش من ضياع الشبكة : أيوآآ هذا اللي كان ناقص ! يعني وش بنسوي ؟
عبدالعزيز : قربنا نوصل لـ روَان
رتيل : طيب وأبوي كيف بيدِّل ومافيه شبكة الحين
عبدالعزيز : يهدأ المطر ونوصل هناك إن شاء الله بعدها ندق عليه
رتيل بقهر : ياربي .. أنا غلطانة أني جيت معك
عبدالعزيز أبتسم : جيبي المناديل وأمسحي وأنتِ ساكتة
رتيل بحدَّة : ماأشتغل عندك
عبدالعزيز الذِي يسير ببطء بسبب الأمطار القويَّة : تراك الحين تعتبرين كأنك مسافرة ومحد عندك ..
رتيل : تهددني ؟
عبدالعزيز : أعتبريها زي ماتبين
رتيل بقهر أخذت المناديل وأقتربت منه لتُردف : ما شفت مجانين زيِّك في أحد يبلع مشرط مدري وشو ذي الحديدة
عبدالعزيز : ماهو شغلك .. توقفت السيارة
رتيل : ليه وقفت ؟
عبدالعزيز صمت لثواني طويلة : شِتْ هابنز !!
رتيل أتسعت محاجرها : لا تقول أنها تعطلت .. عشان ماأنتحر
عبدالعزيز يخرج هاتفه ليرى أنَّ ليس هُناك شبكة ، حك جبينه ليلتفت على رتيل : رحنا ملح
رتيل بخوف : من جدك ؟ سوّ أي شي ..
عبدالعزيز يسحب معطفه ويرتدِيه : بشوف وش صاير يمكن أقدر أصلحه .. فتح الباب ليهب الهواء الشديد البرودة عليهم ، نزل و رأى كفارات السيارة الأمامية المثقوبة ، دخل مرةً أخرى : شكله داخل مسمار في الكفارات
رتيل : طيب ؟
عبدالعزيز يشد على معطفه وهو يشعر بالبرودة ، أغلق السيارة : ننتظر لين يهدى المطر
رتيل بغضب كبير : أنا وش ينطرني ! طيب إذا ما طلعوا لنا مرة ثانية !
عبدالعزيز : ضيَّعناهم ولا ما ضيَّعناهم ؟
رتيل : إيه بس
عبدالعزيز يقاطعها : اجل أبلعي لسانك
،
يجلسُ بجانبه ، بلع ريقه وهو يشعُر بقهقهة الحياة الساخرة ، أردف بذبذبةِ صوته الذِي يخُونه ، شعَر بجنُون الحب الذِي لا يصدق ما سَمِع ، شعَر بشعُوره جيدًا : آسف
ناصر أبتسم : على ؟
فيصل : أنا أعرف .. يعني بصراحة مدري كيف أقولك
ناصر : عادِي قول
فيصَل أخذ نفس عميق وكانه يغوص الآن لا يُدرك حجم الغرق الذِي سيسببه لناصر : بعد حادث باريس .. يعني .. أنا أبي أقولك أنه .. أنه يعني ...
شعر بأنه يختنق ، فتح أزارير ثوبه : والله مدري كيف أقولك
ناصر وقلبه بدآ يتصادم بشدَّة : يتعلق بمين ؟
فيصل : زوجتك
ناصر : إيه
فيصل : أنه .. يعني .. زوجتك .. صار .. يالله رحمتك .. زوجتك في باريس
ناصر ضحك لا يستوعب تماما : إيه عارف . . قبرها في باريس
فيصل : لأ .. يعني هي هناك
ناصر تجمَّدت ملامحه : مجنون ؟ كيف هي هناك !
فيصل بكلماتٍ مُتقطعة خافتة متوترة مرتبكة : يعني .. أنا عارف ماراح تصدقني .. يعني كيف إنسان ميت وبعدين حيَّ .. بس .. هذا اللي صار .. يعني أنا عارف أنك مصدُوم بس .. الله أراد هالشي وهذا قضاء وقدر .. زوجتك حيَّة يا ناصر
↚
فيصل بكلماتٍ مُتقطعة خافتة متوترة مرتبكة : يعني .. أنا عارف ماراح تصدقني .. يعني كيف إنسان ميت وبعدين حيَّ .. بس .. هذا اللي صار .. يعني أنا عارف أنك مصدُوم بس .. الله أراد هالشي وهذا قضاء وقدر .. زوجتك حيَّة يا ناصر
وقف وملامحه مُتجمِّدة لا تُصدق سوَى ضربات قلبه التي ترتفع بشهقاتٍ صامتة لا يُطلقها سوَى قلبٌ يئِّن ، تراجع للخلف ليصطدم بالطاولة وتسقط مُتناثرة الزُجاج. فتح أول أزارير ثوبه وعيناه تضيعُ في عين فيصل.
وقف الآخر بخوف : ناصر !!
ناصر الذِي أرتفع ضغطُ دمِه حتى نزف أنفه ، لم يُبالي بالدماء التي تُطلق هتافٌ خافت وتُناصر قلبه : مين ؟
فيصَل صمت لايعرفُ كيف يداوي جرحه الآن ، تكاد تخونه رجولته ويبكِي من شدِّة هذا الموقف.
ناصر وإغماءةٌ تقترب منه : زوجتي أنا !! غادة حيَّة ماهو لعب !! ترى هالشي ماهو لعب ...
فيصل شفق على حاله ليُردف : أنا عارف ...
صرخ به : وش تعرف !! وش تعرف ! تعرف كم مرررة بكيت عليها ولا كم مرة أفِّز من نومي عليها ... غادة حيَّة ! أنتم تكذبون ولا تبون تجننوني !!!! وبعدين وش يعرفك بزوجتي ؟ كيف تعرفها ؟
فيصل : بعد الحادث .. آآ يعني بعد الحادث راحت لمستشفى ثاني وهناك تلقت علاجها
ناصر بصوتٍ يكاد يموت : زوجتي ! .. يُشير إلى صدره ... زوجتي أنا ... وقبرها ؟
فيصل عقد حاجبيْه : تعوَّذ من الشيطان وأنا مستعد أخليك تسمع صوتها وتتأكد
ناصر يضع يده فوق شفته ليوقف النزيف من ملامسه شفتيْه ، رفع عينه المُحمَّرة وضربات قلبه تتدافع عند عنقه ، شعَر بأن روحه تخرج ، بأنها تتحشرج! هل من الطبيعي أن يرثي زوجته سنة ثم يُصطدم بوجودها وهو المتعذِّب بها !
سقط بقوة على الأرض ، تلاشت قوَّاه الرجولية ليسقط على ظهره ، أمام هذا الموت لا أملك قوَّة أكثر لأصدِّق هذه السخريات ، يا حُزني بك يا غادة! يا فجيعتي بك التي لا تنتهي منذُ ليلتنا تلك ، يا حُزني الذي لا ينفَّك. يا الله أرحنِي من هذه الدُنيا ، لا طاقة لي أكثر. أنا أُقبِل على الموت كما لم أُقبل من قبل ، حبيبتي التي أتت ليْ جحيمًا في المنام ، حبيبتي التي لم أنام لأيام بسببها ، خشيْتُ ان تتعذب ، كنت أخاف على جسدِها من النار! لم أستوعب بعد أنني أحببتها أكثر من نفسي ، لا مجال لأحدٍ أن يُشكك بأنني أحببت بشرًا من طين أكثرُ من نفسي ، يالله! أهذا مُزاح ثقيل تلقونه عليّ ؟ أهذا قلبٌ يستحقُ كل هذا ؟ أنا لم أفعل شيء في هذه الحياة يجعلها تسخط عليّ وتعصرني بيديْها هكذا! أعيني من حجر حتى تفعلُوا معي هكذا ؟ أقلبي يُشبه الجدار الذي توكأتُ عليه حتى تفعلُوا بي هكذا ؟ أنا أحبها كيف .. من أجل الله الذِي جعلني أعيشُ حتى هذه اللحظة ، كيف تفعلُونها بي بهذه البساطة والبسالة ؟ أنا .. أنا الذي أخترتُ الميلاد من عنقها وتربيَّتُ سنوات في ملامحها التي أتسلقُها ببطء كُلما حاولت التذكر كم يلزمني شيء حتى أحكي عن حُبها ؟ أنا الميتُ بها ولا أخشى الموت أكثر. لا أخشى أن أموت وأنا الضائعُ بهذه الحياة.
أغمض عينيْه الغير مُستوعبة ما حدث وأغمض قلبه الذِي تلاشت نبضاته بخفُوت وكأنها تُعلن إنتصار الحياة والظروف والأشياء الرديئة التي باعدت بينه وبينها.
أخرج هاتفه ليتصل بالإسعاف وهو يُجري على ناصر ما تعلمه من الإسعافات الأوليـة ، جمع كفيَّه ليضعه على صدره ويضغطُ بقوَّة ليرفعُ كفِّه بمثل القوَّة.
بصوتٍ مخنوق يُبلل ملامحه الباردة بالماء ، أتى الدُور النفسي الذي درسهُ من وليد ليُخبره بالقرب من إذنه : غادة تنتظرك ... غادة يا ناصر
،
يدخلُ بسيارته بين الأحياء الضيِّقة لعلَّها توصل بعد إغلاق الطريق العام ، مازال يواصل الإتصال ومازال لا أحد يُجيب ، تجاوزت سُرعته الـ 140 وهو يقترب من الحيّ الذي تتصاعدُ غيمةٌ رمادية فوقه ، ركن سيارته بسُرعة ليدخل وينظرُ للسائق الذي يُطمئنه بكلماتٍ سريعة لا يفهمها سلطان جيدًا.
دخل البيت لتبحث عينه عنهُم ، صرخ : حصـــــــــــــة !!
الصدى الذي ردّ عليه جعله يتأكد بان أحدًا في بيته ، أخرج سلاحه ليصعد للأعلى بخطواتٍ سريعة ، فتح جناحهم وعينه تبحث ، شعَر بقلبه الذي بحجمِ الكفّ يضيق حتى تحوّل لقطعةِ من طينٍ مكسُور .... نظر للحمام وخرج ليصعد للدور الثالث ، نظر لغرفة الجوهرة وهي مُشرَّعة الأبواب. أنتبه للنافذة العلوية المُتهشِّمة ، حاول فتح باب غرفة سعاد ولم يُفيد ، بقوَّة رفس الباب لينفتح وينظرُ لعمته والجوهرة في حالٍ يُرثى له. عينُ حصة التي لا تبكِي ولكن تشرحُ الرعب الذي زلزل أهدابها.
سلطان أدخل السلاح على جانب حزامه وهو يردُ على إتصال أحدهُم وبلهجة الوعيد : عطني ساعة وراح أجيك ..
حصَّة بغضب وإنفعال : هالبيت مانجلس فيه ! كيف يعني ..
لم تُكمل من عناق سلطان لها وهو يقبِّل رأسها بعد أن أدرك أنه مُجرد تهديد لهُم وأيضًا رسالة واضحة من الجوهي، لا أفهم لِمَ الجوهي على مدار هذه السنوات يواصل إبتزازه بأناس أبرياء ذنبهم أننا نُحبهم : بسم الله عليك .. الحين بيجون ناس وبيكونون عند البيت محد بيدخل عليكم
حصَّة بصوت مخنوق : وبعدين يا سلطان ! ما كفاك اللي راحوا تبي تروِّحنا وراهم
سلطان بضيق ينظرُ للجوهرة المستلقية على السرير دُون أن تتحرك وهي تضمُ يديْها على صدرها ، أبعد حصة ليُخبر عينيْها المُحمَّرة : تهديد يا روحي والحمدلله ما صار لكم شي! وهالشي ماراح يتكرر .. ثقي فيني هذا وعد
حصة تبحثُ عن هاتفها : فيه أحد تحت ؟
سلطان : الشرطة برا
حصة تمسحُ بكائها بكفِّها : طيب بروح أجيب جوالي بخلي العنود تجلس عند أبوها
سلطان : والخدم وينهم ؟
حصة : بغرفهم
سلطان تنهَّد وبخروج حصة أقترب أكثر ، جلس بالقُرب منها : الجوهرة
الجوهرة لا تردُ عليْه ، صوتُ إرتطام الزجاج في بعضه البعض على الأرض وهي جالسة مع حصَّة مازال يرنُّ في أذنها، وقوفها عندما نظرت للنافذة العلوية وهي تتكسَّر مازال ينهشُ بجسدها الضعيف، يدُ حصَّة التي سحبتها لأقرب الغرف وهي غُرفة سعاد مازالت تشعرُ به وبعروق يدِها التي تنبضُ بخوف، الأصوات التي لم تفهم لغتها ولكن كانت قريبة من الباب جعلتها تفهمُ أن هذه الحياة بسهولة تُسلب منهم ! بسهولة رُبما يختطفني الموت وبغمضة عين أيضًا.
سلطان وضع كفِّه على كفَّها ولكن سُرعان ما سحبتها لتُردف بحدَّة : بدري عليك تجنني مثلها
سلطان شد على شفتيْه ليقف : طيب أنزلي معاي
الجوهرة تستعدل بجلستها على السرير ، تحاول المُكابرة ولكن تنزفُ دموعها بوجَع، الألم أن أظهُر اللامبالاة وكلِّي يفيضُ بالشعُور. كلي يا سلطان يفيضُ بالحُزن ولا مقاومة ليْ لكُل هذه الحشُود التي تأتيني بمُجرد أن أراك. من الإجحاف أن تكون أمامي كالقبيلة وأكون أمامك كفردٍ ينتمي لهذه القبيلة ، من الإجحاف أن يأتيني حُبك قبائل أمام أنثى لا تعرفُ كيف ردُّ القبيلة.
أطال نظرُه به حتى خرج وتركها بالأعلى لوحدها ، وقف أمام الدرج يعرفُ أنها ستجبَن وتخاف، لن تتحمل الجلوس لوحدها بالأعلى.
تضارب قلبُها بقوة في صدرها ، لو أن أحدًا يستطيع أن يدخلُ من هذه النوافذ التي تمتلىء بالبيت، خرجت بخطواتٍ سريعة لتصطدم بصدره القاسِي وهي تبكِي، باللاشعور ضربت صدره لتنفجِر ببكائها وتهذِي بكلماتٍ لا تُفهم سوَى " ليه تسوي كذا ".
" ليه يا سلطان ؟ " ، أنا المجروحة أسفل الجناح الذِي يُحاصرك لِمَ كل هذا ؟ لِمَ أُعاتبك على كُل حال ! وأنت لن تسمع من الأساس كل ما تفيضُ به رعشة عيني ! يالله لِمَ تُحزنني هكذا !
مسك كفيّها ليُثبتهما ويسحبها إلى صدرِه ، مسح على شعرها لتغرز أظافرها بظهره الذي أعلنت التشبث به ، أغرقت قميصه العسكري بدمُوعها ، قرأ عليْها بصوتٍ أمتلىء بالبحَّة الخاطفة للأرواح : هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ باللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.
رفع وجهها الأبيض له ، مسح دمعاتُها الشفافة ليُقبِّل جبينها المُرتبك بتعرجاته ، أغمضت عينيْها المُرتعشتيْن ليهمس : خليك في غرفتنا بيدخلون عشان يصلحون هالأشياء ..
،
مُتكتفة لا تنطق بشيء بعد أن ألتزمت الصمت ، تنظرُ للأمطار التي تهطِلُ بغزارة على الزُجاج الأمامي ، لا شيء واضح سوَى أضواء السيارات التي تمُّر بخفُوت ، كل ثواني طويلة بطيئة تقطعها سيارةٍ واحدة دُون أن ينتبه أحدٌ بهذه الظلمة إليْنا. هذه الأضواء التي تظهرُ قليلاً وتختفي كثيرًا تُشبه وعودي الزائفة، أشهدُ أنَّ لا رجلٍ يتلاعبُ بتوازن هذه الأرض غيرك، يُحرِّك مظاهرِ مزاجي الكوني بين أصبعيْه كأنت ، أشهدُ أن لا حُب يأتِي بملء دموع السماء كحُبي. وأشهدُ ان لا عقل أقوى من هذا الحُب كعقلي الذِي يرفضُ كل محاولاتِ قلبي، أرأيت تسلُط عقلي وسطوته ؟ كل الأشياء التي نظرت إليْها بثقة يُدافع عنها عقلي الآن يا عزيز.
ألتفت عليْها : تدعين ؟
رتيل بهدُوء : اللهم باعد بيني وبين أسوأ عبادِك كما باعدت بين المشرق والمغرب.
بمثل هدوئها : آمين
رتيل بعقدة حاجبيْها : و قرِّبني إلى الصالح من عبادك.
عبدالعزيز : ماهو آمين يا رتيل
رتيل أبتسمت : ما تؤمن أنك صالح أبد!
عبدالعزيز ألتفت عليْها بكامل جسدِه لينظرُ إلى جروحها المُعرَّاة أمامه بهذا المطر ، هذا المطر الذِي يجعل النساء يخجلن بإلتصاق ثيابهن هو ذاته الذي يجعلنا نخجل عُريّ ندباتِ قلوبنا : أؤمن لكن فيه الأفضل
رتيل بنبرتها الحادة : أكثر بكثير
عبدالعزيز : وأنا ؟ أقل
رتيل ألتفتت عليْه بكامل جسدِها أيضًا : طيب أنا غلطت أعترف أني غلطت وتجاوزت حدود الله ! أعترف بكل هذا وتعلمت من أغلاطي لكن أنت !!
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة تُخالف صخب هذا الجو : كنت ردة فعل لأغلاطك
رتيل أبتسمت بشحُوب : كلنا غلطنا لا تحاول تبرأ نفسك وترمي غلطك عليّ
عبدالعزيز : ما أرمي غلطي عليك! أنا ممكن غلطت
رتيل تقاطعه بحدة : أنت غلطت ماهو مسألة ممكن وإحتمالات
عبدالعزيز : غلطت يا رتيل بس أنتِ اللي بديتي هالأغلاط كلها ! لما غلطت مرة شفت نفسي أغرق بأغلاطي .. كانت البداية سهلة منك ومنِّي بس الحين لا أنتِ قادرة تتخلين عن أخطائك ولا أنا
رتيل بقسوةِ صدقها : قادرة أتخلى وبالوقت اللي أبي! وجودي معك ماهو يعني أني أبيك!! أنا بس آخذ حقي من هاللي صار زي ما كنت تتسلى أنا بعد من حقي أتسلى
عبدالعزيز : تتسلين بأيش بالضبط ؟
رتيل : تعرف لما يقولك دكتور هذا الإنسان باقي له أسبوع ويتوفى لأن المرض ماله حل .. تعرف شعور شخص بالشفقة حتى لو مايحبه بيجلس معه طوال هالأسبوع .. بدافع الإنسانية
عبدالعزيز ثار بغضبه : مين المريض بالضبط ؟ أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بقسوة صوتها الطاغي على صوتُ السماء تشدُ عين عبدالعزيز لشفتيْها التي تنطقُ بكل ما هو جحيم : أنا أعرف أني مريضة فيك! أعرف ولا محتاجة أحد يشرح ليْ لكن أعرف أختار نهايتي زي ما أبي .. أعتبرني ما أقبل موتك بحياتي كذا بسهولة هالمرة .. بِدافع الحُب اللي كان ماهو الإنسانية
عبدالعزيز يسند ظهره على الكُرسي : الحب اللي كان !! كذابة
رتيل تنظرُ له بضياع ضرباتِ قلبها المُتصادمة ، ثبتت عينها بعينِه لتلفُظ ما هو أقسى على قلبِ عبدالعزيز : وربّ العزة أني عنك قادرة أستغني وأنه حُبك اللي خسرته لو تدوِّره العمر كله ماراح تلقاه فيني
طال نظرُه بها ، أربكها بعينيْه ، الكون الذي يتزن في حُجرةِ شفتيْك لِمَ يُسلِّط الجحيم عند بابه ؟ كنت أدرك بأنكِ منذُ النظرة الأولى " عذاب مُقبل عليْه " ، كُنت أدرك تمامًا منذُ لمحتِك أنني لمحتُ الموت وأنَّ الحُب في الزمان الذي جمعنا هو السيرُ بخطواتٍ مستقيمة للمقبرة التي لم تفرُّ منَّا يومًا وها هي حاضرة الآن لتشهد على كُفرِكِ بيْ وأنا المؤمن أشدُ إيمانًا بقلبك.
أبعدت عيناها لتنظُر للشباك : ما أصدق أنك تتلاعب في غيري لمُجرد أنك تحاول تسد الفراغ اللي فيك
عبدالعزيز بحدة : ما تلاعبت! أثير عُمرها ما كانت لعبة وأتلاعب معها !!! ثمني كلامك يا رتيل ماني ناقص رجولة عشان أتلاعب بإحساس غيري
رتيل أرتجفت شفتيْها من الغيرة التي تفضحها ، كُنت أعرف! والله كنت أعرف ولكن أردت أن أتأكد وليتني لم أتأكد : تحبها ؟
عبدالعزيز صمت لينظُر للسماء من الزجاج الأمامي.
رتيل أخفضت نظرها وبنبرةٍ خافتة وهي تلاصق كفيَّها المُتجمدتيْن بين فخذيْها : ما كانت أول خيار لك إلا لأنها تعني لك الكثير
ألتفت عليها بحدةِ حاجبيْه : تؤمنين بالحب قبل الزواج ؟
رتيل رُغم دهشتها من السؤال إلا أنها أردفت بهدُوء : لا ، عرفت متأخر أنه مخالفتي للدين يعني أني أخالف نفسي ، يعني أني أضايق نفسي ، عشان كذا ممكن أؤمن بالإعجاب قبل الزواج! ممكن أؤمن بأشياء كثيرة لكن الحب ما يجي بسهولة! صح ؟
عبدالعزيز : صح! مافيه شي إسمه حب من أول نظرة أو حب من أول لقاء ! فيه شي إسمه إعجاب بعدين إنجذاب بعدين حب ! وهالأشياء ماتجي الا بالممارسة والممارسة حرام! عشان كذا ...
رتيل تُكمل عنه وكأنها تقرأه تماما : الحُب ماله علاقة بمجتمعنا اللي شوَّهه بالممارسة! الحُب أسمى من كذا وبالنهاية هو أمر فطري ماله علاقة بممارستنا له! لكن ممارستنا نفسها هي الحرام
عبدالعزيز : يعني تؤمنين أنك سويتي الحرام
رتيل تحشرجت محاجرها ، هزت رأسها بالإيجاب : غلطت! غلطت بحق نفسي كثير.. لكن ..
عبدالعزيز : لكن تحسين أنك كفَّرتي عن هالغلط
رتيل بإندفاع : كلنا نغلط لكن فيه ناس يبقون في غلطهم وفيه ناس يدفعون ثمن غلطهم طول عمرهم! أنا أدفعه الحين! أدفع ... أدري أنك ماهو أكبر آمالك أنه تسمعها مني وأنا وعدت نفسي أصلا أني ماأقولها لك لكن بكون صريحة معك أني أنا أدفع الحين ثمن حُبي ..
عبدالعزيز بهمس : وبعدها ؟
رتيل : ماأؤمن بشي إسمه مقدر أنسى ! شي ماهو بإرادتي! قلت لك وبنفس صراحتي لك يا عز .. أنا قادرة أني أنساك وبنتظر الزواج التقليدي اللي بينسيني إياك
عبدالعزيز بنظراته الخاطفة : يعني قررتي ؟ قرار غير قابل للنقاش
رتيل هزت رأسها بالإيجاب لتُردف بعد ثواني صمت : قلت أنك ماراح تجرح أثير! وأنا ماراح أجرح نفسي بنفسي
عبدالعزيز : ليه تربطين الشيئين في بعض ؟
رتيل ألتفتت عليه لتنفجر بغضبها : تظهر رجولتك فيها! وأنك منت ناقص رجولة عشان تجرح بنت وتتلاعب فيها! أنت فعلا تبيها ! وبعدها تسألني ليه أربط ؟ طيب رجولتك هذي وقناعاتك ومبادئك اللي تربيت عليها ليه تغيَّرت معاي ؟
عبدالعزيز بهدُوء وسط صراخها : لأنك كنتِ إستثناء
رتيل تفتحُ أزارير معطفها وتنزع وشاحها الذي يلفُ حول رقبتها ، شعرت بأنها تختنق : طيب أنا قررتْ! لي طريق ولك طريقك
عبدالعزيز بإبتسامة مُختلفة عن ما أعتادته،إبتسامةٍ غرقت بها وهو يُظهر شُرفَة بسيطة على أسنانه : وإذا حصل ولقينا تقاطع ؟
رتيل ضحكت بين ربكة دموعها التي أختنقت في عينها.
عبدالعزيز : ممكن أجرِّب شي ؟
رتيل : لا
عبدالعزيز بمثل إبتسامته : مافيه شكرا على الضحكة
رتيل ألتفتت عليه بكامل جسدها مرةً أخرى : وش تجرِّب
عبدالعزيز أقترب حتى لامست شفتيْه ما بين حاجبيْها ، قُبلة رقيقة تُشبه قبلات الوداع : واضح أننا ماراح نلقى تقاطع !
رتيل فتحت عينيْها المغمضة بعد هذه القبلة التي جمَّدت الشعُور بها : ماراح أتنازل ولا أنت بتتنازل! مافيه أي تقاطع
عبدالعزيز تنهَّد ليبتسم مرة أخرى : طيب ، خلي الأيام الأخيرة لنا هنا تكون ذكرى ! ماأبغاها تكون حلوة بس إذا تسمحين لاتكون شنيعة
رتيل : هدنة ؟
عبدالعزيز : نقدر نقول قبل الإنفصال !
ألتزما الصمت بعد صوتُ الرعد ، سكنت حواسِه وعقله يضيق عليه ، لم يكُن ينقصه أن تواجهه بكل هذه القسوة الأنثوية ، هذه القسوة التي تعصفُ بقلبِ الرجل البائس! ليس من السهولة أن تحرقين قلبي! أبدًا ليس من السهولة أن تقعِي بحُب غيري! مهما كابرتِ أنتِ لن تجدين أحدًا تُحبينه إلا " عبدالعزيز " ، أنا يا رتيل.
رتيل : وش بنسوي ؟ أنا ماراح اتحرك من هنا
عبدالعزيز يأخذ الوشاح الذِي وضعته في حضنها : دامك بتبقين هنا ماأظن بيفيدك بشي
لفّ وشاحها على عنقه ورائحة عطرها تخترقُ مساماتِ جسدِه ، أخفى إبتسامته وهو يأخذ هاتفه ومحفظته ويخرج.
رتيل تنظرُ إليه غير مُصدقة : من جدَّه !
أنتظرت ثواني طويلة وهو يسيرُ على جانب الطريق بخطواته حتى أرتعشت من فكرة ان يأتيها أحد ولا وجود لشبكة هاتفٍ حتى تتصل ، فتحت الباب ليلتفت عبدالعزيز على بُعدِ خطوات : ضيفي لقاموسك أنك جبانة
رتيل أخذت أغراضها وسارت بإتجاهه : ما أستحي من خوفي بمثل هالمواقف
عبدالعزيز يُغلق أزارير معطفه ليُدخل كفيّه بجيبه والمطر يُبللهما ، سارُوا قُرابة الربع ساعة حتى ألتفت عليها : بردتي ؟
رتيل : لا
عبدالعزيز يفتحُ حجابها بهدُوء : محد عندِك! المويا يتشرَّبها حجابك وبكذا تبردين أكثر
رتيل وضعت حجابُها على رقبتها بدلاً من الوشاح الذِي أختطفهُ منها ، لم ترد عليه وهي تحتضنُ نفسها من شدةِ البرد.
عبدالعزيز ينظرُ لشعرها الذِي يتبلل بهدُوء ، لونه البندقي الذِي يُلاصق ببعض خصلاته خدَّها ، ألتفتت عليه : أول مرة تشوف شعري
ضحك ليُردف : أتأمله من الملل
رتيل تُبعد شعرها لجهةٍ واحدة على كتفها اليمين وهي تنظرُ للوحة التي تُرحِّب بهم في مدينة روَان الريفية : هذي هي !!
عبدالعزيز : إيه ... دخلُوا ولا أحد في الطريق ، الأقدام من هذه المدينة مختفية تمامًا.
رتيل تنظرُ للمقهى الصغير المقفل : مافيه أحد !!
عبدالعزيز : أكيد ماراح تشوفين أحد بهالمطر ... سارُوا بطريقٍ يؤدي لوسطِ هذه المدينة المُزهرة بالبساتين الخضراء وعلى جنباتِهم البيُوت العتيقة. أقتربُوا للمركزِ الذِي بدأت الأقدامُ عليْها تصخب ، سارُوا يمينًا حيثُ فندق ميركيور ، دخلُوا والبللُ يكسيهم تمامًا.
عبدالعزيز الذي يحاول أن يتفاهم معهم بطلبهم لبُطاقة تثبت هوية رتيل والتي لا تحملها في حقيبتها. بعد شدٍّ وجذب لم يستطع أن يُقنعهما.
خرجَا ليُردف : فرضًا ضعتي صار فيك شي لازم شي يثبت هويتك تحطينه معك دايم
رتيل : ما تعوَّدت طيب وش بنسوي الحين ؟
عبدالعزيز تنهَّد وهو ينظُر لمحل الملابس الذي أمامه سحب رتيل ليدخلان معًا ، أخذ قميص وبنطال يميلُ للرسمية ، وسحب لرتيل بنطال آخر وقميص.
رتيل : مستحيل ماراح ألبس هالشي
عبدالعزيز ولا يتناقش معها ، أتجها لغرف التبديل ، وبالفرنسية : إذا تسمحين !
رتيل : لا تحاول تطلِّع قواك الفرنسية عليّ ! ماعشت هنا عشان أعرف
عبدالعزيز : لكل شي عندك تبرير حتى لو خطأ .. طيب ممكن لو سمحتِ ! لأن الجو الحين ما يسمح وهالمحلات بعد ساعة تحديدًا راح تسكر وبنجلس بروحنا ! ها وش قررتي ؟
رتيل : تبي تخدعهم !
عبدالعزيز : أظن الضرورة تبرر الوسيلة ومن ناحية الدين بما أنك تهتمين كثير فأنا أثق بأني راح أجيب لك فتوى تحلل هالشي بما أنه الحاجة تقتضي أننا نسوي كذا ولا راح نموت بهالجو
رتيل ضحكت : شكرا على السخرية
عبدالعزيز رمى الملابس عليها ودخل ليُغيِّر ، ثواني قليلة حتى خرج برداءٍ أنيق يُبرز وسامته السمراء. ، وقف عند الستارة الخفيفة التي تُغطي غرف التبديل : يالله !
رتيل بتذمر : ما أعرف كيف يسكر ؟
عبدالعزيز بخبث : تحتاجين مساعدة !
رتيل بإندفاع : لاآآآآآآآآآآآآآآ
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
رتيل أرتدت البنطال والقميص الذِي يبرزان جسدها تمامًا ، خرجت ليصخب عبدالعزيز بضحكاته الطويلة.
رتيل عقدت حاجبها : برجع وبغيِّر الحين
عبدالعزيز يسحب قُبعة ليُغطي شعرها : الحين شكلك تماما مايوحي أنك عربية طبعًا إذا ما بينتي ألفاظك الحلوة
رتيل تنهَّدت : ماني متعودة ألبس شي ضيق كذا وبعدين بيعرفونك من الإسم
عبدالعزيز يخرج هوية التي أخذها من الشخص المُتعارك معه : لا تنسين هالشي الثمين
رتيل : يالله!
عبدالعزيز رفع حاجبه مُستغربًا : وشو ؟
رتيل لتُردف : ذكي لدرجة خبيثة
أبتسم ليُخبرها وهو متجة للمحاسب : ترى أغار على الشعر حاولي ماتطلعينه
رتيل : تتطنز ؟ طيب .. أخذت كيس لتُلملم ملابسهما ، وسحبت مظلة تقيهم الأمطار : خذ حاسب الإمبريلا بعد
خرجا ليتجهان لفندِق يُصنف تحت النجمة الواحدة ، طوال الطريق وهو يحاول أن يُتلف بأظافره القصيرة صورة الهوية حتى لا تتضح تمامًا.
غطى عبدالعزيز رتيل بمعطفه الثقيل حتى لا يتضحُ جسدها بلبسها الضيق.
عبدالعزيز باللكنة الريفية : لا ليس تماما إنها مجرد صديقة
: أووه لكني لا أملك سوى غرفة واحدة! هل من الطبيعي أن تنام مع صديقتك ؟
عبدالعزيز بضحكة وبإبتسامة واسعة : جدا طبيعي
رتيل الغير فاهمة أتكأت على الطاولة وهي تنظُر بملل لهُما.
: حسنًا الغرفة صغيرة لا أعرف إن كانت ستعجبكما ،
نظر لرتيل وكأنه ينتظر تعليقًا منها.
عبدالعزيز : هي برازيلة لا تفهم الفرنسية تماما
رتيل صخبت بضحكتها وهي تفهم ما قال عبدالعزيز تمامًا
همست له : الله يجبر بخاطرك
تحدَّث الشاب الذي يبدُو عليه الإعجاب بكل ما ينتمي البرازيل : تتحدثين البرازيلية ؟
عبدالعزيز عض شفته السُفلية ليُردف ويشعُر بأنهم سيفضحون : هي مريضة بأمرٍ نفسي ليس واضحًا تمامًا ولكن غريبة الأطوار قليلاً و لا تُحب التجاوب مع الغرباء ،
: عذرًا .. حسنا غرفتكما بالطابق الثاني رقم 43
عبدالعزيز : شكرًا جزيلاً
مسك رتيل من معصمها ليصعدا الدرج : وش ذا الضحكة اللي ضحكتيها ؟
رتيل بحرج : معليش ضحكتي الرقيقة صعب أمثِّلها في هالمواقف
عبدالعزيز أبتسم لعفويتها بتلك الضحكة : وهذي غرفتنا يا ستِّي ..
،
: أوَّد مساعدتك لكن أنت تعلم جيدًا بأن الإصابات في المخ تختلف من شخصٍ لآخر ولا يُمكننا التنبؤ بشيء والآنسة رُؤى واجهت ضغط على خلايا المخ في الحادث الثاني ، نحنُ لا يُمكننا التأكد من رجوع ذاكرتها أو غير ذلك لأنها لا تعي تماما الفرق بين مرحلتيْن من حياتها.
وليد أخذ نفسًا عميقًا : هذا يعني أنها ستتذكر حياتها القديمة
: ليس تمامًا رُبما هذا لمُجرد الأحلام التي رأتها في منامها! رُبما تتذكر حياتها السابقة التي حتى قبل أن تتعرف على زوجها الذي أخبرتني عنه
وليد رُغم أنه إنتصار لقلبه ولكن لا يُمكنه أن يفرح بتعاستها : إلى أيّ مدى ستتذكر ؟
: رُبما طفولتها أو مراهقتها ولكن ما قبل الحادث رُبما تنساه بسهولة! مثل ما أخبرتك الإصابة على المخ تختلف تماما وهي ترجع لعامل نفسي في المقام الأول في حالات رؤى، لا يُمكننا التخمين بأمرِها أبدًا.
وليد : شكرا لك
: عفوًا ، أتمنى لك وقت طيِّب.
وليد عاد إليْها وهي ترتدي حذائها : وين بتروحين ؟
رؤى بعُنفِ نبرتها : أبغى أطلع طفشت من هنا
وليد أبتسم : طيب نطلع مع بعض
رؤى أعطته إبتسامة خفيفة وسُرعان ما محتها ببرود وكأنها " تُسلِّك له ".
وليد ضحك بسخرية على حالهما ، أشار إليْها لممر الخروج : من هالطريق
تُغلق معطفها جيدًا وتتجه لحديقة المستشفى لتُردف : أحكي لي عنِّي !
وليد : أنا دكتورك النفسي
رؤى ألتفتت عليه : كم عُمري ؟
وليد كان سيُجيب لولا أنها قاطعته : تخرجت من الثانوية صح ؟
وليد : من الجامعة
رؤى عقدت حاجبيْها : جد ؟
وليد : إيه
رؤى : يعني هديل توها بالجامعة ، طيب وين جوالي أبغى أتصل عليهم ليه ما جوني للحين!
وليد : مين ؟
رؤى : عزوز وأمي وأبوي وهديل
وليد : وناصر ؟
رؤى : صديق عزوز
وليد : إيه وزوجك
رؤى ضحكت بسُخرية لتُردف : زوجي أنا ؟
وليد : إيه !!
رؤى : ما أذكره
وليد : أمس كلمتيني عنه
رؤى : إيه أعرفه بس كيف تزوجني ؟
وليد شعر بالإرهاق من تضارب أراءها في يوم وليلة وتحققت مقولة الدكتور الذي أخبره بأنها ربما لا تتذكر ما قبل الحادث الأول تماما ولكن تتذكر فترة زمنية بعيدة : مدري ماحكيتي ليه كيف تزوجتوا
رؤى بإحباط : أكيد زواج تقليدي هو يعرف عزوز من زمان! كان يجينا دايم
وليد : ماتبين تشوفينه ؟
رؤى أبتسمت : أبي أشوفهم كلهم بس وينهم ؟
وليد : خلينا نجلس .. جلسَا في المقعد الخشبي العريض ،
وليد : قبل سنة وكم شهَر صار عليكم حادث وكنتِ مع أهلك
رؤى تجمَّدت ملامحها لتتحشرج دموعها وبنبرةٍ تخافُ الجواب : ماتوا ؟
وليد لم يُجيبها وهو يشتت نظراته.
رؤى تسابقت دمعاتها البيضاء على ملامحها الباردة ، شعرت بأن قلبُها ينقبض : كلهم .. ؟
وليد : الله يرحمهم جميعًا ! لكن ناصر زوجك موجود بس مسافر
رؤى بضياع : وش أبغى فيه! أنا أبغى أهلي
وليد : رؤى عشان نبدأ صح أسمعيني للآخر ، هذا الشي مر عليه فترة طويلة! ماهو أمس ! أنتِ فقدتي ذاكرتك بالحادث وكنتي تجيني دايم عشان تحاولين تبدين من جديد
رؤى : معاك أنت
وليد : إيه معايْ أنا ! معرفتي فيك صار لها سنة وأكثر. بعدها طحتي على راسك يوم كنت جايْ آخذك والحين فقدتي ذكرياتك اللي كانت بين الحادثيْين .. وصلنا صح ؟
رؤى تهز رأسها بالإيجاب.
وليد : بس أنتِ ما تتذكرين الحادث ، وماني عارف أوصل لآخر شي تتذكرينه .. حاولي تساعديني وش آخر شي تذكرتيه بعد ما فتحتي عيونك
رؤى : مدري
وليد : كنتي تكلميني عن ناصر .. هذا يعني أنه حلم و أحلامك بالفترة اللي قبل الحادث لكن ذاكرتك ماهي متنشطة لقبل الحادث
رؤى بعدم إستيعاب : يعني كيف ؟
وليد : وش آخر شي تتذكرينه بس قولي لي وبعدها كل امورنا بتكون سهلة ؟ وش صار أمس ؟
رؤى بعد صمت لثواني طويلة : حفل تخرجي الأسبوع الجايْ
وليد : تخرج أيش ؟
رؤى : الثانوية وأبوي قدَّم على التقاعد وننتظر متى يوافقون !
وليد : أبوك مين ؟
رؤى : أبوي أنا !
وليد : أقصد وش إسمه
رؤى لاتفهم تصرفات وليد : سلطان العيد
وليد شعر بأن العالم يدُور أمامه ، يكاد يفقد عقله وإتزانه معًا ، أنحنى ظهرهُ لتتسع المسافة بين سيقانه ، ثبَّت أكواعه على ركبتيْه وهو يضغط على رأسه يحاول أن يفهم ما يحدُث الآن. سلطان العيد ! صديق والد الجوهرة! صديق مقرن أيضًا!
رؤى تنظرُ إليْه بشتات : ليه في شي ؟
وليد رفع عينه لها : يعني ماهو إسمك رؤى !
رؤى : مين رؤى !! أنا غادة
وليد أتسعت محاجره بدهشة عظيمة ، شعر بأن أنفاسه تخطفُ له روحه : غادة! أنتِ غادة
غادة : إيه .. إحنا بأي سنة ؟
وليد بعد صمت : 2012
غادة شهقت بصدمة أكبر وهي تقف غير مُصدقة : إحنا في 2007 !! ما أصدقك
وليد يفتح هاتفه ليضع عيناها أمام التقويم : مرت 5 سنوات !
غادة بضياع كبير : 5 سنوات أنا ماأتذكرها!! يالله كيف ؟
وليد : يعني ذاكرتك واقفة لين قبل 5 سنوات ؟ قبل لا تعرفين ناصر ؟
غادة : إلا أعرفه ! بس ما أعرف كيف تزوجنا ما كان بيننا حُب ولا شيء .. كان
وليد ينظرُ لحركات شفتيْها.
غادة : إعجاب !! بس هذا كله ماهو مهم .. أبي أفهم كيف 5 سنوات من عُمري ما أعرف عنها شي
وليد : راح تعرفينها ، الدكتور قالي أنه لازم ترجعين لروتينك اللي تعودتي عليه وتصفين ذهنك وبدُون عصبية وبدون ضغط على نفسك .. راح تسترجعين ذكرياتك
غادة بضيق : وأهلي ؟
وليد هز كتفيْه : محد أرحم على أحد أكثر من الله ! الله رحيم بعباده والله يجمعك فيهم بجناته
غادة جلست لتُغطي وجهها بكفيَّها وتجهش بالبُكاء ، تسترجع ضحكاتهم وتجهيزاتهم لحفل تخرجها ، كيف كل هذا بسهولة يتلاشى لتبقى ، كيف بغمضة عين أفقدُ سَارة ذات الهوى الجنُوبي و سلطان العاشق النجدي ، كيف بغمضة عين أفقدُ تذمُر وطيش هديل وعنفوان الرجولة في عبدالعزيز! كيف ! أريد أن أفهم كيف فقط.
الساعة الخامسة عصرًا ، 29 يوليُو 2007.
عبدالعزيز دخل وهو يكاد يتجمَّد من برودة الأجواء : بدت المباراة
هديل : صار لها 10 دقايق
عبدالعزيز جلس بقُربهم : يارب الكآس لنا
غادة الغير مُهتمة : طيب وإذا فاز ! يخي طفشت كلكم بتجلسون تطالعون المباراة
هديل : مافيه وطنية ! هذولي الصقور الخضر
عبدالعزيز المُنشَّد بحماس : هذي تضيع يخرب بيت العدو
هديل تنظرُ للكورة التي بين أقدام مالك معاذ : يالله يالله ... لاااااااا
غادة أخرجت هاتفها Nokia N76 ، تقرأ الرسائل التي فتحتها منذُ زمن ولكن الملل يفعلُ بها أكثرُ من ذلك.
عبدالعزيز بصرخة : قدام المرمى وتضيع !!
هديل : ياسر مو في يومه !
في الشوط الثاني التي سار برتابة ، عبدالعزيز : ماتسوى عليّ القلق اللي سويته وأنا أركض عشان أجيها بالوقت آخر شي هالمبارة اللي تفشِّل طول البطولة لعبهم وش زينه جت على الأخير يخربونها
هديل بإندفاع : ماأنتهت للحين باقي أمل ! يخي أعوذ بالله من تشاؤمك
عبدالعزيز ينظُر للكرة التي كانت ستأتي على رأس ياسر القحطاني : يالله يا ياسر!! لو أنقز جبتها
غادة : وروني هالمزيون ! وش ناديه
عبدالعزيز أعطاها نظرة إستحقار جعلتها تصمُت.
هديل المُتابعة لدورِي بلادِها : الهلال يا بعدي
غادة : لحظة وين سامي ؟
هديل : ماأستدعوه! أصلا يقولون أنه بيعتزل
غادة وتحاول أن تتذكر شي : أنا أشجع النصر صح ؟
هديل : أنا أقول نامي
قطع حوارهم صرخة عبدالعزيز في الدقيقة 72 معلنة هدف المنتخب العراقي : حمِير ! أجل هذا منتخب على آخر البطولة يقهرنا الله يقهر العدو .. حذف علبة المياه على التلفاز ليخرج وهو يقول بنبرةِ الغضب : الشرهة على اللي يتابعهم
،
تنهَّد بإرهاق : ما يردُّون! والطريق مسكر مستحيل يمشون فيه !!
مقرن : طيب ننتظر لين الصبح .. إذا صفى الجو نروح لـ روَان أكيد انهم هناك
عبدالرحمن : أخاف صار لهم شي! وش يريحني لين الصبح
مقرن : الخبر الشين يوصل بسرعة !!! أنا متطمن إن شاء الله ما فيهم الا العافية
عبدالرحمن يجلس وهو يحك جبينه : واليوم سلطان يقول صاير حريق! هالأشياء اللي تصير ورى بعض تخليني أشك في شي
مقرن : في أيش ؟
عبدالرحمن : مستحيل تكون صدفة ! فيه شخص غير الجوهي قاعد يتلاعب فينا! فيه شخص يعرف وش اللي نرغبه من الجوهي ويعرف أنه الجوهي ما يدري عن رغبتنا !
مقرن يجلس أمامه : ماني فاهم مين له مصلحة ؟
عبدالرحمن : قلت لي أنه اللي كانت مع غادة وش إسمها ؟
مقرن : أمل ! بس سعد بطَّل يتابعها وأنتهينا منها
عبدالرحمن : كيف خدعتنا وبيَّنت لنا أنها أمها الحقيقية ! كيف مقدرنا نستوعب أنها تكذب !!
مقرن بلع ريقه بإرتباك : أمر وأنتهى ليه تعيد فيه
عبدالرحمن : لأني قاعد أفكر بالوضع اللي إحنا فيه !! إحنا أنخدعنا بوضع أهل عزيز .. إذا كانت غادة حيَّة وأمها ميتة هي وهديل لأن عبدالعزيز شافهم ! سلطان العيد .. يعني .. أستغفر الله بس
مقرن : مستحيل اللي تفكر فيه!
عبدالرحمن : أول ما جينا الرياض سألني عز عن أبوه هذا معناته أنه ما تأكد زي غادة
مقرن : بس أنا كنت بالمستشفى ذيك الفترة ومتأكد .. كلهم ماتوا ماعدا غادة وقلت لك أني خبيت عليك أنت وسلطان لفترة عشان أتأكد
عبدالرحمن ينظُر لمقرن : تتأكد من أيش ؟
مقرن ضحك ليُردف : أقنعتك بالمرة اللي فاتت أنت وسلطان ليه ترجع تفتح الموضوع
عبدالرحمن : أقنعتني بوقت ماكان يسمح لي فيه أني أفكر ! بس ليه خبيت علينا أنه أمل ماهي أمها وخدعتنا بسهولة
مقرن بلل شفتيْه بلسانه وهو يُشتت نظراته : قلت لك أني كنت بتأكد من الناس اللي دفنوهم
عبدالرحمن مسح على وجهه : يارب رحمتك! أنا متأكد أنه في طرف ثالث قاعد يلعب ويانا غير الجوهي! وقاعد يلعب بعبدالعزيز بعد .. أمل ومصدرها ؟ مين بالضبط !
مقرن : ماعندي علم
عبدالرحمن صرخ بوجهه : مقرن لا تخبي عني شي ! أنت تعرف أنه هذي مسألة أمن ماهي مسألة حياتك وبس
مقرن بهدُوء : وأنا فعلا ماعندي علم ومين تكون أمل
عبدالرحمن : 4 جثث ، ثنتين منهم صلى عليهم عبدالعزيز وهو يثق مين يكونون و ثنتين وحدة ماهي غادة ! وماندري مين جاب الجثة ووحدة ماندري هو سلطان ولا بعد زي غادة
مقرن : تفكر بأشياء ماضية بوقت ما يسمح لنا نفكر بأشياء راحت وأنتهت !
عبدالرحمن شعر أنه يكتشف شيئًا مرهقًا : الحادث ماهو من تدبير الجوهي هذا اللي أنا متأكد منه الحين لأن لو الجوهي يدري ما ترك غادة وأستعملها ضدنا ! لو يدري كان يعرف عن حياة عبدالعزيز وليه رجع الرياض!! فيه أشياء قاعد تصير ضدنا وإحنا آخر من يعلم !!
مقرن وقف : هذي خرافات من عقلك يا عبدالرحمن!! مين مثلا بيكون الطرف الثالث ؟ ما فيه غير رائد
عبدالرحمن : رائد لو فعلاً كان هو !! كان خذآ غادة عنده .. لكن ليه يسلمها لوحدة مانعرفها وواضح انه هو من الأساس مايدري وش صار بعد الحادث! لو يدري كان عرفنا عن طريق عبدالعزيز لما كان يجيه .. أفهمني يا مقرن !! فيه شخص ثالث إما أحد يخوننا أو أحد يخون رائد
،
بعد محاولاتٍ بائسة ، أنتهت بطارية هاتفها : مافيه شبكة والحين مافيه شحن بعد !! يالله وش بنسوي بهالليل
عبدالعزيز المرتمي على السرير الضيِّق : ننام وبكرا يحلها ربِّك
رتيل تنظرُ له بقلق : يا برودك كيف بتنام!!
عبدالعزيز : تعبان ومانمت أمس كويِّس يعني طبيعي بنام من التعب ولا بجلس أحط إيدي على خدي وأنتظر أبوك يطير لنا
رتيل : طيب وأنا ؟
عبدالعزيز بسخرية : نامي على الأرض ولا ماهي من مقامك
رتيل تتجه عينها للغرفة التي لا شيء فيها سوى هذا السرير ، حتى أنها خالية من أيّ كُرسي تجلس عليه : من جدك !!
جلست على طرف السرير لتُردف : ماراح أقدر أنام
عبدالعزيز يُغمض عينيْه ويضع ذراعه فوق رأسه : أششششش خليني أنام
دقائق طويلة مرَّت وهي تُراقب السماء من النافذة حتى فزعت من صوت الرعد ،
عبدالعزيز يزحف قليلاً : أظن منتي متينة لهدرجة! يكفيك هالمكان
رتيل تنظُر للمساحة الضيقة : لا والله ؟ عبدالعزيز الله يخليك أجلس معي طيب لين يهدأ الجو ونروح لسيارتنا
عبدالعزيز يقلد صوتها : الله يخليك بنام ! يكفي أني متكفخ اليوم ورايح فيها فيعني خليني أرتاح
رتيل وملامح الخوف تظهر بإرتجافة شفتيْها : طيب ... نزعت حذائها لتضع الوسادة بينهُما : هذا حدِّك
عبدالعزيز بإبتسامة : طيب ..
أستلقت على ظهرها وهي تنظُر للسقف ، تعرف أنها في حالات الخوف لن يأتيها النوم.
عبدالعزيز ينظرُ لعينيْها التي تتأمل : ماراح تنامين ؟
رتيل بهدوء : ماراح يجيني نوم .. أكيد أبوي الحين يتصل علينا ويحسب أنه صار لنا شي
عبدالعزيز : أبوك يثق فيني
رتيل ألتفتت والوسادة تحجب عنها ملامحه ولا ترى سوى عينيْه : طيب وأنا ؟ فرضًا أحد يدخل علينا الحين
عبدالعزيز : أولاً مستحيل لأن هذا فندق وفيه أمن ثانيًا محد يعرف أنه عبدالعزيز هنا ! يعرفون أنه .. وش إسمه .. جاكلي مدري أيش اللي أنا الحين منتحل هويته .. تطمَّني
رتيل : طيب جوالك فيه شحن ؟
عبدالعزيز : إيه وبكرا بنروح ونشوف وضعنا .. أرتاحي ونامي
،
الساعة الخامسة فجرًا ، الليلُ بدأ ينجلي عن سماء الرياض الجافَّـة ، نظر لعينيْه التي تُفتَح بهدُوء : الحمدلله على السلامة
ناصر ببحة الوجَع : الله يسلمك
فيصل بإبتسامة : قلت لأبوك أنك نايم عندي عشان ماينشغل باله
ناصر بشحُوب : كويِّس.
بعد صمت لثواني طويلة تسرقُ من جوف ناصر كُل " آآه " حزينة باكية. أردف : متأكد ؟ يمكن تشبهها !
فيصل بكذب مثل ما أخبرهُ الرجل الذِي من بعد الله أصلح له حياته : عرفت من فترة وتأكدت من هالشي!! وخذتها وحدة بعد ماعرفت انها وحيدة ..
ناصر بضيق : كيف ؟ إحنا متأكدين من جثتها ! حتى الدي أن إي عندنا ويثبت جثتها أنه جثة غادة
فيصل : مزوَّر يا ناصر ! ولا تسألني مين زوَّره ومين له مصلحة! أنا بس عرفت ولقيت الوقت اللي أجيك فيه قلت لك عنها .. بس عندي لك طلب! عبدالعزيز الحين في شغله بس يرجع الرياض خبره بهدُوء لأن هالوقت ماهو مناسب
ناصر بتشتت تحشرجت الغصات في حديثه : وش يثبت لي أنها زوجتي ؟
فيصل يخرج هاتفه ليتصل على وليد : ألو
وليد بصوتٍ ممتلىء بالتعب : هلا فيصل
فيصل : وينك فيه ؟
وليد بتنهيدة : بالمستشفى
فيصل : عندك رؤى ؟
وليد بغضب : رؤى ! هذي الرؤى تعرف طلعت مين!
فيصل : بعدين أفهمك المهم عطني إياها الحين
وليد : وش تبغى فيها ؟
فيصل : لو سمحت!! ..
وليد ينظرُ إليْها من زجاج غرفتها : نايمة
فيصل : لو سمحت يا وليد
وليد دخل لتفتح عيناها التي لم تنام بعد.
وليد يمدُ هاتفه : ردي عليه
غادة : ألو
فيصل يضع الهاتف عند إذن ناصر العطشانة لصوتها المخملي ، أنفاسه المُتعبة هي التي وصلت لغادة.
غادة : ألو .. مين ؟ ... ألووو
ناصر شعر بتجمُد كل شيء حوله ، هذا الكون بأكمله يتجمَّد في عينيْه ، نظر بشتاتٍ عظيم يشعُر بأنه حلم ويجب أن يستيقظ منه ، بأن نبتةٌ يابسة تقف فوق قلبه وتثقل عليه. سنة وعدةِ شهُور لم يسمع صوتها ، لم يرَى ملامحها الثلجيـة ، لم يلمحُها حتى على عجل! يالله كيف لهذه الأيام أن تمُّر وهي تشطرني نصفيْن بكل دقيقة تقطعها.
غادة تتحدث مع وليد : هذا مين ؟
أخذ فيصل الهاتف وأغلقه.
ناصر شعر بأنَّ دماغه يغلي بحممٍ من نار ، هذا ليس بسيطٌ عليه. شعَر ببساطة أنهُ ينهار بصمتٍ مُهيب.
فيصل : صوتها ؟
ناصر سقطت دمُوعه وهو الذي لايخجل منها أبدًا. نظر للسقف الأبيض وشعَر بأنَّ الحياة تسترد له ، ولكنها تسرقُ منه نبضات قلبٍ طبيعية ، يختنق ويتحشرجُ بذكرياته التي تنهمر عليه بدفعةٍ واحدة ، يشعُر بأنَّ حشودًا أمامه وليس غادة وحدها.
فيصل وقف : بتركك ترتاح وبمرِّك الليلة .. رقمي عندك إذا أحتجت شي .. تركه دُون أن يسمع له جواب.
نزع المُغذي الذي على يده ليسجد على الرُخام الأبيض ، ألتصق أنفُه بإذلال لله وحده. في داخله حديثٌ لا يسمعه سوى الله. " يالله لا أعرف إن كان الأمرُ طبيعيًا ! يالله لا أفهم والله ما يحدُث ، عقلي أصغر مما يستوعب هذا الكمُ الهائل من الأقدار التي هي لحكمةٌ منك لا يعرفها عبادٌ ضعاف النفوس. يالله " بس " لاتجعلهم يخطئون في حقي وأُذيق لوعة فراقها مرتيْن. يالله أنني لم أُشفى من غيابها الأول فلا تجعلها مزحةٌ ثقيلة على نفسي من الذين لا أعرفهم وألتمس فراقها مرةً ثانية. يالله لا تجعلني أتقلبُ بجحيمٍ حُبها أكثرُ من ذلك. يالله فقط .. أسألُك أن تُريح قلبي الذي يُحبها.
عاد لسريره الأبيض وهو يفكر من أخذ جسدِها العاشقُ له ليُلقيه في مستشفى آخر ؟ كيف يُلقيه أصلاً ؟ وماذا عن الجثة التي رآها عبدالعزيز ؟ أقسم بربِ هذا الحُب لو أنني أعلمُ أن أحدًا خلف كل هذا لأُذيقه عذابي وإن كان ضد مبادئي ، سأجرب أن ألعب بالقذارة مثلما يفعلون! لكن ماذا لو كانت ليست هيَ ؟ يالله . .
ضغطُه على عقله جعله يتألم وهو يدفنُ رأسه بالوسادة ، يكاد هذا الصداع أن يُميته.
دخل الممرض المضطرب بمزاجه عندما رأى المغذي ملقى على الأرض : الله يهديك يا ناصر.
ناصر بصراخ وكأنه يُلاقي جنونه الآن : أتركننني بروحي
: طيب طيب .. أهدآ
ناصر بعصبية تحمَّرُ بها محاجره : ماراح أهدأ ! ماأبغى أهدأ .. أنا كيفي ماأبغى أهدأ
: يالله .. خرج ليستدعي الدكتور المشرف على حالته.
ناصر بغضب يرمي كل ما حوله وهو لا يُفكر سوى بأن " فيصل " الآن يمزح معه مزحة ثقيلة! لا يُصدق أبدًا أنه سمع صوتها. لِماذا أنام كل هذا الوقت لدرجة أنني أحلمُ بأشياءٍ خرافية ؟ أريد أن أستيقظ الآن.
هذا حلم .. هذا إسمهُ حلم
،
الساعة تقتربْ من العاشرة صباحًا.
أغلقت الهاتف بعد أن أستيقظت على خبر ملكتها من ماجد الذِي تُبغضه ، فعلت ما برأسها بمساندة والدها ، شعرت بحاجتها للبكاء ، أخفظت رأسها وهي تُغطيه بكفوفها ، ماأقسى عصيان الأبناء لنا! ماأقساه على قلوبنا نحنُ الأمهات الذين نتكاثر بقلُوبٍ كثيرة. أتكاثر بقلبُ أبنتي لأضيق على حزنها بضُعف ما تضيق وأفرحُ بفرحها بضُعف ما تفرح ، أنا التي أملكُ قلبها في يساري خالفت أمري! قاسية جدًا يالعنود على قلب أُمك.
طل عليها : شغلتي بالي ماهو من عادتك ما تصحين بدري!
رفعت عينها المحمَّرة بالبكاء.
سلطان جلس على الأرض عند ركبتيْها : أفآآ وش هالدموع ؟
حصَّة : ملك عليها ماجد
سلطان بغضب على هذه الدموع التي تنزلُ لإنسانة يراها بأنها لا تستحق كل هذا : طيب! خليها تجرِّب الشي اللي رفضناه عشان تفهم بعدين ليه رفضنا !
حصة : هذي بنتي يا سلطان مو بسهولة أخليها تجرِّب شي أنا أعرف أنه إختيار غلط
سلطان : وتبكين عشانها !! وإذا بنتك دامها ماأحترمت راي أمها في ستين داهية ، أنا أبي ماجد يسوِّد عيشتها عشان ثاني مرة تتحمل قرارتها
حصة بغضب : لا تدعي عليها !! هذي قطعة من روحي كيف تبيني أشوفها كذا
سلطان بهدُوء : آسف! بس بنتك ماتستاهل كل هذا، هذا هي مشَّت رآيها وأنتهى الموضوع! مايستاهل أنك تبكين على شي أنتهى .. خليها تجرِّب ومهو صاير لها شي عن 10 رياجيل الله يحفظها لك
حصة أبتسمت بزحمة غضبها : قل ماشاء الله
سلطان أبتسم : ماشاء الله ... مسح دموعها بكفيّه ...
حصة : مارحت الدوام !
سلطان : إلا بس خلصت شغلي وقلت أجي أجلس معاكم
حصة بقلق : ليه ؟
سلطان : ولا شي بس عشان تتطمنون أكثر
حصة : الله يخليك لنا
سلطان همس : آمين ... وقف ليُردف ... أنا بسبقك للصالة.
حصة : بغسِّل وجهي وأجيك
خرَج ليبحث بعينيْه عن الجوهرة ، صعد للأعلى ليفتح الباب بخفُوت وأبتسم على منظرها ، كانت مستلقية على السرير ورأسُها منقلب قريبٌ من ملامسة الأرض ، تلعبُ بخصلات شعرها وهي مُغمضة العينيْن ، تُسمِّع لنفسها آخرُ آية من سورة هُود : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
فتحت عينها لتنظُر لسلطان بالمقلُوب ، بفزع كانت سترفع رأسها ولكن سقطت على ظهرها.
سلطان : بسم الله عليك
الجوهرة تحك رأسها الذي أصطدم بقوة : جايْ بدري!!
سلطان : خلصت شغلي وجيت .. وين وصلتي ؟
الجوهرة : خلصت مراجعة الجزء 12
سلطان : كويِّس
الجوهرة أنتبهت لبلوزة بيجامتها الملتفة وظاهر منها جُزء من بطنها ، سحبتها للأسفل بحرج.
سلطان : خلينا ننزل لحصة تحت
الجوهرة دُون أن تنظر إليْه : طيب
سلطان ينظرُ بعينيْها وكأنها يُخبرها بأنّ تتقدم وتنزل قبله.
الجوهرة سارت بإتجاه الباب ومن خلفها سلطان ، كانت بكل خطوة لها تشدُ بلوزتها رُغم أن بنطال بيجامتها القطني فضفاض ، ألتفتت عليه وهي تشعرُ بحرجها من أنه يسير خلفها ، سلطان أقترب حتى سار بجانبها.
حصة أبتسمت عندما رأتهم بهدُوء ملامحهم وسكينتها. جلس بجانب عمته : فطرتُوا ؟
حصة : لا بس ماني مشتهية .. القهوة تكفي
رفع عينه للجوهرة مُتسائِلًا
الجوهرة : إلا فطرت
حصة بإبتسامة : صاحية بدري ومامريتي عليّ ؟
الجوهرة : لآ والله بس رحت أراجع القرآن وخفت تكونين نايمة لأني ماشفتك بالصالة
حصة : الحين تراجعين وش ؟ يعني مو أنتِ حفظتيه وخلصتي
الجوهرة : إذا ما راجعت راح أنسى لازم أراجع دايم بس الحين باقي لي جزئين وأخلص مراجعتي الثالثة بعد حفظي
حصة : الحمدلله الله يجعله شفيعٍ لك
الجوهرة : اللهم آمين
حصة بسخرية ألتفتت لسلطان : وأنت ليه ما تحفظ ؟
سلطان وهو يشربُ من قهوته ، أردف : حفظته من زمان بس لأني قطعت المراجعة نسيته بس الحين الحمدلله حافظ أجزاء كثيرة.
ساد الصمت الثقيل على أنفسهم التي بدأت تمِّل ، أردف سلطان وبوادر النعاس تأتيه : شكلي راح أنام
حصة بإبتسامة الأُم : من زمان مانمت في حضني
سلطان : ولا نخليها في خاطرك .. أستلقى على الكنبة ورأسه في حَجرِ عمته ، خلخلت أصابعها الرقيقة في شعره القصير ، أغمض عينيْه والتعب على ملامحه يتضح.
تتأملُه على بُعدِ خطواتٍ قليلة ، لو أنها مكان حصَّة الآن ، تُلامس شعره وتُدلِّك رأسها ، كم من جُرأة تلزمني حتى أكون مكانها وأجعله ينام في حُضني ، يالله كم من السعادة التي سأشعرُ بها وهو نائم بين يديّ ، يالله يا أكبرُ أحلامي التي سقفُها لسلطان! في وقتٍ كانت أحلامُ الصبايا الزهريـة لا تكُون في أن ينام شخصٌ تعشقه في حُضنها! لأنهُ أمرٌ طبيعي وعادِي ولكن ما بيننا يختلف تمامًا عن كل ماهو طبيعي.
قاطعت سرحانها بصوتٍ خافت حتى لا تُزعج سلطان : وش فيك تطالعيني كذا ! سرحانة بأيش ؟
أبتسمت حتى بانت أسنانُها : تراه ما نام
أبتسم وهو مغمض عينيْه. تضربُه حصَّة على رأسه بخفَّة : صاحي وأنا قلت الحين راح في سابع نومة
سلطان دُون أن يفتح عينيْه : جد تعبان مانمت أمس زين
حصة : خلاص بنسكت
،
بإحدى مستشفيات الرياض النفسيـة ، يجلسُ بجانب أخيه النائم بسلام. ملامحه الطفولية لا تُناسب أبدًا دناءة مافعله بإبنته، لا تُناسبه أبدًا، حديثه المجهول لإحدى علماء الدين من هاتفٍ عام وبإسمٍ مُستعار خشيةً أن يقبضُوا على أخيه/إبنه أيضًا. كلماتُ الشيخُ المتفقه بأمور الدين مازالت ترنُّ بإذنه " الله يآجركم في مصيبتكم ، أنا أقترح أنك تعالجه وتنصحه حتى يتوب لله قبل أن يأتيه الموت ويخطفه ، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ماعز بن مالك وقال للرسول عليه الصلاة والسلام : طهِّرني ؟ فقال ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه ... تردد عليه كثيرًا حتى سأله فيم أطهرك ؟ فقال من الزنآ ؟ .. فعندما قرروا رجمه أنقسمت فرقتيْن بعضهم يقول هلك بخطيئته وبعضهم يقول أنه ما توبة أفضل من توبة ماعز ، أتى ماعز أمام الرسول صل الله عليه وسلم وقال أقتلني بالحجارة ، بعد يومين وثلاث قال الرسول صلى الله عليه وسلم أستغفروا لماعز بن مالك ، ومن هنا نعرف أنَّ الحدود تسقط في حال التوبة وإن ستر الله عليه وتاب فلا يكشف ستره ويعترف بخطيئته ولكن يبدأ من جديد ولكن إن تاب وأنكشف ستره فالحدُّ له تكفير لذنوبه والله ما شرَع الحدود الا حتى يكفرون عن ذنوبهم وإن شاء الله يتقبَّل توبتهم ولا يكُن في صحيفتهم خطيئة بعد أن كفروا الذنب في الدنيا ، أنت تعلم يا أخي أنَّ الذي يُكفِّر عن ذنبه بالدنيا إن شاء الله لا يعذبه في الآخرة. على العموم بما أنه الله رزقه الستر فأنا أسأل الله أن يتقبل توبته ويعود ليعمل لآخرته ويجزم بأن لا يعود لذنبه وتحرِّم عليه رؤيته لإبنة أخيه بجموع العلماء وإن سألت غيري سيخبرك بمثل ما أخبرتك سدًا للفتن ، ولكن إن عاود لمعصيته فهو يسعى في الأرض فسادًا ولايجوز الصمت عليه فالواجب التبليغ عنه وأن يُطبق عليّه الحد الشرعي ، يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفَّى منكم : فأجره على الله ، ومَن أصاب مِن ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا : فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، هذا دليل على أنَّ من ستره الله فليستر على نفسه ويتوب توبة خالصة لله وحده ، يقول الله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً "
إما أن تتوب يا تركي وإلا ستلقى عقابُ الله الشديد لك ، يالله لو تعلم بأنني رُغم كل هذا أريد لك التوبة ، " متى تصحى " حتى تختار طريقك في هذه الحياة.
،
بهدُوء الجديَّة التي تظهرُ في ملامحه : أنا بس أسألك
مُهرة بضيق ملامحها : شكرا جد أثبت لي مراعاتك لمشاعري
يُوسف تنهَّد : فهمتيني غلط! أنا بس أبيك تتأكدين لو أمك ماهي واثقة فينا ما قالت تزوجوا بنتي! لأنها أكيد بتخاف عليك وبتخاف من أنك تلحقين أخوك .. صح كلامي ولا لأ ؟ هذا يعني أنه مسألة منصور هي وَهم وخرابيط وأمك تعرف هالشي
مُهرة بغضب : تبي تذكريني وش كثر أرخصتني أمي ولا كيف ؟ تحب تنبش بالجروح يا يوسف
يُوسف بحدة : ماأنبش! أنا سألتك بهدُوء لكن أنتِ اللي حولتي الموضوع لشي ثاني
مُهرة بقهر : طيب خلاص أنا آسفة أني أصلا تناقشت معك .. وقفت لتُردف ... ممكن تطلع
يوسف رفع عينه : نعم ؟
مُهرة : شوفتك تنكِّد عليّ وأنا أبغى أرتاح
يوسف وقف : أنا شوفتي تنكِّد عليك ؟
مُهرة تراجعت قليلاً للخلف فهي مهما حاولت تبقى تخاف منه بغضبه ، ألتزمت الصمت.
يوسف أخذ هاتفه ليخرج ويغلق الباب بشدَّة مُعبرًا عن غضبه.
حديث يُوسف المنطقي جعل قلبُها يتورَّم بندباتٍ أخرى ، لا تستوعب أن والدتها تُخفي عنها امرًا كهذا ؟ ولكن مالذي سيجعلها تعلم بأمرٍ يخصُ الشرطة أيضًا ؟ كيف تعرف إن لم يكُن هناك شهود من الأساس! كاذب يا يوسف يحاول أن يشوِّه صورة أمي أمامي.
،
يطرق بأصابعه مكتبه كأنهُ يعزف على آلةٍ موسيقية ، ينظرُ للأيام التي ستأتي ، حمَد ربِّه كثيرًا أنَّ ناصر لم يجنّ جنُونه ولكن يخشى عليه بعد أن يراها رُبما تكون ردة فعله عنيفة ، يالله الأهم أنني فعلت ما يجب عليّ فعله أما البقية فانا أدرك مهما كان الشخصُ عاقل سيُجَّن إن رآها وهي فاقدة للذاكرة ، لكن من المستحيل أن يسيء إليْها مهما حدث تبقى زوجته التي يُحبها. كيف أُمهِّد لوليد أم أجعله يصطدم مع ناصر لوحده ! من المستحيل أن يتمسك بها إن عرف بأن ناصر زوجها ويحقُ له أن يقترب منها، ماذا لو نقض وعدُه ليْ وأخبر عبدالعزيز ؟ يالله لا يُمكنني تخيِّل الكارثة التي ستحصل.
: هلا بعريسنا
أبتسم لوالدته : هلا بأميمتي .. وافقوا ؟
والدته : إيه وافقوا .. وش فيها عيونك ؟ مانمت ؟
فيصل : مواصل من أمس ..
والدته : طيب متى بتروح لهم ؟ كلِّم عمك وروحوا أخطبوها من أبوها
فيصل : يمه مو الحين خليها بعد شهر
شهقت والدته بدهشة : لا يا حبيبي الأسبوع هذا تخطبها رسمي وتآخذ الموافقة وبعدها تحللون وتملكون
فيصل شعر بالدوَار من السُرعة التي تتحدث فيها والدته : يمه من جدك !! نملك بهالسرعة طيب بتعرف عليها
والدته : ماعندنا فترة خطبة وخرابيط! على طول زواج
ضحك ليُردف : طيب بس بين العرس والملكة راح تكون الفترة..
قاطعته والدته : بتتزوجها الحين
فيصل : يمه وراه الإستعجال فيه أحد يتزوج بهالسرعة !!
والدته : أيه عندنا تتزوج بهالسرعة ! مو تقول أنك بتسافر خلاص خذها معك وسافر
فيصل : يممه الله يحفظك ليْ وش دخل ! عادي أسافر وأرجع لها
والدته : طيب ليه تحب تعكِّر عليْ ؟ خير البر عاجلة
،
جالِسـات في حديقتهم المنزليـة والعصر يقترب من سمائِهم والأجواء مُعتدلة تمامًا في الرياض.
هيفاء : وتبين تطلعين بس عشان كذا ؟
نجلاء : هيفا حسِّي بشعوري ! يعني كل حركاتي لازم عليّ طرحة وإذا أبي شي بليل من المطبخ أضطر أغيِّر لبسي عشان أنزل .. يعني ماارتاح
هيفاء : إيه عارفة! طيب الدور الأوَّل في مساحة من ورى لو تبنون لكم جناح ويكون كامل ومنعزل عن البيت لأنه منصور مستحيل يطلع
نجلاء تنهِّدت : مدري يا هيفا جد متضايقة من هالوضع كثير وأخوك يحسبني عشان مهرة
هيفاء : تعرفين الموضوع حساس بينه وبين يوسف ومايحبون حتى يتكلمون فيه
نجلاء : طيب أنا ما قلت شي ! بكيفها هي خلها تسوي اللي تبيه لكن أنا تهمني راحتي
هيفاء بضحكة : للحين تكرهينها ؟
نجلاء تغيرت ملامحها للضيق : تكفين هيوف اللي يقول أنها سوَّت شي حلو بحقي عشان أحبها! ماتهمني لا أحبها ولا أكرهها
هيفاء : حسني علاقتك معها والله تراها طيبة وبعدين أسلوبها بعد الحمل هاجد وحبوب
نجلاء : ما تمُر من هنا *تُشير لعنقها*
هيفاء : خليها تمُّر يختي! يعني فرضًا منصور عيَّا ومستحيل تطلعون بتجلسين تقابلينها دايم فحسني علاقتك معها ..
نجلاء : مين غلط بالبداية ؟ هي ! خليها هي تجي تعتذر وذيك الساعة أفكر
هيفاء : أعوذ بالله حريم ما يتصافون لو بعد 100 سنة .. شوفي يوسف تهاوش ويا خالد مدري نايف وبنفس اليوم تصالحوا
نجلاء : عاد الله خلقنا كذا ! ماأعرف أعتذر إذا أنا ماني غلطانة
هيفاء : نجول والله حتى كلامك معها كان غلط من بدايته يعني إثنينتكم غلطتم
نجلاء : بالله سكري الموضوع لأنه ينرفزني
،
تنظر إليْه بتوتر وقلق معًا ، لم تفهم لِمَ سؤاله مُفاجىء لها ، شعرت بأن قلبها ينقبض بلهجته : مو مسألة خايفة بس فاجئتني
ريَّان : لو واثقة من نفسك ما يضرِّك أني أشوف جوالك
ريم تمدُ هاتفها لها : شف بنفسك
ريَّان : لآ خلاص ماأبغى دام من أولَّها رفضتي وكأنك ماتثقين فيني
ريم : لا طبعًا! أنت اللي بطلبك حسستني أنك ماتثق فيني
ريان : طبيعي ما عندي ثقة فيك .. توني أعرفك ماصار لنا حتى شهر
أندهشت حتى أتسعت محاجرها : بس .. يعني حتى لو ما صار لنا لكن فيه بيننا ثقة
ريَّان : ماأثق بالناس بسهولة ! بالعِشرة ممكن أثق فيك
ريم شعرت بأنها ترتبك أكثرُ مما ينبغي ، ولكن أن تواجه هذا التصرف لأول مرة في حياتها الزوجية يجعلُ وجهها يحمَّر من ربكتها.
ريَّان وكأنه يكتشف شيئًا : ليه أرتبكتِ ؟ لو أنك واثقة من نفسك ماترتبكين
ريم بمثل حجته ترُد : لأني ما صار لي معك إلا كم يوم أكيد بكون متوترة في سوالفنا
ريَّان : هذا شي وهذاك شي ثاني! ماله علاقة أنك ترتبكين كذا
ريم : قلت لك شف جوالي وتأكد من نفسك بس لا تحقق معي كذا
ريَّان بحدة مالت للصراخ : لآ تكلميني بصيغة الأمر ماني أصغر عيالك
ريم وقفت لتتجه لغُرفتها وتدفن وجهها المُحمَّر بوسادتها ، أنفجرت ببكائها من غضبه عليْها ، لم تُجرب شعور أن يغضب أحدٌ عليْها بهذه الصورة ، لِمَ يشكُ بيْ هكذا ؟ شعرتُ بأن حياتنا ستبدأ بالإزدهار ولكن عاد لمثل مزاجه في أول يومٍ من زواجنا. يالله لِمَ كُل هذا ؟ لا يشكُ احدٌ إلا لأن لديه علاقات سابقة! شعرت بوخزٍ في يسار صدرها .. يُكلِّم وصاحب فتيات ! لا يالله ! مستحيل .. مستحيل يكُون من هذه الفئة. ولكن هُم الفئة الوحيدة التي تتمتع بالشك.
،
فتحت عينيْها بتثاقُل بعد أن أخذهم النوم في غرقٍ عميق ، حركت رأسها التي تشعرُ بأن كُتلة حديد تحطُّ عليه من ثقله ، وضعت يدها بجانبها بإنغماس حقيقي بالنعاس لتشعر بأزارير صغيرة تُلامس أصابعها ، فزعت لتستوعب أنها تنام على صدره ، رمت عليه الوسادة الواقعة عند أقدامهم والتي كانت بالأمس تفصلُ بينهما : ما ينوثق فيك
عبدالعزيز فتح عينيْه وببحة النوم : انا في مكاني انتِ اللي تحركتي يا قلق
رتيل تنظرُ لنفسها وفعلاً هي من تحركت من مكانها ، بحرج تُبرر : لأن السرير صغير طبيعي بتحرك .. وأتجهت نحو الحمام لتجعل عبدالعزيز يُمدد ذراعيْه بإرهاق من النوم على سرير ليس وثيرًا بما يكفي ، شعر وكأنه ينام على قطعة خشبْ.
نظر للنافذة والسماء الغائمة ولكن واضح أن المطر أنقطع. أخذ هاتفه ليُصدم بإنتهاء بطاريته. تنهَّد بأفأفة ليتجه نحو الحمام ، خرجت رتيل وهي تبحثُ عن هاتفه : عبدالعزيز وين حاط جوالك ؟
ثواني طويلـة حتى خرج عبدالعزيز وهو ينشفُ وجهه من البلل : جوالي مافيه شحن
شهقت بخوف : كيف يعني ؟
عبدالعزيز : الحين بنمِّر أي محل نشتري شاحن ونشحنه
رتيل بتوتر : ياربي .. ليه كذا
عبدالعزيز يأخذُ أغراضه ويُقلد صوتها الناعم : ماندري ليه كذا ! وش نسوي نضرب الطريق اللي خلانا نجي هنا
رتيل تُلملم أغراضها في حقيبتها : ها ها ها ظريف مررة .. طيب معقولة أبوي للحين مقدر يوصلنا !
عبدالعزيز : غطي شعرك ولا يكثر
رتيل تأفأفت لتخرج خلفه وهي تقلد صوته بكلماتٍ غير مفهومة ولكن تشبهًا باللغة الفرنسية.
عبدالعزيز ألتفت عليها : لو يشوفك أحد بيتفل بوجهك على اللغة
رتيل أبتسمت وهي تُشير لرأسها : كيفي
عبدالعزيز : الحمدلله والشكر ! تعيشين طفولة متأخرة يا قلبي أنتِ
رتيل كانت ستُعلق لولا أنها عطسَت ليحمَّر وجهها وتدمعُ عينها : الحمدلله
عبدالعزيز : يرحمك الله
رتيل : يهديك الله ويصلح بالك .. شكلي مرضت
عبدالعزيز : كلنا مرضنا ..
سلِّم مفتاح الغرفة للإستقبال ، خرجَا وهُم يبحثُون عن محل للهواتف. أستنشق رائحة الخبز الفرنسي وفزَّ قلبه له : لحظة بنآكل
رتيل : رايق مرة ! يعني تدري اننا ضايعين
عبدالعزيز يتجاهلها مُتجهًا للمخبز : وإذا ؟ يعني أحرم نفسي من الأكل! طيب ماتبين تآكلين أحسن
رتيل تشعُر بالجوع ولكن أنحرجت من أن تتراجع عن موقفها لذلك ألتزمت الصمتْ.
عبدالعزيز بخبث : هاا غيرتي رايك ؟
رتيل : لا ماني مشتهية
عبدالعزيز يشترِي لنفسه دُونها، وأخذ قارورة عصير برتقال طازج : يالله دوري على محل جوالات ماعلى آكل ..
رتيل : بتتركني ؟
عبدالعزيز بتلذذ بطعم الخُبز المحشوّ بالشوكلاته وإغاضةً لها : بمشي معك بس ماأعرف أركز وأنا آكل
رتيل تنهَّدتْ لتبتسم بعد زمن : فيه شي جميل على خشمك
عبدالعزيز يأخذ منديلاً ويمسح أنفه
رتيل : مانسيتها يوم أحرجتني وقتها سبحان الله الله ما يضيِّع حق أحد
عبدالعزيز ضحك ليُردف : على الأقل ماأنحرجت زيِّك
رتيل : طبيعي بنحرج بس أنت وجهك مغسول بمرق
عبدالعزيز يُبعد الفطيرة عنه للأعلى لتسيل الشوكلاته بداخل فمه.
رتيل بغضب : لو أبي راح أشتري بدون لا تحرِّني وتقول أني أعيش طفولة متأخرة وماتشوف نفسك
عبدالعزيز صخب بضحكته : لذيذة .. هذا أكثر شي فقدته بالرياض
رتيل : مافيه محلات هنا
عبدالعزيز ألتفتت ليرى اللوحات ووقعت عيناه لرجُل يُشابه أولئك الرجال. ثبَّت عينِه في عينيْه ، شعر بأنه يتوَّعدِه بنظراته.
تمتم وهو يُلامس جيوبه : نسيت سلاحي!
رتيل بغير فهم : طيب ؟ خلنا نآخذ شاحن ونشحن عندهم ونرجع للسيارة لين يجي أبوي
سحبها من يدِها وبخطوات سريعة بدأ يسير و . . .
،
يُراقبها من بعيد ، يشعرُ بأنها تحسُّ به ، تفهمُ بأنه على بُعدِ خطواتٍ يكُون هو ، أنا أثق بحُبِك ليْ من هذه الإلتفاتات التي تشعرُ بمراقبتِك ليْ ، ياليتك تفهمين يا عبير أنني أُحبك بشدَّة ، بأكثرُ من كلمة " بشدَّة " يالله كم يلزُمني من كلمة تصف جنُوني بِك ، كم يلزمُني يا عبير ؟
عبير : يعني بتروحين!
أفنان ببهجة : إيه نهاية هالأسبوع أستلم شهادتي ، وأصلا حاجزة تذكرة العودة من الدمام
عبير : كويِّس ، الله يوفقك
ضيْ المُنشغلة بحالِ رتيل : جوالها طافي
عبير : أبوي راح لهم
ضي : إيه بس رجع لأن الطرق اللي بالشمال مسكرَّة .. الله يستر لا يكون صاير لهم
عبير : لآ إن شاء الله ..
بخوف بدأت تُفكِر ، رُغم نزاعاتهم ومشاكلهم المتكررة ولكن لا تتحمل بأنها تفقدُ أختها وصديقتها وكُل حياتها.
تنهَّدت وهي تجلس على كُرسي المقهى الذي على الرصيف. وقعت عيناها مرةً أخرى لمثل الرجُل ، أختى بغمضة عين ليجعلها تشكُّ بداخلها ، هل رأته أم تتوهم ؟
،
رفع عينه بتثاقل ، والغطرسة تظهرُ على ملامحه : قلت لي مين ؟
بلع ريقه بخوف : بنت عبدالرحمن آل متعب الله يسلمك
رائد يزفرُ دخان سيجارته : بنته !! وفارس ؟
شعر بأن الأرضُ تهتز من تحته : إيه طال عُمرك
رائد بهدُوء : وين فارس ؟
: طلع يتمشى من ساعة
رائد : و من متى هالعلاقة ؟
: من سنة ونص تقريبًا
رائد بسخرية : حلو .. من سنة ونص وأنا آخر من يعلم
: تونا نعرف طال عـ
قاطعه بعصبية وصل صوته الغاضب لكل جزء في الشقـة : جب لي فارس الحين لا أقصِّر لك هالعمر
،
الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
،
فتح عينه على صرختها التي ضجَّت أركان البيت ، أستعدل بجلسته من الكنبة التي كسرت ظهره : الجوهرة !!!
↚
فتح عينه على صرختها التي ضجَّت زوايـا البيت و حفرتْ بغشاءِ أذنه إبرٍ حادة الحواف ، أستعدل بجلستِه من الأريكة التي كسرت ظهره ليتمتم بإستيعاب لِمَا سمَع : الجوهرة !!
بخطواتٍ سريعة صعد للأعلى وأفكاره تضيع بين أشياءٍ كثيرة لا يستطيع التركيز بها إلا أنه يثق تماما بالحُراس المحاصرين البيت تمامًا والحيّ بأكلمه ، ثبتت أقدامه على الدور الثالث لينظرُ لحصـة المُعانقة للجوهرة وتحاول أن تُهدئها ببعضِ الكلمات الناعمة.
سلطان نظر لعائشة الواقفة علَّهُ يلتقط شيئٌ يفهمه ولكن سُرعان ما أنسحبت الأخيرة بخوفٍ يتجعدُ بملامِحها ، جلس على الأرض بالقُرب من عمتِه ليهمس : وش صاير ؟
حصَة لم تُجيبه وأكتفت برسمِ علاماتٍ تُنشط بها عقل سلطان الناعس ، بصوتٍ ثقيل : طيب .. الجوهرة
حصة وقفت لتتركها : بروح أسوي لها شي يخليها تسترخي ..
ضغطت بيديْها على رُكبتيْها المتلاصقتيْن وشعرُها يتناثر على وجهها المُنجذب للأرض التي لم تبتسم لها يومًا، أكان ثقيلاً على هذه الأرض أن تُزكِي عن نفسي الحزينـة وتُعطيني قطعةً منها لا تعرفُ للبؤس جوًا ؟ هذه الأرض مازالت تُمارس ضياعها في قلبي الذي بحجمِ الكفّ ! أكان لزامًا عليها أن تضيع وتُضيِّعني معها.
سلطان عقد حاجبيْه ، أبعد خصلات شعرها بأصابعه : ماراح تقولين لي وش فيك ؟
الجُوهرة بإختناق : أبي أبوي
سلطان : أدق عليه ؟
الجوهرة بنبرةٍ تحشرج بها البُكاء : أبي أرجع بيتنا
سلطان بهدُوء : أنتِ في بيتك
الجُوهرة رفعت عينها له لتضغط على شفتِها السُفليـة بأسنانها العلوية وكأن هذه الطريقة الطفولية ستمنعها من البُكاء، لا أعرف لِمَ نُجاهد أن نُمثِّل اللامبالاة ونحنُ خلقنا من تُراب قابل للتطاير والصمُود ، لسنَا من حجر حتى نتحلى بالجمُود على الدوام.
سلطان بحدَّة باغتت نبرته : وش صاير لك ؟
الجُوهرة تنظر لِمَ حولِه ، ليسترجع عقلها عائشة التي صدمتها بالأعلى حتى خُيِّل لها أنها سُعاد، ذاك الوجه البشوش الذي رأتهُ بإحدى الصور التي تجمعها مع سلطان، أتت صرختها بعنفوان الدهشـة والخوف، أتت بحدةِ الحُب الذي ينمو في داخلها دُون حاجتها لحنان/إهتمام يُحفِّز هذا النمو، روحها عطشى منذُ أن وُلِدت لم يتغيَّر شيء، تستطيع التكيُّف بجوِ سلطان الصحراوي الذي يشتدُ بضراوتِه، قادرة أن أتحمل ولكن هذا الحُب الذي يكبرُ يومٌ عن يوم يزدادُ بحدَّةِ أطرافُ النبات الذي يُعشعش بأرضِك يا سلطان.
الجوهرة : وش صاير!! أبد سلامتِك .. وقفت ليسحبها من معصمها بغضب حتى سقطت بجانبه. لو أن أحدًا غيرها لن يصرخ بهذه الحدة أو حتى لن يخاف من إصطدامه بشخصٍ ما، لكن أنا ؟ دائمًا أختلف عن البقية حتى في خوفي، أخشى أن يأتِ يومًا أخافُ به من ظلِّي.
أردف رافعًا حاجبه بحدَّة : هالأسلوب ما يمشي معي
بربكة الحواس شتت نظراتها التي ترمشُ بتناسب طردِي مع نبضات قلبها المُتصاعدة.
سلطان بصيغةٍ أمر بالجواب : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة بقهرٍ تراقص على نبرتها : دلع بنات ما يهمِّك
سلطان بحدةٍ أكبر : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة رفعت عينها للسقف حتى تمنع الدموع من التساقط وبخفُوت كأنها تُحادث نفسها : كنت أشوف صور زوجتك وعلقت في بالي بعدها طلعت لي عايشة ... و
يُقاطعها : مين زوجتي ؟
الجوهرة ثبتت نظراتها به لتغرق في حصُونِ عينه ،أصطدم قلبها بقوَّة في صدرها الرقيق : مين عندك غيرها ؟
سلطان بهدُوء ملامحه : ما أعرف إلا وحدة
الجوهرة شعرت بوخزِ الإهانة في عُنقها الذي بقيَ خاويًا بعد تجمُع الضربات في صدرها، ألتزمت الصمت لتنظرُ لعينيْه.
أكمل وهو يقف : تعرفينها ما يحتاج أقولك
مدّ يدِه لتُعانق كفَّها وتقِف من على الرُخام البارد، سحبت كفَّها لتُردف بضيق حروفها التي لاتُنطق عادةً : أبغى أروح لأهلي
نزل بخطواتٍ بارِدة تُشبه برود أعصابه الآن : طيب
الجوهرة : أكلم أبوي ؟
سلطان ألتفت عليها : لا وهالموضوع لا ينفتح
بغضب أتى ناعمًا كخامة صوتها الرقيقة : بتمنعني عن أهلي ؟ أنا برتاح!! تعبت نفسيتي من هالبيت وهالمكان
سلطان : تعاملي مع مشكلتك بنفسك
الجوهرة تقف عند آخر عتبة من الدرج في الطابق الثاني، بمُقابل جناحهم : مشكلتي هي مشكلتك!! توِّك تقول زوجتي يعني مسؤول عني
أبتسم وهو يستفزها ببروده : مسؤول عنك؟؟
الجوهرة تستقيمُ بظهرها لتتضح قوتها بمثل مفهومها : إيه رضيت ولا ما رضيت أنت مسؤول عني، إسمي زوجتك وعلى ذمتك سواءً برغبة منك أو لا
سلطان : شكرًا على الدرس الأخلاقي .. وأتجه نحو غُرفتهما لتلحقه ومازالت دموعها تُبلل ملامحها الدافئة.
أردفت : ليه تعاملني كذا ؟
سلطان يفتح أزارير قميصه مُتجهًا لدولابِه : كيف تبيني أعاملك ؟
الجوهرة : لا تتناقض وبيكفيني هالشي
سلطان رفع حاجبه : تناقضت!!!
الجوهرة بحرج بدأت تنظرُ لكل الأشياء ماعداه.
سلطان الذي يخشى أن يتعرى بقلبه أمامها أردف : لازم ليْ أصحح لك معلوماتك
الجوهرة بحدةِ موقفها : طيب صحح ليْ ؟
سلطان تنهَّـد : خلينا ننهي هالنقاش عشان عيونك لا تبكي أكثر
الجوهرة نظرت إليْه بسهامٍ حادة تخترق عينيْه الواثقة ، أردفت وهي تمسحُ دموعها المترسبة على ملامحها : أبكي؟ أنا لو أبكي تأكد أنه ماهو عشانك! أبكي على عُمري اللي ضاع معاك
سلطان بتجاهل : كان الله في عونك
،
الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
فيصل : أبشر الحين أدوِّر لك حجز
ناصِر بضيق : أنتظر منك رد .. وأغلقه دُون أن يسمع جوابٍ ، ينظرُ للسواد الذي يُحيطه بعد أن شعَر بأن الحياة تتذبذب بلزوجة أسفل قدميْه، لا يستطيع أن يتزن أبدًا أو يُصدق أن قلبُها مازال ينبض إلا حينما يُلامس قلبُها بيدِه ويتحسس نبضاتِها بعناقها، أحتاج أن أراهَا بصورةٍ حسيـَّـة تُحرِّك ذاكرة القلب كيفما تشاء، أحتاج ان أستسلم لهذا العالم حتى يُبعد عنِّي " بياخته " المُلازمة له في تشتيت طُرقنـا. أحتاج أن أحيـا على عينِ غادة وقلبِ غادة ورائحةِ غادة وكُل غادة.
،
يسيرَان بخطواتٍ سريعة طويلة ، يُخرج هاتفه المُغلق حتى يعكس بشاشته صورة الرجل البعيد جدًا ولكن مازال يُلاحقهم، أخذ نفسًا عميق ليُردف بصوتٍ خافت : لو صار شي ترجعين لنفس الفندق وتخترعين أي كذبة عشان تدخلين الغرفة قولي أنك نسيتي جوالك أو أي شي.. وأتصلي على فندقكم بباريس من تليفون الغرفة وكلمي أبوك... أخرج من محفظته بطاقة فندقهم .. هذا رقمكم ...
رتيل بتشتُت : وأنت ؟
عبدالعزيز : معاك بس لو صار شي تعرفين كيف تتصرفين!
رتيل بربكة : طيب ...
عبدالعزيز ينظرُ لمحل الهواتف : أدخلي وأشحني الجوال بس 10 دقايق يكفينا
رتيل بهدُوء دخلت بينما عبدالعزيز واقف ينتظرها بالخارج ويُراقب أفكارها التي بدأت تخيط بحيلةٍ حتى يهرُب.
إلتفاتاتها الكثيرة تفضحُ خوفها الذي يُداعب شفتيْها المُتشققة بفضلِ أسنانها المُرتبكة : شكرًا .. بعد أن مرَّت أقل من 10 دقائق ، أنهالت عليها الإتصالات الفائتة : بتصل على أبوي
عبدالعزيز مسكها من معصمها ليدخلان طريقًا فرعيًا مُقارب من نهر السين الذِي تُعتبر هي عاصمتُه.
رتيل بخوف : ما يرِّد !!
عبدالعزيز : على مقرن ؟
رتيل بدأت أنفاسُها الخائفة تتصاعد : ماعندي رقمه الفرنسي .. نسيت لا أحفظه لأنه غيَّره أول ما وصلنا
عبدالعزيز : عبير .. مرت أبوك .. اي أحد !!
رتيل أصابعها المرتجفة تخطأ في كل مرة ، باغتها إتصال والدها لترُد بصوتٍ متلهف : يبـــه
عبدالرحمن : وينكم ؟
رتيل : في روَان
عبدالرحمن : طيب الطريق مسكرينه أنتظروا بالسيارة للغروب وبعدها راح نجي
رتيل بربكة كانت ستتحدث لولا يدِ عبدالعزيز التي سحبت الهاتف : هُم في روَان !!
عبدالرحمن تنهَّد : مافيه طريق ثاني يوصلني لـ روَان طيب! عز حاول قد ما تقدر تروح لآي مكان آمن بس لين الغروب وساعتها إن شاء الله بنكون عندك
عبدالعزيز بغضب : سلاحي بالسيارة اللي تعطلت ومعاي رتيل وفيه واحد يلاحقني! وش أسوي ؟ فرضًا كان مسلح بجلس أدافع عن نفسي بأيش ؟
عبدالرحمن بمثل غضبه : طيب أنا وش أسوي ؟ رحت مرتين والشمال كله مسكرينه ..
عبدالعزيز تنهَّد بعد صمتٍ لثواني : وش صار مع رائد ؟
عبدالرحمن : ماعندنا خبر عنه لكن أكيد الحين شاك فيك لأنك خلفت بالموعد بدون لا تبلغه .. بس تجي نشوف لنا عذر له
عبدالعزيز : طيب ..
عبدالرحمن : الله يحفظكم بعينه اللي ما تنام .. أنتبه لنفسك ولا تروح لمناطق فاضية .. خلك بمركز المدينة
عبدالعزيز : إن شاء الله .. وأغلقه ليُردف : أغلقيه عشان ماينتهي شحنه
رتيل : بننتظر لين الغروب ؟
عبدالعزيز : أيه .. نظر للسماء التي تُنبأ عن مطرٍ سيزور الأرض قريبًا، تبللت فرنسـا بأكملها هذه الأيام، والأكيد أنها تزُور قبر أحبابي، ماذا لو كان هُناك شيئًا يجعلني أتحسس ما بهم وهُم نائمين بسلام منذُ عام وأكثر؟ يالله لو أن الطُرق تقودني لهُم الآن؟ أنا في أشَّد أحزان هذا السماء أتذكركُم. يالله لو يأتيني حلم سعيد يجمعني بكم ، أن يأتيني عيدٌ أبيض يجعلني أبتسم فقط. إلهي! " وش كثر " أنا مشتاق وبيْ من الحنين حدُ الهذيان.
،
دفعه بقوة حتى أسقطه على كُرسي من جلدٍ أسوَد، شدُّهُ من ياقتـِه بعد أن شطَر ظهرهُ نصفيْن إثر ضربته له ، صرخ به : تبي تجنني!!
فارس الذِي نزَف من أسفلِ شفتيْه ألتزم الصمت لا يُجيد التجادل مع والدٍ غضبه يُشبه ريحٍ تقتلعُ كُل من مرّت به.
رائِد بغضب ترك ياقته ليعُود لمكتبه ويُخرج سيجارةٍ يُدرك أنها لن تُطفىء النار التي توهّجت بصدرِه ، منذُ متى والأشياء المُحرَّمة تُطفىء شيئًا غير طريق الطاعة ؟ أدرك تمامًا أن ما بينْ أصبعيّ نارٌ يتحرك وأنا أزيدهُ إشتعالاً : من متى تعرفها ؟
فارس بهدُوء مُشتتًا نظراته : سنة و 7 شهور
رائد : والخيبة والله
فارس : ما ضريتك ولا ضريتها !
رائد بصراخ : تآكل تراب !! هذا اللي ناقص بعد قل أنك تحبها ومهتويها عشان أهفِّك بـ ذي *أشار لطفايـة السجائر*
فارس جلس على الأريكة الوثيرة دُون أن ينطق شيئًا وهو يسحب منديلاً يمسح به دماءه.
رائد ينظرُ إليْه مُستغرقًا جُلّ وقته ليُردف : كيف عرفتها ؟
فارس : لما أرسلتني للي يستأجر مزرعة بوسعود
رائد وهو ينفث دخانه : كنت حاس ..
فارس : قدرت أفتح الغرفة وكانت غرفتها
رائد بسخرية : خروف !!! حبيتها من صور
فارس نظر لوالده بحدَّة : ماهو من صور!
رائد بحالمية صوته الساخر : إيه أطربني كيف حبيتها ؟
فارس مُتجاهلاً سخريته ليُثقل من نبرته الرجولية : أعجبت فيها وبديت أفكر .. يعني أفكر فيها دايم وأنت يا يبه ما مليت حياتي بشي عشان أفكر بشي ثاني !! بسهولة قدرت تسيطر على عقلي ، ورجعت للمزرعة مرة ثانية وقمت أفتش بغرفتها لين شفت رقمها و .. الباقي ما يهمك
رائد بإبتسامة : مراهق!!
فارس : تستهين بالحب كثير لأنك ما جربته
رائد يُطفىء سيجارته : إلا مجربه مع أمك الخيبة الثانية !! وعارفه زين .. وبنت عبدالرحمن تدري وتحبك بعد هالخيبة الثالثة ؟
ضحك فارس من وصفه ليُردف : لا
رائد : كويِّس والله! تعجبني الدراما اللي معيِّش نفسك فيها
فارس بجديّـة : لو ما شفتها كان صدق كنت خروف وراك يا يبه
رائد : يعني حُبك لها عزز رجولتك ؟ ماشاء الله عليك تقتلني بهالرجولة !!
فارس : لك قناعاتك ولي قناعاتي
رائد بنظرة شك : وبس؟ مجرد مكالمات!!
فارس أبتسم بإنتصار خفيف : رجالك ما قصروا معي
رائد عض شفته بغضب وقبل أن يُردف شيئًا باغتهُ صوت فارس الممتلىء بصخب الرجولة : إذا أنت ذكي أنا أذكى منك يبه وإذا حمد يحاول يتشيطر عليّ فهو غلطان!! يحزني والله أني أعرف كل أمور شغلك ويحزني أكثر أنه رجالك ما ينوثق فيهم وعلى فكرة السجن الأنيق اللي كنت ساكن فيه طلعت منه أكثر من مرة وبغباء فادح من حرَّاسك وأزيدك من الشعر بيت .. كل أمور عبدالرحمن آل متعب عندي ولأنك للأسف فشلت بأنك تلقى لك جواسيس عندهم أنا قدرت ألقى ليْ !! شايف الفرق بيني وبينك ؟ أنا مراقب كل شي لكن ماأضر أحد أما أنت ماتدري وش صاير في الدنيا وتضر العالم بكل همجيـ
لم يُكمل من الطفاية التي أتت بجانب حاجبه الأيمن حتى خدشته بقوَّة. وقف مُتجهًا إليْه وهو يعلم أن فارس يحاول أن يتمرد عليْه ولكن حذارِي أن يكُون بهذه الصورة.
وقف أمامه والدماء تقطُر من جبينه : أنا قابل بأنك تضربني وتمسح في كرامتي الأرض! لكن تأكد أنه عمري ما راح أضرِّك أو ممكن أفكر أني أضرِّك حتى لو عشان اللي حبيتها واللي مستهين في حُبها !! .. مستعد أخسر كل شي ولا أخسرك لكن أنت مستعد تخسر هالعالم كله بس ما تخسر مصلحتك !! وهالفرق يا يبه يذبحني !
رائد أخذ نفسًا عميقًا و لا يفصلُ بينه وبين إبنه إلا خطواتٍ ضئيلة ، تراجع للخلف ليجلس : مين اللي يوصِّلك المعلومات ؟
فارس : راح
رائد بحدة : فارس لا تلعب معي!!
فارس : والله سافر
رائد : كم مرة رشيتهم ؟
فارس ضحك بسخرية على حاله : بالشهر 5 مرات يمكن ..
رائد : وبمقابل كم ؟
فارس : الفلوس اللي تحطها لي كل شهر ما اصرف منها شي
رائد : وحمد ؟
فارس بخبث : اللي وصله لك قادر يوصله لغيرك
رائد : أوكي يا ولد الكلب
فارس نظر لوالده بإستغراب شديد من وصفه الأخير.
رائد بغضب جنوني : إيه أنا كلب يوم خليتك مع الحمار الثاني!!
فارس بهدُوء جلس بمُقابل والده ليُردف : يبــه ،
رائد بحدة يُقاطعه : أنقلع عن وجهي لا أرتكب فيك جريمة
فارس تنهَّد ليعُود لصمته وينظرُ لوالده ، مازال جالسًا وكأنه يُريد أن يخفف عنه هذا الغضب.
أستمرت الدقائِق ليعُود رائد لسيجاراته وغضبه الذي ينفثـه ، يقطعُ عقرب الساعة الثواني ويُثير رتابتها. ألتفت لإبنه : وش تعرف عن عبدالرحمن ؟
فارس : فيما يخص بنته بس
رائد : كذاب!!
فارس بلع ريقه ليُردف : بخصوص شغله ماأعرف شي
رائد ببرود : صدقتك
فارس: قلت لك يبه مستحيل أضرِّك بشيء يعني لو أعرف أي شي بقولك
رائد : مشلكتي أثق فيك تربيتي وأعرفك زين بس الكلاب شغلهم عسير معي!! اجل قلت لي 5 مرات بالشهر ترشيهم
فارس ضحك ليُردف وهو يُقبِّل كتفه القريب منه : للأمانة آخر شهرين بطَّلت رشاوي!
رائد بإبتسامة تُشبه سحر إبنه : عاد تركت هالعالم ومالقيت الا بنته !
فارس : قدر إلهي مالي سلطة عليه
،
سَارَ بخطواتٍ خافتـة إليْها، شيءٌ ما يجذبني إليك وأكثرُ مما ينبغي تُساق أقدامي إليْك ، جلس بعد أن شعَر بهدُوء بكائها، لا يعرفُ لِمَ يجرح وبمثل الوقت يوَّد أن يُراضِي ويُطبطب الجروح الطريَّـة ، تشتت أفكاره ليلفظُ بين زحمتها صوتٌ هادىء : ريم
لم تُجيبه مازالت تغرزُ رأسها بالوسادة القطنيـة، شعَرت بضياعٍ حقيقي فلا أحد يستطيع أن يواسيها أو حتى يُخفف عنها وطأةُ حديثه أو رُبما ينصحها، يُخبرها بما يجب أن تفعله الآن. تشعرُ بالوحدة/الوحشة.
كرر إسمُها الذي يمرُّ بإنسيابية على لسانه : ريم
أدخلت أصابعها في ضيق المساحة التي تفصلُ بين وجهها والوسادة، لتمسح دمُوعها الشفافة ، ألتفتت عليه لتستلقي على ظهرها وتنظرُ له.
ريَّـان بإتزان : صلِّي العصر بالأول بعدها نتكلم
ريم ببحّـة : جمعتها مع الظهر
ريَّان تنهَّد : طيب .. قومي
ريم أستعدت بجلستها لتسند ظهرها على السرير : أنا كذا مرتاحة
ريَّان : طيب .. بغضب أبتعد مُتجهًا للتسريحة ، أخذ هاتفه ومحفظته ليخرج مُغلقًا الباب بشدَّة تخدش قلبها الرقيق، لِمَ يفعل كُل هذا ؟ مَن مِن حقه أن يغضب ؟ أليس أنا ؟ الذي شكّ بيْ وكأني لاأنتمي لخُلقٍ حسَنٍ واحد! لا أعرفُ لِمَ مزاجيته مُتغطرسة لهذا الحد ؟ يغضب متى ما يُريد و يرضى متى ما يُريد ؟ وأنا ؟ أليس لديْ مشاعر ويجب أن يُراعيها ، لستُ تحت حكم مزاجيته المُتذبذبة. ولن أكون كذلك. مثل ما يغضب يجب أن يتحمَّل عوائِدُ غضبه.
،
أغلق هاتفه بعد إتصال سلطان، أستغرق طويلاً وهو يحلل معه كيف أنَّ هُناك طرفٌ يتلاعبُ بكلا الجانبيْن، حديث سلطان الذي يؤكد فرضيتي بأدلةٍ غابت عن عقلي! أشياء كثيرة لا يتسعُها المدى تُخبرني بأن هُناك أمرًا سيفلت من سيطرتنا قريبًا.
مسك القلم وبدأ بالتنقيط على الورقة البيضاء وبعلمِ جيدًا أن هذه النقط تعني أشياءً كثيرة وأحداثٌ أعظم.
نظر لضيء التي تدخلُ عليه : السلام عليكم
عبدالرحمن : وعليكم السلام
ضيء : وش صار مع رتيل ؟
عبدالرحمن : الطريق الرئيسي متعطل ، بلغونا أنهم بيجرون إصلاحات روتينية وبينفتح على الغروب مرة ثانية
ضيء : غريبة!! مو داخلة مزاجي سالفة الطريق متعطل
عبدالرحمن بسخرية : أصلاً هو فيه شي يدخل المزاج !!
ضي أبتسمت بمواساة : أهم شي أنها مع عبدالعزيز ومتطمن عليها
عبدالرحمن تنهَّد : الحمدلله
ضي جلست بالقُرب منه لتسحب كفِّه التي تكتُب وتُعانقها بين كفيّها : ماأحب أشوفك متضايق ومهموم!! .. إن شاء الله كل الأمور سهالات لا تستبق أشياء ما بعد صارت وتفكر فيها وتتضايق
عبدالرحمن : مقدر أمشي على البركة! أنا في شغل ماني جالس أمارس هوايتي
ضي : دارية يا حبيبي بس ولو ؟ يعني شوف نفسك بالمرآية لا تآكل كويس ولا تنام كويِّس وكل تفكيرك منحصر بشي معين، خذ نفَس شوي وأرتاح
ألتزم الصمت لثواني طويلة حتى أردف : وين عبير ؟
ضي : راحت تغيِّر ملابسها!!
عبدالرحمن مسح على وجهه والإرهاق يفتكُ به : صار شي غريب معكم ؟
ضي : لآ ، جلسنا شوي بعدها وصلنا أفنان شقتها
عبدالرحمن : ليه ما قلتي لها تجي هنا ؟
ضي : قلت لها بس قالت بترتب أغراضها عشان آخر أسبوع لها بيكون في كَان
،
رمى عليه بعضُ قطرات الماء حتى يفيق : فيه أحد ينام هالوقت ؟
يُوسف بإمتعاض : ماهو وقتك أبد
منصُور : اليوم منت على بعضك
يوسف يستعدل بجلسته بعد أن أتعبهُ النوم على الأرض في مجلسهم : أذن المغرب ؟
منصور : لآ تو باقي نص ساعة
تنهَّد ليتجه نحو المغاسل الواضحة لعينِ منصور الجالس في صدرِ المجلس : فيك شي ؟
يوسف : وش بيكون يعني ؟
منصور : مدري إحساسي يقول صاير شي
يُوسف : وفِّر إحساسك لنفسك
منصور بسخرية : دام حوَّلت الموضوع لشخصنة فأنا صادق بكلامي
يُوسف يأخذ المنشفة الرماديـة ويمسح بها وجهه : يازينك ساكت
منصُور رفع حاجبه : يخص مين ؟
يُوسف بهدُوء : سالفة فهد اللي ما تنتهي
منصُور بقهر : يوم قلت لكم نفتح القضية من جديد قلتوا لا مانبي مشاكل!! وحياتك يعني ؟ بتضِّل طول عمرك بنظرها أنك أخو شخص قتل أخوها!!
يُوسف : أقدر أقنعها بمليون طريقة بس ماهو بالشرطة وبمشاكل القضية اللي إذا أنفتحت ماراح تتسكر بسهولة
منصور تنهَّد : قولها السالفة كلها! لا تقول ماله داعي تعرف التفاصيل لأن لو ماعرفت منك بتتوهَّم أشياء مالها أساس
يُوسف بحلطمة : أستغفر الله بس.
،
تنظرُ له بنظراتٍ خافتة لامُباليـة، يضع كُوب الشاي الدافىء أمامها، أنشغل بهاتفه حتى لا يُربكها بعينيْه رُغم أنَّ سهامُ عينها لا تنفَّك من المرور بجانبِ محاجره. رفع رأسه ليُردف : ودِّك تحكين بشي ؟
غادة بصدّ : لا
وليد يُدخل هاتفه بجيبه : ماتبين تعرفين وش صار على ناصر ؟
غادة بنبرةٍ مقهورة تنفجر بالكلمات المحشوَّة بالعتب : طيب ناصر وينه ؟
وليد : قريب بيكون هنا
غادة : وينه عني من زمان ؟ تقول أنه صار لي سنة وأكثر ومحد عندي غيرك!!
وليد بنبرةٍ كاذبة ، يكرهُ نفسه حين يطعنُ قلبه بالمثالية التي يمقتُ تشبثه بها : يجيك دايم
غادة بضيق : فجأة كلهم يختفون من حياتي!! كذا فجأة!
وليد : طيب تفكيرك بالماضي ماراح يرجعهم لك! فكري بحياتك وبمستقبلك الجايْ ، عندِك بكالريوس إدارة أعمال ومؤهلك عالي وتقدرين تشتغلين وتكملين حياتك
غادة : طيب والناس ؟ أبي أهل وناس تسأل عنِّي .. كيف أعيش بهالوحدة ؟
وليد: طيب مافيه أبسط من الصداقات! .. و ناصر
غادة : ناصر وناصر وناصر!! ماأعرف كيف هالعالم يمشي !! ماني قادرة أستوعب الموضوع ، أفقد ذاكرتي لآخر 5 سنوات وأسمي مقترن بناصر و ماعندي أهل !! .. يالله كيف الواحد يقدر يستوعب هالشي ؟
وليد تنهَّد : هذي الدنيا وبتمشي كذا!!، أكيد أنتِ حزنتي بوفاتهم فلا تعيشين نفس الحزن مرة ثانية، هذا قضاء وقدر ولازم تؤمنين فيه وتصبرين عليه
غادة : ودي أعرف كيف كانت حياتي بعد وفاتهم!
وليد صمت لبُرهة، و بتقاطع الثواني الضيِّقة أتى صوتُه : عشتِ عند صديقة لك إسمها أمل وكنتِ تجيني تتعالجين في ميونخ، بعدها أنتقلتِ لباريس ويَّاها و.. رجعت السعودية وتركتك. لين صار الحادث الثاني وهذا أنتِ بصحة وعافية
غادة : كنت أتعالج من أيش ؟
وليد : نفسيتك كانت مضطربة
غادة بألم : أكيد بعد وفاتهم تشتت
وليد : أكيد، وتذكري أنه عندك ناصر .. قريب إن شاء الله راح يجيك وبتشوفينه أكيد هو مشتاق لك وأنتِ مشتاقة له
غادة : ليه ما تفهمني؟ مابيني وبينه الا كلام سطحي وسطحي حيل .. أشوفه كثير بس ماأعرفه شخصيًا
وليد : تعرفينه يا رؤ .. أقصد غادة.. وبتسترجعين نفسك معاه
غادة : رؤى!! ليه تناديني فيه
وليد أبتسم : مدري ليه كذبتِ عليّ مع أمل
غادة بمثل إبتسامته : شكلي كنت ملكعة
وليد : تعرفين شي ؟ رب ضارة حسنة .. قبل فقدانك للذاكرة كان بشكل كلي للماضي لكن الحين الحمدلله أنك تتذكرين كل شيء ماعدا هالخمس سنوات! صدق عُمر ويمكن صارت أشياء كثيرة منها زواجك من ناصر .. لكن هالـ 5 سنوات راح تسترجعينها بعد الله من ناصر .. هو بروحه اللي يقدر يساعدك عن الخمس السنوات اللي فاتت من عُمرك، تعرفين يا غادة أنه الإصابات على المخ ماهي ثابتة ومحد يقدر يحددها بسهولة فيه ناس يفقدون الذاكرة وفيه ناس تُكسر عندهم الجمجمة وفيه ناس يجيهم شلل .. يعني مافيه شي قطعِي يفصل بالموضوع، ممكن حالتك النفسية قبل الحادث أثرت على هالشي وخلتك ترجعين لفقدانك الذاكرة، فيه ناس كثير يسترجعون ذاكرتهم من حادث مثل ما فقدوها من حادث، لكن سُبحان الله!! وممكن هالشي كويِّس لك ما تدرين ممكن فيه شي سيء حصل لك بالخمس سنوات الماضية ونسيانك له رحمة من الله.
غادة أخفضت نظرها لتسقط دمعة باردة على كفَّها : تصدق! أبي أشوف ناصر .. متلهفة كثيير على شوفته ..
وليد يُدرك تمامًا ما تشعُر به، العقل الباطنِي العاشقُ لناصِر والذي يُناقض ذاكرتها المُتحفِّزة للماضِي البعيد. يُدرك بأن جسدها يعترفُ بمُلكيةِ ناصر بينما قلبها باردٌ مُشتت بين عقلٌ يفهمُ هذا الشعور و ذاكرة تبترُ هذا الحديث.
بهدُوء الضائع : إن شاء الله تشوفينه ...
أعلن إفلاسي من هذه الحياة، أعلن الكُفر بالحُب بل أشدٌ إلحادًا به من هذه اللحظة، أنا الأسوأُ على كُل حال، أنا المثالي والمُبالغ بمثاليتي ! جعلتني أتنازل عن الجوهرة بسهولة دُون أن أقف أمامهم جميعًا وأعلن الحفاظ على حُبٍ كان في المهد، ومرةً أخرى أتنازل عن " رؤى " أو غادة لا يهُم مادامت هذه العينان واحِدة، كل الأشياء تقف بوجهِي، تجعلني مستسلم تمامًا! لستُ خصمًا لهذا العالم حتى يُعامل إبن الطين بهذا السوء، بهذه اللقاءات العشوائية التي تجعلني لا أعشق إلا إمرأة كُتبت لغيري. سنَة وأكثر وأنا أنجذبُ نحوها في كل يوم، سنَة وأكثر كيف أُمحيها من حياتي لأبدأ من جديد. يالله! آمنت أني لا أصلحُ لأيّ إمرأة في هذا الكون، أن أعيش وحيدًا هذه النهايـة التي حاولت أن أؤخرها وأتجاهلها لكنها هاجمتني بشراسة فتت بها قلبي قطعًا. لِمَ الأطباء فاشلون بالحُب ؟ سؤالٌ لأرضِي ولا أريد منها جوابًا فحُزني منها يكفي.
،
محاجره مُحمَّـرة كبُقعةِ لونٍ مُتيبـِّسـة، عرقٌ داكِن يغزُو عدستِه السوداء ويقطع بياضِ بؤبؤة عينِه، يشعرُ بثقلٍ على رأسه الذِي حُلِق ولم يبقى به شعرَة، بشرتِه الذابلة بجروحٍ طفيفـة والهالات السوداء التي تُعزِّي ملامحه بكُلِ خضُوعٍ وإنكسار، أشياء كثيرة لا يفهمها تمامًا وهو ينظرُ لسقفٍ أبيض ورائحـة تُثير الغثيان.
نظر لعينِ أخيه الهادئة التي تتأملُه من على بُعدِ متريْن وأقل، بلع جفافه الذي أسفل لسانه، يسترجعُ ما حدث وكأنه بالأمس.
عبدالمحسن: لا تخاف ماني مسوي شي
تُركي يضع عينه على الشُباك دُون أن يلفظ بكلمة وهو يشعر بعطشٍ شديد، تصاعدت أنفاسه على هيئةِ ملحٍ مُذاب يُحشَر في محاجره. شدّ على شفتِه السُفلى، ليس مُدركًا لفداحة الذنب ولكن مُدركًا بفظاعة الألم الذي يشعُر به سواءً كان السبب الجوهرة أو غيرها، أشعرُ بطينٍ يتيبس على قلبي ويُبطء من نبضاته، يضيقُ عليّ كثيرًا حتى يُفقدني عقلي الذي يُجّن يومًا عن يوم، أنا أين ؟ أهذه مستشفى أم ماذا ؟
خرجت غصتُه العالقة في حنجرته بجبنٍ شديد، هذا الذنب لم يترك له متسعًا لرجولته ولشجاعته، كان واضحًا جدًا أن مُرتكب الكبائر جبان لم يستطع أن يواجه الحياة بإختياراتها المُتاحة، كان واضحًا أنه ناقص الرجولة من لا يستطيع أن يصبر على ذنب!
عبدالمحسن ينظرُ لعينه التي تتجمعُ بها الدموع بكثرَة : أحمد ربك أنه الله إلى الآن ساترك ، ماراح أقولك ليه تغيَّرت وكيف تغيَّرت وأنا مقدر أنسى اليوم اللي جيتنا فيه وتقول أنك قررت تحفظ القرآن وعلمت أفنان والجوهرة على الطريقة وكنت تبيهم يحفظون معك!! موجوع منك يا تركي .. ياخوي .. يا ولدي .. يا اللي كنت حياتي كلها! موجوع من أنك ما حفظت القرآن ولا حققت ولا هدف كنت أتمناه وأقول بعدها للناس هذا أخوي ولد أمي وأبوي اللي أفتخر فيه .. عُمري ما توقعت أنك توصل لهالمستوى ؟ وين اللي كان يقول بيجي يوم و بأِم بالناس بالحرَم!! وينه تركي القديم ؟ 7 سنوات ياتركي يا كبرها عند الله !!
تحشرج صوتُ عبدالمحسن وهو يُكمل : 7 سنوات وأنا مالاحظت تغيِّرك وأنك ما قمت تحضر محاضرات المسجد .. يالله كيف كنت بعيد لهدرجة ؟ قولي بس وش كان راح ينوِّمني لو الله خذا حياتِك وأنا أحس بمسؤوليتي إتجاهك ؟ ماخفت عليّ طيب ؟ أني أتحاسب بذنبك ؟ ليه كنت أناني وأنا عُمري ما تعوَّدت أنك تكون كذا ؟ وش سويت لك عشان تعامل أخوك بهالصورة ؟ بنتي .. تعرف وش يعني بنتي ؟ كيف تفكر فيها بطريقة شهوانية!! كيف هان عليك عرضك يا عمَّها يا أخو أبوها !!
دفن وجهه بالوسادة ليبكي بكلماتِ أخيه العاتبة.
عبدالمحسن دُون شفقة عليه زادهُ بحدَّة : اللهم لا إعتراض، اللي فات من عُمرنا ماله رجوع! لكن نقدر نكفِّر عنه بتوبة .. بساعدك يا تركي بس ينتهي علاجِك مالك محل بحياتي .. شوف حياتك بعيد عنِّي .. ما هو أخوي اللي يخوني في غيابي!! .. أبد ماهو بأخوي ..
،
ينظرُ لِمَ حوله، لا أثر لِمن كان يُراقبه، رُبمَا رحل أو مُختبىء .. يحاولون تخويفي أم ماذا ؟ لِمَ لمْ يجيء إليْ أو مُجرد بثُّ رعب وفقط. ليس من طرف رائد وأيضًا ليس من طرفنَا ؟ من الذي يكُون بالمنتصف حتى يفعل كل هذا ويُعطِّل أعمال رائِد وأعمالنا! إن كان عدوًا لرائِد فهو صديقًا لنا لكن ماهكذا يتعامل الأصدقاء! وإن كان صديقٌ لرائِد فليس من مصلحة الصداقة أن يُعطِّل عمل صديقه! إذن من له كل هذه المصلحة ؟ هل هُناك شيء لا أعرفه يُخبئه سلطان أو عبدالرحمن؟ رُبما طرف ثالث أجهله يتلاعبُ بيْ وبمعرفة جيدة من أبوسعود والبقيـة.
ألتفت لرتيل : خلينا نطلع لسيارتنا ..
دُون أن تجيبه سارت معه لخارج المدينـة، نصف ساعة سيرًا على الأقدام حتى خرجَا للشارع الرئيسي وبأعينِهم واضحة جدًا سيارتهم السوداء، تساقط المطر على ملابِسهم الثقيلة، وهي تفتح هاتفها لتنظرُ للساعة التي تُشير على الرابعة والنصف عصرًا بتوقيت باريس.
في بدايـة الطريق ذُو الهندام المُبعثر يتحدَّث بإنجليزية مُغلظَّة : هو أمامي الآن ... نعم في الأمس عطلتُ مدوِّس فراملها .. لا تقلق كل الأمور في حال جيِّد .. حسنًا ... أغلقه ليركن سيارته خلف سيارة عبدالعزيز تمامًا.
خرج له بإستغراب بعد أن أنتبه لملابسه التي لا تُشكك في أمره سوَى بأنه شخص عادي.
: هل تحتاج مساعدة ؟
بعد صمتٍ لثواني أردف : عجلات السيارة الأمامية قُطِعت
: حسنًا ، بإمكاني أن أساعدك
تمُّر الدقائق وهذا الرجل تحت مُراقبة عينِ عبدالعزيز، يبدُو لطيفًا بأنه نزَل ليُساعدنِي ويتضح من سيارته الأقل من متوسطة بأنهُ رجل من الريف. ليس واضحًا من ملامحه أنهُ سيء الخُلق وإلا لمَا وقف! تداخلت أفكاره وهي تُحلل عينَاه الزرقاء وبشرته الشقراء بصمتٍ يغرقُ به.
وقف : أنتهينا .. أتمنى لك يومٌ جيد
عبدالعزيز بإمتنان كبير : شكرًا لك
: لا عليك .. وبثواني قليلة أختفى من أنظاره ، دخل السيارة : جابه ربِّك
رتيل تنهَّدت براحة : الحمدلله .. يالله خلنا نرجع بسرعة لباريس قبل لا تظلِّم الدنيا ونضيع
عبدالعزيز : نضيع ؟ لمعلوماتك أني كنت عايش فيها يعني أدلّها أكثر من الرياض
رتيل ألتفتت عليه بكامل جسدِها : تدلَّها وأنت بغيت تنسف شبابي ! لا عشت حياتي ولا شي .. رجِّعني بس وتوبة أطلع معك
عبدالعزيز يُحرك سيارته بطريق العودة لباريس الأنيقة ، وبصوتٍ شغوف : بتضلين طول عمرك تقولين ياليت ترجع أيام روَان
رتيل : كلها يوم وكان زفت وش اللي يخليني أتمنى رجوعه! ماأقول الا وين أيام الرياض بس
عبدالعزيز بخبث : أيّ أيام بالضبط ؟
رتيل بثقة : أيام ما كنت أعرفك فيها
عبدالعزيز جمدَت ملامِحه بهدُوء ليُردف بسخرية شديدة : وش كثر كنتِ سعيدة!!
رتيل دُون أن تنظر إليْه : على الأقل كنت عايشة عُمري
عبدالعزيز : والحين مو عايشة عُمرك ؟
رتيل بنبرةِ الصراحة التي تجعل قلب من يُقابلها يضطرب : إيه طبعًا! ماني ناقصة شي يوم أتزوج بهالطريقة ومحد يتزوَّج بهالطريقة الا اللي عمره عدَّا الأربعين .. أصلا حتى الأربعينية ما ترضى بزواج على الصامت
عبدالعزيز بضحكته التي تسلب عقل رتيل وتُغرقه أيضًا : هالحين اللي مضايقك أنه ماصار عرس ولا صار طقطقة وعالم تبارك وتهنِّي
رتيل أنتبهت لسطحية تفكيرها لتُردف بدفاع عن نفسها : لآ طبعًا!! أنا بس أطرح لك مثال ..
عبدالعزيز : مع أني فاشل بعلم النفس لكن أثق أنه هذا اللي مضايقك
رتيل بقهر : ثقتك مهي بمحلَّها
عبدالعزيز بشماتة : يعوّضك الله في حاتم
رتيل بإبتسامة تُخفي غيضٌ شديد : ومين قال برضى بحاتم ؟
عبدالعزيز بمثل نبرتها ، بدأت حربُ الكلام بهذا الطريق الطويل : ما يرضيك أنهم أقل منك مستوى إجتماعي!
رتيل بدلع لم تتعمَّده، بعضُ الكلمات تأتي مُتغنجة بعفويـة شرسة على قلوبِ الرجال : أولاً حاتم بمثل مستواي مافيه فرق كثير! لكن كذا مزاج ماأبغاه ! أحلم بشخص ثاني
عبدالعزيز بإبتسامة مُفتعلة : كويِّس ، وإيش مواصفات الشخص الثاني ؟
رتيل تشعُر بالتلذذ وهي تستفزه : أحتفظ فيها لنفسي
عبدالعزيز : تصدقين عاد! كنت أحلم بأشياء كثيرة وسويت عكسها
رتيل : ووش هالأحلام ؟
عبدالعزيز : كنت أتوقع أني بتزوج وحدة حياوية عاقلة هادية لها قناعات ثابتة وأخلاقها عالية ..
رتيل بإنفعال : وش قصدك ؟
عبدالعزيز ألتفت عليها بنظرة ذات معنى لتعُود أنظاره للطريق. أردف : ما قلت أقصد رتيل! أنتِ قليلة حيا وطايشة ومزعجة ومالك رآي وشخصية وأخلاقك صفر ؟ عاد إذا أنتِ تشوفين نفسك كذا الشكوى لله
رتيل : لآ طبعًا ماأشوف نفسي كذا ! يمكن تقصد بزواجك من أثير لأن أظن أنه زواجك منها ..
تُقلد صوته بسخرية لاذعة وتُكمل : مبني على أخلاقها العالية وعقلها وحياءها وهدُوئها.
عبدالعزيز : إلا بشريني مجتمعنا تغيَّر بنظرته للمطلقة ؟
رتيل تفهم تماما ما يرمي إليْه : في كل شيء فيه الشين وفيه الزين! يا سعد عينه من كنت نصيبه
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه العلويـة : أتفق معك بالجملة الأولى بس
رتيل بنرفزة : كمِّل طريقك بس ولا عاد تكلمني
،
ينتظرُها حتى تُسلِّم من صلاتها، ألتفتت عليه لتصدّ بنظراتها وهي تقف نازعة جلال صلاتها، أخذت السجادة ووضعتها على الأريكـة الوثيرة لتنظُر إليْه مرةً أخرى : ما أبغى أتكلم بالموضوع
يُوسف بإبتسامة : مين قال أني جاي أكلمك ؟
شعرَت بالحُمرة وهي تسري بين عروق وجهها. ضحك بخفُوت ليُردف : إلا جايْ أكلمك، أجلسي
مُهرة بربكة : مالي مزاج أحكي في هالشي .. لو سمحت
يوسف : دام قلتِ لو سمحت فأنا بناقشك فيه وبعدها قرري بكيفك
مُهرة تنهَّدت لتجلس بجانبه : طيب .. وش بتقولي ؟ أنه أمي تدري من السماء ولا كانت موجودة في يوم الحادث مثلاً !
يوسف : لا بس بحكي لك القصة من بدايتها
وهذه الجروح التي لم تضمَد بعد ليس من حقِ أحدٍ ان ينبش بها ليجعلها تغرزُ الوجع مرةً أخرى، أردفت : لا ماأبغى أسمعها! أنا عارفة وحافظتها أكثر من إسمي
يوسف : لآ ماتعرفينها .. فيه أشياء ما سبق وقلتها لك
مُهرة بعصبية : جاي تدافع عن أخوك قدام وحدة خسرت أخوها!! يالله على الضمير اللي عايش فيه أنت وأهلك
يوسف بهدُوء : ماني جاي أدافع عنه، أنا جاي أقولك الكلام اللي عندي وبعدها انتِ قرري !! أسمعيني للأخير وبنفسك أحكمي
مُهرة وضعت يدها على بطنها الذي يُشاركها الحزن بألمِه : طيب ، شتت نظراتها لا تُريد أن ترى كيف الحُب يتضع بعينه لأخيه وأن ترى الدفاع من عينيْه قبل حديثه!
أستغرق نصف ساعة وأكثر وهو يقصُّ عليها ليتقطَّعُ الحديث بصمتِ يُوسف الكثير ودمعُ مُهرة الذي لم يجِّف، مع كل حرف وكلمة كانت تنزل دمعة تُشعرها بالضياع، بالحُزن الذي لم ينفَّك منذُ أن فقدت شريكُ رُوحها/حياتها. يأتِي الكلام سهلاً جدًا ولكن قلبي الذِي يواصل حياتِه مازال يتذكرُ فهد في كل زوايـا غُربتِه، الغربـة ليست بتغيير الديَار، الغربـة أن تفقد حياتِك السابقة التي كنت تشارك بها من يُطلق عليه حياتِك، أفتقدك جدًا وأكثرُ بكثير والله من " جدًا ".
يُوسف يترقبُ ردَّةِ فعلها، توتُره زاد وهو يؤمل نفسه على أن تُصدِقه : والله العظيم أنه ما قتل أخوك وأنا أحلف لك بالله يا مُهرة والحلف بالله ماهو لعبة ..
أخذت نفسًا عميقًا لتمسح دمُوعها المالحة التي تسربَّت تحت عينها، أيُّ هراء يجب أن أصدقه! لم أجِد من هذه العائلة ما يُسيء لها فعليًا، لم تكُن سوَى مُتعاطفة معِي وأيضًا يوسف! لا أعرف تماما ما شعُوره نحوي! أهو دور بطولي يقوم به من أجل أخيه ومازال أم مُجرد .. لا أعرف كيف أصنِّفه. لا شيء واضحًا بهذه الحياة وأنا أحمل بداخلي رُوح تنمُو كل يوم بيْ، الرحمة منك يارب.
يُوسف : مُهرة
مُهرة مازالت بصمتها، الوجع الذي ينمُو في داخلها كالجنين كيف تُجهضه بسهولة؟
يُوسف : حكمي عقلك!! وشوفي الموضوع من زاوية المنطق ماهو من عواطفِك
مُهرة أتجهت نحو الحمام ، أغلقته بإحكام وهي تُسند ظهرها على المغسلة وتغرقُ ببكائِها الخافت، أنفجرت وكأنها للتو أستقبلت خبر وفاتِه، تناثر دمعُها وكأنهُ لم يتناثر منذُ عقُود، تدافع بغزارة على ملامِحها النقيـة.
،
بصمتِ الطابق وإنزعاج أذنه التي توَّد أن تتداخل بها الأصوات، للسقف الأبيض الذي قاس أمتارهُ بعينه منذُ الصباح، بذاكرته التي تعُود إليْها ولقلبها الزهرِي، على دندنةِ البدر يغيب " كانوا الاحباب ظلك بعض احساسك ونورك ..ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .. هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي .. وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله .. وين كنتي ؟! .. شيبت عيني طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك .. ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا .. وفي جديلك عطر ورد .. آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني معنى وفي سموم ضلوعي برد .. ليه تأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي .. كنتي في غير الزمان ، وكنتي في غير المكان وانتي عمري كله عمري كله .. اللي باقي واللي كان .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .." أكملهُ بعزفِ رُوحه " أنتِ حلم ؟ و أنا اللي شبيه ظلالِك ألقى به جنُوني. أنتِ حلم ؟ وأنا اللي تركتْ الشعر بعدِك وأنا كيف أكتبه وعيُونك ما تقرآه ؟ أنتِ حلم يا غادة أو أنا اللي ما صادفني من هالحياة لحظة صادقة، أنتِ حلم ولا هالحياة دُونك هي الحلم ؟ هو صوتِك اللي سمعته ؟ هو أنتِ ؟ يا أجمل من وطى هالأرض ، يا أجمل من كسَر فيني عذاريب الوقت ، يا أجمل حلم مرِّني و يا كثره حظِّي يوم عينك مشتْ بخطاويها لعيُوني ".
دخَلت الممرضـة الهنديـة ذات الملامح الناعمة لتطمئن عليْه ، أردفت بلغة عربية ركيكة : محتاج شِي ؟
ناصر هز رأسه بالرفض لتنسحب بهدُوء ويعاوِد لقلبه الذي غرق بها، حاليًا أحتاج صفعة تُخبرني بأن ما يحدُث حقيقة.
،
تنظرُ من النافذة للأمطار التي تهطل بشدَّة، تسابقت الدعوات على لسانها العذب، صمتت لزمنٍ قصير أو طويل لا أعرف جيدًا كيف أحدده وهو يأتيني، يُشاركني دعواتِي ليس مُتطفلاً أنا بقلبي من أسيرُ معه وأتصادمُ أيضًا. يُجاور عقلي حدُ اللانسيان، أقصى الأحلام أن أراك، تحت غيمةُ الحُب أحتاجُك بجانبي، أحتاجُ أن أسمع صوتِك وأنا التي أدمنتُ نبرته ، كيف أشفى منك ؟ أعرفُ جيدًا كيف الحُب يؤذِي ؟ كيف أنه يتحشرجُ بيْ وكأني أحتضر لأني مارستهُ دون رضـا الله، أعرفُ كل هذا وأُعاقب بِك، بتعلقي، بحُزني الآن وإشتياقي، أتعاقب بطريقةٍ لاذعة تجعلُني أندم مع كل قطرة تنزل من السماء، تجعلني أندم على اللحظة التي سمحتُ لك بها أن تجتاحني وسمحتُ لقلبي أن يُغضب الله، أعُود لحياتي السابقة لكن بيْ شيءٌ مكسور! منك لله يا مجهُول لا أعرفُ منه سوَى صوتِه ورسائله المُتمدِدة على كفِّي، يا مجهُول لا أعرفُ سوَى أنهُ يُضيء عيني ويخدُشني بالنور دائِمًا. يخدُشني وأنا التي رضيتُ بالعتمة كيف أقبلُ بالنور بعد كُل هذا ؟ يالله في يومِك هذا أسألُك أن تُطهِّر قلبي منه ومن حُب أهواء الشيطان، يالله في وقتٍ إستجابتك هذا أسألك أن تُبعدني بينك وبين ما يُغضبك كما باعدت بين المشرق والمغرب، يا رحمن أرحمني من حُبِه.
بنبرةٍ دافئة :عبير
ألتفتت عليها وهي تمسحُ على وجهها تخافُ من الدموع المُباغتة الضيِّقة التي تهطلُ بلا حولٍ ولا قوة منها.
ضيْ : كلمتنا رتيل، هي في الطريق
عبير : الحمدلله .. أبوي وينه ؟
ضي : راح مع مقرن ، فيك شي ؟
عبير بتوتر : لا ، كيف رتيل يوم كلمتوها ؟
ضي : كلمها أبوك بس طمَّني وقالي أنها بخير
جلست لتُطيل النظر بشتات الغُرفة دُون أن تسقط على ضي، الشرُود هو محاولة ضائعة لإنكار الواقع.
ضيْ : تبينا نطلع نتمشى في هالجو الحلو
عبير تنهَّدت : لا ، طيب ممكن أسألك سؤال ؟
ضي بإبتسامة : إيه
عبير بربكة أصابعها : طبيعي انه بنت تتزوج شخص ماتحبه بس عشان تنسى معاه واقعها ؟
ضيْ صمتت لثواني طويلة حتى تقطعه : طبيعي إذا كانت متقبلة الزوج والحب يجي بعدين لكن الغير طبيعي أنه يكون هالزواج قايم عشان تنسى واقعها ماهو عشان قيمة الزواج نفسها والإستقرار و إلى آخره من أهداف الزواج ، وش فيه واقعك يا عبير ؟
عبير : ما تكلمت عن نفسي بس كان مجرد سؤال
ضي عقدت حاجبها : ممكن الحياة اللي تبينها ماراح تلقينها في الشخص الثاني اللي ناوية ترتبطين فيه بس عشان ينسيك الواقع!
عبير : طبعًا لا ، أكيد أني بفكر بمؤهلات الشخص اللي راح يتقدم لي
ضي بإبتسامة : اللي راح يتقدم لك!! واقعك يا عبير ماهو سيء لهدرجة
عبير أرتبكت من إندفاعها بالكلام لتُردف بإتزانٍ أكثر : ماهو مسألة واقع سيء أو كويِّس، أظن أني وصلت لعُمر يخليني أحتاج لشخص ثاني في حياتي
ضي : وعادي يكون أي شخص ؟
عبير : لا، بس عندي ثقة أنه من يجي عند أبوي يعرف على مين نوافق وعلى مين نرفض .. يعني أثق بأنه بيكون شخص مقبول
ضي : حاسَّة فيك، أعرف قدر حاجتك لرجَّال في حياتك لكن ممكن ما يرضيك أي أحد يتقدم لك بالنهاية هذا نصيب إلا إذا أنتِ تبين توافقين على أي أحد من باب أنك تتخلصين من قيود أبوك
عبير بهدُوء : أبي أوافق على أحد يشغل الفراغ اللي فيني، مثل ما الرجَّال لازم يحصِّن نفسه بالزواج أنا محتاجة أني أحصن هالقلب ..
ضي بإندهاش : ما جاء في بالي ولا حتى ممكن راح يجي أنك تشكين من فراغ العاطفة
عبير بلعت غصتها لتقف مُتجهة لهاتفها المُتصل بالشاحن : كلنا نشكي!!
،
على مكتبه يُرتب بعض الأوراق التي تُهمه، مُثبت هاتفه على كتفه : يا وليد أفهمني الموضوع ماهو بإيدي، قلت لك اللي عليّ
وليد : وعبدالعزيز ؟ وينه ؟
فيصل بهدُوء : مدري اللي أعرفه ناصر وراح يجيك يوم الإثنين
وليد : يالله يا فيصل كيف أتعامل معاه ! يخي تورِّط الواحد
فيصل : ليه تتورَّط معه ؟
وليد توتر ليُردف بمحاولة لتضييع كلماته : ماعلينا! كيف بكلمه عشان أخليه يدل المكان!
فيصل : تدري شلون؟ بشوف لي صرفة وأسافر معه
وليد : فهمته الموضوع كله وأنها فاقدة ذاكرتها ؟
فيصل : يعني ماقلت له كل شي، الرجَّال مصدوم وبالمستشفى قايلين لي أنه أنهار بعد ما رحت وحاسهُم !! الله يصبره ويعينه
وليد أخذ نفسًا عميقًا : طيب ومقرن كيف جاء إسمه عندها ؟
فيصل : تسألني وكأني أعرف كل شي .. خلاص يا عمِّي لا تدخل نفسك بهالمشاكل.. أهم شي أنك سويت اللي عليك
وليد : بالله ؟ يعني أشوف الغلط قدام عيني وأسكت
فيصل : أنت ما بإيدك حيلة عشان تتصرف!! أرجع ميونخ وشوف شغلك وأنسى الموضوع
وليد : يا هي سهلة على لسانك أنك تقولها كذا !! مع السلامة قبل لا ترفع ضغطي .. أغلقه دُون أن يسمع جوابه.
تأفأف، صعب إقناع وليد بأشياء وهميـة، يخاف أن يُخبر والِده بالموضوع ومن ثم يصِل إلى مقرن مرةً أخرى وعبدالرحمن .. يالله صعب عليّ أن أتخيَّل السيناريو الذي سيحدُث.
نزل للأسفل ليجِد والدته تُغلق الهاتف : هلا بالزين كله
أبتسم : هلابك
والدته : متى إن شاء الله تبشرني وتروح تخطبها مع عمك؟
فيصل : يمه هالأسبوع مشغول وبسافر لا رجعت إن شاء الله نزورهم
والدته عقدت حاجبيْها : لآ والله منت مسافر قبل لا تملك عليها
فيصل : الله يخليك لا تحلفين عليّ، بسافر كم يوم وأرجع ماني مطوِّل
والدته : لآ كم يوم ولا غيره! تملك وتسافر
فيصل تنهَّد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه، يممه ماله داعي والله تعطلين شغلي كذا
والدته : هيفا أهم من الشغل !
فيصل بقهر يجلس : الله يهديك يا يمه!! كان مفروض أحطك أمام الأمر الواقع وأسافر
والدته : عشان أذبحك! هذا اللي ناقص بعد .. الحين وش له طاير ؟ خلاص أنتظر نفرح فيك بعدها سافر وسوّ اللي تبي
فيصل : يمه أنتِ اللي وش له طايرة!! هذا زواج خليني أفكر حتى ...
والدته شهقت لتضرب صدرها برقَّة : وشهو ؟ وأنا غصبتك مو فكرت وقلت أنك موافق
فيصل بإبتسامة : تفكير تحت الضغوطات وش أسوي بعد !
والدته : الشرهة مهي عليك الشرهة عليّ أنا
فيصل بضيق : أمزح يالغالية بس مستعجلة مررة يعني بكرا يقولون أهلها وش السبب اللي يخليك تستعجل ؟ هذا إذا وافقت البنت بعد
والدته : قل لهم بسافر وبيعذرونك
،
لملمت شعرها الفوضوي، ملامحها شاحبة خالية من أيّ شيء حتى شفتيْها بدأت تكتسِي ببعضِ الشحُوب ولون الزهر الفاتح، لم يأتِ إلى الآن! لا يهُم. فتحت النافذة الزُجاجية حتى يدخلُ لها هواءِ أسطنبُول البارد/المُنعش، تأملت النهار الطويل الذي تعيشُه ، الأفكار التي ترفضُ الغروب رفضًا قاطِعًا، كلمات ريـّـان القصيرة الخادِعة القاتلة، نبرتُه المُشكِكة التي تُمسك بقفازٍ من شوك ولا ترحم قلبها، أكان طلاقُه منها سببًا لذلك؟ لكن كان طلاقًا وأنتهى حتى أنهُ لا يُفكر بها أبدًا هذا ما قالته رتيل لهيفاء، هذا بالضبط ما أراح صدرِي تلك الليلة وهيفاء تُخبرني " مطلقها من زمان وتقول أنه مشكلة صارت بينهم وماعاشرته كثير أصلاً عشان ينساها بصعوبة، يعني مجرد نصيب ومالقاه معها .. لاتفكرين بالموضوع كثير دامك أستخرتِ ووافقتِ خلاص "
تنهَّدت وهي تراه يُقبل عليْها، بنبرةٍ مبحوحة : جوالي فصل وأبي أكلم أهلي
ريـَّـان وضع هاتفه على الطاولة التي أمامها : أستعمليه
ريم بضيق : عشان تتأكد ولا عشان تراقب إتصالاتي ؟
ألتفت عليها : أراقبك ؟ يا صغر عقلك بس
ثبتت في مكانه بشكلٍ أدق تجمَّدت وهي تسمعُ منه جملةٍ كهذه في أول أيام زواجهم، الكلام الناعم الذي أعتادت أن تسمعه من صديقاتها المتزوجات حديثًا لا تراه مع ريَّان أبدًا.
بلعت ريقها بربكة : عقلي مو صغير!! لكن أنت اللي تخليني أتكلم معك كذا
ريّــان تجاهلها بطريقةٍ لاذعة لقلبها وهو يسحب منشفته ويتجه نحو الحمام. نظرت للباب الذي أغلق، و رمشةُ عينٍ تفصلها عن دمعة حارَّة على خدِها الوردِي، كثيرٌ عليْها كل هذا! كثيرٌ جدًا أن يتجاهلها بهذه الطريقة. ما هذا الذنب العظيم الذي أرتكبته حتى يُعاملني بهذه الصورة البشعة لشخص يُفترض أن يقال عنه " مازال عريسًا ".
،
في أطرافِ ليل الرياض، يتراجع للخلف بعدةِ خطوات دُون أن يحدث أيّ صوت لتلتقط إذنه حديثهُم الخافت.
حصّـة : مدري والله يمكن أنتِ تحكمين عليه من موقف واحد أو إثنين، سلطان ماهو بهالصورة أبد .. أكثر شخص ممكن يمسك أعصابه هو سلطان
الجُوهرة وهي تحتضن الوسادة : أنتِ لو ما كنتِ هنا يمكن كان أنهبلت ..
حصة أبتسمت : بسم الله عليك، طيب وش رايكم تسافرون أيّ مكان ؟ يعني تغيرون جو ؟ مع أني دارية ماراح يوافق بس ممكن محاولة من هنا وهناك يوافق
الجوهرة : لا مستحيل ، وين نسافر وقلبه شايل عليّ !
حصة : رجعنا لنفس الموَّال! أنتِ وش يدريك ؟ ، طيب وش رايك تعزمينه على مطعم يختي أنا أحجز لكم طاولة ومستحيل يرفض .. عاد ماهو لهدرجة سلطان قليل ذوق !!
الجوهرة : قلت لك سلطان مستحيل ينسى !! ودامه ما ينسى أكيد بيجلس يذِلني ويذِّل طوايفي ..
حصة : الله أكبر يالشي العظيم اللي ما يقدر ينساه!! كل هالمشاكل صغيرة وبكرا راح تضحكون عليها لا عرفتوا كيف فرقتكم على تفاهتها .. أبدي بأول خطوة .. يعني مين يضمن عُمره ؟ هالدنيا كلها كم يوم عيشوها ولا تزيدون هالحزن عليكم
الجوهرة أخفضت نظرها لا جوابْ لديْها، هذه الحياة فعلاً قصيرة لكن هُناك غصَّة تُباعد خطواتهم ولا سُلطة عليْها.
حصَة : عشان حُبك له ؟
الجوهرة رفعت عينها لتلتصق بشفتيْ حصـة ، لا صوت يخرُج ويُدافع عن كبرياءٍ مكسُور، تتعرى تمامًا أمام عمتِه بجروحها.
أكملت : تحبينه ولا تكذبين عليْ ! أنتِ بنفسك قلتِ لي ؟ ليه تكابرين! دامك تكابرين أكيد سلطان بيكابر معك
الجوهرة بضيق حُنجرتها : ما أكابر لكن ماهو أكبر طموحاتي أني أعيش على مبدأ الحب بس!! فيه أشياء كثيرة أفقدها في سلطان وبنظري هي أساسية
حصة : عشانه ضربك ؟ طيب يمكن بلحظة غضب مقدر ..
تُقاطعها : مو بس ضرب! بس أنا وياه ما ننفع لبعض
حصة بهجُومٍ عنيف : إذا مالقيتي سبب قلتِ ما ننفع لبعض لو كل البنات يسوون زيِّك صدقيني 3 أرباع الحريم مطلقات !!
كلماتها الشفافة تخترق قلبه وتتوسَّدهُ بكل طغيان، بدأ يعزمُ على شيء واحِد فقط . . قدَّم خطواتِه بإتجاه الباب . .
،
أقترب من بارِيس ليُعيد للصوتِ مداه، يشعرُ بفرقعة أصابعها المُتمللة أو رُبما لايفهمُ توترها جيدًا، ألتفت عليها كثيرًا ولا يعرفُ لِمَ يأتِ في باله بيت شعرٍ يجعلهُ يبتسم حتى تكاثرت إبتساماته لضحكة من طريقة تفكيره وعقله يقرأ عليه " الشاهد الله من لمحت عيونك آمنت في سحر الجمال النجدي " ، ألتفتت عليْه : مريض يضحك لحاله ويبتسم لحاله!!
عبدالعزيز : ذابحك الفضول تبين تعرفين ليه أبتسم!!
رتيل بكذبٍ أنيق : ماني فضولية
عبدالعزيز : واضح !
رتيل تنهَّدت : متى نوصل وأفتَّك
عبدالعزيز بمحاولة إستفزاز : فرضًا يصير شي وماتوصلين
رتيل : تبيها من الله
عبدالعزيز يشرب من الماء البارد ما يرويه ليُردف بإنتعاش صوتِه : لا والله مشتاق لأثير .. أردف كلمته الأخيرة بضحكة صخبت بها السيارة.
رتيل أبتسمت حتى بان صفُ أسنانها البيضاء : أتصل عليها من جوالي لا يطلع قلبك من شوقك
عبدالعزيز ألتفت عليها بمثل إبتسامتها وعيناه تغرق بالضحك : والله شكله اللي بيطلع قلبه هو أنتِ إذا وصلنا
رتيل بضحكة طويلة : آآخ ياربي لا تطيح علينا السما !! ثقتك مستحيلة
عبدالعزيز : أعترفي قبل لا نوصل
رتيل : أعترف بأيش ؟
عبدالعزيز بسخرية : طيب أعتبري أنه خلاص ماراح تشوفيني بعد اليوم! الكلمة الأخيرة وشهي ؟
رتيل بنبرةٍ لاذعة : مع السلامة
عبدالعزيز ألتفت عليها : وبس ؟
رتيل هزت رأسها بإيجاب لتُردف : وأنت ؟
عبدالعزيز يُقلد صوتها : ماراح أقولك شي ..
رتيل ترفع حاجبها ليُكمل بصوتِه الواثق : أودِّعك على أساس أنك أيش ؟
رتيل فاضت بقهرها لتُردف : ماتعرف تعيش بدُون تجريح
عبدالعزيز بهدُوء تنهَّد : أظن أننا نتشابه بصفات كثيرة فما هو أحسن لك أنك تعايريني بشي أنتِ تسوينه
رتيل بحدَّة : وش اللي أسويه ؟ تعرف شي !! خلنا ساكتين أحسن ولا نسولف عشان نجرح بعض
عبدالعزيز : شفتِي ! أنتِ أعترفتي ، عشان أيش ؟ عشان نجرح ؟ ماهو عشان تجرحني !! شايفة الفرق
رتيل بضيق : عاد صراحتي هي تجريح لك لكن انتِ تجريحك ليْ مجرد إنتقاص وماله أساس
عبدالعزيز عض شفتِه السُفلية : قصدِك كذبك
رتيل ببرود مُستفز: لو بكذب كان كذبت من زمان وقلت لك أول ماجيت باريس وأظن تذكر كلامي
عبدالعزيز ألتزم صمته ليدُوس على دوَّاسة البنزين حتى يُخفف من سرعته ويفصله عن باريس بعضُ الكيلومترات، ضغط أكثر من مرَّة ولكن لا تعمل ولا تُبطء من سيرِ السيارة، شعَر بأن قلبه ينقبض وهو يُدخل يدِه في جيبِ بابه، أنتبه للورقة الصغيرة على جانب شباكه " هذه المرة أنت من يجب أن أشكره على غباءه "
بلع ريقه كيف يوقف هذه السيارة الآن ؟ سيدخل بطُرق باريس المُزدحمة سيتعدى الإشارات تباعًا فهذا الأكيد ؟ مالحل ؟
ألتفت لرتيل الضاغطة على أسنانها والغضب يتضح على ملامحها، لن يُخبرها ويثير رُعبها ، بدأت ذكريات حادث عائلته يتكرر عليْه، تقرير الشرطة الذي أخبره أن هُناك عطلٌ في الدوَّاسة جعلها لا تعمل، مثل العُطل ومثل الحركة القذرة! أنعطف يمينًا للشارع الآخر الذِي يؤدي للطريق نفسه الذي قطعه منذُ ساعات، هذا الشارع السريع هو الحل المؤقت.
ألتفتت عليه رتيل بعصبية بالغة : ليه إن شاء الله !!
،
يُدندن بالقلم على الطاولة الزُجاجيـة ، ينظرُ لإبنة مرةً وللنافذة مرةً أخرى، أفكاره تتشابك والشيطان صديق يجاور كل هذه الأفكار الخبيثة، رفع عينه له : فارس
: هلا
رائد : تبي تتزوجها
فارس بلع ريقه بصعُوبة لينطق : وشو ؟
رائِد : تبي بنت عبدالرحمن ؟
فارس بهدُوء : أكيد بس يعني مستحيل و ...
رائِد يُقاطعه : واللي يزوجِّك إياها ؟
↚
عينَاه تتأمل أصابع والِده التي تصطدم بسطحِ الطاولة لترتفع نحو شفتيْه التي تتحرك بهدُوء وهو يُحدث الصخب في قلبِه النابض بتسارع تزداد حدة سرعته مع الكلمات النديَّـة التي تخرجُ منه ليُردف بخفُوت : يبه كيف! مستحيل بغصب أبوها !! ولا أبي أتزوّج أصلاً بهالطريقة
رائِد رفع حاجبه : ومين قال بتغصب أبوها! إلا بيوافق وبيبارك بعد
فارس : كيف
رائد يرقد قدم على قدم ليُثبتهما على طرف الطاولـة ودُون إنقطاع يُشعل سيجارته : لا تسأل كيف! المهم أنك بتتزوجها مو هذا اللي تبيه
فارس : وش بتستفيد ؟ شغلك لا تدخلني فيه
رائد بإبتسامة : لا تخاف ما أضِّر زوجة ولدي
فارس يضيع بالمسمى لِيخفت بصوته : و أبو زوجة ولدك ؟
رائد : عاد أبو زوجة ولدي مالك علاقة فيه
فارس وقف بحزم : لا يبه هالشي ما أمشي معك فيه
رائد بنظرة وعيد : نععم ؟
فارس بهدُوء : ماني جبان عشان أغدر فيها وفي ابوها وفي ظهورهم!!
رائد : وش قصدِك ؟
فارس بغضب لم يتمالك نفسه : يبه أنت وش تعرف عن الحُب ؟ أقولك أحبها !! وتبيني أضرَّها ؟ قول شي يستوعبه عقلي ..
رائد : شف هالحُب كيف مخليك ضعيف!!
فارس : غلطان ! مخليني أعيش ! أنا مدري كيف قبل عبير كنت عايش!! كيف كنت متحمِّل الجدران ؟ عُمرك ماراح تحس وش يعني الحُب يا يبه !! إيه أبيها وأحلم باليوم اللي أكون معها بس أبيها برضاها ماهو بهالطريقة القذرة! أنا حُبي لها أسمى من هالقذارة ومستحيل أدخل فيها
رائد أمال فمِه وعينه تنطق الغضب ، أنزل أقدامه من الطاولة ليقف وهو يُطفىء السيجارة : قلت لك بتتزوجها برضاها وبرضَى أبوها
فارس بسخرية : على أساس أنه فارس رائد الجُوهي يشرِّفه !!
رائد بحدَّة : ويزيده شرف بعد
فارس : تآمر على شي ؟ أنا بطلع
رائد : بتتزوجها يا فارس .. وهالشي ماأشاورك فيه أنا أقولك خبر راح يصير ! إذا مو اليوم بكرا
فارس تنهَّد : تآمر على شي ؟
لم يُجيبه وهو يعود لمكتبه ، خرج بخطوات غاضبة يجرُّ إذلال والده لهذا الحُب، وطَأت قدمُه على الرصيف المقابل للدكاكين الصغيرة الفرنسيـة ذات الرائحة المنعشة، أستنشق هواء باريس والمطرُ بخفَّة يهطل. أدخل يديْه بجيُوب جاكِيته البنِي، الخُطى تقُوده لمكان إقامتها، منذُ أن رأيتك وأنا أقدِّس معنى " الحُب "، أنا المتفقه بأموره وأنتِ الشريعة التي لا تُخطىء كيف أتجاوزك ؟ منذُ أن تطفلتِ على رسوماتي وأنا لا أعرفُ منفذًا لِأرسم غيرك، منذُ رجوعي تلك الليلة وعقلي يُسيطر عليْه فكرة واحِدة " الملامح الحسناء البيضاء من صاحبتها ؟ " منذُ تلك الليلة وأنا لا أنام إلا من بعدِ أن تسترجعك ذاكرتِي وتهرول رقصًا بِك، أنتِ يا عبير التي كتبتُ إسمها و زخرفتُه الرقيقة أسفل القصائِد، كُتبت لكِ ولكِ فقط، لو تعرفين كم أوَّد أن أكُون شاعرًا فقط لأكتُب عن حسنك، مللت النثر ، أحتاجُ أن أكتبك بقافيةِ الفتنة التي تنتمي إليْك. أسفلُ أشعار نزار وإخضرار قلبي بكلماتِه يُوجد أنتِ. تجاورين القصائِد بإستيطان لا يرحم ولا يرحمُ قلبي، " أشهد أن لا امرأة قد أخذت من اهتمامي نصف ما أخذت واستعمرتني مثلما فعلت وحررتني مثلما فعلت " و ليس هذا فقط، أشهدُ لكِ بحُبِ يعبرُ المحيطات وعينيْك. " أشهد أن لا امرأة تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال ، تحرقني .. تغرقني ، تشعلني .. تطفئني ، تكسرني نصفين كالهلال "
جلَس بالمقهى المُقابل لفندقهم، تحديدًا بالكُرسي الذي أعتادت عبير عليه منذُ ان أتت باريس ، أخرج قلمه ليكتب على منديل المقهى المُزخرف بخطُ الثلث " يقُول نزار وأقُول لكِ : أيتها البحرية العينين والشمعية اليدين والرائعة الحضور أيتها البيضاء كالفضة والملساء كالبلور أشهد أن لا امرأة على محيط خصرها . .تجتمع العصور وألف ألف كوكب يدور أشهد أن لا امرأة غيرك يا حبيبتي على ذراعيها تربى أول الذكور وآخر الذكور أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله "
طوَاه ليُخبر النادِل الذي وضع كُوب القهوة أمامه : هل لي بطلب شيء آخر ؟
النادل : بالطبع تفضَّل
فارس : تأتِ هنا أمرأة عربية دائِمًا مع فتاة اخرى
النادل بإبتسامة : العرب كُثر
فارس : أعلم ولكن تجلس هُنا أيضًا .. أخرج هاتفه ليفتح على صورتها .. هذه
النادل : عرفتها
فارس : تأتِ كل يوم، هل لك أن تحتفظ بهذا المنديل حتى تأتِ وتُعطيها إياه مع قهوتها
النادل الوسيم يتسعُ بإبتسامته : بالطبع يا سيدي
فارس : شكرًا لك.
أخذ النادل المنديل ليضعه في جيبه، حكايا الحُب تُدَّس في بلادِنا ولكن تستنطقها العيُون بفضيحة كبيرة، ليست فضيحة بمعناها بقدر فضيحة إنسانية مُشرَّفة تبدأ بـ " أحبك " و تنتهِي بمثل الـ " أحبك " و ترتيلها. وأحيانًا تكون فضيحة لا تُشرِّف إن أتت بعصيانٍ لله، هو الحُب يكُن أجمَل إن غلَّفهُ رضـا الرحمن.
،
لم ينطق حرفًا وهو يواصل طريقُه للخرُوج من باريس ناحيـة الشمال الفرنسي، ضاق فِكره لايستطيع التركيز وهو يبحث عن منفذ، ليس أكثر ذكاءً من والِده الذي واجه مثل هذا الموقف وأنقطعت أنفاسه حتى أندثر التراب عليه، ليس أكثرُ دهاءً من سلطان العيد حتى يُفكِر بحلٍ غير الإستسلام للموت الذي سينتهي به وهو يصطدم بإحدى السيارات. وهذا السيناريو المتوقع، الموت الذي يختمُ الحياة، يبقى السؤال كيف نفُّر من النهاية ؟
ألتفت إليْها، صمتها ، هدُوئها وصدرها الذي يهبطُ بشدَّة ويرتفع بمثل الشدَّة، فمُها الذي يتمايل تارةً وتُقطعه أسنانها تارةً وجبينها الذِي يتعرج لحظات ويستقيمُ بثوانِي مُتقطعة، أصابعها التي تتشابك فيما بينها ويدُها التي تتكأ تحت خدِها بجانب الشباك، أقدامها التي تهتزُ ، لِمَ أتأملُ أصغر تفاصيلك في وقتٍ ضيق كهذا ؟ عطشان يا رتيل لكلمة منك، كلمة وأنتِ شحيحة جدًا.
: أربطي حزام الأمان
لم ترد عليه ولم تُطيع أمره، تفيضُ بقهرها حد انها لا تطيق أن تسمع صوته الآن. يلعبُ معي كالمراهقين، يستفزُ كل عرق يتصل بعقلي ليجنُّ معه جنوني، أخذتُ كفايتي من أسلُوبه ولا أظن أنني سأستمر أكثر.
يُكرر لها بحدةِ صوته : قلت أربطي الحزام
رتيل بنبرةٍ مُرتفعة وهي تلتفتُ إليْه بكامل جسدها : مالك دخل فيني !!
بصرخة ألجمتها : أربطي الحزااااااام
تعبَّرت وهي تنظرُ له، أختنقت بعبراتِها وتدافع الدموع عند عينيْها، صرختُه زلزلت صدرها لتسند ظهرها على الكُرسي وتنظرُ للطريق المُبلل وتُجاهد أن تمنع دموعها من إستعمار محاجرها أكثر.
نظر للطريق الذي فرغ بشكلٍ تام سوى من بعض السيارات البعيدة ، بحركاتٍ سريعة سحب الحزام ليربطه عليْها. لم تتحرك سوى دمعة أبت الغرق في محاجرها لتنزل على خدها.
سحب هاتفها ليتصل على عبدالرحمن، ثواني طويلة حتى أجابه بصوتٍ يستبشر الفرح : هذاني بجيكم
عبدالعزيز بصوتٍ متزن تخونه الكلمات المتقطعة على حافتِه : مقدر أرجع
عبدالرحمن من نبرته أستطاع التخمين بأن أحدًا ثالثٌ معهم : وش صاير ؟
عبدالعزيز مسح وجهه ليُردف بقلة حيلة وكأنه يستقبل الموت مثل أهله، أصواتهم تتداخل في ذاكرته، تتداخل بتقاطع حاد يشطرُ قلبه، ضحكاتهم وصرخاتهم تعبرُ إذنه وتخنق عينيْه بلا رحمة : كان فخّ منهم بس مقدرت أتوقعه
وهذه النبرة التي تعني الخلاص تُنهي قلب عبدالرحمن أيضًا، أردف : كيف فخ ؟ أنت وينك ؟
عبدالعزيز : السيارة ماتوقف .. الدواسَّة ما تشتغل ولا راح تشتغل لأنها بس شكل قدامي لكن منفصلة
ألتفتت رتيل له وهي تسمعُ كلماته، بلعت غصتها ودموعها تتدافع على خدها،
أكمل : مقدر أرجع باريس والطرق كلها زحمة .. الحين في طريق الشمال ...
صمتٌ مهيب يعقدُ على لسان عبدالرحمن الذي جلس على طرف السرير بعد أن تجهَّز للخروج ، هذا الحادث تمامًا ما حصَل مع سلطان العيد وعائلته، لا قوة لديْ لأتحمَل كل هذا مرةً أخرى.
عبدالعزيز ينظرُ للهاتف الذي يُضيء برسالة تُخبره عن نفاذ الرصيد، رماه جانبًا ليأتِ صوت عبدالرحمن الندِي : ألو. .. عبدالعزيز .... عبدالعزيز ... *صرخ* .. عبدالــــــــــــــعزيــــــــــز ...
سقط هاتفه من يدِه ليُحاصر رأسه بين يديْه ، يشعرُ بالضياع التام، رتيل وعبدالعزيز معًا! قلبيْن يشطران روحه الآن.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليُردف بصوتٍ هامس : كتفِي إيدك ،
رتيل بصوتٍ يختنق : وش بيصير ؟
عبدالعزيز يفتحُ النافذة التي بجانب رتيل حتى إن حصَل شيئًا وأصطدم لا يأتِ الزجاج عليْها : كتفيها يا رتيل عشان ماتنكسر
رتيل أخفضت رأسها لتبكِي بإنهيار تام، يُشبه إنهيارها في تلك الليلة التي أغتصب بها شفتيْها، يُشبه تمامًا ذلك الأنين الذي يشطره نصفيْن، شتت نظراته : رتيل ..
رتيل هزت رأسها بالرفض، لا تُريد أن تُصدق ما يحدث الآن، لا تُريد أن تعرف. والهواء البارد يلعبُ بدمعها المُتطاير.
عبدالعزيز يفتحُ شباكه أيضًا والشارع الواسع الطويل يكاد يكُون خاويًا الآن إلا من الشاحنات الغذائية : تنطين ؟
رتيل ببكاء عميق : ما أبغى
عبدالعزيز ينظرُ للطريق مرةً أخرى وبنبرةِ المواساة التي يُدرك أنها كذب : إن شاء الله ماراح يحصل شي ..
صمتَا لدقائق طويلة ولا يحضرُ سوى بكائها، ببحة : ياربي عبدالعزيز كيف كذا ؟
تنهَّد بضيق : أبوك صار عنده خبر يمكن يقدر يسوي شي
أنتبه للوحة المكتوبة بالفرنسية " يوجد إصلاحات يُرجى المرور من الطريق الفرعي " ، تجاوز الطريق الفرعي الذي خلفه بعدةِ مترات قصيرة ، لم يستطيع أن يتراجع للخلف والسيارة مازالت مُستمرة بالسير أمامًا، . . . والآن لا مفَّر يا أنا ، تبًا.
،
تقدَّم بخطواتٍ ضئيلة للصالة العلويـة التي كانت سابقًا مكانًا للوحشة فقط، ألقى السلام بجمُودِ ملامحه : السلام عليكم.
: وعليكم السلام
سلطان : غريبة جالسين هنا !!
حصَة : قلنا نغيِّر
سلطان بصوتٍ يُثير الريبـة : تصبحون على خير .. ونزل للأسفل.
حصة : ألحقيه شوفي وش فيه
الجوهرة : لآ .. أصلا ماراح يقولي ليه أتعب نفسي !
حصة رفعت حاجبها : طيب روحي له .. وأنا بدخل أنام تأخر الوقت
الجوهرة تنهَّدت أمام أنظار حصة المراقبة لخطواتها، عادت للخلف : بنزِّل القهوة للمطبخ
حصة أخذتها من الطاولة : أنا بنزِّلها
الجوهرة تبحثُ عن حجة أخرى : طيب بآخذ لي كتاب أقرآه لأن مو جايني نوم
حصة أمالت فمها لتُردف : الجوهرة!! وش فيك تدورين الحجة عشان ماتنزلين
الجوهرة بحرج : مين قال كذا ! بس .. خلاص طيب .. ونزلت للأسفل بإتجاه جناحهم.
وضعت يدها على مقبض الباب وبمُجرد مرور حصَة بجانبها فتحته بهدُوء لتلتقط عيناها خطواتِ أصابعه التي تُغلق هاتفه ، رمقها بنظرة لم تفهمها تمامًا، تُشبه نظرات العتاب أو الحزن أو الضيق أو اللاأدري، بلعت ريقها بمُجرد ما أعطاها ظهره، أتجهت نحو دولابِها لتُغيِّر ملابسها ، أفكارها ضاعت بنظراتِه وهدُوئه الذي يُزلزلها دائِمًا، أرتدت بيجامتها بخطواتٍ خفيفة/سريعة ، فتحت شعرها المرفوع كـ " كعكة " ، بخفُوت سارت نحو الجانب الآخر من السرير المصوِّبـة نظراته له، جلست والأرق يهرول في جسدها من بدايته حتى نهايته، نظرت له وهو مُغمض العينيْن ، منتظم الأنفاس ، ملامحه هادئـة لا مجال بها للغضب أو الحقد الذي أعتادته في الفترة الأخيرة، الإستفزاز الصامت من عينيْه الدائِمة الحُب ، الذبذبات التي تقفزُ من جسدِه نحوي لا يُمكن أن يُنكرها عقله مهما فعل، رجولته التي تسيرُ بثبات نحو قلبٍ ناعم، حاجبيْه الغامقتيْن، عيناه المرَّة كالقهوة الشديدة التعقيد ، صخبُ فحولته وصخبُ جسدِه الذي يمرُ دائِمًا ليُضيئني ويُشعلني ويقتلني وكيفما يشاء يفعلُ بيْ ، يا رجُل التاريخ الأول، يا رجُل الوشم الذي لا يُمحى من جسدِي. يا رجُل الحُب المُعقّد والعُقَد من عينيْك تقتلني، يا رجُل البُنّ المُرّ أني أحبك في وقتٍ لا أُريد به أن أحبك ، " يا أيها اللغز الذي.. دوّختَني وأنا أحاولُ جاهداً أن أحزرَكْ " يالسماء النديَّـة أنا والله أخشى أن يُغمى عليْ إن قُلت ليْ يومًا " أحبك ".
فتح عينيْه التي لم تنام ويشعرُ بالتفاصيل الرقيقة التي تُراقبـه، كيف ينام وأفكاره تتلخبط وتصطدم بشدَّة/بحدة.
شهقت بمُجرد أن فتح عينِه، لتضع يدها على صدره وتهمس : بسم الله.
سارت الحُمرَّة وليست وحدها هي التي تسير، الحرارة الداخليـة تتفجرُ من قلبها بهذه الثواني. ضحك بشهقتها دُون أن يلفظ كلمة.
وضعت رأسها على الوسادة وهي تُغطي وجهها بالفراش تحاول أن تتجاهل نظراته وضحكته والمحاولات بحقِ سلطان شديدة الفشل والحرج.
بهمس : الجوهرة
لم ترد عليه وهي تغرز وجهها في الوسادة وتُغطي كامل جسدِها بالفراش، أردف بعد أن رأى الصدّ : تصبحين على خير
،
يرمي كل شيء أمامه وهو يرتدِي ملابسه المُجعَّدة، يُريد الخروج ما عاد به قوَّة للتحمل أكثر، أُريد أن أنظر لها، أن أشعر بها، أن أصرخ وأقول " هذه والله غادة " ليست من الأربعين الحمقى الذين تشبهُوا بها ، ليست أحدٌ والله سرق ظلالها ، إنها هي غادة أوَّد أن أسقط لعناقها كما لم أعانقها من قبل، أوَّد أن أبكِي على صدرها وأتخلص من الشرقية المُتغطرسة التي تأبى الدموع، يالله كم كان عقابِي شديدًا في الوقت الذي تفاخرتُ به بهذه الشرقيَّـة ، كم كان فخرِي مدعاةً للحزن وللسخرية وأنا أبكيك الآن.
عينايْ وإن جفَّت فهُناك قلبٌ يبتهلُ بِك، لا يرى من النساءِ إلا أنتِ ، يا مخملية العينيْن التي أشتهيها، يا الحضُور البهي التي يخضرُّ به القلبْ ، يالغياب الذِي يُشارك الموت في مفرداتِه، يا الصباح الزاهِي يشتَّقُ من غيابِك شحُوبِه.
خرَج بإضطراب خطواتِه وهو بجنُون يُفكر أن يسير على أقدامه لباريس إن صعب عليْه الأمر، يُريد أن يغمض عينيْه ويفتحها وهي أمامه، ياللمجانين الذين يريدُون أن يهذبُون قلبي وأنا ميتٌ بِك ؟ يا للمجانين الذين يمحُون البكاء وأنا عينايْ مسامات لا تيبس !
مرّ من الإستقبال المُلتهي ليخرج من المستشفى و سماءُ الرياض الجافـة مازالت تُمارس قمعها لقلبي الذي يتُوق للبلل.
في مثل هذا الفجر، في مثله قبل سنوات.
غادة : وجهة نظرك خاطئة ماله علاقة بالرجولة!
ناصر : هذا اللي ناقص !! أنا الرجال اللي يبكي قدامي يطيح من عيني
غادة تنظرُ لفجرِ باريس الذي يُزاحم الغيم : يالله يا ناصر! والله أنك تكذب مستحيل ما قد بكيت
ناصر : إلا بس ما أبكي يعني أدمِّع أحيانًا لكن أني أبكي وأنهار بصراحة لا و هالشي عندي عيب
غادة : يعني بينقص من رجولتك أنك تبكي ؟ بالعكس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يبكون أحيانًا
ناصر : صلى الله عليه وسلم لكن أنا بالنسبة ليْ ماأحب البكي ولا أحب أشوف رجال قدامي يبكي
وبضحكة أردف : البكي مخلينه لكم يا رقيقات
خرج للشارع الرئيسي وهو يوقف إحدى سيارات الأجرة ، لو تعلمين يا غادة كم تغيَّرت قناعاتِي منذُ أن غبتِ، أنا الذي لم أُحب البكاء يومًا بات لا يمرُ يومًا دُون أن أسجِد ببكائي من جنُون شوقِي إليْك.
،
حك جبينـه ، لم يأتِه النوم منذُ إتصاله ، أخرج ورقـة بيضاء من الدرج ليرسم بوقعٍ ثقيل على البياض، افرادٌ مشتتة و إسم " عبدالرحمن " يُنقش بطرف الورقة و يوازيـه إسم " سلطان " تنهَّد لتختلط أفكاره بغثيانٍ شديد.
رفع هاتفه الذي يهتز : هلا . . . هههه ضحكتني وأنا ماني مشتهي، تستهبل معي ولا كيف ؟ . . . طيب . . تعرفون أنكم تلعبون مع الشخص الغلط ! بمجرد ما توصل لجهاز الرياض راح يتحرك اللي أكبر من سلطان بن بدر وساعتها مدري مين اللي لازم يفلت ! . . طبعًا لا أنا أحاول ألقى نهاية لهالمسألة بما لا يضرني ولا يضرّك . . . . . . وتحسب عبدالرحمن بيسكت ؟ هو أصلاً بدآ يشك وسلطان بعد بدآ يشك . . . . . . أنا مايهمني كل اللي تقوله اللي يهمني أنه ما ينداس على طرف واحد من اللي يعزهم عبدالرحمن . . . إيه نعم يؤسفني هالشي يا حبيبي . . . . عبدالرحمن وأهله خط أحمر وماأبغى أعيد هالحكي مرة ثانية.
أغلقه بهدُوء لينظرُ لرسالة متعب " مقرن دوَّرت على ملف قضايا 2008 ومالقيتها، بس تصحى أرسلي مكانها "
مقرن تنهَّد ليكتُب له بأصابعٍ مُثقلة " في أرشيف الدور الرابع ".
،
ترك ضيء في ريـبة من أمرها ومن خلفها عبير التي بدأت تُخمِّن بعينيْه المُتسائلة عن ما يحدُث، أبلغ الشرطَة ولكن الأمور تفلتُ منه في وقتٍ يُخبره رجل الأمن أن الطريق بأكمله خاوٍ من أيّ سيارة تحمل هذا الرقم، أين ذهبُوا في هذه الساعات ؟ أيُّ أرض تحمل خُطاهم المسكينة التي لم ترى يومًا أبيض! لا هاتف يستطيعون الوصول إليْه ولا رقم يستطيعون مراقبته لمعرفة أين هُم ! سيئـة الأجواء والأكثر سوءً هي الظروف. في مُنتصف الشارع بعد أن تم إغلاقه والمطر يُبلل أجسادهم : إذن ماذا ؟
: يا سيدي إننا نفعل كل ما بوسعِنا والآن يتم البحث في الناحية الأخرى من المدينة
عبدالرحمن مسح وجهه لا يستطيع التفكير أكثر، الرماديـة تغشاه والضباب يُخبره بأن لا أحدًا تنتظره. لسانه يبتهل بالدعوات منذُ أن سمع صوتُ عبدالعزيز المرتبك.
: هل بإمكاني أن أرى آخر مكالمة له ؟
عبدالرحمن : مسجلة في البريد الصوتي.
: حسنًا ، سمع صوتُه وهو لا يفهم العربية تمامًا ، سنرى آخر مكانٍ له ، دقائق عريضـة مُمتدَة تسوء على قلوب الجميع دُون إستثناء. أتى الشاب الآخر بلكنة فرنسية بحتَة : الإشارة عند ( إستوِيغ ) بجانب مصبَّات النهر
ينظرُ عبدالرحمن للطريق ذاته : نحنُ هنا !
الشرطي : رُبما تقدمُوا للأمام قليلاً سنتجه في ناحية الطريق ذاته ..
ركبَا السيارة التي تسيرُ بمثل الطريق ، أعينهم الشاردة تبحثُ بكل بُقعة في هذا الشارع التي على جانبيْه الأرضُ الخضراء المُصفَّرة.
الشُرطي بصوتٍ متزن وبإنكليزية مُغلظة : تم إبلاغ شُرطة الميناء بفقدانهم، أمرُ الحادث واقع لا مُحالة لن يستطيعُوا السيطرة على السيارة التي تسير بسرعة مثل ما تم تحديدها 180 كيلومتر في الساعة ، معنا مُسعفين في حال كانوا أحياء ولم يحصل لهم شيء.
،
في صباحِ الرياض الباكِر، الجوُ يعتدل مائِلاً لقليلٌ من البرد. دخَل المستشفى مُتجهًا لغُرفته ، أتسعت محاجره من السرير الفارغ المُرتب ويتضح أن لا أحدًا نام عليه ليلة الأمس ، أتجه للإستقبال : بسأل عن المريض ناصر الـ .. لم يُكمل إسمه من مقاطعته له : إيه للأسف مالقيناه موجود وتوقعناه طلع حتى كنا نحاول الوصول لرقمك عشان بعض الأوراق المحتاجة توقيع
فيصل رفع حاجبه : كيف طلع ؟
: آعتذر بس
قاطعه فيصل بعصبية : هذي مسؤولية المستشفى كيف مريض يطلع بدون لا تتم إجراءات الخروج!!
: أخ فيصل إحنا مـ
فيصل : لآ آخ ولا زفت أنا راح أشتكي عليكم .. هذي أرواح كيف تغفلون عنها
: لو سمحت إحنا بمستشفى وماينفع تعلِّي صوتك، إحنا نعتذر عن الخطأ الغير المقصود وممكن أنه هرب بطريقة تحايل يعني خارج عن إرادتنا
فيصل بتهديد : هالشي تقوله لمُدير المستشفى ..
أبتسم موظف الإستقبال بضيق : يعني بتقطع أرزاقنا الله يهديك!
فيصل يتجاهله بغطرسة لا تخرجُ منه عادةً : أنتهى كلامي معك ... خرج وهو لايعرف كيف يصِل إلى ناصر الآن.
أتصل على بيته لتُجيب الخادمة : ناصر موجود ؟
الخادمة : إيه الحين يبي يطلع
فيصل أغلقه وهو يتجاوز السرعة المطلوبة في مثل هذه الطرق، هذا الرجل بات لا يعرف أين مصلحته. ستقتلني يا ناصر!!
،
وقفت عند الباب لتُردف في داخلها كثيرًا " يالله يا ريم تشجَّعي .. هو الغلطان ماهو أنا " ، يارب رحمتِك التي وسعت كل شيء، هو المخطىء في كل هذا لستُ أنا ، تقدَّمت له وهو جالِس بهدُوء على الأريكـة : ريَّان
رفع عينه : نعم ؟
ريم شتت نظراتها لتُردف بربكة لسانها : أظن لازم نفهم بعضنا ، يعني تفهمني وأحاول أفهمك
ريَّان بنظرةٌ جارحة تحملُ اللامبالاة وكأن أمرُ علاقتنا لا تهمه : طيب ؟
ريم : أنا مدري سبب طلاقك في زواجك الأول ...
يُقاطعها بغضب : الماضي مالك دخل فيه زي ماأنا مالي دخل في ماضيك
ريم بتوتر : وأنا وش الماضي اللي بيكون لي ؟
ريَّان : مدري أسألي نفسك
ريم : ماأعرف يمكن فيه موقف مآخذه ضدي وأنا ماأعرفه أو فاهمه غلط لازم أوضَّحه لك .. فكون صريح معي عشان نبدأ صح
ريَّان يتجاهلها وهو ينظرُ لهاتفه، أخذت نفسًا عميقًا : لو سمحت ريَّان ، إذا زواجك الأول مأثر عليك إلى الحين فمن الظلم أنك ..
يُقاطعها مرةً أخرى : قلت لك لا تفتحين سالفة زواجي الأول
ريم بدأت تختنق بعبراتِها : بس
بنبرةٍ مُرتفعة : قلت لا تفتحين هالموضوع وأنتهينا
ريم تنهَّدت : طيب يعني كيف ؟ أنت تعاملني كأني ولا شي
ريَّان وقف مُقتربًا منها، عادت بخطواتِها للخلف حتى ألتصق ظهرها بالجدار ، تخافُه كثيرًا لتُردف : أنا أحاول أفهمك
ريّــان : أنا أقول أفكارك أحتفظي فيها لنفسك، مايمشي معي هالموَّال وسالفة أفهمني وأفهمك
ريم شدَّت على شفتيْها ليتدافع دمعُها على خدِها الأبيض، أردفت بحشرجة صوتها : كيف نعيش إذا ما بيننا تفاهم ؟
،
نزل للأسفَل ومزاجهُ لا يُناسب يوم العطلة، تركها نائِمة دُون أن يلفظ كلمة تُزعجها، يحتاج أن يتحدث معها أن يفهم ما تُريد وأن يعرف ماذا توَّد أن تُقرر.
أتسعت محاجره عندما رأى هيفاء : وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإبتسامة مُتسعة : تان يا حبيبي
يُوسف عقد حاجبيْه : الحمدلله والشكر ، وأمي راضية ؟
هيفاء بضجر : والله أنه يهبل عليّ بس وش يعرفك أنت! .. لا مسوية لها مفاجئة
يوسف : الناس يدورون البياض وأنتِ تلاحقين السواد
هيفاء : أولاً هذا ما هو سواد إسمه برونزاج!
دخلت الوالدة المُبتهِّلة بلسانها لتتجمَّد في مكانها ويصخب يوسف بضحكته على منظر والدته : حسبي الله ونعم الوكيل وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإحباط : يالله وش يعني مسوية!! تان يمه
والدتها : يا مال الضعفة قدامك زواج ولاعبة بنفسك
هيفاء وستبكِي من الأراء المُحبطة لها رُغم انه في نظر صديقاتها " وآو " : يروح يا بعد قلبي بعد فترة
يوسف بسخرية : أعوذ بالله منكم يالحريم مابقى شي ما قدرتوا توصلون له !! عزِّي لنا بس
هيفاء : لو سمحت أنت وش يعرفك بالتان خلك على ساعاتك
يُوسف : فرضًا طلب فيصل يشوفك .. بينصدم من وصف أمه لك .. بيقول ذي البيضا اللي تقولين عنها !!
هيفاء بحرج حاولت ان لاتُظهره : وش دراك أنه أمه وصفته ليْ
يوسف بضحكة : لآ أبد قالت له أبيك لهيفاء وهو وافق
هيفاء تنهَّدت لتتكتف : أولاً البرونز حلو عليّ ثانيًا اللون ماهو غامق يعني لون حلو ويجنن .. بس طبعًا أنتم نظام قديم البيضا اللي أحلى شي لو ملامحها حفريات الرياض أهم شي بيضا وشعرها طويل
والدتها : حسبي الله بس .. شايفة وجهك بالمرآية كيف معدوم !
هيفاء ضربت صدرها بخفَّة : بسم الله عليّ يمه ورآه تبالغين كذا! .. انا بروح غرفتي ماعمري شفت ناس يحبطون زيّكم.
يُوسف يُعلِّي صوته : لا تحطين مكياج أخاف تقلبين رصيف
هيفاء وهي تصعد الدرج : ها ها ها تقتلني بظرافتك
يوسف بجدية : يمه شفتي منصور اليوم ؟
والدته : أنت كبِّر مخدتك بس!! راح ويا ابوك المزرعة
يوسف عقد حاجبيْه : كان صحيتُوني
والدته بغضب من هيفاء بدأ يصبُّ في يوسف : أبد حبيبي أنت بس بلغني بمواعيدك وأنا أقوم وأصحيك
يوسف زفر أنفاسه بضيق : لاحول ولا قوة الا بالله .. هالحين تحطين حرة هيفا فيني ؟
والدته : أنهبلت ذا البنت .. وأختك الثانية بعد منهبلة
يوسف : وش فيها ؟
والدته : متصلة تبكي تقول أنها ماتبي ريَّان
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه أستغفر الله .. شر البلية ما يُضحك وش تحس فيه ريم !! لا يكون ما عجبتها قصة شعره
والدته نظرت له بحدَّة : تحسب أختك تافهة يالتافه
يوسف بمزاج مُضطرب : طيب ولاتزعلين .. وش عندها ؟
والدته : مدري عيَّت تقولي بس تقول أنها ماهي مرتاحة
يوسف رفع حاجبه : يمكن مشكلة بسيطة وهي مهولَّة بالموضوع! كلميها و سحبي منها الحكي
والدته تخرج هاتفها : بتصل عليها الحين .. الله يصبِّرني بس
وقف مُتجهًا للأعلى ، قرر أن يذهب للمزرعة ويتسلى مع أخيه ووالده، دخَل بخفُوت ليسمع بكائها الذي جمَّد خطواتِه وهو يُغلق الباب. أخذ نفسًا عميق وأنينُها لم يعتادِه أبدًا، يشعرُ بالغصات التي تتراكمُ في عنقها وتُؤذيه أيضًا، تقدَّم بخطواته نحوها وهي تُغطي وجهها بالفراش العنابِي، جثَا على ركبتيْه بجانب رأسها : مهرة
لم تُجيبه سوَى بكتمها لأنفاسها وبُكائها الضيِّق، كيف لا تحزن ؟ تشعرُ بالضياع التام. ولا إجابة تشفي صدرها وكلمات أمها تتجاوزها وتشطُرها أيضًا ، صوتُها الداكِن يُخبرها بمُرِّ لم ترحمها به " لا تجدِّدين الجروح الفايتة، أهتمي لبيتتس ورجلتس وماعليتس من شي ثاني ، تُخبرها بقهر : طيب أبي أرتاح! أنتِ تدرين عن شي ماأعرفه ، والدتها : قلت لتس أني متطمنة عليتس عنده ولا تكثرين الهرج وتخسرين يوسف "
أبعد الفراش عن وجهها المُحمَّر بالبكاء، لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه. يُوسف بنبرةٍ حميمية : مهُور يابعد عُمري الحين البكي وش بيفيدك ؟ أنا داري أنك مقتنعة مهما حاولتِ تبعدين الأفكار عن رآسك بس هذي الحقيقة ، لاعاد تفكرين باللي مضى وخلينا في اليوم . .
بعد ثواني طويلة تجادلت بها أعينهم أردف : يالله قومي وريِّحي صدرك من هالبكي
مُهرة تشدُ على شفتيْها لاتستوعب بعد ما يحدُث، تحاول أن تنظرُ له ويخترقها بعينِيْه الغامقة.
يُوسف : مهرة .. يالله قومي .... وقف ليمُد يدِه لها .... أنتظر كثيرًا حتى قال : بتفشليني ؟
وضعت كفِّها في باطن كفِّه وهي تقف ليشدّ جسدها النحيل نحو صدرِه، أحاطت عنقه بيديْها وبدمعها المُنهمر على كتفِه، قبَّل عنقها الذِي واجَه وجهُه ،قُبلاتِه الدافئـة كفيلة بتلاشِي رعشة عروقها المُشتتة، الراحة التي تمتصُ من جسدِه تُشعرها بقُدسيـة العناق، ربكةُ قلبها التي تزيدُ بإلتصاق صدرِها بصدرِه تربتُ عليْها لتُخفف وطأة الحياة التي تقطعها دُون إلتفات. دسَّت وجهها في عنقه لتستنشق رائِحته، رائِحة العُود التي منذُ قابلته أول مرَّة وهي تشمُه منه ، هذه الرائحة الخاصَّة به ولم تشمُّها في غيره تلتصق بقلبها وعقلها معًا، برقَّـة قبَّلت عنقه كقُبلة الأبديـة، كقُبلة الإستسلام، همست : ماني عارفة وش أسوي! أمي عيَّت تقولي شي
أبعدها بهدُوء ليمسح دمعها بباطنِ كفِّه : لو عندها شي يدين منصور كان قالت لك بس أمك مقتنعة بعد باللي قلته لك
بلعت ريقها لتُردف بتشابك أصابعها : بس ...
يُقاطعها : الحين مقتنعة صح ولا لا ؟
مُهرة : طيب مين ؟
يوسف : اللي الحين بالسجن يا مهرة! .. أكيد هو مافيه غيره اللي رمى على منصور كل التهم! ولو ماأغلقوا قضية القتل كان راح يعترف إذا مو اليوم بكرا! لأنه بالنهاية قدر يعترف بكل شي يخص الأشياء الممنوعة
مُهرة ألتزمت الصمت وهي تنظرُ للأسفل، الفوضى المنتظمة التي تشعرُ بها تجعلها تضيع في بحر أفكارها.
يوسف : وش رايك نطلع ؟ نغيِّر جو !
مُهرة رفعت عينها له : وين ؟
يُوسف : أفكر بس أنتِ الحين جهزي نفسك
مُهرة : خلها يوم ثاني أحس صدَّعت من كثر البكي
يوسف : تروقين ماعليك
مُهرة أبتسمت : طيب .. بدخل أتروش .. وأتجهت نحو الحمام لتترك يوسف يفتح هاتفه ويبحث عن مكان يذهبا إليْه.
فتح مُحادثة صديقه علي " يالسبع مرِّنا بالإستراحة الجو يعجبك "
يوسف " مانيب فاضي لوجهك ، أسمعني أبي مكان حلو "
علي " يخي وش فيك قطعت فينا! "
يُوسف " تعرف أنا عضو مجلس إدارة شركة ماعندي وقت لأشكالك "
علي " الله يالدنيا ! بس معجزة عضو مجلس إدارة ومتخرج بمقبول "
يوسف " أقول لا يكثر جاهز للشماتة ، المهم علي تعرفني ماني راعي تمشي بالرياض حدِّي الإستراحة أبي مكان وبسرعة بعد "
علي " *أيقونة الوجه المبتسم إبتسامة عريضة* طيب وش نوع المكان ؟ "
يوسف " معفن طول عمرك معفن ! أنقلع طيب "
علي " ههههههههههههههههههههههههه خذها نجران يمدحون جوَّها "
يوسف ضحك ليُردف " ترى هذا تراث مايجوز تتطنز عليه "
علي " حاشى والله ماأتطنز مير أنت ودِّك أني أتطنز على أهل مرتي ، تهبِّل أنا رايح لها قبل شهر "
يوسف " أقولك أبي شي بالرياض! "
علي " وأنا أقول خلك من ذا الأشياء خذها مني الحريم نكارَّات العشرة والجميل ! بس تعال الإستراحة ونكيِّف "
يوسف " ياليل النشبة "
،
تقطَّعت أظافرُها من أسنانها التي لم تكفّ عن القلق منذُ أن أخبرهم أنهم مفقودين إلى الآن، يالله أحمهم برحمتِك التي وسعت كل شيء، أخذت نفسًا عميقًا لاتعرف كيف تُبعد التوقعات الرماديـة الشديدةُ السواد، منذُ ليلة الأمس مفقودين ؟ يالله لو حصَل عليهم شيئًا كيف يُساعدُون أنفسهم دُون أحدٍ بجانبهم ولا حتى هاتف يتصلُون منه، ماذا يعني لو كان لا شيء عليهم ولكن بسبب فقدانهم لكل وسائل الإتصال يُصيبهم مكروه، يارب أرحمنَا ولا تفجعنا بهم، رفعت عينها لضي التي بدأت تسيرُ ذهابًا وإيابًا في عرض الغُرفة والقلق ينهشُ في عقلها : ما أتصل للحين .. وحتى مقرن ماهو معه .. يارب لاتفجعنا
عبير بدأ صوتها يتحشرج : معه الشرطة إن شاء الله مو صاير إلا كل خير.
في جهةٍ أخرى واقفٌ على جانب الطريق والشُرطة تُحيط هذا الشارع من كل جانب، بدأت إتصالاتُ السفارة تنهال عليه وهي التي مسؤولة عن كل مواطن هُنا في باريس. سمع صوت التبليغ " تقاطع a151 تم العثور على السيارة "
أنجذبت أذنه إلى حديث الشُرطي لتبدأ عينيه بالتساؤلات، الشرطي : عثرنا عليهم في الطريق القائم على الإنشاءات ..
عبدالرحمن : وحالتهم ؟
الشرطي : سنذهب ونرى
عبدالرحمن ركب السيارة بإستعجال ، قلبه الذي لا يكفّ عن الدعاء خشيَّة أن يحدث لهُما شيء، الإسعافات سبقتهم بإتجاه الحادث ، وقفُوا عند التقاطع فخطر أن تمُر السيارات بطريق لم يجهز إلى الآن، نزل بخطواتٍ سريعة مُتجهًا للداخل، نظر للسيارة لتتجمَّد أقدامه من هذه السيارة التي أنكمشت تمامًا ولا تُوحي بأن أحدًا يخرجُ منها حيًا. سأل المُسعف الذي غطى أجسادهم قبل أن ينظر إليْهم : كيف حالهم ؟
: الشكر للرب، ولكن فقدوا الكثير من الدماء .. وتركه في إصطدام عقله.
،
وقفت بعد أن شعرت بالإحراج الكبير منه، بيَّنت اللامُبالاة وهي تتكتف : إيه نعم
نواف رفع حاجبه : على فكرة منتِ صاحية!!
أفنان : عفوًا ؟ أولاً هذي الأوراق قديمة يعني .. أنا ماأعرف أصلاً ليه أبرر لك
نواف أبتسم بعد أن قرأ في ملفها أنها " عازبة " : صح ليه تبررين لي! صدمتيني
أفنان ودَّت لو تنبثق الأرض وتسقط بها : خطبة يعني مو حاطين خيار مخطوبة
نواف مسك نفسه قليلاً ولكن لم يتمالك ليغرق بضحكاته : صح الحق علينا كان مفروض نكتب خيار ثالث اللي هو مخطوبة عشان تحطين عليه صح
أفنان أخذت أغراضها من على المكتب : عن إذنك
نواف خجَل من نفسه هو الآخر كذِب مثلما كذبت تمامًا، لا أعرف لِمَ كذبنا على بعض ؟ لم نكُن مضطرين أن نكذب! أحيانًا قلُوبنا تملك السطوة على ألسنتنا وتُسيِّرها كيفما تشاء دُون أن نفهم ما تفعل بنا.
خرجت مُتجهة لشقتها وهي تشعرُ بحُمرةِ تسرِي بعروقها بعد أن أكتشف كذبتُها اللاسبب لها. شعرت بمحاجرها التي تختنق، لم تتوقع أن تُحرج بهذه الصورة، أن تُحرج حدّ البكاء وتسمعُ ضحكته الساخرة. " أوووف، كلب طيب!! ".
،
ينزلُ بخطوات سريعة بعد أن عرف بخبر الحادث الذي حُضِّر لعبدالعزيز، بدأت الشكوك تُثبت ووجود خائن أيضًا تُبرهن الفكرة بأدلة كثيرة.
توقفه حصة : سلطان
سلطان يلتفت عليها : يا قلبي مشغول مررة بس أرجع .. وتركها.
دخل سيارته ليُحرِّك سيارته بسُرعة تجاوز الحد الطبيعي، مسح جبينه وأفكاره ترتطم ببعضها البعض، صعب أن يتقبل فكرة خيانة أحدٌ من نظامه، ولكن إن لم يكُن من أفراد رائد من يكون ؟ الحادث الذي حصَل لعائلة سلطان لم يكُن من تدبير رائد أم ماذا ؟ إلا الغدر صعب عليّ أن أتقبله. دقائِق طويلة تستغرق بتفكيره إلى أن وصَل لمبنى عمله، دخَل مُتجهًا لمكتبه ومن خلفه أحمد : تفضَّل هذي أوراق القضايا اللي على رائد ، بحثت في أسمائهم كلهم أسماء مالها علاقة بالحادث ..
سلطان : طيب يا أحمد! فيه أحد طلب منك شي بغيابنا ؟
أحمد بتوتر : مافهمت !
سلطان : يعني أحد طلب أوراق سرية وخاصة ؟
أحمد : لآ مافيه غيرك أنت وبوسعود
سلطان : بس أنا وعبدالرحمن ؟ متأكد ؟
أحمد بلع ريقه: إيه
سلطان تنهَّد : ناد لي أمين الأرشيف
أحمد : بإجازة طال عمرك
سلطان : نائبه
أحمد : إن شاء الله ... وخرج.
سلطان رمى سلاحه جانبًا وهو ينظر لساحة التدريب من نافذتـه، أخذ نفسًا عميقًا وفكرة أن " رائد " ليس مسؤولاً عن الحادث تُثير في داخله ألف علامة تعجب وإستفهام. ثوانـي قليلة حتى ألتفت لنائب أمين الأرشيف : أبغى سجلات اللي دخلوا الأرشيف غيري أنا وعبدالرحمن
: بس طال عُمرك أنت تعرف أننا مانسجِّل أسماء إدارتك
سلطان : مين تقصد ؟
: يعني مقرن أو أحمد أو حتى متعب .. كل رجالك ما نطلب منهم التوقيع !
سلطان : طيب متى آخر مرة طلب مقرن شي يتعلق بإحدى القضايا ؟
: يمكن قبل أسبوعين
سلطان : وش كانت ؟
: قضية سليمان فهد
سلطان : وش كانت قضيته ؟
: الإشتراك في عمليات إرهابية مع رائد الجوهي
سلطان : و وش يطلع إن شاء الله
بلع ريقه ليُردف : أحد جماعته يا بو بدر
سلطان بغضب : وكيف تعطيه إياه ؟
بربكة : مقرن يعتبر ..
سلطان صرخ عليه بجنون : إن شاء الله يطلع أبوي هذي معلومات سرية ماتطلع لأيّ فرد يشتغل هنا
أخفض نظره دُون أن يعلق.
سلطان : تجيب لي كل شي متعلق في سليمان فهد
: إن شاء الله لكن قضية 2009 ما نملكها لأن خذاها مقرن
سلطان رفع حاجبه : وش قلت ؟
بلع ريقه بربكة كبيرة : خذاها مقرن
سلطان : عيد ما سمعت
أرتبك ليصمتْ
سلطان صرخ : طلعه لي من تحت الأرض . .
: إن شاء الله .. وخرج بخطوات سريعة.
خرج خلفه متجهًا لمكتب متعب الذي من شدة الربكة أسقط كوب القهوة على ثوبه : جب لي كل الإتصالات اللي سوَّاها مقرن الشهر اللي فات
متعب : إن شاء الله
سلطان بنظرةٍ حادة : الحين
متعب : إن شاء الله ثواني و تكون عندك
خرج من مكتبه ومقرن يُثير في نفسه الريبـة والشك ، أتصل على عبدالرحمن ولكن هاتفه مغلق، خشيَ أن حصَل مكروهًا لعبدالعزيز!
جلس على مقعده ويديه تُحاصر رأسه المثقل، يجب أن يتأكد فعلاً من توجهات مقرن قبل أن يتصرف.
في جهةٍ أخرى : لا والله أني ماأكلمه
أحمد : تكفى متعب ..
متعب يعضْ شفتيه بتوتر : معصب لو أقوله يذبحني ..
أحمد : إذا ماعرف اليوم بيعرف بكرا !! ماتفرق
متعب : إيه بس عاد ماهو أنا اللي أقوله
أحمد : جبان
متعب : خف علينا يالقوي الشجاع اللي مايهاب أحد
أحمد رمقه بنظرات إستحقار وأتجه نحو مكتب سلطان وهو يأخذ نفسًا عميقًا ويُجهِّز نفسه لغضبه وكلماته الجارحة.
طرق الباب ودخل ليرفع سلطان عينه ،
أحمد بتوتر : حبيت بس أبلغك يعني حصل شي قبل فترة وما قدرنا نبلغك
سلطان بنظرات تُوحي لجحيم سيُقبل عليه الآن : لحظة! كيف ما قدرتُوا تبلغوني ! أظن أني أداوم كل يوم ومقابل وجيهكم !
أحمد : إيه بس ما حبينا نشغلك بأشياء بسيطة
سلطان وقف : نععم ؟ طبعًا انتم اللي تقررون وانا أشتغل عند سعادة مزاجك أنت وياه متى ماحبيتُوا تبلغوني ومتى ما حبيتوا قلتوا لأ
أحمد : لا الله يسعدك ماهو كذا ! بس قلنا نحل الموضوع بدون لا نزعجك.. يعني اللي حصل أنه أرشيف الدور الرابع أستقال أمينه من فترة و . .
سلطان بغضب يُقاطعه : و طبعًا الأرشيف صار سبيل للرايح والجاي
أحمد : لآ مو كذا بس قدرنا نعيِّن نائب أرشيف 4 a و
سلطان : شف أحمد لا تهبِّل فيني! مين اللي دخل الأرشيف ؟
أحمد : محد .. يعني غيرنا
سلطان : وغيرنا! يدخل تحتها مين
أحمد : أنا و بوسعود و ..
سلطان : ومقرن ؟
أحمد : إيه
سلطان يحك طرف شفتِه وبنبرة هادئة تشتعل بخفوت : وش أسوي فيكم ؟
أحمد : يعني إحنا واثقين بـ
يُقاطعه بعصبية : هنا مافيه شي إسمه واثق فيه! حتى أبوك لو كان يشتغل معك ما تثق فيه
أحمد : آسف خطأ خارج إرادتنا
سلطان : أطلع برا لآ أرتكب فيك جريمة أنت والغبي الثاني
أحمد أنسحب بهدُوء عاقد الحاجبيْن، بعض الأخطاء التي كنا نراها بسيطة أصبحت فادحة وجدًا.
متعب : وش صار ؟
أحمد : رح ودّ له سجل إتصالات مقرن وأستشهد
متعب أخذ الأوراق مُتجهًا لسلطان ، طرق الباب ووضعها أمام الطاولة وبخطوات أسرعُ من البرق خرج قبل أن يلفظ كلمة ويتصادم مع سلطان الغاضب.
يقرأ الأرقام وأسمائها وعينيه تشتعل غضبًا وهو يقرأ بعضُ الأسماء المشبوهة، كتب رسالة لعبدالرحمن " خل مقرن قدام عينك وبس تشوف رسالتي أتصل عليّ ضروري "
،
يُقاطعه وهو يقف أمامه : بس أنتظر
ناصر بغضب ونظرات حادة : أتركني
فيصل : طيب أنا أوديك بنفسي
ناصر : فيه طيارة الليلة من البحرين وأنا أبيها !!
فيصل : أبشر أنا أطير لك الحين للبحرين .. بس خلني أنا بنفسي أوصلك
ناصر بحدة : توصلني ؟ بزر قدامك ولا وش سالفتك
فيصل بجديَّة : طيب قدامنا طريق 5 ساعات ماعلى نوصل البحرين و بنلحق إن شاء الله
ناصر : حجزت وخلصت .. بالمناسبة يعني
فيصل بهدُوء : إيه عارف .. خلاص أنا بمشي معك أوصلك بس للبحرين
ناصر ألتزم الصمت لثواني ليُردف : طيب .. وخرج مع فيصل الذي تنهَّد براحة.
،
يقرأ رسالة فيصَل له " بكرا بيكون ناصر بباريس، مهِّد لها " أخذ نفسًا عميقًا يشعرُ بتأتأة الحُب في قلبه وهو يحاول أن يُدافع ويسقط في فخِ الواقع، نظر إليْها وهي تسير على رصيف الميناء تتجاهله تمامًا، شخصيـة غادة الجامعية ذات عنفوان الشباب عنيفة إتجاه الغرباء أمثالي، ياللسخرية! الآن أصبحت غريبًا عليْها.
سار بجانبها : غادة
غادة دُون أن تلتفت عليه : نعم
وليد : خلينا نرجع ،
غادة : بروح شقتنا
وليد : شقتكم الحين اكيد ماهي موجودة !!
غادة بحدة : مالك شغل فيني .. أنت دكتور ولا وش ؟
وليد تنهَّد : طيب زي ماتبين
غادة سارت بإتجاه طريق ريفُولي الذي يبدأ بمنطقتهم السابقة، كلماتها تخدشُه كثيرًا، يوَّد أن يصرخ عليها ويُخبرها أنه وليد الذي يُحبك وأنتِ كُنتِ تعلمين بذلك. بدقائِق سريعة وبخطواتها المُستعجلة وصَلت لعمارتهم وبنهاية الشارع تسيرُ أثير القلقة بشأنِ عبدالعزيز، تُكرر إتصالاتها كثيرًا والجوال مغلق منذُ يوميْن، يالله ! ماذا يحصُل معه.
وقفت وهي تسمع الصوت الذي يُشير للبريد الصوتي : عزوز أنشغل بالي وينك فيه من يومين لا حس ولا خبر .. بس تسمع هالرسالة أتصل عليّ ضروري.
نظرت للعمارة التي بمُقابلها، تذمَّرت من نفسها ماذا تفعل أن تذهب وهي تعلم انه ليس هُنا ، تراجعت لتعود من حيثُ ما أتت.
في جهةٍ كانت غادة تطرق الباب ولا أحد يُجيبها.
وليد : شفتِي ؟ خلينا نطلع
غادة تنظرُ للباب الذي يقابلهم : هنا أم نادر جارتنا ..
وليد تنهَّد : العمارة فاضية يا رؤى .. أقصد يا غادة ...
غادة تنظرُ للحارس الطاعن بالسن : جورج !! ...
جورج الذي كأنه سينصرع بمجرد أن رآهآ : أوه ماي قود .. ماذا يحدث هنا ؟
وليد أبتسم على منظره : مرحبا
جورج بتهويل : كنت أعرف أن الأموات يعيشون بعد زمن
وليد : هذه غادة ..
جورج يهرب بخطواته نحو غرفته ليُتمتم بكلماته لا تُفهم منها سوى " يسوع .. "
غادة : يحسبني ميتة ؟
وليد : أختفيتِ سنة أكيد الكل بيحس نفس إحساسه ، خلينا نمشي
غادة بإحباط رحلت وهي تمرُ من العمارة الأخرى : هنا كان يعيش ناصر
،
صلَّت ركعتيْن شُكر ومثل مافعلت تمامًا ضي، يالله كيف يفلتُ منَّا كل شيء وتبقى رحمةُ الله، كيف نظلُّ نعصيه رُغم النعم التي تُحاصرنا من كل جانب، يالله كيف فقط ندسُّ أنفسنا بالذنب ونحنُ نعرف أن كل شيء بيدِ الله ولو شاء أن يخسفُ بنا فعَل. يالله ماارحمك.
عبير : الحمدلله .. أهم شي أنهم بخير
ضي أبتسمت وعيناها تتلألأ : الحمدلله .. الحمدلله يالله
في جهةٍ أخرى من باريس ينظرُ للأطباء الداخلين والخارجين، الإنتظارُ هذا يقتله، يستعدُ أن يفعل كل شيء بوجه الحياة إلا الإنتظار الذي يجعل أقدامه على حمَمٍ تُثير الفزَع.
أتجه نحو غرفة عبدالعزيز ليطمئن عليه بعد أن خرج الممرض من عندِه، دخل بخطواتٍ خافتة حتى لا يُزعجه ولكن كان واعٍ تمامًا، إصاباتٌ طفيفة تعرَّض لها، رأسُه المُغطى بشاشٍ أبيض وصدرِه الملتَّف حوله الشاشُ أيضًا يجعله يطمئن قليلاً من أنهُ لا شيء أكبرُ من ذلك حصَل له.
أنحنى له ليُقبِّل جبينه بكل إمتنان : الحمدلله على سلامتك
عبدالعزيز بصوتٍ مبحوح : الله يسلمك ..
وخانتهُ البحَّة لتتقطع بصوتِه : رتيل ؟
عبدالرحمن : الحمدلله هي بخير...
عبدالعزيز يستعيدُ اللحظات الأخيرة التي تمرُ على رأسه الذي يشعرُ بأن طينًا ثقيلاً يُحَّط عليْه. كان الطريقُ مغلق تمامًا لم أستطع أن أنحني جانبًا كان لا بُد أن نصطدم بعربةِ النقل ، عينيها التي أغمضتها بشدَّة مازال يشعرُ بأنه ينظر إليْها ، أنحناءه لها وهو يفتح لها الباب حتى تخرجُ من السيارة قبل الإصطدام في وقتٍ كان بابِه بجانب الأسلاك التي لا يستطيع أن يعبر عبرها، رفضها أن تخرج من السيارة وهي تخفضُ رأسها لا تُريد أن ترى شيئًا. لم أستطع أن أفعل شيئًا سوَى رميِي لهاتفي الذي كان أثقلُ شيئًا إتجاه الزجاج الأمامي حتى يتكسَّر قبل أن يتكسَّر بملامِحنا ويعجنها، رميتهُ عدَّة مرات حتى تكسَّر قليلاً ، لم نعِش يومًا جميلاً يا رتيل، لم تكُن أيامنا جميلة معًا ، لم نستطع أن نستمتع بالصباح معًا ، لم أستطع أن أرى عيناكِ وهي تستيقظ، لم أستطع أن أمسك يدِك أمام الجميع ونسير معًا، لم أستطع أبدًا أن أقُول لكِ " أحبك " ولم أستطع حتى أن أقُولها لنفسي، لم أستطع أبدًا! في الحادث الأول كُنتِ هنا، سمعتها منكِ، سمعتها جيدًا ومنذُ يومها أنا لاأنسى نبرةُ صوتِك، أعترفتِ بحُبك في وقتٍ تجاهلت هذا الإعتراف، في هذا الحادث أيضًا أعترفتُ لنفسي وأنا أتجاهل هذا أيضًا، لِمَ نُكابر على كل حال ؟ لِمَ الحوادث ترتبط بقلبيْنا رُغم أننا ننبذُ ذلك.
قطع تفكيره صوتُه : ريِّح نفسك ونام ، لاتفكر كثير
عبدالعزيز أستجاب لأمره وهو يحاول أن ينام بعد أن أنقطعت أنفاسه بالساعات الماضية.
،
ينظرُ له بضحكة بعد أن غرق تمامًا بصخب ضحكاتِه ، أردف : فحل ماشاء الله عليك
فارس يتجه نحو مكتبة والده : بقرآ كتاب أسهر عليه الليلة
رائِد : فويرس ..
فارس يحاول أن يقطع أحاديث والده المُحرجة له : تصبح على خير يبه
رائِد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب يا ولد موضي .. قلت ليْ تحميها!! يخرب بيت عقلك بس
فارس ألتفت عليها : طالع على أبوي
رائِد بإعتزاز : والله فخور فيك لكن طبعًا مانيب راضي
فارس أبتسم حتى بانت صفُّ أسنانه : على قلبي يا ولد الجوهي
رائِد بمثل إبتسامته : طيب .. وش قررت بموضوع بنت عبدالرحمن ؟
فارس : اللي قلته لك ماعندي غيره
رائِد : طيب يا مشعل المحمَّد
فارس رفع حاجبه بدهشة : عفوًا ؟
رائِد بإبتسامة ذات معنى عميق : الله يسلمك هذا الإسم ما ينرَّد عند عبدالرحمن
فارس بسخرية : تبغى تزوِّر إسمي عشان يقبل فيه عبدالرحمن !! مستحيل يبه
رائِد : ماهو مستحيل! بتروح مع أبوك محمد .. وبتخطبها وطبعًا بيسأل عنك وكلام الناس ينشرى .. كل شي جهزته لك ... أخرج من جيبه بطاقة الهويـة المزوَّرة والجواز.
فارس ضحك من دهشته ليُردف : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام
رائِد بهدُوء : ماشاء الله على ولدِي المتفقه بأمور الدين، يشرب ويكلم بنات ويقولي والله حرام يبه التزوير!!
فارس تنهَّد بغضب شديد : يبه مستحيل تنسبني لواحد ماأعرفه
رائد : ماله علاقة فيك، راح تتزوج وتسافر تنقلع لأي ديرة وتصرف زي ماتبي
فارس : هالشي ما يمشي معي بعدين كيف ! يعني .. أستغفر الله بس .. العقد بيكون باطل
رائد : لآ مايكون باطل دام الشروط كاملة فهذا شي عادِي ، طيب اللي يغيرون أسمائهم بعدين تحسبهم يتطلقون من زوجاتهم ! طبعًا لا و مافيه شخص إسمه مشعل المحمد .. يعني إسم وهمي معناه فارس رائد الجوهي .. لو أنه فيه شخص بهالإسم كان ممكن يطلع عقدك باطل .. فاهم عليّ ؟
فارس : يبه أنت على كيفك تتلاعب بالأمور الشرعية
رائِد تنهَّد : لآ تكثِّر حكي .. وروح أسأل أيّ شيخ وقله لو طلع الإسم مزور ماحكم العقد بيقولك صحيح لأن الشروط كاملة ويتوجب عليك أنه تسوي عقد ثاني عشان الإسم لكن زوجتك تبقى زوجتك
فارس : لا يبه مستحيل هالشي يصير! أصلا بيكشفنا بسهولة لا تنسى هالشي
رائِد بإبتسامة : الحين هو لاهي ماهو يمِّك، بيسأل عنك في الرياض وأنا رتبت لك كل الناس و أنت ماشاء الله عليك دكتور وين يرفضك ؟
فارس: دكتور ؟
رائد بضحكة : معاي شهادة تثبت هالشي وكشف حساب يثبت بعد وظيفتك المحترمة .. رجل تتمناه كل بنت وزي ماوصلني أنه بنته كبرت أكيد ماراح يوقف نصيبها لا عرف عن سمعتك
فارس : أيّ سمعة أيّ خرابيط و اصلا مين بيكون عارفني عشان يسمع عن سمعتي
رائِد : غمض عين وفتِّح عين تلقى الرياض تحكي عنك
فارس : جد يبه منت صاحي!!
رائِد : بكرا العصر أنت عنده في باريس، تخطبها منه أنت وأبوك *أردف كلمته الأخيرة بضحكة ساخرة*
فارس : طيب وإذا كان يعرف شكلي!
رائد : مايدري عنك !! كيف بيعرف وأنت أصلا ماتطلع بالشارع زين يعرف أنه عندي ولد
فارس تنهَّد ليُردف بشك : أنت تعرف مع مين في باريس ؟
رائد دُون إهتمام : مع بناته يراقبون الوضع بس ماعنده ماعند جدتي ..
فارس : وزوج بنته ؟
رائد : يقولون أنه مسافر ولد سلطان العيد
فارس أطمئن على عبدالعزيز ليُردف : طيب ..
رائِد : المهم أنت يا عريسنا جهِّز نفسك وكل الشغل خله عليّ ، ملف حياتِك وماضيك عندي وكل شي ممكن يخطر على بالك لقيت له حل .. أنا خبرتي ماتروح عبث!!
،
في ساعات الليل المتأخرة تسيرُ مع ضي على الرصيف مُتجهات للفندق بعد عودتهما من المستشفى ، عبير : خلينا نآخذ قهوة نصحصح عليها
ضي : إيه والله محتاجين .. دخلتَا المقهى المُقابل لتطلبَا على عجل دُون أن تجلسَا ، أنتظرتَا وقوفًا بهدُوء.
النادل الذي يبدأ دوامه فجرًا دخَل مُسلِمًا على أصحابه، عاد خطوتين لينظرُ لعبير في جهةٍ كانت عبير تنظرُ إليْه بريبة من نظراته ، تقدَّم لها : مرحبا
عبير بتوتر : أهلا
النادل : معي شيءٌ خاص بك
ضي بإستغراب : لك ؟
عبير هزت كتفيْها بعدم فهم ، النادل يُخرج المنديل من جيبه ويُقدِّمه لها. أخذتها لتقرأ الخطُ ذو اللون الأسود المزخرف.
ضي أبتسمت : معجبين ماشاء الله
عبير شعرت بأن أنفاسها تختنق، هذا الجو يضيقُ عليها لتضعها في حقيبتها بعجَل بعد أن قرآها بإنسيابيـة: خلينا نطلع
ضي أخذت قهوتهمَا : وش فيك ؟ تعرفينه ؟
عبير بربكة تبحثُ عن كذبة رقيقة تُقنع ضي : لآ ، بس .. من جيت باريس وهالرسايل تجيني
ضي : آهآآ ..
تستعيدُ بذاكرتها ما قرأتهُ للتو وتقف عند " أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله " ، وأنا أشهدُ أن لا رجلاً يُرضي غروري إلاك ، أشهدُ أن لا رجلاً يجتمعُ عليه صمتٌ متواصل وحديثٌ لا ينقطع إلاك ، أشهدُ أن لا رجلاً يُحيطني برجولته كأنت ، أشهدُ أن لا رجلاً يسرقُ ضوء القمر ويضيئني كأنتْ ، أشهدُ أنِّي أنتمي إليك، أستعمرتني تمامًا. أشهدُ أنِّي لا أُريد الحريـة مِنك وأنِّي أرغبُ بإحتلالِك الكامل ليْ ، أشهدُ أني أحبك بقدر ما قِيلت هذه الكلمة منذُ أتينا على هذه الدنيا.
،
يتوسَّل الممرضة بلكنته الفرنسية المُغرية : أرجوكِ
الممرضة الحسناء : حسنًا ولكن لن تُطيل المكوث
عبدالعزيز بإبتسامة : شكرًا لك
الممرضة تأتِ بالكُرسي المتحرك له ، ليجلس عليه بِ رداء المستشفى المُنقَّط الذي يصِل لركبتيْه، أتجهت به نحو الغرفة المجاورة، دخلت بهدُوء وخرجت لتتركه معها.
مثل ما فعلتِ تمامًا يا رتيل، مثل ما تسللتِ إليْ في الرياض، نحنُ نتشارك بكل شيء ولكن الحياة لا تُريدنا أن نتشارك. يالهذا الواقع!
نظر إليْها، خدوش بسيطة على جبينها ووجهها ، يلفُ يديْها جبيرةٌ بيضاء، تبدُو شاحبة فقدت دماءً كثيرة. هذه السمراء تواصِلُ قتله ، " هَلْ لانفِراطِ الموجِ في عِينيكِ ياسَمراءُ جُرْفُ ، أَخشَى عليكِ، وكيفَ لاأَخشى عَليكِ، وأَنتِ عَزْفُ " أخذ نفسًا عميقًا وهو يتأملها دُون أن ينطق شيئًا سوَى قلبه الذي يبتهل ويُثرثر. " شِتْ ! " حتى وأنا أمامك أكابر الآن. لوهلة أشعُر بأنِي خلقت من حجر.
حركت رقبتها المثبَّتة بحامِي الرقبـة ، يبدُو أنها شعرت به. . . .
فتحت عينيْها بإنزعاج دُون أن تميِّز من أمامها، تُغمضها تارةً وتفتحها كي تستوعب الضوء الذي يدخل عليها من كل جانب . .
بللت شفتيْها الجافتيْن بلسانها حتى تنطُق . .
،
رجَع على أطراف الفجر بعد أن أستغرق اليوم بأكمله في العمل، يبحثُ بالسجلات وبملفاتٍ ضخمة تمتلىء بالأوراق والحبر ، بدأ يسترجع ما حدث المغرب حين قرأ الرسالة في مكتبه " سألت لك الشيخ وقال عليك كفارة اليمين لأنها تدخل بمعنى اليمين لكن لو بنية الطلاق فلا يجوز لك وأنت قلت لي أنه ماكانت في نيِّتك الطلاق فما عليك الا كفارة اليمين " وتحديدًا بعد صلاة العشاء أتجه للجنة الخيرية حتى يتصدق بالطعام عن 10 مساكين وتسقط عنّهُ الكفارة ، شتت أفكاره المضطربة ليضع يدِه على مقبض الباب، شعر بأن قلبه لايستقيم بالتفكير، مرَّت دقائِق طويلة وهو أمام الباب، شعر بحركتها بالداخل لم تنَم بعد. أخذ نفسًا عميقًا ليدخل بثرثرة عميقة مع روحه " من حقِّي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! "
↚
يدخل بثرثرة عميقة مع روحه " من حقِّي يا أنا، لن أخرج من هذا الزواج خالي الوفاض، ...... " لحظة!!! منذُ متى وأنا أفكر بهذه الإستغلالية ؟ بأن أفرغ حقدِي بهذا الرُخص ! أن آخذ حاجتِي التي حُرمت منها وأتركها، أتركها لهذه الدنيا تواجهها كيفما تُريد لا دخل ليْ بها ، هذه الحركة القذرة التي ألطخ نفسي بها من يستحقها ؟ مللنا من المثالية والمبادىء الزائفة ، هذه المبادىء لم تجعلني سعيدًا ولم تجعلني أظفرُ بما أريد، بائسة هذه المبادىء والقناعات وأنا الآن على أتمِ إستعداد أن أعلن تنازلي عنها، أعلن تنازلي عن سخافاتِ عقلي، ومن حقي أن أأخذ حقي الشرعي من هذا الزواج وإن كان يُزعجها فهو يزعجني أكثر منها.
فتح الباب لتتقدم خطواتِه نحوها، رفعت عينها وهي مُتربعة في منتصف السرير وبين يديْها إحدى الكُتب التاريخية التي تحكِي سيرة العهد العثماني.
سلطان : مساء الخير
الجوهرة بخفوت : مساء النور .. أعادت نظرها للكتاب مُشتتة ولم تستطع التركيز بأيّ سطر وصَلت، تحت أنظار سلطان المُتأمل بها، تشعرُ بالسهام التي تخرجُ من عينيها وتخترقها. أطال وقوفه وأطال بضياعها، رفعت عينها مرةً أخرى محاولة لمسك زمام ربكةُ قلبها بقُربه.
وقفت لتتجه ناحية الباب، أن تجتمع معه تحت سقف واحِد سببٌ للتكهربْ لا أكثر، مسكها من معصمها وهي تمِّرُ بجانبه. أخذت شهيقًا وأضاعت الزفيرُ من بين شفتيْها، تشعُر كأنها تركض محاولة الظفر بالزفير هذا هو تعبيرها عن الإختناق الذِي يسيطر عليها بقُربه، سحب الكتاب ووضعه على الأريكة : أظن تعرفين بالشرع أكثر مني
الجوهرة بعدم إستيعاب تاهت نظراتها.
سلطان بهدُوءٍ متزن : زي ما لك واجبات عليك واجبات بعد.
الجُوهرة بلعت ريقها الجاف لتُردف بصوتٍ مُرتبك : ما ينطبق علينا هالشي
سلطان يُجاريها بمثل التيَّار الذي تغرقُ به : وش ينطبق علينا ؟
الجُوهرة تشعرُ بأنها تبتلع لسانها، شتت نظراتها لا رد لديْها.
سلطان رفع حاجبه : وين وصلتِ ؟
تحشرجت محاجرها وهي تنطُق : لا
تفاجىء، لم يتوقع أن تنطقها دُون أن يمنعها خوفها، أردف بمحاولة إستفزاز أعصابها : وش اللي لا ؟
الجُوهرة : واجباتك مهي معي
سلطان أمال فمِه : ومين معه إن شاء الله ؟
الجُوهرة ببرود عكس البراكين التي تفيض بقلبها : الشرع محللك 4 تزوج وخذ واجباتك منها
ترك معصمها ليُردف : يعني موافقة أتزوج عليك ثلاث مو وحدة ؟
لو كنت مع أكرهُ شخص على وجهُ هذه الكون لمَا رضيتْ بأن يُشاركني معه أحد كيف معك يا سلطان ؟ ، تشعُر بأن الدمع سيخُون خامة صوتها ويُبللها : طلقني و سوّ اللي تبي
سلطان بحدةِ الكلمات التي تجاور بعضها البعض وتشطُر قلب الأنثى التي أمامه : كل مرَّة أكتشف فيك شي سيء، حتى قراراتك تجي بدون تفكير ..
الجوهرة بمثلِ حدته : أيّ قرار جاء بدون تفكير؟ طلاقي منك مفكرة فيه وحتى مفكرة بحياتي بعدك ..
سلطان بتملُك : مالك حياة بعدي
الجُوهرة تضغط على شفتِها السُفليَة بأسنانها علَّها تُخفف بعض من رعشتها : مو أنت اللي تقرر !! أقدر أوقِّف عمتك ضدك وأقدر أوقف أبوي ... لكن إلى الآن أحاول أحترم قدرك عندهم عشان ما ينصدمون بأفعالك
سلطان أبتسم بسخريَة : تهدديني ؟ خسرانة يالجوهرة مهما حاولتِ، إن كان عندك ورقتين ضدي فأنا عندي أكثر ..
الجُوهرة أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى نظرت إليْه : بمفهومك الجاهلي أنه البنات دايم خسرانين
سلطان : البنات!! أنتِ من فئة البنات ؟
الجُوهرة بلعت غصتها لتغصّ محاجرها بالدمع، تلألأت عينيْها أمامه، لن تجِد أقسى من هذه الكلمة وهي تعبرُ لسانه ببرود، لن تجِد أقسى منها أبدًا. أخفضت رأسها ليُواسيها شعرَها المُنسدِل على الجانبيْن، بكت ولم تخشى أن تبكِي أمامه كالمرَّات التي تحاول بها أن لا تضعف ، هذه المرَّة أريد أن أضعف، أن أبكِي ، أن تفلت دموعي من محجرِ عيني. يا قسوتِك! ويا حنيني بقُربك. كيف تنهمر الكلمات بزوائِدها الحادة دُون أن تجرح لسانِك ؟ دُون أن تتكوَّر كـ غصَة تسدُ مجرى تنفسك! كيف يا سلطان لا تقتلك الكلمات قبل أن تقتلني؟ تربطُ مصيرك بمصيرِي وتغمس يديْك بالملح حتى تُمرِرها على جروحي! جرُوحي التي بقيْت لسنوات غائِرة مكشُوفة، لم تسترها ولم تداويها! بقيْت كما أنتْ وبقيْت كما أنا . . خطيْن متجاوريْن لا يتقاطعان ولا يسيران معًا.
رفعت عينها المنزلقَة بالدمع وبنبرةٍ باكيَة : وأنا كل مرَّة أكتشف أنك ما تمِّت للإنسانية بصلة، تبي تقسى !! أنا أقسى معاك!! مثل ما تسوي يا سلطان بسوي ! مثل ما تحلل على نفسك أنا بحللها ومثل ما تحرِّم على نفسك أنا بحرِّم على نفسي.
سلطان ببرود يُناقض النار التي تصِل لأعضاءه التنفسيَة : وش بتحرمين على نفسك ؟
أبتعدت عدة خطوات للخلف، مهما تظاهرتُ بالقوة أظلُ أخشى عليّ مِنك، أظل أخافُك كما لم أخاف من أحدٍ قبلك.
سلطان يقترب بخُطاه وبنبرةٍ مُتحديَة : قوليها! وبعطيك درس في أصول التحريم
الجوهرة بضيق : أبعد.. خلني أطلع
سلطان بتملُك سَادِي يشدُّها من خصرها الغضّ وهو يغرز أصابعه بها ليهمس عند إذنها بنبرةٍ وصَلت لها بسخريَة في وقتٍ كان يعنيها سلطان بجديَّة : دايم تخسرُون يا بنت.
أعادها بخطواتٍ حتى أرتطمت سيقانها بالسرير، أفلتها من قبضةِ أصابعه لتسقط بسكُون الليل على المفرش السُكَرِي، الذِي يعكسُ شفافيَة دمعها، أشعرُ بأن قلبِي يبهُت بإصفرار، أَسمعت عن مرض العين؟ أن تشحُب بلونها حتى يسقطُ لونها الطبيعي في القلب ويغرق، يتلوَّثُ قلبي يا سلطان كثيرًا وأنت تزيدهُ. " غرزَت أصابعها في كلتَا كفيَّها على المفرش " كُنت أنتظر أن أمُوت ولكن ليس بهذه الطريقة الرخيصة. لم تترك ليْ حجةٌ واحِدة أُخبرك بها أنني عنك أعفُو، وعن قلبي الذي بين يديْك أُسامح. تواصِل إستحلالك على جسدٍ يراك في هذا الكون كُل الكون، تواصِل إستعمارك لخلايا الحركَة فيني حتى جمَّدت الحياة بعيني ولم أستطَع، لم أستطع يا سلطانِ أن أتجاوزك، أن أتجاوز عثراتِي، مللت البنيان على التزييف، هذه ليست شخصيتي، هذه ليست أنا، هذه جُوهرة سلطان، أنا التابعيـَـةُ لعينيْك " الولعانة "، أنا شرعيتُك الباطلة، أنا عقيدتُك في الحُب وأنت الحاكمُ والظالم. أنا الإنتماءُ لقلبِك، لتشعُبِ صدرك، أنا جُوهرتِك بينما أنت ! لم تكُن يومًا تخصُني وحدِي، لم تكُن عيناك الداكنة تُريدني، و حين أردتُ الإتكاء بين عينيْك عجنتني بعُقدة حاجبيْك ، حين أردتُ أن أُقيم الثورة على قلبِك أستعمرتنِي، يا حُزنِي! لم تكُن مثله، تشافيْت من تُركِي، تشافيْتُ تمامًا ولكن مرضتُ بما هو أعظم، كُنت في كل مرَّة تقترب بها منِي أتذكرُ تقرب تُركي ليْ أما هذه المرَّة لا يأتِ أبدًا على بالي، لم يأتِ ولكن تُعنِّف قلبي بما لايليقْ بحُبك، تُغرقني، تُغرقني وما عدتُ أخشى غرقي.
أغمضت عينيْها لتسيل دمعةٌ مُلتهِبة على خدَها، و لأنك تُغيضنِي بملكيْتك هذه المرَّة أنا من أستسلمُ لك يا سُلطانِي.
صعدت شفاهه لعينيْها، قبَّل دمعتها وذراعيْه تُحاصِرها من كل جانب، أشدُ الخيبَة أن تُقبِّل دمعةُ إمرأة أنت سببها. يا خُذلانِي من هذه الدُنيا، و إنصهارُ الوجَع في قلبي، أن يُعيد هذا العضو النابض تركيب نفسه في كل مرَّة وتُعيد الحياة إنصهاره في كل لحظة، يا وجَع " الأنا " في صدرِي، يا تكاثرُ " الآه " في محجر عيني، كان بؤسًا أن أراكِ في كل لحظة وكل ثانية أمامي ولا أتحرك، كان سيئًا على نفسِي أن أُحرِّمك عليها، أن أبتعد في وقتٍ كان اللاسبب يطغى علينَا، في وقتٍ لم أفهم نفورك، كُنت أفهم فقط أنني أريد أن أُحبك برضاك، لم يكُن الجسد يومًا مُبتغايْ، لم يكُن أكبرُ ما أتمنى هو الظفرُ ببياضِ جسدِك، كُنت رجل أقاوم كل أهوائِي أمامك، كُنت رجل ألتمسُ لك من العذر ما يفُوق السبعين، أمتنع عنكِ لأجلِ عينيْك التي تتورَّد كُلما رأتنِي، تضببتْ رُؤيتي ولستُ مُخطىء، إن كُنت أخطأت في مسالكِ الدُنيا بأكملها إلا أنني لم أخطىء بقلبك أبدًا، لا أعرف أن أتعامل ببرود أمام عينيْن أشتهيها وجسدٍ أتُوق له لأن الشرع يكفلُ ليْ كل هذا، لم أكُن شاذًا عن القاعدة حين أردتك ولكن كُنت شاذًا عنها حينما قاومتُك في كل مرَّة أراكِ بها، أُطيل نظرِي بتفاصيلك الصغيرة، بأصابعك التي تُخلخل شعرك في مللك وكفِّه التي تُزيح خصلاتِك جانبًا في قراءتك، أراقب أدقُ الأشياء التي تقتلني كرجل وكنت أصمد لأنني لا أريد أن أرغمك على شيء. لكن هذه المرَّة أعلن إستسلامِي من قناعاتِي الشرقيَة، أعلن إستعمارِي لثلجيَة ملامحك، أعلن وبغطرسَة لا أعرفُ كيف أبتليْت بها أن لا حياة بعدِي يالجوهرة.
،
بللت شفتيْها الجافتيْن بلسانها حتى تنطُق بإنسيابيَة، و ما حول رقبتها يُضيِّق عليها، لم تنتبه لِمَن أمامها وهي تُشتت أنظارها بإنزعاج وببحة : يبــه
عبدالعزيز يُحامل على نفسَه حتى وقف وجلس على السرير بجانبها وبإبتسامَة كانت تُغيض رتيل بإستمرار : يا عيُون يبه
عقدت حاجبيْها لتصمُت لثوانِي طويلة حتى تفتح عينيْها مرةً واحِدة وتنظرُ له، تأملت صدرَه المُغطى بالشاشِ الأبيض لتصعد أنظارها لرأسه المُغطى أيضًا، قطَع تأملاته : الحمدلله على سلامتِك
رتيل ترمشُ كثيرًا حتى تستوعب : الله يسلمك .. أبوي هنا ؟
عبدالعزيز : الساعة 2 الفجر
رتيل عادت لصمتها لتقطعها الثوانِي الشاهِقة ، تسأله برعشةِ شفتيْها : كيفك ؟
أبتسم حتى بانت أسنانه : بدرِي
رتيل : حتى وأنت تعبان مستفز
عبدالعزيز أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظرُ لشعرها " الويفي " : تمام الحمدلله أنها جت على كذا ماهو أكثر
رتيل : الحمدلله ... ألتفتت للجانب الآخر .. عطشانة
كان سيقف لولا يدها التي مسكته من معصمه : خلك .. أستعدلت لتجلس وتسندُ ظهرها على السرير، أخذت كُوب الماء لتشرب رُبعه ومن ثُم ألتفتت عليه وهي تشعُر بأنها " صحصحت تمامًا ".
أطال نظرُه بعينيْها، بمحجرِها وحصُونِ أهدابِها، أجيءُ لكِ كما يجيءُ العاشقُ من عصرِ المُتنبي " وما كنت ممن يدخل العشق قلبه و لكن من يبصر جفونك يعشق " ، أتغلغلُ وأشتعل وأخفتُ بضياءِك و " عيناكِ نازلتا القلوب فكلهــــا إمـا جـريـح أو مـصـاب الـمـقـتــــلِ " يا جريحتِي بالهوَى أصبتنِي بمقتل، كتمتُ حُبكِ ولم يعُد ينفع! ما دامُ الإسرار والإعلان هُما على حافةٍ واحدة، منذُ النظرة الأولى وأنا أُدرك بأننِي مجنُون مُتعديًا على مُلكِ عبدالرحمن، لمحتُ في شفتيْك طيف مقبرتِي وواصلتُ المضيَ ولم يهمُني الموتُ الذي يضيعُ أسفَل لسانِك، كُنت أدرك جيدًا أنهُ مهما حاولنَا أن هذا الحُب يُسلِّط أعداءنَا، يُسلِّط علينا كُل من هوَ يكرهُ والدِك ووالدِي، كُنت أعرف ولستُ نادِم، لأنهُ لو عاد الزمن لعصيتُ بمثل المعصيَة وتزوجتُك رُغمًا عن الجميع، رُغمًا عن من يروِي أن حُبنَا مستحيل. والرواةُ كاذبُون يتأثرُون بعهدٍ عقولهم الجافَّة السطحية، و أنا والله غارقٌ بعينيْك، شفتيْك، شَعرُك البندقِي، ملامحُك النجديَّة وبشرتك السمراء، أنفُك الذي أُحب وعقُدة حاجبيْك وشتائِمُك التي تعني " أحبك كثيرًا " مهما أنكرتِ.
نظرت له بضحكَة مبحوحة وهي تشعرُ بحرارة تسرِي في أوردتها من عينيْه : لا تطالعني كذا
عبدالعزيز : تخيلي لو صار فينا شي لا سمح الله ؟
جمَدت ملامحها لتردف : ماأبغى أفكر باللي صار
عبدالعزيز بمحاولات هزيلة لظفر إعترافٍ منها : كنتِ راح تندمين على شي ؟
بلعت ريقها الجاف : لا
عبدالعزيز تنهَّد، صدقها في الفترة الأخيرة، كلماتها التي تعني تلويحة وداع، تحديها لقلبها ومازالت هي الفائزة بهذا التحدي، كل هذه الأشياء تثقب قلبه : ولا حتى كلمة ؟
رتيل صمتت لثواني طويلة حتى أردفت بوَجَع : ولا حتى كلمة يا عبدالعزيز ، ماراح أندم على شي
نظر لعينيْها المُتلألأة بخفُوت، أشاح قليلاً حتى ألتصقت أنظارُه بكفِّها المرتبط بالمغذي : لو أنا! كنت راح أندم، يمكن ماهو على شي سويته بحقك بس على أشياء سويتها بحق ناس ثانين ..
رفع عينه لها ليُكمل : ما يستاهل أني أندم على شي أنتِ ما ندمتِي عليه
عقدت حاجبيْها، هذه الكلمات الأخيرة ستدخل لفئة الأشياء الأكثرُ جرحًا لقلبي، والله لا يوازي جرحها شيئًا، أن يُسند لكلامِي مثل هذا الألم والوَجع، وجدًا " يستاهل " أن نبكِي على أيامنا التي تمضِي دوننا رُغم أننا معًا.
أردفت بربكَة لسانها : كنت راح أجاوبك بنفس الشي، ما يستاهل أبد أني أندم على كلام أو أفعال إذا كانوا أصحابها أصلاً ماندموا عليها
عبدالعزيز بهدُوء : من كل قلبك هالحكي ؟
شتت نظراتها : إيه، ليه تفتح هالمواضيع الحين ؟
عبدالعزيز بصوت أشتَّد به الغضب الذي لم يستطع أن يسيطر عليه : لأنك كذابة ، تكذبين كثير وماتحسين على نفسك .. شوفي عيونك وأنتِ تتكلمين .. تناقض كل كلامك
رتيل تحاول أن لا تفلت بها الدموع وتبكِي، تنظرُ لكل شيء ما عداه، هذا الإتهام الصريح لها يجعلها تضعف بعد حادثٍ كادت تفقد به حياتها، أردفت ببحَة : مو قصدِي أسيء لك ...
عبدالعزيز : إلا قصدِك .. تستمتعين بكل شيء يقهرني
رتيل توجه نظراتها إليْه وبنبرةٍ تنخفض تدريجيًا : وأنت ؟ أحلف بالله أنك سَادِي ومتغطرس وكل متعتك في هالكون أنك تضايقني
عبدالعزيز بإبتسامة مُتعبة : بتكفرين عن الحلف صدقيني
رتيل أشاحت نظرها : شفت كيف ثقتك! عبدالعزيز واللي يسلمك تعبانة وماأبغى أسمع مثل هالحكي
عبدالعزيز ينظرُ للممرضة التي تُشير إليه من خلف الزجاج : طيب ...
و بإبتسامة مُستفزة أردف : تصبحين على خير يا زوجتي الغالية
رتيل رُغم تكاثرُ الشعور المتناقض بها إلا أنها ضحكت : يارب أرحمني
عبدالعزيز : سبحان الله ما تآخذين الأمور بجديَّة !
رتيل بمثل إبتسامته أقتربت ولا يفصُل بينهما شي لتنحني قليلاً نحو اليمين وتُقبِّل خدِّه الأيسَر : وأنت من أهل الخير
أبتسم حتى بانت أسنانُه وهو يجلس في مقعده المتحرك بعد أن دخلت الممرضَة للغرفة : يعني الحين أخذتي الأمور بجدية ؟
رتيل بضحكَة طويلة غرقت بها : أنتهى كلامي
عبدالعزيز الذي يفهم قصدُها جيدًا : ملكعة!!!
رتيل أتسعت بإبتسامتها وهي تنظرُ له عندما خرج، أستلقت على السرير تحاول أن تعُود لنومِها، " أنا حيَّة " بعد أن واجهتُ الموت لدقائِق طويلة، قبل الإصطدام كنت أتذكر الأخطاء التي أنجذبتُ لها وكأنها أشياء عاديَّة، هذه الأخطاء التي خنقتني وأنا أشعُر بعظيم ذنبها، لا أعرف لِمَ نحتاج إلى تنبيه من الله كحادِثٍ أو حلم أو غيره حتى نعُود له، حتى نستغفر لذنوبنا بالطاعات، الحمدلله أنني أتنفس الآن ومازال في الحياة مُتسع لأستغفر لهذه الذنوب، الحمدلله أنَّ هُناك وقت لأفعل وأفعل وأفعل، لا أحد سيُقدِّر نعمة الوقت الضائع إلا عندما يواجه الموت، عندما ينتهي به وهو يقُول " ياليتني قدمت لحياتي " ، يا غبائي طوال السنين الماضيَة!!
،
في ظلامِ غُرفتها والسكُون، لا نُور سوَى المُنبعث من الشباك حيثُ الأنوار تُزيِّن شوارع باريس، جلست بجانِب النافذة الزجاجية، بين يديْها الرسالة التي تؤرقها، كيف أنام و أنا أقرأُ صوتك الأسمَر، أقرأ حبر قلمِك وتقاطُعاته، أشعرُ بالإنهزام، كيف تهزُمنِي بكلماتٍ بسيطة ؟ كيف تهزمني بنزَار ؟ كيف تقتلني بأشعارِه؟ يا قساوةُ صوتِك ويا حنيني إليْه، صعب جدًا أن أقُول " وداعًا " في وجهِ حُبك، أن أرمِي هذا القلب بعرض الحائِط حتى لا أتمادى بالذنب، تأخرت كثيرًا وأنت تتغلغل بيْ الآن، كيف أنساك بسهولة؟ سنَة تمُر و شهُور طويلة وأنا لا أراك ، لا أعرفك، أجهلك تمامًا. ألا ترى بأن هذه قسوة؟ يالله مِنك! يالله كيف تجعلني أصبرُ كل هذا الوقت، أنا أنثى الصبر منذُ أحببتك، أنا سيدتِه. صيَّرتنِي مثلما تُريد، كُنت مزاجِي الذي ينفرُ مرَّة ويلوذ إليك مرةً أخرى، أُريد نسيانك، ساعدني يا رب.
أخفضت رأسها لينهمر دمعُها، أخذت المنديل لتكتبْ خلفه محاولةً إفراغ حزنها، علمتني كيف أكتُب وأنا التي لا علاقة ليْ بالكلمات وتقاطعُتها، أغرقت محاجرِي وأنا لم أراك، أغرقتها حتى أنزلقت بِك، أراك بكُل العابرين ، من فرط الحنين لملامِحك التي أجهلها أصبحت أرى كل شخصٍ يُطيل النظر بي أنه أنت، يا عذابي منك! يا لوعةُ الحُب المجروحة مِنك! أنا متلهفة حتى لإسمِك، لكوبليه حروفك وهي تمرُ على لساني، يالله ألهذه الدرجة تبلغُ قساوتِك حتى على إسمك! " ليه ؟ " لم أستحق أبدًا أن تُهاجمني بقلبك؟ لم أستحق أن تُعنِّف حُبي بجهلِي لك ، كُنت أحلم كثيرًا، كُنت يائسة كثيرًا، كُنت أحبك كثيرًا ولكن لا أدرِي ما الوقتُ الذي أندثر بيننا. أدرك بأنك ذنب، وأدرك أن الله يُجازي كل عبدٍ بما عمل، أنا أدفعُ ثمن خطيئتي لكن .. أحبك. لا أطلب الكثير، ولكن أطلبُ من الله أن يُعيدني لقلبي الذِي أخذتهُ منِّي.
،
صحَت مفزُوعة من رنين هاتفها الذِي ضجّ بالغُرفة وصوتُ الأمطار تُثير الخوف في داخلها، فتحت الأبجورة لتُضيء عتمتها، أجابت بصوتٍ ممتلىء بالنعاس : ألو
منيرة : السلام عليكم
أفنان : وعليكم السلام .. هذا وقت تتصلين فيه الله يهديك خرعتيني
منيرة : بسم الله على قلبك .. وش يدريني الوقت عندكم كم ؟ المهم أبغيك في موضوع
أفنان : وشو ؟
منيرة : عندِي لك عريس لؤطة
أفنان بتنهيدة غاضبة: من جدك منيرة !! متصلة عشان تقولين لي هالحكي ..
منيرة تنهَّدت : لا حول ولا قوة الا بالله .. صدق منتِ وجه نعمة .. هذا يصير ولد السفير يا ماما يعني بتقضينها غربة يحبها قلبك
أفنان بغضب : أستغفر الله!! منيرة مع السلامة
منيرة : لا تقولين بعد منتِ موافقة زي أختك الهبلة!! أنا مدري وش قاردني معكم أبي لكم الزين بس منتم كفو
أفنان : الجوهرة الله سخَّر لها سلطان وعايشة حياتها ومرتاحة .. وماأظن هالراحة كانت بتلقاها مع أخو زوجك
منيرة : يا ليلنا اللي ماراح ينتهي! أبشرك عنده ولد الحين ومتزوج خلي اختك تندم وتعض أصابعها عليه .. وواصلة لي علومها.. لو مرتاحة كانت حملت منه
أفنان بعصبية : أتركي عنك الجوهرة .. عندك شي ثاني تبين تقولينه ؟
منيرة : أفنان فكري بنفسك وبمصلحتك .. الرجَّال ما ينرد
أفنان : ماأبغاه يا منيرة .. الناس اللي من طرفك غاسلة إيدي منهم
منيرة بإنفعال : أحسن بكرا أندمي عليه لا تزوجتِ واحد طايح حظه وقولي ليتني سمعت كلام مناير.. والله أنتم يا بنات عبدالمحسن ما يعجبكم شي رافعين خشومكم على وش مدري .. مالت الا مالت الشرهة عليّ اللي أبي لك الخير .. وأغلقته في وجهها.
أفنان تنهَّدت ومزاجُها بدأ يتجعد بكلمات منيرة اختها بالرضاعة، تذكُر مجيئها في بدايَة السنَة بمحاولة الضغط على الجوهرة للزواج من أخ زوجها، تغيبُ لشهورٍ طويلة ثم تعود بأخبارٍ " تسم البدن "، تُفكر بأن جميع النساء في السعودية يرغبن السفر خارجًا مثلما أرادت حين تزوَّجت مسفِر الذي يشتغل بسفارة اليونان، أحيانًا أشعُر أن منيرة تعاملنا كأننا نعيشُ على حسابها الخاص، و كأننا عالة عليها رُغم أنها لا علاقة لنا بها، فهي منذُ تزوَّجت وهي مجنونة فعليًا بتفكيرها، تقطعُ بنا ولا تحاول أن تتصِل علينا حتى في المناسبات تكتفي برسائِل نصيَة وكأنها لا تنتمي إليْنا، ومن ثم تُعاتب! يالله على تخلُفك.
أرسَلت بالواتس آب للجوهرة " صاحية ؟ " . . أنتظرت كثيرًا حتى كتبت لها مرةً أخرى " كلميني ضروري بس تصحين "
،
ينظرُ من نافِذة الطيَّارة لأرضِ باريس، ضاقت محاجره بضيق هذه الأرض التي باتت لا تتسع أبدًا، متى تهبُط؟ متى أراكِ؟
بإبتسامة المُضيفة : يُرجى ربط حزام الأمان.
ناصِر دُون أن ينظر إليْها ربَط حزامه وهو مازال ينظُر، قريب جدًا منكِ، قريب يا غادة. شعَر بأنه سيُغمى عليه الآن، أفكاره تتهاوى من دماغه، كل الأشياء تبدُو رماديَة شاحِبة، لا أحد أعرفه، لا أحد يُريدني، أُريد فقط أن أتنفس بنقاء! هذا ما فوق الأحلام، منذُ فقدتِك وانا أعرف أن الهدُوء والراحة لن تهطُل مرةً ثانية ، كُنت أعرف أن عيناكِ هي الحل ومنذُ غيابها وأنا فقدتُ جميع حلولي للحياة، حاليًا أنا أحاول أن أتنفس، أن أعيش. يالله أخشى أنني لن أتحمل، لن تحملني أقدامِي، أخشى السقوط/الموت قبل أن أراك، أشعُر بأن شيئًا سيمنعني مِنك، حلمتُ بكِ كثيرًا ، حلمتُ أنني سأمُوت بلا دماء ، بلا مرض ، بلا شيء ، سأمُوت وأنا لم ألقاك، رأسي سينفجر من هذه الفكرة، لم يبقى بي صبر، فقدتُ كل ما يربُطني بالحُلم، بالهدُوء، فقدتُ كل شيء يجعلني إنسانًا مُستقيمًا. أريد أن أراك ولا شيء بعد ذلك.
تصاعدت أنفاسه وكأنَ روحه تختنق بعينيْه، ينظرُ للرُكاب الذين بدأوا بالوقوف، نزع حزامه ليرتطم رأسه بالمقعد الأمامي والخالي بعد أن فُرغت الطائِرة إلا من القليل، ثبت جبهته في الكُرسي وأنفُه يواصِل النزيف، عيناه تحترق بالإحمرار وكأن نارًا تشتعلُ ولا تنطفىء، كُنت قويًا، كُنت!
أطلَّ المُضيف : المعذرة! هل أنت بخير ؟
يشعُر بالضباب يغشى عينيْه، أفقدُ النظر للأشياء بوضوح كما فقدتها أول مرَّة تلقيتُ بها خبر وفاتِك، كان البشتُ بيدِي سأرتدِيه عندما أصِل، كان على ذراعِي اليُمنى ولم ألبِسه أمامك، ولم أراكِ بفستانك الأبيض، يا حُزني الكبير بِك! أخشى أن أفقدك مرةً أخرى أو أفقدني قبل أن أراك.
المُضيف يضع يدِه على رأسه : سأجلب لك الـ ..
لم يُكمل من رأسه الذِي رُفع وعينه الشديدة الإحمرار، منظرُه أفزعه بشدَّة وهو يُنادي بقيَةُ الطاقم، الدماءُ لطَخت وجهه وهو يمسحها من كُلِ جانب، بدأ جبينهُ بالتعرق رُغم الجو البارد، أهذه سكرات الموت؟ لستُ أفهم تمامًا ما يحصل، سيُعيد الزمان فعلتهُ معي، مثلما فقدتُك سأفقدك مرةً أخرى! يا عذابي من يُنهيه؟ ليس هذا الحل، لا أُريد أن أموت قبل أن أرى عينيْك، مشتاق جدًا فوق ما تتصورين لكِ، كيف ينتهي عذابِي بقبر وأنا لم أراك! أستغفرُ الله من أن أسخط على القدر، أستغفرُ الله على شتات صبرِي وجزعي، أستغفر الله على حُبي الذِي يُريد أن ينهيني، أني أموت وأنا لم أجدِك، عُودي إليْ! أنا من أحببتك!
سقط بقوَّة بين المقعدين لينجرح رأسه الذِي أصطدم بالنافذة.
،
أستيقظت بتعرُقٍ شديد ، مسحت عينيْها لتنتبه لدمعها المُنهمر، تبلل وجهها وأختلط ماءُها المالح بماءِ مساماتها، نفسُها يضيق و غصاتٍ مُتراكمة تسدُ مجرى تنفُسها، نظرت لِمَ حولها، للغرفة الغريبةُ عنها، أتجهت للنافذة الزُجاجية والمطرُ يُبللها، تنظرُ لسماءِ باريس الباكيَة، تنزلُ أنظارها للطريق الذِي تقسُو عليه الأمطارُ بسقوطها الحاد، أتجهت للحمام لتُغسِل وجهها، بخطواتٍ سريعة أرتدت ملابسُها السابقة التي كانت مرمية على الأريكة، أخذت معطفها وحجابها لتخرج بخفُوت لممر الفندق قبل أن ينتبه لها وليد الذِي يسكُن بالغرفة المقابلة، نزلت بالدرَج وهي تفوِّتُ الدرجتين بدرجة، وطأت أقدامُها الرصيف المُبلل ، أحكمت شدّ معطفها وهي تسيرُ عليْها بإرتجافةِ شفتيْها من البرد الشديد، بكل محاولة للتنفس كان يخرجُ بخارٌ أبيض من بين شفتيْها، بدأت تهروِل مُتجهة للطريق ذاته، للمكان ذاته التي تعرفُه، صعدت للعمارة المُظلمة في ساعات الفجر المُتأخرة، طرقت باب شقتهم، طرقتها كثيرًا وهي تبكِي، همست من خلفه ببحة : عبدالعزيز ........ عزُوز ... هدييل ...
أوجعتها البحَة والبردُ يخطفُ منها صوتُها، أردفت ببكاءٍ عميق : ردُّوا! ..... ألتصق صدرُها بالباب وهي تطرق الباب حتى خانتها أقدامُها لتسحبها للأسفل، جلست على الرُخام البارد وعينيها تحمَّرُ بالدمع، تتذكرُ أصواتهم جيدًا، تشعُر أنها تسمعهم بوقعِ الأمطار، نبراتِهم الخافتة والصاخبة، كلماتهم اللامنتهية تطرقُ سمعها " تعرفين أنك أشين أخت !! لا جد جد أشتقت لك " " و حيّ الله غادة، تعالي يا قلبي تعالي جعلني ما أذوق حزنك وأنا حيّ " " غادة هنا!! أشتقنا لك " " غااادة تعالي شوفي " " أنتِ مستحيلة " " يا قاطعة ترى وحشتينا " " غاااااااااااااااااادة جُوتيم "
شدَّت على شفتِيْها المُرتجفتيْن، ضعت تمامًا، يالله يا شوقي لكم. " ماني بخير ! ردُّوا لي أحبابي اللي راحُوا "
سمعت بعضُ الأصوات في الأعلى، أضطرب قلبُها بالنبض لتركض نزولاً للطابق الأول، ضاعت عينيْها بطُرق باريس، صدرُها يهبط بشدَّة ويعلُو بمثل الشدَّة التي تشطرُها كثيرًا، يا حُزني الذي يصعبُ عليه أن ينجلِي! أتجهت ناحيَةُ الطريق الآخر، تنظرُ للنافِذة التي تتوسطُ الطابق الخامس، شقةُ ناصِر! ألتفتت للجهةِ الأخرى والمطرُ يختلط بدمعِها، في هذا الوقت لا أحد يسيرُ سوَى السُكارى والمُشردين، نظرت لشخصٍ يجلسُ على المقاعد، هذا عبدالعزيز! هذا هو! هذا شعرهُ القصير وملامِحه السمراء، هذا هو تمامًا، ليس حلمًا إنهُ " عزيز " . . أقتربت منه ليستنطق صوتها المبحوح : عزوز !
ألتفت عليها بنظراتٍ مُضطربة، عادت عدة خطوات للخلف، ليقترب منها، صرخت بفزَع وهي تضع كلتا يديْها على أذنها.
أبتعد عنها وهو يشتُمها بشتائِم كثيرة لا تفهمها، ركضت بكلُ ما أوتيت من قوة بإتجاه الفندق، كان نهايةُ الشارع الآخر الطويل جدًا، سعَلت والمرضُ يبدُو أنه في طريقه لجسدِها والمطرُ يُبللها من حجابها الذي تشرَّب المياه العذبَة إلى أقدامها، دخلت الفندق لتتجه نحو المصاعد الكهربائية، ما إن فتح المصعد على طابق غُرفتها حتى سارت بسُرعةٍ إليْه ودمعُها يسبقها، دخلت لترمي حجابها على الطاولة وتجلس على الأرض، لم تستوعبُ أقدامها بعَد! لم تستوعب أنهم رحلوا عنها! غطَت وجهُها بكفِّها لتنهار ببكائها، " ماتوا ؟ طيب أبغى أشوفهم! أبغى صورهم، أبغى شيء يصبِّرني على فراقهم ! ، مشتاقة لهم كثير، والله كثير ، بموت من شوقي لهم " وضعت رأسها على السجادةِ التي تُغطي الغرفة ودمعُها يعبرُ مُنتصف أنفها ويسقطُ على الأرض، بدأت تهذِي وهي مُغمضة العينيْن : يُبه، كيف يقولون لي لا تبكين .. لا تحزنين ! ما جربوا أنه يموت أبوهم ! يفقدون أبوهم! ... ما شفتِك آخر مرة .. رحت الرياض وتركتنا .. قلت بتقدِّم على التقاعد .. قلتها والله ورحت وماشفتك بعدها .... يقولي هالمجنون أنك متّ !! آآه يا يبه ... راح عُمرك بعيد عننا .. بعيد عنِّي والحين ما عاد أشوفك ... أبيك .. مشتاقة لك .... مشتاقة لأمي ... لعزيز ... لهديل ... مشتاقة لكم كلكم .... و أمي ؟ كانت تصحيني كل فجر .. بس هالفجر ماهي موجودة ... ماهي هنا .... ماهي موجودة عشان تصحيني .. صوتها غاب! .. وأنا أشتقت له يا يبه .. أشتقت له كثير ....... أشتقت لصوتها لما تقرأ قرآن .... لما تغني لنا أغانيها القديمة .... لما تطبخ لنا ... أنا مشتاقة لريحة طبخها!! ... وينهم يبه ؟ وينهم كلهم غابوا ! ... كلهم راحوا وأتركوني وأنا طيب ؟ مين يسأل عني .. مين يحضني ويخليني أبكي لين أقول بس! ... مين يا يبه ........... هُم ما يدرون وش يعني أنتم؟ ما يدرُون كيف الواحد يعيش بدُون أم؟ بدون أبو ؟ ... يبه محتاجتِك
تحشرج صوتها المخنوق وهي تُردد : محتاجتك ومحتاجة أمي ..... محتاجتكم كثييييير
،
فتحت عينيْها بتضايُق من النور، الساعة تُشير للسادسة صباحًا والمطرُ مازال يهطُل بشدَّة، نظرت إليْه وتوقعت أنه مشغول ببعض الأوراق لتدخل إلى الحمام وتستغرقُ بإستحمامها دقائِق طويلة، خرجت وهي تضع المنشفة فوق رأسها وتُنشف شعرها بها، نظرت إليه بشك : عبدالرحمن !!
الجالسُ على الأريكة ورأسُه بين يديْه، كان شديدًا عليه أن يتصوَّر بأن مقرن يخونه، يطعنهُ بظهره، أن يستغل إنحناءِ الحُب والعشرة بيننا ويركبُ فوقي، هذا أكثرُ ما كان يرمقُ إليْه بأنه " كذب، نكتة، مزحة " لا يُمكن أن تكون حقيقة، يالله! كيف أُصدق بأن هذه السنوات التي مضت مُجرد كذب! يستحيل على عقلي أن يُصدق بأنه خائن! هذا فوق الخيال، لِمَ الجميع يحاول أن يقتلني ببطء! لِمَ الحياة تُصيِّرني كـ مادةٍ تواصِلُ صهر نفسِها دُون أيّ سبب يُذكر. فعلاً لا عقل لديْ إن كان مقرن خائِن!
أقتربت منه لتجلس على الطاولة التي أمامه وتُحاصر رأسه بيديْها وهي تضع كفَّها اليُمنى على كفِّه اليسرى وكفَّها اليسرى على كفِّه اليمنى : فيك شي ؟
عبدالرحمن يرفعُ عينه الخائبة، حزين جدًا ويا شدةُ حُزنِ الرجال الصابرين الكتُومين، يا شدة حُزن من لا يعرفُ كيف يُفضفض عن حزنه. نظراتِه كانت كفيلة بأن تُعانقه ضيْ، لا تتحمل نظرةُ الحزن في عينِه، لا تتحمَل أبدًا أن تراه ذابل وشاحب بهذه الصورة، ودَّت لو تمتص كل حزنِه وتجعله في صدرها ولا يحزن أبدًا، قلبُه لا يستحق كل هذا الضيق، تُعانقه بشدَّة وكأنها تُريد أن تدخل به، تشعرُ به، والله أشعرُ بك وبحُزنِك، أشعرُ بإضطراب نبضاتِ قلبك المسكين، لم ترتاح أبدًا! حياتك لم تهدأ وهي تهطلُ بالبكاء فقط. ليتني أستطيعُ فعل شيء لك، أن أجعلك تبتسم ولا تهتم لأحد، اوَّد فقط أن تهتم لنفسك الذي أصبحت تفقدها يومًا عن يوم بإهمالك لها، أنت لا تعرف بأنك حين تهملُ نفسك يعني أنك تهمُلني معك.
،
يفتحُ عينيه على السقف الأبيض، مزاجُه مضطرب تمامًا وخطُوطِ جبينه المُجعَّدة تثبتُ ماهو أكثر من ذلك، لم ينظُر إليْها وهو يُبعد الفراش ليتجه نحو الحمَام، أستغرق ساعةً كاملة وهو يغتسل/يستحِم. خرج والمنشفة تلفُ خصره، مسح وجهُه وهو يضغط على عينيْه من صُداعٍ فتَك رأسه، أرتدى لبسهُ العسكرِي ليخرج من جهةِ الدواليب ناحية التسريحة، مازالت عيناه لا تنطق، لا تنظُر، لا تلتفت.
ينظرُ لنفسه بالمرآة بجمُود مُريب، وضع سلاحه على جانبِ خصره ليجلس على الأريكة ويرتدِي حذاءه الأسود الثقيل، أرتدى ساعته ذات الجلد الأسوَد وأدخل محفظته وهاتفه في جيبه، أتجه نحو الباب ليقف مثل ما وقف أمس خارجه، شدّ على شفتِه ليُنزل مقبض الباب ويخرج بخطواتٍ سريعة غاضبة، لم يُسيطر على نفسه وهو يُغلق باب المنزل بعصبيَة، ركَب سيارتِه مُتجهًا للعمل والشمسُ بدأت تشرق متأخرًا والشتاءُ يقترب من الرياض، مرَّت عشرُون دقيقة حتى ركَن سيارته بمكانها المخصص في عمله، دخَل والموظفُون مازالُوا يأتُون، لم ينظرُ لعينِ أحد كان يسير بثبات نحو مكتبه وهو يُثير الشك والخوف معًا في نفسِ كل شخصٍ يراه خشيةً أن أمرًا حصل بالعمل أو قصورًا منهم، أغلق الباب خلفه وهو يرمي سلاحه على طاولة مكتبه ويجلس، يشعرُ بصدره الذي يهبط ويعلو بفارقٍ هائل، شدّ على قبضةِ يدِه ليضربها على الطاولة من غضبه الهائل الذِي يشعرُ به، نظر لظاهرِ يدِه التي تألمت كثيرًا ، يُريد أن يرمِي نفسهُ من أعلى طابق حتى ترتاح نفسه، لم أكن أول رجلاً في حياتِها، لم أكُن أبدًا !
يدخل أحمد بعد طرقه للباب وهو يضع بعض الملفات على مكتبه : تآمر على شي طال عُمرك ؟
لم يُجيبه بشيء و عينِ سلطان مازالت على المكتب، خرَج أحمد بهدُوء وفي داخله ألف علامة إستفهام!
في قلبِه كان يشتُم كل الأشياء التي عرقلت حياته " الله يلعنـ ... أستغفر الله " ... خرج مُتجهًا لدورة المياه، نزع حذاءه ليتوضأ، وفي داخله قهرٌ عظيم، يشعرُ بأنه يحملُ في داخله ثقلُ مئاتٍ من الرجال المقهورين، يشعرُ بأن قلبه يفيضُ بالقهر وبشدَّة " ، أتجه ناحية مكتبه، فرشَ السجادة ليُصلِي ركعتيْن علَّها تُريح صدره. كان يعرف أنها ليست بالبكر وتأكد من ذلك ولم يكُن ينتظر أن يجِدها بغير هذه الصورة ولكن شعَر كأنها بِكر، لوهلة شعَر أنها أنثاه وحده، 7 سنوات !! يالله أرِحني فقط من هذا الحُزن.
في جهةٍ أخرى تدفنُ رأسها في الوسادة، تغرقُ ببكائها الثقيلُ على نفسها، يعلُو صوت بكائها بمُجرد ما تتذكرُ الليلة الماضيَة، هو رجُلها الأول، هو حياتها، هو كل شيء لكن .. لا يُحبني بقدر ما أحبه، لا يُريدني بقدر ما أريده، يحاول أن ينساني، يحاول أن يبتعد عني، يحاول بكل ماأتاه الله من قوة أن ينتقم مني، يا هذه القسوة التي لا أعرفُ كيف تتغلغل به بهذه الشدة ؟ بلعت غصاتها المُتراكمة وهي تشدُ المفرش الصغير من الأرض وتلفُه حول جسدِها مُتجهة للحمام، تماما مثلما أستغرق بإستحمامه أستغرقت ساعة وأكثر، أختلطت دمُوعها بالماء وهي تنسى نفسها وتغرق بحُزنها وتفكيرها، خرجت لترتدِي بيجاما بأكمامٍ طويلة، تشعرُ بأن أطرافها ترتعش من البرد، أتجهت نحو التسريحة ورائحة عطره تخترقُها، عقدت حاجبيْها وهي تأخذُ الإستشوار لتُنشف شعرها، أطالت وقوفها أمام المرآة حتى شعرت بلسعةِ الحرارة في فروةِ رأسها ، أبعدت الإستشوار وأغلقته، نظرت لشحُوبِ ملامحها، لشفتيْها الصفراوتيْن، لعينيْها المُحمرتيْن، لأنفها .. الذِي بدأ ينزف، شعرت بطعمِ الدماء وهي تعبرُ شفتيْها، أخذت منديلا ورفعت رأسها للأعلى حتى توقف النزيف الذي لا يُفزعهًا أبدًا، هو يواسيها فقط.
ربطت شعرها لتنحني وهي تُلملم ملابِسه وملابسها وترميها في السلة التي تنزوي بجانب الدولاب، طوت الفراش جانبًا لتسحب المفرش وتطويه بين يديْها وتنزل به للأسفل، لم يستيقظ أحد إلى الآن، أتجهت نحو غُرفة الغسيل لترميه في سلة الغسيل وتصعد مرةً أخرى للطابق الثالث حيثُ المخزن، بدأت تبحث عن مفرشٍ آخر، فتحت الدولاب العريض الذِي تُخزَّن به المفارش والوسائِد، أخذت ذو اللون العنابِي ونزلت به لغُرفتهما، كانت تمُر الدقائِق وهي تُرتب بالغرفة، تُفرغ حُزنها بحركتها المُستمرة وبإنشغالها المتواصل، أتجهت نحو النوافِذ لتفتحهُما وهواءُ الرياض يُلاعب الستائِر الخفيفة، فرشَت سجادتِها وصَلت ركعتيْن. لا تدرِي بأنها تفعل مثلما يفعل هو، كيفما تُفرغ غضبها هو يُفرغه أيضًا.
أطالت سجُودها ليتحشرجُ صوتها المردد " سبحان ربي الأعلى " وغرق بالدمع المالح، يالله أني أسألُك بوجهِك الكريم الجنَة و كل ما يُقربني إليها فأني أفلستُ من هذه الدنيا وما عاد بها شيءٌ يهمُني إلا أن ترضى عليّ وتُرزقني درجاتِك العليا في يومِك الموعود.
،
يُصحيه وهو يُقطِر الماء بين أصابعه : أصحى دبلت كبدِي وش هالنوم الثقيل!!!
فارِس بتثاقل : الله يرحم لي والدِيك يا يبه أتركني أنام بدون لا تزعجني
رائِد : قم عندنا شغل
فارس بضجر : وانا وش دخلني في شغلك
رائِد : دخلك اللي يدخَّل ... " بتَر كلماته التي كانت ستنحدِر لمستوى الجُمل الشوارعيَة " أستغفر الله لا تجنني على هالصبح
فارس وقف مُتجهًا للحمام : طيب هذاني صحيت .. ياليل الشقا بس
رائد أتجه نحو الصالة : هذا هو صحى، المهم عرفت شغلك كويِّس
محمد : مثل ماتبي حفظته حفظ
رائد : وكلمت ربعك! أبيهم يمدحون فيه عشان يصدِق
محمد : أبد كل أمورنا طيبة
رائِد بإبتسامة : الحمدلله
مضَت الدقائِق الطويلة حتى خرَج لهُم فارس بلبسِه الأنيق، يأخذُ من والِده كل شيء حتى ذوقه الرفيع في الملابس، جلس وهو يجهل من أمامه.
رائِد بضحكة ساخرة : هذا أبوك ..
فارس لم يتمالك نفسه ليضحك مع والِده : تشرفنا
محمد بإبتسامة : الشرف لنا
رائِد بنبرة السخرية : والله هذي اللي ما حسبنا حسابها مافيه شبه بينكم .. قله أنك طالع على أمك الله يرحمها
فارس : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب شي ثاني ؟
رائِد : أنت يا مشعل يا حبيبي دارس في لندن معك دكتوراه علوم سياسية، والآن دكتور في الجامعة، عندِك أعمال حُرة ودخل ثاني غير الجامعة، أمك ميتة ، إذا أسألك عن أحد عندك خيارين يا تقول ميِّت يا تقول مهاجرين ماشفتهم من يومي صغير *أردف كلمته الأخيرة بضحكة*
أكمل : أسست نفسك وكوَّنت حالك بينما أبوك طايح حظه يشتغل في البنك الإسلامي بباريس ...
فارس : شي ثاني ؟
رائِد : لا ترتبك و رزّ ظهرك، أصابعك لا تتشابك ولا تنحني بظهرك، عيونك خلها في عيون عبدالرحمن، كلماتك خلها قصيرة وواثقة.. عشان ما يشك ولا يعرف أنك كذاب، حاول تبيِّن له أنك صادق .. يالله خلنا نسوي بروفة وأنا عبدالرحمن .... وقف وأتجه بمُقابل أبنه .. تكلم .. وش تشتغل يا مشعل ؟
فارس بصوتٍ متزن : دكتور متخرج بتخصص علوم سياسية وعندي أعمال حُرَّة ثانية أدريها
رائِد : كم عُمرك ؟
فارس : 29
رائِد : وين ناوي تستقر ؟
فارس : إن شاء الله الرياض
رائد : لآ الرياض أنساها، بتستقر في لندن الله يسلمك
فارس : صدق يبه ؟
رائد : هههههههههههههههههههه إيه والله، بعد ما تتزوجها أبيك تروح لندن فترة لين أضبط وضعي
فارس : وش بيكون وضعك ؟
رائد : عاد هذا مو شغلك
أكمل وهو يحاول أن يتذكر شيئًا : وش بعد راح يسألك ؟ ماأتوقع بيسألك شي ثاني ... المهم أنك حضرت نفسك ... طبعًا محمد خذا لك موعد راح تلتقي فيه بصالة الفندق الخاصة ومعك أبوك الوسيم
محمد الذِي لا يبدُو جميلاً كثيرًا ضحك لرائد : مخلين الوسامة لك
رائِد شاركَهُ الضحك وهو الذِي يُشبه ملامحه إبنه بشدَّة : بعد عُمري محمد لا يحز في خاطرك أهم شي جمال الروح
فارس : طيب متى ؟
رائِد : الحين الساعة 10 الصبح .. الساعة 2 أنت عنده . . طبعًا هو مايدري أنك بتخطب يعني محمد ما قاله
فارس تنهَّد : طيب يا يبه أجل بطلع أتمشى
رائِد : تتمشى وين ؟
فارس وقف : ماراح أبعد، قريب من عندِك ...
،
مُجتمعين في الصالَة، تبدُو أحاديثهم حميمية صاخبة بالضحك، هيفاء وهي تشرب قهوتها : وعد أني بس أفضى بعطيكم محاضرة بالجمال
منصور : أنا قلت لك رايي! شكلك معفن بالتان!! ماهو حلو .. يعني وش أسوي غصب أقول حلو
هيفاء فتحت فمَها وهي تنظُر لكلماته الجارحة المُندفعة ، أردفت بإنفعال : لآ والله أنه حلو ويجيب العافية عليّ بس أنتم والله وش يعرفكم بالزين والذوق ..
يوسف : أنا والله ممكن أتقبله بعد يومين كذا لما أتعوَّد لكن مبدئيًا يختي مدري أحسِّك وصخة
هيفاء : الله يآخذ إحساسك قل آمين .... اليوم أكلم البنات في سكايب أنهبلوا عليّ يخي أنا يوم أشوف نفسي بالمرآية أقول ليتني أتزوج نفسي من كثر ماهو يجننن وأنتم أكلوا هوا من زينكم يوم تتكلمون عن الزين
منصور : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههه عاد وش يسكتها الحين .. خلاص أنتِ حلوة أنتِ مزيونة أنتِ تجننين .. أرتاحي بس
هيفاء : ترفعون الضغط ! أنت شايف ولدك الأشهب يوم تتكلم ..
يوسف : أيوا ههههههههههههههههههههههههههه هذا اللي طول الوقت تمدحينه أطلعي على حقيقتك
منصور : والله ولدِي مزيُون بس من الغيرة تتكلمين
هيفاء : على وش أغار يا حظي ! على عينه ولا خشمه
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ما تسوى عليك يا منصور فتحت عليك باب ما يتسكَر
هيفاء بإنفعال : إيه عاد لا تحارشوني عشان ما أحارشكم
دخلت والدتهم : عندي لكم خبر شين وحلو !
ألتفتوا جميعًا ليُردف منصور : وش الحلو ؟
والدتهم : خالتكم أم أرام بتجي السعودية بس الخبر الشين أنها بتجلس بجدة يومين وترجع
يوسف بسخرية : أجل وشهو له تقولين ؟ بس والله مشتاق لأرام كانت مسوية جو في بيتنا أول ماجت
أرام المولودة الصغيرة التِي قضَت معنا عدةِ شهور نهاية السنة الماضيَة بسبب مرض إبنةِ عم أمي التي بمقام الخالة لنا حتى أعتدنا عليها وأصبحت فردًا من عائلتنا التي كانت تشكِي الوحشَة، ولكن بمجيء السنَة الجديدة رحلت مع والدتها لميُونخ حيثُ تتعالج هُناك مع زوجها من الورمِ الذِي ينزوي في رأسها. يالله يا أرام كانت ملاك لهذا البيت.
منصور : هي كيفها الحين ؟
والدته : لآ الحمدلله تقول أنها أحسن وللحين من عملية لعملية الله يشافيها يارب
منصور : آمين، والله زمان عنهم ..
جلست والدتِه لتنظُر لهيفاء بحسرة : يا حسافة البياض
هيفاء : ههههههههههههههههههههه يمه كل الشعراء في العالم يتغزلون بالسمرا
والدته : الله يآخذهم واحد واحد يوم أنك تصبغين نفسك كذا .. بس أنا أوريك... والله يا هيفا لو تسوين بشكلك شي بدون لا تشاوريني لا أقطع رآسك
هيفاء تنهَّدت : طيب خلاص ماني مسوية شي ..
تُكمل بحلطمة : في هالعايلة لا تخلوني أسافر مع أخوي ولا تخلوني أقص شعري ولا تخلوني أروح إستراحة مع صديقاتي ولا تخلوني أعيش حياتي .. يخي الواحد تعب طفش ملّ !!
منصور : هذا اللي ناقص نحجز لك إستراحة أنتِ وصديقاتك بعد!!
هيفاء : إيه وش فيها! كل البنات الحين يجتمعون في إستراحات وش تفرق يعني! الإستراحة نفس البيوت ! هذا أنتم ماتقولون شي لو أسيِّر على صديقتي في بيتها لكن تصير كارثة لو أقول بإستراحة
يوسف : الإستراحة غير
هيفاء : وش فيها غير! نفسها نفس البيت
يوسف : لآ يا حبيبتي الإستراحة تخرِّب عاد لاتقولين شلون تخرِّب ! هي تخرِّب وبس
هيفاء بتذمُر : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. متى أتزوج وأفتك . . *أردفت كلمتها الأخيرة بعفويَة دُون أن تعني فيصل*
يوسف بضحكة : لاحقة على فيصل
هيفاء أحمَّر وجهها لتحاول التبرير : وش دخل فيصل! أنت ودِّك كذا تحارشني .. ماأقول الا مالت عليك ومالت على اللي يجلس معك .... وخرجتْ.
والدته : بكرا بيجي فيصل مع أعمامه إن شاء الله
منصور : الله يكتب لهم اللي فيه الخير
والدته : آمين يارب
،
تفطُر دُون أن تنظر إليْه، تحاول أن تُمثل البرود والجمُود أمامه، تتجاهلُ أصغر تفاصيله المُستفزة لقلبها المُتأرجح بين حُبه وكُرهه، تكرهه يوم و تُحبه أيام، تنجذبُ إليْه لحظات وتنفرُ منه بلحظة، مُتذبذبة علاقتِي معه ومُتذبذب قلبي إتجاهه، بعد يومينْ ستعُود لأرضِ الوطن، كانت تتأملُ الشيء الكبير منه وخابت كل توقعاتها، ليتنِي لم أتوقع شيء، ليتني بقيْت هكذا دُون توقعات حتى أتفادى الخيبة التي أنغرزت بأعماقي، مخذولة من كل شيء، أشعرُ بأن حياتي تنحدِر في بدايتها، كيف أبقى بجانب عائلته وأنا أعيشُ هذا الصراع، أحتاج أن أذهب إلى الرياض ولا غيرها ولكن كيف أقنعه؟ كيف أناقشه حتى!
وضعت الكوب على الطاولة لتنظُر له وهو غارق في هاتفه، يقرأُ شيءٌ ما، رفع عينه : خلصتِي ؟
ريم هزت رأسُها بالإيجاب وهي تأخذُ منديلاً وتمسحُ شفتيْها الزهريتيْن، أخذت مُعقم من شنطتها وعقمت يديْها، أخرجت هاتفها ولكن سرعان ما أعادته، أعرفُ مقدار غضبه حين أمسك بهاتفِي بينما نحنُ نسير على الطُرق. أخذت نفسًا عميقًا لا تعرف ماذا تفعل أو بما تُفكر حتى تحل هذه العقد والألغاز التي تواجه حياتها معه. بالأمس سهَرت على إحدى المنتديات ، قسم " المشاكل الزوجية " شعَرت بأن مُشكلتها بسيطة مقارنةً بما قرأت، ألتفتت عليه وهي تقطعُ الطريق معه : وين بنروح ؟
ريان بهدُوء : اللي تبين
ريم بفكرةٍ لاذعة طرأت عليها بعد أن أفلست منه تمامًا : طيب بروح أتسوق
ريَّان دُون أن ينظر إليْها : طيب .. أوقف سيارة الأجرة ودخلاَ.
،
جلست على حافةِ السرير بجانبِ بطنه لتُقبل جبينه وتُردف بصوتٍ خافت : بعد عُمري والله ، كل هذا يصير معك وأنا ماأدري
عبدالعزيزلم يُعلق وأكتفى بإبتسامة.
أثير : وجوالك وينه ؟
عبدالعزيز : أنكسر .. بشتري جديد بس أطلع
أثير : ولا تتعب نفسك أنا بشتري لك وماأبغى إعتراض .. بس أنت أطلع بالسلامة
عبدالعزيز : الليلة راح أطلع إن شاء الله
أثير : كويس الحمدلله .. لو تدري وش صار فيني .. بغى قلبي يوقف من خوفي عليك
عبدالعزيز : بسم الله على قلبك ...
أثير بإبتسامة : طيب أنا بروح أحضِّر لك الشقة وأرتبها لك و بس تطلع أتصل علي من تليفون الغرفة
عبدالعزيز : طيب
أثير : تآمر على شي أجيبه لك ؟
عبدالعزيز : لا ..
أثير : أجل أشوفك على خير حبيبي .... وخرجت لتلتقط عينها عبير وضي الواقفتيْن أمام غُرفة رتيل، أشمئزت لتتجه نحوهما : صباح الخير
ضي : صباح النور
عبير تجاهلتها تماما ولا كأن كائنًا يتحدث لتنشغل بهاتفها
أثير : سلامتها ماتشوف شر
ضي بإغاضة : الشر ما يجيك يا قلبي ، الحمدلله أنها جت على كذا ماتسوى عليهم هالرُوحة لروَان ، بغوا يتمشون ويغيرون جو لكن قدر الله وماشاء فعل
أثير عقدت حاجبيْها : روَان ؟
ضي بإبتسامة واسعة : إيه كانوا في روَان، زوج وزوجته وش الغريب في الموضوع ؟
أثير تراجعت بخطواتها للخلف لتدخل بغضب لغُرفة عبدالعزيز.
عبير : ههههههههههههههههههههههههههه ولَّعت
ضي بضحكة : مع أني ماأحب هالأسلوب بس هي تستاهل تحاول تقهر رتيل وهذا هي أنقهرت.
عبير : حسيتها جايَّة تتشمت بس تغدينا فيها قبل لا تتعشى فينا
على بُعدِ خطوات : ليه ما قلت ليْ ؟ مستحيل تكون رحت معها روَان كذا فجأة أكيد مخطط وياها من زمان وأنا أحترق عليك بالإتصالات ولا ترد عليّ
عبدالعزيز : مين قالك هالكلام ؟
أثير بغضب : ماهو مهم مين قالي! أبغى أعرف ليه ما تكون صريح معي! دامك رحت وياها مفروض تحط عندي خبر!! ماأظن هالشي صعب عليك
عبدالعزيز : أثير ماني فاضي لهالكلام.. لو سمحتِ
أثير : ومتى تفضى إن شاء الله ؟ لين ست الحسن والدلال تشرِّف عندك
عبدالعزيز بنظرةٍ حادة : أثير!! لا تخلين النفس تشين عليك
أثير بإنفعال : بس شاطر تلحق وراها لكن أنا ولا أهمك ...
عبدالعزيز : صوتِك لا يعلى عشان ما يجيك كف يعلمك كيف تحكين معي
ضربت بقدمها على أرض لتخرج بخطواتٍ مُشتعلة.
في غُرفةِ رتيل، مُجتمعات حولها.
رتيل : وش قالت ؟
ضي : ما ردَّت وراحت لغرفة عبدالعزيز .. ماعليك منها بس
عبير : لو تشوفينها كيف ولَّعت .. ضي عطتها بالجبهة
رتيل : ههههههههههههههههههههههه تستاهل هالمدلعة
عبير : قولي لنا وش صار معكم ؟
رتيل تنهَّدت وهي تسترجع اللحظات الأخيرة لهُما قبل الحادث لتحكِيها لهُم.
دخلاَ في الطريق الرئيسي الذِي تُجرى عليه الإصلاحات، كان الشارعُ ليس مستوي مما جعل السيارة تهتز في كل مسافةٍ نقطعُها، كانت الأدوات الإنشائية مرمية على كُل جانب ، شعَرت بأنَّ أنفاسها تضيق وهي تنظرُ لنهاية هذا الشارع بشاحِنة خاويَة ، أغمضت عينيْها بشدَّة لا تُريد أن ترى شيئًا بينما عبدالعزيز يحاول أن يلتف بالسيارة جانبًا ولكن لا مجال أبدًا بالشارع الضيق جدًا من كُل جانب، حين سمعت صوت تكسير عبدالعزيز للزُجاج الأمامي أدركت أن الموت قريب منهم لا مُحالة، شعَرت بضياع الكلمات والأدعيَة التي تُريدها حتى تحفظها بهذه اللحظات المُرتبكة، ثوانِي فقط كانت تفصُلها عن إرتطام رأسها الشديد بالجُزء الأمامي من السيارة والباب الذي كان مفتوحًا بسبب إصرار عبدالعزيز بأن تقفز منه بينما كنت مُصرَّة على الرفض، سقطت على التُراب الخارجي بعد أن فلَت حزامُ الأمان وأوجَع بطنها حتى شعَرت بالغثيان لا مجال للرؤيَة والدماءُ تهطل كالمطر، نظرت للتُراب الذِي بات طينًا بالدم، رفعت عينها التي يُغمى عليها تدريجيًا لترى عبدالعزيز الساقط على النافِذة الأخرى ورأسهُ ينزف، هذا آخرُ شيءٍ رأته.
،
في ساعات العصر الأولى، الرياض التي بدأت تهدأ شوارعها بعد إنتهاء الدوام. وتصخبُ من جهةٍ إخرى.
نظرت لإبنتها التي قصَّت شعرها الطويل حتى وصَل لمُنتصف رقبتها، بإبتسامة : ماجد قال أنه حلو عليّ !
حصَة : ماجد!! طيب .. أجل وش جاية عشانه الحين ؟
العنود : بآخذ كم لبس لأني بجلس عند أبوي وحددنا حفلة صغيرة بنسويها الأسبوع الجاي وبروح معه دبي.. ومتى ما لقينا وقت مناسب بنحتفل مع بعض بما يليق طبعًا فيني وفيه
حصَة تشعُر بالحسرة على إبنتها، أردفت بهدُوء : طيب ... وأتجهت نحو الصالة.
العنود لحقتها : يممه!! وش فيك متضايقة كذا؟ تدرين أني ماأحب أشوفك زعلانة
حصة : لو يهمك زعلي ولا ضيقي كان أهتميتي برايي
العنود: رجعنا نفتح هالموضوع من جديد
حصَة : خلاص أرحميني بس ولا عاد تسألين عن شي مايهمك
العنود بضيق : تدرين يا يمه أنك تهميني
حصة ألتزمت الصمت دُون أن تنطق شيئًا.
العنُود : وين ولد أخوك ؟
حصة بغضب : تكلمي عنه زين
العنود : أكيد يشيّشك عليّ
حصة بسخرية : أكبر همه أنتِ
العنُود بقصدِ إستفزاز إسمه وكأنه موجود أمامها : ماني أكبر همه بس قدرت أتزوج غصبًا عنه
حصَة تنهَّدت : جايَّة تعلين قلبي .. روحي عند أبوك وخليه يبسطك
العنود : أبوي كان زوجك
حصة بغضب : تعالي علميني بعد كيف أحكي عنه !! الله والأبو بس خليني ساكتة
العنود بقهر وقفت : أبوي عمره ما جاب سيرتك بشي شين ودوم يتذكرك بالزينة لكن أنتِ تحبين تشوهين صورته
حصَة بسخرية : أكذبي بعد!! أقص إيدي إذا يطلع منه شي زين
العنود بخطواتٍ غاضبه أتجهت لغرفتها بينما تركت حصَة تُصارع خيباتها بإبنتها.
في الأعلى، مُثبتة الهاتف بكتفِها وهي مُستلقية على السرير : طيب ؟
أفنان : بس هذا اللي قالته لي !! مجنونة هالبنت مهي صاحية
الجوهرة ببحةِ صوتها المُتعبة : محنا ناقصين نغتابها بعد! .. الله يهديها
أفنان : طيب ما قلتِ لي وش فيه صوتك ؟ تشكين من شي ؟
الجُوهرة : الأجواء عندنا متقلبة يمكن عشان كذا
أفنان الجالسة أمام مكتبها والنُعاس يقترب منها بعد أن حرمتها منيرة من النوم جيدًا، أردفت وهي تتثاءب : طيب بخليك .. تآمرين على شي ؟
الجوهرة : سلامتك .. بحفظ الرحمن
أفنان : فمان الكريم .. وأغلقته، وضعت رأسها على الطاولة وبمُجرد ما أغمضت عيناها دخلت في نومٍ عميق.
وضعت يدها على عُنقها وهي تحاول أن تسترد صوتها المبحوح : آحم .. أتجهت نحو دولابها ، فتحت الدرج لتأخذ جوارب قُطنية تُدفئها، نزلت للأسفَل تحاول أن تشرب شيئًا يُخفف وجَع أحبالها الصوتيَة، وقفت وهي تسمعُ صوتها الذي يأتِ من الصالة.
العنود ممسكة حقيبتُها الصغيرة : يمه واللي يرحم لي والدِيك لا تقهريني زيادة! حفلة بنتك وماتجين ؟
حصَة : قلت لك اللي عندِي، دام سويتِي اللي براسك وش يفيدك حضوري
العنود : تعرفين شي يمه ؟ بديت أشك في الخبلة الثانية اللي ورى ولد اخوك
حصة بغضب : العنود ووجع! تكلمي عنهم بأدب
الجُوهرة تشعُر بأنها مازالت تحمل بعض الشحنات التي لم تُفرغ في ترتيبها للغرفة، أخذت نفسًا عميقًا وهي التي لا تغضب بسُرعة ودائِمًا ما تُمسك نفسها، أتجهت نحوها وأتى صوتُها المبحوح من خلفها : مين الخبلة الثانية ؟
ألتفتت العنود لتتأفأف : في هالبيت الواحد ما يقدر يتكلم الا والكل عرف بالموضوع! ماهو من صغره بس من هالتنصت على الرايح والجايْ
الجوهرة ببرود : ما تنصت بس على الأقل ما ذكرت أحد بغيابه وبهالوصف الشين
العنود بسخرية : يا شين مثاليتك!! سبحان الله تناسبون بعض أنتِ وسلطان كلكم منافقين وكذابين .. إذا أنتِ تكرهين شخص قولي له بوجهه ماله داعي هالكلام الملتوي
حصة بحدة : العنووووود!!
العنود : مع السلامة يمه .. أتجهت نحو الباب لتقف الجوهرة أمامها : ماهو معقولة الكل يشوفنا شي وأنتِ تشوفينا شي ثاني! يعني أكيد ماهو كل الناس على خطأ وأنتِ الصح!! .. راجعي مخك وللمعلومية أنا ماأنافق عليك .. أنتِ ماتعنيني شي ببساطة! لا أنتِ موجودة بقلبي وأحبك ولا أنتِ بعقلي وأكرهك .. مُجرد شخص من فئة الكومبارس بهالحياة
حصة تنظرُ للجوهرة بدهشة، هذه الكلمات القاسية لا تُصدق بأنها تخرج منها، باتت تُشبه سلطان في قسوته أيضًا.
دفعتها العنود لتخرج دُون أن تلفظ كلمة، أنحرجت الجوهرة من نظراتِ حصة لتُردف : آسفة حصة بس هي أستفزتني
بهدوء رُغم ضيقها من الجوهرة : حصل خير ... وخرجت مُتجهة نحو غرفتها.
أدركت أنها غضبت منها، كيف أراضيها الآن؟ لم أتعود أن تزعل منِي أبدًا! تنهَّدت وهي تمسحُ جبينها الذي بدأ الصداع يزحفُ نحوه. رأت عائشة وهي تصعد الدرج : عايشة ... سوِّي لي عصير ليمون بالنعناع
عائشة : زين ... لتتراجع بخطواتها مُتجهة للمطبخ.
أخذت هاتفها وأتصلت على الرقم الذِي ترددت كثيرًا في الإتصال عليه رُغم أنها تحتفظُ به منذُ شهور، جلست منزويَـة في الصالة لتنطق بصوتٍ خافت : السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجوهرة بإرتباك : دكتورة سلوى ؟
: إيه معاك الدكتورة سلوى
الجُوهرة بلعت ريقها : ماني عارفة كيف أبدأ معك، لكن فيه كم سؤال ودِي أسأله لك إذا مافيها إزعاج
: تفضلي حبيبتي وقتي لك
الجُوهرة : أنا تعرضت لتحرش وأنا صغيرة ..
: قبل البلوغ ؟
الجوهرة : لا بعده .. كنت بالثانوية
: طيب وأيش صار بعدها ؟
الجوهرة : ما أتذكر بالضبط لكن متأكدة أنه حصل إغتصاب .. بس .. حاليًا أنا متزوجة و ... يعني مدري كيف أقولك .. *أردفت كلماتها بتقاطعات شديدة وأنفاس تعلُو وتهبط*
: فاهمتك! يعني زوجك ما دخل عليك ؟
الجوهرة بكذب : إيه .. بس أبغى أتأكد عشان مستقبلاً
: طيب أنتِ سامعة بعمليات ترقيع الغشاء ؟
الجوهرة بربكة : لآ مستحيل!! أقصد يعني ماأبغى أسوي شي حرَّمه الشرع .. أنا راضية بس أبغى أعرف يعني .....
: طيب أنتِ صارحتِي زوجك ؟
الجوهرة : إيه لكن أنا أبغى أسألك بخصوص الغشاء يلتئم ؟ لأن هالشي قبل 7 سنوات ؟
: لو كان التحرش قبل البلوغ فنسبة كبيرة يلتئم زيَّه زي أي جرح بالجسم مع مرور السنين يلتئم ويرجع زي ماكان، لكن لو بعد البلوغ حصَل له تمزق وما أنفضّ الغشاء بأكمله ممكن يلتئم ويرجع طبيعي لكن لو أنفضّ الغشاء كامل فهذا شي مستحيل، لو كان هالشي موجود كان لعبت البنت في نفسها لين قالت بس وبعدين بمرور السنين تضمن أنه يعود .. فاهمة عليّ ؟
الجوهرة برعشةِ شفتيْها : إيه
: السنين تلعب دور في المنطقة نفسها لكن ماهو في الغشاء، يعني ممكن تحس الزوجة أنها بكر بعد هالسنوات لأن منطقتها بتكون مثل منطقة البكر لكن بدون غشاء ... والزوج ممكن يحس بعد بهالشي ... تماما مثل المطلقة اللي تتزوج بعد سنين بتحس بنفس الإحساس.
الجوهرة وهي تسمع صوتُ الباب ، بعجَل : طيب شكرا دكتورة .. مع السلامة وأغلقته وهي تسمعُ وقع خطواته. خرجت من الصالة لتسقُط عينيْها بعينِه. تجاهلها دُون أن ينظر إليْها وهو يصعد للأعلى، هذه النظرات بحدِ ذاتها إهانة، بلعت غصَّتها، تشعُر كأنها طعامٌ أخذ ما يُشبعه منها ثم تقيأُه والآن يشعر بتقززه من منظرِ هذا الطعام. أخذت كأس العصير من عائشة، شعَرت بأنها نفسَها لم تعد تشتهيه بعد نظراتِه، حاولت وهي تُطبق أسنانها بشدَّة ولكن لم تستطع، تركت الكأس على الطاولة لتجلس وهي تُغطي وجهها، كتمت صوتُها وهي تنزلق ببكائها، يكسُرني بكل ما أعطاهُ الله، يكسرني بنظراتِه وبكلماته وبتصرفاته، يكسُرني وأنا الهشَّة السهلةُ الكسر وصعبة الجبر.
أتجهت نحو المغاسِل لتغسل وجهها، شعَرت بحاجتها للتقيؤ رُغم أنها لم تأكل شيء منذُ الصباح، تقيأت جفافها وهي تشعرُ بالألم من هذا التقيؤ الجاف، سعلت كثيرًا حتى ألتقطتها أنظارُ حصة الخارجة، أتجهت إليْها بحنانها الذي لا ينضب : وش فيك ؟
الجُوهرة : شكلي مخربطة بالأكل
حصة بشك : بس ؟
الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب وهي تنحني لتتمضمض، مدَّت لها حصَة المنشفة الصغيرة لتُنشف وجهها.
حصة : وجهك أصفر .. تعالي أكلي لك شي
الجُوهرة : منسدة نفسي ماني مشتهية
حصَة بهدُوء : إذا فيك شي قولي ؟
الجوهرة بعينيْها المُحمَّرة : تطمني ولا شي
حصة تنظرُ للساعة : شكل سلطان بيرجع اليوم المغرب
الجوهرة بهدُوء وهي تتجه نحو الصالة : رجع وصعد فوق
حصَة جلست بمُقابلها : أشربي عصيرك, ما يصير كذا يالجوهرة تهملين أكلك .. حتى صوتك رايح
الجوهرة لم تجِد جوابًا تُعلق به، أستجابت لأمرها وهي تشربُ من العصير الحامض. تمُر الدقائق الطويلة حتى ألتفتت حصَة عندما سمعت خطواته.
لم ترفع عينها، تخشى أن ترى مثل النظرات التي تقتُلها، تخافُ تلك النظرات جدًا.
حصة : وينك صاير ما تنشاف ؟ كل يومك بالشغل وإن جيت حطيت راسك ونمت
سلطان : تعرفين بوسعود مسافر والشغل عليّ مقدر أهمله
حصة : الله يوفقك ويسهِّل عليك يارب
سلطان : آمين ... سرق النظرة إليْها وهي تشرب بهدُوء ليعُود بأنظاره ناحية عمته ... كنتِ تبيني في شي ؟
حصة : لآ خلاص، ما قصرت عنيِّد جت وخذت أغراضها وراحت ماعاد ينفع الحكي معها
سلطان : متى زواجها ؟
حصة : تقول الأسبوع الجاي وبعدها بتسافر معه
سلطان بخِل عليها بدعوة التوفيق ليُردف : بتروح دبي ؟
حصة بإنزعاج : إيه
سلطان : خلها تتحمل نتايج قرارها بروحها
حصَة تنهَّدت بضيق لتلتزم الصمتْ.
سعلَت الجوهرة بشدَّة لتجذُب أنظار سلطان إليْها، كحتُها الحادَّة تُؤلم. وجدًا.
حصَة وقفت مُتجهة إليْها، سكبت لها من زُجاجة المياه : أشربي بسم الله عليك
الجوهرة شربت الماء دفعةً واحِدة لتُردف بصوت مبحوح : عن إذنكم
حصة تُمسكها من معصمها : لحظة أكلي شي
الجوهرة المُشتتة تضيعُ نظراتها بكل شيء ما عداه، تشعرُ بعينيْه المصوَّبة بإتجاهها، تكاد تُخمِّن تعابير وجهه وتصدق بها، أعرفُ كل تفاصيلك الصغيرة والمُعقدة من كسرةُ حاجبيْك حتى فرقعةِ أصابع قدمِك اليُمنى التي تبدأُ بالرنين على الارض كُلما كتمت غضبك.
: بنام وبس أصحى أكـ...
يُقاطعها بصوتِه الذِي يُزلزل قلبها : أكلي بعدين نامي .. وقف مُتجهًا لطاولة الطعام التي تقع في الجهة الأخرى من الصالة.
كانت كلماته أمر وليس لها حق المشاورة، تبعته حصَة لتشعُر حقًا بأنه أمر ويجب الخضوع له.
تقدمت بخطواتها لتتوعَّد عائشة بداخلها بعد أن رأت كراسي الطاولة ليست موجودة بأكملها، فقط ثلاثة على عددهم.
بلعت ريقها وهي تجلس بجانب سلطان وحصة بمُقابلهم. لن تستطيع أن تأكل لقمةً واحدة وهو بهذا القُرب.
بدأتُ تُقطِّع حبة الأرز الصغيرة لمئة قطعة وكأنها تحاول الهروب من الطعام بطريقة الصغار، بمُجرد ما شعرت بأنظاره سحبت الملعقة وقرَّبتها من فمِها، تمُر الدقائِق الصامتة، لا أحد يفتحُ حديثًا ولا أحد يحكِي بعينه شيئًا ولكن الصمت ثرثار، حركات أيديهم لوحدِها " ثرثرة عميقة " ، وقفت حصة : الحمد لله الذي أطعمنا و سقانا و جعلنا مسلمين الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا .. وأتجهت نحو المغاسل.
تجمَّدت الجوهرة في مكانها وهو يهمس : تشكين من شي ؟
نبرةُ الحنيَّة في صوته تشطُرها تمامًا : لا
سلطان ألتفت بكامل جسدِه عليها : ما أفطرتِي ؟
الجوهرة لم تعد تفهمه أبدًا، نظراته قبل قليل كان توحي لشيء وكلماته الآن توحي بشيءٍ آخر، تنظرُ لصحنها دُون أن تضع عينها بعينِه : ما أشتهيت
مرَّت حصَة من عندهم لتتجه لغرفتها بعدما رأتهما يتحدثَان معًا، تحاول أن تفتعل الإنشغال فقط لتُحضِّر لهم الأوقات التي يختلُون بها مع بعضهم البعض، سلطان يستحق والجوهرة أيضًا تستحق، أشعرُ بانه أبنِي وأشعر أيضًا بأن الجوهرة إبنتي، لا أحد يُسعدني غيرهما في وقتٍ هجرتني به إبنةُ بطني.
سلطان يُثبت أنظاره على إرتعاشِ شفتيْها، يتأملُ ملابسها التي تبدُو وكأنها مُتجمدة رُغم الجو الحار بنظره : ليه لابسة كذا ؟
الجوهرة : بردانة
سلطان : بس ؟
الجوهرة تفهم ما يُريد أن يصِل إليْه : إيه
سلطان دفع كُرسيه للخلف ليتركها، بلعت ريقها تخشى أن تنهار ببكائها، أريد أن أفهم هو يخافُ عليّ ام يُشفق أم يحاول أن يسأل بـ روتينٍ مُعتاد؟ تنهَّدت لتقف مُتجهة للمغاسِل المُطلة على الصالة والخاصة للضيوف بينما تنتهي بحمامٍ في الزاويـة، نظرت إليْه وهو يتوضأ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تُغسل يديْها، رُغم أنه ليس وقت صلاة ولكن تُلاحظ وضوءه المتكرر في كل مرة يدخل بها الحمام. أذكر عمي عبدالرحمن كان يتوضأ ايضًا في كل مرة يدخل بها الحمام أو يمُر ناحية المغاسل.
سحب بُضع مناديل ليمسح ذراعيْه المُبللة ووجهه، ينظرُ إليْها ويُطيل النظر، مسكَت نفسها ولكن معدتُها تهيجُ عليها اليوم لتنحني مرةً أخرى وتتقيأ، أقترب منها وهو يضع يدِه خلف ظهرها : وش صاير لك اليوم ؟
الجُوهرة بدأت تسترجعُ ذاكرتها، كانت تتقيأُ كثيرًا كُلما أقترب تُركي منها ولكن لا مقارنة بين تركي وسلطان.
الجوهرة التي تعرفُ سبب تقيؤها، إهمالها لتغذيتها تجعلُ معدتها تثُور في اليوم مئة مرَّة : سوء تغذية وبس!!
سلطان يسحبُ لها المناديل دُون أن يمده لها، هو بنفسه من قام بمسح ملامحها، وضعت يدها عليه محاولةً إبعاده ولم تتوقع أن تتورط به، بلعت ريقها الجاف بعد أن أرتجفت أصابعها بلمستِه، سحبت كفَّها لتتدافع دموعها عند حافة محاجرها.
سلطان يرمي المناديل في الحاوية الصغيرة ليتكأ على المغسلة بمُقابلها : إذا تعبانة من شي قولي
الجُوهرة بتشتيت نظراتها وصوتُها المبحوح يُؤلمها، وضعت يدها على بطنها الذي يتقلص ويتمدد بوَجَع : قلت ولا شي ..
كلمتُها الأخيرة التي أتت مُرتجفة كانت كفيلة بأن تُسقط دمعها الذي كابرت به كثيرًا.
سلطان تنهَّد وبصيغة حادة : ليه تبكين ؟
الجوهرة أبتعدت بخطواته لتتجه ناحية الدرج ولكن وقف أمامها بغضب : أنا ما أسأل جدار! لو منتِ تعبانة كان علمتِك كيف تديرين ظهرك وتروحين
هذا التوبيخ يزيدُ من بكائها، أردفت ببحة : طيب أنت قلتها! تعبانة وأعصابي بعد تعبانة .. ولا حتى بالبكي بتحاسبني
سلطان : ما حاسبتك! أنا سألتك
الجوهرة ببحتها الموجعة : وأنا جاوبتك .. قلت لك تعبانة ... ممكن أصعد فوق ؟
سلطان أبتعد عن طريقها بهدُوء دون أن ينطق بكلمة.
،
يوقِّع على بعض الأوراق الخاصَة بعمله الشخصي، ينظرُ للساعة يترقبُ بشوق موعدٍ مع صوته الذِي يُحب ويشتاق له، هو الحياة في كل شيء، هو الوطن حين أحتاج للإنتماء، جهَّز نفسه لموضوع الملكة، يُفكِر بطلب رؤيتها ولكنه منحرج من اشقائِها، وصفُ والدته لا بأس به ولكن أشعرُ بمبالغتها، أحتاج أن أراها. سمَع صوت ريف ليتجه نحو الصالة العلويَة : يسعدلي مساك
والدته : ومساك يارب ، فصول حبيبي وش رايك تنام وتريِّح عينك عشان يكون وجهك منور بكرا
ضحك ليُردف : ليه وجهي مبيِّن تعبان ؟
والدته : مررة يا بعد قلبي
أبتسم : يمه عادِي أطلب شوفتها ؟
والدته : إيه عادِي وش فيها من حقك
فيصَل : بس مستحي من يوسف ومنصور .. مدري أحس صعب الموضوع
والدته : لآ تستحي ولا شي .. قل لهم بشوفها ولا خل عمك ضاري يجيب لك راسهم
فيصَل أتسعت إبتسامته لحضُور إسم عمه الذِي دائِمًا " يجيب العيد " : تبيني أنفضح
والدته : لا تنفضح ولا شي .. قوله وبيضبط
فيصل : طيب يمه في حال ما عجبتني وش أسوي ؟
والدته بسخرية : سو نفسك ميِّت
قبل أن يُعلق عليها أندفعت بكلماته : بتعجبك ونص .. لا تفشلنا مع أهلها ، البنت كاملة والكامل الله
فيصل : يمه أنتِ عندك كل بنات الرياض كاملين
والدته : حرام عليك ما عُمري مدحت لك وحدة .. و هيفاء تهبِّل ماشاء الله تبارك الرحمن .. ثقل ورزانة وسنع وعقل .. وش تبي أكثر ؟
فيصل : خوفي أنصدم فيها
والدته : منت مصدم أقولك البنت تهبِّل .. وعليها رقص ماشاء الله عيني عليها باردة
فيصل : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه وأنا أبيها ترقص!! أنا أبي وحدة تكون ..
قاطعته : تكون ذكية وتهتم في شغلك وتحاول تساعدك ويكون عقلها متفتح ومتعلمة .. كل هالمواصفات في إنسانة وحدة إسمها هيفـــــــــــــاء *مدَّت بإسمها حتى تضع له حدًا في تردده*
فيصل : يمه والله خايف يكون ذوقك شين لأني مقد جربته
والدته : يا قليل الخاتمة أقولك البنت قمر تهبل ماشاء الله! وأنت شايف أخوانها مزايين يعني ماراح تطلع غير عنهم
فيصل : يا كثر البنات الشيون وأخوانهم مزايين .. ماهي قاعدة ذي
والدته : الحين تبي الجمال ولا لأ ؟
فيصل : أبي شخصية بالمقام الأول وشكل يفتح النفس بالمقام الثاني
والدته : شكل يفتح النفس فهذا الشي منتهين منه والله لا تخلي نهارك ليل وليلك نهار من تأملك فيها
فيصل أتسعت محاجره بدهشة من وصف أمه التي تُشعره بأنها ملاكًا على الأرض : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه والله يا يمه تراك بتؤثمين إذا كنتِ تبالغين
والدته : رجعنا لموضوعنا القديم! أقولك البنت قمر يا ولدي ليه ما تصدقني .. قلت لك تشبه يوسف وأنت شايف يوسف ماشاء الله تبارك الرحمن زينه محدن يختلف عليه .. وفيها شبه من منصور بعد .. البنت مزيونة
فيصل : مقياس الجمال يختلف ممكن أنتِ تشوفينها مزيونة لكن أنا ما أشوفها شي
والدته : فيصل دبلت كبدِي أقولك كذا تقولي كذا !! تعبتني .. هيفاء تناسبك خذها مني وتوكل على الله
،
يوقِّع على بعض الأوراق التي تدرج تحت إسم " مركز إعادة التأهيل في ولاية يوتا – أمريكا – " ، ليجلس بالقُرب منه، يُبلغه الخبر الأسوأ على الإطلاق ولا طاقة له للرفض، بصوتٍ يشتدُ إتزانًا : هناك بتلقى واحد سعودي وبيساعدك،
صمَت قليلاً ليُكمل : ماراح أعتذر لك يا تركي على اللي أسويه لك الحين، عشت طول عمرك حر تطلع متى ماتبي وتدخل ماتبي ، ما حاسبتك على شي .. ولا شيء حاسبتك عليه ولا رفضت لك طلب، لكن الحين منت حرّ .. بتجلس في المصحة هناك لين ترجع تركي اللي نعرفه ذيك الساعة أبعد وكوِّن حياتك بعيد عنَّا ..... تعرف شي؟ أني متسامح كثير والغلط يتصلح ونغفره لك .. لكن الخيانة يا تركي صعبة! تخوني في بنتي هذي اللي مقدر أسامحك عليها ...... روح واجه الحياة بروحك .. حسّ بالنعمة اللي كنت فيها، هذا إذا قدرت تواجه الحياة .. هذا إذا قدرت تنام وأنت مرتاح الضمير .... يا هي قوية يا تركي كيف قدرت تنام طول هالسنين وكيف قدرت تطالعني وتحط عينك في عيني وأنت تغدرني في اليوم مليون مرررة ... *أردف كلماته الأخيرة بضغطِه الشديد على أسنانه وكأنه سيقتله الآن بنظراته* ...... بس لو أعرف كيف ... ضرب بكفِّه على الطاولة بغضب ليقف : الله لا يسامحك .. الله لا يسامحك ........... وخرج بخطواتٍ تحشرُ أصابعها بحُزنٍ عميق.
وضع يداه على أذنيه وملامِحه يتدفقُ منها الحزن/البكاء، تم الحُكم عليه بسجن جسدِه في مصحَةٍ لا يعرفُ عنها شيء سوَى أنها ستُحاصره وتمنعه من العيش، كان يجب أن نُفكر قبل أن نرتكب أخطائنا بعواقبِ ما نفعل.
،
تتراجع خطوتيْن للخلف لينجذب سمعُها لكلماتِه الخافتة اللاذعة و الساخرة، بلعت ريقها بصعُوبَة ما تسمَع.
بضحكَة : أنتظرها تولد آخذ ولدِي وأطيِّرها لأهلها
هيفاء : هههههههههههههههههههههههههههههههه تذكرت جدِّي الله يرحمه .. ماشاء الله عليه ما خلاّ وحدة من القبيلة الا ما تزوَّجها .. كثَّر نسله على الفاضي أستغفر الله
يوسف يصخبُ بضحكتِه : هذي حوبة حريمه كلهم ماتوا صغار ... لا يجي الحين أبوي ويعطيك محاضرة في إحترام الأموات
هيفاء : فديت طارِي جدي الله يرحمه ويغفر له
يوسف: آمين
أخذت نفسًا عميقًا لتدخل : السلام عليكم
: وعليكم السلام
يُوسف بإبتسامة : زين نزلتي .. تعالي
بهدُوء جلست بجانبه دُون أن تنطق كلمَة أو حرف،
هيفاء نظرت لجوِّها المشحون لتنسحب بهدُوء وتتركهم ، ألتفت عليها : وش فيك ؟
مُهرة دُون أن تنظر إليه لفظت بغضب : تعرف تستغل الظروف لصالحك
يُوسف رفع حاجبه : أيّ ظروف ؟
مُهرة بحدة ألتفتت عليه و لا يفصلُ بينهما سوَى بعضُ الهواء العابر : تتفاخر عند أختك بكل شيء سخيف تسويه بحقي !!
يُوسف عقد حاجبيْه : وش اللي تفاخرت فيه ؟
مُهرة بقهر تنظرُ له : لا تحاول تستغفلني!! أنا بنفسي سمعت .. كذِّب أذني بعد!
يوسف : وش سمعتِ ؟ فهميني عشان أعرف وش الخرابيط اللي تقولينها
مُهرة وقفت ولكن يد يوسف شدًّ على معصمها حتى لوَى كفَّها وبغضب : ماني أصغر عيالك!! أنتبهي لكلامك معي
سحبت كفَّها وهي تُدافع عن الغصات الي تتراكم في جوفها : أنا بطير لأهلي قبل لا تطيِّرني
تنهَّد بعد أن فهَم ما سمِعت : غبية!! حتى المزح تآخذينه بجد ..
وبعصبية أردف : الله والنفسية الزبالة يوم تآخذين المزح كذا !!
مُهرة بمثل عصبيته : ولا أنا أصغر عيالك عشان تكلمني بهالطريقة!! وش المزح في الموضوع !!!!! ولا هالكلام فيه مزح بعد
يوسف : روحي أسألي هيفا عن وش كنا نتكلم! بس أنتِ تنهبلين لو جاء يوم و ما نكدتِّي عليّ فيه ... وتركها خارجًا.
،
تجاهل كلماتِهم وتوصياتِهم، عقلُه لا يسيطر عليه إلا فكرة واحِدة، فِكرة " غادة " فقط، يسيرُ متجهًا لشقتِه بعد أن دخل منطقتهم الصاخبة، نظَر لغُرفته الشديدة الترتيب ، وضعَ حقيبته على الأرض ونزع قميصه المُتسِخ بقطراتِ الدماء، أرتدى على عجل وهو يسابق عقربُ الثواني، أخذ معطفه وخرج ليتصل على الرقم الذِي أعطاهُ إياه فيصل : السلام عليكم
وليد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ناصر : وليد ؟
،
السادسَة التي تمرُ على سماء باريس كتوقيتٍ للعصر، تنهَّد بعُمق وهو يشعرُ بأنَّ نبضاته تقترب للنفاذ، هزّ قدمِه اليمنى كثيرًا لا يستطيع أن يُخفي توتره وترقُبه لمجيئه.
محمد الذِي ألتقط حضُوره على بُعدِ أمتار، همس : جا .. خلك ثقيل ولا ترتبك
وقف فارس معَه ليبتسم عبدالرحمن مُسلمًا عليهُما.
محمد : بشِّرنا عن حالك عساه تمام ؟
عبدالرحمن : الحمدلله بخير
محمد : معك محمد إبراهيم وولدي مشعل
عبدالرحمن : والنعم والله..
أقترب النادِل الفرنسِي ليُضيِّفهُما بالقهوة العربيَة في صالة الفُندق المخصصة لكبار الشخصيات.
محمد : ماعليك زود،
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل
،
وقفْ بعد أن أتزن بمشيْه، يشعرُ ببعض الألم في قدمِه اليمنى ولكن تحامل وهو يرتدِي لبسه الذي أتت به أثير صباحًا، لآيعرف كيف يُراضيها الآن! أو كيف يشرحُ بها، لا يُحبذ أبدًا ضيقها أو حتى زعلها، أقترب من المرآة نظر لرأسه المُغطى بالشاش والجرحُ الذِي يعتلي حاجبه، أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا.
↚
كنت بسوي لكم مفاجئة يوم الإثنين : ( بس ماش فيه أحد داعي علينا :p على العموم إن شاء الله أحاول اضبط الوضع وأقولكم، بالنسبة لتعليقاتكم كان ودِّي أعلق عليها بس ما أمداني لكن برِّد على شيء، اللي يقولون الجوهرة حامل : ( ليه دايم الغثيان والدوخة مرتبطة بالحمل : ( طيب والله فيه مليون شي يخلينا ندوخ *فيس متعقد* ، يعني وش هالسرعة اللي بتحمل فيها. غير كذا، أنتم تعرفون أننا دخلنا بالقسم الأخير من الرواية والله يتممها على خير إن شاء الله يعني ممكن نآخذ وقت في هالقسم يتعدى الـ 15 بارت إذا ما وصلنا العشرين ، فأتمنى جد أنكم توقفون معاي زي ماعودتوني بدعمكم في هالقسم الأخير و إن شاء الله أني ماراح أخيِّب الظن. ( )
أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا بوقتٍ محضُور من الزيارات، فتح الباب بهدُوء ليطل برأسه عليها، كانت مستيقظة تنظرُ للشباك ودمُوع السماء التي تتساقط عليه ، كانت في أوَّجِ سرحانها وغيابُ الوعي عن واقعها، أفكارها المُزخرفَة بأسماء الكثير والكثير، وتنتهي بك يا عزيز! تنتهِي بعينيْك الداكنتيْن ولمعةُ الوحشة بها، كانت مُكابرتِي فخ! كان تجاهلِي لك كذبة! صدقتها ولم تخطُو خطوةٍ لإدانة هذه المسافات المُزيَّفة، كُنت أنتظرك، أنتظرُ إعتذارك، أن تقُول " مللنا المكابرة تعالي نبني في هالبلد حُبنا " ، تبتزُ قلبي يا عزيز بكلِ أوجاع الدُنيا، أُريدك! أنت تعلم جيدًا أنني أريدك ولكن تعلمُ أكثر أنني قادرة على العيش بعُزلة ولا أعيشُ مع الذل حتى لو كان على حساب قلبي! لا تبتز هذه القناعات وتجعلنِي أطلبُ الطلاق بلذاعةٍ تخضعُ لها، لا أُريد والله وأنت تعلم كم أُحبك، كم أشتاقُ لك، كم أحزن منك وكم أخافُ عليك ، تعلم يا عزيز أنني أُجَّن بعشقي لك.
أقتربت خطواته لتلتفت إليْه، كانت عينيْها السمراوتيْن مُتلألأة بالدمع المُكابر مثل قلبها. جلس على طرفِ السرير بجوارِها : تبكين ؟
رتيل بقوَّة تضجرُ منها حواسَّها : لأ
عبدالعزيز : عيونك تقول شي ثاني
رتيل تنهَّدت لتمسح دمعٌ لم يسقط بعد، ضغطت على عينيْها لتفتحها بهدُوء : والحين وش تقول ؟
عبدالعزيز بإبتسامة خافتة : تقول حنِّيت
رتيل توترَّت من عُريْ حزنها وبمثل خفوته : لمين ؟
عبدالعزيز هز كتفيْه باللامعرفة : أنا أسألك مين ؟
رتيل لوَت شفتِها السُفليَة وهي تُصارع جيُوش الحزن في قلبها، نظراتها تلتصقُ بعينه : بتطلع ؟
عبدالعزيز صمت لثوانِي كثيفة مشتتًا نظراته على كفِّها، رفع عينه : ايه
رتيل بلعت ريقها : بحفظ الرحمن
عبدالعزيز : بس ؟
رتيل شدَّت على شفتيْها، يُريد أن يبكيها بكُل الدوافع التي تعرفها ولا تعرفها أيضًا، هزت رأسها بالإيجاب ولو نطقت حرف ستغرق ببكائها والجوُ الماطر يستنزفُ دمعها.
عبدالعزيز يقف ليقترب منها، أنحنى لتُغمض عينيْها بخفُوت، قبَّل ما بين حاجبيْها، هذا المكان الذِي مازال أثرُ الجرح به، الجرحُ الذِي يجهله ولا يعرفُ عنه شيء سوَى أنها سقطت عليه ولا يدرِي بأن خبر زواجها منه كان سببًا للندبَة المالحة. أشعرُ بالإنتماء لهذه الجهة المقدسة، تحديدًا ما بين حاجبيْك، أشعرُ بأنها ليْ وحدِي ولا تخصُ غيري، عاد بخطواتِه للخلف، نظر إليْها لثوانِي أرعشت قلبُ رتيل، خرَج وبمُجرد خروجه سالت دمعتها المحبُوسة في محجرها، سحبت أقدامها لتلتوي على نفسِها وتضع جبهتها على ركبتيْها، حزينَـة وغارقة ولا أُريد شيئًا إلا أن تسهر معي هذه الليلة وتُجالسني، كان صعبًا أن أطلب منك.
،
متوتِر، يشعرُ بأن قلبه سيقتلعُ من مكانه أو رُبما ضخُّ الدم سيغيَّر مساره بمُجرد ما ينظرُ إليْه عبدالرحمن، 29 سنَـة مضت من عُمره لم يراه بها أحدٌ من معارفِ والده طبيعي جدًا أن لا يعرفه وطبيعي أكثر أن يندهش الجميع إن سمعوا أنَّ لرائِد إبن.
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل
عبدالرحمن بإبتسامة لم يُخفي تفاجئه : وألف نعم فيكم
محمد : الله ينعم بحالك، و مشعل الحمدلله معه دكتوراه علوم سياسية من جامعة بريستول ومستقر في لندن وكوَّن نفسه بنفسه مو ناقصه إلا بنت الحلال و ماراح نلقى أحسن من بنتك له
عبدالرحمن بإعجاب لهذا الصامت أمامه ، يبدُو من النظرة الأولى أنه خجُول : ماشاء الله تبارك الرحمن، وإحنا يا بو مشعل نشتري الرجَّال بأخلاقه .. بالنسبة ليْ يبقى رآي البنت هو الأول والأخير ... والله يكتب اللي فيه الخير
محمد : تآخذ راحتها بالتفكير لكن ودِّي أقولك أنه مشعل ناوي يستقر في لندن عشان شغله إن كان مافيه مانع ..
عبدالرحمن أخذ نفس عميقًا، هذا الأمر يجعله يغرق بتفكيره كثيرًا وليس من السهولة أن يضع إبنته في خانةٍ تجاور شخصٍ يجهلُ عائلته ولم يسمع بها من قبل : مثل ما قلت لك يبقى رآيها الأول والأخير ... ما سمعنا صوتك يا مشعل ؟
فارس بلع رجفةُ حنجرته وبنبرةٍ مُتزنة مُبتسمة : أنا تحت أمرك
عبدالرحمن بإبتسامة صافية : الله يزيدك من فضله، كم صار لك هنا ؟
فارس : بلندن من فترة دراستي وهالفترة بباريس عشان أبوي .. الوالد يشتغل في البنك الإسلامي
محمد : وطبعًا جبته بس عشان نخطب له بنتك الله يحفظها
عبدالرحمن بنظرة مُدققة لفارس : و أنت يا مشعل ماشاء الله دكتور وتخصص مرغوب! ليه ما فكرت بالزواج من زمان ؟
فارس شعَر بالورطة الحقيقة، أردف بإتزان : كنت مشغول بدراستي وبعدها كوَّنت لي تجارتي الصغيرة بلندن فما كان عندِي الوقت الكافِي أني أفكر بالإستقرار، وهالفترة حسيت بحاجتي للزوجة اللي تكملني وأكمِّلها
عبدالرحمن رفع حاجبِه حتى يستشفِ شخصيته من أسئلته : و حاط في بالك مواصفات معيَّنة ؟
فارس بثقة : أهم شيء تكون متعلمة وقايمة في نفسها وأظن عبير في هالصفات
محمد دعسَ على قدمِه من أنَّ " عيدًا " سيأتِ مُبكرًا من كلمات فارس.
عبدالرحمن أبتسم : عبير!! واضح أنك مآخذ فكرة كاملة عنها
فارس دُون أن يرتبك، أردف بإتزانٍ كبير : إلا الزواج ما ينبني على أراء الغير، لازم شي محسوس ويكون عن إقتناع
عبدالرحمن : و وش الشي المحسوس اللي خذيته عن عبير ؟
فارس صمَت لثوانِي مُرتبكَة حتى أردف بمحاولة تخفيف حرارة جسدِه التي بدأت تفور : خذينا السي في الكامل عن بنتك طال عُمرك
ضحك عبدالرحمن ليُردف : وأنا طمعان أقرأ السي في !
فارس بإبتسامة وديَّة : السي في الله يسلمك يقول أظفُر بذات الدين لكن الطمع خلاني أقول أظفر بذات الدين والجمال والحسب و هذا التعريفْ ما يرادفه باللغة إلا بنتك
أبتسم عبدالرحمن حتى بانت أسنانُه وهو ينظرُ إليْه بإعجاب كبير : ماعليك زود يا مشعل
،
تضع آخرُ أغراضها في الحقيبَة، بعد عدةِ أيام سيكُون حفل ختام الدورة والتدريب الذِي أستغرق أكثر من ثلاثِة شهور، شعرت بالإنجاز بأنها حققت هذه الدورة بمستوى عالٍ، ستفتقد الأجواء الفرنسيَة، والإستيقاظ على رائِحة الخُبز والمكرون، تحتاج أن تسيرُ وتركض إلى مالانهاية في طُرقِ "كَان" حتى تستغلُ كل ثانيَة بهذه الأجواء الماطرة وضحكاتِ السماء وتوهِجها.
خرجَت من شقتها وهي تلفُ الوشاح حول رقبتها، مرّ على بالها إتصال منيرة ليتعرج جبينها، تنهَّدت لا تُريد التفكير بها أو بكلماتها.
نظرت له بدهشَة : إستاذ نواف!!
نواف الذي كان سيدخل إلى العمارة : أهلا ... نفض قميصه المُبتَّل.
افنان تتشابك كفوفها بربكة : هلابك
نواف : شفتك ما جيتي اليوم قلت أجي وأتطمن من باب الزمالة *أردف كلمته الأخيرة بسخريَة يُحرج بها ملامح أفنان بعد كذبتها*
أفنان : خلصت شغلي أمس وماكان عندِي شي اليوم
نواف أخذ نفس عميق : دام كِذا تآمرين على شي ؟
أفنان بإندفاع عفوِي لم تقصد به شيء: ليه ؟
نواف رفع حاجبه بدهشَة لتلتقط أفنان حُمرة وجنتيْها، أكملت قبل أن يُعلق : أقصد يعني .. بحفظ الرحمن ...
شتت نظراتها وهي تنزل آخر عتبات الدرج مُتجهة للخارج.
نواف من خلفها : أفنان
ألتفتت عليه ، أقترب منها والأمطار تُبللهما : ودي أقولك شي
أفنان : تفضَل
نواف : يعني .. آسف على اني أحرجتك بسالفة الأوراق .. ماكان قصدِي أفتش بملفك وأشوف بياناتك
أفنان تُقاطعه : لا عادِي حصَل خير و .. أصلا نسيت الموضوع
نواف بإبتسامة : أشوفك على خير
أفنان أكتفت بإبتسامة خافتَة وأنسحبت بهدُوء للسير على الرصيف بطريق يُعاكس طريقه، شعَرت أن نبضاتها ستخرج من مكانها بمُجرد أن صوته مرّ عليه، " وش فيني أنا !! " مُجرد إعجاب عابر وسيمُر أنا أثق بميُولي وقلبي، دائِمًا ما تبتسم عاطفتِي ودائِمًا ما تنسى. ونواف إحداهم.
،
وليد خمَّن من صاحب هذا الصوت ليُردف : إيه معاك وليد
ناصر أخذ نفسًا عميقًا : أنا ناصر، أتوقع فيصل خبرك عني
وليد صمت لثواني طويلة ليُردف : إيه .. وصلت باريس ؟ *سأله وهو متأكد أنه وصَل من الرقم الفرنسي الذي ظهر على شاشته*
ناصر : إيه
وليد : طيب .. هي الحين في شقتها ... راح أرسلك العنوان
ناصر بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : أنتظرك
وليد : مع السلامة .. وأغلقه. كتب له رسالة نصيَة وقلبُه ينبض في كل حرف وكل كلمة ويضيق أكثر بالنقطة التي تُنهي السطر، كُنت أخشى النهايَة، يُرعبني جدًا الكوبليه الأخير، ليت الساعة تتنازلُ عن مبادِئها وتُخفف من سُرعتها، أحتاج أن يتلاشى ناصِر ولا أراه، أحتاج ذلك بشدَّة وأنا أعرفُ عن المستحيلات في هذا العالم. يا فجوة الحُزن التي نمَت بيْ.
دقائِق وهو يسيرُ على الرصيف، حتى أضاء هاتفه بالرسالة، قرأ لتتوهجُ عيناه المُحمرتيْن، قريب جدًا منها، عاد بخطواته ليعكس خط السير مُتجهًا للجهة الأخرى، يعدُ الخطوات ولولا العابرين لركَض بشدَّة نحوها، أدخل يديْه الباردة في جيُوبه وملامحه شاحبَة بعد ان فقد دماءه إثر نزيفه الباكي، يشعُر بأن قلبه سيتوقف عن النبض، لا يعرف كيف سيراها بعد كل هذه الفترة! شيء من المستحيل يحدُث الآن أمامه، ينظرُ للعمارة ليدخلها بعد أن بلله المطر، أتجه نحو المصعد و ضغط على الدور الرابع، ثواني وأقلُ من أجزائها ليسير بإتجاه غُرفتها، أوَّدُ لو أنني أصرخ لمن حولِي وأنادي عليْك.
و بأجزاءِ الثواني كانت تُخطط للخروج، فتحت الباب لتنتبه أنها نسَت هاتفها، تركت الباب المفتوح طرفه لتعُود لغرفتها وتبحث عن هاتفها.
وقف عند الباب المفتوح، و تُفاحة آدم التي تُزيِّن عنقه تتحشرجُ ترتفع قليلاً وتهبط كثيرًا، دفع الباب بخفُوت لينظُر للصالة الخاليَة، ألتفت لطاولة المطبخ التي عليها جاكيتها، أقترب منه ليُلملم بين كفيّه ويُقربه من أنفه، هذه غادة!! ، كتم نفسه برائحتها و قبائلٌ بقلبه تتساقط حُزنًا، سمَع خطواتِها الخفيفة، ألتفت ليراها عند أحدِ الرفوف القريبة من النافذة، لا يرىَ سوى ظهرها، أطال نظرَه حتى خشيَ أن يسقُط من الحشُود التي تُصيب قلبه بمُجرد ما إن رآها، ترفع شعرها الأسود بيديْها جانبًا بعد أن أزعجها وهي تحاول البحث عن هاتفها، تأفأفت ليبلع ريقه الواقفُ بكامل إتزانه أمام جسدِها المُصيبة، هذه " الأفأفة " لا تمرُ إلا من نبرتها، هذا الليلُ البارد هوَ شعرَها، هذه البيضاء الشهيَّة هي مُرادف لشخصٍ واحد، هي غادة ولا غيرُ الغادة من تستعمرُ البياض في كفيَّها و عرقُها النابض خلف رقبتها، ثبِّت يقيننا يالله ما عاد بأجسادِنا قوَّة تتحملُ مجرَّة بأكملها تلتوِي حول جسدِ أنثى، ترك الجاكيت على الكُرسي ليقترب بخُطى لاصوت لها، اللهم أنَّ هذه الأنثى تُزيد إيمانِي بك وبقُدرتك، هذه الأنثى التي لا أعرفُ ممن خُلقت، هل خلقت من ماءٍ وتُراب أم خُلقت من حباتِ التُوت ؟ هل خُلقت من طِين أم خُلقت من ماءٍ شفاف يُشبه شفافيه عينيْها. على بالِي أن تتلبسنَا السماء ولا تجرحنا الأرضِ بتقاطعاتِ طرقها، على بالِي " أحبك من جديد ".
ألتفتت لتتجمدُ عيناها عليه، ألتصق ظهرها بالنافذة بعد أن أطلقت شهقَة خافتة مُرتعبة، بعد الفترة التي شعَرت بأنها سنين وسنين منذُ 2007، مازال هذا الأسمرُ الذِي أتسابق من أجله إلى النافذة حتى أراه واقفًا مع عبدالعزيز، مازالت هذه العينيْن اللذيذة التي تُشبِه جدائِلُ ليلٍ دافىء، هو ذاتُه ناصِر فارسُ أحلام الصِبَى، أوسمُ رجال الكون بعيني، أجملُ الرجال على الإطلاق بعينِ هذا الكون، أنفُه الشاهق وعوارِضُه الخفيفَة التي تتزيَّن بسكوكة، هذا هو ناصِر لم يتغيَّر سوَى أنه أزدادْ عِرضًا ووسامةٌ، وسامةُ الناضجين التي تقتلُ تمايل النساء من حوله، تقتلهن حتى يسقطن موبوءات به، أبناءُ الثلاثينات لا يعرفون أنهم يُصيبوا الفتيات بنظراتهم، ولن يعرفُوا أبدًا معنى أن تكُن ثلاثينيًا أسمر، معنى أن ترى الوسامةُ تنضج أمامك.
كان ينتظرها، ينتظرُ أن تركض لأحضانِه ولكن نظراتها كانت أكبرُ جرحٍ تلقاه في حياته، كانت نظرات تتعرفُ عليه فقط، يا عذابُ عيني وصدرِي الذي يشتهيك، يا عذابُه وأنتِ بعيدة. هل تأتين أم أأتِ ؟ أنا الذِي أمُوت بك في الحياة مئة مرَّة وأعيشُ على صوتِك، هل تقتليني بموتٍ جديد أم أنا الميتُ على كل حال ما ضرَّني أن أحفر قبري!
همست ببحةِ السماء الماطرة وعينيها تتدافعُ بها الدمُوع : ناصر!!!
توسَّل إليْها بعينيْه المُشتاقة، و ذليل العاشقين عزيز يا غادة. يشعرُ ركبتيْه تخونه وهو يحاول أن يُصدِّق بأنه يراها، هذه هيَ، بلع غصَّةُ الحنين الذي مضَى، " لِك في حشرجَة الصُوت حُب ما أندثَر، خلنَا نبني فيه من هالصحرآ بلد ، لِك في وسِط هالقلب من الحنين سمَاء تستحضِر كل ما مرَّها صوتِك ، خلنَا نلملم كفوفنا ونجمِّع بكي السمَا، خلنَا نغتسِل من مواجعنا ونبتسم لأجل حُبنا، يا جنُونِي ، لِك مقطع قصِيدة ما تمُوت لو مرضت، لو رحلتِ يجيني طارِيك عسَّاس لأجِل يثُور الحنين ويبكيك "
هذا إسمِي " ناصِر " الذي نسيتهُ بين شفتيْك في يومنا الأخير، هذا إسمي الذي أشعرُ بفخره وهو يمرُ على لسانك، هذا إسمِي الذي أناديه ولا أسمع صداه بعد أن خطفتِ الصدى وكل شيء بعينيْك، هذا الصدى استرده الآن.
لم تقوَى، تشعرُ بقلبها الذِي يركضُ إليه ويصطدمُ بصدرها بشدَّة لا طاقة لها بها، جلست على ركبتيْها وهي تنظرُ لجمُودِه أمامها، أخفضت رأسها ليُدثِّرها شَعرها وتتساقطُ دموعها المالحة.
عاد خطوةٌ للخلف، هذا البُكاء المالح أعرفه، أعرفُ كيف العينيْن تتلألأ كـ ليلٍ يغيبُ به القمر وتُرثيه النجوم ! " يا غايبة عنِّي، ردّيني ويَاك، لِك في نبرةِ الصدر موَّال حزين، رجعِّيه معاك يا غادة "
وضع يديْه على رأسه وأنظاره على الأرض، هذه حقيقَة، هذا الألمُ بعينِه يواجهه، " تعالِي " أنقذِي حياتي من الحياة دُونك، أرتفع ضغطُ دمِّه الذِي يتفجرُّ بحُمرةِ جسده المريض بها، نزف أنفُه للمرة الثانية، يا حُزنِي كيف لأمرِ عودتك يُلخبط هذه الدُنيا ويجعل كل شيء .. كل شيء بلا إستثناء يبكِي .. مطرًا ودمًا. أرفقِي بيْ! وأنا أعترفُ بقدرِ الدماء التي تفُور على غيابك ، أعترفُ بلهجةِ نجد التي جفَت مثل ما جفوتِ ، أعترفُ بنبرتِك وأنتِ تُرددين البيت الشعري الذي تُفضلينه " فينيّ بـدو مـاتـوا ظمـا لـ المواصيـل وَ وجيههـم من لاهـب الشـوق سمرَا "، من لاهِب الشوق سمرَا يا عين ناصر، قلبهُ يبتهِّل وعيناه تحكِي، أعيانِي الوقوف ردِّيني بخُطاك، أروِي عطش فقيرٍ يا غادة، أرويني يا غنيَّة وعيُونك على غناك ترفع السبابة، يا كاملة الزين وش بقى من الزين ما أستحلتَه ملامحك، يا كاملة الوصف سقطت الأوصاف من بعدِك، أنا الذِي لا أعرفُ من الأوصافِ غيرك ولا أعرفُ كيف أصف إلا بـ " جميل جدًا يُشبه غادة ".
أختنقت، هذا الهواء يهربُ من الشقَة، لم يعدُ لها قدرًا تستطيعُ التنفس به، أحتاجت أن تعانق أيّ شخص، أيّ أحدٍ يُخبرها بأنه معها، بأنه بجانبها، بعد كُل هذا تراه، هو زوجها! هو الذِي تُحب ولكن .. لا مجال للأسئلة كيف ومتى! 5 سنوات لا أعرفُ عنها شيء، بإنكسار رفعت عينيها إليْه ، أستسلم تمامًا، خُذنِي إليْك، خُذني لصدرِك، لقلبِك، لبين ذراعيْك ولا تُخرجني لهذه الدُنيا أبدًا.
ناصِر ينخفضُ صوته مرضًا و ذراعيه تسقطُ على جانبيْه دُون حِراك، طالت نظراته وهي تسرقُ من بينهم زمَن وعُمر، تنظرُ لصدرِه ولمعطفه، عقلُها الواقف عند عتبَةِ زمنٍ مُعين طلّ عليه بتطفُل لثوانِي قليلة مشهدٌ فات من عمرهما، مشهدُ من الحياة البائسة، مشهدٌ حشَر بها جسدِها الغضّ في معطفه وسَار معها على الطريق الممتلىء بالثلوج : يا رب العباد !!
بكلمتِه المبحوحة في صوتِه تزايد فوضى دمعها على ملامحها البيضاء، لتُردف بضِيق الكلمات بعد صمتٍ دام أكثرُ من ثلث ساعة ولا يحضرُ سوَى بكاء الأجساد في حين كانت ملامحُ ناصِر مُتجمدة مُحمَّرة والأكسجين يبدُو أنه لا يصلها : آسفة
لم يفهم أسفها، لم يفهم ما تعني، بنبرة غاضبة تشتدُ كثيرًا : ليـــه ؟
غادة تُشتت نظراتها المُتضببة بالدمع، تنزوِي في زاويـة الصالة : أنتظرتك، لكن ... مقدر .. مقدرت أتذكرك
يسترجعُ نظراتها الأولى، حُرقـة عينيْها التي تنظرُ إليه، أبتسم بسخريَة وهو يشعرُ بأن غليانٍ في رأسه وكأن نزيفًا يُدغدغ خلايا مخه : أنا ؟ مقدرتِ تتذكريني أنا!! أنتِ غادة أو مين ؟
صرخ بقوَّة فرغ بها غضبه : أنا ناصر!! .. "ينخفضُ صوته المكسور " ناصر يا غادة! .... كيف تضيعين مني !
غادة بلعت غصتها بصرخه لتُردف بكلماتٍ سريعة حتى تتفادى عينيْه الغاضبة : ما أتذكر سنواتي الأخيرة معك .. والله ما أتذكر
ناصر يقترب بخُطاه إليْها لتنكمش حول نفسها، أقترب حتى جلس بقُربها وعيناه تفيضُ بالحمرة : طالعيني، قولي أنك غادة اللي أعرفها .. اللي أنتظرتها .. اللي مشتاق لها كثييير
غادة تشد على شفتيها حتى لا تنطلقُ شهقاتها العالية، نظر لشفتيْها المرتجفة، أنتظر جوابًا، أنتظر أن تقول له " غادتِك "، تمرُ الثواني لتشطره أنصافًا دُون أن يسمع منها ما يجعله يصطبر على اللحظات التي مرَّت دونها : غادة!!
غادة ببكاء : أرجوك لا تضغط عليّ! أنا ما أعرفك .. ما أعرف إلا أنك صديق عبدالعزيز ...
بتملُك شدَّها ليُوقفها حتى لاصق صدره صدرها، عانقها حتى أوجعها بشدَّةِ عناقه، أضطرت أن تقف على أطراف أصابعها لتستنشق رائِحة العُود التي خلف أذنه، ألتوت أقدامه التي تخشبَّت بحقيقة ما يرى، ومازال يُردد " ثبِّت يقيني يالله " ، سقطت معه على الأرض وهو يتنفس عنقها وشعرَها، هي رائِحتها لم تتغيَّر، هذه الرائِحة التي أدُوخ بها وأتجدُد عشقًا، يالله! قليلاً من الصبر والرحمَة. دمُوعه التي هطلت بإستمرار طوال الأيام الماضيَة لم تهطل وهو يعانقها، كان جامِدًا ماعدا قلبه وعرُوقِ دمه التي تثُور عليه وتعلنُ الهرولة لجسدِ غادة.
حفرت أصابعها على ظهره، أشعرُ بإنتمائِي لك، رائِحة الماضِي التي أشتاقتها تتنفسها، أنت الذِي أجهلُ صفاتِه وحدُود شخصيته، " وَدِّيني " مثل ما تُريد وتشتهي. يالحياة، يا ذرات الأكسجين التي تطوف حولِي بعناقك وتقتلنِي، " ودِّيني .. وخذني لك "
مرَّت الدقائِقُ المُتعبة الذابلة بسُرعة، أطالُوا العناق حتى تيبَّست أجسادهم المرضي عنها بالحُب، صوتُ بكائها الذِي لم ينقطع في حضرةِ صمته الذِي مازال مفجوعٍ بها، حاولت أن تُبعده ولكن كان يُحكم قيده عليها، كان يُوصل لها مقدار شوقِه وهو يُدخلها بجسدِه
بخُطى الكلماتِ الميتَة التي تحاول الحياة : لا تكذبين! لا تكذبين وأنا اللي أنتظرتك
غادة في غياب الوعي التام، لا يحضرُ سوَى قلبُها وضباب يُغطي عينيْها الممتلئة بالدمع.
ناصِر بنبرةٍ عالية تحشرج بها الحنين : وش سويتي بدوني؟ وين كانت أراضيك! وينها يا غادة
ينخفضُ صوتِه بحُزن وهو يكتمُ نفسه بعنقها، لا يُصدق إلى الآن بأنها غادة ، بدأ هذيانُه ولا يعرفُ بأيّ الكلمات ينطق : وأنا لما جيت أعانقك خذوك منِّي .. خذوك ..... يا زُود حزني فيك وشلون خذوك مني
غادة ببكاء عميق، تُخفض رأسها لتغرق ملامِح ناصِر بشَعرِها، تقاطعت كلماتها بتأتأةِ الحنين : مدري والله مدرِي وش كنت ووش صرت .. أنا ما أتذكر شيء
أبعد جسدها ليصرخ واقفًا وهو يُشارف على السقوط، أضطرب بسيْره وهو يعُود مرةً للخلف ومرةً لليمين : كذابة!! أنتِ ما تعرفين وش قاعد تسوين فيني! حرَّة قلبي في موتك كانت أهون من الحين .. ليه .. بس أبغى أسألك ليه غبتي كل هالمدة ؟ وين كنتِ فيه ؟
غادة تُغلق أذانها بكفيّها : ما أعرف .. أتركني
ناصر : يا قو قلبك وشلون هان عليك ... وين حبنا ؟ كيف تنسيني بهالسهولة!
غادة جلست على الأريكة وهي تنحني بظهرها وتغطي وجهها بكفيّها، غرقت ببكائها بينما غرق صوت ناصر بحُرقة الذي مضى دونها.
ناصر ينظرُ لها بضُعف، برجاء : نسيتيني؟ نسيتي ناصر يا غادة!!
غادة أعتلى صوت بكائها بعتابه الحارّ، أكمل بصوتٍ يرتجف به الحب : ما فكرتي تتصلين؟ ما فكرتي تقولين اللي محترق بغيابك وش مسوي؟ ما أصدق أنك تكونين بهالأنانية!
صرخ : بهالحقارة يا غادة!! ..... دفعَ الطاولة الزجاجية بقدمِه غاضبًا يكاد يجنّ جنونه ليتناثر الزُجاج ....
بجنُون الصابر الذِي أنفجر : كملتي حياتك بدوني وأنا أستخسرت الضحكة على نفسي بدونك!! .. مستحيل تكونين غادة! ليتني ما عرفت بوجودك .. ليتني صدقت كذبة موتك ولا شفتك تنكريني كذا ....
شعَر بالغثيان وأنّ الإختناق يقتربُ منه، خرج بخطوات سريعة من الشقة وهو يسيرُ للأسفل مُتجهًا للخارج، بسرعتِه كانت دماءه تنزف وتفُور، " هذه كذبـة " . . " يا حسرة قلبي من يشفي له طعونه ".
،
تحت فراشها بعد أن نامت بُضع ساعات حتى أستيقظت على أذانُ الفجر، صلَّت وعادت لدفء سريرها الذِي ينبعثُ منه ضوء هاتفها، تقرأ ما يخصُ إستفساراتها التي لم تتجرأ أن تنطقها، كانت تعلم جيدًا أن تُركِي لم يُبقِي لها شيئًا يُساعدها على الأمل، تفهمُ نظرات سلطان الذِي لم يكُن ينتظر منِّي شيئًا ولكن أن يعرف الحقيقة أمرٌ هيِّن ولكن أن يُجرب بنفسه مالحقيقة سيشعرُ بقهرٍ يتجدد في داخله، أفهمُ جيدًا شعُوره وأفهم جيدًا شعُوري الذِي لم يتنازل ويفهمه، لم أكُن بِكر رُغم أنك أول رجلٍ في حياتِي، رُغم ذلك أنا أراك كل الرجال، كلهم بلا إستثناء، ولكن مرّ على ذلِك وقتُ طويل، مرّ الكثير الذِي جعل جسدِي يتكورُ حول نفسِه ويبقى لرجلٍ واحِد وهو أنت، لم أنقص شيئًا، مازلت فتاتُك ولا يُحدد ذلك " غشاء "، لا يُحدد ذلك فقدِي لبكارتي، ما دُمت بنتًا لم يلمسها من الرجال أحدًا، من لمسنِي لا يمتُ للرجولة بصلة وليس محسوبًا عليكم، لذلك لا تسألنِي من لمسِك قبلي؟ لم يلمسنِي أحدًا، فقط أنت. وأنا الضائعةُ بك ومنك.
تركت هاتفها بعد ان قرأت سبب شعُورها بأنها بِكر رُغم أنها ليست بِكر رُغم أنها رأت الآثارُ على مفرشها، كان السبب بسيطًا جدًا ، بسيطًا لجعلِ قلبها الطِفل يفهمُ أشياءً لم تفهمها من قبل، مازلت يا تُركي تحضرُ فيني، أنا التي لم أكُن شخصية جبانة وضعيفة مثل ما أنا أخافُ الآن حتى من ظلِّي، أخافُ من الأصواتِ الغريبَة والحركات المُباغتة. أبعدت الفراش لترفع شعرها الطويل للأعلى كذيلِ حصانٍ، أقتربت من المرآة تُدقق في ملامحها البيضاء الشاحبة، أخذت نفسًا عميقًا، لم يعُود إلى الآن ؟ رُبما أستغرق وقته في العمل أو رُبما لا يُريد أن يراني، أكثرُ شيئًا يجرحُ أنوثة المرأة أن يُقابلها الرجل بالرفض. هذه الإهانة لا تتقبلها أيّ أنثى كيف بأنثى وهبتهُ كل شيء ومن ثم رفضها؟ رُبما نَدِم على الليلة الفائتة ؟ ولكن رفضته! رفضتهُ بكل شيء أعطاهُ الله لها، لم أستسلم له ولكن تبقى قوته ورجولته فوق كل شيء، ورُغم كل هذا يرفضني الآن؟ يرفضني وكأنني أريده رُغم أنني لم أصرِّحُ بذلك، لم ألفظها من بين شفتيّ.
نزلت للأسفل في عُتمة الطابق الأول، دخلت المطبخ لتفتح نُور الجهةِ اليمين فقط ويبقى بقيةُ أجزاء المطبخ مُعتمة، أخذت قارورة مياه زمزم الكبيرة لتُفرغ نصفه في كأسِها، تمتمت بهمس : اللهم أني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعا وشفاءً من كل داء.
بخطواتٍ هادئة كان يُراقبها بعد أن دخلت المطبخ، خلف جسدِها يسحبُ الكأس من يدِها ليضعه على الطاولة قبل أن يسقط من فرط فزعِها، ألتفتت عليه لتلتصق أقدامه بأقدامها، أشتد خوفها وطريقة سيرهُ إليْها تُشبه شخصًا تُبغضه، نظرت إليْه برُعب وصدرها يهبط ويعلُو بكثافة.
سلطان أطال نظره لثوانِي وهو يشعرُ بقلبها الذِي سيخرج من مكانه، عاد عدةِ خطواتٍ للخلف ليلتفت للطاولةِ الأخرى ويسكبُ له من الماء، بالصوت اللامُبالي يقذفها : نمتِ اليوم كله وتوك تصحين!
الجوهرة بلعت رجفة ريقها، صمتت طويلاً حتى تُجهِّزُ جيوشِ كلماتها الساخرة : أجاري زوجي اللي ما يرجع الا متأخر
دُون أن يلتفت إليْها وهو ينحشرُ في العتمة ،ينظرُ لكأس الماء : و نعم الزوجة
الجُوهرة صمتت وهي تتأمله، هذه القوة التي ترتديها قليلاً وسرعان ما تتلاشى، ليتك تعرف أن المؤسف في كل شيء أنني أحببتك قاسيًا ولم تنظرُ إليّ إلا جريحة، ولا أعرف إن كنت تحبني أيضًا جريحة.
ألتفت عليها بعد أن أفرغ المياهُ في جوفه : وش تنتظرين ؟
الجوهرة شتت نظراتها لتلفظ ببرود : ولا شيء بس كنت أفكر بكتاب أقرآه
سلطان ودّ أن يُحرجها : ووش الكتاب ؟
ونظراتها مُعلقة في عينه : بصعد وبشوف أيّ كتاب أقرآه
سلطان و مزاج " الإستلعان " يُرفرف به : وكل هالوقت تفكرين كيف تصعدين فوق ؟ محتارة الدرج ولا الأصنصير ؟
أحمرَّت ملامِحها من طريقه تحجيره لها، بسخرية رُغم جمود ملامحها : تصدق! كنت أفكر كيف أصعد
سلطان ألتفت بكامل جسدِه ليسند ظهره على حافةِ الطاولة : طيب .. وش تنتظرين ؟ لا يكون خايفة تصعدين لوحدك
الجوهرة لوَت شفتِها السُفلية لتجذب أنظار سلطان لشفتيْها، بخطواتٍ مُتنرفزة صعدت للأعلى، له قُدرة رهيبة في إستفزازي بأبسطِ الأشياء، صعدت للدور الثالث الذِي تخافه، قاومت كل شيء حتى تتجه نحو مكتبته التي شتمتها في داخلها كثيرًا.
صعد خلفها والإبتسامة تُزيِّن محياه، شعَرت بخطواته ولكن تجاهلته تمامًا وهي تقف أمام رفّ الكُتب.
سلطان من خلفها : محتاجة مساعدة ؟
الجوهرة بحدَّة : لا
سلطان بتملُك حقيقي، يتجه نحوها ليسحب إحدى الكُتب وينظرُ لعنوانها : أقرأي هذا
الجوهرة : ماأبغى
سلطان بصيغة الأمر : قلت أقرأيه
الجوهرة نظرت إليْه : خلاص ماأبغى أقرأ شي
سلطان يضع الكتاب في مكانه : يكون أحسن
الجوهرة : يعني المسألة عناد!
سلطان يجلس على الأريكَة التي في الزاويـة : مُشكلتك ما تعرفيني زين
وهذه إهانةٌ اخرى، أن تتهمني بجهلك وأنا التي أعرفُ كل شيء عنك، شعَرت بالدماء وهي تسيلُ من أنفها، بحثت بعينيْها عن مناديل حتى أتجهت نحوه بقُربه كانت علبة المناديل.
بصوتٍ مُربِك لحواسها : ما تنزفين إلا بالبكي والخوف! وأنتِ لا بكيتي ولا خفتِي!! وش صاير لك؟
الجوهرة ترفعُ رأسها لتوقف النزيف، مرَّت ثواني طويلة حتى تقع عيناها عليْه : أنت اللي مشكلتك ما تعرفني
سلطان بهدُوء : عرفيني عليك! وش سبب هالدمَ ؟
الجُوهرة بقهر : رفعت ضغطي ... وأتجهت نحو الدرج ليُراقبها بعينِه، وضعت يدها لتقف طويلاً، شعَرت بأن إغماءة تتسلل إليْها.
سلطان بِـ شكْ وقف وأتجه إليْها لتلتفت إليْه : دوخة بسيطة ... ونزلت ، لم يُطيل وقوفه حتى نزل إليْها، سُرعان ما أنزوَت في الفراش وغطَّت وجهها به.
أخذ نفسًا عميقًا ليجلس بقُربها ويُبعد الفراش بعد أن نزع حذائه العسكري : كليتي شي ؟
الجوهرة ألتزمت صمتها
سلطان : على أكلك العصر ؟
الجوهرة : ما أشتهيت شي
سلطان : طبيعي بتدوخين وأنتِ ما أكلتِ شي .. قومي أكلي لك شي ولا تكذبين وتقولين أنك بتنامين وأنتِ توّك صاحية
الجوهرة أستعدت بجلستها لتنظُر إليْه : من مبدأ إيش مهتم في أكلي؟ من مبدأ أنك شفقان ولا تحس بتأنيب الضمير ولا ...
يُقاطعها بحدَّة : من مبدأ ما يعنيك
الجوهرة بعناد : ومن هالمبدأ أنا ما ودِّي آكل
سلطان بتهديد : تعاندين كثير وماهو من صالحك!
الجُوهرة ترفعُ كلا حاجبيْها بطريقةٍ مُستفزة لسلطان، تعابيرُ وجهها هذه المرَّة فزَعت لصوتها الذي دائِمًا مايكُون في محل جُبن.
نظر إليْها بتعجُب، ليشدّ على أسنانه ومن بينهُما أتى صوته حادًا غليظًا : بالله؟
الجوهرة شعَرت بالخوف ، ولكن تظاهرت بعكسِ ذلك مُشتتة نظراتها
مسكَ ضحكتِه، لأولِ مرَّة يشعرُ بأن نظراتِه تُرعبها : عندِك شي تبين تقولينه ؟
الجُوهرة دُون أن تنظر إليْه : ممكن تتركني أنام
سلطان دُون أن يحبس إبتسامته : قوليها وعينك في عيني وبعدها بتركك
الجوهرة لم تفهم مزاجه هذه الليلة، ألتفتت عليه لترمش أكثرُ من مرة في الثانية
سلطان غرق بضحكته الطويلة ليُردف : تصبحين على سعادة
الجوهرة عرفت لِمَ يضحك، كان واضحًا جدًا أن ملامحِي الشاحبة مُرتعبة، يشعر بالإنتصار لنفسه لأن أستطاع ببساطة أن يفرض قوته عليّ، ما أشدُ قسوتِك يا سلطان.
،
تضع رأسها على صدرِه الدافىء وشعرها الطويل ينسابُ على ظهرها جانبًا، خلخل أصابعه البيضاء في شعرَها و الصمتُ مترسب في حناجرهم، رفعت عينها له ليبتسم : وش تفكر فيه ؟
عبدالرحمن بتنهيدة : اليوم جو ناس يخطبون عبير
أتسعت إبتسامتها لتُبعد رآسها وتتربع على السرير بجانبه: مين ؟
عبدالرحمن : ما أعرفهم واضح عايشين حياتهم برا إسمه مشعل المحمد .. عنده دكتوراه في العلوم السياسية ومستقر في لندن
ضي : ماشاء الله ، الله يكتب لهم اللي فيه الخير .. لآيكون منت موافق؟
عبدالرحمن : مدرِي عايلة ما أعرفها ولا أدري وش طبايعهم ولا عاداتهم
ضي : تحسسني أنه دايم زواجات القبايل ناجحة! هذا هُم يعرفون عادات بعض ويا كثر ما يحصل الطلاق، دام مؤهلاته كويسة ماشاء الله ومستواه كويِّس وأخلاقه زينه خلاص .. لاتوقف نصيبها .. بالنهاية أنت ماراح تجلس لها العُمر كله
عبدالرحمن : وش يعرفني عن أخلاقه! أقولك الرجال ماعندي أيّ خلفية عنه ولا عن عايلته، تبيني أرمي عليه عبير وبكرا تجيني تشتكي منه ؟
ضي : أسأل عنه، كلم أبوه وقوله وين ساكنين وفي أيّ حيّ ووين يشتغل! وروح للأماكن هذي وأسأل عنه
عبدالرحمن : أنا لما شفته أرتحت له ، يعني حتى كلامه وأسلوبه جذبني لكن ما أدري وش ممكن يصير بعدين
ضي : يا عبدالرحمن يا حبيبي! كم مرة خطبوا عبير وتردّهم وأنت تعرف قبايلهم وعوايلهم، بكرا ذنبها بيكون في رقبتك وعبير وصلت لعمر محتاجة فيه لشخص ثاني يكملها
عبدالرحمن وكلمات ضي تُقنعه وتجعله يعيش الحرب بين قناعاته وخوفه من المستقبل.
أكملت : وهذي رتيل تزوجت! أكيد بتتحسس أنها الكبيرة وإلى الآن ما شافت حياتها ، أنا يمكن ماأفهم عبير كثير زي ماأفهم رتيل ، ويمكن حتى كلامها معي أحيانًا أحسه تتحاشى تتعمق فيه لكن واضح جدًا حاجتها لشخص ثاني
عبدالرحمن تنهَّد : أمرنا لله بسأل عنه وأشوف
ضي بإبتسامة متورِّدة : خلنا نفرح فيها وننبسط، يكفينا اللي جانا
،
أقترب فجرُ إسطنبُول وخفتت أضواء الصخب في شوارعها المُزدحمَة الراقصَة بتنغنج.
بعد أن أستغرقت بالتسوق ساعاتٍ كثيرة لم تملّ منها، كانت تُفرغ غضبها وحُزنها بالشراء، لم تستفد منه شيئًا، لم يكُن لها الزوج التي تطمح، ناحت أحلامها بجانبها ومازالت واقفة على قدمها، مازلت أكابر وأحامل على حُزني، كثيرٌ عليّ أن تُحزني هكذا.
نظرت إليْه وهو يُرتب بعض حاجياته في الحقيبة الاخرى، بللت شفتيْها بلسانها وهي تأخذ نفس عميق حتى تتحدث معه، أتكأت على الجدار : ريَّان
دُون أن يلتفت عليها : نعم
ريم تحاول أن تُمهِّد له بتبسيط الطلب : بعد ما نرجع إن شاء الله، أبغى اجلس كم يوم بالرياض ماابغى أروح الشرقية على طول
ألتفت عليها : كم مرة تناقشنا بهالموضوع!
بلعت ريقها بربكة : طيب أنا أناقشك الحين عشان نتفاهم
ريَّان بحدة : لا
ريم : طيب ليه؟ عطني سبب وأقنعني
ريَّان : ماني مضطر أعطيك أسباب
ريم شتت نظراتها : ما يصير كذا لازم نتناقش تعطيني أسبابك وأعطيك أسبابي وبعدها تقرر
ريَّان : ريم لا تكثرين حكي وفلسفة على راسي قلت لك اللي عندي
ريم : وأنا ماني موافقة
ريان رفع حاجبه : نعم ؟
ريم : اللي سمعته .. ماني موافقة أرجع الشرقية على طول بدون لا أشوف اهلي
ريان : لآحقة عليهم
ريم بقهر : طيب ليه تمنعني كذا! ليه تعاملني من الأساس كذا
ريَّان : تعرفين أنك تجيبين النكد!! ... وأستلقى على السرير لينام دُون أن يعير نقاشها أيّ إهتمام.
ريم بقوةِ شخصيتها التي تتذبذبُ كثيرًا أمام رجلٍ يُحييها لحظات ويُميتها أيام، تكتفت : هالحكي ما يمشي! لك شخصيتك ولي شخصيتي ما يصير تعاملني كأني أشتغل عندك وتفرض شخصيتك على شخصيتي ..... ريان أنا ماأعرف وش فكرتك عن الزواج! من جينا هنا وأنت يوميًا تبكيني وتضايقني ... والله لو أني ذابحة واحد من أهلك ما تسوي كذا! صارحني وقولي وش مضايقك فيني .. يمكن أقدر أغيره أو يمكن أنت فاهمه غلط .. بس هالطريقة ما تمشي أبد .. كيف بنعيش إذا إحنا نكتم على نفسنا وكل واحد يعيش لحاله .. الزواج شراكة نكمل فيه بعضنا ونستقر .. لكن ........
بربكة شفتيْها : ما أطلب منك شي كثير.. بس أبي أفهمك ! فهمني وش يعجبك وش اللي يرضيك وأسويه
ريَّان أستعدل ليسند ظهره على السرير : خلصتي ؟
ريم بتوتر : إيه
ريَّان عاد للإستلقاء : تصبحين على خير ..
أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليْه، رُغمًا عنها تدافعت دموعها لتسقط على ملامحها المُتيبسَة بحركته الأخيرة، كيف تتغاضى عن هذه الإهانة؟
،
يقرأ بعض الرسائِل التي أتت بالظرف البُني، رفع عينه لسعد الجالس أمامه ويبدُو النعاس يقترب منه : أحرقها
سعد بدهشَة : ما تحتاجها ؟
مقرن بهدُوء : لآ ماأحتاجها ... عبدالرحمن وسلطان صاروا يشكون فيني .. أستغفر الله بس
سعد : حسبي الله على أمل هي اللي شككتهم فيك ما يدرون أنك تخاف عليهم أكثر منهم
مقرن : وصلنا لنص الطريق مقدر أبعد وأوقف، يحسبوني خاين!! يا كبرها عند ربي
سعد : لا تهتم! دامهم ما قالوها في وجهك أتركهم .. أكيد بيتراجعون أو ما عندهم دليل يثبت هالشي
مقرن : كلها يومين وراح يواجهوني، لكن أنا مازلت أبغى أكمل اللي بديته، كل شخص لازم يتعاقب بذنبه واللي سببوا حادث أهل بو عبدالعزيز راح ينكشفون إذا مو اليوم بكرا
،
فِي يومٍ جديد، الساعَة تُشير للثالثة عصرًا بتوقيت باريس، يجلس بمُقابل والده وضحكاتهم تتواصل دُون إنقطاع، ألتفت عليه : الله لا يشمت العدو فينا
دخَل إحدى رجاله الذِين يبغضهم فارس : إلى الآن جواله مغلق
رائد بحلطمة : أستغفر الله!! وش صاير له ذا قطع فجأة
فارس : مين يبه ؟
رائد : واحد نشتغل معه
فارس بهدُوء : أنا أسألك عن إسمه
رائد بسخرية : كنك بتعرفه!! صالح
فارس عرف أنه عبدالعزيز ليردف : وش فيه ؟
رائِد : عندنا شوية شغل وكنا متفقين على اليومين اللي فاتت لكن أنقطع فجأة
فارس : يمكن سافر
رائد : أنا أظن كذا! يسويها هالنكبة
فارس بإبتسامة يُغير أجواء والده المشحونة بالعمل : تدري يبه أحس مبدئيًا بيوافق على شخصي لكن ممكن يتردد بموضوع أنه ما سمع في العايلة ومايعرفها
رائد : ولا يهمك كل شي مرتب، بيسأل وكل علومك الزينة بتجيه
فارس بهدُوء : طيب وعبير ؟ ماراح اقولها أني فارس
رائد بإندفاع : أنحرك قدامها لو تقولها أنك فارس، أتركها مع أبوها
فارس بضيق : وافقت على طريقتك بس طبعا ماراح أكذب عليها
رائد : لاحول ولا قوة الا بالله .. لا تطلعني من طوري وش قلت لك أنا!!
فارس وقف بعصبية : عن إذنك .. وخرج وهو يُفكر كيف يُخبر عبير متجاهلاً سلطة والده، من المستحيل أن يبدأ حياتها معها كذبًا وبسخريَة نبرته الداخلية " هذا إذا وافقت عليّ ! " ، يا رب قلبُها أجعل الخيرةُ بجانب قلبي.
،
يطرق الباب، مرةً ومرتيْن وثلاث وفي كل مرَّة تحتدُ ضرباته عليها، تفكيره الأبيض أستعمرتهُ خلايا السواد والحقد، يشعرُ بأنه كبت نفسه لعهُود طويلة، لن يُبعدها أحدًا ولن يأخذها أحدًا، هي تخصني وحدِي، الذِي يحب لا يضر من يُحب ولكن الذي يُحب يسرق من يحب دُون أن ينتبه هل يضره أم لا! لو أُخبر عبدالعزيز لجنّ جنُونه، لستُ انانيًا حتى لا أخبرك يا عزيز ولكن هذه الفترة أنا أحتاج غادة ، أحتاج عقلها أن يكون ليْ فقط حتى أروِّض نسيانها، كيف تنساني بسهولة؟ هل تكذب أم أنها تحاول أن تُخبرني أنها تريد الإنفصال بطريقةٍ مهذبة، كيف أستطاعت العيش كل هذه الفترة دُون أحدٍ ؟ أنا آسف يا غادة إن كنت سأقهرك! إن كنت سأضرك فأنا لا أعرف طريقًا متزنًا أكثرُ من ذلك.
فتحت الباب ليدخل دون أن يترك لها فرصة الإختيار، بكلماتٍ هادئة : جهزي أغراضك وبتروحين معي
غادة برعشة شفتيْها وأصابعها تتشابك مع بلوزة بيجامتها: وين أروح ؟
ناصر جلس ليرفع عينه التي باتت لا تُفهم : عندك 10 دقايق حتى تجهزين نفسك ولا بآخذك بشكلك هذا
غادة التي لا تعرف عن هذه القساوة شيئًا أردفت : كيف تآخذني! لو سمحت يا نـ
قاطعها بغضب : قلت لك 10 دقايق
غادة بأعصابها المُتعبة تحشرجت دموعها : لا تضغط عليّ! شوف أوراقي الطبية وتأكد بنفسك
ناصر بمثل حدتِه مُتجاهلاً كلماتها : 9 دقايق
غادة بضيق : وين عبدالعزيز ؟
ناصر وقف : يعني ماتبين تآخذين معاك شيء
غادة بغضب : ليه ما تفهمني! أنا ماأعرف مين أنت ولا مين ......
ناصر يُقاطعها بعصبية بالغة أعتلى بها صوتُه لآخر مدى : لا تقولين ماأعرفك! .. أخلصي عليّ !!!
غادة برجاء : لو سمحت!
ناصر يُمسكها من زندها ليشدَّها نحو غرفتها : 5 دقايق ألبسي فيها وأطلعي لي
غادة تتساقط دمعاتها الحارَّة، رضخت لصوته الغاضب وهي تعود خطوةٍ للخلف من صوت الباب الذِي أغلقه بقوَّة، نزعت بيجامتها لترتدِي على عجل أول ما رأته أمامها في الدولاب، أخذت معطفها الأسود الذِي يصل لمنتصف ركبتها، سحبت الإيشارب لتلفه وتُغطي شعرها الداكن، ودَّت لو أنها تهرب، لكن لا مفر وهو جالس بالصالة، خرجت له بتشتيت نظراتها، بغضته لتصرفه معها ولحدةِ كلماتها وقساوتِه.
وقف : بإسم مين الغرفة ؟
غادة : وليد !
أمال فمه : ومن متى المعرفة معه ؟
غادة : دكتوري
ناصر بعصبية : دكتورك!! وطول هالفترة كنتي عنده
لم تُجيبه حتى صرخ عليها : كنتِي عنده؟
لم تعتاد أبدًا على هذا الصراخ لتنطق بملوحة دمعها : لا بس .. بس كان معاي لأن ما كان فيه أحد جمبي
ناصر يفتح الباب ليُشير لها بعينه اللاذعة أن تخرج، أتجهَا لشقتِه وهو يفكر بطريقة يخرج بها من باريس! يجب أن يخرج بأسرع وقت قبل أن ينتبه عبدالعزيز. كيف يُخرج لها أوراقها الرسمية ! يجب أن يتحدث مع والده هو الوحيد الذِي يملك الواسطة في هذا الموضوع.
بُضع دقائقٍ حتى أوصلها لباب شقته، ألتفت عليها وهو يدخل : دايم تعيّشيني بالتناقضات! تغيريني كثير، تخليني أتصرف بأشياء ما ودي أتصرف فيها .. لكن تحمَّلي! تحملي يا غادة مسألة أنك ما تتذكريني ...
بحدَّة يكمل : تنسين الكون كله بس ماتنسيني.. لكن أنتِ اللي تبين هالشي .. أنتِ بنفسك تمشين لهالطريق وودك فيه !! لا تحاولين تتأملين شي مني .. مثل ما خسرت بتخسرين معايْ! إذا كنت أنا بضيع راح تضيعين معاي ... وأعتبري هالشي مثل ماتبين .. أعتبريه حتى تهديد ...
،
أرتدت الجاكيت بصعُوبة وهي تتذمر : أستغفر الله ليت إيدي اليسرى اللي أنكسرت
عبير : الحمدلله بس أنها عدت على خير!
رتيل بضيق : الحمدلله على كل حال بس يختي وش ذا كيف أصبر كذا! ما أعرف أسوي شي بإيدي اليسرى
ضي تُغلق حقيبة رتيل لتُردف : يالله مشينا ..
رتيل : ابوي وينه ؟
ضي : مشغول .. وبعدين أنا ما أكفي ؟
أبتسمت : إلا تكفين ونص بس أستغربت أنه ما جا
عبير : عبدالعزيز ما جاك الصبح ؟
رتيل هزت رأسها بالرفض لتخرج من غرفتها الكئيبة وحامِي الرقبة بدأ يُضايقها، أتجهتَا للخارج و بأولِ خطوةٍ تحت السماء الغائمة كانت أمامهم أثير.
دبّ الشك في قلبها من وجودها في المستشفى على الرغم من خروج عبدالعزيز، بإبتسامة تُخفي الكثير : مساء الخير
رتيل ببرود : مساء النور
أثير : الحمدلله على سلامتك
رتيل ودَّت لو تنطق " الله لا يسلمك " : الله يسلمك
أثير بإغاضة : الله ستَر وماراح فيها وجهك ..
عبير شعرت بالقهر يفيضُ بها فكيف رتيل! ، كانت ستسحب رتيل وتدخلان السيارة ولكن رتيل بدأت بالحرب الكلامية المُستفزة : غلطتي في المكان اللي تتشمتين فيه! إذا عبدالعزيز مزلِّب فيك فمشكلتك مع عبدالعزيز ماهي معي!
ضي مسكت ضحكتها وهي تشتت نظراتها للطريق، بينما عبير أتسعت بإبتسامتها وهي تتكأ على باب السيارة.
أثير بنبرةٍ مُتغنجة : الله أعلم مين اللي مرمي على جمب ومسحوب عليه! عاد تصدقين كنت متوقعة أني بدخل منافسة بس للأسف نافست نفسي لأن محد جمب عبدالعزيز غيري ومحد عايش مع عبدالعزيز غيري ! لكن أنتِ يا قلبي وش موقعك بالإعراب! زوجة فقط وبالإسم لكن فعليًا مافيه إلا زوجة وحدة اللي هي أنا
رتيل أمالت فمها وهي تشدُ على شفتِها السفليَة، ضحكت بخفُوت لتردف : تنافسين نفسك!! عفوًا بس مين قال أنه لك وجود عشان أنافسك! أنا لو أبي عبدالعزيز يجيني قدرت أخليه يجيني ولا تحاولين تشككين عشان ماتحطين نفسك في مواقف بايخة!
عبير مسكتها من معصم يدها اليسرى : ما نبغى نتأخر
رتيل بخبث : تهنِّي فيه فعليًا " أردفت كلمتها الأخيرة وهي تقلد نبرة صوتها "
ركبُوا السيارة لتتحرك مُبتعدين عن المستشفى، أطلقت ضي ضحكاتها : هههههههههههههههههههههههه بدآ شغل الضراير
رتيل : شفتوها! انا ماتحرشت فيها بس هي اللي تحرشت وتتحمَل! قال أنافس قال!! مدري وش جايبها
عبير : ما أتوقع جاية عشانك وكيف تدري بموعد خروجك أكيد جاية عشان شي ثاني
رتيل صمتت قليلاً لتُردف بخوف : لآيكون حامل!
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههه وش هالدجاجة اللي بتحمل بهالسرعة
رتيل : تسويها الحيوانة ذي! بس لا ما أتوقع .. لا مستحيل أنا متأكدة
عبير : تراها عايشة معه يعني خلاص ! إذا مو اليوم بكرا
رتيل بتوتر وهي تتذكر كلماته في الرياض " ماراح تكونين أول بنت في حياتي " ، أخذت نفس عميق : حيوان لو يسويها
ضي : تآخذين بنصيحتي؟
رفعت عينها لها لتُردف ضي : أنسي اللي فات، أدري جرحك!! ممكن ذلِّك لكن أنتِ بعد ما قصرتي.. أقطعي هالشر ولا تتركين أثير تتمكن منه، حتى لو ما يحبها إذا عطته كل شي طبيعي بيميل لها .. رتيل فكري بالمستقبل وش تبين تصير حياتك؟ قاعدة تضيعين عمرك بهالمُكابرة
رتيل بقهر : انا ما أكابر وأفكر بالمستقبل! ودام هو أختار حياته مع أثير بكيفه .. أما أني أتنازل لا والله ماني متنازلة ! يتحمَّل كلامه معاي
عبير : في ذيك الفترة كل الظروف كانت تجبره وتجبرك بعد تتصرفون كذا! وأصلا كانت أعصابكم تعبانة .. لآتزيدينها أكثر
ضي : صادقة عبير .. رتيل ليه تبين تخسرينه ؟
رتيل تنهدَّت : هو خسرني ماهو أنا
ضي : طيب تنازلي لو شوي.. ماأقولك سلمي نفسك له بس يعني شوية تنازل تخلينه هو بنفسه يشوف رغبتك وتتقدمون بعلاقتكم
رتيل : أنتم ما تحسون فيني! أقولكم قهرني ماكان يخليني أنام ليلي من قهري منه .. وفوق هذا كان يذلني بكلامه وعايرني بأسوأ الأشياء وبعد كل هذا أتنازل! لا والله ماني متنازلة لو يصير اللي يصير ......
ضي بضيق : بس أنتِ تحبينه ؟
رتيل بلعت غصةُ صوتها : اللي خلاني أحبه يخليني أحب غيره
ضي : ببساطة كذا ؟ يا قو قلبك يا رتيل .. تخسرين سعادتك عشان ..
قاطعتها : عشان عزة نفسي! مسألة أني أهين نفسي عشان قلبي هذي مستحيلة وما هي صايرة، إن تنازلت مرة بيخليني أتنازل كثير وبيذلني كثير لأن داري أني بالنهاية راح أتنازل لكن هالحكي ما يمشي معي ! بخليه يدفع ثمن حكيْه ويعرف قدره ومن خسر بأفعاله
عبير عقدت حاجبيْها : عُمرك ما كنتِ شخصية ماهي متسامحة!
رتيل : مقهورة منه ودفاعكم عنه يقهرني زيادة
ضي : انا ماأدافع عنه بس أنا أشرح لك من وجهة نظري، إثنينتكم غلطتُوا! صلحوا أغلاطكم وعيشوا زي هالعالم والناس
رتيل تنهَّدت : ممكن نسكر الموضوع!!
،
في سكُونِ ليلِ الرياض، رفعت شعرها المموَّج جانِبًا وهي تخط الكحل على جفنها، أرتدت فستانًا ناعمًا يصِل لمُنتصف الساق ويُظهر إنتفاخ بطنها الخفيف، تعطرت وهي تنظرُ لنفسها نظرةً اخيرة، ألتفتت على الطاولة التي جهزَّتها بالعشاء الذي لم تطبخه منذُ فترة طويلة، أتجهت لهاتفها حتى تُخبره كتبت له بالواتس آب " يُوسف "
دخَل للمحادثة وظهرت علامةُ الصح المزدوج كنايةً أنه قرأ ولكنه لم يرد، شعَرت بحجمِ زعله لتتصل عليه ولولا أنها تخجل أن تنزل في هذه الساعة للأسفل لكانت نزلتْ وتحدثت معه فالأكيد انه بالمجلس الآن أو رُبما مع هيفاء، مرةً ومرتيْن ولا يُجيبها حتى أعطاها " مشغول " ، كتبت له بالواتس آب " تعبانة حيل " أبتسمت وهي تراقب شاشتها حتى لاحظت الصح المزدوج، كانت ستكتب له بعد أن أستغرق الثواني ولم يُجيبها لولا أنه فتح الباب لترفع عينها بإتجاهه.
نظر إليْها بعد أن أنقبض قلبه خشية أن يُصيبها شيء، ضاعت نظراته في عينيْها السوداوتيْن، هذه الأنيقَة كم من مرَّة يجب أن نُخبرها أن اللون الكُحلِي فاتِنٌ على جسدها الأبيض! أقتربت بخطواتها وأصابعها تتداخل في بعضها البعض : آسفة
يُوسف شعَر بأن شيءٌ غريب بهذا العالم يحدث، إعتذارها الذي لم يتخيَّل أنه سيحدث حدث! أبتسم : مين داعي لي اليوم !
أتسعت إبتسامتها حتى بانت غمازةُ خدها الأيسر : يعني رضيت علينا ؟
يُوسف يقترب حتى لاصقت أقدامِه أقدامها : أطلع حيوان إذا ما رضيت
ضحكت بخفُوت و ملامِحها البيضاء تسرِي بها الحُمرَة خجلاً، قبَّلها بالقُرب من عينيها التي تقتله أكثرُ من مرَّة، وهي التي تحكِي وتبكي وتُثرثر وتعتب وتغضب وتضيق وتحزن في عينيْها، هذه السوداويتيْن يملكان سحرًا حائلي.
مُهرة بخجَل تُمسك معصمه لتتجه معه نحو الطاولة التي جهزتها : بذوقِّك طبخي اليوم
يُوسف ينظرُ للأطباق التي منظرها بحدِ ذاته يُشبعه، بعد يومٍ أحتد به مزاجه كانت الراحة في ختامه، إبتسامتها لوحدِها تُدخل الفرح لقلبه، والغمازة التي لا تظهر كثيرًا أمامه يشتاقُ إليْها.
،
واقفًا مُتكىءً على مكتبِه، بدأ يحك عوارِضه كنايةً عن غضبه وهو ينظرُ لمتعب الذِي بلع ريقه بصعُوبة بعد أن خلى المبنى وأنتهى الدوام الصباحي، أردف : أيوا وش أسوي ؟
متعب : يعني لقيتها .. الحمدلله
سلطان بسخرية : كذا نزلت من السماء
متعب إبتسم إبتسامة بلهاء ليُردف : سبحان الله
سلطان بهدُوء : يا سبحان الله ! كل شيء هنا صدفة وينزل من السماء ....
متعب : تعرف يا بُو بدر احيانا الواحد من كثر الضغط يضيِّع وينسى .. ولا أنا والله كنت أعرف أنه الملف عندِي بس سبحان الله ما لقيته الا اليوم
سلطان يهز رأسه مُستهزءً بكلماته ليُردف : وأنا ما أقتنعت بالعذر! قلِّي شي ثاني يقنعني ولا .. أنت تعرف وش بسوي
متعب : هالحين تؤمن أنه الله أحيانا يرسل ملائكته على هيئة بشر ، يعني ممكن أحد لقى الملف وحطه لي
سلطان يمسح على وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، متعب لا تخليني أفصل عليك! ملف فجأة يختفي بعدها يطلع ..
متعب أرتبك : طيب هالحين فكِّر بالمعنى مالنا دخل بالوسيلة .. والمعنى أنه وصل الملف
سلطان يتجه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه بعد إنتهاء الدوام بالنسبة له : طيب يا ولد إبراهيم .. حسابك ماهو الحين حسابك بعدين لا فضيت لك ....
خرج ليسير خلفه متعب : الله يشهد أني بحثت عنه وأنت شفتني يوم كنت أدوّره
سلطان : كل غلطة يتحملها صاحبها
متعب بضحكة حاول يستعطفه : ترى المعاش بحّ
سلطان كتم ضحكته ليلتفت عليه قبل أن يدخل المصعد : عزابي ماعندك لا شغل ولا مشغلة! وين يروح ؟
متعب : قطية إستراحة
سلطان بإبتسامة : مشكلتي أحبك ولا كان هفيتك الحين باللي معي *أشار لهاتفه*
متعب تنهد براحة أن أبتسم هذا يعني أن الأمور محلولة : أدفع عُمري كله عشان تبتسم .. يعني أتطمن على أموري
غرق بضحكتِه الطويلة ليُردف : ما أعصب الا لما تعصبني أنت وأحمد! ولا أنا هادي
متعب : ما ودِّي أكذبك طال عُمرك لكن قوية والله
سلطان يضغط على زر الطابق الأول : ههههههههههههههههههههههههههههههههه أنا أوريك القوية بكرا ! تجي بلبسك العسكري بخليك تتدرب معي
نزَل للأسفل ليتجه نحو سيارتِه السوداء، دقائِق قليلة حتى خرج من منطقة عملِه ليدخل في شوارع الرياض الصاخبة، أضواء السيارات تُغرقه في التفكير، تتشابك في داخله ألف فكرة وفكرة، إبتداءً من الجوهرة نهايةً في مقرن، مسك هاتفِه ليدخل الواتس آب ينظرُ لآخر دخول لها، قبل دقيقتين! لم تنام بعد.
تمرُ التقاطعات بخفَّةِ تفكيره حتى ركَن سيارته أمام بيته، خرجت أمامه العنود، تجاهلته تماما وهي تركب السيارة التي تبعد عن البيت عدة خطوات، ألتفت ليرى بها " ماجد "، عقد حاجبيْه بغضب وهو يفتح الباب ويبحث بعينه عن حصَة ، تقدَّم لها بالصالة دُون أن ينتبه للجوهرة الجالسة خلفه : كيف تطلع معاه بنتك ؟
حصَة : قول السلام طيب
سلطان تنهَّد : وش هالمصخرة اللي قاعدة تصير
حصَة : أنا رفعت إيدي منها! كيفها هي وأبوها
سلطان صمت قليلاً ليُردف : على يوم بتنذبح .. طيب وين الجوهرة ؟
قبل أن ترد عليه حصَة التي أتسعت بإبتسامتها، أتى صوتُها من خلفه : أنا هنا
ألتفت، يكرَه أن يقع في فخِ الغباء ، قطعت إنظاره الموجهة للجوهرة : تعشيت ؟
سلطان : لآ
حصَة : أجل بروح أحط لكم العشا
الجوهرة وقفت : خليك حصة أنا بروح أجهزه
حصَة تدفعها برقة لتُجلسها وبنظرة ذات معنى : خليك أنتِ في نفسك ... وخرجت.
سلطان جلس وهو يسند ظهره على الكنبَة بتعب، بعد أن مدَّد يديْه وفرقع أصابعه ألتفت عليها : متى صحيتي ؟
الجوهرة : ما نمت العصر.... أبوي نهاية هالأسبوع يبغى يرجع الشرقية ... كلمته وقلت له أني برجع معه
سلطان بجمُودِ ملامحه : وش قلتِي له ؟
الجُوهرة تعرف أسلوبه جيدًا، يُحب أن يسأل حتى يستفرد بغضبه، أرتعش لسانها : قلت أبغى أرجع معه
سلطان : وقررتي من كيفك!
الجُوهرة : بيت أهلي ما أحتاج أستأذن فيه
سلطان بغضب : لا! ومرة ثانية ما تفكرين من كيفك وتقررين وين بتروحين ووين بتجين
الجُوهرة بحدةِ كلماتها وهي تُمثِّل البرود في ملامحها : أنا قلت لأبوي وأنتهى الموضوع
سلطان صمت حتى وقف والغضب يفيض به : كيف يعني أنتهى الموضوع! أقسم بالله لو تعتبين باب البيت ماراح تلقين في وجهك الا القبر
الجُوهرة بربكة وهي تُشتت نظراته بعد أن أقترب منها: طيب أبغى ارجع! صار لي فترة طويلة ما شفت أمي
سلطان بحدة كبيرة : قلت لا ! تفهمين عربي ولا لأ ؟
الجُوهرة وقفت تحاول أن تتخلص من خوفها منه : لا ما أفهم! أبغى أرجع
سلطان يحاول أن يُمسك أعصابه أمامها : ناوية على نفسك اليوم ؟
الجوهرة : ليه ما تفهم أني ...
قاطعها بعصبية : قلت لا ! أنتهى النقاش بالنسبة ليْ! ثاني مرة ما تفكرين من نفسك ... لأنك ما تعيشين لحالك فيه عالم حولك تستأذنين منهم
الجُوهرة أمالت شفتِها السفليَة، تُجاهد أن لا تبكِي بعد توبيخه لها، أردفت بهدُوء : طيب أنا الحين أستأذن منك !
سلطان : وأنا وش قلت ؟
الجُوهرة : بس ما عندك أيّ مبرر! هذولي أهلي ومن حقي أشوفهم
سلطان : وتوِّك تفكرين فيهم .. تلعبين على مين بالضبط ؟
الجوهرة رفعت عينها له بدهشَة لتندفع بكلماتها : طول وقتي أفكر فيهم! ولا أنت أصلا تجلس بالبيت ولا تجلس معي عشان أقولك وش أفكر فيه ووش ما أفكر فيه .. حلوة ذي تغلط وتحط غلطك عليّ
سلطان يُمسكها من معصمها بغضب ليخرج بها متجهًا للأعلى
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . . . .
،
لم تتوقع أن يحتال عليها بهذه الصورة ولم تتوقع أن يكذب عليها والدها حتى تلتقِي بعبدالعزيز وقفت أمامه وهي تشتدُ غضبًا من تصرفات الجميع بحقَّها : وش تبي ؟
عبدالعزيز : ممكن تجين معاي ماراح نطوَّل ، نص ساعة وبنرجع
رتيل : لآ مو ممكن
عبدالعزيز : طيب كيف نخليه ممكن ؟
اعطته ظهرها وهي تسير بإتجاه المصاعد الكهربائية، مسكها من معصم يدها اليسرى : رتيل .. بس شويّ
رتيل تنهدّت : أكيد وصلت لك الأخبار من حرمك المصون !
عبدالعزيز : ما وصل لي شي
رتيل : بحاول أصدقك .. تقدر تقول اللي عندك هنا لأني بنام
عبدالعزيز : فيه أحد ينام الحين ؟
رتيل : إيه أنا
عبدالعزيز بضيق : رتيل! لا تآخذين الأمور بإستخفاف .. جد عندي موضوع معك
رتيل بسخرية: موضوع زي مواضيعك اللي فاتت
عبدالعزيز ضحك ليُردف بإغاضة : لا هالمرة الموضوع جسدي
رتيل ودَّت لو تصفعه، ضربت صدره بقبضة يده اليسرى : معفن ... مسكها وأحكم قيده على معصمها ليخرج بها إلى خارج الفندق ويغرقُ بضحكاته : أمزح
رتيل تشعر بأن أعصابها بأكملها مشدودة : مزحك ثقيل
عبدالعزيز : بعض مما عندِك
رتيل تنهدت : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. يعني وين بتوديني ؟
عبدالعزيز : بما أنه ماعندي سيارة راح نمشي
رتيل : لوين . .
عبدالعزيز : شقتي
ألتفتت عليه بغضب و . .
،
تضع يدها على قلبها المُرتجف من حضُور الرجل الذِي سيقترن إسمها بإسمه، تشعر بأن قلبها سيقتلع من محجره، لم تُجرب النظرة الشرعية رُغم أنه سبق وتقدَّم لخطبتها، هذه المرة الأولى وتشعر بالضياع الفعلي : يممه قلبي بيوقف
نجلاء بضحك تستفز خوفها : حاولي تطالعينه طيب عشان تقولين لنا الأخبار
هيفاء : كيف أطلع له ؟ لا بطَّلت خلاص قولوا له يشوفني بالعرس
نجلاء : شكلك حلو والله خليك واثقة .. يالله روحي صار له ساعة ينتظر ومعاه يوسف
هيفاء : ومنصور ؟
نجلاء : لأ قال يوسف أقرب لهيفا عشان ما تنحرج
هيفاء : ياربي وش أسوي! يختي جتني أم الركب
نجلاء : هههههههههههههههههههههههه لا إله الا الله .. تعوّذي من الشيطان وأدخلي قبل لا تجي أمك وساعتها بتحسبك من شعرك
هيفاء تأخذ نفس عميق : يارب يارب ... طيب إذا سألني ما أرد عليه صح ؟
نجلاء تضرب صدرها برقة : ورآه! فاهمه الحيا غلط .. ردي عليه على قد السؤال
هيفاء تتجه نحو المجلس الجانبِي، وهي تقرأ كل آيات القرآن التي تحفظها، حتى فتح يوسف الباب الذي تذمر من الإنتظار وكان سيأتِ ليُناديها ولكن تفاجىء بوقوفها، توسلت إليْه بنظراته لأشياء لا يفهمها يوسف، أبتسم ليُهلِّي بها مُستفزًا كل أعصاب هيفاء : هلا بالشيخة ....
رفع عينه فيصل لتلتقط حضُورها . . .
،
يتأملُها، يُطيل نظره بها وكأنه يستكشفها من جديد، مازال يشعُر بغربةِ جسدها عنه، يراقب تفاصيلها الصغيرة التي مازالت تحتفظ بها ولم تتغير بعد، تُشتت نظراتها من ربكة عينيْها التي تحدق بها.
ناصر بهدُوء : ماراح تقولين لي وش سويتي في غيابي ؟
غادة بمثل هدوئه : ما أتذكر
ناصر الذي لا يستطيع أن يستوعب أو يُفسِّر أو حتى يُجمِّع بعقله الذي مازال تحت تأثير الصدمة حتى لو كانت ملامحه تُوحي بغير ذلك، لا يستطيع ان يتزن بتفكيره أو يصِل الخيوط ببعضها، كم يلزمني من الوقت حتى أستوعب وأفكر بطريقةٍ لا تتحمل غبائي في هذه الدقائق، نظر إليها بحدة حاجبيْه : ليه تكذبين ؟
غادة بقهر : ما أكذب قلت لك ما أتذكر
ناصِر يضرب بكفِّه على الطاولة غاضبًا : تكذبين! من عيونك واضح تكذبين .. انا أعرفك أكثر من نفسك وأعرف كيف تكذبين
غادة بنبرةٍ لم تقصد بها الإستفزاز : لا ماتعرفني! لو تعرفني ما كان كذبتني وخذيتني كذا
يقترب منها ليحاصر كتفيْها وهو يُمسكهما بيديْه : أنتِ ما توعين لحكيْك ولا تعرفين وش قاعدة تقولين!!! .. غيروك .. واضح أنهم غيروك
غادة بضيق : أتركني أروح .. ما أبغى أجلس هنا ..
ناصر : لمين بتروحين! ماعندك أحد غيري
غادة : عندي وليد ....
ناصِر وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه . . . . . .
،
يضع شريحةُ هاتفه الأخرى التي لا علم لوالده بها، يجلسُ بالمقهى المعتاد وبالكرسي المعتاد أيضًا، الكُرسي الذي يخص العبير، كتب رسَالةً إلى الإسم الذِي رمزهُ بـ " عزيز "، " أحتاج أشوفك ضروري، والليلة إذا أمكن .... فارس "
،
مُقتطف/لمحة " بحماس تتكلم غاضبَة وهي تندفعُ بالكلمات الحادَّة ومن فُرطِ الإندفاع تفتحت أزارير قميصَها، لم يستطع الوقوف وهو يجلس على الأريكَة غارقًا بضحكاته : كم مرة قلت . .
↚
ألتفتت عليه بغضب لا تكاد تُصدِّق بأن والدها يوافقه ويصادِق على أفعاله بكل أريحية دُون أن يُلقِي لموقفِي منه أيّ إهتمام، عبدالعزيز أهانني بإرادة والدِي ودُون هذه الإرادة لمَا ذلَّني أبدًا. : طبعًا لا
عبدالعزيز أدخل يديْه في جيوبه ليبتسم : صدقتِي؟ أصلاً مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهَّد : طيب خلينا نمشي .... وأتجهَا لحيٍّ أقل صخبًا، دخلا في إحدى المقاهي المنزويَة بهدُوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقةٍ تُوحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمِه بمثل حركتها الدائِمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمُود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دُون أن تُجيبه. وبدأت تسرق الغطرسَة والساديَّة من جوفِ عزيز، بدأت تستنسخُ قساوتِه كما يليقُ بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذابِ الضمير لتُردف بقسوَة أحتدَّت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يُشتت أنظاره للمقهى الخاوِي من كل شيء عدَا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليْها : نطلع لنا مخرج!! أنتِ شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تُقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لآ تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفسٌ عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تُسيطر على كلماته الفاتِرة في حضرة غيرتها المُنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شدّ على شفتيْه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودَّت لو يقُول شيئًا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدِي وأرضخُ لك، لو كلمة! فقط كلمة تُبلل جبينُ القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعفُ عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعرُ بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر ليْ ولو إعتذارٌ مُبطَّن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشاتُ عينيْها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر منِّي ؟
عبدالعزيز يُثبِّت نظراته في عينيْها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدَّت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكِي أمامه، بلعت غصتَّها وهي تقاوم الحشُودِ الذائبة في عينيْها : أعذِّب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمُجرد شخص عادِي.. ممكن أحزن على أيّ شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يُطيل النظر بها، لعينيْها التي تصدق وتُهينه كثيرًا، للكلمات الحادَّة التي تُنصِّف القلب وتُسقطه، تُبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقعٍ وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تُخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المُحمَّرة بالرعشة وصدرها الذِي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامِي! أنا فعلاً ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيْك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرَّة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفيْن؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصَّة في صوتِي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاسٍ يا عبدالعزيز ويعزُّ على قلبِي أن تكون هكذا، يا حُزني المتواصل منك، يا حُزني الذي لم يجفّ بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوتِه، في تماسكه، وأنت وحدِك من تُبدده وأنت وحدِك من تستلذُ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنتِ اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرَّت من مُكابرتها لتنهمر دموعها بقساوةِ الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلماتٍ مُتقاطعة يعلُو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شويَّـة
وقف ليتجِه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنتِ؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقِّي!
ببحَةِ الوجَع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدُوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دُون زفير، ليُكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنتِ غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنتِ في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يُدرك بالوجَع أبدًا، لا يُدرك بحزني ولن يُدرك، لِمَ حظي بهذا السوء؟ لِمَ الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئًا يستحقُ الحياة، يُجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدِها لتلتصق به، تأمل دمعُها بعينيْه التائهتيْن، كيف يجب أن نُخبر هذه السمراء بأن لاتبكِي؟ كيف نُخبرها بأن البُكاء منها يعنِي : إنقلاب وكارثَة، بأن ملامحُ الجميلات يُحرِّم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتِي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدًا سيء يا رتيل وأعني بجدًا سيء أنني مستعد أن أنقض العهُود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دُون أن أسأل عما سبق وعما سيأتِ، ما بيننا أكبرُ من هدنَة، ما بيننا عمرٌ لا يقبل أبدًا أن يتعطل بهُدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك ليْ وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تمامًا وهي تُعاتبه بألمٍ يقذفُ نفسه بجسدِها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدًا سوى من عينيه المحاصرة لعينيْها المرتعشتيْن، بلاوعي ضربت يدِها التي تُغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الآن على حُبها وإنهيارها عليها، سحب يدَها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصلُ بينهما سوى هواءُ عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلاً قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرةٍ حانية : رتيل ..... خلاص ..
تُخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيْها أكثر حتى يلتصق تمامًا وما عاد الهواء العابر يمرُّ بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمرٌ وتطوف حولهما : كانت ردَّة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيْها الباكية : أنا أبكي على حظِّي .. على حياتي الضايعة ...
يقُاطع لذاعةُ كلماتها ليسحبها لحضنه، شدَّها حتى ودّ لو أنها تدخلُ فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمسُ بدفءِ أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوتٍ مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يُبعدها بهدُوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتُكمل بوجَع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يُطيل الصمت والضياع في عينيْها التي يكرهها بقدر ما يُحبها، هذه العينيْن التي دائِمًا ما تُجرِّد قلبه من كل الكلمات، حتى أُصبح لا أعرفُ كيف أواسِي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يُمسك كفَّها الأيسَر ليضغط عليه بكفِّه الأيمن، تنظرُ له بضياعٍ تام، لا أعتبُ عليك وعينيْك خمَاري، وأني والله يا حبيبي أخافُ العُريّ وأخافُ من نظراتِ المارَّة وأغار!.. أغارُ من العابرين والطُرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأتِ أنثى وتسكُن معك؟ أن تراها وهي تستيقظُ أمامك؟ أن تُبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبَل بأن تُشاركها طعامها، أن تُشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكُل هذا دُون أن يُخدشَ قلبي؟ دُون أن يضيق بيْ ويُحزنني؟ كيف أقبَل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفِي يا عزيز .. ما توفي لا ليْ ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعبُ بأصابعه على باطنِ كفَّها، عقد حاجبيْه بوجَعٍ أكبر : ما كنت متخيِّل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أيّ شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معايْ.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تُخفض رأسها لتسقطُ دمعتها الحارَّة على كفِّه التي تتغلغل بكفِّها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تمامًا، لم يعد يُفيد الإسْرَار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يُشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..
،
رفع فيصل عينيْه ليلتقط حضُورها، تجمدَّت ملامحه بأنها بعيدة وجدًا عن وصف والدتِه، لم تَصدِق بشيء سوَى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيءٌ لا أراه، أخذ نفسًا عميقًا وهو لا يرمش أبدًا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تُهدده بنظراتها العنيفة وتشعرُ بالإختناق وهي لم ترى سوَى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسَّل إليْه بنظراتٍ ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ودّ لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجُوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقفٍ يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانًا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليُردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوتٍ متقطع : بـ.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الآخر بفتح موضوع : طيب يا فصِيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشدّ على أسنانه : فصِيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بُو عبدالله لا تبطي علينا عندِك 10 دقايق بس
فيصل ينظرُ لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزيَة مغريَّة حدِّ التأمل، عينيها شديدة الشبه بيُوسف يشعرُ بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يُشير له بيدِه دُون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودِّك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندِك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندِي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يُمسك نفسه ليضحك بخفُوت وبنبرةٍ ساخرة : عندِك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعًا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يُراقب حركة شفتيْها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراعِ يوسف مُعبِّرة عن شدَّة الحرج التي تشعرُ بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصِل للخارج حيثُ مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دُون أن تنتبه أنهما مازالا واقفيْن ، رددت وهي تهفُّ على نفسها بيدِها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يُسيطر عليْها لتُنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهُما بينما فيصَل تمتدُ إبتسامته لآخر مداها.
شهقت وهي تتراجعُ للخلف وتشتمُ نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودَّت لو الأرض تنشق وتبلعها حالاً .. حالاً.
،
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . .
تعتلي قبضته لتُحاصر زندها وهو يصعدُ وهي تقاوم الصعود وتتمسك بالدرج : سلطاااان
يقترب منها ليفكُّ يدها من الدرج ويُحكم سيطرته على كلتا يديْها بيدِه ويصعدُ بها، أندفعت وهي تكرهُ نفسها أكثر حين ترضخ له : طيب آسفة .. خلاص آسفة ...
سلطان : أنا أعلمك كيف تتطاولين وتعلين صوتك عليّ! .... دخل بها لغرفتهما وأغلق الباب.
بقساوة ينزعُ حزامه العسكرِي الغليظ من بنطاله، تنظرُ له بدهشَة بعد أن تجمدَّت عروقها، ألتصق ظهرها بالباب : عمتِك ما رضيت عليها بالكفّ وأنا حتى الحريقة ترضاها عليّ !!!
سلطان بغضب : طيب يالمحترمة! يوم تعرفين تحاضرين وتناظرين !! شوفي نفسك كيف تكلميني!!
الجوهرة بربكة كبيرة أمام غضبه، أردفت بصوتٍ ركيك : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... وأنت على طول قدَّمت الضرب
تهزمه دائِمًا بالقرآن، بالآيات الي تعبره لتُمسك غضبه وتليِّنه، مدد أصابعه ليسقط الحزام على الأرض وقبل أن ينطق شيئًا أوجعتهُ بقدر الوجع الذي يترسبُ في قلبها، لتسخَر بكلماتها بجديَّة الحزن : وأظن أنك هاجرنِي بليَّا شي! ما هو ناقص بعد تحط في بالك الهجر
سلطان يقترب منها لتلتصق أقدامهما المتقابلة، بتنهيدته المتأنية : طيب يا حلوة
الجوهرة من قهرها لا تعلم ماذا تقول : لآ ماني حلوة!!
سلطان يكره أن يضحك في وقتٍ تضطرب به أعصابه ويرتفعُ به الغضب، أبتسم :وش تبيني أناديك ؟
انتبهت لكلماتها ليحمَّر وجهها، حاولت أن تُبيِّن اللاخجل : نادني الجوهرة
سلطان : طيب يالجوهرة بكلم أبوك وأعزمه عندنا قبل لا يرجع
نظرت له بملامحٍ أرتخت، شعرَت بأنه يفكّ قيدها تمامًا، هدأت أنفاسها وضاعت نظراتها في كل شيء بالغرفة ما عداه رُغم أنه لا يترك لها فرصة لتأمل شي وجسدُه يلاصقها تمامًا، لا تعرف كيف أنه يرضخ بسبب كلمةٌ بسيطة منها! أن يوافق على ذهابها لوالدها بعد رفضه.
سلطان بخبث يقطعُ سلسلة أفكارها : عشان أقطع يقينك بالروحة له
تغيَّرت ملامحها للأسوأ بعد أن رأت أملاً وسُرعان ما تبخَّر، لتتسع إبتسامته : تبين شي ثاني ؟ لأن ماراح أرد لك طلب
الجوهرة أمالت شفتِها السفليَة بغضبٍ شديد بعد سخريته بها، لا تعرف كيف تزورها القوة والجرأة أحيانًا، أندفعت : طيب يا حلو .. منك أنت بالذات ما أبغى طلبات
سلطان يُقلد نبرتها : لا ماني حلو
الجوهرة أخذت شهيق ونست الزفير من العصبية التي تُسيطر عليها : لآ تقلدني!!
سلطان مازال يُعاند، يشعرُ أنه يصغر 10 سنوات للخلف بتصرفاته : ناديني سلطان
الجُوهرة تُشتت نظراتها، تخاف من كلماتها القاسية أن تأتِ وهي تنظرُ لعينيه : يقول عني صغيرة عقل وما يشوف حاله
سلطان يضع ذراعيه على الباب لتُحاصر جسدِها : ما تبيني أمزح معك ؟
الجوهرة : أنت ما تمزح أنت تهين وبالشرع ما يجوز أنك تمزح بالإهانة
سلطان بإبتسامة : عاد أنا مزحي كذا
الجوهرة : وأنا ماأحب مزحك
سلطان : غصبًا عنك تحبينه ..
بغرورة الذِي يغيضها يُكمل : كل شي منِّي مجبورة أنك تحبينه
الجوهرة تعضُّ شفتها بغضب حتى أحمرَّت بالدمّ : طيب أبعد
سلطان : وإن ما بعدت ؟
الجوهرة تكاد تجَّن من تصرفاته التي لا تعرفُ بدايتها من نهايتها، كيف مزاجه يتلون بالدقيقة مئة مرَّة : سلطان
سلطان يُمسك ضحكته ليقترب أكثر فوق إقترابه الشديد : حاولي تدلعيني بكلمة ثانية وأبعد
الجوهرة : منت صاحي!
سلطان : هذي من معجزات القرآن، تقرأين عليّ آية وتضيعني
الجوهرة أضطرب نبضها وهو يتصادم في صدرها : طيب .. ممكن تبعد ؟ الحين حصة بتدوِّر علينا
سلطان بسخرية لاذعة : صادقة ماحسبناها! عمتي بتدوِّر علينا الحين وبتخاف إن ما لقتنا
شعرت بغباءها وسطحيتها في التبرير : سلطان لو سمحت جد أتكلم
سلطان : قلت دلعيني بإسم وأفكر أبعد
الجوهرة : طيب يا حلو ممكن شوي
غرق بضحكته : دلعيني دلع رجال
الجوهرة رفعت عينها لتُغيضه : يا سبحان الله حتى بالدلع ما ترضى تنتقص رجولتك بشي
سلطان يُغيضها أكثر : ما تنقص برجولتي الكلمات
الجوهرة : طيب إسمك ماله دلع رجولي
سلطان : إلا له .. أنتِ فكري وأنا بفكر معاك
الجوهرة تعرف ماذا يقصد : ما أؤمن فيه
سلطان أدرك أنها فهمت قصده : وأنا ما أؤمن باني أبعد الحين
طال صمتها لثوانِي طويلة حتى أردف بقهر : طيب يا سلطاني ممكن تبعد ؟
أبتسم : ولا تفكرين بيوم أنك بتقدرين تبعدين
الجوهرة وعينيها لا تستطيع ان ترفعها إليه، لاصق بطنه بطنها ولا فُرصه للحركة : طيب أبعد سويت اللي تبيه
سلطان يستمتع في إغاضتها وقهرها : قوليها وأنتِ حاطة عينك في عيني
الجوهرة بقهر أندفعت بغضبها : أنت تبغى تهيني وبس!
سلطان بهدُوء : الحين هالكلمة بتهينك! أجل يا ضعفك إذا الكلام يهينك
الجوهرة تضع يدها على صدره محاولة أن تُبعده ولكنه كالجدار واقف.
سلطان بخبث : أعدّ لما الثلاثة وبعدها تشهدِّي .. واحد . . . . . إثنين . . . .
نظرت لعينيْه وهي تفيضُ بالقهر، ستصبح هذه اللحظة من أسوأ الأشياء التي أحزنتني منه، يتلاعب بيْ مثلما يُريد، يُثبت أنه متمكن منِّي، بأني لا أستطيع أن أنسلخ منه، يُرضي غروره على الداوم بأنني غير قادرة على الإبتعاد، ليتني أفعل رُبع ما تفعل وأشعُر بأنني فعلاً مُتمكنة منك، بنبرة هادِئة : ممكن يا سلطاني تبعد لـ
لم تُكمل من قُبلتِه المُفاجئة التي قطعت عليها سيرَ الكلمات الخافتة، أتشعرُ بالضياء الذي يتوهَّج بجُغرافية جسدِي كُلما مررت بيْ؟ كم يلزمُ غيرك من الرجولة حتى يجيء نصفك؟ كم يلزمهم وأنت تختصرُ عليّ كل الرجال؟ مشكلتِي والله أنني أحبك ولا أعرفُ طريقًا أبتعدُ به عن حُبك، لا أعرفُ طريقًا للهرب وأنت لم تُبقِي ليْ مكانًا للهرب، رُغم أنك أكثرُ شخصٍ يُهينني، يستفزني، يُغضبني ويُحزنني ويُبكيني إلا أنك أكثرُ شخصٍ أشعرُ بأنِّي دُونه أعيشُ في غربة، مُشكلتي أيضًا أن عينيْك تُجهض كل محاولاتي البائسة في النهوض من وعثاءِ حُبك! كيف لك أن تحملُ هذا القدر من الرجولة القاسية لأنثى بسيطة مثلي؟ كل لك أن تحمل كل هذا الجمال العنيفْ الذِي يجلدُ قلبٌ هشّ مثلي؟ إن كُنت يومًا موسوعة أنا ثقافتُك يا سلطان.
أبتعد وهو يُبلل شفتيْه بلسانه، يومًا ما سأذهب ضحيَة لعينيْها الشفافتيْن وثلجيةُ ملامحها الناعمة، كيف لمجرَّة تدُور حول جسدِ أنثى وأضيعُ أنا في شمسها وقمرها ؟
لم تتجرأ أن تنظرُ إليه، وهي تتجه نحو الدواليب من الربكة لم تعد تعرف ماذا تفعل، دُون أن يلتفت إليها خرجَ للأسفل.
وضعت يدها على صدرها وهو يرتفع ويهبطُ بشدَّة : يا الله عليك!
،
وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه، أنا مستعد أن أعلن إنسلاخي من كل الأشياء التي تربيْتُ عليها مُقابل أن يتلاشى وليد من هذا الوجود، مُقابل أن تعود ذاكرتها كما كانت، مُقابل أن تكُون ليْ وحدِي، وحدِي أنا لا يُشاركني بها أحد.
زفرَ أنفاسه الغاضبة : وليد!! حسبي الله ..
بصراخ : تنسين شي إسمه وليد!!! أنتِ زوجتي رضيتي ولا ما رضيتي ... لا تخليني أفقد أعصابي معاك فوق ماني فاقدها
غادة بحنق : أقولك فاقدة ذاكرتي ماني عارفة إذا أنت تصدق بكلامك ولا تكذب .. وش يذكرني .. الله يخليك أتركني .. أتركني بس أرتب أوضاعي
يشدِّها حيثُ الجزء الآخر من الصالة التي تُخزِّن بها الذكريات بلا إنقطاع، تحبسُ أصواتهم وكلماتهم الضيِّقة الحزينة والسعيدة المُتغنجة، فتح الحاسوب المحمول ليُشغل إحدى الأقراص
ناصِر : شوفي بنفسك وأعرفي مين الصادق ومين الكذَّاب
غادة بتشتيت نظراتها : عارفة ماله داعي أشوف .. لو سمحت
ناصر رفع حاجبه والغضب يسيطر على أعصابه: صار بيننا لو سمحت؟؟ بعد
غادة نظرت إليْه والمقطع يُحمِّل حتى يُفتح : لا تضغط عليّ
ناصر عقد حاجبيْه الحادتيْن : ما أضغط عليك!! هذا شي ضروري عشان تعيشين! أنتِ ما تعرفين تعيشين بدوني وأنا مقدر أعيش بدونك .. عشان كذا ضروري تكونين معايْ!! مفهوم ؟
غادة تنظرُ للشاشة التي أتسعت بصورتها وصوتها الذِي أنهمر على مسامعها.
تسير من بعيد في مكانٍ كان بالماضِي مقهى، مهجور جدًا لا تسمع سوى صدى أصواتهم، تنظرُ للكاميرا الموجهة إليها : للحين تصوّر
ناصر بضحكاتِه اللامُنتهية: تأخرتي قلت أوثق المكان .. وقف ووضع الكاميرا دون أن يوقفها على الطاولة المتصدِّعة
تعانقه وتتنفسْ عِطره : وحشتني
ناصر : ماهو أكثر منِّي .. جلسا على الكنبة الرثَّة .. هالمرة بعد عجئة سير؟
غادة : ههههههههههههه لأ أبوي فتح معي تحقيق وعطاني محاضرة بطول وعرض
ناصر : مانيب متكلم عن أبوك
غادة وبأصبعها تداعب خدّه الخشن : هو تقدر ؟
ألتفت عليها ووجهه يُقابل وجهها : بصراحة لأ
غادة وترى بقايا أحمر شفاه على خده : مع مين جالس قبلي ؟
ناصر ويراها من المرآة المتكسِّرة على الجدار :يامجنونة هذا رُوجك !!
غادة وتقترب منه لتمسح بأصابعها بقايا رُوجها على خدّه وبمرواغة من ناصِر ليُقبلها لكن ألتفتت للسقف وكأنها تتأمله
ناصر : لا والله ؟
غادة بإبتسامة تنظرُ لِمَا حولها : هالمكان من متى مهجور ؟
ناصر : تبخلين على اللي مشتاق لك ؟
غادة : عشان تطفش مني بعد الزواج
ناصر : مين قايلك هالحكي
غادة ضحكت لأنه يعرف من ينصحها ويُعطيها كل هذه المواعظ.
ناصر : نصايح حكيم زمانه عبدالعزيز !! شغله عندي ذا أتركيه عنك لو تسمعين له صدقيني تضيعييين ..
غادة : ههههههههههههههههههههههههه بس أنا أقتنعت بكلامه
ناصر : لازم يخرّب عليّ كل شيء هالولد
غادة : قولي وش أخبارك ؟
ناصر : ماشي حالي
غادة : أنت بس ناظر عيوني وأتحداك بعدها ماتقول أنك بألف خير
ناصر بحُب وعينه بعينيها : وعيُونك تعطيني درُوس بالفرح بالسعادة يابعد ناصر أنتِ
غادة أبتسمت وهي تنظر للكاميرا : للحين شغالة ؟
ناصر ألتفت عليها ويسحبها ليُغلقها . .
أضطربت وقلبُها يصطدم بصدرها الذِي تبلل بالكلمات الخجلى التي لا تعرفُ كيف كانت تتجرأ بنطقها أمامه، أحمرَّت خجلاً من حركاتها وكلماتها معه، هذه العلاقة لا تُوحي بانها سنة أو سنتين، جُرأتي تُوحي بأن الذي مضى عمرًا كاملًا.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تصارع دموعها : لا تشغل شي ثاني
دُون أن يلتفت لها يُشغل القرص الآخر الذي هو نفسه لم يراه منذُ فترة طويلة بعكسِ الذي سبقه.
على القارب الذي يعبرُ نهر السين ولا يُشاركهم به أحد، تُمسك الكاميرَا وهي تصوِّره وأطرافها ترتجفْ ببرودةِ الأجواء : ناصر خلاص أبعدنا خلنا نوقف هنا
ناصر يُجمِّع كفيْه وهو يُدلكهما حتى يتدفئ : الجو يناسب القصيد
غادة تضع الكاميرَا لتثبت الصورة على أجسادهم من بطونهم حتى أقدامهم، أقتربت منه حتى يُحكم قيده على يديْها ويُدفئهما، قرَّبها إلى الأعلى وكانت تُوحي بأنه قبَّلهُما
غادة تزفرُ أنفاسها الباردة ليحملها ناصر بخفَّة ويجعلها تجلسُ أمامه، صدرُه يلاصق ظهرها وذراعيْه تُحيطها : متى نتزوج ؟
غادة : ههههههههههههههههههههههه كم مرة سألت هالسؤال
ناصر : وبضِّل أسأل لين يرحمنا أبوك ...
غادة : هانت! ما بقى شي ويجي تقاعد أبوي وبعدها أكيد بيعجِّل في الزواج
تُطبق الشاشة، ترفضُ أن ترى حياتها السابقة بعينيْها، تعالت أنفاسها وهي تتوسَّلُ إليه : يكفي! .. ما فيني حيل أشوف أكثر
يضع كفِّه على كفِّها : وأنا ما فيني حيل أشوف صدِّك
تلتفت إليْه وملامحها تُضيء بالدمع : طيب هذا فوق طاقتي! والله فوق طاقتِي ...
ناصر بغير وعي/إتزان : مافيه شي إسمه فوق طاقتك! يعني تبين حياتك هذي؟ اللي ماتعرفين فيها حتى إسمك
غادة : أنا مشتتة عطني الوقت اللي يخليني أستوعب كل هذا
ناصر : وأنا من يعطيني الوقت ؟
غادة ودمُوعها تتساقط : أرجوك ناصر
ناصر يقف مُبتعدًا عنها : يا قساوتك!
وبعصبية بالغة يرتفعُ على سطحه مُلكيته بها : بس طلعة من هنا لو تموتين ما طلعتي! حياتك هنا! مالك مكان عند غيري .. مالك مكان أبد
،
تمرُّ الأيام بصورةٍ مُهيبة، الهيبة التي تجعل الجميع ينحنِي إليْها، لا أعرفُ كم من الوقت يلزمُ أبناء جنسنا حتى يستوعبُ أن الهجر لا يزيدُ قلوبنا إلا مضرَّة/كدرًا! يراقبها وهي تأكل بهدُوء بعد أن أعتادت الأكل باليسار والآن تحاول أن تعتاد على يدِها اليمين التي نستها طوال الفترة الماضية، رفعت عينها : فيه شي بوجهي ؟
عبدالعزيز أبتسم : لأ
رتيل : شككتني بحالي، اليوم عندك شغل ؟
عبدالعزيز : إيه أنتظر أبوك يجي
رتيل : ما نام إلا الفجر
عبدالعزيز : الله يعينه ... نظر للمصعد الذي أنفتح بخروج عبير .. طيب 10 دقايق يا رتيل وتمشين معي .. ماهو أنتظرك ساعة!
رتيل تنظرُ لعبير التي لم تتوقع أن تجد عبدالعزيز اليوم بحُكم الأشغال التي أزدحمت في الأيام الماضية
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليها : شلونك عبير ؟
عبير بخفوت : بخير الحمدلله
رتيل : طيب 10 دقايق وأجيك ، خرج ليتركهما
عبير : ليه ما قلتي لي أنه بيجي اليوم ؟
رتيل : نسيت ..... تنظرُ لمحادثات الواتس آب ... يارب صبِّرني
عبير : مين ؟
رتيل بشغف تلتفت عليها بكامل جسدها : تذكرين اللي تمشي مع صديقة هيفاء الطويلة .. اللي دايم تسوي بشعرها حفلة
عبير ضحكت لتُردف : إيه عرفتها .. إسمها هناء مدري نهى
رتيل : المهم قبل كم يوم جتني تعزمني لعرس أخوها قلت لها أني ماني في الرياض! راحت قالت لهيفا أني أكذب وأني أنا أتحجج عشان ماأجي .. جتني هيفا تقول أشوى أنه عندك عذر عشان ماتجين عرسهم أنا وش عذري! المهم الهبلة هيوف كتبت هالكلام في محادثتها .. وسوَّت لها فضيحة
تُقلد صوتها رُغم أنها لم تسمعه إلا لمرةٍ واحدة : أنتم ماتبغون تجون بكيفكم محد غاصبكم ! ليه تنافقون وتمثلون عليّ وأنتم وأنتم .. ههههههههههههههههههههههههه تفجرت البنت .. هيفا كلمتني الصبح تقول مسوية نفسها ميتة ما ترد على هواشها .. تو الحين كاتبة لي نهى .. ما فيه تقدير للعشرة تتزوجين وماتقولين لي ؟ بغيت أحط لها ضحكة طويلة وأقولها عفوا مين أنتِ ؟ يختي غصب تحط بيننا عشرة وأنا ما شفتها الا مرة وحدة
غرقت عبير بضحكتها لتُردف : هبلة هالبنت! لا تردين عليها وأسفهيها
رتيل : عقلها صغير أستغفر الله .. مشكلتي ما أحب أحش بأحد
عبير بسخرية :بسم الله على قلبك ماتحبين تحشين أبد!
رتيل : يعني صراحةً فيه ناس غصب يخلوني أحش ولا أنا ما ودي .. تحسين كأنهم يقولون لك تكفين حشِّي فينا
عبير : أصلاً أنا ما أدانيها يختي قلق مررة
رتيل : مدري كيف صديقة هيفا تماشيها! أبد الضد منها
عبير : تخيلي في ناس تشوفك وتقول .. كيف هيفا تماشي رتيل ؟
رتيل : يآكلون تراب! الحمدلله صدق أني أسوي أشياء غبية في حياتي بس ماني قلق ولا نشبة ولا أهايط .. الله يآخذ سيرة الهياط يختي تذكرني بناس وصخة
عبير: سبحان الله كل الناس وصخة ماعداك
رتيل غرقت بضحكتها لتُردف : أستغفر الله الله يتوب علي بس آخر وحدة بحشّ فيها وإن شاء الله أني بعدها بتوب، تعرفين بنت صديقة أبوي اللي إسمه مدري إسم جده معاذ .. اللي تعرفنا عليها أيام الثانوي ..
عبير أتسعت محاجرها : لآ تقولين لي أنك متواصلة معها إلى الآن .. قديمة مررة
رتيل بحماس الموضوع : معي في الواتس آب ، المهم أرسلت بي سي حق ..
تُقلد صوت الدلع : البنات الكيوت و اليايْ .... المهم كتبت المناكير وعلاقتها بالحب .. قلت لها طيب اللي ماتحط مناكير ؟ فشلتني الكلبة وقالت ماهي بنت ماتدخل من الفئة المعنية بالبي سي ! قلت طيب اللي تحط مناكير شفافة ؟ قالت لي لحوج! قلت طيب اللي تحط مناكير زي لون شعرك .. الحيوانة عطتني بلوك ..
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههه قسم بالله أنك حقيرة يا رتيل
رتيل بصخب ضحكاتها : قهرتني الكلبة أجل أنا لحجية وهي صابغة شعرها أصفر .. يا ليته أشقر بعد .. عاد هذا قبل سنين يمكن أنها الحين صبغته أسود وعقلت
عبير صمتت وشتت أنظارها لتلتفت رتيل للواقف أمامها : خلصتي حشّ ؟
رتيل بإبتسامة ونظراتها العفويَة تبتسم معها : باقي أنت ما حشينا فيك
عبدالعزيز : قومي معي منتِ كفو أحد ينتظرك
رتيل تقف : طيب خلاص ... أتجهت معه للخارج وبنبرة الفلسفة الغير مقنعة : تعرف عبدالعزيز وش يروقني ؟ لاحظت أنه أكثر شي يروقني لما تكون سعيد
عبدالعزيز ألتفت عليها : بحاول اصدق
رتيل : هههههههههههههههههه جد أتكلم! أنت أنبسط يا قلبي وأنا اروق
عبدالعزيز تنهَّد : تحبين تتطنزين على علاقتنا كثير! ملاحظ هالشي و أصلا هالفترة واصلة معي وأنتظر الزلة على ايّ أحد عشان أتهاوش معه
رتيل : هذا شي يرجع لخلل عقلك لكن ظاهريًا أنت سعيد
عبدالعزيز يعض شفتيه ليحاوط رقبتها بذراعه ويُنزل رأسها ناحية بطنه
رتيل : خلاص خلاص آسفين .. عورتني توَّها راجعة لي رقبتي تبي تطيِّرها بعد
عبدالعزيز يتركها : أنتِ ما تروقين يا قلبي أنتِ تهايطين
رتيل أتسعت بإبتسامتها : أستغفر الله أستغفر الله .. اليوم بجلس أستغفر عن كل شخص حشيت فيه ...
عبدالعزيز : أنتِ كويِّس ما تحشِّين في ظلك
رتيل عقدت حاجبيْها : تبالغ مرة .. أنت والله اللي كويِّس ما تتهاوش مع ظلِّك
عبدالعزيز : بس أنا أقولك وش اللي مروقك هاليومين ؟
رتيل : وشو ؟
عبدالعزيز وهو يسير بجانبها على الرصيف الصاخب : أنك صايرة ما تتهاوشين معي وتعاندين! عشان كذا أمورنا طيبة
رتيل : إذا أنت ما نرفزتني ما اتهاوش معك
عبدالعزيز بخبث : ولا عشان ماتشوفين أثير
رتيل وقفت وهي تعضُّ شفتها السفلية بحقد.
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههه بترجع الليلة لازم تقومين بواجب السلام
رتيل تُكمل سيْرها حتى لا تلفت إنتباه أحد : شفت! ما ترتاح إلا إذا عصبتني وأنا مروقة .. يخي أتركني أنبسط لو يوم
عبدالعزيز : أبشري على هالخشم
رتيل أبتسمت : طيب .. وين بتوديني اليوم ؟
عبدالعزيز يواصل خبثه المُتغزل : لقلبي
رتيل ضحكت لتُردف : لاحول ولا قوة الا بالله .. جد عزوز
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههه وصرنا نقول عزوز ؟
رتيل : عفوية لا تجلس تدقق
عبدالعزيز : طيب عندي لك موضوع سري سري سري للغاية .. حتى بينك وبين نفسك لا تفكرين فيه
رتيل رفعت حاجبها : وشو ؟
عبدالعزيز : يخص أختك عبير
رتيل : إيه وشو .. خوفتني
عبدالعزيز : خلينا نجلس بالأول بمكان هادي وأقولك
،
ينظرُ لساعته بربكة : والله لا يعلقني معك ترى إحنا واعدينه ..
أحمد : طيب أنت توترني .. أبلع لسانك وبطبعهم الحين
متعب يقترب للنافذة التي تطلّ على بوابة المبنى الرئيسية : إن جاء ومالقى الأوراق بيقول أننا مو قد الوعد وعاد والله لا يمسكها علينا سنة قدام
أحمد : متعب إكل تراب .. دبلت كبدي ووترتني معك .. بيجي وبيلقى كل شي جاهز
متعب : بيمسكني دوام ليلي والله لا يذبحني معه .. انا أعرفه
أحمد يرمي عليه علبة المناديل : يخي أسكت
متعب صمت قليلاً ليُردف بصوتٍ عالِي : جاء .. جاء .....
أحمد يسحب الأوراق من الآلة ليركض للطابق الثاني الذي يحتوي على مكتبِ سلطان، متعب يسحبُ بقية الأوراق التي نساها الغبيُ الآخر وهو يركض خلفه ... دخل أحمد لمكتبه.
متعب الذِي أصطدم بالطاولة وآلمت بطنه، تحامل على ألمه ليركض نحو مكتبه وتجاوز بابه ليعُود للخلف بـ " سحبَةِ " أقدامه التي أنزلقت نحو الداخل ... وضع الأوراق على مكتبه بترتيب.
مرّ زياد بكُوب القهوة ليسحبها منه متعب ويضعها على طاولة سلطان. زياد بسخرية : ممشيك على الصراط !
أحمد : وش تحس فيه ؟
متعب : عشان يشوف القهوة باردة ويعرف أننا مجهزين كل شي من زمان .. ذكاء يا حبيبي ذكاء ... وخرجا مُتجهين لمكاتبهم.
أنفتح المصعد ليتجه سلطان دُون أن ينتبه للربكة التي حصلت قبل قليل، وقبل أن يدخل مكتبه تراجع عدة خطوات للخلف ونظرُ لمتعب ، أشار له من خلف الزجاج أن يأتِيه.
متعب تبعه : سمّ
سلطان ينظرُ للقهوة التي واضح أنها سبقت شفاهُ أحد : مين داخل مكتبي ؟
متعب : محد بس أنا الصبح حطيت الأوراق اللي طلبتها مني
سلطان رفع حاجبه : وهذي القهوة مين له ؟
متعب شعر بالورطة الحقيقية : لي أنا طال عُمرك! .. نسيتها ... أقترب وأخذها.
سلطان يجلس ويطيل النظر بعينِ متعب ليستنسخ الكلمات منها : وجهك ما يبشِّر بالخير
متعب وفعلاً يُريد أن يبكي الآن من قهره، مهما فعل يشك به سلطان : علمني وش أسوي! كل شي أسويه تشك فيه
سلطان بجمُود : بعد أبكي زي الحريم
متعب ويشعرُ بأنه تعقَّد تماما من هذا العمل : ما أبكي بس أشرح لك الحرقة اللي في صدري
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك : حرقة بعد !!
متعب : هذي الأوراق وجاهزة .. والحين تجيك القهوة زي ما تحبها .. أنت بس آمرني
سلطان يضع يده على خده ويتكئ : متعب ماودِّك تترقى ؟ تدخل دورة وتآخذ رتبة جديدة
متعب ببلاهة : لا .. أنا كذا مرتاح
سلطان : طيب فارق
متعب : شكرًا ... وخرج
سلطان أبتسم على كثرة أخطائه الفادحة والغبية إلا أنه يُسعده حضوره، مسك الأوراق ليُراجعها بعد أن عاود نشاطُ عبدالعزيز مع عبدالرحمن في باريس. بدأ العدّ التازلي لإنتهاء الجوهي أو إنتهاءُ إدراتنا!
،
دخَل لتلتقط عينيْه جلوسها على السرير وبين أحضانها عبدالله، تُلاعبه بأصابعها وتُغني له بصوتٍ خافت، بإبتسامة : مساء الخير
رفعت عينيها : مساء النور ...
بربكة أردفت : كانت هنا هيفاء وخلته راحت تشوف أمها ...
يوسف : أصلا عادِي مافيها شي .... جلس بجانبها : رحتي الجامعة اليوم ؟
مهرة : إيه قبل شوي رجعت ... هالكورس إن شاء الله أتخرج وأرتاح من هالهم
يوسف يأخذُ عبدالله من أحضانها ويُقبِّل خده : وزين خدوده يا ناس ...
مُهرة أبتسمت : أحترت فيه مو طالع على واحد فيكم .. بس فيه شبه من عمِّي
يوسف : طالع على سميَّه ... أنا أدعي الله أنه طنازتي على خلقه ما تطلع في عيالي
مُهرة : ههههههههههههههه عقب وش؟ تطنزت وأنا اللي بآكلها
يوسف : انا واثق بجمالهم .. دام أني أبوهم غصبًا عنهم يطلعون حلوين
مُهرة : إذا ولد انا بسميه وإذا بنت بكيفك .. علاقتي مع أسماء البنات مهي كويسة
يوسف بضحكة : أنتِ إسمك كله على بعضه مو كويِّس
مُهرة رفعت حاجبها : إسمي اللي مو عاجبك معناه ..
يُقاطعها : والله داري وش معناه .. بس أنا كذا ما أحب الأسماء العنيفة .. أحب الركَّة *الرقة* *أردف كلمته الأخيرة بضحكة عميقة*
مُهرة : لو بنت وش بتسميها ؟
يوسف : ريَّانة بلا منازع وبخليها لولد عمَّها عبدالله
مُهرة : تدري لما كنا صغار كانوا مسميني لولد خالي مساعد .. بس تزوج يوم كنت في اول سنة جامعة
يوسف : شفته ؟
مُهرة : إيه كان موجود يوم جيت حايل ... لحظة عندي أخته حاطة صورته ... أخرجت هاتفها لتفتح بروفايل إبنة خالها على صورة أخيها
يوسف لم يُدرك من قبل أنه يغار بهذه الصورة الشديدة، نظر للصورة بحدَّة : طيب
مُهرة بعفوية : بس قهرني! يعني لما تفكر طول مراهقتك بأنك بتكون معه وتبني أحلامك على هالأساس بس آخر شي كسر قلبي وتزوج وحدة ثانية
يوسف بسخرية : بسم الله على قلبك اللي كسره
مُهرة : ههههههههههههههههههه جد أتكلم يعني بوقتها ما كنت أشوف من الرجال أحد غيره ..
يوسف بهدُوء يُقاطعها : مُهرة ممكن تبطلين حكي في الرجَّال اللي تزوج قدامي
تجمدَّت ملامحها بالإحراج : ما كان قصدي
يوسف : داري .. وضع عبدلله على السرير ليستلقي بجانبه مُرهقًا من العمل ...
مُهرة تقترب منه : بكرا موعد الدكتورة .. بتجي معاي .. بيكون الساعة 10 الصبح
يوسف وهو مُغمض العينيْن : طيب يعني بتداومين ولا كيف ؟
مُهرة : لآ ماراح أحضر .. بس أنت بتطلع من دوامك ؟
يوسف : إيه ولا يهمك
مُهرة ألتزمت صمتها وهي تُطيل النظر به، من أنفاسه يتضح أنه لم ينَم بعد، قطعت الهدوء : طيب إذا ما تبغى تنام أجلس معاي لأنه مو جايني النوم ومحد في البيت .. طلعت هيفاء مع عمتي ونجلا
يوسف مازالت عيناه مغلقة : من آثار الحمل أنك تكونين قلق؟
مُهرة أبتسمت : لأ بس طفشانة
يوسف يفتح عينيْه : تعرفين تسوين مساج لرآسي
مهرة : لأ
يوسف : حايلية على وش ؟
مهرة : ليه الحايليات لازم يعرفون كل شي
يوسف : إيه مين أسنع حريم بالسعودية ؟ بنات الجنوب وبنات الشمال
مُهرة : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه على كيفك تقسِّم ... بالعكس نجد مسنعات بعد
يوسف : بالنسبة لي أنا أشوفهم التوب
مهرة بخبث : مجرِّب ؟
يوسف : أنتِ أدخلي معي الإستراحة وبتشوفين حوار الثقافات اللي يصير
مهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه ما تمِّل وأنت تتطنز على ربعك
يوسف : تراني أحبهم وأغليهم على كثر طنازتي! تحسبينا زيكم .. نتطنز من الغيرة والكره
مهرة : يخي لا تعمم .. كل شي حريم وحريم .. فيه الشين وفيه الزين دايم
يوسف : طيب بجلس أقول كل شوي " بعض " و " بعض " .. خلاص أكيد ما أقصد التعميم يعني كل حريم حايل سنعات هذا أنتِ غير عنهم ما قلت شي
مُهرة عقدت حاجبيْها : طيب نام خلاص
يوسف يضحك بصخب ليُردف : أنا لاحظت فيك صفة خايسة
مُهرة تكتفت : إيه وشهي
يوسف : ما تتقبلين الأراء ...
مُهرة : وشنوحك كل ما قلنا لك كلمة قلت ما تتقبلين الأراء!
يوسف : هههههههههههههههههههههه إيه طلعي اللهجة
مُهرة أنتبهت لكلمتها لتُردف بنبرة حائلية بحتة : أنا هاتس طبعي ما يعجبنن الطنازة وكل ما قلت شي تحندر بوه تسنِّي مِكفرة
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههه يا ولد .. لا لا هذا كلام كبير .. كيف أرد عليك الحين
مُهرة بإبتسامة عريضة : والله وش زين اللهجة بس لأني متعودة على الرياض ما صرت أحكي فيها
،
يُقابله في إحدى المقاهِي القريبة من شقته ليشرح له بطريقة لا يستوعبها قلبه العاشق، يُردف بحنق : ومع مين كانت جالسة ؟
وليد يتأملُ ملامحه الحادَّة، دائِمًا ما كنت أملك قناعة أن فئة ناصِر يملكُون وسامةٌ قاسيَة، قاسية حتى على أنفسهم حين تحتدُ بالغضب : كانت جالسة مع وحدة إسمها أمل
ناصر : ومين تطلع ؟
وليد بهدوء : ما أعرف!
ناصر : وطيب هي وينها الحين ؟
وليد : هربت
ناصر : هربت!!!.. ليُردف بغضب : تستهبل على مخي ؟
وليد : أنت شايفني بموضع إستهبال! أنا أكلمك جد كانت معاها وهربت ... مالها وجود بعد ما هبَّلت في غادة وخلتها تشك في نفسها وفي قدرتها على عودة الذاكرة .. كانت تتذكرك وتتذكر ناس كثير بس بطريقة مشوشة لكن حصل لها الحادث الأخير وفقدت كل ذكريات السنوات القريبة وصارت تتذكر الماضي البعيد .. وهذي حالة من حالات فقدان الذاكرة الرجعي اللي مالنا أيّ سيطرة عليها ولا تحكم عليها الحوادث وتصنيفها .. لأن الحوادث اللي تأثر على الرآس تختلف نتايجها من شخص لآخر .. انا ماراح أحبطك .. لكن صعب جدًا أنه غادة ترجع لها ذاكرتها بهالظروف .... تقدر تعيش معها وتبدأ من جديد ...
ناصر شد على شفتِه : كيف يعني أعيش معها وأبدأ من جديد ؟ مافيه علاج ثاني
وليد : قلت لك الإصابات في الرآس تختلف، بالنهاية 80 بالمية من العلاج يعتمد عليها هي وعلى نفسيتها، لكن أنا أقولك من واقع التجارب .. إذا فقدت ذاكرتها للمرة الثانية صعب ترجع لها، .. أقولك كدكتُور غادة واقفة ذاكرتها لزمن معين وهذا الزمن كان فيه ناس تثق فيهم، مستحيل الحين تتكيف بسهولة وهالصدمات منك راح تضرها أكثر ما تفيدها .. المطلوب منك أنك تجيب لها ناس كانت تعرفهم قبل 2007 وتثق فيهم عشان يساعدونها في ذكرياتها .. لأنها ببساطة أنت في موضع غير ثقة بالنسبة لها ولذاكرتها
ناصِر يُطيل نظره به ليُردف ببرود : وأنا أقولك خلك بعيد عنها .. وهالنصايح ماتهمني في شي وسالفة أنه ذاكرتها واقفة عند زمن معين أنا أرجِّع لها ذاكرتها يا شيخ بدون خدماتك ... و خرج ليتصل على والده ويسأله عن أوراق غادة التي لم يُصارحهه بها، يُدرك بأنه سيكذبه ويشكُ في عقله، أكتفى بأن يرمز لها بإسمها السابق " رؤى ".
في جهةٍ أخرى كانت تبحث في شقته بعد أن حبسها به، كانت تنظرُ للصور التي تجمعهم وضحكاتهم التي تلامسها بأصابعها، فاض الحنين بها، ما أقسى الحزن وما أقساه على قلبي، كيف أستردُ صوتِي الذِي أقرأه خلف هذه الصور والرسائل، كيف أستردُ ضحكتي التي تُرسم على هذه الأوراق! كيف أستردُ ذاتي التي ضاعت، سقط دمعها على عينِ عبدالعزيز الذِي يتوسطهما بالصورة، أشتاق لك يا عزيز، أشتاق لك فوق ما تتصوَّر، أشعر بأن غيابك مُختلف عنهم، أنت الذِي كنت قريبًا منِّي في لحظاتِ حُزني وإنزعاجِي، أنت الأب في مكوث أبي في الرياض، أنت وحدُك الذِي أشعرُ بأنه يجمع كل التصنيفات " أب، اخ،صديق، حبيب " أشتقت، أشتقت . . .
تقرأ على الصورة التي كُتب على طرفها " فيني بدو ماتوا ضما للمواصيل " ، نزلت دموعها بإنسيابية ليُكمل قلبها على روح عبدالعزيز التي تحنُّ لها : وجيههم من لاهب الشوق سمرا
عضت شفتِها تحاول أن تُمسك دمعها الشفاف من عُمق السقوط، كثيرٌ عليها أن تتحمَّل هذا الكمُ من الذكريات، هذا الكمُّ من الحزن، دقائِق قليلة حتى أنفتح الباب لتلتفت عليه.
ينظرُ ليديْها التي تعانق الصور، أقترب منها : مساء الخير
غادة الرافعة شعرها ككعكة في منتصف مؤخرة رأسها، تسيلُ دموعها دُون أن يواسيها الليل الطويل الهابط على رأسها، نظراتها الضعيفة تخنق ناصِر، تهزمه بكل ما تملكُ من رقَّة.
ناصر بهدُوءٍ متزن : إن شاء الله كلها كم يوم وراح نطلع من باريس
غادة بلعت الغصة التي تبحُّ معها صوتها : لوين ؟
ناصر : إلى الآن ما قررت بس أكيد مكان قريب ماراح نبعد كثير عن فرنسا..
غادة أخذت نفس عميق : ممكن أسألك سؤال ؟
ناصر بضيق : ممكن أطلب منك أنك ما عاد تستأذنين لطلباتك وأسئلتك .. تجرحيني يا غادة! .. تجرحيني كثير لا قمتِي تعاملني كأني غريب عنك
غادة شتت أنظارها للصورة التي بين يديْها : مو قصدِي .. انا .. بس أبغى أعرف وين عبدالعزيز ؟
ناصر : بهالفترة ماهو هنا .. إن شاء الله في الوقت المناسب راح تشوفينه
غادة : هو بخير ؟
ناصر : إيه بخير الحمدلله
غادة بحزن يشطرُ قلبها، لا أحد يفهم معنى أن أفقد الأخ الذي يوازي مقام الأب : يدري عنِّي ؟
ناصر : غادة .. راح تشوفينه قريب
غادة تسيلُ دمعتها التي لم تقل حرارتها عن كل دموعها التي عاشت في ركامها طوال السنة الفائتة والنصف الذي يفوت الآن : مشتاقة له حيييل
ينظرُ لها وهو يشعرُ بالعجر من أنه لا يستطيع أن يعانقها بكامل إرادتها، أن يمسح دموعها دُون أن تنفر منه، دُون أن تضيق، أن يُقبِّل كل دمعة تسقط منها ويحكي لها أنها جميلة جدًا عندما تبتسم، أن يرى ضحكاتها التي أعتادها، هذا وجهُ غادة الثاني! ليست غادة المرحة السعيدة التي أعتاد أن يغرق في حضنها ويعُود كمراهق أمامها، هذه ليست غادة التي أضيعُ في عينيْها وأحكي لها من الكلماتِ شعرًا ونثرًا ، هذه ليست غادة التي أستمتعُ بإغاضتها لأرى عُقدة الحاجبيْن التي أشتهي أن أقبِّلها دائِمًا، هذه ليست غادة التي تحاول أن تبتعد كُلما حاولت أن أقترب لتزيد لوعة قلبي، لتزيد من شغفِي بأن أعنِّف ملامحها بقبلاتِي وتعنيفِي رقيق ما دام يسكنها، هذه ليست غادة التي تبكِي مرَّة وتضحكُ مرَّات، هذه ليست غادة والله ولكن ذاتُها التي أتولَّعُ بعشقِ عينيْها وأغرقُ بشفتيْها، هي ذاتُها من أحب، هي ذاتُها التي تزيدُ عذابِي وتُميتني في كل مرَّة، الذاكرة مُضحكة للغاية! إن وددنا تذكُر شيءٍ بسيط نجد أنفسنا ننسى! وإن حاولنا النسيان نجد أنفسنا نتذكرُ أبسط التفاصيل، مُضحكة لأنها تستفزُ قلبي! تستفزُ حبي الذي لا يسكنه أحدٌ سواك.
،
لم تعتاد بعد على أجواءِ الشرقيَة الرطِبة والتي بدأت بالميل للبرودة قليلاً، لم تعتاد على جوّ البيت الخاوِي، ولولا وجُودِ أفنان كان من الممكن أن تنهار من وحدتِها، منذُ أتينا هنا وأنا لا أراه إلا أوقاتٍ قليلة، يستغلُ أيّ محاولة للإبتعاد، لا أراه إلا عندما ينام وأحيانًا أنام قبله ولا أراه، ولا أراه إلا عندما أستيقط وأحيانًا يستيقظ قبلي ولا أراه وما بينهما أنا ضائعة لا أعرفُ أين مستقرِ أقدامه، كثيرٌ عليّ أن أتحمَل كل هذا، كل هذا الهجر والصدّ وانا في أولِ حياتي معه، إما أن يختار طريقًا صالحًا لحياتنا أو " بلاها هالحياة " ، حتى ملكةُ هيفاء لم أستطع أن أحضرها، كان يعاقبني على أخطاءٍ بسيطة، على صوتِي الذي يعتلي لحظة من فيضِ قهري، أنا لا أفهمك يا ريَّان ولا أريد أن أفهمك مطلقًا.
رفعت عينيْها على دخوله، صدَّت لتُكمل قراءة الكتاب الذي لم يستهويها يومًا، و دائِمًا في لحظاتِ وحدتنا وعُزلتنا نبرع في ممارسة أكثرُ الأشياء سوءً وأكثرُ الأشياء كرهًا للقلب، أقرأ حتى أملُّ وأنام، لا شيء مفيد يمكنني فعله غير هذا، لأني ببساطة لا أريد التفكير بك، لا أريد أن أفكِر لِمَ يتصرف بهذه الصورة ؟ ظنوني السيئة بك تتجدد في كل لحظة وأنا لا أحبذ مناقشتها مع عقلي.
يسحبُ الكتاب بتأني بين يديْها ليجلس أمامها، ترفعُ عينها له : تآمر على شي ؟
ريَّان : ليه جالسة لوحدك ؟
ريم ببرود تتضحُ به حدةِ الحُزن في نبرتها : كذا .. مزاج
ريَّان : طيب أنزلي معي ..
ريم : أبغى أجلس بروحي
ريَّان رفع حاجبه : ليه ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بهدُوء : وأنا أبغى أعرف وش الأمر اللي يخصك ؟
ريم بحدة تكررها وكأنها تبدأ الحرب على ريَّان : أمر يخصني
ريَّان يشدُّ على شفتيْها : يعني ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بغضب : ريـــــــــــــــــــم! لا تطلعين جنوني عليك
ريم تنظرُ إليْه بعصبية لتقف : تطلع جنونك! لآ أنا أبغاك تطلعها عليّ ... أنا أصلا ماأعرف كيف متحملتك إلى الآن ... أنا منتظرة بس المصيبة اللي بتحجج فيها عشان أفتَّك منك
ريَّان يقف وبنبرةٍ حادة : أنتبهي لحدودك معي لا قسم بالله ..
تُقاطعه بنبرةٍ تعتلي للصراخ : لا تحلف عليّ! ماني أصغر عيالك تقسم وتحلف ... أحترمتك بما فيه الكفاية لكن أنت منت كفو إحترام! أنت حتى ظلك تشك فيه ...
يُقاطعها بصفعة على خدِها الناعم،أخفضت رأسها لينساب شعرها على جانبيْه، لم تستوعب بعد أنه ضربها ومدّ يده عليها، هذا الإجرامُ بعينه مثلما كانت تراه في أعين اخوتها اللذين يُحرمُّون الضرب كمبدأٍ دائِم، المبادىء التي تربت عليها جميعها تلاشت أمام ريَّان، لا تعرفُ كم من الطاقة تلزمها حتى تتحمَّل وقع إهاناته المتكررة سواءً بلسانه أو بأفعاله.
ريَّان : وغصبًا عنك بتحترميني ... خرج ليتركها في فوضى حواسها التعيسة.
لم تعد تشعرُ بأقدامها، لم تعد تشعر بمقدرتها على الوقوف لتجلس على الأرض، سقطت دموعها التي تسيرُ ببطء، هذه الحياة في كل يوم تقتلني، في كل يوم تُميتني بتأنِي لا يستحقه قلبي أبدًا.
،
تسكبُ له القهوة وهي تنظرُ له بإستمتاع حقيقي بالحياة التي تبتسمُ لها، بأن إبنها يتزوج وتفرحُ به وتنتظرُ الحلم الذِي يتحقق في رؤيَةِ احفادها : متى يجي العيد بس ؟ عاد عيد الأضحى كل سنة أحسه يجي عادِي مو زي الفطر بس هالسنة غير دام بيحصل فيه شرف زواجك
أبتسم فيصَل ليُرضي غرور والدته : طبعًا هالسنة كلها غير
والدته : ما قلت لي وش صار بالشوفة ؟ كل مرة تتهرب
فيصل : هههههههههههههههههههههه لأن يا يمه ما أبغى أحرجك صراحة وصفك شرق والبنت غرب
والدته عقدت حاجبيْها : أفآآ !
فيصل : إيه والله .. ما صدقتي الا بشي واحد وهو شعرها ما عدا ذلك مع إحترامي لك يا يمه لكن عيونك تشوف شي ما اشوفه
والدته : إلا والله أنها تجنن و
يقاطعها : داري أنها تجنن لكن ماهي بنفس أوصافك .. أولا ماهي بيضا .. سمرا
والدته تشهق : إلا والله أنها بيضا وبياضها ماهو بياض عادي
فيصل تتسع محاجره : يمه لا تحلفين! أنا شايفها
والدته : أقول لا تخبلني البنت شايفتها وبيضا ماشاء الله تبارك الرحمن .. بيضاها مثل أختك ريف وأكثر
فيصل يشعرُ بأنه سيُجَّن من والدته : يمه لا يكون وصفتي لي بنت غيرها و وروني بنت ثانية.. هم عندهم غير هيفا ؟
والدته : إيه ريم و تزوجت والحين ما عندهم غير هيفا
فيصل بضيق : لآ يمه والله غلطانة ... أستغفر الله كيف ! صدقيني يمه يمكن مخربطة بأختها أو بوحدة ثانية
والدته : إلا هيفا نفسها أنا شايفتها بيضا وش ملحها
فيصل بتشويش : ماني مستوعب! أتصلي على أمها وأسحبي الحكي منها
،
في تلك الجهة التي تستمتعُ بها هيفاء بعد أن هُلكت بالتسوق : شي مو طبيعي والله .. خل يأجل العرس يعني صعبة أحقق كل هذا بوقت قياسي
يوسف : طيب ماهو لازم كل شي جديد ..
والدته بإندفاع : وش تبيه يقول عننا ! ما عطيناها مهرها ؟
يوسف : خلاص خلاص .. خله تحلله قرش قرش
هيفاء بضجر : باقي لي أشياء كثيرة ما سويتها .. لا ما ينفع والله خل يأجله .. ما أتحمل يصير الزواج بالعيد!
والدته : إلا يمديك .. بس أنتِ لا تقلقين نفسك ... وخرجت
يوسف: أسمعي مني أشتري بعد العرس .. خليه يدفع لك بعد
هيفاء أبتسمت : لا يا حبيبي لازم كل شي كل شي جديد ... كأني توني مولودة
يوسف يُظهر ملامح التقرف : عندك تشبيهات مدري وش تبي! أنا قلت لك رايي كرجِل وفيصل شخصيته حافظها حفظ .. أستغفر الله بس نسيت هو نظام التدقيق في اللبس .. وأناقة وماأعرف أيش
هيفاء تضرب صدرها بخفَّة : وتبيني ماألبس أشياء جديدة عنده عشان بكرا يعلق عليّ يقول بنت عبدالله لابسة ..
يُقاطعها : اصلا الرياجيل مع بعض مستحيل يحكون في لبس زوجاتهم! بس يعني ممكن يجيك كمخة يحكي
هيفاء : زي ربعك مثلاً
يوسف : لكل قاعدة شواذ .. ربعي ما يحكون عن حريمهم بس يحكون من باب حل المشاكل والفائدة
،
أخذ نفسًا عميقًا، لا يعرف ماذا يفعل بوالده الذي يواصل سلطته عليه وكأنه إبن العاشرة وليس التاسعة والعشرُون، يُردف : طبعًا لا يا يبه .. يكذبون عليك وتصدقهم!
رائِد : وهذي الحسابات وشهي؟ قلت لي بتترك الشرب؟ لكن طلعت كلمتك ماهي كلمة رجال
فارس بإندفاع : تركته .. والله تركته ..
رائد : توَّه قبل كم يوم شارب قدامي وتقول تركته
فارس : بهالفترة أحلف لك بالله أني ما شربت شي .. والحين أروح للمستشفى أسوي تحليل يثبت أني ما شربت شي في اليومين اللي فاتت
رائد : أنا أبغى مصلحتك! بالنسبة لي يهون أنك تسوي كل شي قذر في الحياة إلا أنك تشربْ! الشرب بالذات ماأبيه يقرِّب صوبك
فارس بسخرية : يعني بتفرق مررة ؟
رائد : بالنسبة لي تفرق وتفرق كثير .. لأنك لو ادمنته مستحيل تبعد عنه وأنا ماأبغاك تدمن أشياء ماتقدر تتشافى منها
فارس بضيق : طيب .. أوامر ثانية ؟
رائد : على مين أتصلت أمس ؟
أرتعشت شفتيْها بالتوتر : على مين ؟
رائد : أنا أسألك
فارس : ما فهمت .. امس كنت هنا
رائد : أنت تقابل أحد بدون علمي!
فارس بتوتر عميق يُحاول أن يخفيه بنبرته المتزنة : طبعًا لا .. أصلا طول الليل كنت عندك
رائد بنظرة الشك : وش عرفِّك أني أقصد الليل
فارس أخذ نفس عميق : أنت قلت توّ
رائد : لآ ما قلت
فارس بضيق : إلا يبه قلت
رائد بعصبية : تكذب ؟ والله العظيم أنك تكذب ... لم يترك له مجال للدفاع عن نفسه ليصرخ به : مين عبدالعزيز ؟
،
في شقتِه تندفعُ كلماتها الغاضبة : أنت بس تبغى تهينني .. تدوِّر أكثر شي يضايقني وتقوم تسويه
عبدالعزيز بهدُوء : الحين الشقة تضايقك؟ أنتِ سألتيني وأنا جاوبتك ..
لا تعرفُ كيف للشقة أن تستفزُ غيرتها، كيف لهذه الألوان التي تظهرُ بها لمسات أثير أن تُغيضها، كيف لكل هذا أن يُحزنها وهو جماد!
رتيل بإنفعال : طيب يالله خلنا نطلع لأني أختنقت هنا
عبدالعزيز بإستفزاز : أختنقتِ ؟ هذا بكرا بيصير بيتك!
رتيل بحماس تندفعُ بكلماتها الحادة الغاضبة : لآ والله! لو أيش ما جلست فيه دقيقة عقبها! يالله رحمتك على عبادِك .. على فكرة كل مرة تثبت لي أنك بحاجة لدكتور نفسي! تقول خلينا نسوي هدنة وأوعدك ما أقول شي يضايقك وبعدها بدقيقة تقهرني! منت صاحي .. والله أنا لو أيش ما اسوي .. لو أترجاك ما تتغيَّر تبقى عبدالعزيز اللي يتلذذ في تعذيب غيره ..
تتفتحُ أزارير قميصها من فرط إندفاعها وحماسها بالغضب، ليجلس عبدالعزيز على الأريكة ويغرقُ بضحكاته الصاخبة : كم مرة قلت يا قلبي لا تعصبين عشان نفسك؟ شفتِ كيف ؟ الضرر وصل لملابسك
رتيل تُعطيه ظهرها وهي تتلوَّن بالإحراج، أولُ مرَّة لا تلبس شيئًا تحت القميص سوَى ملابسها الداخلية، أعتادت أن تلبس شيئًا دائِمًا ولكن حظُها يُثبت لها في كل مرَّة أنه من سيء إلى أسوأ، تُغلق الأزارير بتوتر كبير.
عبدالعزيز يقف بعد أنا أطالت وقوفها : يالله خلينا نطلع
رتيل دُون أن تنظر إليه تسحب معطفها وترتديه، يلتفت بضحكة مُستفزة : يعني الحين مستحية ؟
رتيل : ممكن تآكل تراب ؟
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههه بس لونه رهيب أهنيك
رتيل شعرت بالحرارة تفيضُ بجسدِها، وقفت في منتصف الدرج وهي تنظرُ إليْه بقهر/بحرج
عبدالعزيز يُكمل سيره للأسفل وهو يدندن : الأصفر جميل .. جميل ... جميل
رتيل وبأكملها يتحول لونها للأحمَر، تُقلد صوته : معفن .. معفن ... معفن
عبدالعزيز يُغيضها أكثر بعد أن خرجا : يا ويل حالي من الأصفر .. قطَّع قليبي معاه
رتيل بجدية : عبدالعزيز لو سمحت .. خلاص .....
عبدالعزيز ألتفت عليها : عندِك حب للأصفر مدري من وين تذكرين الفستان اللي شفتيه بباريس معاي أول ما تعرفت على شخصيتك الفظيعة
رتيل : إيه أتذكر يوم خليتك تتخرفن وتخاف عليّ
عبدالعزيز أنقلبت ملامحه : إيوا بالضبط لما خليتك تطيحين على الأرض وتشربين مو مويتها
رتيل : ههههههههههههههههههه تحاول تستفزني بس صعبة عليك
عبدالعزيز بإبتسامة يستفزها فعلاً : بس طبعًا اليوم تغيَّرت نظرتي للأصفر
رتيل تحمَّرُ وهي تحاول أن تتخلص من إحراجها، تضرب كتفه بغضب لتسير أمامه، يتبعها بضحكاته : طيب أنا وش ذنبي؟ مين فتح القميص أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بغضب : ممكن تنسى الموضوع! اعتبر نفسك ما شفته ..
عبدالعزيز : طيب بوعدِك اني أنسى كل شيء لكن الأصفر مستحيل .. هههههههههههههههههههههه
رتيل : حيوان
عبدالعزيز رفع حاجبه : مين الحيوان ؟
رتيل : يالله! يالله .. خلاص أنا حيوانة .. ممكن توصلني وتتركني بعدها
عبدالعزيز بجدية : طيب بموضوع عبير
تلتفت إليه وهي تسترجعُ ما قاله له تحتاج لأيام حتى تستوعب ، يُردف : وهالكلام طبعًا بيني وبينك ، أتفقنا ؟
رتيل بتشتت : أتفقنا .. بس يعني؟ كيف بتقول لأبوي ؟
عبدالعزيز : إن شاء الله مسألة يومين وراح يقتنع أبوك
رتيل بضيق: طيب وعبير؟
عبدالعزيز : كل شي في مصلحتها .. مستحيل يضرَّها، وأنا أعتبرها مثل أختي مستحيل أقبل بأنه أحد يضرّها .. تطمني
رتيل تنهدَّت : طيب ... طيب بحاول أتكلم مع عبير إذا كانت معارضة
عبدالعزيز : ما أتوقع تعارض .. يعني إذا عرفت أنه دكتور وإلى آخره من هالهبال بتوافق
رتيل بوجَع : ولا وحدة فينا تزوجت زي العالم والناس! ليه قاعد يصير معنا كذا ؟ أحيانا أقول وش الشي العظيم اللي سوَّاه أبوي عشان يتعاقب فينا إحنا الثنتين
عبدالعزيز ويشعرُ بالضمير اللاذع : طيب هي أنرمت عليه! زواجها عادِي .... وممكن لو تزوجت بطريقة تقليدية ما كان راح تكون سعيدة وممكن هالزواج يكون خيرة لها
رتيل بسخرية : زي زواجي منك مثلاً!
عبدالعزيز : أنكري أني ماني خيرة لك ؟
رتيل أخذت نفس عميق : ترى عندي أشياء تخليني أقول أنك منت خيرة ليْ فخلنا ساكتين ومحترمين نفسنا
عبدالعزيز بإبتسامة لم تُطيل وعيناه تسقط على الرسالة التي أضاءت هاتفه من بو سعود . . . . . . .
،
ينظرُ للشاشة التي تُخبره بكل حدَّة أن الأشياء تسقطُ من سيطرته، تُخبره بأن طوال هذه الأشهر كانت أعماله قائمة على " خطأ " يا لذاعةُ هذا الخطأ في وقتٍ حرج وفي عملٍ ضيِّق كهذا ! يا قساوة هذا الخطأ على قلبه كمسؤولٍ يتحملُه. أيُّ خيبة هذه التي تكسرني! أيّ خيبة هذه تكسرُ قلب رجلٍ عُلِّق في العمل، بلع ريقه الجاف ليُردف بهدُوء يُخبر عن خيبته الشديد : بلغهم إجتماع طارىء الساعة 7 الصبح بكرا
أحمد : إن شاء الله .. شيء ثاني طال عُمرك ؟
سلطان : لا
خرج ليتركه بقمةِ حزنه، بقمةِ غضبه، بقمةِ قهره، هذا فوق طاقته، كيف يتحمَّل كل هذا ؟ كيف يستطيع أن يحكمُ سيطرته على نظامٍ بات يخرجُ الجميع عنه، لم يعد يعرف من يخون ومن يَصدق ؟
ضرب الطاولة بقدمِه، يُريد أن يكسِّر أيّ شيء أمامه، هذه الخدعة لا يتحملها ، هذا الخطأ لا يعرفُ كيف يعترف به، سنة وأكثر وهو يعملُ على معلومة خاطئة! يالله كيف ؟
نظر لهاتفه الذي أهتزّ برسالة ، قرأها مرارًا بعينيْها ولثواني طويلة رُغم أنها قصيرة، بحروفٍ إنجليزية بسيطة، أعادها مرةً أخرى بعينيْه " كانت هزيمتك امرٌ مؤقت، لكن لم أتوقع يوم أن تصل إلى هذا العمق "
يقرأ ما بين السطور ويستكشفُ ما هو العمق الذي لم يتوقعه، أخذ هاتفه ليتصل على الجوهرة بإستعجال وهو يخرج من عمله الخاوي في الساعات المتأخرة من الليل، لم تُجيبه ليتصل على الحرس الذي تم تعيينهم
: آمرني طال عمرك
سلطان : فيه شي صاير ؟
: لآ كل أمورنا تمام
سلطان : أنتبه أكثر وأنا جايك
: إن شاء الله
سلطان يُغلقه بعد أن تحشرج به الحزن إلى آخر حد، وصوتُ سلطان العيد يحضر بقوَّة في ذاكرته، يمرُّ على قلبه بكلماتِه التي دائِمًا ما كانت تُخفف وطأة غضبه.
" سلطان العيد : تعرف كم مرَّة قلَّت ثقة الموظفين فيني؟ تعرف كم خطأ حصل تحت إدراتي! كثير لكن كانت في أشياء تشفع لي، لكن أحيانا الأخطاء تكون بسيطة لكن أنت بموضع مفروض أنك ما تخطأ ، أنت لازم ما تخطأ أبد، لأن أخطائك ممكن تروِّح لك حياتك .. فاهم عليّ؟ "
يكتبُ رسالة لعبدالرحمن وهو يقود سيارته بعد أن أطال بإتصاله معه قبل ساعة تقريبًا " طلبت منهم إجتماع بكرا .. عبدالرحمن أنت لازم ترجع "
ينظرُ للحيّ البعيد عن وسطُ الرياض الصاخب، أخذ نفس عميق وهو ينظرُ للحرس أمام بيته، نزل : أبغاك تفتح عينك كويِّس الليلة
: هذا واجبي طال عُمرك
سلطان يربت على كتفه وهو الذي يحتاجُ من يربت على كتفِه : يعطيك العافية .. .. لم يتقدم سوى خطوتين في إتجاه البيت وتجمدَّت أقدامه، أستنفر الحرس الذي يحاصرون قصره، حتى بدأوا في تغطيَة المكان.
شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا لأنهُ شعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية.
البعيد عن الذي أحاطُوا جسد سلطان، يُبلغ عبر الجهاز اللاسلكي : مجهول الهويَة .. على بعد 20 متر تقريبًا ... أغلقوا الطريق العام . . . . .
عبدالعزيز أدخل يديْه في جيوبه ليبتسم : صدقتِي؟ أصلاً مستحيل نروح .. أثير هناك ..
رتيل أخذت نفس عميق: عبدالعزيز يكفي تضايقني أكثر!!
عبدالعزيز : وأنا ماأبغى أضايقك .. تذكري الهدنة اللي قلنا عنها !!
رتيل بضيق : وأنت خليت فيها هدنة! تقهرني وتضايقني بعدها تقول هدنة
عبدالعزيز تنهَّد : طيب خلينا نمشي .... وأتجهَا لحيٍّ أقل صخبًا، دخلا في إحدى المقاهي المنزويَة بهدُوءها.
وضعت هاتفها على الطاولة وهي تأخذ الهواء بطريقةٍ تُوحي بأنها تختنق، رفع عينه لها : أنا تعبت من هالموضوع! خلينا نقرر من هاللحظة
رتيل : يعوضني الله
عبدالعزيز أمال فمِه بمثل حركتها الدائِمة التي ترتبط معه بها ولم يلحظها بعد، أطال صمته ليقطعه بجمُود : يعني ؟
رتيل شتت أنظارها دُون أن تُجيبه. وبدأت تسرق الغطرسَة والساديَّة من جوفِ عزيز، بدأت تستنسخُ قساوتِه كما يليقُ بالحزن الذي تسبب به في قلبها.
عبدالعزيز : وش تقصدين يا رتيل!
رتيل : اللي فهمته
عبدالعزيز : وهذا قرارك ؟
رتيل أرادت أن تلسعه بعذابِ الضمير لتُردف بقسوَة أحتدَّت بنبرتها : لا! القرار لك ولأبوي .. من متى كان لي قرار ؟ مثل ما طبختوها .. طلعوا لكم مخرج منها
عبدالعزيز يُشتت أنظاره للمقهى الخاوِي من كل شيء عدَا العجوز الذي يجلس خلف الطاولة التي بجانب الباب، عاد عينه إليْها : نطلع لنا مخرج!! أنتِ شايفة انه موضوع تافه عشان ..
تُقاطعه : بالنسبة لي تافه
عبدالعزيز بغضب : لآ تستفزين أعصابي يا رتيل!!
رتيل ألتزمت صمتها وهي تتشابك بأصابعها مع مفرش الطاولة.
عبدالعزيز : صدقيني محد بيخسر غيرك! أحكمي عقلك وأعرفي كيف تفكرين وتقررين
رتيل بإستفزاز صريح : قلت يعوضني الله عن خسارتك
عبدالعزيز أخذ نفسٌ عميق : ما عندك غير هالحكي ؟
رتيل بإنفعال لم تستطيع أن تُسيطر على كلماته الفاتِرة في حضرة غيرتها المُنتشية : ماهو على كيفك ولا هو على مزاجك متى ماتبي تجي ومتى ما روقت مع أثير نسيتني
عبدالعزيز : متى نسيتك ؟
رتيل : أسأل نفسك ...
عبدالعزيز رفع حاجبه : مشكلتك ماهي معي على فكرة .. مشكلتك مع قلبك اللي يناقضك
رتيل : أجل أترك لي مشاكلي بروحي! أنا أحلها مع نفسي
عبدالعزيز بدأت قدمه اليمنى بالإهتزاز والضرب على الأرض : تفكرين بمستقبلك كيف يكون ؟
رتيل : أحلامي مالك فيها مكان
عبدالعزيز شدّ على شفتيْه : يعني أفهم أنه قرارك أخير!
رتيل ودَّت لو يقُول شيئًا يعاندها به، لو يرفض وينكر القرار، والله لأتحجج بكل شيء في يدِي وأرضخُ لك، لو كلمة! فقط كلمة تُبلل جبينُ القلب المتعارك بحزنه، فقط كلمة وأعفُ عنك، لكنك أقسى من أن تتنازل عن كبريائك أمام أنثى مثلي، أقسى بكثير من أن تشعرُ بأن الحياة ضئيلة ولا تستحق أن نعيشها بهذه الصورة، أقىسى بكثير يا عزيز من أن تعتذر ليْ ولو إعتذارٌ مُبطَّن.
عبدالعزيز : كنت متوقع شي ثاني! لو أدري أنه كلامك بيكون كذا .... ما كان جيت .. ما كان خليتك تسمعيني إياه
رتيل بضيق تقاوم رعشاتُ عينيْها : وش كنت متوقع؟ أقولك راضية أنه أثير تشاركني فيك! ولا أقول أنه إهاناتك ما عادت تعني شي .. وش بالضبط منتظر منِّي ؟
عبدالعزيز يُثبِّت نظراته في عينيْها المتلألأة بالدمع : شي واحد ما أفهمه فيك! .... شي واحد يا رتيل ماني قادر أفهمه ... كيف تتلذذين بتعذيب نفسك!
تجمدَّت ملامحها، ستكره نفسها لو تبكِي أمامه، بلعت غصتَّها وهي تقاوم الحشُودِ الذائبة في عينيْها : أعذِّب نفسي!! غلطان .. لو يصير اللي يصير ما يهمني وأظن كل شي يثبت لك هالحقيقة ما يحتاج أقولك وأزيد عليك .. حتى عقب الحادث لو لا سمح الله صار فيك شي كنت بحزن عليك لمُجرد شخص عادِي.. ممكن أحزن على أيّ شخص في الشارع! لكن مستحيل أندم على وقت راح بدون لا أكون معك .. لأنك ببساطة ما تعني لي شي، أشك حتى أنه أثير تعني لي أكثر منك!!
يُطيل النظر بها، لعينيْها التي تصدق وتُهينه كثيرًا، للكلمات الحادَّة التي تُنصِّف القلب وتُسقطه، تُبادله الإهانة ذاتها ولكن يخشى أن نبرة الصدق هذه واقعٍ وليس من أوهامه، أردف بإبتسامة تُخفي قهره : تحاولين تبنين كلامك على أشياء ماهي موجودة! تكذبين الكذبة وتصدقينها
رتيل بغضب ترفع عينها المُحمَّرة بالرعشة وصدرها الذِي يعتلي بالنبض : ما أبني كلامِي! أنا فعلاً ما عندي غير هالكلام .. لا تجرب تستخف فيني بحكيْك أو حتى تفكر تضايقني بأثير! وهالمرَّة أنا اللي بصارح أبوي عشان يعرف قدر اللي معطيه هالثقة
عبدالعزيز : خلصتي كلامك ؟
تكاثرت الدموع في محاجرها، كيف للغيرة أن تتسرب إلى عيني، كيف لكلماته أن تشطرني نصفيْن؟ كيف لإسمها البسيط أن يقف كالغصَّة في صوتِي؟ كيف لكل هذا يجتمع في رجل! قاسٍ يا عبدالعزيز ويعزُّ على قلبِي أن تكون هكذا، يا حُزني المتواصل منك، يا حُزني الذي لم يجفّ بعد! لم يتضائل بعد، مازال في قوتِه، في تماسكه، وأنت وحدِك من تُبدده وأنت وحدِك من تستلذُ بتماسكه على قلبي.
يهمس : مين يوجع الثاني يا رتيل؟ أنتِ اللي توجعين نفسك
أتى صوتها الباكي، تعرَّت من مُكابرتها لتنهمر دموعها بقساوةِ الغيرة المترسبة في محجر عينها : أنت تضايقني! تهيني كثير يا عبدالعزيز هذا وأنا ما أجرمت في حقك أبد، كل هذا عشان أدافع عن نفسي في وقت الكل بما فيهم أبوي أرخصني .. وش سويت لك بالضبط عشان تقهرني بكل شي يجي في بالك؟ قولي بس وش سويت وأنا مستعدة أعتذر لك الحين وننهي كل هذا ..
أنهارت لتغرق كلماتها في البكاء، بكلماتٍ مُتقاطعة يعلُو بها بكائها : أنت اللي بديت! وانت اللي ضايقتني! في كل شيء .. في كل شيء والله تقهرني .... ما أطلب منك شي.. بس أحترم قلبي ...
بإنكسار أردفت : أحترمه لو شويَّـة
وقف ليتجِه للكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه : وأنتِ؟ يا كثر ما توجعيني يا رتيل وتقولين ما أجرمتي في حقِّي!
ببحَةِ الوجَع : اللي سويته ولا شي! بس أنت ما قصرت في أكثر شي يوجع البنت سويته! رحت وتزوجت
عبدالعزيز : قضيتك ماهي أثير .. انا متأكد من هالشي
رتيل: قضيتي بأنه فيه شخص ثاني موجود في حياتك!! تقبل تهين أثير ؟ .... جاوب على سؤالي تقبل ؟
عبدالعزيز بهدُوء : مستحيل أقبل أحد يهينها
أرتفع صدرها بشهيقها المتأني دُون زفير، ليُكمل : إن كان في بالك أني أستغل أثير فأنتِ غلطانة وأني جايبها لمجرد أني أهينك فأنتِ في مصيبة .. لأن أنا قادر أهينك بدون ما أستخدم أحد، لكن أنا .. أبغى أثير يا رتيل
لا يُدرك بالوجَع أبدًا، لا يُدرك بحزني ولن يُدرك، لِمَ حظي بهذا السوء؟ لِمَ الحزن يتربص لي في كل محاولة أبتسم بها! في كل مرة لا أرى شيئًا يستحقُ الحياة، يُجدر بي أن أهنئك يا عزيز فأنت كسبت وأفقدتني المتعة في الحياة.
ألتفتت عليه بكامل جسدِها لتلتصق به، تأمل دمعُها بعينيْه التائهتيْن، كيف يجب أن نُخبر هذه السمراء بأن لاتبكِي؟ كيف نُخبرها بأن البُكاء منها يعنِي : إنقلاب وكارثَة، بأن ملامحُ الجميلات يُحرِّم عليهن الدمع، أنا أعترف أنني قادر على فعل كل شيء، وأن أقاوم رغباتِي بكل ماهو سيء ولكن أمام دموعك أنا جدًا سيء يا رتيل وأعني بجدًا سيء أنني مستعد أن أنقض العهُود كما ينقضها اليهود! أنقضها بكل عنف دُون أن أسأل عما سبق وعما سيأتِ، ما بيننا أكبرُ من هدنَة، ما بيننا عمرٌ لا يقبل أبدًا أن يتعطل بهُدنة.
رتيل بألم : تبغاها ؟ يعني كنت تبغى تتزوجني بس عشان تضايق أبوي .. وتضايقني .. تعرف وش اللي موجعني؟ كنت أظن أنك ليْ وهي الدخيلة بيننا .. بس طلعت أنا اللي مالي مكان بينكم .. كيف تقدر يا عبدالعزيز تسويها فيني؟
بدأت تفقد شعورها بعقلها وبإتزان تفكيرها، أنهارت تمامًا وهي تُعاتبه بألمٍ يقذفُ نفسه بجسدِها : علمني كيف تقدر توجعني كذا ؟ يخي أنا وش سويت في حياتي عشان تسوي فيني كذا !! ليه ما تفهم .. حرام عليك .. تدري بشعوري .. تدري بأنه قلبي معك وتوجعني! ....
يجلس بجانبها جامدًا سوى من عينيه المحاصرة لعينيْها المرتعشتيْن، بلاوعي ضربت يدِها التي تُغطيها الجبيرة في الطاولة وهي تعلن جنونها الآن على حُبها وإنهيارها عليها، سحب يدَها حتى لا تكسرها أكثر لتعتلي نبرتها ولا يفصلُ بينهما سوى هواءُ عابر : أنا الغبية اللي أتحراك وأنت أصلاً قلبك معاها
عبدالعزيز بنبرةٍ حانية : رتيل ..... خلاص ..
تُخفض رأسها : ذليتني، كرهتني بنفسي، قهرتني بكل شيء حتى بأبوي، سويت كل شي ممكن يسيء لي .. وش بقى أكثر ؟
عبدالعزيز يسحب كرسيْها أكثر حتى يلتصق تمامًا وما عاد الهواء العابر يمرُّ بهما، أصبحت الأنفاس هي من تمرٌ وتطوف حولهما : كانت ردَّة فعل لكلامك .. ما كان هدفي أني أضايقك .. والله ماكان هدفي أني أجرحك وأوجعك
رتيل : هذا وما هو هدفك .. كيف لو كان هدفك وش كنت بتسوي فيني!!
عبدالعزيز أبتسم بضيق : اهدي ولا تبكين عشان أقدر أتناقش معك
رفعت عينيْها الباكية : أنا أبكي على حظِّي .. على حياتي الضايعة ...
يقُاطع لذاعةُ كلماتها ليسحبها لحضنه، شدَّها حتى ودّ لو أنها تدخلُ فيه : ما تضيع حياتك وأنا جمبك .....
يهمسُ بدفءِ أنفاسه في أذنها : رتيل ... خلينا ننسى كل اللي صار .. أمحيه من بالك
رتيل بصوتٍ مخنوق : وأثير ؟
عبدالعزيز : تجاهلي وجودها في حياتي
رتيل ببكاء الغيرة : كيف أعتبرها مهي موجودة وهي تعيش معك !!
يُبعدها بهدُوء ليمسح دمعاتها بأصابعه لتُكمل بوجَع : كيف تحب لك شخصين ؟
عبدالعزيز يُطيل الصمت والضياع في عينيْها التي يكرهها بقدر ما يُحبها، هذه العينيْن التي دائِمًا ما تُجرِّد قلبه من كل الكلمات، حتى أُصبح لا أعرفُ كيف أواسِي قلبك ولا أعرف كيف أواسي نفسي!
يُمسك كفَّها الأيسَر ليضغط عليه بكفِّه الأيمن، تنظرُ له بضياعٍ تام، لا أعتبُ عليك وعينيْك خمَاري، وأني والله يا حبيبي أخافُ العُريّ وأخافُ من نظراتِ المارَّة وأغار!.. أغارُ من العابرين والطُرق التي تراك ولا تراني فكيف بالإناث؟ كيف أقبل أن تأتِ أنثى وتسكُن معك؟ أن تراها وهي تستيقظُ أمامك؟ أن تُبصرها وهي تنام بجانبك؟ كيف أقبَل بأن تُشاركها طعامها، أن تُشاركها أمورها الحياتية الصغيرة والكبيرة، كيف أقبل بكُل هذا دُون أن يُخدشَ قلبي؟ دُون أن يضيق بيْ ويُحزنني؟ كيف أقبَل بأن ترى عيناك غيري؟
: ما توفِي يا عزيز .. ما توفي لا ليْ ولا لأثير ...
عبدالعزيز وهو يتلاعبُ بأصابعه على باطنِ كفَّها، عقد حاجبيْه بوجَعٍ أكبر : ما كنت متخيِّل ولو للحظة حتى بأكثر لحظاتي تشاؤم أنه حياتي بتكون كذا ! اني بتزوج بهالطريقة .. أنه بيكون على ذمتي ثنتين مو وحدة! .. كنت أحلم مثل الكل .. كنت أحلم بالبيت اللي بيجمعنا وبالأطفال اللي بيحملون إسمي .. كنت أحلم .. كنت أحلم فيك .. بس أنا ما حققت ولا أيّ شي من أحلامي ..... أنا ماني متضايق من أبوك .. بالعكس أعتبره بمقام أبوي، أنا متضايق لأني أفلست من هالدنيا .. لأن ماعاد أنتظر أحد ولا أحد ينتظرني ، متضايق لأن أبوي ماهو معايْ.. لأن أمي ماهي جمبي .. متضايق من أشياء كثيرة فقدتها وفقدت نفسي فيها، بس قولي لي تقدرين تعيشين بدون أبوك؟ .....
تُخفض رأسها لتسقطُ دمعتها الحارَّة على كفِّه التي تتغلغل بكفِّها،
عبدالعزيز يتعرى بجروحه تمامًا، لم يعد يُفيد الإسْرَار بشيء : ما تقدرين وأنا مقدر يا رتيل، إذا غبتي ساعة بتفقدك أختك وبيفقدك أبوك وبيفقدك مقرن وبيفقدونك أعمامك .. وبنات عمك والكل .. طيب أنا ؟ مين بيفقدني ؟ محد .. أفهميني بس ..
يُشتت أنظاره بضياع : أفهمي أنه القصد أبد ماهو أني ماني قادر أوفي لأثير أو لك ..
،
رفع فيصل عينيْه ليلتقط حضُورها، تجمدَّت ملامحه بأنها بعيدة وجدًا عن وصف والدتِه، لم تَصدِق بشيء سوَى شعرها الطويل ماعدا ذلك خرافات من أمي التي ترى شيءٌ لا أراه، أخذ نفسًا عميقًا وهو لا يرمش أبدًا، يوسف القريب منها يهمس بإبتسامة ساخرة : تبين تقهوينه ؟
هيفاء تُهدده بنظراتها العنيفة وتشعرُ بالإختناق وهي لم ترى سوَى أقدامه، بلعت ريقها لتتوسَّل إليْه بنظراتٍ ثرثارة، يوسف وقف لم يعد يعرف ماذا تريد منه بالضبط ؟ ودّ لو يتركها لوحدها حتى تتورط ولكن لم تتم الملكة بعد ولا يجُوز أن تختلي به لوحدها، جلست لتلتصق بيوسف.
يوسف يحاول بكل ما أعطاه الله من قوة أن لا يضحك بموقفٍ يجب عليه أن يكون الأكثر إتزانًا، طال صمتهم وطال ملله منهما.
فيصل تنحنح ليُردف : شلونك يا هيفا ؟
هيفاء بصوتٍ متقطع : بـ.. بخير
يوسف أشفق عليهم ليحاول هو الآخر بفتح موضوع : طيب يا فصِيل تقدر تقولنا الصفات اللي تبيها في هيفا
فيصل هدده بعينه ليشدّ على أسنانه : فصِيل بعينك!!
يوسف أتسعت إبتسامته حتى بانت اسنانه : يالله يا بُو عبدالله لا تبطي علينا عندِك 10 دقايق بس
فيصل ينظرُ لهيفاء التي تكاد تذوب في خجلها، بشرتها البرونزيَة مغريَّة حدِّ التأمل، عينيها شديدة الشبه بيُوسف يشعرُ بالضياع أمامها : ما عندي صفات محددة
يوسف غرق بضحكته الطويلة وهو يُشير له بيدِه دُون أن تنتبه هيفاء بأنه " تخرفن "
فيصل مسح على وجهه حتى لا يضحك ويضيع " البرستيج "
يوسف : طيب فيه شي ثاني ودِّك تقوله ؟
فيصل : وأنت مخليني أتكلم
يوسف : يالله قول وش عندِك ؟
فيصل بإبتسامة متزنة : أنا مستعجل ، عندِي شغل وأبي زواجنا يكون بأقرب وقت
يوسف لم يستطيع أن يُمسك نفسه ليضحك بخفُوت وبنبرةٍ ساخرة : عندِك شغل!
فيصل بإندفاع : والله محدد هالشي من زمان ومنصور عنده خبر
يوسف يلتفت على هيفاء بإستلعان : موافقة يا هيفا ؟ طبعًا إذا ما وافقت بتضطر تنتظرها
فيصل يُراقب حركة شفتيْها المرتجفة.
يوسف : وش قلتي ؟
هيفاء بحركة عفوية تغرز أصابعها في ذراعِ يوسف مُعبِّرة عن شدَّة الحرج التي تشعرُ بها.
يوسف : نعتبرها موافقة وصلى الله وبارك
فيصل أتسعت إبتسامته : أجل ألف مبرووك
يوسف وقف ليتجه مع فيصِل للخارج حيثُ مجلسهم الذي أجتمع فيه الجميع، أطالوا وقوفهم أمام الباب وأصواتهم تخفت قبل أن يدخلا للمجلس.
خرجت هيفاء دُون أن تنتبه أنهما مازالا واقفيْن ، رددت وهي تهفُّ على نفسها بيدِها بعد أن أعتلت حرارة جسدها والخجل مازال يُسيطر عليْها لتُنادي على والدتها بنبرة توشك على البكاء : يممممممه ... يممه وش ذا ..
يوسف تنحنح حتى تنتبه لهُما بينما فيصَل تمتدُ إبتسامته لآخر مداها.
شهقت وهي تتراجعُ للخلف وتشتمُ نفسها ويوسف وفيصل وكل عائلتها في ثواني قليلة، ودَّت لو الأرض تنشق وتبلعها حالاً .. حالاً.
،
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . .
تعتلي قبضته لتُحاصر زندها وهو يصعدُ وهي تقاوم الصعود وتتمسك بالدرج : سلطاااان
يقترب منها ليفكُّ يدها من الدرج ويُحكم سيطرته على كلتا يديْها بيدِه ويصعدُ بها، أندفعت وهي تكرهُ نفسها أكثر حين ترضخ له : طيب آسفة .. خلاص آسفة ...
سلطان : أنا أعلمك كيف تتطاولين وتعلين صوتك عليّ! .... دخل بها لغرفتهما وأغلق الباب.
بقساوة ينزعُ حزامه العسكرِي الغليظ من بنطاله، تنظرُ له بدهشَة بعد أن تجمدَّت عروقها، ألتصق ظهرها بالباب : عمتِك ما رضيت عليها بالكفّ وأنا حتى الحريقة ترضاها عليّ !!!
سلطان بغضب : طيب يالمحترمة! يوم تعرفين تحاضرين وتناظرين !! شوفي نفسك كيف تكلميني!!
الجوهرة بربكة كبيرة أمام غضبه، أردفت بصوتٍ ركيك : وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ... وأنت على طول قدَّمت الضرب
تهزمه دائِمًا بالقرآن، بالآيات الي تعبره لتُمسك غضبه وتليِّنه، مدد أصابعه ليسقط الحزام على الأرض وقبل أن ينطق شيئًا أوجعتهُ بقدر الوجع الذي يترسبُ في قلبها، لتسخَر بكلماتها بجديَّة الحزن : وأظن أنك هاجرنِي بليَّا شي! ما هو ناقص بعد تحط في بالك الهجر
سلطان يقترب منها لتلتصق أقدامهما المتقابلة، بتنهيدته المتأنية : طيب يا حلوة
الجوهرة من قهرها لا تعلم ماذا تقول : لآ ماني حلوة!!
سلطان يكره أن يضحك في وقتٍ تضطرب به أعصابه ويرتفعُ به الغضب، أبتسم :وش تبيني أناديك ؟
انتبهت لكلماتها ليحمَّر وجهها، حاولت أن تُبيِّن اللاخجل : نادني الجوهرة
سلطان : طيب يالجوهرة بكلم أبوك وأعزمه عندنا قبل لا يرجع
نظرت له بملامحٍ أرتخت، شعرَت بأنه يفكّ قيدها تمامًا، هدأت أنفاسها وضاعت نظراتها في كل شيء بالغرفة ما عداه رُغم أنه لا يترك لها فرصة لتأمل شي وجسدُه يلاصقها تمامًا، لا تعرف كيف أنه يرضخ بسبب كلمةٌ بسيطة منها! أن يوافق على ذهابها لوالدها بعد رفضه.
سلطان بخبث يقطعُ سلسلة أفكارها : عشان أقطع يقينك بالروحة له
تغيَّرت ملامحها للأسوأ بعد أن رأت أملاً وسُرعان ما تبخَّر، لتتسع إبتسامته : تبين شي ثاني ؟ لأن ماراح أرد لك طلب
الجوهرة أمالت شفتِها السفليَة بغضبٍ شديد بعد سخريته بها، لا تعرف كيف تزورها القوة والجرأة أحيانًا، أندفعت : طيب يا حلو .. منك أنت بالذات ما أبغى طلبات
سلطان يُقلد نبرتها : لا ماني حلو
الجوهرة أخذت شهيق ونست الزفير من العصبية التي تُسيطر عليها : لآ تقلدني!!
سلطان مازال يُعاند، يشعرُ أنه يصغر 10 سنوات للخلف بتصرفاته : ناديني سلطان
الجُوهرة تُشتت نظراتها، تخاف من كلماتها القاسية أن تأتِ وهي تنظرُ لعينيه : يقول عني صغيرة عقل وما يشوف حاله
سلطان يضع ذراعيه على الباب لتُحاصر جسدِها : ما تبيني أمزح معك ؟
الجوهرة : أنت ما تمزح أنت تهين وبالشرع ما يجوز أنك تمزح بالإهانة
سلطان بإبتسامة : عاد أنا مزحي كذا
الجوهرة : وأنا ماأحب مزحك
سلطان : غصبًا عنك تحبينه ..
بغرورة الذِي يغيضها يُكمل : كل شي منِّي مجبورة أنك تحبينه
الجوهرة تعضُّ شفتها بغضب حتى أحمرَّت بالدمّ : طيب أبعد
سلطان : وإن ما بعدت ؟
الجوهرة تكاد تجَّن من تصرفاته التي لا تعرفُ بدايتها من نهايتها، كيف مزاجه يتلون بالدقيقة مئة مرَّة : سلطان
سلطان يُمسك ضحكته ليقترب أكثر فوق إقترابه الشديد : حاولي تدلعيني بكلمة ثانية وأبعد
الجوهرة : منت صاحي!
سلطان : هذي من معجزات القرآن، تقرأين عليّ آية وتضيعني
الجوهرة أضطرب نبضها وهو يتصادم في صدرها : طيب .. ممكن تبعد ؟ الحين حصة بتدوِّر علينا
سلطان بسخرية لاذعة : صادقة ماحسبناها! عمتي بتدوِّر علينا الحين وبتخاف إن ما لقتنا
شعرت بغباءها وسطحيتها في التبرير : سلطان لو سمحت جد أتكلم
سلطان : قلت دلعيني بإسم وأفكر أبعد
الجوهرة : طيب يا حلو ممكن شوي
غرق بضحكته : دلعيني دلع رجال
الجوهرة رفعت عينها لتُغيضه : يا سبحان الله حتى بالدلع ما ترضى تنتقص رجولتك بشي
سلطان يُغيضها أكثر : ما تنقص برجولتي الكلمات
الجوهرة : طيب إسمك ماله دلع رجولي
سلطان : إلا له .. أنتِ فكري وأنا بفكر معاك
الجوهرة تعرف ماذا يقصد : ما أؤمن فيه
سلطان أدرك أنها فهمت قصده : وأنا ما أؤمن باني أبعد الحين
طال صمتها لثوانِي طويلة حتى أردف بقهر : طيب يا سلطاني ممكن تبعد ؟
أبتسم : ولا تفكرين بيوم أنك بتقدرين تبعدين
الجوهرة وعينيها لا تستطيع ان ترفعها إليه، لاصق بطنه بطنها ولا فُرصه للحركة : طيب أبعد سويت اللي تبيه
سلطان يستمتع في إغاضتها وقهرها : قوليها وأنتِ حاطة عينك في عيني
الجوهرة بقهر أندفعت بغضبها : أنت تبغى تهيني وبس!
سلطان بهدُوء : الحين هالكلمة بتهينك! أجل يا ضعفك إذا الكلام يهينك
الجوهرة تضع يدها على صدره محاولة أن تُبعده ولكنه كالجدار واقف.
سلطان بخبث : أعدّ لما الثلاثة وبعدها تشهدِّي .. واحد . . . . . إثنين . . . .
نظرت لعينيْه وهي تفيضُ بالقهر، ستصبح هذه اللحظة من أسوأ الأشياء التي أحزنتني منه، يتلاعب بيْ مثلما يُريد، يُثبت أنه متمكن منِّي، بأني لا أستطيع أن أنسلخ منه، يُرضي غروره على الداوم بأنني غير قادرة على الإبتعاد، ليتني أفعل رُبع ما تفعل وأشعُر بأنني فعلاً مُتمكنة منك، بنبرة هادِئة : ممكن يا سلطاني تبعد لـ
لم تُكمل من قُبلتِه المُفاجئة التي قطعت عليها سيرَ الكلمات الخافتة، أتشعرُ بالضياء الذي يتوهَّج بجُغرافية جسدِي كُلما مررت بيْ؟ كم يلزمُ غيرك من الرجولة حتى يجيء نصفك؟ كم يلزمهم وأنت تختصرُ عليّ كل الرجال؟ مشكلتِي والله أنني أحبك ولا أعرفُ طريقًا أبتعدُ به عن حُبك، لا أعرفُ طريقًا للهرب وأنت لم تُبقِي ليْ مكانًا للهرب، رُغم أنك أكثرُ شخصٍ يُهينني، يستفزني، يُغضبني ويُحزنني ويُبكيني إلا أنك أكثرُ شخصٍ أشعرُ بأنِّي دُونه أعيشُ في غربة، مُشكلتي أيضًا أن عينيْك تُجهض كل محاولاتي البائسة في النهوض من وعثاءِ حُبك! كيف لك أن تحملُ هذا القدر من الرجولة القاسية لأنثى بسيطة مثلي؟ كل لك أن تحمل كل هذا الجمال العنيفْ الذِي يجلدُ قلبٌ هشّ مثلي؟ إن كُنت يومًا موسوعة أنا ثقافتُك يا سلطان.
أبتعد وهو يُبلل شفتيْه بلسانه، يومًا ما سأذهب ضحيَة لعينيْها الشفافتيْن وثلجيةُ ملامحها الناعمة، كيف لمجرَّة تدُور حول جسدِ أنثى وأضيعُ أنا في شمسها وقمرها ؟
لم تتجرأ أن تنظرُ إليه، وهي تتجه نحو الدواليب من الربكة لم تعد تعرف ماذا تفعل، دُون أن يلتفت إليها خرجَ للأسفل.
وضعت يدها على صدرها وهو يرتفع ويهبطُ بشدَّة : يا الله عليك!
،
وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه، أنا مستعد أن أعلن إنسلاخي من كل الأشياء التي تربيْتُ عليها مُقابل أن يتلاشى وليد من هذا الوجود، مُقابل أن تعود ذاكرتها كما كانت، مُقابل أن تكُون ليْ وحدِي، وحدِي أنا لا يُشاركني بها أحد.
زفرَ أنفاسه الغاضبة : وليد!! حسبي الله ..
بصراخ : تنسين شي إسمه وليد!!! أنتِ زوجتي رضيتي ولا ما رضيتي ... لا تخليني أفقد أعصابي معاك فوق ماني فاقدها
غادة بحنق : أقولك فاقدة ذاكرتي ماني عارفة إذا أنت تصدق بكلامك ولا تكذب .. وش يذكرني .. الله يخليك أتركني .. أتركني بس أرتب أوضاعي
يشدِّها حيثُ الجزء الآخر من الصالة التي تُخزِّن بها الذكريات بلا إنقطاع، تحبسُ أصواتهم وكلماتهم الضيِّقة الحزينة والسعيدة المُتغنجة، فتح الحاسوب المحمول ليُشغل إحدى الأقراص
ناصِر : شوفي بنفسك وأعرفي مين الصادق ومين الكذَّاب
غادة بتشتيت نظراتها : عارفة ماله داعي أشوف .. لو سمحت
ناصر رفع حاجبه والغضب يسيطر على أعصابه: صار بيننا لو سمحت؟؟ بعد
غادة نظرت إليْه والمقطع يُحمِّل حتى يُفتح : لا تضغط عليّ
ناصر عقد حاجبيْه الحادتيْن : ما أضغط عليك!! هذا شي ضروري عشان تعيشين! أنتِ ما تعرفين تعيشين بدوني وأنا مقدر أعيش بدونك .. عشان كذا ضروري تكونين معايْ!! مفهوم ؟
غادة تنظرُ للشاشة التي أتسعت بصورتها وصوتها الذِي أنهمر على مسامعها.
تسير من بعيد في مكانٍ كان بالماضِي مقهى، مهجور جدًا لا تسمع سوى صدى أصواتهم، تنظرُ للكاميرا الموجهة إليها : للحين تصوّر
ناصر بضحكاتِه اللامُنتهية: تأخرتي قلت أوثق المكان .. وقف ووضع الكاميرا دون أن يوقفها على الطاولة المتصدِّعة
تعانقه وتتنفسْ عِطره : وحشتني
ناصر : ماهو أكثر منِّي .. جلسا على الكنبة الرثَّة .. هالمرة بعد عجئة سير؟
غادة : ههههههههههههه لأ أبوي فتح معي تحقيق وعطاني محاضرة بطول وعرض
ناصر : مانيب متكلم عن أبوك
غادة وبأصبعها تداعب خدّه الخشن : هو تقدر ؟
ألتفت عليها ووجهه يُقابل وجهها : بصراحة لأ
غادة وترى بقايا أحمر شفاه على خده : مع مين جالس قبلي ؟
ناصر ويراها من المرآة المتكسِّرة على الجدار :يامجنونة هذا رُوجك !!
غادة وتقترب منه لتمسح بأصابعها بقايا رُوجها على خدّه وبمرواغة من ناصِر ليُقبلها لكن ألتفتت للسقف وكأنها تتأمله
ناصر : لا والله ؟
غادة بإبتسامة تنظرُ لِمَا حولها : هالمكان من متى مهجور ؟
ناصر : تبخلين على اللي مشتاق لك ؟
غادة : عشان تطفش مني بعد الزواج
ناصر : مين قايلك هالحكي
غادة ضحكت لأنه يعرف من ينصحها ويُعطيها كل هذه المواعظ.
ناصر : نصايح حكيم زمانه عبدالعزيز !! شغله عندي ذا أتركيه عنك لو تسمعين له صدقيني تضيعييين ..
غادة : ههههههههههههههههههههههههه بس أنا أقتنعت بكلامه
ناصر : لازم يخرّب عليّ كل شيء هالولد
غادة : قولي وش أخبارك ؟
ناصر : ماشي حالي
غادة : أنت بس ناظر عيوني وأتحداك بعدها ماتقول أنك بألف خير
ناصر بحُب وعينه بعينيها : وعيُونك تعطيني درُوس بالفرح بالسعادة يابعد ناصر أنتِ
غادة أبتسمت وهي تنظر للكاميرا : للحين شغالة ؟
ناصر ألتفت عليها ويسحبها ليُغلقها . .
أضطربت وقلبُها يصطدم بصدرها الذِي تبلل بالكلمات الخجلى التي لا تعرفُ كيف كانت تتجرأ بنطقها أمامه، أحمرَّت خجلاً من حركاتها وكلماتها معه، هذه العلاقة لا تُوحي بانها سنة أو سنتين، جُرأتي تُوحي بأن الذي مضى عمرًا كاملًا.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تصارع دموعها : لا تشغل شي ثاني
دُون أن يلتفت لها يُشغل القرص الآخر الذي هو نفسه لم يراه منذُ فترة طويلة بعكسِ الذي سبقه.
على القارب الذي يعبرُ نهر السين ولا يُشاركهم به أحد، تُمسك الكاميرَا وهي تصوِّره وأطرافها ترتجفْ ببرودةِ الأجواء : ناصر خلاص أبعدنا خلنا نوقف هنا
ناصر يُجمِّع كفيْه وهو يُدلكهما حتى يتدفئ : الجو يناسب القصيد
غادة تضع الكاميرَا لتثبت الصورة على أجسادهم من بطونهم حتى أقدامهم، أقتربت منه حتى يُحكم قيده على يديْها ويُدفئهما، قرَّبها إلى الأعلى وكانت تُوحي بأنه قبَّلهُما
غادة تزفرُ أنفاسها الباردة ليحملها ناصر بخفَّة ويجعلها تجلسُ أمامه، صدرُه يلاصق ظهرها وذراعيْه تُحيطها : متى نتزوج ؟
غادة : ههههههههههههههههههههههه كم مرة سألت هالسؤال
ناصر : وبضِّل أسأل لين يرحمنا أبوك ...
غادة : هانت! ما بقى شي ويجي تقاعد أبوي وبعدها أكيد بيعجِّل في الزواج
تُطبق الشاشة، ترفضُ أن ترى حياتها السابقة بعينيْها، تعالت أنفاسها وهي تتوسَّلُ إليه : يكفي! .. ما فيني حيل أشوف أكثر
يضع كفِّه على كفِّها : وأنا ما فيني حيل أشوف صدِّك
تلتفت إليْه وملامحها تُضيء بالدمع : طيب هذا فوق طاقتي! والله فوق طاقتِي ...
ناصر بغير وعي/إتزان : مافيه شي إسمه فوق طاقتك! يعني تبين حياتك هذي؟ اللي ماتعرفين فيها حتى إسمك
غادة : أنا مشتتة عطني الوقت اللي يخليني أستوعب كل هذا
ناصر : وأنا من يعطيني الوقت ؟
غادة ودمُوعها تتساقط : أرجوك ناصر
ناصر يقف مُبتعدًا عنها : يا قساوتك!
وبعصبية بالغة يرتفعُ على سطحه مُلكيته بها : بس طلعة من هنا لو تموتين ما طلعتي! حياتك هنا! مالك مكان عند غيري .. مالك مكان أبد
،
تمرُّ الأيام بصورةٍ مُهيبة، الهيبة التي تجعل الجميع ينحنِي إليْها، لا أعرفُ كم من الوقت يلزمُ أبناء جنسنا حتى يستوعبُ أن الهجر لا يزيدُ قلوبنا إلا مضرَّة/كدرًا! يراقبها وهي تأكل بهدُوء بعد أن أعتادت الأكل باليسار والآن تحاول أن تعتاد على يدِها اليمين التي نستها طوال الفترة الماضية، رفعت عينها : فيه شي بوجهي ؟
عبدالعزيز أبتسم : لأ
رتيل : شككتني بحالي، اليوم عندك شغل ؟
عبدالعزيز : إيه أنتظر أبوك يجي
رتيل : ما نام إلا الفجر
عبدالعزيز : الله يعينه ... نظر للمصعد الذي أنفتح بخروج عبير .. طيب 10 دقايق يا رتيل وتمشين معي .. ماهو أنتظرك ساعة!
رتيل تنظرُ لعبير التي لم تتوقع أن تجد عبدالعزيز اليوم بحُكم الأشغال التي أزدحمت في الأيام الماضية
عبدالعزيز دُون أن ينظر إليها : شلونك عبير ؟
عبير بخفوت : بخير الحمدلله
رتيل : طيب 10 دقايق وأجيك ، خرج ليتركهما
عبير : ليه ما قلتي لي أنه بيجي اليوم ؟
رتيل : نسيت ..... تنظرُ لمحادثات الواتس آب ... يارب صبِّرني
عبير : مين ؟
رتيل بشغف تلتفت عليها بكامل جسدها : تذكرين اللي تمشي مع صديقة هيفاء الطويلة .. اللي دايم تسوي بشعرها حفلة
عبير ضحكت لتُردف : إيه عرفتها .. إسمها هناء مدري نهى
رتيل : المهم قبل كم يوم جتني تعزمني لعرس أخوها قلت لها أني ماني في الرياض! راحت قالت لهيفا أني أكذب وأني أنا أتحجج عشان ماأجي .. جتني هيفا تقول أشوى أنه عندك عذر عشان ماتجين عرسهم أنا وش عذري! المهم الهبلة هيوف كتبت هالكلام في محادثتها .. وسوَّت لها فضيحة
تُقلد صوتها رُغم أنها لم تسمعه إلا لمرةٍ واحدة : أنتم ماتبغون تجون بكيفكم محد غاصبكم ! ليه تنافقون وتمثلون عليّ وأنتم وأنتم .. ههههههههههههههههههههههههه تفجرت البنت .. هيفا كلمتني الصبح تقول مسوية نفسها ميتة ما ترد على هواشها .. تو الحين كاتبة لي نهى .. ما فيه تقدير للعشرة تتزوجين وماتقولين لي ؟ بغيت أحط لها ضحكة طويلة وأقولها عفوا مين أنتِ ؟ يختي غصب تحط بيننا عشرة وأنا ما شفتها الا مرة وحدة
غرقت عبير بضحكتها لتُردف : هبلة هالبنت! لا تردين عليها وأسفهيها
رتيل : عقلها صغير أستغفر الله .. مشكلتي ما أحب أحش بأحد
عبير بسخرية :بسم الله على قلبك ماتحبين تحشين أبد!
رتيل : يعني صراحةً فيه ناس غصب يخلوني أحش ولا أنا ما ودي .. تحسين كأنهم يقولون لك تكفين حشِّي فينا
عبير : أصلاً أنا ما أدانيها يختي قلق مررة
رتيل : مدري كيف صديقة هيفا تماشيها! أبد الضد منها
عبير : تخيلي في ناس تشوفك وتقول .. كيف هيفا تماشي رتيل ؟
رتيل : يآكلون تراب! الحمدلله صدق أني أسوي أشياء غبية في حياتي بس ماني قلق ولا نشبة ولا أهايط .. الله يآخذ سيرة الهياط يختي تذكرني بناس وصخة
عبير: سبحان الله كل الناس وصخة ماعداك
رتيل غرقت بضحكتها لتُردف : أستغفر الله الله يتوب علي بس آخر وحدة بحشّ فيها وإن شاء الله أني بعدها بتوب، تعرفين بنت صديقة أبوي اللي إسمه مدري إسم جده معاذ .. اللي تعرفنا عليها أيام الثانوي ..
عبير أتسعت محاجرها : لآ تقولين لي أنك متواصلة معها إلى الآن .. قديمة مررة
رتيل بحماس الموضوع : معي في الواتس آب ، المهم أرسلت بي سي حق ..
تُقلد صوت الدلع : البنات الكيوت و اليايْ .... المهم كتبت المناكير وعلاقتها بالحب .. قلت لها طيب اللي ماتحط مناكير ؟ فشلتني الكلبة وقالت ماهي بنت ماتدخل من الفئة المعنية بالبي سي ! قلت طيب اللي تحط مناكير شفافة ؟ قالت لي لحوج! قلت طيب اللي تحط مناكير زي لون شعرك .. الحيوانة عطتني بلوك ..
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههه قسم بالله أنك حقيرة يا رتيل
رتيل بصخب ضحكاتها : قهرتني الكلبة أجل أنا لحجية وهي صابغة شعرها أصفر .. يا ليته أشقر بعد .. عاد هذا قبل سنين يمكن أنها الحين صبغته أسود وعقلت
عبير صمتت وشتت أنظارها لتلتفت رتيل للواقف أمامها : خلصتي حشّ ؟
رتيل بإبتسامة ونظراتها العفويَة تبتسم معها : باقي أنت ما حشينا فيك
عبدالعزيز : قومي معي منتِ كفو أحد ينتظرك
رتيل تقف : طيب خلاص ... أتجهت معه للخارج وبنبرة الفلسفة الغير مقنعة : تعرف عبدالعزيز وش يروقني ؟ لاحظت أنه أكثر شي يروقني لما تكون سعيد
عبدالعزيز ألتفت عليها : بحاول اصدق
رتيل : هههههههههههههههههه جد أتكلم! أنت أنبسط يا قلبي وأنا اروق
عبدالعزيز تنهَّد : تحبين تتطنزين على علاقتنا كثير! ملاحظ هالشي و أصلا هالفترة واصلة معي وأنتظر الزلة على ايّ أحد عشان أتهاوش معه
رتيل : هذا شي يرجع لخلل عقلك لكن ظاهريًا أنت سعيد
عبدالعزيز يعض شفتيه ليحاوط رقبتها بذراعه ويُنزل رأسها ناحية بطنه
رتيل : خلاص خلاص آسفين .. عورتني توَّها راجعة لي رقبتي تبي تطيِّرها بعد
عبدالعزيز يتركها : أنتِ ما تروقين يا قلبي أنتِ تهايطين
رتيل أتسعت بإبتسامتها : أستغفر الله أستغفر الله .. اليوم بجلس أستغفر عن كل شخص حشيت فيه ...
عبدالعزيز : أنتِ كويِّس ما تحشِّين في ظلك
رتيل عقدت حاجبيْها : تبالغ مرة .. أنت والله اللي كويِّس ما تتهاوش مع ظلِّك
عبدالعزيز : بس أنا أقولك وش اللي مروقك هاليومين ؟
رتيل : وشو ؟
عبدالعزيز وهو يسير بجانبها على الرصيف الصاخب : أنك صايرة ما تتهاوشين معي وتعاندين! عشان كذا أمورنا طيبة
رتيل : إذا أنت ما نرفزتني ما اتهاوش معك
عبدالعزيز بخبث : ولا عشان ماتشوفين أثير
رتيل وقفت وهي تعضُّ شفتها السفلية بحقد.
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههه بترجع الليلة لازم تقومين بواجب السلام
رتيل تُكمل سيْرها حتى لا تلفت إنتباه أحد : شفت! ما ترتاح إلا إذا عصبتني وأنا مروقة .. يخي أتركني أنبسط لو يوم
عبدالعزيز : أبشري على هالخشم
رتيل أبتسمت : طيب .. وين بتوديني اليوم ؟
عبدالعزيز يواصل خبثه المُتغزل : لقلبي
رتيل ضحكت لتُردف : لاحول ولا قوة الا بالله .. جد عزوز
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههه وصرنا نقول عزوز ؟
رتيل : عفوية لا تجلس تدقق
عبدالعزيز : طيب عندي لك موضوع سري سري سري للغاية .. حتى بينك وبين نفسك لا تفكرين فيه
رتيل رفعت حاجبها : وشو ؟
عبدالعزيز : يخص أختك عبير
رتيل : إيه وشو .. خوفتني
عبدالعزيز : خلينا نجلس بالأول بمكان هادي وأقولك
،
ينظرُ لساعته بربكة : والله لا يعلقني معك ترى إحنا واعدينه ..
أحمد : طيب أنت توترني .. أبلع لسانك وبطبعهم الحين
متعب يقترب للنافذة التي تطلّ على بوابة المبنى الرئيسية : إن جاء ومالقى الأوراق بيقول أننا مو قد الوعد وعاد والله لا يمسكها علينا سنة قدام
أحمد : متعب إكل تراب .. دبلت كبدي ووترتني معك .. بيجي وبيلقى كل شي جاهز
متعب : بيمسكني دوام ليلي والله لا يذبحني معه .. انا أعرفه
أحمد يرمي عليه علبة المناديل : يخي أسكت
متعب صمت قليلاً ليُردف بصوتٍ عالِي : جاء .. جاء .....
أحمد يسحب الأوراق من الآلة ليركض للطابق الثاني الذي يحتوي على مكتبِ سلطان، متعب يسحبُ بقية الأوراق التي نساها الغبيُ الآخر وهو يركض خلفه ... دخل أحمد لمكتبه.
متعب الذِي أصطدم بالطاولة وآلمت بطنه، تحامل على ألمه ليركض نحو مكتبه وتجاوز بابه ليعُود للخلف بـ " سحبَةِ " أقدامه التي أنزلقت نحو الداخل ... وضع الأوراق على مكتبه بترتيب.
مرّ زياد بكُوب القهوة ليسحبها منه متعب ويضعها على طاولة سلطان. زياد بسخرية : ممشيك على الصراط !
أحمد : وش تحس فيه ؟
متعب : عشان يشوف القهوة باردة ويعرف أننا مجهزين كل شي من زمان .. ذكاء يا حبيبي ذكاء ... وخرجا مُتجهين لمكاتبهم.
أنفتح المصعد ليتجه سلطان دُون أن ينتبه للربكة التي حصلت قبل قليل، وقبل أن يدخل مكتبه تراجع عدة خطوات للخلف ونظرُ لمتعب ، أشار له من خلف الزجاج أن يأتِيه.
متعب تبعه : سمّ
سلطان ينظرُ للقهوة التي واضح أنها سبقت شفاهُ أحد : مين داخل مكتبي ؟
متعب : محد بس أنا الصبح حطيت الأوراق اللي طلبتها مني
سلطان رفع حاجبه : وهذي القهوة مين له ؟
متعب شعر بالورطة الحقيقية : لي أنا طال عُمرك! .. نسيتها ... أقترب وأخذها.
سلطان يجلس ويطيل النظر بعينِ متعب ليستنسخ الكلمات منها : وجهك ما يبشِّر بالخير
متعب وفعلاً يُريد أن يبكي الآن من قهره، مهما فعل يشك به سلطان : علمني وش أسوي! كل شي أسويه تشك فيه
سلطان بجمُود : بعد أبكي زي الحريم
متعب ويشعرُ بأنه تعقَّد تماما من هذا العمل : ما أبكي بس أشرح لك الحرقة اللي في صدري
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك : حرقة بعد !!
متعب : هذي الأوراق وجاهزة .. والحين تجيك القهوة زي ما تحبها .. أنت بس آمرني
سلطان يضع يده على خده ويتكئ : متعب ماودِّك تترقى ؟ تدخل دورة وتآخذ رتبة جديدة
متعب ببلاهة : لا .. أنا كذا مرتاح
سلطان : طيب فارق
متعب : شكرًا ... وخرج
سلطان أبتسم على كثرة أخطائه الفادحة والغبية إلا أنه يُسعده حضوره، مسك الأوراق ليُراجعها بعد أن عاود نشاطُ عبدالعزيز مع عبدالرحمن في باريس. بدأ العدّ التازلي لإنتهاء الجوهي أو إنتهاءُ إدراتنا!
،
دخَل لتلتقط عينيْه جلوسها على السرير وبين أحضانها عبدالله، تُلاعبه بأصابعها وتُغني له بصوتٍ خافت، بإبتسامة : مساء الخير
رفعت عينيها : مساء النور ...
بربكة أردفت : كانت هنا هيفاء وخلته راحت تشوف أمها ...
يوسف : أصلا عادِي مافيها شي .... جلس بجانبها : رحتي الجامعة اليوم ؟
مهرة : إيه قبل شوي رجعت ... هالكورس إن شاء الله أتخرج وأرتاح من هالهم
يوسف يأخذُ عبدالله من أحضانها ويُقبِّل خده : وزين خدوده يا ناس ...
مُهرة أبتسمت : أحترت فيه مو طالع على واحد فيكم .. بس فيه شبه من عمِّي
يوسف : طالع على سميَّه ... أنا أدعي الله أنه طنازتي على خلقه ما تطلع في عيالي
مُهرة : ههههههههههههههه عقب وش؟ تطنزت وأنا اللي بآكلها
يوسف : انا واثق بجمالهم .. دام أني أبوهم غصبًا عنهم يطلعون حلوين
مُهرة : إذا ولد انا بسميه وإذا بنت بكيفك .. علاقتي مع أسماء البنات مهي كويسة
يوسف بضحكة : أنتِ إسمك كله على بعضه مو كويِّس
مُهرة رفعت حاجبها : إسمي اللي مو عاجبك معناه ..
يُقاطعها : والله داري وش معناه .. بس أنا كذا ما أحب الأسماء العنيفة .. أحب الركَّة *الرقة* *أردف كلمته الأخيرة بضحكة عميقة*
مُهرة : لو بنت وش بتسميها ؟
يوسف : ريَّانة بلا منازع وبخليها لولد عمَّها عبدالله
مُهرة : تدري لما كنا صغار كانوا مسميني لولد خالي مساعد .. بس تزوج يوم كنت في اول سنة جامعة
يوسف : شفته ؟
مُهرة : إيه كان موجود يوم جيت حايل ... لحظة عندي أخته حاطة صورته ... أخرجت هاتفها لتفتح بروفايل إبنة خالها على صورة أخيها
يوسف لم يُدرك من قبل أنه يغار بهذه الصورة الشديدة، نظر للصورة بحدَّة : طيب
مُهرة بعفوية : بس قهرني! يعني لما تفكر طول مراهقتك بأنك بتكون معه وتبني أحلامك على هالأساس بس آخر شي كسر قلبي وتزوج وحدة ثانية
يوسف بسخرية : بسم الله على قلبك اللي كسره
مُهرة : ههههههههههههههههههه جد أتكلم يعني بوقتها ما كنت أشوف من الرجال أحد غيره ..
يوسف بهدُوء يُقاطعها : مُهرة ممكن تبطلين حكي في الرجَّال اللي تزوج قدامي
تجمدَّت ملامحها بالإحراج : ما كان قصدي
يوسف : داري .. وضع عبدلله على السرير ليستلقي بجانبه مُرهقًا من العمل ...
مُهرة تقترب منه : بكرا موعد الدكتورة .. بتجي معاي .. بيكون الساعة 10 الصبح
يوسف وهو مُغمض العينيْن : طيب يعني بتداومين ولا كيف ؟
مُهرة : لآ ماراح أحضر .. بس أنت بتطلع من دوامك ؟
يوسف : إيه ولا يهمك
مُهرة ألتزمت صمتها وهي تُطيل النظر به، من أنفاسه يتضح أنه لم ينَم بعد، قطعت الهدوء : طيب إذا ما تبغى تنام أجلس معاي لأنه مو جايني النوم ومحد في البيت .. طلعت هيفاء مع عمتي ونجلا
يوسف مازالت عيناه مغلقة : من آثار الحمل أنك تكونين قلق؟
مُهرة أبتسمت : لأ بس طفشانة
يوسف يفتح عينيْه : تعرفين تسوين مساج لرآسي
مهرة : لأ
يوسف : حايلية على وش ؟
مهرة : ليه الحايليات لازم يعرفون كل شي
يوسف : إيه مين أسنع حريم بالسعودية ؟ بنات الجنوب وبنات الشمال
مُهرة : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه على كيفك تقسِّم ... بالعكس نجد مسنعات بعد
يوسف : بالنسبة لي أنا أشوفهم التوب
مهرة بخبث : مجرِّب ؟
يوسف : أنتِ أدخلي معي الإستراحة وبتشوفين حوار الثقافات اللي يصير
مهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههه ما تمِّل وأنت تتطنز على ربعك
يوسف : تراني أحبهم وأغليهم على كثر طنازتي! تحسبينا زيكم .. نتطنز من الغيرة والكره
مهرة : يخي لا تعمم .. كل شي حريم وحريم .. فيه الشين وفيه الزين دايم
يوسف : طيب بجلس أقول كل شوي " بعض " و " بعض " .. خلاص أكيد ما أقصد التعميم يعني كل حريم حايل سنعات هذا أنتِ غير عنهم ما قلت شي
مُهرة عقدت حاجبيْها : طيب نام خلاص
يوسف يضحك بصخب ليُردف : أنا لاحظت فيك صفة خايسة
مُهرة تكتفت : إيه وشهي
يوسف : ما تتقبلين الأراء ...
مُهرة : وشنوحك كل ما قلنا لك كلمة قلت ما تتقبلين الأراء!
يوسف : هههههههههههههههههههههه إيه طلعي اللهجة
مُهرة أنتبهت لكلمتها لتُردف بنبرة حائلية بحتة : أنا هاتس طبعي ما يعجبنن الطنازة وكل ما قلت شي تحندر بوه تسنِّي مِكفرة
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههه يا ولد .. لا لا هذا كلام كبير .. كيف أرد عليك الحين
مُهرة بإبتسامة عريضة : والله وش زين اللهجة بس لأني متعودة على الرياض ما صرت أحكي فيها
،
يُقابله في إحدى المقاهِي القريبة من شقته ليشرح له بطريقة لا يستوعبها قلبه العاشق، يُردف بحنق : ومع مين كانت جالسة ؟
وليد يتأملُ ملامحه الحادَّة، دائِمًا ما كنت أملك قناعة أن فئة ناصِر يملكُون وسامةٌ قاسيَة، قاسية حتى على أنفسهم حين تحتدُ بالغضب : كانت جالسة مع وحدة إسمها أمل
ناصر : ومين تطلع ؟
وليد بهدوء : ما أعرف!
ناصر : وطيب هي وينها الحين ؟
وليد : هربت
ناصر : هربت!!!.. ليُردف بغضب : تستهبل على مخي ؟
وليد : أنت شايفني بموضع إستهبال! أنا أكلمك جد كانت معاها وهربت ... مالها وجود بعد ما هبَّلت في غادة وخلتها تشك في نفسها وفي قدرتها على عودة الذاكرة .. كانت تتذكرك وتتذكر ناس كثير بس بطريقة مشوشة لكن حصل لها الحادث الأخير وفقدت كل ذكريات السنوات القريبة وصارت تتذكر الماضي البعيد .. وهذي حالة من حالات فقدان الذاكرة الرجعي اللي مالنا أيّ سيطرة عليها ولا تحكم عليها الحوادث وتصنيفها .. لأن الحوادث اللي تأثر على الرآس تختلف نتايجها من شخص لآخر .. انا ماراح أحبطك .. لكن صعب جدًا أنه غادة ترجع لها ذاكرتها بهالظروف .... تقدر تعيش معها وتبدأ من جديد ...
ناصر شد على شفتِه : كيف يعني أعيش معها وأبدأ من جديد ؟ مافيه علاج ثاني
وليد : قلت لك الإصابات في الرآس تختلف، بالنهاية 80 بالمية من العلاج يعتمد عليها هي وعلى نفسيتها، لكن أنا أقولك من واقع التجارب .. إذا فقدت ذاكرتها للمرة الثانية صعب ترجع لها، .. أقولك كدكتُور غادة واقفة ذاكرتها لزمن معين وهذا الزمن كان فيه ناس تثق فيهم، مستحيل الحين تتكيف بسهولة وهالصدمات منك راح تضرها أكثر ما تفيدها .. المطلوب منك أنك تجيب لها ناس كانت تعرفهم قبل 2007 وتثق فيهم عشان يساعدونها في ذكرياتها .. لأنها ببساطة أنت في موضع غير ثقة بالنسبة لها ولذاكرتها
ناصِر يُطيل نظره به ليُردف ببرود : وأنا أقولك خلك بعيد عنها .. وهالنصايح ماتهمني في شي وسالفة أنه ذاكرتها واقفة عند زمن معين أنا أرجِّع لها ذاكرتها يا شيخ بدون خدماتك ... و خرج ليتصل على والده ويسأله عن أوراق غادة التي لم يُصارحهه بها، يُدرك بأنه سيكذبه ويشكُ في عقله، أكتفى بأن يرمز لها بإسمها السابق " رؤى ".
في جهةٍ أخرى كانت تبحث في شقته بعد أن حبسها به، كانت تنظرُ للصور التي تجمعهم وضحكاتهم التي تلامسها بأصابعها، فاض الحنين بها، ما أقسى الحزن وما أقساه على قلبي، كيف أستردُ صوتِي الذِي أقرأه خلف هذه الصور والرسائل، كيف أستردُ ضحكتي التي تُرسم على هذه الأوراق! كيف أستردُ ذاتي التي ضاعت، سقط دمعها على عينِ عبدالعزيز الذِي يتوسطهما بالصورة، أشتاق لك يا عزيز، أشتاق لك فوق ما تتصوَّر، أشعر بأن غيابك مُختلف عنهم، أنت الذِي كنت قريبًا منِّي في لحظاتِ حُزني وإنزعاجِي، أنت الأب في مكوث أبي في الرياض، أنت وحدُك الذِي أشعرُ بأنه يجمع كل التصنيفات " أب، اخ،صديق، حبيب " أشتقت، أشتقت . . .
تقرأ على الصورة التي كُتب على طرفها " فيني بدو ماتوا ضما للمواصيل " ، نزلت دموعها بإنسيابية ليُكمل قلبها على روح عبدالعزيز التي تحنُّ لها : وجيههم من لاهب الشوق سمرا
عضت شفتِها تحاول أن تُمسك دمعها الشفاف من عُمق السقوط، كثيرٌ عليها أن تتحمَّل هذا الكمُ من الذكريات، هذا الكمُّ من الحزن، دقائِق قليلة حتى أنفتح الباب لتلتفت عليه.
ينظرُ ليديْها التي تعانق الصور، أقترب منها : مساء الخير
غادة الرافعة شعرها ككعكة في منتصف مؤخرة رأسها، تسيلُ دموعها دُون أن يواسيها الليل الطويل الهابط على رأسها، نظراتها الضعيفة تخنق ناصِر، تهزمه بكل ما تملكُ من رقَّة.
ناصر بهدُوءٍ متزن : إن شاء الله كلها كم يوم وراح نطلع من باريس
غادة بلعت الغصة التي تبحُّ معها صوتها : لوين ؟
ناصر : إلى الآن ما قررت بس أكيد مكان قريب ماراح نبعد كثير عن فرنسا..
غادة أخذت نفس عميق : ممكن أسألك سؤال ؟
ناصر بضيق : ممكن أطلب منك أنك ما عاد تستأذنين لطلباتك وأسئلتك .. تجرحيني يا غادة! .. تجرحيني كثير لا قمتِي تعاملني كأني غريب عنك
غادة شتت أنظارها للصورة التي بين يديْها : مو قصدِي .. انا .. بس أبغى أعرف وين عبدالعزيز ؟
ناصر : بهالفترة ماهو هنا .. إن شاء الله في الوقت المناسب راح تشوفينه
غادة : هو بخير ؟
ناصر : إيه بخير الحمدلله
غادة بحزن يشطرُ قلبها، لا أحد يفهم معنى أن أفقد الأخ الذي يوازي مقام الأب : يدري عنِّي ؟
ناصر : غادة .. راح تشوفينه قريب
غادة تسيلُ دمعتها التي لم تقل حرارتها عن كل دموعها التي عاشت في ركامها طوال السنة الفائتة والنصف الذي يفوت الآن : مشتاقة له حيييل
ينظرُ لها وهو يشعرُ بالعجر من أنه لا يستطيع أن يعانقها بكامل إرادتها، أن يمسح دموعها دُون أن تنفر منه، دُون أن تضيق، أن يُقبِّل كل دمعة تسقط منها ويحكي لها أنها جميلة جدًا عندما تبتسم، أن يرى ضحكاتها التي أعتادها، هذا وجهُ غادة الثاني! ليست غادة المرحة السعيدة التي أعتاد أن يغرق في حضنها ويعُود كمراهق أمامها، هذه ليست غادة التي أضيعُ في عينيْها وأحكي لها من الكلماتِ شعرًا ونثرًا ، هذه ليست غادة التي أستمتعُ بإغاضتها لأرى عُقدة الحاجبيْن التي أشتهي أن أقبِّلها دائِمًا، هذه ليست غادة التي تحاول أن تبتعد كُلما حاولت أن أقترب لتزيد لوعة قلبي، لتزيد من شغفِي بأن أعنِّف ملامحها بقبلاتِي وتعنيفِي رقيق ما دام يسكنها، هذه ليست غادة التي تبكِي مرَّة وتضحكُ مرَّات، هذه ليست غادة والله ولكن ذاتُها التي أتولَّعُ بعشقِ عينيْها وأغرقُ بشفتيْها، هي ذاتُها من أحب، هي ذاتُها التي تزيدُ عذابِي وتُميتني في كل مرَّة، الذاكرة مُضحكة للغاية! إن وددنا تذكُر شيءٍ بسيط نجد أنفسنا ننسى! وإن حاولنا النسيان نجد أنفسنا نتذكرُ أبسط التفاصيل، مُضحكة لأنها تستفزُ قلبي! تستفزُ حبي الذي لا يسكنه أحدٌ سواك.
،
لم تعتاد بعد على أجواءِ الشرقيَة الرطِبة والتي بدأت بالميل للبرودة قليلاً، لم تعتاد على جوّ البيت الخاوِي، ولولا وجُودِ أفنان كان من الممكن أن تنهار من وحدتِها، منذُ أتينا هنا وأنا لا أراه إلا أوقاتٍ قليلة، يستغلُ أيّ محاولة للإبتعاد، لا أراه إلا عندما ينام وأحيانًا أنام قبله ولا أراه، ولا أراه إلا عندما أستيقط وأحيانًا يستيقظ قبلي ولا أراه وما بينهما أنا ضائعة لا أعرفُ أين مستقرِ أقدامه، كثيرٌ عليّ أن أتحمَل كل هذا، كل هذا الهجر والصدّ وانا في أولِ حياتي معه، إما أن يختار طريقًا صالحًا لحياتنا أو " بلاها هالحياة " ، حتى ملكةُ هيفاء لم أستطع أن أحضرها، كان يعاقبني على أخطاءٍ بسيطة، على صوتِي الذي يعتلي لحظة من فيضِ قهري، أنا لا أفهمك يا ريَّان ولا أريد أن أفهمك مطلقًا.
رفعت عينيْها على دخوله، صدَّت لتُكمل قراءة الكتاب الذي لم يستهويها يومًا، و دائِمًا في لحظاتِ وحدتنا وعُزلتنا نبرع في ممارسة أكثرُ الأشياء سوءً وأكثرُ الأشياء كرهًا للقلب، أقرأ حتى أملُّ وأنام، لا شيء مفيد يمكنني فعله غير هذا، لأني ببساطة لا أريد التفكير بك، لا أريد أن أفكِر لِمَ يتصرف بهذه الصورة ؟ ظنوني السيئة بك تتجدد في كل لحظة وأنا لا أحبذ مناقشتها مع عقلي.
يسحبُ الكتاب بتأني بين يديْها ليجلس أمامها، ترفعُ عينها له : تآمر على شي ؟
ريَّان : ليه جالسة لوحدك ؟
ريم ببرود تتضحُ به حدةِ الحُزن في نبرتها : كذا .. مزاج
ريَّان : طيب أنزلي معي ..
ريم : أبغى أجلس بروحي
ريَّان رفع حاجبه : ليه ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بهدُوء : وأنا أبغى أعرف وش الأمر اللي يخصك ؟
ريم بحدة تكررها وكأنها تبدأ الحرب على ريَّان : أمر يخصني
ريَّان يشدُّ على شفتيْها : يعني ؟
ريم : أمر يخصني
ريَّان بغضب : ريـــــــــــــــــــم! لا تطلعين جنوني عليك
ريم تنظرُ إليْه بعصبية لتقف : تطلع جنونك! لآ أنا أبغاك تطلعها عليّ ... أنا أصلا ماأعرف كيف متحملتك إلى الآن ... أنا منتظرة بس المصيبة اللي بتحجج فيها عشان أفتَّك منك
ريَّان يقف وبنبرةٍ حادة : أنتبهي لحدودك معي لا قسم بالله ..
تُقاطعه بنبرةٍ تعتلي للصراخ : لا تحلف عليّ! ماني أصغر عيالك تقسم وتحلف ... أحترمتك بما فيه الكفاية لكن أنت منت كفو إحترام! أنت حتى ظلك تشك فيه ...
يُقاطعها بصفعة على خدِها الناعم،أخفضت رأسها لينساب شعرها على جانبيْه، لم تستوعب بعد أنه ضربها ومدّ يده عليها، هذا الإجرامُ بعينه مثلما كانت تراه في أعين اخوتها اللذين يُحرمُّون الضرب كمبدأٍ دائِم، المبادىء التي تربت عليها جميعها تلاشت أمام ريَّان، لا تعرفُ كم من الطاقة تلزمها حتى تتحمَّل وقع إهاناته المتكررة سواءً بلسانه أو بأفعاله.
ريَّان : وغصبًا عنك بتحترميني ... خرج ليتركها في فوضى حواسها التعيسة.
لم تعد تشعرُ بأقدامها، لم تعد تشعر بمقدرتها على الوقوف لتجلس على الأرض، سقطت دموعها التي تسيرُ ببطء، هذه الحياة في كل يوم تقتلني، في كل يوم تُميتني بتأنِي لا يستحقه قلبي أبدًا.
،
تسكبُ له القهوة وهي تنظرُ له بإستمتاع حقيقي بالحياة التي تبتسمُ لها، بأن إبنها يتزوج وتفرحُ به وتنتظرُ الحلم الذِي يتحقق في رؤيَةِ احفادها : متى يجي العيد بس ؟ عاد عيد الأضحى كل سنة أحسه يجي عادِي مو زي الفطر بس هالسنة غير دام بيحصل فيه شرف زواجك
أبتسم فيصَل ليُرضي غرور والدته : طبعًا هالسنة كلها غير
والدته : ما قلت لي وش صار بالشوفة ؟ كل مرة تتهرب
فيصل : هههههههههههههههههههههه لأن يا يمه ما أبغى أحرجك صراحة وصفك شرق والبنت غرب
والدته عقدت حاجبيْها : أفآآ !
فيصل : إيه والله .. ما صدقتي الا بشي واحد وهو شعرها ما عدا ذلك مع إحترامي لك يا يمه لكن عيونك تشوف شي ما اشوفه
والدته : إلا والله أنها تجنن و
يقاطعها : داري أنها تجنن لكن ماهي بنفس أوصافك .. أولا ماهي بيضا .. سمرا
والدته تشهق : إلا والله أنها بيضا وبياضها ماهو بياض عادي
فيصل تتسع محاجره : يمه لا تحلفين! أنا شايفها
والدته : أقول لا تخبلني البنت شايفتها وبيضا ماشاء الله تبارك الرحمن .. بيضاها مثل أختك ريف وأكثر
فيصل يشعرُ بأنه سيُجَّن من والدته : يمه لا يكون وصفتي لي بنت غيرها و وروني بنت ثانية.. هم عندهم غير هيفا ؟
والدته : إيه ريم و تزوجت والحين ما عندهم غير هيفا
فيصل بضيق : لآ يمه والله غلطانة ... أستغفر الله كيف ! صدقيني يمه يمكن مخربطة بأختها أو بوحدة ثانية
والدته : إلا هيفا نفسها أنا شايفتها بيضا وش ملحها
فيصل بتشويش : ماني مستوعب! أتصلي على أمها وأسحبي الحكي منها
،
في تلك الجهة التي تستمتعُ بها هيفاء بعد أن هُلكت بالتسوق : شي مو طبيعي والله .. خل يأجل العرس يعني صعبة أحقق كل هذا بوقت قياسي
يوسف : طيب ماهو لازم كل شي جديد ..
والدته بإندفاع : وش تبيه يقول عننا ! ما عطيناها مهرها ؟
يوسف : خلاص خلاص .. خله تحلله قرش قرش
هيفاء بضجر : باقي لي أشياء كثيرة ما سويتها .. لا ما ينفع والله خل يأجله .. ما أتحمل يصير الزواج بالعيد!
والدته : إلا يمديك .. بس أنتِ لا تقلقين نفسك ... وخرجت
يوسف: أسمعي مني أشتري بعد العرس .. خليه يدفع لك بعد
هيفاء أبتسمت : لا يا حبيبي لازم كل شي كل شي جديد ... كأني توني مولودة
يوسف يُظهر ملامح التقرف : عندك تشبيهات مدري وش تبي! أنا قلت لك رايي كرجِل وفيصل شخصيته حافظها حفظ .. أستغفر الله بس نسيت هو نظام التدقيق في اللبس .. وأناقة وماأعرف أيش
هيفاء تضرب صدرها بخفَّة : وتبيني ماألبس أشياء جديدة عنده عشان بكرا يعلق عليّ يقول بنت عبدالله لابسة ..
يُقاطعها : اصلا الرياجيل مع بعض مستحيل يحكون في لبس زوجاتهم! بس يعني ممكن يجيك كمخة يحكي
هيفاء : زي ربعك مثلاً
يوسف : لكل قاعدة شواذ .. ربعي ما يحكون عن حريمهم بس يحكون من باب حل المشاكل والفائدة
،
أخذ نفسًا عميقًا، لا يعرف ماذا يفعل بوالده الذي يواصل سلطته عليه وكأنه إبن العاشرة وليس التاسعة والعشرُون، يُردف : طبعًا لا يا يبه .. يكذبون عليك وتصدقهم!
رائِد : وهذي الحسابات وشهي؟ قلت لي بتترك الشرب؟ لكن طلعت كلمتك ماهي كلمة رجال
فارس بإندفاع : تركته .. والله تركته ..
رائد : توَّه قبل كم يوم شارب قدامي وتقول تركته
فارس : بهالفترة أحلف لك بالله أني ما شربت شي .. والحين أروح للمستشفى أسوي تحليل يثبت أني ما شربت شي في اليومين اللي فاتت
رائد : أنا أبغى مصلحتك! بالنسبة لي يهون أنك تسوي كل شي قذر في الحياة إلا أنك تشربْ! الشرب بالذات ماأبيه يقرِّب صوبك
فارس بسخرية : يعني بتفرق مررة ؟
رائد : بالنسبة لي تفرق وتفرق كثير .. لأنك لو ادمنته مستحيل تبعد عنه وأنا ماأبغاك تدمن أشياء ماتقدر تتشافى منها
فارس بضيق : طيب .. أوامر ثانية ؟
رائد : على مين أتصلت أمس ؟
أرتعشت شفتيْها بالتوتر : على مين ؟
رائد : أنا أسألك
فارس : ما فهمت .. امس كنت هنا
رائد : أنت تقابل أحد بدون علمي!
فارس بتوتر عميق يُحاول أن يخفيه بنبرته المتزنة : طبعًا لا .. أصلا طول الليل كنت عندك
رائد بنظرة الشك : وش عرفِّك أني أقصد الليل
فارس أخذ نفس عميق : أنت قلت توّ
رائد : لآ ما قلت
فارس بضيق : إلا يبه قلت
رائد بعصبية : تكذب ؟ والله العظيم أنك تكذب ... لم يترك له مجال للدفاع عن نفسه ليصرخ به : مين عبدالعزيز ؟
،
في شقتِه تندفعُ كلماتها الغاضبة : أنت بس تبغى تهينني .. تدوِّر أكثر شي يضايقني وتقوم تسويه
عبدالعزيز بهدُوء : الحين الشقة تضايقك؟ أنتِ سألتيني وأنا جاوبتك ..
لا تعرفُ كيف للشقة أن تستفزُ غيرتها، كيف لهذه الألوان التي تظهرُ بها لمسات أثير أن تُغيضها، كيف لكل هذا أن يُحزنها وهو جماد!
رتيل بإنفعال : طيب يالله خلنا نطلع لأني أختنقت هنا
عبدالعزيز بإستفزاز : أختنقتِ ؟ هذا بكرا بيصير بيتك!
رتيل بحماس تندفعُ بكلماتها الحادة الغاضبة : لآ والله! لو أيش ما جلست فيه دقيقة عقبها! يالله رحمتك على عبادِك .. على فكرة كل مرة تثبت لي أنك بحاجة لدكتور نفسي! تقول خلينا نسوي هدنة وأوعدك ما أقول شي يضايقك وبعدها بدقيقة تقهرني! منت صاحي .. والله أنا لو أيش ما اسوي .. لو أترجاك ما تتغيَّر تبقى عبدالعزيز اللي يتلذذ في تعذيب غيره ..
تتفتحُ أزارير قميصها من فرط إندفاعها وحماسها بالغضب، ليجلس عبدالعزيز على الأريكة ويغرقُ بضحكاته الصاخبة : كم مرة قلت يا قلبي لا تعصبين عشان نفسك؟ شفتِ كيف ؟ الضرر وصل لملابسك
رتيل تُعطيه ظهرها وهي تتلوَّن بالإحراج، أولُ مرَّة لا تلبس شيئًا تحت القميص سوَى ملابسها الداخلية، أعتادت أن تلبس شيئًا دائِمًا ولكن حظُها يُثبت لها في كل مرَّة أنه من سيء إلى أسوأ، تُغلق الأزارير بتوتر كبير.
عبدالعزيز يقف بعد أنا أطالت وقوفها : يالله خلينا نطلع
رتيل دُون أن تنظر إليه تسحب معطفها وترتديه، يلتفت بضحكة مُستفزة : يعني الحين مستحية ؟
رتيل : ممكن تآكل تراب ؟
عبدالعزيز : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههه بس لونه رهيب أهنيك
رتيل شعرت بالحرارة تفيضُ بجسدِها، وقفت في منتصف الدرج وهي تنظرُ إليْه بقهر/بحرج
عبدالعزيز يُكمل سيره للأسفل وهو يدندن : الأصفر جميل .. جميل ... جميل
رتيل وبأكملها يتحول لونها للأحمَر، تُقلد صوته : معفن .. معفن ... معفن
عبدالعزيز يُغيضها أكثر بعد أن خرجا : يا ويل حالي من الأصفر .. قطَّع قليبي معاه
رتيل بجدية : عبدالعزيز لو سمحت .. خلاص .....
عبدالعزيز ألتفت عليها : عندِك حب للأصفر مدري من وين تذكرين الفستان اللي شفتيه بباريس معاي أول ما تعرفت على شخصيتك الفظيعة
رتيل : إيه أتذكر يوم خليتك تتخرفن وتخاف عليّ
عبدالعزيز أنقلبت ملامحه : إيوا بالضبط لما خليتك تطيحين على الأرض وتشربين مو مويتها
رتيل : ههههههههههههههههههه تحاول تستفزني بس صعبة عليك
عبدالعزيز بإبتسامة يستفزها فعلاً : بس طبعًا اليوم تغيَّرت نظرتي للأصفر
رتيل تحمَّرُ وهي تحاول أن تتخلص من إحراجها، تضرب كتفه بغضب لتسير أمامه، يتبعها بضحكاته : طيب أنا وش ذنبي؟ مين فتح القميص أنا ولا أنتِ ؟
رتيل بغضب : ممكن تنسى الموضوع! اعتبر نفسك ما شفته ..
عبدالعزيز : طيب بوعدِك اني أنسى كل شيء لكن الأصفر مستحيل .. هههههههههههههههههههههه
رتيل : حيوان
عبدالعزيز رفع حاجبه : مين الحيوان ؟
رتيل : يالله! يالله .. خلاص أنا حيوانة .. ممكن توصلني وتتركني بعدها
عبدالعزيز بجدية : طيب بموضوع عبير
تلتفت إليه وهي تسترجعُ ما قاله له تحتاج لأيام حتى تستوعب ، يُردف : وهالكلام طبعًا بيني وبينك ، أتفقنا ؟
رتيل بتشتت : أتفقنا .. بس يعني؟ كيف بتقول لأبوي ؟
عبدالعزيز : إن شاء الله مسألة يومين وراح يقتنع أبوك
رتيل بضيق: طيب وعبير؟
عبدالعزيز : كل شي في مصلحتها .. مستحيل يضرَّها، وأنا أعتبرها مثل أختي مستحيل أقبل بأنه أحد يضرّها .. تطمني
رتيل تنهدَّت : طيب ... طيب بحاول أتكلم مع عبير إذا كانت معارضة
عبدالعزيز : ما أتوقع تعارض .. يعني إذا عرفت أنه دكتور وإلى آخره من هالهبال بتوافق
رتيل بوجَع : ولا وحدة فينا تزوجت زي العالم والناس! ليه قاعد يصير معنا كذا ؟ أحيانا أقول وش الشي العظيم اللي سوَّاه أبوي عشان يتعاقب فينا إحنا الثنتين
عبدالعزيز ويشعرُ بالضمير اللاذع : طيب هي أنرمت عليه! زواجها عادِي .... وممكن لو تزوجت بطريقة تقليدية ما كان راح تكون سعيدة وممكن هالزواج يكون خيرة لها
رتيل بسخرية : زي زواجي منك مثلاً!
عبدالعزيز : أنكري أني ماني خيرة لك ؟
رتيل أخذت نفس عميق : ترى عندي أشياء تخليني أقول أنك منت خيرة ليْ فخلنا ساكتين ومحترمين نفسنا
عبدالعزيز بإبتسامة لم تُطيل وعيناه تسقط على الرسالة التي أضاءت هاتفه من بو سعود . . . . . . .
،
ينظرُ للشاشة التي تُخبره بكل حدَّة أن الأشياء تسقطُ من سيطرته، تُخبره بأن طوال هذه الأشهر كانت أعماله قائمة على " خطأ " يا لذاعةُ هذا الخطأ في وقتٍ حرج وفي عملٍ ضيِّق كهذا ! يا قساوة هذا الخطأ على قلبه كمسؤولٍ يتحملُه. أيُّ خيبة هذه التي تكسرني! أيّ خيبة هذه تكسرُ قلب رجلٍ عُلِّق في العمل، بلع ريقه الجاف ليُردف بهدُوء يُخبر عن خيبته الشديد : بلغهم إجتماع طارىء الساعة 7 الصبح بكرا
أحمد : إن شاء الله .. شيء ثاني طال عُمرك ؟
سلطان : لا
خرج ليتركه بقمةِ حزنه، بقمةِ غضبه، بقمةِ قهره، هذا فوق طاقته، كيف يتحمَّل كل هذا ؟ كيف يستطيع أن يحكمُ سيطرته على نظامٍ بات يخرجُ الجميع عنه، لم يعد يعرف من يخون ومن يَصدق ؟
ضرب الطاولة بقدمِه، يُريد أن يكسِّر أيّ شيء أمامه، هذه الخدعة لا يتحملها ، هذا الخطأ لا يعرفُ كيف يعترف به، سنة وأكثر وهو يعملُ على معلومة خاطئة! يالله كيف ؟
نظر لهاتفه الذي أهتزّ برسالة ، قرأها مرارًا بعينيْها ولثواني طويلة رُغم أنها قصيرة، بحروفٍ إنجليزية بسيطة، أعادها مرةً أخرى بعينيْه " كانت هزيمتك امرٌ مؤقت، لكن لم أتوقع يوم أن تصل إلى هذا العمق "
يقرأ ما بين السطور ويستكشفُ ما هو العمق الذي لم يتوقعه، أخذ هاتفه ليتصل على الجوهرة بإستعجال وهو يخرج من عمله الخاوي في الساعات المتأخرة من الليل، لم تُجيبه ليتصل على الحرس الذي تم تعيينهم
: آمرني طال عمرك
سلطان : فيه شي صاير ؟
: لآ كل أمورنا تمام
سلطان : أنتبه أكثر وأنا جايك
: إن شاء الله
سلطان يُغلقه بعد أن تحشرج به الحزن إلى آخر حد، وصوتُ سلطان العيد يحضر بقوَّة في ذاكرته، يمرُّ على قلبه بكلماتِه التي دائِمًا ما كانت تُخفف وطأة غضبه.
" سلطان العيد : تعرف كم مرَّة قلَّت ثقة الموظفين فيني؟ تعرف كم خطأ حصل تحت إدراتي! كثير لكن كانت في أشياء تشفع لي، لكن أحيانا الأخطاء تكون بسيطة لكن أنت بموضع مفروض أنك ما تخطأ ، أنت لازم ما تخطأ أبد، لأن أخطائك ممكن تروِّح لك حياتك .. فاهم عليّ؟ "
يكتبُ رسالة لعبدالرحمن وهو يقود سيارته بعد أن أطال بإتصاله معه قبل ساعة تقريبًا " طلبت منهم إجتماع بكرا .. عبدالرحمن أنت لازم ترجع "
ينظرُ للحيّ البعيد عن وسطُ الرياض الصاخب، أخذ نفس عميق وهو ينظرُ للحرس أمام بيته، نزل : أبغاك تفتح عينك كويِّس الليلة
: هذا واجبي طال عُمرك
سلطان يربت على كتفه وهو الذي يحتاجُ من يربت على كتفِه : يعطيك العافية .. .. لم يتقدم سوى خطوتين في إتجاه البيت وتجمدَّت أقدامه، أستنفر الحرس الذي يحاصرون قصره، حتى بدأوا في تغطيَة المكان.
شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا لأنهُ شعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية.
البعيد عن الذي أحاطُوا جسد سلطان، يُبلغ عبر الجهاز اللاسلكي : مجهول الهويَة .. على بعد 20 متر تقريبًا ... أغلقوا الطريق العام . . . . .