رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5 بقلم طيش
رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5
رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي الفصل الخامس 5
المدخل لـ حسن المرواني + ضروري تقرأون القصيدة كاملة من أجمل القصائد اللي ممكن تقرأونها، هذا مقتطف منها.
خانتكِ عيناكِ في زيفٍ و في كذبٍ؟
أم غرك البهرج الخداع ..مولاتي؟
توغلي يا رماحَ الحقدِ في جسدي
ومزقي ما تبقى من حشاشاتي
فراشةٌ جئتُ ألقي كحل أجنحتي
لديك فأحترقت ظلماً جناحاتي
أصيح والسيف مزروع بخاصرتي
والغدر حطم امالي العريضاتِ
هل ينمحي طيفك السحري من خلدي؟ و
هل ستشرق عن صبح وجناتي؟
ها أنت ايضا كيف السبيل الى أهلي؟
ودونهم قفر المفازات
كتبت في كوكب المريخ لافتةً
أشكو بها الطائر المحزون اهاتي
وأنت أيضا ألا تبتْ يداكِ
اذا اثرت قتلي واستعذبت أناتي
من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي
إذا ستمسي بلا ليلى حكاياتي
عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز!
بغضب يُعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديدٍ صريح . . بس والله العظيم يا رتيل راح أحرق كل قلب نحرني . . ذبحني ونام ليله مرتاح.
رتيل إرتجفت شفتيْها : تقصد مين؟
عبدالعزيز: مين! . . أسألي اللي حولك! كيف يعذبُّون الروح قبل ينحرونها!
رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء، سلاسلٌ من الدموع تتساقط على وجنتيْها : لا تسوي فيني كذا !
عبدالعزيز بغضب يتحشرجُ به صوته: مين أنتِ! وش اللي بيوقفني؟
رتيل بصراخ ألتفتت عليه بكامل جسدها: أنا بوقفك! . . أنا وقلبك!!
عبدالعزيز يضغط على دواسـة البنزين بقوَّة ليُردف: ما سألت الله عن قلبك . . أقصد قلبي
ضاقت حنجرتها بنتوءاتِ الحُب، لا تفعل هذا يا عزيز! أرجُوك، من أجل الله، الحُب، الرسائل الغاضبة التي تُخفي شغب قلبي، الليالي الساهرة على ظلال عينِك، من أجلنا لا تفعلها! تخلصتُ من حياتي السابقة، من طيش الصبَا لأجلك، مشيتُ بإستقامة ناحية قلبك، نظرتُ إلى عينيْك حتى أضاء العالم بعيني، كنت الأمل الذي سلكته بكامل إتزانِي، تجاهلت الريح المُرسلـة بمرارة الحزن/الضيق، تجاهلتُ الكلمات العابسَة التي إتكأت على شفتيْك، تجاهلت عُقدة حاجبيّ الحياة بوجهي، تجاهلتُ كل شيء بما فيها قيَم الكرامة التي كُتبت في حياة كل عربي، تجاهلت كل هذا من أجلِنا، لا تخذل هذا الحُب! لا تخذله بإلتفاتة النهايـة وأنا التي صممتُ عن الماضِي/الذاكرة التي تحفظ أسوأ ما بيننا، ويا حُزني لو أسأت الطريق ولم ألتقيك بالنهايـة! أنتظرتُك كثيرًا وأتى صوتُك قاسيًا، أتى على هيئة جملة قاطِعة ناعمة " أنتبهي ليْ " منذُ يومها وقلبك يكبر وينمو فيّ كبساتين كثيفة، تساقطت أوراقي كثيرًا ولكن هُناك قطعة من الربيع صامدة مازالت تنمُو، مازالت يا عزيز! أرجُوك يا حبيبي لا تأخذ من حياتي حياتِك.
: ما تسويها فيني! مستحيل تسويها . . أكذّب عيوني وسمعي وكل كلامك . . بس ما أكذّب قلبي وقلبك.
عبدالعزيز أغمض عينيْه بشدَّة ليمنع إنهيار ضلال أهدابـه من الذبول أكثر والتساقط، أوقف السيارة فجأة ليضع رأسه على مقوِّد السيارة، ساعدني يالله! تساقطت الحياة من على كفِّي، كخريفٍ أستعذب قوافل بدُو أرادوا من الأشجار ظلال، كربيعٍ لامس الوجنات زيفـًا و ما ظننا يومًا أن الزهر يخدع ويعصرُ في المحاجر ملحٌ من الدمعات، يا الماضيات الجاريَات على خاصِرة الحُب إننا ننحدرُ من قبيلة سمرَاء غِناها الشمس وبحرُها الصحراء، إننا ننحدرُ من جلدِ أسمر إن عشِق الفردُ منهم " مات بحُبه ". أوجعتني يالله معضلاتِ الحياة إن تشكلت على هيئة سمرَاء بذخُها عالٍ! كيف عن السمراء أغمُض وأتجاوز؟ عن رتيل يالله! إنها عذابٌ لذيذ، لم تستطع أن تكُون شيئًا ناعمًا يعبرنِي دُون أن تحتّد أطرافه وتؤلمني، دائِمًا ما كانت الوجَع الذي أحب، والحزن الذي أريد. ومازالت! مهما حاولت أن تبتسمُ فيّ وتحبسُ الضحكات أسفل جلدِي، مازالت هي الوجَع وستبقى لذته في فمِي للأبد.
أنا على إستعداد تام بالخسارة، بخسارتك يا حبيبتي. و ليبقى حزني عليكِ سلامٌ من الحيَاة ورحمة.
رتيل : أبوي؟ صح؟
عبدالعزيز دُون أن يرفع رأسه : وش تفهمين عن العايلة؟ عن الأهل؟ . . وش تفهمين؟
رفع رأسه ليصرخ بوجهها الشاحب : ماتفهمين شي! . . ماتفهمين وش كثر أنا موجوع !!
رتيل بصوتٍ خافت يقرأ السكينة ببكاء ناسك : متى فقدتهم؟ فقدتهم وأنت رجَّال قادر تعتمد فيه على نفسك؟ بس أنا فقدت أمي بوقت ما كنت أعرف وش يعني الموت؟ وش يعني النهاية؟ إذا أنت خسرت أنا خسرت من عمري سنين! كنت أعيد فيها دراستي مو لأني فاشلة ! لأني ما عرفت أكبر بدون أمي! . . ما عرفت كيف يعني الخلاص! يعني البُعد! . . كل اللي بعمري تخرجوا وتوظفوا! وممكن تزوجوا وجابوا عيال! . . بس أنا وش سويت؟ . . ولا شي في حياتي يستحق الذكر . . اللي متضايق منه ومعصّب ولا اعرف أيش سببك هو أبوي وأمي وأخوي وصديقي وحبيبي! . . هذا أبوي ياعبدالعزيز كيف تحرق قلبي كذا؟ . . ما ترحم! عُمرك ماراح ترحم قلب غنَاه أنت!
عبدالعزيز بضيق خنق قلبها : مالله خلق فيني الرحمة الكافية عشان أشفق على أحد!
رتيل بغضب أعتلى به صوتها : ما أطلب شفقتك! أنا أطلب نفسي اللي معك!!!
عبدالعزيز بخفُوت يستدرجها : قوليها! . . قوليها
رتيل أشاحت وجهها للنافذة وهي تغرق ببكاءٍ لا ينتهي، وضعت يدَها على شفتيْها حتى تحبسُ أنينها، كل شيء حولها يرتجف ويفقد إتزانه، ما عادت الأرض تتزن لأقدامها الذابلة بوقعِ الحُب، مُصابة بك! بلعنة الحب. وصلت لمرحلة لا أقدر على تجاوزك يا عزيز.
عبدالعزيز بعينيْه المحمّرة بغضبٍ هائج يعقدُ حاجبيْه: قوليها . . ما تقدرين! لأن فيه حولك ناس تحبك! فيه ناس تنتظرك! فيه ناس راح تتصل عليك إذا فقدتك! فيه ناس كثييير إسمك حيّ في ذاكرتهم لكن أنا؟ شايفة الفرق الكبير اللي بيني وبينك! بقولها لك وأعتبريها . . .
رتيل نظرت إليْه بعينيْها الممتلئتين بالبكاء المالح، ثبتت يدها على فخذِها الأيسر وهي تغرز أظافرها بعُمق الحزن المتصبب في قلبها: أعتبره أيش؟ أعتبره فمان الله بقاموسك!! .. ولا مرّة كنت صريح وقلتها بوضوح!
عبدالعزيز يفتح الباب ليخرج، يستشنق الهواء الطرِي والمطر يندلعُ في جوف السماء، أبتعد بخطواتِـه ناحيـة البساتين الخضراء على جانب الطريق، شدّت على معطفها لتنزل، وقفت وهي تسند جسدها على السيارة، تنظر إليْه والمياه العذبـة تُبللها، تركت رجفـة السماء المتسللة نحو أطرافها لتتجمّد عينيْه ناحيـته، إلتفت عليها ليُردف بصوتٍ عالٍ : كلنا نخاف لأننا نحب! نخاف من شيء ممكن يكون بسيط ما يستحق الخوف! لكن لازم نخاف! . . ودايم هالخوف يلوي ذراعي ولساني بعد! لكن هالمرّة أنا على إستعداد تام بأني أقولها في وجهك بدون ما أحط أيّ إعتبارات قبلها . . أقترب بخُطاه نحوها، أصطدمت أقدامه بأقدامها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه تحت رجفـة المطر الذي يُبللهما: فمان الله يا رتيل . .
تيبَّس ريقي، إنني مملوءة بالنتوءات والعثرات التي تسدُّ صوتي، راهنت عليك كثيرًا، حاولت أن أتخلص من وسواس عقلي ناحيتك – إن وجد بي عقلاً – حاولت كثيرًا ولكنني أخسَر بطريقةٍ فضائحية لقلبي الذي ينتحي بشمسِ عينيْك كإنتحاءٍ ضوئي/عاطفي. لِمَ يا عزيز؟ في جوفي يسعر السؤال ولا يخمد. لِمَ تفعل بيْ كل هذا؟ كيف تقولها ببسالة وأنا يتحشرج صوتِي بـ " وداعًا " ويئن؟ كيف تقولها وأنا أبكِيك بإلتقاء مطريْن أحدهُما أشدُ مرارة، أحدهُما يسكنُ فيّ لأيامٍ طويلة ولا ينقضي! كيف تقولها وأنا أصمدُ/ أعيش من اجلك، كيف تقولها وأنا سلمتُك قلبي؟
يُكمل بصوتٍ قاس يفضُّ عذوبـةِ المطر : بس ماراح أتركك! بتسأليني ليه؟ . . . كِذا . . جربي حياة التعليق! أنك توقفين بالنص ما تقدرين تتقدمين بحياتِك خطوة ولا تقدرين ترجعين! جربِّي وخلِّي عُمرك يضيع مو عشانِك صاحبة قرار وفشلتي بقرارك! عشانك حبيبة شخص تنازل عنك.
رتيل بعينيْها المصوبتيْن بلذاعة الدمع: حبيبة شخص؟ . . تعترف بحُبك في وقت تتنازل فيه عني؟
ببكاءٍ يختلط بالمطر أكملت : منك لله يا عبدالعزيز . . منك لله.
عبدالعزيز رفع عيناه للسماء المتكحلة بغيمٍ مُبارك : لأني ما عدت أخاف، واللي ما يخاف ما يحب.
رتيل أغمضت عينيْها بكثافة الدمع الجارِي على خدِّها: يطاوعك قلبك؟
عبدالعزيز: عشان أكون أكثر دقة بكلامي . . مو عشانك حبيبة شخص تنازل عنك بس! أنتِ حبيبة شخص تنازل عن نفسه وقلبه.
رتيل بغضب البكاء الهائج في دماءها : أنت تعرف وش يعني أبكِيك وأنت هنا قدامي؟
عبدالعزيز بأنفاسه التي تختلط بأنفاسها، بالقُرب الشديد لشفتيْها المرتجفتيْن، بالمطر الذي يُشاركهما الحزن العميق : أعرف وش يعني أبكِي على شخص يشاركني الأرض والسمَا!
رتيل : وأنا؟
عبدالعزيز: أحتاج أموت، عشان تغفر هالناس أخطائي، دايم الأموات نوقف بصفّهم حتى لو أوجعونا. دايم الأموات ما يجي ذكرهم إلا حسَن!
رتيل: أحتاج أعيش بنيـة الخلاص!
عبدالعزيز: جربِّي تعيشين مثل أيّ شخص وحيد سطحي ما يملك أدنى بديهيات الحياة
رتيل تحرقه بالكلمات المتشابكة بين حبالها الصوتيـة: جرَّبت، كنت الناس في عيني و كان الغياب إحتضار جَمعهُم، ما أملك بديهيات الحياة يا عبدالعزيز! لو أملك ما وقفت قدامك دقيقة!! . .
عبدالعزيز سحب يدِه من خلف ظهرها، نظر إليْها بنُور عينيْه الطيبة الحزينة الثائرة المُسعِرة، بسؤالٍ يستثيرُ قلبها : فقيرة؟
رتيل بإصرار : غنايْ أنت
عبدالعزيز: أحيانًا أحسّك مخلوقة من وجَع! في حياتي كلها ماشفت إنسانة تجمع كل هالتناقضات! ما شفت إنسانة بالحُب تحرق اللي تحبه وتبكِي عليه!
رتيل بلعت ريقها المترسب في حنجرتها : ما شفت إنسانة تحبك بكل تناقضاتك؟
عبدالعزيز: أنتِ
رتيل تضرب صدره بكفيّها ليبتعد وهي تنظر للطريق ببكاءٍ رتيلهُ " نايْ " : سَادي يا عزيز ما عرفت تكون أعمق من كذا!
عبدالعزيز من خلفها وظهرها يُلاصق صدره: إلا عرفت! . . وش نسوي يا رتيل؟ حياتنا ما عادت لنا! إحنا فقارى اللقا كان غنانا بالفراق!! شايفة وش كثر إحنا مترفين؟ قدرنا حتى نقول مع السلامة لبعض . . كم شخص في العالم يودِّع صاحبه بدون ما يقدر ينطق كلمة! إحنا قدرنا بس ما قدرنا نقول . . .
رتيل ببحّة الوجع تنظرُ لشفتيْه المؤذيـة : ما تقدر! ما تقدر تتنازل وتقولها! . .
عبدالعزيز بحشرجة قلبه : ان عذَابها كان غرامَا . . وأنتِ عذابي يا رتيل.
إلا الآيات القرآنية! هي أشدُ من يوقعني بحزنٍ لا ينضب، هي أكثرُ الكلمات صدقًا وأكثرها بكاءً. موجع يا عزيز حتى في إستخدامك للآيات، موجع في خُذلانك ليْ، في محاولاتك السيئة بالتصالح مع ذاتِك، مُوجع في إتصالك معي كخطٍ موازٍ لا نلتقِي أبدًا ولا نتقاطع معًا أبدًا ولكن نستطيل بمسافاتٍ لا منتهية. ويستمر حالنا بهذه الصورة المُذلّة! كم يلزمني أن أغني من حناجر الشعراء حتى أخففّ وطأة الحزن في صدرِي، كم يلزمني أن أعالج نفسي مِنك بقصيدة ناعمة تربتُ على كتفي كُلما ساء بكائي، كم يلزمني من قولٍ يُشبه " ليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خراب " حتى أخفف لوعـة قلبي!
عبدالعزيز بهمس : ولا شيء من أحلامي تحقق! . . وأنا ما عرفت أعيش بدون احلام! . . وتعرفين وش خطورة انه الشخص يعيش بدون أحلام؟ هذا يعني أنه راح يتطرف على قواعد الحياة مثل كل طُغاة ومخربين العالم!!!
رتيل : تقولي هالكلام عشان تعذبني! . . كيف أكرهك؟ أسألك بالله كيف أكرهك؟
عبدالعزيز يشدَّها من الخلف ليُحيط خصرها بذراعيْه، شعرَت بأن يدِه تنحفر في بطنها : كيف نغيّر القدر؟ حاولنا في كل الأسباب لكن ما قدرنا! . .
رتيل: وش هي خياراتِك من القدر؟
عبدالعزيز : الموت.
رتيل ببحة الغضب: حقير!
عبدالعزيز: أحيانًا كنت أقول في نفسي لازم نوقِّف هالحب! لازم نحط نقطة ما بعدها حياة، وأسهل الطرق أني أكرِّهك فيني بس ما تصرفت بأيّ طريقة و نيتي أنك تكرهيني!
رتيل شعرت بشحناتٍ في عينيْها من حزنها الصاعق: وش كانت نيتـك؟
عبدالعزيز : اللهم بعد الشهادة والتوحيد إني أحبك.
رتيل أصطدم فكيّها بصريرٍ مؤذي، أخفضت رأسها لتنهار تمامًا ببكاءٍ لا ينضب، أنتظرتُها كثيرًا!! يالله ساعدني! لا قوّة لديْ لأحتمل هذا الحُب، مدَّني برحمةٍ منك ولطف، كيف يأتِ الوجع صاخبٌ على هيئة رجلٍ محَى الرجال من بعدِه، كيف يأتِ الحزن عميقًا كعينيّه؟ كيف يجيء الحُب أسمر الملامح لا يلقى من السعادة سوَى " أحبك ".
عبدالعزيز : أنا إنسان أتعايش مع الحزن أكثر من الفرح! . .
رتيل من بين دمعاتها : ولا جاء في بالي أنه مسألة تركِك ليْ تكون بهالطريقة! . .
عبدالعزيز : ولا جاء في بالي يوم أني أرمي المبادىء والاخلاق وأكون شخص عدواني بهالطريقة! . . حطي في بالك هالشي! مثل ما تُدين تدان، ماراح أطلقك ولا راح أكمل معك، بنكون تحت سقف واحد عشان أبوك! عشان يحترق قلبه مثل ما حرقني. تصوّري كيف بتمّر سنة كاملة وأنتِ تحسين بالوجود واللاوجود؟ تصوّري كيف ممكن تعيشين مع ظلِك بالرغم من وجودي! تصوّري وش كثر ممكن أأذيك! ولا تتصورين أنه فكرة أني أأذيك مسألة تتعلق بأبوك بس! أنا ودِّي أحترق معك، . . خلينا نموت بطريقة درامية أحسن صح؟
إبتسم لها ليُكمل بعصبيَة شدّت حباله الصوتيـة: أفعال الحياة الدرامية مجبورين عليها!
رتيل : تحاول تستفزني! ألاعيبك القديمة ما عادت تفيد!
عبدالعزيز : ما أحاول أستفزك! أحاول أقولك الحقيقة بطريقة لطيفة! . . وأحلف لك بعظمة الله أن الكل راح يندم!
رتيل تحاول أن تفكك يدِه التي تحاصر جسدِها، صرخت: أتركني!!
عبدالعزيز شدَّها بغضبٍ كبير: أكرهيني! سبِّيني! ادعي عليّ! سوِّي اللي تبينه ما فرقت معي، أنا قادر بمزاجي أأسس لي حياة ثانية وما ألتفت لك! بس هالحياة الثانية أنا أبيك تذوقين وجعها
رتيل فهمت مقصدِه بمرارة هائلة : حياة ثانية؟؟ . . تبي تستلذ بعذابي بعدها تتركني! . . . . أثبت لي أنك تخليت عن مبادئك!!
عبدالعزيز يتحدثُ بلهيبٍ بالقرب من إذنها : تخليت عن عبدالعزيز نفسَه وصفاته القديمة . . راح أبقى عثرة في حياتِك! مستحيل تتجاوزينها ومستحيل تتجاهلينها! أدفعي ثمن حزني لعُمرك كله
رتيل بصراخ : أتركننننننننني
عبدالعزيز بصوتِه المنتشي بالحمم: كذبوا عليك؟ قالوا لك أنه أمك ما ماتت! . . ما كذبوا! كانوا أصدق ناس للي يحبونهم لكن كانوا أحقر ناس للي حاولوا يحبونهم! . . تذكرين يوم قلت لك أثير ماهي وسيلة! وأني لو أبي أأذيك أقدر أأذيك بدون أثير! وأثير في قلبي أكبر من هالرخص!! . . تذكرين؟ . . هالكلام نفسه أعتبريني أقوله لك اليوم!
رتيل: تبيها؟ تبي تروح لها؟ . . يارب ارحمني . .
عبدالعزيز: لو ماأبيها ما تزوجتها! . . الفرق بين الحين وقبَل، قبل كنت أحس بضميري عليك! لكن الحين أحس تستحقين كل شيء يصير!
رتيل بإستفزاز غاضب: ما تقدر تكون قاسي! ما تقدر!
عبدالعزيز يؤلمها من بطنها الذي يغرز أصابعه به : كان ممكن أبداها معك بهالكلام وتنقهرين وممكن حتى ماتبكين وبسهل عليك موضوع النسيان والتناسي! لكن أبيك تحسين بفقدك لنفسك! . . شايفة كيف قدرت أخليك تتعلقين فيني بدقايق؟ وشايفة كيف قدرت أضحي فيك بثانية؟ . . قبل شهور كان في بالك أنك رخيصَة ليْ! والحين أنا أعرف إحساسك . . إني أعترف لك بأنك ماراح تكونين في حياتي شي ولا حتى على الهامش! بس أخليك معلقة!! في النهاية لازم الكل يدفع ثمن أخطاءه أنا ماني ملاك أغفر وأسامح بسهولة! . .
رتيل ارتخى جسدِها بقبضتِه المنتشية بنيرَان غضبه، عاد لكلماته الجارحـة لكل جزء في قلبي ولكل زاويـة في جسدِي، عاد لكلماته السيئة الغاضبة، عاد لحزنـه الملتوِي كأفعى تخنق كل خليَة فيّ، عاد لعزيز الذي عرفتهُ أول مرَّة، مؤذي أن أشعر بإندفاع عاطفتي نحوِك في وقتٍ كنت تستدرجني به! كم لزمِك من الخبث حتى تُفكر بهذه الصورة الحادّة! كم لزِمك من اللاشعُور حتى تقتلني هكذا! . . أكرهك جدًا بقدر ما أنا أكذبُ بها، يالله أنزعه من قلبي المنمَّش به.
عبدالعزيز يُبعد يديْه ليفتح باب السيارة: هالطريق بحّ!!!
رتيل شدَّت على شفتِها السفليَة المبللة : أهنتني كثير! بس مثل هالإهانة . . متأكدة ما راح أشوف!
عبدالعزيز بخفُوت : الشكوى لله . .
رتيل بغضبها الثائر : تحسب أنك انتقمت لنفسك! وأنك رجَّال وأنك قدرت تجرحني! . . أرضيت نفسك بأني أعترفت لك! وأرضيتني مؤقتًا بأنك أعترفت ليْ! عشان تقلب كل شي عليّ . . حقير وماجبت شي جديد . . .
عبدالعزيز بإبتسامة تُخفي هيجان وبراكين: يشرفني هالشي دامه بيسعدني بالنهاية!
،
خلخل أصابعه بحبال الحزام المرتبط بخصره ويدِه على هاتفه الذي يهيجُ بأنفاسه المضطربـة : كيف؟ . .
: هالكلام وصلني الساعة 7 الصباح! . . أظن سليمان راح يضّر فارس بدون شك! . . لكن المشكلة هو أنت!
سلطان توترت أصابعه ليترك الحزام دُون أن يحاول فتحه : الحيّ مراقب! أنا اهم شي عندي بيتي!!
: كثفنا جهودنا الأمنيـة، لكن بالنهاية . . انت عارف الحال! سبق ودخلوا البيت وكسروه
سلطان شحب لونـه بفوران دماءه : لو صار شي لأهلي ماراح يحصل لأحد طيِّب! مفهوم؟
: مفهوم طال عمرك لكن احنا سوينا اللي علينا! وش ودِّك نسوي أكثر وإحنا مستعدين؟
سلطان : ما شفتوا أثر أحد لما أحترقت المزرعة؟
: لا . . بس الجانب الخلفي اللي احترق ولا أحد من العمَّال شاف شي!
سلطان تنهَّد بهواءٍ يضيقُ بإنحداراتِه في جوفه : طيب . . بس يصير شي ثاني بلغني!
: أبشر . .
أغلقه ليسقط الهاتف من يدِه بحركة الحبال التي أنسحبت للخلف، جرّه الحبل لإرتطام رأسه بعامودِ قاسٍ حارق، أخفض رأسه ليتقيأ الدماء، شعر أنه يغيب كليًا عن العالم الذي حوله.
لا عينايّ ترى الإنعاكسات بإتجاهٍ سليم ولا أنا أرى شيئًا بمكانه الصحيح، أختنق يالله بغصاتٍ متكاثرة على حافـة قلبي، لا تترك ليْ فرصة المرور سهلة ولا تترك لي فرصة الرجوع سهلة، إني عالق! . . " ثارت دماءه لتعتلي الحُمرة عينيْـه، حاول أن يفتح الحزام ولا جدوى، أختنق وهو يشتدُ اكثر حول بطنه حتى شعر بغثيانٍ مؤلم والدماء تنزفُ بعمق من رأسه، حاول أن ينادي، أن يصرخ ولكن بلع صوتـُه بحُرقة الدماء الثائرة، طريقـة وحدة بأن يفتح الحبل الاول ولحظتها سيصعد به للاعلى وفرصة أن يرتطم بإحدى الأبراج الشاهقـة كبيرة "
كانوا كثير يالله الذين فقدُوا حياتهم بهذه الصورة المفجعة، لا تجعلني منهم! يا رب . . يارب . . يارب أسألك ثلاثًا.
تقيأ مرةً أخرى وهو يضع يدِه المرتخية على الحبل، كل شيء يخذله حتى قوتـه.
ثانيـة، لحظة ولحظتيْن، عدّ في داخله وهو يُدرك تمامًا لو فقد وعيْه الآن سيذهب لموتٍ شنيع ويفقد قدرته على التحكم بالحبال المرتبطة به.
مرّت في باله بصورة موجعة، مرّت بملامحها الباذخة، بكلماتها الناعمة، بربكـةِ شفتيْها وحُمرة خجلها، مرَّت بصوتِها النَدِي، مرَّت بألم.
فاتنـا أن نعيش! أن نُخيط لنـا من الأرض قطعـة من اجلنا، فاتنا أن نحيـا بلا ألم. يا مرورك المرّ في ذاكرتي، ويا حُزني الذي تشي به عينايْ.
عاد بخُطاه الذابلة للخلف وهو يحاول أن يسحب الحبل للجهة الأخرى، مسك القطع الحديدية الحادة الخارجة من الحزام، حاول أن يُبعد إحداهما بلا حول ولا قوّة.
في جهةٍ أخرى خرج من المصعد متجهًا لأحمد : سلطان جاء ؟
أحمد : إيه وسأل عنك!
عبدالرحمن : بمكتبه ؟
أحمد : لآ طلع للساحة!
عبدالرحمن عاد بخطواته للمصعد ولكن سُرعان ما أبتعد : بس يخلص تدريب خله يمّرني . . وإتجه نحو مكتبه.
سلطان تحت حرارة الشمس التي تغلي دماءه النازفة، يسعلُ ببحة مؤلمة دُون أن يخرج صوتـه، يرى الموت بعينيْن يغيبُ نصفها ونصفها ينظرُ بوجَع.
سقطت عيناه للدائرة الكهربائية المكشوفـة، على بُعد خطوات لو يقترب منها سيحترق لا مُحالة. تمرُّ الدقائق وهو يتحامل على وجعه حتى لا يغيب وعيْه. كل الأشياء السيئة التي فعلها تعبره، يشعرُ بأن الموت يُداهمه بصورة فجائية.
كل الاشياء تتعلق بالجوهرة وحدها، تصبب عرقـه مُبللا وجهه الذي يختفي اللون منه، الموت الذي نعرفـه جيدًا لا يتعامل معًا بشكلٍ جيّد، سكرَات الموت الذي نسمعها دائِمًا تأتِ أحيانًا على هيئة كلمات. أنا أحتضر وأخشى على شخصٍ واحد.
من أعلى وقف أمام النافذة تغرق عينيْه بهذه المملكة الأمنيـة العملاقـة، أنتبه لسلطان، غرقت عيناه حتى شدَّته الدماء، نظر للحبل الملتوي حوله، أدرك أنه يختنق. بخُطى سريعة خرج ليهرول مُفاجئًا الجميع، نزل للأسفل بالسلالم دون أن ينتظر المصعد، ركض إليْه، حاول أن يفك الحزام الذي يحاصره، رفع عينه لسلطان الذي أغمي عليه تمامًا.
عبدالرحمن وضع يدِه على عنقه ليستشعر نبضه، بصراخ: سلطااان . .
أبعد أنظاره لتأتِ صرخته بعظمة مكانته في صدره، يستجدي أحدٍ يأتِ يُساعده.
نظر إليْه برجاءٍ كبير وهو يحاول أن يُبعد الحبال عنه، وجهه لا يُبشر بالخير من الدماء التي لم تتدفق إليْه بعد : سلطااان . .
وضع يدِه على رأسه ليُلامس الدماء، نظر بدهشـة لكفِّه من منظر الدماء، بصوتٍ يموت تدريجيًا : لآ يا سلطان! . . لا . .
صرخ بقوّة : أطلـــــــــــــبوا الإسعاف! . .
خرج بعض الموظفين على صوتِـه لتندهش أعينهم بما يرون، كأنها محاولة إنتحار لا يروْنها إلا بالأفلام السينمائية.
عبدالرحمن ويدِه لا تفارق عنقه الشاحب : يارب . . يارب . . وضع يدِه الأخرى المنتشية بدماءه على وجهه دُون أن يهتم بأيّ بلل.
أقترب أحمد ليحاول نزع الحبال عنه، بتوتر : كيف متشباكة ؟
عبدالرحمن بربكة عميقة : جيب أيّ شي نقطعه
أحمد : مستحيل! الحبال ما تتقطع بسهولة! . . لحظة . . مفروض هالحبل يكون بالجهة الثانية!
عبدالرحمن يحاول رفع رأس سلطان الذي بدأ بأكمله هو وجسدِه يذبلان معًا وبغضب : وين الإسعاف!!!
أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . .
أتى مسفر المسؤول الآخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل عشان يرتخي ونفكّه!
عبدالرحمن : جيب كبريت !
أحمد وقف أمام جسدِ سلطان حتى لا تتسلل النار إليْه.
عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أيضًا حتى لا تُقارب النار إليْه، أقترب مسفر ليُشعل النار بمنتصف الحبل وسُرعان ما أطفأها، أخرج السكين الحادة من جيبـه ليُقطِّع بها الحبل الليّن بعد الحرق، بمُجرد ما قطّع آخر أوتار الحبل حتى سقط على الأرض، جلس عبدالرحمن على ركبتيْه ليرفع رأسه من الأرض الحارقة : نبضه ينخفض!!!
أحمد أنحنى الآخر ليُجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيّه ببعضهما البعض ليضعها فوق قلبِ سلطان، بقوّة ضغطه حاول أن يُعيد نبضه لإتزانه، حاول مرةً ومرتين وثلاثـة ولا يحصل شيء سوى الدماء التي تخرج من فمِه.
عبدالرحمن يشعرُ بأن قلبـه يُقارب على التوقف من منظر سلطان، لا يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب لا تأتِ فُرادى، يارب يارب يارب أحفظه.
أحمد برهبـة : نبضه متوقف!!!
عبدالرحمن أشتعلت عيناه بالحُمرة : لا . . أبعد . . وضع رأسه على صدرِه ولا شيء يسمعه! وهذه " اللاشيء " تعني موتٌ لا يصطبر عليـْه.
عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين الإسعاف؟ . . ويننننهم
أحمد بتوتر وقف وهو يشعرُ بأن العالم يدُور به، خسارة سلطان تعني خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و الآن ؟ هذا ما لا طاقة لنا به.
موتُه مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! وربُّ البيت ليست صدفـة، إنما مفتعلة من أحدهم.
دقائِق عميقة حتى دخل رجال الإسعاف، وقف عبدالرحمن ملطخًا بدماءه يحاول أن يصدق عكس ما تُشير إليه صورتـه، وضعُوا جسده الذابل على سرير الإسعاف المتحرك وخرجُوا به دون أن يقولوا شيئًا يُطمئننا، إتجه نحو المغاسل ليُغسل يديْه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكيرٍ غائب تمامًا. أحاول أن لا أفكر بأسوأ الأشياء ولكن تأتِ بغتة.
خرج متجهًا للغرفة المنزويـة، نزع حذاءه، شعَر بأن قوَّاه تنهار فعليًا ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينـه على سجادة الصلاة بملامحٍ صبرت عُمرًا وفي أرذل هذا العُمر فقد قوَّاه و صبره، لا يحتمل الموت الذي يحمل نعش الذكريـات على الدوام! لا يحتمل أن تنتهِي حياة أحدٌ بصورة مؤذيـة.
سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت والنهايات، يارب الأمن والأمان ، يارب قلبـه لا تُرينا به مكروهًا، أعِد له نبضـه وحياته ولا تُحمّلنا فوق طاقتنا بفُقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه بعدك، يارب أنت تعلم بوجَع عائلته فلا تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس المؤمنـة بقضاءك وقدرك. يارب إنه لا يعجز عنك شيئًا ولا يخيب من سألك.
،
دخل مشمئز من الملامح التي يراها، يشتدُ بغضه لهذه الأعين التي تلاحق ظلاله، فتح الباب لينظر لوالده : السلام عليكم
رائد بهدُوء دُون أن يرفع عينه : وعليكم السلام
فارس تقدّم نحوه لينحني ويقبِّل رأسه : وش صاير ؟
رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على الكُرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟
فارس : مافهمت!!
رائد يلوي فمِه يمنةً : فارس لا تستفز أعصابي
فارس : والله مو فاهم
رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟
فارس : ولا شـ
لم يُكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيّه الحادتيْن، بغضبٍ يضغطُ على أسنانه : وش مخبي عني؟
فارس يختنق بقبضة يدِه، تركه لينحني بسُعاله الضيّق، رفع عيناه بهيجان مالح : قلت لك ما أعرف شي!!!
رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟
فارس : كلامك معي مو معها
رائد بصراخ : فاااااااارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها!
فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها
رائد يصفعه بقوّة ليشدّه من ياقته : لا تعاندني!
فارس نزفت شفتِه بالدماء الثائرة : سمّ وأبشر بكل شيء عدا عبير
رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل ألامه ليُردف : هذا اللي طلبتني عشانه؟
رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!!
فارس تنهّد وهو يمسح دماءه بطرفِ كُمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك تضّر ولدك فهذا شي ثاني
رائد : أتركها زي الكلاب! وأبشر بكل اللي تبيه
فارس : لا
رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس لا تخليني أوجع قلبك فيها!!!
فارس : مستحييل
رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي
فارس ثارت أعصابه ليُردف : تحاول تجبرني أني أتركها!!
رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها
فارس : يبه لا تسوي فيني كذا!!
رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يضرّها شي! لو تحبها صدق أتركها
فارس مسح على وجهه وعينيْه تشتدُ بحمرتها : اللي تسويه في ولدك حرام! خله يعيش ولو مرّة
رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك
فارس بضعفِ الحُب الذي دائِمًا ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . . روحي معها
رائد بحنيَّةٍ لا يُبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفِّه : أنا احاول ألقى منفذ عشان أورّط سليمان مع آسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمرّة مالي مصلحة في هالموضوع! أبيك تتركها عشانك
فارس : مقدر
رائد : إلا بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير!
فارس : مقدر لا تطلب مني شي فوق طاقتي!!
رائد : فااارس! لا تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! ولا تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى فيه عنك!! . . لا أنت تناسبها ولا هي تناسبك! أتركها من الحين قبل لا تدخل في معمعة ما تنتهي على خير!
فارس عقد حاجبيْه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟
رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة الالف أقولك أتركها
فارس وضع يدِه على رأسه بمحاولة جادة أن لا تنهار خُطاه المبعثرة : مستعد أسوي لك أيّ شي بس أترك عبير ليْ . .
رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها! . .
لم أترجى في حياتي شيئًا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل! . .
رائد للحظة الأولى أدرك عُمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من عينيْه التي تتوهَّج بحُمرة العشق : يا يبه أسمع كلامي! أصلا طريقة زواجكم مبنية على فشل!!! لا عبدالرحمن راضي ولا أنا! مستحيل أحد يتنازل منّا! . . مهما حاولت تطوّل بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية لا أنت لها ولا هي لك
فارس بجمُودِ ملامحه الغير مُصدقة لكل هذه الإتهامات : عبير ليْ . . سواءً رضيتوا أو لا
رائد : فاارس! فاارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها أحسن من أنك تتألم من موتها
فارس : الأعمار بيد الله
رائد بعصبية : لكن نآخذ بالأسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف تنتهي فيه الأمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها
تأتِ الكلمات بصورة قاتلة، بصورة مُفجعة اكثرُ من كونها كلمات، تأتِ بشكلٍ إنتحاري فوق كل إحتمالاتنا بالحياة.
فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعُمري يوم حلو! طلبتك إلا هيْ
رائد صمت طويلاً حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدرِه، ذبل جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها.
فارس بضيق يخنق صوتـه : كم مرّة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مرّة أتعذب؟ . . خلني بس مرّة أعيش!
رائد بخفُوت قريبًا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبدايـة وما تتقبلها لكن بعدين تقتنع فيها!
فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكلام! . . يبه عبير اللي شفت فيها نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتِك! مقدر! . . . تكفى يبه!
رائد يضيق صوتـه : ماعاد ينفع هالكلام
فارس يبتعد عن حضنـه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت
رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على حيلك بدونها
فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . .
رائد نظر إليه بنظراتٍ لا منتهيـة من التيّه : كنت صادق!
فارس يُشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟
رائد : أتركه للأيام
فارس أشاح بنظره ليُردف : الأيام داوتك بعد أمي؟
رائد : إيه
فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت
رائد بحدة : فارس!!!
فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟
رائد بهدُوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية
فارس : أوقف مع ولدك ولو مرّة! أنصفني
رائد : وأنا ما عُمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك صفر معها!
فارس تنهّـد : طيب
رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟
نظر للسقف بعينيْه التي تحمرُّ حبًا/عشقًا : إن شاء الله
رائد عقد حاجبيْه لينحني بظهره ويُقبل رأس إبنه الذي لا يعتلي مكانته أحد بقلبه/بحياته، أحاط يدِه برأسه : بنتظرك بكرا! لا تتأخر
فارس أبتعد ليخرج، نزل للأسفل بالسلالم المتأملة لخُطاه التائهة.
ركب سيارته خارجًا من الحيّ الأسوأ على الإطلاق، أبتعد عن المنطقة متجهًا نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! لا شيء أخفُ من المطر ولا شيء أثقل من وجَع الماء.
وصل للفندق ليضع رأسه على مقوّد السيارة.
يالله! لا أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأتِ دربها خاطئًا، كانت أكثر الأشياء صدقًا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهـةِ، بكثافة. أنت تعلم كم كلفني حُبها. ولكنني أغرق في أرضٍ تيه، ماذا أطلبُ من قدرِي بعدها؟ يارب هي آخر الأحلام وختام الحياة، لا نجمة بعدها أهتدِي بها في صحراء الدنيـا الواسـعة، لا نجمة بعدها تطلُّ من السماء. كموَّالٍ عراقي يضلُ يبكينـا لسنين طويلة ، كلَيلةٍ بغداديـة مخضبـة بالدماء، كنحنُ يا عبير. استسلم رُغمًا عني! أنا الذي وعدتُ نفسي أن لا يجيء شيئًا يُباعد بيننا، ولكن رمشُ الوَعد تكسَّر! لا شيء يهزّ الرجل سوى الحُب، لا شيء يعبثُ به أكثرُ من المرأة، أترانِي أبكيكِ حُبًا ام بُعدًا ؟ حد الفضَاء موجوع. عن الصبَـابة،الشغف و الود، عنهم جميعًا أنا البكاء الواقفُ في حنجرة القصائد، وأنا الشطر المكسُور في أغنيـة يتيمة لم ينعشها وزن ولا قافيـة، لم أكن طاهرًا بما يكفي حتى أليقُ بِك ولكنني كنتُ عاشقًا بما يكفي حتى أهتدِي إليك.
تلألأت في محاجره دموع شرقيـة، تُكابر بعزَّةِ سمرَاء ولا تسقط، فقط تُضيء عينيْه كمصابيح الحوانيت في القُرى الفقيرة.
مثل قلبي الذي توسَّل الغنى من عينيْك ولم يفلح.
مسح وجهه بكفيّه الدافئتيْن، نزل متجهًا للداخل بشتاتٍ فعلي، ضغط على المصعد الكهربائي.
من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل الأمور تُبسط يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عنِّي.
دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يدِه على رأسه بمحاولة تخفيف هذا الصداع الذي ينهشُ خلايا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق.
أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفُوت، دخل ليبحث بعينيْه عنها، تقدَّم بخُطاه لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعرٌ مبلل بالماء، وقف دُون أن يهمس بكلمة ودُون أيضًا أن تشعر به.
تُعطي الباب ظهرها وهي تتوسَّد يدها ويدها الأخرى تُحركها بخُطى موسيقية على الفراش، بصوتٍ ناعم مبحوح يكاد لا يُسمع : كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق، علِّمني! كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق علِّمني! كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق .. . صمتت لتغرق عينيْها بالنافذة، ضمَّت يديْها ناحية صدرها حتى تُخفف رجفة البرد التي تُصيبها.
سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت برُعب من وقوفه.
عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتُبعد شعرها للجهة الأخرى دُون أن تُجففه من الماء الذي يمتصّـه.
نظر للطعام الذي لم يُلمس ليُردف : ليه ما أكلتي؟
عبير : مو مشتهية
فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع
عبير بخُطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟
فارس ضاعت عينيْه بعينيْها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعيدًا عنه : بس يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه
عبير إبتسمت بسعادة لا تستطيع أن تُخبئها : متى راح يجي ؟
فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين
عبير : اتصل عليك ولا كيف ؟
فارس : لا . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية لازم تتصلح!
عبير توترت لتتلاشى إبتسامتها الناعمة : أكيد لازم تتصلح!!! لأن مافيه زواج بالغصب
فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه آخر ما بيني وبينك
عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تفضَّل
فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟
عبير بلعت ريقها لتُردف : محد
فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟
عبير أحمرَّت ملامحها البيضاء لتقف : ما يخصّك!
فارس ظهرت غيرته في عينيْه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب صعب؟
عبير بغضب : مالك علاقة فيني ولا بمين حبيت ولا كرهت!!
فارس يقف ليروِّض غضبها بوقوفه المُهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على الآقل في هالأيام الأخيرة
عبير عقدت حاجبيْها وبنبرةٍ مُتذبذبة : وش تبغى توصله؟
فارس يُدخل يداه في جيوبِ بنطاله : ولا شي! وش بيكون مثلاً؟
عبير تنهدَّت بنظراتٍ غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو الأريكة الأخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجيـة
رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله
فارس إبتسم : بمُقابل أني راح أسلمك لأبوك لازم نتفق على شروط معينة
عبير فهمت مقصده من خُبث إبتسامته : إبعد عن وجهي
فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك!
عبير : وش تبي ؟
فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من سقوطٍ لم تتوقعه في وسطِ طاولة زجاجيـة خفيفة.
فارس بخُطى سريعة إنحنى عليها : لا تتحركين . . . جلس بجانبها ليُبعد الزجاج الذي التصق ببلوزتها.
عبير بغضبٍ أحمرّت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . لا تلمسني . . أبعد . .
فارس بعصبية وضع يدِه على فمها ليُسكتها وهو يُبعد بيدِه الأخرى قطع الزجاج المتناثرة حولها ليُردف : أنا لو أبي أضرّك كان ضرّيتك من أول يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها!!
عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يدِه تكتم فمها، عضَّته بشدّة حتى أبعدها. فارس نظر إليها بدهشـة : عنيفة!!!! . .
عبير : ولا تحاول تقرّب لي بخطوة
فارس تنهَّد وهو يُشير إليها بالسبابة : لا تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي في بالك قبل لا تخسريني بعد
عبير أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تُمدد بأكمام بلوزتها حتى تُغطي كفيّها، شعرت بدوارٍ إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟
عبير تنهدت : وش ؟
فارس : كوني زوجتي ليوم واحد.
نظرت إليه بدهشـة ومحاجرها المحمّرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربـة، لم يبقى هواءً تسحبه لصدرها، هُم هُم لا يتغيرون! مثل التفكير ومثل التصرفات! مثل الدناءة!
فارس : لا يروح فِكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالحدّة بنظراتك
عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظاتٍ سريعة نحوه، يُوقعني بتفكيره بعُمق شخصيته، يتصرف بطريقةٍ تُثير حواسِّي التي تتشبثُ به كمحاولة أخيرة للخلاص : تبيني أمثّل أني مرتاحة معك!
فارس : لا تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء ثانية
عبير بغضب : بطّل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج، ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل هالأشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك مصدقتها
عبير تجمدَّت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحـة واضحة لا تُخفي شيئًا، أخذت نفس عميق لتُردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق خرافاتك!
فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها ويُرغمها على التمسك به، وضعت يدَها على ذراعه حتى تقف بإتزان، بغضب من ألاعيـبه : فارس!!!!
فارس بضحكة يُخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه
عبير شعرت بأن دماءها تفُور وتغلي، نظرت لعينيْه وهي تشتدُ حمرَّةً من النار ذاتها : لو سمحت!
فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة
عبير بحدّة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟
فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليُردف : بس ممكن يسويها في حالات مجهولة الأسباب!
عبير رُغمًا عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك فارس بخفُوت على شفتيْها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة الأولى والأخيرة
عبير : وين ؟
فارس : خليها مفآجآة
عبير : أخاف من مفاجآت الناس الغريبة
فارس بإبتسامة : أنا آسف على محاولاتك السيئة بأنك تجرحيني!
عبير شعرت بأنها تذوب فعليًا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت أجرحك!
فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى آخره من كلماتك صدقيني ما تحرّك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول!
،
وصلَت بعد ساعاتٍ طويلة ناعسـة لبيتها الذي لم تفقتده كثيرًا، كل الذكريات السيئة تتفرعُ منه بصورة مؤذيـة لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل من السيارة ومن خلفها والدها.
: لا تخبين عن أمك شي!
الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والدهًا يدخل أولا إمتثالاً للحديث الذي تحفظه منذُ نعومة أناملها " لاتسمه باسمه ولاتمش امامه ولاتجلس قبله ".
عبدالمحسن بصوتٍ عالٍ : السلام عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها : وعليكم السـ . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السلام والرحمة . . وش هالمفآجآة الحلوة
الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتُقبِّل رأسها ويدها، جلست بجانبها : بشريني عنك؟
والدتها : بخير الحمدلله . . انتِ شلونك؟ وش مسوية؟
الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريـان الذي نزل وبجانبه ريم.
وقفت بتوتر وحساسيـة ما بينهما، قبلته بهدُوء : شلونك ؟
ريان بإقتضاب: بخير . . .
عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين الصخب والهدوء: منوّرة الشرقية
الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟
ريم : بخير الحمدلله . .
ريّان جلس دُون أن ينطق كلمةٍ أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يُداوي هذا الزمن خيباتنا.
الجوهرة توترت من صمت ريـان وجمُودِ ملامحه، جلست لتُردف : وين أفنان ؟
ريم : قبل شوي نامت!
والدتها : زين جيتي! على الأقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منَّا
الجوهرة إبتسمت : محد يآخذني منكم
ريّان ببرود : واضح
الجوهرة نظرت إليْه لتأخذ نفس تُخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت شويْ عن الكل مو بس عنكم!
ريّان : سلطان ماراح يجي ؟
الجوهرة بلعت ريقها : لا . . مشغول
عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريّان أمش معي . .
ريّان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . .
ريم لاحظت التوتر بينهما لتُردف : ليه ما جيتي العرس؟
الجوهرة : ما أحضر حفلات! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب
ريم : آمين . .
والدتها : وشلون عمة سلطان؟
الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . .
ريم وقفت : بروح أشوف الغداء
أم ريان بإبتسامة : عاد جيّتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ ريم
ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتُردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة الحمدلله
أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي الأيام اللي فاتت! الله يصلح ريّان بس
الجوهرة بنظراتٍ ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟
والدتها : أبد على حطة يدِك ! مافيه شي ينذكر .. أنتِ اللي سولفي لي؟ شلون سلطان؟
الجوهرة : عندي لك بشارة
والدتها بإبتسامة : وشو ؟
الجوهرة بحُمرة ملامحها الناعمة : أنا حامل
تجمدَّت ملامحها لتستوعب حتى عانقتها بشدَّة : يا عين أمك! عساه مبروك
الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . .
والدتها : من متى ؟
الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه!
والدتها بعينيْن تُضيء بالفرح : وأخيرًا بشوفك أم
لا شيء أطهرُ من أن يُصبح لك حفيدًا ينحدرُ من رحم إبنتك، لا شيء أجمل من هذه الفرحة ولا يُضاهيها أيضًا، الحياة الناعمة مهما تنازعت وفاض جدلُها يبقى الطفل محلُ وفاق أبدِي، والجنين الذي يكبرُ فيك يالجوهرة يتخذُ من قلبي مقعدًا.
الجوهرة وإبتسامتها لا تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتبسَة لتهيج محاجرها بالملوحة : الحمدلله
والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر
الجوهرة : ما ودِّي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء
والدتها عقدت حاجبيْها : لآ قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟
الجوهرة : لا . . بس أنا وسلطان
والدتها بضيق : لآ تجيبين طاري الطلاق!!!
الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! علّه خيرة
والدتها : لآ يمه لا توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن حملك؟
الجوهرة : لآ
والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تنحّل
الجوهرة برجاء : الله يخليك يمه لا تضغطين عليّ! ماتدرين الخيرة وينها!
والدتها بحزن يعبرُ صوتها : الله يسامحك بس
،
دخلت للغرفـة وعيناها تتأمل بغرقٍ عميق، أشعرُ وكأنني أدخل متحف من السبيعنات الميلاديـة، الصور المعلقـة بطريقةٍ مُذهلة تجذب عيني بلا إنتهاء، و آلة الكتابـة البدائيـة تتوسطُ الطاولة الخشبيـة، رفعت عينها للثريـا الذهبيـة التي تُشبه عصور أوربـا المنتشيـة بالثراء، ألتفتت ناحيـة المكتبة التي تحبس الكتب بترتيبٍ أنيق، يبدُو لوهلة أنها غرفة للتأمل فقط.
من خلفها : وش رايك؟
هيفاء بإبتسامة : تجنن . . جميلة مررة
فيصل اقترب من المكتبة ليُردف : أيّ نوع من القراءة تفضلين؟
هيفاء تنحنحت بتوتر : آ . . يعني . .
فيصل : روايات وأدَب؟
هيفاء : إيه
فيصل : هذي رواية البؤساء! لما كنت في باريس حضرت مسرحيتها . . ماراح تندمين عليها! تعتبر من أشهر الروايات سوُّو منها أفلام ومسرحيات كثيرة وللحين مشهورة مع أنها من القرن 19 . .
هيفاء جاهدت أن تُظهر إبتسامتها : تحكي عن أيش؟
فيصل : عن الظلم الإجتماعي في فرنسا بعد سقوط نابليون! . .
هيفاء ودّت لو تُخبره بأنها تكره القرآءة ولكن ألتزمت صمتها ليُردف فيصل : وفيه كتب كثير ممكن تعجبك! متى ما طفشتي أدخلي وأقرأي براحتك
هيفاء بإعجاب كبير : هالغرفة للتأمل بجد!
فيصل إبتسم لينظر لريف التي تتمايل بمشيْتها حتى تجيء إليه، رفعها : وشلون الحلوة؟
ريف: كويسة
فيصل : طيب سلمي على هيفا
ريف بعفويـة مدّت يدها الصغيرة. هيفاء بضحكة عانقت كفّها : مساء الخير
ريف ترفع عينها لفيصل لتهمس : وش أقول؟
فيصل : قولي مساء النور
ريف بتلعثم حروفها الناعمة : مسا النور
خرجَا من الغرفـة، ليأتِ صوت والدته الهادىء : غيّروا ملابسكم على ما احط الغدا
فيصل يُنزل ريف : شوية وأجيك . .
ريف بإبتسامة : تيب
فيصل صعد للأعلى لتتبعه هيفاء، فتح لها جناحه لتتأمله بمثل تأملها السابق، يطغى عليه التصاميم القديمـة منذُ عقودٍ سابقة، إتجهت نظراتها ناحيـة السرير الذي يطغى بخمريـة لونه : هنا غرفة الملابس!
هيفاء : أوكي . . نزعت عباءتها لترتفع معها بلوزتها أمام أعين فيصل التي لا تفوّت لحظة لتأملها، علقت عباءتها وهي تُنزل بلوزتها دون أن تنتبه لنظراته، رفعت عينيْها لتقع بعينيْه، إرتبكت بحُمرة تصاعدت لملامحها البيضاء.
فيصل بسؤالٍ فضولي : ممكن أسألك شي؟
هيفاء بربكة : إيه
فيصل : لا تفهمين انها قلة ذوق بس بجد هالسؤال في بالي من زمان
هيفاء بلعت ريقها : تفضَّل
فيصل : في الملكة كنتِ سمرا كِذا على برونز . . والحين بيضا!!
هيفاء لم تستطع أن تحبس ضحكتها التي أنفجرت بوجهه، شتت نظراتها من ضحكتها الصاخبة
فيصل بإبتسامة : ترى إذا سؤالي غبي تقدرين ما تجاوبين!
هيفاء أنطلقت بعفويتها : لآ عادي . . بالملكة كنت مسوية تان! ومع الوقت راح ورجع لوني الطبيعي
فيصل يتفحصها بنظراته من أقدامها حتى رأسها : آهآ .. طيب خلينا ننزل لا نتأخر على أمي
هيفاء بإبتسامة شغب ترتسم على محيَّاها : ينفع أقولك شي غبي!
فيصل وهو ينزل معها للأسفل والإبتسامة لا تفارقه : قولي
هيفاء : عندي مشكلة مزمنة مع القراءة!
فيصل ضحك ليلتفت عليها : أجل ليه تجاملين من اليوم؟
هيفاء : هو يعني بقرآ الرواية بما أنك رشحتها ليْ! بس ماعندي ميول للروايات والقصص
فيصل : وش ميولك؟
هيفاء بكذبٍ لا تتردد به : يعني مثلاً أحب أقرأ الأشياء الإقتصادية
فيصل رفع حاجبيْه بدهشة : جد؟ ماتوقعتك تحبين الأشياء الإقتصادية والحساب وهالأمور
هيفاء : على أني أكره المواد العلمية بس أيام الثانوي دخلت علمي عشان الرياضيات
فيصل بإعجاب كبير بميولها الذي يشترك معها فيه : وليه ما تخصصتي رياضيات أو أيّ شي يتعلق بالإقتصاد؟
هيفاء بلعت ريقها لتُردف: بصراحة مدري! ناسية أسبابي
فيصل جلس على طاولة الطعام بمُقابلها ليُردف لوالدته : تصوّري يمه أنه هيفا ميولها يشابه ميولي!
هيفاء بتوتر : يعني مو مررة
والدته : تراه فرحان لأن عنده أهم صفة يبيها بشريكة حياته أنها ذكية وتحب شغله
هيفاء أكتفت بإبتسامة مرتبكة، أدركت أنها تقع بمصيبة كبيرة بسبب كذبها التي حاولت أن تُثير إعجابه به.
،
استلقت على السرير لتنظر للسقف بمللٍ بدأت تتأقلم معه وتتعايش معه كصورةٍ روتيـنية، في جهةٍ أخرى كان واقف أمام والده ومنصور : عاد للأمانة يبه ما جاء في بالي كذبة سنعة إلا أنك مسافر! . .
منصور : المشكلة ما تعرف تكذب! قبل أمس كانوا في الشركة ينتظرون أبوي
والده : الله رزقك عقل حمير وأنا أبوك!
يوسف : مقبولة منك يا بو منصور! . . سبحان الله منصور علاقته طردية من رفعة الضغط
منصور : حط حرتك فيني!
يوسف يجلس بمُقابل والده : يبه فيه خبر أسود وخبر أبيض . . وش ودِّك أبدأ فيه؟
والده : لو الأسود شين بيجيك كفّ يطيّحك شلل كامل
يوسف بضحكة : بس أنت روّق
والده : قل وأخلص
يوسف : الخبر الأبيض أني أنا ومنصور وقعنا لك عقد ذهبي
والده : قالي منصور
منصور غرق بضحكته على ملامح يوسف من ردّة فعل والده الباردة.
يوسف : واضح اليوم أني متمصخر! . . طيب الخبر الأسود . . اني ألغيت العقد وأسألني السبب قبل كل شي!
منصور بدهشة : من جدك!
والده : يا وجه الخيبة بس! . . ورآه ؟
يوسف : بصراحة ما عجبوني ومندوبه واضح أنه يتلاعب فينا! قلت ورآه نجيب الغثا لنفسنا وفيه عقود ثانية ممكن نرتاح لها
والده أغمض عينه ليُردف بهدوء : يوسف!
يوسف : سمّ
والده : أنقلع عن وجهي . . أغيب عن الشركة يومين وتلعبون فيها لعب!!
يوسف وقف: والله أنا بريت ذمتي! الناس ماعجبوني ولا تنسى يبه أنا عندي حاسّة سادسة أعرف الحيوانات من عيونهم
والده : وماعرفت نفسك ؟
منصور : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه سوّ نفسك ميّت
يوسف بإبتسامة يحمّر وجهه : معليه معليه يمون الوالد! . . يومين مانيب طالع لكم . . . صعد متجهًا للأعلى والإبتسامة لا تفارقه.
دخل غرفته لتسقط عينيْه عليها : مساء الخير
رفعت مُهرة ظهرها : مساء النور . .
يوسف : وش جوِّك! بتنامين الحين!!!
مُهرة : لآ وين يجيني النوم! بس طفشت قلت أفكر
يوسف يجلس على الأريكة وهو ينزع شماغه : تفكرين بأيش؟
مُهرة : ولا شي محدد . . إتجهت نحوه لتجلس بجانبه : ماراح تآخذ إجازة قريب؟ ودِّي أروح حايل مشتاقة لأمي
يوسف : شكلي بدعي على حايل والسبة أنتِ
مُهرة إبتسمت : لا والله جد يوسف! مافيه إجازة قريب؟
يوسف : أنتظري بس هالشهر يعدِّي على خير وبعدها آخذ من إجازتي السنوية ونروح
مُهرة : تمام . . وش فيه وجهك؟ حرّ برا ؟
يوسف : وين حرّ! الرياض بدت تبرد الحين
مُهرة : أجل حرارة جسمك مرتفعة
يوسف بضحكة إلتفت عليها : لولا البرستيج كان قلت لك
مُهرة إبتسمت : قول . . تراني فضولية ممكن ماأنام لو ما عرفت!
يوسف : أستغفر الله كنت بقولك شي وقح
مُهرة : يخص؟
يوسف بسخريـة : سواليف الشباب بينهم وبين البعض ما فيها حيا لكن لا جت عند الحريم تصير وقحة مثل سواليفكم تمامًا . . مو فيه سواليف تنقال بينكم عادِي لكن لو وصلت لنا تستحون!
توترت لترتفع الحُمرة من جدار قلبها نحو ملامحها البيضاء، غرق يوسف بضحكته ليُردف : ترى ما قصدت شي!
مُهرة أخذت نفس عميق لتُردف : أنت تفكيرك غلط مع مرتبة الشرف . .
يوسف أسند ظهره بإرهاق على الاريكة لينظر إليها بنظرة مُربكـة : تذكرين لما كنا جالسين هنا في بداية زواجنا
مُهرة : أيام تعيسة ذيك الأيام
يوسف : خليك من الأيام التعيسة .. ما تتذكرين شي صار هنا؟
مُهرة عقدت حاجبيْها بتفكير لثواني طويلة حتى أردفت : لا ... وش صار ؟
يوسف : تعالي قربِّي أقولك
مهرة : ما عاد أثق فيك
يوسف : قربي
مُهرة بإصرار : لا . . قول من هنا
يوسف يستعدها بجلسته ليسحبها ويُقبِّلها بالقرب من شفتيْها، همس بضحكة : فلاش باك للمشهد
،
بدأت تسير بإجهاد يمينًا ويسارًا، قلبها ينقبض لدقائق طويلة وينبسط للحظة قصيرة، تشعرُ بأن ستلد الآن من وجَعِها، الساعات التي تعبرها لا تمرُّ بخفـة، كلما أستطال الوقت ولم تأتِ رتيل يزداد خوفها أكثر وهاتف عبدالرحمن المغلق يزيدُ من توترها/ربكتها.
لا تعرف مالوسيلة المثلى بأن تهدأ وتُسكن ربكة تفكيرها، تقدّمت نحو الباب الأمامي لتفتحه قليلاً، من خلفه : نايف!
أقترب : سمِّي
ضي : عبدالعزيز ما قالك وين رايح ؟
نايف : لآ . .بس قريب وراح يرجع تطمني
ضي : طيب أتصلت على أبو سعود؟
نايف : لا
ضي : قاعدة أتصل عليه وما يرّد! . . إذا تقدر تتصل على مكتبه وتشوف
نايف : أبشري . . محتاجة شي ثاني؟
ضي : لآ . . . أسندت ظهرها على الباب بألم المغص الذي يُداهمها، يارب رحمتك التي وسعت كل شيء.
نحنُ الذين ضللنا السير في حياتنا لا نعرف طريقًا أوضح من الله. يارب أشرح صدري ويسِّر أمري، جلست على الكرسي المتصلِّب بجسدِها، تخشى أن أمرًا حدث لعزيز. غضبه الأخير وتصرفاته الغريبة تُوحي لشيءٍ غريب، من المستحيل أن يؤذي رتيل ولكن مرّت ساعات منذُ خروجهما!!!
،
وضع قدمه على الطاولة وفوقها قدمِه الأخرى لينظرُ ببرود : طيب؟ وش أسوي؟
عُمر : آ . . ولا شي بس قلت أخبرك أنه عبدالعزيز طلع من المكان بس!
سليمان : مايهمني! كل اللي يهمني الحين فارس و ناصر! هالإثنين أبيكم تنهون لي موضوعهم بأسرع وقت!
أسامة : طيب وش صار على آسلي؟ ماراح تقابله؟
سليمان : خلّ آسلي على جمب بمخمخ له هاليومين! .. المهم فارس وناصر
عُمر : ناصر عرفنا مكانه بلندن . . ننتظر إشارتك
سليمان : حمار! . . أنا وش قايل؟ . . هالأمور أستعجلوا لي فيها لا تنتظرون كلمة مني! كم صار لكم سنة ماعرفتوا اسلوبي!!! .. إلتفت لأسامة : قلت لي متى بيجتمع معه؟
أسامة : بعد بكرا . . هاليوم مصيري لنا كلنا! وأتوقع لو وصل العلم لربعنا بالرياض راح يكون مصيري لهم بعد!
سليمان ببرود : خل يوصلهم! أهم شي اللي تعبت عليه طول هالشهور يصير!
أسامة : بس لا تنسى أنه رائد معك وهذا إذا ما دخل بالخط سلطان وبوسعود!!
سليمان : هاليوم أنتظرته كثيير وحلمت فيه كثيير! بس لازم شوي أكسر رائد بفارس وأكسر سلطان و بوسعود بناصر وعبدالعزيز! . . . . وبتصفى لي الساحة
أسامة : تقدر بهاليومين تحقق هالشي؟ لأن العد التنازلي بدآ يا سليمان أيّ غلطة مننا ممكن تضيع كل أتعابنا
سليمان : لا تكثّر حكي قلت لك أنا مضبط أموري . . بس لازم فارس وناصر تتصرفون بأمورهم عشان نشغلهم
أسامة : أبشر 24 ساعة وأنهي لك أمورهم . .
،
هبط الليل بظُلمة يُنيرها قمر باريس، نظرت للنهرِ الجاري لتلتفت إليْه : وين بنجلس؟
فارس تقدَّم بخطواته دون أن يُجيب عليها بكلمة ليقترب من حافـةِ النهر أمام القارب الصغير ، إلتفت عليها : تعالي
عبير مشت بخُطى ناعمة نحوه ليمدّ يدِه إليها، رفعت حاجبها بتوتر : بنركب القارب؟ ..
فارس : إيه
عبير : آآ . . كيف؟ ما معانا أحد ممكن يصير
فارس يُقاطعها : تطمني مو صاير شي!
استغرقت ثواني طويلة حتى وضعت يدَها على يدِه، أرتعش جسدها بلمساته، مدّت خطوتها الطويلة لتركب القارب، من خلفها أقترب وجلس ليُجدِّف مبتعدين عن هذا الجانب.
عبير بربكة قلبها تنظرُ للمكان الخالي تمامًا إلا منهما، نظرت إليْه بخوف : لآ تبعّد كثير!!
فارس : أدِّل هالمكان . .
عبير : طيب وقف خلاص أحس بعدّنا كثير . .
فارس ترك المجداف، ليتوسط القارب المُضيء بمصباحه وسط النهرِ الفسيح، نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبُها بربكة عميقة . .
،
بين يديْه هاتفه الذي سئم منه، لم يصِل لعبدالعزيز ولن يصِل ما دامت كل أرقامه لا تعمل، تنهَّد ليرفع عينه لغادة الجالسة أمامه : تذكري! ممكن قالك كلمة
غادة : ولا شي! كان ساكت ماعرفت مين . . بس أكيد مو عبدالعزيز لأن الرقم مو مسجّل
ناصِر : لازم يعرف عبدالعزيز قبل لا يدري من غيري!!! . . إتصل على آخر رقم ليأتِ صوت نايف بعد دقائق طويلة : ألو
ناصر : ألو . . مين معاي؟
نايف : انت اللي متصل!
ناصر : أمس أتصل علينا شخص من هالرقم!!
نايف : أكيد غلطان لأن محد أتصل أمس
ناصر تنهّـد : أوكِ . . مع السلامة . . أغلقه . . محد أتصل!
قبل أن تُجيبه غادة أتى صوتُ الجرس قاطعًا، ناصر وضع أصبعه على شفتيْه بإشارة واضحة لغادة أن لا تصدر صوتًا، إقترب من الباب لينظر من العين السحريـة، تيبست أقدامه للحظاتٍ طويلة مع الرنين المتكرر.
،
جلست بمُقابله دون أن تهمس بكلمة، غاضبة من هذا المكان ومن وجودها في هذا المكان ومن فكرة أنها تتشارك معها السقف ذاته، تنهدَّت لتُبعد أنظارها للأشياء القريبة، للأثاث المخضَّب بذوقها.
عبدالعزيز يشربُ الماء دفعة واحدة ليثبِّت أنظاره بإتجاهها : تفكرين فيها؟
رتيل بعينيْها الحادة : مُشكلتك واثق من نفسك كثيير!
عبدالعزيز بإبتسامة : كان مجرد سؤال! قولي لا وراح أصدقك . . بس واضح أنه ثقتي بمحلّها
رتيل بضيق : لا تكلمني بشي! ماأبي أتناقش معك بأي موضوع
عبدالعزيز بسخرية : أبشري . . أنتِ بس آمري وش تبين وأنا أسويه لك
رتيل تكتفت بتنهيدة غاضبة ثائرة.
عبدالعزيز : تطمّني ما راح تجي اليوم! بكرا إن شاء الله تصبّحين على وجهها
رتيل تتجاهل كلماته وحضوره الصاخب في قلبها، لا تُريد أن تنظر إليه وتثور أعصابها مرةً أخرى.
عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : شاركيني أفكارك! أخفف لك حدة الموقف على الأقل
رتيل بغضب لم تتمالك أعصابها : تعرف تآكل تبن!!!!!
عبدالعزيز وقف ليقترب منها، أرتبكت من وقوفه أمامها، بهدُوء : علميني كيف آكله؟
رتيل دُون أن ترفع عينها بإتجاهه : عبدالعزيز أبعد عني!
عبدالعزيز بغضب يضع قدمه فوق قدمها ليضغط بقوّة : لسانك أمسكيه زين!!
رتيل بوجع دفعته لتسحب قدمها للداخل : نذل!!!
عبدالعزيز جلس بجانبها وعينه على هاتفه يحاول أن يُشغله بعد وقتٍ طويلة بمحاولاته الفاشلة : هو كِذا بتعصبين يوم ويومين! وآخر شي بترضين
رتيل بحدة : لآ تكلمني! مالك علاقة فيني
عبدالعزيز بإبتسامة يحاول أن يُخمد وجعه على غادة بها، لو يصِل إليها الآن ويروي عيناه : مو أنتِ اللي تقولين لي لا تتكلم وتكلّم!
رتيل بغضب بدأت عيناها تلمع بالدموع : عبدالعزيز كافي!!
عبدالعزيز وضع الهاتف على الطاولة بيأس ليلتفت إليها بكامل جسدِه
رتيل إلتفتت إليه لتنظر لعينيْه الباردة : ممكن توديني غرفة أجلس فيها بعيد عنك!!
عبدالعزيز أشار لغرفته، وقفت ليسحبها من يدِها ويُعيدها للجلوس: بس ماراح تجلسين فيها الحين!
رتيل بحدة : تبيني أقابلك وأسمع كلامك الحلو!!!
عبدالعزيز : أحسن من الجدران!
رتيل : الجدارن أبرك لي مية مرة منك
عبدالعزيز بسخرية لاذعة : سبحان اللي يغيّر وما يتغيّر!!
فهمت قصدِه، ودّت لو تبصق عليه لتُشفي حرقتها/غضبها : طيب؟ وش أسوي لك ؟
عبدالعزيز : أجلسي تأملي معي هالحياة
رتيل : صدقني محد بيخسر غيرك ومحد بيندم غيرك!!
عبدالعزيز : جاني تبلد! ما يهمني وش أخسر ولا على أيش أندم!!!
رتيل زفرت غضبها، ما عادت تحتمل ربكة وجوده و كلماته المؤذيـة.
عبدالعزيز : كنتِ تحسِّين بالرخص قبل شهور! والحين؟ أفهم إحساسك تمامًا
رتيل بعصبية ثارت كل أعصابها : وتذكر وش قلت لك وقتها! المشكلة مو إني رخيصة المشكلة إني ما لقيت رجَّال . .
عبدالعزيز إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغما عنها تستلقي على الأريكة، سحبها بشدَّة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة . .
،
بحزنٍ عميق سارعت خُطاها المبعثرة، لتنظر لعبدالرحمن الذي تحفظه جيدًا : وينه ؟
عبدالرحمن بحرج : تفضلي من هنا . . دخلت حصَة لترى ملامحه الشاحبـة الذابلة كليًا، ورأسه يلفُّه الشاش الأبيض، جلست بجانبه ليبتسم لها يُجاهد أن لا يُخيفها . .
حصة بغضبٍ وعينيْها تجهش بالبكاء : هذي ضربة بسيطة!!
سلطان ببحة التعب : الحمدلله على كل حال
حصة تمسح على رأسه : شوف كيف وجهك تعبان؟ ما بقى جهة في جسمك ما طحت عليها!!
سلطان تنهد ليسعل بوجَع، رفع عينه إليها : ليه تعبتي نفسك وجيتي؟ أصلا بيطلعوني بعد شويْ
حصة : مو شايفني أصغر عيالك اللي تضحك عليهم!!!
سلطان بجديـة : والله كنت بطلع
حصة بتوسِّل عينيْها الباكيتيْن : يا روحي لا تسوي في نفسك كذا . . خاف ربك في نفسك
سلطان بضيق : حادث ومرّ على خير . .لا تفكرين بشي ثاني
حصة : حادث وحادثين وثلاث . . مو كل مرة بتسلم!!
سلطان شتت نظراته بعيدًا ليأتِ سؤاله الثقيل على نفسه : الجوهرة راحت ؟
حصة : إيه . . كنت أنتظرك عشان أعطيك محاضرة تعلمك أنه الله حق بس عقب هالحال وش عاد أقول!
سلطان بإبتسامة ينظرُ إليها : ماش الغالية مهيب راضية علينا!
حصة : سلطان شايف نفسك! شوف كيف الحزن مالِيك! المشكلة كل الأمور بإيدك لكن تكابر . . والله حرام اللي تسوونه بنفسكم!!
سلطان أغمض عينيْه : بغمضة عين ممكن أخسر حياتي! . . اليوم للمرة المدري كم حسيت بالموت قريب مني! . . تعرفين وش جاء في بالي ؟
حصَة : وش ؟
سلطان : الجوهرة
حصة سقطت دمعة ناعمة على خدها : ليه يا سلطان تعذب نفسك وتعذبها معك؟
سلطان : كنت أفكر فيها بشعور ما عرفت أصنّفه! بس مافيه قرار أفضل من هالقرار
حصة بغضب : إلا فيه! . . تحبون الشقا والغثآآ وش فيها لو تنازلتوا شوي وكملتوا حياتكم . . هذا وبينكم و. . . صمتت لتُشتت نظراتها.
سلطان : بيننا أيش؟
حصة : ولا شي
سلطان عقد حاجبيْه : عمتي . .
حصة : سلطان ماأبغى اتكلم في هالموضوع
سلطان : أيّ موضوع ؟
حصة بضيق : بقولك بس أوعدني ماتقول للجوهرة لين هي تقولك
سلطان بحدة : وشو ؟
حصة بلعت ريقها : الجوهرة حامل . .
↚
المدخل لـ يزيد بن معاويَة، أقرأوا فتنته :"( لي يومين وأنا أهوجس بقصيدته :"" أقرأوها كاملة بمواقع مشهورة لأنها منتشرة بتحريف لأبياتها :( المهم هذا مقطع منها.
لها حكم لقمـان وصـورة يوسـف
ونغـمـه داود وعـفـه مـريـم ِ
ولي حزن يعقوب ووحشـه يونـس
وآلام أيـــوب وحـســرة آدم ِ
ولو قبـل مبكاهـا بكيـت صبابـة
لكنت شفيت النفـس قبـل التنـدم ِ
ولكن بكت قبلي فهيج لـي البكـاء
بكاهـا فكـان الفضـل للمتـقـدم ِ
بكيت على من زين الحسن وجههـا
وليس لها مثـل بعـرب وأعجمـي
مدنيـة الألحـاظ مكيـة الحشـى
هلاليـة العينيـن طائيـة الـفـم ِ
وممشوطة بالمسك قد فاح نشرهـا
بثغـر كـأن الـدر فيـه منـظـم ِ
تجمدَت خُطى عيناه ناحية حصة، تجمَد العالم بأكمله في شُرفة محاجره، تصاعدت الحُمرة ببخارٍ ضيَق لتُباعد النظر/البصر عنه، تصاعدت حتى اوشكت على خنقه بدمعٍ متجمَد/متيبس.
لا شعور! أنا أخاف للمرةِ الأولى بهذه اللذاعة، أنا أخاف بعُمق قلبٍ لم يعِش الحياة كما ينبغي أن تُعاش، أنا أخاف من الأحلام إن أتت، أخاف من فكرة تحقيقها، لأن هذه الحياة لا تُناسبي، تروق لي فكرة أن أرى أحلامي تتساقط واحدة تلو الأخرى، قضيت عُمري أتأمل كيف لأحلامي أن تنتهي وتختلف بنهاياتها، أراقب كيف لها أن تتبدد وتتلاشى كأنها لم تكُن، أراقب كيف تنتهي دُون أن تنظر إليْ؟ دُون أن تعتذر عن العمر الذي قضيته في إنتظارها؟ لا أحد يحترم إنتظاري فكيف أحترم معتقدات هذه الحياة؟ كيف يطلبون مني أن أنسى؟ أن اتجاهل؟ أن أتغاضى؟ كيف يريدون مني أن أحترم هذه الحياة التي لم تحترمني ولا مرَة!
حصة بخوف : سلطان ؟
سلطان بصوتٍ يضيق وجعًا : متى ؟
حصة : قبل فترة عرفنا
سلطان زمَ شفتيْه، لينظر بإتجاهٍ مستقيم حاد للجدار الذي أمامه، شعر بأن قلبه يتقيأ حزنًا/كمدًا، " إلتزم الصمت والسكون " ليس لأني أريد الصمت، ولكن كيف لأبجديـة واحِدة أن تشرح حُزني في هذه اللحظة؟ كيف لها أن تصوَر بحة قلبي؟ وترسم تقاطيع الأفكار المارةَ في حنجرة أتخذت لها من الريحِ صوتًا، يالله! هو حلمٌ واحد! كيف له أن يتحقق بهذه الهيئة المؤذية؟ لم أتوقع ولا للحظة أن أًهان بأحلامي! أن أكون آخر من يعلم بولادة حلمٍ ابتعد عني طويلاً! ليه يا جوهرة سلطانِك؟
حصة سقطت دمعتُها بمنظر عينيْه القاسية، يكسرها حزن الرجال كيف إن كان سلطان؟ يكسرها أن تنظر لدموعهم المعلَقة بين الأهداب؟ يؤلمها أكثر أن ترى الوجع بملامحه حتى وإن حاول إخفاءها، هذه المرة سلطان واضح جدًا حدُ الألم/الحزن/الوجع/الحسرة : كانت راح تعلمك مو قصدها تخبي عنك!
سلطان دُون أن يرمش أو يلتفت، تصلَب لتسعُر رعشات الدماء المُثارة في داخله : عمتي اتركيني لحالي شويَ!
حصة برجاء : لا تسوي في نفسك كذا! واللي يرحم والديك يا سلطان
سلطان إلتفت عليها بحدَة تُقيم الثورات بدماءه الهائجة بقاعٍ غاضب : ليتني متَ ولا سمعت منك هالخبر!
حصة بكت بلا تردد، سقطت دموعها سقوطًا حاد: لا تقول كذا! . . وضعت يدَها على كفه الباردة . . سلطان تكفى أبيك تنبسط بهالخبر مو تتضايق!
سلطان : مسألة إني أتضايق منها هذا أمر تركته للوقت ، ماني متضايق من أحد ولا أنتظر أسف من أحد!
صعد دمعُه القاسِي في محجره لتُضيء عيناه ببكاءٍ معلَق : محد بيعرف ويحس بحجم حزني الحين!
حصة بضيق تشدَ على كفَه : حاسة فيك . . حمَلت نفسك فوق طاقتها، خسرت كثيير عشان هالأرض باقي الجوهرة . . لا تخسرها بعد!
سلطان عقد حاجبيْه بتعرجاتِ الضيق في جبينه : الله يعوضني
حصة : لا سلطان . . لا تكفى . .
سلطان يهذي بوجعه : مصدوم منها! إذا أنا غلطت وقهرتها في أيَ شيء فأكيد أنه شي مؤقت هي بتقهرني عُمر كامل! . . ردَت عليَ بأكثر شي يوجعني يا حصَة!!! . . أنتِ أكثر وحدة تعرفين وش كثر متشفق على طفل يحمل إسمي! ممكن أستوعب أنها تسوي أيَ شي بس ماأستوعب أنها تكون لئيمة هالقدَ! تبي تكسرني بطلاقها! وتكسرني بأني آخر شخص يعرف بحملها . .
حصة : الجوهرة مو كذا
سلطان يُكمل بروح مخضبَة بحزنٍ،أسى، غمَ، بأس و شجَن، يُكمل بعبراتٍ ظهرت بعد عُمرٍ طويل لم يتجرأ أن يُتيح لحزنه فرصة أن يتوسَع بتفكيره وقلبه، دائِمًا ما كان يترك البكاء يتغلغل في داخله دُون أن تلتفت إليه عيناه ولكن هذه اللحظة كل حواسَه تلتفت لقلبه ولحزنه.
: إلا كذا! لمَا حاولت أرجع وأصحح معها حياتنا صدَت وهي حارمتني حتى من أني أعرف بالموضوع! إذا أنا غلطت ألف مرة هي غلطت مرَة وتساوي هالألف كلها! هي اللي تبي الطلاق! وراحت .. سوَت اللي براسها وماكلفت نفسها تقولي!! . . ولو ما زلَ لسانك ما قلتي لي! . . أنتِ شايفة أنه تصرفها طبيعي؟ ومالي حق أتضايق ؟
حصة : سلطان . .
يُقاطعها بعصبية : لا تدافعين عنها! . . نبرته تعتلي حتى تبحَ بوجعها/تعبها . . لا تدافعين! لا توقفين ضدي!!! ماعاد في حيل أصبر على أحد!
حصة : ماأوقف ضدِك يا روحي، ولا راح أوقف ضدك بيوم! أبيك تصحح حياتِك! ماراح يجيك اكثر من اللي مضى . . سلطان تجاوز هالموضوع!! تجاوزه عشان خاطر نفسك اللي تبيها
سلطان : اللي موجعني أنه في حياتي كلها ما هزَني شيء، بقيت ثابت مع كل الظروف اللي شفتها واوجعتني، اللي موجعني أنه بعد كل هالأيام والعُمر اللي فات . . يهزَني حمل الجوهرة!!
حصة شتت نظراتها، يا رب! كيف ينكسِر بهذه الصورة العنيفة لقلبي : سلطان! . . أرجوك
سلطان : إتركيني . .
حصة ببلل ملامحها : بس ترتاح راح تفكر صح، . . وقفت . . تصبح على خير
سلطان بلع صوتُه كغصَة عكَرت صفو الكلمات. خرجت حصة ليُغمض عينيْه ثانيتيْن وبنصفها الثانِي فتحها لتسقط دمعة من عينِه اليسرى، دمعةٌ لم يُثبَط مسارها بأيَ جهد، تركها للحياة، للثبات الذي عاش به لسنواتٍ مديدة، للإتزان الذي لم يتخلى عنه الا عند الجوهرة، تركها تسقُط بحزنٍ إلتم حوله كجماعَة توحدت به.
شدَت عروقه حتى بانت في أطرافِ رقبته وجبينـه، أشتعلت عيناه بحزنِ قبائل وليس فردًا واحدًا.
انهارت قوَاه الداخلية، انهارت بعد حياةٍ كاملة ظهر بها في موقف الرجل الصامد الذي لا يهزَه شيء، ولكن هزَه خبر! هزَه جنين في رحمِ إمرأة بلغت من قلبه ما لم يبلغ أحدًا قبلها.
مالذي كان يدُور في عقلك لحظتها؟ كيف قدر قلبك أن يهزمني بإرتطامٍ مدويًا؟ من يُنظف مخلفاتِ الحياة التي تعوث في قلبي؟ من يُرتب كومة ملامحك فيَ؟ من أنا من هذا كله؟ ألغيتِ وجودي في لحظةٍ لم أكن أريد فيها إلا أن أثبت نفسي في حياتك! قاسية، أقسى من أن يحتمل أحدًا هذا الحزن الذي خلفتِيه بصدري!! كل الإناث مهما بلغت عواطفهن الناعمة إن انتقمت الواحدة منهن لا تُبقِ جزءً منَا صالحًا للحياة.
وضع رأسه على الوسادة البيضاء، أغمض عينيْه لتفكيرٍ لا يدري ماهيتـه، لتفكيرٍ يشتدُ مخاضه بعقلٍ بائس، كيف أبتهلُ بحزني؟ لم أعتاد على إتاحة الحزن بيْ! لم أعتاد أن يتحدث بصوتي! يا نداء الحُزانى في مأذنـةٍ أندلسيـة فقدت إمامها، يا نداء الثكالى في محرقـةٍ عراقيـة يسمعُ صداها لعقُودٍ من زمنٍ ذابل لا يقف على عتبة وقت إلا ليحمل دقائقها ويدفنها، يا ندائي الخافت! بحَ صدرُ الحياة ولم يبق بنا صوت.
،
إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغمًا عنها تستلقي على الأريكة الشاسعة، سحبها من ذراعها بشدَة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة، أشعرُ وكأن أحدًا حشَر في حلقي طبقةً من النار، بعينيْن تجلدها بسياطٍ من النظرات اللامنتهية : لا تنتظرين مني أثبت لك رجولتي! لأنك لو كنتِ شيء له القيمة كان ممكن أبرر لك!!
ضاقت محاجرها بدمعٍ يغزو البياض حُمرةً : ومين قال أني أنتظر إثبات رجولتك ليْ! أنا ما أسألك عن مبرراتك!
بقسوة تُكمل : كلامي كان بصيغة خبرية ! شكَك في نفسك ماراح يغيَر من الموضوع شي . .
جنَ جنُونـه في وقتٍ لا يلتزم عقله بأيَ تفاوض للإتزان، صفعها بقوَة على حافةِ شفتيْها ليسدَ مجرى الكلمات المتعاليَة بصخبها : راح تندمين! . . على كل كلمة وعلى كل حرف!
رتيل بلعت دمعُها بحموضتِه، كابرت بأن لا يهتَز رمشها لتُردف بحدَة : وأنت راح تندم! قلتها بعظمة لسانك إحنا نقدر نتجاوزكم لكن أنتم الرجَال أبقوا في جهنمكم!! . .
عبدالعزيز : كيف بتتجاوزيني؟ خليني أتعلم من خبراتِك! . . أردف كلمته الأخيرة بسخريَةٍ لاذعة لعدم مقدرتها على تجاوزه طوال الفترة الماضية.
رتيل ببحـة : تحاول تذلني؟ . . وش القلب اللي عليك؟
عبدالعزيز احترق ببحتها الحادة: تقدرين تحكمين سيطرتك على قلبك؟ . . طبعًا لا وأنا كذا يا رتيل!
رتيل اندلع في عينيْها فوجٌ من الدموع لتذبل نبرتها المبحوحة : كذااااب! . . قلبك ما يقدر يضايقني بظل كلمة! . . . . . ما أعرفك ولا راح أعرفك! . . غلبني قلبي فيك.
عبدالعزيز ألان قبضته، بنبرةٍ خافتة : لا تحاولين ولا لمجرد التفكير أنك تضايقيني!! لأن لحظتها ماراح أضمن حياتك!
رتيل بتحدِ عينيْها وبإصرار الكلمات المتحشرجَة على لسانها : و لا تحاول تكسرنِي! .. طول ما أنا هنا صدقني ماراح تشوف يوم حلُو!! . .
سحبت نفسَها لتخرج من بين ذراعيْه، وقفت ليقف أمامها، لاصق جسدها بجسدِه ليحتَد صوته : محد يكسر نفسَه بنفسه مثلك!!!
رتيل بقسوَة أنثويـة : لو تعرف وش الجنون اللي ممكن أسويه إذا حقدت على أحد! لو تعرف بس كيف ممكن أمحيك من حياتي!!
عبدالعزيز تأمل الصدق/الشفافيَة التي تبُوح بها، أدرك أنها وصلت لأقصى مراحل الحقد والكُره : المسألة مو بإيدك! المسألة بإيدي وأنا اللي بحدد وجودك من عدمة بحياتي!
رتيل أخذت نفس عميق لتُثبَت عينيْها به : ماراح أحبسك فيني وأنتظرك تحنَ! ولا راح أمنع دموعي من أنها تبكي عليك! راح ابكِي لين تنتهي من داخلي! ولحظتها راح تعرف حجم خسارتك ليْ وراح أعرف كيف ممكن تجي النزوات ثقيلة!!
عبدالعزيز برزت عرُوقه بغضبٍ عالٍ، سحبها من ذراعها ليدفع بظهرها على الجدَار، أوجعها ليُحيط عنقها بقبضةِ كفه شديدة الحرارة، خنقها حتى شحب لونُها بالهواء الذي يطير من رئتيْها : مطلُوب أخاف منك؟ أو أفكر بأيش ممكن تسوين؟ . . بغضب تعتلي نبرته . . لا تتحدين شخص ما عنده شي يخسره!!!
رتيل تضع كفيَها على كفِه لتُبعده، شدَ أكثر حتى أحمرَت رقبتها، تركها بعد ثوانٍ حاول أن يُسكِن بها حدَة غضبه بروحها.
سعلت كثيرًا وأصابعه تنقشُ نفسها حول رقبتها، رفعت عينيْها بإتجاهه: هان عليك؟ . . صرخت ببحَة . . ليه؟
جلست على ركبتيْها، لم تعد تحتمل الوقوف أكثر وقلبُها يضطرب بنبضاتٍ لا تعرفُ إلى أين نهايتها.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليجلس بجانبها، بخفوتٍ واضح: ممكن أكون متناقض! ممكن أكون لئيم! ممكن أكون كذاب! ممكن أكون أيَ شي تتخيلينه لكن بخصوصك أنتِ أبدًا . . لكن غصبًا عنَي، مقهور! . . مقهور منهم كلهم
رتيل بضيق محاجرها المتلألأة: وش ذنبي؟ وش ذنبنا أنا وقلبك من كل هذا؟
عبدالعزيز : مالكم ذنب . . بس أنا ممتلي ذنوب . .
رتيل: عزيز
عبدالعزيز : يا روحه
رتيل ببكاءٍ يتصببُ من نهرٍ مجراهُ عيناها : سامح! سامح والله بيجبر خاطرك
عبدالعزيز: أسامح على أنهم بغمضة عين اخطفُوا منَي أهلي! أسامح على أنهم تركوني أهذي بغادة وهي تشوف نفس السمَا اللي أشوفها! أسامح على أنهم كذبوا عليَ بأكثر شي مشتاق له! أسامح على أيش؟ لو تدرين بس مُرَ الوجع اللي فيني؟ لو تحسَين بس بقدر أنك تفقدين أحد بفجيعة كذا! لو بس تعرفين أنه كل هذا مو بإيدي!!!
سَار بخطواته نحو الأريكة ليسحب معطفه والهاتف ويخرج، نظرت لمقبض الباب الذي يلتف ويُقفل جيدًا، وضعت يدها على رقبتها تتحسس الحرارة التي ارتفعت بها، ثوانٍ قليلة حتى يضطرب هدبها وتعُود لكنفِ بكاءها.
جلست على الكرسي لتُخفض رأسها ببكاءٍ عميق، اختر هواكَ يا عزيز، ومثل ما يشتهي هواكَ، عسى أن يقطع الطريق قلبًا عزَهُ هواه وأذلَه، إن نصيبي من دُنيـاك حلمٌ، و نصيبك من حلمِي وجعٌ، كيف ننتهي؟ كيف نتجاوزك؟ أنا وقلبي! كيف نتشافى مِنك؟ إني أؤمن بأن الحُب الذي يصلني بِك محفوف بالخواطِر، إني أؤمن أكثر بأن لا بُد أن نتغاضى ونتنازل، ولكن لا تُشرك إمرأة أخرى معي! لا تُشركها ونحنُ نولد بكيدٍ عظيم.أرجوك يا عزيز! لا تستفز شياطيني الأنثوية بها، أرجُوك لا تقتلني بوجودها، لا تقلتني بالنظر إليْها، لا تقتلني أكثر وأنا أُحبك أكثر وأكثر.
همست : أرجوك!!
،
تيبست قدماه مع الرنين المتكرر، تجمدَت كل خليَة مُتاحة للتفكير، عاد خطوتين للخلف، لا يعرف مالحل المُجدي بهذا الأمر، إلتفت عليها، نحنُ لا نملك القدرة على مُحاربة الأقدار، كل ما يربطنا بها حفنةُ صبِر. انتهينا! لا مدى يسعَنا ولا الأرض تحتمل وجودنـا معًا، نحنُ نموت جزءً جزءً، ننكسر ضلعًا تلو ضلعًا، نتلاشى كفُتاتٍ يصعب على الأرض أن تجمعنا، نحنُ نموت بصورة بطيئة مؤذيـة، كنت أريد دائِمًا أن تكونين آخر وجه أراه، كُنت أدعو الله دائِمًا أن تكونين في الجنـة وأصعدُ إليْك، كنت أطمع بحياةٍ أخرى معك في وقتٍ لم تدفع لي هذه الدُنيا ما يُكافىء حُبِك، أنتِ معصمي في هذه الحياة ومنذُ غبتِ لم أفعل شيئًا صالحًا بيدٍ مستأصلة جذورها! والآن؟ لا أعرفُ أعمق من قولٍ لأودعكِ به سوى " ردَيني لعيُونك " ، كان حُبنا حلمٌ تحقيقه بمتناول اليد، كان حُبنا أقوى من أن يُطوى، كان ما بيننا أعمق من أن تنسينه يا غادة! أعمق من أن يفلت من ذاكرتك! مُتنا، مُتنا منذً زمنٍ بعيد.
تقدمت إليْه بعينيْن مُحمرَة بدمعٍ يضيق بمحاجرها، همست : مين؟
ناصر بجمودِ ملامحه التي تُخفي وجعًا عظيم : الشرطة
غادة برجاء يُبللها بالدمع : لا تروح! .. سحبت يدِه لتضغط عليها بوجَع . . لا تروح!
ناصر بصوتٍ خافت يحبسُ صداه بقلبها : بقولك شي مهم . . .
أحاط وجهها بيديْه ليُقربها منه هامسًا : فيه شي ما قلته لك أمس، وهو مهم بالنسبة ليْ
غادة بعينيْن متلألأتيْن، اختلطت أنفاسها بأنفاسه القريبة منه، رمشت لتسقط دمعاتها مرارًا، ويهزَ البكاء غصنه تكرارًا
يُكمل تحت رنين الجرس المُزعج : تاريخ مستحيل أنساه وأبيك تتذكرينه حتى لو كذبْ! قولي اتذكره وأحفظيه بقلبك، 16 أوقست 2008 اشتركنا بالرسائل المستقبلية اللي تنظمها الجامعة . . كتبنا مع بعض كلام كثير وحطينا تاريخ وصوله بداية عام 2013 وقلنا راح نكون مع بعض ومرَ على زواجنا 5 سنوات . . كتبنا أحلامنا كلها . . بس نسيت أكتب شي وأبي أقوله لك الحين . .
اقترب ليُقبَل جبينها بحُبٍ بلغ في قلبه الشيء الكثير والكبير، بحُبٍ أصبح عذريًا نسبَة للنوى والغياب، نسبة لقومٍ عُذرة الذين أبكُوا أجيالاً من بعدِهم، هُم الذين بلغوا الهزَل والمرض حد الموت من أجلِ حُبهم الذي يحترق من شدَة الوَجد والصبابة، أغمض عينيْه.
أريد أن أسحب رائحتِك يا غادة فيَ، لا أريدك تموتين في داخلِي، أريدك حيَة لذاكرة لم تنساكِ لحظة ولن تنساكِ أبدًا، أوَد أن أستنشقك حتى لا يبقَ من هواءِ المدينـة غيرُكِ، أوَد أن أتغلغلُ بِك، بكل خليَة بجسدِي أريدك، لم يهرم حُبنا، لم تتحقق أحلامنا معًا، نحنُ الذين وعدنا بعضنا البعض أن نشيخ معًا، ولم أرى طفلي يا غادة! لم أراه. لم أُأذن بإذنه اليمنى وأُقيم باليسرى، لم أغرقه بقبلاتِي ولم ينام بحُضني، لم نسافر بعيدًا ونُقيم لحُبنا ضحكات هذا العالم بأكمله، لم نفعل أيَ شيء يا غادة!! يا فردوسِي بهذه الدُنيَا، يا جنَـتي، يا ضحكة الميلاد ومواعيده. أحبسي نفسك فيَ، لا أطمح لنهاياتٍ بالغة السعادة ولكن يالله أريد قُربها حتى لو كان وَجعًا إني راضي بوجعها، إني راضي يا ذو الكرمِ. إني راضي بإستبدادها وظُلمها ما دامت هُنا. يا صاحب الجلالة والفضلِ والقوة أرزق فقير الحظ من لطفك واكرمني بحُبها.
انهارت قوَاها وذبلت لتتشبث أصابعها بقميصه، غرقت به حدُ اللاإنتهاء، شدَت على صدرِه لتُغطي به وجهها المُبلل، استنشقت عطرِه الذي يُنقش بذاكرتها بصلاحية عُمرٍ كامل، حبست جسدِها بجسده وهي تبكِ، بكلِ دمعة هُناك رجاء أن لا تذهب، بكل دمعة هُناك حزنٌ يمدُ يدِه نحوك، بكل دمعة هُناك وَجدٌ ينسابُ إليك، بكل دمعة هُناك أحبك مُشرَدة.
ناصِر يهمس : اللي نسيت أكتبه . . كنت دايم أسأل نفسي وش فايدتي في هالحياة؟ بعدِك حسيت إني مجرد عدد زايد لا أفيد ولا أستفيد . . كنت دايم أقول يارب أرزقني الصبر على أنَي اتحمل اللي بقى من عُمري . . وبس جيتي! طلعتي لي مثل الحلم . . ما كنت أبي أنام أو تغفى عيوني دقيقة، كنت أخاف ما اصحى! ماألقاك جمبي، كنت أبي أستغل كل دقيقة معاك قبل لا ينتهي عُمري . . كنت أبيك هنَا وبالآخرة وبكل مكان راح أعيشَه، ما عدت أسأل ربي عن عُمري، انا كنت أحمد الله على كل دقيقة كنتِ فيها هنا . . قدام عيوني، . . اللي أبيك تفهمينه أنه . . مدَ الله بعُمري عشان أعيشَه معاك.
خرج أنينها موجعًا مؤذيًا لكل خليَة بصدره، سقطت حصُونها بآخر جملة، إرتخى جسدِها وكأن العظام ذابت وتبخرت، شدَ على ظهرها ليعانقها بكل ما يملك من قوَة، دفن ملامحه بعنقها، عاد لأصلِ الهوَى، لعنقها الذي هو المرجعُ في العشق والشِعر، صعد بقُبلاتِه نحو ملامحها ليهمس بالقُرب من إذنها : بحفظ قلبي بعد الله.
ستقرأين يومًا عن أحلامنَا المشتركة التي أصلُها إثنيْن وكان لا بُد أن يجمعنا ثالثٌ يحمل إسمِي ويحملُ ملامحك، ستقرأين يومًا عن الحُب الذي غادر ذاكرتك سريعًا، ستقرأين يومًا عن الحياة التي كانت لابُد أن تنصفنا ونجتمع تحت سقفها، ستقرأين يومًا عن هذيَان رجلٍ كتب لكِ عن أطفاله الذين لم يأتون و عن حياته التي لم تأتِ، ستقرأين يومًا أنني أحببتُكِ أكثر مما يجب لنفسٍ بشريَة، لا تحتمل كل هذا الغرام.
تركها ليُعطيها ظهره، أقسى ما في الوداع الإلتفاتة التي تُصعَب من أمرِه، سحب جاكيته ليأخذ نفَس عميق وبداخله ردد " اللهم أحفظها " ، فتح الباب ودُون أن تتحرك شفتيْه بكلمة سحبُوه ليُقيَدوا يديْه.
سقطت على ركبتيْها بمُجرد ما أن اختفى عن أنظارها، رحَل! كيف أدلَ طريقـه بعد الآن؟ هل سينتهي أمره بالسجن ثم الموت؟ وأنا؟ . . يا الله أستعيذُك من إنكساراتٍ أخرى لقلبٍ أمتلأ بثقوبـه/خدوشه. أستعيذُك يالله من الوجع أن يقترب من قلبه، لو أن الوقت يستطيل ويتيح لنا فرصَة واحِدة، فرصَة حتى أُخبرك بأنني أتحدى هذه الذاكرة والزمان الذي رحَل، إنني أتحدى كل شيء من أجلك، من أجل أن أعُود لأصلِي، أصلي الذي هو قلبك.
،
لا صوتٌ ينفذ سوَى رعشات الماء تحت القارب، ولا ضوءٌ يبرق سوى المصباح الصغير الذي على جانبيَ القارب، السكُون يهبطُ بسلامِه على الهواء الذي يُحيطهما والبرودة تُرجِف ملامحهم وتخرج كبُخارٍ أبيض من بين شفتيْهما.
نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبها بربكة عميقة، شدَت على جاكيتها بتجمُد من درجة الحرارة المنخفظة، شتت نظراتها خوفًا/رهبةً.
فارس وقف ليُثير كل خليَة في داخلها ويُغرقها برعبٍ شديد، رفعت عينيْها المرتجفتيْن لعلوِه و هيبـته المتسللة بجسدٍ تترجمه حواسَه، ثبتت نظراتها لعينيْه المُرَة كالقهوة والحُلوة بذاتِ الوقت.
مالذي تحاول أن تفعله بيْ يا فارس؟ عيناكَ لم تكُن يومًا شيئًا عاديًا حتى أتجاوزه! عيناكَ ثقافـة كُلما رأيتهما شعرتُ بأني أُميَة، عيناكَ موسوعة وأنا لا أحفظُ أمامهما إلا لحنِ إسمك الملتوي على لساني، مالذي تُريد أن تصِل إليْه؟ قلبي؟ أمرٌ أنتهينا منه. عقلي؟وقعنا على إستعمارك له في عقدِ زواجنا. هذه السماء التي تقف خلفك تُضيئني، أم أنت من تُضيء لي هذه السماء! أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ". تتغلغل بيْ وتتحكم بحواسَي، كل شيء يخرج تحت سيطرتي لتُسيطر عليه بإستحلال تام، أنا مُقيَدة تحت شرعيْتك، أعملُ بقوانينك أهمها ما تُمليه عليَ عينيْك، أنت تعلم! والله تعلم كم يبلغ مداك فيَ، تعلم وتثق بذلك مهما حاولت أن أنكر لك وجُودك في داخلي. عيناكَ كارِثة! لولا الخوف من الله لعبدتُها عبادة، عينَاك أمسيَة لولاها ما خرَجت علينَا الشمسُ ولا غربَت، عيناك يا فارس! لا أحتملُها.
فارس ابتسم لملامحها حتى بانت أسنانه : وين وصلتي له؟ . . جلس بمُقابلها، بقُربٍ شديد حد أن يلامس أقدامه أقدامها.
عبير أخفضت نظرها دُون أن تنظر إليْه : أفكر وش بيصير بعدين!
فارس : وش بيصير؟
عبير رفعت حاجِبها الأيمن : مدري!! وش بتسوي؟
فارس: عادِي! برجع لحياتي القديمة . . مافيه شي تغيَر
عبير نظرت إليْه بقُربٍ لا طاقة لها به، شتت نظراتها لتُردف : كيف حياتك القديمة؟
فارس: أصحى أقرأ أرسم أكتب وأنام
عبير : بس؟
فارس : بس
عبير بلعت ريقها بصعُوبة : كيف كنت تراقبني؟
فارس بضحكة : كم تعطيني عشان أقولك!
عبير ثبتت نظراتها عليه : أبي أعرف
فارس : وأنا أقولك كم تعطيني؟
عبير : ماعندي شي أعطيك إياه
فارس إبتسم : إلا عندك
عبير إبتسمت : أفهم وش تبي بس ماأبي
فارس غرق بضحكته ليُردف : ولا أنا أبي أقول!!
عبير نظرت لضفَة النهر البعيدة لتُعيد عينيْها نحوه : تحب الغموض في كل أمور حياتك!! حتى معلومة مستخسر تقولها ليْ.
فارس: على الأقل ما ما استخسرت أمر واقع ولا أنكرته
عبير شعرت أن دماءها تجلطت وتجمدَت، صمتت لا كلمات تطفُو على لسانها، كل شريَان يضخُ عجزه أمامك.
فارس بخفُوت : على فِكرة ماراح تمرضين ولا راح تموتين لو كنتِ صريحة شويَ مع نفسك
عبير تنهدَت : جايبني عشان تستدرجني بالحكي
فارس : ماأستدرجك على شي ماتبينه! من حقي أعرف
عبير بحدَة : لآ مو من حقَك
فارس : عبير! من حقي وأنتِ أكثر شخص يعرف أنه من حقي!
عبير : وأنا حُرَة بأني ماأتكلم
فارس : أنتِ عنيدة كذا مع الكل ولا بس معايْ ؟
عبير : ماني عنيدة . .
فارس: كل شي تنكرينه لو أقولك إسمك عبير بتقولين لا ماني عبير!! بس لمُجرد أنك تعانديني!!
عبير بسخرية : إيه أنا نفسية كذا . .
قبل أن يتحدث ثبتت نظراتها به لتُكمل : تسألني وكأنك توَك متعرفْ عليَ!!!
فارس : كِذا . . نفسية
عبير أشتعلت بقهرها لتصمت مشتتة نظراتها، يعرفني أكثرُ من نفسي ذاتُها، يحفظُ أدق تفاصيلي وأصغرها، ومع ذلك يحاول أن يسألني وكأنه لا يستطيع أن يستشفَ الأجوبـة من عيني.
فارس : بردتي؟
عبير بحدَة : إيه خلنا نرجع
فارس ينزع معطفه ليُغطيها دُون أن يترك لها مجال للرفض أو القبول، شدَه ليُقرب ملامحها من ملامحه هامسًا : خلَي عندِك أمور وسط وخيارات كثيرة
عبير اخترق عطره جيوبها الأنفيَة حتى شعرت بأن رائحته تجري بدماءها جريَان الأنهارِ والسيُول، هذا العطر يهزمني بصخبِه، على هواكَ يا فارس ننصبُ طريقَا ونغيَر جغرافيَة العالم بإمتدادِ صوتُك/رائحتك : شكرًا
فارس : عفوًا يا روحي
عبير خافت من إستسلامها له بهذه اللحظة، ارتعشت أطرافُها بحمرةِ الخجل التي صبغت ملامحها البيضَاء.
فارس : جزآ الله عن صبري الجنَة
عبير ضاقت حنجرتها بتحشرجاتها، بنبرةٍ ضيَقة : محد صبر غيري! كنت تعرفني وتعرف اهلي بكبرهم! وأنا حتى أول حرف من إسمك أجهله
فارس : وتحسبين أنه الوضع كان عاجبني؟ لكن كانت لي أسبابي!
عبير بإستهزاء : ماأتوقع أنك أول شخص إسمه فارس ولا آخر شخص عشان تخبي عليَ الإسم
فارس : المُشكلة أنك أكثر إنسانة جدية مع الكل! بس معايْ أكثر إنسانة تستهزأ بكل كلمة أقولها
عبير ابتسمت رُغمًا عنها،" تتحكم بإبتساماتي يا فارس! بكل حركَة أصدرها تملك سيطرتك عليها. "
فارس بضحكة : حيَ الإبتسامة اللي تطلع بالسنة مرَة
عبير بجديَة : لأني مقهورة منك! ماني مستوعبة كيف سنة وأكثر وأنا أشحذ خيالي عشان أخمنك! وآخر شي ببرود تبيني أتعايش مع الوضع طبيعي!
فارس : صححي معلوماتك! ماطلبت هالشي ببرود
عبير : وش تفرق يعني؟ بالنهاية أنت تعرف وأنا ماأعرف ولا شي
فارس: تفرق كثير . . احيانا نكون مجبورين على أشياء ما ودَنا فيها
عبير : من أضعف الإيمان أنك تقولي إسمك . .
صمتت، عادت لكنفِ السكُون، لا قُدرة على الكلمات أن تشرح حزنك في اللحظة التي تغصَ بذاتِ الكلمات، الكلمات التي كانت خلاصُك للإنشراح. كم ليلة شحذتُ بها عقلي حتى يُخمنك ويصوَرك. كم ليلة حاولت أن أرسمك بطريقةٍ أسطوريَة تليقُ بصوتِك الرجولي الذي هزَ ما كان وما سيكُون، صوتُك الذي زلزل قلبي بصخبِه. صوتُك الذي سمعتهُ مرَة وسرقني لعُمرٍ بأكمله، و لمحتُك لحظةً على شارع بمُقابل الفندق حتى توسدت تفكيري بعينيْك، لمحتُك وأنا أدرك فداحة اللمحة الآن، فداحتها التي تنتهي بظلالِ مقبرة يقودها والدك، لمحتُك يا فارس وزعزعت أَمني.
فارس: بس هذا ما يمنع إني كنت صادق
عبير انسابت دمعة تحت ضوء القمر من عينها اليسرى، نظرت إليه بضياءِ الدمع : تتحمل ضميرك يأنبك ليُوم؟ بتضيق الدنيا في عينك وتنام عشان تهرب من هالتأنيب . . كيف تتصوَر هالضمير لو استمر معك سنَة ؟ وأستمر كل دقيقة وكل لحظة!! جرَبت تغص بالحكِي وتحس حتى ضحكتِك ما عدت تملكها؟ مافيه شيء ضلَ على ماهو عليه من لحظة دخولك لحياتي!
فارس: كل شي له جانب سلبي . . وله جانب إيجابي
عبير: الحُب اللي ما يقويك ما هو حُب
فارس: وش اللي صبَرك كل هالفترة؟ مين عطاك هالقوة عشان تخبين على كل اللي حولك ؟
عبير: الله
فارس: بعده؟
عبير بوَجع: أنت تضعفني يا فارس!! ماكنت مصدر قوة بالنسبة ليْ
فارس: وأنا كنت أبيك، حاولت أمنع نفسي عنك بس مقدرت، ماعندي قوتك اللي خلتك تقطعين بالشهور عنَي، ماعندي هالصبر اللي يخليني ما أسمع صوتك ولا أشوفك . . ماعندي ولا شي من هذا!! رآس مالي بهالحياة قلبك! قلبك اللي هنَا . . أشار لصدره.
عبير بضيق: وهالقوة والصبر على قولتك ما خلتني أبتسم يوم!! ليه بخلت عليَ بكلمة أتطمن فيها؟ ليه لمَا شفتك بباريس أول مرة ما قلت ليْ شي! حسيت . . والله حسيت أنك تعرفني!
فارس: كنت بوضع مقدر أقولك فيه شي . . . ما اخترت أنا حياتي! مااخترت ولا شيء عشان تحاسبيني عليه.
عبير بدأت ملامحها بمقاومة البكاء الذي يفيضُ بها : طيب وأنا؟ خليتني أدعي على نفسي أيام وأكره نفسي شهور! . . . ما يحق لي أتضايق؟
فارس تنهَد : يحق لك تتضايقين! بس إلى متى؟ الحياة ماراح تنتظرك ترضين!
عبير: تنتظرني؟ تقدر تصبر؟
فارس صمت قليلاً ليُردف بكلمةٍ أجهشت عينيْها ببكاءٍ عميق : إذا كنت حيَ
عبير شدَت على شفتِها السفليَة حتى تقاوم طوفَان الدموع الذي يعبثُ بمحاجرها : ودَي أصدقك . . بس لأني عارفة أنك ممكن تنجبر على أشياء ماتبيها! وممكن منها تنجبر على شي يخليك تنساني!
فارس: الشي اللي ماتملكين سيطرتك عليه محد راح يسيطر عليه، حركاتك تصرفاتك أفعالك كلها أشياء أنتِ تقررينها وممكن تنجبرين عليها لكن قلبِك؟ أنتِ ماتملكين سيطرتك عليه كيف غيرك يملك سيطرته عليه؟
عبير رفعت نظراتها للسماء المتوهجَة بنجومها البيضاء: اللي سويناه غلط! رضينا ولا مارضينا! تعبانة من هالغلط . . لأنه بحق الله مو بحق أحد ثاني عشان أنساه!!
فارس: وصححناه، يعني تتوقعين كِذا أنه ربي راضِي عنك!! أنك تمنعين نفسك عن شي بالحلال؟ الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول وقاله لا تُحرم على نفسك ما أحله الله لك . . كيف أنتِ؟
عبير همست: صلى الله عليه وسلم
فارس: محد معصوم عن الغلط! كلنا نغلط . . لكن نصحح أغلاطنا . . صح أننا صححنا غلطنا بطريقة أقبح من الغلط نفسه لكن بالنهاية صححناه مهما كانت الطريقة . . ما أطلب منك شي يا عبير، ولا راح أضغط عليك بشي، كان يكفيني أحبك لو يوم بعُمري، كان يكفيني أني أعيش معك هاليوم.
عبير تبللت ملامحها برجفةِ اطرافها المتجمدة، شدَت على معطفِه الذي يُغطيها: تتنازل؟ تتنازل عني بسهولة؟
فارس شتت نظراته بعيدًا ليصمت لدقائق طويلة، بكل ثانية تسقطُ دمعة مالحة على خدها المُحمَر.
أردف: ما اقُول أنتِ قلبي ولا أنتِ حياتي ولا أنتِ جزء مني، ماأقول إنِك شيء عادِي ممكن أنساه، أنتِ تقاسميني نفسي، كيف أتنازل عن نفسي؟
ارتجفتْ شفتيْها، نظرت إليْه بدمعٍ يُضيء به وبعضه ينسكب، انساب حجابُها دُون أيَ ردة فعل لتوقف إنسيابه خلف ظهرها، تركت للريح مجرَى أن يتلاعب بشعرِها الطويل، تجمدَ هذا الكونُ بأكمله ولا رمشةُ تنقذ الموقف. لحظةُ صمتٍ عميقة تربطُ نظراتهما المتقابلة عشقًا/شغفًا/غرامًا/حُبًا. اندفعت الضرباتُ لصدرها الذي يرتفعُ بعلوٍ ويهبطُ بذاتِ العلو.
كيف يأتِ الإعترافُ صريحًا هكذا؟ حادًا بهذه الصورة! أشعرُ بحدائِق تتحشرجُ بأوراقها في رئتي، لا خريف يأتِ يقتلع جذورِي ولا ربيع يُساعدها على النمو، واقفة بالمنتصف أنا وقلبي. أنت ما كُتبت عنه غادة السمَان وصدقت، أنت الذي شهدت عليكَ ولولا عكازُ كلماتها لأنكسرت أمامك الآن " وإذا أنكرت حُبي لك، تشهد أهدابي على نظرة عيني المشتعلة حتى واحتك، وإذا تنصلت منك تشهد يدي اليمنى على اليسرى وأظافري على رسائل جنوني بك، وتشهد أنفاسي ضد رئتي وتمضي دورتي الدموية عكس السير ضد قلبي، وتشهد روحي ضد جسدي وتشهد صورتي في مراياك ضد وجهي، وتشهد الأقمار الطبيعية والإصطناعية ضد صوتي، وحتى يوم أهجرك أو تهجرني، لن أملك إلا التفاتة صبابة صوب زمنك لأشهد أنني أحببتك مرَة ومازلت " مازلت يا فارس.
اقترب أكثر، اغمضت عينيْها ليندفع الحلم نحوَها كإندفاع الدمع، أحاط يدِه خلف رأسها ليُخلخل أصابعه بشعرِها المُطلَ بعُتمته، لامسَت ملامحه السمرَاء بياضها ولا شهُود سوَى القمر وبضعِ نجومه.
استسلمت بلا أيَ مقاومة تُذكر، من فرطِ السعادة لا نملك القدرة على رؤيتها، نُغمض أعيننا لأن لا قدرة على الواقع أن يُرينا ضخامة ما نشعُر.
أغمض عينيْه ليمتزج بها حسيًا، إني أستودعُ ثغركِ وعودًا لا تكتبها سوَى القُبلات، إني أشهدُ على شفتيْكِ بغنَى وثراء ما قبلُ التاريخ وما بعده، إني أشهدُ على إختصار الكونِ فيك، وكل الكونِ أنتِ.
تعبرُ الدقائق ولا يُلقى لها بال، لم يكُن الزمن مُرًا في أشدِ اللحظات عُمقًا، إنما مرارته بالوحدة/العُتمة.
سقط معطفِه من على كتفِها لتنجرف بأكملها نحوه، وضعت يدها خلف عنقه باللاشعُور الذي يقودها، بكل كلمات الحب التي قيلت ومازالت تُقال، يكفيني يا فارس أن أُحبك لدقيقة وأن أتنفس أنفاسك، وأنا أُقاسمك هذا الهواء وهذا الفضَاء، يكفيني أن أختلي بك في وسطِ هذا النهر وليكُن أجمل يوم في حياتي، ولا يومٌ يضاهيه، ألتحمُ بِك بدوافعٍ أعرفها ولا أعرفها، بدوافعٍ لن أسأل نفسي عنها، بدوافعٍ إسمُها " أحبك " وكفى، يا لذة الوجَع منك! " يا حلوَه لا جا مِنك " أدركت تمامًا أنَ وجعي لذيذ ومُغرِي للغرق به، أعني الغرق بك.
اضطربت أنفاسُها بربكةِ قُربه/إلتحامه بها، ابتعد مقدارِ سنتيمتر واحد عن شفتيْها، ليُلاصق أنفُها أنفه، كيف بقُبلة أن يقف هذا الزمن بعيني؟ أن يتلاشى الجميعُ من عيني لتبقى الحياةُ أنتِ وماءُ عينيْك شَرابي؟ لن يجيء من بعدِك شخصًا له القدرة على إلمام الكون في ملامِحه ومُقابلتي. لن يجيء شخصًا يقف ويلتفُ الكون حوله. من أيَ الأرحامِ أتيْتِ حتى تحملِي قلبِي؟ يالطاعة التي أبذًلها كلما تأملتك وقلت " سُبحانه من أوجَد الفتنة في عينيْك ".
سنفترق يا عبير؟ هذا ما يطفُو على سطحنا، ولكن أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ".
فتحت عينيْها لتنظر إليْه بإضطرابِ الأنفاس المتبادلة، ما مرَ حلمٌ أو واقع، ما مرَ مطرًا قَدَرَهُ أنتْ.
فاضت ملامحها بالحُمرة، ولم يبقى بياضٌ سوى عينيْها المتلألأة بالدمع.
همس: مضطر! عشانك وعشاني، ولو بإيدي كان قلت أموت معاك ولا أموت من حياة بدُونك، . . آسف
عبير ببكاءٍ سلك مجراه على ملامحها، همسَت ببحَة : لا تروح!
فارس صعدَت دمعةُ لعينيْه، صعدَت بتقيؤ للوجَع، أنا الذي ضللت السير طوال حياتي ولم أحب سواكِ. كُتب عليْنا أن لا نجتمع مهما حاولنَا أن نقترب.
عبير بإستسلامٍ تام يختنق صوتها تدريجيًا ببحةٍ لم تُبقِ من لياقة الكلمات شيئًا يُسمع: فارس
فارس رفع عينه للسماء: مافيه شي بحياتي مستقر! مافيه إلا أنتِ.
عبير: محتاجتك . .
فارس بألم يتحشرجُ به صوته : آسف لأني مقدرت أكون زوجك
عبير أخفضت رأسها ليواسيها شَعرها على الجانبيْن، بكَت بلا أيَ محاولاتٍ للصمود، بكَت من مرارة البُعد والوداع، بكَت لأن لا شيء سيكُون على ما يُرام في يومٍ سيغيب به فارس.
،
وقف أمام الباب بتعبٍ وجُهدٍ استنزفه الجوُ البارد، ضغط على الجرسِ كثيرًا، تمرُ اللحظة واللحظة الأخرى ولا يتحرك من مكانه، مازال يضغط على الجرس حتى بدأت ملامحه تحمَر بالغضب، طرق الباب بقوَةٍ صاخبة، صرخ: ناااااااصر! . . . أدري أنك هنا! أدري أنك بباريس . . ضرب الباب بكفَه المتجمدة من البرد. واصل ضربه متجاهلاً الشقق التي بجانبه، واصَل حُرقته التي تصِل بضرباته، صرخ حتى بحَ صوته: نااااصر . . نااااااااااااااااصر
هرول إليه حارس العمارة سريعًا : أزيز؟ *عزيز*
إلتفت إليه ليُخبره الحارس قبل أن ينطق كلمة: ألم تعلم ماذا حصَل؟ قد أغلقته الشرطة وأتى أمرٌ بأن لا يسكن أحدًا حتى تنتهي مجريات القضية.
عبدالعزيز بفرنسيَةٍ أصبح يُبغضها و رُغمًا عنه لا يتخلى عنها : أيَ قضية؟
: لا أدري تمامًا ما حصل ولكنه قتل شخصًا وهرب
عبدالعزيز شعَر بأن العالم يدُور حوله والحارس العجوز يدُور أكثر : من الشخص؟ إمرأة؟
: لا أدري
عبدالعزيز بهذيَان تذكَر صوتُها: متى حصلت الحادثة؟
: قبل أسبوعيْن أو أكثر
تنهَد براحة وكأنه أمتلك العالم بكفَ يده: شكرًا
: بوردون
نزَل للشارع ليُفكر بأيَ مكانٍ من الممكن أن يذهب إليْه، سَار كالعابرين البائسين، يشدُ الخطوة ويسحبُ الأخرى والذبول يلحظه المارَة. لا تفعل هذا بيْ يا ناصِر!
تجمدَت خطواته ليقف بالمنتصف، و الأصوات تتداخل بمخيلته، حاول أن يستعيذ بالله ويتركُ هذا الأمر برمته خلف ظهره ولكن لم يستطع، لم يقدِر على أن يُصفي ذهنه من كل هذا.
مسك رأسه لينخفض بوَجع عميق : يالله ساعدني . . ساعدني يارب يا كريم . . .
بصداعٍ يُفتت خلاياه تنبعثُ أصواتهم، و صوتُ هديل الناعم والصاخب يسلبُ عقله، جلس على عتباتِ الدرج لينقبض قلبه بشوقٍ لهديل ولضحكة هديل ولروح هديل، يارب!
رفع عينه لسيارة الأجرة الواقعة أمامه ليقف بتعب ويتجه نحوها : إلى المقبرة.
: ولكن لا يُمكنك دخولها بهذا الوقت.
عبدالعزيز بحدَة : إتجه بي إليْها . . .
: حسنًا
نظر لساعته التي تعبرُ الفجر بساعاته الأولى، يالله كم يلزمني من وقتٍ حتى أتعايش مع موتكم/فقدكم، يارب أجبر كسر قلبي بفقدهم، يارب يا كريم عوضني بخيرٍ من عندِك في جناتِك.
مرَت نصف ساعة حتى وصل إلى عُتمةٍ لا يضيئها شيء، أعطاه أجرته ونزل، نظر لِمَن حوله، ليتجه نحو الناحية الأخرى، بحث في الأرض عن شيءٍ حاد يُدخله بالقفل، حاول أن يدفع الباب ولكن لا جدوى، نظر بنظراتٍ للجانبيْن حتى تسلق الجدَار ورمَى نفسِه على الأرض بمسافةٍ ليست بالمرتفعة، نفض ملابسه ليسير بخُطاه نحو الجهة الأخرى التي يحفظها، بكل خطوة كان يخرجُ الهواء من رئتيْه ولا يعُود، بكل خطوة كان يختنق أكثر.
جلس على ركبتيْه أمام قبرها، لا قوة لديْه تُسعفه أن يقف أمام هذا الألم المفجع.
" السلامُ عليكم دار قومٍ مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون "
صمَت ولا فكرة تدُور بباله، ينظرُ للتراب الذي يرقد فوقها ويفيضُ قلبه بحزنٍ لا تشرحه الكلمات ولا توازيه المعاني.
أخفض رأسه لتحمَر محاجره بملحِ الدمع، لا شيء يُبكينا بقدر الموت، لو أن الحياة تعود يومًا لمَا فرطت بدقيقة دونكم، لمَا تركت لحظة تأتِ وأنتم لستم معي، لمَا غبت.
لو أن الحياة تعود يومًا يا هديل وأشرح لكِ عن وجع غيابك،" أشتقت! اشتقت لك كثير. وكيف ألتقيك؟ لو أنِي أقدر أشوفك أو بس ألمحك! لو بس أملك هالمعجزة اللي تخليني أسمعك. "
وضع رأسه على الصخرة التي ترمز لقبرها، انسلخ من جلدِه ولونه وشخصه وكبرياءه وعاد لأصله، أصلُ البشر بكاء منذُ أن خرج من رحمِ أمه ليواجه هذه الدنيَا.
كل شيء بعدكم يحمل الإفتراضات و " لو " لا شيء حقيقي يُسعدني، وأنا والله العظيم لا قُدرة ليْ على الحياة بعدكم. يارب أسألك بكل إسمٍ سميت به نفسك ذكرته في قرآنك أو على لسان أحدٍ من خلقك أو أخفيته في علم الغيب عندِك لحكمة منك لانعلمها، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الحياة.
،
السَاعة الثامنة صباحًا -/ باريس.
خرج من المطَار ليتنفس هواءً بارِدًا يُدفىء خلاياه المشتاقة لهم، هذه البرودة لا تعني شيئًا أمام حرارة الشوق، ولا شيء يعتلي سقف العائلة، لا شيء له القدرة أن يوازِي مقدار العائلة، هذا الشتات، شتاتكم تحديدًا يعني أن يُكسَر في داخلي ضلعًا تلو ضلع، يارب المم شتاتنَا وبعثرتنا.
إتجه نحو نايف ليُسلم عليه بحرارة : الحمدلله على السلامة
عبدالرحمن : الله يسلمك . . شلونك يابوي؟
نايف: تمام . . خليت سالم في البيت
عبدالرحمن : ليه وين عبدالعزيز؟
نايف: طلَع . . خلنا نستعجل قبل لا تمسكنا الزحمة
عبدالرحمن عقد حاجبيْه ليركب السيارة بجانبه، ربط حزام الأمان ليُردف : فيه شي صاير؟
نايف: كل الأمور تمام
عبدالرحمن : وعبدالعزيز؟
نايف بتوتر تنحنح : بخير . . حرَك السيارة ليأتِ سؤال عبدالرحمن مزلزلاً لكل كذبَة يُغطي بها ما حدث: هذي سيارتك؟
نايف: لآ . . لسالم
عبدالرحمن صمَت لينظر للطريق المزدهر بخضاره وقلبه يبتهلُ شوقًا لعائلته. تمرُ الدقيقة تلو الدقيقة ويفيضُ قلبه شوقًا أكثر/أعمق، كل الأفكار تنسحب وتبقى فكرة واحدة " عائلته " . . رتيل، عبير، ضي.
بعد 45 دقيقة انقضت بطريقٍ طويل نحو البيت الخشبِي الذي لم يراه عبدالرحمن مُسبقًا، ركن سيارته لينزل، سلَم على سالم ليلتفت نحو نايف: تقدرون تآخذون إجازة اليوم بكون هنا
سالم: الحمدلله على سلامتك قبل كل شي
عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . إتجه نحو الباب ليفتحه بخفُوت، طلَ للجهة الأخرى ناحية المطبخ المكشوف على الصالة، نظر لظهرها وهي تتكىء به على الطاولة وتُحرَك الملعقة وسط الكُوب. لم تشعُر بخطواته خلفها وتفكيرها غارق حدُ اللاشعور بشيءٍ آخر وبطنُها ينتفخ بشهورٍ أولى، بدأ الحملُ يظهر عليها ويزيدُها جمالاً مهما شحب لونُها وانصهر، تبقى الحياة تُبَث بها لأن بداخلها حياةً أخرى.
: صباح الخير
إلتفتت بلهفة لنبرةٍ تحتلُ قلبها، ارتجفت شفتيْها لتتجه نحوه بعناقٍ جعلها تقف على أطرافِ أصابعها، سحبت رائحته بداخلها وهي تستنشقُ الهواء الذي يعبرُ عنقه، فاض قلبُها ببكاءٍ ممتلىء بالسكينة، فاضت رُوحها بالشوق وهي تتشبثُ به كطفلةٍ أضاعت سبيلها، " وجُودك بجانبي يكفيني! يكفيني عن هذه الحياة بأكملها، لو تعلم كيف لمزاجيَة قلبي أن تتبعثر وتصطدم بحدَة التفكير لمُجرد أنك لست هُنا! لو تعلم فقط كيف تتلعثمُ روحِي دُونك؟ وأنك الطريق الأوضح على الإطلاق! وأنك صوتي يا عبدالرحمن، صوتي الذي لا يُبَح أبدًا ".
: اشتقت لك
عبدالرحمن بإبتسامة: وأنا أكثر . .
تشبثت به بطريقةٍ تُثير كل خليَة حانيَة في جسدِ عبدالرحمن، لستُ على ما يُرام! لا شيء يسير بخير طالما أنك لست هُنا، لا شيء يا عبدالرحمن يسدَ مكانك.
شدَ على ظهرها وهو يشعرُ ببكاءِها الذي يهزُ قلبه قبل كل شيء: ليه البكِي؟ . . ضي!!
ضي: مِحنَا بخير!!!
عبدالرحمن يُبعدها ليُحاصر ملامحها الباكية بكفيَه: الحمدلله على كل حال . . كل امورنا راح تتصلح بإذن الكريم . . إلتفت ليبحث بعينيْه عن رتيل : . . وين رتيل؟
ضي بضيق: طلعت مع عبدالعزيز
عبدالرحمن: متى؟
ضي: أمس
عبدالرحمن عقد حاجبيْه: كيف ما رجعت؟ وين راحوا؟
ضي هزت كتفيْها باللاأدري : عبدالعزيز مو على بعضه في اليومين اللي راحوا
عبدالرحمن: رتيل معها جوالها؟
ضي: لا لمَا غاب عبدالعزيز آخر مرة أخذه معه وما رجعه
عبدالرحمن تنهَد ليبتعد بخطواته متجهًا للخارج، اقترب من نايف: وين عبدالعزيز؟
نايف: قالي بيرجع بس ما رجع وماحبيت أشغل بالك!!
عبدالرحمن بغضب: كان لازم تعلمني! . . الحين وين نلقاه؟
نايف: تطمَن ماهو عند رائد ولا غيره . . لكن بالضبط مقدرت أوصله
عبدالرحمن مسح على وجهه بتعبٍ وإرهاق: من وين طلعت لنا هالمصيبة بعد!!!
نايف: الحين راح أدوَر عليه داخل باريس يمكن أقدر أوصله،
عبدالرحمن صمت لتتداخل الأفكار بعقله، تحديدًا الأفكار الأشد سوءً.
: ما قالك شي؟ كِذا فجأة قالك بطلع
نايف: لأ . . حصل شي غريب، جاه ظرف ومنعني إني أفتحه، خذاه ومن عقبها انقلب حاله
عبدالرحمن شتت نظراته لتثبت للغرفـةِ الخارجة عن البيت، أتى صوتُ نايف منبهًا: هنا كان ينام
اقترب بخطواته ليفتح الباب ويدخل، نظر للمكان المبعثر حتى سقطت عيناه على الأرض، على الصور المشتتة.
انحنى ليأخذها بملامحٍ تشتدُ غضبًا، قرأ الورقـة ليعجنها بكفَه المنتشي غضبًا، تنهَد راميًا الورقة على الأرض: مجنون!!!!
جلس على طرف السرير ليضع يدِه على رأسه، كل الأمور تسوء! ما أن نخرج من مصيبة حتى ندخلُ في أخرى! ماذا تفعل الآن يا عزيز، أعرف تمامًا ماذا يدُور في عقلك هذه اللحظة. يالله أرحمنا!!!
،
يُدخن سيجارته ليجلس أمامه بساقٍ ترقدُ على ساقٍ أخرى: أكرر سؤالي مرةً أخرى
ناصِر بتظاهر يتحدثُ بركاكة إنجليزية : لا أتكلم الفرنسية ولا الإنجليزية
: يبدُو أنك لا تفهمني جيدًا! سجلك وافر بشهادات اتقان اللغة . . لذا لا فرصة لك بالكذب
ناصر: لا أفهمك
بغضب: اجبني قبل أن اتخذ بحقك عقاب يمنع عنك النوم!!
ناصر ببرود: لا أفهم شيء
: حسنًا! في حال حُكم عليك بالمؤبد قُل لهم أنني لا أفهم لغتكم!
ناصر بإستفزاز : من دواعي سروري
اقترب منه الضابط ليلكمه على شفتِه: إياك! إيَاك أن تستفزني
ناصِر: ما أفهمه من لغتك أنني لست قاتل
: سأقول لك شيئًا وتذكره جيدًا . . لن تخرج من هنا إلى لقبرك.
ناصر سعَل من بحَة البرد الذي يُداهمه : شكرًا لمعلومتك
جلس الضابط الفرنسي خلف مكتبه: هروبك إلى لندن سيُكلفك الكثير
ناصر أسند ظهره متجاهلاً صوته البغيض، الضابط: ألا تملك شخصًا نتصل به؟
ناصر: لا
الضابط: أين والدك؟
ناصر: ليس هنا!
الضابط: أنا اسألك أين هو ولا أسألك إن كان هو هنا!
ناصر تنهَد بغضب ليعُود لصمته دُون أن يجيبه بكلمة، هذه الحياة تتخلى عنَي للمرة الثالثة، لم أكن أحتاج أن يقف معي أحدًا، تشافيْت تمامًا من الخيبات والصدمات التي مازلتُ أتعرض لها، تشافيْت من النهايَة التي تجيء ببطءٍ يقتلني! تشافيْتُ من الإنكسارات التي تغدرُ بيْ، تشافيْتُ من كل هذا ولكن لم يكُن شفاءِي بلا مقابل! دفعتُ مقابله اللاشعور، لم أعد أشعرُ بأيَ فرح! لم أعد أُدرك أعراض الفرح ذاته، وقلبي؟ فقدته تمامًا. أنا أموت! بطريقةٍ بشعة.
،
نظر للسقف يحاول بشتَى ما يملكُ من قوَة أن يخرج صوته مناديًا، لا أحد حوله/بجانبه، مهما علَى صوتُه لا أحد يسمعه، احترق جوفـه بإختناقٍ لا قُدرة له عليه، اضطرب صدره الهابط/المرتفع، شدَ بأصابعه على السرير، يحاول أن يتمالك نفسَه ويقاوم هذا الغرق، يدعُو الله أن يدخل أحدًا لينقذه الآن، يبتهلُ قلبه بأن يدخل طبيبًا أو ممرضًا ويُسعفه، في كل لحظة يزيد به الألم كان يزيد بغرزه لأصابعه على السرير، في كل لحظة يزيدُ به الوجَع كان يأتِ صوتُها الملائكِي بآيات السكينة، في كل لحظة كان صوتُها يقرأ " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم ولله جنود السماواتِ والأرض وكان الله عليمًا حكيما " لا مخرج هذه المرَة، ولا خلاص.
الذي أشعرُ به، تحديدًا إنقباضاتِ قلبي في هذه اللحظات، هل هي سكرَاتُ الموت؟
يأتِ صوتُها مرَا يالله، يأتِ صوتها بأكثرُ الآيات تأنيبًا " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونُفخ في الصور ذلك يوم الوعيد "
أخذ نفس عميق يحاول أن يستنشق الهواء اللازم للتنفس بصورة طبيعية، ولا محاولة تُجدي وتُفيد.
تفجرَت عروقـِه بحُمرة ملامحه التي تضيق وتختنق بشحُوب، يراهم! يقسمُ بالله أنه يرى ما حوله ولكن لا قُدرة له على مناداةِ أحد. يكاد يجزم أن طوال حياته لم يشعرُ بوجعًا قدر هذا الوجع الذي يقتلع حنجرته وقلبه ببطءٍ لا تتحملهُ الروح، يالله أسألك سلامًا.
اصطدم فكيَه بصريرٍ مؤذي، تقف الغصَات وتقبض على عنقه لتخنقه بشدَة، لا مفَر من الموت، لا مفَر!
أصعبُ لحظاتِ حياته يشعرُ بأنه يواجهها الآن، حاول أن يضع يدِه على عنقه ولكن حتى يدِه تجمدَت في موضعها، يشعرُ بطعم الدماء التي تعبثُ بفمِه، يشعرُ بالقلب الذي يقتلع من محاجره، يشعرُ بأن شوكًا ينهشُ بكل جزءٍ من جسدِه، كل قوةٍ زائلة ما دامت هي في يدِ الله.
حاول أن ينطق الشهادة، حاول حتى لويَ لسانه، ضاقت محاجره حتى تدافع الدمعُ بفوجٍ عميق، تحشرجت روحَه وهي تعبرُ حنجرته كصوتٍ ركيك جاهد أن يتسلق الشهادة. لم يستطع! لم يملك الحياة الكافيَة حتى يقول " أشهدُ أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله "، فقد الهواء اللازم ليدفَع بها كلمات الشهادة على لسانه . . فقد الحياة.
ارتخت أصابعه المشدودة على السرير، وهدأ إضطرابِ صدره حتى سكَنت أنفاسه بنظراتِه الذابلة الأخيرة، كان الموتُ جديًا أكثر من اللازم.
وضع الممرض يدِه على يدِ السلطان الباردة ليلفظ بخوف: سلطان . . سلطااااااااان!!! . . . . . إلتفت مناديًا . . دكتووور أحمد . . .اقترب الممرض من كوب الماء ليُبلل يدِه ويُبلل ملامحه الشاحبَة المختنقة، بنبرةٍ أخوية حانية: بسم الله عليك . . استعيذ بالله هذا كابوس!!
نظر لمَا حوله ولا شيء يشعرُ به سوى وجعُ قلبه هذه اللحظة، وضع يديْه على رأسه المنفجر بصداعه، بربكةٍ عميقة، تعلق عقله بفكرة أنه لم يستطع نطق الشهادة في موته، يحاول أن يستوعب حاله الآن! هل ما يمرَ به حقيقة أم كابوس/حلم! هل ما يحدثُ له الآن واقع.
استعدل حتى حاول الوقوف ولكن منعه الممرض الواقف بجانبه: ارتاح
سلطان المتعرق من كابوسٍ لم يرى مثله أبدًا: بس بتوضأ
: تحتاج مساعدة؟
سلطان هز رأسه بالنفي متجهًا للحمام، وقف أمام المغسلة مستندًا بذراعيْه، ليتعرَى بجروحه أمام المرآة، اختنقت محاجره من هول ما رأى، لمُجرد الحلم شعَر بأن روحه تُقبض كيف لو كان حقيقة؟ يالله! كيف سيأتِ الموت! ماذا لو أتى ولم أكن مستعدًا! هذا حلم ولكن المرة المُقبلة لن يكون حلمًا.
بدأت أفكاره تتشتت، لتتوسدَه مسألة الأمن التي تتذبذب في الفترة الأخيرة وهو مؤتمن عليها، بلل ملامحه بالمياه الباردة، يحاول أن يُهدأ روَعه ولا فائدة، كل خليَة في جسده ترتجف.
توضأ ليخرج، رفع عينِه للممرض: راح أطلع الحين!!
الممرض: إيه بس . . حالك ..
قاطعه: تمام . . . تحامل على كل شيء ليتوجه ناحية القبلة، بأولِ سجدة وأول دعوة لله، أتتَ بنبرةٍ مجروحة من بكاءٍ لا يخرج " اللهم أحفظ بلادنَا بحفظك وآمنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها ومابطن، الله عليك بأعداء الدين والمنافقين ومن ولاهم ومن عاونهم، اللهم أحفظ أرضنَا وأرض المسلمين بعينك التي لا تنام، اللهم أدم أمننا واستقرارنا، يارب يارب يارب أخلف لنا خيرًا ممن فقدنا ومُدَ حماةِ الأرض والدين بالقوة والمعونة. "
خفت! خفتُ على أمنٍ يتزعزعُ بلحظة، خفتُ على أرضٍ أن تُسلَب، خفتُ على خرابٍ أن يبعثرها، خفتُ للمرةٍ اللاأدرِي على الشهادة التي تعتلي العلَم، خفتُ عليْها من أن تتلوَث!
،
جلسَت أمامه دُون أن تنطق كلمة من هول الكلمات التي لم تعرف منها ولا شيء، لابُد أن أصارحه بأنني أكذب! هذا الحال لا يُمكنني أن أستمر عليه، يالله على غباءي في اللحظة التي كذبتُ بها عليْه، يالله على غباءي كيف أصحح الأفكار الخاطئة التي يأخذها عنَي، كنت أعلم والله أنني أستحق رجلاً طائشًا أطيش معه وليس متزنًا يغلبني معه.
فيصل :الله يعين
هيفاء: آمين
انشغل بأوراقٍ مبعثرة على مكتبه، لا يرفع رأسه من الثغرات المتورِط بها بفعلِ ناصر، تبقى له من الشهر 17 يوم إن لم يُحلَ الأمر سيُفضح بإتجاهه إلى السجن، أخذ نفس عميق ليُعيد قراءة ما بين يديْه، يتجاوز الأسطر لينظر للحسابات البنكية المتعامل معها وعيناه تقرأ لغة الأرقام.
تُراقب حركاته وتفاصيله الصغيرة بالتفكير، أصابعه التي تحكَ جبينه للحظاتٍ طويلة وفرقعة أصابعه بين كل لحظةٍ والأخرى، تنهَيدته الطويلة التي تأتِ بعد عملٍ مُتعبًا، تحاول أن تحفظه بقلبها وعينيْها.
هيفاء وقفت: راح أجيب لك قهوَة . . خرجت لتنزل للأسفَل، نظرت لريف التي تلعبُ بألعابها في منتصف الصالة، بحثت بعينيْها عن أم فيصل ليأتِ صوتها مقاطعًا للعبها: ريف
إلتفتت عليها، أردفت هيفاء : وين ماما؟
ريف: راحت
هيفاء أمالت فمِها لتتجه نحو المطبخ، تحتاج أن تتعرف عن فيصل من خلال والدته، دقائق قليلة حتى ملأت الكوب بقهوةٍ مُرَة، صعدت به وبُخارها الحارَ يسبقها، وضعته على الطاولة أمامه.
فيصل: شكرًا
هيفاء: العفو . . رفع عينيْه على صوتِ الهاتف الذي صخب برنينه.
هيفاء: خليك بشغلك أنا برَد . . راقبها بنظراته إلى أن إتجهت نحو الهاتف، رفعته : ألو . . . إيه . . . . . . . لزمت الصمت بربكةٍ تامة . . . نظرت إلى فيصل الذي يخفض نظره ناحية الأوراق، بلعت ريقها بصعُوبة حتى نطقت : فيصل . . .
رفع عينه : مين؟ . . . أنتبه لملامحه ليترك القلم ويتجه إليْها، أخذ السماعة : ألو . . .
لم يأتِ صوتًا واضحًا، ليشتَد صوته بحدة : ألو!!!!
: مبروك الزواج . . ليتك قلت لنا نسوي معك الواجب!
فيصل أشار لهيفاء أن تخرج، بخطواتٍ مرتبكة إتجهت نحو الغرفة المرتبطة بمكتبه ببابٍ فاصل، جلست على طرف السرير وقدمِها تهتَز من الكلمات التي زعزعت سكينة قلبها " زوجته؟ ماشاء الله تزوَج ولا قالنا !! زوجك من أولها باع العشرَة! . . " أيَ الأصدقاء هذا الذي يُحادث زوجة صديقه بهذه الوقاحة! من المستحيل أن تكون طبيعة أصدقاءه بهذه الصورة.
في جهةٍ أخرى يلفظ بحدَة : عُمر كلمة وحدة ماراح أكررها كثير لو أتصلت عليَ هنا ما تلوم الا نفسك! لا تجرَب تستفزني عشان ما أجرَب أذبحك
عُمر: معليش يا عريس شويَة تفاهم داخل علينا بقوَة! عندي لك موضوع يهمك
فيصل: وأنا عندي لك ******
عُمر غرق بضحكته ليُردف بإستفزاز: تؤ تؤ!! هذا حكي يطلع من فيصل ولد القايد!!
فيصل بعصبيَة: أقسم لك بالله لو جربت تلعب بذيلك معي لاأقطعه لك
عُمر بجدية : أنا أبي أساعدك! شفت توريطة ناصر لك وماهان عليَ
فيصل ابتسم بسخرية : على اساس أنه ناصر متصرف على كيفه! لا تلعب عليَ ولا ألعب عليك!! ألاعيبكم حافظها
عُمر: بكرَا راح تنسحب الدعوى اللي ضدِك!
فيصل: وش المقابل؟
عُمر بضحكة: وش متوقع أبي منك؟
فيصل: لا يكثَر وأخلص عليَ
عُمر: أبي بعض الأوراق من عبدالله اليوسف
فيصل: روح لبومنصور وقوله أبي الأوراق! ماني وسيلة لك
عُمر: أكلمك جد!! ماهو وقت مصخرة . . أنا أحتاج هالأوراق ومتأكد أنه بومنصور يعرف مكانها
فيصل: مقدر أجيب لك شي! . . ولا تتوقع أني بساعدك بشي!!
عُمر: أجل صبَح بكرا على الشرطة اللي راح تحبسك بديون مقدرت تسدد ربعها!
فيصل بغضب: عُمممر!!!
عُمر: جرَب تساعدني وراح أساعدك
فيصل زفَر براكينه ليلفظ بين كومةٍ حادة تخنق صوته : تخص إيش الأوراق؟
عُمر: أسماء موظفين يشتغلون عند رائد، أنسرقت قبل يومين من بيته وهي موجودة عند بومنصور!
فيصل: بتفهمني أنه الي سرقها بومنصور!!
عُمر: لأ لكن وصلت له
فيصل تنهَد: تطلب مني شي صعب!!
عُمر: ما يصعب عليك . . عن طريق زوجتك
فيصل: وش عرفك عن زوجتي؟
عُمر بضحكة: أنا ممكن أتظاهر لك بالغباء بس ولا يدخل في مخك للحظة إني غبي!!!!!
فيصل بغضب: طلبك مرفوض!!
عُمر : تحمَل اللي بيجيك
فيصل صمت قليلاً ليُردف :إذا عشت لبكرَا إن شاء الله
عُمر بضحكة عميقة : يعجبني أنك واثق بمسألة موتي! بس بخليك تثق بقدراتي بعد . . إتصال مني ينهي لك بيتك بكبره!
فيصل: يؤسفني والله إني أنزل من مستواي عشان أوصل لمستواك وأقول على *** . . أغلقه في وجهه ليأخذ نفس عميق يحاول أن يُهدأ به أعصابه، أخذ هاتفه المحمول ومفتاحه ليتجه نحو الباب، تراجع بخطواته لغرفته، نظر لسكينتها التي ترتدِي عقلها بتفكيرٍ عميق : هيفا
رفعت عيناها دُون أن تنطق كلمة، : أنا طالع . .
هيفاء بتوتر تُشتت نظراتها بعيدًا عنه : طيب
نظر إليْها ليرفع حاجبه : فيك شي؟
هزت رأسها بالنفي ليخرج بخُطى سريعة، أخرج هاتفه المحمول ليثبته بكتفه وهو يفتح باب سيارته : عُمر هددني!
،
بحرَج يحاول يُغلق الموضوع برمته بعد أن تم فتحه بطريقةٍ لم يتوقعها : لآ أكيد . . هي أم زوجتي
الضابط رفع حاجبيْه: بس الواضح مثل ما قلته
منصور: يعني كان فيه إتصالات بين يزيد وفهد؟ قبل وفاته؟
الضابط: إيه ومن جوال أمه
يوسف بضيق: طيب ما أظن حكي أمه بيغيَر شي الحين! سواءً كانت تعرف أو ماتعرف . . بالنهاية يزيد هو اللي قتله ولبَس التهمة لمنصور
الضابط: هي تحايلت وغيَرت مجرى قضية كاملة!
يوسف بغضب لم يسيطر عليه: أنا وش دخلني الحين بأنكم تجيبون أمه!
منصور يضع يدِه على كتف يوسف وبحدة : يوسف!!!
يوسف تنهد : أستغفر الله بس
الضابط: إحنا راح نسوي اللي علينا ومضطرين نعتقل الأم
يوسف بحدَة : كيف تعتقلونها! هذا ولدها مستحيل تضرَه، ممكن تكلمت من خوفها .. بس بتجرَ وحدة بمقام أمك لهنَا وبتدخلها بين الرجال!! . .
الضابط : أتمنى يا أخ يوسف ما تنسى نفسك
يوسف بعصبيَة بالغة : أنا ماني موافق! ولا من المعقول انكم بتجيبونها
الضابط: ومين قال أننا ننتظر موافقتك؟
منصور: يوسف قوم!!
يوسف: ماراح أتحرَك . . يجي أبوي ويتفاهم مع مقامك السامِي . . أردف كلمته الأخيرة بسخرية/إستهزاء
الضابط: أخ يوسف أنت كذا بتخليني أحتجزك عندنا لمخالفتك القواعد
منصور وقف بغضب: يوسف قوم!!!
يوسف يخرج من المكتب بخطواتٍ غاضبة، إتجه نحو الخارج ليلتفت يمينًا نحو سيارته، إقترب منه منصور: مجنون! تبي تورطنا بعد!!!
بغضبٍ كبير يقف أمامه: تحمَلت سخافاتكم بهالقضية بما فيه الكفاية! ترضى على أم نجلا ؟ ماراح ترضى بس يوسف تآكل تراب وترضى
منصور: كان راح نقدر نوصل لحل لو ساكت ومخلينَا نتفاهم مع الضابط
يوسف: ماني مجبور أتحمَل أغلاطك يا منصور! . . ركب سيارته ليُغرق منصور بغضبٍ بالغ، إتجه نحو سيارته التي تركنُ بجانبه ليلحقه.
،
صعد الدرج الذي شعَر وكأنه مبنى شاهق يتسلقه، رفع عينه لينظر لجسدِها الواقف أمام الباب، إلتفتت عليه بلهفة، وضع قدمِه على آخر عتبَة حتى اندفعت إليه وعانقتها بشوقٍ كبير هامِسَة: وينك كل هالمدَة! يالله يا عزوز خوفتني عليك . .
عبدالعزيز تنهَد : أنشغلت شويْ . .
ابتعدت قليلاً لتنظر لملامحه الشاحبَة: وش فيك؟ صاير شي؟
عبدالعزيز: لا . .
أثير: طيب طمني عليك؟ وش مسوي؟
عبدالعزيز: كل أموري بخير . . رتيل هنا
أثير أتسعت محاجرها بالدهشَة : نعم!!!!
عبدالعزيز يقترب من الباب ليُخرج مفتاحه، من خلفه: كيف هنا؟ كيف تجيبها يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز بتعب: مافيني حيل أتناقش معك! بتكون هنا وياليت ما تقربين لها بكلمة
أثير بغضب: يعني تتركني فترة لا أعرف أرضك من سماك بعدها تجيبها ليْ وتقول لا تقربين لها! ما تراعي شعوري أبد
عبدالعزيز: أثير!!
أثير بعصبية: عبدالعزيز الحين توديها لأيَ جهنم مالي أيَ علاقة فيها! ماتجمعني معها في مكان واحد
عبدالعزيز بغضب يلتفت نحوها، شدَها من ذراعها : كلمة ثانية وأقسم بالله . . أستغفر الله بس
أثير ارتعبت لتصمت دُون أن تهمس بحرف، فتح الباب لتدخل، بحث بعينيْه عنها ليراها منحنيَة تُغلق حذاءها، رفعت عينيْها نحوه، لتشتَد حدتها بمُجرد أن رأتها.
جلس على الأريكة دُون أن يبالي بأيَ واحدة منهن، أثير تنهدت لتُعلَق معطفها خلف الباب والسكارف، جلست بجانبه : وين كنت فيه؟
عبدالعزيز: هنا
أثير بضيق ينخفض صوتها: هنا وما تسأل عني!!!
عبدالعزيز: جوالي طاح في النهر وماطلعت جوال جديد!
أثير رفعت عينها لرتيل، ألتهمتها بنظراتها، رُغم أنها كانت تشعر بأن رتيل ليست بالمنافسة لها إلا أنها تشعرُ الآن بأنها تفوقها جمالاً/فتنةً.
إلتفتت لعبدالعزيز لتلتصق بجسدِه: اهم شي إنك هنا . .
رتيل وقفت ولو جلست للحظة لن تتردد بأن تدفنها حيَة، تشتدُ غضبًا وكرهًا لها : ممكن تفتح غرفة من هالغرف عشان أدخلها!
عبدالعزيز: كلهم مقفلات؟
رتيل تعلم أنه يستهزأ بها : إيه
عبدالعزيز: وش أسوي؟
رتيل بحدَة: يعني كيف؟
عبدالعزيز رفع حاجبيْه: وش اللي كيف؟
رتيل بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف: على فكرة مسألة أنك تقهرني باللي جمبك أمر أنساه! فعشان كذا تكرَم وأفتح لي غرفة من الغرف!!!
أثير بضحكة مستفزة : إسمي أثير مو اللي جمبك! . . عيب يا بنت عبدالرحمن آل متعب تقولين مثل هالحكي!
عبدالعزيز إلتفت لأثير بحدَة جعلتها تصمت، أعاد نظره لرتيل: أظن أني وصلت لك الفكرة أمس!
رتيل بغضب: أوكي وأنا أوصلك فكرة أني مجنونة أحرق لك البيت باللي فيه لو ما تركتني بمكان ماأشوفك فيه أنت وياها!!
عبدالعزيز تجاهلها تمامًا ليُشتت نظراته بعيدًا.
تحاول أن تقتلني يا عزيز برؤيتك معها، تحاول بأيَ طريقة أن تُهين كبريائي أمامها، لو أراك تحترق معهًا وبيديِ ماءً لن أفكر ولا للحظة أن أسكبه عليكما. أشعرُ بقهرٍ يُثبَت أشواكه في صدرِي، أُريد أن أنساك حالاً، أنا أتجاهلك وكأنك لم تكُن شيئًا، أوَد بشدَة أن أتخلى عنك بدناءة لا تفارقك عُمرًا بأكمله، أوَد أن أمحي أمرُها وأن لا يبقى في هذا الكون صدى لإسم " أثير "، أوَد بشدَة ذلك.
رتيل إقتربت منه لتقف أمامه: أنا أكلمك!!
عبدالعزيز بحدَة: رتيييل! ماأبغى أكرر الكلام عليك ألف مرَة
أثير تضع يدها على ذنقه لتلفَه نحوها وبإبتسامة: روَق وبسوي لك كوفي تمخمخ عليه . . وقفت لتسير من أمام رتيل، ضربت كتفها بكتفِ رتيل وإتجهت نحو المطبخ.
رتيل أغمضت عينيْها تحاول أن تمتص غضبها قبل أن ترتكب كارثة بحقِها، نظرت إلى عبدالعزيز: الكلبة اللي معك ماأجلس معها بمكان واحد!
عبدالعزيز يستلقي على الأريكَة بتعب: لها إسم!
بغضب ركلت الأريكة بقدمِها، أنحنت عليه لينخفض صوتها بخفُوت: وش تبي توصله؟ تبي تقهرني؟ أنت ما تقصَر ماله داعي تعزز قوَاك فيها!
عبدالعزيز بهدُوء: هذا بيتها
رتيل فاضت البراكين بداخلها، رفعت رأسها عنه لتتكتف : أبي أطلع من هنا! ماراح أجلس معها ولا تفكر إني بأرضى . . والله يا عزيز لا تطلع جنوني عليكم أنتم الإثنين
عبدالعزيز بضحكة يحاول أن يدفع بها القليل من همومه : أحب الشراسة!!
رتيل إلتفتت لترى غِطاء المناديل الثقيل، رمته بإتجاه بطنه بقوَة لتُردف: ماراح أجلس معها!!
عبدالعزيز يُبعد الغطاء عن بطنه ليستعدِل بجلسته: تبيني أعيد حكي أمس؟
رتيل: أبي أطلع من هنا
عبدالعزيز بغضب: وقلت لك لا . . تفهمين ولا ماتفهمين؟
رتيل: أفتح لي غرفة من الغرف . . ماأبغى أجلس معك طيب
عبدالعزيز : وبعد لا
رتيل تمتمت : حقييير!
كان سيتحدث لولا مجيء أثير، استغل فرصته بإستفزازها فعليًا، ليسرق قُبلة خاطفة على خد أثير: شكرًا
بإبتسامة تمدَ له الكوب : عافية على قلبك . .
تجمدَت حواسَها، حتى شعرَت بأن عقلها يغلي وليس قلبها وحدُه، أغار عليك بصورةٍ مؤذيَة لقلبي، أغارُ عليك بوَجَع يتخمرُ في قلبي وينضج، لا اعلم كيف لك القدرة أن تقسى بهذه الصورة؟ كيف لك أن تتجاوز أمرُ قلبي وتُلامسها أو حتى تُحدَثها بكلمة ناعمة! كيف لك كل هذه القوة أن تُغيضني بها! " عسى حزني منك مايفارقك "
أثير رفعت عينيْها بتغنج لرتيل: خلاص ولا يهمك الحين أقوله يعطيك المفتاح! لا تموتين بس . . إلتفتت لعبدالعزيز . . حبيبي عطها المفتاح، ماتسوى نسمع تحلطمها طول اليوم!
عبدالعزيز يضع الكوب على الطاولة ليرفع عينيْه لرتيل المنهزمة تمامًا، نظر لعينيْها وهو يفهمها جيدًا، تقاوم بكاءها ودموعها، تقاوم بملامحٍ جامدة لا تلين بدمعة.
صمتٌ يدُور بينهم، ورتيل مازالت صامدة ثابتة أمام كل قوة تُهين قلبها.
نظراتِك هذه تحفظني، في الوقت الذي تخونني به أفعالك، عيناك تقف بصفَي، في الوقت الذي تُشعرني بأني لا شيء, عيناك تُساندني، تملك القدرة على اهانتي بكل شيء إلا نظراتِك! مهما حاولت لن تستطيع أن تُهينني بنظرة محجرُها فيَ.
أتى صوتُها مقاطعًا للأحاديث المتناقلة بنظراتهما : عطها عزوز
رتيل بحدَة ملامحها : ما أحتاج وساطتك في شي! . .
أثير بإبتسامة ناعمَة ترتسم على شفتيْها : أنا أتوسط لنفسي! بصراحة ما أتحمل وجودك قدامي . . فأبي فرقاك
عبدالعزيز بحدَة : أثير . .
أثير رفعت حاجبها : وش قلت؟
رتيل نظرت لحزمة المفاتيح المتوسدة الطاولة، رفعت عينها لأثير بإبتسامة سُرعان ما تلاشت بطريقة " تسليكية " : لا تتكلفين مرَة بكلامك لأنك ما تهميني! زيَك زي الجدار . . وممكن حتى الجدار أكثر أهمية منك . .على الأقل مغري للتأمل!
عبدالعزيز بلامُبالاة وضع قدمِه على الطاولة التي أمامه: واضح أنه ليلتكم ماراح تعدَي على خير!!
أثير: يا سلام! بس عليَ أنا!
رتيل بتشفَي تنظرُ إليها من أقدامها حتى رأسها بطريقةٍ تفصيلية مُهينة، بمكِر : ممكن يا روحي تعطيني المفتاح
عبدالعزيز نظر لنبرتها المتغنجة، إبتسم لا إراديًا: لا مو ممكن
أثير تأفأفت : بس تحلَ مشاكلك معها نادني . . وقفت ليسحبها عبدالعزيز من ذراعها ويُجلسها رُغمًا عنها : اللي ينطبق عليها ينطبق عليك
أثير: لا تساويني معها . .
رتيل استغلت إنشغالهما لتسحب المفتاح وتأخذ الكوب، بقهر سكبته عليها لتُردف بسخرية: كِذا صار فيه فرق بيني وبينك على الأقل شكليًا . . مشَت بخطواتٍ سريعة نحو الغرفة، فتحتها لتدخل وتغلق قبل أن يصِل إليها عبدالعزيز.
أثير تجمدَت بمكانها من القهوة التي تُبللها في هذه اللحظة : شايف اللي سوَته!!!
عبدالعزيز يسحب المناديل ليمسح ملامحها، أثير بغضب تُبعده: لا والله! روح كسَر راسها، لو أنا اللي مسوية هالتصرف كان كليتني! . . بس هي على راسها ريشة
عبدالعزيز تنهَد: بسم الله على قلبك كأنك ما قلتي شي!
أثير: يعني شايف وش سوَت هالبزر فيني! . . مهي بصاحية مكانها مستشفى المجانين!!
عبدالعزيز وقف متجهًا نحو الغرفة، طرق الباب: رتيل أفتحي
رتيل الجالسة على السرير لا تُجيبه بكلمة، نظرت للحاسُوب المنطوِي على المكتب لتتقدم نحوه، فتحته وهي تدعي أن تجِد شبكة " وايرلس " قريبة لتتحدث مع والدها.
عبدالعزيز تنهَد: حسابك بعدين . .
مسح على وجهه بإرهاق : أستغفر الله . . نظر للساعة . . أذَن العصر
أثير وهي تمسحُ أثر القهوة على ملابسها: عبدالعزيز هالمجنونة ماأجلس معها بكرَا عادي أنها تولَع فيني
عبدالعزيز يعقد حاجبيْه: ماني ناقص مواضيعكم! فيني اللي مكفيني . . إتجه نحو المغسلة ليتوضأ.
أثير إتجهت إليه لتغسل ملامحها: عاجبك شكلي كِذا! حسبي الله عليها! . . هالقميص توني شاريته وشوف وش سوَت فيه
عبدالعزيز نظر لقميصها لتحتَد ملامحه بالغضب: طالعة بالشارع كذا؟
أثير بربكة: كنت لابسة جاكيتي؟
عبدالعزيز بعصبية : عادِي عندك تلبسين قميص شفاف؟ واللي رايح وجاي يتفرج!
أثير: لآ تبالغ ماهو شفاف! بس لأن حرمك المصون كبَت عليَ شفَ . . وبعدين كنت لابسة فوق جاكيتي
عبدالعزيز: قلت لك مليون مرَة وأحذرك للمرة الأخيرة وبعدها لا تشرهين على أيَ تصرف أسويه بحقك! لو شفتك لابسة هالخرابيط ماتلومين الا نفسك!
أثير تنهدَت : أستغفر الله . .
عبدالعزيز : على فكرة التحرر بالمنطق وبالتفكير وبالراي ماهو بالشكل
أثير بغضب: ومين قال إني متحررة! أنا حرَة ألبس مثل ما أبي ماراح تحاسبني على كل قطعة ألبسها . . لا تصادر حريتي الشخصية!
عبدالعزيز : منتِ حُرَة! دام أنتِ على ذمتي يعني بتنضبطين !
أثير بهدوء : ماأمشي ورى قناعاتك يا عبدالعزيز! لي شخصيتي ولك شخصيتك
عبدالعزيز يُعيد وضوءه بعد أن فقد شرط " الترتيب والمتابعة " متجاهلاً الجدال معها، إلتفت إليها بعد أن فرَغ : هالموضوع لا عاد تفتحينه . .
،
تأملتهُ بنظراتٍ تحاول أن تكتشف سر " مُنى " التي سمعت أسمها اليوم، زوجته الأولى! مالذي يُخبئه بالضبط! هذا يعني أنه لم يستطيع أن يتجاوزها بعد كل هذه السنوات! هذا يعني أنه يحاول أن ينساها بيْ! ولكن لا قُدرة يملكها على النسيان، لا شيء يُوحي بأنه يريد حياةً جديدة يبدأها معي، ولا عذر يُقنعني بأنه مستعد لحياة نتشاركها معًا! هذه الـ " مُنى " أخذت حاضرُه وماضِيه ورُبما مستقبله، لا يملك أيَ فرصَة تقوده للبدء من جديد! لأن فرصه بأكملها عند مُنى!! وأنا التي أحاول بشتى الطرق أن أكسب ودَك، حتى الكذب سلكته لأُلينك قليلاً نحوي، ولكن لا شيء أصِل إليه بالنهايَة لأنك لا تريدني من الأساس! . . تعلم شيء! أحتاج أن أصرخ وأقول " لجهنم أنت وياها ".
بخَ عطره العابثُ بخلاياها ليلتفت نحوها : وش فيك سرحانة؟
ريم ببرود : ولا شي!
ريَان: لا فيه شي . .
ريم : قلت لك مافيه شي! غصب تخلَي فيني شي
ريَان تنهَد : مُجرد إحساس
ريم بحقد : لا تطمَن إحساسك غلط
ريَان بنظراتٍ يتفحصها : وش صاير لك اليوم؟ ضاربة فيوزاتِك؟
ريم وقفت لتتجه نحوه : كِذا . . سمعت خبر وأنقلب مزاجي
ريان : وش الخبر؟
ريم: أخاف أقوله وتقولي تتدخلين بأشياء راحت وانتهت
ريَان بحدة: وش الخبر يا ريم؟
ريم : عن منى!!!
ريَان بغضب: ولا تفتحين هالموضوع قدامي مرة ثانية!
ريم بربكة: كيف نبدأ حياتنا صح وأنت تخبي عنَي أشياء كثيرة أولها منى
ريَان يُشير إليها بالسبابة غضبًا : قلت لا تفتحينه مرَة ثانية ولا قسمًا بالله ما تلومين الا نفسك
ريم : من حقي أعرف
ريَان بصراخ : لا مو من حقَك!
ريم عادت خطوتيْن للخلف برُعب من صوته، بلعت ريقها الذي تجمَد كغصةٍ يصعبُ ذوبانها ورمشُها يهتَز ببلل.
،
يرتدِي بدلته بأناقةٍ باهضَة، متناسيًا موضوع المقابلة التي لا تحتمل كل هذا، ولكن أمرُ سقوط أعداءه يُشعره بأنه ذاهب لزفاف، اليوم يومُ سعادة بالنسبة له، وقف أمام المرآة ليرتدِي معطفه ويلفُ حول عنقه " السكارف "، ألتفت إلى حمَد : فارس ما جاء؟
حمد : لا للحين
رائد جلس خلف مكتبه : إن شاء الله ما يودينا بداهيَة!! . . المهم جهزتوا أوراقنا
حمد : كل شي جاهز . .
رائد رفع هاتفه ليتصل على فارس وهو ينظرُ لساعته، تمرَ الثواني ببطء تشغل عقله بأفكارٍ سيئة، تنهَد: وينه!!!
وقف ليسير ذهابًا وإيابًا وهو يتصل على فارس لمراتٍ كثيرة، في كل لحظةٍ يتأخر بها يخسرُ جزءً من روحه، هذا الصباح لا بُد أن يفترق فارس عنها. لا بُد!!
تنهَد بضيق ليجلس مكررًا إتصالاته.
في جهةٍ أخرى سَار بخطواتٍ خافتة نحوها، قبَل جبينها بخفَة دُون أن يضايق نومها الناعم، لم يستطع أن يمنع نفسه من قُبلةٍ على عينها اليمنى، طبع قبلةً رقيقة وتراجع للخلف، حاول أن يحبسُها فيه بنظراته العميقة.
أحاول أن أقول لكِ وداعًا بما يليقُ بِك، أحاول أن أبتعد دُون أن يُزعجك أمر إبتعادي، أحاول يا عبير الحياة على بُعدٍ منك، هذا الحلم الذي مرَني سريعًا والآن يتبخَر أمامي، هذا الحلم تمامًا هي المرحلة التي عشتُها عدَا ذلك مُجرد محاولات يائسة للعيش، هذا الحلم الذي أفتقده الآن قبل أن يذوب بكفَي، يؤلمني!! " كان بخاطري " أن أعيشُكِ واقعًا بما يكفي، ولكن قدَر العُشاقِ حلمًا. قدَر الحياة أن تكون حُلمًا، ليتني أستطيع أن أجاور كتفك على الدوام، ليتني أستطيع أن أحيَا لكِ.
خرج ببعثرةِ خُطاه ليفتح هاتفه، كتب رسالة إلى نايف تحملُ عنوان الفندق، لينزل بهرولة سريعة إلى الخارج، شدَ على معطفه الذي امتصَ رائحتها، اتجه للطريق الآخر قبل أن يشعر بفوهة السلاح المثبتة خلف رأسه.
: ولا صوت!
،
يضع السلاح على خاصرته ليرفع عينه ناحيَة نايف: لا تخلَي بالي ينشغل على أحد وأنا هناك! . . طلعهم من تحت الأرض
نايف : إن شاء الله بسوي كل اللي أقدر عليه . .
عبدالرحمن نظر للسيارة التي تركنُ بقُربه وبداخلها رجاله الذين درَبهم طيلة السنوات الفائتة، اليوم يجب أن يسقطون بفخَ أفعالهم، إلتفت لنايف: لا أوصيك
نايف: أبشر باللي يسعدك
عبدالرحمن تنهَد : تبشر بالجنة . . . إتجه نحو السيارة ليركب بالأمام : فيه أحد وصل؟
: رائد إلى الآن أما سليمان موجود
عبدالرحمن : طبعًا مثل ما أتفقنا ما ابغى أحد يحس علينا . . راح نحاصرهم بدون ولا أثَر
: أكيد . .
عبدالرحمن : في الوقت اللي راح أدخل فيه لهم بحجَة تهديد رائد ليْ راح تكون التسجيلات شغَالة! كل شي راح يصير أبيه يكون مسجَل! . . ابي اصدم سليمان بوجودي . . فراقبوا كل ردة فعل له
،
دخَل للبيت بعينيْن تبحث عن عمتِه، تقدَمت إليه لتعانقه بحُب: الحمدلله على سلامتك
سلطان بشحًوب : الله يسلمك . .
حصَة : كيفك الحين؟
سلطان : تمام
حصة : كليت شي؟ وجهك أصفر
سلطان : مستعجل بتروش وأطلع لدوامي
حصَة عقدت حاجبيْها بدهشة : تروح! وأنت بهالحال! خاف ربك في نفسك
سلطان بضيق: أجلي كل هالكلام لين أرجع
حصة تقف أمامه لتمنعه من الصعود : سلطان شوف حالتك! تعبان يالله توقف على حيلك وتبي تروح!
سلطان : حصة!! . . ابعدها بلطف ليصعد للأعلى.
حصَة شعرت بحُرقة من أفعاله اللامبالية بنفسِه، مسكت هاتفها لتتصل عليها، أتى صوتُها المبحوح : ألو
حصة : هلا الجوهرة . .
الجوهرة بتوتر: هلابك .. صاير شي؟
حصة : ممكن أطلب منك طلب؟
الجُوهرة : إيه أكيد . . آمري
حصة : ممكن تكلمين سلطان . .
الجوهرة : حصة قـ
تُقاطعها : تعبان!
الجوهرة بضيق : تعبان من أيش؟
حصَة : توَه طالع من المستشفى ويبي يروح شغله . . بس كلميه! حسسيه أنك معه . . يمكن يلين شوي ويعطي نفسه أهمية ويخاف عليها!
الجوهرة فزَت من سريرها لتُردف بحشرجة صوتها الذي فقد إتزانه : ليه دخل المستشفى؟
حصَة : أمس صار له حادث بالتدريب . . الجوهرة والله العظيم أنه بس يفكر فيك . . بس تنازلي شوي وكلميه
الجوهرة تلألأت عينيْها بالدموع لتُردف : هو قريب منك الحين؟
حصة : لا .. جواله طافي بعطيه جوالي .. خليك معي . . صعدت للأعلى لتفتح باب الجناح بهدُوء، بحثت عنه بعينيْها لتسمع صوتُ الماء : يتروَش! . . عطيني 10 دقايق وراح أتصل عليك . . خليك قريبة منه
الجوهرة : طيب . . أنتظرك . . أغلقته ليدُور عقلها بأفكارٍ كثيرة عنه، أن تفقده حيًا أمرٌ بغاية الصعوبة كيف لو كان ميتًا! لا يُمكنني تخيَل الحياة بعدِك، أُفضَل أن أموت معك ولا أموت من حياةٍ دُونك، يالله يا سلطان! ليتَك تفهم وتعرف أمرُ الحب الذي يهرول بقلبي عبثًا، ليتك تفهم معنى أن أسقط بأنينٍ يستأصل جذوري وخلايايْ، ماذا ستخسَر لو تتنازل قليلاً؟ ما ستخسَر لو فقط تُشعرني بأنني أهمك كما ينبغي، مجروحة مِنك، مجروحة من الكلمات التي تخرج منك بصورةٍ بشعة، مجروحة من عينيْك التي تُكثر لوْمها عليَ! مجروحة و موجوعة مِنك.
طرقت أفنان الباب المفتوح : انزلي تحت . . مجتمعين وناقصنا أنتِ
الجوهرة بملامحٍ شحبت بلونها : جايْتك بس أنتظر إتصال
أفنان : فيك شي؟
الجوهرة هزت رأسها بالنفي وعينيْها تضيعُ بالفراغ.
أفنان بشك : تكلمي وش فيك؟
الجوهرة نظرت لهاتفها الذي يُضيء بإسم حصَة: شوي وأجيك
أفنان بإستغراب : طيب ..
أجابتها : ألو . .
حصَة بهمس: دقيقة خليك معي . . . دخلت إليه وهو يُعدَل نسفَة شماغه : سلطان
إلتفت عليها : سمَي
حصة : سم الله عدوك . . آآآ . . مدَت إليه الهاتف.
سلطان بحاجبٍ مرفوع إستغرابًا : مين؟
حصة : ردَ بنفسك . . بمُجرد أن أعطته الهاتف حتى خرجت وأغلقت الباب من خلفها.
سلطان بصوتٍ يظهرُ عليه نتوءاتِ المرض والبحَة : ألو
أشعرُ وكأن الهواء ينجلي بنبرته، أشعرُ بأني أفقد تمامًا قدرتي على الحديث بحضرةِ صخبه، صوتُه المتعب ما سرَه؟ لو أنني أقدر على مداواته، تُتعبني يا سلطان من تَعبك.
سلطان أبعد الهاتف لينظر للإسم، أمال فمِه من حركة عمته به ليُعيده إلى إذنه : أتمنى إتصالك ما يكون شماتة!!
الجوهرة بخفوت : محشوم . . كيفك؟
سلطان ببرود : تمام!
الجوهرة : قالت لي عمتك أنك طلعت من المستشفى اليوم . . الحمدلله على سلامتك
سلطان : الله يسلمك . .
الجُوهرة بضيق : سلطان
سلطان : مشغول مضطر أسكره . .
الجوهرة بمُقاطعة سريعة : لحظة! . . بس بقولك شي
سلطان بسخرية : وش الشي؟ . . حامل! مبرووك حبيبتي
الجوهرة بصدمة تجمدَت أصابعها وجسدِها بأكملها، شعرَت بأن هذا العالم باكمله يحشرُ نفسه بصدرها ويقبضُ على نبضاتها، لم تتوقع ولا للحظة أن يلفظها ببرود هكذا! ولم تتوقع ولا بنسبة ضئيلة أن تُخبره حصَة، كيف يستقبل خبرًا مُهمًا بهذه الصورة السيئة التي تُفقد الخبَر بريقه؟ كيف يقوَى أن يكون باردًا حتى بأمرٍ مهم كهذا! يالله يا سلطان! يا قساوتِك! ما تحمله ليس بقلب! لوهلة أشعرُ بأن ما في صدرك حجرًا لا يشعُر ولا يحسَ! من أين خرجت ليْ؟ من أين حتى تسلبُ كل قوَايْ وتشدَني إليْك! من أين أتيْت حتى تذلَني بهوَاك! لمرةٍ واحدة فقط أشعرني بأن كل جزء مني هو مهم بالنسبة لك، لمرةٍ واحدة فقط أجعلني أستشعرُ بأنك زوجي ولست حبيبي فقط.
برجفة : أيش!!!
سلطان : هذا اللي تعلمتيه و ربَوك عليه؟ أنك تخبين عليَ!!!
الجوهرة : سلطان . .
سلطان بغضب : لا تقولين سلطان!
الجوهرة : فاهم غلط . . لو كنت مكاني . .
سلطان بحدَة : ماأبي أكون مكانك! ما قصرتي علمتي العالم كلها بس أنا لان . .
الجوهرة بوجَع : لو تعرف بس أنه وقتها . .
يُقاطعها بغضب يزيدُ تعبه تعبًا : ما أبغاك تشرحين وتبررين! . .
الجوهرة بإصرار : إلا بشرح لك وأبرر . . تهمني يا سلطان
سلطان : واضحة هالأهمية! . .
الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه
الجوهرة بغضب : سلطان
سلطان بحدَة : . . .
،
شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها.
رتيل : . . .
،
يأتِ صوته واضحًا بجانب إذنه ليلفظ : أنهينا لك موضوع فارس! أما ناصر بالسجن عطني بس يومين وتدفنه بنفسك.
↚
المدخل لـ يزيد بن معاوية.
سَألْتُها الوصل قالتْ :لا تَغُرَّ بِنا
من رام مِنا وِصالاً مَاتَ
بِالكمدِ
فَكَم قَتِيلٍ لَنا بالحبِ ماتَ جَوَىً
من الغرامِ ، ولم يُبْدِئ
ولم يعدِ
فقلتُ : استغفرُ الرحمنَ مِنْ زَلَلٍ
إن المحبَّ قليل الصبر
والجلدِ
قد خَلفتني طرِيحاً وهي قائلةٌ
تَأملوا كيف فِعْلُ الظبيِ
بالأسدِ
قالتْ:لطيف خيالٍ زارني ومضى
بالله صِفهُ ولا تنقص ولا تَزِدِ
فقال:خَلَّفتُهُ لو مات مِنْ ظمَأٍ
وقلتُ :قف عن ورود الماء لم
يرِدِ
قالتْ:صَدَقْتَ الوفا في الحبِّ شِيمتُهُ
يا بَردَ ذاكَ الذي قالتْ على
كبدي
واسترجعتْ سألتْ عَني ، فقيل لها
ما فيه من رمقٍ .. و دقتْ يداً
بِيَدِ
وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ
ورداً ،
وعضتْ على العِنابِ بِالبردِ
وأنشدتْ بِلِسان الحالِ قائلةً
مِنْ غيرِ كُرْهٍ ولا مَطْلٍ ولا
مددِ
واللهِ ما حزنتْ أختٌ لِفقدِ أخٍ
حُزني عليه ولا أمٌ على ولدِ
إن يحسدوني على موتي ، فَوَا أسفي
حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ
تنبيه : هذا جزء أوَل من البارت 74، لوضع خارج عن إرادتِي أضطررت أني أقسمه بهذي الصورة، البارت جدًا مهم وأهميته تكمن في الجزء الثاني اللي راح ينزل إن شاء الله يوم الأحد، أغلب اللي كنتم تنتظرونه من أحداث بتكون بالجزء الثاني بإذن الكريم، فأتمنى تقدرَون هالشي وتحطونه بعين الإعتبار أنه البارت يعتبر ناقص، لكن ماهو قصير كثيير لأن تقريبًا 17 صفحة بالوورد، المهم تمامه وإكماليته يوم الأثنين تقرونه برواق إن شاء الله. حطَوا هالشي في بالكم عشان ما يجيني تعليق يقولي " البارت قصير و فقدنا فيه فلان وفلان " لأن قلت هالشي مسبقًا، هذا جزء أوَل من البارت وبيكون مشبع بالجزء الثاني.
الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه
الجوهرة بغضب : سلطان
سلطان بحدَة : أنتِ لو . . . استغفر الله بس!
الجوهرة بضيق : أنا أيش؟ . . أصلاً أنا وش بالنسبة لك؟ تحاسبني على أشياء بدون لا تلتفت لنفسك وتحاسبها بالأول!
سلطان : بشَرتي السعودية بكبرها واستكثرتي تقولين لي!!! وبعدها أعرف من زلَة عمتي! . . كيف تبيني ما أحاسبك؟
الجوهرة : ما بشرت أحد! أهلي و . .
يُقاطعها : وأنا ماني أهلك؟
الجوهرة بلعت رجفتها بربكةِ فكيَها من إعترافه المبطَن/الحاد لقلبها : سلطان آآ . . ماراح تفهمني
سلطان : ولا أبي أفهمك! كنت متوقعك واعية وعاقلة مهما ضغطت عليك الظروف! بس أنتِ ما ضيَعتي أول فرصة جتك عشان تهينيني قدام الكل بأني آخر من يعلم
الجوهرة بدأت نبرتها تميلُ ناحية البكاء : ما أهنتك! أنا ما بغيت تصلَح الأمور معي بحجة حملي! كنت أبيك . .
يقاطعها بغضبٍ جعلها ترتبك من خلف الهاتف، بغضبٍ جعلها تتراجع بظهرها للجدار.
يا سطوتُك عليَ يا سلطان حتى وأنت بعيد! يا لهيبتِك المزروعة في نبرة، من شأنها أن تُسقطني في أسفلِ قاع وترفعني لأعلى غيم.لو أنني استطيع أن أتجاوزك بخفَة ولا التفت إلى الخلف، لو أنني أستطيع أن أغمض عيني وتسقط بدمَعة، لو أنني فقط أعرفُ كيف أقمع ذاكرتي وأنساك! أنت تتكاثر بيْ، تتكاثرُ بكل دمعةٍ تمرَ على خدي، لستُ صالحة بما يكفي للنسيان! أنا صالحة بما يكفي لحُبك.
: تستهبلين!! وش اللي ما صلحت الأمور معك! جيتك وأنا مدري عن عقليتك المريضة اللي تقرر من كيفها! . . دوَري حجة ثانية عشان تقنعيني فيها
الجوهرة : ليه تآخذ الأمور بهالطريقة؟ أنت ماتشوف نفسك أجبرتني أتصرف كذا!
سلطان : اقتنعت أنه الكلام معاك ضايع . .
الجوهرة بوَجع : لا تضيَق عليَ بأسلوبك!
سلطان بعصبية : ربي رحمك أنك منتي قدامي ولا والله كان ذبحتك من حرَتي!
الجوهرة شدَت على شفتِها لتمنعها من بكاءٍ طويل : الله رحمني عشان ما تقهرني بتعبك
سلطان عقد حاجبيْه بضيق ليجلس على الأريكة : روحي اللي تعبانة منك! اخترتي طريقك وكمليه بروحك
الجوهرة بغصَة تُربك الكلمات العابرة فوق لسانها : قلت لي كثير لا تتوقعين إني أفرح لما أضايقك بكلمة! . . وأنا بعد! لا تتوقع مني إني أفرح بهالخبر وأنت تقابلني فيه بهالطريقة!!!
سلطان بغضب يعود ليقف : على أساس إنك قلتي لي إياه! انا لو ماعرفت الله العالم متى راح تكلفين عمرك وتقولين لي!
الجوهرة تنهدَت بدمعٍ يغزو محاجرها : ماراح نقدر نتناقش وأنت معصب . . ماراح تفهمني صح!
سلطان : أسألك بالله! في نيتك نقاش وصُلح؟
بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : ليه تظن فيني سوء؟
سلطان بحدَة أرعشت جسدها : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال!
الجوهرة : أكيد . . أبي نتناقش ونوصل لحل يرضينا
سلطان بضيق اتضح على نبرته التي تزدادُ إتساعًا بالتعب : تبين تكسبين كل شي بما فيهم تعاطف عمتي معك، وش راح تخسرين؟ بتكمَلين حياتك مع ولدك في وقت أكون أنا متشفق على هالولد! . . مين الغلطان؟
الجوهرة : نسيت كل اللي سويته فيني؟ ضربتني وحرقتني و أهنتني مليون مرَة بكلامك ونظراتك! . . وبس خبيت عنَك الحمل اجرمت فيني!
سلطان : لأن هذا أكثر شي كنت أحلم فيه! وأنتِ ما تركتي لي فرصة حتى أفرح!!
الجوهرة بدمعها الناعم : كنت راح تفرح؟
سلطان : مين اللي يظن في الثاني ظن السوء؟
الجوهرة : ما تركت لي مجال يا سلطان، عُمرك ما حسستني بأني زوجتك اللي منتظر منها تكون أم عيالك!
سلطان يعود صوته للخفوت/للإنكسار : حرقتي قلبي! أبشع يوم شفته بحياتي كان أمس . . كيف تبيني اتقبَل أعذارك وكلامك؟ . .
الجوهرة بضعف : أتركه للوقت
سلطان : هو باقي شي ما تركته للوقت؟
لم اتوقع ولا للحظة أن يأتِ صوته الضيَق مؤذيًا هكذا! أشعرُ بأن هالة من العتمة تحوم حول قلبي، " تعبانة " من الحياة التي لا تنصفني ولا لمرَة، وحين أشعرُ بأنني أسترجعت بعض من القوَة تُهينني بظنَك السيء، قُل كيف أُسعدك وأنا لستُ قادرة على أن ابتسم بأريحية! " فاقد الشيء لا يُعطيه " وأنا لا استطيع أن أُعطيك شيئًا لا أملكه، كل هذه الدنيَا خواء، وأنت الشيء الوحيد الذي أحسَه ويعنيني، أُريد أن أكون أم أطفالك و إبنة قلبك، لا أنتظر تصفيق من الحياة لأنني أحاول أن أردَ إليْك ما فعلته بيْ، ولا أنتظرُ أن يقول لي أحدًا " قويَة تركتيه " أنا لستُ قوية بما يكفي حتى أتركِك بإستسلامٍ تام، أنا مازلت معك، أجاورك تمامًا ولا أقدر على نفيْك من قلبي، يا راحتي بهذه الدُنيَا وإن زعزعت راحتي، يا فرحتي البسيطة وإن أثقلت حُزني، يا أمني وأماني، يا وداعةُ قلبي في صدرِك إني مبعثرَة، لا تنتظر مني أن أُلملم شتاتي لوحدي، قُلت " تركتك للحياة " وهذه الحياة يا سلطان لا تُدللني، دثَرني بحُبك، يكفيني أن أعيش العُمر المبتقي في كنفِ صدرِك، لو سمَحت هذه الحياة أساسًا! ولكنها أحلام، و قدَرُ الأحلام أن لا تتحقق. وأنت الحقيقة التي سُرعان ما تتلاشى وتُصبح " حلم/ خيال ".
أردفت : سلطان
سلطان بقسوةِ نبرته : بستخير بطلاقك الليلة
الجوهرة صمتت، إلتزمت السكُون وهي تغرسُ أسنانها في شفتِها السفلية، يارب ساعدني، يارب إني لا أسألك أن تُخفف حزني بقدر ما أسألك قلبًا يحتملُه ويصبر عليه.
سلطان أبعد الهاتف قليلاً ليسعل ببحَة شعر أن روحه تخرج من محجرها، لن يستطيع مهما حاول أن يُخفي تعبه ومرضه برداءِ الجمود و اللامبالاة : مع السلامة . . . انتظر لثوانِي يسمعُ صدى أنفاسها التي ترتطم بأذنه، ثانيَة تلو الثانية من حقها أن تعبث بقلبه، أغلقه ليضع الهاتف على الطاولة، نظر للنافذة التي تُقابل الضوء بالإنعكاس، اضطربت أنفاسه بصدرٍ يرتفع ويهبط دُون سلَام/إتزان، أسند ظهره على التسريحة ليُردد بقلبه " يا رب اعطني جزءً من الحياة أكافح من أجل أن أعيشه "
،
رفعت عيناها الباكية لسقف غرفتها الذي يشتدُ بسوادِه،ينقبضُ قلبها بإرتطاماته الحادة، اخفظت نظرها لتنظر لباطن كفَها الأيمن، علامةُ حرقه التي مازالت تُعلَم عليها وتُذكرها بصرخاتها تلك الليلة، بصوتٍ تُركي الحارق لمسامعها، بكلماته الرخيصة التي يُدافع من أجل أن يثبت مصداقيتها، بحزنها الشاسع الذي لا ينضَب، ولا ينطوِي على حاله!
كُنَا نُماطل من أجل أسباب لا نتجرأ على قولها لأنفسنا، كُنا نقرر " الإنفصال " كثيرًا، كانت نهايةُ كل خناقاتنا مصيرها ذاتُ الكلمة، هذه الكلمة التي حمَلناها فوق ما تحتمل، ولكننا لم نملك الشجاعة الكافية بتنفيذ القرار، كُنا يا سلطان نخضعُ لقلبيْنا، الذي نواجه صعوبة بتفسيره/بفهمه، ومازلنا نواجه هذه الصعوبة، لا نقدر! لا نلتزم بأيَ وعدٍ نقطعه من أجل الحياة، كيف سنصبر؟ كيف سيمضي العُمر؟ موجوعة، أشعرُ بأنني اختنق من هذا الهواء الذي يعبثُ بصدرِي ولا يحاول ان يملأ رئتيَ، أشعرُ بأن الكل حاقد الآن بما فيهم هذا الهواء، هذه الذرات المتطايرة بشفافيَة حولي، تخنقني، تملأني كلَي ولا تذهب لمجرى تنفُسي! أشعرُ تمامًا وكأني أتذوَق طعمُ الشحوب/الإختناق/الضيق، الطعم اللاذع الذي يسعُر بلساني ويطويه، يطوِي الكلمات ويقتلني! سنصلِي اليوم آخرُ ما يربطنا، سنصلِي دُون أن نتنازل من أجلنا، سنصلي لله الذي أمهلنا الوقت لنمضي معًا، ولكننا نثبت أننا من جلدٍ أسمر لا يرتضي بأن ينحني قليلاً من أجل " الحب "، نضيعُ تمامًا ونسأل الله بصلاتنا أن لا نضيع، نرتكب أسوأ ما يُمكن للإنسان أن يفعله بحق من يُحب وندعو الله أن يحميه، كيف لنا أن نتناقض بهذه الصورة البشعة؟ أنا سيئة! سيئة جدًا في الوقت الذي مال به قلبي ناحيتُك، لأنني لم أعرف كيف أدافع عن نفسي/قلبي/ذاكرتي . . لم أعرف كيف أدافع عنك وأنت تتشعبُ فيَ.
شعرت بغثيانٍ يجوَف معدتها، إتجهت إلى الحمام لتتقيأ تعبها وحُزنها، توضأت وبمنتصف الوضوء ادركت أنه ليس وقتًا للصلاة، هذه الصفة التي ستحملني العُمر بأكمله تُذكرني بك أيضًا، كل شيء بالحقيقة يُذكرني بك مهما حاولت أن أنكر ذلك.
أكملت وضوءها لتمسح شحوب ملامحها، أخذت نفس عميق ونزلت للأسفل، حاولت أن تبتسم بضيق شفتيْها : السلام عليكم
: وعليكم السلام
الجوهرة بسؤالٍ معتاد وإن عرفت إجابته، بعضُ الأسئلة لا ننتظر منها جواب بقدر ما نُريد أن نتأكد أنها مازالت حيَة فينا : وين أمي ؟
أفنان : توَها طلعت . .
الجوهرة جلست لتُردف ريم : تعبانة؟
أفنان بضحكة : قولي أنها محلوَة بالحمل
ريم اتسعت إبتسامتها : أكيد هالموضوع خالصين منه أصلاً
الجوهرة اكتفت بإبتسامة حتى لا تفضحها نبرة صوتها، أفنان : كنت أسولف لريم عن أيام كَان وباريس، فيه سالفة ما قلتها لك
الجوهرة تنحنحت حتى تُعيد إتزانها : أيَ سالفة؟
أفنان : هناك كان يدربني واحد سعودي من الرياض . . إسمه نواف
الجوهرة : إيه؟
أفنان بتوتر يُخجلها : يعني هو ما صار بيننا سوالف ولا شي . . بس . .
ريم بضحكة : أوصفي شكله عشان توصل المعلومة لجُوج صح
أفنان بنظرة غير مبالية : تفكيرك وصخ
ريم : لو انك سنعة كان خذيتي عنوانه
أفنان : أروح أخطبه يعني؟ . . الشرهة على اللي حكى لك
ريم : وش فيها عادي! خديجة رضي الله عنها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي اللي عرضت عليه الزواج
الجوهرة : كل فترة وتختلف معتقداتها، أنتِ أصلاً ماراح ترتاحين لو تصرفتي كذا! لأن ممكن بأول مشكلة يهينك بتصرفك!! وبعدين هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مو أيَ أحد
ريم : أكلتيني كنت أمزح
أفنان بشغف : المهم جوج طحت عليه بتويتر . . يا عليه رزَة تقتل
ريم : كِذا طول بعرض . . يعجبوني الرجال اللي كذا تحسينه صدق رجَال . .
أفنان تُكمل بحالمية : كذا لمَا تضمينه تصيريين وش صغرك في حضنه . .
ريم ولا تتردد بأن تعيش حالمية أفنان : كِذا يشيلك وتصيريين بيبي بين يدينه . . تقطَعت كبدي خلاص
الجوهرة تنظر إليهما بدهشة لتُردف : بديت أخاف عليك
أفنان : بالله جُوج ما تستانسين إذا وقفتي جمب سلطان! يعني كذا تصيرين فتنة وهو . .
الجوهرة تقاطعها برفعة حاجبيْها : منتِ صاحية! ماله علاقة الطول
افنان : الله يرزقني يارب واحد كِذا طول بعرض . . وعضلات بطنه بارزة أهم شي . . وأسمر وله عوارض . . ويهتم بشكله . . يعني كِذا ودَك تآكلينه من زينه
ريم : لا يسمعك ريَان والله لا يخليك تعضَين الأرض!
أفنان : أستغفر الله . . أهم شي الدين والأخلاق
ريم : خليتي آخر صفة الدين والأخلاق!! ماش من رجعتي وعقلك مو مضبوط
أفنان بإبتسامة تعيش حلمها الوردِي كما ينبغي لفتاة عازبة : عقلي للحين معي الحمدلله! بس يعني خليني أحلم براحتي الأحلام ببلاش . . ودَي يجيني فارس أحلامي اللي رسمته في بالي
ريم : كلنا كنَا كذا نقول ودَنا وودنَا بعدين يجيك واحد عادي تشوفين كل مزايا الكون فيه لأن ببساطة أنتِ تصيرين قنوعة وتنبسطين معه ولا يجيك واحد حلو وآخر شي يعيَشك بنكد
أفنان : هذا رتيل صدق زواجها كان بطريقة خايسة لكن تزوجت واحد وش زينه يقطَع القلب ومبسوطة والحين في باريس فالَة أمها . . وهذي الجوهرة تزوَجت . . ماأبغى أمدح وتآكليني بس يعني تزوجتي واحد يعتبر ولا حلمت فيه . . أما أنتِ ريوم الصبر زين إنما توفى أجورهم بما صبروا!
ريم ترمي عليها علبة الكلينكس : طايح من عينك ريَان! بالعكس أنا مرتاحة معه ومبسوطة
الجوهرة : وش يدريك أنه رتيل مبسوطة ولا أنا مبسوطة؟
أفنان بضحكة : يعني تبين تفهمينَا أنك منتِ مرتاحة مع سلطان! أشهد أنك طايرة في السما عشانه
الجوهرة أكتفت بإبتسامة لتُردف : مررا! . . الحمدلله بس
أفنان : يارب ترزقني بس
رنَ الجرس مرتيْن، ليأتِ صوت أفنان الساخر : شكل دعوتي يا بنات استجابت
ريم : تخيلي لو نواف عند الباب
أفنان : لو هو بآخذ وضعية الموت!!
الجوهرة : لا تجيبين سيرة نواف قدام ريَان ويقوَم الدنيا عليك
أفنان : من جدِك! يا زيني وأنا أقوله . . بيعلقني مروحة في البيت
دخل ريَان بنظراتِ الإستغراب من تجمعهم : سلام
: وعليكم السلام
ريم : غريبة . . مفتاحك وينه؟
ريَان : لا كنت أبي الشغالة تطلع تجيب الأغراض . . أمي وينها؟
أفنان : طالعة
جلس بجانب الجوهرة لينظر لعينيَ الجوهرة المُحمَرة، وضع باطِن كفَه على خدِها لترتعش من لمسته : تبعانة؟
الجوهرة ارتبكت من قُربه لتلتفت إليه : لا
ريَان عقد حاجبيْه بخفوت : كنتِ تبكين؟
الجوهرة توتَرت من أسئلته وصدرُها يرتفع بشهيقٍ مرتجف، ريَان : صاير شي؟
لم تعتاد على إهتمامه وسؤاله، شعَرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث الآن، أفنان التي تُدرك التوتر الذي بينهما حاولت أن تُضيع حدَته على قلب الجوهرة : تلقاه تعب حمل عادي
ريَان تنهَد ليُردف : طيب عطيني دلة القهوة
أفنان وقفت لتمدَ له الفنجان وتضع الدلة على الطاولة أمامه.
ريَان نظر لشاشة الآيباد المفتوحة على صورة " نواف " الذي يجهله : مين هذا ؟
أفنان أنتبهت لتخرج من حسابه : واحد بتويتر
ريَان رفع حاجبه : ومين يكون الواحد؟
أفنان بلعت ريقها : آ آ . . ممثل . . إيه ممثل توَه طالع وجالسة أوريه البنات
ريَان : وش إسمه؟
أفنان تظاهرت بالسعال لتُردف : إسمه . .
ريم بإبتسامة تُكمل عنها : نايف
أفنان بربكة : إيه نايف محمد
ريَان نظر لعينيْها بتفحَص، يشعرُ بخداعهما ولكنه تجاهله : طيب . .
إلتفت للجوهرة التي تُشتت نظراتها بعيدًا : إذا تعبانة أوديك المستشفى!! بس لا تجلسين كذا
الجوهرة بضيق تجاهد أن تبتسم وتُخفف ربكتها : وش فيك تصَر!! قلت لك تعب عادِي
ريَان بهمس : صاير لك شي اليوم؟
" الجُوهرة إرتجف هدبها، لا تُريد أن تبكِي أمامه، آخر من تريد أن يراها باكية هو ريَان."
السؤال وحده من يبعثرني في تمامِ قوَتي كيف لو كنت أُعاني؟ كيف لو كنت أتقلَب بحُزني؟ ليس لأن الجواب صعب يالله ولا أقدِر بأن أغلقه برسميةٍ اعتدتها، ولكن " بخير " أصبحت تُتعبني، تمتَص الحياة من جلدِي وتُسقطني في شحوبي! حزينة! حزينة فوق ما تتصوَر يا ريَان.
سقطت دمعة على خدَها سُرعان ما قطعت مجراها أصابعها، بضيق : الجوهرة
الجوهرة رفعت نظراتها للأعلى خشيَةً من دمعٍ لا يترك لها مجالاً للمقاومة، إلتزمت الصمت حتى لا تقع بفخِ صوتها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا.
ريَان ترك الفنجان على الطاولة ليلتفت بكامل جسدِه عليها : تشكين من شي؟ متضايقة من أحد؟
الجوهرة وقفت لتُردف بصوتٍ لا يكاد أن يُسمع : عن إذنك . . صعدت للأعلى
ريَان إلتفت عليهما : وش فيها؟
ريم : قبل شوي كنَا نسولف ومافيها شي
أفنان : يمكن تعبانة نفسيتها . . لا تنسى هي بشهورها الأولى فأكيد بتتعب
ريَان : شكرًا على المعلومة
أفنان ضحكت لتُردف : وأنا صادقة! أكيد الوحدة زين ما تكره نفسها وهي حامل!!
ريَان : مجربة؟
أفنان أشتدت حُمرة ملامحها : يعني هذي أمور فطرية كلنا نعرفها . . خرجت قبل أن يُكثر بأسئلته المُربكة.
اتجهت أنظاره ناحية ريم، ليُردف : مروَقة !
ريم : أكيد بروَق نسيت كلامك لي قبل كم ساعة!!
ريَان تجمدَت ملامحه : أيَ كلام!!
ريم تتظاهر بالغضب : تراني ما انجنيت عشان تسوي نفسك ما قلت لي شي! أنا صدق أعاني أحيانا وأتخيَل أشياء مهي موجودة لكن تراني بعقلي وأعرف وش قلت لي
ريَان بصدمة : أصلاً أنا من الصبح مارجعت البيت
ريم صمتت لثواني وهي تحاول بكل جهدها أن تُضيء عينيْها بالدمع : إلا كلمتني! يوم . . طيب خلاص ما قلت لي شي
ريَان : وش قلت يا ريم ؟
ريم بضيق : حقَك عليَ أنا أتبلى
ريَان تنهد : ما قلت تتبلين! يمكن ناسي قولي لي!
ريم بعد جُهدٍ كبير تجمَع الدمعُ في عينيْها حتى تكسب تعاطفه : قلت أنك ما توافقت مع منى وطلقتها لأن ما بينكم تفاهم! و . . اعتذرت ليْ
ريَان : أنا!!!!
ريم : إيه وحتى كنَا بالصالة اللي فوق
ريَان : ريم وش رايك أحجز لك موعد عند دكتورة تشوف حالتك ؟
ريم نزلت دمعتها المالحة و الكاذبة أيضًا : دكتورة! طبعًا لا . . خلاص قلت لك لا عاد تسألني وأنا ما عاد بتكلم بشي
ريَان وقفت ليتجه إليها ويجلس بجانبها، بخفوت : مو قصدِي كذا!
ريم : خلاص ريَان سكَر الموضوع ما أبغى أتكلم فيه وتضيَق عليَ
ريَان مدَ ذراعه خلف كتفيْها ليُقرَبها منه ويقبَل رأسها : أنا خايف عليك لا تتطوَر هالمشكلة معك
ريم : ماهي متطوَرة تطمَن
ريَان : براحتك مثل ما تبين . .
،
شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها.
فتحت عينيْها الغافية لتنظر للجهة التي خلفها ولا ظِل لعزيز، ارتفع صدرها بشهيقٍ مؤذي لكل خليَة منزلقة في جوفها، ماذا يحصل يالله! لا أريد أن أفكر ولا لثانية واحدة أن هذا الحلم تنبيه من الله حتى أكبح طريقي الملتوي ناحيتُك، أقسم لك أن " أثيرك " لن تهنأ للحظة معك، أقسم لك يا عزيز أنني سأخرج لوعة حُبي منك بها، لن يقف أمامي أحد! لن ترتاح معها وهذا ما سأصِل إليْه، لتعلم أنك أحببت مجنُونة لا ترضى بأن يُقاسمها أحد، أحببت متمرَدة لا تُهذَبها سوى عيناك! أحببت يا عزيز إمرأة أخفت إعجابها بك من أولِ مرة خلف لسانٍ سليط، لم أكرهك ولا لمرَة حتى أولُ ما جئت، كانت مُجرد محاولات أن لاأُحب، أن لا أحيَا بقلبِ احد، ولكنك نفذت وشردتُ كطيرٍ إليْك، لن يعود الزمن حتى أسيطر على نفسِي، لن يعود وقتًا أتصنعُ كرهك حتى أنفذ من هذه الورطة، ورطة حُبك.
ولكن الآن! هذه الإمرأة اختلفت، عدوانيَة شرسَة لكل من حولك، طيبَة ناعمة لقلبك، حاقِدة ناقمة للظروف المحيطة بك، مسامِحة وأستغفرُ لقلبك كثيرًا. لن تفهم أبدًا كيف يصل ولعُ النساء! لن تفهم أبدًا كيف لإمرأة أن تصبح بهذه الصورة الشيطانية الغانية من أجل رجل، لن تفهم يا عزيز أنني أحبك بهذه الهيئة المؤذيَة لنفسي أولاً ولك ثانيًا، ولكنني لن أسمح لأحدٍ أن يحتَل جزءً من قلبك، أنت ليْ و منِي، أنت هُنا من أجلي حتى لو انفصلنَا، حتى لو ابتعدنا، حتى لو افترقنا.
سأجعلك تعيش هذا العُمر بأكمله متوحدًا بيْ، متغلغلاً فيَ، لن أسمح لأيَ أنثى مهما كانت أن تكون معك في غيابي، لتعِش يا عزيز ولع هذا الحُب، لتتألم منه لبقية عُمرك ولتتركني بسلام أكافح من أجل نسيانِك، لستُ أول من يحب ويفترق! لستُ اول من أموت عشقًا بك، جميعهم يُكملون حياتهم بحماسةٍ أقل ولكنهم يُكملونها! وأنا مثلهم وسيأتِ الوقت الذي تعي به أنك خسرتني وأنني أصبحت حُرةً لا يسيطر عليَ قلبك ولا تؤلمني عيناك بنظراتها.
تبللت ملامحها من زُرقَةٍ ملأت محاجرها، وقفت لتنظر للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على شارعٍ من باريس خافتٌ في هذا الليل، تعبرهُ الضحكات كما يعبره المطر المنساب من سماءها.
أخذت المنديل لتمسح ملامحها الشاحبة، رفعت شعرها البندقي كذيل حصَان، إبتسمت بمحاولة أن تُعيد لنفسها بعض الحياة، أخذت نفس عميق لتقترب من الباب، بقيْت لثوانِي طويلة تحاول أن تتلصص للصوت، فتحته بهدًوء لتسير على أطرافِ أصابعها ناحية المطبخ، أخذت الكوب الزجاجي لتملأه بمياهٍ باردة تروي عطشها الذي استنزفه قلبها.
من خلفها : أشوفك طلعتي!
مسكت أعصابها قبل أن ترمي كوب الزجاج وتكسره بوجهها، تنهدَت لتلتفت إليْها بإبتسامة : خير آنسة أثير ؟
أثير اقتربت منها وهي تتكتفت ببيجامتها التي تكشفُ منها أكثر ما تستر : سُبحان مغيَر الأحوال كيف كنتيِ وكيف صرتي! قبل كم شهر في باريس كان وجهك فيه حياة والحين؟
رتيل تنحنحت لتقترب أكثر وبلسانٍ حاد : طبيعي أتغيَر! واضح أنك ماتعرفين الأخبار ما ألومك يمكن ماجلستي مع عبدالعزيز جلسة محترمة وقالك وش صاير!
أثير شدَت على شفتها السفليَة : البركة في أبوك اللي مو تاركه يشوف حياته
رتيل ضحكت بتشفَي لتُردف : it's not my problem مو ذنبي إذا عبدالعزيز ما يشوفك حياته
أثير : حركاتك وكلامك صدقيني ما يهزَ فيني شعرة! أنا مقدَرة شعور القهر اللي مخليك تتكلمين بهالطريقة
رتيل بإبتسامة لئيمة : أكيد مقدَرة لأنك سبق وجربتيه، بس خلني أقولك الأخبار عشان أحطَك في الصورة وتعرفين قهري من أيش! . . حاليًا أبوي يتعرض لمشاكل كثيرة بشغله وأضطر يترك باريس! و أختي مختفية من شخص طمننا عليها لكن إلى الآن مختفيَة . . حطَي في بالك أنه عندي أسباب كثيرة تخليني بهالحزن، وطبعًا مستحيل تكونين سبب يشغلني!
أثير بإبتسامة : عندِك قدرة عجيبة بأنك تحوَرين الكلام وتقلبينه على مزاجك!
رتيل بخفُوت : و عندي قدرة عجيبة بأني اقلبك على رآسك الحين!!
أثير تغيَرت ملامحها لجمُود أمام حدَتها، لتُردف بنظراتِها التي تًفصَل جسد رتيل من أقدامها حتى عينيْها : لو كنتِ شي له القيمة ما تزوَج عليك عبدالعزيز! إذا ودَك تفهمين شي! أفهمي إنه عبدالعزيز لو يبي يقهرك كان قهرك بأشياء كثيرة وما يحتاج أنه يستخدمني عشان يقهرك! ولو يبي يستخدم أحد ماراح يهون عليه أنه يستخدم صديقة أخته وزميلتها
وبضحكة أكملت وهي تتصنعُ النبرة الطفولية : it's not my problem إنه عبدالعزيز إختارني عليك
رتيل نظرت إليها ببرودِ ملامحها : برافو! أقنعتيني، تصبحين على خير ماما ولا تنسين تقرين الأذكار على قلبك أخاف أحد يسرق عبدالعزيز منك . . . . ولا أووه سوري نسيت أنه أنتِي متعوَدة أصلاً أنه الناس يشاركونك بكل شي حتى قلبك!! . . أقري الأذكار على عقلك أخاف لا أشاركِك فيه . . . *لفظت كلمتها الاخيرة بتهديد واضح*
نظرت إليها أثير بجمُود وهي تغلي من الداخل، شعرت بأن دماءها تفُور، تصنَعت الإبتسامة : مريضة! الله يعينك على نفسك
رتيل بإبتسامة صادِقة أظهرت صفَ أسنانها العلوي: آمين
اشتعلت البراكين في صدرها من إبتسامتها لتُكمل مقتربة من أثير : طبعًا ماراح تفهمين وش يعني " نفسك " ؟ أسألي عبدالعزيز وش معنى نفسك بقاموسه! . . . أبتعدت وهي تشعرُ بلذة الإنتصار، دخلت الغرفة لتغلق الباب جيدًا.
في جهةٍ أخرى نظرت لكوب الماء الذي على الطاولة، مشَت بخطواتٍ حادة سريعة ناحية الغرفة الجانبية ليرفع عبدالعزيز عينه من الأوراق التي ينشغلُ بها لساعاتٍ متأخرة من الليل، عقد حاجبيْه بإستغراب!
أثير بأنفاسها المتصاعدة غضبًا : إن شاء الله إني ما أكمَل أيامي الجاية معها!!
عبدالعزيز بهدوء يُعيد أنظاره للأوراق متجاهل كلماتها، إقتربت أثير بحدَة : هذي المجنونة ما تجمعني معها يا عبدالعزيز!!!
تنهَد ليضع القلم على الورقة الغارقة بحبرها : إن أنفتح الموضوع هذا مرَة ثانية أقسم لك بالله إنك ما تبقين دقيقة على ذمتي!
أثير تصلَبت ملامحها بدهشة : تطلقني عشانها؟
عبدالعزيز يقف ليضع يديْه بجيوب بنطاله، وبحدَة اقترب منها حتى تلاصقت أقدامه بأقدامها : ما أطلقك عشان أحد!! مالك علاقة برتيل ولا لك حق تناقشيني بشي يتعلق فيها . . أتفقنا؟
أثير أمالت فمِها بضيق : كيف تجمعني فيها؟ كيف تمسح كرامتي بالبلاط عشانها!
عبدالعزيز : محد يمسح كرامتك! وكرامتك من كرامتي!! لا تصيرين أنانية وتفكرين بنفسك، تقبَليها إذا كان لي خاطر عندِك ولا عاد تخلقين مشاكل خصوصًا بهالوقت اللي ماني فاضي لمثل هالسواليف
أثير شتت نظراتها لثواني طويلة: ممكن أسألك سؤال!
عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة تنتظر السؤال، أردفت : وش مفهوم كلمة نفسك بالنسبة لك ؟
عبدالعزيز بدهشة رفع حاجبه : عفوًا ؟
أثير : لهدرجة السؤال صعب؟
عبدالعزيز : طبعًا لأ .. بس مستغرب
أثير : مُجرد فضول إني أعرف الإجابة
عبدالعزيز فهم تمامًا أنه لرتيل علاقة بالأمر : نفسي أنا، محد يقاسمني فيها حتى لو قاسمني شخص حياتي
أثير تنهدَت براحة لترسم إبتسامة ناعمة على ثغرها :كويَس! . . . ماراح تنام ؟
عبدالعزيز : عندي شغل . . نامي وارتاحي
أثير نظرت إليْه بنظراتٍ غاوية : شغل إلى متى حبيبي؟ صار لك ساعات وأنت تناظر هالورق وتكتب!
عبدالعزيز بإبتسامة إقترب منها ليُقبَل جبينها : تصبحين على خير . .
أثير بادلته الإبتسامة : طيب براحتك . . وأنت من أهل الخير والطاعة . . . خرجت متجهة لغرفتها وهي تشتم رتيل بداخلها من حيلتها الكاذبة بإستفزازها.
راقبها حتى دخلت الغرفة ليعود بخُطاه ناحية الطاولة، لم يجلس بقيَ لثواني طويلة واقفًا/غارقًا بالتفكير، تراجع للخلف متجهًا إلى غرفة رتيل، شدَ على مقبض الباب لتلتفت عيناها ناحيته، وقفت أمام الباب، تسحبُ هواءً نقيًا لرئتيْها حتى تستعيد توازنها، اقتربت لتفتح الباب، دخل بنبرةٍ ساخرة : ماشاء الله! من وين جايَك هالهدوء ؟
رتيل بإبتسامة تعود لتجلس على طرف السرير، رفعت عيناها إليْه : ليه فيه سبب يخليني ماني هادية؟
عبدالعزيز : وش سويتي؟
رتيل : ما فهمت
عبدالعزيز بحدَة : فاهمة قصدي زين!
رتيل بضحكة أشعلت جحيمٌ مصغَر في قلب عبدالعزيز : والله عاد الحمدلله اللي خلاني أتصالح مع نفسي وأتقبَل موضوع أثير
عبدالعزيز : تتقبلين موضوع أثير!!! فاهمة غلط يا قلبي . . أنتِ بتتقبلينها سواءً رضيتي أو ما رضيتي
رتيل مازالت بإبتسامتها : طيب وأنا أشرح لك سبب رواقي في هالوقت! إني تقبلتها برضايْ
عبدالعزيز أمال شفتِه السفليَة بمثل طريقتها عندما تغضب : سبحان من خلَا الكذب مكشوف بعيونك
رتيل بضحكة : سُبحانه
عبدالعزيز لم يسيطر على أعصابه، إقترب منها ليُشدَها من ذراعها ويجبرها على الوقوف : وش سويتي؟ فيه شي صار خلَاك كذا ؟
رتيل ببرود مستفز : تبيني أقولك؟ مايهمني إنك تعرف!
عبدالعزيز بغضب: لا تخلين جنوني يطلع عليك بهالليل!!!
رتيل بهدوء أخذت نفس عميق : طيب يا روحي ممكن تترك يدي
عبدالعزيز يشدَ عليها أكثر ليُقرَبها إلى عينيْه المشتعلة بالغضب : وش تبين توصلين له؟
رتيل : معك ما ابغى أوصل لشي
نظر إليْها بنظراتٍ تجهلُ ماهيتها، اندلعت الربكة في أطرافها لتُردف : تصبح على خير
عبدالعزيز بنظرةٍ عميقة : أحفظك وأعرف كيف تفكرين! بس صدقيني لو تجربين تضايقيني بشي ما تلومين الا نفسك
رتيل تنهدَت بضيق : يزعجني إنك إلى الآن تفكر بأني ممكن أأذيك وكأنك ولا شي عندِي! لو راح يجيك الوجع مني ماراح يكون الا وجع حُبي لك!
عبدالعزيز : لا تتصرفين بأيَ طريقة توجعني يا أثـ . . يا رتيل
تجمَع الدمع في عينيْها، حاول أن تتصرف بأيَ طريقة من شأنها أن تؤذيني، ولكن لا تتخيَل بأن وجع مناداتِك لي بإسمٍ آخر أمرٌ عادي، لا تتخيَل ولا للحظة أن قلبي لا يُبالي يا عزيز، أنا اموت في اليوم ألف مرَة كلما فكَرت بأنها معك، تُشاركك الوسادَة وجسدِها، تُشاركِك الهواء الداخل إلى رئتيْك، تُشاركِك الحياة بالنظر إليْك، تُشاركِك كل شيء وهذا يقتلني! كيف تُناديني بإسمها؟ كيف " يقوى" قلبك ؟ لا أريد أن أصدَق أنها تمكنت من قلبك، وأنا تُسيطر على لسانِك وعقلك، لا أريد ولا للحظة أن أفكر بأنها تُشاركني قلبك، ما أرغب به أن يضيق قلبك ويؤلمك! هذا تمامًا ما أريده.
سحبت ذراعها بحدَة لتُعطيه ظهرها وهي تنظرُ للنافذة، أرتفع صدرها ببكاءٍ محبوس، وعيناها تتلألأ بالدمع.
عبدالعزيز من خلفها : تصبحين على خير . . اتجه نحو الباب ليسحب المفتاح ويضعه في جيبه.
بمُجرد أن اخرج انسكبت دمعةٌ يتيمة على خدَها الأيسَر.
ستعلم يا عبدالعزيز ما معنى أن تكُون موجعًا بنبرة، و ما معنى أن تؤذي إمرأة بكلمة.
،
قبل عدةِ ساعات، واقفٌ بجهةٍ مقاربة لمكان اللقاء المنتظر، ينظرُ لرسالةٍ مجهولة المصدر تُثير في داخله 100 إستفهام، تجمدَت أصابعه على الورقة البيضاء، حتى تجعدَت أطرافها بضيق صبره الذي لم يعد يحتمل أيَ مماطلة.
عبدالرحمن : كيف جتَ هالرسالة الى هنا ؟
: هذا اللي ما نعرفه! وش رايك؟ كيف نتصرف؟
عبدالرحمن تنهَد : مستحيل يكون فيصل أخفى عننَا شي ثاني!!
: وممكن أخفى!
عبدالرحمن يخرج من السيارة ليستنشق من هواء باريس النقي، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان، يرن مرَة ومرتين ولا إجابة.
في مكانٍ آخر كان ينظرُ إلى ملامحهم بريبة، اقترب من أحدهم ليقف بتوتر : سمَ طال عُمرك
سلطان يقرأ الإسم على البطاقة ليُردف وصوته المتعب يشتَد ببحته : متى توظفت ؟
: آآ . . قبل 4 شهور تقريبًا
سلطان : 4 شهور!!! على أيَ أساس
: كانوا طالبين إداريين
سلطان : مين طالب؟
هز كتفيه باللامعرفة : أنا قدمت أوراقي لإدارة شؤون الموظفين وبعد كم يوم اتصلوا واقبلوني
سلطان يسند ذراعه على الطاولة : مافيه شي مستقل إسمه إدارة شؤون الموظفين! الإدارة هذي مسؤولة عن الموظفين اللي متعينيين رسميًا ماهي مسؤولة عن التوظيف
: آآآآ أتوقع إدارة التوظيف أختلط عليَ الإسم
سلطان : ومين هذي إدارة التوظيف اللي ما اعرفها
أحمد من خلفه خشية من تعب سلطان أن لا يتفاقم : طال عُمرك أنت ارتاح وأنا . .
يُقاطعه سلطان : أول نتعرف على الأخ الكريم اللي قدامي! مين إدارة الموظفين؟
: أنا قدمت أوراقي و . .
يُقاطعه سلطان : لمين؟ أيَ موظف؟
: ما أدري عن إسمه . . ما أعرفهم
سلطان بسخرية : ماتعرفهم! صار لك 4 شهور هنا وتقول ما أعرفهم! لا يكون بعد ما تعرفني
بإبتسامة مرتبكة : لا أكيد الله يسلمك . . أنا أقصد ناسي مين استقبلني في التوظيف؟
سلطان : وش سألوك في المقابلة الشخصية للوظيفة ؟
: آآ . . سألوني عن . . تخصصي و . .
سلطان بحدَة : وش سألوك بعيد عن التخصص؟
: عن توقعي لطبيعة العمل هنا و . .
سلطان يُقاطعه بغضب لم يسيطر عليه : ما فيه حمار يسأل واحد متقدم لوظيفة وش تتوقع طبيعة العمل هنا؟ وش رايك بعد يسألك ويقول متوقع أنك بتنبسط ولا بتتضايق؟ . . تستهبل على مخي!!!
: لآ طال عمرك ماعاش من يستهبل عليك . . أنا بس توترت من سؤالك ومو قادر أتذكر التفاصيل
سلطان يقترب بخُطاه أكثر : كيف مو قادر تتذكر التفاصيل! رحت أيَ دور؟
: الأول
سلطان بإبتسامة يكاد أن يحترق من خلفها : الدور الأول مافيه غير الحجز وبعض الأرشيفات!!!
: إلا
سلطان : يعني تعرف أكثر مني! دلَني وين أيَ مكتب؟
شتت نظراته المرتبكة : أنا بس ما تعوَدت أتكلم معاك وما أشوفك الا بالجرايد و .. يعني عشان كذا شوي متوتر أكيد مو قصدي أخدعك بمعلومة
سلطان : سمَعني وش السي في حقك؟
: تخصصي محاسبة
سلطان : محاسبة!! فيه أحد متوسَط لك هنا!! . . .
بعصبية يُكمل : يعني لازم أوقف عند راس كل واحد وأقيَم شغله مافيه إدارة صاحية تمسك مهامها صح!
أحمد : الحين أرسلك ملف تعيينه
سلطان : ناد ليْ مسؤول التوظيف! بشوف وش هالوظايف اللي نزلت بدون علمي!!!
أحمد : أبشر . . إتجه للطابق العلوي مُرتبكًا من غضب سلطان الذي يجتمع مع تعبه ومرضه، سلطان بنظرةٍ تفحصية : وش قاعد تشتغل عليه الحين؟
: و .. ولا شي اليوم ماعطوني أشياء أراجعها وابحث فيها
سلطان : تبحث وتراجع فيها؟ قلت أنك محاسبة وداخل على أساس أنك إداري! والحين تقول أبحث وأراجع!!! وش وظيفتك بالضبط؟ يمكن أنا غبي وماأفهم بعد كل هالسنين
: محشوم! أنا أقصد اليوم شغلنا خفيف ما كان فيه شي
سلطان : عطوك ملفات تبحث فيها وتدقق؟
: آ . . لـ . . أقصد إيه
سلطان : ملفات أيش؟
: إستجوابات سابـ
سلطان بغضب : هذي الملفات ما يمسكها أيَ أحد! بعطيك دقيقة وحدة إذا ما تكلمت بدون لف ودوران ساعتها بورَيك نجوم الليل في عز الظهر!!!
خرجت عروق وجهه الضيَقة بالإرتباك : أتكلم عن أيش؟
سلطان : وظيفتك كإداري هنا يعني بتمسك ملفات الموظفين وتتابع إجازاتهم و معاشاتهم و كل ما يتعلق فيهم! لأنك أنت هنا بمكتب شؤون الموظفين يا ذكي!!
تجمدَت ملامحه دُون أن تفلت منه كلمة واضحة.
سلطان : ما تشوف اللوحة اللي قدامك!!
بسخرية يُكمل : هنا يجون طال عُمرك و يقدَمون على إجازاتهم وأعذارهم الطبية و يقدمون للدورات السنوية والشهرية . . 4 شهور ما علَمتك هالأشياء؟ . .
دخل أحمد ويرافقه المسؤول عن التوظيف المبدئي قبل المقابلة الشخصية، إلتفت سلطان : ألأخ الكريم هذا مين موظفه؟ مرَ عليك ملفه ؟
المسؤول : إيه الله يسلمك وظفناه يوم ترقوا الدفعة السابقة
سلطان إلتفت على الموظف الآخر : هذا اللي وظفك؟ مرَيت من عنده
توتَر من ضيق تنفسه الذي لا تسعه حنجرته، سلطان : واضح من نظراتك أنه هذي أول مرة تشوفه
المسؤول : اللي مرَوا عليَ كثير حتى أنا شخصيًا ما اتذكره لكن اللي قبل 4 شهور مرَوا عليَ قبل المقابلة الشخصية
سلطان : عبدالرحمن شافهم؟
المسؤول : أتوقع . .
سلطان بحدة : ماأبيك تتوقع! أبي عبدالرحمن وش قال؟
المسؤول : ما شافهم
سلطان ينظرُ للطاولة وعليها هاتفه : عطني جوالك
: عفوًا!!
سلطان : قلت عطني جوالك!!!
مدَ له هاتفه بربكة تُشتت نظراته.
اتصل على آخر رقم وهو يضعه على السماعة الخارجية " سبيكر " : هلا فهد . .
سلطان ينظرُ لبطاقته التي يعلقها بإسم " وليد " أغلقه ليرمي الهاتف على وجهه : يا سلام على الحمير اللي عندي!!!
لم يتردد سلطان ولا للحظة بأن يلكمه أمام الجميع على عينِه، بغضبٍ كبير : حسابك أقسم لك بالله بيكون عسير! . . وخلَ زياد ينفعك يوم توَسط لك هنا!!
إلتفت لأحمد :أفتح لي تحقيق بطريقة توظيفه! . . بتهديدِ عيناه للمسؤول الذي أمامه . . لو عرفت بأنه لك علاقة ولا أحد ثاني هنا له علاقة أقسم بالله ماراح أرحمكم!!! . . وأحجز هالكلب . . حتى الكلب أشرف من هالأشكال . .
أقترب من فهد مرةً أخرى ليُردف : أضيف للسي في حقك يا محاسب تهم تزوير وتلاعب و .. والباقي تعرفه إن شاء الله لا أحكموا عليك . .
خرج وهو يفتح ياقة ثوبه بعد ان اختنق بغضبه، دخل مكتبه بشعورٍ فظيع، كل مصيبة يتداركها تجعله يقف بحيرة مما يُخفى عليه، جلس ليطوَق رأسه بكفيَه : يارب رحمتك
رفع عينه لهاتفه الذي يهتَز، أجاب : هلا بوسعود
عبدالرحمن : صار لي ساعة أدق عليك!!
سلطان : ما كنت بالمكتب! . . أكتشفت مصيبة جديدة
عبدالرحمن : واضح أنه اليوم يوم مصايب!!
سلطان : ليه وش صار؟
عبدالرحمن : قولي مصيبتك أوَل بعدين بتفاهم معك على اللي صاير هنا
سلطان : وأنا داخل اليوم شفت واحد بمكتب شؤون الموظفين . . وشكله غريب أول مرة أشوفه! المهم كلمته وبدآ يرتبك ويلف ويدور! . . بالنهاية طلع حيوان زيَه زي غيره . . وشكله هو اللي يوصَل الأخبار بعد زياد
عبدالرحمن تنهَد براحة : الحمدلله على الأقل قطعنا جذورهم من عندنا
سلطان : إيه هذا أهم شي . . لله الفضل والمنَة
عبدالرحمن : جتني رسالة مدري مين حاطَها! وبقولك بس أبيك تشيل فكرة سلطان العيد من بالك
سلطان بسخرية : قول أصلاً مخي متشنَج من سالفة سلطان الله يرحمه
عبدالرحمن : مكتوب أنه رائد ما راح يجي وأنه مقابلتنا مع سليمان راح تكشفنا بطريقة خاطئة وبتخلينا نفقد سيطرتنا على الموضوع !!
سلطان : مين هذا ؟
عبدالرحمن : أنا نفسي ماني عارف! مكتوب بخط اليد
سلطان : تعرف خط سلطان العيد؟
عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله!! سلطان وش قلنا ؟ الرجَال ميت والله يرحمه لا تشوَش أفكارنا بشي مستحيل
سلطان : طيب ليه مانقول هذي لعبة منهم عشان يبعدونا!
عبدالرحمن : أنا فكرت بهالطريقة بس رائد إلى الآن ما وصل
سلطان : صار له شي؟
عبدالرحمن : ماأتوقع! لو صار له كان وصلنا خبر . .
سلطان : وين عبدالعزيز ؟
عبدالرحمن بغضبٍ ساخر : ما بشَرتك؟
سلطان تنهد : وش بعد؟
عبدالرحمن : عبدالعزيز عرف عن غادة والحين ما أدري وين مكانه
سلطان تجمدَت ملامحه/نظراته ليُردف : شلون عرف؟
عبدالرحمن : وصلت له صورها مع ناصر!! وأكيد الحين مقوَم الدنيا والله يستر وش قاعد يخطط له
سلطان : كل شي انقلب على راسنا بوقت واحد!
عبدالرحمن : سلطان . . وش رايك تجي باريس؟ خلنا ننهي الموضوع بسرعة ماعاد يتحمَل خسارات فوق كل هذا!
سلطان : وهنا؟
عبدالرحمن : منت وحدك! فيه مسؤولين وفيه موظفين! . . نحتاج تجي ، بالنهاية مافي غير هالحل! لازم نتنازل ونقابلهم!! بكلا الحالتين إحنا مستعينيين بالسلطات الفرنسية بأنها تقبض عليهم لكن مستحيل يتم بدون لا نحطهم كلهم قدام بعض ونخليهم يطيحون في شر أعمالهم
سلطان تنهَد : هالطريقة سوَهاا سلطان العيد قبلنا وطاح فيها
عبدالرحمن : وش نسوي؟ نجلس نحط إيدنا تحت خدنا ونراقب كيف واحد ورى الثاني يضيع! والله يعلم الحين كيف حال ناصر ولا حال عبدالعزيز!!!
سلطان : ما قلت نحط إيدنا على خدنا! لكن فيه حلول منطقية أكثر!! أخاف نخسرهم مثل ما خسرنا قبلهم
عبدالرحمن : وش الحل المنطقي برآيك ؟
سلطان : نفاوض رائد، هو أصلاً بينه وبين سليمان عداوة، ممكن نمحي سليمان عن طريقه . . وبعدها نفكر بطريقة نقبض فيها على رائد بدون أيَ مشاكل وبأدلة واضحة بدون لا نلقى له دعم من الجوازات اللي يحملها!!
عبدالرحمن : مستحيل رائد بيتعاطى معك
سلطان : نجرَب ونحاول
عبدالرحمن بحدَة : ماهو وقت تجربة يا سلطان!!! وإحساسي يقول أنه فيصل مخبي عنَا شي غير اللي قاله!! رسايل رائد ولا سليمان ماتجي بهالطريقة!
سلطان : يوم راجعت الموظفين عند رائد مرَ عليك إسم فهد؟
عبدالرحمن : لا . . كل الأسماء كانت صحيحة ما عدا إسم واحد بحثت عنه ولا قدرت ألقى أيَ معلومة عنه
سلطان يُمسك الورقة التي أمامه ويخرج القلم من جيبه الأمامي : وش إسمه ؟
عبدالرحمن : قاسم معاذ
سلطان عقد حاجبيْه : قاري هالإسم بس مدري وين
عبدالرحمن : حتى أنا حسيت أنه مارَ علي بس يوم بحثت فيه ما لقيت أيَ شي!! أتوقع إسم مزوَر
سلطان يُشخبط على الورقة برسوم تخطيطة وأسهم كثيرة : إذا قلنا أنه بداية دخول سليمان كانت عن طريق قضية منصور! ومثل ما فهمنا من عبدالله أنه أم المقتول تنازلت بشرط زواج بنتها! لو افترضنا أنه الأم تبي الستر لبنتها مستحيل تسلَمها لقاتل ولدها! . . فيه لَبس بالموضوع!! هذا يعني أنه فيه توقعِين إما أنه فهد معهم! أو أنه فهد ضحية راحت بيِد يزيد اللي حاول يلبَسها منصور وهددوا أم فهد . . في كلا الحالتين أكيد فيه شي تعرفه أم فهد!!
عبدالرحمن : أنا متاكد من مسألة أم فهد! فيه شي وراها . . ممكن يكون الإسم المزوَر قاسم معاذ صاحبه يزيد!! أو ممكن أحد يعرفه رائد . . بس المشكلة انه اللي داخلين بين رائد وسليمان مصرَحين بأسماءهم ما خافوا من رائد أنه يكشفهم!! هذا يعني أنه الإسم المزوَر ماله علاقة بسليمان . . يعني مو يزيد! لكن أكيد يزيد له علاقة فيهم
سلطان : تتوقع فيصل يعرف ؟
عبدالرحمن : فيصل علاقته مع سليمان ماهو مع رائد!! يعني رجال سليمان مكشوفين قدامنا
سلطان : ممكن حصل شي بين الحادث و وفاة سلطان العيد؟
عبدالرحمن : رجعنا لنفس الموَال! سلطان توفى بعد الحادث
سلطان : جثث غادة و سلطان كانت جاهزة! وش هالترتيب اللي جاء بالصدفة؟
عبدالرحمن بحدة : سلطان!! مانبي نشتغل على توقعات وأوهام
سلطان : ما يثير فضولك أنه بو عبدالعزيز اشتغل بعد وفاته؟
عبدالرحمن : ما اشتغل! لكن كان يتلقى تهديدات تخليه يتصرف كأيَ شخص
سلطان : قدامك ملف يخص إسم يحمل فواز! ما شفناه ولا حضر ولا إستجواب ومسجَل أنه تم إستجوابه من عبدالمجيد . . تقاعد عبدالمجيد راح باريس . . قبلها تقاعد سلطان راح باريس . . لا تقولي صدفة ومستحيل يتقابلون!!
عبدالرحمن : وش تبي توصله؟
سلطان : عبدالمجيد و سلطان مسكوا ملف فوَاز وممكن يكون حسب توقعنا أنه فواز هو سليمان . . لكن ممكن مايكون سليمان لأن ماعندنا دليل واضح! . . اللي يعرف سلطان وعبدالمجيد . . وبعدها يجي فيصل ويقولنا عن اللي صار بعد الحادث! وقبلها ببداية السنة يجي مقرن ويقولنا أنه عبدالعزيز ما يدري أنه غادة حيَة!! . . ما تحس أنه كل هالأشياء تصير من شخص واحد لكن يحاول يشتتنا لأسماء ثانية
عبدالرحمن : لو فعلاً كان هو شخص واحد! مين ممكن يخاطر بكل هالأسماء ويترك سليمان و رائد بدون علم!!
سلطان : صرت متأكد 70٪ أنه اللي ورى كل هذا شخص نعرفه
عبدالرحمن بغضب : تبينا نحفر قبر سلطان ونوريك أنه مات!!
سلطان : وانا أقولك أنه مات الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة، لكن قصدي أنه ما مات بعد الحادث مباشرةً! حصلت أشياء بعد الحادث وبعدها توفى
عبدالرحمن : بكرا عندي موعد مع إدارة المستشفى وبحقق بموضوع الجثث على قولتك!!
سلطان : طيب . . إرجع البيت الحين دام رائد ما وصل . . . أكيد هذي لعبة من رائد
عبدالرحمن : حطينا كام داخل، براقب الوضع ولو أني عارف مستحيل يحصل التبادل بهالطريقة . . حلَ مسائل الشغل اللي قدامك الحين وحاول تحجز أول رحلة لباريس
،
ابتهلَ قلبه بكل ذكرٍ يتصل بالله، وقف على أقدامه التي تتجمدَ على المساحة الخضراء، بلع ريقه بصعوبة وهو يثبت الهاتف بكتفه، بنبرةٍ خافتة : دخلت . .
: طيب يا ابوي انتبه لحد يشوفك . . حاول تصعد للدور الثاني
فيصل : البيت مراقب! في كل جهة كاميرا
: الكاميرات الأمامية ما تتحرك، مثبته بجهة وحدة، الكاميرا اللي حولها لصق أزرق هي اللي تتحرك
فيصل رفع عينه : اللي قدامي أتوقع أنه فيها جهاز إستشعار!!!
: طيب . . حاول تروح للجهة الثانية
فيصل : ما كنت أدري عن بيت سليمان هنا! أخاف داخل مايكون فيه أحد
: تطمَن انا معك وقبلي الله معك . . روح للجهة الثانية الحين
فيصل بضيق خطواته، قطع أمتارًا كثيرة حول المنزل ليقف بجانب الباب الخلفي : فيه كاميرا
: خذ أيَ ورقة وأطويها على شكل مثلثات، ثبَتها بأيَ شي وحطها على طرف الكاميرَا، بيصير الفوكس عليها، معروف نظام هالكاميرات
فيصل : بيشكَون!!
: بيحسبونه عصفور ولا أيَ شي . . حطَها الحين
فيصل وقف على ركبتيْه على التراب، أخرج ورقة من جيبه ليطويها على شكل " طير " مررَها على لسانِه حتى يُثبَتها، رفع يدِه لأقصى ما يُمكن أن يصِل إليْه، زحف بالورقة للكاميرَا بخفَة حتى لا تظهر وكأنها أتت فجأة.
: ضبطتها
: طيب الحين حرَك الكاميرة للجدار وخل الورقة تتحرك معها . . بثانيْتين يا فيصل مو أكثر
فيصل بتوتر : بسم الله . . وضع إبهامه وأصبعه الأوسط خلف الكاميرَا ليلَفها بسُرعة ويفلت يدِه.
صمت لدقائق ينتظر أيَ ردة فعلٍ مُفاجئة ليردف بضحكة : تمام . . أدخل الحين؟
: انتظر دقيقة عشان تتعطَل كل الكاميرات اللي تتبع هالكاميرة
فيصل : وكيف أعرف أنها تعطَلت؟
: شوف الكاميرات اللي فوق اذا تحرَك إتجاهها معناها بتعلَق الصورة وماراح تشتغل مثل الكاميرا الرئيسية
فيصل رفع عينه للسور الشاهق ليراقب الكاميرات الموضوعة على جوانبه، أنتظر لدقيقةٍ وأكثر ولم تتحرك : ما تـ . . إلا .. أدخل؟
: الطريق قدامك محد بيقدر يشوفك
فيصل : بسم الله . . . دخل ليلتفت للمساحة الواسعة الخالية من أيَ ظل، نظر للنوافذ الزجاجيَة المغلقة، ولا عينٌ تنفذ منها.
إتجه نحو الباب الخلفي ليدخل بخفَة دون أن يصدر أيَ صوت، نظر للزجاج العاكس الذي أمامه ولم يلحظ أيَ أحدٍ يعبر المجالس الفارغة، إتجه نحو الدرج ليصعد بخطواتٍ سريعة، نظر للغرف نظرةٍ عميقة قبل أن يدخل أولُ غرفة على يساره، خرج منها ليتبعه دخوله للغرفةِ الأخرى، أغلق الباب خلفه : وين أقدر ألقى الأوراق؟
: بتلقاهم بين الكتب اللي في غرفته
فيصل : مستحيل يحطهم هنا!
: مو مستحيل! دايم يحفظهم بمكان محد يتوقعه أنه يحط أوراق مهمة فيه! . . يعني مجرد تمويه
فيصل تنهَد ليبحث بين كتبٍ أدبية ذات أسماءٍ مشهورة تميلُ للأدب الغربي، أخرج كتابًا كتابًا وهو يبحثُ بين أوراقه، حتى وصل إلى المنتصف وسقطت الأوراق المطوية على الأرض، اعاد الكتاب لمكانه ليجلس على الأرض وهو يفتح الأوراق ويتأكد منها، أتسعت إبتسامته عندما قرأ إسمه، هذا الدليل الذين يستمرَون بتهديدهم ليْ به أصبح بيدي!!
: وش صار؟
فيصل بنبرةٍ تتسع لفرحٍ عميق : لقيتهم
: الحمدلله . . يالله فيصل أخذ منديل النظارات وأمسح كل مكان مسكته . .
فيصل : طيب . . . أخرج المنديل الذي جاء به من جيبه، ليمسح الجهة بأكملها ويُزيل بصماته من عليها : أدوَر على أشياء ممكن تفيد بوسعود و سلطان؟
: خلَ هالأمور عليَ . . لا تخاطر بنفسك
فيصل : البيت شكله فاضي . . خلني أدوَر؟
: مستحيل يحط أيَ دليل لشغله في بيته
فيصل : طيب . . وضع الأوراق بأكملها في جيبه دون أن يقرأها جميعها. إتجه نحو الباب حتى سمع صوت خطواتٍ تسيرُ بإتجاهه، وقف خلفِه وهو يلصق ظهره بالجدار، انفتح الباب ليُغطي نصف جسدِه بالباب.
سَار الشخص المجهول بإتجاه الطاولة ليُردف وهو يتحدثُ بالهاتف : أبد هذا كل اللي صار! . . . . . . . إيه طبعًا . . . . يمكن للحين بالمستشفى! . . . سمعت من واحد يقول أنه حالته خطيرة . . . إيه وش أقولك من اليوم! نفسه الحبل خنقه عاد الله أعلم مين نكبه! . . . ههههههههههههههه كل الأمور تمشي تمام . . .
على بُعدِ خطوات كانت النظارة الشمسية التي تعتلي رأسه تنزلق ببطء ولا يستطيع أن يرفع يدِه ويُحرَك الباب، تسارع نبضه وهو يدعو أن لا تسقط النظارة وتصدر صوتًا.
إلتفت جسدُ الشخص الآخر بجهةٍ معاكسة لفيصل : كلها يومين وماعاد تسمع بإسمه . . . . . على كلامهم أنه ما لحقت الإسعاف عليه . . الكلب فهد ما يرَد ولا كان عرفت وش صار بالضبط . . . . إيه ولا يهمك . . . . . دبرتوا موضوع فارس؟ . . . . . ههههههههههههه كفو والله . . . . . بأقل من اسبوع إن شاء الله ونطوي صفحتهم . . . . . كلمني قالي عيَا لا يقبل الرشوة! . . والله طلعوا الفرنسيين راعيين أخلاق!! . . . . . وش قررتوا تسوون فيه؟ . . . أنا والله فكرت وقلت ليه ما تطلعون ناصر من القضية وتعلقونه بعبدالعزيز . . . . ماراح يسكت له خذها مني! . . . عبدالعزيز بعد ما عرف بيمسك ناصر ويذبحه بنفسه . . . . . . كيف بتقدر تذبحونه وهو بالسجن؟ . . . مستحيل حتى يتسمم إذا هم رفضوا الرشوات! . . . أنا أقولك هي طريقة وحدة، طلعوه وأنهوها براحتكم! ساعتها الكل راح يلتفت لهالموضوع وممكن حتى نلبَس التهمة عبدالعزيز ونقول أنه اخته هي السبب وأنه يبي ينتقم ومافيه غيره متهم . . . . أضربوا عصفورين بحجر! . . . . . . ههههههههههه كلَم سليمان وقوله والله بظرف يومين وبتشوف وش بيصير . . . . . . بس يبيلك تجيب بصمات عبدالعزيز وتحطَها عند جثة ناصر ساعتها لو يموت ماراح يطلع منها خصوصًا بهالفترة أنه عبدالعزيز ما هو خاضع لأوامر بوسعود . . . . . . . . خلاص شف سليمان وأكيد ماراح يعارض . . اهم شي جيبوا دليل يبرىء ناصر عشان يطلع . . . .. . يخي اندبلت كبدي والله أبي أخلص من هالموضوع عشان أطلع من هالخياس اللي عايش فيه
تعرَق جبينه ولمَع بقطراتِ عرقه من التوتر والنظارة مازالت تُهدده بالسقوط.
اشتدَت أنفاسه التي يحاول أن يكتمها، وهو يعلم أنه بمجرد أن يلتفت إليه سينتبه لظلَه الواضح،
من خلف الهاتف فهم صمتُ فيصل ووصله الصوت البغيض الذي يُخطط على القتل : قرَب من عنده وأكتم فمه، لا تخليه يشوفك! أخنقه لين يغمى عليه وأطلع
فيصل وضع قدمِه اليسرى خلف اليمنى ليدوس على حذاءه وينزعه وكرر الحركة بقدمِه اليسرى، أقترب حتى لا يصدر أيَ صوت بخُطاه، وقف خلفه تمامًا وبحركةٍ سريعة وضع ذراعه حوله، كتم على فمِه أمام صرخاته التي يحاول أن يستنجدُ بها، دقيقتين تمامًا حتى ارتخى جسدِه وسقط مغميًا عليه، بهرولة ارتدى حذاءه ونزل للأسفل، خرج للشارع المقابل للمنزل ليقف متنهدًا براحة : طلعت . . .
،
مسحت على وجهها مرارًا، حتى فقد جلدَها الحياة/اللون، تصبَغت بالشحُوب، ومازالت الرجفة تسكنُ أطرافها وتسعرً بدماءها التي تنتشي بالغضب لحظة وتبكِي لحظاتٍ كثيرة.
رفعت عينيْها إليْه : محد راضي من أهلك عليَ وأنت مضطر أنك تمشي مع كلامهم!!
يوسف بحدَة : طبعًا لا! لا تفسرين من مخك . . أنا الحين أكلمك بموضوع أمك لا تفتحين مواضيع ثانية
مُهرة بعينيْها المحمَرة بالدمع : صح كلامك . . أمي عرضتني عليك لأنها دارية أنه أخوك بريء
يوسف بغضب يقف ليُشير إليها بالسبابة : ما قلت عرضتك عليَ!!! لا تقوَليني كلام ما قلته!! . . أنا قلت أمك تخبي شي أو خايفة أنها تقول شي يخص أخوك الله يرحمه
مُهرة بضيق : ليه تشوَه صورته قدامي؟ ما تحس وش ممكن تسوي فيني لمَا تتكلم عن فهد بهالطريقة؟ . . ترضى أحد يتكلم عن خواتك أو عن منصور بنفس طريقتك توَ!!!
يوسف : مُهرة ما تكلمت عنه بتأكيد مني، أنا بس أقولك اللي صار بالضبط واللي يبون يعرفونه من أمك! .. لا تخلينا كلنا ننحرج ونحط نفسنا بموقف بايخ بسبب أمك . . . بس دقي عليها وفهميها الموضوع وأنها لازم تتكلم! على الأقل تقولي ساعتها أقدر أتفاهم معهم بأنها ماتجي أو يحققون معها!!
مُهرة عقدت حاجبيْها لتقف : طيب مثل ماتبي . . . أخذت هاتفها لتتصل على والدتها أمام أنظار يوسف المترقبة.
: هلا يمه . .
والدتها : هلابتس . .
مهرة : يمه أبي أكلمك بموضوع يخص فهد الله يرحمه
والدتها : الله يرحمه . . وش به ؟
مُهرة : تعرفين مين كلَم أو مين قابل قبل وفاته؟
والدتها : وش هالسؤال!!
مُهرة : يمه جاوبيني!
والدتها بعصبية : اجاوبتس وانا مااعرف ليه تسألين هالسؤال!
مُهرة : لأن الحين فتحوا تحقيق وتأكدوا أنه منصور بريء لكن قالوا أنه أمه مخبية شي
والدتها : أنا!! مهبَلِ(ن) ما يدرون وين الله حاطهم!!
مُهرة : يمه راح يجيبونك من حايل للرياض عشان يحققون معك! إذا فيه شي قولي لي عشان نحط يوسف وأخوه بالصورة
والدتها : وش صورته وش خرابيطه! توفى أخوتس والله يرحمه واللي ذبحه أخو رجلتس لا يلعبون بمختس!
مُهرة برجاء يُذيب دموعها على خدِها : يمه تكفين
والدتها : وش تبيني أقول!! هالتسلاب لعبوا بمختس صح؟
مُهرة : راح ينادونك وبيجبرونك تجين هنا عشان التحقيق!!
والدتها : ما يجي من وراهم خير! لو رجلتس به خير ما يقول بجيب أم مرتي وأعنَيها للرياض
مُهرة : أنا وين وأنتِ وين يا يمه! . . بس أبي أعرف وش صار قبل وفاته
والدتها : ما صار شي! انفجعنا عسى الله يفجع العدو
مُهرة بخفُوت : يممه مو حلو منظرنا لمَا تروحين ويمسكونك بحجة أنه تكذبين!!
والدتها : الله يسلَط أبليس عليهم كانهم يبون يتبلُون عليَ
مُهرة : محد يبي يتبلى عليك بس هم مستغربين كيف أم ترضى تزوَج بنتها لواحد أخوه قاتل ولدها!
والدتها : ما خلصنا من هالسالفة! انا كنت أبي أحرق قلب أهله عليه مثل ما حرقوا قلبي وأزوَجك إياه بس أخوه طق الصدر وفزع له
مُهرة بضيق : طبعًا أنا ولا أهمك بشي
والدتها : أكيد تهمينن! وانا اعرف أبوهم ما يرضى بالظليمة من جينا الرياض ولا جابوا سيرة أمنها انذكر اسمه
مُهرة : يعني هذا سبب مقنع لطريقة زواجي عشان تقنعين الشرطة فيه
والدتها : إيه سبب مقنع عاجبهم يا هلا ماهو عاجبهم يضربون راسهم بالجدار وش علاقتي بعد
مُهرة : فهد الله يرحمه قابل أحد؟ يمه تكفين جاوبيني
والدتها : ما قابل أحد . . طلع من البيت ومن بعدها صار اللي صار . . وش بيدرينن عن الغيب
يوسف يقترب منها : عطيني أكلمها . . مدَت له الهاتف ليأخذه : ألو
والدتها : هلا بالصوت اللي ما وراه شيِ(ن) زين
يوسف : هذي شرطة ماهي لعبة عشان تخدعينهم!! خلال أسبوع راح يوصلك خبر إستدعاءك وإن ماجيتي برضاك بيجيبونك بالغصب وساعتها استقبلي الفضايح
أم مهرة : وش تبينن أسوي! أتعنَى للرياض عشان أقابلهم
يوسف : بس جاوبينا على أسئلتنا! . . تعرفين شي وماقلتيه؟ إذا خايفة قولي لي أنا وماراح يجيك شي
أم مهرة : وش خايفتن منه! صاحي أنت!!! . . هذا ولدِي يالأغبر تبينن أضرَه حتى وهو في قبره! كل اللي عندي قلته ليلة الحادثة الله لا يعيدها من ليلة
يوسف بتوسَل : أنا آسف . . حقك علي بس تكفين قولي وش اللي تخبينه علينا؟
أم مهرة : لا حول ولا قوة الا بالله أحتسي صيني ما تفهم!
يوسف : لا تفضحينا أكثر ما أحنا مفضوحين! . . وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه؟ إذا غلط قولي لنا وصدقيني موب صاير شي شين!
أم مهرة : اللي يغلط أشكالك ماهو ولدي اللي يغلط
يوسف بغضب لا يسيطر عليه : هالكلام روحي قوليه للشرطة! يسجنونك ويجلدونك على النصب والكذب!!
أم مهرة : هذا اللي ناقص!! لو بك خير ما قلت أجرَ أم مرتي! بس مقيولة وش نرتجي من واحد أخوه قاتل!!
يوسف : هذي شرطة ! تعرفين وش يعني شرطة مافيها حب خشوم!!
أم مهرة : إن جيت الرياض بمَر هالشرطة اللي تحتسي عنه وبمَر بعد بنيتي وبآخذها معي وخلَك قابل أخوك اللي فرَ مخك
يوسف بحدَة يحاول أن لا تفلت أعصابه منه ويتلفظ بأبشع الألفاظ لمرأةٍ بمقام والدته : الأدلة ثبتت أنه منصور ماله علاقة! لكن ثبتت بعد أنه لك علاقة بتغيير مجرى القضية . .
أم مهرة : الله يشلع قلب العدو قل آمين! وش اللي غيَرته! أنتم صاحيين على تالي عُمري تحاسبونن
يوسف مسح على وجهه : ساعديني عشان أساعدك! وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه وماقلتيه للشرطة أول مرة
ام مهرة بغضب : أعرف أنكم ناس تدورون الخراب! وتتبلون
يوسف يمدَ الهاتف لمُهرة : تفاهمي مع أمك
مُهرة : ألو
أم مهرة بإنفعال : ماتجلسين مع هالتسلب! بكلَم خالتس ونجيتس الرياض وخلَه يعض أصابعه ندم يوم أنه يبي يجرَني للشرطة ويفضح بيْ
مُهرة : يمه . .
تقاطعها : وصمَة تصم العدو . . جهزي شنطتس مالتس جلسة عندهم! يوم أنهم يقولون إني بايعتتس وماأبيتس! أنا أعلمهم مين اللي بايع الثاني
مُهرة : هذا كلام الشرطة ومن حقها تسأل لما شافت أنه الموضوع غريب! كيف أم تخلي بنتها تتزوج من واحد أخوه قاتل ولدها!
أم مهرة : خلاص أجل يبشرون بخليه يطلقتس عساس يقتنعون أنه ما يصير أم تزوَج بنيْتها لاخو قاتل
مُهرة ببكاء بحَ صوتها : فوق انه نفسيتي تعبانة تزيدينها عليَ! بس جاوبيني وريَحيني
والدتها بصراخ : وش اجاوبتس عليه! يتسذبون وتصدقينهم
مُهرة : يعني ماتعرفين شي
والدتها : وش رايتس بعد أحلف لتس على كتاب الله!! حسبي الله ونعم الوكيل هذا اللي أقوله بس أنا أوريه رجلتس يوم ينافخ عليَ ! والله ثم والله
مُهرة تقاطعها : لا تحلفين
والدتها : والله ما تجلسين عنده . .
مُهرة بضيق : يمممه
والدتها : لا تناقشينن! يومين وأنا جايتتس مع خالتس . . لاابوه من زواج ماجاب لنا الا وجع الراس! فوق ما احنا عافين عن ولدهم وبعد يتهمونن! جعلهم اللي مانيب قايلة . . وراتس بس . . وأغلقته دون أن تنتظر من إبنتها أيَ تعليق.
يوسف تنهد: استغفر الله العليَ العظيم
مُهرة : أمي صادقة لو فيه شي مخبيته كان ارتبكت! أنا اعرف أمي ما تقدر تكذب زي الناس وتغطي كذبتها
يوسف : مُهرة لا تجننيني! كل شي يقول أنه أمك تكذب
مُهرة بغضب : لا تتهم أمي على باطل! قلت لك مستحيل تكذب، كلمتها قدامك وتأكدت أنه مستحيل تكون كذبت بالموضوع
يوسف : أنا ما عاد أقدر أتوسَط لها ولا حتى أقدر امنع الشرطة عنها! بيمسكونها تحقيق يخليها تكره الساعة اللي كذبت فيها
مُهرة بحدَة : ماألوم أمي يوم تدعي عليكم! كذبتوا الكذبة وصدقتوها
يوسف اقترب منها : وش قصدِك ؟
مُهرة : اللي فهمته! أمي ما كذبت . . إذا ما كان أخوك القاتل، فأكيد أمي ماراح يهون عليها ولدها وتتبلى على أحد بالقتل! أنت متصوَر أنه قتل مو شي عادي عشان أمي تكذب فيه! . . امي تخاف الله ماهي كذابة عشان تتهمونها
يوسف : محد معصوم عن الخطأ، إذا أمك غلطت خل تواجه غلطها
مهرة انفجرت لتصرخ : لو أمك مكانها! ترضى أحد يتكلم عنها كذا ويقول عنها كذابة وغلطانة . . ولا عشان أمي ماوراها أحد قمت أنت وأخوك تحذفَون عليها الإتهامات!!
يوسف بدهشة من صوتها الذي اعتلى بنبرته، بغضبٍ شديد : صوتِك لا يعلى لا أدفنك أنت وياه!!
مُهرة تكتفت لتُعطيه ظهرها وهي تغرق ببكاءها : ابشرك أنه امي تبي تبيَن لكم أنه نظرتكم الغريبة للموضوع غلط وتبي تآخذني معها عشان تثبت لك أنت وأخوك أنه مافيه أم ترمي بنتها على قاتل ولدها
يوسف : العصمة مو بإيد أمك . . حطيها في بالك . . . خرج ليغلق الباب بقوَة، فتح أول أزارير ثوبه بإختناق من هذا النقاش الذي أثار دماءه بحدَته.
،
نظرت للهاتف وهي تنزوي بالغرفة الضيَقة، في كل رنَةٍ لا تستطيع أن تصِل بها إلى صوتٍ يُطمئنها تسقطُ دمعة مالحة تمتصُ الحياة من ملامحها، نظرت لإسم " عبدالعزيز " كثيرًا ولا إجابة تصلها، كل ما يصِلها " الرقم خاطىء "، وناصِر أيضًا أشتقته، يوم واحد يمرَ بدونه بعد هذه الفترة الكئيبة تجعلني أشعر أنني فقدت جزءً مني، لا قدرة لديْ حتى احتمل كل هذا الضغط النفسي الذي يُربك ذاكرتي المشوَشة، لو أنني أتذكر أماكن لأصدقاءٍ أعرفهم، لو أنني فقط أعرفُ أين أنا من حياة أصدقائي القدامى، أين أنا من " عبدالعزيز "، يارب ساعدني. يارب!
رنَ جرس الشقة ليقع الهاتف من بين يديْها، إرتجفت بخوف من وحدتها هذه اللحظة، لا أحد بجانبها، لا شيء يُطمئنها سوى لفظ " الله "، يارب أحفظني.
وقفت لتجرَ خطوة خلف خطوة ببطءٍ يُسقطها ببحرٍ مالح من البكاء، نظرت من العين السحريَة لترى ملامحه التي فقدتها طوال الفتنة الماضية، سحبت حجابها لتلفَه حول رأسها وأنتبهت بأن بلوزتها قصيرة، تراجعت لتأخذ معطفها الذي يُغطي جسدِها، فتحت الباب.
وليد بإبتسامة وهو يرتعش من البرد والثلج المستاقط على لندن : السلام عليكم
غادة ببحة : وعليكم السلام!
وليد : توَ وصلت لندن كنت عند ناصر . .
غادة بلهفة : وش صار؟
وليد : كل الأدلة ضدَه! ما ودَي أضايقك بس واضح أنه بيجلس هناك كثير . . وجلستك هنا بروحك أكيد غلط
غادة بضيق : يعني ماراح يطلع ؟
وليد : لا
غادة : طيب هو ما ذبحه بإرادته . . كان يدافع عن نفسه
وليد : هالأشياء ما تهمهم قد ما يهمهم الشي المحسوس! والشي المحسوس يقول أنه ناصر قتله بكامل إرادته
غادة : طيب وش أسوي الحين؟
وليد : أنسب حل أننا نتواصل مع السفارة ويجيبون عنوان أخوك . . وممكن حتى يطلقونك من ناصر
غادة عقدت حاجبيْها : كيف يطلقوني؟!!!
وليد : يسوي توكيل ويتم الطلاق عادي . . أنتِ ماتبين الطلاق؟
غادة ارتبكت لتُردف : أبي أشوف عبدالعزيز الحين
وليد : طيب . . إذا جاهزة خلينا نروح المترو ونرجع باريس . .
غادة بعُمق عاطفتها التي تجهلها تعود لنفس السؤال : طيب وناصر؟
وليد بهدوء : وش نسوي! مافيه حل يا غادة . . لو فيه طريقة أساعده فيها كان ساعدته
غادة بإرهاق : طيب . . بس دقيقة أجيب أغراضي
وليد : أنتظرك
،
لم يترك لها أيَ مجال بأن تتصل على أحدٍ، تركها وحيدة دُون أن يُخبرها لأيَ ملاذٍ تلجأ.
نظرت لأسفل الباب الذي ينزلق منه ظرف أبيض، ارتعش جسدها لتتجمَد بمكانها، تمرُ اللحظة تلو اللحظة حتى يسكُن الهواء بأكمله الذي يُحيط بها، اقتربت من الباب لتأخذ الظرف، فتحته لتبلع ريقها بصعوبة، أشدُ ما اواجهه في حياتي " الخيبة " وأصعبُ ما أستطيع أن أتجاوزه هي الخيبة ذاتها.
تُقلب الأوراق لتقرأ صور محادثاتٍ بينه وبين فتاة لا تعرفُ مصدرها، كلماتٌ مبتذلة تشكُ بمصداقية أن فارس يكتب مثل هذه العبارات، نظرت للصورة التي يقف بها بإنحناءٍ بسيط وبيدِه كأس . . لا يالله . . يارب لا تشوَهه بعيني هكذا.
في اللحظة التي تغلبت بها على الصوت الذي يُذكرني دائِمًا بأن هناك عقوبة تنتظرني، باللحظة ذاتها أُصاب بعقوبةٍ لم أتخيَلها ولا للحظة، " لم تحتمل قدماها الوقوف لتجلس على الأرض وعيناها تنهمرُ ببكاءٍ طويل يُشبه صبرها الذي عانت منه "
كان حلمًا لا أريد أن أفوق منه، كان شيئًا طيبًا في حياتي، ولكن تلاشى كما تتلاشى اللحظات السعيدة التي لا تستطيل أبدًا من أجل ضحكاتنا، كُنت أراك كاملاً حتى طمس الله عيني عن عيوبك، ولكنِ أسوأ الصفات التي يُمكن أن يواجهها المرء بحياته تتكوَر بك وتتكاثر أيضًا، كنت مثلهم! وأنا التي صدقتك على الرغم من كل شيء، تشرب وتتحدث مع نساءٍ كُثر من بينهم أنا، أنا التي أصبحت بمثل رداءتهم ودناءتهم، أنا التي أحببت شخص لا ينتمي للأخلاق بشيء. أستحق كل هذا! لأنني كنت ساذجة بما يكفي حتى أتصوَرك بطهارة هذا الكون وبياضِه، لِمَ يا فارس؟ يا من غيَرت إنتمائِي فداء قلبك، يا من جعلتني أمحِي السنين التي مضت وأعيش العُمر من أجل الذي ينمو بيننا كشجرةٍ شاهقة لن يقدر أحدًا على قطعها سوى من قدَر لنا هذا الحُب، من قدَر لنا أن نعيش يومًا يوازي العُمر بأكمله، من قدَر لنا أن نلتقي بـ " أحبك ".
وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط ببكاءٍ لا يهدأ، تشعرُ بأن روحها تنزلق من جوفها، بأنها تختنق حد الموت.
أُفضَل أن أموت ولا أن أُصدم بِك، أُصدم بعينيْك التي أحبها.
بالأسفل قريب من الفندق، حمد : حطيت الصور . . بشوف فارس الكلب وش بيسوي!
: ورَط نفسك برائد بعدها . . محد بيخسر غيرك
حمد تنهَد : أنا مالي دخل . . فيه أحد يعرف أني وديتها ؟
بتوتر : لا
حمد : اجل أبلع لسانك ولا تتكلم بالموضوع!
،
يمدَ له كوب الماء بعد أن أستيقظت عيناه ببطءٍ وآثارُ الدماء باقية على ملامحه وملابسه : سمَ يا ابوي
فارس ينظرُ إليه بإستغراب، تأمل المكان الذي يحويه، الذوق الشرقي يطغى على المكان ذو الألوان العتيقة، أعاد نظره للرجل الواقف أمامه.
: تفضَل . .
فارس : مين أنت ؟
بإبتسامة حانية : خذ يا أبوك وبعدين نتكلم
فارس يأخذ كأس الماء ويشرب رُبعه ليضعه على الطاولة، بعُقدة حاجبيْه وكل حركة بسيطة يتحركها يشعرُ بأن ضلعًا من ضلوعة ينفصل عنه : انا وين؟
: بالحفظ والصون، لكن أبي أطلبك منك طلب وإن شاء الله ما تردَني
فارس بعينيْه المتعبة والهالات تنتشر حولها : تطلبني بأيش؟
: أبيك تقعد عندي هاليومين . . عشان نفسك
فارس وقفت بتعب حتى سقط على الأريكة مرةً أخرى : مشكور على اللي سويته معاي ماأبي منك شي ثاني
: ما تعرفني؟
فارس : لا . .
تنهَد : طيب . . أنت ارتاح الحين وبخليهم يحضرَون لك شي دافي يريَحك
فارس : مين أنت؟
: تعرف بعدين . .
فارس عقد حاجبيْه : كيف أقعد عند واحد ماأعرفه؟ . . لو سمحت أتركني أشوف طريقي
: فارس يبه ارتاح! والله إني خايف عليك
فارس : خايف عليَ من أيش؟
: أشياء كثيرة . . أنت بس ريَح نفسك ولا تشغل بالك
فارس : طيب أبي جوال أتصل فيه
: لا . . كذا بيعرفون مكانك . . صدقني مسألة يومين وراح أشرح لك الموضوع . .
رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
↚
المدخل لـ المتنبي :"""
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ
وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ
إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي
نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ
فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني
عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا
رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
عقد حاجبيْه فارس لينظر للمغسلة التي أمامه، إتجه نحوها ليُبلل ملامحه بالمياه الباردة وعقله يتشوَش بفكرة وحيدة محلَها عبير، نظر للمرآة التي تعكس الصورة بإستقامة واضحة لا تشبه إعوجاج ضلعه، نظر للساعة المُعلَقة على الجدار الخشبي وتعتليها كلمة " الله " هذا الرجل يُشبه أحدًا أعرفه، رأيتهُ بجريدةٍ أو على غلافٍ ما، أجزم أنه ذو مكانةٍ رفيعة وله من السمعة الكثير، ولكن من؟
قبل ساعاتٍ كنت مرميًا وعينيَ تغيب بمهلٍ عن الدُنيا، آخرُ ما أتذكر السلاح المصوَب بإتجاهي والأقدام التي تلمَ حشدَها حولي لتضربني.
أودَعت قلبي بفكرةٍ أنكِ حبيبتي و عِند الله لا تضيع الودائع، أنتِ الآن معهم هذا ما يهم، مع والِدك بالطبع، ما يحدُث أنني الآن أُفكر بأيَ طريقة سترحلين بها عن باريس، بأيَ هيئة ستغادريني! كنت أوَد بشدَة أن أُسمِيك بدُعاءي " زوجتي " ، لن يفهم أحدًا الوجع بِأن تطمح لقولٍ/للفظٍ رُبما لن يغيَر شيء ولكنه يعنيني بالكثير، يعنيني بأنه إرتباط وثيق لا يفضَ قيده أحدٌ سوايْ بعد الله، جبان! أُدرك ذلك، أتخذت الشجاعة بأن أتركك ولكنني الآن تائب من هذا الغياب، أشعرُ بأن روحي تنفصِل عنَي، وحرارة الندم تغرز المرض بصدرِي، تنتشر فيَ ولا تُبقي أيَ ضلعًا صالحًا للحياة من بعدِك، مريضٌ بِك! إني ماضٍ على كل شيء، لا فائدة لهذا الندم بعد كل هذا، من حقِك الحياة كما تُريدين ومن حقي أن أذهب فداءً لقُبلة/حياة تجمعنا، مازال صوتُك الناعم يا عبير يرنَ في إذني، سنَة ونصف أُطاردك كخيال، أنا الكافرُ بالحب من قبلِك، العابثُ بالحياة والسائر بها بلا هدف، و نظرةٌ واحِدة لصورة نائمة على الرفَ أشغلت عقلي لساعاتٍ طويلة، و أتخذت من قلبي مكانًا لأيامًا عديدة، لا أنكر أنني بحثت عنك في البداية لأشبع فضولي من بعدِ رؤيتِك، كُنت أريد أن أتسلى وأسمع صوتُك مثل أيَ " ناقص " يبحثُ عن " أنثى " لمجرد كونها " أنثى " لا غير، ولكن قلبي كفَر بهذه الأفعال، انجذب ناحيتُك حتى أفسدتِ عليَ فسادِي و أصلحتِ قلبًا فطرتهُ أن يُحبك، أنا المؤمن بقلبِك و أنتِ الحلم و الهدف و الغاية و الوسيلة و السبب و الداعِي و كل ما ينتمي للعيش و الحياة.
وكنت أعرف إستحالة ما أفعل نحنُ نرتبط بالحُب ولم نستطع أن نرتبط بعائلتيْن متوافقتيْن، كنت أعرف ولكنني واصلتُ الإحتراق بِك، حتى اندلعتِي في دماءي و عقلي وبين خلايايْ و في صوتي وأعلى حنجرتِي، كنتِ تعبريني كقصِيدة يستحيل على ذاكرتي أن تنساها، أحسنتِ الأبيات المكسورة وأصلحتِ أوزانًا لم تكن لولاكِ أن تتزن، كيف أغنَيك الآن؟ يا من لي على هواها مشَقة، إني على العناءِ راضٍ.
من خلفه : صلَ ركعتين ترتاح فيها
لم يلتفت، أخفض نظره، يُصلي فترة ثم ينتكس، يعِش عُمرًا لا يُصلي به ركعة، كيف تواجه الله هذه الروح؟
يؤذيني أنني مُسلم بالوراثة، أنني منقطع تمامًا عن العبادات ولا أتصِل بالله سوى الدعاء، لأنني أعرفُ يالله أن لا أحد معي سواك، لأنني أعرفُ مهما تماديتُ بعصياني سأعود إليك لأن هذه فطرتي، لأن الملاذُ أنت، ردَني يالله إليْك، ردَني إليك ردًا جميلاً، لم أكسب من هذه الدنيا شيء حتى الحُب، ولا أُريد أن أخسر الآخرة، ردَني يالله إليْك وأرحمني.
أنت تعلم ما في نَفسي، تعلم يالله أنني أُريد الحياة التي تكون خلف سجدَة، ولكن أهوائي أقسى من أن تُفارقني، أصلحني يا كريم و حبب إليَ طاعتك كما أحببتها لقلبي.
: فارس
فارس بضيق : وين لقيتني ؟
: ما لقيتك، كنت معك
فارس : راقبتني؟
: لا . . يهمني تكون بخير
فارس إلتفت عليه بشحُوب ملامحه وعينيْه التي تُضيء بالحُمرة : مين تكون؟
عقد حاجبيْه و بياضُ شعره يزيده وقارًا : فيه أشياء ما يصلح تعرفها الحين، بعدين بتفهم كل شي
فارس خرج ليجلس على الأريكة وهو ينحني بظهره ليثبَت أكواعه على فخذيْه ويديْه على رأسه، جلس أمامه : أسمع وأنا أبوك يا فارس . . مافيه أحد يجبرك تسوي شي ما تبيه . . أنت منت عبد لأحد . . أنت حُر وأمرك بإيدك
فارس دون أن يرفع رأسه : تعرف عني كثير!!
: أكثر من الكثير نفسه . . هذي زوجتك محد يقدر يطلقَك منها
فارس بسخريَة يؤذي روحه بها : وين يجتمع رائد الجوهي مع عبدالرحمن آل متعب ؟
: عبدالرحمن ممكن يكون حازم بهالمواضيع وما يقبل أنصاف الحلول لكن مستحيل يظلمك أو يظلمها
فارس : تعرف أبوها زين؟
بنظرةٍ تلألأت بها عيناه حنينًا : ابوها! . . ماراح تلقى بحياتك شخص نفس حكمته و رجاحة عقله
فارس رفع عينه لينظر للرجل الذي يبلغ من العُمر الكثير و الشيب يملأ رأسه ويُزاحم السواد في عوارِضه الخفيفة : أشغلت فضولي! . . تعرفني وتعرف بوسعود!!
: كل شي بوقته، قريب إن شاء الله . . . أبيك ترتاح وتريَح روحك ولا تثقل على نفسك بالهم!! صدقني محد عايش مرتاح! لا تحاول تصحح كل هالعالم اللي حولك . . صحح بس نفسِك وإذا صححتها كل من حولك راح يتغيَر . . . على الأقل يتغيَر بقلبك
فارس بتوتَر إبتسم : تخوَفني! . . أحسَك تقرأ أفكاري
ربت على كتفِه بإبتسامة : لأني متوَقع كيف تفكر! . . الله يهنيك ويسعدِك ويرزقك الذرية الصالحة
فارس صمت، تجمدَت ملامحه، لم يسمع ولا لمرَة هذا اللفظ، هذا الدعاء تحديدًا، إرتجف قلبه المنقبض خوفًا على عبير، كيف لكلماتٍ بسيطة أن تستثير الحزن بصدريِ، لأول مرَة أحدًا يقولها ليْ بهذه الحنيَة و الحُب، سُبحان من جعلنا لا نهتَز لمواقفٍ هائلة ونهتزُ لكلماتٍ خافتة، سُبحان من جعل دُعاء من شخصٍ لا أعرفه يُثير كل خليَة حسيَة، اختلفت ديانات العالم المنزَلة و المستحدِثة ولكنها اجتمعت بـ " آمين " خلف كل صلاة، أجتمعت بنا والتي تعني بحسب فهمِي الضيَق " أحبك " ، آمين على حياةٍ طيبة ستجمعنا، آمين على سماءٌ سخيَة ستربطنا، آمين على قلبٍ جعل الله به نورًا من أجلك، آمين على الوصِل/اللقاء، على الأطفال الذين يحبسُون ملامِحك و يُغطيهم جفنك، آمين على الهدايَة و الصلاح، آمين على قلبِك وآمين على أحبك.
: عساه آمين
فارس همس : آمين
،
يجلسُ بجانبها والهم يزيده حزنًا على ما وصل به الحال، أن تكون أبًا ليس سهلاً، ان تعِيش من اجل أحد أيضًا ليس سهلاً، أن تحمل على كتفك مسؤوليَة وطَن يزيدُ من الأمر صعوبة، الولاء لهذه الأرض التي خُلقنا منها، للصحراء التي تحنَ إلينا كلما أمتلأت سماء الرياض بالتراب، للقُرى الصغيرة والمحافظات التابعة لمُدننا الشاهقة، الولاء وكل الولاء للشهادة التي تتوسَط البساط الأخضَر. يارب ساعدنا، إنا نحتاجُك، نحتاج أن تربت على قلوبنا وتُطمئنها من كل حزنٍ و كمد و قهر و ضيق، إنا نُنيب إليْك فأرحم عبدًا شهد لك بالوحدانيَة والعبوديَة.
ضيْ تنحنحت لتُردف بإتزان جاهدت أن تصِل إليه : عبدالرحمن
إلتفت عليها بإبتسامة خافتة يحاول أن يُطمئنها بها، يُحمَل نفسه فوق طاقته ليرى الإبتسامة لمن حوله في وقتٍ يفقد كل أسباب الراحة والإستقرار و أيضًا يفقد سببًا للإبتسامة : سمَي
ضي : سمَ الله عدوَك . . أبي أكلمك بموضوع بس . . يعني
عبدالرحمن يلتفتُ بكامل جسدِه عليها ليضع يدِه على شعَرها الطويل : وشو ؟ قولي
ضي أخذت نفس عميق لترتفع الدموع ناحية عينيْها، كل الإعترافات حتى أبسطها دائِمًا تجيء صريحة حادة و أحيانًا قاتلة.
عبدالرحمن يمسح دمعتها قبل أن تسقط : متضايقة؟ . . تطمَني إن شاء الله كلها يومين وراح نرجع للرياض
ضي إبتسمت حتى تغلب بكاءها ولكن هذا الدمع من غلبها حين تساقط كمطرٍ باريس هذه الأيام
عبدالرحمن تنهَد بعُقدة حاجبيْه : ضي؟ . . وش فيك يبه؟
ضي اخفظت رأسها، جبَنت في آخر لحظة بأن تقول له.
شدَها ليعانقها، حاول بكل قدرته أن يمتص حزنها بهذا العناق، يُحزنه أن تعاني ضي أيضًا.
غطَت ملامحها بكتفِه ودمعُها يُبلله وبصوتٍ مختنق : ما أبيك تزعل مني . . والله أموت يا عبدالرحمن لو تضايقت مني
عبدالرحمن : بسم الله عليك . . ليه أزعل؟
ضيْ ببكاء : مقدرت أقولك . . بس والله مو بإيدي . . خفت . . خفت كثير . .
عبدالرحمن أبعدها قليلاً ليُقابل ملامحها الناعمة، رفع حاجبه : وش صاير؟ وش اللي ماأعرفه ؟
ضي شتت نظراتها : آسفة . .
عبدالرحمن : وش الموضوع لا تخوفيني
ضي بربكة وهي تلمُ كفيَها في حضنها : أأ . . قبل يعني فترة عرفت . . بس ما كنت . .
يُقاطعها : عن ؟
ضي بشكلٍ سريع أبتعدت بجسدِها للخلف قليلاً وهي تنطقها : حامل
تجمدَ هذا العالم بأكمله في عينيْه، نظر إليْها بدهشَة دُون أن يساعده الصوت بأن ينطق كلمةٍ واحدة، انتفض قلبه من هذه الكلمة، انتفض من الفرحة التي تجيء بشكلٍ مُفاجئًا، أدركتُ تمامًا بعد هذا العُمر أنني أخاف من لحظاتِ الفرح التي لا تطول أبدًا، " عقد حاجبيْه بردَة فعلٍ لا يفهمها جيدًا " أُجاهد بأن لا يهتَز بي ضلعًا من أيَ خبرٍ يجيء بصورةٍ مُفاجئة، أحاول بكل ما أملك أن لا ينحني ظهري بأيَ شيء من أجل هذه الأوضاع التي تقتل القلب ببطء لتُجمَد الإحساس به، ولكنِك يا ضيَ عينِي أنتِ إستثناء من هذا بأكمله.
ضي عضَت شفتِها السفليَة لترفع عينيْها بتردد حتى تراه، سُرعان ما شتتها بحُمرةِ ملامحها الباكية، خافت أن تقع بشباكِ نظراته لتعِيش حُزنًا يصبَ من عينيْه.
عبدالرحمن بلع ريقه بصعوبَة أنفاسه التي تخمدُ برئتيْه: متى؟
ضي بخفوت مهتَز : هذا الشهر الثانِي
عبدالرحمن همس مُشتتًا نظراته : الحمدلله
ضي رفعت عينيْها لتنظرُ إليْه بعينيْن باكيتيْن : مو متضايق؟
عبدالرحمن اقترب منها ليُقبَل جبينها بقُبلةٍ عميقة، أستطال بالثواني وهو يُلامس جبينها المرتفع بدرجة حرارته، أبتعد ليُردف : أؤمن بأن كل اللي يصير خيرَة
ضي دُون إرادتها أجهشت عيناها مرةً أخرى : يعني ما ودَك بهالطفل ؟
: مو قصدِي . . سحب يدَها ليضغط عليها بدعمٍ معنوي يُقدَره جيدًا.
أكمل : محد يرَد شي فضَله الله وأختاره له، صحيح إني طلبت منك تآكلين حبوب المنع وقطعتيها بدون علمي . . لكن من حقَك! مقدر أحاسبك على شي أنتِ تبينه
ضيْ : إذا أنت ماتبيه أنا ماأبيه
عبدالرحمن يمسح على شعرها بإبتسامة تكسره كثيرًا : واللي تبينه أنا أبيه
ضيْ : ماأبي أخليك تشيل هم فوق همَك ولا تـ
يُقاطعها بضحكة تتمايل بقلب ضيَ الغنيَ به : استحي على وجهك! فيه أحد يقول عن ولده همَ ؟
ضي ابتسمت بين بكاءها : كنت خايفة، خفت تعصَب من . . . مدري بس أشياء كثيرة خلتني أخاف!
عبدالرحمن يمسح دموعها بكفَه الحانية : ليه أحملَك فوق طاقتك؟ وأخليك تشيلين همَي بعد! أعرف شعورك يا ضيَ . . أعرف وشلون تشيلين همَ كيف توصلين خبر لأحد . . وماأبيك تجربين شعوري ، هذا الشعور اللي ما يخليك تنامين براحة ويقتلك كل يوم وكل لحظة تفكرين فيه
ضيْ تضع يديْها على كفَه التي تعانق خدَها لتسحبها قليلاً وتُقبَل باطن كفَه : الله يخليك ليْ
عبدالرحمن وقف ليُمسكها من يدِها ويوقفها بإبتسامته الهادئة: توضَي وخلينا نصلي الشفع و الوتر . .
ضي : أنا على وضوء . .
عبدالرحمن : طيب . . تقدَم ناحية القبلة، أخذت حجابها لتُصلِي خلفه، سكَن المكان بصلاتهم وصوتُ المطر الذي يضطرب بالخارج يعبرُ مسامعهم كطمأنينة، سجَد وفي أولِ سجدة أبتهلَ قلبه بالصلاة على النبي إقتداءً لسنَة الدعاء، ليصمت قليلاً بخشوعٍ عظيم حتى تصاعدت روحه بالكلمات الراكعة لله " اللهم يا كريم يا رحمَن يا منَان ردَ بناتي إليَ وأحفظهم بحفظِك، اللهم إني أستودعتُك فلذات كبدي فأحفظهم وأحمِهم، يارب لا تُريني بهم مكروهًا وأصلح أمرَهم وسهَل ما صُعَب عليهم، يارب أرزقهم الدرجات العليا في الدنيا والآخرة و أجمعهم بمن يحبُون، يارب أحفظ قلوبهم من الوجَع و الحُزن . .
أطال بسجُودِه وصمت بعد " الحزن " ، من شأن الكلمات أيضًا أن تقف كغصَة وتمنع الصوت عنَا،( بناتِي ) الصوت المبتهج في داخلِي أما الآن أحتاجُ حنجرة أخرى لأواصل السير على نبرةٍ أتعبها الوقوف " الغصَة ". مهما بلغنا من القوة الا أننا فُقراء ضعفاء أمام الله، سقطت دمعته على السجَادة.
ليُكمل " يارب يا كريم أرزقني القوَة والصبر حتى احتمل وجعهم، يارب أرزقني النفس الصبورة التي تحمدُك في أشدَ المصائب وأصعبها، اللهم احفظ زوجتي و اكرمها بما تشتهي نفسها ولا تُصعَب عليها أمرًا إنه لا يعجز عنك شيء، اللهم ارزقها السعادة و الراحة. . . . . اللهم أحفظهم . . أحفظهم يا رحيم.
،
في ساعات الفجر الأولى دخَل لعُتمة المنزل الذي يزداد إضطرابًا بسكُونِه، إلتفت ليندهش من وجودها : عمَة؟
إلتفتت حصَة التي غفت قليلاً وهي تنتظره : جيت!
إقترب منها ليُقبَل رأسها ويجلس على ركبتيْه أمامها : وش فيك نايمة هنا؟ كنتِي تنتظريني؟
حصة صمتت قليلاً حتى تتغلب على نوبة البكاء التي أصابتها طوال اليوم : متضايقة من اللي قاعد يصير فيك ومو قادرة أرتاح دقيقة وحدة
سلطان : تطمَني . . ما فيني الا العافية . . يا ما شفت ولقيت بتجي على هذي!
حصة تمسح على رأسه القريب من حضنها : طلبتك يا سلطان لا تطلقها!
سلطان بضيق : قومي نامي ارتاحي شكلك مانمتي طول اليوم . .
حصة : تكفى يا سلطان والله قلبي بيتقطع من هالموضوع
سلطان : بسم الله على قلبك عساه فيني ولا فيك
حصة ببكاءها الذي لا يهدأ : لا توجعني فيك . . بس عطَ نفسك فُرصة والله ما تستاهل كل هذا
سلطان سعَل قليلاً من المرض الذي يتفاقم عليه في كل لحظة، وقف ليجلس بجانبها : الحين تبكين كأن احد ميَت لِك؟ والله أنا اللي بتقطعين لي قلبي!! يا عُمري ماتدرين وين الخيرة . . الله يسهَل من عنده ويرزقنا
حصة : ليه ما تفهمني يا سلطان! موجوعة والله العظيم . . ماراح تلقى وحدة تناسبك غيرها! أنتم مكتوبين لبعض لا تضيَعها من إيدك
سلطان بضيق يمسح دموعها بكفَه وبنبرتِه الخافتة يشعُ قلبه لها : طيب لا تبكين! . . لا تبكين
حصَة : لو أبوك الله يرحمه موجود وشافك كذا والله لا يحلف عليك أنك ترجعها!
سلطان : الله يرحمه ويغفر له ويغفر لأمواتنا جميعًا . .
حصة : كلكم بإيدكم الحل . . وش بتسوي بعدها؟ بتصحى عشان تشتغل وتنام عشان تريَح من هالشغل وما بينهم أنت مشغول . . وإلى متى؟ بعد عُمر طويل تتقاعد ومين بتلقى عندِك؟ . . بس فكَر بطريقة منطقية أنه اللي تسوونه أكبر غلط! والله أكبر غلط
سلطان بإبتسامة يُخفف وطأة هذا البكاء : يا ويل قلبي بس! مين اللي بيتطلق أنتِ ولا الجوهرة ؟
حصة تضربه على كتفه : أنا اللي بتطلق وش رايك؟
سلطان : بنتك وهي بنتك مابكيتي عليها كذا
حصة : لأني عارفة عواقب تصرفاتها لكن أنت يا سلطان عارفة وش بيصير بحياتك بعد الجوهرة!! تكفى يا سلطان أبي أفرح فيك وبعيالك
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليُردف : يا أميمتي أنتِ . . ماعاش من يرد لك طلب بس خلَي هالموضوع وطلعيه من بالك . . أنا ما أنفع للزواج وأريَحك من الآخر . . عفت الحريم
حصة صدَت عنه بضيق : ما تعرف مصلحتك! والله ماتعرفها
سلطان : مشاكلنا ما تنتهي، بنوجع بعض كثيير
حصة : بتنتهي لو بس تقدمت خطوة وحدة
سلطان ابتسم : ملاحظة أنك ما تفقدين الأمل كل مرة نفس الكلام تقولينه
حصة : وبجلس طول عمري أزَن عليك لين تتعدَل! . . فيه شي إسمه تفاهم وتنازل وتضحية عشان حياة زوجية زي الخلق . . . المشكلة أنكم إثنينتكم تبون بعض وأكذِب وقول لا .. والله لا اذبحك لو تكذب!!
سلطان بضحكة يُريد أن يُبعدها عن هذا الموضوع : ولدِك جلف ما يفهم بهالأمور
حصة بسخرية : ناجح بحياتك العملية وفاشل مع مرتبة الشرف بحياتك الخاصة
سلطان : الشكوى لله . .
حصة : فرحة وحدة مستكثرها على نفسك!! وش فيها لو قلت للجوهرة أبيك . . وش بينقص منك؟ هذا وأنت راعي دين وتعرف بالدين وتدري أنه أبغض الحلال عند الله الطلاق
سلطان بضحكة مبحوحة صادقة : عشاني راعي دين على قولتك أدري أنه ماهو أبغض الحلال عند الله الطلاق . . وهذا حديث مغلوط عن الرسول صلى الله عليه وسلم . . كيف شي حلال شرَعه الله يكرهه الرحمن؟ يعني بالعقل ما يدخل هالحديث . . لأن في الطلاق فوائد! وأكيد لحكمة منه شرَعه
حصة نظرت إليه بجمود ليبتسم سلطان : حجَرت لك ؟
حصة : الشرهة على اللي مقابلك!!
سلطان غرق بضحكته ليُردف : جعلني ماأبكيك . . قومي نامي وريَحي نفسك
حصَة : إيه أضحك! ماشاء الله على روحك اللي لها كل هالقدرة على التجاهل
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله وش تبيني أسوي؟ أجلس لك وأبكي وألطم حظي! عندي أمور أهم تخص شغلي! . . . وعلى فكرة معدَي سالفة الصبح ولا عاد تحاولين تجمعينا بأيَ طريقة
حصة من غضبها لم تعد تعرف ماهية قوْلها : هذا إذا ما حطيت صورها في البيت كله عشان تحترق كبدك شوي وتروح لها
سلطان : تبين الملائكة ما تدخل البيت؟
حصة : أشوف غرفة سعاد ما قلت والله الملائكة ما تدخل بيتي! لو ماجيت وسنَعت غرفتها كان الله يعلم كم بقيت تحرَ الجوهرة فيها . .
سلطان تنهَد : الله يصلحك بس
حصة : أنا أعرف كيف أطيَح اللي براسك . . بيجي يوم وتعض أصابعك ندم على اللي قاعد تضيَعه منك، يخي شفت الجوهرة بس قلت لها أنك تعبان فزَت لك ونست كل شي عشان تكلمك . . يعني لو بس ترفع سماعة التليفون عليها وبكلمتين حلوة تتسنَع فيها وتعقل مثل كل الرجال بترضى وبتجيك
سلطان سعَل بمرارة دُون توقف لتربت حصَة خلف ظهره : يا لكاعتك!! بس تبي تضيَع السالفة
سلطان بضيق بحَ صوته من السعال : ذبحتني الكحَة والله
حصة : لو قاعد في البيت اليوم مو أحسن! رحت ورجعت أسوأ من أوَل . . المهم شدَ حيلك شوي بس وكلَمها
سلطان : بقولك شي . . الحين أمَر بمرحلة مهمة بشغلي ومضطر إني أعطيها كل وقتي حتى لو على حساب نفسي وحياتي
حصَة : إلى متى؟ بس قولي متى تنتهي هالمرحلة المهمة اللي من فتحت عينك على هالدنيا وأنت تمَر فيها
سلطان : كل شي يخص شغلي مهم، وأيَ غلط صغير يضيَعنا وببساطة ينهينا
حصَة برجاء : سلطان
سلطان : يا عيونه طلَعي هالموضوع من بالك ونامي وأرتاحي . . وأعتبري ما صار الا كل خير
حصة : اتصل عليها . . بس على الأقل حسسَها أنك مهتم . . تطمَن عليها وأسأل عنها
سلطان : وش بستفيد؟
حصَة : صاير تفكيرك إستغلالي لازم مقابل لكل فعل تسويه! ما ينفع تكون أخلاقك حلوة شوي مع البنت؟
سلطان ابتسم : أفآآ! صرت إستغلالي الحين؟
حصة بضيق انفعلت : منت إستغلالي! والدليل أنك حمار وماتفكر بنفسك!
سلطان مازالت الإبتسامة المتعبة تتسع حتى أظهرت أسنانه : مقبولة منك يا أم العنود
حصة : وش أسوي فيك يا سلطان ؟ بموت من حرَتي عليك!!! وش بيصير في هالدنيا لو قلت لها وش أخبارك يالجوهرة ؟
سلطان : الحين غيَرتي توجهاتك! قبل شوي تقولين رجَعها والحين تبيني بس أكلمها
حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت
سلطان : طيب خلاص
حصة : تكلمها ؟
سلطان : إيه
حصة : إحلف
سلطان غرق بضحكته ليُردف بتعب وهو يسند ظهره على الأريكة : ما عاد فيه ثقة؟
حصة : إخلص عليَ وإحلف عشان أعرف كيف أواجهك بالحجَة؟
سلطان : والله العظيم بكرا بكلَمها
حصة إبتسمت : خلَ أسلوبك حلو
سلطان بسخرية : سجَلي وش الكلام اللي تبيني أقوله ؟
حصة : لا طبعا ماراح أتدخل بينكم
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك ليُردف بين ضحكاته : بسم الله على قلبك اللي ما تدخَل
حصة إبتسمت بإحمرار وجنتيْها : اللي سويته مو تدخل . . إسمه إصلاح . . الله يصلح قلوبكم ويجمعكم
سلطان مسح على وجهه بإرهاق دُون أن ينطق شيئًا لتدفعه حصة من كتفه : قل آمين عساك اللي مانيب قايلة
سلطان بتعبٍ واضح : آمين . . آمييييين . . . آميييييييييين
حصة ضحكت لتُردف : يممه منك حتى آمين مستخسر تقولها!!
سلطان : قلتها في قلبي
حصة : أنت ماشاء الله عليك كل شي تقوله في قلبك ولمَا أقولك سوَ كذا ولا لا تسوي كذا قلت أنا أمشي ورى عقلي . .
سلطان سعل بشدَة حتى أردف وهو يغمض عينيْه ويضغط عليها بأصابعه : اللهم صلِ وسلم على محمد . . شكل حرارتي بترتفع من نقاشك!!
حصة بخبث تُلقي عليه من أعظم أبيات الشعر الفصيح في العصر العباسي : جربتُ من نار الهوى ما تنطفي نار الغضا و تكَلُ عما يُحرق . .
سلطان إلتفت عليها بنظرة حادَة لتكتم حصة بضحكتها وهي تُردف واقفة : أمزح وش فيك ؟ . . تصبح على خير . . . أختفت من عينيه سريعًا بلذَة إقناعه بمحادثة الجوهرة.
ضلَ يُراقبها حتى تلاشت، تمتم بتنهيدة : سبحانك لا اله الا أنت وأتوب إليك . . . صعد للأعلى ودُون أيَ سيطرة منه على عقله الذي بدآ يُكمل الأبيات " و عذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيَرتهُم فلقيتُ منهم ما لقوا " دخل لياخذ نفس عميق حتى يطرد كلمات المتنبي من عقله الغارق بقصيدته التي تُضرب بها الأمثال حتى هذا اليوم، نزع حذاءه ليرمي نفسه على السرير بإرهاق دُون أن يغيَر ملابسه، سحب وسادة الجوهرة ليضعها فوق وسادته وتصِل رائحة عطرها أنفه متجهة لعقله الذي مازال يستذكرُ صوت القصيدة،
" أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرَق " في كل جُزء منَي وعلى كل جزءٍ و فوق الحال وبين كل حال تضعين مُسببًا للأرَق، للغرق، للاوجود، للغياب، عفيف يالجوهرة لمْ أسكُر ولم يُذهب عقلي شيء عدَا عينيْك، لم يكذب من لعن الفتنة، الفتنة التي تسرق مني نومًا في هذه الساعات.
أستلقى على ظهره متقلبًا، يحاول جذب النوم بالذِكر : استغفر الله . . .
كاد أن ينفجر عقله من القصائد التي يقرأها عليه في وقتٍ يحاول أن يقرأ به الأذكار، في كل لحظة يلفظ ذكرٍ من أجل أن ينام مرتاحًا يُقاطعه مقطع قصيدة، لم يبقى شيئًا حفظه منذُ زمنٍ بعيد لم يُعاد عليه في هذا الليل، بدأ يُكرر الإستغفار في داخله : أستغفرك ربي من ديارٍ تجلب حُزنًا . . لم يُكمل بمُقاطعة قلبه الذي يحفظ " واستلذُ نسيمها من دياركم، كأن أنفاسهُ من نشركم قُبلٌ "
تنهَد بمحاولة قمع كل محاولات عقله وقلبه في ترديد الشعر في وقتٍ يُريد فقط السكون والهدوء، ولا فائِدة مع كل كلمة تستنطق لسانه بخفُوت يُجيب عقله بطريقة مُستفزة وهو لا يخضع لأيَ سيطرة منه، التفكير يخرج عن إرادتنا مهما حاولنا أن لا نُفكر، نستطيع أن نمنع أنفسنا من الكلام و أعيُننا من النظر و لكننا لا نستطيع أن أنمنع أنفسنا من التفكير وهذه الحقيقة في وقتٍ مثل هذا تشدَ أعصابه وتستفزه.
ـ بإسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فأن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين. بمُقاطعة قلبية : " ولو أنني أستغفر الله كلما ذكرتك لم تكتب عليَ ذنوب "
ـ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك.
بمُقاطعة أخرى : " هجرتُك حتى قيل لا يعرف الهوى و زرتُك حتى قيل ليس له صبرًا "
دفن رأسه بالوسادة ليشتعل عطرها بكل خليَةٍ في جسده، أغمض عينيْه ليُردد بصوتٍ منخفض حتى لا يُفكر بأيِ شيءٍ آخر : أستغفر الله . . أستغفر الله . . أستغفر الله . . .
أندهش من نفسه التي تحفظ أبياتًا لم يُرددها يومًا، دخل في صراعٍ مع الوسادة حتى ينام " شطرٌ واحد يا حصَة أشعلتي به ذاكرتي النائمة ".
على بُعدٍ طويل في شرق المملكة كانت مُستلقيَة على السرير وكفيَها على بطنها وعيناها للسقف.
لم يجيئها النوم رُغم أنها لم تستيقظ مُتأخرًا، ابتسمت من الإسم الذي جاء بقلبها " بدر بن سلطان بن بدر الجابر "، أريده يحمل سُمرة والِده و عينيْه التي تُناقض كل ما يقول دائِمًا، كيف أنتظر 9 أشهر ؟ لا افهم مقدرة الحامل على إنتظار كل هذه الشهور بصبرٍ وحِلم وأنا منذُ الآن أعدُ الوقت من اجله! وأعدُ اللحظة التي تجيء به، لم اتمنى شيء كمجيئه بظروفٍ اجمل لا ينفصلُ بها عنَي أحدٌ أحببتهُ قاسيًا حتى أصبحت قسوته لُطفًا بعيني، يا وداعة الأشياء الجميلة في صدرِي إني أُحبك بقرارٍ يشملُ الحياة.
إلتفتت للباب الذي انفتح، أفنان : صاحية ؟
الجوهرة أستعدلت لتجلس : إيه
أفنان : طفشت وقلت مالي غيرك
الجوهرة : ما عدلتي نومك؟
أفنان : لآ للحين . . وش رايك نجيب فيلم ونسهر عليه ؟
الجوهرة : مو مشتهية والله
أفنان بملل : طيب الجو حلو خلينا نسهر برا . .
الجوهرة بإبتسامة : جد مالي خلق أتحرك
أفنان : من الحين بديتي تتعيجزين شلون لو تصيرين بالسابع!
الجوهرة : أجلسي وسولفي عن باريس وكَان
أفنان : تعبت وأنا أسولف لك وأعيد نفس السوالف! خلاص خلصت سواليفي
الجوهرة إبتسمت : سولفي عن أيَ شي؟ عن رواية قريتيها ؟
أفنان : يوه يا قدمك! صار لي سنتين ما أقرأ
الجوهرة : أجل بنام وأنتِ روحي أسهري لحالك
أفنان برجاء : جُوج! يخي بموت من الملل . . سوَي معي شي مفيد قبل لا ترجعين الرياض!!
الجوهرة تنهدَت بضيق من كلمتها الأخيرة لتُردف : وش تبيني أسوَي؟
أفنان بصمتٍ لثواني : صح ما قلت لك! رجعت أحفظ أجزاء جديدة من القرآن
الجوهرة بنبرة فرح : شدَي حيلك لا تقطعين . . ما بقى لك الا الأجزاء الأخيرة
أفنان : يارب أقدر وأحفظهم . . والله تعبت تخيلي أحفظ وأسمَع ألقى نفسي ماحفظت نفس الناس
الجوهرة : طيب أنا قلت لك أسمعي بالقارئ اللي تبينه وخلَي إذنك تحفظ معك . . القرآن ما ينفع تحفظينه بطريقة الترديد، لازم تحفظه عينك معك بالقراءة وإذنك بالإنصات عشان يبقى بذاكرتك فترة طويلة
أفنان صمتت لثواني طويلة لا حديث يقطع صمتهم حتى أردفت : طيب بسألك سؤال
الجوهرة : وشو ؟
أفنان : تضايقتي من ريَان اليوم ؟
الجوهرة : أنا ؟ لا ليه ؟
أفنان : أجل ليه بكيتي؟
الجوهرة بلعت ريقها : مو عنه
أفنان : ترى ريَان بدآ يتغيَر والله حتى صايرة أسئلته مو كثيرة مثل دايم، يعني أجاوبه وينهي الموضوع ما يستفسر كثير . . وأنتِ بعد لا تشيلين بقلبك عليه!
الجوهرة : مين قال إني شايلة عليه؟ أفنان تراه أخوي مهما صار مالي غيره
أفنان : أنا بس قلت لك يوم حسَيت أنه اوضاعكم للحين متوتَرة
الجوهرة : لا تطمَني، قلبي ما يشيل على سلطان!
أفنان بضحكة : سلطان!! والله مآخذ عقلك هالسلطان نسَاك حتى إسم أخوك
الجوهرة تصاعدت الحُمرة لوجنتيْها لتستمر أفنان بنظراتِها المتغنجة : إيه وش أخبار سلطان ؟
الجوهرة شتت نظراتها : بخير
أفنان بإبتسامة فسيحة : متى بيجي؟
الجوهرة : ليه يجي ؟
أفنان : يعني عشان يآخذك، ماراح يجي هنا؟
الجوهرة بتوتر : الحين هو مشغول . . مدري بالضبط متى بينتهي شغله
،
في صباحٍ هادىء بالغيم، مُضطرب بالشعور، تتصاعدُ الأحلام وتتسامى دُون أيَ قُدرة على الإمساك بها! تفلتُ منَا أحلامنا التي هي ذواتنا، تفلتُ منَا أنفسنا ولا نُسيطر عليها.
بين أربعة جدرانٍ صمَاء ينظرُ لوميض الضوء المنبعث من ثقبٍ بزاوية السجن الإنفرادي، رأسُ مالي في هذه الحياة ثلاثٌ لا يزيدهم فردًا، والدِي و عبدالعزيز و غادة، و إثنيْن أنفصل عنهم شيئًا فشيئًا، ما حيلتي لأعِيش وأنا مُقيَد بهذه الصورة، لا أطلب من الدنيَا عدل وحُكمها بيدِ البشَر، لله أترُك أمر الحياة والناس. يا وجَع قلبي و يا ضيقُ الفرح بجوفِي! قبل سنواتٍ كانت الحياة تتمهدُ امامي وتُبسِط على كفَها من الفرح حُزمٍ لامنتهية، كانت تأتِ دائِمًا في الكلمات بضميرٍ يحمل غادة، ياء الملكية التي تُنهي الكلمات كان يُزعجني أنها ألتوت على نفسها كهاء الغائب، وأنتِ لم تغيبي لحظةً عن روحي، " أخفض رأسه من فكرة وجود ولِيد معها هذه الأثناء، وعدهُ بأن لا يقترب منها ولا يُخبرها شيء "
قبل ساعاتٍ طويلة في مكتب الضابط يُقابله.
وليد : والحين وش بتسوي ؟
ناصر : ولا شي! . . أبيك تبلَغ فيصل بموضوع غادة أنها بروحها عشان يتصرف
وليد : وينها ؟
ناصِر بتهديد يُشير إليه بسبابته : صدقني ماراح يحصل خير لو عرفت أنك أنت اللي رحت لها
وليد إبتسم بهدوء : قضيت سنة كاملة معها! لو بضرَها كان ضرَيتها من زمان
ناصر : الكلام الدرامي هذا وفَره لنفسك! بلَغ فيصل ومشكور
وليد تنهَد : وش مشكلتك معي؟ أنا أحاول أساعدِك!!
ناصر بحدَة : بتساعدني؟ بلَغ فيصل وماتقصَر
وليد : عطني عنوانها طيَب، أقول لفيصل أيش؟
ناصر يسحب الورقة الموجودة على الطاولة ليكتب عنوانه في لندن، مدَ الورقة وقبل أن يلتقطها وليد سحبها ليُعيد تهديده : صدقني لو يوصلني خبر أنك معها بحرقك في مكانك!!
وليد وقف ليمدَ يدِه ويأخذ الورقة : أستغرب من أنانيتك حتى وهي بروحها! ما خفت عليها من أحد لكن خفت عليها منَي!!
ناصر وقف ليقترب منه : إذا حبَيت بتعرف وقتها وش يعني أنك تغار من ظلَ يلامسها و ماهو ظلَك!
وليد : يعني لو كنت أناني محد بيشره عليَ بنظرك؟
ناصر : الأنانية إنك تفكَر بنفسك وتتجاهل اللي حولك وأنا ما تجاهلت أحد.
،
يقف أمام النافذة المطلَة على الحديقة المنزليَة، وعيناه تُراقب هيفاء التي تُحضَر طاولة الطعام للفطور، يأتِه صوتُه المُشتعل بالغضب : يعني ما جبت الأوراق؟
فيصل ببرود : ليه أجيبها ؟ عطني سبب يخليني أروح وأجيبها
عُمر بحدة : فيصل!!
فيصل بضحكة : ودَي أذبح ذبيحة على شرف هالصوت!
عُمر بعُقدة حاجبيْه : أذبحها على شرفك حبيبي!! أقسم لك بالله ماتكون في بيتك الليلة إن ما طلعت الأوراق
فيصل يُلحَن الكلمات ويُمططها بإستفزاز : أنا آسف عشان الأوراق اللي شايف نفسك فيها صارت بإيدي . . وهذي الأوراق بتنحشر في فمَك
عُمر بهدوء يخفي خلفه براكين مشتعلة : كيف طلعت لك ؟
فيصل بسخرية : أمطرت الرياض
عُمر بغضب : تكلَم! كيف وصلت لك؟
فيصل : زي الكلب تروح وتطلَع ناصر ولا بضطر أسوي شي يحرقك فيه سليمان قبل لا أوصَل الموضوع لأبو سعود وسلطان
عُمر : ناصر ماراح يطلع! وبشوف وش بتسوي يا فيصل؟
فيصل تنهَد : عاد الشكوى لله، اللهم بلَغت اللهم فأشهد . . سُو سورِي
عُمر : مين وراك؟
فيصل غرق بضحكة عميقة ليُردف : اللي قاعد يصير لك أمر مُحزن ومثير للشفقة! صرت تشَك بنفسك صح؟ يا حياتي والله
عُمر بحدَة : لو أنك رجَال تقول مين!
فيصل : مقطَعتك الرجولة! والله عاد ما يهمَني أكون رجَال بعيونك . . يكفيني أنه ينتهي اللي بديتوه بخسارة كبيرة لكم
عُمر : كأنك ما بديته معنا!!
فيصل بإستفزاز : أنا؟ متى؟
عُمر : تنكر؟
فيصل : عطني دليل واحد إني كنت معكم؟ . . .
إلتزم عمر الصمت، ليُكمل فيصل : حاول ما تجي الساعة 7 بتوقيتكم الا وناصر طالع وإلا والله أنت اللي ما راح تنام الليلة!! . . أغلقه ليتنهَد براحة الكون أجمَع، اتسعت إبتسامته الفسيحة حتى ظهرت أسنانه في لحظةٍ شعر بها أن هذا العالم يقف على شُرفةِ منزله، نزل للأسفل ليمرَ مكتبه الذي ورثه عن والِده، وضع الأوراق في الخزانة، انتبه للسلاح العتيق النائم على الأوراق، لمعت في رأسه فكرة ليضعه في جيبه ويُغلق الخزانة جيدًا، خرج متجهًا نحو الخلف، إلتفتت عليه بإبتسامة : صباح الخير
فيصل بنبرةٍ مبتهجة : صباح النور والسرور والرضا
هيفاء : عمتي خذت ريف وطلعت ويوم شفت الجو حلو قلت نفطر هنا
فيصل : زين تسوين . . جلس لتجلس بمُقابله . .
هيفاء : كنت أبغى أستأذن منك يعني لو أقدر أروح لأهلي اليوم
فيصل رفع عينه : إيه أكيد
هيفاء أبتسمت : مشكور
فيصل : حسستيني إني رئيسك بالشغل على هالإستئذان!!
هيفاء ارتبكت بتوتر عميق لتُردف : آآ . . يعني عشان . .
فيصل وبدآ يقع بعشق ربكتها، ليتمتع اكثر بصمته ويراقب حركاتها العفويَة المتوترة، أكملت : مو مفروض استأذن؟
فيصل بلع ضحكته قبل أن يصخب بها ليُردف : مو قصدِي كذا
هيفاء : أجل؟ يعني طريقتي بالإستئذان
فيصل هز رأسه بالإيجاب ليأخذ كأس العصير ويشرب منه.
هيفاء تمتمت : الله يآخذ دفاشتي!!
فيصل : عفوًا؟
هيفاء : ولا شي بس لأني متعودة أستأذن بهالطريقة
وبداخلها تمتمت " الله يسامحني على الكذبة انا لو أستأذن منك زي ما استأذن من أبوي بترمي عليَ الطلاق "
فيصل بإستلعان يُربكها ويقف على كل كلمة : يعني تروحين لأبوك وتقولين أبغى أستأذن منك لو أقدر أروح لصديقتي؟؟؟
هيفاء إبتسمت بتوتر : يعني مو كذا بس لأن ما أعرف أستأذن
فيصل : ما تستأذنين! تطلعين بدون إستئذان؟
هيفاء أخذت نفس عميق : لآلآ .. خلاص أنسى أشرح لك بعدين
إبتسم إبتسامة أوقعت قلب هيفاء : بنسى يا عيني ليه ما أنسى؟
هيفاء تصاعدت الحُمرة لتتورَد وجنتيْها، شربت من كأس الماء لتُخفف حرارة جسدها المرتفع بالربكة.
فيصل ضلَت عيناه تغرق بتفاصيلها وتبحر بمراقبتها، لم ترفع عينيْها تُدرك أنه ينظر إليْها، بدأت تُحرَك الملعقة على الصحن دُون أن تأكل لقمة واحِدة.
فيصل : هيفا
رفعت رأسها وبتعجُل : لبيه . . آآ أقصد هلا
فيصل بضحكة : وش فيك مستخسرة عليَ كلمة حلوة؟
هيفاء بربكة : لآ لآ مو قصدي كذا أقصد يعني . . خلاص لبيه
فيصل إبتسم : تلبين بمكة . . قومي بورَيك شي
هيفاء وقفت لتسير خلفه وهي تضع يديْها على خديْها المشتعليْن بحرارتهما، " يالله عليك يا فيصل " لم أتوقع أن تُصيبني كل هذه الربكة بحضُورك، أشعرُ بأن نظراتِك لها خُطى مهيبة لا قُدرة على قلبي بأن يتحمَلها، فيك شيءٌ لا أدري ما تفسيره، و على عينيْك أمرٌ يتخطَى العادة، يجيئني شعور أنه أمرٌ خارق، أعني بذلك النظرُ إليْك وإستكشاف تفاصيلك التي تهرول حولك، يبدُو لي أنني أقع بِك/فيك.
إلتفت عليها لتسير بجانبه متجهَان لمكانٍ لا تعرفه، نظرت للمكان الخاوِي سوى من زرعٍ بسيط يُزيَنه.
فيصل يأخذ علبة المياه ليضعها على بُعد 20 متر تقريبًا، رفعت حاجبها بإستغراب : وش بنسوي؟
فيصل : بعلَمك شي . . أخرج السلاح لتبتعد خطوتيْن للخلف بشهقة فلتت منها رُعبًا.
فيصل : بسم الله عليك! . . تعالي
هيفاء : لآ مستحيل . . ما احب أمسكه ولا . .
يقترب منها ليسحبها من ذراعها، هيفاء برجاء : لا تكفى والله أخاف منه . . أعرف نفسي والله ما اكذب إني ماأشوف زين وممكن أوديك بداهية
فيصل بإبتسامة شاسعة : أنا معك
هيفاء بتوتر وكأنها تواجه الموت : والله العظيم والله ما اكذب . .
فيصل : مين قال إنك تكذبين! أنا معك . . يالله أوقفي زين
هيفاء : تكفى لا . . حتى بمزرعتنا أخواني يعطون ريم ومايعطوني لأني ما أشوف زين . . والله ما اكذب
فيصل بضحكة يشدَها ليجعل ظهرها مُلاصق لجسدِه، ووجهه على كتفِها، مدَ يديْها بإستقامة ليضع إبهامها والسبابة على السلاح ومن فوقها يدِه، هيفاء بضيق : ما أبغى أتعلم واللي يرحم لي والديك! . . علَمني أيَ شي خايس الا هذا
فيصل : أعلمك كيف تقرأين؟
هيفاء أشتَد إحراجها من إدراكه لكذبها، إلتزمت الصمت وهي تبلع رهبتها من السلاح.
فيصل لفَ قدمِه على ساقه حتى يُثبَتها، أغمضت عينيْها بشدَة لتضغط على الزناد وتذهب الرصاصة بعيدة كل البعد عن قارورة المياه.
فتحت عيناها بتجمَد تام، فيصل يهمس بالقرب من إذنها : لازم تتعلمين كيف تدافعين عن نفسك، بكرا لا سمح الله اذا صار شي تكونين عارفة وفاهمة
هيفاء : خلاص؟
فيصل : أبي العلبة تنفقع!
هيفاء إلتفتت عليه وساقها مازالت مثبَته بقدمِه، لاصق بطنه بطنها ويدِه خلف ظهرها، وبصوتٍ مُرتبك تنطق الكلمات بهيئة مستعجلة : والله إني أخاف من هالأشياء وعندي فوبيا منها . .
فيصل بهذا القرب لم ينطق شيئًا، اكتفى بعينيْه التي تُراقب شفتيْها المتحركتيْن بكلماتٍ سريعة.
إرتجف فكيَها لتبلع ريقها مُشتتة نظراتها بعيدًا عنه في وقتٍ يُحيطها جسدِه من كل إتجاه، ابعد قدمِه عن ساقها ليجاور قدمِه قدمها، أمال رأسه قليلاً ليصِل لمستوى شفتيْها، ويدِه تنزلُ من أعلى ظهرها لتُحيط خصرها، أغمضت عينيْها ليلتحم جسدِه بجسدِها، ارتفعت درجة حرارتها الداخليَة ليغيب قلبها عن الوعي بما حوله، ويديْها المرتجفتيْن تغفو على صدرِه.
عن الشعور الذي أجهله في هذه الأثناء؟ كيف أحكيه؟ قلبِي بِكر لم يعشق من قبل ولم يسلك طريق الهوى، تُغيَرني يا فيصل بظرفِ يوميْن، تقلبني رأسًا على عقب، تفضَ الحياة بعيني ليصعد مقامها نحوُك، نحوك أنت فقط لا يُشارِكك إنسانًا ولا جمادًا، فوق العادة، ما أعنيه تمامًا أنَ هذا الشعُور المحمَر خلف قلبي فوق العادة، أجهلُ ماهية الشعور ولكنني أُدرك تمامًا بأن هناك شيئًا يشدَني إليْك، كُنت أظن أن عينيْك وحدها المصيبة إلا أن شفتيْك أكثرُ المصائِب ودًا.
ابتعد بحرارةِ أنفاسه التي أنتقلت لرئتيْها لتضجَ أنفاسه بداخلها، ولا أعرفُ وصفًا يا هيفاء أعمقُ من قول المتنبي " قد ذقتُ ماء حياةٍ من مقبَلها، لو صاب تُربًا لأحيا سالفَ الأمم "، للمرةِ الأولى أتذوَق الجنة بترتيلِ شفاهِ غانيَة، أتحسَر للعُمر الذي مضى دُون أن أفكَر بالزواج، وأرثي الآن من يعيش دُون أنثى، أقصد فتنة.
ابتعدت خطوتيْن للخلف دُون أن تتجرأ بالنظر إليْه، سارت بإتجاه الداخل وأنفاسها تضطرب إضطرابًا يصِل لقلبها الذي يرتفع أشدُ إرتفاع بحركته، دخلت لتصعد بخطواتٍ سريعة نحو الأعلى، أغلقت الباب لتُسند ظهرها عليه، وضعت يدَها اليمنى على خدَها والاخرى على صدرها لتُهدأ من روْعِها، نظرت للنافذة و جسدِها من قدميْها حتى رأسها يشعُ حُمرةً ويُضيء، بللت شفتيْها بلسانها لتبتسم من ربكة شعورها، تسللت أصابعها نحو فمِها لتشعرُ بأن شفتيْها تحترق بحرارته، إتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نشفَت وجهها المحمَر بخجله، جلست على الأريكة وتفكيرها يتشوَش بأشياءٍ كثيرة لا تستطيع أن تُحددها.
قُبلةٍ واحدة أدت إلى غياب عقلي عن وعيْه كيف لو أطالها؟
،
يسيرُ ذهابًا وإيابًا، وصوتُ ضرباتِ القلم على إصبعه يرنَ صداها، إلتفت للباب ليدخل أسامة : ما لقيناه
رائد بغضب يقترب منه ليُحرقه بجحيمه : طلَع فارس من تحت الأرض! والله ثم والله لو يصير له شي راح أحرقكم كلكم
أسامة صابته الرهبة من وعيده : سوينا اللي علينا! وأنت ما كلفتنا نراقبه
رائد يصفعه بقوة حتى أصطدم جسدِه بالجدار، بصراخ : وأنا الحين كلفتكم!! فارس يطلع لي!!!
نزفت شفاهُ أسامة وهو يقف بإرتباك : إن شاء الله
رائد : أنقلع عن وجهي ولا ترجع الا وفارس معك . . . جلس خلف مكتبِه وأفكاره تشتدُ سوءً حول فارس، أنحنى بظهره وقدمه اليمنى تضربُ الأرض بإستمرار لتعبَر عن توترها أيضًا، سيُصاب بالجنون من غياب فارس عنه، يتمنى أن يموت ولا يصِلهُ خبرٌ سيء عنه، أهتز هاتفه على الطاولة ليسحبه، فتح الرسالة لتُصاب عيناه بجمودٍ سحب كل أنفاسه للداخل ولم يزفرُ بشيء، اختنق صدرِه من الصورة التي يراها، من منظر فارس الملقى على الأرض والدماء تنتشر على جسدِه و تُبلل الجزء الآخر من ملابسه، لا يُريد أن يصدَق أن شيئًا حلَ به، للمرةِ الأولى منذُ فترة بعيدة ترتجف عينيْه وتُسبِب ربكة فكيَها التي تزداد إصطداماتها ببعضها البعض، وقف وهو يضع يدِه اليسرى على جبينه من صُداعٍ يُداهمه ويُشتت رؤيته، خرج من الغرفة ليصرخ بصرخة هزَت أركان الشقة، تجمَعوا بأقل من الثانية إليْه، إقترب من أسامه ليُحيط رقبته بيديْه : تعرف مكان فارس؟ . . تعرفه
أسامة أختنق من قبضة يدِه دون أن يُجيبه بأيَ شيء،
رائد يرمي كل خططه بعرض الحائط من أجلِ إبنه : سليمان صح؟
أسامة بدهشة أتسعت عيناه من معرفة رائد به، لكمه حتى سقط على الأرض، سحبه ليلكمه بشدَة مرةً أخرى، دفعه بإتجاه الجدار ليسحب قميصه ويضربهُ مرةً أخرى، رفسَه على بطنه ليُثير غثيانه : تكلَم لا أقسم بالله أدفنك بمكانك!!
أسامة والدماء تنزفُ من كل جزءٍ بجسدِه، بصعوبة نطق : ما أدري
رائد يرفسه بقوَة : أنا أبيك تدري . . إلتفت للواقفين خلفه . . جيب سلاحي
أسامة برهبة أحمرَت عيناه : ما أعرف شي صدقني
يمدَ حمد السلاح إليْه ليأخذه، صوَبه بإتجاه أسامة : عندِك دقيقة وحدة لو ما تكلمت ترَحم على نفسك
أسامة بضيق صوته : سليمان ذبحه
رائد لم يتردد ولا للحظة أن يضغط على الزناد، وجهه لساقِ أسامة، انطلقت الرصاصة لتنغرز به وتهتَز الجدران التي تُحيطه بصرخته الموجعة حد البكاء، صرخ بقوَة وعينيْه تجهشُ بالوجَع، أنحنى رائد إليْه بنبرةٍ لم ولن يجيءُ من يُشابه غضبها : والله لا أفقهكم بالتعذيب كيف يكون!! .. ولدِي أنا تذبحونه وترمون جثته !!! والله إن ما خليتكم تدعون على أنفسكم بالموت ما أكون رائد . . . والحين بتقولهم عن مكانه ماهو أنا اللي ولدي ينرمي على الطريق!!! وحسابكم جايْكم بالدور . . . . دخل لغرفته ليضرب الباب بقوَة حتى يغلقه، قبض على يدِه ليضربها على الجدار، صمَد لدقائق طويلة حتى أهتزَ جسدِه ببكاءٍ داخلي لا يقوى على الخروج، لم تحمله أقدامه ليجلس على ركبتيْه وهو يُغمض عينيْه ويضغط عليها بكفَه.
" يا عيون أبوك! يا عيونه كيف تتركني؟ " اشتدَت حُمرة عينيْه بحزنٍ لم يعتاده أبدًا، بحُزنٍ يُصيب قلبه ويقتلعه، أخفض رأسه بأنفاسٍ تحبس نفسها في صدره وتخنقه.
إلا أنتْ! أدفعُ للحياة كل شيء عداك، أبكِيك يا فارس لعُمرٍ كامل ولن أتجاوز أمرك، أرجُوك يالله ليقل أحدًا أنها مُزحة أو كُذبة، ليقل أحدًا أيَ شيء إلا موته، إلا موتي. ما كُنت أخشى بالحياة شيئًا عداه، فارس الإستثناء في كل شيء، أتوسَلك يالله لو كان كابوسًا أيقظني منه، أيقظني . .
أنهارت كل خليَة تسبحُ في جسدِه ولم يعد يفرق بين منامه ويقظته، جنَ جنونه مع إبنه. رفع رأسه للسقف وضحكاتِ إبنه تأتِ بصورة موجعة وكلماته الضيَقة تبحَ في ذاكرته " ماكذبت يا يبه يوم قلت نحنُ قومٌ يا إذا عشقوا ماتوا "
" بسم الله عليك يا يبه من الموت " تأتِ الحقيقة بسهامٍ حادَة لا تُقدَر قلبًا ثمَل من عشقه لإبنه، تأتِ بصورةٍ مُفجعة، لا أرضى بالعيش، بالحياة، بالدُنيا وعيناك لا تطلَ بناظريْها، كنت أوَد بأن تكون آخر شخص تراهُ عيني في إحتضاري، ولكنك ذهبت مُبكرًا ولم أراك، لم أراك يا فارس! كل شيء فيَ ينطق " الآه " و الوجَع، إني على بُعادِك لا أصبر وإني
على حُزني موعود، لو كُنت معي في ذروة جحيمي بهذه الدُنيا لقُلت إنني أعيشُ في الجنَة، أمَا الآن لو وضعوني بين مُسببات السعادة لعشت جحيمًا يحرق جسدِي دُونك.
يخترقه صوتُه مجددًا لتسقط دمعةً يتيمة على خدِه الأيسَر تكسرُ رجُلاً لم يكسره موت احد من قبِل ولم يكسرُه حدثًا هزَ بيته و عمله، يجيء صوتُه الضاحك " رائد : طبعًا كاتب قصة حُب . . عارفك ناقص حنان، فارس بضحكة عميقة : مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك "
تسترجعُ ذاكرته صوته بكل الكلمات الضيَقة والواسعة بفرحها، يأتِ صوته قاتلاً لكل صبرٍ يحاول أن يثبت عليه.
ارتخى جسدِه بذبول، شحَبت ملامحه من مُحادثته في نفس هذا المكان ،
" رائد بغضب : أنقلع عن وجهي
فارس بإبتسامة : والله يا يبه صرت تنكر على الرايحة والجايَة! أحلف لك بالله أنك للحين أمي في بالك
رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها
فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه
رائد : دبلت كبدي الله يدبل كبد العدو! . . قوم عن وجهي لا يجيك ذاك الكفَ اللي يثقفك بأصول الحب
فارس إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أسنانه وهو يستفزُ والده بكلماته : عسل على قلبي يا أبو فارس لو تكفخني من اليوم لين بكرا
رائد : أنقلع لا والله . .
يُقاطعه فارس : ههههههههههههههههه وش فيك عصَبت؟ كنت أمزح بس شكل طاري امي يقلب قلبك
رائد : الا يقلب معدتي، الشرهة بس على اللي مقابلك
فارس : جرير وش يقول يبه . . يقول إن العيون التي في طرفها حور قتلننَا ثم لم يحيين قتلانا . .
رائد : الله يآخذك أنت وجرير قل آمين . . صدق فاضي ماعندِك شغل غير تحفظ بهالشعر اللي ماوراه الا النكد الله ينكَد على عدوَك
فارس بخبث : وش دعوى يبه! هذا أشهر بيت في الغزل مفروض تكون حافظه . .
رائد : ترى أمك ضاحكة عليك عيونها مهي حورآ . . هي فيها إنحراف
فارس غرق بضحكته ليُردف : ماشاء الله على الذاكرة اللي حافظة أصغر التفاصيل
رائد يحذف عليه علبة المناديل وهو يُخفي إبتسامته : قم وراك
فارس بضحكته التي تُشبه ضحكة والده : المُشكلة أنك أبوي
رائد بحدَة : أنا مشكلة؟
فارس بإبتسامة يقف ويقترب منه، قبَل رأسه ليبتعد خطوتيْن للخلف : بكون صريح معك، أنا أكره بعض تصرفاتك وأكره تحكمك فيني وأكره طريقتك بالتعامل مع غيري. . .
رائد يُعيد النظر للورق : أنقلع ما أبي أسمع
فارس بنبرةٍ صادقة : وترى ما أحمَلك ذنب شي! الصالح لو بأسوأ المجتمعات بيضَل صالح والفاسد لو بأحسن المجتمعات بيضَل فاسد . . ما أحمَلك شي يا يبه، لأن الله بيحاسبني على أعمالي ماراح يحاسب أحد ثاني، وأكبر مثال أنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم! أكيد ماراح يحاسب الله الرسول على عمه! محد يشيل ذنب الثاني! أغلاطي هي من نفسِي مو منَك . . ومهما تصرفت وقلت بس لو يخيَروني عُمري ماراح أنفصل عنك . . ولا راح أرضى إني أعيش بعيد عنك . .
رائد يرفع عينه : وش مناسبة هالكلام؟
فارس : أنت سألتني ليه أنت بالنسبة لي مُشكلة؟
رائد : ما فهمت!!!
فارس بعلاقته الحميمية التي لا تهتَز مع والِده أبدًا : المُشكلة إنه حُبي لك يتناقض مع حُبي لعبير . .
رائد عقد حاجبيْه : ليه ؟
فارس بإبتسامة يبلع بها ضحكتِه على ملامح والده : أحبني لأني ولدِك
رائد بضحكة وقف مقتربًا منه : صحيح ؟
فارس أطلق ضحكته ليُردف : و أحب عيوني لأنها تشبهك
رائد غرق بضحكتِه : يا سلام على الغزل الصريح!
فارس بعينيْه التي تُشاركه الطرب والبهجة على الكلمات : و الحمدلله إنك أبويْ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه
،
وقفت بإتزان أمامها، ومن داخلها تحترق من وجودها معه بين 4 جدران وسقفٌ يشهد عليهما، وأنا يا عزيز؟ أنا التي يشهدُ على حُبي لك أربعة، قلبي المرتجف و عينيَ الذابلتيْن، و صوتِي الضيَق و جسدِي المرتعش، لكَ حُكمهم يا سُلطانًا أتخذ من صدرِ أنثى عرشًا، لكَ مُلكهم يا رجلاً أستوطَن قلبًا أُرسِل إليْك، تركت قلبًا وضع في طريقك منذُ زمَن والآن أدفعُ ثمن الطريق الذي سلكته، أُنافس الحياة بِك بعد أن كُنت لك حياة، يسرقوني مِنك! وأنا وحدي التي أُحبك.
أثير بإبتسامة ناعِمة ترسمُ على ملامحها الباذِخة بجمالها : تفكرين كيف أبعد عن طريقك؟
رتيل أخذت نفس عميق لتُردف : أدعي الله كثير إني أنا اللي أبعد عن طريقك!
أثير بضحكة مستفزة : بالمناسبة، عزوز حبيبي قالي كلمة أمس وأشغلت بالي كثير أظنها تهمَك
رتيل بلعت ريقها بصعوبة وهي تُجاهد أن لا تفلت أعصابها منها.
أثير بدلع : قالي نفسي هي أنا حياتي اللي مستحيل يقاسمني فيها أحد حتى لو كان جزء من هالحياة . .
رتيل شدَت على شفتِها السفلية بأسنانها حتى لا ترتجف ، أثير تُكمل : أظن غلطتي بكلمة نفسك او شكلك فاهمتها غلط بقاموس عزوز
رتيل شتت نظراتها لتُعيدها بإشتعالهما لعينيَ أثير، بحركةٍ خافتة تراجعت أثير للخلف خطوتيْن من نظراتها التي شعرت وكأنها تُجلدها.
إن كنت تخاف من أحدٍ يا عزيز يجب أن تخاف من المرأة إن اشتعلت غيرتُها، الرِجال أسلحتهم واضحة أما النساء لهن جيوش سريَة إن اندلعت لن يقف بوجهها أحدٍ، النساء اللاتي أسقطن حكومات لم يستطع رجلٌ واحِد أن يقمع جزءٍ منها، هؤلاء النساء يجتمَعن في مرأة واحِدة ويُعينها الشيطان بكيدٍ عظيم إن أشتدت غيرتها، فقط استفز غيرتها وسترى الجحيم بعينه.
أثير بلعت ريقها من نظراتِ رتيل الغريبة والمُخيفة بنفس الوقت، شتت نظراتها لتُردف بتوتر أتضح على صوتها عطفًا على أن عبدالعزيز خرج ولا تستبعد أن تفعل رتيل بها شيئًا مجنون : وأسألي عبدالعزيز إذا جاء . .
نطقت إسمهُ دُون دلع حتى لا ترتكب بها جريمة، رتيل أقتربت أكثر بجسدِها إليْها وبإبتسامة تُخفي معانٍ كثيرة : كنت أبيك تتفاجئين باللي راح يصير، بس راح أعلَمك كيف تدفعين ثمن أغلاطك معي!
أثير : تهدديني؟
رتيل بحدَة : إيه أهددك . . أتقِ شرَي يا أثير لا والله أطلَع حرَة عبير وأبوي وعبدالعزيز فيك
أثير أخذت نفس تُعيد به توازنها : في بيتي وتهدديني بعد؟ أنا والله اللي لازم أقولك يا غريب كُن أديب
رتيل ضحكت بسخريَة لاذعة : ما أحتاج أعيد لك نفس المنوال كل يوم . . لا تحاولين تعوضين نقص ثقتك بعبدالعزيز بترديدك لحكي أنتِ تعرفين أنك تلعبين فيه على نفسك! يكفي عيونه اللي تفضحه مهما حاول يبيَن لك . . مفهوم؟
أثير : الله العالم مين يعوَض نقصه!
رتيل إقتربت لتشتعل نظراتها بغضبِ الغيرة : أبعدي عن طريقي
أثير غرقت في عينيْها لتُردف بعد صمتٍ لثواني : وإن ما بعدت؟
رتيل : فيه شي ما تعرفينه عنَي! ضميري ميَت وأسألي عبدالعزيز عنه، هو بنفسه شهد عليه أول ما جاء الرياض!
أثير تراجعت لتأخذ حقيبتها وهاتفها : طبعًا راح أسأله وأبلغه بتهديدك الحلو . . . خرجت لتضرب الباب بقوَة، رمشت عينيْها لتسيل دمعة حارقة على خدِها الأيمن، أخذت العلبة الزجاجية الموضوعة على الطاولة لترميها على الحائط وهي تصرخ بغضب يندمج مع بكاءها : حقييييييير! . . حقيييير . . . جلست على ركبتيْها، اخفضت رأسها ببكاءٍ صبرت عليه كثير. وضعت كفيَها على إذنها حتى لا تسمع صوتُ قلبها المرتجف، كيف أصمَ سمعي عن قلبي؟ أكرهك وأنا كاذبة، سأُرددها حتى أصدَقها مثل ما صدَقت مسألة أثير، سأصدَقها يومًا وأكرهك يا عبدالعزيز.
↚
بغضبٍ، بحُزن، بحسرة و حقد ينظرُ إليْه، لستُ على قيد الحياة ولا التُراب يدثَرني، إني مُعلَق منذُ أن غابوا! كيف أستطاع قلبك أن يفعلها بيْ وأنت أبْ؟ تُدرك معنى أن تكون وحيدًا، كيف قدِرت أن تُحزنَي بهذه الصورة؟ وأنا ناديتُك " يبه " من يُشفي علَتي؟ من يُساعدني على الوقوف مجددًا؟ ألم تشفق عليَ؟ كنت أستيقظ في بيتك كل يوم وأنا قلبي يمرض بهم! كنت أراك وعينيَ تحترق ببكاءٍ محبوس! ألمْ تُخبر نفسك بضرورة معرفتي بلقاءِها؟ كيف أستطعت " يا أبوي يا أبو سعود . . يا أبو زوجتي "
من يُسكِن حرارة القهر المندلعة فيَ؟ من يُضمَد جراحِي؟ من يقرأ على قلبي حتى يطمئن؟ من أجل الله كيف لم ترحمني سنة كاملة؟ من أجله كيف لم تُخبرني في وقت كنت تراني به أتلهف لذكرى تمَر على بالي، كيف تؤذيني بهذه الهيئة المتطرفة؟ في داخلي إستفهاماتٍ موجعة لا يُخمدها جواب، لا يُخمدها والله سوى الموت.
عبدالرحمن الواقف ومن خلفِه أرضٍ خضراء واسعة : أجلس
عبدالعزيز : ليه تسوي فيني كذا ؟
عبدالرحمن بقلة حيلة : أجلس يا عبدالعزيز
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بضيق : ليه؟
عبدالرحمن بضيقٍ أشد : عبدالعزيز
عبدالعزيز : لا تقول إسمي . . أبي أنسى إني عرفتك
عبدالرحمن يقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بخطواته : ما كان بإيدنا شي ثاني
عبدالعزيز بصراخ أوجَع قلب عبدالرحمن : كل شي ماهو بإيدكم! سرقتوا حياتي، قابلت ناس أحلف بالله ما تخلَون عيالكم يقابلونهم . . طيَحتوني من ورطة لورطة . . دخلت غيبوبة و رجعت وأنكسرت و طحت في المستشفى ألف مرَة . . . و عشت بأرق لفترة طويلة . . . وأستخسرتوا تقولون روح لأختك . .
أعتلت نبرتِه مرةً أخرى : هذي أختي! خليت أختي سنة وأكثر بروحها . . . من أيش مخلوقين؟ قولوا لي اللي بداخلكم قلب ولا حجر ؟ . . والله لو إني يهودي ما تسوون كذا! . . كِذا تعاملون ولد سلطان العيد . . كِذا تعاملون شخص ما قد جاب سيرتكم بأيَ شي شين . . كِذا تسوون مع شخص خسر نفسه عشان شغلكم! . . أنتم من أيش؟
عبدالرحمن شتت نظراته : ما كنَا نعرف أنك ماتدري بالبداية
عبدالعزيز : طيب وعرفتوا! . . ليه ما تكلمتوا؟ والله العظيم لو أشتغل عندكم عبد رضيت بس عشان واحد من أهلي يرجع لي . . وأنتم بخلتوا عليَ! بخلت يا يبه
نظر إليه عبدالرحمن بضعف حقيقي من كلمته الأخيرة : عبدالعزيز . . بس أسمعني لين الآخر ولا تقاطعني
عبدالعزيز وعينيْه بدأ الدمعُ يتراكمُ بها : ما أبي أسمع . . بس قولي وين غادة؟ . . ارحم قلب ما بقى منه شي وقولي وينها
عبدالرحمن : عبدالعزيز أرجوك
عبدالعزيز لم تحتمله قدماه ليجلس، وإنكساراتِه تُعاد عليه هذه الفترة بألم وحشرجة روحٍ مُتعبة : وينها! . . يكفي اللي سويتوه فيني! تذكر أول ماجيت الرياض وش قلت! قلت لك لا بغيتوا تنحرون روح لا تعذبونها! . . وأنتم قتلتوا فيني أعظم شي . . قتلتوا فيني الحياة
عبدالرحمن لم يحتمل إنهيار عبدالعزيز ليخونه الثبات/الإتزان، أحمرَت عيناه بضعف : أقسم لك بالله أننا بالبداية ما كنَا ندري . .
عبدالعزيز رفع عينه للسماء برجاءٍ صادق : يارب رحمتك
عبدالرحمن : لا تسوي في نفسك كذا وتوجعني عليك . . تكفى يا عبدالعزيز لا تسوي كذا
عبدالعزيز بإنهيارٍ تام ينظرُ إليْه : يوجعك إني أموت؟ ما ظنتي! ما هزَني شي في هالحياة كثر ما هزَني موتهم وما أوجعني شي كثر ما أوجعني إني أنخدعت فيكم!
عبدالرحمن : فيه أشياء نكون مجبورين عليها والله العظيم نكون مجبورين . . أفهم هالشي يا عز
عبدالعزيز : لو كان أبوي عايش كان راح تتجرأون تتصرفون مع ولده بهالطريقة؟ . . . . أنتم تصرفتم كذا لأن ما عاد لي أحد ولمَا عرفتوا بوجود غادة قلتوا ما يصير! . . قلتوا ما يصير يعيش . . لازم يموت بحزنه وضيقه . . . حسبي الله . . حسبي عليكم ضعف اللحظات اللي حلمت فيها وخفت عليها . . حسبي عليكم بضعف الدقايق اللي راح فيها عنَي النوم . . . . . حسبي عليكم كثر ما أوجعتوا قلبي
عبدالرحمن يجلسُ على الأرضِ بجانبه : يا بعد الدنيا يا عبدالعزيز أسمعني. .
عبدالعزيز بهمسٍ خافت يبحَ معه صوته : وينها؟ . . قولي مكانها . . . قولي ما عاد أبي شي منكم بس قولي وينها! لا تحرقون قلبي أكثر من كذا! ما سمعتوا بناس تموت من حزنها؟ . . لا تذبحوني وأنا ما شفتها!
عبدالرحمن تلألأت عيناه بالدمع، أشدُ موقفٍ يواجهه منذُ زمنٍ بعيد، إنكسار الرجال تحديدًا يزيدُ من إنكساراته، إنكسارُ عزيز بالذات هو إنكسار الرجال بأكملهم، نظر إليْه وهدبيْه يرتجفان بشحُوب : بتشوفها
عبدالعزيز بخفُوت : كيف قوَى قلبك؟ يرضيك تعيش اللي عشته مع وحدة من بناتك؟ بنتك غابت بس كم يوم وقلبت الدنيا وضاقت بك! وأنا تاركني سنة وأكثر بدونها؟ . . يا قوَ قلوبكم! كيف قدرتوا تنامون؟ كيف كانت قلوبكم مرتاحة؟
عبدالرحمن : جانا خبرها في وقت ما نقدر نتصرف فيه بأيَ شي . . كان خطر أننا نكشف حياتها لأحد خصوصًا في ذيك الفترة
عبدالعزيز بحزن العالم الذي يختصرُ نفسه بصوته، بعذابٍ الحرُوب والمعارك، بوَجع المرضى و الثكالى، ببحَة المُشتكين و الحُزانى : وش خسرت؟ ما خسرت شي بس اللي خسر هو أنا! احترقت بأحلامي وأنا أنتظر صوت واحد من أهلي! وأنا أنتظر جيَتهم! عشت أيام عُمرك ما راح تحسَ بوجعها، كنت أصحى وأنا أحس موتهم حلم! كنت أصحى وأنا أتخيَلهم في كل جهة ألتفت عليها . . كانت كوابيسهم تكبر فيني وأنا أنتظر متى يروح هالكابوس؟ . . جلست شهور وأنا تعبان من حزني! ويوم تجاوزته وآمنت بأنهم رحلوا! طلعت غادة هنا . . عاشت شهور وأيام وأنا ماني عندها . . .
بصراخ : حرام تكون أبو! وأنت ما فكَرت حتى بأني أخوها اللي محترق عليها . .
عبدالرحمن ببحَته التي تتضح على صوته : كان ممكن لو عرفت هي تروح فيها! كنَا مضطرين نخبي عليك لين يجي وقت مناسب نقولك فـ
يُقاطعه بغضب : متى الوقت المناسب؟ أنا لو ما عرفت الحين كان ما قلتوا لي؟ على الأقل أعترفوا أنكم أذنبتوا! . . بس مهما استغفرتوا لحزني والله لا يضيَع حقي يوم القيامة
عبدالرحمن بدهشة : لا تفكر بهالصورة
عبدالعزيز بحدَة : تبيني أفكر بنفس طريقتك وأتصرف مثل ما تبي! تبوني الشخص اللي ما يفتح فمه بشي وينفذ الأوامر؟ . . بس مهما سويتوا مستحيل أكون بهالهيئة!!! . . راح تدفعون ثمن اللي سويتوه فيني طول هالسنة والنص . . . راح احرقكم مثل ما حرقتوني . . راح احرقك ببنتِك . .
عبدالرحمن : لا تنتقم بأغلاطي من بنتي، أنتقم مني
عبدالعزيز بكلماتٍ أوجعته : ليه ما قلت هالحكي مع غادة! وش ذنبها هيْ ؟
عبدالرحمن : ذنبها أنها بنت شخص يدورون عليه ناس كثير ويتصيَدون له ناس أكثر
عبدالعزيز بحدَة : ورتيل بنت شخص ضيَع لي حياتي
عبدالرحمن تنهَد بوجَع : سامح
عبدالعزيز : مثل ما ضميركم مات وانا ضميري مات
عبدالرحمن : عبدالعزيز لا تسوي شي برتيل
عبدالعزيز : جيت متأخر
عبدالرحمن بغضبٍ لم يسيطر عليه : إلا رتيل . . إلا هي يا عز
عبدالعزيز : شفت! شفت كيف تخاف عليها حتى مني . . بس ما خفت على أختي اللي من لحمي ودمَي من . . . . أصلاً مافيه أحد معها . . مافيه!!
عبدالرحمن : كانت بالحفظ والصون، كان معاها مقرن
عبدالعزيز بهدوء أنفاسه التي تموت بداخله : وينها؟ ارحم حالي وخلني أشوفها . . ما تركت مكان بباريس مادوَرت فيه عليها . . من الصبح وأنا أدوَرها . . واللي يرحم بناتك وينها؟
احمَر وجهُ عبدالعزيز بالبكاء المحبوس لتلتقط عيناه عينيَ عبدالرحمن اللامعتيْن بالدمع، عبدالرحمن : معاها ناصر
عبدالعزيز إبتسم بخيبة عظيمة : ادري! . . حتى ناصِر اللي ماتوقعته يوجعني أوجعني! . . وش بقى ما صار ليْ؟ قولي بس وش بقى؟ . . . أنا لو أموت محد بيتعجَب! أصلاً بيتعجبون كيف للحين عايش!
عبدالرحمن بصوتٍ راجٍ : عبدالعزيز
عبدالعزيز بإبتسامة شاحبة : موجعتني أشياء كثيرة . . لدرجة أدعي على نفسي وعلى إسم عبدالعزيز اللي ارتبط بأبوي . . . . . تمنيت كثير لو كنت رايح معهم ليلة الحادث! تمنيت والله إني ما عشت الى اليوم! . . تمنيت إني ما عرفتكم ولا شفتكم! تمنيت إني ما صحيت من الغيبوبة . . تمنَيت إني ما هربت من رائد . . تمنَيت إني أموت بدون كل هالتعذيب . . تمنَيت أموت من حادث بس ما أموت من حرَتي على نفسي
عبدالرحمن : بكرا بتعرف أنه كل هذا خيرة
عبدالعزيز : وحزني خيرة؟ حزني اللي مخلي حتى ناصر يخونني بمعرفته وهو الشخص الوحيد اللي بكيت قدامه؟ هو الشخص الوحيد اللي تركت فيه كبرياءي وماحبست دمعة وحدة قدامه!
عبدالرحمن : كلنا نغلط، ممكن أشياء بنظرك صحيحة غلط بنظرنا وممكن العكس
عبدالعزيز بغضب : وين الصح بأنك تحرق قلبي بأختي؟ الله لا يسامحكم ولا يحللكم . . الله يحرق قلوبكم مثل ما احرقتوا قلبي
عبدالرحمن بوجَع من دُعاءه المؤذي لقلبه : وإحنا يا عبدالعزيز ما عشنا بالسعادة اللي متوَقعها!! إذا أنت خسرت أهلك إحنا خسرنا وإلى الآن نخسر . . لا تسوي في نفسك كِذا ولا تتعبنا بكلامك . . لا تتعبنا يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : تعرف وش ندمان عليه؟ ندمان على اللحظة اللي كشف فيها فارس عن نفسه قدامك وتزوَج بنتك بإسمه الصريح،
بحقدٍ عميق يُردف : كنت بكون أسعد الناس لو تزوَج على أساس أنه مشعل وقدرت أخدعك فيه . . صدق كان بوقتها نيَتي إني أخدعك عشان يخدمني فارس بموضوع رائد! لكن كانت بتتغيَر أفكاري وأخلي خدعته لك إدانة للي سويته بحقي
تجمدَت حواسُه من الصدمة التي يُلقيها عليه عزيز، كان يعرف انَ مشعل هو ذاته فارس منذُ ان رأى فارس في ذلك اليوم البائس ولكن لم يتوقع ولا 1٪ أنَ عبدالعزيز يُساعده بهذه الطريقة.
عبدالعزيز وقف ليبتعد للخلف مُهددًا : أنسى إنه عندِك بنت . . مثل ما نسَيتوني غادة . . . ولا تقولي وينها! ماراح أستغرب أصلاً . . بتضلُون أكثر الناس دناءة بعيوني . .
في جهةٍ اخرى وضعت ظهرها ضيْ على الجدار ويدَها على شفتيْها المرتجفتيْن، ودموعها لا تهدأ، موجوعة من إنكسار عبدالعزيز الذي لم تشهد على إنكسارٍ بهذه الطريقة المؤذيَة لروحها، رُغم أنها لم تعرف عبدالعزيز جيدًا ولكن منظره وصوتُه الحاد يُزلزل أعماق كل من يسمعه، ولا تطيق أيضًا أن ترى عبدالرحمن بهذا الضعف، ماذا يحدُث يالله؟ كل شيء بيومين أنقلب رأسًا على عقب!!
،
يجلسُ بجانبها في المقاعد الثابتة أقدامها فوق الرصيف، لا كلمات تعبرهما ولا صوتْ يجيء بهما، تغرق بالطريق الذي يسلكه المارَة بهرولة وأخرى ببطء، تغرق بتأملاتها وهي تُفكر بالحياة التي تنتظرها بعد هذا اليوم، بالحياة التي ستلتفت عليها! أنتمي إليك يا ناصر، رُغمًا عنَي أنتمي لقلبك، علَمني كيف أتجاوزه الآن؟ أتعلقُ بك في وقتٍ تحتضرُ به الأشياء بيننا! أتعلقُ بك في وقتٍ تبتعد به عنَي، متى ستصِل الرسالة التي قُلت لي أن أنتظرها؟ متى سأنظُر إليْها وأقرأها؟ رُبما هي وحدها من ستهرُم معي؟ من ستنام معي، رُبما هي وحدها التي تُحقق أحلامنا بالكلمات، أُريد أن احبك يا ناصر، أن أحبك بمثل الشدَة التي سبقت الحادث، أُريد وبشدَة أن أعشقك بطريقةٍ جنونية لا تُحبطها ذاكرة ولا نسيان، حزينة من الحياة والناس، حزينة لأن لا شيء يستقيم وضلعي أعوَج!
إلتفت عليها وهو يدخل كفيَه بجيوبه : بردانة؟ نقوم؟
غادة دُون أن تنظر إليْه : أقدر ازور ناصر؟
وليد بكذبٍ لا يتردد به : لا، ممنوع زيارته
غادة بضيق : طيب ما قالك شي ثاني؟ شي يتعلق فيني؟
وليد تنهَد : لا، قالي بس أوديك السفارة عشان يتصرفون وترجعين لأخوك قبل لا تطول مدتِك هنا
غادة : حتى عبدالعزيز مو قادرين نوصله!!
وليد : ما أبي أحبطك بس لا تتأملين بناصر كثير . .
إلتفتت غادة عليه بإستغراب : ليه؟ . . ناصر ما ذبحه كان يدافع عن نفسه و
يُقاطعها بهدوء : بعيونك يدافع عن نفسه لكن ممكن ما شفتيه! . . لاتخلين الحب يعميك
غادة تجمدَت ملامحها والبياضُ يخرج من شفتيْهما برجفة : مستحيل! ناصر ما ذبحه بتعمد
وليد : وأنا كنت أقول مثلك، لكن يوم رحت آخر مرَة أتضح أنه متعمَد . . مستحيل يطلع من القضية وكل الأدلة تشهد ضده . . مافيه ولا دليل واقف معاه الا شهادتِك!! . . وأنا أخاف عليك يا غادة . . والله العظيم أخاف عليك
غادة هزَت رأسها بالنفي، لا تُريد أن تصدَق شيئًا من حديثه لتُردف : مستحييل . . تعرف وش يعني مستحيل!!
وليد : ما أبي الا إنك ترجعين لأخوك سالمَة . . وراح أحاول قد ما أقدر إنك توصلين لعبدالعزيز بأسرع وقت
غادة بضيق غاضب : وش صار يوم رحت؟ فيه شي صاير مو راضي تقوله ليْ!!!
وليد : ولا شي . . كلمت ناصر وجيتك
غادة أخفضت رأسها لتجهش عينيْها بالبكاء : صرت أخاف على نفسي من هالبكي . . أخاف من هالضيقة اللي تجيني، مافيه شي أوجَع من إنك تجهل نفسك؟ نفسك اللي هي ذاكرتك! . . أبي أتذكر أشياء كثيرة بس ماني قادرة لكن قلبي يتذكَر، أحس فيه يا وليد . . أحس إني أعشقه . . أعشقه حد الجنون . . . كيف يرجع ليْ؟ أبي ناصر يكون بخير
وليد عقد حاجبيْه بضيق : وهو بخير . . إن شاء الله بيكون بخير
غادة مسحت على ملامحها لتُردف ببحَة موجعة تُشبه بحَة أخيها : يارب
،
نظر إليْه بحاجبٍ مرفوع من صوته الذي يرتفع بغضبٍ لا يراه مبررًا : في القضاء مافيه أمي ولا أبوي يا يوسف!!
يوسف بقهر : فتحتوا قضية مسكَرة وقلنا معليه لكن الحين بعد بتتهمون الناس وتجيبون المصايب فوق راسي!!!
والده : وين المصيبة بالضبط؟ المصيبة أننا نعرف الحق؟
يوسف يفيضُ قلبه بالضيق : مو على حسابي يا يبه
والده : ليه تدافع بهالطريقة وكأنك تعرف شي؟ . . إذا أمها غلطانة خلها تتحاسب
يوسف بغضب : أم زوجتي! تعرف يا يبه وش يعني أم زوجتي؟ كيف أرضى أنها تتحاسب وأجلس أحط يدي تحت خدي أنتظر حضرتكم متى تحترمون قدر هالناس بحياتي! إذا أمها ما تعني لكم شي فهي تعني لي
منصور تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
والدته : تعوذوا من الشيطان لا تتهاوشون وتكبرَون الموضوع
يوسف إلتفت لوالدته : يعني يمه وش أسوي؟ واقف بين نارين بين اللي مفروض يهتمَون لحساسية هالموضوع بالنسبة لي وبين مُهرة
والده : يا يوسف يا بعد روحي أنا فاهم وضعك بس هالموضوع حساس بالنسبة لموضوع أكبر منه، تو اكتشفناه والحين مضطرين نكمَل تحقيقات . . هالشي مو متعلق بقضية فهد وبس! هالشي متعلق بقضايا كثيير
يوسف : يعني تبي أمها تدخل بين الرجال عشان تعيد لهم نفس الحكي اللي قالته بالبداية؟
صمت والده قليلاً حتى أردف بضيق : خلاص ماراح يصير الا اللي بخاطرك! تجي هنا والبيت بيتها . . أنا بنفسي بحقق معها بدون شرطة ولا شي
والدته بإبتسامة تنظرُ ليوسف الغاضب : شفت . . هذانا حالَيناها! يالله هوَنها ولا تضيَق صدري عليك
يوسف صمت كثيرًا مع حديث والدته حتى نظر لوالده ونطق : وبتحلَها مع الضابط؟
والده : تطمَن علاقاتي معهم قويَة
أتاهُم صوتها المبتهج : سلااااااااام
إلتفتُوا جميعهم، لتتسع إبتسامة والدها : وعليكم السلام حيَ هالطلة
تقدَمت هيفاء إليه لتقبَل رأسه ويدِه : الله يحييك، سلَمت على منصور الذي عانقها بشدَة : أشتقنا لك
هيفاء : واضح! أنتم زين ما نسيتوني
منصور : والله أننا مشتاقين لك، بس ماش دايم ظالمتنا
هيفاء قبَلت والدتها بحميمية كبيرة لتنظر ليوسف الذي وقف لها، طبع قُبلته بالقرب من عينيْها في عناقٍ لا يليقُ إلا بهما : شلونك ؟
هيفاء : بخير الحمدلله . . نظرت إليهم لتُردف . . وش فيه جوَكم مشحون؟
والدتها: اجلسي لا مشحون ولا شيَ . . قولي لنا أخبارك
والدها : فيصل نزل؟
هيفاء : لآ قال عنده شغل بس بيجي بعد شويَ ويشوفكم . . إلتفتت لوالدتها . . أنا الحمدلله أخباري عال العال . . أنتم بشروني؟ وش مسوين ؟
والدها وتعانق أصابعه سبحته : والله البيت فاقدك . .
هيفاء بإبتسامة شاسعة : عرفتوا قيمتي
والدتها تضربها بخفَة على كتفها : ليه في أحد كان مقلل قيمتك؟
هيفاء بضحكة :وناسة كل يوم بجيكم اذا بتستقبلوني كذا
يوسف وقف : عن إذنكم . . خرج بهدوء ليُثير علامات الإستفهام بعينيَ هيفاء
: صاير شي؟
منصور : متضايق شويَ من قضية فهد أخو مهرة
في جهةٍ اخرى صعد بخطواتٍ ثقيلة للأعلى، وقف امام باب غرفته كثيرًا وهو يسحب هواءً تستجيبُ له أعصابه فترتخي من هذه الشدَة، فتحه بخفُوت لتقع عيناه على جسدِها المستلقي على السرير دُون غطاءٍ، أغلقه ليقترب منها وملامحها الباكية نائمة بهدوء، بضيق حاجبيْه أخذ الفراش ليُغطيها جيدًا، أبعد خصلاتها المتمردة عن ملامحها لينحني عليها بقُبلة بين حاجبيْها، بقُبلته فتحت عينيْها المتعبتيْن، شعرت به من نومها الذي لا يتعدَى بخفته أيَ عُمق، جلس بجانبها ليُشتت نظراته بعيدًا بِـ هَمٍ يُثقل على كتفيَه.
مُهرة بضيق أستعدلت حتى تجلس، وقفت لتهرب من وجودِه بجانبها، راقبها حتى دخلت إلى الحمام، بللت ملامحها المرتجفة بالحُمرة بماءٍ بارد، نظرت للمرآة التي تكشف حزنها من عينيْن لامعتيْن.
لم يكُن موتُك عاديًا يا فهد! تمرَ سنَة ومازال موتُك يستثير حزننا في كل لحظة، لو كُنت هنا لمَا أخذوا أمي! لو كُنت هنا لما بكيْت الآن، أخطأت! أخطأت باليوم الذي أحببته فيه وهو سيبقى ينظرُ إليَ بنظرة أختُ فهد الذي تورَط بقضيته أخيه، لو كان بإمكاني الآن أن أكرهه لمَا ترددت لحظة، لو بإمكاني أن أصرخ بوجهه حتى لا يجيء بسيرتك، لفعلت يا فهد. ولكنني لا أستطيع، لا أقدر! يقف كالغصَة بداخلي لا أتجاوزها ولا أعود للوراء، في كلا الحالتين أنا واقفة بالمنتصف، بين قلبي وعقلي، أشعرُ وكأنني أعيشُ بقاعٍ من الجحيم، لا يفهمون معنى أنَ الذي مات هو أخي وليس أحدًا من الشارع حتى لا يهتمَون بمشاعرنا! نحنُ الذين نبكِيك إلى اليوم لا ندرَي في أيَ جسدٍ نحتمي.
سحبت منديلاً لتُجفف وجهها، خرجت دُون أن تنظر إليه في وقتٍ كان ينظرُ إليْها ولتصرفاتها التي تعبَر عن هروبها منه وصدودها، جلست على الأريكة وهي تُعطيه ظهرها.
بصوتٍ متزن : كلَمت أبوي وماراح تروح أمك مكان غير بيتنا . . أبوي بنفسه هو اللي راح يكلَمها
مُهرة بضيق : زين حسَيتوا أننا ناس ولنا مشاعر
يوسف : محد أهانك ولا أهان أمك يا مهرة!! هالموضوع مثل ماهو حسَاس بالنسبة لك فهو حسَاس للقضية اللي تهمَ الكل
مُهرة إلتفتت عليه : بس تجي أمي راح أروح معها! أختنقت من الرياض وهوا الرياض
يوسف نظر إليها بجمُود : تبين تبعدين وبس!!!
مُهرة : أنت وعدتني إنك توديني لأمي قبل أسبوعين وهذا أمي بتجي بنفسها . . أنا جد مختنقة من أهلك ومن بيتكم يا يوسف
يُوسف تنهَد : سوي اللي تبينه . . أستلقى على ظهره ليأخذ هاتفه ويلتهي به حتى يُخفف غضبه الذي بدآ يضجَ بكل خلية في جسدِه.
مُهرة أطالت نظرها لتجاهله لها في هذه اللحظات، في كل نظرة كانت تصعد الدمعة من قلبها ناحية عينيْها، في كل رمشَة كان جُزءً من قلبها يسقُط.
شعر بنظراتها، لم يتحرَك ضلَت عيناه على شاشة هاتفه ومازالت عينيْها تطوف حوله، أخذ نفس عميق ولا يفهمُ ماهية الشيء الذي يراه، عقله ليس بهاتفه أبدًا.
،
كان ينتظر الملف الذي سيصِله وعيناه على محادثة الجوهرة بالواتس آب، بدأ يُحرَك أصبعه الأوسط والسبابة على الطاولة بموسيقيَةٍ وهو يُفكَر بأكثر من طريقة يسأل بها عنها، رفع عينه للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على ساحة التدريب ليُعيد النظر لشاشة هاتفه، لم ترمش عيناه أول ما قرأ " on line " أخذ نفس عميق ليسحب هاتفه ويتصِل عليها، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُها المرتبك : ألو
سلطان : السلام عليكم
الجوهرة : وعليكم السلام والرحمة
سلطان : شلونك؟
الجوهرة توتَرت من سؤاله الذي يعتبر مُفاجىء لقلبها، بضيق صوتها : بخير . . صاير شي؟
سلطان : وش بيصير مثلاً ؟
الجوهرة : آآ . . لا بس أستغربت
سلطان : استخرتي ؟
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبة، لو تعلم إنني أخاف الإستخارة، أخاف من اللاإطمئنان معك، أخاف من الإنفصال الذي يكون مبنيًا على " حكمة من الله " لو تعلم يا سلطان أنني جبانَة في الصلاة، أُريد أن ننفصِل دُون أن أضع في بالي أنني لن أكون مطمئنة معك، دون أن تلمع في عينِي دمعة بأنك لم تكون خيرةً ليْ، ببساطة يا والد طفلِي وسيَد قلبي، أنني أؤمن بأنك وداعةُ الله ليْ و مضيتُ معك على سبيل أنَك خيرةً ليْ ولا أُريد أن تتغيَر قناعاتي.
سلطان : الجوهرة؟؟
الجوهرة : لا
سلطان تنهَد : انا فكرت . .
الجوهرة : وأيش وصلت له ؟
سلطان : بروح باريس لشغل وقلت في نفسي هذي فرصة عشان أحدَد وش أبي من الحياة
الجوهرة : كم بتغيب ؟
سلطان : ماعندي علم بالمدَة
الجوهرة تكره أن تتكلم بلسانِ عقلها الذي تُجبر عليه لتُقمع محاولاتِها القلبيَة بالإنتفاضة : كِذا ولا كِذا القناعات وحدة
سلطان سعَل قليلاً ليُردف : وش القناعات الثابتة؟
الجوهرة : اذا ما تنازلت واعتذرت واعترفت بأغلاطك ووعدتني أنك تصلحها ماراح أرجع
سلطان بغضب : يعني أنا بس اللي مطلوب مني أنفَذ وأنتِ اللي بتنتظرين؟
الجوهرة بضيق : ما أطلب منك تنفَذ! أطلب منك إذا تبي الحياة اللي معي تحترمني
سلطان بحدَة : تستفزيني في كل مرَة أحاول فيها ما أتنرفز!!!
الجوهرة : ما أستفزك! هذي أبسط حقوقي، ماني عبدَة لك يا سلطان بتلقاني متى ما اشتهيت
سلطان : تعبت من كلامك هذا! عُمري ما أهنتك بهالطريقة أو خذيت منك حقوقي بطريقة مذلَة!! أفهمي إنه عُمري ما جيتك وبغيتك مثل مايشتهي مزاجي وكل هذا من خرافات عقلك!
الجوهرة بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : أنت تشوف شي غير اللي أشوفه! . . أنا أشوفك أهنتني وذلَيتني وماهي خرافات من عقلي
سلطان بعصبية : أنتِ حتى نفسك مو عارفة وش تبين!! تناقضين كلامك في كل مرَة! . . الشرهة على اللي متصَل بس
الجوهرة بضيق : شفت! حتى إتصالك تمَن فيه وتستخسره فيني
ضحك من غضبه ليندفع بإنفعاله : عاد جاك العذر لين عندِك عشان تتحججين فيه!!
الجوهرة : سلطان
سلطان بعصبية كبيرة يزيدُ عليها ضغط أعصابه في الفترة الأخيرة : ما عدتِي الجوهرة اللي أعرفها! كل تصرفاتك ماهي واضحة!! فيه أحد يأثر عليك؟
الجوهرة بغضب لم تسيطر عليه : على فكرة صفحتك بيضا قدام أهلي كلهم! وإذا فيه أحد يعرف بتصرفاتك فهو عمتِك! بس اكتشفت أصلاً إنك ماتحب أحد يكون قوي ويوقف بوجهك! تبي الكل يخضعون لك ويوم شفتني أنادي بحقَي أتهمتني وقلت فيه أحد يأثر عليَ!!! ليه ما تستوعب إني أبي أبسط حقوقي وهو أنك تعتذر
سلطان : عقب حكيْك هذا حتى لو كنت مفكَر بالإعتذار ماراح اعتذر! لأن حتى أنا من أبسط حقوقي إنك تحترميني وما ترمين حكي مثل هذا . . ماني أصغر عيالك!!
الجوهرة بعصبية تنرفزت من أسلوبه : أنت بأيَ حق تفكر كذا؟ بأي حق يا سلطان!!! . . . دام كِذا أنا بعطيك إياها على بلاطة وأقولك ما أبـــــيـــــك
سلطان صمت قليلاً حتى يُردف : تبين الطلاق؟
الجوهرة بصعُوبة: إيه
سلطان بغضبٍ أتضحت به عروقِ ملامحه : أنتِ طالـ . .
الجوهرة : . . . . .
،
إلتفت عليه : ما راح أطوَل
: متأكد أنه زوجتك رجعت؟
فارس : إيه متأكد أرسلت مسج لنايف . . بس بجيب أغراضي وأدفع للفندق
: خلاص انتظرك . . مانقدر نطوَل
فارس خرج من السيارة ليتجه بعرجٍ خفيف في ساقه اليمنى للفندق، دخل المصعد الكهربائي وسبابته تضغط على الطابق الثالث، أخذ نفس عميق بملامحه المُتعبة وتزداد تعب في كل إرتفاع، أنفتح المصعد ليتجه نحو الغرفة 302، فتحها بخفُوت، ليرفع عينِه وقبل أن يُخفضها تجمدَت ناحيتها، أنصدَم من وجودِها، إلتفت لكل جهة من الغرفة حتى يتأكد من خلوِها من أحدٍ آخر، بدهشة : عبير!!!
عبير وقفت وملامحها تُعبر عن بكاءٍ أستمر ليومٍ كامل : جيت؟ . . عرفت أنك مو قد المسؤولية!
أغلق الباب ليقترب منها : ما جاك أحد؟
عبير بغضب : ليه سويت كل هذا؟
فارس عقد حاجبيْه بإستغراب : وش سويت ؟
عبير : تنكر بعد؟ ليتني ماعشت يوم واحد معاك ولا عرفتك!!
فارس : عبيير؟؟
عبير بصراخ أبكاها من وجَع الخيبة : لا تنطق إسمي! . . أكره نفسي كل ما تذكرت إنك قدرت تتزوجني!!
فارس بلع ريقه بصعوبة : وش فيك؟ . . وش صار؟
عبير تأخذ الظرف من على الطاولة لترميه عليه متجاهلة الجروح التي على وجهه، لا تُلقي بالا لتعبه وفي قلبها تندلع الحسرة، يفتحه فارس ليتنهَد بضيق دُون أيَ كلمة تُنقذ الموقف، لا شيء يُساعده! كل شيءٍ يقف ضدَه من والِده للكلمات الجامِدة على لسانِه.
أيَ وجعٍ يستطيع أن يُكابر إلى الآن؟ أيَ وجعٍ من الممكن أن أمحيه بهذه السهولة؟ وأخسرك يا عبير للمرة اللاأدري! أرجوك، هذه المرَة لا يقف قلبك ضدَي! يتفاقم حُزني بشكلٍ لا يُطاق، أنا أحتاجك أكثر من أيَ لحظةٍ سابقة.
عبير : ماتقدر تنكر؟ .. علَمني وش بقى من رجولتك؟ . . وفوق هذا تاركني وكأنك تدري في مصيبة تحاول تخبيها عنَي
فارس : فاهمة غلط
عبير تبتعد عنه بخطواتٍ للخلف : وش اللي فاهمته غلط؟ تكلَم بنات وتشرب و . . أيش بعد؟ ولا أنا من ضمن البنات اللي تكلَمهم ومتعوَد عليهم . .
فارس بغضب يحتَد صوته : عبير! . . لاتكلميني بهالطريقة
عبير بغضبٍ أكبر : المفروض أنا اللي أعصَب ماهو أنت!
فارس بتنهيدة : ممكن تسمعيني بدل هالصراخ؟
عبير : لآ مو ممكن! أصلاً ما أتشرف إني أسمعك . . منقرفة منك ومن نفسي . . الله أعلم كم بنت قابلت وكم بنت . .
أخفضت رأسها ببكاءٍ يجرحُ صوتها، تشعرُ بأن قلبها يكسرُ ضلوعها المُحيطة به، تشعرُ بأن أوردتِها تنهبُ دماءها وتُجمَدها، تشعرُ باللاشيء ناحية الحياة.
نصيبي من هذا العذاب أتى كافيًا لمعرفتِك، خُنت ثقة والِدي وأنت خُنتني، لا حق يضيع بهذه الحياة وكما تُدين تدان، لِمَ تفعل بيْ كل هذا يا فارس؟ لِمَ تُحزنَي بهذا القدِر؟ أشعرُ إني أختنق من النُدب التي تنتشر على جسدِي ومن هذه الجروح، أنا أفقد نفسي تمامًا ولا أحد يمدَ يد العون إليَ، لم يجيء والِدي بعد ولم أرى أحدًا يُشفي قلبي من هذا الحُزن، وأنت أيضًا تزيدني، تقتلع جذوري بحدَة، أن أُصاب بهكذا خيبة وكأنني أصاب بمرضٍ عُضال يُشعرني بأنني أنتظرُ الموت. " كيف تخُون وعيناك فردوْس؟ " كيف تقوَى يا حبيبي؟
إقترب منها لتزداد إبتعادًا حتى ألتصق ظهرها بالجدار : هذي أشياء قديمة، قبل ماأعرفك زين
عبير ببكاء تفقدُ به كل خياراتها، إرتجفت شفتيْها : الحين عرفت قيمة إني أفقد أبوي! عرفت كيف الناس تجرحني بهالطريقة اللي تفجعني!
فارس: ماهو انا اللي أجرحك!
عبير بضيق تنهار ببطء : أبيه . . ودَني له . . ما عاد لي في حياتك شي!
فارس برجاءِ عينيْه الذابلتيْن : طيب أنا أعترف، أنا سيء في كل شيء لكنَي أنا اللي أحبك فوق كل شيء.
عبير نظرت إليه بشفافية دمعِها، أهتزَ قلبُها المرتجف من جُملته التي لا تعبُرها بسلام، استيقظت الربكة في دماءها المُستثارة بالبكاء : كم مرة قلت أحبك لأحد غيري؟ كم مرة شافت عيونك غيري؟ . . تكذب يا فارس . .
فارس : والله العظيم ما قلتها لأحد غيرك بهالصدق!
عبير : وش اللي بيخليني أثق فيك؟ كيف أثق بشخص ما أحترم حدود الله؟ أنا أصلاً فقدت ثقتي بالكل أول ما عرفتك! أول ما عرفت وش يعني الخوف؟ الخوف اللي يخليني أروح لطريق حذَرني الله منه . .
فارس أخذ نفس عميق وهو يستنجدُ بالكلمات حتى تُساعده : لا توجعيني فوق حزني!!
عبير بخفُوت بحَ صوتها ليواسيها البكاء بحزنٍ عميق : ليه؟
فارس : وش تبيني أعترف لك فيه؟ . . أنا غلطت، تصرَفت تصرفات ما تنكتب ولا تنقال بس عُمري ما انصلح حالي الا معاك! وعُمري ما صدقت بشي كثر صدقي بكلامي لك
عبير بجديةٍ تقتلها قبل أن تقتله : ما أبيك يا فارس! قلتها قبل أمس مقدرت تكون زوجي ولا راح تقدر!
فارس بضيقٍ يُشعره بأنه يحمل العالم في صدره : لك اللي تبين
عبير : بتطلقني وبنسى إنك مرَيت في حياتي
فارس بإنكسار واضح في صوته : مرَيت؟ . . يا قوَ قلبك على هالكلمة
عبير كانت ستتكلم لولا إنهيار عينيْها بالبكاء، شدَت على شفتيْها حتى لا تخرُج " آه " تزيدُها وجعًا.
فارس بعُقدة حاجبيْه : واضح إنك قادرة أنك تكمَلين حياتك بدون لا تلتفين لورى! في كلا الحالتين كان الإنفصال قدامنا بس كان ممكن يكون بطريقة ألطف من كذا
عبير شتت نظراتها بعيدًا : أساسنا خراب! وأنا ما أرضى بهالخراب
فارس بغضب يقترب منها ليلتصق بطنها ببطنه : حُبي لك عُمره ما كان خراب! الخراب إننا نلتقي بين هالجدران
عبير أبعدت عينيْه، تخاف هذا القُرب وهذه العينيْن التي من شأنها أن تُحبط أيَ عملٍ و مُخطط تلزمُ نفسها به، فارس بوَجعٍ يتسربُ لأنفاسها : أعترف بكل شي راح تتهميني فيه لكن أعترف إننا ألتقينا بالوقت الغلط ، الوقت اللي ما ساعدنا بشي ولا جمعنا بمكان واحد ينفع نقول عنه إنه المكان الصح!
عبير دُون أن تنظر إليْه : ما أبي أسمع شي، أبي أطلع من هنا وأشوف أبوي
فارس : من علَمك تقسين؟
عبير : أنت اللي قسيت، جرحتني وخيَبتني فيك!
فارس كان سيتكلم لولا إنطفاء الكهرباء وتتبعها الانوار التي تُضيء الغرفَة، ارتعش جسدِ عبير من هذه العُتمة، صمدَت قبل أن . . .
،
يستلقي على الأريكة بألم فظيع من ساقه التي يلفَها الشاش الأبيض ومازالت الرصاصة تغرزُ الوجع فيه : هذا اللي صار
عُمر بدهشَة : رحنا وطي!!
أسامة : لو عرف سليمان بنروح فيها . .
عُمر وضع يديْه على رأسه : وفيصل مسك الأوراق علينا!! كل شي بدآ يطلع من سيطرتنا! . .
أسامة : كيف أخذ الأوراق؟
عُمر : واضح أنه دخل البيت في غيابنا . . وش الحل يا أسامة؟
أسامة : لازم نفكَر بحل، أنا لو رجعت لرائد ليخلَص عليَ
عُمر : ما نقدر نهرب وجوازاتنا عندِه ؟ . . وش رايك نخبَي عليه لين ندبَر لنا حيلة
أسامة : إلى متى؟ بيوصله علم رائد أكيد
عُمر بضيق تنهَد : فيصل أمره محلول الليلة لكن رائد!!!!
أسامة صمَت حتى داهمت الأصوات الخارجيَة الغرفة، عُمر هرول سريعًا للنافذة بإستغراب من هذه الضوضاء، نظر للسيارة التي يخرجُ منها رائد لتتسع عيناه بالصدمـة : قامت جهنَم في البيت!!!!
،
نظر إليها بدهشَة وأعصابه تتلفْ شيئًا فشيئًا : متى قالت هالحكي ؟
أثير : الصبح! عشان تعرف أنك مخدوع فيها . .
عبدالعزيز بهدوء : أدخلي غرفتك ولا تطلعين
أثير بخوف : وش تبي تسوي؟
عبدالعزيز بغضب : أدخلي!!!
برهبة بلعت ريقها لتدخل وتُغلق عليها الباب، عبدالعزيز رمَى معطفِه و سكارفِه على الأريكة وهو يفتح أول أزارير قمِيصه، إتجه ناحية باب الغرفَة ليشدَ على مقبض الباب ويفتحه بغضب، إلتفت عليها وهي جالسة على الكُرسي وغارقة بتفكيرها . . وقفت بخوف من نظراتِ عينيْه التي تُشبه نظراته عندما حلِمت به أنه يأتِها، بلعت ريقها لترفع حاجبها بإستفهامٍ واضح.
عبدالعزيز : قلت لك أكثر من مرَة لا تلعبين معايْ!! أنتِ اللي تجبريني أتصرف كذا
رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا كلماته في تلك الليلة التي أتى عليها، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منه ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
.
.
" تصِل إليها رسالة ضيَقة ( عبدالعزيز في شقتكم القديمة ) نظرت إليها بدهشَة وفي عينيْها تلمعُ الفرحة، رمشت كثيرًا حتى تُصدَق أنه فعلاً موجود بباريس وبالشقة ذاتها . . "
.
.
يقرأ على عجَل / اللي ورى كل هذا هو . . .
وقف بدهشَة/صدمة/إستغراب/إحتضار تامْ لعقله.
↚
رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا ما قاله في تلك الليلة التي أتى بها كخيالٍ مُحرَض، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منها ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .
هذه الصرخة التي من شأنها أن تستثير غضبًا فوق غضبه، و حُزنًا يغصَ بما يحصل بحياته.
كيف للقسوة أن تتراكم بعينيْك وأنا أستدلُ بها؟ كيف لها أن تُقمعني بهذه الهيئة وأنا أرى نفسي كلما نظرت إليْك!
تضببت رؤيتها من البكاء الضيَق في زوايا محاجرها، كتم أنفاسها بكفَه وهو يحفرُ أصابعها بملامحها، شعَرت بأن فكيَها يتكسرَان، تذوب بقبضةِ يدِه وهو يحاول أن لا يسمع صوتها، هذا الصوتُ الذي يرتَد صداه بقلبه ولا يندثِر.
نزلت دمعتها من نبرتها التي تختنق بداخلها ولا تخرج، أخذت شهيق ومات الزفيرُ بقلبها، نظرت إليْه بنظراتٍ قتلت كل جزء فيه، نظراتُها التي أتت أقسى من التجاوز و اللامبالاة، زادت ضغط أصابع كفيَها المتمسكتيْن بصدرِه حتى تقاومه، كانت تقاومه بكفيَها ونظراتها، هذه النظرات التي تأتِ بأحيانٍ كثيرة أقوى من الأفعال.
كان هائِلاً، شاهِقًا، أشعرُ بأن العالم بأكمله فوقي ولست وحدَك يا عزيز، أشعرُ وكأن الدُنيا بمصائبها تتواطىء معَك لتُحرق قلبي! لو كانت عينيْك أقلُ قسوة ، لو كانت خُطاك أقلُ بعثرة لو كانت ملامحك أقلُ سمرَة، لتجاوزتُك! ولكنَك كنت ما لا أشَاء وما لا يحتملهُ قلبي، كيف تفعل هذا بإمرأة ظفَرت قوانين هذه الدنيَا ووضعتها خلف ظهرها من أجلك؟ كيف تفعلُ هذا بإمرأة تجاوزت أفعالك بالشتائم التي كانت تعني " أحبك " بهيئةٍ مبطنة، كيف تفعلُ هذا بإمرأة منعها خجلها في كل مرَة من المصارحة، كل شيء يتعلقُ بنا كان حجَة، حجَة لقول الحُب وفعل الحُب وكل الحُب، قاسٍ أكثرُ مما أظن، أنا التي أثقُ بعينيْك أكثرُ من كل شيء، أثقُ بقُدرتك على خيانتي بكل ماهو بمتناول قلبك ولكن عينيْك لا تخون! عينيْك لا تفعل بي هذا! أتركني بسلام! كان واضحًا أننا سننتهي بطريقيْن منفصليْن، ولكن لا تفعل كل هذا حتى أكرهك! لا تفعل يا عزيز من أجل بريق الحُب الذي لمع في عينيْك ذات مرَة، لا تفعل من أجل " أحبك " التي لم نتجرأ أن نقولها لبعضنا بطريقةٍ ناعمة.
أرخى قبضته على شفتيْها، نظر لعينيْها التي تتوهَج بالدمع، ويدَها التي تلامس صدرِه حتى تُبعده، ذبلت كفَاها حتى سقطت بمستوى موازٍ لجسدِها، أبعدت ملامحها للجهةِ الأخرى، أبعدت نظراتها عنه حتى لا تراه، ببحَة نزف بها بكاءَها : أتركني . . . اتركني
مالذي يمنعني عنك؟ كنت قريبًا جدًا من أن أُهينك بأكثر الأشياء ذلاً لإمرأة مُدللة مثلك! أنا أتوقف عن إهانتك في كل مرَة أنوي بها أن أروَضك ذُلاً، كيف تكونين بهذه الثقة المؤذيَة، كيف يأتِ صوتِك واثقًا في كلماتِك المهتَزة " أنا وقلبك نمنعك يا عبدالعزيز "، وكيف يخيب صوتِي في كل مرَة أقول " ما عاد لقلبي قرار! "، ضعنا هذا ما أنا واثقٌ منه، في كل مرَة يا رتيل أحاول أن أنسلخ من مبادئي أجدني في عرض هذه المبادئ تحديدًا في عينيْك التي تُهذَب كل أمرٍ أنويه، لو أنكِ لا تنظرين ليْ بهذه النظرات لأستطعت أن أفعل بكِ كل ما نويتُه، ولكنكِ تملكين عينيْن تُجسَد الأفعال بصورةٍ حادَة.
أبتعد عنها بعُقدة حاجبيْه ليقف بثباتٍ دُون أن يلتفت إليْها، دفنت وجهها في الوسادة لتجهش ببكاءها وهي تحضنُ نفسها بذراعيْها الناعمتيْن و آثارُ قبضتِه مازالت على ملامحها الباكيَة.
صوتُ بكاءها يرنَ صداه في جسدِه الذي مازال يقمع محاولات قلبه بالإلتفات عليها، نظر لقميصه المبهذل إثر مقاومتها له، أغلق أزاريره ليلفظ : تعرفين وش اللي يحزَ في خاطري؟ إني أهين نفسي معاك
شعَرت بأن حديدٍ يُصهر في أذنها من كلماته، في كل ثانيَة تمَر كانت تشد على عناقها لنفسها وهي تتكوَر حول جسدِها كظلٍ يأس من صاحبه، بالحقيقة أنا يأست من أشياء كثيرة أهمُها أنني يأست من هذا الحُب، قنطتُ من رحمة هذا الحُب بيْ! أنا في أشد لحظاتِ حياتي يأسًا، في أكثر فتراتِ عُمري حُزنًا، ماذا فعلت يا عزيز حتى تجعلني بهذه الصورة؟ أنا التي لم أتمنى الموت إلا قُبالتِك، وأنا التي لم أحبس الكلمات وأتلحفُ الصمت الا معَك، وأنا التي أحببتك كثيرًا وأحزنت نفسي كثيرًا، يليقُ بِنا أن نفترق، يليقُ بنا دائِمًا أن ينفر كلانَا من بعضه، أنا وأنت! هذا ما تقتضيه الحياة لنَا، هذا ما تُمليه علينا.
إلتفت عليها، أطال النظرُ إلى ملامحها المخبئَة في الوسادة، ويدِه اليمنى التي تجاور جنبِه تشتَد حتى ظهرت عروقِه المنتشيَة على ظاهر كفَه، بحدَة : أفكَر غيري وش كان ممكن يسوي فيك؟
رتيل دُون أن تلتفت إليه وضعت يديْها على أذنيْها : ماأبي أسمعك! ماأأبي . . . أنفجرت بالبكاء لتصرخ : اطلع! . . . أطلع من حياتي!! ما أبي قُربك ولا أبي أشوفك . . عُمري ما كرهت شي قد ما كرهت حُبي لك!!
عبدالعزيز يقترب منها ليسحبها من ذراعها رُغم محاولاتها بالتشبث بالسرير، أوقفها ليدفعها بقوَة على ظهرها للجدار، سحب السلاح الراقد في خصره، وجههُ لصدرها المرتجف، تجمدَت عروقها وأنفاسها الثائِرة دُون زفير يُسعف الموقف : شايفة شعورك الحين؟ هذا الشعور كنت أحسَه كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية! . . تخافين يغويني الشيطان وتنصابين؟ أو ممكن تموتين؟ . . انا ماكنت أخاف من الشيطان! كنت أخاف من الواقع اللي محد قادر يقوله ليْ!
أعتلت نبرتُه ليجلد روحها بغضبه : كنت اخاف من أبوك ومن فكرة أنه مخبي عنَي شي! كنت برضى لو مخبَي عني معلومة تكون بنظر الكل تافهة! كنت برضى لو كان مخبَي عنَي أيَ شي! لكن كيف أرضى أنه يخبَي عني شخص من لحمي ودمي؟ أنا بالضبط وش سويت عشان أستحق كل هذا؟ . . ممكن ضايقت أبوك! ضايقته كثير . . بس ما أذيته مثل ما آذاني! . .
يحفرُ فوهة السلاح بنحرها وعينيْه تتسلطُ بحدَتها/قسوتها بعينيْها : على فكرة! فيه أشياء كثير تخليني أتصرف بطريقة تليق فيكم!! لكن أبوي يمنعني! أبوي اللي مامات بداخلي!!
نسَت أمرُ السلاح الموجَه إليْها، نسَت كل شيء تمامَا وصدَى جملته الأخيرة ترتَدُ في جسدِها كـ رنينٍ لا ينتهي، تسيلُ دمعتها بيأسِ عميق/ بحُب مندثِر، كنت أؤمن بشدَة ومازلت نحنُ النسَاء لا نتملك عاطِفة واحدة حتى يكون أمرُ الحب محض التجاهل والنسيان بسهولة مثلما يفعل الرجال، هُم يملكون عاطفةٌ واحِدة من الممكن أن تُنسى، ولكن كيف نتجاهل عواطفنا الفطريَة والمكتسبة؟ عواطفنا التي تحتلُ عقولنا أيضًا؟ في حين أن عاطفتهم لا تُشكَل سوى 1٪ من أجسادهم.
عبدالعزيز بيأسٍ اتضح بنبرته : تفكرين كيف ممكن أتناقض بالدقيقة الوحدة مليون مرَة؟ وكيف هالتناقض يلعب فيك؟
أخفضت رأسها، لا تُريد أن تراه وتزدادُ زاويَةُ إنكسارها ببكاءٍ أكبر.
يُكمل بمثل حدَته التي تأتِ كسببٍ مُقنع لبكاءها : لأنه عُمري ما كنت لنفسي! أنا لأهلي . . لأبوي وأمي و هديل وغادة . . أنا كلهم يا رتيل! . . . . أهلي اللي أبوك بدمَ بارد ما فكَر فيهم! كيف تبيني أفكر فيك؟ . . بتفق معك إني ممكن أكون أسوأ شخص تقابلينه في حياتك! لكن راح أكون الأسوأ فعليًا لأني مقدر أدَعي الفضيلة وأقول معليه يا عبدالعزيز قابل السيئة بالحسنة! فيه ناس أقوى مني ممكن يقابلون سيائتكم بحسنة صبرهم وتجاوزهم لكن أنا . . ماني بهالقوَة!
دُون أن ترفع رأسها لنظراتِه التي تأتِ كنارٍ تُلهبها : وأنا مقدر أدَعي الفضيلة وأقول الحق حق يا رتيل وأبوك غلطان! أنا ماني بهالقوة يا عزيز عشان أقهر نفسي بأبويْ!
عبدالعزيز إبتسم بإزرداء : تربية أبوك ماراح أستغرب! . . تعاملون الناس باللي ماترضونه على نفسكم!!
رتيل رفعت عينيْها إليْه لتُردف وهي تحاول أن تتجاوز بكاءها وتتزن : إذا قصدِك من كل هذا إنك توجع أبويْ فيني، عادي! ماعاد تفرق معي نفسي، يهمني أنه ابوي ما يضيق عليَ لأني ببساطة منك تعلَمت الصبر، إذا أنت تفكر لو غيرك وش كان يسوي فيني أنا افكر لو كانت غيري كيف بتقدر تتحمَل كل هالمصايب؟ قلت لك كثير ببكِيك يا عزيز لين تنتهي منَي!
عبدالعزيز بعُقدة حاجبيْه يتأمل ملامحها التي تُبكِي من بين كلماتها التي لا تتراجع عنها أبدًا، لن يرى أبدًا بكاءً يُشبه بكاءها، ولا عينًا تُشبه عينها ولا نبرةً تُحطَمه كنبرتها، يُنزل السلاح ليضعه في مكانه السابق، بتهديد مبطَن : حزني ما يخصني بروحي! يخصَك أنتِ بعد!
رتيل التي تفهمه جيدًا لفظت : تهددني حتى بالأشياء اللي تسيطر عليها نفسي!
عبدالعزيز : بالنهاية راح يجي يوم وبتكونين بين أهلك وناسِك! راح تعرفين وش يعني ضميرك يموت! و كيف تعيشين الحياة كأداء واجب لا أكثر
رتيل بضيق: أداء واجب؟؟
عبدالعزيز : أنك تتنفسين لا أكثر! بدون أيَ هدف يخليك تعيشين هالحياة! و بتنتظرين الموت اللي يغيَبك فعليًا! . . راح يجي يوم وتعيشين كل هذا
رتيل بحدَة : ما أشبهك! لا تربط مصيري بمصيرك بهالطريقة!!
عبدالعزيز بتهديدٍ صريح حاد/قاسِي : بس حزني مصيرك! قلت لك أنه ما يخصني بروحي . . . تراجع عنها بعد أن تقابل جسدِه بجسدها للحظاتٍ تقسمُ روحها نصفيْن، تركها ثابتة تحت تأثير الصدمة، خرَج من الغرفة لترتفع عينيْه نحو سقف هذه الشقَة.
في حينٍ انسحب ظهرها بذبولٍ من التوكأ على الجدار لتجلس على الأرض، إنك تقتلني ببطء، تُمارس أشنع الأفعال لقتلي، ليتَك تحدَ سكينك وتُنهي هذه المآسآة ولكنك تستلذُ بتعذيبي، " اللعنة " على الحُب.
خرج من الشقة ليُقفل الباب جيدًا، نزَل ليتسلل إليْه ليل باريس الهادىء في مثل هذا اليوم، أدخل يديْه بجيُوبِ معطفه ليسير على الرصيف الضيَق، خرج من على المحل الجانبي شخصًا ليرتطم به على عجل، رفع عينِه اللامباليَة ليأتِ صوتُ وليد الشرقي : عبدالعزيز ؟
عبدالعزيز سَار خطوتين ليلتفت عليه برفعة حاجبه : عفوًا ؟
وليد : أنت عبدالعزيز العيد صح ؟
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : مين معاي ؟
وليد الذي ارتكب الصدفة وتعمَدها : من يومين كنت عند ناصِر و كنَا ندوَر عليك
عبدالعزيز بملامحه المتجمَدة وبردُ باريس يزيده تجمدًا : ناصر!! وينه؟
وليد : بالسجن! ماتعرف إيش صار؟ . . على العموم زين شفتِك عشان تروح له، على حسب علمي هو صديقك
عبدالعزيز صمت طويلاً حتى يقطع هذا الصمت بصوته الضيَق : معه أحد ؟
وليد فهم قصدِه ليُردف : لا ناصر لوحده . . ليه فيه شخص ثاني؟ ماعندي علم إذا فيه شخص كان معاه! اللي اعرفه أنه كان بروحه
عبدالعزيز : وش علاقتك فيه؟ مين تكون ؟
وليد : تعرفت عليه من فترة بسيطة لمَا كان هنا
عبدالعزيز بمزاجٍ لا يجعله حتى يبتسم لإبتسامة وليد : طيب! . . شكرا لك . . أعطاهُ ظهره ليُكمل طريقه.
وليد تنهَد من مزاجيته السيئة التي كانت واضحة عليه، لا أعلم كيف فعلت كل هذا! بدأت أجَن فعليًا حدُ أنني أوقع بينهم من أجل أن احتفظ بغادة، هذا الحُب امرضني، لستُ مثاليًا حتى أرضى بأن غيري يحتفظُ بكِ وينام على شَعرك، أنا آسف لأنني لم أرضَى بقدَري وحاربتهُ بأشدِ الأفعال سوءً، لا أدرِي كيف أتجاوزُ خيبةٍ اخرى؟ فشلت بحُبٍ تقلِيدي وفشلتُ أيضًا بحُبٍ اخترته، لا حظَ ليْ بهذه العاطفة التي تُسمى " حُب "، ولكنني أُريد ولو لأسبوع فقط! أن أعيشُه بسَلام يقتضيه الحُب فقط، أُدرك تمامًا فداحة أفعالي! ولكن هذه الحياة لا تُترك ليْ خيارًا آخر، آسف جدًا لأنني طبيبًا سيئًا عجز عن مداواةِ نفسه، أنا الذي أوصيْت كل من آتني أن تكُن الأخلاق الحسنَة منهجهم حتى يصلح حالهم، أنا الذي أوجَه الناس بشيءٍ لا أقدر على فعله، أنا مريض جدًا بِك يا غادة.
،
لا أعني ما أقول، أنا التي تتبعها ضلالة الحُب كظلَها وحين تهتدِي! تكُن الهدايـةُ من عينيْك، نحنُ نُجسَد المآسآة بيننا لأننا لا نجرؤ على النهايات، كل شيء يُجبرني أن أتخذ قرارًا دُون أن يشاركني قلبي به! هذه المرَة أنا أقول " نعم " دُون مشورة قلبي، ولكنني احترق! أشعرُ بأن النار تقوم في صدرِي، لم نتعلم العفُو كما ينبغي حتى نتجاوز أمورٍ كثيرة في حياتنا، المُحبط يا سلطان أنني أحبك بالخفاء ولا اعرف شعورك تحديدًا، سيقتلني شكَي الذي يتحوَل ليقين في كل مرةٍ أسمع بها صوتك، شكَي/يقيني الذي يقول أنك تُريدني، لا تقُلها، أتركني اتعثَرُ بك بالمُكابرة.
سلطان يتصاعد غضبه في كل حرفٍ ينطقه : أنتِ طالق!
ارتجفت شفتيْها، شعَرت بموجة صقيعٍ تضربُ جسدها، هذا الشعور الذي يقتضي العزلة تمامًا، أغمضت عينيْها لتستوعب ما يحدُث، تختنق ببكاءها، أظن أنني أسوأ مما أظنُ بنفسي، هذه الكلمة تأتِ كـ; جرح. لا يُمكنني أن أُشفى منها، لم أكن متناقضة بهذه الصورة اللاذعة إلا معَك، أنا لا أفهمني أبدًا ولا أفهمك! إلهي كيف أتى صوتُه ثابتًا دون أن تهزَه الكلمة؟ إلهي كيف استطعت أن تقتلني دُون أن تقول لي قولاً ناعِمًا يتمسكُ بيْ، كيف ننتهي هكذا وأنا لم أقل لك يومًا أن عيناكَ جميلة وأني أحُب النظر لنفسي عبرها، كيف يا سلطان تُنهي الحياة بعيني حتى لو طلبتُها منك! لم أكن أعنيها والله! تستفزُ صبري! تستفزني تمامًا حتى تُخرج أسوأ مافيني لتجعلني أسقطُ في قاع الندم، هذه النهاية لا يحتملُها قلبي، أنت المُحرَض الأساسي للألم و الوجَع، للقهر والحُزن، نطقتها دُون أن يتحشرج صوتُك بها؟ دُون أن تنطق بـ تنهيدة تُنقذ الموقف! قُلتها بإنسيابية تامَة و قتلتني!
سلطان يشعرُ بأن نارًا تندلعُ في حنجرته من مرور هذه الكلمة على لسانه، أغلق هاتفه ليقف وهو يفتح أول أزارير ثوبه، وصلُ لأقصى حالاتِ الإختناق، ليس جسدِي وحده الذي يمرض، روحي أيضًا.
تُحمَلني هذه الحياة فوق طاقتي، والمُحبط في الأمر أن تكونين سببًا يزيدُ من تحمَلي، أنا الذي حاولتُ ان أرتَد عن مبادئي السابقة، وأنا الذي ضللتُ أستخير الله في كل ليلة حتى توقفت عن ذلك قبل شهر تقريبًا، لم يُيسَر لي الله إنفصالي منكِ أبدًا، وهذا ما كان يجعلني دائِمًا في حربٍ لاذعة بين إيماني بحكمة الله وإيماني بأنني لا أقدر على تجاوز الأمر، توقفتُ عن الإستخارة في الوقت الذي خُفت به تمامًا أن يُسهَل الله أمر طلاقك! كنت أوَد بشراهة أن لا تأتِ نُقطة تُنهي ذِكرك في فمِي! في نبرة صوتي تحديدًا، تعبرني تفاصيلك بحدَة، هذا الأمر الذي لا أملك السيطرة عليه.
" إبتسامتُك الخجلى، ضياعُ عينيْك في خوفِك/فرحك، رجفة صوتُك، تصاعد أنفاسك، بعثرة خُطاك، دندنتُك الناعمة التي يستذكرُها عقلي دائِمًا ( روَح لي قلبي يا ميمه ) ، رفعةُ شَعرك، فرقعة أصابعك المتوترة، قدمِك التي تضرب الأرض بخفوت كلما أشتَد غضبك، أصبع يدِك اليمنى الذي يعبثُ خلف أذنك في تفكيرك، تلاعُب يديْك بياقتِك إن لم تجدِي جوابًا يُنقذك من الأسئلة المتراكمة بداخلِك، أسنانك العلوية التي تقبضُ على شفتِك السفليَة في كل مرةٍ تبكِين فيها، أحفظكِ تمامًا، أحفظُ أبسط الأشياء المتعلقة فِيك، لنا نحنُ العوَض من الله، لنَا أنا وقلبي رحمَةٌ من الله ".
إلتفت للباب الذي يُفتح، بلع رُكام الكلمات المبعثرة بداخله ليأتِ صوته متزنًا بظاهرٍ لا يعكس باطنِه، اعتاد أن يموت ببطء دُون أن يظهر من إحتضاره شيئًا للناس، اعتاد دائِمًا أن يحبس هذه الأمور بداخله ولا يُظهرها لأحد : حصل شي جديد؟
أحمد بإبتسامة متسعة : إيه . . فيه شخص إسمه فوَاز عندنا ملفه هنا
سلطان يتجه نحو الطاولة الجانبيَة ليمدَ يدِه نحو كأس الماء ويُبلل ريقه المحترق بالجوهرة : إيه وش الجديد؟
أحمد : الجديد أنه سلطان العيد الله يرحمه ويغفر له . . كتب وثيقة موقَعة منه عنه
إلتفت إليه ليضع الكأس بصخب : وش وثيقته؟
أحمد : وثيقة تفيد تحقيقه الـ . .
سلطان بلع ريقه بصعُوبة ليقاطعه : أحمد! . . كيف وصلت لهالمعلومات؟ كيف تعرف أننا نحقق بهالموضوع ومحد يعرف غيري أنا و بوسعود و بو منصور!!!!
أحمد اختفت إبتسامته ليُردف : الكل هنا يعرف أنكم تحققون بموضوع سليمان
سلطان مسح على وجهه بصدمة أخرى لا يُمكن لعقله أن يستوعبها : كلكم!!!!
أحمد : لكن أكيد محد بحث بالموضوع بدون إذن منك الله يطوَل لنا بعُمرك
سلطان بسخرية : أثلجت صدري بصراحة!
أحمد : أعتذر منك إذا كان تصرفي غلط، كل ما في الأمر إني وصلت لها وأنا أحدَث السيرفر التابع لنا
سلطان يجلسُ على مقعده، كل شيء يحدُث اليوم يجلبُ له البؤس : وش كان مكتوب فيها؟
أحمد : أنه إخفاء المعلومات المتعلقة بفوَاز هي جُزء مما يتطلبه التحقيق
سلطان: غيره؟
أحمد : سلطان العيد الله يرحمه كان موافق على فعل عبدالمجيد، يعني الملف المتعلق بفوَاز هو مجرد حيلة من سلطان و عبدالمجيد لسليمان، عشان يتيَقن سليمان بأنه الشكوك مبتعدة عنه ومتجهة لشخص يُدعى فوَاز . .لكن مافيه شخص خلف هذا الإسم والإسم ماهو مزوَر! الإسم ماله صاحب من الأساس عشان يتزوَر!!
سلطان إبتسم من سخرية أحداثُ حياته به، ودَ لو يقتل نفسه الآن ولا يسمع أنه أخطأ التقدير مرةً أخرى
أحمد أرتعب من إبتسامته هذه التي تأتِ في غير حينها أيَ يعني أن غضبًا سيأتِ بحينه : و . . و وبس
سلطان وقف ليحَك رقبته بضيقه الشديد : وهذا الإكتشاف مين يعرف فيه غيرك؟
أحمد : محد، أنت أول شخص الله يسلمك أقول له
سلطان : وأتمنى إني أكون آخر شخص
أحمد بلع ريقه : أكيد أبشر
سلطان : فيه شي ثاني؟
أحمد: لا سلامتك . . . خرج بهدُوء ليمسك سلطان الكأس ويرميه على جداره حتى تناثرت قطع الزجاج على الأرض، كوارث حقيقة أندلعت في جسدِه، للمرة الثانية نبحثُ عن شخص لا وجود له، للمرةِ الثانية أفشل! ولكن هذه المرَة أشدُ لذاعةٍ مما قبل، هذه المرَة تأتِ بمرارةٍ شديدة تتوافق مع فشلي بحياتي الزوجية، تنهَد ليسحب ما يستطيع من الهواء حتى يُخمد لهيبه، قطَع شفتيْه بأسنانه التي تحتَد هي الأخرى بغضب، جلس مرةً أخرى على مقعدِه لتضرب قدمِه الأرض وفي داخله أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة! وهذا ما يؤرق فِكره.
لِمَ يا سلطان العيد تفعلُ بنا كل هذا! بماذا كُنت تفكَر حينها؟ كيف طاوعتك نفسُك بأن تُخفي علينا، لوهلة أشعُر أنك تنتقم لعبدالعزيز منَا، تقتصُ بطريقةٍ ظالمة! لم نستطع أن نُبرر فيها عن أسبابنا، لم نكُن مخيَرين! لم نكُن ندرِي عن المصائب التي حدثت بعد الحادث. كنت صاخبًا بحضُورك ومازلت حتى في موتِك تصخبُ بنا، لو أنني أعرف معلومة واحدة تتعلق بما حدَث بعد الحادث لأنحلَت كل أمورنا.
تأتِ إبتسامة سلطان العيد كنسمَة باردة تمرَ في باله، قبل سنواتٍ عديدة في مثل هذا المكتب.
" سلطان بن بدر بإنفعال : وأنا وش يفيدني؟ أضيَع وقتي ليه ؟
سلطان العيد بهدُوء : إنفعالك هذا ماراح يفيدني! تعلَم تتحكم بأعصابك
سلطان بن بدر : متعلَم وعارف كيف اتحكم بأعصابي!!
سلطان العيد يقف متجهًا إليْه وبإستفزاز : ورَني كيف متحكم بأعصابك؟
سلطان بن بدر يقف صامتًا حتى لا ينفعل اكثر، ليُردف سلطان العيد : أنت في موضع يجبرك تكون حلِيم غصبًا عنك! شخصيتك ماهو بإيدك، شخصيتك تحت حُكم وظيفتك
سلطان بن بدر ابتسم : من كثر ما تردد عليَ هالحكي بصير عصبي!!
سلطان العيد بضحكة : لأنك صغير توَك ما نضجت
سلطان بن بدر : لا تحاول تستفزني بالعُمر!
سلطان العيد بتلذذ وهو يُثير غضب سلطان الذي يشترك معه بكيمياء إستثنائية : هالشهر بتكمَل ثلاثين سنة صح؟
سلطان بن بدر تنهَد : هنَيني بعد؟
سلطان العيد : أفآ عليك! إذا ما حفظت يوم ميلادِك أحفظ ميلاد مين؟
سلطان بن بدر تمتم : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
سلطان العيد : شفت هذي العصيبة كيف خلَت الشيب يجيك وأنت توَك بشبابك
سلطان بن بدر يمسح على عوارِضة الخفيفة التي تُظهر بعض الشعيرات البيضاء التي أتته من هذا العمل : بطَل تعاملني كأن عمري 20 سنة!!
سلطان العيد يعود لمقعدِه بإبتسامته المميَزة التي لم تفارقه أبدًا : تدري سلطان لو الله يفكَك من هالدم الحارَ وهالمزاجية كان أنت بخير! . . لزوم نخلصك من إضراب الزواج يمكن تتسنَع شويْ
سلطان بن بدر بإبتسامة : تعذبني في التدريب! تخليني اداوم قبل لا تطلع الشمس! تهلكني لين الفجر! تصبَحني بصراخ وتمسَيني بِـ سبَ وتبيني أكون قدامك بارد وحليم ومزاجي رايق؟
سلطان العيد غرق بضحكته ليُردف : لازم تتعوَد كم مرة اقولك! أنت منت مواطن عادِي، لازم تكون متعوَد على هالمعاملة عشان إذا شفتها بالشارع ما تآخذ سلاحك وتثوَر باللي قدامك! لازم تكون بارد إتجاه كل هذي التصرفات عشان مستقبلاً ما تغلط . . فاهم عليَ ؟
سلطان بن بدر : والله العظيم أدري! الحين ممكن تخليني أمسك هالقضية ؟
سلطان العيد بإبتسامة فسيحة مستفزة : لا
عاد لواقعه، طرق بأصابعه على الطاولة، تعاظمت حاجته لمن يحمل إسمه ورحَل.
أحتاج أن تقرأ عليَ بصوتِك الذي يبثَ السكينة، أن توجَهني لفعلٍ صحيح لا أتوه به، أن تصرخ عليَ وتغضب حتى أُعيد قراءة نفسي، أحتاج لَك يا موَجهي في هذه الحياة، لو أنَك هُنا اليوم! لتُدرك حاجتي الشديدة والمُلَحة لك.
،
باريس / ليلة الأمس.
ارتعش جسدُها من هذه العتمَة التي تحجب عن عينيْها الرؤية، تبلعُ ريقها بخوف وهي تُكابر بإخفاء رهبتها، وضعت كلتا يديْها على بطنها لتغرز أصابعها بجسدِها حتى تُخفف حدَة التوتر والخوف الذي يُصيبها، هذه العتمة تستثيرُ معدتها للغثيان.
تشعرُ أنه يبتعد عنها ولا صوت يجيء به، في وقتٍ إتجه فارس إلى مفاتيح الضوء ليعرف سر العِطل المُفاجئ، اقترب من الباب ليسقط الكَرت البلاستيكي الممغنط الخاص بفتح الغرفة، تنهَد ليبحث عنه بهذه الكومة من الظلام، أتى صوتها المرتبك مقاطعًا : فارس
وقف ليعُود بخُطى بطيئة نحوها حتى لا يصطدم بشيء: أنا هنا . .
تنهدت بجُزءٍ من الراحة، لدقيقتين استغرق بتفكيره ليُدرك تمامًا أن هذا العطل مُتعمَد، بلع ريقه ليُردف بإتزان وهو لا يراها بوضوح، كان يحاول أن يستعجل بالكلمات حتى يكسب الوقت : عبير . . ماني بهالصورة اللي في بالك! كلنا نغلط محد معصوم عن الغلط . . وأنا غلطت كثير بس صححَت أغلاطي . . عبير ما أبي الا إنك تصدقيني!!
عبير بضيق لا تعرف كيف تُفكر وتُحدد شعورها، كل شيء يتشوَش عليها : أبي أصدَقك! أبي أعيش معاك! أبي أكون لِك بس مافيه شي يساعدنا! حتى أنت يا فارس!!! بيننا شك لأنه من الأساس مافيه أيَ ثقة . . كيف أثق فيك؟
فارس : أنا اثق فيك! أثق بقلبك، أحتاج تثقين بثقتي فيك!
عبير تنازلت دموعها عن دور اللاجئة في عينيْها لتندثَر على ملامحها، بنبرةٍ مبللة بالبكاء : وإذا وثقت فيك كيف أثق بأهلك؟
فارس : أنتِ ليْ مو لأهلي . . لا تصعبينها عليَ!
عبير مسكت رأسها بثُقلٍ تام : ما أعرف وش الصح عشان أسويه! . . اقترب منها ليمدَ يدِه نحوها ويُلامس كتفِها، طوَق جسدِها بذراعيْه : قولي إنك تثقين فيك وبوعدِك أترك كل شي ورى ظهرِي وأكون معك!
وضعت يديْها فوق يديْه وهي تحاول أن تقاوم كل هذا الضغط العاطفي حتى تُقرر بشكلٍ عقلاني : ما ينفع . . أنا ما أعرف أتأقلم بسهولة مع هالوضع
فارس سحب يدِه من تحت يديْها ليطوَق وجهها ويرفعهُ نحوها : اللي يقتلني وأنا حيَ إني أخسرك بإختياري! اللي يقتلني إني أشاركِك الأرض وما أشاركِك السقف! اللي يقتلني إنه الشخص اللي انتظرته ماراح أقضي سنينه معه! اللي يقتلني إني أفترق عنك في ذروَة حُبي لك! . . . وأنا كيف أتأقلم مع الموت؟
عبير أخفضت رأسها ببكاءٍ عميق لا ينضَب، لامس جبينُها صدره القريب منها، وبنبرةٍ موجعة : ليه تقولها كأنك بتموت اليوم؟
فارس : لأني ما أضمن عُمري! بس أبي أضمن عيُونك
عبير : تصعَبها عليَ كثير يا فارس
فارس : قوليها بس
عبير وتسكنها الرجفة التي تجعل من أمرِ القرار صعب جدًا، أكمَل بصخبِ صوته الرجولي : ماراح يسعدِك رضَا عقلك! ولا راح يسعدني إني ابتعد عنك! خلينا لمرَة وحدة نمسح بهالمبادىء والقناعات البلاط ونعيش مثل ما نبي مو مثل مايبي غيرنا!
عبير بضيق بحَتها : الحُب مو كل شي! كيف بتقدر تعيش بدون إستقرار وأمان؟
فارس برجاء صوتِه الذي يأتِ سريعًا خشية من الوقت الذي يقطعه : بدُونك ما اعرف الإستقرار والأمان!
عبير بإستسلامٍ تام أنهارت ببكاءها، تشبثت أصابعها بأزارير معطفه في وقتٍ كانت ذراعه تُحيطها من خلف ظهرها : ما أبي أودَعك!
فارس بتعب : خلَي النهاية تجينا مو إحنا اللي نركض لها!
عبير ببكاء : آسفة لأني ما أعرف أكون بالصورة اللي في بالك!
فارس تجمدَ العالم بعينه التي تتحشرجُ بالكلمات المختنقة، بوداعٍ خافت : الله يهديك ويآخذك ليْ
،
صرخ عليه وساقِه المُصابة ترقد على الأرض : تعال قوَمني بسرعة!!
عُمر بتوتر : ماراح يجيك هنا! لا تطلَع صوت وماراح يدري بروح ألحق على سليمان
أسامة بغضب : بيدخل يا ******* تعال بسرعة . .
عُمر تنهَد بضيق ليهرول إليه سريعًا، حاول أن يوقفه ليسمع صوت خُطى الأقدام في الأسفل، ترك أسامة حين تصاعدت الخُطى ليُغلق الباب خلفه ويتجه للطابق الثالث.
أسامة شعر بأن ساقه تنفصل عنه تمامًا، الألم يتغلغل فيه ويضيَق عليه، زحف للخلف بمحاولة حقيقة أن يبحث عن مكانٍ يختبأ به، في جهةٍ أخرى لمح رائد جسدِ عُمر المارَ ليسحبه بحدَه، دفعه على الجدار بقوَة حتى شعر بأن أنفه سقط من وجهه، تذوَق لسانه الدم مُرغمًا إثر نزيف أنفه، لم يستطع أن يلتفت عليه وأصابع رائد تلوي ذراعه دُون رحمة : مين ذبح فارس؟ أيَ كلب فيكم؟ والله ورحمة الله لا أطلَع فعلتكم من عيونكم!
عُمر فقد تمامًا الإحساس من الضربة التي انسفت كل خلية صالحة للتفكير، لفَهُ عليه ليدفعه على الجدار مرةً أخرى وتنجرحُ مؤخرة رأسه وتُغطيها الدماء، أقترب منه ليضع ذراعه على رقبته ويشدَ عليه حتى اختنق : حسابكم ما خلَص! من صغيركم لكبيركم!
وضع رائد قدمِه خلف قدم عُمر ليشدَها بقوَة جعلت عُمر يسقط على ظهره ورأسه يرتطم بأول عتبة من الدرج، تركه ليصعد للأعلى وهو يجهَز نفسه لمُقابلة سليمان، ينسلخُ تمامًا بكل ما يمَت للإنسانية بصلَة، يوَد أن يقتلهم بأشنع الطرق واحدًا تلو الآخر، رفس الباب الذي أمامه ليتوسَط الجناح الواسع، بحث بعينيْه عنه ليراه جالِسًا ببرود يستثير غضبه : أووه! رائد عندنا!!! كان قلت لنا قمنا بواجب الضيافة
يمسح رائد على عوارِضه من خدِه حتى عنقه، بخدعةٍ لا تُكلفه من التفكير الكثير، أدخل يدِه بجيب معطفه الداخلي وكأنه سيخرج شيئًا لتنطق الرصاصة بإتجاه ساقِه، تصلَب جسدِ سليمان بصدمَة.
اقترب رائد ليسحبه من ياقتِه ويُوقفه، دفعه حتى الصق ظهره بالجدار : ماهو انا اللي تلعب معاي!! راح أعلَمك مين رائد . .
لكمه سليمان على عينِه ليستثير غضب رائد، أعاد رائد اللكمة إليْه ليلفَه ويدفعه على الطاولة الزجاجيَة، تناثر الزجاج حول جسدِه وساقه مازالت الدماء تغطَيها بعمق.
رائد : هذي المرَة رجلك والمرة الثانية راسِك! . .
بغضب صرخ عليه : وين جثة فارس؟
سليمان : دوَرها بنفسك
رائد تتجمع الدماء المُثارة في ملامحه المحمَرة بحقدِها، بقوَة رفع قدمِه ليُسقطها في وسطِ بطنه : أقسم بالله ما ترتاح ليلة طول ما أنا حيَ!!!
سليمان يتحامل على ألمه : أنت اللي بديتها وتحمَل!
رائد بكوارثٍ تتشكَل في ملامحه الغاضبة، إلتفت لرجاله المُصابين برهبة من رائد الذي لم يغضب كغضبه هذا منذُ وقتٍ طويل : شيلوه! . . أعاد نظره لسليمان بنظرةِ وعيد . . . بعلَمك كيف نحرق الجثث!!
سليمان انتشرت نظراته بغضبٍ من رجاله الذين هربُوا، حاول أن يقف لتأتِ الطلقة دُون رحمة على قدمِه الأخرى : ورَني الحمار اللي ذبح ولدي! ولا قسمًا بالله ما تنام الليلة الا في قبرك!
سليمان صرخ من ألمه : عُمـــــــر
رائد أخرج هاتفه ليبتعد بخُطاه للأسفل ويترك بقية المهمة لرجاله، بعد لحظاتٍ طويلة نطق : ممكن تحوَلني لسلطان بن بدر!
أحمد وهو يشربُ من كأس الماء : من أقوله ؟
رائد : رائد الجوهي
أحمد بردَة فعلٍ لم يسيطر عليها تناثر الماء من فمِه : نعععععععم!!
رائد : إذا مو موجود عبدالرحمن آل متعب
أحمد بلع ريقه : دقيقة وحدة . . . وقف لينظر إليه متعب بإستغراب : وش فيك؟ ترى بنصلَي على مقرن بعد صلاة العصر اليوم
أحمد بدهشة : تعرف من اتصل؟
متعب عقد حاجبيْه : مين ؟
أحمد : رائد . . . وش صاير في الدنيا! وداق على مكتبه بعد ويقول إسمه بكل فخر!!
متعب بصدمة : من جدك؟ يمكن شخص يستهبل
أحمد بإنفعال : فيه مجنون يتصل علينا ويستهبِل!! نوديه بداهية . . . . هرول سريعًا نحو مكتب سلطان ليطرقه ثلاثًا ويفتحه : طال عُمرك
سلطان المنشغل بالأوراق لا يُجيبه، يقرأ بتمعن أوراقًا لا صاحِب لها، يقرأ خيبته و فشله.
أحمد بلع ريقه : فيه إتصال مهم لك
سلطان : عبدالرحمن؟
أحمد : لا ر ..
سلطان يُقاطعه : ما أبي أحد يزعجني لا تحوَل لي أيَ مكالمات
أحمد : بس . .
سلطان رفع عينه الحادَة : قلت لا تحوَل لي أيَ مكالمات
أحمد برجاء صوته : طال عُمرك اللي متصل . . .
سلطان بغضب لا يحتمل المناقشة : ما أبي اكرر كلامي مليون مرة عشان تستوعبه!!! . . أطلع برا وسكَر الباب
أحمد بخيبة عاد للخلف وأغلق الباب، أندفع إليه متعب بحماسَة : وش صار؟
أحمد : واصلة معه! مقدرت أقوله كلمة وحدة الا أكلني
متعب : لازم تقوله! . . لحظة مافيه غير بو منصور هو اللي يعطيك الجوَ المضبوط!! . . . . أخرج هاتفه ليتصَل عليه، مرَت لحظات طويلة أمام ترقب أحمد المتوتر : السلام عليكم
عبدالله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
متعب : شلونك يا بو منصور ؟
أحمد يُشير له بيديْه أن يستعجل ويختصر بالكلمات.
عبدالله : بخير لله الفضل والمنَة . . صوتك يقول فيه شي؟ عساه خير؟
متعب : هو خير إن شاء الله . . . بس الله يسلمك بو بدر اليوم ماهو قابل النقاش بأيَ شي لكن حصل أمر ضروري ولازم يعرف فيه وقلنا مافيه حل غيرك خصوصا أنه بو سعود ماهو موجود بعد
عبدالله وقف ليخرج من مجلسه، عقد حاجبيْه : وش اللي حصل؟
متعب بلع ريقه ليلفظ بخفوت : رائد الجوهي اتصل ويطلب تحويل مكالمته لبو بدر
عبدالله تصلَبت سيقانه بدهشة ليُردف : أتصل على مكتبه؟
متعب: إيه على مكتبه . .
عبدالله : أنا جايْ الحين وبتصل على جوال سلطان بس أهم شي لا ينقطع الإتصال . . .
متعب : أوكي إحنا ننتظرك
عبدالله : فمان الله . . أغلقه ليعود لمجلسه، أخذ مفاتيحه وخرج.
متعب : يقول أنه جايْ الحين وبيتصل على بوبدر
أحمد : تهقى صاير شي؟ خوفك صاير مكروه ببوسعود ولا أهله!!
متعب : فال الله ولا فالك إن شاء الله مو صاير كل خير . . . الله يطمننا عليهم ويريَح بالهم
،
يجلسُ بمُقابل الدكتور في المستشفى الذي احتضن جثثهم في العام الماضي، بنبرةٍ هادئة ( يتحدَث بالإنجليزية ) : ولكن مصادرنا تثبت الرشوة، هذا أمر لا يحتمل الشك! الذي نسأل عنه هو من سلَم هذه الرشوة!
الدكتور : أعتذر منك ولكنك تتهمنا دُون دليل، نحنُ في هذا المستشفى تهمَنا كل روح تأتِ إليْنا فما بالك بأربعة أشخاص نُتهم بأننا أخفيْنا جثثهم!
عبدالرحمن : الأم و الإبنة الصغرى نحنُ واثقون من أمر جثثهم ولكن الإبنة الكبرى حيَة تُرزق هذا يعني أن هُناك جثَة وشهادة وفاة استخرجت من طرفٍ نجهله! وهذا ما نبحثُ عنه
الدكتور : اُستخرجت من إبنه !
عبدالرحمن : إبنه لم يكُن لديه علم بوجود شقيقته! دفنهم جميعًا موقنًا بأنهم أموات
الدكتور بإبتسامة : لا معلومة أملكها تُفيدك
عبدالرحمن : ستُجبرني أن أُدخَل السلطات بالتحقيق وتتجه المسألة إلى أكبر من ذلك
الدكتور اختفت إبتسامته : أعلمتك مُسبقًا بما أملكه، أتت جثثهم جميعًا وتم استخراجهم أيضًا جميعهم بتوقيعٍ من الإبن
عبدالرحمن بحدَة يستدرجه : و الإبنة الكبرى لم تمُت! كيف تُستخرج جثتها؟
الدكتور : هذا مالا علم لنا به، نحنُ فعلنا كل ما بوسعنا لإنقاذهم ولكن الأم و الإبنة اصغرى توفوا هنا بينما البقية أتاهم الموت قبل وصولهم للمستشفى
عبدالرحمن : هذا الأمر تُخبره لأيَ رجلٍ بالشارع وسيصدَقك ولكن أمامك شخص استجوب الكثير في حياته وبإمكانه أن يُفرَق بين الصدق والكذب . . أُحذَرك للمرة الثانية من التلاعب بالكلام فأنا لا أرضى على وقتي بأن يضيع بمثل هذه التفاهات! من أتى للمستشفى وقدَم الرشاويْ لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بأفراد العائلة! أظن أن السؤال واضح
الدكتور : لا أعلم، هُناك ألاف الأشخاص يأتون المستشفى في اليوم الواحد
عبدالرحمن : ومن الألف هُناك واحد يزعزع تحقيقاتٍ قد تؤثر بمنطقةٍ كاملة! هل تُدرك ما أعنيه؟
الدكتور : يُسعدني أن أساعدك ولكن تطلب مني شيئًا اجهله
عبدالرحمن بغضب : من قدَم الرشاوي لتزوير التقارير الطبية المتعلقة بهم؟ لن أكرر السؤال كثيرًا وإن كررته فلا تحلم بأن تجِد مهنتك في اليوم التالي
الدكتور : تهديدك هذا يجعلني أطلب أجهزة الأمن، أرجوك لنُنهي هذه المحادثة فأنا لا علم لديْ بما تقول
عبدالرحمن : سأشتكي كمواطنٍ عادِي بمراكز الأمن هُنا وسأشتكي أيضًا بتدخل السلطات كمسؤول! وأنت تُدرك تمامًا خطر ما تُخفيه
الدكتور وقف : شكرًا لزيارتك
عبدالرحمن وقف هو الآخر : تذكَر جيدًا أن صمتك هذا يُكلفك الكثير!!! . . . خرج متنهدًا من هذا الدكتور الذي يُخبىء بعينيْه الكثير من الأحاديث، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان ويأتِ الرد : مغلق.
كان سيُعيد الإتصال لولا إسم " نايف " الذي أنار الشاشة، أجاب : هلا نايف
نايف بحماس : تذكر يوم قلت أنه فيه رسالة وصلتني من رقم غريب لكن ما وصلتني كاملة وكانت رموز ماهي مفهومة! اليوم وصلتني رسالة ثانية بوجود بنتك
عبدالرحمن بدهشة : بنتي! . . الرسالة من مين؟
نايف : ماعندي علم . . أنا الحين رايح المكان قريب من غرب باريس
عبدالرحمن : أنا جايْ الحين . . . .
،
ينتظرُه بالمقعد الخشبي في المكان المخصص لمقابلة المساجين، بدأت قدمه بالإهتزاز في كل دورةٍ يُنهيها عقرب الساعة، تتصاعد أنفاسه لدقيقة لتخفُت لدقائِق طويلة، هدُوء الأنفاس لا يعني أننا حتمًا بخير، أحيانًا يكُن إحتضار.
أخفض رأسه لتتجه أنظاره نحو قدمِه، كان أكثرُ ما لا أريد مواجهته بالحياة، أن أواجه ناصِر كطرفٍ آخر منفصل عنَي بعد أن كان جُزءً منَي، ناصِر الذي قاسمني الحياة وبكَى معي في الوقت الذي كنت لا أريد مواساةً من أحد، لا أريد يدًا تمسحُ دمعي، كنت أريد أحدًا يبكي معي ويُشاركني مآسآتي. لِمَ فعلت هذا يا ناصر بيْ؟ لِمَ كنت مثلهم وأنت منَي؟ احرقوا قلبي وأنت بدل أن تُطفىء نارِي زدتُها لهبًا/إشتعالاً، كيف هان عليك؟ يا عزائي! يا فجيعتي! يا حُزني الكبير فيك يا من أُخضع من أجله كل شيءٍ حتى لا تسقط بحُزنِك أبدًا، ولكنك أسقطتني! أسقطتني وأنا الذي توقعتُ أن يداك لا تدفعني للحزن، يداك ترفعني للفرح. " ليه ؟ " هذا السؤال الذي ابحث عن إجابته، لم أستغرب أن يُؤذيني أحد! أنا أدركت تمامًا مهما بلغت قوَتي ومهما بلغ عُمري إلا أن العائلة إن فقدتها، تفقدُ ذاتِك، وإذا فقدت ذاتِك ضعفت، وإذا ضعفت تمرض بالحياة، وإذا مرضت بالحياة تسلَط العالم بأكمله حتى لا يُشفيك، حتى يراك تموت ببطءٍ دُون أن يسقط دمعةً واحِدة عزاءً عليك، لذا لم أستغرب! كنت أشعر دائِمًا بأن هُناك أذى مُخبأ ليْ، ولكن أذى الروح كيف نصطبر عليه؟ كيف نداويه؟ ولكنني الآن أستغرب كيف روحًا تؤذِي جسدها؟ كيف تؤذيني بهذه الصورة يا ناصر؟
رفع عينه لخُطاه التي توقفت بمُجرد أن رآه، فتح الحارس القيد الذي يُقيَد يدِه ليلفظ : دُون لمسٍ ولا مُصافحة!
وقف عبدالعزيز لينظر إليْه بغصَة تحكيها عينيْه، ثبتَ عيناه بإتجاهه والكلامُ فقير، بلع الشهيق الذي احتبس بفمِه ليلفظ بسخريَة على حاله وهو يحترق بمرارة الكلمات : هلا بأخويْ . . هلا برفيقي . . هلا بزوج أختي . . هلا باللي مقدرت أبكي الا قدَامه ومقدرت أشكِي الا له . . هلا باللي أوجعني وما قصَر بوجيعته
ناصر شتت نظراته بحُرقة لا تقل عن حرقة روحه أبدًا، بنبرةٍ خافتة : عبدالعزيز
عبدالعزيز بإنفعال : وش أعذارك؟ مو انا الحين لازم أسمع أعذار الكل وأقول معليش يا نفسي مالك حق تزعلين وتضيقين! هُم لهم أعذارهم وأنتِ يا نفسي وش عذرك؟ . . أبد ما صار شي! عادِي جدًا اللي يصير، أنا بخير، أحس ضلوعي تتكسَر بس أنا بخير . . وقلبي يوجعني بس بخير . . كل هذا عادِي أصلاً! وش صار؟ بس صار أنه أختي . .
تحشرج صوتُه بالكلمة وهو يختنق بها : حيَة! هذا بس كل اللي صار! . . . ليه ؟
ناصر نظر إليْه لتضيق حنجرته به : آسف
عبدالعزيز احمرَت عيناه من " غادة " و روح " غادة " و حُب " غادة " : قلت ما يوقف ضدَي! لو كل هالناس يوقفون ضدَي بس هو ما يوقف! . . مستحيل يوقف ضد جزء منه! كيف أصلاً يصير ضدَ نفسه؟ . . بس صرت يا ناصر! ليه بس قولي سبب واحد!!
ناصر : كنت بقولك! والله العظيم ماكنت أبي يوصلك الخبر من غيري لكن جوالك مفصول من شهر وأكثر
عبدالعزيز : وهذا عذر؟ . . تدري وش قلت في نفسي وأنا جايْ هنا؟ قلت راح أذبحك بإيدي وأشفي هالقهر اللي فيني منك! بس كالعادة! أنا عاجز عن كل شي! . . عاجز عن الحياة،
جلس على مقعدِه بإختناق ليُخفض رأسه حتى لا يرى دمعتِه : أتمنى الله يرحمني ويآخذ روحي! روحي اللي محد فكَر يسوي لها حساب . . على الأقل لو قلتوا خلنا نخاف الله ومانفجعه! لكن متخذيني شخص ما يحمل أيَ إحساس! نضرب مشاعره في البلاط بس أهم شي نفسنا! أنا إذا عشت بكون خراب لكل شخص بواجهه في حياتي! حتى أنت يا ناصر! . . بقهر أرتفع صوته : أختي! . . . أختــــــي يا ناس ماهي وحدة من الشارع عشان تبعدوني عنها! . . لمين أشكي؟ قولي بس لمين؟ أنا صرت حتى أخاف على نفسي! أخاف من الأفكار الزفت اللي تجي في بالي! . .
رفع عينه إليْه بوجَع يُسقط أثقالاً فوق ظهره : على فكرة ما أطلب منكم الحين أنكم تتذكروني مستقبلاً! ماأبيكم تتذكروني بموتي بس أنا راح أذكركم يوم القصاص . . .
بقسوة عينيْه التي تحبس دمعها يُكمل : أوجعتوني لدرجة ماني راضي إني أقتَص منكم بالدنيا وبس! . . . ما تخيَلت وش قد الوجَع يوم قلت ماهو لازم يعرف الحين! ما تخيَلت وش ممكن يصير فيني! . . . ( بعصبية ) يخي حتى لو إني رجَال قايم بنفسي ومخلَي عواطفي على جمب هذا ماهو معناته أنه عادي تجرمون فيني! . . . . . . .
ناصر الذي لا يطيقُ إنكسار عبدالعزيز، الذي يكسره هذا الإنكسار : عبدالعزيز يكفي! . .
عبدالعزيز وقف ليقترب منه : بقولك عن شي يعلَمك كثر يأسي اللي وصلت له، أنا رجعت سكنت بشقتنا! بأكثر مكان مكشوف لشخص يبي يهرب من ناس تدوَر عليه! . . أنتظر موتي، وتأكد اني بموت وأنا قلبي ما يسكنه بعد الله الا أهلي، بترك لكم الحياة اللي تحكَمتوا فيها وأنا أكثر شخص وثق فيكم! . . و أنتْ متَ في عيني من زمان! . . أطلب من الله أنه يغفر لك حزني! . . . . . اتجه إلى الطاولة ليأخذ معطفه ومفتاحه، وقف ناصر أمامه : جيت تقتلني بحكيْك وتروح! أنت تدري أنه مستحيل أسوي أيَ شي يضرَك ويضيَق عليك
عبدالعزيز بقسوة : ما أنتظر منك تبرير! ما عدت تعني لي شي يا ناصر . . . . أبتعد ليقف ناصر مرةً أخرى برجاء : أرجوك! . . بس أسمعني وأقولك السالفة من أولها
دُون سيطرة على نفسِه لكمه بالقرب من شفتيْه، تدخَل الحارس ليقف بينهما، نزفت شفتِه ليُردف عبدالعزيز : اعتبر هذا آخر ما بيني وبينك . . . . خرج بخُطى يبعثرها الغضب، لا يهدأ هذا الحزن في داخلي.
يالله! يالله! يالله! ارحم عبدًا شهد لك بالوحدانية والعبوديَة، إرحم قلبًا لا تخمدُ نارِه، إرحم حُزنًا لا يتركني بسَلام، يارب إحسن خاتمتي واقبض روحي، اقبضها يالله و اجمعني بعائلتي، وأجعل آخر قولي أشهدُ أن لا إله الا الله و آخرُ وجه آرآه غادة، يارب يا كريم الطفْ بي وبها.
،
تُغلق حقيبتها وهي تحملُ في داخلها كلماتٌ تتدافع للخروج ولكن حنجرتها تضيقُ بها ولا تفلتُ أيَ كلمة، تنهَدت بعُمق لتنزل للأسفل بخُطى خافتة لا تعبَر أبدًا عن الحزن الذي يصخبُ بها، نظرت إليه بنظرةٍ يتيمة لتلتفت لوالدتها : خالي رجع؟
والدتها : لا
أم منصور : تعوَذوا من الشيطان توَكم جايين والطريق طويل . . ناموا الليلة وبكرا تسهَلوا
أم مُهرة بمزاجيةٍ غير مفهومة : لآ ما نقدر
يوسف وقف : ممكن شوي أبيك بموضوع
ام مُهرة تُحرجه : قول ما به غريب أمك ومرتك
يوسف بجمُود : دقيقتين ماراح آخذ من وقتك أكثر
أم مُهرة تنهدَت لتضع يدًا فوق يد على بطنها : مابيني وبينك شي . . يالله مُهرة روحي البسي عباتِتس! هالحين خالتس بيوصل!!
أم منصور بتوتر من هذه الأجواء المشحونة : أمشي مُهرة . . . تركوا يوسف لوحده معها ليُردف بحدَة : لا تحاولين تملينها ضدَي!!
أم مُهرة : هذا اللي ناقص! بنتي وتحاسبنن!
يوسف بغضب : عُمري ما شفت أمك تفكر بهالطريقة! تبين تخرَبين حتى علاقتها معي!
أم مُهرة : والله لو أنت محافظـ(ن) عليها محدن بيخرَب علاقتها معك
يوسف يُجاري تفكيرها : طيب أنتِ لا تصيرين علينا بعد! مفروض توقفين مع بنتك
أم مهرة ببرود : هاتس! . . انا أشوف مصلحة بنتي ماهي عندِك، وفضَها من سيرة حتى يوم حملت مالله كمَل حملها! وواضح انك تبيها من الله!! ماني مجنونة أخلي بنيتي عندكم!
يوسف تنهَد : لو أنك تليَنين راسك شويْ وتقولين لنا اللي تعرفينه كان أمور كثيرة أنحلَت!!!
أم مُهرة بصوتٍ عالي : يالله يا مُهرة .. أستعجلي
يوسف بحدَة : هي يومين وبعدها راح أجي وآخذها
أم مُهرة : ارسل ورانا ورقة طلاقها والوجه من الوجه أبيض
يوسف : صبرك يا رب! . . محد يجبرني أطلَق حطي هالمعلومة في بالك
أم مُهرة بإستفزاز : بس فيه أحد يجبرك تتزوَج!
يوسف ودَ لو يقتلها من غضبه الذي بدأ يتراكم في داخله، شتت نظراته ليُهدأ من عصبيته : لا تخليني أحلف ما تطلع من هالبيت!!!
أم مهرة وقفت : بيتن ما وراه بركَة وش مجلسني بوه!! .. .. من خلفه : يوسف
إلتفت عليها ليُميل شفتِه : الخميس الجايْ راح اكون موجود بحايل وراح ترجعين معي
أم مُهرة : لآ حجَن البقر!
بلعت مُهرة ريقها من أسلوب والدتها المُحرج بالنسبة لها، لملمت طرحتها بين كفيَها بتوتر وهي تنظرُ إليْه : إن شاء الله
أم مهرة بعصبية : وشهو اللي إن شاء الله! مالتس رجعة لهنيَا أبد! بيرسل ورقة طلاقتس والله يخلي عيال خوالتس يجيتس منهم اللي يحفظتس ويصونتس
استفزت كل خليَة بجسدِ يوسف من ذِكر أبناء خوالها وهي التي أفشَت له ذات مرَة بحُبها في المراهقة لإبن خالها المتزوَج : والله ماني محترمك لكُبر سنِك! محترمك عشان مُهرة ولا غيره كان عرفت كيف أرَد عليك
أم مُهرة : وش ودَك تسوي! لا يكون بتمَد إيدك جعلهن الكَسِر
مُهرة : يممه
أم مهرة : ووجعا قولي آمين . . مقطعتن قلبتس عليه وهو ما يستاهل ظفر منتس!!
مُهرة برجاء : يمه خلاص . .
أم مُهرة تنفضُ عباءتها : الله لا يبلانا بس . . نستر هالعالم وبعدها بشين وقواة عين يجون يتهمَونك! . . يارب إننا نعيذك من بلاءهم وفضيحتهم!
مُهرة تقدَمت إليها لتُمسك كفَها بتوسَل كبير : خلاص
أم مُهرة تسحب يدَها : أتركيني ورآه ما ترضين عليه؟ لا أنا بعلَمه أنه وراتس أهل ماهو يسرح ويمرح ويحسب أنه ماوراتس سند ولا ظهر!!
يوسف : وش جانب لجاب!! استغفر الله العظيم وأتوب إليه
أم مُهرة : إيه طلَع اللي في قلبك! قل إنك انجبرت وللحين تجامل أخوك ويوم لقيت الحجة طرت لبنيتي وقلت كلمي أميمتتس عشان تنظف الساحة لأخوك وتقول يالله يا مُهرة ما عاد بيننا شي . . مير بنيَتي معززة ومكرَمة ماهو أنت اللي تجي وتطردها
يوسف بغضب يصرخ عليها دُون سيطرة على أعصابه التالفة : لا تألفين من مخَك!! .. نعنبا ذا المخ بس!!!
مُهرة بلوْم : يوسف!!!
أم مُهرة بنبرةٍ تستعطف ابنتها : شايفة! هذا وأنا كُبر أمه يمَد لسانه عليَ!!!
مُهرة بضيق : خلاص أجلسي . . وخليني اتصل على خالي
أم مهرة : مانيب جالسة في بيتهم . . أمشي طلعينن انتظره بالشارع ولا أنتظره هنيَا
مُهرة تنهَدت : يمه وين توقفين بالشارع! خلاص بس أجلسي هالدقيقتين
يوسف تمتم : لا حول ولا قوة الا بالله . . بعرف وش مشكلتك؟ . . إلتفت لمُهرة . . قولي لها إذا أنا مقصَر عليك بشي
مُهرة أجلست والدتها لتتشوَش بينهما، اقتربت ليُوسف : خلاص يا يوسف لا تزيدها بعد
يوسف بهمس : على أساس أنه أمك ماهي مزوَدتها وخالصة
أم مهرة : وش تساسر بنيَتي فيه؟ مُهرة تعالي ابعدي عن هالوجه الودر
يوسف عقد حاجبيْه ليقترب منها وهو يُخلخل أصابعه بكفَها : بجيك الخميس، أتفقنا؟
مُهرة بإبتسامة تحاول أن تُلطف بها الجوَ الذي يزدادُ توترًا : إن شاء الله على خير
أم مُهرة : أنا وش أقول من ساعة! ماعاد نبي نشوفك الا و ورقة الطلاق معك
يوسف : إذا مهرة تبي الطلاق أبشري بس إذا أمها اللي تبي والله أنا ماني متزوَج أمها
أم مُهرة بحدة : ومُهرة اللي تبي؟ . . صح يا مُهرة؟
مُهرة بربكة شفتيْها : يممه
ام مهرة : يا ملا العردز إيه والله لو قلتي ماتبين الطلاق
مُهرة كانت ستتكلم لولا يدَ يوسف التي شدَت عليها حتى تمنعها من المجادلة ليأتِ صوته الحادَ : تدعين عليها عشان تنفَذ أوامرك؟
أم مهرة بغضب كبير : أقول أبعد عن وجهي وأنتِ امشي معي خنطلع لا أفجَر فيتس أنتِ وياه
يوسف تنهد : عصيبتك ذي تخليني أقتنع أنه فيه شي مخبيته علينا
أم مهرة : يا عسى ضلوعك الكسر قل آمين يوم أنك تتهمنِن أنت وأهلك على باطل!
يوسف : استغفر الله! أنا ماأتهمتك بس قلت تساعدينا بأمور تهمهم!!!
أم مُهرة : إيه كثَر من هالحتسي المأخوذ خيره . . أقول أمشي بس
مُهرة سأمت من هذا الجدال الذي لا ينتهي ليتجمَع بكاءها في عينيْها، لفَت طرحتها وبكفَها يتوَسط النقاب، همست : عشان خاطري لا تجادلها
يوسف عقد حاجبيْه : طيب . .
،
منذُ ساعات وهي مستيقظة ولم تتحرَك من السرير، في كل مرَة تتذكرُ ما حصَل بالأمس تعود لبكاءها، تشعرُ بأن ما يحدُث حلمْ! بأنه محض خيالٍ وسينتهي قريبًا.
اشتعلت بالحقد المُبرر، مسحت ملامحها الباكية لتقف وهي ترفعُ شعرها المموَج للأعلى، إتجهت نحو الحمام لتغتسِل، وفي كل حركة تتحركها تسقطُ دمعةً تُذكَرها بأن أمرُ نسيانه مُكلَف جدًا، خرجت لتبحث بعينيْها عن ظل أحدهما ولا وجود لهما، نظرت لأسفل الباب، تحديدًا إلى الظرف الأبيض، اقتربت لتُخرج ورقة تابعة لمستشفى تُفيد تحليلٍ يحملُ إسمها البغيض، خبأتها في جيبها لتعُود بهدوء نحو الغرفة، اقترب من الهاتف الثابت وفي بالها تلمعُ فكرَة لا تعلم أيَ غيرةٍ تجعلها تتصرف بهذا السوء، بإنكليزية لا تتقن غيرها : كيف أستطيع مُساعدتك؟
رتيل : أريد أن أستفسر عن نتيجة تحليل عملته صباح الأمس
: حسنًا، إذا سمحتِ إسمُك وكنيْتك؟
رتيل : أثير روَاف
: لحظاتٍ قليلة . . . النتيجة سليمة
رتيل : المعذرة . . هذا التحليل يخص ماذا ؟
: أشتبهتِ بمرض يخص قلبك . . صحيح؟
رتيل بتوتر : آهآ . .. كيف أعرف أن النتيجة سليمة؟ الورقة أمامي ولكن لم أفهمها
: تجدين حرف n هذا يعني أنها سليمة في حال كانت الفحوصات سلبية وتُفيد فعلاً أنها مريضة ستجدين i
رتيل : شكرًا لك . . . أغلقته لتنظر إلى الرُكام في المكتب الصغير، رُبما تنتمي هذه الغرفة لشقيقته التي بالجامعة، اقتربت لتنظر للطابعة، أخرجتها ليتناثر غبارها حتى سطعت من هذه التُربة، وضعتها لتبحث عن الألوان، فتحتها بهدوء لتجرَب طباعة إحدى الأوراق ولا فائدة، أدخلتها من الجهة الأخرى بحجة أنها أدخلتها بالمكان الخطأ، جرَبت تطبع هذا التقرير لتخرج نسخة جيَدة، سحبت ورقة بشدَة بياض التقرير، قصصت جُزء منه لتكتب القلم الأسود " i " وضعته فوق الخانة المكتوب بها n ثبتتها جيَدها لتضغط على زر التصوير، ثواني بسيطة حتى خرجت نسخة بوضوحٍ تام، ما يدُور في بالها أنها تثير رعبها لا أكثر، تُريدها أن تشعر بإحساسها ليلة الأمس، لتعلم جيدًا أنني كنت أعنيها عندما قُلت أنها لن تهنأ للحظة معه.
قطَعت التقرير الأصلي ومعه الورقة الأخرى لتضع النسخة التي طبعتها في الظرف وتُعيده لمكانه أسفل الباب، سمعت صوتُ خُطى قريبة من الباب، هرولت سريعًا لتستلقي على السرير وتُغطي ملامحها بالفراش، حاولت أن تُخفض حدَة أنفاسها المتصاعدة حتى لا يكشف أمرها، هذه الخطوات أعرفها جيدًا، أعرفُ أن صاحبها شخصٌ واحد.
دخل عبدالعزيز لتسقط عيناه على الظرف، بلا مُبالاة أخذه ووضعه على الطاولة، أغلق الباب ليتجه نحو غرفته، بحث بعينيْه عنها وأدرك أنها خرجت كالعادة لعملها الذي كان عمله سابقًا، بدأ الصُداع يُفتفت خلاياه خليةٌ خليَة، اتجه لغرفتها ليفتح الباب بهدُوء ويطَل عليها، أطال وقوفه ليُطيل توتر قلبها من أنه خلفها الآن، تجمدَت في مكانها لم تتحرَك ولم تُثير أيَ ضوضاء حولها، عبدالعزيز أدرك أنها مستيقظة ليقترب نحو النافذة، فتح الستائر لتتسلل شمسُ باريس نحوها، إتجه إلى السرير تحديدًا إلى موضع الوسادة : قومي لا تموتين من قلَ الأكل والنوم!
رجفة صدرها واضحة من خلف الفراش، أنحنى ليُبعده عنها، أبعدت وجهها الناحية الأخرى : مو مشتهية شي
عبدالعزيز بسخرية : يا عُمري أزعلي وضيقي بس صحتك تهمك أنتِ ماتهم أحد غيرك عشان تعاقبين نفسك!!
رتيل أستعدلت لتجلس، نظرت إليْه كثيرًا حتى قطع نظراتها برفعةِ حاجبه : مستوعبة اللي أقوله ؟
رتيل تنهدَت بضيق وهي تُشتت نظراتها وتسحب الفراش حتى وصل لبطنها : حتى صوتي صار يزعجني وبديت أكرهه منك!
عبدالعزيز ابتسم بشحُوب وملامحه تحكي مآسي وكوارث، في كل مرةٍ يروَض حزنه بإبتسامة وكأنه يتحدَى ثوران هذا البُكاء، يحاول أن يتجاهل حزنه لدقيقتيْن ولكن عينيْه مازالت تهذي : قومي! ولا الحركة صارت تزعجك بعد؟
رتيل : ودَي أعرف بس كيف تفكر!!!
عبدالعزيز بتنهيدة مدَ يدِه إليها : قومي ما أبي أكسب ذنبك بعد وتموتين عليَ!!!
رتيل بسخرية لاذعة : على أساس أنك كاسب من ورايْ أجر!!
عبدالعزيز سحبها بقوَة ليوقفها ، ارتبكت من إرتطام جسدِها به، رفعت عينها إليْه برجفةٍ مُحمَرة وهي تحاول أن لاتقع من هذه القبضة التي من الممكن أن تًصبح سببًا للإغماء.
إلهي! يا عزيز كيف لك كل هذه القُدرة بتشكيلي؟ كيف لك كل هذه القدرة بتجاهل ما يحدُث لك بطريقةٍ ما! تُشعرني بالخيبة في كل مرةٍ أنوي بها تجاهلُك ونسيانُ امرك، أستيقظ بنيَة النسيان لأنَام وأنا أجهلُ كيف أنساك؟ أنا التي حلفتُ على تجاهلك، أنسَى حلفي وأستذكرُ أنه لا قدرة ليْ على تجاهلك، مازلت تسيطر على عقلي، وتشغلُ بالي.
سحبت نفسها منه ويدَها اليسرى تُلامس عنقها، تشعرُ بأن حرارتها تندلع من قُربه للحظاتٍ قليلة، من خلفها : إلبسي عشان نطلع . .
رتيل بجديَة : جد ماني مشتهية، ولا أبي أطلع مكان
عبدالعزيز اقترب منها : أنا ما آخذ رايك! أنا أأمرك
رتيل بإنفعال : بتطلَعني غصب؟
عبدالعزيز وهو يسير للخارج : أنتظرك . . .
رتيل لوت شفتها بغضب، دائِمًا ما يستثيرُ غضبها في كل مرةٍ تراه، لن يمَر يومًا وأراه بسلام دُون ان يُحزنني بكلمة أو بفعل، تنهدَت لتستغرق دقائق طويلة تعمدَت أن تستطيل بها حتى خرجت له.
لم يلتفت إليْها، خرج من الشقة لينزل للأسفَل ويسير بجانبها على الرصيف، منذُ وقتٍ طويل لم تخرج! شعَرت بأنها أفتقدت تمامًا " الناس وأصواتهم "، سارَا بصمتٍ لمسافةٍ طويلة أتعبت أقدامها ولكنها لم تحاول أن توقفه، ابتعدَا، مسَك يدَها دون أن يترك لها فرصة للإختيار، عبر بها للشارع الآخر ليتجه نحو مطعمٍ يطل على حديقةٍ شاهقة، لمطعمٍ ريفي بحث بمقاعده المصنوعة من الخشب، جلست والجو البارد يتغلغلُ بها، نظر إليْها : إذا بردانة ندخل داخل!
رتيل : لا عادي
أتى الجارسون ليستقبله بالتحية : بونسواغ . .
عبدالعزيز : بونسواغ . . نظر إليها . . وش تطلبين؟
رتيل بإصرار : قلت لك ماني مشتهية أطلب لحالك
عبدالعزيز بإصرارٍ آخر يُفرض عليها حتى أبسط الأشياء التي من حقها أن ترفضها : راح أطلب لك نفس طلبي
رتيل تأفأفت لتُثير الريبة بعينيَ الجارسون المنتظر، أعطاها عبدالعزيز نظرةً حادة من شأنها أن تلزمها الصمت وتُشتت نظراتها.
أنتهى من الطلب ليعودا لصمتهما، بدأت أصابعه تضربُ الطاولة بخفَة منبهة عن تفكيره المشوَش.
علقت نظراتها بأصابعه المتحركة بموسيقية على الطاولة، غرقت هي الأخرى بالتفكير، فداحة ما نرتكبه يعني تمامًا أننا نعيش تحت وطأة الحُب.
رفع عينه إليْها لتُشتتها من لقاء نظراتهما : اشتقتِ لأبوك؟
رتيل تخلَت عن الجواب لأنها تدري ماذا يقصد من سؤاله.
عبدالعزيز بهدوء : على فكرة ماراح يذبحك الجواب!!
رتيل تنهدَت : تسأل سؤال أنت عارف إجابته بس عشان تردَ عليه برَد يستفزني
عبدالعزيز : يمكن لأن المصايب جتَ ورى بعض فما عدت استوعب صح! أنا أصلاً بركة من الله أنني للحين بعقلي ما انهبلت
رتيل بسخرية : لأنك عبدالعزيز!!!
عبدالعزيز بذاتِ النبرة الساخرة : ومين عبدالعزيز؟
رتيل نظرت إلى عينيْه الداكنتيْن اللامعتيْن : دايم كنت أقول ما يهزَك شي! ما يهزَك إني أبكي ولا يهزَك إني أصرخ! ولا يهزَك أيَ ظرف حولك لأنك قدرت تعيش، بس هالفترة بديت تنفجر على أدنى سبب! بديت تفرغ كبتك في كل اللي حولك لكن بالطريقة الغلط
عبدالعزيز بجديَة صوته : إحنا كذا نصبر لين الصبَر يملَنا وننفجر . .
رتيل : ليه ما انفجرت من البداية ولا خليت هالشي يتراكم عليك! أنت يا عزيز اللي ذبحت نفسك بنفسك! أنت اللي خسرت الحياة من بين كفوفك
عبدالعزيز : ما كان عندي طموح أصلاً إني أكسب الحياة عشان أخسرها!! وش كنتِ منتظرة من شخص طالع من فجيعة ويحاول ينساها! من شخص حطوه بين 4 جدران وقالوا له لا تسأل ولا تتكلم! بس نفَذ! . . طبيعي كنت بصبر وبكتم بنفسي لين أنفجر!!!
رتيل تنهدَت : هالموضوع يوتَرني لأنك تقهرني فيه
عبدالعزيز : أنتِ واثقة فيني يا رتيل! والدليل أنك جالسة قدامي رغم كل اللي حصل . .
رتيل بضيق : لأني عارفة أنك مستحيل تأذيني جسديًا . . بس تأذي روحي كثير
عبدالعزيز أسند ظهره على الكرسي والجارسُون يوزَع الأطباق على الطاولة، وضع عصير البرتقال أمامها و عصير الليمون أمامه، إلتفت رتيل للخلف بعد ان أنتبهت خلو المطعم من الناس : ليه مافيه أحد؟
عبدالعزيز : وقت دواماتهم محد يفطر الحين!
رتيل أخذت كأس الماء لتشرب نصفه، وضعته لتُتمتم : لا إله الا الله
عبدالعزيز بصيغة الأمر : إكلي
رتيل إبتسمت إبتسامتها التي تُجبر عبدالعزيز على أن يبادلها ذات الإبتسامة : غريب أمرك!!!
عبدالعزيز : الشكوى لله! ناقص تقولين إني ماني سوَي . . قوليها لا تكتمينها في داخلك
ضحكت لتُردف : تبكيني وتضحَكني وتخليني أبتسم وتخليني أضيق! مين أيش مخلوق عزيز؟
عبدالعزيز : الله يرحمنا برحمته يمكن شياطيني ما تطلع الا بوقت معيَن
رتيل بسخرية : إيه شياطينك اللي تقهرني فيها دايم
عبدالعزيز فهم قصدها ليغرق بضحكته، منذُ أيام لم يضحك حتى شعر بأن نسي تمامًا صوت ضحكته وشعوره بين ضحكاته : لا تحوَرين الكلام كذا!
رتيل بإبتسامة تتلذذ بالتشفي منها بكلماتٍ مبطنَة : ما حوَرته، الله يكفينا شر شياطينك
عبدالعزيز : طيب إكلي لا يبرد صحنك
رتيل أخذت قطعة الخُبز المربَعة المحشوَة بالجبن لتأكل جزء منها حتى أعادتها للصحن، نظرت لملامحه التي لا تتجه نحو إتجاه معيَن، واضحٌ جدًا الحزن بعينيْه في حين أن إبتسامته تُشعرني بأنه بخير. ثمَة أمر غريب في هذا الإنسان، أمر إستثنائي وغير عادي.
عبدالعزيز أخذ نفس عميق لينظر إليها : يكفي تحليلات لعقلك! . . جد رتيل واصلة معي هنا يُشير لرأس أنفه* فما ودَي بعد توصل معي منَك . . عشان كذا حاولي تكونين لطيفة معي لنص ساعة
رتيل أبعدت ملامحها للجهة الأخرى وهي تُمسك ضحكتها، ايقنت تمامًا أنه يغضب من هذا العالم باكمله ليأتِ إليَ حتى وإن كان بيننا زعل/غضب/خناق، هذا الشيء يُشبع كبريائي الأنثوي.
عبدالعزيز أخذ قطعة الخبز التي تركتها ليأكل من مثل جهتها، لا يدرِي سبب فعله فقط أراد أن يتذوَقها على الرغم من أنها توجد قطع أخرى على طبقه، هُناك أفعال لا ندرِي لِمَ نفعلها، هي مُجرد أفعال بسيطة ولكنها عظيمة بدواخلنا.
نظرت إلى شفتيْه التي تأكلُ من جهتها، ضلَت تُراقبه لفترةٍ طويلة حتى نطقت : عبدالعزيز . . كلَم أبوي! أسمعه يمكن عنده أسباب تقنعك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليُردف : كوْنِك تكونين لطيفة معي هذا مايعني أنك تناقشيني بموضوع ماابي مشورة أحد فيه
رتيل بنرفزة : شكرًا على ذوقك . . .
عبدالعزيز : العفو
،
صعدت الدرج بخُطى مرتبكة بعد أن قرأت الرسالة التي تُخبرها عن وجوده هُنا، هذه الشقة التي قضت بها طفولتها وشبابها، طرقت الباب بخفُوت وفي كل ثانية تمَر يزيدُ إرتباكها وتوترَها، يزيدُها هذا الحنين رجفةً، تشعرُ بأن شيئًا بروحها يكبرُ كفقاعةٍ عملاقة تزيدُ من ربكة صدرها وتخنق صوتها، طرقت كثيرًا وتخاف أن تيأس، أن لا يُجيب مثل المرة الفائتة، تُريد أن تصدَق الرسالة ومن كتبها، مرَت الدقائق ولا ردَ يأتِها، من خلفها : مثل المرة اللي طافت يا غادة!!
غادة : لآ أكيد رجع
وليد بضيق : طيب ننتظر
غادة بدأ الدمعُ يضيَق عليها بحزن من فكرة أن لا تراه : مستحيل يكون اللي كتب الرسالة كذَاب! انا عندي إحساس أنه صدق!! عندي إحساس أنه موجود . . . إلتفتت عليه وهي تُلصق ظهرها بالباب . . . مشتاقة له كثييير
وليد : وأكيد هو مشتاق لك . .
غادة : طيب ليه محد يفتح لنا الشقة؟ . . خلنا نروح نكلَم الحارس
وليد : مستحيل يقدر يعطينا! مافيه أيَ إثبات يخليه يعطينا مفتاح الشقة الإحتياطي!!
غادة : طيب أخاف أنه نايم ومايسمع أو أنه موجود لكنه طالع
وليد : لو كان موجود كان ردَ عليك
غادة بأملٍ يموت بداخلها تدريجيًا : ان شاء الله بيكون موجود . . لو نروح لناصر آ
يُقاطعها : غادة! . . واللي يرحم والديك لا تفكرين من زاوية وحدة! فكَري أنه روحتك أساسًا غلط وأصلاً ممنوع بعد! الأهم أنك ترجعين لأخوك
غادة بضيق : ياربي يا عبدالعزيز . . . ليتني ألمحه بس!!!
،
بكَت كثيرًا، شعرت بأن روحها تُزهق بهذا البُكاء، لا تستطيع أن تتجاوز صوته وهو يقول " أنتِ طالق " مازال يرنَ في ذاكرتها وجسدِها، لم تأكل شيء منذُ الصباح ولم تتحرَك أيضًا، هذه الحقيقة الحادَة تُفقدني شهيتي بالحياة، ليتَك يا سلطان لم تقُلها، ليتَني لم أتحدَث معك ولم تتصِل، أشعرُ بأنني أموت! أموت فعليًا من فكرة هذا الطلاق، نحنُ انتهينا! انتهينا تمامًا! ولكنَي أُحبك! والله أُحبك. لم أشعُر بالأمان إلا من عينيْك ولم يهدأُ روَع هذه الحياة بقلبي إلا بِك، ولكننا مآسآة وقلبُك مآسآة أيضًا، جميعهم يتحدَثون بكوارثٍ تحلَ فوق رأس هذا العالم وأبقى أنا مع كارثة قلبي بلا صوت، بلا حنجرةٍ تربت علينا، أنا أنسلخُ عنك تمامًا يا سلطان وهذا ما يُؤلمني تحديدًا.
دخلت والدتها لتنظر إليْها : يمه يالجوهرة وش فيك حابسة نفسك اليوم بالغرفة! لانزلتي تتغدين ولا تتعشَين! . . وش فيك؟
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس، بمُجرد أن جلست والدتها رمَت جسدِها عليه لتعانقها بشدَة وهي تنخرط ببكاءٍ شديد، والدتها : بسم الله عليك! . . يا قلبي هدَي . . وش فيك؟
الجوهرة بإندلاع الحُرقة في جوفها : أحبه يمه . . أحس روحي بتطلع
والدتها : يا روحي هدَي تكفين لا تبكَيني عليك!!
الجوهرة وتُبلل صدر والدتها بملحِ دمعها : طلَقني! . . أنا الغبية اللي طلبت منه . . . ماكنت أنتظر أنه يطلقني كنت أقول بيقول أيَ كلمة ثانية! ماتوقعته يسويها! . . يممه أحس بموت . . كيف بقدر أعيش بدون لا أشوفه؟ مقدر . . والله مقدر
والدتها تمسح على ظهرها : لاحول ولا قوة الا بالله . . . قلت لك اقصري الشرَ وأبعدي هالأفكار عن بالك وماسمعتي كلامي! . . توجعين نفسك بنفسك! . . .
الجوهرة : كنت أنتظره يقول أيَ شي! والله كنت أنتظره يقول أيَ كلمة ثانية غير الطلاق . . بس طلقني . . أوجعني
والدتها بعُقدة حاجبيْها وملامحها تبكِي من بكاء إبنتها : قولي لا إله الا الله . . قطَعتي نفسك بالبكي
الجوهرة : لا إله الا الله . . . . . . . . عُمري ما نجحت بأيَ شي في حياتي! طول عمري أتصرف غلط!!!
والدتها : لكل شي حكمة وتقدير
الجوهرة ببكاءها الذي يجعلُ ريَان القريب من الغرفة يقفُ متجمدًا من هذا الأنين المؤذي لروحه : أقري عليَ يممه
والدتها ضاق صوتُها بالبكاء : الجوهرة لا تسوين كذا في نفسك
الجوهرة برجاء وجسدُها يرتجف بصورةٍ غير طبيعية : أقري عليَ . . . أحس قلبي يرتجف معي
والدتها بصوتها الباكي : الذين قالوا لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةِ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءً واتَبعوا رِضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم، إنما ذَلِكم الشيطان يخوَف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين . . . . . الجوهرة. .
الجوهرة تُغمض عينيْها بسكينة جوارحها الباكية وهي تهذي به، وصلت لمرحلة تفقدُ بها الوعي تدريجيًا وأنفُها ينزف بمشاركةٍ تامة مع بكاءها : ما غلطت! هو مقدر يساعد نفسه صح! . . . ليه أحمل ذنب ماهو ذنبي؟ ليه أعيش وأنا مالي أيَ ذنب في اللي صار؟ مو أنا اللي قلت يا . .
والدتها تُقاطعها بهمس : أششششش! خلاص نامي يا عُمري
الجوهرة بصوتٍ متقطَع : هو يدري إني أبيه وأحبه . . . هو يدري أني ما أعرف كيف أعيش بدونه! بس هو اللي يخليني أكابر يا يمه . . والله هو اللي يخليني كذا
والدتها : الجوهرة يا عيني يكفي! . . كل الناس تتزوَج وتتطلق وترجع تتزوَج! ماهي مُشكلة أهم شي أنتِ وراحتك
الجوهرة دُون أن تفتح عينيْها تشعرُ بالدماء التي تسيلُ من أنفها ولكن تتركها حتى تُثير العزاء على ملامحها : يمه
والدتها : يا عيونها
الجوهرة : ماأبي أفقده
والدتها تسيلُ دمعتها الحارِقة لوجنتيْها من صوت إبنتها الذي يضيق شيئًا فشيئًا، لا تحتمل أن ترى الجوهرة بهذا الوضع الحزين الباكي، هذا الوضع الذي لم تشهدهُ منذُ سنة، منذُ زواجها من سلطان.
كان يقاسمني نفسي، كان يحلُ محلَ روحي، وفقدتهُ يالله! وفقدتُ معه نفسي، تعبت من هذا الكبت الذي يجعلني أغصَ بالكلمات دون أن أقولها لأحد، تعبت من قول " أنا بخير " وأنا والله لستُ بخير، قلبي يرتجف وعينايْ تؤلمانني! لستُ بخير أبدًا أشعرُ وكأني أمرَ بإحتضارٍ ما، ومعدتي أم طفلي هو من يُثير الغثيان بداخلي؟ كل شيء يبكِي معَي حتى وظائفي الطبيعية في جسدي تفقدُ مرونتها، أمرَ في أسوأ مرحلة من حياتي، حتى تُركي لم يفعل بي كل هذا الوجَع، ولكنهُ السبب! أكرهك، أكرهك بصورةٍ تجعلني أشمئز من إسمك إن مرَني، أريد أن أفرح يالله، أُريد أن تردَني إليك لأفرح بقُربك وأكتفي بك. ردَني يالله إليك ردًا جميلاً.
في جهةٍ أخرى تراجع ريَان ليدخل لجناحه وعقله مشوَش ببكاء الجوهرة وكلماتها المهتَزة وغير المفهومة، يخشى أن أمرًا حدث بسلطان ولكن لو حدث شيئًا لعلِم أبي أولاً، هُناك أمرٌ ما تُخبئه خلف بكاءها، كنت أدرك أن ثمَة أمرٍ يجري منذُ أن بكت أمامي عندما سالتها.
ريم : رجعت؟؟؟
ريَان تنهَد : إيه كنسلت الروحة
ريم عقدت حاجبيْها : ليه؟
ريَان : كِذا غيَرت رايي
ريم تجلسُ بجانبه : عيونك تقول شي ثاني
ريَان بضيق : ريم!! قلت غيَرت رايي
ريم : طيب خلاص لا تعصَب!!!!
↚
تدندن بصوتها الناعم وهي تقضمُ أظافر كفَها من الإنتظار، في كل لحظةٍ يتأخر بها يزداد توترها وهي التي جهَزت العشاء من أجله، وتخشى من جو الرياض الذي يبدُو أنه سيخرَب السفرة التي صنعتها ووضعتها في الحديقة، من خلفَها أمتدَت باقة الورد البيضاء لتحجب عنها الرؤية تمامًا سوى من النظر إلى هذا الورد : آسفين على التأخير
هيفاء إلتفتت عليه بإبتسامة وهي تتأمل الباقة، أخذتها من بين كفيَه : نطرتني! بس معليش
فيصل يتأملها من فوق لتحت بنظراتٍ تزيدُ من حُمرة جسدِها الذي ينبضُ بالربكة : . . عشان ما يبرد الأكل أكثر خلنا نجلس
فيصل بعفوية كلماته المندفعة بشغف : يسلم لي قلبك وش هالأكل اللي يفتح النفس
هيفاء : الله يسلمك . . جعله عافية
فيصل بإبتسامة : بديت أحب حديقتنا وأحس إني عايش برا الرياض
هيفاء بمثل إبتسامته : أصلاً حديقتكم حلوة وجو الرياض هاليومين حلو بعد . .
فيصل : لأنِك فيه
هيفاء شتت نظراتها لتأخذ نفس عميق يستوعب هذا الغزل الصريح، بلعت ريقها لتشرب من كأس العصير البارد الذي يأتِ بوقته، كل ما فيها ينبضُ بالحرارة.
فيصل : إيه وش سويتي اليوم ؟
هيفاء : أبد جلست مع خالتي وريف وبعدها حضَرت العشا
فيصل : بس؟
هيفاء بضحكة : ولا قرأت كتب ولا شي
فيصل : أصلاً كان واضح من عيونك أنك مو يمَ القراءة
هيفاء : بس والله إني أحاول! يعني انتظر عليَ شويَ وبقرأ رواية البؤساء حقتك اللي من 800 صفحة
فيصل بإبتسامة : لا تجربين نفسك على شي ماتحبينه
هيفاء : يعني هو ماهو موهبة عشان أجبر نفسي عليها! بالنهاية القراءة أساس ومنهج حياة لازم كلنا نقرأ
فيصل ضحك ليُردف : الله! يخي عندِك حكم بس مافيه تطبيق
هيفاء بخجل : قلت لك أنتظر عليَ شوي وبيجيك التطبيق . .
فيصل : خلاص أنا بإنتظار هالتطبيق
رنَ جرس البيت في وقتٍ يُثير الإستغراب، هيفاء إلتفتت : مين جايَ هالوقت؟
فيصل وقف : أنا رايح أشوف . . . إتجه للداخل ليخرج من جهة مجلس الرجال، فتح الباب وقبل أن يُكمل فتح الباب أنغرز السكينُ ببطنه، حاول أن يرفع عينه ليرى من الذي طرق الباب ولكن لا قُدرة له، سقط على ركبتيْه وهو يضع يدِه فوق مكان الجرح، شعَر بأن روحه تغصَ في حلقه، يشعرُ بطعم الدماء تجري على لسانِه، تبلَل بأكمله بالدماء المتوَهجة، لم تخرُج " آه " واحِدة يستدلُ بها أحدًا عليه، صدمتُه جعلت صوتِه يقف متجمدًا هو الآخر، حاول أن يُنادي أحدًا ولكن لا مجال أبدًا، الألم يتمكَنُ منه والحُمرةِ تصعدُ لعيناه، تصعدُ لمجرى أنفاسِه، سقط على رأسه بقوة حين فقد إتزانه على جسدِه الذي يفقدُ دماءً بكثرة، حاول أن يهمس بالشهادة ولم يُكملها : أشهدُ أن لا إلـه إلا الله و . . . .
،
إتجهت إليه مهرولة بسرعة لتعانقه بشدَة وهي تستنشقُ رائحته بحنينٍ كبير، لو تدرِي كيف يفعلُ غيابك فيَ؟ كيف أقف بلا هويَة بمُجرد أن تغيب عنَي يا أبي! أشعرُ تمامًا باني أنصهر في كل لحظةٍ لا تأتِ عيناك بها، أشتقتُ إليْك! أشتقتُ بصورة مروَعة تُخيفني والله، وكل حياةٍ لا تأتِ بك لا أريدها، كل أرضٍ من بعدِك منفى، أود لو أنني لا أنفَك عن عناقك أبدًا، يالله لو تعلم أنني نادمة على كل لحظة أزعجتُك بها على أمرٍ تافه، نادمة على كل لحظة فاتت منَي دُون أن أرى إبتسامتك، يا أغلى ما أملك في هذه الدنيا.
عبدالرحمن يُقبَل رأسها كثيرًا وهو يُكرر حمدِه بصوتٍ واضح مبتهَل : الحمدلله ياربي لك الحمد
عبير همست بصوتها المبحوح بالبكاء : اشتقت لك كثييير واشتقت لرتيل وضيَ
عبدالرحمن : كلنا اشتقنا لك . . أبعدها قليلا لينظر لملامحها الشاحبة، مسح دموعها بكفيَه ليبتسم إبتسامةً فقدها منذُ مدَة : أحس إني ملكت هالدنيا بشوفتك
عبير نزلت دمعتها الناعمة لتُعانقه مرةً أخرى بشدَة، رفعها عن مستوى الأرض بضحكة : نزل وزنك كثير
عبير أغرقتهُ بقبلاتها، قبَلت رأسه وجبينه كثيرًا لتُردف بفرحة : يا عساني ما أبكيك
عبدالرحمن : ولا أبكيك يا بعد عيني، تلقين ضيَ تنتظرنا الحين . . . غلغل أصابعها بكفَه ليسير متجهًا نحو البيت الخشبي، فتح الباب لتلتفت ضي الواقفة بتوتر، أتسعت إبتسامتها برؤية عبير، تقدَمت إليها لتعانقها بشدَة توازي شدَة الشوق إليْها ولوجودِها بينهم.
عبدالرحمن أخذ نفس عميق من الراحة، بإبتسامة إلتفتت : وين رتيل؟
عبدالرحمن بهدوء : مع عبدالعزيز! بتشوفينه قريب إن شاء الله . . اهم شي الحين ترتاحين يا أبوي أنتِ . . أنا عندي شغل ضروري وماراح أتأخر
،
جلس بدهشَة وهو يسمعُ صوتِه الذي يأتِ بشكل لطيف أكثرُ مما يجب : والله؟
رائد : إذا تقدر هالأسبوع
سلطان بضحكة مستفزة : طلبك مرفوض
رائد بهدوء : أظن التفاهم بيفيدك أكثر من أنه بيفيدني!!!
سلطان : غلطان!! لأن الحين أنتم كلكم مكشوفين ومسألة نهايتكم مسألة وقتية لا أكثر! يعني التفاهم ماراح يفيدني شي
رائد بإستفزاز : أجل شكلي بحوَل على عبدالرحمن
سلطان : واضح أنه المفاهيم مختلطة عندِك! اللي ارفضه انا يعني عبدالرحمن رافضه! كلنا واحد
رائد : أجل أنت الخسران يا سلطان! وأنت فاهم قصدي زين
سلطان بضحكةٍ تُثير الغضب في نفس رائد : يا سلام! تهددني بطريقة واضحة بعد!!
رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك
سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب
رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!!
سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك . . . . .
،
يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل متجهًا لشقته في وقتٍ كانت غادة واقفة أمام الباب تنتظره : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطوة أخرى يخطوها عبدالعزيز للعمارة المنزويَـة . . .
↚
المدخل لـ عُمر أبو ريشة :""
قــفي ، لا تــخـجـلي مـــنـي فما أشقاك أشقاني
كـــــلانا مــــرَّ بالـنــعـمــــــى مــرور المُتعَبِ الواني
وغـــادرها .. كومض الشوق في أحـــــداق سكرانِ
قــــفــي ، لن تسمعي مني عتاب المُدْنَفِ العاني
فـــبــــعـــد الـيوم ، لن أسأل عـن كأسي وندماني
خــــذي مـــا ســطـــرتْ كفاكِ من وجــــدٍ وأشجانِ
صــحـــائــفُ ... طالما هزتْ بـــوحيٍ مـــنك ألحاني
خـــلـــعـــتُ بــهـا على قدميك حُـلم العالم الفاني!
لـــنـــطــــوٍ الأمـــسَ ، ولنسـدلْ عــليه ذيل نسيانِ
فإن أبـــصـــرتـــنـــي ابــتـسمــــي وحييني بتحنانِ
وســـــيـــــري ، ســــيـــر حــــالـمــــةٍ وقــولي ....
" كان يهواني "
3
رائد : قبل كان عندِي شخص أخاف أخسره لكن الحين ماعاد عندي شي أخاف أخسره لذلك تحمَل وش بيجيك
سلطان توقف عندما نظر لورقة الفاكس التي تجيء إليه بطريقةٍ جذبت عينيْه، قرأ بدهشَة/صدمة/رهبة/إستغراب
رائد بنبرةٍ متوَعِدة : أظن المصلحة صارت متبادلة! ولا انا مستعد أحرق كل اللي ورايْ وقدامي وأحرقكم معي!!!
سلطان يقف وعيناه تكاد تسقُط من النظر بطريقةٍ تغرز الصدمَة فيه : لا تقولي إنك تدري وتتصرف بغباء عشان سليمان !!!
رائد بتنهيدة مستفزة : شي يقهر صح؟ واحد من أعظم الأشخاص اللي غيَروا المجال الأمني للأحسن يشتغل بعيد عن عيونكم؟ وأكون انا داري!!
سلطان بلع ريقه، يفقدُ كل خياراته بهذه الحياة، مصدوم! وهذه الكلمة وحدها من تشرح نظراته في هذه اللحظات.
رائد : آخر قرار لِك يا سلطان؟
سلطان بنبرةٍ متزنة ترتفع للغضب : تعاون لو مرَة! مو عشاني عشان أرضِك!!!
رائد : قرارِك؟
سلطان بحدَة : رائد! عشان وِلدك . . أنت عارف إني مهما عطيتك الفرصة راح ألاحقك! والله طول ما أنا حيَ ماراح أخليك ترتاح بشغلك وخرابيطك!!
رائد بإستفزاز : أبي أسمع قرارك؟ . . الليلة راح أقلب دنيتكم كلها وقلت لك ماعندي شي أخسره!
تنهَد بضيق : عطني مُهلة وأرَد عليك
رائد بإبتسامة تتسع لإنتصاره الذي يأتِ مدويًا : بإنتظارك . . . أغلقه
سلطان يضربُ الطاولة بقدمِه، تشتَد عروقِه الغاضبة من فكرة أن شخصًا بمثابة الوالد لهم جميعًا يعمل دُون علمهم.
4
هذا الشخص الذي علَمنا التعاون غادر ليتصرف مثل ما يُريد، هذا الشخص الذي كُنا أكثر الناس حُزانى على تقاعده لم يُقدَر وجودنا! أيَ خيبةٍ أستقبلها الآن؟ أيَ حُزنًا يصِل لمسامعي وأقرأه؟ أقسى ما تعلمتُ في حياتِي كان بعهدٍ راقبني به، وأقسى ما صفعتني به الحياة تأتِ منه الآن، كيف يفعلُ بنا كل هذا؟ كيف يُشتتنا طيلة الفترة الماضيَة التي أمتدَت لسنة وأكثر بـ وهم؟ في وقتٍ كان يملك به الحقيقة، يالله كُن معي! يالله هذا الهمَ يهدَني!!!
خرج من مكتبه بخُطى تجذب الأنظار إليه بتوجَس، دخل لمكتبِ أحمد الذي وقف سريعًا : حوَل لي على مكتب باريس بسرعة!
أحمد بربكة يضغطُ على الأرقام ليتصل عليهم، أجاب محمد الذي يُرافق عبدالرحمن بعمله هُناك : ألو
أحمد يمدَ السماعة لسلطان : عبدالرحمن عندِك؟
محمد : لا بس على وصول . .
سلطان بكلماتٍ تندفع من صدره الذي يضطرب بأنفاسٍ متسارعة : عبدالعزيز وينه؟ عرفتوا مكانه!!!
محمَد : إيه بشقته لكن مقدرت أقول لبوسعود عشان آ
يُقاطعه سلطان : تسمعني زين! عبدالعزيز ما أبيه يكون الليلة في شقته و شُوف لي غادة أخته وينها بالضبط! ماأبي أيَ أحد منهم يكون موجود في باريس! و بس يوصل بوسعود تخليه يتصل عليَ ضروري . .
محمد : إن شاء الله
سلطان نظر لعبدالله الذي يصِل وتتضح على خطواته العجل، مدَ السماعة لأحمد ليقترب منه.
عبدالله : وش صار ؟
سلطان إبتسم بسخرية : أنت أكتشف المصيبة بنفسك . .
عبدالله : تكلَم سلطان لا توتَرني!
سلطان تنهَد ليسير متجهًا ناحية مكتبه ومن خلفه عبدالله، أخذ الورقة ليمدَها لبومنصور، وقف لتتجمَد عيناه عند الإسم المذكور، نظر بعدم إستيعاب ليرفع عينه ناحية سلطان : وش ذا ؟
سلطان بغضب : أنت اللي فهمَني! هالشغل بوجهي أنا! بكرا لو أخطيت خطأ واحد ماراح يقولون فلان ولا فلان بيقولون سلطان! . . ودي أعرف بس ليه يسوي فينا كذا! ليه يخلينا نضيَع وقتنا على شي أوهمنا فيه!!!!
عبدالله : طيب أجلس وأهدأ
سلطان بصراخ : ماني هادي! لا تقولي أهدأ وتجنني! لو كنت مكاني ترضى شخص يشتغل بملفات مفروض إحنا أعلم منه فيه ؟ والحين رائد ببساطة صرت جدار قدامه ويهددني بدون لا يحسب أيَ حساب لكلامه!
عبدالله بهدوء : سلطان
سلطان يجلس وهو يزفرُ غضبه ليُردف : يتصل بكل قواة عين ويجبرني أتصرف مثل ما يشتهي! عشان فيه ناس ما تفكَر تعلَمنا معلومة بسيطة ممكن تحلَ لنا كل هالمشاكل!
عبدالله : أكيد ما تصرف بكل هذا الا لسبب
سلطان بسخرية : طبيعي بتدافع عنه!
عبدالله الذي يفهمُ ما يرمي عليه : أتمنى بس إنك ما تقصد شي بكلامِك!
سلطان : الا أقصد! أنتم الأربعة كنتم تحاولون تبعدوني! والحين . .
يُقاطعه عبدالله بحدَة : كنت داري إنك مستحيل تنسى أشياء صارت وأنتهت لأني أفهمك يا سلطان! وأفهم كيف تشيل بقلبك!! بس لعلمِك مهما كنَا ضدِك مستحيل نسوي شي على حساب الشغل!!
سلطان أخذ نفس عميق ليُردف : أنت تشوف انه اللي صار عادي؟
عبدالله : قلت لك! أكيد فيه سبب مقنع يخليه يتصرف بهالطريقة، هذا التصرف مو بس بوجهك! بوجه عبدالرحمن بعد
سلطان : مهما كان السبب مفروض ندري
عبدالله يقترب منه : ما تلاحظ أنه قاعد يمشي عليك مبدأ كما تُدين تدان
سلطان إبتسم من شدَة قهره ليُردف : بالمناسبة أنا أدفع عمري كله ولا يصير بعبدالعزيز و غادة شي!! يوم تصرفت بموضوعهم بهالطريقة ما كان عندِي خبر! كنت مصدوم مثلي مثل غيري! جاني مقرن الله يرحمه وقالي عبدالعزيز ما يدري عن غادة! وش كان مفروض أتصرف بوقتها؟ تبيني أروح لعبدالعزيز وأقوله والله أختك بالمستشفى روح لها وأخلَي الكلاب يدرون ويخلصَون عليهم! . . . لا تحمَلني فوق طاقتي وتتهمني!! لو عبدالعزيز كان مع أخته وكمَلوا حياتهم بباريس الله أعلم وش بيصير فيهم! أنا تصرفت بالطريقة اللي تناسب الوضع والكل وقتها كان يجمع على قراري! ماتصرفت من مخي وقلت والله عز ما يشوف أخته!!!
5
عبدالله : أنت أعصابك تعبانة يا سلطان و . .
يُقاطعه سلطان : هذا أنتم اذا ما لقيتوا شي قلتوا والله أنت تعبان يا سلطان و أنت مو في وعيْك و أنت وأنت وأنت . . . يخي فكَوني شويَ! . . .
عبدالله ينظرُ إليه بدهشة من إنفعالاته الصاخبَة : بس ترجع لعقلك أتصل عليَ . . . وخرَج ليترك سلطان بضميرٍ يؤنبه على إنفعاله بوجهِه، أخفض رأسه وعيناه على أقدامِه، يغرقُ بالتفكير المُشتت، مئة موضوعٍ يتداخلُ بعقله، لا يدرِي بأيَ إتجاهٍ يذهب، بأيَ طريقٍ يتوجَه.
سمع طرق الباب لينطق : تفضَل
دخل أحمَد ليمَد الهاتف إليْه : ألو
عبدالرحمن : يا هلا . . . وش صار؟ ما فهمت من محمد شي
سلطان : كلمني رائد
عبدالرحمن بصدمة : نعم؟؟؟؟؟
سلطان : و هددني
عبدالرحمن : هددَك بأيش؟
سلطان : بمين يا عبدالرحمن؟ أكيد بعبدالعزيز . . قلت لمحمد يخفيهم عن باريس! . . عبدالعزيز بروحه صح؟ مع غادة؟
1
عبدالرحمن بضيق : لا معاه بنتي
سلطان تنهَد بقهر ليضرب بكفَه على الطاولة : ليه يا عبدالرحمن! ليه تركتها
عبدالرحمن بعصبية : كأن الموضوع بإيدي، أنت شايف على كم شخص جالس أتعامل! أقطَع روحي ولا وش أسوي؟
سلطان صمت لثواني ليُردف : طيب بما أنه الصور جتَ لمكانكم عند عبدالعزيز هذا يعني أنهم يعرفون المكان، عبدالرحمن لازم تطلع منه بسرعة . . أنا إنسان مقدر أتفاهم مع رائد بأسلوب تهديده، أبي أتطمَن عليكم عشان أتصرف معاه
عبدالرحمن : وش طلب ؟
سلطان : أنت وش تتوقع؟ . . لحظة لحظة خلني أقولك المصيبة الثانية
عبدالرحمن : الله يثبَت العقل فيني هذا كل اللي أقوله
سلطان يقرأ بقهر/بضيق/بحسرة/بحزن : اللي ورى كل هذا . . . .
55
،
وضعت يدها تحت خدَها ويدها الأخرى تطرقُ بالشوكة على الصحن مُصدِرة رنين مُزعج يعبَر عن إنتظارها، نظرت للطعام الذي بدأ يبرُد من برودة الأجواء ليلاً في الرياض، أخذت نفس عميق لتقف وهي ترمي الشوكة بقهر على الطاولة، سارت متجهة للداخل لتبحث عنه بعينيْها، خافت أن تطَل و يكُون واقف مع صديقٌ له أو رجلٍ آخر ويغضب، تأفأفت كثيرًا وهي لا تسمع صوتًا يصدرُ من الفناء الأمامي للمنزل، أغلقت الأنوار لتتجه نحو النافذة المُغطاة بالستائر، سحبتها قليلاً لتتجمَد عيناها على قدمِه، وحدَها هي الظاهرة ولا ترى شيئًا غيرها، مشَت بخطواتٍ سريعة للخارج لتسحب شهيقًا دون زفير، لم تستطع أن تزفُر أبدًا وتتنفس بصورةٍ طبيعية، نظرت للدماء التي تغرقُ بأقدامها ليرتجف جسدَها بأكمله، لم تعرف كيف تصرخ أو حتى تُنادي أحدًا، اقتربت قليلاً لتجلس على ركبتيْها بجانبه، همست برجفة بالغة : فيصل . . . فيييييصل . . . لا ياربي . . . . وضعت يديْها على يدِه لتغرق كفَها بدماءِه، وقفت مبتعدَة، خافت أن تراه والدته، خافت خوفًا لم تخافُه بحياتها أبدًا، ركضت للداخل لتمسك هاتفها وهي لا ترى بوضوح بسبب دمعها الذي يغرقُها تمامًا، إتصلت على يوسف أول رقمٍ سقطت عيناها عليْه، تمَر ثانية تلو الثانية ولا يُجيب، أبتهلَ قلبُها بالدعوات، يالله كُن معي، يالله أحفظه.
أتى صوتُه الهادىء : ألو
هيفاء ببكاءٍ مرتجف لم تستطع أن تقول جملة مفيدة . .
فزَ يوسف من مكانه ليخرج بعيدًا عن أنظار والدتِه و منصور : هدَي قولي وش فيك
هيفاء : فيصصصل
يوسف : وش فيه؟
هيفاء ببكاء : تعاال بسرعة . . ما أعرف وش أسوي . . تكفى يوسف أخاف يموت
يوسف ارتجف قلبه من " يموت " : جايَك . . . أغلقه . . . عاد للمجلس لياتِ صوته المضطرب : منصور تعال
+
منصور رفع حاجبه : وشو؟
↚
يوسف بغضب : تعال وأقولك
منصور : تعال أضربني بعد!!!
يوسف برجاءِ عينيْه : طيب تعال شويَ
منصور ترك عبدالله الصغير في حُضنِ والدته ليذهب معه، خرجَا من البيت ليلتفت عليه منصور : وش فيك؟
يوسف : مافهمت شي من هيفا بس شكل فيصل صاير له شي تقول لا يموت ومدري ايش . . . أتصل على الإسعاف على ما نوصلهم
منصور بدهشة : اللهم اجعله خير . . . ركب السيارة ليسير يوسف بسرعةٍ جنونيـة حتى يصِل قبل أن يتفاقم الوضع وعينيْه تدعُو معه أن لا يحدث أمرًا سيئًا.
منصور وهو يتحدَث بهاتفه : إيه حيَ الأندلس . . يوسف هو أيَ شارع؟
يوسف : شارع الأمير محمد
منصور : شارع الأمير محمد . . . شكرًا لك . . أغلقه
يوسف تنهَد عندما وقف للإشارة القريبة من منزل فيصل : يارب
منصور : راح نوصل قبل الإسعاف . . . يوسف أطلع من الرصيف بتنتظر كل هذا
يوسف بضيق كان سيتجاوز الرصيف لكن أضاءت الإشارة باللون الأخضر، في ظرفٍ دقيقتين ركن السيارة أمام الباب المفتوح قليلاً، أغلق سيارته على عجل ونزل مع منصور، دخل لتتجمَد عيناه دُون أن ترمش على منظر الدماء، منصور إرتجف قلبه لينطق : حسبي الله ونعم الوكيل
يوسف بخطواتٍ سريعة إتجه لهيفاء القريبة حتى يقف أمامها ويمنعها من النظر، سحبها إليه لتبكي على صدرِه وهي تُبلل ثوبه بدموعها المختلطة بالكحل الأسود. يوسف : إن شاء الله مو صاير له شي . . الإسعاف بتجي الحين . . .
هيفاء بأنينها الذي يتحشرج بصوتها : أحس قلبي بيوقف . .
يوسف : بسم الله عليك . . . سار معها ليدخل إلى الداخل، بصمودها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا، كانت ستسقط على الأرض لولا ذراعيَ يوسف التي تُحيطان بها، جلس معها على الأرض البارِدة والتي تُناقض حرارة الرجفة بأجسادهم : هيفاء طالعيني . . مو صاير الا كل خير إن شاء الله . . .
هيفاء بإنهيارٍ تام : كان زين والله كان زين . . . دقَ الجرس وراح وبعدها ما رجع . . ما رجع يا يوسف . . مارجججع . . . كررت كلمتُها كثيرًا وهي تبكِي بشدَة توازي شدَة الخوف التي تدَب في صدرها.
يوسف يمسح دموعها بكفيَه وهو ينظرُ إليها بحزنٍ بالغ، يشعرُ بخبرٍ سيء سيأتِ ولكن لا يُريده أن يأتِ، يُريد أن يكذَب توقعاته، مسك كفيَها ليضغط عليهما : استغفري . . كرري الإستغفار وتفرج من عنده
هيفاء نظرت إليه نظرة قتلت يوسف تمامًا، يوسف شتت نظراته بعيدًا عنها ليعقد حاجبيْه، سحبها إليه لتضع رأسها على صدرِه، قبَل رأسها وأطال بقُبلته ليقرأ عليها بصوتٍ تحشرج من أفكاره السيئة التي تعبثُ بعقله، قرأ عليها آيات السكينة التي يحفظها ويُكررها عليْها : و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . و قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيَكُمُ التابُوتُ فيه سَكينةٌ من ربَكم . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . ثم أنزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها . . . . إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَدهُ بجنودٍ لم تروْها
خذلهُ صوت ليصمت على صوتُ الإسعاف الذي يغزُو مسامعهم في هذه اللحظة، هذه المرَة لم يدعُو لفيصل وحده، كان قلبه يدعو أن لا يصل الصوت إلى والدة فيصل، سكنَت حواسُ هيفاء ومازال الدمعُ يعبرُ خدها بإستسلام.
يوسف : بيطمَنا منصور إن شاء الله . . . قومي نجلس داخل . . . وقف ليشدَها معه وهو يثبَتها بذراعه التي تحيط كتفها من الخلف، جلس في الصالة التي تحتوي على الجلسةِ الشرقية الأرضية، سحب جِلال الصلاة ليجعلها تستلقي وتضع رأسها على فخذِه، غطَاها وهو يُجاهد أن يجعلها تنام حتى لا يضطرب قلبها بالإنتظار كثيرًا.
سكَن صوتُها ولكن قلبها لم يسكُن بعد، " يالله ارزقني الصبر، لا طاقة لي بتحمَل كل هذا، أشعرُ بأن أجزاءً مني تنشطر، مازالت إبتسامته قبل ساعة تُضيء عيني بالدمع، مازالت هيئته الصاخبة تحضرُ في عقلي، يالله على صوتُه الذي لا يُريد أن يفارق مسامعي! للتو شعرتُ بأن هناك أهدافًا بحياتي، للتو وضعتُها بقائمة أولَها فيصل ونهايتها فيصل، إلهي أرجوك! أرجوك! أرجوك . . احفظه "
في الجزء العلوي من المنزل كانت نائمة بسكينة لم يُحرَكها صوت الإسعاف أبدًا وريف الصغيرة تنامُ بحضنها، منذُ فترةٍ طويلة لم تنام ريف مع والدتها، نامت هذه الليلة وذراعِ أمها هي من تُغطي جسدِها الصغير، تحرَكت ريف قليلاً لتفتح عينيْها بهدوء نظرت للسقف المظلم لتلفَ جسدِها الناحية الثانية وتُغطي وجهها بصدرِ أمها، غرزت أصابعها الناعمة في جسدِها وهي تتمسكُ بوالدتها : ماما
دُون أن تفتح عينيْها والدتها شدَتها إليْها وهي تشعرُ بحركاتها لتهمس : يالله ماما نامِي
ريف بركاكةِ الحروف التي تنطقها : بروه لفيصل
والدتها : هُم نايمين الحين غلط نزعجهم صح؟ . . يالله نامي وبكرا الصبح تشوفينه
ريف : و هيفا ؟
والدتها : هي نايمة بعد . . يالله ريف حبيبي نامي
ريف بضجر : راح النوم
والدتها تنهدَت لتفتح عينيْها : غمضي عيُونك و فكري بأشياء حلوة ويجيك النوم
ريف : مثل وشو ؟
والدتها : فكري بالملاهي لمَا يوديك فيصل . . فكري لمَا تلعبين مع صديقاتك و لمَا تطلعين . . تذكَري هالأشياء وغمضي عيونك
ريف ابتسمت بشغف لتُردف بعد ثواني قليلة من إغماضها لعينيْها : أنا و أنتِ و بابا
والدتها : بابا راح للسما عند الله
9
ريف : إيه لأن السما أحلى من الأرض و بابا لأنه قلبه حلو لازم يروح للسما . . كِذا يقول فيصل
والدتها بإبتسامة : صح
ريف : بعدين صار فيصل بابا . . ولمَا أنتِ ماما تروحين للسما أنا بصير ماما
والدتها اختنقت من ذكرى هذا الزوج، ضاقت محاجرها لتغرق بالدمع، أكملت ريف بما تحفظه من كلمات فيصل : بعدين يصير لنا بيت كبيييير كبيير في . . أيش إسمها ماما؟ اللي هناك عند الله؟
2
والدتها بصوتٍ متحشرج : الجنة
ريف : إيوا هناك إحنا عندنا بيت فيه أنا لمَا أكبر و أنتِ ماما و بابا و فيصل . . بنجيب هيفا؟ عادي؟
4
والدتها لم تستطع الرد، نزلت دموعها بلا توقف، ريف : بروح لهيفا بقولها شي وأرجع على طول
والدتها بلعت غصَتها : لا ماما بكرا تقولين لها . . يالله نامي عشان تصحين بدري وتفطرين وياهم
ريف بعد صمت لدقائق : ماما
والدتها : هلا
ريف : متى نروح للسما؟
5
والدتها : ما أعرف يا ماما! بس إن شاء الله بنروح للجنة
ريف : بابا بروحه؟ ما يخاف؟
والدتها أرهقتها هذه الأسئلة التي لا تعرفُ لها جواب : إحنا معاه . . وش قالك فيصل؟
ريف : قال لمَا أشوف عيونك ماما أشوف بابا لأن انتو الكبار . . ناسية وشو قال
والدتها تضمَها أكثر لتُردف بصوتٍ تنام به السكينة : قال لمَا نشتاق للناس اللي راحوا للسما نروح نشوف عيون اللي يحبَونهم . . لأن اللي يحبونهم يحفظونهم بعيونهم . . وأنتِ يا ريف تحفظين بابا في قلبك وعيونك صح؟
ريف رفعت رأسها : أنتِ تشوفيني لمَا تبين تشوفين بابا ؟
والدتها : لمَا أبي أشوف بابا أصلي
,
يسيرُ على الرصيف بجانبِ رتيل، تبقَى شارِعان لتجاوزه والوصُول للعمارة المنزويـة في نهايـة الطريق، وقفا حتى تُضيء إشارة العبُور وأحاديثهم البسيطة في كل ثانيـة ترنُ في صدر الآخر.
نظرت إليْه بضيق الحياة في عينيْها لتُردف : أكره هالشعور! شعور الإحباط واليأس، شعور إني ماني قادرة أسوي أيَ شي يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : لو كنتِ تبين تسوين شي قدرتي بدون لا تسألين عن أحد! أعرفك يا رتيل! أعرف حجم تهوَرك وجنُونك
2
إلتفتت إليه بكامل جسدِها لتبتسم بسخافة الحياة التي تصفعها : تغيَرنا ما عدنا على خُبرك!! لو أقدر كان ما طلعت معك الحين! لو أقدَر كان سويت أشياء كثيرة! بس صرت أخافك
20
عبدالعزيز : وش اللي تغيَر؟
رتيل بحزن هذا الكون الذي يخرجُ من شفاهِها كنصلٍ مُدمي : إني ماراح أسامحك!
10
عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة غريبة، نظرة تحمل من اليأس ما لاتتحملهُ روحٍ واحدة، اقترب منها حتى تلامس حذاءهُ مع حذاءها، أضاءت إشارة العبور حتى سارت وتركته، تنهَد ليسير خلفها ناحيـة الرصيف الآخر، شدَت على شفتِها السفليَة حتى تكبت دمعًا يُجاهد للصعود نحو محاجرها، وقف بجانبها لآخرِ إشارة عبُور.
عبدالعزيز بصراحتِه المؤذيـة لقلبٍ أمتلئ بندباتٍ مالحة سبُبها صوتُه : ما حاولت أأذيك بأيَ شيء! في الوقت اللي كنت أدوَر فيه عن حياة لي كنتِ قدامي يا رتيل! سمَيه قدَر سمَيه أيَ شي! بس ما حاولت أأذيك! غلطت كثير لكن ما كانت نيتي أبد إني أأذيك لشخصك! ولا كان لي نيَة بأني أدخل قلبك! . .
19
عقد حاجبيْه وهو ينظرُ لكل شيءٍ عداها، أكمل : كانت نيتي الحياة! . . . إلتفت عليها وهو يُدخل يديْه بجيُوبـِه : تبين تعرفين شعوري؟ مثل الشخص المريض اللي عارف وش نهايته لكن يآكل حبوبه بإنتظام! هو يأس بس مجبور يآكل! وأنا يأست بس مجبور أعيش! ما يأست من رحمة الله! يأست من خلقه، يأست من هالطريقة اللي عايش فيها! يأست من نفسي اللي مو قادرة توقف وتتجاهل! . . . . . وتقولين ماراح أسامحك! وكأني متعمَد أأذيك وأغلط وكأن همَي في الحياة إني أقهرك! وكأن نفسي بإختياري!! . .
16
نزلت دمعتها الناعمة وهي تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، أضاءت إشارة العبور لتسير بجانبه على الرصيف الأخير الذي ينتهي بشقته، في جهةٍ أخرى كان الإحباط يتسلُل لقلبها شيئًا فشيئًا حتى أندفع إلى صوتها بهيئة جُملة : خلنا ننزل شكله ماهو موجود!!
في كل خطوةٍ تخطوها للأسفل كانت هُناك خطواتٌ بالخارج متجهـة إلى العمارة، رفع أصابعه ناحية ياقة قميصه ليفتح أولُ أزاريره وهو يشعرُ بأن العالم بأكمله يحشرُ نفسه بحنجرته ويخنقه، وقف قليلاً من اللاإتزان الذي يواجهه، شعر بالغثيان يغزو معدتِه ويُضبب رؤيتـه، إلتفتت عليه بخوف : عبدالعزيز!!!
عبدالعزيز لثوانِي معدودة رفع رأسه ليُغمض عينيْه بشدَة حتى يُعيد توازنـه.
يالله! أفقدُ شهيتي بالحياة تمامًا، أفقدُ قدرتي على الإتزان بها، أشعرُ بنارٍ تلهبُ صدرِي، لا أُريد أن أموت على يقضة هذا العالم، أُوَد أن أموت بسلامٍ على سريرِي دُون أن أرى أحدًا، لا أُريد أيَ أحدٍ من حولي، فقدتُ من أُريد ومازلتُ أفقد! مازال وجعي من ناصِر يتكاثرُ في داخلي، مازال بُكاء غادة يصرخُ بأذني، لِمَ! أحتاج جواب يشفي لهيبُ السؤال في عينِي! " يالله لو كِنت هِنا يا يبـه " لو كُنت تراني! لو كنت معي! لو كنت تشدَ على معصمِي وتأخذني حيثُ الصواب، لو أنني أبكِي على صدرِك لشفيْتُ والله! لو أنني أجلسُ عند ركبتيْك لداويت حُزني بكفيَك، لو أنني أُبصرك لمرةٍ واحِدة أشرحُ لك بها كيف أنَك تعيشُ بداخلِي وتُرهق عيني التي لا تراك!
فتح عينيْـه ليسير بخُطى بطيئة تجرَ أثقالاً من الحُزن، على بُعدِ خطوات وضعت قدمها على الطابق الأول وباب الخروج أمامها يتضحُ تمامًا، وقفت قليلا لتتنهَد بضيق من أنها ستخرجُ دُون أن تراه، شعرت بإنقباضات قلبها الضيَق من فكرة غيابِه المستمر عنها، في كل ثانيَة تمرُ تشطرُ قلبها المنفعل بحنينه، من خلفها وليد : يالله . .
غادة نزلت لنصف الدرج حتى تجمدَت عيناها دُون أن ترمش، رفع رأسه لتصطدم النيرَان في جوفِه، ثبت في مكانِه ليقمع اللاإتزان الذي يواجهه، سقطت ذراعه التي كانت تُلامس رأسه لتُلامس جانبِه الأيمن من جسدِه، كان كل شيء في جسدِه يرتجف، ارتجفت يديْه وهي تختبئ بمعطفِه الأسود.
18
كل قوايَ تضعفُ أمامها، أمام العينيْن التي تُشبهني، أهذه غادة أم أنني أتوَهم؟ لا طاقـة ليْ للتخيلات، لم أتخلص من وعثاء الواقع حتى أواجه حياةً إفتراضية أخرى، يالله ساعدني! ساعد رجلاً تخلَت صلابتُه عنه في مواجهة نفسِه، ساعِد رجلاً عبث بالحياة حتى عبثت به و شتتَه، يالله ساعدني! أخافُ من حُزني، أخافُ من إندفاع الموت في جسدِي، أخافُ من البكاء الجافَ الذي يذبلُ في صوتي، أرجُوك يالله إن هذه الحياة تختنقُ بصدرِي، خذني إليْها، ساعِد أقدامي حتى تذهب إليْها، يالله أرجُوك أمسح على حُزني بلطفك وأرحمني في هذه اللحظة، أرجُوك يالله خُذني إليْها.
2
في الجهة التي تُقابله، أندفع البكاء حتى سكنَت ضوضاء الدُنيا من حولهما وبقيَ الدمعُ يُؤدي مهمة النزول على خدَها الناعم بهدوءٍ.
" عزيز! " تأتِ بصورة تضجَ الحياة لجسدي، تأتِ بهيئة أبِي وأمي وعائلتي كُلها، تأتِ كـ نورٍ يُهذب عتمة قلبي، يجرحنُي الحنين في غيابك كثيرًا، يعبثُ بقلبي ويحرقُني، افترقنـا وفارقتني الحياة تمامًا منذُ ان غاب عن سمعي ذكرِك وذكر من كانوا يحملُون دمَنا و رائحتنا، أنتْ يا " جنَة صدري ". غابت ذاكرتي طويلاً لكنني لا انسى طعمُ الحُب الذي يغرق بفمي بمُجرد ما تُناديني، لا أنسى أبسطُ التفاصيل التي نشتركُ بها وأهمُها " سلطان " الذي ينتهي بأسماءنا وينتهي بكلماتنا، نحنُ الذي عشنا في كنفِ إبتسامته، أشتاقك! خُذني إليْك كما أخذتني الحياة مِنك، يموت صوتي يا عبدالعزيز ولا يُساعدني! أُريد أن أناديِك، أريد أن أستشعرُ مقطع إسمك المارَ على لساني، نادنِي يا عبدالعزيز، نادنِي!
أرجوك يالله لا تخذلني بصوتِي، أرجوك يالله ساعدنِي حتى أعبرُ هذه الخطوات لعناقه، يارب أشتاقه! أشتاقُ صدرِه، يارب خُذني إليه قبل أن أموت في مكاني، " عزيز!! قلب أختِك مجرُوح! تعال داوِي جرحها بصوتِك، تعال أسكِن فجيعة عيونِك بصدرِي، . . نادنِي! رعَى الله نهر يجيء من صوتِك، لصدرٍ أمتلىء بجفافه، رعَى الله قلبك يا روح أختِك.
6
بإنكسارٍ تام تحرَكت ذراعه اليُمنى وعينيْه تشتَد بحُمرة الدمع المالح، لم ترمش عيناه بعد مازالت تُصارع اليقضَة من أجلها، أقوى مني يالله! هذا اللقاء يُضعفني تمامًا، صوتي يؤذيني وهو يمُوت في داخلي! حنجرتِي يترسبُ بها البكاء ويمنع الكلمات من العبُور! وعيني يترسبُ بها الملح ويمنع نظري من الوضوح، وجسدِي يتصلبُ بالحنين ويمنعُ أقدامي من الحركَة، أنا ممنوع من كل شيء، أوَد أن أقول بوضوح " يا عين أبُوي أشتقت لك ".
بثقل تقدَم خطوتين وهو يتوسلُها بعينيْه أن تأتِ قبل أن تتبخَر قوَاه وينتهي، بخُطى سريعة غادة توجَهت إليه لتقف على أطراف أصابعها وهي تعانقه بشدَه، أغمضت عينيْها بذاتِ الشدَة وهي تغرقُ بعنقه وتستشنق رائحته التي أفتقدتها، أنهارت بالبكاء وأنينها يُسمع صداه، بكَت كأنها تواجهُ البكاء لأولِ مرَة، شدَت على معطفه من الخلف بأصابعها وهي تعانقه بكل قوَاها.
1
" هذه الرائحة أشتقتُها! هذا العناق أشتقتُه يا عبدالعزيز. "
وقفت ثابتًا وذراعيه لم يتحركا وتُحيطان جسد غادة، يعيشُ أعلى مستويات الصدمَة وكأنه للتو أستوعب أنها حيَة، نزلت دمعتُه وعينيْه لا ترمش، في كل لحظةٍ يعود صدى بكاءها كان الدمعُ في عينيْه يتكاثر دُون أن يسقط، همس بغير تصديق/ همس بهذيان لم يُفهم منه سوى : غادة!!
5
غادة وهي لا تنفَك عنه من بين بكاءها : أشتقت لك . . أشتقت لك والله العظيم . . .
هذا الصوت مازال حيَا! يالله ثبَت يقيني بما أراه ولا تتركيني أسقطُ بخيالاتي هكذا، نبرتُكِ هذه يا غادة من خدشها؟ لا تسألي عنَي! أنا ما زلت واقف في الطريق الذي رحلتُم به دفعةً واحِدة لتنتهي روحي على دفعاتٍ تستطيلُ بوجعي، ما زلت واقف! وكل ما مضى من بعدِكم كان مُجرد محاولات للحياة ولكنني لم أحيا! لم أعِش كأيَ رجلٍ ينتمي لعائلة، مازلتُم فيَ! تنامون على قلبي ولا تستيقظون أبدًا! " يا ظمآيْ! عطشتِكم يا غادة وما روتني الحياة من بعدِكم! "
2
رفع ذراعيْه ليُحيطانها، شدَها بقوَة ليُغلق عينيْه بذاتِ الشدَة، أمال رأسِه ليُقبَلها بالقُرب من عينيْها، شدَ على ظهره ليرفعها قليلاً عن مستوى الأرض.
كل شيء يُغيَب الوعي عن قلبي، كُنت سأرضى والله لو كنت أدرِي أنكِ على قيد الحياة ولا نلتقي أبدًا، كنت سأجد سببًا للعيش/للحياة/للسعادة، ولكنني في كل مرَة أشعرُ بأنه لا فائدة! لا أحدًا أقاوم من أجله، لو تعلمين يا غادة كيف يكُون شعور الفرد إن أستفردت به الحياة وأوجعتـه، لو تعلمين كيف يكون الغدر ممن رأيتهُم حياةً ليْ ذريعة للموت، لو تعلمين كيف للشوق أن يأتِ في منامي بشِعًا يُحبط كل أسس طمأنينتي، تخيلتُكِ كثيرًا حتى أخطأت بقدرِ ما تخيلتُك، أنا آسف لأنني لم أكن قويًا كفايةً ولا ذكيًا حتى أكتشفُ أمرك مُبكرًا، وصوتي الآن يُخطئ الخروج! مازال مبحوح في داخلي.
" رائحتِك هذه تُرادف أمي، أمي التي بكيْتُها مرارًا ولم أشعرُ بلذاعة الشوق إلا بها، كيف أشكُر الله عليكِ الآن؟ كيف أقُول الحمدلله بطريقة توازي لُطف الله بيْ! أنتِ هُنا يا غادة! هُنا وأنا أذهبُ لقبرٍ أجهله أبكِي عليه، أنتِ هُنا ولم يهزَني طوال حياتي شيئًا بقدر ما هزَني موتكم، صبرتُ كثيرًا حتى أنهارت قوايَ مرةً واحِدة لتدفعني لفداحةٍ لا أدرِي كيف أتجاوزها! أشتقتُك! أشتقتُك بمرارة البكاء العالق فيَ، بِوحدةِ الأغصان المغروسـة في صحراءٍ شاسعة، بسماءٍ جفَفها الغبَار ولم يُسعفها مطر، بفعلٍ صاخب كانت ردَة فعله : صمت، أشتقتُك كثيرًا وكثيرًا لستُ عميقة كما ينبغي لقلبك " يا روح أخُوك ".
30
منذُ أن رآه وقبل أن يرفع عينيْه عاد وليد للخلف ليصعد للطابق الثاني ويخرجُ من مخرجٍ آخر، ضرب بقبضته على الجدار، كل شيء ينتمي إلى الحياة يتعمَد الوقوف ضدَي! كنتُ أحتاج وقتًا بسيطًا حتى تثق بيْ ولكن لا مجال للثقة أبدًا، عادت لحياتها التي تُريدها وأنا؟ مثل كل مرةٍ تنتصبُ الخيبة أمامي بثبات.
38
،
خرجت والدتها من غرفتها بعد أن سكنَت ونامت، لتُقابل ريَان بوجهها : خوفتني بسم الله
ريَان : آسف ما كنت أقصد . . وش فيها الجوهرة ؟
والدتها تنهدَت : ولا شي . . كانت ستتجاوزه ولكن وقف أمامها . . يممه بالي مشغول أبي أعرف
والدتها : ريَان أختك ما تتحمل تسمع منك . .
يُقاطعها : تطمَني ماني مسوي لها شي! تراني أخوها ماني عدوَها
12
والدتها : أستغفر الله . .
ريَان : وش فيها؟ ماراح أنام لين أعرف
والدتها : طلَقها سلطان
ريَان ثبَت عيناه بعينيَ والدته دُون أن يرمش، صُدِم بما يسمع وهو الذي يظن أن حياتهما تسير كما ينبغي، شعر بأن أحدًا يصفعهُ بكفٍ باردة، لم يتوقع ولا 1٪ أن يصِل حال الجوهرة إلى هذا الحال من أجل سلطان.
والدته : لا تضايقها بشي ولا تعلَم أحد لين أخبَر أبوك . . . تركته دُون أن يخرج من بين شفتيْه كلمة واحدة.
↚
أنا الذي اجبرتها على الموافقة في كل مرَة وأنا الذي أجبرتها على الرفض كثيرًا، ليتني وقفت بوجه هذا الزواج، ليتني لم أجعلها تعيش معه هذا الألم وأنا أُدرك بأن بداية الزواج كانت سيئة، وأن بناءِهم لهذه الحياة كان هشًا، لو أنني فقط تخليَت عن إندفاعي وفكَرت بعقلانيَة تصبَ في مصلحتها. يارب أرحمنا!
32
تقدَم بخطواتِه ليفتح الباب بخفُوت ويطلَ عليها، أطال النظر إلى ملامحها الشاحبة الباكيَة، أخذ نفس عميق ليتراجع ويُغلق الباب.
عاد إلى جناحه والهمَ يُثقله، نظر لريم التي تعبث بهاتفها لترفع رأسها إليْه، بتذمَر : ولا أحد من أهلي يرَد عليَ! أكيد صاير شي
ريَان عقد حاجبيْه : لا توسوسين كثير
ريم : حتى تليفون البيت محد يشيله! و زوجات أخواني ولا وحدة ترَد!
ريَان أستلقى بضيق : الخبر الشين بيجيك لين مكانك! تطمَني
ريم تركت هاتفها : الله لا يفجعنا بأحد بس . . . رحت تشوف الجوهرة؟
ريَان : لقيتها نايمة
ريم : قلت لك يمكن من الحمل تعبانة وتتحسس من أيَ شي
ريَان بفضفضة لم يعتادها : أحس إني مشتت مو قادر أركَز بشي
ريم : مشتت بمين؟
ريَان : قسيت عليها كثييير ، أجبرتها على أشياء ماتبيها
ريم بلعت ريقها وهي تنظرُ لعينيْه التي تنظرُ للسقف بندمٍ شديد يتضحُ ببريق هذه النظرات.
يُكمل : بس والله كنت خايف عليها! كنت أحسَها طايشة ما تعرف تقرر صح بحياتها، ما أبي أحس إني ظلمتها بس أحس كل شي في ذاك الوقت كان ضدَها
32
ريم : وإذا كانت طايشة! من حقها تختار حياتها . . ريَان أنت أجبرتها تتزوج سلطان ؟
ريَان : لا كنت رافض! ما أطيق سلطان أصلاً عشان أوافق عليه لكن أبوي هو اللي وافق وطلَعني من الموضوع، بس كنت حاسَ أنه ماهو مناسب لها! وكنت داري أنه يحس في داخله أنه متزوَجها بس كِذا عشان موقف ماهو عشانها الجوهرة بنت عبدالمحسن
ريم بعدم فهم : طيب لا تفكر بأشياء راحت وطلعت برا سيطرتك وتلوم نفسك عليها
ريَان : ماني فاهم الجوهرة! أحاول أتقرَب منها بس ماتعطيني أيَ فرصة . . دايم تحسسني إني أنا وتركي أعداءها
ريم : تركي عمك؟
7
ريَان بسخرية : إيه عمَنا اللي نسانا
ريم : مو قال أبوك أنه سافر برا ؟
ريَان : إيه وشكله مسوي مصيبة مع أبوي عشان كذا قطع فينا
ريم : أكيد فاهم الجوهرة غلط! مستحيل تحسسكم أنكم أعداءها بالعكس تلقاها تحبكم أكثر من روحها
ريَان : ما لحقتي عليها كيف كانت تتجنَب تطالعني وكيف تقطع أيَ موضوع إذا شاركنا تركي فيه
3
ريم بعُقدة حاجبيْها : ريان والله شكلك فاهم غلط! ممكن وقتها صار خلاف بينها وبين تركي وتصرفت كذا مو شرط يعني!
1
ريَان : قلبي يقول فيه شي بين تركي و أبوي والجوهرة! بس مو راضيين يقولون لي وحتى أمي شكلها تعرف ومهي راضية تقولي! لأنها كانت تسأل عن تركي دايم بس الحين ما عادت تسأل عنه
ريم تنهدَت بإبتسامة : أنت اللي لا توسوْس الحين! الخبر الشي بيوصل لعندِك تطمَن
ريَان رُغما عنه إبتسم : خبر عن خبر يفرق
ريم : والله ريان أنت موسوْس كثير
ريَان إلتفت عليها بنظرةٍ جعلتها تندفع بالكلمات : بس يعني ماشاء الله عليك يعني متزن وعاقل وكذا
ضحك ريَان ليُردف : زين الله يسلمك
ريم بعفوية : وش دعوى عاد! تراني أحبك ماأرضى عليك بالشينة بس يعني أنت توْسوس كثير بس هذا عيبك لكن إيجابياتك كثيرة
ريَان أستعدَل بجلسته بعد أن طرقت أسماعه " أحبك "، إلتفت عليها بكامل جسدِه، ريم إرتبكت من قُربه لتُردف : قلت شي غلط؟ تراني أخاف من نظرتك ذيْ!!!
20
ريَان بإبتسامته التي لا تظهر كثيرًا وإن ظهرت تأخُذ قلب ريم معها : أبد كل اللي قلتيه على عيني وعلى راسي
16
،
أفلستُ من الدنيَا، هذا ما أنا أيقنت منه تمامًا، في الثانية التي قُلت فيها " أحفظي لي يا عبير ما تبقى من قلبي " تجاوزتني دقيقة الوداع، لو أنَكِ سمحتي ليْ بأن أُحبك فعلاً وجنونًا لأسبوع، فقط أسبوع أسترَدُ به قوام حياةٍ تهشَمت أمامي، ولكنكِ قسيْتِ من أجل العقل، من أجل الأشياء اللامعروفـة، لِمَ نفترق وكلانا يُحب بعضنا البعض؟ لِمَ نسير بطريقيْن منفصليْن ونحنُ نعيشُ تحت سماءٍ واحدة؟ لِمَ يا رحمة الله في عيني؟ كان من المؤسف والله أن تختارِي الفراق وأنا الذي ردَدتُ كثيرًا لا طاقة لي بفراقٍ ينتهي بغيابٍ لديارٍ أخرى تحت التراب؟ كيف وأنتِ ترحلين بخُطاكِ فوق التراب؟ كيف تجرأت القسوة بعينيْك وفي ماؤها جنَة ؟ أخترتِ النهايـة، أنا الذي كنت أظن كثيرًا بأن النساء إن أحببن يتركن قواعد الحياة وقناعتها ويعشقن بجنُون! ولكنكِ كنتِ مختلفة عنهن! أخترتِ السير خلف عقلك وقناعاتها والحياة، أخترتِ موتي. فاشل! أُدرك ذلك، فشلت بالإنسلاخ عن والدِي لأكون بمظهرٍ يليقُ بإبنة عبدالرحمن، فشلت لأني لا أعرف أن أعيش في كنفٍ أحدٍ غير عينا والدِي، أنا لا أعرف تمامًا مالذي يجب أن أفعله! ولكنني في نهاية الأمر أنا إبنه وهذا مالايتقبلهُ والدِك وأنتِ أيضًا.
من خلفه : وين غرقت؟
فارس بضيق : أفكَر
جلس بجانبه : بأيش ؟
فارس صمت قليلاً ليُردف : ما أعرف الصح من الغلط
: أسمعني يا فارس! مافيه أحد معصوم من الخطأ . . كلنا نخطي وكلنا نتصرف أحيانًا بتهويل . . لكن بالنهاية إحنا محنا منزهَين ولا ملائكة . . أهم شي أننا نصلَح أغلاطنا
فارس : وصححت أغلاطي! لكن محد قِبَل
: مع الله كل شي يهون
16
فارس : أعرف وش بيصير بالنهاية! بسلَم أمري لله وبتقبَل إنه هالزواج اللي أصلاً ما أعرف كيف بدأ، ينتهي! لكن ماراح أتقبَل إنه أبوي ينتهي . . عارف أنه ممكن يكون أسوأ الأشخاص بنظركم لكنه أبوي! مقدر أقول الحق حق ولازم يتعاقب! مقدر أكون كِذا . . .
: كل شخص يا فارس راح يدفع ثمن أخطاءه، أنت الحين تدفع ثمن أخطاءك رغم نيتك الطيبة . . وأبوك راح يدفع ثمن أخطاءه مهما كانت نيَته، وكلنا ندفع ثمن أخطاءنا! مافيه شي نسويه بدون مقابل! ومقابل هالأخطاء عقاب ممكن يكفَر عن أخطاءنا! ليه الله أوجَد الحدود في الدنيا؟ أوجدَها تكفير لنا ورحمة
6
فارس : وش بتكون عقوبة أبوي؟ القصاص؟
: فارس المسألة مو بكيفية العقوبة . .
يُقاطعه : كنت عارف . . الله يصبَرني على اللي بقى من عُمري
يربت على كتفه بيدِه الحانية : الله يصبَرنا كلنا . . .
فارس الجالس على الطاولة وأمامه دفتر فارغ وقلم، رفع عينه إليْه : ينفع أرسم؟
12
بإبتسامة : خذ راحتِك
أخذ الدفتر ليثبَت رأس قلم الرصاص بمنتصف الورقـة، إحتار عن أيَ شيءٍ يرسم، يُريد أن يفضفض بالرسِم ويتجاوز حزنه بالرسم، خطَت عيناه بكلماتٍ أطرقت قلبه، كتب : " رعى الله عيناكِ حين جفَت وصدَت " . . .
وقف الآخر ليتجِه نحو هاتفه ويُجيب بدهشة من الصوت الذي يصِل إليه : وعليكم السلام والرحمة
سلطان : بشَرنا عن أحوالك؟
: بخير عساك بخير وصحة
سلطان بحدَة : ماني بخير . . أفكَر بالشخص اللي يغدر فينا
: سلطان
سلطان : أسمعك! وش أسبابك اللي بتقنعني فيها؟ سنة ونص وأنا أركض ورى شي ماله أساس من الصحة والمُشكلة إنك تدري وتعرف! سنة ونص راحت وأنت أكثر شخص تعرف إنه الثانية اللي تضيع منَا عن يوم كامل!!
: تثق فيني؟
سلطان بغضب : لا!
: يا بو بدر تعوَذ من الشيطان
سلطان : أسألك بالله ما فكَرت فينا؟ ما فكَرت وش المصايب اللي بتطيح على راسنا من تصرفك؟ ما فكَرت بعبدالعزيز اللي خليناه يروح للخطر بكامل إرادته عشان معلومة أنت تملكها!!!
1
: إلا فكرت وعبدالعزيز يهمني قبل كل شي! وكل اللي سويته كنت أبي أنهي فيه شغل أستمر لسنوات
17
سلطان تنهَد : بس أنت كِذا دمرتني! خليتني أفشل بأكثر شي كنت أبي أنجح فيه وأنتهي منه . . الغلط مو بس فيني! الغلط بيصير على إدارتي كلها! وأنت فاهم قصدي وعارف أنه أيَ غلط بسيط يعتبر في عيوننا عظيم كيف عاد لو كان غلط مثل هالغلط؟ . . ريَحني بس وقولي عن كل اللي تعرفه . . ما عاد أتحمَل أنه يضيع لي وقت ثاني!!!
: طيب أبشر بقولك كل شي
،
ينظرُ بإستغرابٍ تام لهما، وقف ناصِر : كيف يعني ؟
الشخص الذي يجهلُ تماما من يكون : بتطلع براءة وتسأل كيف يعني؟ مفروض تنبسط
ناصِر : بالأول أعرف مين اللي تدخَل
: عبدالرحمن آل متعب . . أرتحت؟
ناصر بشكَ : مستحيل! أنا أعرف مين وراكم
: أنا سويت اللي عليَ وأنت براحتك إذا تبي تخيس بالسجن!!!
تنهَد بضيق من هذه الأفكار التي تطرأ عليه : طيب . .
أتى الضابط ليسلَمه أغراضه الشخصية التي تم ضبطُها له عند دخوله للسجن، أخذها ناصِر ليضعها في جيبه، أرتدى معطفِه ليقيه من برد باريس في هذه الفترة من السنة التي تتجمَد بها الطرق بأكملها من درجة الحرارة المتدنيَة، خرج معه ليلتفت عليه ناصر : سويت اللي عليك وشكرًا ممكن تروح الحين
: بوصلَك
ناصِر : لآ شكرا أنا ادل طريقي
: طيب مثل ما تبي . . . . . أبتعد عنه وهو يلتفت كثيرًا عليه، بمُجرد ما أن دخل ناصِر للجهةِ الأخرى وعبر الطريق، تبعه الشخص على مسافةٍ بعيدة حتى لا يلحظه.
إتجه ناصِر بإتجاه شقتِه وهو يكرهُ كل خطوةٍ يخطوها في باريس التي أصبحت مدينة العذاب بالنسبة لقلبه، بثوانِي قليلة وصَل ليأت صوتُ العجوز المسن : ناسِر!!!
إلتفت ناصر بإبتسامة جاهد أن تخرج بإتزان : كيف حالك ؟
: أصبحت بخير، هل أخرجوك براءة ؟
ناصر هزَ رأسه بالإيجاب ليأتِ صوتُ المسَن متهلهلاً بالفرح : مُبارك . . لحظة هُناك رسائل كثيرة اتت إليْك من عملك
ناصر تنهَد ليمدَ يدِه ويأخذها، قلَبها بين كفيَه وكلها إعلانات و دعواتٍ إنضمام لبعض الإجتماعات والحفلات، وقعت عيناه على عنوان الجامعة التي تنتمي إليها غادة في وقتٍ سابق، ارتجفت حواسَه من الرسالة التي تأتِ بغير وقتها، ترك بقية الرسائل ليأخذ هذه الرسالة ويصعد للأعلى، فتحها قبل أن يصِل لشقته، فتح الباب ليُغلقه بقدمِه من الخلف، وقف بمنتصف الشقة والعالم بأكمله يدُور حوله بالكلمات التي يقرأها.
" أكتب لك بـ 2008 رسالتنا المستقبلية اللي أستهزأت فيها كثير يا ناصر وقلت بلا خرابيط وخليتِك تكتب لي رسالة بعد جهد عظيم، المهم صباح أو مساء الخير على عيُونِك يا ناصر يا زوجي و يا حبيبي، مرَ الحين 5 سنوات على زواجنا، عندنا بيبي ولا بعد : $ ؟ أتوقع بـ 2013 عندنا ولد يشبهك، أكثر شيء أحلم فيه وأتمناه يتحقق بالخمس سنوات الجاية، أننا نكون مستقرين بحياتنا وعندنا أطفال بالأسماء اللي نحبَها وأخترناها . . تذكر لمَا كنَا جالسين عند النهر واتفقنا على أسماء كثيرة، أتفقنا على نُورة إسم أمك الله يرحمها وعلى سارة و على ضيَ و دانَة، وأتفقنا بأسماء الشباب على سلطان و عبدالعزيز و ثامر على إسم أبوك . . كنَا دايم نقول نبي نحتفظ باللي نحبَهم في أطفالنا، أطفالنا اللي ما جوَ، تعرف شي يا ناصر، أنا ما أخاف أفقدِك، أخاف من الحياة بعد فقدِك كيف تنعاش! مرَة قلت لي تعرفين ليه العصافير تغني عندِك؟ تذكر الله عليك. تعرف إني بيومها ما نمت! ولا قدرت أنام، كنت أبي أطير وأطير من الفرحة، كنت أبي أصرخ وأقول فيه شخص مجنون قالي كلمتين ودَت قلبي بداهية، لو تدري وش كثر أفتخر فيك! لمَا يقولي عبدالعزيز أنك إنسان جافَ وحاد وثقيل بشكل ينرفز، أجلس أفكَر في تعاملك معي أحس إني إنسانة مميَزة وإستثنائية، أحس إني شيء عظيم بعيونك وهذا الشعور يكفيني والله، إذا وصلت لك الرسالة وكانت الظروف تمنعنا عن بعض اتصل عليَ، إذا كنَا متهاوشين وأعاندِك تراني كذابة وأبيك تراضيني، وإذا كنَا منفصلين رجَعني لعيُونك، وإذا ما عشت لهالوقت تعال لي بالصلاة، أحب دعواتِك وأحب ( الله يحفظ مكاني بقلب بنت سلطان )، الله يحفظ لي من علَمني الشِعر كيف يكون و الحُب كيف يكون، الله يحفظك كثر ما رددَت مع البدر " المحبة أرض والفرقآ أراضي والزمن كله ترى لا غبتِ ماضي، والله إني ما أشوف إلا عيونك، إن رحلت اليوم أو طوَل مراضي، قالوا العذال والعذَال مرضى، وش بلا حالك من الأشواق قاضي، قلت يهجرني حبيبي لين يرضى! علَموا الظالم ترى المظلوم راضي، جرَحوني في هواك وقلت أبشكي ماهو من جرحي ولكن لـ إعتراضي، وش عليَ لو قطعَوا لأجلك عروقي من رضى بالحُب يرضيه التغاضي "
22
. . . . . . . . . . . . . . ناصِر/ لِك في الهوَى ديرة ولِك في صدرِي مُلك.
أنتهت الرسالة بإسمها المزخرف على طرفِها " غادة "، لم يحدُث أيَ شيء من هذا، لم تأتِ نورة ولم تأتِ سارة، لم يأتِ سلطان ولم يأتِ ثامر، أنتظرناهما كثيرًا ولكننا لم نفلح، نسيتِ تمامًا من أكون! ولكنني لم أنساك! مازلت أحفظك عن ظهرِ حُب/غيب، مازلت أعرفك تمامًا مهما تلاطم موجُ الغياب عند أقدامِك، كيف يكون منظر الأحلام حين يقرأها شخصًا لم يُحقق ربعها؟ كيف يكون هذا المنظر مُفجعًا بهذه الطريقة؟ لم نسكن الرياض ولم نعيشُ بإستقرارٍ نحلم به، رحلتِ يا غادة منَي في الوقت اللي كان صوتِي يُرقِي قلبي بـ " أحبك "، رحلتِ منَي وأنا الذي أنتصفُ الأشياء معك ولم أستطع أن أنتصفُ قلبي لكِ، أنتِ لم تكوني النصف منِي، كُنتِ " أنا " بأكملي، وكان قلبي يسكُنك كما أنهُ قلبك، أضعنا الطريق، وأضعنا الحياة، لو أنني أملك دقيقتين أقف بها أمامك لأودَعك بما يليق، نحنُ لسنا منفصليْن ولسنا متخاصميْن، كيف أتواصلُ معك؟ لا أملك سوى صوتُك الذي ينمو بيْ، لا أملكُ سواه.
23
آمنت الآن أن لا عودَة، آمنت أن هذه الرسالة تأتِ بطريقة معزيَة، لم نحقق شيئًا طوال الخمس سنوات شيئًا، ماطلنا بموعدِ الزفاف وقضيْنا وقتنا بالخطط والأحلام ولكننا حين حققنا أول حلم أغتالونا بليلة فرحنا، هل أقول " رحِم الله قلبًا تربَى على حُبك، أم أقول سامح الله الطُرق الذي لم تدلَك علينا ( أنا وقلبي ) ؟ أم أقول لنا الجنَة، لنا الآخرة نحنُ الذين لم نفلح بالدُنيا ؟ "
3
توقف عن التفكير إثر الإختناق الذي واجهه من كفٍ يجهلها، حاول أن يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادةٍ مُخدَرة أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يدِه بين أصابعه.
15
تنهَد الآخر ليتصِل ويأتِ صوته صاخبًا : بسرعة تعال شيله معايْ
4
،
لم يتحدَث بشيء، كان يُريد أن يسمعها فقط، ينظرُ إلى عينيْها طويلاً دون أن يمَل، مازال تحت وقع اللاإستيعاب، يُجاهد أن يُفكر ولكن لا تفكيرٍ يطفو على سطح عقله، كل ما يفكِر به الكلمات التي تتوافدُ من عينيْها.
يالله هل ما أراه حُلمًا؟ يالله لا تفجعني بهذه الأحلام، لا تُفجعني بعينيْها! أحتاج لأيامٍ متواصلة حتى أُصدَق أن هذا الصوت حقيقيًا وهذه العينيْن حقيقة، أشعُر أنَي أفقد عقلي، أًصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! السخرية التي تجعل حتى الحقيقة محضُ جنون بدلاً من أن يكون الخيال محض الجنون! يارب كيف لهذه العينيْن أن تغيب عنَي كل هذه المدَة؟ كيف لم أنتبه لأفعالهم معي؟ عندما علَمني والدِي العفُو هل كان يعرف أن هُناك اشخاص لا يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تنظُر للحال الذي وصل به إبنِك، لو يأتِ منك عناقٌ واحد والله لصلحت الحياة بعينِي.
غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك
عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟
غادة : يطمَني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مرَة ما نام يومين وقام يهذي فيك، كان يبي يكلمك بأيَ طريقة بس ما كنت ترد يا عبدالعزيز
عبدالعزيز بضيق : تعبان؟
غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . . مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض الأشياء وأحس فيه، والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت أتذكر شي يربطني وياه
عبدالعزيز : ما تتذكرين أيَ شي بعد الحادث ؟
غادة : لا، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر
عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير
غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مهَد لي بشي كنت محتاجة أشوفك! كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره
↚
عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . .
غادة تلألأت عينيْها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر آخر أيامهم، ودَي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل
عبدالعزيز : كلنا كنَا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما انتظرناها
غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح لحزن! . . .
عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟
غادة شتت نظراتها ليندفع الدمعُ على خدَها الناعم : كثييير يا عزيز . . . . بس تغيَرت كثير! أحس وجهَك متغيَر مرة
عبدالعزيز بصوتٍ يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي لا تغلط! بس ماعرفت أنتبه لأفعالي! ماعرفت أيَ غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني ويا كثر ما قلت الموت قرَب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر فيني هالأمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! لا أنا نمت ولا ناصر، جلسنا نفكَر وش الشي اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنَا ندري إنك تشاركينا السما! . . .
غادة أقتربت منه لتُقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أبكِيك . . يا جعلني ما أبكِيك يا أخويْ
عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . .
غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أيَ مكان . . خلنا نترك كل شي هنا ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره
عبدالعزيز : حتى ناصر!
غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟ هو قبل لا يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!!
عبدالعزيز بحدَةِ صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد!
غادة : بس . . . بس هو ما سوَا شي
عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع ذلك ما قالي!!!!
غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان يصارخ و يعصَب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . . والله ما نام وكان يهذي فيك!
6
عبدالعزيز عاد لصمتِه المؤذي، لنظراته المُشتتة، لحزنه العميق الذي لا ينفَك عنه، وصل أقصاه من هذا الوجَع.
غادة تأملت الشقة المتغيَرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتَد لدقائق طويلة : مين اللي كانت معاك ؟
عبدالعزيز دُون ان ينظر إليها : زوجتي
غادة تجمدَت حواسَها بما في ذلك عينيْها : زوجتك!!!
عبدالعزيز تنهَد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟
عبدالعزيز : وأثير بعد
غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟
عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : تزوجت ثنتين!!!!
28
عبدالعزيز تنهَد بضيق يختنق منه : إيه
غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟
عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟
غادة إبتسمت لإبتسامته لتضربه على كتفه بخفَه : نذل! حارمني من هالإبتسامة!!!
عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته
غادة مازالت الإبتسامة تُزيَن محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟
عبدالعزيز : ما صار شي مهم
غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزوَج! قولي الأشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها
عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنَك كان جتَ
غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟
عبدالعزيز : رتيل
غادة : من وين تعرفها؟
عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن آل متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف عنه
غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟
عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي
غادة : أتذكر الأشياء القديمة قبل لا أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر منها شي
عبدالعزيز وبفرطِ اللاتصديق الذي يُصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . . خلينا نصلَي أخاف يصير لنا شي
5
غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلَة، توضأت بجانبه ورُغم أنه على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي علَمه أن يبقى على وضوءٍ دائِمًا، توضأ مرةً أخرى، ثوانِي قليلة حتى أنتهيَا.
مدَ لها جلال الصلاة و فرش السجادةِ بالعرض، كبَر بنبرةٍ جعلتها تتأخر بقراءة سورة الفاتحة، بنبرةِ والدها تمامًا، النبرة التي لا تغيبُ عنها أبدًا.
نزلت دمعةُ يتيمة وعينيْها منخفضتيْن، تجمدَت تمامًا من أيَ فعلٍ وعُقِد لسانها بالحنين الذي تغصَ به، في جهةٍ أخرى لم يستطع أن يُنهي الفاتحة، غصَ بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم "، مضت دقائِق كثيرة على وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتشكَل كبقعة، من بعدِها ركَع، رفعَا من الركوع معًا، " الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه " سجَدا وبالسجُودِ أضطربت المشاعر، لم يكُن من الغريب أن يُطيلان هذا السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم.
7
بقلبٍ يبتهَل " اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والشكِر، يارب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَ وأن أعمل عملاً صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك من عبادِك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز حُزني بالتقرب إليْك، يا رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا و أهوائها، يارب أحفظها بعينيْك التي لا تنام، يارب أرحمها برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحيم يا منَان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها ولا ترني بها مكروهًا، و أجعل حُزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالديَ . . . . –( أختنق بدمع صوته، ليست عيناه وحدَها من تتحشرج بالدمع، هُناك قلبٌ يبكِي ببحَةٍ تعبرُ صوته، وهُناك نبرة تتبلل بالبكاء ) . . أغفر لوالديَ وأرحمهما، يارب آنس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجازِهم بالحسنات إحسانًا، اللهم لا تجعل آخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم لا تجعل آخر لقاءنا في الدنيَا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظلِ عرشك يوم لا ظِل إلا ظلِك "
رفع من السجود وعينيْه محمَرة، رفعت معه، ثوانِي قليلة حتى سجدا السجدة الثانية، تتصِل أرواحهم بالدعاء، ردَدت بعد الحمد " اللهم أحفظ عبدالعزيز و طهَر قلبه من حُزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز ولا ترني به مكروهًا، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من شرَ هذه الدنيا و همَها، اللهم لا تجعل له همًا إلا فرجته ولا غمًا إلا كشفته ولا ذنبًا إلا غفرته، اللهم لا تجعل الدُنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا، اللهم يا كريم أغفر لوالديَ وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أرحم هديل رحمةً واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قلبِ عبدالعزيز الذي بجانبها، شدَت على السجادة حتى لا تنهار ببكاءها، أشتَد دمعها.
12
أشتقت لعناق هدِيل و لذَة إسمها بالنداء، أشتقت لإبتسامتها و لضحكتها، أشتقت يالله إليْها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب لا تُرهقني بإشتياقي ولا تُحزنَي، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها وتجاوز عنها.
4
،
الساعة تصِل للثالثة فجرًا ولا يخرُج أحدًا من غرفة العمليات يُطمئنه، يسير ذهابًا وإيابًا وعقله يتشوَش بكل دقيقةٍ تمضي، ولسانِه يُردد " يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا "
رنَ هاتفه ليُجيب : ألو
يوسف : وش صار؟
منصور : إلى الآن
يوسف بدهشة : 4 ساعات وإلى الآن!
منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما بعد عرفوا مين!!!
يوسف : يارب بس
منصور : شلون هيفا ؟
يوسف : توَها نامت الحمدلله
منصور تنَهد : الله يلطف فينا ولا يفجعنا
يوسف : آمين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتطمَني
منصور : إن شاء الله
يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه.
سمع صوتُها ليسرع بخطواته إليْها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . . بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني
هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكسرُ أيَ قلبٍ يراها، شهقَت حتى أختنقت، يوسف بضيق رفعها ليُجلسها، طوَق وجهها الباكي بكفيَها : أشششش خلاص . . . هو بخير توَ كلمت منصور
هيفاء بفزع نبرتها : يوسف
يوسف : سمَي
هيفاء بأنفاسٍ مضطربة متصاعدة : تكفى ودَني للمستشفى . . تكفى . . تكفى
يوسف : بودَيك بس مو الحين . .
هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح
يوسف بتوتر : طيب بوديك بس منصور راح بسيارتي، بودَيك تطمَني . . .
هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟
يوسف : لا تفكرين بسلبية! خلاص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي بيفيده الدعاء
هيفاء بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب لا ترينا مكروه فيه . . يارب لا تُرينا مكروه فيه
،
يجلسُ عبدالله أمام سلطان بجانب الضابط الذي يُحقق بمسألة فيصل، سلطان : الساعة 10 و 45 دقيقة تمت الحادثة و العامل اللي كان موجود في الحيَ قال أنه فيه شخص دخل ما يسكن الحيَ وهو الوحيد اللي كان داخل في ذاك الوقت، دخل الساعة 8 و فيصل وصل بيته الساعة 10 . . ليه أنتظر 45 دقيقة ؟ وليه أصلاً جاء من بدري إذا كان هو مراقب فيصل ويعرف مواعيد شغله!!!
عبدالله بإرهاقٍ يستنزفه : ممكن عشان محد يشكَ!!
الضابط : تعرف يا بو بدر الطريقة اللي تم الإعتداء فيها على فيصل جتَ بصورة سريعة ولو حطينا سيناريو للي صار، بيتضح أنه المرتكب هرب من الناحية الشمالية عكس مكان دخوله من الناحية الثانية، لأن أقدامه وطَت الزرع وواضح الأثر على الرصيف كان متجه للشمال، وسوينا نقطة تفتيش في الطريق العام لكن ما وصلنا لشي هذا يعني بعد أنه المرتكب جاء بدون سيارة! وتخبَى!!
عبدالله تنهَد : الحيَ اللي يسكنه فيصل جديد لو تخبَى فيه بدون لا يروح للطريق العام بتكون في البيوت اللي ما بعد انسكنت
سلطان : صح! يمكن حتى يبعد الشبهات يكون موجود بالحيَ
عبدالله : أنا أقترح أنكم ترسلون القوَات للحيَ ويفتشونه بيت بيت
الضابط : أبشر . . . عن إذنكم دقايق . . . . خرج
سلطان : أقص إيدي إذا ما هو سليمان الغبي، أنمسك من رائد بس الكلاب اللي هنا للحين ما يدرون وش صاير! حيَ من يمسكني إياه والله ما أخليه فيه عظم صاحي لأطلَع حرة هالسنين فيه
عبدالله : واثق أنه سليمان ؟
سلطان : إيه لأن رائد أصلاً ما يدري عن فيصل، يارب بس تلطف ولا يصير فيه شي . . ( وبسخرية يُكمل ) ويوم كلَمت الغالي طلع يدري عنه فيصل وهو اللي قاله يجينا ذاك اليوم قبل عرسه، وقالي أنه الحمير الثانيين بعد مخططين على ناصر! لو يصير شي في ناصر بعد! مدري وش أسوي ساعتها؟ يمكن أقطَع ملابسي
10
عبدالله : دام صار كل شي على المكشوف إن شاء الله بتنحَل بس المشكلة بعيالنا ولا كل شي يهون
سلطان : أنا بس لو أتطمن على عبدالعزيز وغادة و بنات عبدالرحمن كان قدرت أتصرف مع ******
14
عبدالله بعقدة حاجبيْه أحتَد صوته : سلطاااان!!!!
سلطان إبتسم بسخرية : صاير لساني وصخ من الناس الوصخة اللي أتعامل معها
3
عبدالله : طيب هدَي شويَ، ماشاء الله عليك ما تعبت من السب والحكي!!
سلطان : ولا راح أنام الليلة بعد لأن لساني موب راضي يهدآ
عبدالله بضحكة يحاول أن يُخفف هذا الحزن الذي يصيبه على فيصل : كأنه يرضى يهدأ في الأيام العادية
سلطان أنحنى بظهره ليضغط على رأسه بكفيَه : لمَا كنت أقول لعبدالرحمن عن سلطان العيد ما كان يصدقني ويقولي أنت تبي تتهم وبس! وشوف وش صار!!!! قلبي كان حاس أنهم يشتغلون من ورانا،
عبدالله : وش شعورك لو أنحَل هذا الموضوع بعد الله بفضلهم؟ ماراح تحسَ أنهم قدموا خدمة عظيمة لك؟
سلطان بغضب : والخساير اللي صارت لنا من يرجَعها؟ لا تحسسني إنهم مسوين خدمة! هم ما خدمونا هم ضيَعونا
3
عبدالله : ماراح تفهم أيَ شي طول ما انت معصَب كذا!!
سلطان وقف : طمَني إذا صار شي هنا وأنا بشوف عبدالرحمن عشان نشوف ناصر بعد قبل لا يصير له شي!
عبدالله : طيب . . وطمَني عليكم بعد
سلطان : إن شاء الله . . بحفظ الرحمن . . . . . خرج ليسير ناحية سيارته البعيدة جدًا عن مركز الشرطة، ثبَت السلاح في خصره بعد أن خرج من مكانه قليلاً، اقترب من سيارته ليصطدم بإحدى الأشخاص، سلطان دون أن ينظر إليه : عفوًا . . .
فتح باب سيارته ليلتفت إلى الورقة المعلَقة على الشباك، عاد خطوتين للخلف ليصرخ على الرجل بـ " هيه " ، ركض الرجل ليُخرج سلطان سلاحه ويركض خلفه، أشتدَت سرعة سلطان متجاهلاً التعب الذي يمَر فيه هذه الفترة، رمى الرجل لوحةً مهتزة لتُعيق طريق سلطان في ممرٍ ترابي ضيَق بعيد عن الأنظار في هذه الساعة المتأخرة، قفز سلطان ليتبعه، سقط السلاح منه، تركه على الأرض ليقترب منه، دفعه على الجدار بكفيَه ليضرب ظهره بقوَة، إلتفت الرجل إليه، لكمه سلطان على عينيْه ليقاوم الرجلُ بقدمِه الذي ضربته بموضع جرحه، كتم سلطان أنفاسه ليقاوم الألم الذي أتى من هذا الجرح الغير ملتئم، لكمه بحدته/قوته، ليسقط الرجل على الأرض، سلطان بصوتٍ يتسارع بالأنفاس : تهددني قدام عيوني! وقدام مركز الشرطة بعد!!! شفت مجرمين أغبياء بس مثلك تأكد ما بعد شفت!!! . . . . شدَه ليقف، لوى ذراعه خلف ظهره ليصرخ الرجل من الألم : مين مرسلك ؟
↚
آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
زاد بإلتواءه سلطان لتزداد صرخاته، صرخ سلطان بقوة : مين؟
: سليمااان سليماان
سلطان : أنا أعلمك وش صار بسليمان! الأخبار بعدها ما وصلت لكم! للحين تنفذون تخطيطاته الغبية . . . قدامي لا أفجَر فيك الحين
بدأ بالمشي أمامه وعندما مرَ من السلاح أنحنى سلطان ليأخذه وتأتِ قدمُ الرجل الآخر بإندفاع عند أنفِ سلطان ليُسقطه، جنَ جنونه من جرأة الذي أمامه عليْه وهو الذي لم يعتاد أن يتجرأ عليه أحد، بجنون ركض إليه ليمد قدمِه ويُسقطه، أمتَد العراكُ من طرف واحد وهو سلطان لمدَة دقائِقٍ طويلة، أفرغ كامل قهره بجسدِ الرجل الذي يُقابله حتى أمتلىء بالجروح والدماء، وقف ليُخرج هاتفه : عبدالله أرسلي إثنين من عندِك، ورى المركز فيه أرض فاضية على جهة اليمين ممر خل يجون بسرعة
عبدالله : صاير شي؟
سلطان : بجيك الحين وأفهمك بس خلهم يجون بسرعة
عبدالله : طيب . . أغلقه ليُخفض رأسه حتى يوقف النزيف الذي يُصيبه إثر ضربة الرجل على أنفه، ثواني قليلة حتى أقتربا شرطيان.
سلطان : شيلوه ودوه المركز . . . . تبعهم ويمَر في باله حين قرر أن يُغيَر الثوب باللباس العسكري المُعتاد، لم يعرف سببًا واضحًا في عقله لرداءه الآن ولكن شعر بحكمة الله ورحمته حين أرتاده وإلا تمكَن منه هذا الرجل بسهولة.
أعاد السلاح لموضعه بجانب قبعته التي نادرًا ما يلبسها، بعد ثواني معدودة دخل للمركز ليقابل عبدالله.
عبدالله نظر لملامح سلطان بدهشة : وش صار؟
سلطان : خلني أجلس نشف ريقي الله ينشف ريق العدو . . . . دخل للغرفة ليُفرغ كأس الماء في فمِه : تلومني لا قلت لك أنهم حمير وأغبياء! سبحان الله حتى الضعفاء يقدرون بذكاءهم يصيرون خطريين مثل سليمان! لو فيه خير ما تخبَى بأسماء مستعارة وما ضرب روسنا ببعض! لكنه جبان قدر يخدعنا لأنه يدري أننا نقدر بسهولة أننا نمسكه
عبدالله : عز الله ماهو رائد اللي قدام عيونك يهددك!!
سلطان تنهَد : الحين يحققون مع هالكلب ونشوف وش عنده! غصبًا عنه يطلَع علم فيصل ولا أنا اللي بحقق معه
عبدالله : يا خوفي بس تدخل ورى فيصل من تهوَرك! . . . أقترب منه بحنيَته المعتادة ليمسح جرحًا بسيطًا على جبينه
سلطان : جرح بسيط
عبدالله بإنفعال : أنت لو تجلس بين الحياة والموت تقول حادثة بسيطة!!!
10
سلطان أستند بظهره على الكرسي : لا حول ولا قوة الا بالله
عبدالله عاد لكرسيْه : إيه تعوَذ من شيطانك وخلَك هادي شويَ عشان نعرف نفكر . . توَ متصل على منصور ويقول للحين بالعمليات
5
،
يدخلُ بخُطى خافتة ضائِقة، إلتفت عليهما ليُجاهد على إبتسامةٍ يقمعها الحزن : زين انكم صاحيين
ضيَ : كنَا ننتظرك
عبدالرحمن بلل شفتيْه بلسانه ليشدَ على شفته السفليَة بتنهيدة تشرحُ حزنه بشكلٍ أوضح : طيب لازم نطلع من هنا بأسرع وقت! . .
عبير عقدت حاجبيْها : وين بنروح ؟
عبدالرحمن : بودَيكم لفندق ترتاحون فيه أكثر . . . يالله حبيبتي مانبي نتأخر
عبير وقفت : طيَب . . ماعندي شي أجيبه
ضيَ : إلا! جاب نايف كل أغراضنا لهِنا من غبتي
عبير إلتفتت عليها : كويَس! كنت أحسب أغراضنا هناك . . أجل يبه أنتظر شويَ بس . . ودخلت للغرفة الأخرى
ضيَ أقتربت منه وبخفوت : سألتني عن مقرن وما جاوبتها خفت تنفجع فيه
عبدالرحمن : زين سويتي! أنا بقولها بنفسي
ضيَ : طيَب، صار شي اليوم بعد؟ عيونك تعبانة
عبدالرحمن : من قلَ النوم لا تهتمين . . . رتبي أغراضك بسرعة وبنتظركم برا . . .
ضيَ : إن شاء الله
خرج عبدالرحمن ليشدَ على معطفه وكل زفيرٍ يختلطُ ببرودةٍ بيضاء، يستنشقُ هواءً نقيًا وتفكيره يتشتت بأكثر من شيء، يتوسَطُ أفكاره " رتيل و عبدالعزيز ".
ما دعانِي الحُزن يومًا كما دعاني على بناتي! ولم يُصيبني الوجَع بعمقٍ كما أصابني به " عزيز "، أنا الذي صبرتُ واصطبرت حتى تغلغل البياضُ في رأسي، لم أستطع أن أصطبر على حُزنٍ يجيء من عبدالعزيز، ليته يعلم عن مكانته في قلبي وهو إبنُ رجلٍ مارستُ الحياة بأكملها بجواره، ليتهُ يعلم أن لهُ في القلب موضعٍ لا يُشاركه به أحدًا، لا تُحزنَي أكثر يا ( ولدِي )، لا تُحزني وأنا أمتلىء بالغمَ/الضيق، لا تُحزنَي عليك ولا على رتيل، إننا يالله في ذمَة الحزن موقوفين، اللهم نطلبُك الفرج.
6
من خلفِه يأتِ صوتُها الناعم الذي تتبعه الرجفة من البرَد : عبدالرحمن
إلتفت : أركبُوا بيوصلكَم نايف وراح ألحقكم
عبير ضاقت عينها من فكرةٍ أرجفت قلبها : ليه ماتجي معنا؟
عبدالرحمن : عندي شغلة بسيطة يا يبه أخلصها وأجيكم
عبير : طيب . . . مشت خطوتين لتلتفت عليه، أقتربت منه لتعانقه وهي تقبَل رأسه.
لم يكُن عناقًا عاديًا، كان يُدرك تمامًا أن عبير شعرت به، شعرت وكأنهُ يفارقهما، بحركته الدائمة لها الذي تُعيدها لسنين ماضيَة، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليعانقها بشدَة.
37
عبير بضيق : خلَك معنا
عبدالرحمن : بكون معاكم إن شاء الله
عبير سقطت دمعتها على كتفه : يبه
عبدالرحمن : يا روح أبوك
عبير : لا تتركنا
عبدالرحمن قبَل جبينها ليُنزلها، مسح ملامحها بإبتسامته الصافية من أيَ شحوب : ليه تقولين كذا؟
عبير ببحَة : لأنك قلت بوصلَكم بعدين قلت بلحقكم! يعني صار شي
عبدالرحمن : ما صار شي بس أنا ماكان قصدِي بوصلكم بالمعنى الحرفي، قصدِي بكون معاكم . . يالله يبه لا تبردين
عبير : لا تتأخر
عبدالرحمن : أبشري
عبير قبَلت جبينه مرةً أخرى والدمعُ يتدافع عن عينيْها، قلبها لا يطمئن، شعورها الداخلي الذي يخبرها بأن مكروهًا سيحصل لا يُفارقها، تنهدَت لتدخل السيارة.
6
ضي بربكة : لا تخبي عليَ!!
عبدالرحمن يقترب منها ليقبَل رأسها وهو يُطيل بقبلته ويأخذُ نفسٍ عميق يستمدهُ منها : مو صاير شي! . . أنتبهي على نفسك
1
ضي رفعت عينيْها إليْه : جد؟
عبدالرحمن : جد
ضي : طيب لا تطوَل علينا
عبدالرحمن : إن شاء الله
ضيَ خلخلت أصابعها بأصابعه لتشدَ عليها : ماراح أنام لين تجي
1
عبدالرحمن : ماراح أطوَل
ضي إبتسمت : إن شاء الله . . . بحفظ الرحمن . . . تركت يدِه لتدخل السيارة وتجلسُ بجانب عبير، همس : استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه . . . . راقب بعينيْه السيارة حتى أبتعدت.
أعطى الرجال الذين ينتظرونه ظهره ليقابل البيت، أخفض نظره ليتجمَع الدمعُ ويخون صلابتِه التي ظهرت أمام الجميع، خانته قوَته، كان سهلاً عليه أن يتجاوز هذا الحزن ولكن شعور عبير المتوجس الذي تدفَق ناحيته زادهُ أسفًا وإنكسارًا، كان سيكون سهلاً لولا كلماتي الكاذبة التي قُلتها، وأنا أعلم تمامًا بأنه من الصعب أن أعود إليهما اليوم! سأرددها كثيرًا لم أشعرُ بحزنٍ طوال حياتي كخُزني في هذه الفترة، ولم أشعرُ بأنني منكسر مُفلس إلا خلال هذه الأيام.
من خلفه : نروح يا بو سعود ؟
2
عبدالرحمن بلع غصتَه دون أن يلتفت إليه : إيه
مسح على وجهه ليضغط على عينيْه، اللهم أرحمنا وصبَرنا.
في جهةٍ اخرى أضطرب صوتُها : حاسَة فيه شي!!
1
ضي : بيجينا يا عبير وماراح يطوَل! تعرفين أنه كلام أبوك وعد
عبير : ماراح أنام لين يجي
ضي : قلت له نفس الحكي وقالي ماراح أطوَل . . أنا تطمنت دام قال أنه ماراح يطوَل وبيجي
عبير بوسواسٍ لا ينفَك عنها : أخاف صار برتيل شي
ضي : بسم الله عليها! لا إن شاء الله مو صاير لها شي دامها عند عبدالعزيز
عبير تنهدَت بوَجع : كم صار لي ما شفتها؟ ودَي أشوفها وأرتاح، أول مرة يصير فينا كذا تمَر أيام وأسابيع مانشوف بعض . . .
2
،
ببكاءٍ يستطيلُ بعينيْها وقلبُها يرتعبُ من هذا المرض، على سماعة الهاتف صوتُها يقطعهُ الوجَع كثيرًا : ليتني ما فحصت ولا عرفت! ليتني ما دريت بكل هذا
11
سارة : تعوَذي من الشيطان . . خلاص مو صاير الا كل خير، بكرا روحي وقابلي الدكتور
أثير : ماأبي أطلع مكان ولا أروح! أنا من قريت التحليل وأنا أحس قلبي بيوقف! خفت من كل شي وخفت أقول لعبدالعزيز . . .
سارة : يمكن ماهو خطير مثل ماأنتِ متصوَرة، ويمكن أنتِ فاهمة غلط! . . أنا أقول روحي بكرا وشوفي بنفسك
أثير ببكاء : ليه ما تفهمين! أقولك مرعوبة وقلبي يرجف من الصبح، وتقولين لي روحي للدكتور! تبين قلبي يوقف عنده إذا قالي!!! . . . ياربي أنا وش سويت؟ . . وش سويت!!! . . ينخفضُ صوتها تدريجيًا بالحزن.
سارة أشفقت عليها لتُردف : أثير يا قلبي لا تبكين كذا وكأنك بتموتين!!! كل شي له علاج
أثير : تخيَلي قريت أنه اللي تضعف عنده عضلة القلب يكون معرَض للموت المفاجىء
18
سارة بعصبية : يختي لا تقرين من النت وتوسوسين!!! بكرا تروحين وغصبًا عنك وتكلمين الدكتور وتشوفين وش السالفة!
أثير : ياربي يا سارة أقولك ماأبي أطلع مكان! بجلس بغرفتي لين يحلَها ربَك
سارة : منتِ صاحية!! تبين تذبحين نفسك! وش فيك يا أثير أنقلبتي فوق تحت عشان تحليل!!! طيب روحي وتأكدي .. بأعرف كيف قدرتي تقرينه وفهمتيه؟
أثير : واضح ما يحتاج! . . . وبغضب . . . حتى عبدالعزيز ما كلَف يتصل ويسأل فيني شي ولا لا!
سارة : حوَلتي على عبدالعزيز الحين!! شكلك بتمسكين كل الناس اللي بحياتك وتنتفينهم الليلة
4
أثير بضيق : يعني سارة يرضيك!! صدق ما أبيه يعرف بس يحسسني بإهتمامه شويَ!!! ياربي خايفة حتى أنام! أخاف ما أصحى
1
سارة بغضب : يالله يالله!!! وش هالكآبة اللي عيَشتي نفسك فيها!! أنا من الصبح بجيك وبسحبك لين المستشفى وبتشوفين
أثير بدمعٍ لا يجف ولا ينضبَ : ياربي وش أسوي
1
سارة : اللي تسوينه إنك تنامين الحين وبكرا الصبح نروح المستشفى ويشرحون لنا كل شي
أثير أغمضتْ عينيْها بعد أن أرهقت نفسها بالبكاء طوال اليوم : تهقين هذا عشان كذبت على عبدالعزيز؟ أخاف دعت عليَ رتيل؟
17
سارة : يوه يا أثير تحسسيني أنه رتيل منزَهة ما غلطت عليك أبد! خليها تولَي وماعليك منها . . . زين يسوي فيها لو يقطَعها تقطيع حلال
15
أثير بقهر : تسوي نفسها بريئة وهي من تحت لتحت!! لو شفتيها يا سارة كيف هددتني ذاك اليوم!! و ربَك خلتني أرتبك، عيونها شي مو طبيعي!! حسيتها بتذبحني!!!
4
سارة : وتقولين دعت عليك!! خليها تولَي بس . . أنتِ أرتاحي ولا تفكرين بأيَ شي لين تطلع الشمس وأروح معك المستشفى
،
بغضبٍ يُضيء عينيْها بالدمع، تحشرج صوتُها وهي تصرخ بـ " ليه ؟ "، أكبرُ من إحتمالاتي يا أمي، وأقسى كثيرًا مما أظن، كنت غبية بما يكفي حتى أصدَق كل هذا، كنت حزينة بما لم يستوعبهُ قلبي حتى أُحجب عن حقيقةٍ مثل هذه! مرَ عامًا على وفاةِ فهد، شعرتُ بأني كبرت فجأة دُونه، أنا التي شعرت بأنني طفلته مهما مضى العُمر، منذُ وفاته وأنا يُصيبني حزنًا تلو حزنْ لأن لا أحد يحميني بعد الله على أرضِه، كان هُناك شخصًا يُدعى فهد يا أمِي يحميني! ولكنهُ رحَل و لم تحميني أنتِ يا أمي.
والدتها : وهالحتسي طبعًا من يوسف!!
مُهرة بقهر : كل شي يوسف!! ليه أنا ماعندي عقل أفكر فيه . . . ليه يمه!! بس قولي لي ليه؟
والدتها : لا ليه ولا شي! اقطعي هالسيرة قبل لا أقطع لسانتس
مُهرة : يعني ماتبين تقولين لي؟ يعني كلامي صح؟
والدتها بغضب : مُهرة!!!! أحتسي بنغالي أنا!!
مُهرة برجاء : لا تسوين فيني كذا . . الله يخليك يمه طمنيني
والدتها بحدَة : إيه
مُهرة أرتجف قلبُها برجفةِ شفتيْها، نزلت دمعتها لتتضبب رؤيتها من الدمع : لا . . لا مستحيل
والدتها : من اليوم تحتسين وكلتس ثقة وهالحين تقولين مستحيل
مُهرة ببكاء : كنت أبيك تريَحيني وتقولين لا . . فهد مو كذا! فهد أشرف من كل هذا
والدتها بضيق : وهذا أنتِ عرفتي!!! أرتحتي الحين! الله لا يريَح له قلب يومه شحنتس ودخَل في راستس هالأفكار
مُهرة بإنفعال : لا تدعين عليه
والدتها : قلت أبي أحفظ لتس مستقبلتس لكنِن أخطيت يوم أعطيتتس له . . ماهو كفو
مُهرة لم تحملها سيقانها لتجلس على الأرض وهي تنخرط ببكاءٍ شديد : كذبتي عليَ! ليه يا يمه . . . ليه . . ليه تضيعيني كذا ؟
والدتها : ما ضيَعتتس! تبينن أقولتس عن سواد الوجه!! ما كنت أبي أهزَ صورته بعيونتس
مُهرة : شلون أحط عيني بعين يوسف وأنا أتهمته باخوه؟ شلون أحط عيني بعيونهم وأنا الحقيرة اللي خذت ولدهم وهي كذابَة!!!
والدتها : ومين قال أنتس بتشوفينه! خل يطلقتس الله لا يردَه
مُهرة ببكاءٍ يتصاعدُ في كل ثانية : ليه؟ ليه توجعيني كِذا؟ . . . ليه تسوين في بنتك كِذا؟
والدتها : لا تناقشينن بشي! أنهي هالسيرة ولا عاد تطرينها قدام أحد
9
مُهرة غرزت أظافرها بخذيْها وهي تتوجَع بحشرجةِ قلبها قبل دمعها : ياربي . . ياربي أرحمني
والدتها : يوسف ما يناسبتس! وأنا أخطيت يوم إني زوجتتس إياه!! . . وهالحين بيطلقتس!!
مُهرة : وكنتِ تبين تزوجيني منصور وتبيني أشاركه مرته وهو ماله ذنب! يا قوَ قلبك
والدتها : لا ما كنت أبيه تطمَني! كنت دارية أنه أخوه بيفزع له
20
مُهرة بصراخ : يمممه ليه . . ليه كذا ؟ حرام عليك
والدتها بغضب أحتَد بصوتها : ولا كلمة! تحاسبينن بعد! . . إن عرف احد بالموضوع والله يا مُهرة ما تلومين إلا نفستس . . . خرجت لتتركها تُصارع هذه الحقيقة التي تُبكيها بوَجعٍ عظيم.
3
مالذِي أفعله؟ مالذي أرجوه؟ كيف أواجه يوسف بعد كل هذا؟ أيَ ذلٍ قذفتيه يا أمي في قلبي! أيَ حُزنٍ دفعتيه ناحية صدرِي؟!! ليس من حقي أن أطلب العودة ليوسف، وليس من حقي أن أوافق على العودة، كل شيء ضدَي! كل شيء يُحزنَي، وكل شيء مصدرهُ أنت يا يوسف، كيف سأتجرأ على النظر إليْك ولعائلتك؟ بالنهايـة طريقنا سدَتهُ أمي، يالله! صبَر روحي على هذا الخواء، بنيْنا حياتُنا يا يوسف على خراب ولكنهُ خراب جميل، يا خرابي و يا حُزني، يا فرحي الذي بنيناهُ فجأة و أنهدَ فجأة! أتت الحياةُ ضاحكةً وغادرتني بصورةٍ سريعة، في وقتٍ بدأت أتغلب فيه على ما مضَى وأبدأ معك بدايةٍ صحيحة، بدايةٍ تجعلني أفكَر بأحلامنا المشتركة، ولكننا أنتهينا، " سقى الله موعدٍ(ن) جمعني فيك "
18
،
تحت الفراش، لم تتحرَك طيلة اليوم، منذُ أن رأت غادة الوجه الذي تجهله وهي تضطربُ بشعورها، تبللت الوسادة ببكاءها المستمَر، لا تدرِي لِمَ يُهاجمها الأرق في ليلةٍ مثل هذه!
هذا الشعور يالله يقتلني! يقتلني تمامًا، الوحدة التي أشعرُ بها والتي تُجرَدني من صمودِي/صلابتي، أحيانًا يجيئني شعور أنني حاضرُ عزيز و مستقبله ولكن بمثل هذا الوقت أشعرُ أن لا مكان لي في حياته، وقلبي أيضًا! بدأ ينسلخُ من هذا الحُب، قلبي الذي قرر أن لا يُسامحه، لو أنني أعود لحياتي السابقة، لم يكُن هناك همًا يُرهقني ولا حُزنًا يؤلمني، كم كان ثمنُ الأمنُ والأمان غاليًا ولم أستشعرُ هذه النعمة إلا الآن، لم أستوعبُ حجمها العظيم إلا في هذه اللحظات التي توحدَ اللاإستقرار بيْ.
على مسافةٍ بسيطة، تركها نائمة ليتأملها وهي تغفو على الأريكة، غطَاها لينحني ببطء ويقبَل جبينها، توجه لغرفته ليعود بخطواته ناحية الغرفة الأخرى، فتح الباب بخفُوت لينظر إليها، مُغطيَة جسدِها مع رأسها بأكمله، أقترب ليشعرُ ببكاءها، تنهَد ليجلس على طرف السرير بمحاذاةِ بطنها : رتيل
شدَت على شفتها السفلية المرتجفة حتى لا تصدر صوتًا، أبعد الفراش لتدفن رأسها بالوسادة، بصوتٍ يختنق : ما أبي أشوف أحد
عبدالعزيز : إن شاء الله بتشوفيني! . . . طالعيني
لم تُجيبه بشيء، كانت تختنق بوصفٍ لا توازيه الكلمات، رفعها وهو يشدَها ليُجلسها، طوَق وجهها بكفيَه لينظر لعينيْها التي تجرِي كالنهر : ليه كل هالبكي؟ هذا وأنا ما جيتك اليوم بشي ولا أحد ضايقك بشي!!
رتيل وضعت يدَها على يديْه حتى تُبعدها ولكن تمسَك أكثر : عبدالعزيز الله يخليك
عبدالعزيز : أوَل أفهم . . .
رتيل دُون أن تنظر إليه : ولا شي
عبدالعزيز يمسح دموعها بأصابعه ليُبعد تموجَات شعرها من على وجهها : رتيل
رفعت عينها إليْه، غرقت بمحاجره التي تعكسها تمامًا، منذُ أيامٍ طويلة لم ينظرُ إليها بهذه النظرات الحانية/العاشقة.
هذه النظرات يا عزيز ما سرَها؟ أتدرِي بما تُذكرني؟ بتلك اللحظة التي عانقتُك بها بكامل رضايْ، اللحظة الأولى التي أعترفتُ لك فيها فعليًا، ورحلت لتشغلني ليالٍ خوفًا عليك، كنت تودَعني بهذه النظرات وبجُملةٍ قصيرة " أنتبهي لي "، وهذه المرَة يا عزيز؟ لِمَ هذه النظرات؟
عبدالعزيز رفع حاجبِه : وشو يا رتيل؟
رتيل ببحة صوتها التي أخذها البكاء : تعبت . .
عبدالعزيز أبعد يديْه عنها، أخذ نفس عميق ليُردف : صلي ركعتين ونامي
رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء من ردَه الجاف، تُعاند نفسِك يا عبدالعزيز! تعاندها بشكلٍ لا يُطاق، كيف تقسُو بصوتِك وعيناك حانيـة؟ كيف تجعلني أعيشُ اللاإستقرار وصدرُك وطَن؟ كيف تقتلني بهذه الصورة البطيئة الساديَة؟ من أجل الله لا تُغرقني بهذا التناقض الإضطراب.
21
عبدالعزيز بردةٍ فعلٍ لا يُفكر فيها : وش تبين؟ أبوك؟ . . أبشري
رتيل رفعت نظرُها للسقف حتى تردَ هذه الدموع المنهمرة : أنت نفسك مو عارف وش تبي!!
عبدالعزيز : إلا، أبي أعيش! تعبت من هالمُوت.
رتيل بوداعٍ يعبرُ صوتها بطريقةٍ مختلفة عن ماهو مُعتاد لكلمات الفراق : تعرف شي . . واضح أنه الحياة قدامِك، إختِك جنبك و صديقِك جنبك و عندِك زوجتك أثير . . واضح كثير إنك بتقدر تتجاوزني يا عبدالعزيز! بس أنا من يردَني ليْ ؟ . . .
26
عبدالعزيز لوى فمِه ليُردف : أظن أنه حكيْك ماهو عتب!
2
رتيل بعينيْها المضيئتيْن، عضَت على شفتِها السفليَة : أعتب على حظَي
عبدالعزيز تنهَد ليصمت فترةً طويلة حتى نطق : مو قلتي إنك قادرة تنسيني؟ ليه تراجعتي عن كلامك؟
رتيل : إذا نسيت، قلبي كيف يهدأ ؟
5
عبدالعزيز تجمدَت حواسُه ناحيتها، جُملةٍ عصفت به في الدركِ الأسفل من لهيبِ قلبه، نظر إليها دُون أن يرمش، نظراتٍ كسرت حواجزٍ كثيرة نصبُوها معًا، أخذ نفس عميق يُجمَع فيه قوَاه ليُردف : الله يعوَضنا
رتيل إبتسمت من بين دموعها، إبتسامةٌ كانت سببها ( السخرية على حالها ) : آمين . .
عبدالعزيز وقف، يُدرك تمامًا أن دمعُها ذريعة للإنكسار، خرج ليقف في منتصف شقتِه.
إلتفتت لتنظُر لظله الممتدَ إلى الغرفة، لم تُسعفها الكلمات، ولكن أتت الأفعال مدويَة، التي تمتدُ من دمعٍ مالح و قلبٍ مرتجف. " كان لي حُبًا جميلاً وحياةً طيبَة، كان لي عزيزٌ على قلبِي وغادرني ".
19
على بُعدِ خطوات تسارع نبضِه بأنفاسٍ تضطرب تمامًا، سمع طرق الباب ليقترب، فتحه وعقد حاجبيه بإستغراب عندما رأى الحارس.
الحارس المُسن : أرجوك ( أزيز ) أُريدك ان تساعدني بحملِ بعض الصناديق
عبدالعزيز : في هذا الوقت ؟
2
الحارس هز رأسه بالإيجاب ليُردف : هو صندوق واحد
عبدالعزيز تنهَد، ليخرج ويغلق الباب جيدًا . . . نزل معه، تجاوز الطابق الأول لينظرُ للمكان الخالي تمامًا، إلتفت للحارس ولم يراه، ولم يُكمل إلفاتتهُ الثانية إثر الضربة التي أتت على رأسه وأسقطته، . . . .
28
،
خرجت شمسُ الرياض بخرُوجِ الدكتور المنهَك من هذه العمليَة الصعبة، اقترب منه منصور ومن خلفه والدِه الذي أتى منذُ ساعة : بشَر يا دكتور
الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا . . . .
23
،
نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق بـ " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد الجوهرة إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتـ . . . .
↚
المدخل لفاروق جويدَة :
لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه.. إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه.
قلبي وعيناكِ والأيام بينهما.. دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه..
إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه.. كل الذي مات فينا.. كيف نحييه..
الشوق درب طويل عشت أسلكه.. ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه..
جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا.. واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه..
مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي.. والعشق والله ذنب لستُ أخفيه..
قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني.. كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه..
يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني.. كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه..
حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا.. عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه..
مازال ثوب المنى بالضوء يخدعني.. قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه..
أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني.. ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه..
ولتسألي الليل هل نامت جوانحه.. ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه..
يا فارس العشق هل في الحب مغفرة.. حطمتَ صرح الهوى والآن تبكيه..
الحب كالعمر يسري في جوانحنا.. حتى إذا ما مضى.. لا شيء يبقيه..
عاتبت قلبي كثيراً كيف تذكرها.. وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه..
في كل يوم تُعيد الأمس في ملل.. قد يبرأ الجرح.. والتذكار يحييه..
إن تُرجعي العمر هذا القلب أعرفه.. مازلتِ والله نبضاً حائراً فيه..
أشتاق ذنبي ففي عينيكِ مغفرتي.. يا ذنب عمري.. ويا أنقى لياليه..
ماذا يفيد الأسى أدمنتُ معصيتي.. لا الصفح يجدي.. ولا الغفران أبغيه..
إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة.. قد ضل قلبي فقولي.. كيف أهديه
بالنسبَة لموعِد النهايـة، إن شاء الله أن البارت الأخير راح يكون بتاريخ 25 أبرِيل يوم الخميس بإذن الله الساعة 8 بليل أبغى الكل يكون مجتمع عشان نختمها على خير مع بعض :$
هذا يعني أننا راح نتوقف الأسابيع الجايَة لأن النهاية ماراح تكون بارت وبس؟ بتكون أكثر من بارت بإذن الله.
نقدر نقول أنه هذا البارت قبل الأخير ، + قراءة ممتعة .
نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتسقُط يدَها من على بطنها، نظرت إلى عينيْه بملامحٍ شاحبَة تفقدُ " الحياة "، في جهةٍ مُقابلة لها كانت عينيْه تلمعُ بالرجاء، كانت عينيْه أقسى من المُقابلة بوضوح.
تُركِي بهمس : الجوهرة
الجوهرة هزَت رأسها برفضِ ما تراه/الحقيقة، أعتلت يدَاها لتصِل لأذنيْها، هذا الصوتُ يؤذيني يالله، هذه النبرة " خطيئة " كيف أتجاوزها؟ تتكسَر الحياة يالله ولا يُرممَها في عيني أحدًا، أُريد دفن ما حدث بالماضي ولكنني لا أنساه، ثمَة شقاء لا يُفارقني يبدأُ بمن يُقابلني الآن، الخيبات تُفقدني ذاتي، تهزَ الساكن في يساري، كانت المرَة الأولى لكَ يا تُركي، والمرةِ الثانية فقدتني تمامًا عندما تخلَى عني سلطان، أنا أموت! أمُوت من حرقة صدرِي وبُكاءي.
تُركي دون أن يقترب منها، أبتعد للخلف أكثر، أضاءت محاجره بالدمع، رفعت عينيْها إليه لتُردَد بتكرارٍ موجع : أكرهك . . . أكرهك . . . أكره إسم العايلة اللي تجمعني فيك . .
تُركي برجاء يُقاطعها : لا تسوين كِذا
الجوهرة بصراخ أستنزف صوتها حتى جفَ بالبحَة : الله يحرقِك بناره . . الله يحرقك وينتقم لي منك
تُركي سقطت دمعته بضيق صوته : لا تدعين ..
الجوهرة ببكاء صرخت : يبـــــــه . . .
تُركي بتوسَل : الجُوهرة
الجُوهرة بإنهيار وضعت يدها على بطنها لتضغط بقوَة من صرخة الـ " آه " التي ضجَت أركان البيت.
تُركي سقط بنهرِ دمعه على " آهٍ " موجعة من بين شفتيْها : آسف
الجُوهرة بدمعِها المالح المضطرب : وش ترجَع لي آسف؟ بترجَع حياتي؟ بترجَعني لنفسي؟ . . وش تهمَني آسف؟
تُركي : آسف لأني حبيتك أكثر من أيَ شي ثاني
الجوهرة بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا بضبابِ رؤيتها : ما أنتظرت منك شي! ما أنتظرتِك تعتذرلي، مين تكون عشان أنتظر إعتذاره؟
تُركي : ما أبي أأذيك والله ما أبي أضرَك
الجُوهرة : وش بقى ما ضرَيتني فيه؟ . . يكفي! يكفي تكذب على نفسِك وتحاول تكذب عليَ!!!
تُركي : بس أنا . . .
تُقاطعه : منك لله
أرتفع صدرها بخشوعِ بكاءها ليهبِط بِوجَع، غصَت بالدمع لتتراجع بخُطاها للخلف، تجاهلت كل ألامِ بطنها، تجاهلت " الروح " التي تسكنُ رحمَها لتهرول سريعًا صاعدة الدرج، دخلت غرفتها لتغلقها أكثر من مرَة وهي تلفَ المفتاح بطريقةٍ مبعثرة، وضعت يدَها على صدرها لتبكِي بأنينٍ يؤذِي كل من يسمعها،
لا أتوهَم! عاد ليُحرق ما تبقى مني، كيف أعيش بين هذه الجُدران وهو ينظرُ إلى نفس السقف؟ أنا التي أنتقمتُ منك في البكَاء لله، كيف أتعايشُ معك؟ لو تعلم كيف حُزنِي لا يُغادرني وأنَك سببه، لو تعلَم بأن الحياة فلتت من يدِي لأنك / عمي، لم أكُون عروس لسلطان كما ينبغِي ولم أكن صبيَة لأبي كما يفترض، دائِمًا ما كان شعُور الفُقد يواجهني، فقدتُ قدرتي على الثرثرة طويلاً، السهر حتى الصباح بضحكاتٍ لا تنتهي، الجنُون الذي يعرفـهُ بحر الشرقيَة وشاطئها، فقدتُ قدرتِي تمامًا على العيش كصبيَة هواها شرقِي.
في جهةٍ أخرى، وقفت بتوتر : إلا صرخت! سمعتها يا عبدالمحسن والله
عبدالمحسن هرول سريعًا خارجًا من غرفته، إتجه ناحية غرفتها، طرق الباب ليصِل إليه بكاءها : يبه الجوهرة أفتحي الباب! . . . الجوهرة . . .
والدتها : الجوهرة تكفين أفتحي لا تخوفينا . . .
وقفت لتفقد سيطرتها على خُطاها، أضطربت حتى وقعت بشدَة على الأرض، وصَل صوتُ وقوعها إلى قلوبهم التي أرتجفت قبل أسماعهم، عبدالمحسن صرخ : الجوهـــرة!!!!! . . . . . أبتعد للخلف ليدفع بجسدِه ناحية الباب، كرر الحركة حتى أنفتح الباب وضرب بجسدِها مرةً أخرى، جلست والدتها سريعًا بجانبها، مسحت على وجهها : الجوهرة . . حبيبتي
عبدالمحسن بضيق يُبلل يديْه بالمياه الباردة ليمسح على ملامحها الشاحبَة، عقد حاجبيْه : يبه الجوهرة . . . بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . . . الجوهرة
تقدَم ريَان بخُطاه ليتجمَد أمام المنظر، وقف والدِه ليُردف : بشيلها . . . أنحنى ليتصلَب ظهره عندما وضع يدِه خلف ركبتيْها وتبللت بالدماء، والدتها بخوف إرتجفت شفتيْها : تنزف ؟
عبدالمحسن إلتفت لينظر لريَان : جهَز السيارة بسرعة . . . . ركض ريَان نحو جناحه، خرجت ريم من الحمَام وهي تُخلخل شعرها المبلل بأصابعها، نظرت إليه بإستغراب دُون أن تنطق بشيء وهي تُراقب خروجه المرتبك، سحبت مشبك الشعَر لترفع به خصلاتها، خرجت لتُصادف أفنان : وش صاير؟
أفنان بملامحٍ متوترة : الجوهرة أغمى عليها
ريم : بسم الله عليها ما تشوف شر . . يمكن عشانها ما كلت شي!
أفنان بضيق جلست على الكرسي : الله يستر لا يصير فيها شي ولا اللي في بطنها
ريم : لا تفاولين عليها! إن شاء الله مو صاير شي! تلقينه عشان قلة الأكل . . . . تنهدَت لتنزل للأسفَل، إتجهت ناحية المطبخ لتأتِ بكأس ماء لأفنان، مشَت بخُطى ناعمة هادئة وهي تغرق بتفكيرها، فتحت الثلاجة لتقف متجمدَة في مكانها وهي تستنشق رائحة العطر الرجاليَة الصاخبة، بلعت ريقها المرتجف لتلتفت، بصوتٍ مهتَز : آتـِي . .
دخلت الخادمة إلى المطبخ بعينيْها الناعِسة : هلا ماما
ريم : فيه أحد جا اليوم؟
آتي : أنا الحين فيه يصحى
ريم أخذت نفس عميق وهي تُخمَن صاحب هذه الرائحة، ليس ريَان بالطبع ولا والِده، سكبت نصف قارورة الماء في الكأس لتقترب من النافذة طلَت على الفناء الخارجي للمنزل وأفكارها تتبعثَر من إغماءة الجوهرة و صاحب هذه الرائحة.
صعدت لأفنان، مدَت لها الكأس : أشربي
أفنان : شكرا
ريم : العفو . . . أفنان بسألك وين طاحت الجوهرة؟ بالمطبخ؟
أفنان عقدت حاجبيْها : لا، بغرفتها
ريم : يعني ما نزلت ؟
أفنان : لا ما أتوقع! أكيد ما كان فيها حيل تنزل
ريم : توَ شمَيت عطر رجالي بالمطبخ وقلت يمكن سلطان جاء أو . . مدري
أفنان : سلطان!!! مستحيل وش يجيبه! وبالمطبخ بعد . . يمكن ريَان
ريم استسلمت من التخمينات لتتنهَد : عسى أحد بس يطمنَا
،
الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا نعوَض فقدانه للدم، لكن نزف كثير
منصور بضيق : يعني؟
الدكتور : الأمر بيد الله، تعرَض قلبه لمضاعفات كثيرة أثناء العملية، راح ننقله للعناية المركَزة و أسأل الله أن يشفيه
عبدالله : اللهم آمين . . شكرا يا دكتور
الدكتور : العفو واجبنا . . . تركهم بضجَة قلقهم و حُزنهم.
منصور إلتفت : وش نسوي الحين؟ كيف نقولهم؟
والده تنهَد : أنا رايح لهيفا . . الله يعين أميمته كيف بنقولها
منصور عاد للمقاعِد، جلس ليرفع عينه لوالده : أنا بجلس عندَه أخاف يصير شي . . على الأقل يكون أحد موجود
والده يربت على كتفِه : ولا تنسى تطمَني . . . فمان الله . . . خرج متنهدَا بحزنه.
يشحذُ القوَة من خُطى ذابلة على طريقٍ لا تهواه ساقه، رفع عينه لسماء الرياض المُشرِقة و السكُون يحفَها في ساعات الصباح الأولى، يالله لا تُفجعنا به وصبَر قلب والدته، يالله لا تفجعها به.
في جهةٍ بعيدة بدأت بالقفز وضحكاتها يُرَد صداها، نظرت ليوسف لتتسع إبتسامتها : يُو يُو
إبتسم يوسف لها ليمَد يدِه و هيفاء نائمة عليه، همس : تعالي
ريف ركضت نحوه لتُقبَل خده : ما جيت زمان !!
يوسف : هذا أنا أشتقت لك وجيتك وكنا ننتظرك تصحين أنا وهيفا بس هي نامت وخلتني
ريف : بروح أصحَي فيصل وأنت صحَي هيفا
يوسف : فيصل صحَى وراح لشغله وبيجينا . . قولي لماما أني موجود هنا
ريف إبتسمت لتركض بخُطاها نحو الأعلى : ماما . . . ماما . . . دخلت عليها لتجلس بجانبها على السجَادة، تنظرُ إليها بطريقة تأمليَة، سلَمت والدتها من صلاة الضحى : صحى فيصل وهيفا ؟
ريف : لا يو يو جاء
والدتها بحرج : ريف كم مرة أقولك عيب تقولين يويو !! إسمه خالي يوسف
ريف بضحكة عميقة أرغمت والدتها على الإبتسامة : أنا مو عيب حتى هو يقول
والدتها : يعني عادِي تقولين لفيصل فوفو
ريف ضحكت لتُردف : لا فوفو حق بنات بس هو صديقي
والدتها : طيب الكلام معاك ضايع . . . هو وينه؟
ريف : جالس تحت و هيفا نايمة
والدتها بإستغراب : نايمة تحت؟
ريف هزَت رأسها بالإيجاب لتُردف والدتها : وفيصل؟
ريف : راح
والدتها تنهدَت لتقف، نزعت جلالها لتمدَه لريف التي رتبته بطريقةٍ سريعة ووضعته فوق السجادة، إبتسمت والدتها : عفيَة على بنتي . . . خلينا ننزل أكيد الشغالة ما حطَت لهم شي
ريف تمدَ يديْها بإتساع : بنسوي كيكة كِذا كُبرها
والدتها : نسوَي كيك ليه ما نسوي! تآمر بنت القايد
نزلت للأسفل لتتجه للمطبخ بخفُوت، عادت ريف إلى يوسف : ماما بتسوي لنا كيكة كبييرة . . أنا قلت لها
يوسف بإبتسامة تُناقض وجهه المُتعب من السهر : شكرا كبيرة
ريف جلست بجانبه لتمَد يدها الصغيرة على جبين هيفاء : هيَا تعبانه؟
يوسف بلع ريقه بتوتر : ريف . . ممكن تجيبين لي مويا
ريف وقفت : طيب . . .
بمُجرد أن غابت ريف عن عينه، همس : هيفا . . هيفا أصحي
فتحت عينيْها على ملامحه، ثواني حتى تستوعب لتفَز وتجلس : أتصلوا؟
يوسف : لا . . . صحت ريف وأم فيصل . . مو زين تشوفك كِذا وتنفجع بولدها .. قوَي نفسك شويَ
أتت ريف لتمَد كأس المياه بعينيْن مستغربتيْن من حال هيفاء المبعثر وعينيْها التي تُحيطها هالة من السواد بسبب البكاء/الكحل.
أخذ الكأس ليمدَه لهيفاء : أشربي . .
شربت القليل منه ولحظة وقوع عيناها بعينيَ ريف بكَت محاجرُها، يوسف برجاء : هيفا
ريف : ننادي فيصل عشان ما تبكين ؟
أخفضت رأسها لتُغطي ملامحها بيديْها وهي تجهشُ بالبكاء من إسمِه الذي يعبرُ لسانها ببراءة، أنقبض قلبُها بشدَة الإسمِ الذي تفقدُ صاحبه، كان سهلاً علينا يالله لولا هذه الأسماء التي تُبعثرنا، التي تُطيل الوجَع في قلوبنا كلما مرَت أمامنا، مقطعُ إسمِك في هذه اللحظاتِ / ألم لا أَقدِر على ضمادِه.
كيف نمنعُ إسمك من العبور أمامنا بهذه الصورة المؤذية؟ كيف نُسكِت الحناجر من نطقه؟ لو تعلم يا فيصَل كيف يضطربُ بنا الحال بمُجرد أن تغفو عيناك بمرضٍ نجهله! لو تعلم فقط أننا نشتاقُك الآن ولا نحتملُ غيابك، حتى ريف يا فيصِل تُريدك بطريقةٍ ما، تُناديك بطريقتها، أحتاجُك " عشان ما أبكي ".
تنهَد يوسف : لا حول ولا قوة الا بالله . . .
ريف تجعَد جبينها الناعم بإستغراب : يويو . .
يوسف رفع عينه إليها : هيفا تعبانة شويَ عشان كِذا تبكي . . صح هيفا؟
فقدت قدرتها على الحديث وهي لا تنظرُ لشيءٍ سوى البكاء المُضببَ لرؤيتها.
ريف جلست بجانبها لتدمع عينيْها : قولها لا تبكِي! . .
يوسف مدَ ذراعهُ خلف كتفيْها ليسحبها إليْه، حاول أن يمتَص هذا الحُزن بعناقه، همس : أشششش! خلاص قطَعتي قلبي معك . .
ريف التي لم تفهم معنى الكلمة جيدًا نطقت : توجع قلبهم صح ؟
يوسف بإبتسامة : لا الحين هيفا بتقوم وتمسح دموعها و تساعد ماما بعد . .
وقف ليمدَ يدِه إلى هيفاء : قومي معي غسلِي وجهك من هالبكِي
مسكت يدِه ليشدَ عليها ويوقفها، توجه معها للمغاسل التي أمامهم، أتكئ على الجدار لينظر إليها وهي تُبلل ملامحها بالمياه الباردة : لا تسوين في نفسك كِذا! هالبكِي ماراح يعيد له صحته ولا عافيته!! تعوَذي من الشيطان ولا تنهارين وتفجعين أمه الحين . . . خلَيك قوية مثل ما أعرفك . . يالله يا هيوف لا تضيَقين صدري عليك
هيفاء أخذت نفس عميق : طيب
يوسف إقترب منها ليُقبَل جبينها : الله يصبَرك ويشفيه . . . روحي لأمه ومهدَي لها الموضوع . . وأنا بجلس مع ريف
أخذت خصلة واحِدة لتربط بها بقية شعرها، إتجهت ناحيَة المطبخ، رفعت أم فيصل عينها بإبتسامة سُرعان ما تلاشت عندما رأت ملامحها الشاحبة ومحاجرها المحمَرة، تقدَمت إليها وبردة فعل إنفعالية: بسم الله عليك . . وش فيك؟ صاير لك شي؟ مضايقك فيصل بشي؟ لا يكون قالك كلمة من هنا ولا هناك وتحسسَتي منها؟ توَ ريف تقولي أنه راح لشغله! أكيد مضايقك! أسمعيني هيفا يا يمه تلقين فيصل ما يقصد، خليه يرجع وأعطيه كلمتين بالعظم أخليه يعتذر لك! كل شي ولا زعلك يا بنت عبدالله . .
هيفاء بمُقاطعة تسقطُ دموعها مرةً اخرى : لا يا خالتي مو كِذا! . .
أم فيصل : أجل؟ وش مسوي فيك؟
هيفاء : خالتي إجلسي شويَ . . . جلست على كُرسي طاولة الطعام البسيطة التي تتوسَط المطبخ، ضغطت هيفاء على يداها وهي تجلسُ على الأرضِ حتى تُحدَثها، شحذت نبرتها كي تتزن : أمس حصَل حادث وما بغينا نخوَفك لأنه . .
أم فيصل : حادث أيش؟
هيفاء بتوتر عميق تأتأت، فقدت زمام الكلمات و تبعثرَت تمامًا.
أم فيصل : تكلَمي! وش صار؟ . . فيصل فيه شي
هيفاء بغصَة تُضيَق على صوتها : آآ . . إن شاء الله مافيه الا كل خير
أم فيصل بنظراتٍ خافتة تترقب : ماني فاهمة شي . . ولدي فيه شي يا هيفا؟
هيفاء أخذت نفس عميق : بالمستشفى . .
صمتتْ، سكنَت حواسَها بعينيَ أثقلها الدمع، نظرت لملامح هيفاء الشاحبَـة/الباكيـة، ليزداد دمعُها توهجًا في محاجرها، يتحركُ عنقها بإنحناءٍ بسيط تسقطُ به دمعةً الأم التي يهزمها تعبُ أحد أبناءها.
قلبي يرتجف! لا أريد أن أفقد رائحة إبني ولا صوتُه ولا ضحكةِ شفاهِه، أسألُك يالله قلبًا قويًا يحتملُ هذا البكاء في صدرِي، قلبًا قويًا لا يكسرُه تعبُ فيصل.
هيفاء أخفضت رأسها ليُلامس جبينها ركبتيَ أم فيصَل، بعينيَ تائهة وضعت يدها على رأس هيفاء، تمامًا مثل ما وضعتهُ قبل مدَة على رأسه عندما توسَل إليْها أن تُسامحه، مازال صوتُه يضجَ بيْ " والله يا يمه تكسرني دموعك "، يا فيصل أنت من يكسرني والله ويكسرُ قلبي بتعبِه، يا حبيبي أنتْ.
همست : مين عنده ؟
رفعت عينها : منصور و أبويْ
أم فيصَل رفعت نظرُها للأعلى حتى تتمالك سيطرتها على الدمع المندفع : بروح له . . وقفت لتُردد في نفسِها " لا حول ولا قوة الا بالله " ، تبعتها هيفاء لتُناديها بأكثر النداءاتِ حميمية : يمَه . . أنتظري
توقفت عن السير، جلست على الكُرسي لتنحنِي وهي تشدَ على شفتيْها حتى لا تبكِي، تقدَمت إليْها هيفاء : بشُوف يوسف عشان يكلَمهم . . رحلت عنها لتظهر شهقاتها المتتاليَة ببكاءٍ عميق، غرزت أصابعها على ركبتيْها وهي تحاول أن تتماسَك، بصوتٍ يكسرُه الحزن : يا رب لا تُفجعنا به . . يا رب رحمتِك بعبادِك الذين شهدُوا لك بالوحدانيَة والألوهيَة . . .
وصَل صوتُ الجرس مداه ليقف يوسف : أكيد أبويَ تو مكلمني . .
هيفاء تنهدَت لتتبع يوسف، وقفت عند الباب الداخلِي لتُراقب بعينيْها يوسف وهو يفتح الباب الخارجِي، تقدَم إليه والده : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . منصور جلس عنده ؟
والده : إيه . . رفع عينه ليُقابل بنظراته إبنته، أقترب بخُطاه إليها ليمدَ يديْه إليه، عانقها وهو يقبَل رأسها : تعوَذي من الشيطان وأحمدِي الله ما صار له شي كايد! الحمدلله على كل حال . . أنتهت عمليته قبل ساعة تقريبًا و دخلُوه العنايَة المركَزة . . لكن حالته بإذن الله أنها تطمَن
يوسف من خلفه : الحمدلله . .
هيفاء بنبرةٍ مبحوحة : الحمدلله . . طيب يبه ما نقدر نشوفه؟
والدِه : ما راح تستفيدين شي! بس يقوم بالسلامة تجينه
هيفاء : حتى أمه تبي تشوفه
والده أبعدها ليمسح دمعها بأصابعه : خلَيك معها ولا تتركينها لحظة، هي أكيد تحتاج لك وأنا أبوك . . وبس تستقر حالته أخليكم تروحون له . . هو ما يحتاج الا دعواتكم وتطمَني يا عيني
،
" واللهِ لأتخيَلُكِ حتى تكُوني واقعًا
. . . / لا مفَر منه
يا فداء العُمرِ! ما سبقِكِ لم يكُن . . من العُمر
لأجلكِ يا غادة!
كيف أُسأل لِمَ الحُب؟
وهل تُسأل السمَاء لِمَ المطر؟ . . فطرتُنا عيناكِ
يا من تسألين عن القلب! عجبٌ سؤال الذاتِ عن الذاتِ "
إبتسمْ بعد أن طالت عينيْه النظرُ إلى شفتيْه التي تنطُق بكل حُب لأخته، رفع عينِه : ما يحتاج تتخيَل هي واقعك أصلاً
غادة ضحكت لتحمَر وجنتيْها، عضَت على شفتها السفليَة وبخفُوت : ليه تقولها قدامه؟
عبدالعزيز يشربُ من كأس العصير ليُردف دُون أن ينظر إليها ويزيدُ من حرجها : عقبال ما تكتب فيني
ناصِر بضحكة : يقُولِك نحنُ لم نصبح شعراء الا من أجلِ ما فعلتهُ بنا النساء
عبدالعزيز : مِيغْفِيَوُ! (عجيب/مذهلmerveilleux = )
غادَة وقفت : أنا مضطرة أروح! عندي كلاس بعد نص ساعة . . فمان الله
عبدالعزيز رفع حاجبه : كلاس!! . . . أسند ظهرِه على الكرسي لينظر إليْها بخبث . . . طيب
ابتعدت لتخرُج وهي تمَر بجانب النافذة التي يجلسُون بالقرب منها، نظرت إليهما بإزرداء/غضب . . لتختفي من أمامهم.
ناصِر : عصَبت!
عبدالعزيز : خواتي فيهم طبع غريب! إذا هاوشتهم ضحكوا وإذا تغزلت فيهم عصبَوا! . . وش ذا الجينات الغريبة!!
ناصِر إبتسم : ما تعصَب إذا تغزلت فيها لكن قدام أحد تتوتر وتعصَب! مو قلت لِك خلنا بس لحالنا دقيقة
عبدالعزيز : دقيقة بعدين تصير ربع ساعة بعدين تصير ساعة بعدين تصير يوم كامل بعدين تدق عليَ معليش عبدالعزيز أقابلك بكرا !
ناصِر : والله يا عبدالعزيز صاير بس تتحلطم على الرايحة والجايَة! خلنا نزوَجك
عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف : دوَر لي فرنسية شقرا ويفضَل إنها تكون من الريف! أحب الغين حقتهم! تعرف أبي أتمرَس الحب صح على إيدهم
ناصر : تتطنَز ؟
عبدالعزيز : أمزح! . . خلينا الحُب لك
ناصر : ماش! ماعندك أفكار مستقبلية
عبدالعزيز بنبرةٍ جديَة : لازم أحب عشان أفكر بمستقبلي!! خلها تجي بنت الحلال ويصير خير
ناصر : أحيانًا أشك إنك تحبَ أحد وماتقولي!
عبدالعزيز بضحكة صاخبة : إيه هيَن! . . لو احب ما قابلت وجهك رحت خطبتها وتزوجتها ثاني يوم بعد!!
ناصِر : ما تتعطَل! وأنا مخليني أنتظرها لين تتخرج بس بنات الناس عادي تتزوَجهم متى ماتبي
عبدالعزيز بإستفزاز : إيه طلع اللي بقلبك! والله عاد هذي مو رغبتي . . رغبتها ورغبة أبوي،
ناصر : بس أنت أخوها وتقدر تقنعها مير أنت عاجبك الوضع وجايز لك
عبدالعزيز : ليه مستعجل؟
ناصر بجديَة عقد حاجبيْه : صرت أخاف ما يجي ذا اليوم من كثر ما نأجل فيه!!
عبدالعزيز تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه!! ليه أفكارك صايرة كئيبة
ناصر إقترب منه وبصوتٍ خافت : ذاك اليوم جتني غادة وتبكي تقول حلمانة وخايفة
عبدالعزيز : حلمانة بإيش؟
ناصر : عيَت لا تقولي التفاصيل! بس صرت أفكَر أنه هالتأجيل يضرَنا، ما تحس إنه هذي إشارة لنا عشان نعجَل بالزواج
عبدالعزيز صمت قليلاً حتى نطق : بكلَم أبويْ
ناصر : على الأقل في عيد الفطر
عبدالعزيز إبتسم : خلاص أبشر اليوم بقنعه بدل ما تنتظر سنة ثانية نخليها في العيد!!
أستيقظ بتعرَق جبينِه من ذِكرى تعبثُ بعقله/قلبه، نظر للسقف الذي يجهلُه حتى إلتقت عيناهُ بعينيْه، أستعدَل بجلستِه ليتأمل المكان الذي يحاصره، يبدُو و لوهلة بيتٌ مهجور لا يسكنه أحدًا منذُ سنوات، أثاث رثَ و تلفاز مكسور، و بابٍ من حديد ملطَخ بالكتابات، أبتعد عبدالعزيز عنه بعد أن أيقظه من هذيانِه، تنهَد وهو يقف.
ناصِر عقد حاجبيْه : وين إحنا فيه ؟
عبدالعزيز بحدَة يضع يدِه خلف رقبته مكان جرحه الذي يشتعلُ بحرارته : وأنا أدري عن شي؟
ناصِر أخفض نظره للأرض وهو لا يوَد أن يدخل بجِدالٍ معه.
ليتني لم أقولها يا عزيز! كان أسوأ عيدٍ شهدتهُ عينايَ، و أولِ عيدٍ لم يلحقهُ فرح، ليتني بقيْت على موعِدنا السابق الذي كُنَا نعدَ الأيام له، ولكنني تلهفتُ إليْها، للمكان الذي سيجمعنا، عجَلتُ بموعِدنا حتى تبعثر كل شيء، ضاعت منِي، حاولتُ أن أحفظها ولكنها ضاعت! نحنُ الشعراء أيضًا نترك شِعرنا من اجلِ ما فعلتهُ بنا من تُغني عن كل النساء، منذُ ليلة الحادث وأنا لا أعرفُ أن أكتب بجديَةٍ توازي الكلمات، كنت أظنَها مُزحة والله، كنت أظنَ ليلة عرسنا حدثٌ لا يحتمل النسيان، ولكنها نسيتِه و تهدَم فوق قلبي.
عبدالعزيز جلس على كرسي الخشب المتآكل لينحني بظهره ويضع رأسه بين يديْه، يشعرُ بحرقَةٍ تصل لأقصى مدى في جسدِه، وقف مرةً أخرى ليركل الكرسي ويُكسره بقدمِه، ضرب رأسه بقوة على الجِدار وهو لا يحتملُ هذا الغضب الذي يتصاعدُ به، سكَن جسدِه ليُلاصق جبينه الجدَار و جرحٌ ينزف من جديد لا يُبالي به.
ناصِر وقف ليقترب منه : عبدالعزيز
عبدالعزيز دُون أن يلتفت عليه، تصادم فكيَه من شدَة التوتر : مكتُوب عليَ الشقا طول عُمري! لحد يقولي أنت اللي ماتبي تكمَل حياتِك عُقب أهلك! حياتي هي اللي ماتبيني عُقبهم!!!
ناصِر بلع ريقه من الحال الذي وصَل إليه عزيز، جنَ جنُونِه فعليًا.
إلتفت عليه بعينيَ تبحرُ بحُمرةِ دماءها : بس والله ماراح أتركهم! راح انهيهم واحد واحد . . . صرخ . . راح أقلب حياتهم جحيم!!! . . من صغيرهم لكبيرهم!
ناصِر نظر إليْه بعُقدة حاجبيْه : ما جتِك ؟
عبدالعزيز ظهرت عروقِه من رقبته المشدُودة بغضب، ظهر بريق عينيْه الذي يفضحها الحنين، بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : إلا! . . ما كانت حلم يا ناصر . . جلس على الأرض ليُردف بإبتسامَة هادِئة : شفتها ، كان في نفسي سوالف كثيرة بس ما قلت لها! ما عرفت كيف أسولف معها؟ . . ناصِر
جلس أمامه وركبتيْه تلاصقه، أكمَل : ضايقني إني تعوَدت على غيابها . .
ناصر شكَ بأنه يغيب عن وعيْه تمامًا ولا يُدرك بماذا يتحدَث وأمامِ من : عبدالعزيز
عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي تعكسه : كثييير
ناصر : أيش؟
عبدالعزيز : أشتقت . .
ناصِر غصَ حتى شحِب لونُه، نظر لهزيمةِ رفيقه الدنيويَة، تأمل عينيْه التي تهذِي بالحنين/الوَجع، كُنَا نقول حُزن الرجالِ قاسيًا ولم نكُن نشهدُ عليه! إلا الآن! أصبحنَا نشهدُ عليه يا عزيز ونشهدُ عليك، أصبحتُ أرى كيف للدمعِ أن تردَه العزة عن خدَك، كيف له أن يبقى في محاجرِك فقط ليُلهبك ولا يسقُط! يهزَنا البكاءِ في كل مرَة ولا يسقطُ من غصنه دمعة لأننا جُبلنا على الغصَة.
: عزيز
عبدالعزيز بلل شفتيْه بلسانِه وهو يتنهَد بعمق : أنا بخير! بخير . . قادِر أقاوم كل هذا
ناصر : عارف إنك قادِر، بس
عبدالعزيز بحدَة : قولها! . .
ناصِر : آسف
عبدالعزيز إبتسم بتضادِ الشعور الذي يواجهه : تعتذر عن حزني؟
ناصِر : أعتذر لأني مقدر أخلَيك تكون بخير!
عبدالعزيز بخفُوت يتصاعدُ الإضطراب في صدرِه، أخفض رأسه : أحاول والله أحاول! . . أقول في نفسي خلني أنسى! خلني أبعِد! ما عاد لي علاقة فيهم، أقول لا أنتظر منهم إعتذار ولا تبرير! أقول روح عِيش بعيييد عن كل هالخراب! وأقول أقدر أقاوم و أنا أقوى من تهزَني هالأشياء، لكنها . . . . . هزَتني! وضعفت، كنت أقول ما يذبحني حرَ القهر وأنا ولد سلطان! لكن الحين أحس . . أحس بشعور غريب،
إرتجفَ فكَه من هذه السيرة ليُكمل : كنت أحسَ دايم الموت قريب مني! لكن هالمرَة أحس قلبي يضيق فيني!!
ناصِر بنبرةٍ حانيَة يخدُشها الدمع : أنا معك، . . . ضغط على كفَ عزيز ليُردف : قاوم عشان غادة و عشاني!
عبدالعزيز بإبتسامة لإسم ( غادة )، تلألأت عيناه بنظراتِ لها إيماءةُ فراق : قول إنَك ما كذبت عليَ؟
ناصِر : ورحمة الله ما كذبت! عرفت قبل فترة، أول ما عرفت مقدرت أقول لأحد، والله مقدرت يا عبدالعزيز، وبعدها قمت أتصل عليك عشان أقولك! بس ما كذبت . .
عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى بدأ يهذِي بوعيٍ يغيب تدريجيًا : ماراح أتركهم . . من يقدر اصلا! . . هم بس اللي يبونه يصير وأنا؟ أنا بعد ابي يصير لهم اللي ما يبونه! أبي . . . أبـ . . . . أغمض عينيْه وقبل أن يقع رأسِه على الأرض وضع ناصِر يدِه، نزع معطفِه ليضعه تحت رأسِ عزيز حتى لا تؤذيه الأرضِ غير المستوية، أصابتهُ الرعشة من البرِد الذي يُداهمه من كل إتجاه في يومٍ باريسي عاصف بالثلوج.
وضع يدِه على جسدِ عبدالعزيز ليُغلق أزارير معطفه حتى لا يبرُد، وصَل لصدرِه ليُغلق آخر ازاريره، نظر إليه، لملامحه النائمة بهدُوء، يُدرك حجم الوجع الذي يُصيبه في هذه الفترة، ويُدرك تمامًا أنه ليس بخير.
لا نقدِر على محو ما كُتب علينا يا عزيز، إحساسُك بالرحيل " يوجعني " ! لأنني أفهم تمامًا كيف أننا نشعرُ ببعض ما قد يُصيبنا، بُكاء غادة تلك الليلة لم يكُن من فراغ! كانت تُدرك أنها سترحل! واليوم أنت! نحنُ الذين خُلقنا من طين أشعُر أن فطرتنا / ألم.
أنحنى عليه ليُقبَل جبينه، أطال قُبلتِه لتسقط دمعته عليه، همس : الله لا يفجعني فيك يا عزيز
،
تجلسُ بجانبها بعد أن مشَت ذهابًا وإيابًا في الغُرفة لقُرابةِ الساعة دُون توقَف، بلعت غصَتها بعد أن تصاعدت الحُمرة المحمَلة بالدمع ناحية محاجرها : صاير شي! قلبي يقول صاير شي
ضيَ إرتجفت شفتيْها وهي تهزَ قدمها : وعدني يجي!
عبِير : ما عاد في قلبي قوة عشان أنتظره هِنا، . . وقفت لتتجه ناحية هاتفها، إتصلت على رقم والِدها " مُغلق "، نزلت دمعتها بمُجرد أن سمعت الردَ الآلي : مُغلق!!!
ضيَ بمحاولة لتهدئة وضعهما : أكيد أنه بخير لا توسوين وتوسوسيني معك!
عبير أستسلمت لبكاءها : ياربي ليه يصير معنا كل هذا؟ رتيل ماهي فيه وأبوي ماهو فيه! . . . حتى عمي مقرن ماهو فيه!!! كلهم أختفوا . .
ضيَ توجهت إليها لتُعاقنها : أششش! إن شاء الله مو صاير الا كل خير . .
عبير بضيق نبرتها : لا تهدَيني بهالكلام! لو أبوي صدق طلع له شي كان أتصل علَمنا! لكن أبوي كان مخطط إنه ما يرجع! وين راح بس لو أعرف وين!!
ضيَ ضاق صوتُها بالبكاء : لا تقولين كِذا! هو بخير و رتيل بخير وكلهم بخير
عبير أبتعدت قليلاً عنها لتُردف : ليه محد أتصل؟ . . لو واحد فيهم هنا يطمنَا! مو من عادته ابوي يروح بدون لا يترك لنا على الأقل عمي مقرن! كلهم راحوا وأتركونا ننتظر
ضي قطَعت شفتيْها بأسنانها لتُكرر حتى لا تُصدَق حديث عقلها وعبير : إن شاء الله أنهم بخير
في جهةٍ بعيدة أنتهى من صلاتِه ليقف : نايف لا أوصيك!
نايف : بالحفظ والصون . .
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه
نايف برجاء : لو بس تخليني أروح معك!
عبدالرحمن : لا خلَك هِنا، صبرنا كثير وحاولنا كثير لكن بالنهايَة مابقى كثر ما خسرنَا، إذا إتصل سلطان بلغه لكن إذا ما أتصل لا تتصل عليه ولا تقوله شي . . .
نايف : أبشر
عبدالرحمن بإنهزامية جادَة أكثرُ مما يلزم، وضع السلاح على الطاولة، مُجرَد من كل وسائل المقاومة عدَا قلبه الذي يُدافع بشراهة عن حياة من يُحب، خرَج والثلج يتساقط من سمَاءِ باريس، شدَ على معطفِه الأسوَد ليُتمتم : اللهم إننا ضللنا السبيل فأرشدنا و أخطأنا الطريق فدلَنا، اللهم أحفظه، يا حيَ يا قيوم أحفظهم
ركب السيارة ليقودها بنفسِه أمام أنظارِهم، دخل محمَد : لازم نبلغ بو بدر
نايف تنهَد : ماراح يفيد شي! ماراح يجي بو بدر باريس ويمسك عبدالرحمن
محمد : الوضع تأزم!!
نايف : أنا بروح لشقته، لازم أطلَع بنته وأخت عبدالعزيز . . بعدها إذا أتصل بوبدر تبلغه بالموضوع، وخلَك على إتصال معي
،
تنظرُ إليْه بإزدراء وهو مستلقي على الأريكَة يحاول أن يغفو لساعاتٍ قليلة حتى يعود لعملِه، تكتَفت بثباتِ أقدامها التي تُعاكس ربكة جسدِها الغاضب : وبس؟
سلطان : هذا اللي صار
حصَة بغضب تصرخ عليه : قلت لك إتصل عليها تطمَن ما قلت لِك أتصل طلَقها!!! أثبت لِي إنك مراهق في قراراتِك! ما تعرف تتصرف تصرف واحد صح
سلطان أستعدَل بجلستِه ليلفظ بحدَةِ نظراته : حصَة لازم تفهمين شي واحد! إنك مهما حاولتي دام انا ما أبي هالشي مستحيل تجبريني عليه
حصَة بحالةِ إنفجارٍ تام : إحلف بالله إنك ما تبيها؟ . . . . ما تقدر لأنك متخلف تقول كلام غير اللي بقلبك، تضيَع حياتِك ومستقبلك عشان ترتاح عزة نفسك اللي مدري من وين طالع فيها! يعني إحنا اللي تنازلنا عشان اللي نحبهم و رجعنا لهم ما عندنا عزَة نفس؟ وش ذا التفكير البايخ اللي عايش فيه!!! . . يكفي اللي راح من عُمرك لا تضيَعه مرة ثانية
سلطان بخفُوت : ما أبغى أعلَي صوتي عليك! بس لا تستفزيني أكثر
حصَة بغضبها الذي لا يُبالي : قولي قرار واحد إتخذته كان بمصلحتك! ليه تسوي في نفسك كِذا!!! أحترم حياتِك وعطَها أهمية مثل ما تعطي شغلك!! . . .
سلطان بصوتٍ حاد : لا حول ولا قوة الا بالله . . . سكري هالموضوع ما أبغى أغلط بحقَك!!
حصَة توجَه إليه السبابة : ما راح أسكره، لين تقنعني بأسبابك! حياتك ماهي ملك لوحدِك! هي تهمَني يا سلطان!!!
سلطان تنهَد : بريَحك من الآخر لو تجلسين من هنا لسنة قدَام ماراح أجاوبك بأيَ شي
حصَة بحدَة : لأنك غبي مع خالص عدم إحترامي لك
سلطان إتسعت محاجره بالدهشَة : كل هذا عشان مين؟ عشان الجوهرة؟ مين أولى في قلبك أنا ولا هي؟
حصَة : أنت آخر شخص تتكلم عن مين أولى في قلبي! لو لي قدر عندِك ما سويت اللي في راسك ولا كأن فيه أحد يسأل ويبي يتطمَن!!
سلطان بغضب عاد للإستلقاء : تمسين على خير
حصَة : نام ولا علِيك من شي!! أصلاً عادِي. . ما كأنها حامل في ولدِك ولا كأنها زوجتك اللي تحبها وقول إنك ما تحبها عشان أكسِر هالتليفون فوق راسك
سلطان إبتسم بسخرية : هذا اللي بقى! أضربيني عشان تكمل
حصَة أخذت جوالها وبقهرٍ يجعلها بحالة من التوتر والحركة الغير منتهية : طيب يا سلطان . . . إتصلت عليها
في الجهةِ الأخرى وقف والِدها : بنجيها المغرب وخلَيك عندها أفنان ولا تتحركين
أفنان : إيه خلاص لا تشيلون هم! أنتم أرتاحوا وأنا بكون عندها
ريَان تنهَد : إذا صار شي إتصلي علينا، أنا بآخذ إذن من دوامي وبرجع لها
أفنان : طيب . .
خرجُوا جميعًا لتبقى أفنان لوحدِها معها، رفعت عينها إليْها : كيفك الحين؟
الجُوهرة ببحَة صوتها المتعب : تمام
أفنان جلست بجانبها : ماراح تقولين لي وش فيك؟ الدكتورة تقول أنه حملك مهدد والسبب إهمالك!! ليه تسوين في نفسك كذا؟ هذا أول حفيد في العايلة يعني مفروض تتحمسين أكثر مننَا وتهتمين بنفسِك وبالروح اللي بداخلك! لا أكلتي أمس ولا غيَرتي جو معنا! حابسة نفسِك بالغرفة وتبكين . . وخير يا طير يا سلطان! ماهو أنتِ اول من تتطلق! الله بيعوَضك باللي أحسن منه . . . عساه . .
تُقاطعها : لا تدعين
أفنان بعصبية : قهرني الله يقهر العدو . . هو ما قال والله ماراح آكل ولا راح أنام عشان الجوهرة ماهي فيه! تلقينه عايش وعادِي عنده لكن أنتِ ماهو عادِي عندِك!!
الجُوهرة بشحُوبِ ملامحها البيضاء عقدت حاجبيْها : متى راح أطلع؟
أفنان : شوف وين أحكي فيه ووين تحكين!! يالله عليك! . . .
الجُوهرة بضيق : وش أقول يا أفنان! من الصبح وأنتم تعيدون عليَ نفس الكلام! والله فهمت والله يثبَت حملي . . بقى كلمة ثانية ما قلتوها؟
أفنان تنهدَت : بالطقاق طيَب!!
الجوهرة بلعت ريقها : ما جاء أحد اليوم؟
أفنان : أحد مثل مين ؟
الجوهرة : مدري! يعني عمَي عبدالرحمن ما جاء؟
أفنان : عمَي عبدالرحمن! لا محد جاء . . أنتم على فكرة غريبين مرَة! ريم تقول فيه ريحة عطر رجالي بالمطبخ وأنتِ تسألين عن عمَي!!
قاطعها هاتفها الذي أشترتهُ حديثًا بعد أن تكسَر هاتفها السابق على يَد سلطان، أفنان نظرت إليْها : لو هو لا تدرين عليه! بعدها تتوترين ويالله نهدَيك! الدكتورة تقول . .
الجوهرة تُقاطعها بغضب : الدكتورة تقول أبعدي عن التوتر . . فهمت والله فهمت كل حرف قالته
أفنان بدهشَة نظرت إليها لتقف : طيب . . بروح أجيب لي قهوة قبل لا تفجرين راسي . . . خرجت لتتركها.
سحبت نفسها لترفع ظهرها قليلاً، مدَت يدها نحو الهاتف لترى " أم العنود " أجابت : ألو
حصة : السلام عليكم
الجوهرة : وعليكم السلام
حصة تُظهر جهلها بما حصل : قلت أسأل عنك دامِك ما تسألين!
الجُوهرة بنبرةٍ متعبة : أعذريني، بس
حصَة تنظر لسلطان الذي يضع ذراعه على جبينه ويُغمض عينيْه بهدوء وكأنه لا يهمه الأمر : بالأول صوتك وش فيه تعبان؟
الجوهرة : دخلت المستشفى
حصة صمتت قليلاً حتى أردفت بخوف : صار لِك شي؟
الجوهرة : لا الحمدلله أنا بخير وإن شاء الله بيطلعوني قريب
حصَة عقدت حاجبيْها وهي تعضَ لسانها بقهر من لامُبالاة سلطان : الجوهرة لا تخبَين عليَ شي! طمنيني
الجوهرة : والله ما فيني الا كل خير،
حصَة بصوتٍ عالٍ يملئه القهر يضجَ بمسامعِ سلطان : إذا أحتجتِ أيَ شي إتصلي عليَ
الجوهرة : ما تقصرين يا أم العنود
حصَة : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك
الجوهرة : إن شاء الله . . مع السلامة، أغلقته لتُقيم مراسِم من الصراخ في وجهِه : ما عندِك أيَ مسؤولية!!
سلطان وقف : أنا غلطان يوم رجعت ونمت هنا! مفروض أروح لأيَ فندق وأجلس فيه لين تنسين سالفة الجوهرة .... أنحنى ليأخذ مفاتيحه وهاتفه لياتِ صوتُها مقاطعًا : الجوهرة بالمستشفى.
تجمَد في إنحناءه ليرفع عينه بتوجَس : بالمستشفى!!!
حصة : إيه! والله أعلم وش صاير لها تقول إنها بخير
سلطان عقد حاجبيْه : وش فيها؟
حصَة : إتصل وتطمَن بنفسك. . ولا أووه صح نسينا ينقص من رجولتك ولا هو من شيْم الرجَال إنك تتصل على مرتك تتطمَن عليها
سلطان : مفروض إنك أكثر شخص يوقف معي حاليًا لكنك صرتي أكثر شخص واقف ضدَي
حصَة : تدري لو ما أنت غالي عليَ كان نتفتِك بأسناني الحين من قهري
سلطان بسخرية : لا أبد ما قصرتي! كل هذا وأنا غالي عليك
حصة بحدَة : ما راح تتصل؟ . . دارية! طبعك الخايس ما تخليه . .
سلطان مسك هاتفه ليتصِل أمامها ويكسر كلمتها وإتهامها له، في الجهةِ الأخرى نظرت لإسمه لتضعه على الصامت.
: ما ترَد!
حصة : من زين فعايلك عشان ترَد عليك
سلطان بغضب : حصَـــة!!!
حصَة : وأنا صادقة! ترَد عليك ليش؟
سلطان جلس : أمرك غريب! تقولين طبعي خايس وما أرفع السماعة وأتصل! ويوم أتصلت وكسرت كلمتِك ليْ قلتِي من زين فعايلك عشان ترَد عليك
حصة صمتت قليلاً حتى تلفظ : رجَعها يا سلطان
سلطان : هذا أمر مو بإيدي ! لو هي نصيبي محد بيردَها
حصة بغضب : تستهبل! الله وهبنا الأسباب عشان نعمل فيها مو نجلس نقول والله اللي كاتبه ربي بيصير! . . الله يـ . . . أستغفر الله ما أبي أدعي عليك
سلطان تنهَد ليتصِل مرةً اخرى : لاحظي بس إنك من اليوم تتصرفين معي بتصرفات والله العظيم لو تجي من غيرك لأدفنه بأرضه
حصَة بتهكُم تجلس : إتصل من جوالي . . . مدَتهُ إليه
سلطان أخذه ليتصل عليها، تمرَ ثواني طويلة حتى تُجيب بصوتها المتعب : هلا
سلطان وقف ليبتعد عن أنظارِ حصَة، وصلت لها أنفاسِه المُتعبَة أيضًا لتُدرك تمامًا من خلف الهاتف : هلا بِك
الجوهرة أرتجفت شفتيْها بربكة الحُب التي لا تستطيع التخلي عنها، أردف : الحمدلله على السلامة . .
لم تُجيبه، أكملت صمتها حتى تستفزُ كل خلية تجري بدمِه كما أستفزَها بأمرِ الطلاق، تنهَد : شلونك الحين ؟
لستُ بخير، مضطربة! أشعرُ بأنني غير موجودة على خارطتِك وهذا يُزعزع كبريائي الذي يُحبك، ستُكمل حياتِك يا سلطان وتترك لي بقايا حياة أعِيشُها. ظالِم! حتى في سؤالِك تقسُو، أنت تعلم جيدًا من صوتي الذي تحفظه بأنني لستُ على ما يُرام ولكنك تسأل لتُزيد وجَع البحَة المترسبة فوق صوتي، لتُحزني أكثر بعدم قدرتي على التخلي عنك.
الجوهرة بنبرةٍ هادِئة مُتعبة : بصفتِك أيش تسألني؟
سلطان : حطَيني بأيَ صفة!!
الجوهرة بسخرية : إيه معليش أعذرنا، لو ما كنت حامل ما أتصلت بس عشان تتطمن على ولدِك! أبد حبيبي هو بخير . . . نطقت كلماتها بسخريةٍ لاذِعة تؤلمها قبل أن تؤلمه، وكلمَة " حبيبي " التي تطفُو على السطح مُبكية جدًا.
سلطان بخفُوت : خذيتي أسوأ ما فيني وتطبَعتي عليه!
الجُوهرة : طبعًا! ما يعجبك الا الرضوخ، تبيني بس أقولك تآمر وسمَ!! . . أيَ سؤال ثاني؟ صوتِك يوتَرني ويمرضني والدكتورة موصية إني أبتعد عن الأشياء اللي توترني!
سلطان : صرت الحين أمرضِك؟
الجوهرة بلعت ريقها : تآمر على شي ؟
سلطان يحاصرها من الزاوية الضيَقة : تسأليني بصفتي أيش؟
الجُوهرة أضطربت أنفاسُها من السؤال الحاد الذي لا هرب منه، طالت الثوانِي بينهما في حديثٍ تتبادلهُ الأنفاس، نطقت : بصفتِك أبو اللي ببطني لا أكثر
سلطان تنهَد بعُمق ليُثير البكاء في صدرها : وش صار لِك؟ ليه تعبتي؟
الجُوهرة : ضربت ظهري بالجدَار وبعدها أغمى عليَ
سلطان بتشكِيك : ضربتيه كِذا؟
الجُوهرة : مو لازم تصدقني!
سلطان بغضب صرخ بعد أن تمالك نفسِه لآخر لحظة : الجـــــوهرة!!!
أرتجف قلبها بزفيرٍ محبوس لا يفلتُ من بين شفتيْها.
أنا عالقة بِك! إن ضاع قلبِي كيف أسألُ عنه و كيف أطلبُ من صاحِب السطوَة التي حللَها قلبِي بغيرِ مسؤولية؟ أبكِي وكيف لا أبكِي!! هل أنساك بالبكاء؟ أم أبكِي لأن لا شيء يُنسيني إيَاك! تُفزعني هذه النبرَة وأنا التي ملكتُ كوْنِي بسوادِ عينيْك، حتى أدركتُ بأن أوجاعِي أوطانِي و ممالِيكي من دَمع، يا قيمَة الحياة وإتزانها كيف أُقيم للمُقبل من أيامنَا وزنًا وأنت لا تُشاركني بها؟ أأدركَت فداحة ما فعلتهُ بي؟ مُجرم! قتلتني ولم تُحيي ما قتلتهُ في نَفسي.
سلطان بتوترٍ يضطربُ بداخله، لم يكُن ينقصه مآسآةً أخرى تنفجرُ في قلبه : أنتِ اللي تبين تتعبين نفسِك! وتضيَقين على روحك!!
الجوهرة أخذت نفس عميق بعد إضطرابٍ لثوانِ : ما أحتاج وصايا مِنك، أنتهى كلامك ولا باقي؟
سلطَان بسخرية : صاير محد ينافسك بالقساوة!! برافو والله
الجُوهرة بهدوء : تستهزأ فيني؟ كالعادة ما تسمح لِك نفسِك إنك تحترمني شويَ!! أظنَك تحتاج إستشاري أسرِي يعلَمك كيف تحترم اللي حولك!!
سلطان بهدوء يُناقض البراكين التي تُقيم في صدره : أعرف أحترم اللي حولِي وما أحتاج احد يعلَمني!
الجُوهرة تُقلَد نبرتِه بلذاعة : برافو والله
سلطَان صمت قليلاً وهو يضغطُ على الهاتف بإتجاه إذنه، تُفسدِين صوتِك بحدَة الكلمات وأنا لم أعهَدكِ بهذه الصورة؟ كيف أفسَر مآسآتي؟ مررتُ بصعابٍ في حياتي لا تُعَد ولا تحصى ولكن مآسآةٍ كهذه لم أُجربَها إلا هذه الفترة، فشلتُ بإنهاء جريمةٍ عبثت بنا لسنوات، و عطفًا عن ذلِك أفشلُ الآن بالإطمئنان على أشخاصٍ يُهمني أمرهم، وأفشلُ معكِ أيضًا. من يشرحُ خدشُ صوتِي؟ و مصيبتي؟ لا أطلبُ من أحد أن يتحمَل غضبي و حُزني، في هذا الوقت أهجُو الجميع وأصرخ على الجميع، يشتعلُ صوتي بغضبٍ حبستهُ لأيامٍ طويلة، ولكنهُ خرَج! هذا الحُزن خرج كـ / صراخ.
: لو إنَك قدامِي كان علَمتك يا بنت عبدالمحسن كيف تقلدين صوتي؟
الجوهرة ضحكت ببحَة صوتها المتعبة، رُغم وجَعها من كلماتها التي تُصيبه إلا أنها لا تتخلى عن قوْلها
سلطان قطَع شفتِه السفلية بأسنانه على صدى ضحكتها المبحوحة، أردَف : خليني أخلَص شغلي و أعلمَك كيف تقولين هالحكي قدامِي!!
الجُوهرة : على فِكرة أهلي صار عندهم خبر . .
سلطان : أتوقع إنك ما تجهلين في الدين كثير وتعرفين إنِك مازلتِ في ذمتي! لا خلَصت العدة ذيك الساعة تكلَمي! مفهوم؟
الجُوهرة بإنفعال تنهدَت : مع السلامة
سلطان بهدوء : جربَي تسكرينه في وجهي!
الجوهرة أمالت شفتيْها بلا حولٍ ولا قوَة، مازلتُ متهكمًا يا سلطان!!
سلطان بضحكة يرَدها إليْها بصوتِه الذي يزدادُ تعبًا مع السهر : شاطرة . . مع السلامة . . . أغلقه
دخلت أفنان على إغلاقها للهاتف : لا تقولين لي إنَك توَك تسكرينه من عمته!! ماشاء الله عليك كل ذا سوالف!!
الجوهرة نظرت إليْها بتجمَد ملامحها، أفنان مدَت يدها أمامها بضحكة : وش فيك تصلَبتي؟
الجوهرة بقهر أخذت كأس المياه الذي بجانبها لتشربه بإندفاع حتى تبللت رقبتها، أفنان : بسم الله عليك! وش فيك؟
سحبت منديلاً لتمسح رقبتها، نظرت إليْها : ليه تأخرتِي؟
أفنان : لقيت صديقتي وسولفت معها شويَ قلت لين تهدين بس شكلك اليوم مزاجك ماراح يهدأ
الجُوهرة : أبغى أنام
أفنان : طيب نامي
الجوهرة بإنفعال لا تدرِي إلى أين يُوصلها : لو أقدر أنام كان نمت بدون لا أسألك! نادي أيَ أحد يعطيني منوَم!!
أفنان تنهدَت : طيب . .
في جهةٍ اخرى وضع الهاتف بجيبه لتعتليه إبتسامة، همس : مجنونة!!!
إلتفت ليرى عمتِه : أيَ أوامر ثانية يا أم العنود؟
حصة تنظرُ لملامحه بتفحَص لتبتسم بعد أن لمحت امرًا جميلاً بعينيْه : بترجَعها؟
سلطان ببحَة بدأت تتسلل إلى صوته المُرهق : ترى عادِي تكون علاقة الزوج بطليقته حلوة! إذا شفتيني أضحك معها ماهو معناته إني برجَعها!!
حصة تغيَرت ملامحها : حسبي عليك . . أستغفر الله! الشرهة ماهو عليك الشرهة على اللي يحاول يصلَح الدرج اللي في مخك!! . .
سلطان أستلقى على الأريكَة : تمونين يا حصَة قولي اللي تبين مانيب رادَ عليك
حصة : لا تكفى ردَ! . . . . ياربي لك الحمد إنها حامل وعدَتها 9 شهور يمكن الجنون اللي في راسك يهجد
جلست بقُربه وقبل أن تنطق شيئًا قاطعها : بعد ساعتين لازم أطلع لشغلي! فخليني أنام الله يرحم لي والديك
حصة بخفُوت وهي تحاول أن تؤثر عليه بالكلمات : ما ودَك تشوف كيف يمَر شهرها الأول والثاني والثالث والتاسع! ما ودَك تراقبها مثل كل الرجَال! تشوفها كيف تصحى من حركاته ببطنها! ما ودَك تحس فيه وهو يتحرَك؟ ما ودَك تشوفه لمَا تروح معها للمراجعه؟ ما ودَك تلاحظ تغيرَاتها بتغيراته؟ تدري إنه الحامل تكون جميلة بشكل ما تتصوَره!!
نظر إليها بتنهيدة : ما تهمَني الأشياء ذي
حصَة : أهم شي يجي هو بصحة وعافية والحمدلله
حصَة بإبتسامة : ما ودَك تصحَيك وتقولك يا سلطان أنا متوحمة على . . . كمثرى مثلاً ؟
سلطان : ما أحب أحد يصحيني بدون لا أطلب منه
حصَة : خلاص مو لازم تصحَيك! مثلا تجلس معها وتقولك أنا متوحمة على . .
يُقاطعها : حصَة تكفين بنام!
حصَة تنهدَت لتقف وهي ترمي عليه الخُدادية : ما ينلام اللي قال الحمدلله الذي خلقني رجلاً كي لا أحب رجُلاً
،
حاولت أن تسترخِي كثيرًا وتُبعد التوتر الذي يُصيب أجزاءها ولا فائِدة من كل هذا، مازالت يدها على مقبض الباب منذُ نصفِ ساعة.
أجهلُ السبيل لمُحادثتها، أشعرُ بشعورٍ غريب نحوْها، أعتدتُ لسنةٍ بأكملها على أن عائلته بأكملها متوفيَة وفجأة تظهرُ / غادة، يحدُث هنا أمرٌ غريب! مازالت صورته بالأمس في ذاكرتِي عندما قابلها، كيف أنهُ أرتخَى بذبُول جسدِه ونظر إليْها لأولِ مرَة، نظرتُه التي لا أفهمُ شيئًا منها سوى الصدمة، كانت عينيَ عزيز حُطامًا يُحكَى، أنا وبلحظةٍ ما أشعرُ بأن الكون ينطبقُ عليَ ويدهسني كُلما فكَرت بسوءٍ عن من أُحب، كيف حالُ عبدالعزيز ؟ كيف أستطاع أن يعيش هذه المُدَة ولا أحد بجانبِه! أفهمُ قسوتِه/تناقضاتِه/إضطراباته الناتجَة عن ما حدَث له رُغم أنَك تستثير كل الكلمات السيئة بنظراتِك حتى أنطقها لك، ولكنني لا أَقدِر على قوْل أنني أُسامحك.
فتحت الباب لتُميل شفتيْها بربكة، إلتفتت لتراها واقِفة أمام النافِذة، شعرت بها غادة لتلتفت بإبتسامة : صباح الخير
رتيل شتت نظراتها : صباح النور
غادة : عبدالعزيز صحى؟
رتيل بدهشة نظرت إليها : عبدالعزيز! . . آآ ما نام عندي أصلاً
غادة رفعت حاجبها بإستغراب : غريبة! أجل شكله راح لدوامه . . . نظرت لربكة رتيل لتُردف بإبتسامة : ما تعرَفنا كويَس أمس
رتيل بدأت أصابعها تتشابك نسيْت كل الكلمات، لا تُصدَق بأن من رأتها أول مرة في مقطع فيديو تراها الآن حقيقة.
غادة : ما تعرفين جوال عبدالعزيز الجديد؟ لأن القديم قال أنه رماه
رتيل : ما طلَع واحد جديد
غادَة جلست لتنظر إليْها : على فكرة ما آكل
رتيل تصاعدَت حُمرة الخجل إلى جبينها، جلست على الأريكَة المُقابلة : مو قصدِي! أعتذر
غادة عادت لصمتها، طال الهدوء بينهما حتى قطعتهُ بعد دقائقٍ طويلة : متشوقة أشوف صور عرسكم،
بلعت ريقها وعينيْها معلَقة بعينيَ غادة، للمرةِ الأولى أشعرُ أنني مآسآة! وأن ما يحدثُ ليْ مصيبة، أين ذكرياتنا يا عزيز؟ ذكرياتنا التي تُجسَد بصورة؟ لا نملك شيئًا للحياة نُبرهن من أجلها و من أجل الذاكِرة المريضةُ بك! يالله، مُدَ لي بفرجٍ منه/ ومن هواه.
غادة بتوتر : مو قصدِي أشوفها الحين! بس . .
رتيل بعينيْن تُضيء بالدمع المحبوس في داخلها، إبتسمت وهي تمَد أكمامها القطنية حتى نصف كفَها : ما سوينا عرس
غادة شتت نظراتها، لتتداخل أصابعها فيما بينها، عادت ذاكرتها المُتعبَة لضوضاءِ مشاهدٍ تجهلُها.
للتو تجاوزت أمرُ السنين وتأقلمت معها، ذكَر لي ناصِر ما حدث في السنواتِ الخمس الأخيرة، ولكنني الآن! أشعرُ بأن أحدًا يعجنُ عقلي بذكرياتِه، مشوَشة التفكير! لا أفهمُ تمامًا ما أتذكرهُ وأين مصدرِه، يضطربُ عقلي بمشاهدٍ لا أُدركها.
" وليد خلفِي على متن سفينة تعبرُ بحرٌ شاسِع الزُرقَة، ناصِر في إحدى المقاهي يبتسمُ إلي، ضحكاتُ العيد تتغنجُ من بين شفتيَ أمي، مُبارة السعوديَة الكرويَة تجمعنا، إتصال والدِي المُباغت في تلك الليلة، تجربتي بإرتداء الفستان الأبيض، تأخر عزيز عن الحضور ليلة . . . . " يالله ما هذا !
أخفضت رأسها وهي تطوَقه بين يديْها بصداعٍ يفتكُ خلاياها، إرتجفت شفتيْها من الذي يحدثُ لها.
رتيل بخوف أقتربت منها : غادة؟ .. .. مدَت لها كأس الماء الموجود على الطاولة . .
غادة رفعت عينها المحمَرة بالوجَع : وين عبدالعزيز ؟
رتيل : والله ما أدري! أكيد بيرجع الحين
غادة أخذت كأس الماء لتُبلل الجفاف الذي صابها، أخذت نفس عميق من تلخبط الأحداث في دماغها، همست : ناصر!!
رتيل أرتجفت أطرافها من دهشَة عينيْها التي تستذكرُ الأحداث على هيئة دمع، جلست على ركبتيْها أمامها : أسترخي بسم الله عليك
غادة عقدت حاجبيْها لتسيل دمعة رقيقة على خدَها، تنظرُ لعينيَ رتيل، أطلقت " آخ " خافتة بعد أن توجَعت نفسيًا من ضربة السيارة التي أنقلبت في ذاكرتها، أغمضت عينيْها بشدَة وهي تنظرُ لولِيد أمامها و ناصِر من خلفها، و حُطام السيارة بجانبها، وأصواتِهم/صرخاتهم تتداخلُ بها، سقطت دمعةً تلو دمعة لتضغط بكفَها على كفَ رتيل وهي تحاول أن تستمد بعض من قوَتها، بهذيَان : أشهد أن لا إله الا الله . . .
أبعدت كفَها عن رتيل لتضغط بها على رأسها وهي تتألم ببكاءٍ عميق : قالوا بنسوي العملية لكن ما نجحت! قالوا بس يرجع نظرك بتتذكرين تدريجيًا . . .
رتيل بربكة وقفت، لم تفهم شيئًا مما تقوله وهي تتألم منظر غادة ومن وجَعِها الذي يُصيبها ويكسرها أمامها : تعوَذي من الشيطان . .
رفعت غادة عيناها المحمَرة بدمعٍ مالح، برجَاء : أبي أتذكر! . . أنا أنسى كل شي . . وش قيمة الحياة بدون ذكريات؟
رتيل جلست بجانبها لتحاول أن تتجرأ بصوتِها، كررَت الإستغفار في داخلها حتى وضعت يدَها على رأسِ غادة لتقرأ عليها كما اعتادت أن يقرأ عليها والِدها الذي لم يضع أيَ إحتمال أن طيْشها لم يمنعها أن تحفظ القليل من القرآن : إذْ يقولُ لصاحبه لا تحزَنْ إن الله مَعنا فأنزَل اللهَ سَكينتهُ عليه وأيَده بجنودٍ لَمْ تروْها . . . . . هو الذي أنزَل السكينَة في قلوب المؤمنين ليزدادُوا إيمانًا مع إيمانهم . . . تلعثمت ليسكَنُ صوْتها مع سكينة غادة، رفعت نظراتها للاعلى حتى تمنع تدافع الدمع، أخذت نَفس عميق ليربت على قلبها صوتُ والِدها، عندمَا كان يقرأ عليْها حتى يُخفف وطأة قهرها من زواجها بعزِيز، مازال صوتُه يُردد " فستذكرُون ما أقولُ لكم وأُفوَضُ أَمرِي إلى اللهِ إن الله بصيرٌ بالعباد، فوَقاهُ الله سيئاتِ ما مَكرُوا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب "
يا رب أحفظ والدِي، و أعفُ عن خطايايَ التي فعلتها بحقَك قبل أن أفعلها بحقَه، يارب لا تفجعني بحياةٍ تخلُو مِنه، إن حلوْ العُمرِ من عينيْه، فكيف يطيب العيش دُونه ؟
،
* يتقدَم إليْه رجلان ليفتشانِه ويتأكدان من خلوِ ملابسِه من أيَ سلاح.
أيَ ذلٍ أعيشهُ الآن، أيَ حُزنٍ يُصيب أضلعي و يفتكُ بها؟ هل أتاني ما أتى مقرن؟ هل أرتضى بالذلَ من أجلِ أن لا يشي بشيءٍ يضرَنا! في كل مُحيط يحفَنا يحتاج أحدَنا أن يكون الضحيَة من أجل البقيَة، رحَل عبدالله القايد أولاً ثم سلطان العيد ثم مقرَن ثُم . . . ؟ من يأتِه الدور بينما رائد لم يتخلى عن دوْره الشرس بعد! الله يعرفُ كم جاهدنَا حتى لا تُهدَر دماءِ احدٍ منَا، الله يعرف كم حاولنا! ومازلنا نحاول، ولكننا مخذولين! مخذولين جدًا.
دخَل لتسقط عينيْه على سليمان المقيَد من قدميْه حتى يديْه واللاصق يُغطي فمه، إلتفت ليرى رائد جالس بكل أريحيَة.
رائد بإبتسامة : حيَ من جانا!
عبدالرحمن بجمُود : وين عبدالعزيز و ناصر ؟
رائد بضحكة وقف : كِذا تتفاوضون؟
عبدالرحمن يُدخل يديْه بجيُوب معطفِه : أحاول أكون لطيف معك
رائد : تطمَن ولد سلطان و ناصر بالحفظ والصون! حتى خليتهم مع بعض!! شايف قلبي الرحيم قلت يسلَون بعض!
عبدالرحمن بنبرةٍ واثقة : طبعًا راح تطلَعهم الليلة قبل بكرَا وبعدها مالِك أيَ شغل معهم
رائد : أول أتأكد
عبدالرحمن : أظنَ إني أنا أكبر دليل قدامك!!
رائد إبتسم بسخريَة : يعجبني حُبك لولد سلطان! واضح الغلا من غلا أبوه
عبدالرحمن بتجاهل : بكرَا راح توقَع لآسلي ومالنا أيَ علاقة! بتطلَع رجالِك اللي بالرياض وبكِذا سوينا كل اللي تبيه
رائد : باقي شي واحد
عبدالرحمن تنهَد : وش بعد؟
رائد : أبي المستندات اللي كانت مع سلطان ومقرن!
عبدالرحمن : ما نملكها
رائد غرق بضحكةٍ صاخبة حتى نطق : أضحك على غيري!
عبدالرحمن إبتسم : أظنَك فاهم كثير إننا فقدنا سيطرتنا عليك وعلى خياسِك!!
رائد جلس ليضع ساقًا فوق الأخرى : إيه طبعًا مو فقدها قبلكم سلطان وراح بحادِث! والله يستر وش بيصير فيكم! ما وصلَت لك الخبر بنتِك قبل سنة؟ ما قلت لكم لا تلعبون بالنار!!
عبدالرحمن ببرود : الشكوى لله، مفروض نآخذ حكيْك المرة الجاية بجديَة أكثر!!
رائد : بس أنا ماراح أسوي أيَ شي إلا لمَا يجيني سلطان!!
عبدالرحمن ضحك من شدَة قهره ليُردف : وش تبي بالضبط؟ تحاول تلعب معي بوقت حسَاس مثل هذا!
رائد : أنا ؟ عفوًا! لكن هذا طلبي وغيره ما راح يتَم شي
عبدالرحمن : ماهو من صالحك!!
رائد إبتسم : ما ترضى بعد عليه؟ . . أحييك والله كل الناس عندِك مهمَين!
عبدالرحمن بإستفزاز : لأن اللي حولي رجَال لازم أخاف عليهم! لو حولي كلاب ذيك الساعة قول ليه كل الكلاب مهمين عندِك! مع العلم إنك برَا الحسبَة
رائِد أخذ سيجارته ليُشعلها بعد أن أشتعل صدره بالغضب، نظر إليه : بالنسبة لي كلاب معي بالحلوة والمُرَة ولا رجَال يشتغلون من ورايْ ويخططَون! . . رفع حاجبه مُردفًا بإستفزاز أكبر . . ولا ما وصلِك العلم من سلطان ؟
عبدالرحمن بإبتسامة يخفي حدَة قهره : لا تحاول تستفزني بشخص خدَم وطنه!
رائد بسخرية : وأنا خدمت وطني بطريقتي الخاصَة
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أبي أشوف عبدالعزيز
رائد بسخرية لا تنفَك عنه، وهو يُترجم نظراتِه : ليه؟ تبي تودَعه؟ لهدرجة مو ضامن مسألة رجوعك منَي!
عبدالرحمن : ماهو أنت اللي بتآخذ منَي حياتي! مُشكلتك منصَب نفسك مسؤول عن أعمارنا و تتوقع أنه حياتنا بإيدك!!! أصحى على نفسِك! شغلك هو اكبر همومي أما أنت ما تشكَل ولا 1٪ من عقلي!! لو تجي من غيرك بتصرف بنفس التصرف! فلا تتوقع إنك تعيش بمُلك عظيم وإننا تحت سيطرتك!!
رائد يزفر دُخانِه : حفاظًا على سلامتِك حاول قد ما تقدر إنك ما تستفزني! لأني ممكن أتهوَر فيك! . . تفضَل إتصل على سلطان قدامي!
عبدالرحمن : واضح إنه تلخبطت عندِك المفاهيم! إني أوافق على بعض شروطِك ماهو يعني إنك تأمرني!!!
رائد بإبتسامة ترمِي عينيْه بشررٍ من الخبث : واضح إنك ما تبي ناصر و عبدالعزيز يكونون بخير!!
عبدالرحمن فهم تهدِيده، تنهَد بعُمق حتى أخذ هاتفه واتصَل، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو
عبدالرحمن عقد حاجبيه : سلطان! منت في الشغل؟
سلطان أستعدَل وهو يتكسَر ظهره من النوم على الأريكَة، : رجعت الصبح أنام ساعتين . .
عبدالرحمن ينظرُ لرائد مردفًا : أنا عند رائد
سلطان ضحك من قوةِ السخرية في هذا الموضوع : تمزح! يا روقانك بس!!
عبدالرحمن : أنا عنده يا سلطان
سلطان وقف بجمودِ ملامحه : من جدَك! . .
عبدالرحمن : والمصيبة الحلوة إنه ناصر وعبدالعزيز عنده بعد
سلطان بغضب : بأعرف ليه تحبَون تتصرفون من كيفكم! ليه أنا دايم آخر من يعلم! . . . انا ماني جدار يا عبدالرحمن
عبدالرحمن بهدوء : أحجز باريس على أيَ طيران، بكرَا لازم تكون موجود .. إذا ما لقيت شوف لك أيَ طيارة خاصة وأجرَها!
رائد بسخرية : نرسل الطيران بكبره له ولا يزعل بو بدر
سلطان بصراخ : ليه!!
عبدالرحمن : أنت عارف
سلطان : كان فيه مليون طريقة نطلَع فيها عبدالعزيز و ناصر! ليه دايم تخلونه يحاصرنا من كل جهة! كنت أخطط طول أمس إني ألوي ذراعه وأنت ببساطة رايح له!!
عبدالرحمن بخفُوت : أظن إننا خسرنا بما فيه الكفاية عشان هالخطط! عبدالعزيز وناصر ما هُم عرضة للتجارب!!!
سلطان بحدة : الكلام ليْ؟ . . . على أساس إني حاط رجل على رجل وجالس أقول سوَو و سوَو ما كأني أتعب عشان أطلع بحَل وأنت ولا يهمَك أصلاً حتى تبلغني قبل لا تسوي أيَ هبال من راسِك . .
عبدالرحمن بهمس : سلطان تعَال! ماعاد عندي شي أقوله . . . أغلقه
سلطان أضطربت أنفاسه لينظر لسقف منزلِه : حسبي ربي بس . . . صعد لغُرفتِه، بلا تفاهُم دفع الباب بقدمِه لينزع قميصه وهو يسير ويرميه على الأرض، إتجه ناحيَة الحمام، أستغرق بإستحمامه 10 دقائِق لا أكثَر، إرتدَى ملابسه على عجَل ليضع السلاح على خصرِه بجانب قبعته العسكرية المعلقة، نزل وهو يُغلق آخر أزاريره، خرَج وركب سيارتِه، بسُرعةٍ غير معقولة سَار بإتجاه عمله، فتح هاتفِه ليتصَل على عبدالله، وضعه على السماعة الخارجيَة حتى يقُود بإتزان : هلا
سلطان : هلابِك ، طمَني عن فيصل
عبدالله : دخلوه العناية المركزة . . يقولون نزف كثير وصارت له مضاعفات بالعملية
سلطان تنهَد : الله يشفيه يارب . . مين عنده؟
عبدالله : الحين منصور وبيجيه يوسف بعد شويَ . . أنت وش صار معك؟
سلطان : عبدالرحمن راح لرائد
عبدالله بدهشة : نعم!!!
سلطان : اللي سمعته وشكله الحيوان شارط عليه إني أجيه بعد! أنا خلاص وصلت لأقصايَ يا أنا يا هوْ
عبدالله عقد حاجبيْه : ليه راح له ؟
سلطان : لأن ناصر وعز بعد عنده! ليت عز يصحصح شويَ ويطبَق شي بس من اللي درَبته عليه
عبدالله : وين يصحصح! أنت شايف المصايب اللي فوق راسه!!
سلطان : طيب وش الحل؟ حاصرنا من كل جهة! مسك عز و مسك ناصر و مسك الحين عبدالرحمن! و البنات الله حافظهم إن شاء الله وعندهم نايف!! . . . مين بقى يا عبدالله؟
عبدالله : وأنت بتروح له طبعًا!!
سلطان : وش أسوي بعد، أنت شايف فيه حل ثاني! سكروها بوجهي
عبدالله : كلَم . .
يُقاطعه سلطان : ماراح أكلَم أحد! ماراح يفيدني بشي! هو ما قصَر عرف بس يضيَعنا . . . أردف كلمتِه الاخيرة بسخريَة.
عبدالله تنهَد : الليلة بجِيك ويمكن نلقى لنا حلَ!
،
بربكة رمشَها نظرت إليْه، أعتلى الخوفُ صدرها : والحين؟
منصور بتعب : نقول إن شاء الله بخير . . . رمى نفسِه على السرير
جلست نجلاء بجانبِه : وهيفا؟
منصور : حالتها حالة! كان عندها يوسف بس راح المستشفى وتركها مع أبويْ
نجلاء بضيق تنهدَت : يارب! . . الله يصبَر قلبها . . بترك عبدالله عند الشغالة وبروح لها؟ حرام نخلَي عمَي يتعب معها!
منصور دُون أن يفتح عينيْه : يكون أفضل! روحي مع أمي
نجلاء : بروح أسألها . . . أختفت من أمامه لدقائِق طويلة حتى جاءت : بتروح الحين! . . . إتجهت ناحية دولابِها لتأخذ عباءتها، كانت ستخرج لولا أنها ألتفتت، أنحنت عليه وقبَلت خدَه : نوم العوافي
منصور فتح عينيْه ليبتسم : الله يعافيك . . بحفظ الرحمن
نزلت نجلاء لتتجه إلى الصالة، نظرت لعبدالله الصغير النائم بهدوء، قبَلت جبينه الناعم : يسلم لي النايم ويخليه
من خلفها : يالله ؟
إلتفتت وهي تلفَ طرحتها على رأسها وبيدِها نقابها : إيه . . .
في المستشفَى كان جالِس يوسف أمامه برداءٍ خاصَ و كمَام يُغطِي جزء من وجهه، نظر لتقاطيع الوجَع بملامِحه ليزداد حاجبيْه عقُودًا، وضع كفَه على يدِه المتصلة بأسلاكٍ شفافة : اللهم ربَ الناس أذهب البأس، أشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يُغادر سقمًا . . . يارب يارب يارب أشفِه . . يا حيَ يا قيوم لا إله الا أنت
وضع جبينه على جانبِ المرتفع من السرير ويدَه تُخلخل أصابعه المتعبة، في أسوأ الظروف والمواقف تأتِ الضحكات التي تحفظها الذاكرة، كيف أطردِك من تفكيري يا فيصل؟ كيف أطردُ صخب ضحكاتِك وإبتسامتِك ؟ اهتز هاتفه في جيبه دُون أن يصدِر صوتًا، رفع عينه إلى ملامح فيصل النائمة بسكينة. خرج من الغرفـة ليُجيب على هاتفه وهو يُنزل الكمَام : ألو
مُهرة أتزنت بصوتها المضطرب : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . شلونك ؟
مُهرة : بخير . . فيك شي؟ صوتك تعبان!
يوسف تنهَد : وش صار مع أمك ؟
مُهرة : أتصلت عشان اكلمك بس إذا مشغول . .
يُقاطعها : لا، تفضلي
مُهرة نزلت دمعتها لتلفظ بنبرةٍ مهزوزة : آسفة
يوسف : على ؟
مُهرة جلست على طرف سرير، أخفضت رأسها ليُشاركها شعرها المواساة من على الجانبيْن.
وصل صوتُ بكاءها لسمعِ يوسف : وش صاير يا مُهرة؟
مُهرة اهتزَ فكيَها : فكَرت كثير و ..
يُقاطعها : تبين الطلاق ؟
آسفة! على السوء الذي أصابك مني، على الحُب الذي لم يتكمل كالجنين الذي سقَط من رحمِي، لم أكون زوجة صالحة بما يكفِي! كُنت طائشة لإتهامِك! والآن قد جاء الرحيل! أفكر إلى ما قد سيحدُث دُونك! وأتبعثر من جديد يا يوسف! ربَ أمرٌ سيء يعقبُه حالٌ حسَن وأنت كُنت أمرِي السيء وحالي الحسَن، كنت أسوأ ما تحقق لي قبل مُدَة وأصبحت أجمل ما صَار بحياتي، أنت وحدُك! الذي صيَرت الأفعال المؤذيَة إلى قولٍ جميل، وأنت وحدُك الذي تهواهُ روحي في الوقت التي لم أكن أبحث به عن حُب، أتيْت لتُثير دهشتِي بالحياة، و تُسعدني.
يوسف بغضب : ليه؟ عشان أمك؟ عشان كلمتين قالتها لِك!! أنا ما أدري الأمومة فِطرة ولا لازم ندرَسها!!!
مُهرة بضيق : بجد آسفة
يوسف : لا تعتذرين عنها! . . أنا ماراح أخلَيك حطي هالشي في بالك
مُهرة برجاء : يوسف
يوسف : وش سويت لِك؟ وش الجريمة اللي أرتكبتها في حقَك؟ عشان تبعدين وتآخذين بكلام امك؟
مُهرة : ما سوَيت شي! بس أنا . . . مقدر والله مقدر حتى أحط عيني بعينك
يوسف : ليه؟ وش قالت لِك ؟
مُهرة : أتهمتك على باطل
يوسف : طيب؟ كلنا ندري إنك كنتِ تتهميني على باطل! وش الجديد؟ . . الجديد إنك تأكدتي صح؟ . . طيب أنا وش يفيدني تأكدتي الحين ولا بعد سنة!! أنا اللي يهمني أنتِ ما يهمَني وش سوَت أمك ولا وش سوَآ أخوك
مُهرة ببكاء : يالله يا يوسف! بس أفهمني
يوسف بخفُوت وهذا البُكاء نُقطة ضعفه : لاتبكين
مُهرة يزيدُ بكاءها مع كلماته وكأن هذه الكلمة تستثيرُ دمعها على السقوط اكثر : أنا ما أعرف أتأقلم بهالطريقة! ما عاد يربطنا شي! . . قلنا أنه الطفل اللي ممكن يجي بيخلينا نتماسك أكثر بس راح!
يوسف بغضب تظهرُ عروقِه من رقبته : وأنا أبيك زوجتي وحبيبتي ولا أبيك أم عيالي وبس!!! أنا ما أفكر بهالطريقة الغبية! وش يهمني جاني ولد اليوم ولا بُكرا! يهمني إنه أنتِ هنا اليوم وبُكرا
مُهرة إرتجف قلبُها بصراخِه لتلتفَ حول صمتَها بالبكاءِ الذي يحبسُ صوتها بشدَها على شفتِها السفليَة.
يوسف تضطربُ أنفاسِه : ليه تنهين كل شي بالطريقة اللي يبيها غيرك! هذي حياتك ولا حياة أمك!!
مُهرة : بس هذي أمي
يوسف بضيق : وأنا؟ ما أهمَك بشي؟
مُهرة بنبرةٍ يخدشُها الدمع : تهمني يا يوسف بس مقدر
يوسف : ليه ما تقدرين!! مستعد أخليك في حايل لين تتصلين عليَ وتقولين تعال لكن لا تطلبين الطلاق وأنتِ منتِ مقتنعة فيه!!
مُهرة : يوسف
يوسف جلس على المقاعد المُقابلة لغرفة فيصل : لبيه
مُهرة تلعثمت من " لبيه " التي خطفت كل ما أرادت قوْله، حبست زفيرُها بداخلها حتى لا تعتلي شهقاتُها ببكاءٍ رُبما يطول.
كيف أنطقها يا يوسف؟ كيف أقولها كما كنت أردَدها عليك بالسابق بإزرداء! كيف لا أُبالي وأنت أصبحت تشغلُني؟ من أجل الله كيف نفترق؟ أريدك! والله أُريدك ولكن . . أمرُنا السيء يتفاقم كلما أخفيناه، بدايتنا مهما حاولنا تجاهلها مازالت تحضُر بيننا وأمِي تشهدُ على ذلك! كيف أنظرُ لعائلتِك وأنا لم أقل لهم جُملةً جميلة ناعِمة! أشعرُ بالضعف من هذا الأمر، أن أعجز تمامًا عن إيجاد حل يُرضيني ويطمحُ إليه قلبي، كل الحلول التي وجدتها تُرضيني ولكن لا تُرضي قلبًا أصبحَ تحت سيطرة حُبك.
يوسف : الحين ليه تبكين؟ ليه تضايقيني؟
مُهرة بصعوبة نطقت : طلقني
يوسف صمت! إتجهت نظراتِه بإستقامة ناحيَة الجدار الذي أمامه ولا يرمشُ بأيَ نظرة.
تعبثين معي، تنالين من رجلٍ لم يرى الكمال بحياتِه على هيئة أنثى إلا معكِ! لا أدرِي مالحُب، ولكنني أعرف بأنني أحُب الصخب المًصاحب لكلماتِك السيئة، الجنُون الذي يستفزَ لسانِك بالشتائم اللامُبالية! أولُ مرَةٍ لاحظتُ فيها كيف تحولتِي لعاشِقة ولهانة كانت عيناكِ مدعاةً للإستيقاظ والتأمل! و بريق الخجل الذي يطفُو على سطحها كان يُذهلني، أنا لا أعرف الحُب تمامًا ولكن أعرفُ قلبك وهذا يكفيني.
: بخلَيك! لا رجعتي لعقلك إتصلي عليَ
مُهرة : يوسف! . . الله يخليك لا توجعني أكثر!!
يوسف : يعني إذا طلقتِك بتنتفح بوجهِك وماراح تتوجَعين من شي؟
مُهرة : بيكون تفكيري مرتاح! أنت ما تتصوَر وش كثر موجوعة الحين من أمي ومن هاللي صاير! مقدر أحمَل نفسي أكثر وأطلع بصورة سيئة قدام أهلك!! لا تقول لا تهتمين لأنه بالنهاية هُم أهلك ماراح أتحمَل نظراتهم ليْ بعدين!!
يوسف : أهلي لو يبون يسيئون لِك كان ساؤوا لِك من أول ما جيتي! وعرفُوا كيف يوجعونِك بالحكي!
مُهرة تنهدَت بضيق : مقدر
يوسف بحدَة : إلا تقدرين!
مُهرة ببكاء يرتجف صوتها : مقدر . . والله مقدر
يوسف : مستعد أطلع من بيتنا ونعيش بعيد عنهم وما تشوفينهم الا بالمناسبات
مُهرة ببحَة حزنها : يضايقني يا يوسف إنك تتنازل عشاني في وقت أشوف نفسي ما أستاهل كل هذا
يوسف بغضب : ليه تسوين كِذا؟ أحاول أتمسَك بكل أمل قدامي وأنتِ تكسرينه!
مُهرة : حط نفسِك مكاني! بتقبل؟
يوسف : وش اللي سويتيه بالضبط؟ كل هذا نتايج أفعال أمك! ليه تتحملين ذنبها؟
مُهرة : لأنها أمي
يوسف : ولأنك زوجتي بعد مضطرة تجبرين نفسك!
مُهرة بضُعف : أنتهينا يا يوسف
يُوسف بلع ريقها بصعُوبة : كِذا ببساطة!! متأكدة إنه عندِك قلب؟
مُهرة بدهشة : لأنك منت حاسَ فيني
يوسف بإنفعال : لأني حاسَ فيك قاعد أقولك بخلَيك في حايل لين تملَين! وبنطلع من بيتنا! . . وش تبين؟ قولي لي بس وش مشكلتِك ؟
مُهرة : مُشكلتي أنتْ! كيف . .
يُقاطعها بغضبٍ جنوني : مفرُوض تستحين إنك تقولين هالحكي . . . لو إنَك حاطة لي قيمة كان ما قلتي كِذا! لو إني أعني لك شي كان وقفتي بوجه أمك! . . آمنا رضاها من رضا الله لكن ماهو على حساب حياتِك! . . . أغلقهُ دون أن يسمع تعليقًا آخرًا منها، زفَر غضبه المضطرب في صدره ليسمع صوتُ الأذان، خرج وهو يردد بمحاولة جادة أن يُهدَأ غضبه : لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
،
قبل ساعاتٍ قليلة، وقف أمامهم : تطمَني بيجيك عبدالعزيز بس ينتهي من شغله
غادة إلتفتت على رتيل : يشتغل عند أبوك؟
نايف يُجيب عنها : إيه، تأكدي إنك بتكونين بالحفظ والصون
غادَة تنهدَت بريبَة، لتخرج من الشقَة، بجانبها رتيل وهي تُغلق أزارير معطفها من الثلوج المتساقطة حتى هذه اللحظة، دون أن تنظر لنايف : شلون أبوي؟
نايف : بخير الحمدلله
رتيل تمتمت : الحمدلله . . ركبت بالخلف بجانبِ غادة التي تعتليها رجفة الرهبة مما يحدُث، عقدت حاجبيْها من المشاهد التي تتدفقُ على عينيْها، منظرُ السيارة السوداء التي تُشبه هذه السيارة وحُطامها المبعثَر، تنهدَت بضيق من هذه الذكرى التي تجهلُ تفاصيلها، أغمضت عينيْها من الوخز الذي تحسَه يأتِ من قطعة زُجاج تغزو محاجرها، وبالحقيقة لم يكُن هناك أيَ شيء يُسببَ لها الوَخز.
مرَت ساعة كاملة بهذا الطريق الطويل حتى وصلُوا للفندق، أخذت نفَس عميق وهي تقشعرُ من البَرد، سَار نايف أمامهم ليصعدَا بالدرج، وقف : هذي الغرفة
أضطربت أنفاسها من اللهفة إلى من فقدتهم الأيام الماضية، إلتفتت على غادة لتهمس : راح أتصل على أبوي عشان يطمَنا على عبدالعزيز . . تأكدي
غادة تنهدَت بتوتر : طيب
فتح لها نايف الغرفة بالبطاقة الممغنطة ليُسلَمها إليها، أخذتها لتدخل على جوَ ساكِن والأضواء خافتة، تبعتها غادة وهي تتأمل الوضع الغريب عليْها.
ضيَ كانت تُصلي على سجادتِها بينما عبير جالِسة دون أن تنتبه إلى أحد، كانت عينيْها على السمَاء التي تذرفُ البياض.
أنتبهت لظلَها، إلتفتت لتتجمَد كتجمَد الأجواء، نظرت إلى العينيْن التي أشتاقت إليْها.
كان من الموجع والله أن أفترق عنكِ! أن تُباعدنَا المسافات ونحنُ لم ننفصِل طيلة حياتنا عن بعض، كان الموجع أيضًا أن أستذكرُ مناوشاتِنا وغضبنا على بعضنا الذي أصبح بعيني أمرًا تافهًا ولا يستحق المُجادلة، أشتقتُك! و خفتُ كثيرًا أن أفقدِك، خفتُ من أن تسلبكِ الحياة وأنا لم أقُول لكِ يومًا أن حُبكِ جميل وأنكِ تستحقينه، خفتُ أن لا أراكِ يا رتيل!
بخطواتٍ سريعة أتتها رتيل لتعانقها ودمعها لا يتوقَف، أضطربت أنفاسها وهي تُغطي ملامحها بكتفِ عبير، أشتعلتْ عينيْها بحُمرةٍ البكاء لتُغمض عينيْها وهي تمسح على رأسِ رتيل وتشدَ على جسدِها : أشتقت لِك
رتيل بوَجع : الحمدلله إنك بخير! لو صار لِك شي كان أنهبلت
عبير بهمس : بسم الله عليك . . بس والله أشتقت لِك كثييير
رتيل : مو كثرِي!! وحشتوني والله وحشتُوني!!!!!
عبِير قبَلت جبينها لتسقط دمعتُها وتُلاصق خدَ رتيل : يا عساني ما أبكِيك
سلَمت ضيَ من صلاتِها، لتقف بإبتسامة اللهفة : وأخيرًا
رتيل إبتعدت عن عبير وهي تمسح دموعها بكفَها، أقتربت لضيَ لتُعانقها بشدَة حنينها : شكلي اليوم ببكي لين أقول بس!!
ضي : عسى هالدموع غير الفرح ما تنزل!
رتيل : آمين يارب . . . إلتفتت على غادة لتعرَف عليهم بإرتباك . . زوجة أبوي ضيَ و أختي عبير . . نظرت لرتيل وضيَ . . هذي غادة أخت عبدالعزيز
ضي و عبير بردَة فعلٍ طبيعية أتسعت محاجرهم بالصدمَة، رتيل بتوتر : أمس وصلت و . . بس . . أجلسي غادة خذي راحتِك المكان مكانك
جلست غادة وهي تشتت نظراتها بعيدًا عنهم، ضي بلعت ريقها : هلافِيك، . .
رتيل : أبوي ما أتصل فيكم؟ أكيد مع عبدالعزيز؟
ضيَ : يمكن . .
،
سَارة تجلسُ أمامها بغضب : بالله؟ أقول قومي غسلي دموعك وخذي لك شاور ينشطك بدل هالحداد اللي عايشة فيه وخلينا نروح المستشفى
أثير ببكاء يبحَ صوتها وهالاتٍ من السواد تنتشر حول عينيْها : تبين تجلطيني؟ أروح وش أقول؟ أقولهم عيدوا لي الكلمة خلوني أسمعها زين
سارة : الحمدلله والشكر!!! أنتِ دكتورة؟
أثير : لا
سارة بإنفعال : أجل أكلي تراب وأمشي يفهمونا الوضع . . إذا بتجلسين على حالِك كِذا بيجيك الموت ماهو من المرض! من الكآبة اللي عايشة فيها
أثير بضيق : جد سارة ما ودَي أطلع ولا أشوف أحد! تكفين خليني براحتِي
سارة : معقولة عبدالعزيز ما شاف التحليل؟
أثير بسخرية مُبكية : على أساس لو شافه بيفتحه! آخر إنسان يهتم هوْ! ما عنده أيَ مسؤولية إتجاه أحد . .
سارة : بس شاطر على رتيل
أثير : وتحسبينه مهتم فيها! حتى هي حالها من حالي!! يحسبنا لعبة!
سارة : وش فيك أنتِ كرهتيه فجأة؟ شكل التحليل لعب بمخك بعد
أثير : ما كرهته بس مقهورة منه! أبي أحد يحسسني بإهتمامه شويَ! السكرتيرة توَ متصلة عليَ وتسألني وأنا زوجي ما أتصل يتطمَن!
سارة : يا مال اللي مانيب قايلة! وأنا وش ؟ صار لي ساعتين عندِك أحاول فيِك نروح المستشفى! يعني ماني مهتمة فيك؟
أثير : مو قصدِي أنتِ!
سارة : طيب أبوك عرف؟ أمك؟
أثير : ما قلت لأحد! قلت لهم بنام كم يوم هِنا!! . . بالله هذا زواج؟
سارة : أثير واضح أنه عقلك تعب معك! صايرة تدخلين بمواضيع كثيرة في دقيقة وحدة
أثير أخفضت نظرها ببكاءٍ عميق : ياربي مقهورة . . . كل شي ضدَنا كل شي يقهرنا! أبيه لي بروحي ما أبي أيَ أحد يشاركني فيه! أبيه يهتم فيني ويقدَرني ويتركها
سَارة بهدوء : يوم وافقتي كنتِي تدرين!!
أثير : توقعت أنه بيطلقها أنه ما يبيها وخذاها مُجاملة
سارة : تستهبلين أثير؟ وش مجاملتة! في الزواج فيه شي إسمه مجاملة
أثير : يقهرني بنظراته لها! أحيانًا أصدَق و أقول ما يحبها ولا يبيها بس ألتفت عليه لمَا يراقبها! والله يا أثير عيونه تنطق
سارة : تتوهمين من الغيرة
أثير أمتلأت المناديل حولها : ما أتوَهم! حتى لمَا عصَب عليها ذيك المرَة ما شفتي نظراتهم لبعض! هُم ما يحكون وأفعالهم بعد ما تبيَن شي لكن نظراتهم تفضحهم! نظراتهم يختي تقهر!!
سارة بسخرية : من متى تفهمين لغة العيون يا روح أمك؟
أثير : إيه تمصخري! عُمرك ماراح تفهمين! أنا أشوف نظرته لي وأشوف نظرته لها!
سَارة : خذي رآي محايدة أنا شفت عبدالعزيز معك بالكُوفي أول ما جاء باريس وشفته مع رتيل مرة ثانية لما كنت أتمشى معك بعد! نظرته لها ما كانت الا نظرة عاديَة، بس شوفي نظراته لِك! كان باين إنك تعني له شي، أنتِ من الغيرة تشوفين كِذا! لو فعلاً عبدالعزيز يفضَلها عليك ما صدَقك أول ما قلتي له وراح لها! هذا يعني إنه واثق فيك بس ماهو واثق فيها، لأنه لو واثق فيها كان كذَبك وقال شغل حريم وغيرة! بس هو ما يثق فيها ودام مايثق فيها أكيد ما بينهم أيَ حُب، يمكن نظراته لها حِقد أنتِ ما تدرين كيف صار زواجهم! لأن لو يبيها ما تزوَج بعدها على طول! هو تزوَجك لأنه يبيك أنتِ، لأن مستحيل تصيل مُشكلة بهالسرعة وهُم أصلاً كانوا مملكين وقتها! فاهمة عليَ ؟ عبدالعزيز يبيك أنتِ وحاجته عندِك أنتِ مو عندها
سكَنت أثير بعد كلامِ سَارة المُقنع لعقلها قبل قلبها، نظرت إليْها : أجل ليه ما رفع السماعة وتطمَن عليَ إلا مرة وحدة؟
سارة : أنتِ عارفة عبدالعزيز من أيام أهله هو كِذا طبعه، ثقيل وما يرفع السماعة على أحد ولا يعطي وجه!
أثير : يصير ثقيل بس مو على زوجته
سارة : وش يعرَفك بعقول الرجال! فيهم طبايع غريبة!! . . أمشي بس للمستشفى . . يالله عشان خاطرِي
أثير تنهدت لتقف : طيب . .
،
تقرأ تغريداتِه دُون أن تضغط على " المُتابعة "، تجمدَت عيناها ناحيَة حديثه مع أحد الأشخاص " بكون في الشرقية هاليومين، عندنا دورة معتمدة من المركز "
رفعت عينها للجوهرة : تدرين مين جايَ؟
الجوهرة بلعت ريقها من الإسم الذي يحضرُ بعقلها، همست : مين؟
أفنان : نواف
الجوهرة نظرت إليها بإستحقار : فاضية! . . أحسب أحد أعرفه
أفنان صمتت قليلاً حتى أرتفع صوتُها بالدهشة : أوه ماي قاد! اليوم لمَا رحت أجيب القهوة كانوا حاطين إعلان! تخيلي الدورة تكون بقاعة إجتماعات المستشفى!
الجوهرة : إيه إحلمي وتخيَلي كثير
أفنان : والله يالجوهرة شفت الإعلان بس يمكن دورة للأطباء أو ناس ثانيين . .
الجوهرة : وش يجيبه المستشفى! من جدَك! وبعدين وإذا جاء! ناوية تقضينها سوالف معه . . عيب و مايجوز . . وحرام
أفنان بضحكة : تحسبيني بروح أضحك معه وأقوله عطني رقمك! طبعًا لا، بس كِذا مجرد فضول قريت إنه بيجي للشرقية وقلت لِك!
الجوهرة : الحمدلله الله يثبتَك
أفنان تنهدَت : بديت أحس إني صرت عانس! كل الناس تزوَجت وبقيت أنا
الجوهرة : نصيبك بيجيك لو وش ما صار!
أفنان : والله إني كنت حمارة يوم رفضت اللي جوني قبل! كنت أتدلع وأقول أهم شي دراستي ومقدر اتزوج وأنا أدرس! هذاني تخرَجت وماعاد أحد خطبني
الجوهرة إبتسمت : الحين تندمين عليهم!!! بالله سكري هالسيرة تجيب لي التوتر
أفنان : صاير كل شي يجيب لك التوتر! الله يستر وش بيطلع ولدِك! إذا أبوه سلطان وأمه الجوهرة
الجوهرة بضيق : عساه يجي بس بصحة وعافية
أفنان : آمين . . يختي خلَي روحك حلوة عشان يطلع ولدِك وش زينه مو يجينا وهو فيه حالة نفسية!!!
الجوهرة إلتفتت للباب الذي أنفتح، إبتسم والدها : مساء الخير
أفنان : مساء النور . . السوَاق جاء؟
والدها : لا ريَان ينتظرك تحت، أنا بجلس عندها
أفنان وقفت : مع السلامة . . وخرجت
والدها جلس بجانبها : شلونك؟
الجوهرة : بخير الحمدلله . . . متى بيطلعوني؟
والدها : بكرا الصبح . . وضع يدِه على يدها المتصلة بالمغذي : وش صار لِك ؟ لا تقولين لي عشان سلطان لأن ما أصدق إنك تنهارين عشان طلاق!! أنا أعرف أنه الله عطاني بنت ما ينافسها أحد بصبرها!
الجوهرة تنهدَت : جاء
والدها : مين؟
الجوهرة بإهتزاز نبرتها : تُركي
والدها بدهشة : تُركي!!! بأمريكا
الجوهرة إلتفتت عليه بضيق : يبه شفته بعيني في المطبخ وكلَمني
والدها عقد حاجبيْه بضيقٍ أكبر من أنها بدأت تتوهمه : بسم الله عليك يا يبه، هو بأمريكا وش يجيبه! مستحيل يجي حتى!!
الجوهرة سقطت دمعتها بتوسَل : والله شفته يبه . . والله العظيم شفته
والدها وقف ليجلس على السرير بجانب جسدِها وضع يدِه على جبينها : يمكن عشان ما نمتي كويَس صـ
تُقاطعه ببكاء : والله يبه . . والله شفته حتى أسأل ريم! تقول إنها شمَت عطره
والدها : كيف تعرف عطره؟
الجوهرة : تقول عطر غريب! ماهو لِك ولا لريَان! أكيد انه له
والدها : الجوهرة . . وأنا أبوك أسمعيني . . لازم ترتاحين ولا تشغلين تفكيرك بأشياء توتَرك!
الجوهرة إرتجفت شفتيْها لتضع أسنانها فوق شفتِها السفلية : محد يصدقني! بس والله شفته . . والله والله
والدها أشتعل قلبه بحُزن عينيْها : خلاص لا تقطعين قلبي عليك! عادِي كلنا أحيانًا نتوَهم مافيها شي! أنا أيام أتوَهم إني شفت أحد وبالحقيقة مافيه أحد
الجوهرة : بس يبه أنا كلمته، أعتذر لي بعد
والدها سحبها إليه ليُعانقها وهو يقبَل شَعرها المبعثَر : ما يقدر يطلع من المصحة الا بإذني! مستحيل . . مستحيل يكون رجع وأنا ماعندي خبر
الجُوهرة بجنُونِ بكاءها إنهارت : الا شفته! . . . لو أتوَهم كان شكَيت لكن أنا شفته وكلَمني! . . والله شفته
والدها بخفُوت : أششش! لا تصرخين وتتعبين!!
الجُوهرة بلا إتزان و تفقدُ وعيْها بين الكلماتِ تدريجيًا : شفته! والله العظيم شفته، بس ما قرَب لي هالمرَة ما قرَب . . . والله شفته
والدها يشدَ عليها بعناقه : اللهم رب الناس إذهب البأس وأشفِ أنت الشافي لا شفاءُ إلا شفاؤك شفاءٌ لا يغادر سقمًا
الجوهرة ببكاء يتصاعدُ أنينه بللت ثوب والِدها بدمعها : قالي آسف . . قالي ما أبغى أضرَك
والدها : بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجِد وأحاذر
الجُوهرة بنبرةٍ تنخفض تمامًا : ليه ما تصدقوني! شفته كان بالمطبخ لمَا نزلت! خلاني أرجع بقوة على ظهري . . بعدين ركضت . . حتى صرخت لك يبه . . ناديتِك بس ما جيت! كنت أبيك تشوفه . . .
والدها : بسم الله الرحمن الرحيم قل الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد
الجوهرة : تعبت يا يبه! . . وش ما سوَيت ما تزين حياتي، ما فرحت بأيَ شي مع سلطان لأنه دايم كان بيننا! مقدر ينساه سلطان ولا قدرت أنا! كنت تقولي دايم كثر ما تكسِرك الحياة كثر ما يقوى داخلِك . . بس يبه أنا ما قويت
والدها تنهَد بضيق ويُضعفه بكاءها وهذيانها : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسقٍ إذا وقب ومن شر النفاثاتِ في العقد ومن شر حاسدٍ إذا حسد
الجوهرة بإنكسار : ما قوِيت! رجَعني لِك، أحفظني بصدرِك ما أبي أحد ثاني
توقَف عبدالمحسن عن القرَاءة من كلماتِها له في وقتٍ يشعرُ بأنه لم يحفظها ولم يحميها من أخيه، تكسرُه هذه الكلمات وتُذكَره بأنه قصَر بحمايتها، قبَل رأسها ليُطيل بقبلتِه،
الجوهرة : تخيَل يبه حتى سلطان يكلَمني ويسألني عن حالي بس كِذا! أداء واجب لا أكثر! أنفصلت عنه يبه . . . تطلقنا . . كسروني كل الرجَال اللي أعرفهم! كسرني ريَان بشكَه و كسرني سلطان بأفعاله وكسرني تُركي ! باقي أنت يبه! لا تكسرني وتذبحني أكثر
عبدالمحسن همس بترديد : أنا معك . . معك يا روحي
الجُوهرة بصيغة الجمع تتحدَث عن سلطان : بس هُم يدرون إني كنت أحبهم وأبيهم! كانوا أقرب لي من روحي! بس راحوا! . . راحوا اللي كنت أحسبهم ما يروحون
عبدالمحسن : خلاص أششششش!
الجوهرة تسقطُ الدمعة تلو الدمعة والرجفة تتبعُها رجفة أخرى: الله معي
بهدوء : صح الله معِك وش حاجتِك بالناس؟
" وش حاجتي ؟ " هو من كان عن العالمين بأكملهم وكان بعينِي كل الناس، أُنادِي بزحامِ الوجَع عن عينٍ أستهدِي بها وكان هوَ الملاذُ ، بعد أن فقدت قُدرتي على الحياة بعد تُركي! ردَها ليْ بكلماتِه و طمأنينة صوتِه، ولكن سُرعان ما سلبَها منِي، سلب السكينة التي تبثَها عينيْه، سلبها وتركنِي مُعلَقة أتكئ على اللاوجُود، ضائعة! أُريد أن أسترَد نفسِي ولا فُرصة لذلك، كسرنِي بحُطام الحياة التي كانت تُرمم نفسها بداخلي، كسَرني وهذه المرَة لا أدري إن كنت أستطيع أن أُرمَم نفسي بنفسي.
: ما أتخيله! هو والله هو
عبدالمحسن بمُجاراة لحديثها : هوْ يا الجوهرة . . . خلاص هوْ!!
،
فتح عينِيه لينظِر إلى عينيَ عبدالرحمن، أستعدَل بجلستِه وهو ينظرُ للمكان الذي يُحيطه بجدارنه المزخرفة بشرقيةٍ بحتة، سقطت أنظاره لرائد الجالس بهدُوء يُراقب الوضع.
عبدالرحمن : عبدالعزيز
عبدالعزيز تنهَـد وهو يمسح على وجهه بعد أن شعَر بثقلِ رأسه بالصداع ، عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه دون أن ينطق شيئًا، نظر إليه عبدالعزيز وهو الذي تدرَب على هذه الخاصيَة، تعلَقت عيناه بشفتيْه، في جهةٍ أخرى ينظرُ بإستغراب لصمتِهم : شاركونا الحديث
عبدالرحمَن الذِي يُعطي رائِد ظهره بينما يُقابله وجه عبدالعزيز، عضَ عبدالرحمن شفتِه السفليَة ليُردف بحركةٍ بطيئة لشفتيْه، عبدالعزيز وضع يدِه على فخذِ عبدالرحمن ليُحرَك أصابعه بكتابَةٍ يفهمها جيدًا.
وقف عبدالرحمن ليلتفت إلى رائد : وش نشاركِك فيه؟
رائد رفع حاجبه بسخرية : يعجبني التحفَظ!!
وقف عبدالعزيز وهو ينفض ملابِسه، نظر إلى رائِد بإشمئزاز : هلا هلا بحبيبنا تو ما تبارك المكان بطلَتك، ما أنتهى حسابنا في المرة اللي فاتت
عبدالرحمن : أظن حسابك صار معي
رائد : وش علِيه! لازم بعد نسوَي الواجب!
عبدالعزيز بتعَب يتضح من نبرتِه : لو تبي الواجب خلَ رجالك على جنب!
عبدالرحمن يضع ذراعه أمام عبدالعزيز ليوقفه من أيَ فعلٍ متهوَر!
رائد بإبتسامة ساخرة : ماشاء الله! أمس شويَ وتموت من التعب واليوم فيك حيل تحكِي!
عبدالعزيز تمتم : غبي!!! . . أدخل يدِه في جيوبِ بنطاله وهو يُعطيه ظهره، عبدالرحمن : وين ناصِر؟
رائد بضحكة صاخبة : ما أمشي بالجُملة! يجي سلطان ويطلع ناصِر
عبدالعزيز إلتفت بغضب : ماراح أتحرَك بدون ناصِر
رائد : والله أنتم مُصيبة! هذا وناصِر لاعب من وراك و . .
يُقاطعه عبدالعزيز بصراخ مُشيرًا إليه بالسبابة : أنتبه لكلامِك معايَ!!!
عبدالرحمن بغضب يشدَ على يدِ عبدالعزيز هامِسًا : عِـــز!!!
رائِد بإبتسامة باردة : إيه خلَ أبو زوجتك يأدبِك ويعلَمك كيف تصرخ عليَ!!
عبدالعزيز يشتعلُ بقهره وهو يحاول أن يكتم بداخله قبل أن يُقيم قياماتٍ في هذه الغُرفة الشاسعة.
رائِد : يعني وش تبون أكثر؟ بعطيكم سليمان وتفاخروا فيه وقولوا والله مسكنا واحِد ما يقدر عليه أحد! بتسكتَون كل اللي حولكم بقوَتكم ونجاحكم! . . أمركم غريب جايب لكم النجاح لين عندكم!!
عبدالرحمن برجاء ينظرُ لعبدالعزيز : يالله عبدالعزيز روح . . كلهم هناك ينتظرونك
عبدالعزيز : ماراح أتحرَك بدون ناصِر!!
رائد : سهرتنا اليوم صبَاحية! كل ما تأخرتوا كل ما زاد اللي خبركُم!!! تعرفوني ما أمزح بهالأشياء
عبدالرحمن بحدَة : عزيز!!! روح
عبدالعزيز سعَل ببحَة أضطربت بداخله : قلت لا
عبدالرحمن بغضب يُعطي رائد ظهره ليُقابل عبدالعزيز : رُوح . . همس . . رتيل واختك بروحهم!! وما أضمن لِك رائد أبد
عبدالعزيز بضيق يضع يدِه على جبينه : وناصر؟
عبدالرحمن: يحفظه الله وبعدها بعيوني بحطَه
عبدالعزيز : وأنت؟
عبدالرحمن : مالِك علاقة فيني! أهم شي تروح الحين و
يُقاطعه عبدالعزيز : ماراح اسمح باللي قاعد يصير!!!
عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه بحديثٍ صامت، عبدالعزيز أبعد نظره عنه : ماراح أتحرَك
عبدالرحمن : أنت تعبَان! شوف حالتِك!! روح يا عبدالعزيز . . روح واللي يرحم لي والدِيك
عبدالعزيز ينظرُ لإستخفاف رائِد بهم من الخلف وهو يضع رجل فوق رجل ونظراتِه اللامُبالية تزداد : مُستحيل
عبدالرحمن : بكرا بيكون موجود سلطان! . . تطمَن! لازم أحد مع البنات
عبدالعزيز بهمس : خليتوني أواجه الموت أكثر من مرَة! بتوقف على ذيَ؟
عبدالرحمن بضيق : هالمرَة غير!
عبدالعزيز : لأنكم مو ضامنين أيَ شي صح؟ وأنا ماراح أسمح بهالشي
عبدالرحمن : مو قلت راح تنتقم من كل شخص أوجعك! هذا إحنا قدَامِك! نمَر في أسوأ مرحلة في حياتنا
عبدالعزيز بتشتت/بضياع : مسألة إني عندِك الحين هذا ما يعني إني سامحتِكم! لا تنتظر مني عفو!! لكن هالموضوع يخصني ومن حقي أبقى
عبدالرحمن تنهَد : أرجُوك
عبدالعزيز بخفُوت : كم مرَة قِلت أرجوك علَمني! ولا جاوبتني!!!
عبدالرحمن : لا توجعني يا عزيز أكثر من كِذا!!
عبدالعزيز : هالمرَة لا! ماراح أرضخ لأيَ شي يتعلق فيكم!!!
عبدالرحمن برجاء يتوسَله لأولِ مرةٍ بهذه الهيئة : عبدالعزيز، روح
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بحدَته : آسف
رائد وقف : أظن يا أبو سعود عِز ينتظر سلطان! يعني مثل ما تعرف أنه سلطان يتحمَل جزء كبير من اللي صار بحبينا عِز
عبدالرحمن أدرك أن رائد يُريد شَحن عبدالعزيز بكلماتِه، لفظ : وأظن أنه الأمر ما يعنيك أبدًا! ياليت تهتم باللي بيننا وبينك بدون لا تتدخل بشي ثاني
عبدالعزيز ينظرُ لعبدالرحمن : ما تهمَوني! يهمني ناصر حاليًا
رائِد : ياخسارة! كِذا بننتظر لين يوصل سلطان عشان تروح مع ناصِر
عبدالعزيز تنهَد ليجلس دُون مبالاة : وأنا بنتظر سلطان بعد . . . .
،
الرياض / الساعة الثانية عشر ليلاً.
وضع جوازِه بجيبه وهو يحاول أن لا ينسى شيئًا، نظر لعبدالله : كِذا أمورنا تمام
عبدالله بتوتر : أنتبه لنفسِك، وأنتبه لهم
سلطَان بضيق لأن الأفكار السيئة بدأت تأتِيه من الآن، سقفٌ يجمعه مع رائِد لا يدرِي ماذا يحصلُ تحته : إن شاء الله . . أستودعني الله
عبدالله بضيقٍ أشد : أستودعتِك الله الذي لا تضيع ودائعه . . .
خرج سلطان ليُجيب على هاتفه : هلا . . . . إيه تمام كثَف الحراسة ما أبغى أحد يفارق بيتي! وعمتي بس تطلع مكان تكونون معها مفهوم؟ . . . . إيه . . . قوَاك الله . . . أغلقه ليركب سيارته متجهًا إلى المطار، أنشغل عقله بالتفكير طوال الطريق.
لا أدرِي إن كان ليْ عودَة هُنا! هذه المرَة يا نحنُ يا رائد، لا مجال للوسطيَة في الموضوع، إما نفرح ونهزمهُ بشَرِ أعماله أو يهزمنَا ولا يُبقي لنَا ما يستحق الحياة، هذه المرَة النهايـة!
،
كتبَ على أولِ صفحة بيضَاء بخطٍ يُربكه الرحيل " إلى من أحسنَت على الوجُودِ من عبِيرها، كتبتُ لكِ ما وددتُ ان أعيشه معكِ، أُريد تخليد الحياة التي أفترضتهُ ولم تقبلي بها، عسَى أن تقبلِي بجفافٍ صابهُ السيْل وأنجرف إليكِ . . . . فارس "
إلتفت عليه : خلَصت؟
فارس وضع الكتاب في جيب الكرسي الخاص بالسيارة، نظر للمكان الذي يقطن به والِده : بتجي معايْ؟
: راح ننتظر لين تطلع الشمس!! . . . بقُولك شي وأقبل فيه يا فارس سواءً كان ضدِك أو معك
فارِس إلتفت عليه ليلفظ برجفة شفتيْه : بالنهايَة مافيه حل وسَط!!
فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد
: أقصِد باللي يخص أبوك
فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا . . .
،
وضع السلاح خلف رقبتِه : أظن ما يخفى عليك وش ممكن أسوَي! نادَها لو سمحت قبل لا أستخدم أسلوب ماهو لطيف أبدًا
نايِف أنشغل عقله بالتخطيط : طيب . . مشى معه وهو يُخبئ السلاح بعيد عن أنظار الموظفين بالفندق، صعد الدرج حتى وصَل لغرفتهم، همس من خلفه : ناد لي أيَ وحدة ويفضَل زوجة بو سعود!!
نايِف طرق الباب، وقفت رتيل على أطرافِ أصابعها حتى تنظرُ من العين السحريَة، إلتفتت عليهم : هذا نايف . .
لفَت حجابها بصورة سريعة لتفتح الباب، نايف : ممكن تجين شوي معي
رتيل بخوف نظرت إليهم لتُردف : ليه ؟
الذي بجانب نايف نطق بصوتٍ خافت لا يدلَ على نواياه : خلاص مو لازِم! نادِي أختك أو . .
تُقاطعه رتيل : بس أبغى أعرف!
: نادِي لنا زوجة عبدالعزيز
رتيل : أنا زوجته . . فيه شي؟
نايف بإرتباك : معليش أزعجناكم بس . .
رتيل بتهوَر : لا خلاص عادِي . . . أغلقت الباب لتتقدَم إليهم وهي تطمئن بوجودِ نايف، نزلت معهم دُون أن تعلم ماذا يحدث تحديدًا، ودُون أن تفكر بمنظر الرجل الغريب عليها وهي التي تحفظُ موظفين والدها تمامًا.
خرجُوا للشارع، إلتفتت رتيل بإستغراب : وين بنروح؟ أبوي هِنا؟
: بس نوصل لنهاية الطريق عشان يكون فيه إشارة للجوَال
رتيل تنهدت براحة لتسير معهم حتى أتجها لطريقٍ منعزل تمامًا ولا يحوِي أحدًا، نايف بقوَة دفعه ليسحب قدمِه ويُسقطه، الآخر بإنفعال صوَب بإتجاه رتيل التي ألتفتت وأطلق النَار عليْها.
نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره . . .
↚
.. إنطقها ، و ان شاخ الصدى
علّقها بسْكوتك !
.... تغسل مسافات العتَم
وكفّ الرّماد اللي كتَم : أصواتنا
هو كلّ شيّ ٍ فاتنا
... حتى البكي ؟
قم علّم الصمت الحكي لاصار صمتك فرض :
يا صوتك المحبوسْ |
......... عن كلّ مافي الأرض !
ذبْلت به أوراق الكلام
.... وتساقطت حزن وخريف
لين امتلى صدرك حفيف
.... ريح و ورق أصفر !
يااا صوتك الأخضر
من كسّر غْصونه ؟
.......... وين الحمام ؟
ياما نْبَتت مع صوتك لحونه
..... ماله سواه اصحاب
و مالي سوى صوتك
قمرى سهر .. وأحباب
ياصوتك المرتاب
.. غاااب
عمْر، وترك لي أمنيه
تمطر مواعيد الغِنا
.. و ابقى أنا :
أبقى فـِ صُوتك أغنية !
* العنود عبدالله.
نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره، دفعهُ الرجُل الآخر بساقِه ليسقط نايف على الأرضِ المتجمَدة بالجليد، دار عِراكًا على بُعدِ خُطى من جسدِها الملقى على الطريق.
وضعت يدَها أسفل صدرَها لترى حُمرة الدماء تُبلل كفَها، سالت دمعة رقيقة من عينها اليسرى ولا صوتٌ يخرج منها.
أرجُوك يالله! لا تترك الموت يستعذبُ جسدِي و رُوحي، كنت أُريد فقط أن أحيَا لكنني عشتُ على شُرفة حلمٍ ضيَق! حلمٌ تعريفهُ " أن أحيَا " ولم يتحقق الحلمُ كما ينبغي ولم أُحب كما يلزم، كنت المثال الوافِي للفتاة السيئة التي تمرَدت على القوانين ولم تستطع أن تتمرَد بالعشق، أنت الذي بلغت منَي شغفًا وصبًا أين قلبي؟ أأعجبكَ أنني أفترق عنك بهذه الصورة؟ أكان الرحيل أمرًا حسنًا بعينيْك؟ أنا أفقدُ الشعور والإدراك كما أفقدُ دماءي التي ترتدِيني رُغمًا عني، ولا أفهمُ شيئًا غير أننَي أُرغب برؤية والدِي! " يُبه " أشتاقُك في لونٍ ضيَق كهذا، هل عيناك تطلَ عليَ أم أنني أتوهمُك؟ بردَت أطرافِي هل تشعُر بها؟ كما كُنت تشعر بي دائِمًا وتُغطيني يداك! أرتجف كما أن البردُ يتلبَسُ جسدِي! ولكن هُناك حرارةً داخلية تدثرَني! أظنُها " صلاتِك " يا أبي، صلاتِك التي تعني دُعاءً مختوم بـ / إنها حبيبتي وإبنتي يالله أحفظها.
دفع بقدمِه السلاح الملقى على الأرض ليُبعده عن يديَ نايف الذي ركلهُ بين ساقيْه ليسقط على ظهره، أخذ السلاح ليُطلق رصاصةً أنهَت حياتِه، ركض رُغم ساقه الملتوية بالضرب، أقترب من رتيل التي أغمضت عينيْها بسلاَم.
نايف أخرج هاتفِه ليتصل على الإسعاف،بعد ثوانِي قليلة وضع يدِه بربكة على رقبتها وهو يرفع حجابها، كان يوَد أن يتأكد من تنفُسها، لم يشعُر بشيء! أضطرب قلبه لينزع معطفِه ويضعه فوق جسدِها الخافت، وقف وهو يمسح على وجهه بتعب نفسِي قبل أن يكون جسدَي، هو الذي وعَد عبدالرحمن بحفظِه لعائلته لم يستطع أن يحمي إبنته، يشعرُ بغصَة الخيبَة التي ستجيء لعبدالرحمن.
مرَت الدقائق وكل دقيقة كان جسدُها يبكي بدماءه، وصلت الإسعاف لتحملها متجهة لأقرب مستشفى، و ثوانِي قليلة حتى وصلت السيارة الأخرى لتحمل جثَة الرجل الآخر.
راقب نايف السيارة حتى أختفت من الطريق، أتصل على محمَد : محمد!!
محمد : هلا . .
نايف وهو يسير بإتجاه الفندق : بنت بوسعود
محمد وقف برهبة : وش فيها؟
نايف برجفة كلماته : جاء شخص من رائد وهددني! مقدرت أسوي شي وقال إني أنادي أيَ أحد منهم وكان يبي مرت بوسعود!! لكن طلعت له بنته زوجة عبدالعزيز
محمد : إيه؟ كمَل بسرعة
نايف : وإحنا ماشين حاولت أوقفه وضربته قام طلَع سلاحه و أطلق عليها
محمد بغضب : طيب لا تتحرك! خلَك عندهم وأنا بتصرف . . أغلقه ليضع يديْه على رأسه، يحاول أن يجِد حلاً ويُفكَر بأيَ طريقة تُناسب الوضع وتُلائمه.
رائِد يُريد أن يحرق أرواحهم واحِدًا تلو الآخر، بدأها بعائلة سلطان العيد والآن عائلة عبدالرحمن، من التالي؟ أخشى أن يصِل الأمر لعائلة سلطان الجابر و وقتها لن تقبل أرضٌ واحِدة كوارثٍ بشرية من صُنع الجوهي، ستتطوَر الأمور مالِم يُمحى رائد من هذه الأرض.
بصوتٍ داخلي " أنا أملك صلاحيات تجعلني أتصرف الآن! صحيح يا محمَد أنت تملك الصلاحيات الكافية، أنت تملكها يا محمَد، تشجَع وأفعلها! تشجَعي يا نفسِي وأفعليها، إن لم أفعلها سننهار جميعًا، يارب أجعل ما أفعله صحيحًا "
رفع هاتفه ليتصِل، بصوتٍ هادئ : السلام عليكم
عبدالسلام : وعليكم السلام يا هلا محمد . . وش أخبار وضعكم؟ جدَ شي؟
محمَد : إيه، أظن إنه وقت تدخَل القوات!
عبدالسلام : بو سعود عندِك؟
محمد : لا! بوسعود الآن عند رائد عشان يطلع عبدالعزيز وناصر! وعبدالعزيز إلى الآن ما طلع ولا حتى ناصر . . ومافيه أيَ أخبار عندهم ومستحيل بنجلس ننتظر عطفًا على أنه بنت بوسعود في المستشفى حاليًا وتعرَضوا لها ولا أدري هي حيَة ولا ميتة، مقدرت أخلي نايف يروح لها ويترك الباقي! وأنا بروح لها الحين بس لازم أضمن إنَ الشرطة تنرسل لهم قبل لا تطلع الشمس
عبدالسلام : صعب كِذا بنعرَضهم للخطر أكثر، الحين ناصر و عبدالعزيز و بوسعود ثلاثتهم عنده! مستحيل نجازف فيهم! أنا الحين أنتظر بوبدر يوصل، وبعد شويَ بروح للمطار أنتظره! بعدها بنقرر وأكيد بيكون تدخلنا سريع! . . روح لبنت بوسعود المستشفى وأنتبه أخاف أحد يدخل عليها ولا يصير شي ثاني! وطمَني وش حالتها
محمَد تنهَد بقلة حيلة : إن شاء الله، مع السلامة . . أغلقه ليلتفت على الرجال الذين يُحيطونه ويُصابون بمثل الخيبة من الأشخاص الذين رموا خطط دامت لسنوات وذهبوا بأقدامهم إلى رائد.
محمد : خلَوكم مفتَحين وراقبوا الوضع، أنا بكون بالمستشفى بس يتصل أحد بلغوني . . . خرج وركب سيارته متجهًا لأقرب مستشفى يتوقع أن تكون فيه.
،
فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد
: أقصِد باللي يخص أبوك
فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا عبدالمجيد
عبدالمجيد : أسأل نفسك مين أهم؟
فارس بضيق عبرت الغصَة عيناه : أنا أسوأ شخص ممكن يرتَب أهم الأشياء في حياته، كنت أقول لأبوي أنتم أهم شي بالنسبة لي وأنت حياتي! وكنت أقول لأمي نفس الشي و لمَا سمعت صُوت عبير قلت في نفسي هذي النبرة حياتي!! ولا عرفت أحافظ على أيَ شي!!! مقدرت أقنع أبوي إنه يترك كل هاللي يشتغل فيه! ولا قدرت أكون بارَ بأمي! ولا قدرت أكون زوج لعبير! . . . وش باقي عشان أعيشه؟ باقي من يكسر اللي بقى فيني.
عبدالمجيد أقترب منه ليضع كفَه على كتفِه : فارس يا ولدِي!!
فارس بهمس أخفض رأسه : لا تقولي أنت مالِك علاقة باللي يصير مع أبوك! ما ينفع تقولي كِذا! وهو هويْتي وإسمي.
عبدالمجيد عقد حاجبيْه : ماراح أقولك أنت مالك علاقة! بس بقولك الله لا يربط مصيرك في مصيره
فارس نظر إليه بنظرةٍ ضائِعة تائهة بما تحمله الكلمة من شرحٍ ومعنى، رفع نظراتِه للسماء لتلمع دمعةً تهدم كل قوَة يحاول أن يرتديها : كأنك تترحَم عليه! . . يوجعني!! والله العظيم يوجعني هالشعور، . . يارب . . رحمتك
عبدالمجيد أبتعد بخُطاه وهو يُعطيه ظهره، هذا الضُعف الذي يراه بعينيَ فارس يكسرُه أيضًا، وهو الذي لمح ذات الضعف في عينيَ سلطان قبل وفاتِه.
فجرُ ذلك اليوم، قبل أن تشرق شمسُه، كان جالِسًا أمامه بسكينة ولم يرفَ جفنه بنومٍ/بغمضة.
سلطان العيد : كل شي أحاول أسوَيه ينقلب ضدَي!! كنت أعرف من ذيك الليلة اللي عرفت فيها سليمان ولعبه من تحت الطاولة!! إننا ماراح نرتاح! ماكان قدامي إلا هالفرصة، قلت في نفسي من الذكاء إننا نمثَل الغباء وإننا ما ندري عن شي! وفكَرت يا عبدالمجيد إنه مستحيل نقدر نتقن هالغباء إذا أكثر من شخص يعرف بموضوع سليمان، أتبعت المنطق اللي في عقلي وقلت لا تعلَم أحد . . أنت أكثر شخص تعرف إنه ماهو قصدِي إني أخبَي وأتوَه أحد، ضايقني عبدالرحمن، قالي بالحرف الواحد ماهو أنت يا سلطان اللي تغدر فينا! وأنا واثق مثل ما أثق بإسمي إنك ماتغدرنا! . . . توجعني هالثقة يا عبدالمجيد! لأنه بيجي وقت وماراح يوقف أحد ويشرح لهم قصدِي! .. ..
أخفض رأسه لتكتَظ محاجره بالدمع المالح الذي يغزُوه بمبرراتٍ كثيرة، بخفُوت : أحلم . . يجي وقت وينتهي كل هذا! صح هموم الأمن ما تنتهي! لأن الله ما خلقنا موالين لبعض، أكيد فيه أعداء، أكيد فيه كارهين! أكيد فيه مضرَين بعد! .. بس ودَي هالهمَ ينتهي، لأنه ما يتعلق بالأمن وبس! يتعلق بعوايلنا . . بأهلنا. كنت أحلم كثير إني أموت وأنا أرأس شغلي! لكن مقدرت، مافيه أوجَع من إنك تنجبر إنك تترك شغل حياتِك وشغفك كله فيه!!! وأنت بعد يا عبدالمجيد! تقاعدت بدون رغبة!! مثَلنا اللامعرفة بأصولها، تركنا شغلنا، وراح يجي يوم ونُتهَم فيه، وبالنهاية وش صار؟ أشتغلنا إلى هالوقت وإحنا نشتغل بعيد عن الكل، مصدُوم! مصدوم من أشياء كثيرة . . مصدوم من قوَة سليمان اللي ما يتجرأ أصلاً يوقف قدامنا!! مصدوم من جرأته!!! مصدُوم من جهل رائد، ومصدوم من نفسي! بديت أكذب بأكثر الأشياء أهمية بحياتي، أقول لعيالي تركت الشغل عشانكم و أقول لزوجتي وعد نستقر بالرياض بعد ما تتخرج هديل! و كل هذا ماله أيَ علاقة بالحقيقة! . . .
عبدالمجيد : مين راح يلومك؟ إيه صح إنه علاقتك توتَرت مع بو بدر وبوسعود لكن هذا ما يعني إنهم بيتهمَونك أو بيظنَون فيك ظن سيء!!!
سلطان : توتَرت! قول طاحت بالحضيض!!! لا عبدالرحمن يسمعني ولا سلطان اللي أشوف نفسي فيه يسمعني!! . . . . أضاءت عينيْه بدمعةٍ مكسورة تهزَ الشيب الذِي يُغطِي رأسه، أردَف : تدري وش اللي قاهرني بالموضوع! إني واجهت أمور أصعب من كِذا وعانيت كثير لكن ما أنهرت بهالصورة أبد!!! والحين أحس هالعالم كله يختنق في صدرِي! تخيَل كل هذا يصير والليلة عرس بنتي؟
عاد لفارِس، لعينيَ فارس.
تُشبه عينيَ سلطان في ذلك الفجر، ككلماته الشفافة التي كان يتفوَها بضُعفٍ يهزَ أراكانِه، رُبما الهموم تختلف ولكن حُزن سلطان في تلك اللحظة أعمقُ حُزنًا رأيتُه، فهمتُ تمامًا كيف تختنق روحه ببطء وكيف يتصاعدُ حزنه ويتبخَر دون ان يلمسه بدمعة! دُون أن يُلقيه بحنجرتِه، كان يختنق بتراكماتٍ كثيرة من أجل أشياءٍ أهمُها " الأرض " التي كانت أولى خطواتِه عليها، وكان يحلم بأن تكون أُولى خطواتِ أبناءه عليه ولكنه لمْ يحصل، عاش بعيدًا وقلبُه هُناك في المنطقة الوسطى، كان قريبًا جدًا من حِصار سليمان و ذهابِه في خبر كانَ، لولا الحادث الذي بعثر كل الأوراق وبعثرني أيضًا، حاولتُ ان أُمسك زمام الأمور في البدايـة، وفعلتُها مع فيصل لأُبعده عن هذا الطريق، أخطأت بحق غادة عندما تركتها عند أمل وكنت أظن أن سعَد يفي بالغرض، ولكن ساءت أوضاعُها أكثر مع ولِيد، أخطأت مع مقرن ولم أنجح أبدًا، غادرنِي مقرن سريعًا قبل أن أحبسه بعيني، مثلما غادرني سلطان العيد، أصدقائي القُدامى اللذين غادروني مبكرًا عليهم صلواتِ الله ورحمَته.
جلس فارس على عتبة الطريق، ينتظرُ خروج الشمس كما أنه يتأملُ الدقائق التي تمَر لتشطر روحه اكثر، تداخلت الأفكار برأسِه بداية من عبير إلى والدتِه وعبورًا بوالدِه، وسط صمتٍ لا يحفَه سوى البرد والثلج الذي يتساقط بخفَة،أتى صوتُه الداخلي صاخبًا بأكثر قصائد بهاء الدين زهير وجعًا ورثاءً " يعزَ عليَ حين أدير عيني، أفتَش في مكانك لا أراكَا "
،
أخذت نفس عميق وهي تضع يدها على بطنها، وبرجفةٍ هدبٍ سقطت دمعة يتيمة/وحيدة.
ضيَ بعُقدة حاجبيْها جلست : وعدني! وما وفى!!
عبير تقضمُ أظافرها من التوتر وهي تجيء شمالاً وجنُوبًا : و رتيل تأخرت! . . وش اللي يصير بالضبط!!!! ليه محد يتكلَم ويقولنا شي!
غادة تتأمل إرتباكهم وخوفهم بجمُودٍ يُصاحب عيناها التي لا يرتجفُ بها هدَب، بلعت ريقها بصعُوبَة لتخفض رأسها وهي تُجمَع كفيَها لتضعها بحُجرها.
يارب أنزل سكينتِك على قلبي، أشعرُ بنارٍ تلتهب بصدرِي كلما فكَرت بما يحصل الآن، ضائعة تمامًا! لا أدلَ إلاك يا الله.
صمَتَ حديثُ روحها بعد فِكرة " الضياع " التي نطقتها لتنساب نحوَ ضياعٍ آخر.
الساعة السادِسة صباحًا / خريف 2011، على مشارف نهر السين جالِسان.
ناصِر بصوتٍ ناعس نظراته ترتفع للقوارب التي تُطلق أشرعتها : الحمدلله
غادة إلتفتت عليه بإبتسامة ناعِمة : الحمدلله على الإسلام والأمن والأمان و الأهل والأصدقاء والحُب والحياة وأنتْ.
ناصر بإبتسامة شاسِعة تُعاكس الشمس في شروقها، أخذ كفَها، حرَك أصبعه ببطىء ليكتب على باطن كفَها ويترك لها حريَة الشعور والإدراك والتخمين.
غادة : وش كتبت؟
ناصر : خمَني؟
غادة بضحكة تقطع سكون المكان والبحر : لمَح ليْ ؟
ناصر يكتب لها من جديد بأصابعه والإبتسامة تتكىء على شفتيْه : كِذا واضح؟
غادة تُقلد صوته : كِذا أحبك؟
ناصر صخب بضحكتِه الرجوليَة : حبَيني مثل ما تبين
غادة تأخذ يدِه لتكتب على باطنها، رفعت عينها بعد ثوانٍ طويلة : خمَن!
ناصِر : كتبتي مطلع قصيدة أحبَها
غادة : قصيدة أنت كتبتها
ناصِر : يا غايبة عنَي ردَيني وياك، لِك في نبرة الصدر موالٍ حزين
غادة : هذي أول قصيدة سمعتها منك، ينفع أقول الحمدلله على الشِعر لأنه كسَر صلابتِك؟
ناصر إبتسم ليميل برأسه قليلاً حتى يقترب بشفتيْه من أذنها، همَس : لولا عيُونِك ما كتبنا الشِعر . . .
نظرت لعينيَ عبير التي تمدَ لها كأس الماء : سمَي بالرحمن
غادة وضعت يدها على ملامحها لتستشَف تعرَقها، نظرت بإستغراب لضيَ وعبير لتفهم جيدًا أنها بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، صعدت يدها ناحيَة عينيْها لتُلاحظ بكاءها اللاإرادي، تنهدَت بضيق وهي تأخذ كأس الماء برجفة، شربت القليل لتُنزل عينيْها بإرتباك، همست : ما نقدر نتصل على أحد ؟
عبير : محد يرد أصلاً . .
ضيَ جلست بجانبها وهي تنظرُ إليها بشفقة الحزن : تطمَني!
غادة رفعت عيناها إليْها : يمكن صار لرتيل شي لا سمح الله! ليه ما تكلمون الحرس اللي تحت؟
عبير: مُستحيل أطلع! قد طلعت وصارت مصيبة . . بننتظر أحد يجي ويبلغنا
،
تأملت السقف كثيرًا وهي تُقطَع شفتيْها بأسنانها، إلتفتت للمكان الخالِي تمامًا من هواء يحملُ أنفاس غيرها، وحدَها تحاول النوْم في ساعات الفجر الأولى ولا النومُ يجيء لجفنها.
أرق يستحلُ عقلي سببهُ أنت، أشدَ الرحال لغير صدرِك ويردَني صوتُك لمدَاه، ماذا أفعل يا سلطان؟ تُسيء لقلبي وتُهينه ولكنَي أُحبك! تستفزُ جنونِي ولكنَي أصمت لأن عيناكَ تُهذَبني بصورة قمعيَة، لو أن لا وجود لأيَ أسس بهذه الحياة تجعلنا نفترق! لا وجود للمبادىء والنظريات! كانت حياتنا ستكُون أجمَل ولكن هُناك ما يُبعدني عنك، لو تعلم أنَي أشتقت لـ " بسم الله عليك " من بين شفتيْك، لا أعرف سر هذه الجملة! ولكنَي أعرف تمامًا ما تُحدثه في قلبي منذُ أول ليلة رأتك عيني، يالله! كيف لحُب هذا الرجل أن يتسرَب ويجري بين دماءِي؟ أعترف بحُبه سرًا وأخشاهُ علانيَة.
أنفتح الباب لتنجذب عيناها، دخلت أفنان : صاحية؟ توقعتك نايمة . .
الجوهرة : مين جابك؟
أفنان : جيت مع ريَان! قالي أبوي إنه تركِك نايمة وخفت تصحين وماتلقين أحد وقلت أجيك . . أصلاً يالله دخلوني! كل شي ممنوع في هالمستشفى! يالله هانت بس تطلع الشمس بترجعين معنا
الجوهرة شعَرت بأنها ستنفجر من هذا الشعور المحبوس في داخلها : زين تسوين، لأني ملَيت
أفنان بضحكة تُخرج هاتفها لتدخل تطبيق " تويتر " : خلني أقولك وش سوَى نواف اليوم!
الجوهرة إبتسمت : وش سوَى سمو الأمير؟
أفنان بإبتسامة : تراني أمزح لا تصدقين، عبَيت مخه كذب وطلعت متزوجة في عينه يعني مستحيل حتى أمَر في باله بعد ما رجع بس من الفراغ اللي فيني صرت أبحث عنه
الجوهرة تنهدَت : صدقتك!! أفتخري يا روحي والنعم والله
أفنان : بنبدأ محاضرات؟ يعني هو كان السعودي اللي قدام وجهي طبيعي بالغربة بجلس أسولف معه من الطفش . . وبعدين كان بيننا حدود وإحترام
الجوهرة بسخرية : من زود الحدود قلتي له إنك متزوجة!
أفنان : في نيَتي ماكنت أبي أكذب! بس كِذا طلعت فجأة وقلت خطيبي
الجوهرة ضحكت : كذابة! لا تحاولين تقنعيني!!! أعترفي إنك سويتي شي غلط وخلَيك سنعة
أفنان بتنهيدة : طيب يا الجوهرة أنا غلطت . . أرتحتي كِذا؟
الجوهرة بجديَة : ماكان مفروض تسافرين!! شفتي وش سوَى السفر بدون محرم؟
أفنان : وش سوَى؟ لايكون رجعت لك مغتصبة ولا زانية؟
الجوهرة شحبت ملامحها لتبلع ريقها : ماكان قصدِي كِذا!
أفنان : وش قصدِك؟ أكره هالنظرية المتخلفة! يعني عشان رحت أشوف حياتي صرت ماني محترمة! لا نزعت حجابي ولا تبرجت ولا رحت مراقص!!
الجوهرة بضيق يخفتُ صوتها، تحاول حبس الدمع الذي يتلألأ بمحاجرها : قصدِي الحُب!
أفنان تجمدَت في مكانها لتُخفض نظرها وهي تلوم لسانها الذي أندفع بالكلمات الحادَة.
الجوهرة دُون أن تنظر إليها أردفت : بتفكرين فيه كثير وماراح تنامين لأنه شاغل تفكيرك! من رجعتي ولازم تجيبين سيرة نوَاف حتى لو بمزح! تحاولين تبيَنين إنه كل هذا مزح لكن هو حاضر في كل شي!! وممكن ما تلتقين فيه بعد؟ عرفتي وش أقصد!!! الله ما حرَم شي الا لحكمة . . مو لازم الضرر يكون جسدِي ومادِي عشان نقول والله هذا شي غلط! احيانا الوجَع المعنوي أقسى بكثير من كل هذا!! مسألة إنك تسافرين وتبقين لحالك! بتخلَيك تشبعين فراغك بأشياء ممكن تشوفينها تافهة بس لمَا ترجعين لأهلك بتحسَين وش كثر هالأشياء اللي بنظرك تافهة سوَت فيك!! عُمري ماراح أشكك في أدبَك وأخلاقك!! اللي يمسَك يمسَني واللي يضرَك يضرَني
أفنان بضيق تتأمل ربكة الدمع في عينيَ الجوهرة : آسفة
الجوهرة عضت شفتِها السفلية لتنساب دمعة يتيمة على خدَها، إلتفتت لأفنان : أحيانًا ما نفهم ليه هالشي غلط وليه هالشي حرام! لكن لمَا نتوجَع منه نفهم كيف الله رحمنَا منه!
أفنان : جُوج واللي يخليك لا تبكين! أنا حمارة والله بس تعرفيني أحيانا أقول حكي ماأحسب حسابه
↚
الجوهرة إبتسمت بخفُوت : ما أبكِي عشانِك! بس أفكَر وش كثر الله يرحمنا ويستر أخطاءنا!!! لو سمع أبوي ولا ريَان بنواف؟ وش ممكن يصير؟ بتقدرين تفسرين لهم مثل ما تفسرين لي؟ فكرَي شوي بمنطق يا أفنان! مُشكلتك إنك تتوقعين أنه الأشياء اللي نقولها مجرد عادات وتقاليد وأنَك أنتِ إنسانة ماتعترفين بهالعادات واللي يهمَك دينك!!
أفنان : صح أنا إنسانة ما تحكمني العادات والتقاليد! يحكمني ديني ودام ماهو حرام في ديني بسوَي هالشي
الجوهرة : السفر بدون محرم حلال بالدين؟ فيه مذهب من مذاهب السنة حلَله؟ الشافعي ولا الحنبلي ولا الحنفي ولا المالكي؟ فيه أحد أختلف فيهم على السفر؟ هذا الشي ماهو عادات وتقاليد! هذا الشي إسمه دين
أفنان بضيق : ليه تعصبَين عليَ الحين؟ شي راح وأنتهى وهذاني رجعت
الجوهرة بضيق أكبر : لأني أخاف عليك
أفنان تنهدَت :عارفة إنه هالشي مضاره أكثر من منافعه لكن كنت متحمسة أسوي شي بدراستي وفخورة فيه
الجوهرة : مو مهم إنك تعرفين، المهم إنك تقتنعين يا أفنان!
أفنان وقفت لتأخذ كأس الماء، بإبتسامة : توبة أفتح موضوع نوَاف، إذا بآخذ عليه هالمحاضرة
الجوهرة أخذت نفس عميق لتمسح ملامحها بكلتا كفيَها : يارب ترحمنا
أفنان همست : آمين . . . كلَمك سلطان بعد ما رجعت البيت؟
الجوهرة : لا ليه؟
بإبتسامة تستثير حُمرة الخجل في ملامح الجوهرة : أبد لأني دخلت ولقيتك رايقة وعطيتني محاضرة بعد يعني فيك حيل
الجوهرة رفعت حاجبيْها : بالله؟ و الروقان ماله الا سبب واحد؟
أفنان : بس حطي في بالك هالكلب مفروض ما تردَين عليه! الله يرزقك بواحد يعوَضك وينسَيك طوايف سلطان . . . قولي آمين . . . نظرت إليَها بإستغراب . . . لايكون متأملة فيه بس؟ أنا كرهته ما أحب هالشخصيات اللي يفرضون قوَتهم على الحريم!!
الجوهرة رفعت ظهرها لتجلس : ومين وين تعرفين شخصيته؟ ووين شفتيه يفرض قوته عليَ؟
أفنان : لمَا يقولون سلطان بن بدر الجابر . . وش أول فكرة تجي في بالك؟
الجوهرة بسخرية : زوجي
أفنان جلست على طرف السرير : أقصد شخصيته، يعني حتى إسمه يبرهن!
الجوهرة بنبرةٍ هادئة : سلطان ما يفرض قوته على الحريم! إنسان مصلَي وقايم بحق الله وبحق دينه و وطنه
أفنان : وحق زوجته ؟
الجوهرة : لمَا ما قام بحقها طلَقها لأن هذا الواجب والصح
أفنان : تحاولين تلمَعين صورته قدامي! تراني أختك ماني وحدة توَك متعرفة عليها
الجوهرة : ما ألمَع لك صورته! أنا أقولك الصدق، وهذا ما ينفي إني شايلة بقلبي عليه
،
،
التاسعة صباحًا / باريس.
بإرهاق فتح أول أزارير قميصِه لينظر إلى محمَد : طلعوا عبدالعزيز وناصر؟
محمَد بتوتر : لا . . بس طال عُمرك فيه شي ثاني حصل
سلطان وهو يسير على الرصيف بإتجاه السيارة : وشو ؟
محمَد : بنت بوسعود في المستشفى
سلطان إلتفت ليرفع حاجبِه : ليه؟
محمَد : أطلقوا عليها
سلطان بغضب يقترب من جسدِ محمَد : وأنتم وينكم؟ كيف تطلع له؟
محمَد بلع ريقه : نايف كان و
سلطان يُقاطعه بحدَة : حسابكم بعدين . . . بالأول راح توصلني المستشفى وأتطمَن بنفسي . . . قبل أن يفتح الباب رفع عينه . . . أيَ بنت؟ زوجة عبدالعزيز ولا . . ؟
يُقاطعه محمَد : زوجة عبدالعزيز
سلطان ضرب الباب بقوَة ليدخل وهو يُكرر : أستغفر الله العلي العظيم!
شدَ ظهره بتعب السفَر، أخذ قارورة المياه ليُبلل ريقه : رحت شفتها؟
محمَد وهو يقود السيارة ولا يلتفت عليه من التوتر العميق الذي يُصيبه : إيه كنت عندها طول الليل! وكان بيجيك عبدالسَلام لكن قلت له إني أنا اللي بجيك.
سلطان : كلمت دكتورها ولا أيَ زفت!!
محمد : كانت بالعمليات وطلعت من عندها قبل الشروق وهي للحين
سلطان : طيب يا ذكي كان تركت عندها واحد ثاني!
محمد بلع ريقه : خفت أتأخر عليك
سلطان بعصبية : بضيع لو ماجيتني يا محمَد! لو صار شي لرتيل بحمَلك أنت ونايف المسؤولية وخلَي عندك علم
محمد بدهشة إلتفت عليه لثواني حتى عاد بأنظاره للطريق، أندهش من نطقه لإسمها ومعرفته بها : إن شاء الله ما يصير الا كل خير
سلطان ضغط على عينيْه وهذا الإرهاق يجلب له سوء المزاج، تنهَد بعُمق : كلَمت سعد؟
محمد : ما يرَد طال عُمرك، أختفى كأن الأرض أنشقت وبلعته
سلطان : بس توصلني المستشفى تروح تشوف لي سعد وين! لأنه بباريس مستحيل يطلع منها! ورَني شطارتك ودوَره لي!! مفهوم ؟
محمد : إن شاء الله راح أحاول . . . . دقائِق طويلة حتى وصل وركن السيارة أمام الباب الرئيسي للمستشفى.
نزل سلطان وأخذ معطفه ليرتديِه من هذا البرد الذي يُجمَد أطرافه، لفَ " سكارفه " الرمادِي حول رقبته ليدخل متجهًا للإستقبال وبجانبه محمَد : طال عُمرك ماهو لازم تسألهم! الغرفة اللي كانت فيها بالدور الأول
سلطان عاد بخُطاه ليتبع محمَد، وقف عندما توسَط الطابق الأول ليلتفت عليه : وينها؟
محمد بلع ريقه : آآآآ نسأل الإستقبال يمكن طلعت من العملية
سلطان أغمض عينيْه قبل أن يرتكب به جريمة : أحفظ نفسك وأبعد عن وجهي
محمد أبتعد دُون ان يلفظ كلمةً أخرى، نزل سلطان ليسأل عن رتيل، ثواني قليلة حتى سارت معه الممرضة للأعلى ناحية مكتب الدكتور.
الدكتور " بإنجليزية " : اخيها؟ أم زوجها؟
سلطان بهدوء : كيف حالها؟
الدكتور تنحنح : إلى الآن جيَدة، خضعت لعملية ليلة الأمس ضمدَنا بها جرحها
سلطان : تعرَضت لشيء آخر؟
الدكتور : لم تحدث أيَ مضاعفات، أنخفض ضغطها كثيرًا ولكنها الآن بصحة جيَدة، لكن يجب أن تعرف أنها ستطيل المكوث هنا! إصابتها ليست بالسهلة
سلطان وقف : أين هي الآن؟
الدكتور : بجناح رقم 78
سلطان : جناح مُشترك؟
الدكتور رفع حاجبه : عفوًا ؟
سلطان : قُلت هل جناحها مُشترك؟
الدكتور بإبتسامة : يجب أن تعرف يا عزيزي أن المستشفى ممتلئة بالمرضى وليست هي المريضة الوحيدة حتى . .
يُقاطعه سلطان : سأقترح عليك 15 دقيقة لنقلها إلى جناح خاص! وأظن أن المصاريف تخصنا نحنُ عائلتها ولا تخص طبيبها! هل وصلت لك الفكرة؟
الدكتور : أطلب هذا الشيء من الإستقبال وأدفع لهم وسينقلونها وهذا لا يضرني، تأكد إنني أريد الراحة لمرضايَ أيضًا . . .
سلطان خرج دون أن يسمع بقية حديث الدكتور، أقترب من محمد : ليه واقف؟ مو قلت روح شوف لي سعد!
محمد : توقعت إنك تبي ترجع عشان رائد
سلطان بحدَة يحاول ان يسيطر عليها : فيه اللي أهم منه!
محمد : طيب . .
أنتهى سلطان من إجراءات نقل رتيل إلى غرفة خاصَة، ليقف عقرب الساعة على الحادية عشر ظهرًا، يُريد أن يتأكد بأم عينيْه أن صحة رتيل جيدَة ولكن بنفس الوقت لا يُريد أن يكون هو من يراها.
لو كانت الجوهرة بمثل هذا الموقف لمَا رضيْت أن يراها عبدالعزيز! " وش جاب طاري الجوهرة الحين يا أنا ؟ "
مسح على وجهه من هذه الأفكار ليتنهَد بضيق، وقف بعد أن طال جلوسه على المقاعد، أقترب من الممرضة : عفوًا هل بإمكاني أن أطلب شيئًا منكِ؟
الممرضة بإبتسامة تنظرُ لعينيَ سلطان بحالميَة : بالطبع
سلطان نظر إليها لثوانٍ طويلة، رفع بها حاجبه من نظراتها : أُريد أن أتأكد من صحة إحداهن، تحديدًا أريد أن أعرف إن كانت مستيقظة
الممرضة بنبرةٍ تتغنَج بالإنجليزية الركيكة : حسنًا، أيَ غرفة؟
سلطان : 16
الممرضة سَارت بإتجاه الغرفة، دخلت بهدُوء لتنظر إلى جسدِ رتيل النائم بسكينة، أقتربت لترى ملامحها الشاحبة يُغطي نصفها كمام الأكسجين، نظرت للشاشة التي تُفصَل حالة قلبها، ثواني قليلة حتى خرجت وأقتربت من سلطان : حالتها جيَدة! ولكن هل كنت تمزح معي حين قلت رُبما مستيقظة؟ . . بضحكة أردفت . . الفتاة تُحيطها الأجهزة من كل إتجاه! رُبما تحتاج وقت طويل حتى تستيقظ
سلطان تنهَد : شكرا
الممرضة : عفوًا، إذا أحتجت شيء آخر تستطيع مُنادتي . . إسمي لاتيسَا
سلطان أدخل يديَه بجيوب معطفه، أكتفى بإبتسامة ضيَقة وخرج دون أن يلفظ كلمةٍ اخرى، أخرج هاتفه ليتصل على محمَد : أرسلي أيَ واحد يجلس عند رتيل
محمَد : إن شاء الله
أغلقه سلطان لينظر لسماء باريس الماطرة، سَار على الرصيف دُون أن يحاول أن يوقف أيَ سيارة أجرة تنقله، أراد أن يُعالج ضيق مزاجه في هذه الساعة بالهواء.
أهتَز هاتفه ليُجيب على عمته الذي يبدو خبر سفره وصل لها : ألو
حصَة : السلام عليكم يا . . أبو بدر
إبتسم سلطان : وعليكم السلام . . هذي نبرة الزعل؟
حصة : وصلت؟
سلطان : إيه قبل ساعتين تقريبا
حصة : وطبعا لو ما عرفت من السوَاق ماكان وصلني خبر! يا كثر ما تضايقني يا سلطان بأفعالك!!
سلطان : سفرة مُفاجئة وكنت راح أتصل عليك
حصة : صدقتك أنت أصلاً ما تحط لي أيَ قيمة
سلطان : كيف نقدر نرضيك يا أم العنود؟
حصَة بضيق : ما أبغاك تراضيني! تعوَدت، أتصلت عشان أتطمن إنك وصلت
سلطان صمت لثوانٍ طويلة حتى قطعها بكلمةٍ تبدُو نادِرة أو رُبما مستحيلة على مسامع حصَة : آسف
حصة ألتزمت السكينة لتُغمض عينيْها بمحاولة إستيعاب هذه الكلمة، بخفُوت : وش قلت؟
سلطان : قلت آسف
حصَة : صدمتني!
سلطان بضحكة مبحوحة : كل شي عند أم العنود يختلف، هي بس تآمر وأنا أنفَذ
حصة : يا عساك دايم كِذا عليَ وعلى غيري . . . . نطقت كلمتها الأخيرة بتصريح مبطَن تعني به الجوهرة.
سلطان بهدوء : يمكن بكرا أنشغل ومقدر اتصل عليك ويمكن أطوَل، ما أبي ينشغل بالك بأيَ شي ولا توْسوين لأني من الحين أقولك يمكن مقدر أرَد على أيَ إتصال
حصة بضيق عقدت حاجبيْها : ليه؟ يعني بتنشغل طول اليوم؟ مستحيل!!!
سلطان تنهَد : أهم شي تعرفين إني ممكن مقدر أرَد عليك
حصة : طيب، بس طمَني عاد مو تخليني على أعصابي! . . متى قررت ترجع؟
سلطان : إلى الآن ما أدري! لكن إن شاء الله ما أطول
حصة : إن شاء الله ترجع لنا بالسلامة
سلطان : حصَة
حصة : سمَ
سلطان : أحفظيني بدُعاءك
حصَة أنقبض قلبها من فكرة سيئة تطفو على سطحها : سلطان؟
سلطان عقد حاجبيْه من ضيق محاجره التي تقبضُ على ملحه حتى تُدمعه : مو صاير شي! بس أشتقت أسمع منك الله يحفظك
حصة : دايم في دعواتي يا سلطان ماتغيب ولا لحظة، الله يحفظك ويحميك من كل شر ومكروه
سلطان همس : آمين
حصَة : مو صاير شي صح؟ طمَني
سلطان تنهَد : لا، بس سمعت خبر سيء وضايقني
حصَة : يتعلق بالشغل؟
سلطان : لا بنت عبدالرحمن
حصَة : إيه؟ وش صاير لها؟
سلطان : بالمستشفى! ولا أحد يدري
حصَة : يا بعد عُمري والله! ربي يسلَمها من كل شر، أنت شفتها؟ هُم في باريس صح؟
سلطان : إيه، توَ طالع من المستشفى، تطمَنت عليها وخليت عندها الحرس
حصَة التي تنتبه لنبرة سلطان المرتجفة بالحزن : لا تقولي إنك زعلان على بنته وبس؟ فيه شي ثاني وواضح إنك مخبي عني
سلطان إبتسم للطريق الذي يرتجف هو الآخر بزخَات المطر والثلج الباقِي على رصيفه لم يذوب بعد : أعزَها كثير
حصَة : تخبي عليَ! فيه شي ثاني قولي؟
سلطان : والله العظيم اعزَها وأغليها
حصَة : وش عرَفك فيها؟ متى شفتها؟ . . . بنبرةٍ حادة أردفت . . سلطان!!!
سلطان بتنهيدة : أنا أفكَر وين وأنتِ وين!
حصَة بسخرية : أبد خلَ الجوهرة تجي وتقولك والله هالرجَال أعزه وأغليه بس لا تفهمني غلط
سلطان بإنفعال : أقطع راسها
حصة ضحكت بصخب : يارب أرحمني من هالتناقض اللي تعيشه يا عيني
سلطان بهدوء أستسلم : رتيل كـ
حصة بحدَة تُقاطعه : يا خوفي تعرفها أكثر من بنت عمها!!
سلطان : تبيني أقولك ولا أسكَر؟
حصة : قول
سلطان سعَل وأبعد الهاتف، أتى صوتها الحاني : صحَة
سلطان يُكمل : كانت معذبَة أبوها بتصرفاتها وبغت تنفصل عن الجامعة مرَة وأنا اللي توسطت لها وأقنعت عبدالرحمن، من وقتها والبنت أعزَها مثل أختي
حصة : خواتِك كثار وكلهم بالإسلام بعد ماشاء الله تبارك الرحمن الله يثبتك
سلطان ضحك بضحكة مبحوحة سرقت قلب حصَة الذي مهما يقسُو تُصيبه العودة لحنانه المعتاد : والله هذي السالفة، وهي زوجة عبدالعزيز ولد سلطان بالمناسبة، وأصلاً بنات عبدالرحمن ماأرضى عليهم وأعزَهم من غلا أبوهم لكن رتيل عشان كَذا مرة أسمع عبدالرحمن يحكي عنها تكلمت معك كِذا
حصَة : صدقتك
سلطان : أصلاً مجبورة تصدقيني، لأني ما قد كذبت عليك
حصَة : تعرف تحجَر لي !
سلطان : أهم شي تكونين راضية عنَي
حصَة صمتت قليلاً حتى نطقت : راضية عنَك مع إنك تضايقني كثير عليك
سلطان : وش نسوي يا حصَة؟ مافيه أحد بالعالم تكون قراراته صحيحة 100٪، مضطرين نغلط مثل ما إحنا مضطرين نتقبَل هالغلط
حصَة : يعني تدري إنه قرار طلاق الجوهرة غلط؟
سلطان ألتزم صمته وهو يقف حتى ينتظر الإشارة الخضراء للعبُور، أردفت بصوتُها الذي ينام على ضفافِه حُزن أم : تدري وش اللي فعلاً يوجعني! إنك تدري إنه غلط ومكمَل فيه! الله يآخذ هالكرامة وهالعزَة إذا بتسوي فيك كِذا
سلطان تنحنح حتى يُعيد صوته إتزانه بعد أن سلبه بردُ باريس وكساه البحَة : لو أبي أرجَعها قدرت بدون لا أهين نفسي، بس أنا ما أبي ولا هي تبي
حصَة : لا تتكلم عنها! لأنك ما تدري أصلاً وش اللي تبيه ووش اللي ما تبيه
سلطان : تأكدي من نفسك إذا ودَك
حصَة بهمس : ليه يا سلطان؟ ليه تغلطون دام الله عطاكم القدرة إنكم تميَزون الغلط من الصح
سلطان : عشان نتعلم!
حصَة : وش تبي تتعلم عقب هالعُمر؟
سلطان بهدوء لا يعكس الوجع الذي يعصرُ محاجره بالملح : إننا ما عاد نركض ورى البدايات ونطير فيها عشان ما تصدمنا النهايات، ما ودَي أقولك هالشي وأضايقك! بس أنا تعبت، أحس إني مخنوق من كل شي ومن كل جهة، ودَي لو مرَة أتمسَك بشي وما يضيع مني، وهالمرَة يا حصة ماهي راضية تجي، وإن جت أوجعت قلبي! قولي لي وش أسوي؟
حصَة تلألأت محاجرها بالدموع : ليه وصَلت هالأمور بهالطريقة؟ فضفض لي لو مرَة وخلني أقول إختياره وماراح يضرَه إن شاء الله، لا تخليني أتصوَر دائِمًا إنك سلطانها وهي جوهرتك! أمحي هالفكرة من بالي عشان أرتاح
سلطان : ما عندي جواب يا حصَة
حصَة بضيق : لأنك ما تقدر تكذب عليَ وأنت مستحيل تصارحني بشي يخصَك!!
سلطان : أسألك سؤال؟
حصَة : وشو؟
سلطان : لو فرضًا لا سمح الله صار لي شي، وش الفكرة اللي بتآخذينها من حياتي؟ واللي مستحيل أصارحك فيها؟
حصَة إرتجفت شفتيْها لتسقط دمعاتها الناعمة : ولدِي اللي ما جبته تزوَج ومقدرت أحضر زواجه وأفرح فيه، وما قالي سبب تسرَعه بهالزواج! ولمَا فرحت عشانه عرف يختار ويقرر صح! قالي ما نقدر نكمَل أنا وياها وإحنا أصلاً ما نصلح لبعض، ولمَا حاولت أوقف ضد هالقرار عشاني أؤمن إنه البداية اللي ركضت وراها بهالسرعة أنت اللي أخترعت نهايتها يا سلطان! مو هي اللي جتك!! والنهاية ما صدمتك! انت اللي صدمت الجوهرة فيها!! أنت اللي ما عطيت الجوهرة قيمة وأنت عارف إنها حتى وهي متضايقة منك ما تسيء لك بكلمة! أنت عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة؟ . . . عُمرك ما راح تعرف قيمة الجوهرة يا سلطان! و مو بس ما تعرف قيمة الجوهرة! أنت ما تعرف قيمة اللي تقوله عيونك! كيف تقسى يا سلطان على نفسك وعليها؟ ما تفكَر وش راح تخسر من بعدها؟ ماراح تخسر ترقية ولا راح تخسر مركز ووظيفة! راح تخسر قلبك اللي ما قدَرته!!
سلطان عقد حاجبيْه دون أن يلفظ كلمةٍ واحِدة بعد حديثها الشفاَف، بهدوء أردفت : ماراح أجبرك على شي ولا أقدر أصلاً! أحاول أضغط عليك بس بالنهاية مقدر أسوَي شي غير اللي تبيه، كنت أبيك تفرح وأشوفك و أنت تأذَن بولدِك، بس ما أظن إنك بتشوفها إن ربي سهَل عليها وكتب لها ولادتها على خير، بتكون بالرياض وهي بالشرقية ويمكن حتى ما تكون فيه! شايف كيف أنت بعيد كل البعد حتى عن اللي يشيل دمَك؟ . . أدري وش بتقول؟ بتقول تحاولين تأثرين عليَ بكلامِك؟ لو أقدر أأثر عليك بكلامِي كان تأثرت من زمان! بس كل مرَة أقتنع أكثر إنك قاسي وتقسى على نفسك
سلطان بلع مُجمَل الغصَات التي تعبثُ بصوته : مضطر أسكَر الحين
حصَة : سلطان
سلطان : سمَي
حصَة بصوتٍ باكِي أرجفت قلبه : تدري إني ما تكلمت عشان أضايقك بشي! تكلمت من حزني عليك
سلطان : يا رُوحي، ما تضايقت ولا شي! سمعت منك هالكلام كثير وبسمعه أكثر وعارف إنه من غلايَ في قلبك، مُستحيل أتضايق منه!!
حصَة : ينفع أقولك شي أخير وبعدها ماراح أجيب سيرة الجوهرة قدامِك! وبسكَر هالموضوع؟
سلطان بخفوت زادت بحَته وهو يجلس على الكرسي الخشبي أمام حديقةٍ متجمدَة تمامًا : سمَي
حصَة : أبيك تعرف إني أفكر عشان مُستقبلك! ويهمني هالشي، أنا ماراح أبقى لك يا سلطان! وهالبيت بيفضى وبيجي وقت وراح تتقاعد من شغلك! مين راح يسليك؟ مين راح تشاركه فرحتك؟ ومين راح يشيل عنَك حزنك؟ مين راح يفطر وياك؟ ومين راح تنام وأنت متطمن عليه؟ أخاف عليك من الوحدة اللي راح تجيك! مهما كابرت أنت ما تقدر تعيش بروحك يا سلطان! إيه صح قدرت بعد وفاة بدر وأمك! وقدرت بعد وفاة سُعاد! وقدرت بعد وفاة أغلى شخص اللي هو بو عبدالعزيز! لكن كثرة هالمصايب ماهو يعني إنك تعوَدت! كثرتها يعني إنه إنهيارك عليها قرَب! وأنا أخاف عليك من هالشي!!
بعد أن فقدت قُدرتها على تهذيب البكاء الذي يشطرُ صوتها وقلبها : بحفظ الرحمن . . . أغلقته دون أن تسمع صوته، لتضع الهاتف على الطاولة وتُغطي ملامحها وتتجه إلى بكاءٍ عميق عليه وعلى وجعه الذي تلمسهُ من صوته وإن أخفى ذلك وتراه من عينيْه القاسية على روحها التي تحلمُ بفرحه.
و هوَ؟ أدخل الهاتف إلى جيبه دُون أن يقف أو يصدر حركةٍ اخرى، نظر للرصيف الذي يخلُو من المارَة، وكل من يمَر يتلاشى بغمضة عين، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينيْه حتى يُعيد لقلبه الإتزان الذي فقده من كلمات عمَته.
من جُملتها التي ترنَ في قلبه " عُمرك شفت بنت لا عصَبت تحرقك بنظراتها وتترك لسانها بدون لا تنطق أيَ كلمة ؟ " عاد عقله لمجموعة صور حُبست في ذاكرته، صور عينيْها في أكثر من موقف، للتو أدركت أن الجوهرة لم تعبَر بكلماتها أبدًا مهما حاولت أن تقسو في الفترة الأخيرة، الجوهرة كانت تستعمل عينيْها دائِمًا، في فرحها، حُزنها، بكاءها، ضيقها، غضبها، مللها وخجلها.
وقف ليُبعد زلزلة صوْرها في ذاكرته لقلبه، أتى على باله تلك الليلة.
" أقترب منها ليُحاصرها بزاوية الغرفة، أدخل يديْه في جيوبِ بنطاله العسكري : إيه سمعَيني!
رفعت عينيْها إليْه وبخفُوت : وش سويت؟
سلطان : نظراتِك هذي خففي منها قدام عمتي! لأن واضح لها كل شي!! إذا في فمك حكي قوليه ماله داعي تطالعيني وكأني سارق صُوتِك!!
الجُوهرة إبتسمت بسخرية : ما أصدَق إنك قاعد تحاسبني حتى على نظراتي! باقي شويَ وتقولي وشو له تتنفسين؟
سلطان أقترب أكثر ليُلصق ساقها بساقِه حتى يجعلها رُغمًا عنها تحبسُ أنفاسها من قُربه، تلألأت عينيْها من طريقته في ذلَها، ارتجف جفنها : ممكن تبعد؟ وصلت المعلومة وفهمتها زين "
،
ينظرُ ناصر للشباك العالِي الذي تتسلل منه منظر السماء الغائمة ويتسرَب إلى سمعه صوت المطر، وقَف ليسير بلا توقف وقلبه يهتفُ بالدعاء في وقتٍ مُستجاب كهذا، أولُ دعوةٍ أتت في باله " اللهم أحفظها وأحفظهم "، لم يعُد عبدالعزيز ولم يأتِ خبرُه، كُنت أؤمن بأن الأخبار السيئة أحيانًا تستعذب قلوبنا بفسحة الأمَل حتى تُلهب سمعنا بوصولِها، قلبي يُخبرني بأن عزيز بخير وخرج ولكن عقلِي يُناقض هذا الإحتمال، لو أعلم ما يحدُث لكنت أعرف كيف أخمَن بأمرٍ صحيح!! متى ينتهي هذا الوجَع؟ متى نغتسِل من هذا الحزن بعذوبَة الصلاة في الرياض؟ متى يالله نترك باريس خلف ظهرنا! يارب أرحمنا كما ترحم عبادِك الصالحين.
على بُعدِ مسافات ليست بالطويلة، يقف رائد وهو يطرق الطاولة بقلمِه : مفروض إنه سلطان واصل من 4 ساعات! واضح إنه ما يبي يجي!!! . .
عبدالرحمن : ما توقعت إنه الحكي يهمَك لهدرجة؟
رائد رفع عينه : عفوًا؟
عبدالرحمن : حاجتِك فعليًا عندِي لكن أنت ودَك تبرَد حرتك بالحكي مع سلطان لا أكثر!! صح ولا أنا غلطان ؟
رائد بإبتسامة يسند ظهره على الطاولة : يعني كاشفني! طيب أنا ماعندي مُشكلة بأني أقول ودَي أستلذ شويَ بمنظر سلطان وهو خايب!
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : طيب ناصر وش موقعه؟ . . بحدَة أردف . . لا تحاول تبتزنا فيه!!
رائد يُلحن بصوته الجُملة : أبتزكم فييييييه!
عبدالعزيز ببرود ضحك ليقف بعد أن طال جلوسه على الأريكة : سايكو! قسم بالله
إلتفت عليه عبدالرحمن بإبتسامة لم يستطع أن يحبسها، همس : لا تستفزه!!
رائد الذي سمع همس عبدالرحمن : لا خلَه يجرب يستفزني
عبدالعزيز بإبتسامة يحك ذقنه ويُلحن بمثل صوتِه : أوقاات يآخذنا الحكي وننسى بالحكي أوقات وأوقات ياليت الكلام سكات يجرحنا الحكي . . .
رائد رفع حاجبِه : فاهم وش قصدِك! سبحان الله الخبث فيك أنت وسلطان بن بدر واحد
عبدالعزيز صخب بضحكته المستفزة ليُردف : هذا وإحنا متعوَذين منك
رائد صمت قليلاً يتأمل جملته التي يقصد بها أنه " الخبث " بعينه، أقترب بخطواتِه ناحيته، أدخل يدِه بجيبه : شايف كم واحد حولي؟ بإشارة مني تنتهي، حاول تحفظ نفسك!
عبدالرحمن يقف أمامه : خلَ حكيْك معي
عبدالعزيز بسخرية أبتعد ليقف أمام النافذة وهو يعطيهم ظهره، نظر لأجواء باريس الغائمة وبدأت أفكاره تميل ناحيَة غادة نهايةً برتيل، نظر للنافذة الأخرى لتسقط عيناه على قطعة صغيرة أدرك أنها / متفجرات.
فهم تمامًا ما يُريد أن يصِل إليه رائد، تنهَد وهو لا يملك القدرة على قوْل شيء، أعطى النافذة ظهره ليتكئ عليها وبدأت عيناه تتأمل الغرفة بتفحصٍ شديد، سقطت عيناه على أكثر من قطعة متصلَة ببعضها وصغيرة جدًا، غاب عقله في هذا المنظر لحدِيث سلطان بن بدر.
" طبعًا حساسيتها تختلف، لكن بالأغلب إذا ماكان المجرم يبي يلفت الإنتباه أو يدمَر المكان يستخدم المتفجرات اللي تعتمد على الغاز! يعني تنفجر وتطلق غاز فقط ونطاقها ماهو واسع! مجرد نطاق غرفة يمكن أو غرفتين بالمكان نفسه حتى ما توصل للدُور كله، و المتفجرات اللي نطاقها واسع تكون متكوَنة من . . . . "
بتَر حديث سلطان الذي يغزو عقله وعيناه تتأمل القطعة الموضوعه في زاوية السقف، أخفض نظره ليرى التي بجانب النافذة.
لو كانت متفجرات قويَة يُقصد منها التدمير لم يكن سيحتاج إلى أكثر من قطعة! هذا يعني أنها غازيَة لا أكثر، تنهَد ليلتفت بحدَة صوته : أترك ناصِر يجي هنا
رائد بإستفزاز : خايف عليه؟ لا تخاف ماراح تآكله الفيران تحت
عبدالعزيز بإبتسامة جانبيَه تُخفي غضبه من وجود ناصِر بالأسفل، خاف أن يختنق إن طبَق رائد خطته الذي خمَنها بعقله.
رائد ينظرُ للساعة : في حال وصل آسلي و سلطان ماجاء ترحَموا على ناصر . . . آممم نسيت شي ما قلته لكم
عبدالرحمن تمتم : صبَرنا يا رب
رائد بإبتسامة : أمس أرسلت رجالِي لفندق رِي فالِين
تجمدَت أقدام عبدالرحمن في وقت لم يفهم عبدالعزيز مقصده ولا علم لديه بأن عائلة عبدالرحمن بما فيهم غادة هُناك.
رائد ينظرُ لعينيَ عبدالرحمن المتوجسة : بس حبَيت أحط عندكم علم
عبدالرحمن بغضب لم يسيطر عليه : أقسم لك بالله لو يصير لبناتي أو زوجتي شيء! ماراح تترحَم الا على نفسك
عبدالعزيز إلتفت على عبدالرحمن : هُم هناك؟ . . أختي معاهم؟
رائد : أختِك وزوجتك
عبدالعزيز ضاعت أنظاره بينهما ليلفظ بضيقٍ يلفَ حول حنجرته : و رجالِك؟
عبدالرحمن : موجودين . . بس أنا أنبهِك يا رائد!!! أظن أننا إحنا قدامك نكفي ونزود، أبعد عن أهلي
رائد : والله عاد على حسب أفعالكم! إذا عكرَتوا مزاجي تحمَلوا بوقتها نتايجكم
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليركل الأريكة بقدمِه : حسبي الله ونعم الوكيل
،
يجلسُ بجانبه بعد أن دخل وأطمئنت عيناه برؤيته : يارب تسلمَه من كل شر ويقوم لنا بالسلامة
يوسف : آمين
إلتفت رافعًا حاجبه : فيك شي؟ ملاحظ عليك من جيت وأنت يا سرحان يا تتنهَد!!
يُوسف : وش بيكون فيني يعني؟ ضيقة وتروح
منصور عقد حاجبيْه : وهالضيقة وش مصدرها؟
يُوسف : لا تخليها تحقيق واللي يرحم لي والديك!!
منصور بحدَة : يوسف! جاوبني،
يوسف صمت لثوانٍ طويلة حتى لفظ : مُهرة طلبت الطلاق
منصور : ليه؟ سبب فيك؟
↚
يوسف بعصبية : فينا كلنا! تقول مقدر أحط عيني في عينكم ومن هالخرابيط
منصور : يعني عرفت بموضوع أخوها؟
يوسف : إيه أكيد أمها قالت لها لما وصلت لحايل
منصور تنهَد : روح لها وكلَمها، بالتليفون ما تضبط هالمواضيع
يُوسف بضيق : تقول إنها مالها حق تكون زوجتي وأنه منصور ماله ذنب وإني ضايقت أهلك ومدري أيش! طلَعت مليون سبب عشان نتطلق وما كلَفت نفسها تطلع سبب واحد عشان نستمر
منصور : أنسب شي إنك تروح لها وتفهمها، وش دخلها فينا! أهم شي إنك أنت وياها متفاهمين ومالها علاقة فيني أو في أمي وأبوي . . فهَمها هالشي لأنه واضح إنها شايلة همَ أخوها! هي وش دخلها في أخوها!!
يوسف بإنفعال : وش يفهَمها يا منصور! حتى أمها نفسها تضغط عليها والحين بيوصل الموضوع لخوالها وبيوقفون كلهم بوجهي! والمُشكلة إنه هي واقفة معهم ضد نفسها!! قهرتني وهي تسكَرها في وجهي من كل جهة، قلت لها إذا مستحية من أهلي ومتفشلة نطلع و نسكن بعيد عنهم، وماتشوفينهم الا بالمناسبات! قلت لها مالك علاقة بأهلي ولا بأيَ واحد فيهم! بس ما رضت
منصور : أصلاً كلنا نسينا كيف وضع الزواج في بدايته! وما أهتمينا لهالموضوع، وحتى أمي معتبرتها مثل نجلا وتغليها وأبوي بعد! ليه مصعبَة الامور ومطلعتنا كأننا متمنين بُعدها ونكرهها، إذا كرهنا أفعال أخوها ماهو معناته إننا كرهناها بعد!! وهذي أمها مدري كيف وضعها! عندها خلل في عقلها مو طبيعي! بالبداية حاولت تهين بنتها والحين تهينها بعد مرة ثانية!!
يوسف يمسح على وجهه بكفيَه الباردة وهو يُثني ظهره قليلاً : و عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، كنت متضايق في بداية زواجي و كرهت عُمري اللي خلاني أتزوَج بهالطريقة! بس كانت أحلى شي صار لي يا منصور، حسَيت الدنيا مو شايلتني لمَا عرفت بحملها ولمَا سقطت ما حاولت أضايقها وأقولها وش كثر تضايقت وحسَيت روحي تطلع من هالخبر! بس قلت قدامنا عُمر! وهي أنهته، أختنقت من إني دايم أراعي هالناس ولا واحد فكَر يراعيني!! وأمها ما فكَرت أبد بأنه فيه بني آدم متزوَج بنتها ماهو آلة بتزوَجها وقت ما تبي ويطلَقها بأمر منها!!
منصور أقترب منه ليضع يدِه على كتفِ أخيه : وش لِك بالناس؟ أنا معك يا يوسف، إن ما شلت همَك أشيل همَ مين؟ بكرا نروح أنا وياك لحايل ونشرح لها
يوسف بحدَة دون أن يرفع عينيْه : ماني رايح مكان! ماراح أركض وراها وهي ماحاولت حتى تلتفت!!
منصور : لا تفكَر بهالسلبية!! يمكن هي متضايقة أكثر منك! هذا بالنهاية أخوها مو واحد من الشارع، ومقهورة عليه ومنه، وعشان كِذا تصرفت معك بهالصورة! بكرا نروح ونحَل الموضوع وإن الله كتب ترجع معك
يُوسف أخذ نفس عميق ليرفع ظهره ويستنَد على الكرسي، إلتفت لأخيه : لو كنت مكاني ما رحت!! أنا ترجيتها يا منصور، كل فكرة جت في بالي إنها ترضيها قلتها لها وقالت مقدر! سكرَتها بوجهي!!! وش باقي أسوَي عشان أقنعها؟ أجيها عشان تقهرني أكثر هي وأمها! والله العالم إذا وصل الخبر لخوالها بعد
،
تفتحُ عيناها على سقفٍ أبيض لا تُحدد تفاصيله إثر الضباب الذي يُخيط نفسه في محاجرها، مالت برأسها قليلاً ليؤذيها الكمام الموضوع على الجُزء الأسفل من وجهها، أغمضت عيناها لتفتحها بعد ثوانٍ قليلة حتى تستوعب الحالة التي وصلت إليْها، رفعت يدها لتنظر إلى الأنبُوب الضيَق المغروز في وسطِها، بحثت بنظراتها كثيرًا عن ظلٍ يُشاركها السقف ولم تجد أحدًا بجوارها، عادت للعُتمة وهي تُغمض عينيْها مرةً أخرى، لتسيل دمعةً رقيقة من طرف عينها اليُمنى، دخلت الممرضة لتلحظ هذه الدمعة، عادت للخلف حتى تُنادي الدكتور المسؤول عن حالتها، مرَت ثوانٍ بسيطة حتى أتاها الدكتور، فتحت عينيْها برجفةٍ يرتعشُ بها قلبها، تُريد أن تنادي أحدًا تعرفه، أن ترى ملامحه بالقرب منها، هذه العُتمة تُدمع قلبي.
وضع الدكتور يدِه على عينيْها ليفحصها جيدًا ويتأكد من وعيْها التام، بالفرنسية تحدَث معها ولم ترَد عليه بشيء.
الممرضة : رُبما لا تتحدث الفرنسية.
الدكتور عاد كلماته بالإنجليزية : ستلزمين الفِراش لمُدة ليست بالقصيرة، تحتاجين الجلوس لفترة حتى يلتئم جرحك، طوال هذه الفترة أنتِ ممنوعة من عدَة أشياء سنُخبرك بها لاحقًا
الممرضة نزعت الكمام الذِي يُساعدها على التنفس : تبدُو جيَدة أكثر مما هي عليه في الصباح
الدكتور : هل توَدين قول شيء؟
رتيل نظرت إليه لتُبلل شفتيْها بلسانها ودمعُها يصعد لمحاجرها، الدكتور ينظرُ للممرضة : أين الذي أتى في الصباح؟
الممرضة : رحَل! لا يوجود أحد هُنا
رتيل أخفضت نظرها من كلمات الممرضة، يستحيل أن تُصدَق أن لا أحد بجانبها دُون سبب! تقشعر بدنها من فكرة أن أمرًا سيئًا حدث لوالدها أو لضيء و عبير.
الدكتور : أهدئي! البُكاء سيُرهقك ونحنُ بحاجة إلى راحتك النفسية حتى تستعيدي قوَاك الجسدية
كانت تبكِي دون صوت، عيناها وحدُها من تُسقط الدمع تباعًا.
الحمدُلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، و في كل مرةٍ أقعُ تحملني يالله بجناحِ رحمتك، وتُذكرني بفضلك العظيم الذي لا أدرِي مالصوابُ إتجاهه! أو رُبما أدري ولكنني أُظلَ هذا الإتجاه، ليتني يالله أفهمُ أنني أعيشُ بعد تجاوز فرصة الموت لكي ينصلح حالي، و ليتني أيضًا أفهمُ كيف أترك الأشياء لتعوَضني عنها، صفة التملك الفظيعة التي تربطُ قلبي بأفعالي أحيانًا تُشعرني بأنني المُخطئة، وليست أحيانًا بل بالغالب هي التي تُخطئني التقدير والتصرف، لو أنني أتخلصُ من هذه الصفة الحادَة رُبما تركت أشياءً كثيرة أُحبها وتغيَرت، ولكنني يالله أشعرُ في كل مرَة أنني أضعفُ من التغيير وأنني أسوأ من كل هذا ولا أستحق كل الفرص المتاحة ليْ، أنا أضيع! وهذا " يوجعني " !
سألها عن الذي أتى في الصباح! من المستحيل أن يرضى أبي بتَركي! لا يرضاها إلا شخصٌ واحد، مهما ظننتُ بك حسَنًا يا عزيز تُسيء إليَ ظني، ماذا أفعل؟ أنا لا أقدر والله على أن لا أرى أحدًا من عائلتي! لا أستطيع أن أتنفس بصورةٍ منتظمة بغيابِ أحدهم، أنا لو مُتَ لن أموت من وَجعِي و مرضي، سأمُوت من حُبي وحُزني عليه، حُبي الذي لا يرتبط بشخصٍ واحد، هو رباطٌ أزلي تترتب عليه أغلبُ جوانبي النفسيَة، أولهُا أبي الرجلُ الذي أحمل قلبه في نهايَة إسمي، وآخرهُ الرجل الذي يحملُ قلبي معه، يالله! لو أنني لا أبكِي نفسي.
أغمضت عيناها طويلاً لتستذكر المشهد الأخير، طال الإستذكارُ الذي يحيط عقلها، ليختلط عرقُ جبينها بدمعها، غرزت أصابعها على مفرش السرير وهي تشعرُ بأن حجرًا يحطَ على صدرها، شهقت بقوَة من الدماء التي تراها، حرَكت رأسها كثيرًا حتى تُبعد الذكرى من أمامها ولم تقدِر! عجزت عن طيَ المشهد أسفل قدم النسيان، تحرَكت كثيرًا حتى بدأ صوتُ الجهاز الذي بجانبها يتصاعد بتصاعد أنفاسها المضطربة، دخلت الممرضة سريعًا لتقترب من الجهاز المُساعد في التنفس وتُعيده إليها، نظرت إلى أصابعها التي تغرزُها في السرير لتُدرك أنها تغيب عن الوعي، همست بصوتٍ حانِي : لا أحد هُنا يُمكنه أن يؤذيك، رتيل؟ . . . وضعت يدها البيضاء فوق كفَ رتيل لتضغط عليها بلطف : أهدئي، ستضرَين نفسك بالتوتر!! وهذا لا يُساعدك على الشفاء سريعًا
لم تفتح عيناها بعد، أرتخت أصابعها من على المفرش، شعرت بالمنديل الذي يمسحُ وجهها قبل أن تدخل في نومٍ عميق.
،
،
طلَت على والدتِه التي تعتكف على سجادتها، تأملتها لدقائِق طويلة دون أن تُزعزع سكينتها، خرجت لتتجه ناحية غرفتها، بدأت عيناها تُدقق النظر في كل قطعةٍ تعلم أن " فيصل " رآها، اقتربت بخُطى مبعثرة ناحية مكتبه، هذه الخُطى التي تحملُها وتحملُ فوقها دمعٌ لا يجفَ، أتكأت بيدها على الطاولة لتُمسك بيدها الاخرى قلمه، وضعتهُ بمكانه لتجلس على كُرسيْه، وضعت جبينها على الطاولة لتنجرف بسيلٍ من الدمع.
يالله يا فيصَل! كيف تحبسُ روحي معك في فترةٍ قصيرة مثل هذه! لن أقُول " أحبك " بكل ما تحملُ الكلمة من معنى و صفَة، ولكنني " أحبك " بمعنى أنني أُريدك بجانبِي وبصفَة أنني زوجتُك، لم يرتاح قلبُ أمَك دقيقة واحدة منذُ أن عرفت بأمرِ مرضك، إنها تُعاني وتمضغُ كل " آه " بملامحٍ ساكِنة لا تجرؤ أن تنهار وبين يديْها " ريف "، و ريف أيضًا! تبكِيك بطريقتها، هي لا تعرف معنى أن ترحل! ولكنها تنظرُ إليَ بشفقة، وكأنها تعلم بأمرك.
رفعت عينيْها لتنظر إلى الكتب المصفَفة بترتيب وتنسيق تام، أخذت إحدى الكتب لتفتح الصفحة الأولى، قرأت بخطِ يده " قرأته1/10/2012، إلى الذين ما زالوا يُمارسون الحياة بفقدهم " أغلقته لتقف وتفتح الكُتب الأخرى برجفةِ يديْها " كيف السبيلُ إلى وصالك يا أبي، دُلَني؟ " فتحت الآخر " أأشتاقُك؟ ".
أدركت تمامًا أنه يكتب بعد إنتهاءه من القراءة سطرًا على صفحة كل كتاب، بخطواتٍ مرتبكة نزلت لتتجه ناحية الغرفة التي أذهلتها أولُ مرة بتصميمها، اقتربت من الكُتب وببعثرة كانت بعض الكتب تسقطُ من يدها، بدأت تقرأ الكلمات التي تُذيبها دمعةً تسقطُ من عينيْها على الورق.
" جرَبت أنواعًا عديدة من الحُب، كان أولَها أبي و آخرُها ريف، ولكن لم أُحب بعد أنثى تحبسُ العالم في عينيْها وأسافرُ إليها بصوتها، أُريد ان أجرَب كيف يحمَر قلبي بقُربها قبل أن أموت "
" أخطأت كثيرًا . . . . . . "
" و اكثرُ المسميات حُبًا لقلبي : رائحة الجنة، هذه الجنَة التي أراها في عينيَ أمي كل صباح "
" كيف أتُوب دون أن أؤذي أحدًا بمعصيتي ؟ "
" ت ع ب ا ن "
جلست على الأرض لتفتح الكُتب بأكملها وتقرأ الصفحات الأولى سطرًا سطرًا وأغلبها كانت كلمتيْن لا أكثر.
" أحيانًا يأتِ القدر بصورةٍ موجعة ولكننا نتقبله لأننا نعي تمامًا من يحكُمنا! الذي يحكمنا / العزيز الرحيم "
" كيف أخبره؟ أنني موجوعٌ اكثر منه، اليوم فهمت تمامًا فداحة خطأي وأنا أُخبر رجلاً أن زوجته لم تمُت "
" قلة الحيلة هي أكثرُ الأشياء وجعًا "
" أخبرتهُ! "
" سيأتِ شخصٌ آخر يعرفني عن قُرب، وسيفهم تمامًا أنه مخدوع فيني "
" لم يكن أمرُ وفاتِك يا أبي عاديًا، أمرُ وفاتِك بحدِ ذاته جعلني سيء أكثرُ مما أظن "
وقفت هيفاء والكتب مبعثرة على الأرض، غصَت بالوجع الذي تقرأه بكل كلمة يكتبها، لِمَ كان يكتبُ على صفحات الكتب المخصصة للإهداءاتِ دائِمًا والمخصصة أيضًا للكلمات الجميلة، لِمَ جعلها مساحةً للتعبير عن حُزنه! هل فعلها كي لا يقرأها أحد؟ ولكن كيف وهو جعلني ادخلها متى ما شئت! ما الخطأ الذي أوجعهُ بهذه الصورة؟ ومن الرجل الذي أخبرهُ عن حياة زوجته؟ اقتربت من الطاولة الأخرى لتسحبَ الرف السُفلي، نظرت للأوراق التي لم يُجذبها بها شيء، أغلقته بحدَة لتصعد مرةً اخرى نحو الغرفة، بدأت بالبحث في كل جهة عن شيء تجهله، أرادت أن تفهم فقط ما سرَ كلماته التي قرأتها، نظرت لملفٍ شفَاف يحتوي عدَة اوراق بجانب الخزينة، جلست على ركبتيْها لتفتحها، قرأت الورقة الأولى ولم تفهم شيئًا سوى " السيد فيصل عبدالله القايد " تركتها لتقرأ الأخرى وعينيْها تثبت عند " عبدالمجيد بن سطَام "، عادت ذاكرتها بعد دقائق طويلة من التأمل لحوارٍ ضيَق تتذكرُ تفاصيله.
" منصور : هيفا مو وقتك أبد!!
هيفاء : يخي بس وصلني للمشغل ومن هناك انا أرجع مع صديقتي
يوسف إلتفت لوالده : و بو سطام عبدالمجيد وينه فيه الحين ؟
والده : حصلت له مشكلة في القلب وأضطر يتقاعد ويتعالج في باريس الحين
هيفاء بحلطمة : ياربي! في كل مكان لازم تسولفون عن نفس السالفة! تعبت وأنا أسمعها! الله يرحمهم بس عاد مو كِذا
والدِه تنهَد : يوسف بالله روح ودَها لا ترفع ضغطي
يوسف رفع عينه إليْها : عنادٍ فيك ماني مودَيك ولا راح تروحين مع أحد ماهو لازم!
هيفاء ضربت قدمها على الأرض : أستغفر الله بس!!! مدري على أيش أنتم أخواني!
منصور دون أن يلتفت إليْها : والحين عبدالمجيد بروحه هناك! يعني أهله ماهُم فيه ؟ "
عادت للإسم مرةً اخرى، وهي تُعيد الأوراق إلى مكانها، خرجت لتنظر إلى والدته أمامها، أم فيصل عقدت حاجبيْها على رجفتها غير الطبيعية : هيفا؟
هيفاء بلعت ريقها لتقترب منها : خالتي بسألك سؤال، وأدري إنه مو وقته بس ..
أم فيصل بإبتسامة : أسألي باللي تبين، وش فيه مشغول بالك؟
هيفاء : فيصل كان موجود بالرياض قبل سنة؟
أم فيصل : لا، كان في باريس يشتغل عشان يوسَع أعماله اللي بالرياض
هيفاء نظرت إلى عينيَ والدته : عن إذنك خالتي بنام ساعتين من أمس ما نمت
أم فيصل : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك ولا تحملينها فوق طاقتها
هيفاء : إن شاء الله . . . صعدت للأعلى وبمُجرد أن أعطت والدته ظهرها حتى أنهارت عيناها بالبكاء ويرنَ في عقلها الذي قرأته قبل قليل، كتَب في الصفحة الأولى من كتاب " حديقة الغروب " ( كيف أنسى أنني قتلتهم أحياءً ؟ )
دخلت الغرفة لتُغلق الباب، لم تستطع السيْر أكثر، سقطت على ركبتيْها وهي تُحيط رأسها بيديْها.
يارب لا تجعل له يدًا بما حدث العام الماضي في باريس، يارب لا تجعل له يدًا بما حدث.
هل كان خطأؤه يتعلق بأمرهم؟ من الرجل الذي أغتال زوجته وهي حيَة؟ يارب أرجُوك لا أريد أن أنصدم بما يحدث، أخرجت هاتفها من جيْبها لتتصل على والدها، ثوانٍ قليلة حتى أتى صوته المُتعب : ألو
هيفاء بنبرةٍ باكية : يبه
والدها : لبيه يا عيون أبوك
هيفاء : مين عبدالمجيد ؟
والدها بدهشة : وشو؟
هيفاء : مين عبدالمجيد ؟ وش علاقته بفيصل ؟
والدها : بسم الله عليك وش صاير لك؟ ماني فاهم ولا شي
هيفاء : العام اللي فات كنت أنت ومنصور ويوسف تحكون فيه! مين هوْ ؟
والدها : هيفا! وش سمعتي عشان تسألين عنه؟
هيفاء ببكاء : ما سمعت شي! أبي أعرف مين عبدالمجيد هذا ؟
والدها : زميل لنا بالشغل
هيفاء برجاء : يبه تكفى! تكفى لا تكذب عليَ
والدها : أول شي أهدي وفهميني، ليه كل هالبكي؟
هيفاء : راسي بينفجر من الأفكار اللي تجيني، فيصل يقول أنه غلط وماهو قادر يصحح غلطه ويقول إنه وفاة أبوه أثرَت فيه و أنه خبَى عن شخص أنه زوجته حيَة وأنه ماهو قادر يسامح حاله و أنه ذبح أشخاص كثييير .. وتوَ سألت خالتي تقولي إنه كان في باريس ذيك الفترة! يبه تكفى قولي بس وش علاقة فيصل فيه؟
والدها بدهشة حقيقة جعلته يصمت.
هيفاء بصوتٍ يتعالى بالبكاء : يعني صح؟ اللي عرفته صح؟ فيصل له يد باللي صار لعايلة سلطان العيد !!! قولي يبهه صح
والدها : لو شاك بفيصل 1٪ ما زوَجتك إياه! يبه أنتِ فاهمة غلط
هيفاء : لا ماني فاهمة غلط، أنا قريت كل شي! عشان كِذا جوَ بيتنا وأعتدوا عليه . . بس مين ؟ إذا العايلة نفسها ماتوا!
والدها تنهَد : هيفا حبيبتي فيه أشياء كثير ما تكون واضحة قدامك وهالشي يخليك تخمنين بأشياء كثيرة ممكن توجعك وهي غلط!!
هيفاء بتوسَل يهزَ غصن أبيها : أبي أشوفه طيَب! ليه تمنعونا نروح له!! بموت يا يبه من التفكيير والله بموت
والدها : هيفا . . أترجَاك! أهدي
هيفاء : تكفى يبه، تكفى بس بشوفه . .
والدها بضيق : طيب، الحين أمرَك بس لا تقولين لأمه عشان ما تتضايق
هيفاء مسحت بكفَها دموعها : إن شاء الله . .
،
باريس قبل الجليد و الحُزن والبكاء، يجلسُ بمقابله.
فارس : وش قررت؟
عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي لا تشي بأمرٍ حسن ولا سيء : وش يضمَني يا فارس؟
فارس : أنت عارف إني قادر بسهولة أقول لأبوي وش تخططون من وراه! كل هذا ما يخليك تثق فيني؟
عبدالعزيز تنهَد : مهما تصرف أبوك مستحيل توقف ضدَه
فارس : صحيح، مستحيل أوقف ضدَه لكن ممكن أوقف مع غيره وهذا ما يعني إني ضدَه
عبدالعزيز : وإن حصل شي لعبير من أبوك؟
فارس : مثل ما حفظت سرَك عنده بحفظها
عبدالعزيز فهم تهديده المبطَن : يعني؟
فارس : حاليًا أنا أكثر تمسك بعبير، وماراح أرضى إنها تروح لغيري
عبدالعزيز إبتسم : تهددني؟
فارس : ما أهددَك! لكن مثل ما تبي مصلحتك أنا أبي مصلحتي
عبدالعزيز : يعني أفهم من كلامك إنه مطلوب مني أروح وأقنع بوسعود بمشعل اللي هو أنتْ !! وبتتوقع إنه راح يصدَق ويبارك لك!! مستحيل أنا أعرف بو سعود إذا ما سوَا لك بحث شامل عن أصولك ما يرتاح
فارس : وأنا ليه أبيك؟
عبدالعزيز ضحك بسخريَة : تبيني أبيَن له إنه ما على عبير خوف معاك!! مجنون؟
فارس تنهَد بحدَة : عبدالعزيز!!
عبدالعزيز : هذا زواج ماهو لعبة!
فارس : على أساس إنك تزوجت بصورة طبيعية؟
عبدالعزيز رفع حاجبه : عفوًا؟
فارس : قدام أبوي قلت إنك متزوَج وحطيت بوسعود أمام الأمر الواقع! صح كلامي ولا معلوماتي خطأ؟
عبدالعزيز نظر إليه بجمُود : أنا غير وأنت غير!!
فارس : تزوجت وأنت ما تعرف أيَ وحدة فيهم لكن سألت نفسك ليه أبوها ما أختار عبير رُغم أنها الأنسب في ظروفك ؟
عبدالعزيز : لا يكون هذي من تخاريف أبوك اللي مصدَرها لك
فارس : أبوي ماعنده خبر!! أنا اللي أتصلت، وبعلاقاتي قدرت أهددهم لو تزوَجت عبير ماراح يحصلهم خير!! و هالكلام وصل لمقرن وبعدها وصل لبوسعود، وأنجبروا يختارون الثانية
عبدالعزيز بإبتسامة باردة : هذا الخبر ما كان يدري فيه . .
يُقاطعه : أبوي وأنت و بوسعود و مقرن و سلطان، كيف تسرَب لي؟ هذا اللي تبي توصله . . قلت لك من قبل أعرف أكثر من اللي تعرفونه ولو أبي أهددكم قدرت من زمان لكن هالشي راجع لعقلي اللي ما يفكَر يضرَكم بشي
عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى نطق : وش اللي تعرفه؟
فارس : أبوي مو غبي! حط هالشي في بالك! إذا ما كشفك اليوم، بيكشفك بوقت ثاني وراح يمثَل عليك ويمثَل على غيرك، أنا أكثر شخص أعرف أبوي وطريقته، سبق وسوَاها بأبوك و بومنصور، على آخر لحظة قلب كل شغلهم وكشف معرفته بكل الأمور في الوقت اللي كانوا يحسبون فيه إنه محد داري!!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : ليه تقولي هالحكي؟ ما تخاف أروح لهم وأقولهم ونغيَر كل خططنا!!
فارس بهدُوء مُهيب : واثق فيك
عبدالعزيز : فارس . . .
فارس : أنا فاهم وش تفكر فيه وحاسَ فيك، إذا أنت تحس إنك منت مناسب لهالشغل أنا أحس كل يوم إني في بيئة ما تناسبني!! لا تتوقع ولا في لحظة إني بغدر فيك، عبدالعزيز بقولك شي وما أظن راح أتجرأ أقوله لأحد غيرك
عبدالعزيز رفع عينه إليْه، كانت عينا فارس شرسَة بالشفافية والوضوح الذي بدآ يغزُوها، بلع ريقه : وشو؟
فارس : أنا مراقب بيت بوسعود من قبل لا تجي الرياض، وأعرف كل شي يصير فيه، لأن السوَاق اللي عنده كان يشتغل عندنا من زمان و الشغالة نفسها كانت توَصل للسوَاق الأخبار وهو يوصَلها ليْ، و لمَا حصل أمر زواجك تسمَع على بوسعود ومقرن وكانوا يخططون على عبير، وقالوا أنه ردَة فعلها بالمستقبل ماراح تكون إنفعالية مثل . . أختها الصغيرة، و لمَا كلمت اللي أتعامل معه واللي يربطني بأبوي قالي عن الموقف اللي حصل وإنك تكلمت وقلت إنك متزوَج بنته . . . وطبعًا كل هذا أقوله لك بدون فخر
عبدالعزيز بدهشة : وكل هذا عشان أيش؟ كيف عرفتها؟ وشلون عرفتها أصلاً؟ أنا من جيتهم طلعاتهم تنعَد على الأصابع بالشهر الواحد، كان مشدد عليهم بوسعود كثير!!! كيف . .
فارس : هذي سالفة طويلة
عبدالعزيز : لا تفكَر تقوله لأحد غيري لأن فعلاً فيه قلة رجولة! كيف تسمح لنفسك إنك تراقب بنت؟
فارس بضيق : ما راقبتها بعيوني! اللهم أخبارها هي اللي كانت توصلي
عبدالعزيز : ووش السالفة الطويلة؟
فارس : أبوي كان يبي مزرعة بوسعود وأستغلني لأني مبتعد عن الأجواء ومحد يعرفني، وكلمت صديق لي إسمه عبدالمحسن اللي كان يعرف أحد معارف بوسعود و بعزيمة أجتمعوا كلهم وضبطوا وضع المزرعة إننا نأجرها منه لكن بوسعود رفض وقال إنها حلالنا نجلس فيها متى مانبي ولمَا جيتها أول يوم كانت أغلب الغرف مقفلة لكن فيه غرفة لقينا مفتاحها بالوقت اللي راح عبدالمحسن فيه، ومن فضولي فتحتها وكانت غرفة عبير
عبدالعزيز بغضب تتسارع كلماته : وش لقيت فيها؟ كيف عرفت إنها عبير؟ يعني شفتها؟
دون أن يضع عينه بعينيَ عزيز : لقيت صورها موجودة
عبدالعزيز بسخرية غاضبة : وطبعًا مشيت على مبدأ شفتها وخذت قلبي
فارس تنهَد بضيق : لا طبعًا! بس لأني محبوس وزين أطالع السمَا قامت تشغل عقلي وقررت أبحث عن رقمها وأشغل وقتي فيها، يعني كانت مجرد تسلية
عبدالعزيز بحدَة أعتلت نبرته بشتيمةٍ قاسية في وجه فارس.
فارس نظر إليْه بغضب : ممكن تخليني أكمَل قبل لا تحكم عليَ؟
عبدالعزيز : لا تتوقع إنه عقب حكيْك بأقتنع وأقول والله كفو راح أقنع بوسعود فيك وأنت تراقب بنته من سنة وأكثر!!
فارس : حبَيتها يا عزيز، بس تدري وش عقابي من هالحُب؟ عُمرها ماحاولت تعطيني فرصة كانت دايم تبتر الطرق اللي توصلني لها!! كان إيمانها أقوى من إني أزعزعه بأيَ فعل!!
عبدالعزيز: الأساس غلط وزواجك منها الحين غلط وكل شي مبني على غلط لا تفكَر تصححه
فارس : هالكلام بدل ماتقوله ليْ قوله لنفسك ولا أنا غلطان؟
عبدالعزيز : قلت لك لا تقارني فيك!! زواجي وإن كان ممتلي أغلاط لكن هي عندها علم فيني وبإسمي أما أنت تبي تخدعهم كلهم! إلى متى؟
فارس : أنا عارف والله العظيم إنه محد يرضى على بنته بهالشي! وأنت اللي ما تقرب لك عبير بشي عصَبت!! لكن هذا شي حصل مقدر أكذب وأقولك بمثالية إنه أموري تمام وأنا خالي من العيوب، أنا غلطت وأعترف لِك إني غلطت عشان أكون واضح قدامك بدل ما أكون واضح قدام عبدالرحمن و تخرب كل أشغالكم المتعلقة بأبوي
عبدالعزيز يُبلل ريقه بمياهٍ باردة، نظر إليْه بحدَة : كلنا نغلط! لكن غلطك يجلط القلب
فارس إبتسم : والنتيجة؟
عبدالعزيز : النتيجة الله يسلمك تبطَل مراقبة بيت بوسعود!! وأهله
فارس بضحكة : وبعدها؟
عبدالعزيز تنهَد : الله لا يبارك في العدو . . طيب
فارس صخبت ضحكته ليلفظ : الثقة ماهي شي إرادي تذكَر هالشي، وأنا داري ومتأكد إنك واثق فيني لكن ما يساعدك صوتك بالإعتراف
عبدالعزيز إبتسم رُغمًا عنه : بس والله لو حصل شي غير اللي اتفقنا عليه بوقَف بوجه هالزواج وماراح تشَم ريحته
عاد لوجه رائد ولعينيْه، كانت كلمات فارس مُنبَهة منذُ ذلك اليوم ولكن نحنُ الذين طمعنا بإستغفاله حتى صُدمنا، إلتفت لإتجاه صوت رائد الساخر/الشامت : تأخرت يا بوبدر؟ هذا وأنت دقيق في مواعيدك
تأمل الوضع وهو يبحث بعينيْه عن الفردِ المفقود " ناصر "، نزلت أيادِي رجاله الذين يفتشونه لأقدامه، سلطان تجاوزهم وهو يخطُو على يدِ إحدى الرجال بتعمَد : عفوًا
رائد وضع قدمًا على قدم فوق الطاولة ببرود : إتفاقنا ماشي ولا ناوي تخربَه عشان أخربه معك
سلطان تنحنح حتى لفظ : وين ناصر؟
رائد بإبتسامة مستفزة : بحَ!!
سلطان ببرود يجلس بجانب بوسعود : إذا تبي تتعامل بهالأسلوب أبشرَك عندي أسلوب همجي يليق فيك
رائد : طيب خلنا نحط عبدالعزيز بالصورة، مين ورى حادث سلطان العيد يا بو بدر؟
عبدالعزيز أطلق ضحكة قصيرة من جوفِ قهره ليقف وهو يقترب من النافذة ويضع يديْه بجيوبه
عبدالرحمن : أظن إنه ماهو موضوعنا! والحين جاء وقت يطلع ناصر
رائد بهدوء : مين اللي قال نبي عبدالعزيز لأن ما وراه أهل!!
سلطان : تحاول تستفزني وتستفزه عشان تشتتنا؟ هذا الأسلوب قديم! ولا عاد يمشي معنا
رائد : لو قلنا سلطان العيد و قضاء وقدر وما كان بإيدكم حيلة، وينكم عن مقرن؟
سلطان بغضب وقف : أقسم لك بالله إنه ما يوقف بوجهي شي لو حاولت . .
يُقاطعه رائد بذاتِ الحدَة : لو حاولت أيش؟ خايف من عبدالعزيز؟ خايف إنه يعرف!
إلتفت عبدالعزيز ليوجَه حديثه إلى رائد : لا تخاف! ما أعتبرهم شيء عشان أنصدم منهم، لو كنت لهم شيء ذيك الساعة كانوا علموني بدون لا تمهَد لهم وتحاول تستفزهم!!
عبدالرحمن : كل شي كان مفروض تعرفه عرفته عدا ذلك لا هو بمصلحتنا ولا مصلحتك
رائد : طبعًا ماهو من مصلحتكم بقاء عبدالعزيز في باريس عشان أخته
سلطان : واضح إنه أخبارك قديمة، عالج الموظفين المشتركين مع سليمان وذيك الساعة تعال قولنا وش صار بالحادث؟ لأنك مخدوع بقوَتك!
رائد بإبتسامة : هل عندِك علم يا عبدالعزيز إنه ابوك كان عايش بعد الحادث لأسبوع؟ وبعدها توفى؟
عبدالرحمن بحدَة : رائـــد!!!
عبدالعزيز بلع ريقه بصعُوبة، نظَر إليهم بضياعٍ تام، أقسى من عيناه هذه اللحظة لم تُوجد ولن تُوجد.
أسبوع! هذه السبعة أيام كانت كافيَة لشفاء قلبي، رُبما سمعت صوته للمرة الأخيرة ورُبما قرأ عليَ ختام حياتِه، ولكنني لم أعرف؟ لأن هُناك من ينصَب نفسه مسؤول عن قلبك ويلغي منه الحياة لأن يُريد ذلك دون أن يلتفت للدم الذي يربطنا معًا، لم أفعل أيَ شيء حتى أستحق كل هذا! حتى وأنا أعصي القوانين وإتفاقاتنا و أودِع الحزن في صدوركم كنت أتراجع، تراجعت كثيرًا! في المرةِ الأولى مع رتيل عندما أردت أن أُذيقها عذابًا لا ينتهي دون أن تدري أنها زوجتي، وتراجعت في المرة الثانية عندما حاولت أن أفضح أمركم أمام رائد، وتراجعت في المرة الثالثة عندما أدركت أن هُناك أمرًا خفيًا وواصلت العمل دون أن ألتفت لهذه الفرضيات، وماذا قابلتوني عن هذا التمسَك أو التراجع؟
سلطان إلتفت بكامل جسدِه ناحية عبدالعزيز : عبدالعزيز !
رائد : قولوا له إذا كان عندِه علم بعبدالمجيد!
عقد حاجبيْه وهو لا يعكس القهر على ملامحه وإنما عيناه / فضَيحة : ماني قايل ( ليه ) اللي بحَ فيها صوتي بقول سامح الله أبوي اللي ما خلَى كلمة حلوة ما قالها بحقكم وأنتم منتُم كفو
عبدالرحمن أقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بحدَة تصلَب ظهره : لا تفكَر ولا للحظة إنك تبرر ليْ! تدري وش المصيبة؟ إنه عدوَكم يدري عن أخباري وأنا صاحب الشأن آخر من يعلم! والنعم والله بالمعزة اللي في قلوبكم ليْ
سلطان : وش راح يفيدك إنك تعرف عن أبوك في وقت متأخر؟ غير الحزن والتعب؟ إحنا بعد ما عرفنا الا متأخر
عبدالعزيز بإبتسامة : أبد ما يفيدني بشي! لا تقولي عن أختي ولا تقولي عن أبوي! أصلاً وش بيصير؟ عادي أختي تعيش سنة كاملة بعيدة عني ولا أدري وش صار لها ووش ما صار لها وعادي جدًا إني أسمع إنه أبوي نجَا من الحادث! كل شي عندِك عادي يا سلطان . . . بغضب أعتلى صوته حتى رجع صداه أقوى . . بذمتك ترضى يصير فيك كذا؟ ترضى تتشرد أختك ولا أمك ولا أيَ زفت من أهلك؟ أنت آخر شخص تتكلم بهالشي لأن عُمرك ماراح تعامل الناس مثل ما تعامل نفسك! عندِك أنت ومصلحتك الأولوية بعدين إحنا! نموت نمرض نآكل تراب عادِي بس أنت ماشي شغلك وإدارتك ماشية خلاص الحياة حلوة حتى لو هي على حسابنا وتمشي فوق أوجاعتنا . .
سلطان بهدوء : ماهو كل شي بإيدنا!
عبدالعزيز بغضب كبير يتقطَع صوته بالبحَة : لو هالشي يعنيك كل شي صار بإيدك! بس لأن الشي يعنيني عادي تقول في نفسك، وش يهمنا؟ خلَه أهم شي رائد مخدوع إلى الآن وأمورنا ماشية!
سلطان : طبعًا لا، لأن لو مقرن حيَ كان شهَد قدامك إنه وصلنا خبر غادة بعد أكثر من شهر من وفاتهم وما كنَا ندري عن كل اللي صار بعد الحادث لين جانا فيصل
عبدالرحمن : جانا مقرن وقالنا إنه ماعندِك علم بغادة بعد ما أكتشفنا أمر حياتها، اما مسألة أبوك ما عرفناها الا باليومين اللي فاتوا، ووقتها قررنا إنه يبقى ما عندِك علم! وغادة كانت فاقدة الذاكرة و مقرن خضع لتهديد فيصل له بالبدايَة و وكَل المهمة لأمل اللي تصرفت كأنها أمها معها و إحنا من جهتنا وكَلنا سعد يكون معاها، وبعد فترة طويلة أكتشفنا إنه مقرن كان مهدَد من فيصل اللي تعامل مع سليمان وخبَى عنَا أمر أمل و الأحداث اللي صارت لغادة، وبعدها تدخَل عبدالمجيد وحلَ مشكلة فيصل وأبعده عن سليمان
سلطان : لا تفكَر إننا خبينا عنك وإحنا دارين أدق التفاصيل، كانت فيه أشياء تصير بدون علمنا وأكبر مثال مقرن لمَا تصرف مع أمل بدون لا يقولنا،
رائد يصفَق بضحكة شامتة : برافو برافو! مشهد تمثيلي رائع، مين اللي ماكان عنده علم بأمل يا سلطان؟
سلطان دون أن يلتفت إليْه : أنت ما عندِك علم بولدِك ووش كان يتصرف من وراك بيصير عندك علم وش يصير عندنا؟
رائد أشتَد قهره : بس ولدِي لمَا بغيته قدرت أخدعكم فيه لولا أمر بسيط حصَل خلاني أحوسكم، أذكَرك يا بوسعود بمشعل؟ كان قريب من الزواج على بنتك! وكان بسهولة بتمشي عليك الكذبة طبعًا هذي بمساعدات عبدالعزيز، ولا يا ولد سلطان؟ مو كنت تبي تقنع بوسعود بمشعل؟ . . هههههههههههه أمركم يا جماعة الخير مصخرة!!
عبدالرحمن نظر لعبدالعزيز بدهشَة، وهذه فرصته للإستفزاز : ماراح أبرر لك أيَ شي! لا تقولي ليه تصرفت كِذا! تصرفته بمزاجي،
عبدالرحمن بهدوء ملامحه : ما راح أطلب منك تبرر ليْ
عبدالعزيز بغضب : يكون أفضل!!
رائد : ننشر الغسيل ولا كافي؟
سلطان مسح على وجهه بتعَب نفسي من الضغط الذي يواجهه هذه اللحظة، يُردف : طبعًا أكمل عنكم المسرحية لعبدالعزيز، تدخلوا الأبطال وقالوا ما يبي لها حل واحد، أكيد سلطان العيد خدعنا وأكيد سلطان العيد غدر فينا ولا كيف يشتغل من ورانا؟
بنبرةٍ طفولية يستفزهم : شفت وش قالوا عن البابا يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز تصاعدت الإضطرابات في قلبه دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة حتى لا يخرج عن نطاق سيطرته بنفسه.
عبدالرحمن : والله برافو عليك! نلت اللي تبيه ونسيت مصلحتك اللي عندنا
رائد بضحكة طويلة : مصلحتي؟ أظنَ يا بوسعود بتوصلك الأخبار الحلوة بعد شويَ
سلطان : طلَع الحين ناصر وبعدها نتفاهم صح
رائد يجلس على الأريكَة العريضَة : أنا مستمتع بالفضايح اللي تقولونها لعبدالعزيز، سمعَوني بعد . . كيف عبدالمجيد أشتغل بدونكم؟
سلطان : مثل ما أشتغل سليمان معاك برجاله
↚
رائد صمت قليلاً إثر الرد المُفحم منه، أردف سلطان : ومثل ما لفَ فارس من وراك بعد
رائد : ولدِي إبعد عنه، عرفت آخذ حقه وبسهولة! والحين بآخذ حقه منكم بعد وبسهولة!!
سلطان : على أساس إننا ضرَينا ولدك بشي! على فكرة ولدك يهمنا اكثر منك وبالحفظ والصون
رائد لم يفهم تمامًا ما يرمي عليه سلطان : وأنا ما يهمني وش ولدي بالنسبة لكم! أهتم بولد سلطان العيد اللي خذيتوا عقله
عبدالعزيز بغضب يتجه إلى رائد : لا بارك الله في شغلٍ نسَاكم إننا بني آدميين!!
رائد بحدَة يقف : وش اللي بيني وبينك يا عبدالعزيز؟ على فكرة أنا هددت أبوك بس ما لمسته! ويوم قررت أأذيه كان سليمان سبَاق، ما ضحكت عليك ولا قلت ترى أختك ماتت ولا ضحكت عليك وقلت لك هذا رائد عندنا شغلة ضرورية معه وبنخليك عميل لنا وتقرَب منه لكن أنتبه ترى هذا رائد ما ضايق أبوك بشي! ولمَا أكتشفت إني هددت أبوك وش سوَيت؟ رجعت لهم! مين الغلطان؟ محد غلط بحقك يا عبدالعزيز أنت اللي غلطت بحق نفسك لمَا رضيت مع الأمر الواقع ولا حاولت توقف بوجههم وتعرف وش صار بعد الحادث، حصل الحادث بليل وبعدها تدخَلوا حبايبك! تدري منهم، فيصل ولد عبدالله القايد و مقرن بن ثامر! وبعدها توسَعت السالفة ووصلت لكل اللي ينقال لهم حبايب أبوك! وطبعًا انت معمي عن كل هذا! أعرف إنه محد صار عدوَك بكيفه، أنت اللي خلَيت الناس كلها أعداءك لأنك ما جرَبت تعاديهم قبل لا يعادونك بأفعالهم ويحبونك بلسانهم
سلطان بعصبية : ماشاء الله عليك رايتك بيضا! ما ذبَحت عيالنا بالرياض ولا أعتديت على قاعدة أمنية ولا سويت شي! ولا دخَلت الأسلحة و المخدرات والعفن اللي تجيبه كل سنة لنا و لا خلَيت جماعات إرهابية تخرَب عقول شبابنا في الجامعات لين وصلوا لك . . أبد ما سوَيت شي ولا حتى ضايقتنا وهددتنا، و أفتعلت جرايمك حتى في وسط شغلنا! كنت السبب ورى خراب معدَات التدريب يوم وفاة عبدالله القايد وكنت السبب في حرق بيتي ووفاة أهلي! . . لو تدري بس كم جريمة مسجَلة ضدَك وكم عقاب راح ينتظرك! لا تتوقع ولا للحظة إنك بتفلت منَا حتى لو جمَعتنا اليوم وأحرقتنا! فيه ورانا رجَال بيضايقونك في كل تصرف مثل ما ضايقناك! ماراح أعطيك موشح بالوطنية وبأعمالك اللي ضدَها!!
رائد بنبرةٍ هادئة : أفعالي كانت ردَة فعل لأفعالكم
سلطان بغضبٍ بالِغ فجَر كل ما في داخله بنبرةٍ صاخبة : مجنون! تبيني أسمح لك تلفَ عقول الشباب و تتاجر بأمور محرمَة دوليًا مو بس دينيًا، يا سلام! يعني نظام أخلَيك تآخذ راحتِك وعادِي نمثَل إننا ماشين تمام!! لا والله منت مآخذ راحتك طول ما أنا حيَ ولا راح تآخذ راحتك طول ما ورانا ناس عيونها ما تنام عن الأمن، ويا أنا يا أنت يا رائد
عبدالرحمن مسك معصم سلطان ليهمس : يترك ناصر بالأول و نبعد عبدالعزيز وبعدها نصفي حساباتنا
رائد الذي لا يصله هذا الصوت الهامس ويستغرب من فهمِ سلطان له ولكنه أدرك تمامًا أنه بينهم لغة يصعبُ كسرها مهما حاول : حاليًا، ما يهمني شي غير إنه عبدالعزيز يفهم وش اللي يصير تحت الطاولة، وتأكد تمامًا أنك جالس تتحدى شخص ماعنده شي يخسره
عبدالرحمن بهدوء : وش اللي يصير تحت الطاولة؟ فاهم قصدك تحاول تميَل عز ناحيتك، على فكرة عز ماهو غبي
عبدالعزيز بحدَة : لا أبشرك المؤمن لا يُلدغ من جحره مرتين، وماراح تقدر تآخذ عقلي بهالكلمتين
رائد بضحكة : هذا هو ردَ عليك! يعني وش فيها لو قلتوا له يا عبدالعزيز أبوك سوَا كِذا وكِذا ولا . . وش رايك يا سلطان تقصَ علينا قصة تعيينك؟ رُغم فيه ناس أقدم منك وأحق منك . . قصة مثيرة صح؟ ونستمتع فيها شويَ دام الجو بدآ يتوتر
سلطان إبتسم ببرود عكس ما بداخله : قصَ عليهم أنت دامك مبسوط بمعرفتك باللي يصير تحت سقفنا! واضح إنه جواسيسك يشتغلون بذمة وضمير، بس تدري عاد! جواسيسك يوم أشتغلوا صح خانوك وراحوا لسليمان وقاموا يشتغلون له وأنت الله يسلمك حاط رجل على رجل وتحسب أنه الناس تمشي على شورك ما تدري إنها تغيَرت وصارت تمشي على شور سليمان إللي لو أنفخ عليه طار!!
رائد بإستهزاء : ويوم راحوا لسليمان ما علَموك وش سويت فيهم؟ حشَيت رجولهم وحشَيت من وراهم سليمان بكبره! خل عبدالرحمن يقولك شافه بعيونه وهو مربَط وبجيبه لك بعد شويَ تقر عينك بشوفته . .
عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
رائد : كل شي يصير من وراي ومن قدامي أعرفه، اللي يخوني أخونه واللي يغدر فيني أذبحه . . بس ما قلتوا لي اللي يخونكم وش تسوون فيه؟ أووه لا لا كِذا انا غلطت أقصد أيَ مصحة تودونه؟ ما بشرَكم عبدالمجيد إنه طالع من زمان وأنتم يالمساكين تدعون له يالله تشفيه ويالله تعافيه. . والله أنتم الله يشفيكم ويعافيكم دام مقرن و سعد و عبدالمجيد والأمة العربية تلعب من وراكم! وتوَكم . . عقب سنين تكتشفون إنه سلطان العيد كان يفاوض سليمان من وراكم!
بسخرية لاذعة أردف : ما هكذا يُدار الأمن يا شباب!! ولا قوتكم ما تطلع الا عليَ؟ وحتى ياليتها تطلع هذاكم قدامي، قدرت أجيبكم مثل الكلاب . . بنظرة موجهة لسلطان وهو يدري إنه يدوس على كبرياءه في هذه اللحظة . . قدرت ولا ما قدرت يا بو بدر؟ . . قلت لكم لا تلعبون بالنار حتى كتبتها لكم وحطيتها في . . . أقول يا بوسعود ولا أسكت؟ يالله ما أبي أضايقكم وبقول حطيتها في ملابس بنتك حرم عبدالعزيز الله يسلمه
عبدالعزيز أسترجع الحادثة التي حصلت في بداية السنَة، و الورقة التي قُذفت في صدر رتيل، بغضب أخذ المزهرية التي تتوسط الطاولة ورماها على رائد الذي أبتعد قبل أن تصله وتناثر زجاجها، بخُطى مجنونة توجه إليه إلا أن جسد سلطان وقف أمامه.
عبدالعزيز بقوَة يدِيه دفع سلطان وعيناه تحمَر من شدَة الغضب : مو بس تبعد عن طريقي! أبيك تبعد عن حياتي
رائد بنبرةٍ شامتة : مقدَر الجنون اللي فيك يا عزيزي! ضحكوا عليك ومتزوَج بنتهم و أيش بعد؟ خلَوك تجرب أنواع العذاب على أساس إنك ماشاء الله تدافع عن وطنك لكن اللي يدافع عن وطنه على الأقل يدافع عن أهله ولا أنا غلطان يا عبدالعزيز؟
سلطان لم يحاول أن يمد يده، يُمسك أعصابه بصعوبة، دقائق صمت وحوار بالنظرات بين سلطان وعبدالعزيز، يتشباهان بجسدهما، لا تفصل سوى مسافةٍ قصيرة ( نصف متر )، نفس الطُول وذاتِ العرض، حتى حدَة النظرات المنفعلة بعينيْهما أصبحت تتشابه، في هذه الأثناء أصبحوا يتشابهون بصورةٍ مؤذية/ يعتليها بعض الهيبَة التي خلَفها والده به و بسلطان أيضًا.
رائد ينظر إليهما بتركيز عالٍ : كيمياء عجيبة بينكم! واضح إنه الحقد بعد ماليكم، يالله عساه حولنا ولا علينا
عبدالرحمن بإستفزاز صبَر عليه كثيرًا حتى بدأ صوتُه الهادي مُستفزًا لرائد : بما أنك ما ألتزمت بكلامك وما طلَعت ناصر! يمدينا إحنا بعد ما نلتزم بكلامنا؟ وماله داعي تقولي البيت محاصر وماتقدرون وإلى آخره من هالحكي! أنت عارف قدراتنا! وعارف برَا كم عندنا واحد، لذلك خلَك رجَال وعند كلمتك وطلَع ناصر
رائد بسخرية : ما يهمني أكون رجَال بعيونك! وماني عند كلمتي! وش تبي تسوي؟
عبدالرحمن : بسوَي أشياء كثيرة، وأنت عارف وش قصدي
رائد : حاليًا يا عبدالرحمن ما تقدر تهددني قلت لك ماعندي شي أخسره هذا أولاً وثانيًا أنت قدامي ومحاصر على قولتك، وسلطان قدامي بعد ومُحاصر!! وعبدالمجيد إن شاء الله بنجيبه على يوم أحلَي فيه دام غداي فيكم!!
سلطان بهدوء : ناصر يطلع!!
رائد يُقلد نبرته : لا لا لا لَـــه!! مفهوم؟
عبدالعزيز يتخلَص من حدَته رُغم البحة الواضحة في صوته والتي تُبيَن هذه الحدَة الغاضبة : ناصر يطلع لأنه ماله علاقة بقذارتكم!!
رائد يقف مجددًا : كنت منتظرك تقولها ليْ! وش المقابل يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز بحدَة أستفزت سلطان و عبدالرحمن : اللي تبيه مني حاضر
سلطان أطلق ضحكة قصيرة متعجبة وساخرة بالوقت نفسه : برافو والله يا عبدالعزيز
عبدالعزيز إلتفت عليه برفعةِ حاجبه الأيمن : هي جتَ عليه؟ هذاني قضيتها معكم ولا قدرَتوا قيمتي ولا قيمة أبوي!!
رائد بنبرةٍ إستهزائية بالدرجة الأولى : المُشكلة يا عبدالعزيز، وتصوَر بعد إنه أبوك كان السبب الرئيسي في وجود سلطان! تخيَل!! وصارت مشاكل في ذيك الفترة عليه كيف شخص ما عدَا عُمره 35 يرأسنا؟ وشوف كيف قدَر أبوك اللي حطَه في هالمكان
سلطان أدخل يديه في جيوبه لأنه شعَر بإحتمالية الضرب، ليُردف رائد : حتى بوسعود ماكان راضي وحصلت خلافات بالبداية والله أعلم عاد كيف أقنعه أبوك بأحقية سلطان!!
سلطان : وعبدالعزيز كان في عيونَا لعلمك! ولا نرضى عليه ومو بس عشان أبوه! إلا عشانه بعد لأنه يهمنا
عبدالعزيز بسخرية : الله يسلم عيونك ما قصَرت يوم إنها حفظتني أعمتك وواضح إنك نسيتني بعيونك بعد!!
سلطان نظر إليه بنظراتٍ لا يفهمها بسهولة، نظرات كانت تحمل رجاء من نوعٍ خاص.
،
مستلقيَة على السرير، لا صوتٌ يصدر منها تتلحفُ السكينةَ بدقَة عاليَة مصدرُها عيناها المضيئتانِ منذُ مكالمة يوسف.
أشعرُ أن الخيارات أمامي وأن الجنَة أيضًا تتمسكُ بي ولكنني أتجاهلهُا وأسير بكامل إرادتي إلى الجحيم، هذا الشعور يقتلني يالله! أنني أُدرك بمقدرتي على فعل شيء ولكنني عاجزة عن فعل هذا الأمر، هذا التناقض الذي يجري بلا دمٍ يرويه في عقلي يُجفف نبرتي ويُنقض عهدها بالكلام، أُريد أشياءً كثيرة، أُريد يوسف و ضحكة يوسف و نظرة يوسف و عِناق يوسف و كل شيءٍ يتعلق بيوسف و لا أُريد أيَ شيء في الدُنيَا عداهُ، ولكنني أفعلُ كل ما يناقض هذا الأمر لأنني مازلتُ أنتمي لجلدٍ جافَ يستمَر بمُعاقبة نفسه في حقلٍ من الأشواك، هذه المرارة في فمي، عالِقة بلزوجَةٍ متربَصة كما أن هُناك ( أُحبك ) مخفيَة، أظنُها أيضًا هذه الكلمة تُعاقب نفسها بصدرِي وتبثَ حزنها بطريقة ما.
من خلفها : خوالتس يسألون عنتس!!
مُهرة بهدوء : ما أبغى أشوف أحد
والدتها : كل هذا عـ
مُهرة تقاطعها بذاتِ الهدوء : صار اللي تبينه والحين أتركيني ولا تزيدينها عليَ
والدتها تجلسُ على طرف السرير : يا غبية أنا أبي مصلحتتس! تبينن أرميتس عليه؟
مُهرة : رميتيني في المرَة الأولى وبلعت لساني وقلت معليش أمك يا مُهرة وما أبي أضايقك! لكن ما فكرتي فيني، فكرتي من نظرة الناس لفهد الله يرحمه ونسيتي بنتك
والدتها بضيق : ما رميتتس عليه! كنتي بتجينن هنيَا وبتعضَين أصابعتس من هالعيشة!
مُهرة : خلاص ما أبغى أتكلم بهالموضوع، راح وأنتهى بخيره وشرَه،
والدتها : وهالحين كل هالحداد عشان يوسف!!
مُهرة : يمه إذا بتسمعيني كلام يسم البدن الله يخليك بنتك ماهي ناقصة
والدتها : هسمعينن بس! بكرا يطلقتس ويآخذتس ولد الحسب والنسب ويعيَشتس عيشة ملوك وبتنسين طوايف يوسف بس خليتس منه وأعرفي مصلحتتس
مُهرة : مين ولد الحسب والنسب؟ عيال خوالي اللي كنتِي معارضة زواجي منهم في البداية! مدري وش مغيَر أفكارك!! وأنا لعبة بإيدك متى ماتبين زوجتيني ومتى ماتبين طلقتيني! خلاص يا يمه يكفي! خليني كِذا هالزاوج اللي ترميني عليه كل مرة ما أبيه!!
والدتها وقفت بعصبية : يا ملا اللي مانيب قايلة . . . وخرجت لتتركها تتوحَد بحُزنها مثل كل مرَة.
أخذت هاتفها من على الطاوْلة، دخلت إلى " الواتس آب "، بصورةٍ روتينية يحملها قلبها إتجهت إلى إسمه نظرت إلى آخر ظهورٍ له قبل عدَة ساعات، لتُغلقه بقهرٍ شديد وقبل أن تضعه على الطاولة أهتَز، فزَ قلبها على أمل إسمه ولكن تلاشى هذا الأمل مع إسم " ريم "، أجابت وهي تحاول أن تتزن بصوتها الباكي : ألو
ريم : مساء الخير
مُهرة أستعدلت بجلستها فوق السرير : مساء النور، هلا ريم
ريم : هلابك، بشريني عنك وش مسوية؟
مُهرة : بخير الحمدلله
ريم : يا علَه دُوم، ما رجعتي؟
مُهرة : لا
ريم : و ما ودَك ترجعين؟ بيتك مشتاق لك
مُهرة بإستغراب صمتت ولم تقدر على الإجابة بشيء.
ريم بهدوء : كلمت يُوسف، و بصراحة هو ماقالي شي لكن أنا اللي استنتجت وفهمت وقلت أتصل عليك
مُهرة ببترٍ واضح للموضوع : الله يكتب اللي فيه كل خير
ريم : ماراح أتدخل بمشاكلكم ولا راح أقولك رايي بشي، لكن فكري قبل لا تتخذين أيَ قرار . . . وقرارك خليه مبني عليك أنتِ ويوسف ماهو مبني على أهلك وعلى أهلي
مُهرة بلعت ريقها بصعُوبة دون ان تُعلق عليها بكلمة أخرى. أردفت ريم بنبرةٍ حميمية : والله يعزَ عليَ أشوفكم كذا لا أنتِ تستاهلين ولا يوسف يستاهل، مهما وصلت المشاكل بينكم ما يستاهل الوضع يوصل للطلاق وأنتم توَكم بتكملون سنة قريب، عطوا نفسكم فرصة، عشان ما تندمين بعدين، مُهرة
مُهرة : سمَي
ريم برجاءٍ كبير : أستفتِ قلبك، وإذا جت علينا إحنا أهله والله محد راضي بالطلاق، وللحين ما وصل الخبر لأمي وأبوي وإن وصلهم بيعصبون وبيتضايقون! لأن كلنا نعتبرك منَا وفينَا ولا نبي أسباب زواجكم تتحوَل لمشاكل، ذيك فترة وأنتهت، و حادثة أخوك الله يرحمه مثل ما ضايقتكم ضايقتنا وضايقت حتى منصور، لكن خلاص بدينا صفحة جديدة ماله داعي نقلَب بمواضيع قديمة ونحوَلها لمشاكل لدرجة الطلاق، فكري بنفسك وبحياتِك وراحتك بعد، لا تربطين تفكيرك بشي ماضي راح وأنتهى، كيف بتعيشين بكرا إذا كل عثرة بحياتك راح توقفين عليها وتقررين وش اللي تحدد لك هالعثرة؟ بالعكس أنتِ اللي اخلقي فرصك وأنتِ اللي حددي وش تبين مو الظروف هي اللي تحدد لِك!! . . فكري زين
مُهرة تنهدَت وهي تسدَ السيل المنجرف من عينها عن صوتها : إن شاء الله
ريم : والله يكتب لكم كل خير يارب ويجمعكم . . تآمرين على شي؟
مُهرة : سلامتك
في جهةٍ اخرى يسيرُ بإتجاه سيارته والهاتف على أذنه : تخاويني حايل؟
علي: وش نوع المشوار؟
منصور : يدخل في باب إصلاح النفوس
علي بضحكة : عاد انا معروف عني أحب أصلح النفوس
منصور إبتسم : لا جد علي، مافيه غيرك يخاويني
علي : طيب قدَام، بس متى؟
منصور : الليلة عشان نوصل الصبح
علي : من جدَك! خلها بعد بكرا
منصور : لا ما ينفع! لازم بأقرب وقت
علي : أجل خلَ يوسف يخاوينا، يقولك الرسول صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان و الثلاثة ركب
منصور : صلى الله عليه وسلم، وأنا ليه مآخذك؟ عشانه مكروه أسافر بروحي
علي يحصرُه بالزاوية : طيب ومكروه بعد إثنين، جب لنا ثالث خلنا نطقطق عليه بالطريق
منصور : وأنت ذا همَك! يخي خلنا نتوكَل إحنا لأنه الموضوع عائلي بعد وماعندي أحد أثق فيه غيرك
علي : يخص يوسف؟ هو اهله من حايل صح؟
منصور : عليك نور، وأنا رايح عشانه
علي : خلاص مرَني الليلة الله يسهَل طريقنا
منصور يُبعد الهاتف لينظر إلى إسم " ريم " : آمين . . أشوفك على خير . . أجاب على ريم : هلا
ريم : كلمتها، المهم يوسف شلونه؟
منصور : توني طالع من عنده بالمستشفى . .
لم يُكمل من شهقة ريم : المستشفى!! وش فيه؟
منصور أنتبه أن خبر فيصل لم يصل إلى الآن لريم : آآ . . رفيقه منوَم وكنَا عنده
ريم تنهدت براحة : وقَفت قلبي أحسب صاير شي، الله يقومه بالسلامة
منصور بلع ريقه : آمين، المُهم بيَنتي لها إننا ماعندنا مشكلة معها؟
ريم : إيه ولا يهمَك، قلت لها إنه لا تآخذ قرارها بناءً علينا وعلى تقبلنا لها لأننا متقبلينها، أهم شي يوسف والله ما يستاهل بعد عُمري
،
تنظرُ إليه بنظراتٍ مرتبكة خافتة، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : بو ريَان
عبدالمحسن إلتفت عليها وهو يُغلق أزارير كمَه : سمَي
أم ريَان بتوتر : سمَ الله عدوَك، هالفترة تكرر عليَ حلم ورحت فسَرته وأنا خايفة إننا قصرنا بشي
عبدالمحسن اقترب منها : وش تفسيره ؟
أم ريَان : وين تُركي؟ أخاف صاير له شي وإحنا ما ندري، هو طايش وقطعنا من كيفه لكن بالنهاية راح يرجع لأهله وإحنا أهله، لا تتركه من غضبك عليه! هو مو بس أخوك هو ولدك و ولدي!!
عبدالمحسن يُحيط به صمتٍ رهيب، نظر إلى عينيَ زوجته التي يستشفُ منها الدمع،
تُكمل : كم مرَ وإحنا ما سمعنا صوته؟ والله مشتاقة له ولا أدري وش عذره بهالغياب لكن بعذره لأننا مالقيناه من الشارع، لا تهمله يا عبدالمحسن وهو قطعة من روحك!
عبدالمحسن أغمض عينيْه لثوانٍ طويلة حتى نطق بإتزان : راح أتصل عليه، أنا رايح آخذ الجوهرة وأفنان أكيد ينتظروني . . . إبتسم بصفاء يُخفي وعثاء حُزنه، قبَل جبين زوجته بحُب . . بحفظ الرحمن، خرج لينزل بخُطى مبعثرة تتقَد بمشاعرٍ مضطربة، سُرعان ما ركَب سيارته وأبتعد عن المنزل، في أولِ فكرة غرزت عينيْه أدمَعتهُ و في أولِ دمعة كانت " الله أكبر " تنسابُ إلى أذنيْه من المسجد المُقابل، ركن سيارته ونزل، فتح أول أزارير ثوبه و كبَر قبل أن تُقام الصلاة، شعر بحَجرةٍ تقف في حُنجرته وتمنعه من التنفس بصورةٍ طبيعية.
سجَد، لامس جبينـهُ رحمة الله و ظهره ينحنِي من اجل هذه الرحمة/القوة، كرَر التسبيح أكثرُ من ثلاث مرَات حتى أندفع دمعُه بغزارة إلى محاجره، ولم تسقط سوى ـ دمعةٍ وحيدة ـ
كيف يالله أفهمُ أنني فعلتُ الصواب؟ كيف أُجاوب من يسألني بجوابٍ قاطع لا يُحزن إبنتي؟ لا أُريد أن أظلمه ولكنني ظُلمت منه بحزني عليه، هو أخِي ولكن لم يجعل لهذه الأخوَة كرامةً أعتَز بها، هو أبني ولكن لم يجعل لأبيه وشاحًا يفخرُ به، لستُ قاسيًا ولكنه قسَى عليَ بأفعاله، كيف أسامحه؟ لا قُدرة أملكها تجعلني أرضى عنه، لستُ ملاكًا يالله حتى أعفُ وأنسى خطاياه، وخطاياه اليوم ما عادت مُجرد خطايَا هيَ مرضٌ ينتشرُ في جسدي ويُميته كلما نطق ليَ أحدهم ـ أخُوك ـ.
كيف يفعلُ أخٌ بأخيه كل هذا؟ كيف يهون عليَ أن يكسر قلبي قبل أن يكسر قلبها؟ كيف يالله؟
أرحمني من هذه الأفكار وأختار لي الطريق الأصح فإني ضللته، بلغ بي الشيب ومازلتُ عبدُك الفقير المتوسَل إليك والراجي رحمتك، يا رب يا من بيدِه ملكوت السموات والأرض أغفر لي ذنب الجُوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب يا من بيدِه ملكوت السمواتِ والأرض أغفر لي ذنب الجوهرة و أرحمها بعد عيني من الناس و أهلها، يا رب . . . رفع من السجود ليسلَم بعد أن سمع إقامة الصلاة. نظر إلى أول رجلٍ أصطف خلف الإمام، قام و جاوره.
أنتهت الصلاة وبعد السلام منها بقيَ جالِسًا، مرَ وقتٌ طويل حتى إلتفت إليه الرجلُ الوحيد الذي بقي، أقترب منه : من يقدر يضيق و لنا رب ما يرَد فيه دعوة العاصي؟ فما بالك بالمؤمن المُصلي؟
عبدالمحسن : والنعم بالله
الرجل الكبير بالسن : تصدَق وأنا أبُوك وبيرتاح همَك
عبدالمحسن رفع عينِه ليزَم شفتيْه إلى الداخل وهو يُصارع عبراتِه : همَي ما يموت، يسافر ويبعد عني لكن يرجع ليْ
: هذا تكفيرة لك من الله ورحمة، الله إذا أحب عبد أبتلاه عشان يقوَي إيمانه ويغفر له معاصيه وذنوبه
عبدالمحسن : الله يرحمنا برحمته
يربتُ على كتفه : أنا أنحنى ظهري من هالدنيَا و شفت من الهموم اللي يشيَب الراس، لكن رحمة الله واسعة، وش كثر نغلط لكن نرجع له لأننا ما نقدر نعيش بدون لا نسجد له واللي يعيش بدون هالسجود تلقاه طول ليله يفكَر ويتمنى يسجد ويرجع لربَه! أنا ما أدري وشهو همَك لكن تعوَذ من الشيطان و تصدَق عسى همَك يزول وأنساه ولا تتذكره الا بالرجوع إلى الله
عبدالمحسن عبرت دمعة رقيقة على ملامحه الذي أمتلى حُزنها حدُ اللاحَد : تدري يا عمَ! أخاف يجيني الموت مو لأني أخاف الموت، أنا أخاف على بناتي . . أخاف ما يقدرون يآخذون حقهم عقب عيني
: الا بيقدرون! دام الله فوقهم بيرجع كل حق لصاحبه، لا تفكَر إنك أنت اللي محقق لهم حقوقهم بحياتِك! اللي محقق لهم هالحق هو الله وحده
عبدالمحسن : والنعم بالله، . . وضع يدِه على فخذ الرجُل . . تآمرني على شي
: الله يزيَن خاطرك ويمحي همه
عبدالمحسن إبتسم : اللهم آمين . . . فمان الله . . . خرج متجهًا إلى المستشفى.
دقائق تتبع دقائق أخرى حتى مرَت ثلث ساعة وصل بها إلى الجوهرة، أفنان الجالسة رفعت عينها وتقدَمت نحوه لتقبَل رأسه : تأخرت يبه! وأدق على امي تقول طلعت من زمان، خوفتني والله . . يمَه قلبي بغى يوقف!!!
عبدالمحسن : بسم الله عليك . . . نظر إلى الجوهرة التي تُسلَم من صلاتها . . . وقفت لتتقدَم إليه، قبَلت جبينه : وقفت قلوبنا، ما ردَيت على جوالك حتى أمي أنشغل بالها
عبدالمحسن : رحت أصلي وخذتني السوالف بعدها مع واحد لقيته بالمسجد
الجُوهرة إبتسمت : يالله خلنا نطلع أختنقت من ريحة المستشفى
عبدالمحسن : شلونك الحين؟
الجُوهرة : بخير الحمدلله وتوَ الدكتورة كانت عندي تتطمَن وقالت لي كل أموري تمام والجنين بخير الحمدلله
عبدالمحسن : الحمدلله . . .
أفنان إرتدت نقابها : يالله مشينا . . . خرجُوا من الغرفة المنزويَـة في الطابق الثالث، إتجهوا نحو المصاعد الكهربائية، أنفتح لتتجمَد نظرات أفنان بإتجاه ـ نواف ـ دخل عبدالمحسن : السلام عليكم
نواف إبتعد إلى نهاية المصعد العريض : وعليكم السلام . . دخلت أفنان خلف الجوهرة، كانت المسافة تعتبر كبيرة بينها وبينه ولكن شعرت وكأنها تتقلَص وتُصيب قلبها، نظرت إليه من خلال المرآة العاكسة في وقتٍ كان هو منشغل بهاتفه.
طال الوقت بعد أن صعد المصعد إلى الطابق الخامس دون أحدٍ ونزل مرة أخرى، رنَ هاتف أفنان وبهدوء أغلقته.
إلتفت عليها والدها وبصوتٍ خافت مدَ إليها هاتفه : أفنان شغليه مدري وش فيه عيَا لا يشتغل
بمُجرد ما عاد والدها إلى النظر إلى الأمام سقطت عيناها بعينيْه التي توجَهت إليها مباشرة من خلال المرآة، طال نظرُه وهو يسمع الإسم من بين شفتيَ والدها، ثوانٍ قليلة وهو يُدقق في عينيْها التي لا يظهرُ منها الكثير، قطع تأمله باب المصعد الذي انفتح، خرجت وهي تمَد الهاتف لوالدها.
بقي نواف في المصعد يُراقب إختفاءها من أمامه حتى أتى صوتُ ـ غيث ـ الصاخب : وش فيك مفهي؟ أخلص علينا صار لنا ساعة ننتظرك
نوَاف : أنتم روحوا وأنا برجع بعدين
غيث : وش ترجع بعدين؟ بنروح الرياض مو الكورنيش!! صحصح!
نواف بعصبية : قلت طيب ارجعوا الرياض أنا بجلس اليوم هنا وبعدها أرجع
غيث بسخرية : ومين راح يوصَلك؟ لا يكون بتاكسي؟
نوَاف تنهد : غيث ممكن تنقلع عن وجهي
غيث : طيب قلَي وش عندِك هنا؟ وإحنا ننتظرك
نوَاف : تنتظروني لين الليل؟
غيث : طيب خلاص بروح للشباب الحين وأبلغهم بس حدَك الليلة وبعدها نحرَك
نواف : طيب . . . بمُجرد أن رحل غيث حتى عاد مرةً أخرى للمصعد وإتجه إلى الطابق الثالث، نادى صديقه الدكتور : حاتم
إلتفت حاتم : هلا نوَاف! مو قلت راح تمشي الرياض اليوم؟
نواف : إيه بليل، أبيك تساعدني بشي
حاتم : أبشر باللي أقدر عليه
نواف : كيف أقدر أسأل عن شخص مريض هنا وما أعرف الا أسمه الأولَي؟ هو كان هنا بالطابق الثالث
حاتم : اللي هنا عيادات النساء والولادة
نواف وكأنه تلقى صفعة بيدٍ حارقة، أردف : ليه؟ عندِك أحد تعرفه؟
نواف : يعني بس نساء و ولادة؟ مافيه عيادة ثانية؟
حاتم : لا بس نساء و ولادة
هذا يعني أن خطيبك أصبح زوْجِك! و زوجُك سيُصبح أبَ اطفالك بهذه الصورة السريعة؟
نواف : مشكور ما تقصَر
حاتم إبتسم : أبد إحنا بالخدمة
نواف أكتفى بإبتسامة ليعُود بخيبة إلى ذات المصعد، نزل إلى الأسفل وهو يُخرج هاتفه، أتصل على غيث : خلصت شغلي، خلنا نمشي الرياض الحين
↚
ذقنا الوصال فهل نطيق تباعدا؟
هل بعد أصل الصوت يدوينا الصدى؟
ما ظل شبر في ولاية خافقي
إلا على حكم الفراق تمردا
إن لم تكن ترضى بعيشك داخلي
امض.. ويرضيني أنا فيك الردى
ماكنت ممن يمنحون قلوبهم
فسرقت قلبي عامدا متعمدا
لو خيروه الآن أين مقامه
لاختار صدرك دون أن يترددا
فلإن قبلت به فقد أهديته
وطنا.. وإلا قد يعيش مشردا
أهوى الجماعة لا أطيع تفردا
لكن حبك في الفؤاد تفردا
لا لن يموت الحلم قبل ربيعه
مادام فينا الزهر يحتل المدى
سبحان من بث الحياة بوجهها
ورد.. وزاد من الحياء توردا
سمراء يستسقي البياض ضياءها
فإذا سقته من الضياء… تنهدا
نور على نور يكون حضورها
أنا منذ لقياها نسيت الأسودا
* محمد أبو هديب.
،
بعد وقتٍ تغربُ به السمَاء كانت يديْها تشرقُ بملامسته، لا تسمع سوى صوت دقَات قلبه المنبعثة من الجهاز المجاورُ لها، نظرت إليه بلهفَة جعلتها لا ترمش إلى بعد أن يتعب جفنها ويُسقط دمعة، أندلع في قلبها ألف سؤالٍ وسؤال، أرادت أن تصرخ من هذا الوجَع و تقول " ليه كنت هناك؟ " كانت بحاجة أن تسمع جوابًا يُرغمها على النوم براحة، ولكن لم يُجيبها إلى صدى رسائلٍ لا تدري توقيتها بقدر ما تدري أنها تحملُ الكثير من قلب فيصل.
أنحنت لتُقبَل ظاهر كفَه بدمعٍ يسبقها للتقبيل، لو أنني أملك سحرًا يُشفيك غير الدُعاء، لو أنني فقط أستطيع إخراجك من كومة هذه الأجهزة و هذا الألم. أتشعرُ بمن حولك؟ أم فقدت الإدراك والشعور؟ لو يخرج صوتي بكلمة أتصل إلى مسامعك أم يردَها الصدى بخيبة؟
هيفاء بهمسٍ تُخفضه وتيرة البكاء : أثق فيك وبصدَق إني فاهمة كلامك اللي بالكُتب غلط، وأدري إنك مستحيل تكون كِذا، لأنك غير في كل شي، فيصل تحمَل! عشان خاطر نفسك اللي نبيها ومشتاقين لها، حتى ريف فاقدتك! . . يارب إنك تسمعني، يارب إنك تحس فينا، يارب إني أحبك ولا أبي أبكِيك أكثر من كِذا . . يارب يشفيك ويساعدنا إننا نصبر وننتظرك، . . لو تدري بس إنه إنتظارك كِذا يحرمنا من كل شي يتعلق بالحياة، لا أمك بخير ولا ريف بخير ولا أنا بخير! أحس أحيانًا إنك حياتنا في صدرِك، ومسألة تعبك تخنقنا والله قبل لا تخنقك . . . . . على فكرة مرضك ما يتعلق فيك بروحك وتعبك ما يخصَك بس! فيه ناس ساعاتها ما تمشي الا بعيُونِك و يومها واقف لو غبت عنها دقيقة وعلى فكرة فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك.
توقَف يُوسف عندما همَ بالدخول ليناديها وهو يسمع جُملتها الأخيرة " فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك "، نظر إليْها وهي تحتضن يدِه الباردة بين كفيَها المحترقتيْن بالبكاء، وصوتُها الذي كان يضحك كثيرًا أصبح يئن بوجعه وهذا ما لا أتخيلهُ يليق بهيفاء الناعمة الصاخبة بجنُونها.
هيفاء ببكاء عميق بحَ به صوتها وهي تضغطُ على كفَه : ريف تقول فيصل قالي لا أشتقت أطالع بعيون اللي أحبهم وأنا بقولك رجَع لنا عيونك خلنا نعرف نشتاق . . .
عاد يوسف بخُطاه للخلف، فتح أول أزارير ثوبه بعد أن أختنق من كلمات هيفاء التي تُصيب قلبه بوجعٍ ضيَق، اقترب من والده : بتمشي؟
عبدالله : إيه عندي شغل ضروري، خلَك مع أختك وإذا جاء منصور يجلس عند فيصل وأنت أرجع أرتاح
يوسف : طيب . . أقترب الدكتور قبل أن يذهب عبدالله : السلام عليكم
: وعليكم السلام
الدكتور : كنت جايَ أشوف فيصل وزين لقيتكم،
عبدالله : عساه خير يا دكتور
الدكتور : خير إن شاء الله، أنا اقترح يجون أهله ويزورونه بإنتظام، عشان يسترجع وعيْه لازم يحس بالناس اللي حوله، لأن نصف علاج المريض يعتمد على نفسيته، وفيصل محتاج يحس بأنه فيه أحد حوله، لأنه حسب الفحوصات اللي أنعملت له في هالصباح كل أعضاءه الداخلية تعمل بصورة طبيعية ولله الحمد وقدرنا نسترجع الدم اللي فقده، لكن فقدانه للوعي إلى اليوم يخلينا نستخدم العامل النفسي وهو مهم جدًا
عبدالله : ما تقصَر يا دكتور، يعني من بكرا نخلي أهله يزورونه؟
الدكتور : هذا الأنسب راح يُنقل لجناحه بكرا وممكن تزورونه لكن تفعلَون جانب الزيارة بأنكم تسولفون وتخلقون جو من الحياة في غرفته و إن ربي كتب هالشي بيسهَل علينا كثير
عبدالله : شكرًا لك وجزاك الله خير
الدكتور : واجبنا . . تركهم ليلتفت إلى يوسف : لازم أمه وأخته يزورونه بكرا
يوسف تنهَد : بكرا قبل لا أجي هنا أمرَهم وأجيبهم معي
،
وقفت بجمُود لترفع حاجبها بإستفهام : كيف يعني؟
نايف بلع ريقه : أعتذر، لكن حصل هالأمر وخلانا نأجل علمكم فيه لين بو سعود يجي وبنفسه يآخذكم
عبير تدافعت الغصَات عند لسانها : والحين؟ ماراح نروح لها؟
نايف : الوضع أصعب من إنا نطلع من الفندق، اتمنى تتفهمين هالشي، و أختك إن شاء الله ماراح يجيها شي والحراسة مشددَة عليها . . .
قاطعت كلماته وهي تسيرُ بإتجاه الغرفة و عيناها تغرق بالدمع، فتحت الباب وبمُجرد أن تقدَمت خطوة للامام، جلست على الكرسي وهي تُنحني رأسها وتبكِي بشدَةٍ تجعلُ من التخمين السيء حقيقة في عينِ غادة و ضيَ.
اقتربت منها ضي : وش قالك؟
عبير ببكاء ينحنِي للبحَة خاضِعًا : يكذبون! أمس يقولي رتيل مافيها شي والحين يقولي رتيل بالمستشفى!! وعليها حراسة! طيب وإحنا؟
ضيَ تجمدت عيناها ناحية عبير من لفظ " المستشفى " الذي يسترجع كل فكرة سيئة ويحشرُها في محاجرها حتى تنتفض برعشة البكاء، برجفة : حالتها سيئة؟
عبير بغضبٍ يرتجفُ بعينيْها الدامعتين : ما قالي شي، ما أستغرب يجي بعد شويَ ويقولي حكي ثاني! ياربي لا يصير فيها شي، يارب لا
ضي مسكت رأسها وهي تتجه ناحية النافذة، شعرت بالدوَار : وش صار بالضبط لها؟ لا يكون راحت لأبوك!! يارب ارحمنا من التفكير
غادة أخذت نفس عميق بعد أن نشفت دماءُها بالبُكاء، وضعت يدها تحت خدها لتغرق بخيالاتها المُوحشَة.
ـ ليلة الحادث ـ الساعة الثالثة فجرًا.
يقترب من عينيْها، يُشير إليها بالقلم : تسمعيني؟
إلتفت عليه الدكتور بحدَة وهو يلفظُ بالفرنسية : وجودك هنا لا نفع فيه، أرجوك غادر حالاً الغرفة.
الرجُل الأسمر الطويل أقترب منه بتهديد بالإنجليزية : سننقلها حالاً لمشفى ثانٍ ولا أريد إعتراض
نظرت إليهما بضباب رؤيتها التي لا ترتكز على شيءٍ واحد في الدقيقة الواحدة، سالت دمعةٍ أصطدمت بالكمام الذي يمدَها بالأكسجين.
مسحت وجهها بكفيَها، إتجهت ناحية الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نظرت إلى إنعكاس صورتها بالمرآة، إلى الشحُوب الذي يخطَ محاجرها.
لم أفقد الذاكرة في تلك الليلة! كيف فقدتها؟ أو رُبما أنا أتخيَل أحداثًا لم تحصل ولم أستيقظ ليلتها، ولكن أذكر تلك الملامح جيدًا، كان معي ورافقني لأيامٍ طويلة، ولكن كيف جئتُ لميونخ؟ كيف رحلت ببساطة دون أن أسأل؟ كيف أنخدعتُ بأمي؟ من أنا بين هذا الحشد؟ لستُ رؤى و لستُ غادة، لا أملك ماضِي رؤى و لا أملك حاضر غادة، أين مستقبلي بينهما؟ ضعت! أتُوه بين وجوهٍ أعرفها ولكن لا تستدلني على شيء، أشعرُ بشعورٍ يُشبه الوحدة ولكنِي لستُ وحيدة، هذا الشعور الذي يجعلني أشعرُ بأن روحي ليست معي! وهذا يؤلمني يالله ويُفقدني قوتي لمواصلة الحياة، أُريد أن أعرف كيف فقدت حياتي؟
على بُعدِ خطوات، أخذت عبير معطفها وخرجت دون أن تلفظ كلمة، إلتفتت ضيَ على وقع الباب وهو يُغلق، نزلت للأسفَل في وقتٍ كانت هُناك خطوات تهرول على الطريق المجاور.
قبل ساعتين، نظر إليه بدهشة : وشو؟
عبدالمجيد : إلى الآن ما نعرف وش صار! بيجينا العلم بعد شويَ
فارس أقترب منه بغضب : إلا تعرف! وش صار لها؟
عبدالمجيد : فارس . .
فارس بصراخ جنَ جنونه بعد أن واجه ضغطًا نفسيًا لا يُحتمل : الله يآخذ فارس . . الله يآخذه
عبدالمجيد بضيق أبتعد عنه وهو يُكمل بهدوء : والله ماني عارف وش صار، اللي وصلني إنه بنته بالمستشفى وأكيد أنه عليها حراسة، تطمَن
فارس : أنا رايح . . . شدَه عبدالمجيد من ذراعه : وين بتروح؟ فارس أنت الوحيد اللي بتوَقف أبوك
فارس بغضب يبتعد: آسف . . . تركه وهو يسير على الطريق أمام عينيه، عبدالمجيد بغضب ضرب السيارة بقبضة يدِه.
: الله يعيني عليك يا فارس!!
نايف : لو سمحتِ
عبير : ماراح أتحرَك لين توديني لرتيل
نايف برجاء دون أن ينظر إليها : الوضع متوتَر مقدر أطلَعك لأيَ مكان، عشان سلامتك لازم تجلسين هنا
عبير بغضب : هذي السلامة اللي وراها طاحت رتيل أنا ما أبيها
نايف بلع ريقه بعد أن جفَ بالرجاء : أنا مأمور مقدر أتصرف من كيفي، وأبو سعود لو عرف بكون في ورطة لأن . .
تٌقاطعه عبير برجاءٍ أكبر : تقدر تتصرف وتخليني أشوفها لو نص ساعة بس! وبعدها ماراح أقول لأبوي ولا لأحد
نايف مسح على رأسه وهو يشدَ على شعره حتى كاد يُقطعه بأصابعه الحادة : آسف والله ما أقدر
عبير عضَت شفتها السفلية بغضب لا تقدر على حبسه بداخلها، نظرت إلى الباب الزُجاجي الذي يكشف الشارع المقابل للفندق، أتى صوتُه الضيَق : لو سمحتِ أرجعي للغرفة
عبير بخُطى غاضبة إتجهت إلى المصاعد، وقفت تنتظر المصعد حتى شعرت بجسدٍ يُلاصقها من الخلف ويدِه تلفَ معصمها، بلعت ريقها بصعُوبة دون أن تلفظ حرف واحد وهي تقشعرَ من الخوف، أول دعوةٍ أرادت أن تُستجاب، أن يراها نايف ويُساعدها دون أن تناديه وتلفت الأنظار.
أتى صوتُه حارِقًا لكل صوتٍ يضجَ بداخلها ولكل دعوَة أبتهَل بها قلبها : تعالي . . . . سحبها نحو الممر الخاص بالعاملين في الفندق، إلتفتت لتراه ويهبطَ الخوف من عينيْها، تنهدَت براحة وهي تُشتت نظراتها.
فارس بعد أن أصبح يُقابلها ويفصلهما بعض السنتيمترات، بسؤالٍ يُدرك إجابته ولكن أراد أن يسمع صوتها : كيفك؟
نظرت إلى عينيْه المُبعثرة لكل إتزانٍ تطمحُ إليه.
كيف تكون الإجابة على سؤالٍ يُخلخل قلبي بملوحةِ الدمع؟ لمْ تموت الأسئلة بداخلنا ولكن أضعفتنا الأجوبَة التي لا نلقى لها نبرة تُحييها، مرَ وقتٌ ليس بالطويل عليك! ولكن أشعرُ بأن عُمرًا مضى وأنني كبرتُ فجأة! فوضوية هذا الحُزن تجعلني أشعرُ بأن أيامي معدودة وأن عُمري أنتهى، هل نحنُ نموت يا فارس؟ لا شيء يُصادق على أيامنا، وكل ساعة تمرَنا تشطرُنا، لا الفرحُ يجيء بنا ولا الحياة ترتكبُنا، إن الموت وحدُه هو من يُصادفنا! وهذا الموت تخضعُ له روحي ويأبى جسدِي، هل نحنُ نموت؟ أم أن الحُب كان أقسى من أن نواجهه.
سقطت دمعَة و مضت معها الإجابة، أقترب فارس ليسحبها إليْه رُغمًا عنها، عانقها وشدَ على جسدها بعناقه.
أعرفُ الإجابة جيدًا، ولكن أشتقت لنبرة صوتِك المُكابرة وهي تحبس الوجَع في أوتارها.
رُغمًا عني يا عبير، أنا مهما صابتني الردَةُ عن عينيْك خضعتُ إليكِ مرةً أخرى بخشوعٍ تام، رُغمًا عني تتجددين في داخلِي كُلما حاولت أن أجفف جذُوركِ وأخنقها، رُغمًا عني، أقُول سأترك الحُب وأعود إليكِ، رُغمًا عني! أًصافح طريقًا لا تعرفينه وأظنُ أنني سأنساك به ولكنني أزرعُكِ به حتى تشبَعت أرضِي بظلالِك، يا إنشراح عُمري، ردَ الله عليَ هدايته.
تجمدَت يديْها الذابلتين دون أن ترفعها وتُبادله العناق، أغمضت عينيْها على كتفه لتُبلله معطفه بدمعها، رفعت يدِها بعد ثوانٍ طويلة لتُعانقه بشدَة وهي تقف على أطراف أصابعه وتصِل إلى مستوى طُوله.
أحتاجُك! هذه الكلمة هي حالي في هذه اللحظة يا فارس، لستُ بخير أبدًا! و صدرُك ـ بكاء ـ يستفزُ عيني حتى تبكِيك، من يدلَني لطريقٍ لا يستذكرُك به قلبي؟ من يُعرَفني على سماءٍ لا ترفعُ رأسك إليها؟ من ذا الذي يُقاومك؟ و كل رجفةٍ أبقت أثرها على قلبي أصلُها عيناك، من ذا الذي يقدر على مُقاومة الحشد الذي تجيء به في كل مرَة، لا تأتِ لوحدك، يسيرُ من خلفك حُبٍ يتمكَن من جسدِي ويَضعفه، أنا أحتاجُك! وأشعرُ بأن قيمتي تهتَز كلما باعدت بإهتمامك عنَي، قيمتي التي أعرفها ويستنطقها قلبِك، هذه الرعشة التي تغمس جسدِي بك، أتقصدُ بها عناق؟ إن ظننتها عناق فأنَي أظنها ـ رعشة أحبك ـ التي ينطقها جسدِي بصورةٍ تبعثرها خلايا الحسَ المنتشرة فيَ.
فارس أبعدها قليلاً ليُلاصق جبينه جبينها، أدخل يديَه من تحت حجابها وهو يُخلخل شَعرها الناعم بهمسٍ : أحاول أمثَل قُدرتي بأني أتجاوزك، لكن كل مرَة يتوَحد فيني قلبي لمَا يستذكرك، بغى يوقف قلبي لمَا قالوا لي إنك بالمستشفى لين رحت وتأكدت بنفسي
أغمضت عيناها بحشرجة الغصَات المحمَرة في محاجرها، تسقطُ الدمعة تلو الدمعة و يتبعها الضياع برجفة رمشها.
فارس قبَل جفنها : ما عاش حزنٍ في عينك، ما عاش و يا عساه ما ينخلق.
أخفضت رأسها وهي تعضَ على شفتِها السفلية حتى لا يخرج أنينها، ورُغما عن محاولاتها البائسة بكَت بصوتٍ مسموع، بحركةٍ من تدبير قلبها الذي يُقمع عقلها في هذه اللحظة، لامس رأسها وسط صدره وهي تنهار ببكاءها أكثر وأكثر، وضعت كفيَها على معطفه، شدَت عليه وكأنها تُريد أن تغطي نفسها بمعطفِه وتنسَى أنه ـ فارس ـ الذي تحدَث مع مئة فتاةٍ قبلها والذي سكَر على أصواتهن، تُريد أن تنسى أنه إبن رائد و أن الذي أمامها هو ـ فارس الذي تُحبه وفقط ـ.
فارس بضيق طبع قُبلته على رأسها، لم تكن قُبلة بسيطة، هذه القُبلة كانت حديث قصير مضمونه " أنا معك ".
يارب! لا أُريد أن أنهار أكثر، ساعدني حتى أتحمَل قسوةُ هذا الحُزن و هيبة كلماته التي تقتلني ببطء، هذه المرَة لا أُريد قوَة مُفرطة، أُريد فقط ضعفًا يقتل أحاسيس الخوف/البُكاء في داخلي، أُريد قلبه يالله الذي يجيئني مُخضرًا والأرضُ خرَاب، قلبه الذي يُدثرني و الدُنيَا عُراة، هو الذي كان يخترعُ من أجلي ـ شيئًا ـ من العدم، وأنا التي كُنت أرى ـ العدم ـ كلما تضاءلت فرصة عيناه في لقاءي.
فارس : عبير . . أبعدها ليرفع رأسها إليه وينظر لعينيْها الغارقة، نزلت أصابعه ليمسح بكفَه بُكاءها.
عبير بنبرةٍ تتحشرج بإختناقها : شفت رتيل؟
فارس : سألت في البداية عن حالتها وقالوا لي إنه حالها تمام وبعدها لمَا حاولت أستأذن عشان أدخل عرفت إنها رتيل
عبير بضيق تمتمت : يارب بس
فارس : تطمَني! لو صاير شي كانوا قالوا لي
عبير : أبي أشوفها! تقدر توديني لها؟
فارس : الطابق اللي هي فيه موزعين عليه رجال أمن كثير
عبير ببكاء تتوسَله : بموت يا فارس لو صار فيها شي
فارس بحدَة طوَق وجهها بكفيَه، أراد أن يُخمد إنهيارها: مو صاير لها شي، لا تفاولين على نفسك وعليها
عبير : بس بشوفها شويَ، لا شفت أبوي ولا عرفت شي عنه ولا شفتها، تكفى حط نفسك بمكاني! بختنق والله من كل هذا
فارس : أبُوك مافيه الا كل خير ومعه سلطان الحين و عبدالعزيز بعد وناصر وكلهم بخير
عبير بلهفة : شفتهم؟
فارس : ما شفتهم بس واصلتني أخبارهم
عبير : أبوي بخير؟
فارس : إيه والله العظيم مافيه شي، أهدِي! . . . لا تبكين
عبير أبتعدت بُضع خطوات عنه وهي تمسح دمعُها بأطرافِ أصابعها، فارس بأنفاس متهيَجة مضطربة : أنا نفسي مو عارف وش راح يصير بكرا ولا اليوم حتى! بس عارف شي واحد، إني مقدر أترك أبوي ولا أبوك يقدر يبعدِك عنه عقب اللي صار، والله ما عُمري خضعت لأحد ولا عُمري حاولت أترجَى أحد لكن مستعد أسوَي أيَ شي عشانِك، عبير! أختار إني أموت معاك ولا أموت وأنا أشوفك لغيري، مقدر والله مقدر أتقبَل فكرة إنك مو ليْ،
تحشرج صوتِه بشفافية الكلمات وحُزنها، أكمَل : كل شي ضدَي! ويوم توقعت إني راح أقدر أهرب منك زدت بجنوني، فيني رغبة بتملكِك رهيبة وأدري إنك ماراح ترضين! لأنك ببساطة أقوى مني، وقادرة بسهولة توقفين مع الكل ضدَي، وقادرة تبعدين قلبك عن الإختيار لكن أنا مقدر! لأني ما جرَبت الحُب قبلك ويوم جاني ما جرَبته! أنا مرضت فيه . . .
عبير أخفضت رأسها ويديْها تتشابك فيما بينها، وكل دمعةٍ تسقطُ منها كانت تحطَ على كفَها، لستُ أقوى يا فارس أن أسمع منك هذه الكلمات ولستُ قادرة على الوقوف ضدَك، وكل ما كنت أقوله سابقًا حاولت أن أُخضعه لسيطرتي ولكن فشلت! فشلت والملاذُ، الحياة والدارِ عيناك و ما بعدُها موْت و ما قبلها ظِلٌ أنتظر ميلاد جسده.
فارس أنتظر كلمة أخيرة، أراد أن يسمع منها لو " أنا معك "، ياللخيبة! لا تفعلي بي كل هذا بدفعةٍ واحدة وأنا رجُلٍ لا أقدر على هذا الوجَع.
أخذ نفس عميق ليُردف بوداعٍ يُبعده عدَة خطواتٍ للخلف : ما كنت راح ألقى عقاب في حياتي أقسى من صمتك! ندمت على ذنوبي اللي قبلك وإلى الآن ندمان، وأظن الحدَ في الدنيَا على عيُونِك كان حزني عليها وياليتها تكفَر أفكارك السيئة عني.
عبير رفعت عينيْها للأعلى حتى تُخمد نارُ الملح المندفعة في محاجرها، ببحَة : أرجُوك لا تكمَل
فارس بغضبٍ ينفجرُ بوجهها وعروق رقبته تتضحَ مع كل شدَة تعلو كلماتِه : هي مرَة بالعُمر! وعُمرك مرَة، ليه تبخلين على نفسك وتذبحيني؟!!!! أقولك تعبان، أحس روحي بتطلع لمَا أفكر بحياتك بعدِي! أنا ما يهمني تكونين مبسوطة مع غيري أو لا، ماراح أقولك دام أحبك أتمنى لك السعادة مع غيري! أنا ماني مثالي لهدرجة ولا أتقبَل هالشي بسهولة
بصوتٍ ـ أنهَد حيله ـ أكمل وهو ينظرُ لعينيْها : أنا السيء في كل شيء لكن أنا اللي أحبك فوق كل شيء! . . بتحنَين؟ لكن ماراح تلقيني و بحَن لكن بلقاك! بلقاك في مُوتي اللي ما تنازلتي عشاني للحظة وقلتِي أبيك يا فارس، محتاجتك يا فارس، أحبك يا فارس اللي ما سمعتها منك!! ما تنازلتي يا عبير! انا اللي أتنازل في كل مرَة وأنا اللي أخضع لصمتك وبرُودِك اللي تحرقيني فيه! والحين أقولك ما أدري وش بيصير اليوم أو بكرَا وما تنازلتي عشان كِلمة! علميني هالقساوة كلها من وين جايبتها؟ أبوك وهو أبوك ما قسى مثل قسوْتِك!!
عبير أعطتهُ ظهرها وهي تُغطي ملامحها الباكية والمُنهارة بشدَة، كررت بصوتٍ مبحوح يكاد لا يُسمع : يارب أرجوك، يارب . . أرجُوك . . . ساعدني، يارب ساعدني
فارس بحدَة كلماته المجروحة بصوتِه : فمان الله . . مثل ما تبين
عبير ببكاء تمتمت وهي تضع يدها على قلبها الذي يرتجف بحدَة، يارب أجعلني أنطقها قبل أن يذهب، يارب أجعلني أنطقها، يارب ساعدني.
فارس وقف لثوانٍ طويلة على أمل أن تلتفت ولكن لم تفعلها، أبتعد أكثر مقتربًا من الباب إلى أن أتى صوتها المبحوح الضيَق بكلماته : آسفة
فارس تجمدَت خُطاه دون أن يلتفت عليها، ويدِه على مقبض الباب.
عبير بضياعٍ تام : ما أعرف أشرح شعوري بالضبط! ولا أقدر أتصرف بناءً على هالشعور، إذا كان فيه أحد سيء في علاقتنا فهو أنا، ولا أنا جرَبت الحُب عشان أعرف كيف المفروض أتصرف فيه! ولو غيرك كان خسرته من زمَان لأني مقدرت أبادله هالشعور صح، بس أنت معايَ، أحس بحياتي لمَا أعرف إنه فيه شخص ينتظرني ويحبني، وباليومين اللي فاتوا فقدت هالشعور! قيمتي وحياتي كلها مرتبطة فيك، و قلبي معاك و ربَ اللي خلق فيني هالرُوح، إن الروح لِك تِشتاق! وماني قاسية لكن ماتعوَدت أشرح اللي في داخلي، ما تعوَدت أقول لأحد إني ماني بخير، ولو تدري أصلاً إنه خيري في عيُونك.
فارس إلتفت بكامل جسدِه، ليُقابلها على بُعدِ مسافةٍ طويلة، نظرت إليه بقشعريرة جسدِها وأنفاسها المتصاعدة المضطربة، أكملت ببكاءٍ تُجزم عيناه أنه لن يرى أحدًا يبكِي بهذه الصورة الواضحة القاسية رُغم رقَة دمعها، لن يرى أحدًا يبكِي كعينيْها التي تُبكي قلبه مع كل دمعة تجري مجرى الأكسجين في الدمَ : ما تعوَدت والله يا فارس! قريت الشِعر كثير وتعلمت اكتب اللي في داخلِي لكن ما عُمري تجرأت أقوله وأنطقه، ما عُمري حاولت أني أقول الكلام بإسترسال مثل ما أكتبه، لأني فاشلة بأني أتكلم عن قلبي، وهالشي هو اللي يخلي الناس تظن فيني إني باردة وما أحسَ! لكن والله أنَي ما كابرت على حُبك بإرادتِي، أنا اللي ما أعرف كيف أحبَ!
أقترب منها فارس دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة ومع كل خطوةٍ يتقدم إليها كانت تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، إلى أن لامس حذاءه حذاءِها، رفعت عينها بنظرةٍ تشرحُ هذا الحُب الذي لا تعرفه.
أرتفع صدرُها بشهيقٍ مُوجع بعد أن شرحت بتعبٍ وصعوبة مالذي في داخلِها له، وضع يدِه بجانبِ رقبتها وأكسجينه أصبح " زفيرُ عبير " في هذه اللحظة، ويدِه الأخرى صعدت ناحية خدَها، قرَبها أكثر حتى لامس أنفُه أنفها، أغمضت عينيْها بخضوعٍ تام بعد ان أغمض عينيْه.
نحنُ لا نقوى على رؤيـة الحياة بعينٍ مفتوحة، ولكن نشعرُ بها بـ / قُبلة. لم أكُن ممن يمنحَ قلبهُ ويُقدَمه لأحدٍ كان من كان، ولكنكِ اخذتِي قلبي عمدًا و أبقيتِي مسكنهُ في صدرِك، ولو ضللتِني يومًا و أضعتني، لأخترتُ السُكنى مرةً اخرى من شفاهِك، يا غِنى الحياة و رفاهيتِها المُتمثَلة بِك، يا تسبيح الله ليلاً ونهارًا عليكِ، يا " أُحبك " الأولى والأخيرة، ويا مَجد الحُب إن إلتفتت لهُ عيناكِ بدمعة.
أبعدَت ملامحها عنه دون أن تُبعد جسدها، لامس خدَه خدَها حتى لا تقع عيناها بعينيْه. كان صوتُ أنفاسها المضطربة بخجلها تصِل إليْه.
فارس لم يكن هادئ الأعصاب أيضًا، أضطرب بقُبلتها وكأنها قضمت على قلبه بشفتيْها.
عبير بلعت ريقها بصعُوبة لتبتعد خطوتيْن للخلف وهي تضع يدها على رقبتها التي تحترَق بحُمرة خجلها وربكتها، أخفضت رأسها ولم تتجرأ ولا لثانية أن تنظر إليْه.
يالله! على رجُلٍ ينفضُ القوانِين ويستبدلُها به، على رجلٍ يتشكَلُ بصخب رجالٍ كُثر، هذا الرجُل يالله ليس عاديًا، ولا أعرفُ كيف أُرتب الكلمات كصفَةٍ تنتمي إليه، كل الصفاتِ تسقطُ بحضرته وكل الأسماء لا تليقُ بتلقيبه، هذا الرجُل كيف لا أُحبه إن سألني عن هواه؟ كيف لا أحُبه و في عينيْه أسألُ نفسي أهذا حُبٌ أم سحر يجذبني؟
فارس قلَص المسافة التي أرتكبتها ليقترب مرةً اخرى ولكن هذه المرَة يديْه لم تقترب إليْها : مضطر أروح لكن بنتظرك دايم
حاولت أن ترفع عيناها ولكن في كل مرةٍ تتسلقُ بنظراتها ملامحه تقف عند شفتيْه ولا تقدر على تجاوزها والنظرُ إلى عينيْه مرةً اخرى، لم تكن قُبلةً عاديَة، هذه القُبلة أستحلَت كلماتي.
فارس بلل شفتيْه بلسانِه : حتى لو بعد سنين، بكون جمبك وبنتظرك . . . . بلهفَة عشقه كان باطن كفَه اليُمنى يُلامس ظاهر كفَها اليسرى دُون أن يخلخل أصابعه بها، رجفة أصابعها كانت تمتَد إليْه وحُمرة كفَه كانت أصابعه تلسعُها.
إبتسمت بلمعة العشق الذي يُضيء عينيْها وهي تنظرُ لكفَه كيف تخترقُ اعماقها.
فارس : بحفظ الرحمن
عبير سحبت شفتِها العليا بلسانها حتى تُقاوم ربكتها، رفعت عينها كنظرةٍ خجلى وأخيرة، نظرت إليْه بحوارٍ يُقيمه بسلطةٍ على قلبها المحمَر به.
فارس إبتسم على خجلها الذي يُلاحظِه بدقَةٍ أول مرَة، والحُمرة التي تتشرَب ملامحها ألا تعلم بأنها تسلب عقله؟ كان يليقُ بها في هذه الثانية أن يقول لها كما قال ـ محمد أبو هديب ـ " سبحان من بث الحياة في وجهها، وردٌ و زاد من الحياء تورَدًا "
فارس بعفويَة زادت غليان الدماء في ملامحها : يخي أنتِ جميلة والله
ضحكت وهي تُشتت نظراته بعيدًا عنها، ضحكت كضحكةٍ قصيرة مضت مُدةٍ طويلة لم تتغنَجُ بها، بصوتٍ خافت : خلاص . .
فارس يتلذذ بخجلها المصنَف كخجلٍ عربيٌ أسمَر لا يقدرُ أصحاب البشرة الشقراء على التلوَنِ به، هذا الخجل ملكٌ لنساءٍ الشرق عبر التاريخ بأكمله وبلا تعصَب : وش اللي خلاص؟ مني مالي خلاص أبد!!
عبير بربكَة كانت تنظرُ لأصابعها وهي تقتربُ لحظةٍ لأصابعه ولحظةٍ أخرى تبتعد وبنبرةٍ لا تسير بوتيرة واحِدة/ ولا تتزن : ما أحب أنحرج كِذا، لمَا قلت لي مرَة إنه عيوني أرق، طيب أنت الحين عيونِك مُصيبة تحرجني فيها.
فارس : أنتظرت كثير عشان أسمع منك هالكلام، أنتظرت 18 شهر، من أول مرَة شفتِك فيها
عبير وعيناها تتجمَد على صدرِه بعد أن أرهقها الصعود لعينيْه ـ الولعانة ـ : 18 شهر؟! وأنا أحس إنك تعرفني من سنين.
فارس أقترب حتى يُقبل جبينها، أطال بقُبلته حتى لفظ : يحفظك ربِي و يخليك
عبير بلعت ريقها مرارًا بصعوبة حتى تنطُق : ويحفظك
فارس شعر بأن العالم بأكمله يخضعُ له بمُجرد أن تسللت دعوةٌ قصيرة من بين شفاهِها، أبتعد للخلف حتى يخرُج وعيناه مازالت تحفَها، إلى أن اختفى تمامًا بنظرةٍ أخيرة من أمامها.
عبير وضعت أطرافِ أصابعها على شفتيْها وهي تأخذ نفسٌ عميق، لم تتوقع ولا للحظة أن ـ قُبلةً ـ منه تُجدد الأمل في قلبها على عائلتها وعليْه، لفَت حجابها جيدًا أن بعثره بقُربه، أغلقت أزارير معطفها رُغم أنه لا حاجة لإغلاقه ولكن شعرت وكأن قلبها يقفزُ من مكانه، بمُجرد أن خرجت وجدت المصعد أمامها فُتح لخروجِ أحدهم، ركبته بخطواتٍ سريعة قبل أن يراها نايف ويفتحُ معها تحقيقٌ مطوَل.
،
إبتسمت بعدم إستيعاب : وش قاعد تقول ذي؟
سارة بدهشة : أنتِ اتصلتي؟
أثير : لا، أصلاً شفت الظرف على الطاولة وأخذتها وبعدها رحت لبيتنا وما كلمت أحد، والظرف ما كان مفتوح! انا أول من فتحته
سَارة عقدت حاجبيْها : يمكن غلط منهم!!
الدكتورة بإنجليزية : نحنُ أرسلناه وسألتني عن رموز التحليل وأخبرناكِ به والتحليل كانت كل معلوماته طبيعية وانا متأكدة من هذا يا عزيزتي
سَارة إلتفتت لأثير : تتوقعين رتيل؟
أثير أخذت نفس عميق : كيف تقدر تغيَره والورقة مطبوعة طباعة ماهو بخط اليد عشان تقدر تغيَره!!
سارة : أنتِ وش عرَفك! هذي حيَة تقدر تغيَر بلد مو تغيَر تحليل!! روحي لعبدلعزيز وأفضحيها ولو عنده دمَ بيطلقها قدامك
أثير وقفت بغضب : أنا أورَيها، دام بنت اللي كلمتهم مافيه غيرها! هي اللي تبي تقهرني وتذبحني، الله يآخذها الله يآخذها ولا يبقَي فيها عظم سالم! . . أخذت شنطتها لتخرج بخُطى غاضبة.
سارة إبتسمت للدكتورة : شكرًا . . ولحقت أثير . . أثييير
أثير أجهشت عينيْها بالبكاء لتصرخ بوجهها : حقيرة! خلتني أشك في نفسي وصحتي عشان أيش؟ عشان عبدالعزيز يفضَلني عليها! مجنونة مهي صاحية . . بس والله لا أوريها، والله لا أذبحها بإيدي حتى لو كلفني هالشي خسارة عبدالعزيز، أنا أوريها
سارة : اهدي وتعوَذي من الشيطان، هي اللي بتكسب لو خسرتي عبدالعزيز، عيَني من الله خير وخليها تنفضح بهدوء قدامه وساعتها هو اللي بيقرر وعلى قراره أنتِ تصرفي بس لا تتصرفين بتصرف يخلَي الحق معها وهي ما تستاهل!!
أثير مسحت دموعها بكفيَها : ومسوية نفسها بريئة قدَام عبدالعزيز، والله عرفت من قامت تهددَني وتخوَفني بتهديداتها أنه وراها شي! وهذا هو صدقت توقعاتي! هالبنت مجنونة تسوَي أيَ شي بدون لا تهتم لأحد حتى لعبدالعزيز بس أنا رايحة لعبدالعزيز وربَك لا أطلع فيها عيوب الكون كلها وبتشوف
سارة بعد صمتٍ لثوانِ نطقت : مثل ما تبلَت عليك بالمرض، تبلَي عليها ومن له حيلةً فليحتال!
أثير تنهدَت : ماراح أندم على أيَ شي بسويه في حقَها، راح أوريها كيف تتبلى عليَ، وراح أورَي عز بنفسي، راح أخليه يختارني قدام عيونها وبتشوف
،
أتى سليمان مُقيَد اليديْن ليقف بينهما على بُعدِ مسافةٍ طويلة، اولُ من نظر إليها وألهبهُ بنظراتِه كان ـ سلطان ـ ، ومن ثُم تبعتها ضحكةً مُستفزة من رائد الذي لفظ بسخرية : طبعًا سليمان حبيبي بظرف يوم واحد وبجلسة وحدة قالي كل اللي يعرفه عنكم وعنَي حتى تتصوَرون! وقالي وش صار بعد الحادث ووش ما صار وكذبتوا فيه، قولهم سليمان وش قلت لي، أنا قلت لهم بعض المعلومات اللي أخذتها منك لكن لا ضرر من الإعادة فالإعادة إفادة . .
سلطان بسخرية : متوقَع إننا ننصدم إنه هالكلب علَمك؟ مفروض اللي ينصدم هو أنتْ! شخص بغمضة عين نقدر نمسكه ونعدمه قدام عيونك قدر يخدعنا لأكثر من سنَة، وأنت ياللي صار لك سنين تحاول وتحاول مقدرت تخدعنا بشي! ولمَا خدعتنا طلع ملعوب عليك!! لا تفتخر كثير فيه! هو لو عنده ذرة رجولة وشجاعة طلع قدامنا وما خاف من إسمه لكن يدري إنه ماعنده القوة إنه يواجهنا!
سليمان بإستفزاز رُغم الضرب الذي تعرَض له : لكن عندي القوة إني ألفَ عليكم كلكم وأضرب روسكم ببعض
سلطان بغضب لم يستحمَل أن يسمع صوته، أقترب منه ليدفعه ناحية الجدار دون أن يتدخل أحد، جلس رائد يتأمل بإبتسامة ما يفعله سلطان بسليمان، وضَع سلطان بباطن كفَه مفتاحٍ صغير ليلكمه بقوَة ويجرحه بذاتِ القوة من حدَة طرف المفتاح، أعاد لكمتِه مرةً اخرى على خدَه وهو لا يقدر على الدفاع عن نفسه.
سلطان شدَه من ياقتِه المبهذلة : حاول قد ما تقدر ما تحط لسانِك على لساني! عشان ما أقطعه لك
رائد ينظرُ للدماء الذي بدأت تغزو ملامح سليمان من ضربِ سلطان له : ما تتعطَل يا بو بدر!
إلتفت عليه سلطان بتقرَف : اللهم عافِنا مما أبتلاكم
رائد بهدُوء أستفزَ عبدالعزيز : عندِك خبر بعد أنه أختك ما فقدت الذاكرة عقب الحادث مباشرة؟ . . ـ بضحكة أردف ـ بعرف وش اللي صار بعد الحادث؟ لا أبوك مات بعد الحادث ولا أختك فقدت الذاكرة بعد الحادث! وش هالناس الوصخة اللي حتى شوفة اهلك حرمتك منها!
عبدالعزيز نظر إليه بجمُود دون أن يرد عليه بكلمة، أكمل رائد : أريَحك كِذا ببساطة اللي مات بعد الحادث أمك وأختك الصغيرة عدا ذلك هذا من المسرحية اللي كانت من إخراج اللي جمبك، أنا ما أقول من تأليفهم لأن المساكين حلفُوا وقالوا إحنا ماندري، لكن ما يقدرون يحلفون إنه جاهم الخبر من قبل فترة طويلة.
سلطان بسخرية يستهزأ به : وأنت كنت المنتج! تدفع فلوسك ولا تدري على أيش أنصرفت، دفعت رجالِك على الحادث وتحسب أنه حادث عدَى وأنتهى وبعدها تكتشف إنه رجالِك ما تصرفوا حسب علمك، تصرفوا حسب الكلب اللي قدامك! والكلب تصوَر إنه كومبارس! لكن قدر يلعب على مُنتج كبير! . . بحدَة أردف . . يا خسارة هالشارب عليك بس!!
رائد ببرود لا يخضع لإستفزازه : نقلُوها لمستشفى ثاني وهي في حالة حرجة، ولمَا تعرضت لمُضاعفات بنقلها دخلت غيبوبة شهر كامل يالله صحت من بعدها، ولمَا صحت صارت المسرحية الحلوة اللي كانت بإشراف مقرن، جابوا لها وحدة الله أعلم من تكون وقالوا لها أسمعي يا . . . رؤى! هذي أمك وإحنا راجعين لميونخ عند أهلك . . مين أهلي؟ أهل أبوك ما يبونِك لكن أهل أمك يبونِك، وهناك عاد جاهم ولد عبدالله القايد وتصرَف مثل ما يشتهي عشان يلعب بأختك بعد مثل ما يبي! كلَم صديقه اللي كان دكتورها النفسي، وش كان إسمه؟ . . . إسمه وليد! أووه قبل لا نكمَل القصة الممتعة لازم نذكر إنه وليد كان يعتبر زوج حرم سلطان المحترم! قالت لك زوجتك عنه ولا ؟ ترى يقولون كانت فيه قصة ممتعة أكثر بينهم! عاد الله أعلم وش نوع المتعة في القصة
نظر سلطان بنظراتٍ مصوَبة بحدة ناحية عينيَ رائد، وقلبُه يحترق ببركانٍ ينتشرُ كوباءٍ في كامل جسدِه، مررَ لسانِه على أسنانه العليَا وهو يحاول أن لا يتصرف بغضب ويندم بوجودِ ـ عبدالعزيز و ناصر و عبدالرحمن ـ.
رائد الذي أكمل فضائحه على حدَ تصنيفه : عاد هذا وليد كان متشفق على لسان عربي! ولمَا جته رؤى أو عفوًا غادة! قال جتَ اللي أبيها، هو ما كان يعالجها هو كان يطلَع جنونه النفسي عليها! عاد تعرفون تصرفات بعض الأطباء النفسيين والعياذ بالله . . أحيانًا الدكتور نفسه يحتاج دكتور يعالجه، الله أعلم بعد وش كان يمارس بعيادته مع أختك! وطبعًا كل هذا يا عبدالعزيز يا حبيبي كانوا يدرون فيه الإثنين اللي واقفين جمبك وأزيدك من الشعر بيت اللي كان يوصَلها للعيادة هو سعد نفسه اللي يشتغل عند أبوك قبل واللي يشتغل حاليًا عند سلطان و عبدالرحمن، اكمَل ولا تكملون عنَي؟
بسخرية أخذ كوب الماء ليشرب منه ويرفع عينه إليهم : لا هذي القصة لازم ناصر يسمعها بعد! وش رايكم يسمعها معنا؟ ويشوف زوجته كيف كانت؟ . . . . وجَه عينه للرجل الواقف أمام الباب . . جيب ناصر بسرعة . . . خلنا نخلَي ناصر يسمع بعد
عبدالعزيز ثارت غيرته على أخته وهو يحاول أن يكتم هذا البركان وهذه المآساة في قلبه، شدَ على شفتيْه بأسنانه حتى نزفت بتقطيعه لها، تذوَق طعم دماءه وهو يُريد أن يخمد هذا الغضب، مسك الكوب الزجاجي الفارغ، حاول أن يُفرغ غضبه وهو يُمسكِه حتى أنكسر بيدِه وتجرَحت كفَه بالدماء، إلتفتت الأنظار إليه، عبدالرحمن لم يكن قادرًا على الشرح أو حتى على قولٍ يُخفف وطأة هذه المآسآة على قلبه.
هل يشعرُ أحد بطعم الذلَ في دماءي؟ هل تثُور ثائِرته كالبركان مثلي؟ أم أنه أمرًا عاديًا قبلوا به في البدايَة فمن الطبيعي أن يقبلوه الآن؟ أيَ الرجال أمامي؟ أيَ عقلٍ يقبلُ بهذا؟ " يُبه " تعال! أنظر إلى من جعلتهُم أصدقاءِك كيف يتصرفون ويعبثون بأسمك معي! تعال أنظر إلى قلبِ إبنك الذي يُتأتئ الفرح ولا يجيئه، تعال! أشرح لهم أن إبنك لا قُدرة له على مواجهة الحياة دُونك! قُل لهم يا أبي! قُل لهم أَنَ عزيز إبني حُزنه قاسٍ لا يرحم صدرِه فكيف يرحمُ من حوله؟ قُل لهم إبني يبكِي دماءُه إذا جُرحت عيناه بمن يُحبهم، قُل لهم لا تجوز على الميَت سوى الرحمة، وأنا متَ من حدَة ما أسمع.
رمى بقايا الزُجاج من يدِه ليلفظ بحشرجة الغضب إلى عبدالرحمن : ندمان على اللحظة اللي قلت لك فيها يُبه! ندمان على اللحظة اللي صدَقتكم فيها! ندمان على اللحظة اللي متَ فيها وأنا أتوقع إني أعيش! ندمان على كل وقت ضيَعته معاكم! ندمان حتى على كل فكرة كنت أوصلها وأقول مستحيل! ما يضرَني شخص كان أبوي يصبَح عليه بعيونه! ما يضرَني شخص أجتمع مع أبوي تحت سقف واحد! لكن ضرَيتوني! ما حطيتوا لأبوي أيَ إعتبار، ولا حطيتوا لبنته أيَ قيمة، صح مين غادة؟ أبد مو لازم نهتم فيها، مو لازم نعلَم إنها عايشة، لأنها ماهي من لحمكم ودمَكم! عادي جدًا مين هيَ أصلا؟ أخت عبدالعزيز؟ ومين عبدالعزيز؟ زوجة ناصر؟ ومين ناصر أصلاً ؟
دخل ناصِر على كلماتِه ليقف وعينِه عليه.
أكمل : ضقت منكم أكثر من مرَة وكل مرَة أستحي أدعي عليكم، أستحي وأقول ربع أبوك وناسه كيف تدعي عليهم يا عبدالعزيز؟ لكن هالمرَة لأن أبوي كان يقول عنكم ينشَد فيهم الظهر بقول الله يكسر ظهرٍ تخدعون فيه الناس، والله لا يسهَل لكم طريق! . . نظر إليهم بحدَة صاخبة . . الله لا يبــــارك لكم في أيامكم الجايَة وعساكم تذوقون نص اللي ذقته في أهلكم وبناتكم . .
عبدالرحمن تصلَبت أقدامه من دُعاءه الغاضب، نظر إليْه : ماهو أنت اللي بتصدَق كل كلمة تنقال وأنت تدري مين يقولها! كيف تثق بحكيْه؟
رائد بنبرةٍ مستهزأة يُمثُل العطف بصوته : تؤ تؤ تؤ . . عيب يا بوسعود تكذَبني وقدامك سليمان بنفسه شرح لي كل شي وهو اللي أستعمل فيصل عشان يضغط على مقرن! ما يصير!!
سلطان وضع أصبعيْه في عينِه ليضغط عليهما بشدَة حتى يُعيد إليه التركيز.
أردف رائد : حيَ ناصر، طافتك القصة اللي تهمَك بس هذا ما يمنع إننا نعيدها لِك . . . كنا نسولف على زوجتك وحبيبتك، نرجع نشرحها ولا تشرح له يا بو بدر؟
سلطان تنهَد وهو ينظرُ للسلاح الذي يتوسَط مكتب رائد ويجلسُ هو خلفه.
رائد بضحكة : ويعجزُ سلطان بن بدر عن التعليق، ولا يهمَك يا أبوي أنا أشرح لك، غادة أو نقول رؤى تماشيًا مع الفيلم اللي صار من إخراج الجماعة اللي جمبك، ما فقدت ذاكرتها بعد الحادث، لكن لمَا نقولها للمستشفى الثاني عشان يخفونها وطبعًا لأني ما أحب أكذب بقول إنه ماكانوا يدرون لكن مقرن كان يدري وعاد الله أعلم إذا مقرن قالهم وهم ينكرون أو صدق ما قالهم، المهم إنه لمَا نقولها صارت لها مضاعفات تعرف كانت بحالة حرجة جدًا وهم أصرَوا على نقلها! دخلت بغيبوبة لشهر ولمَا صحت جابوا لها وحدة وقالوا لها تراها أمَك وسوَو لها مسح شامل لكم كلكم، وتدخل فيصل ولد عبدالله القايد وتراه من ربع اللي جمبك، وودوها لميونخ وعرفَوها هناك على دكتورها النفسي اللي إسمه وليد، هذا وليد الله يسلمك ما أحط في ذمتي لكن الله أعلم وش كان يسوي بالعيادة مع زوجتك وهم يجلسون يوميًا، رُغم أنه المعروف إنه الأطباء النفسيين اللي مايكونون بمصحة مفروض ما يقابلون مرضاهم يوميًا، لكن هو كان صبحه وليله معاها! وكان لها معاملة خاصة بعد وتطلع معه وتروح معه واللي يوصَلها كان سعد! اللي يشتغل مع المخرجين الكبار سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل متعب . . . كانت كلماته شديدة السخرية . . . كل شي كان بإشرافهم وبمعرفتهم بمين وليد! حتى وليد نفسه كان الزوج السابق لحرم سلطان، يعني كان يدري مين وليد ويعرف وش سوَى! عاد أنا ما أدخل بالذمم وأقول وش كانت نيته إتجاه زوجته بس لو أحد بمكان سلطان ما كان سمح لطليق زوجته السابقة وهو ما بعد دخل عليها يعني مُجرد ملكة، يكون دكتور لبنت أعز أصدقائه، مفروض يخاف ويقول ما اسمح لدكتور له سوابق يعالج . . أو عفوًا هو ما يعالج هو كان يمارس العشق وأفلام الأبيض والأسود مع غادة
ناصر من دهشتِه لم يستطع أن يتفوَه بكلمةٍ واحدة، نظر إليهم واحدًا تلو الواحد حتى سقطت عيناهُ بعينِ رفيق عُمره، أراد أن يتأكد من عينيْه التي لا تُخطئ أبدًا، نظر للدماء التي تسيلُ من كفَه وأدرك أن ما يقوله حقيقة.
ضحك بجنُون غير مُصدَق، نظر للرجل الذي جلبه ولموضع سلاحه، اقترب منه بطريقةٍ لا يشكَ بها أحد، بظرفٍ ثانية وأقل سحب السلاح ليوجهه ناحية سلطان.
رائد أشار لرجلِه أن لا يقترب منه، وهو يستمتع بالفتنة المُقامة بينهم.
ناصر : سألتني وقلت تغفر لشخص غلط وأثَر بحياتك؟ وقلت لك لا مستحيل أسامح شخص ضرَني! وما كنت أعرف سبب سؤالك المفاجئ ليْ لكن الحين عرفت، عرفت إنك تلاعبت بحياتي ومن حقي الحين أتلاعب بحياتِك!! ماعندي شي أخسره، ببرَد حرتي وبيكفيني هالشي . . غيَبت زوجتي برضاك أكثر من سنَة وأنا بغيَبك عن الدنيا بكُبرها متعمَد وقاصد! . . . .
سلطان نظر لفوهة السلاح المصوَبة بإتجاهه، أتى صوت عبدالرحمن المقترب من ناصر : ماهو برضاه! أقسم بالله ماهو برضاه يا ناصر، كلنا كنَا نشوف هالشي بصالحكم، لو كان بإيدنا والله ما تصرفنا كِذا، يمكن أنت ما تشوف هذي مبررات كافية لكن أقسم لك بالحيَ القيوم إننا لو كانت الأمور بإيدنا بعد الحادث ما خبينا عنكم شي، وكنَا ماراح نخطط أننا نخبي عنكم حياة أحد فيهم! لكن كانت الأمور برا سيطرتنا، عرفنا عن الحادث مثل أيَ شخص في هالدنيا وعرفنا عن موتها بعد، لين جانا الخبر بعد فترة وأكتشفنا حياتها وبعدها وكَلنا مقرن يهتم فيها، ما كنا نبي شي واحد يضرَها، لكن الطرف اللي خلانا نمنع نفسنا من إننا نقولكم هو سليمان اللي كنا متوقعينه شخص ثاني! خفنا على حياتكم لو أجتمعتوا! كان لازم نبقى على خطتهم لين نتمكَن منهم ونفرض قراراتنا عليهم، لأن ولا قرار بعد الحادث كانت أسبابه من ظروفنا إحنا، كل الأسباب كانت بسببهم، . . . تعوَذ من الشيطان ونزَل السلاح
عبدالعزيز : ناصر
كل الأعين توجهت لشفاهِ عبدالعزيز ولما سينطقه، بهدوء أردف : لا تخليها في خاطرِك!
نظر إليه سلطان بصدمَة ليس بعدها صدمة، تبعتها صدمَة عبدالرحمن و حتى رائد كانت الصدمة واضحة بنظراته.
ناصر تأكد من وجود الرصاص وأصبعه يلامس الزناد.
سليمان لأنه أدرك لا أحد سيقترب منه نطق : مثل موتة مقرن بتكون موتتِك يا سلطان! لكن اللي ذبح مقرن من رجالي واللي بيذبحك ماهو عدوَك!!
سلطان تجاهل كلماته وعيناه بعينيَ ناصر، طال الصمت بنظراتهما وسبابة ناصِر تصِل للزناد بيُسرٍ وسهولة.
رائد أراد أن يضغط على ناصر ويستفزه حتى يُطلق عليه بسُرعة : وبعدها أيش صار؟ وليد حاول يتقدَم بزواجه عليها ويتجاهلون إنها مازالت على ذمتك وبينكم عقد زواج مصدَق، وطبعًا رضا غادة على هالزواج كان تابع من أمل اللي بدأت تشككه وتثير جنونها، طبعًا أمل في البداية اللي هي أمها كانت تتبع أوامر مقرن لأن مقرن تابع لفيصل وفيصل تابع لسلطان وعبدالرحمن واللي خابرهم! لكن بعدها أنحرفت شويَ عن الطريق لمَا على قولتهم رجع فيصل لعقله وترك سليمان، وخلَى سليمان يتدخل بموضوع غادة بعد ما رفع إيده منها عقب الحادث، ودفعوا لأمل عشان تجننها وتكرَهها بعُمرها! ويا حرام المسكينة وش كثر عانت و أنهبلت بعد!! لدرجة قالت خلاص بتزوَج وليد وكانت قريبة بزواجها من وليد بعد، وأكيد هالزواج أو خلنا نقول عرض الزواج ماجاء ببساطة، أكيد فيه أشياء كانت تصير بالعيادة بين 4 جدران مالهم ثالث!!
عبدالعزيز بغضَب خدع رائد بعينيْه ليأخذ علبة زُجاجية ويرميها عليه حتى أتت على كتفِ رائد، بخُطى طويلة سريعة شدَ على رقبة رائد وهو يحاول أن يخنقه بيديْه المُبللة بالدماء، من ذِكر أخته المُشين على لسانِه.
جاء رجل رائد من خلفه ليسحبه ويدفعه على المكتب ويجرحُ جبين عبدالعزيز بهذه الضربة، وقف رائد وبحدَة وصلت أقصاها أخذ قطعة من بقايا الزجاج وثبَتها بين أصبعيْه ليصفع عبدالعزيز بقوَة حتى يجرح خدَه.
عبدالعزيز دفع الرجل الذي حاول إيقافه وهو يرفسه حتى وقع على الأرض، تقدَم ناحية رائد ولكنه وقف عندما إتجه السلاح نحوه.
رائد بحدَة نظراته : إللي يلمسني يلمس نار بجحيمها! وشكلك بتلحق أبوك
ناصر إلتفت ليوجَه السلاح ناحية رائد ولكن يد سلطان من خلفه سحبته بقوَة، بدأوا رجال رائد بالتدخل جميعهم وهُم يُحاصرونهم بالأسلحة الموجَهة إليهم، أمام تهديد رائد بعبدالعزيز لم يكن بين يديَ سلطان أيَ حيلة، رمى السلاح في كفَ الرجل الذي أمامه.
رائد : ماهو أنا اللي بذبحك! هُم بنفسهم راح يذبحونِك، . . . عاد لكرسيْه وبسخرية . . أوَل نكمل الفيلم لين نوصل لهذا المشهد عشان يكون الكل على بيَنة
عبدالعزيز رفع عينِه للسقف وهو يحاول أن يمتَص غضبه متجاهلاً جروح وجهه : بيجي وقت راح أعرف كيف أنتقم منكم!! ووقتها مافيه شي بيردَني
عبدالرحمن أعطاهُم ظهره وهو يرفس بقدمه الأريكة، كل شيء يقع من بين أيدهم حتى الثقة من ناصر و عبدالعزيز سقطت ولا يُمكنها العودة بسهولة.
ناصر حاول أن يتقدم إلى عبدالعزيز ولكن فوهة السلاح ألتصقت برأسه. رائد : خلونا حلوين مانبي إشتباكات بينكم لين ننهي من سرد القصة والمسرحية مدري الفيلم كامل . . ماشاء الله أحترت وش أسميها! قصة ولا فيلم ولا أيش بالضبط! إن جينا للتمثيل أبدعتوا وإن جينا للحوار بعد أبدعتوا وإن جينا للإخراج رايتكم بيضا ما خليتوا بذرة شك في قلوب ناصر وعبدالعزيز . . . وصلنا لعند وليد وغادة، عشان ما نظلم حقهم وقتها عرف سلطان وبوسعود أنه اللي مع غادة ماهي أمها الحقيقة، لأن أمها ماتت بالحادث، وهذا الشي من تدبير مقرن! عاد الله أعلم إذا مقرن يتصرف بكل هذا من فيصل بس! يعني ما نشكك بمقرن كثير لكن كان يقدر يقول عن أمها دام قدر يقول عن غادة لهم! لكن المصيبة تدخل شخص ثاني! هذا الشخص أشتغل وياكم وحافظكم اللي هو عبدالمجيد، تقاعد بعد سلطان العيد بفترة وهو اللي أبعد فيصل عن خطأه اللي ارتكبه بحقك يا ناصر أنت وعبدالعزيز و ذبح غادة بعيونكم و عرَفها على وليد ووصلها لكل هذا، يوم أبعد فيصل تدخل عبدالمجيد بأمور مقرن وضغط عليه وهذا الشي ما قبله حبيبي سليمان وخلَاه يذبح مقرن، الصفة المشتركة بيني وبين سليمان إننا نذبح من يغدرنا! وهذا الشي ينطبق على كل من واجهناه بحياتنا الله يسلمكم، راح مقرن وبقيتوا أنتم تدورون وتحوسون وتقولون مين ذبح مقرن ومين تدخَل بشغلنا ومين زرع زياد بيننا ومين تعرَض لمنصور ولد عبدالله قبل سنَة، ومين ومين؟ وكل الإجابات هي سليمان! اللي ساعدني بدون لا يحس ويدري، حتى فهد اللي جا متأخر قدر يلعب في مخكم! . . بسخرية . . طبعًا قلتوا وش ذا الصدفة إسمه فهد بعد؟ لا يكون هو اللي أنذبح؟ وأكيد أنلعب على مخكم كالعادة! . . لكن خابت توقعاتكم لما عرفتوا أنه هذا الفهد تابع لسليمان وماله علاقة باللي صار قبل سنة، المهم ماعلينا لو بعدَد الحالات اللي أنضحك فيها عليكم بتعب! . . إلا ما قلتوا لي ما سألتوا نفسكم مين طلَع الجثث وحضَرها؟ حيَ الذكاء اللي في سليمان اللي تتهمونه بضعفه لكن مقدرتوا توصلون لذكاءه عشان تكشفونه! بعد الحادث مباشرةً لمَا أكتشفوا حياة سلطان وغادة، قالوا هذا الشي ما حسبنا حسابه، وعلى طول دخلُوا للجثث اللي في ثلاجة الموتى! وبسهولة طلعوا شهادة وفاة للجميع وبسهولة لما أكتشفوا أنه مافيه جثة يقدرون يحطونها بدال سلطان العيد لكن لقوا جثة بدل غادة، جابوا سلطان العيد بنفسه وشالوا الأجهزة منه وحطوه قدامك يا عبدالعزيز! تذكر لما جيته؟ شفته بعيونك وكان يعتبر حيَ، وبعدها مباشرةً بكم يوم توفَى! وأندفن بداله شخص ثاني! وصليت على شخص ثاني بعد!! هذا كل اللي صار بعد الحادث مباشرةً، وكان من تخطيط سليمان اللي أستعمل فيصل ومقرن و كان بمعرفة واضحة من عبدالمجيد اللي يعرف الحادثة من بدايتها إلى نهايتها لكن خبَى حتى على أصدقاءه! وحاول يتصرف من كيفه لكن ما نجح بأنه يوقَف شي واحد رُغم إنه عنده كل الأدلة بإدانتنا لكن مستحيل يملك الجرأة بأنه يضربنا لأن يدري وش راح يجيه!
سلطان بإبتسامة مستفزة : صحيح! عبدالمجيد ما يملك الشجاعة بأنه يضربكم بأدلته! برافو والله، تفتخر وأنت تسرد القصة بتفاصيلها رُغم إنك مخدوع فيها مثل ما إحنا مخدوعين
رائد بإبتسامة تُشبه إبتسامة سلطان : هذا أنا خذيت حقي والدليل سليمان قدامي ومربوط وبينذبح بعد! لكن أنتم وش خذيتوا؟ خذيتوا خيانة من مقرن وعبدالمجيد و خذيتوا غضب من ناصر و عبدالعزيز و جازيتوا كل اللي حولكم بالغدر! ما دافعتوا عن مقرن ولا فهمتوه وما دافعتوا عن عبدالعزيز ولا أحد!! أنا صادق ولَا؟
عبدالرحمن بإتزان : خلصت حكيْك؟ وصلت للي تبيه ولا باقي شي ما بعد قلته؟
رائد بضحكة : لا أبد كل التفاصيل ذكرتها ولله الحمد . . بس خلنا بعد نزيد من إدراك عبدالعزيز شويَ ونسأله كانه يدري عن صالح العيد؟ ولد عم أبوه؟
عبدالرحمن بغضب : رائــــد
رائد بسخرية : ضربنا الوتر الحساس شكلنا! . . يا شقاك يا عبدالعزيز حتى أبوك ما قالك حقيقة أهله!! وش هالدنيا اللي تلعب بالبني آدم بس!
أردف بتنهيدة : صالح العيد كان شريكي وأبوك تبرَآ منه تصوَر ولا حتى ساعده عشان كذا لجأ لي لكن بعد أبوك أعماه حقده وذبح ولد عمه بنفسه
عبدالرحمن : مين ذبح صالح؟ ما كأنه مات متسمَم وبإيدك بعد؟
رائد بإنكار : أبدًا ولا قرَبت منه، اللي ذبحه ولد عمه ما يحب أحد ينافسه، مُشكلة سلطان العيد كان أناني في كل حياته ولمَا جاء وقت يختار فيه أختار سلطان بن بدر عليكم كلكم لأنه كان يصدَر أنانيته لسلطان، وما حبَ احد يآخذ هالمنصب منكم عشان كِذا عصَب بو منصور وقدَم على التقاعد!
سلطان بسخرية من قهره الذي يُصاب به : تكذب الكذبة وتصدَقها!!
رائد بإبتسامة : قولنا كيف ترشحت لهالمنصب وفيه اللي أولى منك؟ مو كان بواسطة قوية من سلطان العيد اللي تقاعد وهو مسلَمك زمام الأمور بكبرها ومتجاهل الكل!!
عبدالرحمن : ترشيح سلطان جاء بموافقتنا كلنا لعلمك ولا تحاول تزرع الفتنة بيننا لأنك تبطي!
رائد : أيَ موافقة هذي اللي خلتكم تتهاوشون قدام الموظفين وصارت مشكلة بينكم وبين سلطان العيد؟ مو كانت عشان سلطان وأنه ما يستحق هالمنصب وأنه توَه صغير وغير مؤهل؟
سلطان بهدوء مستفز : إيه صح عليك! بس لأن اللي في مخك درج، ما تفهم وش سبب الهوشة صح فعشان كِذا تقول دام مافهمتها لازم أخترع لها سبب بمزاجي! محد تقبَل وجودي بالبداية بهالمنصب لكن ماهو عشانهم ضدَي! هُم ضدَ خبرتي القصيرة، لكن بالنهاية وقفوا معي وبو منصور ما تقاعد بعد تسليمي للمنصب، أشتغل معايْ إلى أن أختار طريق التجارة وتقاعد بعدها، وصالح العيد أنا بنفسي تسلَمت ملفه وكان متسمم! لأن عرفت أنه راح ينقلب عليك ويروح لولد عمَه لأنه بالنهاية الدم واحد والعرق يحَن! ولمَا جاك صالح العيد كان سلطان الله يرحمه يحاول بكل جهده إنه يوقفه عن العفن اللي يجي من وراك! لكن كان إختياره ومقدر يخضعه وهو رجَال يملك حق القرار، وأضطر يحاربه لأن ما ألتفت لإسمه ألتفت لوطنه.
رائد بهدوء : والله عاد محد بيصدَق هالحكي غيركم لأن ماشاء الله عندكم تاريخ مشرَف بالكذب وبالأفلام!!
ناصر نظر بصورةٍ أوقعت الشك في نفس رائد : رجعوه!!
عبدالرحمن بحدَة أنفجر بوجهه : قلت راح تطلعهم بمجرد ما نجي! خلنا على إتفاقنا
رائد ينظر إلى ناصر : رجَعه . . . قيَد الرجل أيدي ناصر بكفيَه ليأخذه للمكان الذي كان فيه ـ هو وعبدالعزيز ـ.
رائد وقف بتنهيدة : وأنا غيَرت إتفاقي! وبمزاجي . . . . . مسك هاتفِه ليقرأ الرسالة التي تأتِيه في هذه الأثناء، رفع عيناه بإتجاه عبدالرحمن : تبيني أقولك الأخبار ولا بدري عليها؟ أخاف يرتفع ضغطك ونبتلش!!
عبدالرحمن لا تركعُ نظراته بأيَ رجاءٍ لرائد، مازال شامخًا رُغم هذه الهزَات التي تُصيبه ومازال يحاول أن يُحافظ على هدوء أمام إضطراب الإستفزاز الذي تحت قدميْه ومازال يُفكر بإتمام الخطة نفسها رُغم كل شيء يحصل الآن.
رائد : بنتك . . كنا بنجيبها لِك لكن للأسف رجالِك أجبرونا نطلق الرصاص عليها
رفع عينه عبدالعزيز وهو يمسح باطن كفَه بقميصِه، لم ترمش أبدًا وهو يسمعُ رائد ينطق ببطء شديد حتى يستفزَهم أكثر : بنتِك رتيل!
عبدالرحمن كرر بصوتٍ خافت حتى يُصبره الله على هذه المصيبة : لا إله الا الله . . لا إله لا الله . . لا إله الا الله
سلطان : أنت اللي بديتها وترحَم على ولدِك!!
أنفجر رائد بضحكة طويلة : عفوًا؟ أترحَم على مين؟ وش هالتأخر المخَي اللي في راسكم!!
سلطان : طول السنين اللي فاتت ما تعرَضنا لأهلك ولا حاولنا ندخَل ناس مالهم ذنب بهالمشاكل! في وقت كنت تتعرَض لنا بأهلنا وتلوي ذراعنا فيهم! وصبرنا وقلنا مهما صار مالنا ندخل بناس ذنبهم إنهم يرتبطون بإسمك لكن هالمرَة أنت ما عطيتنا أيَ خيَار!!
رائد بسخرية : يُطلق عليكم الحين . . مُثيرين للشفقة بإمتياز! . . ولدي مات يا حبيبي، لكن دمه مايروح هدر، الكل بيدفع ثمن أغلاطه معي والكل بيدفع ثمن حزني على ولدي!! وكانت بدايتها بنتِك وبيجيك الدور يا سلطان!!
سلطان : مات؟ والله أنت اللي عندك تأخر مخَي!
عبدالرحمن لم تحملُه قدماه، جلس وهو يضغطُ بأصابعه على الأريكة.
يالله خُذ مني الإحساس إن صابها الوجَع والألم، يالله أذبح بيْ الشعور في الوقت الذي تمرض بها إبنتي ولا تجعل الحُزن يتحشرجُ بيْ ويُبقي روحي في المنتصف، لا أحيَا ولا أموت، هذا الشعور الذي يجيئني كلما غادرني من أُحب، يارب أرزقني الصبر وساعدني وأرفع عني هذا البلاء الذي يشطر ظهري وقلبي معًا.
عبدالعزيز أخذ نفس عميق، أنتهى برؤيـةِ فارس و عبدالمجيد، رائد وضع يدِه على الطاولة قبل أن تُضعفه قوَاه المُشتتة، يحاول أن يصدَق ما تراهُ عيناه، تجمدَت عيناه وتجمَد ماءُ محاجره مع نظراته الضائعة في ملامح إبنه.
هل ما أراهُ حقيقة أم من فرطِ الخيال، لو كان حلمًا يالله أدعُوك أن لا أستيقظ منه، هل هذه العينان التي تقتبسني صاحبُها إبني؟ أم من الأربعين الذين يشبهُونِه؟ ولكن من يقدر على أن يشبه نظراتِه الشفافَة والحادة في الوقت نفسه؟ من يقدر أن يكون جميلاً كأبني؟ وشاعِرًا كاتبًا كإبني أيضًا؟ من يقدر أن يعشق مثل عشق إبني ويحيَا في عينيْه ميلادِي؟ لم تمُت، وأنا الذي ظننتُ انَك غادرتني، كيف صدَقت أمر موْتك وأنا حتى لم أرى جثتك وضللتُ أبحث عنها! كيف خُدعت بموْتِك وأنا لا اقدر على العيْش بهناءٍ دُونك، أتدري أنك غيَث لقلبِ والدِك، وأنا في بُعدِك ـ جفافٍ ـ، أتدرِي أن الحُب في حياتي هو أنت وفقط، أتدرِي أيضًا أنني أشتقتُك.
رفع فارس حاجبه بإستغراب من نظراتِ والده، أقترب إليه بتوجس : يبه
حزين يا أبُوك! كل فكرة بعدِك تعبرني / صدَى. و أنا تعودتِك صُوت، وكل ضحكَة في غيابِك، وهَم و أنا اللي ما تروق لي الضحكات بلا صُوت، يا نبرة الحياة فيني لو تدرِي إنه الحياة ترتبط فيك، وأن أجمل العُمر في يديك، يا فارس! يا كل موانِي الفرح في صدرِي، ما هدَ شراعي غير / مُوتِك ؟ . . . و يالله على الحياة اللي تجيبها بقُربك.
تعلقت نظرات عبدالعزيز بعينيَ عبدالمجيد، كانت نظراتُه تنطق شرًا و حِقدًا.
سحبه رائد إليه ليعانقه بشدَة وهو يحاول أن يستنشق رائحته التي غادرتُه طوال الأيام الماضية، فارس استغرب من هذا العناق الشديد وهو يشعرُ بوجَعِ والده من عينيْه، همس في إذنه : وش فيك يبه؟
رائد بمثل همسه : حسبت إني فقدتِك، حسبت إنك ضعت من إيدي!
فارس قبَله بالقرب من عينيْه وبحوارٍ هامس لا يسمعه سواهما : صارت أمور كثيرة راح أقولها لك بس بطلبك شي
رائد : تأمرني،
فارس : أتركهم! . . أتركهم لو لي خاطر عندِك يبه
رائد أبعدهُ وهو ينظر إلى عينيْه بإبتسامة منتشية بالحياة : أهم شي إنك بخير
فارس إلتفت إليهم، نظر إلى عبدالرحمن بنظرةٍ شتتها بسُرعة، بعد أن صافحه بإسم ـ مشعل ـ لا يتجرأ أن يضع عينه بعينه بإسم ـ فارس ـ
عبدالمجيد : حسابك صار معايَ! وأتوقع فارس أكبر دليل
رائد فهم قصدِه، نظر إلى إبنه، فارس : يبه لو سمحت
رائد ومازالت عيناه تُثير الشفقة من شدَة عدم تصديقها لرؤية إبنه، ينظرُ إليه وكأنه للمرة الأولى يراه
فارس برجاء : يبه . .
رائد تنهَد : علَم ربعك ما عاد يتعرضون لطرف منَي وأوعدهم ما أتعرض لهم بشي
عبدالمجيد إلتفت لسلطان هامسًا : لا تهتَم! تقدرون تروحون الحين قبل لا يصير شي يعاكسنا
سلطان بمثل الهمس : ماراح أتحرَك وأتركه
عبدالمجيد بحدَة : سلطان!!
سلطان وتذكَر كلمة من عبدالمجيد قبل عدَة سنوات " عبدالمجيد : بصفتي مسؤول أنا قادر أأمرك، أطلع يا سلطان " : هالمرَة أنت منت مسؤولي عشان تأمرني!!
عبدالمجيد أدرك أن لا فرصة لإقناع سلطان في هذا الوقت الضيَق : عبـ
قاطعه قبل أن يُكمل إسمه : ومنت مسؤولي بعد ولا تقدر تتحكم مثل ما تحكمت بأختي
عبدالمجيد بدهشة ينظرُ إليهم، سلطان إلتفت لعبدالعزيز : ممكن تحكَم عقلك هالمرَة وتتصرف صح
عبدالعزيز بنرفزة : يخي أنا مستغرب من شي واحد! عقب كل هذا لكم وجه تأمروني!!! عُمري ماراح أشوف ناس ماعندها دم وحيَا مثلكم!!
رائد إلتفت لإبنه : شفت بنفسك! هُم ما يبون يتحركون
فارس : عبدالعزيز . .
عبدالعزيز نظر إليْهم : على فِكرة فارس اللي تصنفونه من ألد أعدائكم!! هو الوحيد اللي وفى ليْ وأنتم يا ربع أبوي ما قدرتوا تحسنُون ليْ بتصرف واحد!!
فارس حاول أن يبتعد من جهة والده ليقترب منهم ولكن يدَ رائد طوَقت معصمه : خلَك هنا
بإستغراب إلتفت من خوفه الكبير من تحركه بأيَ حركة بسيطة : يبه!!!
رائد بحدة : قلت خلَك هنا
رفع عينه لعبدالعزيز مرةً أخرى وسحب ورقة من مكتب والِده، كتبت عنوان الفندق : تقدر تروح لأختك أنت وناصر . . وين ناصر؟
رائد : الحين أطلعه
عبدالعزيز بعناد يُريد ان يقهرهم به كما أحزنوه : ماني متحرَك!
،
مُرهق بالعمل لساعاتٍ طويلة، لا يرفع رأسه من على الأوراق، وفي كل لحظةٍ تمرَ ولا يسمعُ أخبارًا تجيء من باريس يشعرُ بأن الفرصة تتضاءل أمامه وتفقدُ نجاحها الذي عملوا من اجله لسنواتٍ طويلة، هذه المرَة لا حل وسط ولونٌ احادي يفصلهما! إما أبيض أو أسود وإما جنَةٍ او نار، رفع عينه لمتعب : وصل شي؟
متعب : لا! بس اللي عرفته أنه الكل مجتمع عن رائد
عبدالله : يارب أرحمنا برحمتك بس لا يصير شي يودينا في ستين داهية!!
متعب بهدوء : بديت أتفاءل! لو رائد بيسوي شي كان سوَاه من الصبح ما انتظر كل هالساعات
عبدالله : يمكن، إن شاء الله ما يصير الا كل خير . . خلَص أحمد من الأوراق؟
متعب : إيه كنت جايَ أقولك عنها، ليه ما نحقق مع أم فهد الله يرحمه؟
عبدالله : لأن مافيه فايدة من كلامها، كنت مخطط بس تجي الرياض أحقق معها لكن ما تركت فرصة وما أبي أجرجرها بطلب رسمي وإلى آخره وأنا عارف إنه لو عندها علم كان قالته لبنتها حتى!!
متعب : بس الولد طلعت سمعته بالقاع! أكيد أمه تعرف وعشان كذا تنكر وتتخبَى
عبدالله : الله يرحمه ويغفر له ماني قايل غير كِذا، المُهم أننا عرفنا سبب حادثة منصور وربَي يجيب سليمان على خير ونحاكمه
متعب : أنا قلت ممكن تعترف بشي ثاني يفيدنا أكثر،
عبدالله : مع أنه مافيه أيَ مجال للعاطفة لكن ما تنلام أمه، صدقني يا متعب لو جرَبت شعور إنه يكون لك ولد او بنت، مستعد عشانهم تتصرف بوحشية وعدوانية إتجاه الناس اللي حولك عشان تحميهم، ويمكن هي من النوع العدواني على الكل عدا عيالها!!
متعب تنهَد : يمكن، بس أنت قلتها مافيه مجال للعاطفة، وأنا مقدَر شعورها لكن هي خلتنا سنة كاملة ماندري عن هالأسباب! يعني أجرمت في حقنا بعد
عبدالله : هي ضرَتنا! ما نختلف بهالشي لكن عفى الله عنها وغفر لها
متعب إبتسم : الله يآجرك على نيتك . . تآمرني على شي قبل لا أطلع؟
عبدالله : سلامتك
متعب : الله يسلمك . . . أخرج عبدالله هاتفه ويتصَل على عبدالمجيد، أطالت الثوانِ بدقَاتِها حتى تأكد تمامًا أن عبدالمجيد أصبح عند رائد.
نظر إلى الساعة التي تُشير إلى العاشرة مساءً بتوقيت ـ الرياض ـ ، أخذ نفس عميق حتى وقف وترك كل شيء بين يديْه، عاد لطبيعة عمله والقرارت التي تأتِ مُفاجئة للجميع رُغم انها تسبقُ عملاً شاقًا وتحليلاً طويلاً، أراد أن يستشعر لذة الإنتصار بعد مشقة وعناء بإتصال من عبدالرحمن أو سلطان، لو وصلهُ خبر القبض عليهم لا يدري كيف سيصف شعوره؟ إبتسم من فكرة ـ إنتهاء شبح رائد الجوهي ـ من هذه الحياة، إنتهاء شخص أضرَ بالجميع وأضرَ نفسه وهو يُدرك أنه سينتهي يومًا ما، إما بالسجن أو الموت، يُريده حيًا حتى يُسجن وينال عقابه وجزاءه كما ينبغي ليكون عبرةً للجميع، لن يكون إنتصارًا فرديًا لو تحقق، هذا الإنتصار لو حدث سيكون فضله بعد الله لسلطان العيد و عبدالرحمن و سلطان بن بدر و مقرن و عبدالمجيد و سعد و متعب و أحمد و أصغرُ فردٍ هُنا رأى سهرهم حتى آخر ساعة من الفجر على هذا الأمن، يالله لو يجيء هذا الإنتصار خاليًا من الشوائب وأعني بالشوائب إصابة من يعنينا أمرُه، كل رجلٍ مرَ وذاق حلاوة معرفة الحقيقة رحَل، بدأها سلطان العيد وغادر، ثم أكملها مقرن وغادر والآن عبدالمجيد! و عبدالرحمن و سلطان بن بدر، أتمنى لا يغادرونا أيضًا.
خرج من المكتب ليتجه ناحية مكتبٍ مكتظ بالعاملين، وضع ورقة على الطاولة : هذا أمر مختوم بمُصادرة منزل رائد وسليمان
رفع أحمد عينه بدهشة من أمرٍ كان على رفَ الإنتظار لسنواتٍ طويلة خشيَة من القوة المتصلة ببعضها البعض، والجماعات المتكاثرة حولهم، كان لابُد من تدميرهم واحدًا تلو الواحد حتى يتم القبض عليهم بسهولة، كان لابُد من إستئصالهم من جذورهم وليس قطعهم بالقبض فقط! هذا الأمر يعني أن هُناك أخبارًا سعيدة من باريس، ولكن إلى الآن لم يصل أيَ خبر.
عبدالله : خلال ساعة وحدة أبي هالأمر نُفَذ على أكمل وجه
أحمد وقف بإبتسامة : أبشر خلال ساعة راح توصلك الأخبار الحلوة بإذن الله . . . خرج وهو يأخذ ورقة التبليغ، ليتم تنفيذها بصورةٍ فعلية وليست نظرية.
،
إبتسمت حصَة بدهشة وهي تنظرُ إلى عائشَة، وقفت : جد؟
عائشة تنظرُ للكتب التي بين يديْها : هذا ماما الجوهرة يعطي أنا، وفيه يقرآ . .
حصَة : إيوا؟
عائشة : وأنا يبي يصير مُسلم
حصَة وضعت يدها على قلبها وبإبتسامة لا تُفارقها : أحس بشعور أم العروس .. وش ذا الفرحة؟
ضحكت عائشة دون أن تفهم معنى كلماتها : شنو يسوي الحين؟
حصَة : يالله لك الحمد والشكر، قولي معي .. و لا أقولك خلَي الجوهرة تكلمك عشان تفرح بعد
عائشة وقفت بحماسَة وإبتسامتها تسكنُ ثغرها، رفعت حصَة هاتفها ومن شدَة الفرحة بدأت عيناها تدمَع بالإبتسامات الطويلة المستبشرة خيرًا.
تحرَكت الجوهرة بصعوبة من سريرها حتى تأخذ هاتفها الذي وضعته أفنان بعيدًا عنها، تمتمت وهي تسيرُ بتعبِ الحمل الذي يجعلها لا تطيق شيئًا ولا تُطيق رائحة عطرٍ في غُرفتها.
أجابت : ألو
حصَة : لا يكون صحيتك؟
الجوهرة : لا ما كنت نايمة، صاير شي؟ خوفتيني
حصَة بصوتٍ مُبتهج : مو صاير الا كل خير، عندي لك خبر حلو
الجوهرة : وشو؟
حصَة : أنتِ معطية عايشة كُتب عن الإسلام؟
الجوهرة : إيه عطيتها قبل فترة طويلة
حصَة : طيب كلميها . .
الجوهرة بعدم إستيعاب : ألو
بعد ثوانٍ قليلة أتى صوتُ عائشة الشغوف : السلام عليكُم
الجوهرة بإبتسامة : وعليكم السلام، وحشتيني والله يا عيوش
عائشة : انا بعد فيه يشتاق! أنا يقول حق ماما حصَة تو . . أنا قريت هذا كتاب كلَه
الجوهرة : إيه؟
عائشة : أنا يبغى يصير مُسلم
الجوهرة ضحكت بدهشة دُمجت بالفرح : تبغين تسلمين؟
عائشة : إيوا! والله أنا يبغى يصير مُسلم
الجوهرة بفرحة كبيرة سقطت دمعتها من فكرة أنها سبب بسيط لإسلامها : قريتي كل الكُتب اللي عطيتك إياها وعرفتي كل شي؟
عائشة : إيوا أنا يقرأ كله كتاب، شنو يقول الحين؟
الجوهرة بإبتسامة بدأ صوتها يرتجف : طيب قولي معاي . . أشهدُ
عائشة : أشهد
الجوهرة : أنَ لا إله
عائشة : أن لا إله
الجوهرة : إلا الله
عائشة : إلا الله
الجوهرة ببكاء السعادة التي تقعُ في قلبها : وأشهدُ
عائشة : وأشهدُ
الجوهرة : أن محمدًا
عائشة : أن مهمدًا
الجوهرة : رسول الله
عائشة : رسول الله
الجوهرة بصوتٍ تُقاطعه أنفاسها المضطربة بالفرح : الحمدلله . . الحمدلله . . . الحين روحي صلَي طيب، صلَي ركعة
عائشة بحماسة أنها تعلمت شيئًا : يقرآ فاتهة ؟ " فاتحة "
الجوهرة ببهجة : إيوا الفاتحة و تعرفين وش تقولين بعدها؟
عائشة : أنا يشوف صورة كيف يسلَي " يصلَي "
الجوهرة : تمام أنتِ الحين توضيتي صح؟
عائشة : إيه أنا يسوي وضوء قبل شويَا
الجوهرة : فرحتيني كثييير، مدري كيف بنام اليوم من الفرحة
عائشة : شلون ينام؟
الجوهرة ضحكت : لا ما أقصدِك! أقصد أنا لأني مررة فرحانة ماراح أقدر أنام . . فهمتي؟
عائشة : إيوا يفهم
الجوهرة : إذا أحتجتي أيَ شيء، أتصلي عليَ في أيَ وقت . . طيب؟
عائشة : طيب . . أعطت الهاتف لحصَة . . الله يجعله في ميزان حسناتك
الجوهرة : آمين، يا كثر سعادتي اليوم! أحس الأرض مو شايلتني
حصَة : ما صدَقت يوم جتني، وقلت لازم أتصل عليك وأخليك بنفسك تنطقين لها الشهادة
الجوهرة : يا بعد عُمري والله
حصَة إبتسمت : يالله ما نشغلك أكثر والوقت تأخر، تآمرين على شي يا رُوحي ؟
الجوهرة : سلامة قلبك
حصَة : الله يسلمك ، بحفظ الرحمن . . أغلقته لتخرج من غرفتها وتنزل بخطوات سريعة للأسفل جعلت صوتُ والدتها الحاد يأتِها بسُرعة : الجوهرة ووجع! تركضين وأنتِ توَك طالعة من المستشفى
الجوهرة نظرت للعائلة المجتمعة في الصالة، بإبتسامة شاسعة : الليلة من أسعد ليالي حياتي
عبدالمحسن إبتسم من أجل إبتسامتها : فرحينا معاك
أفنان بضحكة : لحظة خلينا نخمَن
والدتها : لا قولي وش تخمينه جعلك اللي مانيب قايلة . . وشو الجوهرة وقفتي قلبي؟
الجوهرة : توَ أسلمت شغالتنا في الرياض، عطيتها كتب قبل فترة لكن يومها طوَلت توقعت إنها ما أقتنعت بالإسلام أثاريها طول الوقت تقرأ فيهم
والدتها ببهجة : ياربي لك الحمد . . تعالي خلني أخمَك
الجوهرة بضحكة جلست على ركبتيها عند أقدام والدتها لتعانقها وهي جالِسة : يممه لو تدرين وش كثر فرحانة! أحس قلبي يرتجف من الفرحة
عبدالمحسن : يا عساها تشفع لك بإيمانها يوم القيامة
الجوهرة قبَلت جبين والدتها : آمين يارب . . ياليتها قدامي وأحضنها كِذا لين أقول بس! جاني شوق مفاجئ لشوفتها
عبدالمحسن : كلمتيها؟
الجوهرة بحماس : وخليتها تنطق الشهادة بعد . .
أفنان : الله يرزقنا هالفرحة بس! أغبطك جربتي فرحة إسلام شخص وجربتي ختم القرآن
الجوهرة : أنا شكلي بحسد نفسي الحين على هالفرحة، يالله لك الحمد والشكر
أفنان إبتسمت : آمين يارب . . بالله أسرقيها كم يوم وخليها تجينا
الجوهرة : ياليت والله
دخل ريَان وتبعته ريم : السلام عليكم
: وعليكم السلام والرحمة
رفع ريَان حاجبه من الضحكات التي تنتشر بالأجواء : فرحونا معكم
عبدالمحسن : شغالة سلطان أسلمت على إيد أختك
ريَان إبتسم : جد؟ . . الله يرزقك أجره
الجوهرة : آمين ويرزقك
ريم بإبتسامة : الله يديم فرحتك بس
الجوهرة : آمين . . ـ وبعفوية نسَت كل حزنٍ في حياتها ـ أحس بشعور إنها بنتي أو شي زي كذا، المهم سعادة كبيرة
أفنان ضحكت : شكل الوعي بيغيب من الفرحة!
الجوهرة بضحكة : تعرفين شعور اللي ودَك ترقصين ودَك تنقزين ودَك تركضين ودَك تفجرين طاقة الفرحة كلها
ريَان الذي لم يشاهد الجوهرة بهذه الفرحة منذُ مدةٍ طويلة، بإبتسامة : أنتظري لا ولدتي فجرَي هالطاقات الحين لازم تنتبهين للي في بطنك
الجوهرة إلتفتت عليه وأبتسمت : برقص مع ولدي أصلاً
أفنان : يخي ياليتها أسلمت من زمان دامها بتخلينا نشوفك تضحكين كِذا
والدتها : إيه والله، يا عساك دوم مبسوطة
الجوهرة أضاءت عيناها بالدمع، أردفت والدتها : قلنا نبي نشوفك مبسوطة مو تبكين
الجوهرة إبتسمت : والله مبسوطة
ريم : على هالفرحة بودَي لشغالتنا في الرياض كُتب عن الإسلام خلنا نجرَب شعورك
الجوهرة : أصلاً الدعوة إلى الإسلام واجبة، مايجوز إنه الخدم يرجعون لبلادهم وأنتم ما بلغتوا عن الإسلام بشي! بكرا الحجة بتكون عليك يوم القيامة
ريم أخذت نفس عميق : لا إن شاء الله خوفتيني، بكرا أكلم أمي تعطيهم كُتب . .
أفنان : أنخرشتي يا بنت عبدالله؟
ريم بضحكة : تحسبيني بجلس أطالعك! عاد كل شيء الا واجبات الدين مافيها إستهتار،
أفنان : عاد والله قبل كم سنة سوينا حملة بالجامعة، مدري العيب فيها ولا فيهم محد أسلم منها . . مع إنه الأسلوب كان لطيف
ريَان : أنتِ مو مكلوفة تخلينهم يؤمنون، أنتِ مطلوب منك إنك تبلغين الإسلام بحسب قُدرتك وصلاحياتِك يعني ماهو واجب عليك تروحين وتسافرين وتنشرين الإسلام لكن واجب عليك بمُحيطك إذا وُجد
أفنان : شكرًا على النغزة المبطنة، تطمَن ما عاد بسافر بدونكم
ريان بضحكَة صاخبة : والله ما كنت أقصدك بس أنتِ ينطبق عليك يحسبون كل صيحة عليهم
عبدالمحسن بإبتسامة : بالله؟ كأننا ما نعرف أسلوبك
أفنان : شفت حتى أبوي كشفك! واضحة أساليبك
ريَان إبتسم : أستغفر الله، والله ما كنت قاصدك كنت أقصد المضمون أنه واجبات الإسلام حسب القُدرة والشخص نفسه يعني أكيد واجبات الرجَال غير البنت
أم ريان : يا زين هاللمَة
أفنان : يمه أنتِ اليوم تحسسينا إننا عايلة ما نشوف بعض الا بالسنة مرَة،
أم ريان ضربتها على كتفها : إيه والله كلكم في غرفكم لا تطلعون ولا نشوفكم!! هذا وإحنا في بيت واحد
أفنان قبَلت كتفُ والدتها الذي يجاورها : نومي متلخبط ولا كان جلست عندك العصر
عبدالمحسن : الجوهرة تعشيتي؟
الجوهرة : مآكلة المغرب ونفسي منسدَة، . . وقفت . . بروح أنام
الجوهرة مشت بخُطى لا تتحكم بسُرعتها، والدتها : أمشي بشويش مو كِذا
الجوهرة بضحكة تسيرُ على أطراف أصابعها : كِذا يعني؟
والدتها : يا ملكَعة
الجوهرة إلتفتت عليها : امزح طيب . . تصبحون على خير
: وأنتِ من أهل الخير
صعدت للأعلى وهي تشعرُ بنشوة الفرح في قلبها، دخلت الحمام لتتوضأ، صلَت ركعة شُكر لله على هذه الفرحة التي تأتِها دون سابق إنذار.
لا أحد سيفهم معنى الفرح إن جاء من شخصٍ ليس بالقريب، يكون فرحًا شاهِقًا لا يُثبَط علوِه أحدًا غير الذي أوجده، لم أفرح كهذه الفرحة منذُ مدَة طويلة حتى شعرت أنني فعلاً انسى طعم الفرح ولكن أيضًا لا قُدرةً تُضاهي قوة الله ولا كرمًا يُضاهيه عندما يُرزق عبده، ممتنة لك يالله على هذه الليلة وعلى هذا العُمر بأكمله، مُمتنة للدين الذي يخلقُ من أبسط الأشياء، سعادة. ممتنـة للحياة التي بقدر ما تُحزني بأسبابٍ عديدة إلا أنها تُفرحني بسببٍ واحد، يالله! " وش كثر السعادة جميلة! "
في جهةٍ اخرى كانت تتحدَث مع إبنتها : و اليوم أسلمت
العنود ببرود : طيب الحمدلله . .
حصَة : الشرهة بس على اللي يكلمك ومبسوط
العنود : وش أقول يمه بعد، يعني ما تعني لي شي عشان أفرح لها . .
حصَة : المهم قولي لي وش أخبارك؟
العنود : بخير الحمدلله
حصَة : وماجد؟
العنود بحماس : عال العال، بيجيه نقل إن شاء الله لفرع الوكالة بلندن، متحمسة كثير أعيش هناك وأستقَر بعد، ماعرفت أتكيَف هنا أبد، على الأقل هناك عندي صداقات
حصَة : الله يسهَل عليكم، ولو أنه ودَي تتكرمين علينا وتجينا الرياض
العنود : والله يمه مشتاقة لك بس هرمون الكره للرياض مرتفع عندي!
حصَة بسخرية : مررة مرتفع ماشاء الله بس لو حفلة لصديقة من صديقاتك نطَيتي!!
العنُود : ولا تزعلين بقول لماجد يحجز لنا على الأسبوع الجايَ
حصَة : وش أبي في زيارة مو جاية من طيب خاطر؟
العنُود بضيق : يعني يمه وش أسوي؟ أقولك ماني طايقة الرياض وجيَتها ما يرضيك أقولك بجيك ومايرضيك بعد!!
حصَة : الله يصلحك بس،
العنود : آمين ويصلحنا كلنا . .
حصَة : طيب ماودَك تصيرين أم وتفرحيني؟ ودَي يجيني منك خبر يثلج الصدر
العنود بإندفاع : لا بسم الله عليَ
حصة بإستغراب : وش بسم الله عليك! هذولي نعمة من ربي وزينة حياتِك
العنود : معليش يمه بس أنا في الوقت الحالي ماني فاضية ولا أنا مستعدة لفكرة الأم والقرف ذا!
حصة : يارب لا تسخط علينا! أنتِ تتكلمين بوعيْك؟
العنود : أصلاً ماجد بعد ما ودَه، إحنا الإثنين ما يصلح نجيب عيال على الأقل في الثلاث سنوات الجاية بعدها إن ربي كتب ندرس مشروع العيال
حصة : تدرسون؟ . . خلف الله عليكم بس
العنُود : يمه لازم تحطين في بالك إني ماراح أجيب عيال بس عشان أجيب وبكرا الله يبلاني فيهم، أنا لا بغيت أجيب عيال أبي أجيبهم وأربيهم تربية سنعة وأدرَسهم صح، وبعدين يمكن أنا وماجد نتطلق! يعني لازم بعد أنا وياه نكون على وفاق
حصة : كل هالفترة وأنتِ منتِ معه على وفاق؟
العنود : إلا بس يعني مدري وش بيصير بعدين! ما أبي أحمل وبعدها الطفل يتشتت
حصَة : هذا الكلام ليْ ؟
العنود : لا طبعًا حاشاك، أنا بس أقصد فكرة تربية الطفل صعبة ومحتاجة دراسة قبلها عشان نقررها أنا وماجد
حصَة تنهدت : أنا أقول تصبحين على خير قبل لا يرتفع ضغطي
،
وضعت عبدالله الصغير في سريره الناعم، إلتفتت عليه : ليه ما تروحون الصبح؟ مو زين سفر الليل!
منصور : عشان نوصل الصبح ونلقاهم، لأن بعد مو معقولة نطق بابهم بليل ونقول نبي نشوف بنتكم!!
نجلاء : طيب براحِتك،
منصور إبتسم : يا زينك وأنتِ عاقلة
نجلاء رفعت حاجبها : ليه وش كنت طول الفترة اللي فاتت ؟
منصور : أبد هادية وما تتهاوشين مع مرت يوسف ولا تقولين لها شي
نجلاء : تتطنَز؟ لعلمك إلى الآن ما أطيقها بس متقبلتها بصدر رحب عشانِك أولاً وعشان يوسف
منصور : البنت ما تستاهل كل هالكره منك! لو كنتِ مكانها كان ذبحتينا! يعني فقدت أخوها وأمها ما وقفت بصفَها وش تبينها تتصرف معك؟ أكيد بتكون عدوانية!!
نجلاء : إيوا كمَل دفاع عنها وكأنها هي صاحبة الحق في الموضوع!!
منصور : أنا أدافع عن الحق، هي فعلاً ما تستاهل كل هذا
نجلاء : إذا رحت هناك خلَ بينكم ثالث
منصور تنهَد : شكرًا على ثقتك الكبيرة فيني
نجلاء : شفت زعلت من كلمة وأنت تقولي معلَقات وتبيني أقول ماشاء الله على حبيبي اللي يدافع عن الحق
منصور : نجلا يا روحي أفهمي! هذي زوجة أخوي اللي ما قصَر معي بشي ويوم أستفزعته فزع ليْ! وش تبيني أسوي؟ أشوفه مقهور وأسكت! طبيعي بروح لها وبفهمها
نجلاء : ويوسف يستاهل من يفزع له ما قلت شي، بس تقهرني لما تحكي عنها يخي لا تدافع وأنت ما شفتها ولا سمعت كلامها معنا
منصور : قلت لك البنت مقهورة طبيعي بتتكلم معكم كِذا! أجل تبينها تآخذكم بالأحضان؟
نجلاء أخذت نفس عميق : طيب طيب . . خلاص سكَر الموضوع ولا تتأخر على علي . . رفعت الفراش ودخلت به لتُغطي جسدها، نظرت إليه مازال واقفًا يتأملها : ماتضايقت تطمَن.
منصور إبتسم ليجلس على السرير، أنحنى بظهره ليُقبَل خدَها : تصبحين على خير
نجلاء إبتسمت رُغمًا عنها : وأنت من أهله ، أتصل علي بس توصل
منصور : إن شاء الله . . وقف وأخذ هاتفِه : فمان الله
خرج ليلقى يوسف بوجهِه، عقد حاجبيْه : وين رايح بهالليل؟
منصور بتوتر : آآ . . مشوار
يوسف : مشوار؟ الحين؟
منصور : بتحقق معي؟
يوسف تنهَد بتعب : حقَك علينا . . صعد الدرج ليتجه ناحية غُرفته، دخل وهو يضع قدمه اليمنى خلف اليسرى وينزع حذاءه ويُكرر الحركة مع قدمِه اليمنى، رمى نفسه على السرير بإرهاقٍ واضح دون أن يغيَر ملابسه، نامت عيناه لثوانٍ حتى اهتز هاتفه بجيبه، أخرجه دون أن يفتح عينه، أنزلق الهاتف منه بحركة يده التي دفعته ليصل لقدمه وببطء شديد كان يسحبُه بساقِه دون أن يُكلف نفسه بأن يجلس ويأخذه بيدِه، بعد دقيقتيْن وصل الهاتفُ إلى أصابعه، نظر إلى المكالمة الفائتة ـ علي ـ، دخل ـ الواتس آب ـ وكتب له " وش تبي ؟ صوتي ماله خلق يرَد "
علي " كنت بسألك عن منصور بس خلاص أذلف "
يوسف " وش مشواركم ؟ "
علي " مشوار خاص "
يوسف " مالي خلق أضحك والله "
علي " أصلاً أنت لك خلق لشي؟ "
يوسف " أقول علمني بس ماني نايم لين أعرف وش عندكم ؟ "
علي " هههههههههههههههه أذبح نفسك من الفضول "
يوسف " أخلص عليَ يا حيوان "
علي " تأدب معي وقول لو سمحت يا علي ممكن تعلمني وبعدها أفكر "
يوسف " يا حيوان ممكن تعلمنن ؟ "
علي " ذبحتك الحايلية حتى كلامك تغيَر! "
يوسف بقي لثوانٍ " متنَح " حتى أستوعب كلمته، إبتسم " شايف؟ بس لعلمك تراها ما تحكي حايلي . . يالله خذ وجهك معك "
علي " طيب يا ولد عبدالله "
يوسف أغلق هاتفه ووضعه جانبًا، نظر إلى الباب الذي يُفتح، إبتسم لوالدته : هلا يمَه
والدته : جيت أتطمن عليك، اكلت شي؟
يوسف : والله يا يمه ماني مشتهي شي، بنام عشان بكرا أصحى بدري و أوَدي أهل فيصل للمستشفى
والدته : شوف عيونك كيف ذبلانة؟ من قلة الأكل والنوم، قوم أكل لِك شي
يوسف برجاء : تكفين يمه خليني أنام والله ماني مشتهي! لو أشتهيت تعرفين ولدِك يهجم على الأكل
والدته أقتربت منه : حتى تعيجزت تغيَر ملابسِك؟
يوسف بإبتسامة : لأني ميَت أبي النوم
والدته ترفع الفراش لتُغطيه : نوم العوافي يا قلبي . . .
،
تكتفت وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها ولظلَ سارة فقط : أكيد رجعوا للرياض! وما كلَف عُمره يقولي تراني رايح!! الله يلعنه هو وياها
سارة إلتفتت بحدَة : أثييير! قولي أيَ كلمة معفنة بس لا تلعنين
أثير : أستغفر الله، يا عسى حوبتي ما تتعدَاها!! بموت من القهر ماراح أرتاح لين أشوفها!
سارة عقدت حاجبيْها : يمكن ما راحوا! يعني يمكن رجعت لأبوها وجلس معاها بفندق أو بأي مكان ثاني
أثير : متهاوش مع أبوها مستحيل يرضى يجلس عنده! أكيد رجع الرياض . . الله يقهرها مثل ما قهرتني
سَارة : أمشي نطلع وأوصلَك البيت
أثير ضربت بقدمها الأرض : يارب أرحمني بس . . .
في جهةٍ أخرى مازالت نائمة على السرير والسكينة تنتشرُ من حولها، يدخلُ عليها بين حينٍ وآخر ممرض يطمئن عليها ويخرج دون أن يصدر ضجيجًا يوقضها، ومازالت الأجهزة تتصلُ بيدِها وملامحها السمراء الناعمة يُغطيها الجهاز الذي يبعثُ الأكسجين بأسلاكِه. المنوَم كان أثرهُ قويًا لدرجة أنها بقيت نائمة إلى الآن منذُ الصباح.
وعلى بُعد مسافاتٍ طويلة، وتحت سقفٍ مختلف يضمُ ألوانًا من المتفجرات الغازيـة، وقف رائد وأنسحب من الغرفة مع إبنه وهو يُغلقها جيدًا و رجالِه الإثنين في الداخل يُراقبان الوضع عن كُثب، لفظ قبل خروجه : موعدنا الصبح راح أوقَع عقدي مع آسلي، وما راح تتدخلون بأيَ بضاعة مُشتركة بيننا. وهذا اللي أتفقنا عليه
عبدالرحمن إلتفت لعبدالمجيد : وش صار لها؟
عبدالمجيد : تطمَن هي بخير، تعرف أفلام رائد إصابتها مو كبيرة لكنه يبالغ عشان يستفزك
رفع عبدالعزيز عينه إليهما، ليقف ويتجه ناحية النافذة، أعطاهم ظهره وأدخل كفه المجروحة من الزجاج في جيب بنطاله وعيناه تتأمل سماء باريس المُضيئة بالنجوم.
سلطان أنحنى بظهره وهو يطوَق رأسه بكلتا يديْه، هجم عليه الصُداع ولم يُبقي به خليةً صالحةً للتفكير.
عبدالمجيد : سلطان . .
سلطان : مستحيل يصير فينا كل هذا! كيف نسمح له؟
عبدالرحمن : ماعاد بإيدنا حيلة!!
سلطان : إلا، لازم نتصرف ونوقَف هالفوضى!! هو عرف كيف يلوي ذراعنا لكن إحنا قادرين نلوي له ذراعه بعد!! ليتك ما جبت فارس! لو هددناه فيه مثل ما يستعمل أسلوبه الوصخ معنا!! كان ممكن نحلَ هالموضوع
عبدالمجيد : قلت لك لا تهتَم
سلطان بغضب صرخ : لا تقولي لا تهتَم، هذا شغلي اللي مكلَف فيه ماني جالس ألعب
عبدالرحمن بحدة : صوتِك!! . . لا يعلى
سلطان وقف وهو يتنهد : أستغفر الله بس!!!
إلتفت عبدالعزيز عليهم بنظرةٍ لا تدلُ على معنى ثابت إلا أنها تحملُ كرهًا شديدًا، عاد بأنظاره للنافِذة دون أن يشاركهم الحديث بكلمة.
عبدالرحمن نظر إليه وهذه الفرصة الوحيدة التي يستطيع أن يشرح له دون تدخل رائد بالمنتصف، وقف وأقترب إليه : عبدالعزيز . .
عبدالعزيز لا يُجيبه بشيء، أردف : أسمعني للآخر وبعدها أحكم على كيفك . . والله إني شايل همَك فوق همَي
ولا يُبادله بغير الصمت، واصل بحديثه : أنت تعرف نية رائد وتدري وش مقصده بكل هذا! يبي يشتتا ويضعفنا بضعف ثقتنا في بعض، حتى أستخدم سليمان اللي ضدَه معاه! كل هذا عشان يزعزعنا، ما كان عندنا علم بتفاصيل الحادث، عرفناها مثل أيَ شخص وقلت لك كثير إننا ما ندري، ولمَا عرفنا ما قدرنا نقولِك، أنت متخيَل إنه لو عرفت بموضوع إختك بعد الحادث، راح تجذب العيون كلها لِك وبهالوقت أبوك ماهو فيه عشان يحميكم ويشرح لكم! كان واجبنا إننا نبعدك عن هالأشياء ونحاول نوصل لوقت مناسب نشرح لك فيه كل شي، أنت فكَر لو عرفت وأنت بوسط معمعتك مع رائد و إنتحالك لصالح؟ وش كان بيصير؟ أنت عشان كلمة بسيطة مننَا رحت عند رائد وقلت له إنك زوج بنتي! أفهم يا عبدالعزيز إنك إنسان عصبي لو كنت إنسان هادي كان ممكن أشياء كثيرة تغيَرت، لكن كنَا ندري إننا ما وصلنا للحُب في قلبك عشان تتقبَل موضوع إخفاءنا لخبر أختك، كنا ندري إنك بتثور في وجهنا وتتصرف بأشياء الله أعلم وش كانت بتكون!! كل الظروف في ذيك الفترة خلتنا نقول معليش بنأجل هالخبر لفترة ثانية يكون عبدالعزيز جاهز لها، ما حاولنا نضرَك بشي! ولا خططنا للحظة إننا نضرَك! حتى في البداية يوم قلت لك إبعد عن أيَ علاقة وصداقة كان قصدي ما أوجعك! ماكنت أبيك تضيق وتحزن على أحد، كنت أبيك تشغل نفسك وتشغل يومك كله من صبحه لين ليله بالشغل، والله كنت أبيك مكان أبُوك الله يرحمه وكنت عارف إنه ثقتي بقدرتك على الشغل في محلها، ساعدتنا بأشياء كثيرة، لا تجي بالنهاية تبعثر كل شي . . لا تسامحنا لكن لا توقف ضدَنا! لا تشمَت أحد فينا!!
عبدالعزيز : خلصت؟
عبدالرحمن : أقسم لك بالعلي العظيم اللي خلق فيني هالروح وأنطق لساني إني أخاف عليك وكأنك ولدِي وإنه سلطان نفسه يغليك من غلا أبوك ولا حاول ولا حتى فكَر إنه يضرَك بشي بالعكس حتى حدَته معك كان يحاول فيها إنه يكسبك ويمحي كل الحواجز اللي بينكم! ولا واحد فينا حاول يضرَك أو يسيء لك . . أحلف لك بالله يا عبدالعزيز، و من حلف لكم بالله فصدقوه . .
عبدالعزيز إلتفت عليه بكامل جسدِه : أعرف شي واحد بهالحياة، إنه الجزاء من جنس العمل، اللي صار فيكم هالفترة أثق إنه جزاءكم وهذا أقل من اللي تستحقونه فعلاً
عبدالرحمن : عبدالعزيز اللي تسويه يكسرك قبل ما يكسرنا!!
عبدالعزيز : ما بقى فيني ضلع ما كسرتوه! وش باقي عشان أكسره؟
عبدالرحمن : حط عقلك في راسك وفكَر بمنطقية ليه سوينا كِذا؟ وبتعرف إنه كل شي وكل تصرف سويناه كان عشانِك وكل خطأ صار ماكانت بدايته منَا، لكن أشتركنا فيه لمَا عرفناه لكن بعد مو بإيدنا! أحيانًا نتصرف بأشياء خارج إرادتنا ورغبتنا، أبدًا ماكانت رغبتنا إننا نبعدها عنَك، لمَا جيت باريس كنت أقول لمقرن أشياء ماني مقتنع فيها لكن ماكنت أقدر أقوله الله يرحمه غير إني أشوفك مناسب وإنك أنسب شخص ممكن يخدمنا وإنه ما وراك احد! لكن هذا ما يعني إني بغيت مضرَتك وإنه حياتك ما تهمني، بعدها عرفت بموضوع غادة وماكان بإيدنا حلَ ثاني! ماكنا ندرِي عن سليمان وكنَا نتوقع إنه قوة رائد متشعبة وإنه في كل جهة راح يواجهنا هالرائد!! كان لازم نبعد إختك عشان ما يضرَها أحد، صحيح اعتمدنا على مقرن في هالموضوع لكن ما كنَا ندري بعد إنه مقرن مجبور وخاضع لتهديد من طرفهم! . .
عبدالمجيد وقف : أبوك يا عبدالعزيز ما تقاعد كِذا بدون سبب منطقي! تقاعد عشان يبعد الأنظار عنه ويشتغل براحته لكن مع ذلك قدر يتسرب خبر معرفته بأدلة قوية وشغله فيها لرائد اللي ظلَ يهددها فترة طويلة حتى يوم الحادث اللي دخل فيه سليمان على الخط، كل التفاصيل عن الحادث عرفتها لكن أعرف شي واحد، إنه أبوك الله يرحمه بعد تقاعده أشتغل و سلَمني كل شي، كنت معاه لحظة بلحظة وإحنا نكتشف أمر سليمان ونحاول نحاصره، لكن ما كمَل أبوك وأخذ الله أمانته، وكمَلت اللي بداه مع مقرن وكنت عارف إننا نرتكب أخطاء كثيرة بحقَك يا عبدالعزيز وبحق حتى سلطان وبوسعود، لكن كنَا مجبورين عشان نكمل بحثنا ونتصرف معهم، سليمان اللي أكتشفناه أنا وأبوك قبل أكثر من سنة، قبل كَم يوم عرفوه بوسعود وسلطان! يعني حتى خبر يهم شغلهم ويحدد مصيرهم توَهم يعرفونه!! يعني فيه أشياء ما نقدر نقولها ماهو رغبة منَا لكن غصبًا عنَا، ولو أبوك عايش كان بيقولك نفس الكلام! بيقولك إننا أحيانًا نضطر نخبي جُزء من الحقيقة عشان ننجح بشغلنا! فيه أشياء كثيرة شافوها سلطان و عبدالرحمن وأنخدعوا فيها مننَا لأن كانت المصلحة وقتها إنهم ما يعرفون! وأنت بعد المصلحة وقتها كانت تقولنا إنه ماهو لازم تعرف الحين! و كنَا بنقولك بوقت مناسب، لكن سليمان أستغل الفرصة وطلَعنا بعيونك ناس حقيرة ما تفكَر فيك والحين رائد بعد كمَلها . .
سلطان من مسافةٍ طويلة بعيدًا عنهم : أكرهنا ماراح نجبرك تحبنا، ولا راح نجبرك تسامحنا، نبيك بس تفكر بأسبابنا وتفهمنا
عبدالعزيز نظر إلى سلطان، أكمل بنبرةٍ صادقة : ماهو بإيدنا، ماهو كل شي نبيه يتحقق لنا عشان سُلطتنا، لا يا عِز! أحيانًا تتحقق أشياء كثيرة رافضينها لكن مضطرين نتعامل معها وتعاملنا معها ماهو يعني موافقتنا عليها ونفس هالشي ينطبق على غادة
عبدالعزيز : لمَا ماتوا أهلك كم ضلَيت ما تعرف بالموضوع؟ . . يوم . . يومين . . ثلاث . . أسبوع؟
سلطان : شهر ونص
عبدالعزيز : وأنا أكثر من سنة يا سلطان، حرقتوني! وتقولون معليش ماهو بإيدنا، تذبحوني وتقولون بعد معليش ما قصدنا نآخذ من عُمرك حياته، وأنا معليش بعد! لا تطلبون مني فوق طاقتي! لا تحاولون تقهروني اكثر بأسبابكم اللي ما تشفع لكم!!
سلطان : وهالأسباب اللي ما تشفع لنا تخلَيك ترفع سلاحك على واحد فينا؟
عبدالعزيز : أسألك بالله لو أنت مكاني كان تقبَلت الموضوع بصدر رحب؟ أنا لو بإيدي الحين أنهيكم من على هالأرض
سلطان : ماراح أتقبَل لكن ماراح أوقف ضدهم
عبدالعزيز : همشتَوني بما فيه الكفاية
سلطان بغضب والضيقُ يغزو محاجره : لا صار على كتفك أمن وأمان شخص واحد بتعرف شعورنا الحين فما بالك بأرض وخَلق!! لا عرفت قيمة إنك ما تقدر تنام من التفكير بتفهم ليه سوينا كِذا؟ بتعرف إننا أحيانًا نمشي ونكمَل وإحنا مقتولين من الداخل!! تحسب أبوك مايعني لي شي؟ أبوك كان كل حياتي، لو أقولك ربَاني ما كذبت! وأنا رجَال طول بعرض أعاد كل أفكاري وربَاني عمليًا، بعد الله هو صاحب الفضل باللي وصلت له الآن، وتحسبنا جدران مالنا إحساس؟ بعد وفاة أهلك كنا أكثر ناس منهارين من داخلنا! وأنا فقدت أبويْ! أبوي اللي ما حمَل دمَي لكن حملت قلبه معي وين ما رحت!! لو كان لي القدرة بأني أعرف أنه كل هذا راح يصير كان حبسته بعيُوني وما خليته يروح مكان! لو كنت أدري بموضوع سليمان كان حاولت أوقفه حتى لو على حساب منصبي!! مو وحدِك اللي واجهت الموت والفقد يا عبدالعزيز! كلنا فقدنا ناس نحبَها وكلنا جرَبنا الموت، أنا أسوأ شخص ممكن تقابله في الحياة العاديَة وأتمنى إني ماني سيء كثير بالحياة العملية! وش تبي؟ وش تطلب؟ تبينا نعتذر؟ أنا أقولها لِك قدامهم الحين أنا آسف، أنا آسف يا ولد أبُويْ! تبينا نبرر لك؟ بررنا لِك؟ وش تبي منَا بالضبط؟ تبينا نبعد عنك ولا عاد تشوفنا؟ أبشر، كمَل حياتك بالمكان اللي تبيه، ماعاد راح نتدخل فيك ولا راح نجبرك تشتغل أو حتى تجي الرياض، بس نبي منك شي واحد! لا تضيَقها في وجهنا! ماندري إحنا نحيا بكرا ولا نموت، لا تضيَقها علينا وأنت تدري إنه نيتنا إتجاهك سليمة من كل هذا.
عبدالعزيز وهذه النبرة الصادِقة تًضعفه و " آسف يا ولد أبُوي " مُتعبة بإتكاءها على قلبِه الهزيل.
للمرةِ الثانية يعتذرُ ليْ! وأنا الذي سمعتُ من الجميع أن ـ آسف ـ لا يعترفُ بها سلطان ولا تخرجُ من شفتيْه، ماذا يعني أن يقولها ليْ؟ ماذا يعني أن يخصَني بها؟ أُريد أن أصدَقك ولكن كل شيء بما فيهم قلبي يُقيم حاجزًا بيني وبينكم، أشعرُ بمرارةٍ أكبر من كل شيء، وأشعرُ أن الدمع يحتبسُ بقلبي ويملئه حُزنًا في هذه الليلة، أشعرُ بأنني أحتاجُ بشدَة لأبي، محتاج أن أضع رأسي في حُجره وأشرح له حُزني، ـ يُبه ـ أشتقت أن أقولها! يا مآساتي الكبيرة و يا حُزني! مهما قُلت أعتدتُ الفُقد تصفعني الحاجَة، الحاجة لكلماتهم الخافتة و سكينة حضورهم، لو أنني ظفرتُ بدقائق أخيرة مع أبي قبل أن يرحَل، قبل أن يُغادرني ويتركني على غصنٍ جاف، يُحييه بكاءي في كل مرَة، أشتقتُك هذا كل ما في الآمر.
↚
تَعيشُ أنْتَ وَتَبقَى
أنَا الذي مُتُّ حَقّاً
حاشاكَ يا نورَ عيني
تَلْقَى الذي أنَا ألْقَى
قد كانَ ما كانَ مني
واللهُ خيرٌ وأبقى
ولم أجدْ بينَ موتي
وبينَ هجركَ فرقا
يا أنعمَ الناسِ بالاً
إلى متى فيكَ أشقى
سَمِعْتُ عَنكَ حَديثاً
يا رَبِّ لا كانَ صِدْقَا
حاشاكَ تنقضُ عهدي
وعروتي فيكَ وثقى
وما عَهِدْتُكَ إلاّ
من أكرَمِ النّاسِ خُلْقَا
يا ألْفَ مَوْلايَ مَهْلاً
يا ألْفَ مَوْلايَ رِفْقَا
لكَ الحياة ُ فإني
أمُوتُ لا شَكّ عِشْقَا
لم يبقَ مني إلاّ
بَقِيّة ٌ لَيسَ تَبْقَى
ـ بهاء الدين زهير.
،
شحَب لونُها من الأرق والبُكاء، إلتفتت لتنظر إلى غادة الغارقة بالتفكير، أخذت نفس عميق لتقف وتجلسُ بمقابلها : ليه ما نمتي؟
غادة : مافيني نوم
ضيَ : سمعتي عبير بنفسك، قالت أنهم بخير الحمدلله بس هالمرَة شكله شغلهم مطوَل،
غادة بعينٍ تدمَع وبكلمةٍ مكسورة تعبرُ صوتها بعكازة البحَة : بتطمَن بشوفتهم، مشتهية أفرح، كل مافرحت صارت مصيبة لين بديت أخاف حتى من إحساسي بالسعادة، ودَي بس لو مرَة تتم اموري بدون لا يطلع لنا همَ جديد
ضيَ وضعت كفَها فوق كفَ غادة الدافئـة كعينيْها بهذه اللحظة، سُبحان من خلق هذه العينيْن ودقَتها، وأقتبسَها من عينيَ عبدالعزيز بذاتِ الدقَة، إن عيناهُم ـ قتَالة ـ بالوَجع، وأنا أشعرُ برعشة حزنهم، أن تقف بالمنتصف دون أن يجاورِك أحد، لا أُم تُخفف وطأة الحياة على قلبِك ولا أبَ يقرأ على رأسِك ـ آيات السكينة ـ كلمَا تزعزع أمنك، الوِحدة أن تكون الشمسُ فوقنا تحرقُ أجسادنَـا وتُبقي الروح بارِدة / مرتجفة. من يُدثَر الروح؟ لا شيء كقُرب الحبيب، أشعرُ بِك يا غادة وبهذا الحُزن المصطَف في رمشِك.
غادة بصوتٍ مخنوق : يا رب رحمتِك
ضيَ بإبتسامَة ناعمة مسحت دمعُ غادَة بأطرافِ كفَها : نامِي وارتاحي، وإن شاء الله الصباح يجينا خبر حلُو، أدري إنك تحسين بالوحدة هنا لكن كلنا جمبك، وعبدالعزيز يهمَنا والله
غادة بلعت ريقها بصعُوبة ومحاجرها تكتظَ بالدمع : بحاول أنام . .
ضيَ نظرت لعبير التي نامت أخيرًا وشعرُها المبعثر يُغطي نصف ملامحها، اقتربت منها لتُغطيها جيدًا بالفراش، وضعت يدها على بطنها، تجمدَت خُطاها اول ما شعرت بإهتزازته وحركته الخافتة في رِحمها، قفزت الإبتسامة إلى شفتيْها ودمعة رقيقة تعبرُ خدَها الأيمن.
هذه الأمومة تأتيني بفرح أكثرُ مما أستحق، لا أدري كيف أجازي هذه السعادة بشُكرٍ يليق بالله! أنا ممتنة حتى للأيام السينة التي جعلتني أشعرُ بحركة أبني، ممتنـة للحياة الناعمة التي تجيئني كلما تذكَرت أنني / أحملُ طفلاً في أحشائي، لو انَك معي يا عبدالرحمن الآن؟ لو أنَك تشعرُ بزوجتك وحبيبتك و إبنتك أيضًا! لو أرى عيناك وهي تبتسمُ لحركاتِه في بطني، ليتني أراها الآن وأشرحُ لك مقدار الحزن في بُعدِك ومقدار موْتِي في غيابك، يالله يا عبدالرحمن! تمكَنت من قلبي حدُ اللا حد.
،
في الصبَاحِ الباكر، على بُعدِ بُضع كيلومترات من حائل، إلتفت لمنصور : نريَح شوي ولا جاء الظهر رحنا لهم
منصور : إيه شف لك أيَ فندق على الطريق ننام كَم ساعة
علي وضع يده على فمه وهو يتثاءب : جاني النوم، تعال سوق بدالي لين نلقى لنا فندق
منصور : لا تكفى واللي يرحم والدِيك ميَت أبي النوم
علي : الله لا يبارك في العدُو، كله بيوت ماهنا فندق!!
منصور : إذا مالقيت شف لك أيَ ظلال وأوقف عندها، ننام بالسيارة لأن طاقتي طفَت
علي : شف الجو غيم! شكلها بتمطر . . الله يرزق الرياض المسكينة
منصور : قبل كم يوم مطرت الرياض
علي : قصدِك رشَ!! ووقف بعدها . .
منصور تنهَد : يالله عاد الحين نستلم تحليل مناخ السعودية منك وبنجلس طول الصبح كِذا
علي إبتسم : والله ناقصنا يوسف كان حلَلك المناخ صح . . . . لحظة لحظة . . فتح شُباك منصور ليقف عند إحدى الرجال : السلام عليكم أخوي
: وعليكم السلام
علي : وين نلقى فندق قريب؟
: خلَك سيدا لين يلفَ فيك الشارع يمين ثم بتَل سيدا بتلقى دوَار لفَ من عنده يسار وبيوضح لك فندق بنهاية الشارع
علي : مشكور ما تقصر . . .
في الرياض بمثل هذا الوقت كان يوسف جالس بسيارته ينتظرهم وعيناه المُتعبة تُغطيها النظارة الشمسية، ومع طُولِ إنتظاره بدأت أفكاره تنشغل بلسعِ قلبه. هيَ لم ترى فيني إلا زوجًا مؤقتا من السهل عليها أن تنفصِل عنه، وأنا لم أرى بها إلا حياةً من الصعب عليَ أن أدفنُها، وإذا دفنتُ أرضها كيف أهدمُ سماءها؟ كيف أتجاهل آثارُها الباقيَة في قلبي؟ وكيف ألمَ الحُطام الذي خلفتهُ وأنساها؟ تُمارسين يا مُهرة معي أشدُ انواع العذاب، لا أدرِي كيف استطعتِ أن تحملين ذنب غيرِك من أجل الدفاع عن أفكار والدتِك وأنا؟ من يُدافع عن قلبي؟ أنا الذي رضيتُك قناعتي بهذه الدُنيـا، وأنتِ البسيطة الناعِمة التي كان النُور يقفُ بعينيْها كلمَا حاوْلنا أن نُعتمك، ولكنكِ الآن ترتضين بهذه العُتمة؟ وأنا الذي عهدتُكِ قويَة تقمعُ الظلام بيديْها؟ أين العهدُ؟ وأين ميثاقه؟
دخلت أم فيصل : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ريف بشقاوة قفزت لتجلس بين الكرسيْيَن الأماميَان وتنظرُ ليوسف، إبتسم لها وهو يقبَلها ويستنشق رائحتها الجميلة : كيف ريف ؟
ريف تُقلد نبرة الكبار : الحمدلله
أم فيصل بهدوء : ريف . .
يوسف : خليها عندي . . شلونك يا أم فيصل ؟
أم فيصل : بخير الحمدلله
ركبت هيفاء . . السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . . أجلس ريف بجانب هيفاء في الأمام : لا تتحركين
ريف التي تحتضن عروستها الصغيرة: طيَب
حرك سيارته مُتجهًا إلى المستشفى، وبظرفِ زمنٍ قصير ركنها في الأماكن المخصصة. نزَل ويدِه تُمسك بيَدِ ريف ومن خلفِه هيفاء و أم فيصل، صعدَا للطابق الذي يحتوي على جناحه.
صادفه الدكتور الذي أصبح صديق يوسف من أحاديثهم المكررة : يوسف ..
إلتفت عليه : صباح الخير
الدكتور : صباح النور . . عندي لك خبر حلُو
يوسف : بشَر
الدكتور : فيصل فتح عيونه وصحى، حتى تكلم معانا . . توَنا خلصنا من فحصه وتأكدنا من وعيْه التام بكل الأمور اللي حوله . .
أبتهلت عينُ والدتِه المتلهفة له، يا رحمة الله التي لا تتركنا أبدًا، وحين قُلت ـ يالله لا أقدر على رؤيته مريضًا ـ كان الجواب إستيقاظه، يا ـ روح أمك ـ التي تشتاقُك كلما باعدت بجسدِك الطرق الطويلة وأبقيْت قلبك حاضرٌ معنا، يا ـ ريحة الغالي ـ و يا السعادة التي تحتضر إذا تعبت، أمرُ مرضك ليس عاديًا، هذا المرَض تنزفُ له أرواحنا و ربَك يشهدُ على بكاءنا و غرقنا، يالله عليك يا فيصَل إن حمَلت الوجَع بجسدِك و أوجعتنا به نحنُ الذين نسكنُ صدرك ونرى الحياة بعينيْك من الطبيعي أن نفقدُ توازن الحياة بعُتمة حضورك.
يوسف رفع نظارته ليضعها فوق رأسِه : ياربي لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . . . سار بإتجاه غرفته ليفتحها بهدوء، ركضت ريف أولاً ليتبعها يوسف بإبتسامةٍ شاسعة : الحمدلله على السلامة . . حيَ بو عبدالله وحيَ هالوجه
فيصل الذي يشعرُ بثقل لسانِه، حاول أن يلفظها بإتزان ولكن خانه إتزانه واكتفى بإبتسامَة.
ريف تتأمل الأجهزة بإندهاش كبير وهي التي لم تدخل غُرفةً كهذه مُسبقًا، دارت حول نفسها فوق الكرسي الذي وقفت عليه : يعوَرك؟
فيصل هز رأسه بالرفض دون أن ينطق شيئًا. ريف بحركة سريعة جلست على السرير المرتفع بجانبِ رأسه بسبب قُرب الكرسي منه، أنحنت عليه لتُقبَله أسفل عينه اليُمنى، فيصل بتعَب واضح بحركاته الثقيلة، وضع ذراعه خلف ظهرها ليُقبَل خدها بإبتسامة ضيَقة.
اقتربت منه والدتِه وهي تُخلخل يدَها بيدِه الباردة : الحمدلله على السلامة يا أبُوي
يوسف اقترب هو الآخر ليحمل ريف حتى لا تُضايقه بحركتها . . قفزت على يديْه لتُمسك بيده وتخرج معه : هوْ مريض حيل ولا نص ونص ولا شويَة؟
يوسف يسير معها في الممر : شويَة، بس هو كان يبي يشوفكم الحين بنرجع له وتجلسين معه، بس قولي دايم الله يشفيه ويخليه وبيصير طيَب
ريف بشقاوة نبرتها : الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . .
يوسف لم يتحمَل فتنة صوتها الطفولي، حملَها بين يديْه ليغرقها بقبلاته : بآكلك مالي شغل
صخبت ضحكات ريف، يوسف أبعدها بإبتسامة : إذا جتني بنت بسمَيها ريف
ريف رفعت حاجبيْها : لا أنت بتسمَيها تهاني
يوسف بضحكة : ماشاء الله تبارك الرحمن، تتذكرين؟
ريف : إيوا قلت لي مرَة إنك تحب تهاني
يوسف إبتسم : بنتي الثانية بسمَيها ريف، أنا بكثَر نسل الأمة إن شاء الله
ريف لم تفهم كلماته : وشو نسل؟
يوسف : يعني بجيب بنات كثير وعيال كثيير . . بتصير عايلتنا كبيرة
ريف : لااااا مو حلو، بس بنت وحدة و ولد واحد
يوسف : ليه مو حلو؟ ماتبين عايلتنا تصير كبيرة؟ وفيصل يجيب عيال كثيير بعد
ريف بغيرة : لااااااا أنت تجيب كيفك بس فيصل لا
يوسف بضحكة : ليه فيصل لا ؟
ريف : فيصل ليْ بروحي أنا وهيفا وأمي
عندهُ، أجهشت عيناها الحانية بالدمع، فيصل عقد حاجبيْه وتزداد صعوبة حديثه : يمَه
والدته : يا عيونها . . لا تتعب نفسك بالكلام . . أنحنت وقبَلت جبينه حتى سقطت دمعة عليه . . الله لا يفجعني بس ولا أبكيك
هيفاء نزعت نقابها وهي تقفُ بنهاية السرير، كانت تنظرُ إليْهما دون أن تتحدَث بكلمة.
والدته : البيت بدونك ما يسوى، فقدناك كثيير
فيصل أكتفى بإبتسامة أمام مشقَة الكلام، وملامحه تزدادُ إصفرارًا بالشحُوب، كان هذا أقسى ما واجههُ طوال عُمره، أن يواجه الموت بعينٍ مفتوحة، وهو يُدرك أن لا رجلاً من بعدِه عند والدته، خاف كثيرًا من وحدَة تُصيب امه ومن حُزنًا يُصَب في قلبه، أدرك معنى درويش في قوله " وأعشق عُمري لأني إذا متَ أخجلُ من دمع أمي "، أول ما أستيقظ في ساعات الفجر الأخيرة ضلَ لثوانٍ ودقائق يتأمل المكان دون أن يصدر حركة ما، أسترجع الأحداث الأخيرة و ـ يمَه ـ التي بحثت عيناه لموضعٍ يطمئن به عليها، إلى أن دخل الممرض وتفاجئ من إستيقاظه، اقترب منه وهو يضع يده على عينيْه ليتأكد من وعيْه، لم يكن يُدرك ماذا يفعل الممرض ولكن أراد أن يرى والدتِه، همس ببحَة قاتلة : يمَه . . ليأتِه صوت الممرض : الحمدلله . . خرج ليُنادي الدكتور.
أعادتهُ والدته بصوتِها ونظراتها التي تملؤوها اللهفة، أعادتهُ لواقعِه وبترت أفكاره : طول الليل وأنا أدعي إني ما أشوفك بحالة سيئة، الحمدلله إنك صحَيت ومنَ الله عليك بالعافية، كل شي يهون دامك تحس فينا وباللي حولك . .
فيصل أحمرَت عيناه بدمعٍ مخنُوق، نظرات والدته تكسرُه جدًا وتكسرُ حتى حصون هيفاء وتُبكيها.
والدته تمسحُ ملامحه ودمعته قبل أن تسقط، إبتسمت : الحمدلله إنك بخير . .
فيصل أغمض عينه لثوانٍ طويلة حتى تتزنُ محاجره وتُبخَر دمعه، فتحها والإبتسامة تُحيي شحوبه : الحمدلله . . . نظر إلى هيفاء الواقفة بعيدًا عنهما.
والدته إلتفتت عليها : تعالي أجلسي أنا بروح أشوف ريف . . خرجت وتركتهما حتى لا تُضايقهما وبالحقيقة كانت تُريد أن ترتاح من حشد الدموع المحتبسة بداخلها ولم توَد أن يراها فيصل بهذه الحالة.
اقتربت هيفاء منه وجلست بجانبِه ويديْها تتشابك بنقابها المتوسَط حضنها، دون أن ترفع عينها الباكية له.
فيصل مدَ يدِه إليها.
كيف أُخبرك يا فيصل بأن نظرةٌ مِنك تُعيد هذا الإتزان و التوازن في الحياة، يا رب لا تجعلني أراه حزينًا أو تعيسًا أبدًا، لا قُدرة لي على تحمَل دموع الرجَال التي تُفقد قلبي وعيْه، كيف لو كان الرجُل / أنت! أشتقتُك كثيرًا، لو تدري أنني ملكتُ الكوْن هذا الصباح برؤيتك، لم أفقد أملي بشفاءِك أبدًا، ولكنني كنت أنتظر بلهفة أن أراك تُبادلني النظر.
وضعت يدها في يدِه، قرَب كفَها من شفتيْه التي قبَلتها بعُمق جعل عيناها تصبَ انهارًا من الدموع.
فيصل : لا تبكين
هيفاء بين دمعٍ مالح يضيقُ بحنجرتها نطقت : غصبًا عني، كنت راح أموت لو صار لك شي، كل ليلة أحلم فيك وأشوف نفس الصورة اللي شفتها ذيك الليلة يوم كنت على الأرض ودمَك يغرق فيك، خفت! . . من إني أفقدك! وخفت على أمك بعد . . .
فيصل شدَ على يدَها وكأنه يُريد أن يُخبرها بأنه ـ بجانبها ـ دائِمًا، أراد أن يتحدث بكلماتٍ كثيرة ولكنه صوتَه الضعيف يندَس بصدره.
هيفاء : الحمدلله إنك بخير . . الحمدلله، أمس كنت أبكِي لأنك ما تحس في وجودي واليوم تكلمني! وش كثر سعادتي فيك يا فيصل
فيصل بلع ريقه بصعُوبه وهو يُغمض عينيْه من حدَة حنجرته الجافَة، هيفاء شعرت به : لا تقولي شي، يكفيني أشوفك ويارب تقوم لنا بالسلامَة
،
تقلب كثيرًا وهو يحاول العودة إلى النوم ولم يستطِع، وقف وأخذ هاتفه ليخرج من الغرفة، اتصل على ياسر الذي تحدَث معه في بداية علاج تُركي : السلام عليكم
ياسر : وعليكم السلام . . مين معاي؟
عبدالمحسن : عبدالمحسن خالد آل متعب
ياسر : يا هلا والله . . بشرَنا عنك ؟
عبدالمحسن : بخير الحمدلله . . أتصلت عشان أتطمن على حالة تُركي
ياسر : تُركي من أسبوع هو بالسعودية
عبدالمحسن لم يتوقع ولا للحظة أن ما رأته الجوهرة حقيقة : عفوًا؟
ياسر : تُركي عندكم
عبدالمحسن : كيف يطلع بدون إذن مني؟
ياسر : با بو ريَان ماعاد له حاجة بالجلوس أكثر، أنا بنفسي حجزت له تذكرته وعلى مسؤوليتي
عبدالمحسن بغضب : فيه قوانين بالمستشفى صح كلامي ولا غلطان؟
ياسر : تُركي عرف غلطته ومحتاج وقفتك ويَاه الحين
عبدالمحسن : بس ماكان لازم يطلع بدون علمي
ياسر بهدوء : أعتذر منك لكن أنا سويت اللي شفته صح، راح أرسلك رقمه الجديد الحين وأتمنى أنك تكلمه
عبدالمحسن بعصبية أغلق الهاتف دون أن يُجيب عليه بكلمة، إتجه ناحية غُرفة الجوهرة ليفتح الباب بهدوء ويطلَ عليها، كانت نائمة بهدوء وسكينة لا يُزعزعها شيء، اقترب منها لينحني بقُبلة رقيقة على رأسها، أبعد شعرها المبعثر من وجهها وضلَ يتأملها لوقتٍ طويل حتى خرَج.
نظر إلى شاشة هاتفه التي تُضيء برسالةٍ جديدة، نزل للأسفل متجهًا إلى المجلس الخارجي.
جلس لثوانٍ طويلة يتأمل الرقم دون أن يضغط عليه، ثانية تلو الثانية حتى اتصل، أتى صوتُه الضيَق : ألو
عبدالمحسن لم يظنَ أبدًا أن صوته العائد يُقيم الحنين في قلبه : السلام عليكم
طال صمتُ تركي بعد أن سمع صوته، حتى نطق : وعليكم السلام
عبدالمحسن : الحمدلله على السلامة
كانت إجابات تُركي لا تجيء سريعًا، كانت الربكة واضحةٌ في نبرته : الله يسلمك
عبدالمحسن : وينك فيه؟
تُركي بلع ريقه بصعوبة : بفُندق
عبدالمحسن : أيَ فندق؟
تُركي : ليه؟ . . والله ماني مقرَب لكم بشي وبطلع من حياتك كلها
عبدالمحسن : أبي أشوفك
تُركي برجاء : عارف وش بتسوي! لكن والله ما عاد راح أقرَب لكم! وإذا تبيني أطلع من الشرقية بكبرها راح أطلع وأروح لأيَ مكان ثاني . .
عبدالمحسن : تُركي! قلت أبي أشوفك . . أرسلي العنوان بسرعة، بنتظرك دقيقتين وأشوف العنوان عندِي . . أغلقه وضاق قلبُه بصوتِه المتوسَل الذي يظن بأنه سوف يتعرَضُ له.
،
دخل رائِد ومعه آسلي ليتوسَط المكانِ أمامهم، إبتسم بإنتصارٍ لذيذ لرُوحه وهذه الضربة التي ستقصُمُ ظهورهم، جلسَ أمامهم : طبعًا عشان أضمن حقي بعد، راح أوقَعكم ولو حاولتوا تغدرون فيني بطلَع هالورقة وأقول شوفوا! حتى هُم شركاء معي . .
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : وين ناصر؟
رائد إبتسم بإستفزاز : بالحفظ والصون طمَن قلبك . . بس نخلص إجراءات عقدنا بالأوَل
آسلي ذو الملامح العربيَة رُغم بياضِه الذي يميلُ للشقَار، دون أن ينطق كلمةٍ واحدة فتح الملفات ووزعَ الأوراق على الطاولة، نظر سلطان إليْه بنظراتٍ متفحصَة مُدققَة.
دخل فارس،و نظر إلى والدِه بنظرةٍ أراد أن يُنفذ بها رجاءه بأن لا يضرهم و جلس على الكُرسي الذي خلف مكتبِ رائد.
رائد يُمسك القلم ويوقَع على الورقة تلو الورقة، والإبتسامة لا تُفارق محيَاه، رفع عينه لعبدالمجيد : دُورك
عبدالمجيد بإستجابة لأمره، إتجه إليه وأخذ الأوراق ليوقَعها، وضعها على الطاولة ليأتِ الدور على عبدالرحمن الذي لا يدري بأيَ هم يُشغل تفكيره ومن كل جهة يهجم على جسدِه هم جديد، أنحنى ليوقَع ويشترك بعمليةٍ مُحرمة قانونيًا.
أخذ سلطان القلم منه و وقَع هو الآخر كشريكٍ في هذه المُهمة، رمى القلم على الطاولة ليُلقي بنظرةٍ متوعَدة في وجه رائد.
رائد بإبتسامة : شرفتوني يا شُركائي، مدري من دونكم وش كان راح يصير!!
عبدالعزيز دُون أن يُبالي بما يحدث : وين ناصر؟
رائد : ناصِر؟ . . بيجيك لا تخاف
عبدالمجيد بحدَة : رائد! طلَع ناصر
رائد بضحكة : قلت لكم بيطلع! هدَوا . . بعدنا ما تناقشنا ببنود إتفاقنا
عبدالرحمن : ما عاد باقي بيننا كلام! طلَع ناصر بسرعة
عبدالمجيد نظر إلى آسلي بنظرةٍ أثارت الريبة في نفس رائد، آسلي وقف وهو يُلملم أوراقِه، اقترب من رائد أكثر وهو يُسقط ورقة بجانب قدمِه، أنحنى ليأخذها ويقف بجوارِه، بحركةٍ مُخادِعة كان يُريد أن يدخل هاتفه بجيبه ولكن سحب السلاح من حزامه و وضعه على رأس رائد.
فارس وقف بصدمَة، تبعتها نظرات سلطان وعبدالرحمن وعبدالعزيز أما عبدالمجيد فكان ينتظرُ هذه اللحظة.
رائد تجمدَت ملامحه أمام فوهة السلاح المُلتصقة برأسه، كل رجاله الذين حوله أخرجُوا أسلحتهم الموجَهة إلى ـ آسلي ـ
رائد بحدَة موجَهة لرجاله : وش تنتظرون؟
آسلي شدَه من رقبته أكثر وبلكنةٍ نجديَة صدمتهُ صدمةً قاسية : لو قرَب واحد منهم ماراح يحصلك خير
تجمدَت نظرات الجميع عندما ضجَت مسامعهم بنبرته العربيَة، لم يتوقعوا ولا في الخيال أن ـ آسلي ـ خدعـة.
فارس اقترب غير مُباليًا لتأتِ صرخة والده : أبـــعـــد
فارس بعُقدة حاجبيْه : ماراح أبعد . .
عبدالمجيد : فارس
فارس بصراخ إلتفت عليه : ما قلت لي إنه بيصير كِذا!!!
عبدالمجيد : وأنا عند كلمتي . . فارس أبعِد
فارس : ماراح أبعد . . اقترب بخُطاه إلى والدِه، بنظراتٍ حادة من ـ آسلي ـ : إذا تبي سلامة أبوك أبعِد
وقف بلا حولٍ ولا قوَة، نظر إلى عينيَ والدِه بنظراتٍ أراد أن يسحبُ بها روح والدِه ويحبسها بداخلِه، أراد أن يقتبسُ هذه النظرات من عينيْه ويضعها في جيب قلبه.
عبدالمجيد : سنين وسنين وإحنا نحاول نوقفِك، كان لازم تعرف إنه العدالة راح تُقام في يوم وإنه لذتِك ماراح تدُوم
رائد : شايف كم شخص حولي؟ بغمضة عين راح تنتهون بدون لا تثيرون شفقتي
عبدالمجيد : وبغمضة عين راح تنتهي بعد . . عبدالملك . .
عبدالملك ( آسلي ) : بهدوء راح تمشي قدامي وأيَ تعرض أو حركة من أحد رجالِك راح يعرَضك للموت ماهو للخطر بس!! مفهوم كلامي؟
ضجَ صوتُ سياراتِ الشرطة المحاصرة للمكان في الوقت المناسب، أردف : خلهم يرمون أسلحتهم
بنظراتٍ من رائد دون ان ينطق كلمة رمَى رجاله كل الأسلحة التي بحوْزتهم، عبدالملك : الشرطة تنتظرك! ماعاد فيه أيَ مجال للهرب ومثل ما قلت لك محاولتك للهرب راح تنهيك.
رائد عضَ بأسنانه شفتِه السفليَة، لا يتحمل أن يُهزم في أوَج إنتصاره.
سَار خطوات قليلة أمام أنظار فارس التي تضيقُ شيئًا فشيئًا، رائد بتهور دفع بقدمِه ساق عبدالملك، ليشدَه عبدالملك أكثر ويُسقطه على الأرض، تقدَم أحد رجال رائِد ليُمسك ذراع عبدالملك و يحاول أنَ يُخلَصها من السلاح، وبجُزءٍ من الثانيـة أنطلقت رصاصة والمُفاجئة أنها كانت من يدِ إحدى رجاله وليس عبدالملك، أصابت الجزء الأيسر من صدرِه ليسقط على ظهره، بتهورٍ من ذاتِ الرجُل أنطلقت رصاصة أخرى بجانب إصابته الأولى، ضجَ المكان بصوتِ الرصاص حتى تدخلت أفراد الشرطة وبدأت تُمسك رجال رائد بأكملهم ومعهم سليمان.
عبدالعزيز أرتعش قلبه من منظر رائد، و صدمَة فارس التي أمامه.
سقط فارس على ركبتيْه وهو يقترب من والدِه : يـبـــه! . . يبببه . . . صرخ بقوَة : يبــــــــــه . . . يبه . .
بكَى دون أن يُحاول أن يُمسك نفسه، تساقطت دموعه كنزيفٍ من الدماء الثائرة، وضع يدِه على صدرِ والده المُبلل بالحُمرة وعينا رائد مُغمضَة فقدت الحياة، ضرب صدرِ والده كثير بكفيَه وهو يُردد بأنين يُشبه أنين الأطفال الذين تاهوا في الدُنيا، فقد الإتزان وعقله تمامًا وهو غير مُصدَق هذه الحُمرة التي تُغرق المكان : لا تتركني! . . لا تتركني . .. قوووم . . . صرخ . . قوووووووم . . . وضع رأسه على صدرِ والده وهو يجهشُ بالبكاء وبدأ الغاز يتسرَب والمتفجرات تعملُ عملها بالعد التنازلي للدقائق البسيطة.
عبدالمجيد حاول أن يسحب فارس الذي دفعه : ما يموت . . مستحيل يموووت ويتركني
سلطان أختنق وهو يفتحُ أزارير قميصه، عبدالعزيز بخُطى سريعة خرج وهو ينزل للأسفل، إلتفت يمينه وشماله يبحثُ عن ناصر، أندلعت النارُ أمامه ليبتعد، صرخ حتى يسمعه : ناصـــــر!! . . . أتى إحدى رجال الأمن ليُخرجه.
عبدالعزيز دفعه عنه ليسحبه الرجل مرةً أخرى، صرخ بوجهه بالفرنسيـة : لِيس موَا " laissez moi = أتركني "
اقترب أكثر وهو يُنادِي بصوتٍ أعلى : ناصصصر! . . .
في الأعلى كان يُرثي والدِه بأشدَ انواع البكاء و القهر، تبللت ملابسه بدماءِ والده وهو يُنادي ـ يبه ـ حتى بحَ صوتِه ولم يلقى سوى الصدَى، لم يُبالي بالإختناق الذي يواجهه من الغاز المتفجَر بالمنزل ويُدرك أن عدَة ثواني وسينفجر كل هذا.
لا حياة تنتظرنِي دُونِك، لا أريد العيْش! أنا أُقبل على الموت بشهيةٍ مفتوحة يا والدِي، ردَ عليَ قُل أنك تسمعني! قُل أنك هُنا معي، لا تصمت، هذا الصمت لا يليقُ بِك، قُل ـ ولدي فارس ـ حتى أطمئن أنَك بخير، قُلها، لا تصمُت! لا يُمكنك أن تموت هكذا وأنت وعدتني أن تبقى معي دائِمًا مهما تعارضتُ معك، لا يُمكنك يا ـ أبي ـ أن تفعل هذا بيْ! لا بُد أن تقاوم! لا بُد أن أسمع صوتِك وحالاً.
همس : يُبه . . يا رُوح ولدِك، يا روح فارس كيف تترك هالرُوح؟
اقترب منه عبدالمجيد مرةً أخرى وهو يجلسُ على ركبتيْه بجانبه : فارس
فارس : قويَ! يقدر يقاوم! أعرفه يقدر . . صابوه كثير لكن قام . .
عبدالمجيد سعل من الجو الملوَث : قوم . . قوم معي
فارس أخفض رأسه ليجهش بالبكاء وأنينه يشطرُ عبدالمجيد : ليه سوَا كِذا؟ ليــــه؟
دخل رجُلان يحملان سرير الإسعاف حتى يضعون رائد عليه ويُخرجونه من المنزل.
فارس نظر إلى والدِه نظرةً أخيرة، أنحنى ليُقبَل رأسه وهو يبكِي فُقدَه، أطال بتقبيله حتى ألتصق أنفُه بجبين والدِه وعيناه تئنَ وتغصَ بالدمع، كانت صرخاتِه فوق أيَ رجُولةٍ تحاول أن تُكابر أمام بُكاءه، صرخاتِه كان ظلَها / حاد في صوتِه المبحوح. ومازال يحاول أن يسترجعُ صوتِه بنداء والده.
كُنت أريد أن اقول لك قبل أن ترحل، أنني آسف على كل لحظة تذمرتُ فيها منك، أنني آسف على كل لحظة لم أقف بها بجانبِك، إنني آسف على كل لحظة رأيتُك بها ولم أقُل لك " أن حظي بائسٌ بعملك المُحرَم وحظي الجميل أنَك أبي " . . أنا آسف لأنني لم أستطيع أن أوقف شرَ أعمالك، ولم أستطع أن أغيَرك، ليتني حاولت أكثر! ليتني جعلتُك تموت بسلامٍ أكبر، أنا آسف لأنني لستُ بخير الآن وأنت الذي كُنت تقول لي دائِمًا " يهمني تكون بخير "، رحلت الآن! وكيف أجد شخصًا يُخبرني بذاتِ القوْل.
حضن رأس والدِه وهو يقربه من صدرِه ويشمَ رائحته للمرةِ الأخيرة، كان يُقبل جبينه مرارًا وهو لا يُريد ان يتركه.
تقدم الرجلان حتى يحملا جسدِه، فارس برجاء : قولهم بس دقيقة . . بس دقيقة
عبدالمجيد الذي لا تدمعُ عيناه الا نادِرًا، صعدت الحُمرة في أوَجها على حال فارس، أشار للرجلان بالإنتظار قليلاً رُغم أنه لا مجال للإنتظار أمام تصاعد الغاز.
أريد أن أحبس رائحتِك فيَ، أن أحملُك معي، لِمَ رحلت؟ لِمَ؟! يا من أفديِه برُوحي و إن طلب عيني لأخترتُ العمَى، طعمُ اليُتم وأنا بهذا العُمر لاذع يا أبي! طعمُه مرَ لم أعتادِه رُغم بعدك عني في أيامٍ كثيرة، ولكن لا أحتمل بُعدك عُمرًا بأكمله، يا رُوح روحِي، لِمَ فعلت بنفسك هذا؟ لِمَ قتلتني وقتلتَ نفسُك؟ كيف سأواصِلك؟ كيف سأسمعُ صوتِك إن أشتقتُ إليْك؟ إبنُك ضعيف جدًا أمام شيئين أنت أحدهُما، من يربتُ على كتفي؟ من أُخبره عن عشقي و أحلامي؟ من سيستهزأُ بي الآن بكلماتِه. من سيقُول ليْ " خلَ الشِعر ينفعك! " من سأخبره بقصائدي وكتاباتي؟ من سأغني له مقاطعٍ شعرية كتبتُها، من سأُعيد على مسامعه كلما رأيته " يبه إحنا من قومٍ إذا عشقوا ماتوا " لمن أقولها من بعدِك؟ أنا لا أبكِي! رُبما هذا نوعٌ من الموْت.
عبدالمجيد وقف بعد أن إزداد إختناقِه، ومسك ذراعِ فارس : خلاص . .
فارس ترك رأس والدِه ليسقط بقوَة على السرير الذي سيُحمل عليه إلى ثلاجة الموتى.
اقتربت يدِه من يدِ والده ليقربَها من شفتيْه ويُغرقها بالقُبل، أستشنق رائحته بلهفةٍ وحنين يبدأُ من هذه اللحظة، صبَرني يالله! صبَرني قبل أن أفقدُ قلبي معه.
عبدالمجيد : قل إنا لله وإنا إليه راجعون . .
فارس تصاعدت أنفاسه المضطربَة وضجَ صوتُ رجفته : إنا لله وإنا إليه راجعون . . .
في الأسفَل كان عبدالرحمن يوقَع على أمرٍ أمنِي مختصَ بالشرطة، سلطان بحث بعينيْه عن عبدالعزيز ليسير إلى الداخل بإنشغال عبدالرحمن الذي كان يحسبُ ان عبدالعزيز خرَج.
دخل لأول ممَر ليُنادي وهو يضع الكمام على وجهه : عبدالــــعزيــــــز . . .
نادى مرارًا وتكرارًا وهو يتقدَم أكثر للنار المُندلعة في الطابق السُفلي : عــــــز!!!
بحث بعينيْه ليأخذ قطعةً خشبية مرمية على الأرض ويحاول أن يقترب بها من النار حتى لا تُصيب وجهه.
صرخ بقوَة أكبر : عـــــــز!
أقترب منه إحدى رجال الإطفاء ودون أن يلفظ كلمةٍ واحد أشار له بيدِه إلى مكان على يمينه، إتجه إليْه سلطان لينظر لعبدالعزيز الذي يبحثُ بكل غرفة تواجهه رُغم النار التي تُحرق المكان : عبدالعزيز . . . مسكه من ذراعه
عبدالعزيز إلتفت عليه بإضطرابِ أنفاسه المختنقة : وين ناصر؟ . . .
سلطان : يدورونه . . أطلع . .
عبدالعزيز يسحب ذراعه من بين يديْه ليصرخ : نـــــــــاصر!!
سلطان بخضوع لفعلٍ عبدالعزيز بدأ يبحث معه، وبكل لحظةٍ تمرَ يتضاءل الأملُ بداخلِه.
إلا أنت يا ناصر! لا تُخفيني بأمرِك هكذا، لا تقتلني أكثر ورُوحي لم تعَد تتحمَل موتٌ آخر، لا تفعلها أرجُوك! لا تفعلها برفِيق عُمرك الذي أساء إليْك ولكنه عاد، عاد من أجل العُمر الذي مضى بيننا، أنت تعلم أنني لا أقدر على العيْش دُونك! أنت الذي تُشاركني الحزن بقدر ما تُشاركني الفرح، كُنت دائِمًا معي! وكنت تستنطقُ صمتِي بعينيْك، يا من علَم عيني الدمع و أخبرتني دائِمًا " لا تشكِي ليْ! إبكي معي " لا تفعلها من أجل الله، وتقتلني.
سلطان أنتبه لقطعة الزجاج القريبة من رقبة عبدالعزيز وسحبها لتدخل بكفَه، قاوم وجَعه وهو يشعرُ بفتات الزجاج بباطن يدِه، وقف قليلاً ليُخرج قطعة الزجاج الصغيرة، دخل غرفةٍ اخرى : ماهو موجود!!
عبدالعزيز : ما دوروه!. .
سلطان : والله دوروه الرجال قبل شويَ!! وبيدخلون الإطفائيين الحين يدورونه!
عبدالعزيز : مُستحيل وين أختفى؟ . . . صرخ بأعلى ما يملكُ من نبرة . . . ناااااااااصر
وأين ناصر؟ أينَك يا شاعرُنا الذي كان يروينـا بكلماته كلما جفَ المزاج وفسَد، أينَك يا رُوحنـا التي تُشاركنا وتحبسنا بداخلها دائِمًا؟ أينَك يا وجُودِنا في حضرة وجودِك، يا من تُمثلنَا بقلبِك وتشهدُ لنا؟ أينَك يا بحَة صوتي الحزينَـة حين تضيق الكلمات في حُنجرتي؟ كل شيء فاتُنا حتى الضحكَة، علَم هذا الصدَى الحديث إن كان النداء / مبحُوح، وعلَم هذه النار بجسدِك إن كان الجسدُ لا يرَد لنا الكلمات! ناديتُك بأقصى حُمرة في دمائِي ولم تُجيبني؟ أينَـك؟ أخافُ عليَ من ضياعي و حشرجَة الجفاف في جلدي.
سعَل عبدالعزيز كثيرًا إثر الإختناق، وبدأ تركيزه يضطرب، بحدَة من سلطان لم تترك لعبدالعزيز أيَ مجال، ألصقه بالجدار ونزع كمامه ليضعه عليه : يمكن طلع . . . . . سَار عبدالعزيز أمامه وهو من خلفه للخروج بخيبةِ أملٍ كبيرة، ثوانٍ قليلة حتى أصابتهم أشعة شمس باريس، بحث بنظراتِه عنه في الطُرق الطويلة المقابلة له! أأيجب أن أخاف الآن؟
نزع الكمام ليأخذ قارورة المياه التي امتدَت له، أفرغها بجوْفِه، ليلتفت على سلطان : كيف يطلع؟
سلطان ابتعد قليلاً وهو يسعَل ببحَة موجعة، أخذ منديل ليُلاحظ الدماء التي تندفعُ من بين شفتيْه، أدرك أن جرح لثتِه، اقترب منه عبدالعزيز ليمدَ له الماء، تمضمض سلطان به وبدأ الإصفرار يتضح على ملامحه، مسح وجهه بالمياه الباردَة، نظر إلى عبدالعزيز : يمكن طلع لمَا صعدوا رجال رائد لفوق، لأن مافيه أيَ شخص بالدور الأوَل
عبدالعزيز رفع عينه للدُخان المتصاعد من المنزل بعد أن أنفجرت النار به، وهو يدعو أن لا يكون ناصر بداخله.
اقترب عبدالرحمن منهم : راح عبدالمجيد مع فارس، . . أنتبه لوجه سلطان ويدِه . . . وش فيك؟
سلطان : دخلت فيني قطعة قزاز،
إلتفت عبدالرحمن لإحدى المُسعفين ليقترب منهم بنظرة فهمها، فتح شنطتِه ومازال إزدحام الأمن في الحيَ يضجَ في هذه الأثناء.
عقَم جرحه ولفَه كفَه بالشاش، ونظر إلى عبدالعزيز إن كان يحتاج شيء، دون أن يترك مجال لعبدالعزيز بالمناقشة أخذ كفَه ليُطهَر جرحها الذي طال منذُ الأمس، ولفَها ـ بالشاش ـ أيضًا.
عبدالرحمن : شكرًا . .
عبدالعزيز : وين الفندق؟
عبدالرحمن : بخليهم يوصلونك
عبدالعزيز ضغط على جفنيْه بشدَة إثر الصُداع الذي هاجمه، تنهَد : طيب
سلطان : أنا بروح لعبدالمجيد
عبدالرحمن : بجيكم، بس بمَر المستشفى وأتطمن
عبدالعزيز الذي أغمض عينيْه فتحها من لفظ ـ المستشفى ـ وأمال شفتِه السفليَة بأسنانِه.
أبسطُ الحركات وأدقَها كانت دليلٌ واضح على العراك الذي يجري في قلبه، مشَط بأصابعه شعره من مقدَمة رأسِه وهو يُريد أن يفكر بإتجاهٍ واحد، لا يُخالطه أيَ إتجاه آخر ولكن هذا ما لا يرضاهُ قلبه.
: بروح معاك المستشفى
عبدالرحمن إتسعت محاجره بالدهشَة ولكنه لم يبيَن له : طيب . . خلنا نمشي
في الرياض، إتسعت إبتسامته بعد سهرٍ منذُ الليلة الفائتة حتى وصل الخبر أخيرًا، القبض على سليمان و موْت رائد إثر طلقةٍ اتت من إحدى رجاله، عبدالله و أول ردةِ فعلٍ كانت سجدَة شكرٍ في منتصف الممَر.
اللهم لك الحمدُ والشكر كما ينبغي لجلال وجهِك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه.
يالله! على كرمِك وأنت تُثلج صدورنا بخبرٍ أنتظرناه لسنين، يالله على السعادة التي تأتِ من هذا الخبر، والجميعُ بخير أيضًا! ياربي لك الحمد . . ياربي لك الحمد.
تهللت وجوههم جميعًا وهم يكررون الحمَد والشهادة، لذَة النجاح بعد تعبِ سنينٍ مضَت لا تُضاهيها لذَة، كان كالحلم! وأصبح حقيقة، كان بمقدرتنا أن نقبض عليهم منذُ اول لحظة ولكن كنَا نعلم أنه سيخرج من بعدهم واحدًا وإثنين وثلاثة، لكننا عملنا على مبدأ واحد، أن نًضعفهم ونستأصلهم، يالله! سيطير قلبي من فرحه، سيُجَن تمامًا.
كانت الإبتسامات مُبكيَة من شدَة فرحها، هذا الفرح الذي طال إنتظاره، لم يكن فرحًا لفردٍ واحد بل لإدارة كاملة تعبت ونالت حصاد تعبه.
في باريس، اقترب سلطان من حديقةٍ صغيرة بين البيُوت ولا أحد بها من الثلج، دخلها وهو يحتاج أن يسجُد بأيَ مكانٍ كان، سجد على الأرضِ الباردة، لتسقطُ من عينه اليسرى دمعةٌ وحيدة كانت رسالة ضيَقة لِـ / سلطان العيد.
رفع من السجود ليتنهَد تنهيدةً طويلة، بقيَ جالِسًا على الأرض، همس : الحمدلله
أدخل كفَه التي يلفَها الشاش الأبيض في جيب معطفه ليستشعر هاتفه، أخرجه وفتحه ليجد كمَا من الإتصالات من ـ عمته و عبدالمحسن و عبدالله و أشخاصًا آخرين ـ، ضغط على عينِه التي شعر وكأن نارًا تُحرقها، إتصل على ـ الجوهرة ـ.
كانت واقفة أمام المرآة الطويلَة وهي ترتدِي بلوزتها، انتبهت لإهتزاز الهاتف على السرير، شعرت بغثيَان بأولِ خطوة أقتربت فيها من هاتفها، عادت للخلف لتتجه نحوَ الحمام، تقيأت إثر معدتها الفارغة التي تستثير الغثيان، اغتسلت وتمضمضت، إلتفتت لوالدتها التي دخلت الغرفة : إنزلي إكلي لك شي
الجوهرة وضعت يدها على بطنها : يمَه تكفين أبي زنجبيل أحس معدتي تقلب
والدتها : الحين أسويه لك، بس أنزلي عشان تآكلين شي
الجوهرة : بجيك . . إتجهت نحو سريرها، جلست وأخذت هاتفها، كانت في طورْ أن تزفر شهيقها ولكن تجمدَت عندما رأت إسمه ـ مكالمة فائتة ـ، يُربكني إسمك فما بالُك بصوتِك؟
رفعت شَعرها بيديْها وربطته بخصلة، مسحت على وجهها لتأخذ نفس عميق وضغطت على إسمه، ثوانٍ قصيرة حتى أجابها : ألو
الجوهرة بللت شفتيْها بلسانِها إثر ربكتها : مساء الخير
سلطان : مساء النور
طال الصمت بعد تحيَةٍ روتينية لتقطعه الجُوهرة : ما كنت عند الجوَال قبل شويَ
برب السماء لِمَ اتصلت يا أنا؟ ماذا أُريد منها؟ وعن ماذا أسألها؟ كنت أُريد فقط أن أسمع صوتِك دون أن أخطو خطوةً واحِدة للأمام، من أيَ أرضٍ جئتِ؟ وبأيَ بُركانٍ أثرتِ حممه في داخلي؟ تهشَم غصنُ الكلام، وأيَ نبرةٍ تُجمع حُطامَه؟ أوقعتِ في ظرفِ أيام على قلبي / خُضرته و في جُزء من هذه الأيام أيضًا بددتي الربيع الذي أعشبَ صدري، من أيَ شيءٍ خُلقتِ حتى تقُيمين بصوتكِ إحتلالًا كاملاً لا مفَر منه، أنا لا أفتقدُكِ! أنا أمُوتِك. و أنا لا أكابر أنا رُغمًا عني أصدَ عنكِ، لو أنَ الطريقُ ممهدٌ أمامي لقولِ شيء يجعلني أتمسك بكِ أكثر! لو أنه فقط يُتيح لي فرصة هذا القوْل لمَا ترددَتُ لحظة ولكنني أعرفُ نفسي " أشقِي عُمري دايم ".
الجوهرة زادَها هذا الصمتُ ربكة وسارت الرعشةُ بإتجاه قلبها الذي انتفض بصوتِ أنفاسه المبعثرة التي تصله.
بجمُودِ حاولت أن تحبس بداخله الفيضان الذي يُقيمه صوتِه : تآمرني بشي؟
أأمرُكِ بالحُب و بممارسَة الحُب جهرًا، أما زلتِ تُفضلَين الخفاء؟
سلطان : أتصلت أتطمَن
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبَة : أمورنا تمام . . أنا وولدك
سلطان : الحمدلله،
من أجل الله ماذا تفعل يا سلطان؟ ماذا تُريد أن تصِل إليْه؟ يا رجلاً أعزَني بالهوَى بقدر ما أذلَني، و بدَد العالمين بملامِحه وسكنني! يا رجُلاً يخضعُ له القلب عمدًا رُغم قسوتِك، وعجبتُ من قلبِي الذي يهفُو إلى ظالمٍ! عجبتُ من عيني التي مازالت ترتبك ويرتجفُ رمشها من حدَة صوتِك، عجبتُ من ـ أحبك ـ التي مازالت تتكاثرُ وتُعشَب في صدري، يا رجُلاً أبقاني على حافة الإنهيار وهو إتزاني! كيف أطيقُ البُعدَ عنكَ وأنت مركزُ توازني؟ يا حدَة السُمرة في ملامِحك و يا شقائي بها، يا شقائي بمقطعُ إسمك الذي يبعثرني رُغم صلاتِي وسكينتي، كيف أتجاوزك؟ وأنتَ قَدرٌ لا أُلام على مصائبه، وكيف أُلام؟ و أعظم مصيبة عيناكَ سببها، يا قلبي المُعنَى بأسبابِك إنني لا أدلَ طريقًا لا تُقاطعني بها ظلالِك.
سلطان حكَ جبينه وهو يُردف : محتاجة شي؟
أحتاجُ عيناك، وأمرَ بحاجة شديدة لبريقها.
الجوهرة : لا . . مع السلامة
سلطان : بحفظ الرحمن . . . أغلقه دون أن يقدر على قوْل كلمةٍ واحدة من الكلمات المتزاحمة في صدرِه.
،
أرتدت مُهرة عباءتها بعد أن علِمت بوجودِه، أخذت نقابها لتنظر لوالدتها : لا تخافين ماني قايلة شي
والدتها : دارية إنتس ماراح تقولين شي بس تذكري إنه أهلتس هِنيَا ويوسف ماراح يبقى لك طول العُمر
مُهرة بضيق لبست نقابها ونزلت للأسفل، دخلت للمجلس وبطرفه جلست في حين أن منصور كان يجلسُ بعيدًا عنها : السلام عليكم
مُهرة : وعليكم السلام
منصور : شلونِك؟
مُهرة : بخير الحمدلله
منصور بتوتر : أنا جايَك اليوم وأبي أقولك اللي عندي وأبيك تسمعيني لين الآخر . . . . صمت قليلاً حتى أردف . . يوسف ما يدري بجيَتي لِك ولا أبيه يدري، أنا عارف إنه مشكلتك الأساسية معي ماهي مع يوسف، بس بقولك أنه ما لأحَد حق أنه يوقَف حياتِك، إحنا مانشوفك أخت فهد اللي صارت لنا قضية بإسمه، إحنا نشوفك زوجة يوسف وبس! إذا أنتِ تعتبرين إنه اساس زواجك من يوسف هالمُشكلة وبمجرد ما أنحلَت فخلاص ماله داعي هالزواج فانتِ غلطانة، لأن من أول يوم كنا ندري بأنه فهد قضيته مو مثل ماهي مذكورة وكان الكل يعرف بأنه مالي أيَ يد في اللي صار، لكن رُغم هذا كنَا نعاملك على أساس زوجة يوسف لا أكثر ولا أقل، وأمي أعتبرتك وحدة من بناتها! وإن كان أحد ضايقك بكلمة أنا بنفسي الحين أعتذر لك، يوسف ماله أيَ ذنب بوصول الخبر لك الحين! لأنه كان يعرف بأنه مالي علاقة وأخوك الله يرحمه تورَط معهم لكن ماكان يربط مصيره بمصير أهله، وأنتِ لا تربطين مصيرك بمصير أهلك!! هذا شي فات وأنتهى من سنَة، والحكي بالماضي لا راح يقدَم ولا يزيد، أبدأي صفحة جديدة وأنسي اللي فات، وصدقيني محد بيتذكره! إلا أنتِ! إذا حاولتي تنبشين فيه كل مرَة، مافيه عايلة بهالوجود كاملة! وأفرادها كلهم مثاليين! لكن مافيه عايلة بعد تصير ضحية فرد واحِد، وأنتِ لا تصيرين ضحية اخوك بعد!! أقتنعي بمسألة إنه مالك أيَ علاقة وذنب باللي صار، ذنبك الحين إنك تربطين مصيرك بمصير غيرك، يا مُهرة أنتِ مالك دخل في أحد! ولا لِك دخَل باللي صار قبل، أنا أعرف أنه أخوك ومن حقك تعرفين كل صغيرة وكبيرة عنه لكن شي صار وأنتهى، تشوفين إنه يوسف يستحق منك كل هذا؟ هو يبيك أنتِ بحاضرك ما يبيك بماضيَيك!! لا تدمرين نفسك وتدمرينه معك! لا أنتِ تستاهلين التعاسة عشان أهلك ولا هو يستاهل الحزن عشان رغبتك!!
مُهرة بضيق صوتها المتحشرج : أنا ما أقبل إني أحس وكأني مفروضة عليكم
منصور بإنفعال : منتِ مفروضة والله منتِ مفروضة! يوسف يبيك وأبوي وأمي وخواتي متقبلين وجودك وفرحانين فيك!! وحتى يوسف صرت أحس بسعادته معاك رُغم كل شي!! لا تهدمين حياتك بهالطريقة! اللي تسوينه أكبر غلط بحق نفسك قبل لا يكون بحق يوسف
مُهرة : ما بُني على باطل فهو باطل
منصور : و ربَ ضارة حسنَة بعد!! بس فكري وخذي وقتك بالتفكير أكثر قبل لا تندمين وإذا فكرتي بجهة أهلي تأكدي إننا كلنا نبيك ومنتِ مفروضة على أحد!
،
يجلسُ بمقابله دون أن يرفع عينِه وينظرُ إليْه، تشابكت يدِه ببعضها ولا كلمات تحضرُ في صوتِه، أقشعرَ جسدِه من هذا الصمت الذي يُربك قلبه.
لا أنتظر مغفرة عبدالمحسن، أعرفُ جيدًا أنه من المستحيل أن يُسامحني بسهولة، أحتاجُ عمرًا يوازي الثمانية سنوات التي مرَت حتى يتجاهل ما حدث لإبنته، ولكن لن ينسى! لن يقدر على محوِ شيءٍ وضعتهُ نصب عينيْه على الدوام، ولكن أسألُ الله أن يليَنه عليَ، أن يعطيني فرصة واحدة حتى أُصحَح ما حدث، لو أن الأمر بيدي لكرهتُها، لنفرتُ منها، ولكنها تمكَنت مني، كان حُبها أقوى من أن أواجهه لوحدِي، كنت أراها بمواصفات شريكة حياتي حتى لعنتُ أنها ـ إبنة أخي ـ وهذا التصنيف الذي يجعل من أمر إجتماعنا مستحيلاً، حاولت أن أنساها ولكنني جُننت بها حتى تجرَدت من كل المسميات وأردتُها زوجتي، عشقتُها ومازلت، أنا لا قُدرة لي على محو الجوهرة بهذه السهولة. ولكن سأحاول! سأحاول أن أعُود لنفسي التي كانت حيَة قبل 8 سنوات.
عبدالمحسن : وش أخبارك؟
تُركي بإقتضاب : بخير
عبدالمحسن : كلَمت ياسر وقالي أخبارك بس أبي أسمعها منك
تُركي بضيق : أيَ أخبار؟
عبدالمحسن : ماراح تقولي ليه رجعت؟
تُركي نظر إليه وسُرعان ما شتتَ نظراتِه : آسف
عبدالمحسن أشتَد ضيقه : على ؟
تُركي تلألأت عيناه بالدمع : خنت ثقتك، بس والله ماكانت غايتي أضايق أحد، كنت بس . . .
تحشرج صوتِه ولم يقدر على مواصلة الحديث، عبدالمحسن : تُركي
تُركي يُكمل بصوتٍ يُضعفه ـ قبضة الدمع ـ عليه : أنجنَيت والله فيها! وما كنت أبي أضرَها بشي، بس الحين حالف ما عاد أقرَب لها كنت أبي أشوفها قبل كم يوم لكن ما خلتني أقولها كلمة وحدة، بس والله ماعاد بقرَب لها، وأصلاً قلت راح أنقل لأيَ منطقة ثانية بعيد عنكم
قامت صلاة العصَر و تسلل إلى مسامعهما ـ الله أكبر ـ، وقف عبدالمحسن وبأمر : أمش معي نصلي . .
تُركي كان ينتظر منه ردَة فعلٍ على حديثه ولم يجد شيئًا، وقف وتبعه حتى دخلا إلى المسجد المجاور للفندق.
صلَى بجانب أخيه بعد عهدٍ طويل لم يُصلي به مع عبدالمحسن، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينه حتى كبَر بعد الإمام.
أنتهت الركعة الأولى وبعدها الثانية إلى أن أتى التشهدُ الأخير والسلام، وبإيمانٍ تام بمعجزة الدعاء لفظ تُركي " يارب ليَن قلبهُ عليَ، يارب ليَنه و أنزع حُبها من صدري ".
إلتفت لعبدالمحسن بعد أن بدأ الرجال يخرجون من المسجد، بتردد كبير أقترب وأنحنى ليُقبَل رأسه، قبَله حتى أجهشت عيناه، حاول أن يمسك نفسه ولكن البُكاء على المعاصِي أشدَ حرقة على النَفس.
عبدالمحسن تجمَد بمكانه دون أن يلتفت أو يحاول أن يرفع عينه عليه، صوتُ بكائِه كان يشطرُه بإستمرار، أخذ نفَس عميق، وهو يحاول بجَد أن لا يفقد توازنه، أخفضَ تُركي رأسه وهو يُكرر ـ الأسف ـ في كل دمعةٍ يذرفها.
إلتفت عليه عبدالمحسن بكامل جسدِه، أحاط رأس أخيه بيديْه ورفعه لينظر إليه : اجبرتني يا تُركي!!
تركي بلع غصَاتِه ورُغم أن يدَا عبدالمحسن ترفع رأسه إلى أنه لا يضع عينه بعين أخيه : الله يغفر لي حزنك . .
عبدالمحسن سحبه بقوَة ليُعانقه ودمعة أتعبها الزمن نزلت بقهرٍ شديد : الله يغفر لك حزنها . . الله يغفر لك حزنها . . .
بكى تُركي كالطفل بين ذراعيَ عبدالمحسن وهو يذوق مرارة الذنب و وجعه في صدرِه، لم يكن سعيدًا أبدًا بمعصيته لله لكن كان يشعرُ بلذةٍ وقتية لم يستطع أن يمنع نفسهُ منها، كانت أهواءهُ أكبر من أن تواجه وتُقمع، وحين قُلت سابقًا بأن لي القُدرة أن أعيش بعيدًا عن هذه الحياة كنت أكذبُ على نفسي، لا أستطيع أن أحيَا دون عبدالمحسن و عبدالرحمن، لا أستطيع ولا أقدِر على الحياة بعيدًا عنهم ولكنني آذيتهُم! رُبما عبدالرحمن لم يشعر بعد بهذا الأذى ولكن إن عرف يومًا مَا بما حدث سيُصاب بخيبة مُوجعة، وأنا لا أقدر على وجع عبدالرحمن أيضًا.
عبدالمحسن : توعدني ماعاد تشوفها! ولا عاد تقرَب لمكان هي تكون فيه . . أوعدني يا تركي تذبح الجوهرة في قلبك و حياتِك وتنسى إنها بنت أخوك، ماعندِك بنات من أخوانك الا أفنان و رتيل و عبير وبس!!
تُركي ببحَة موجعة : والله، ماراح أقرَب لها
عبدالمحسن : وإذا تبيني أسامحك، ترجع لقبل 8 سنين لمَا بديت تحفظ قرآن وقطعته، إذا ختمت القرآن بتجاهل كل اللي صار، أوعدني تختم القرآن، وأوعدِك بنسى إنك تُركي اللي دمَرت بنتي!!
تُركي يُغطي عينيْه بكتفِ عبدالمحسن : راح أحاول بكل ما أقدر إني أختمه
عبدالمحسن : أرجع تُركي أخوي اللي أعرفه
،
مرَر كفه على جبينها الدافئ ليلتفت إلى الدكتور، ينتظرُ شيئًا يُطمئنه ويُساعده على التفاؤل بأمرِها، ضاقت عيناه عندما رآها بهذه الصُورة، هي الأسوأ حظَا دائِمًا والتي تواجه الموت بكثرة تقتلني، تمرَ المرةِ الأولى وتُجبر الثانيَة وتخطُو الثالثة وأخشى أن تواجه هذا الخطر مرةً رابعة وخامسة ولن يُفيدنا تمسكها بالحياة شيئًا، جميلتِي! التي مازالت تشعرُ بنا وتقاوم من أجلنا، لو أنظرُ لعينيْـك و أُشبع شوْقي لها.
الدكتور : للأسف واجهت إنهيارًا نفسيًا جعلنا نُخدرها ولكنها ستستيقظ بعد وقتٍ قصير أو في الليل رُبما.
عبدالرحمن أنحنى ليقبَل جبينها، مسح على شعرها وهو يُخلخل خصلاتِها بأصابعه.
مازلتِ جميلتي! وإبنتي التي يُعجبني فيها كل شيء حتى تمرَدها، مازلتِ انتِ بسُمرتِك الناعمة تُنعشين الحياة في صدري، يارب عساهُ يُشفيك ويُبدد العتمة في قلبي عليكِ، يارب عساهُ يُصلحك ويُسعد قلب والدِك، يارب عساهُ لا يصل حُزنٍ إلى محاجرِك اللؤلؤيـة والتي أحبها كثيرًا، أنتهت فترةٌ تعيسَة من حياتي وأُريد أن أبدأ فترةٍ أخرى بضحكتِك. أثقُ بقوَتِك وبمُقاومتِك من أجل الحياة، أثقُ جيدًا أن إبنتي مهما واجهت ستقف على أقدامها، ـ حنَيت ـ و هذا كل ما أعنيه بكلامي السابق.
خرج ليقترب من عبدالعزيز الذي كان ينتظرُه، بهدوء : صاحيَة؟
عبدالرحمن : لا، قال يمكن تصحى بعد شويَ أو في الليل . . خلنا نروح الفندق؟
صمت طويلاً حتى نطق بشتاتِ نظراته : بشوفها
عبدالرحمن دون أن ينظر إليه : بنتظرك تحت بالسيارة . . .
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليفتح باب غُرفتها، أغلقهُ من خلفه وبكل خطوةٍ يخطوها وعيناه لا ترمش، عقد حاجبيْه عندما نظر إليْها، وقف بالقُرب منها عند رأسها، وضع يدِه على شعرها البُندقي وأصابعه تُخلخله ببطء لا يُضايقها.
إني لأُعيذكِ من ضياعي، وأظنُكِ تزيدنهُ، وإني لأعيذك من حُبي، وأظنَكِ ترتكبينه. لا ذنب لكِ بما قتلتِ، إن كان مُرتكب الجريمَة عيناكِ وليست يداكِ، لا ذنب لكِ يا رتيل! سوى أنَ النور حين ينعكسُ على السمرَاء ـ يذبح ـ، وأنا وقعتُ بهذا الضيَاء، منذُ اللحظة التي كنت أسيرُ بها وألتفتَ من أجل ظلَك الذي ينعكسُ من النافذة، ومنذُ أن لمحت عيناكِ وأستهزأتُ بها، لم أكن أقصد الإستهزاء، ولكن الرِجال حين تلفتهُم عينانِ تُشبه عيناكِ يحاولون أن يخفُون ـ شدَة الإعجاب ـ بتصرفاتٍ مُقللة من شأنها، هذا كل ما في الأمر، لِمَ وصلنا إلى هذه النُقطة؟ أُدرك فداحة خطأي، ولكن من فرط الشقاء أصحبتُ أخافُ الفرح، أخافُ أن اقترب منه.
سحب الكُرسي من خلفه بقدمِه ليجلس بجانبها، وضع يدِه فوق كفَها الباردة، قرَبها من شفتيْه ليُقبَلها.
الظن الذي يجيئني في هذه اللحظة، أنه بمُجرد أن تُغادرين باريس ستُغادريني، كنت دائِمًا أخبرك أنني أعرفُ النهاية، أعرفُ ما سيحدثُ بنهاية المطاف، ستتكاثرُ اخطاءنا حتى يُصبح من فرط الجنون أن نتجاهلها ونعفُو عنها، لا أنتِ القادرة على الغُفران ولا أنا القادر على النسيان.
ترك يدها على بطنها، لينظرُ إلى ملامحها مرةً أخرى، همس : رتيل!
أجيبيني ولو لمرةٍ أخيرة، أُريد أن أرى عيناكِ وهي تُخبرني بحقيقةٍ لا يعكسُها لسانِك، أشتقت للحُب الذي تشي به نظراتِك.
عبدالعزيز إبتسم من الفكرة التي جاءتهُ، وقف لينحني عليها، قبَل جفنها النائم وهو يهمسُ بصوتٍ خافت : هنا الودَ . . ـ نزل إلى خدَها ـ و هِنا الحنان . . ـ اقترب من جبينها ليُقبَله ـ . . وهِنا موضع الإحترام . . .
في الوقت الذي كان يُلامس جُزء من صدره المنحني جسدها، همس : رتِيل، على فكرة إذا طلعت الحين ماعاد بجيك، يعني ماراح تصحين؟ . . .
دخلت الممرضة من خلفه ليرفع نفسه بسُرعة، إلتفت عليها، الممرضة بإبتسامة : توقعت أنها مستيقظة، لابُد أن تستيقظ لأن التخدير الذي أخذتهُ كان خفيفًا.
عبدالعزيز تمتم : أنا أعرف كيف أصحَيك . .
الممرضة : عفوًا؟
عبدالعزيز : شكرًا لكِ
خرجت الممرضة ليعود عبدالعزيز بإنحناءه عليها، بخفُوت : أبوك تحت، يعني أطلع؟ . . أطلع؟ . . . . اقترب بشدَة حتى لاصق أنفُها أنفه، همس : تبين تجرَبين موضع العشق؟ نسيناه . . . ـ قبَلها وأطال بقُبلته حتى بدأت تتحرك بتضايَق ـ
إبتعد عنها وهو يُعطيها ظهره حتى يحبس ضحكته التي قفزت نحو شفتيْه، بلل شفتِه بلسانِه وعاد إليْها : الحمدلله على السلامة
رتيل بقيْت لدقيقتيْن تنظرُ إليه حتى أستوعبت، أضطربت أنفاسها بإضطراب التركيز بنظراتها.
عبدالعزيز : أبوك تحت
رتيل : وينه؟
عبدالعزيز : أقولك تحت، بيرجع لك بس بيروح للفندق أوَل
رتيل بضيق وضعت يدها على ملامحها البارِدة، لترفع حاجبها : وش سوَيت؟
عبدالعزيز إبتسم : كنت أعلَمك فن القُبل
رتيل بغضب : بالله؟
عبدالعزيز ضحك ومن بين ضحكاته نطق : ما يصير تعصبَين بعدين تتعبين أكثر! . .
رتيل إلتفتت للجهة الأخرى حتى لا تراه، شعرت بأن نارًا تحرقُ حنجرتها.
عبدالعزيز : أفهم من كِذا إنك تطرديني؟
رتيل: ناد ليْ أبوي
عبدالعزيز بجديَة : رتيل
رتيل نظَرت إليْه، رفعت حاجبها بحدَة : وش تبي؟ ترى أبد طيحتي بالمستشفى ما نسَتني شي
عبدالعزيز تنهَد : ولا أنا أبيك تنسين شي، أنتهى كل شي هنا أصلاً
" لو كلمة تجبر خاطري فيها يا عزيز " كلمةٌ واحِدة قُل فقط أنَك أشتقت، إجعلني أشعُر ولو لمرَة أنني شيءٌ مُهم في حياتِك وأن مرضِي يعنيك، لِمَ جئت؟ لتزيد لوْعتِي و وجعي، جِئت حتى تُصيبني بخيبةٍ أكبر، أنتَ أسوأ رجُلٍ يُمارس رجولته عليَ، هذه الرجولة التي أقوى مما أحتمَل، وهي تجيئني بحُبٍ لا أستطيعُ أن أتجاهله، المعادلة الصعبة أن أجملُ الأشياء تأتِ منك و أوجعُها تُصيبني منك أيضًا، لا أدري مالحل؟ وماهي حيلتي وقلبي مُكبَل بهواك؟ في ذلك اليوم، عندما أغرقتني بقُبلاتِك وقُلت بين حشدٍ من ضحكاتِك " عندي خبرة بفنَ القُبل " قُلت لَك مقطعًا يجيئني دائِمًا كذكرى لعينيْك. " يا عاقد الحاجبيْنِ على الجبين اللجيْن، إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتيْن " قتلتني يا عبدالعزيز بسُمرتِك و حدَتها.
عبدالعزيز : ماراح تقولين شي؟
رتيل بعصبية وأعصابها تشتَدُ أكثر : مين لازم يقول؟ أنا ولا أنت؟ تحب تقهرني وتضايقني . . . ضعفت قوَاها وهي تبكِي وتحاول أن تُغطي ملامحها بالوسادة حتى لا يرى دمعُها الذي يسقطُ بوضوح ـ أحبك ـ في عينيْها.
عبدالعزيز حاول أن يقترب ولكن وقف بمكانِه، بهدوء : ماجيت أقهرك ولا أضايقك، جيت أتطمَن عليك
رتيل : كذَاب!!
عبدالعزيز : والله، كنت بروح الفندق أوَل عشان غادة . .
رتيل نظرت إليْه بمحاجرٍ ممتلئة بضياء الدمع، بإنفعال : وتطمَنت؟ أنا بخير الحمدلله، لكن بعد ما شفتِك ماني بخير!!
عبدالعزيز فهم تمامًا أنها متوترة و يتضحُ ذلك من كلماتها المتقطَعة وإنفعالها، أردفت ببكاء عميق وهي ترتجفُ بأنفاسها : عُمرك ماراح تحسَ، لين أموت ذيك الساعة بتتذكر وتقول والله فيه بني آدم ينتظرني
عبدالعزيز بضيق : بسم الله عليك
رتيل بصراخ : بسم الله عليَ منك . . أنت اللي تذبحني وأنت اللي تمرضني!!
عبدالعزيز بخفُوت : طيب إهدي خلاص، لا يرتفع ضغطك
رتيل بقهر وعيناها لا تجفَ : شف أنا وين أحكي وهو وين يحكي!! وتقول جايَ تتطمَن بعد؟ . . يارب بس أرحمني
عبدالعزيز بحدَة يقترب منها : رتيل خلاص!! بتخلين الممر كله يسمعك الحين
رتيل أخفضت عينيْها لتدخل بدوامةٍ من البكاء المستمَر، تنهَد وهو يضع يدِه على شَعرها : ليه أنفعلتي؟ ماحاولت أستفزك ولا أقهرك . . صايرة ما تتحملين كلمة مني
رتيل بإنكسارِ نبرتها : ليه تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز : ما سويت شي، لو أدري إنه جيَتي لك بتسوي كِذا ما جيتك، يهمني بعد إنك تكونين بخير
رتيل تُشتت نظراتها : يارب ساعدني بس
عبدالعزيز وهذه الدموع تكسرُه، وتُليَنه رُغمًا عنه، مسح ملامحها بأطراف كفَه : لا تبكين، توَ ما مرَ عليك يومين
رتيل نظرت إلى عينيْه القريبة منها ولا تفصلُه عنها سوى بُضع سنتيمترات، طال صمتهما.
أأمُوت أمْ مالعمل؟ ما كان بالبُعد خيرًا حتى أرضى به، خيْرِي يا عزيز معك وأنت شحيحٌ بالهوَى! وأنا لا أتنازل! مثل بقية نساء بلدِي اللاتي لم يعتادون التنازل ابدًا إن كان هذا يخلَ بكبرياءهم، كيف أتنازل؟ وأنا كنت صاحبة الرغبة والخطوة الأولى في كل أمورنا الفائتة؟ تذكُر؟ سألتني في أول زيارة لباريس " وين بتروحين " أجبتُك " جهنَم " و وقتها ضحكت وقُلت " كويَس بطريقي " أظنُك كنت صادق حينها، نحنُ في الجحيم و أنت لا تعطفُ عليَ أبدًا. لم يكن سيضرَك شيئًا لو تقدمت خطوةٍ للأمام وتمسَكت بي مثل ما أتمسَك بك في كل مرَة وأتجاهلُ أمر عقلي، لِمَ تفعل بي كل هذا يا عزيز؟ والله لا أستحق أن تُحزني بهذه الطريقة الموجعة.
عبدالعزيز بلع ريقه من نظراتِها التي تُزيده حُزنًا، أردف : بترجعون الرياض بس تقومين بالسلامة، شدَي حيلك
رتيل بقهر : بنرجع؟ طبعًا أنت منتَ منَا! طبيعي أصلاً ليه أسأل، عُمرك ماراح تكون منَا لأن عُمرك ماراح تفكر بأحد غير نفسك، كل مرة أقتنع أكثر إنك أناني وتحب نفسك أكثر من شي ثاني، وطريق بيوجعك تبعد عنه حتى لو أحد ينتظرك فيه وطريق فيه لذتَك حتى لو مافيه أحد ينتظرك مشيت فيه!!
عبدالعزيز : وأنتِ ظالمة! لأن عُمري ما فكَرت أمشي ورى رغبتي! شوفي حالتي اللي وصلت لها وعقب كل هذا تقولين أناني؟ بدآ حقدك يعميك فعلاً!!
رتيل بغضب : أطلع برا
عبدالعزيز نظر إليها طويلا حتى صرخت مرةً أخرى : أطلللع
عبدالعزيز ابتعد عنها، وبهدُوء : طيَب
رتيل من بين إندلاعات الحُرقة في صدرها وتصاعد البُكاءِ في عينيْها نطقت : ما أبي أشوفك . .
إتجه عبدالعزيز ناحية الباب وبمُجرد أن وضع يده على مقبض الباب حتى توقَف وهو يسمعها تبكِي وتُنادي ـ يُمَه ـ، للمرةِ الأولى يسمع لفظ " يمَه " من بين شفتيْها، كان يُدرك خسارتها لوالدتها ولكن لم يُدرك أن حزنها يتفاقم في كل لحظة تحتاج أن تبكي على صدرِ أحد.
دفنت وجهها بالوسادة وهي تستلقي على جمبها مُتجاهلة أمر إصابتها، أختنق صوتها بكلماتٍ كثيرة لا مجال لفهمِها : يارب . . ليه كِذا؟ ياربي . . . يا يمَه . . .
لم يقدر أن يفتح الباب ويخرج وهو يسمعها تبكِي بهذه الصورة، تنهد: يارب . .
عاد بخُطاه ليُبرهن لها أنه ـ يتمسك بها ـ رُغم أنها تُهينه، جلس على السرير بجانبها بعد أن أستلقت على جمبها وتركت مساحةً فارغة، سحبها برفق رُغم محاولاتها بأن تُبعده : أتركني
عبدالعزيز شدَها إلى صدره : أششش! خلاص
رتيل بإنهيارٍ تام لا فُرصة للسيطرة عليه، حاولت أن تضرب صدره وتُبعده ولكن ذراعيْه جمدَت حركاتها : ليييه!
عبدالعزيز وبدأ صوتِه يختنقُ معها : رتيل . . خلاص
رتيل وهي تحبسُ وجهها في صدره : تحبَها؟ طيب وأنا؟ ليه تزوجتني؟ ليه تسوون فيني كِذا؟ ماني حجر عشان ما أحس! ليه تلعبون في قلبي بمزاجكم؟ أنت وأبوي كلكم تعاملوني كأني عديمة إحساس . . تعببببت
عبدالعزيز قبَل رأسها ولمْ يحاول أن يُحرك وجهه بعيدًا عنها، ضلَت شفتاه تُلامس رأسها.
↚
رتيل ببكاء : ليه يا عزيز؟ أنت تدري وش في قلبي لك؟ كيف تقوى تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز وصدرُه يرتفع بعلوٍ ويسقطُ بذاتِ العلو، قلبهُ ينتفض من مكانه مع كل حرف تنطقه شفاهِها : إرتاحي، لا تفكرين بأشياء راحت
رتيل بعلوِ صوتها المُتعب : لا تقول لا تفكرين! هذي نفسي كيف ما أفكر فيها!! ياربي . . ليه لييييه
عبدالعزيز أبعدها عن صدرِه حتى يُحيط رأسه وينظرُ إلى عينيْها التي تُقابله : ما أحب أشوفِك كِذا، تذبحيني والله
رتيل : ما تعرف شعوري ولا راح تفهمه، بموت يا عبدالعزيز لما أفكَر إنك معاها، أحس بنار تحرقني! أنا ما أستاهل تسوي فيني كِذا، من البداية كنت تهيني مع كل كلمة، وبعدها أهنتني بأفعالك! وش جريمتي عشان تسوي كل هذا؟ عشاني بنت عبدالرحمن؟
عبدالعزيز : ماعاش من يهينك
رتيل بغضب : لا تحاول تقنعني بأيَ كلمة! أنت تهيني . . تهيني يا عبدالعزيز، حتى الحين تهين شعوري لما أبيَن لك كل شي وتجلس تجاوبني بأشياء ثانية
عبدالعزيز : كيف أجاوبك؟
رتيل تلفَ وجهها للجهة الأخرى : وش أبي بحُب أنا طلبته؟ إما تجي منك ولا ما أبيه . .
عبدالعزيز الذي مازال يحاوط وجهه أرغمها على النظر إليْه : الحين فهمت كلام ابوك لي، لمَا قالي لا تكوَن علاقات وصداقات مع أحد، فهمت وش كان يقصد
رتيل بحدَة نظراتها : الله يسلم أبوي كانه داري إنك إنسان بارد تجرح الواحد وتجي تداويه!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبحدَة نبرته : تدرين وش الفكرة اللي في بالي الحين؟ إنك جاحدة وظالمة
رتيل بغضبها الذي لا يهدأ دفعته بكفيَها الرقيقتيْن، لم يتحرَك من مكانِه ولم تهزَه ضربتها الناعمة : ليه رجعت؟ . . ما أبغى أشوفك
عبدالعزيز رُغما عنه إبتسم : ومتناقضة
رتيل : وأنت أناني وحقير وبارد و نذل و قاسي و متسلط وو . .
لم تُكمل من قُبلته المُفاجئة التي أعادت رأسها إلى الوسادة، ويديْه تُقيَد كفيَ رتيل، همس وهو يبتعد مقدار ـ 5 سم ـ عن شفتيْها : وعاشق
فتحت عينيْها وصدرُها لا يتنفسُ بسلام إثر الإضطراب الذي يعيشه ويجعله يرتفع بعلوِ الشهيق ويزفرُ بهبوطٍ شديد، نظرت إليْه وشحوب ملامحها يتحوَل للحُمرة، رفع عبدالعزيز نفسه عنها حتى لا يضغط على مكان الإصابة، ترك كفيَها ليقف بعد أن سمع صوتُ الباب، عبدالرحمن قبل أن ينظرُ إلى رتيل : وينـ . . صمت عندما رأى إبنته، أقترب منها : يا بعد عُمري، الحمدلله على السلامة . . قرَت عيوني
عانقتهُ بشدَة وهي تنظرُ من على كتفِ والدها عينيَ عبدالعزيز، أرادت أن تمتص الهدوء من جسدِ أبيها : الله يسلمك
عبدالرحمن أنتبه لتنفسها غير المنتظم، أبعدها لينظر إلى وجهها الباكي : وش مبكِيك؟ . . إلتفت لعبدالعزيز . . .
عبدالعزيز حكَ رقبته بتوتر وحرارة جسدِه ترتفعُ إلى أوجَها : كانت تبيك
عبدالرحمن عاد بأنظاره إليْها وهو يمسح وجهها ويُبعد خصلات شعرها الملتوية من على وجهها : شلونك الحين؟ حاسَة بألم؟
رتيل هزَت رأسها بالنفي و زادت عُقدة حاجبيَ والدها من أنفاسها التي تُشعره وكأنها ركضت للتو : فيك شي؟
رتيل بإبتسامة أرادت أن تُطمئنه : لا، . . أشتقت لك
عبدالرحمن يُقبَل جبينها : تشتاق لك الجنَة، وأنا أشتقت لكم والله بس الحمدلله عدَت على خير . .تنذكر ولا تنعاد يارب
رتيل : آمين . .
عبدالرحمن : تجلسين بروحك بس شويَ؟ بروح أنا وعبدالعزيز للفندق وبرجع لك بعدها
رتيل فقدت الإدراك بكل الكلمات التي يقولها والدها، وبقيْت صامتة.
عبدالرحمن بإستغراب : رتيييل
رتيل : ها
عبدالرحمن : وش فيك؟ شكلك مو طبيعي . . إلتفت لعبدالعزيز . . قايلها شي؟
عبدالعزيز : وش بقولها يعني؟ أصلاً توَها صحت وبكت على طول . . صح؟
عبدالرحمن أنتظر تأكيد رتيل الذي طال وأربك عبدالعزيز، نطقت وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : إيه
عبدالرحمن : طيب بتركِك وماني مطوَل عليك بس عشان ما ينشغل بالي على عبير وضيَ
رتيل : طيب
عبدالرحمن : إذا بتخافين بجلس عندِك
رتيل : لا عادي بنتظرك
وقف : يالله عبدالعزيز . . خرج وتبعه عبدالعزيز الذي إلتفت عليها بنظرةٍ أخيرة ـ تبتسم ـ.
رتيل وضعت يدها على قلبها لتستشعر الزلازل التي صابته، إلتفتت للشاشة التي تُبيَن صورة نبضاتِ قلبها، تأملتها لعلَها تفهم شيء ولكن لم تستنتج أيَ معلومة منه.
وضعت رأسها على الوسادة لتُتمتم : مجنون!
،
بدأت تدور حول نفسها بطريقة ـ غريبة ـ وهي تُفكر كيف تبدأ كلماتها معه، كيف تُخبره دون أن يغضب؟ كيف تجعلهُ يبتسم على كل قول ستنطق به؟
إن أخبرته أنني أكذب لن يصدقني بعد ذلك ورُبما يُعايرني ويقول لي أنتِ كذبتِي قبل هذه المرَة لن استغرب أن تكذبين مرةً اخرى، وإن لم أخبره سأشعرُ بالذنب دائِمًا ورُبما يقول لعائلته عنَي ويبدأون بالسؤال ويصل الأمر لأبي، إن وصل لأبي سيفضحني بالتأكيد أمامهم ويُهزأني! ماهي الطريقة الناعمة التي لن تُضايقني مستقبلاً ولن تضايقه أيضًا؟ يارب ساعدني بفكرة أستطيعُ بها أن أقنعه.
أوقف دورانها بيديْه : أنهبلتي؟
ريم شعرت بالدوار من طريقتها بالتفكير، نظرت إليه بعد ثوانٍ طويلة : أحب أفكر كِذا
ريَان إبتسم : كل شي عندِك غريب
ريم تشابكت أصابعها : ريَان بقولك شي
ريَان جلس على الأريكَة ورفع عينيْه : قولي
ريم أخذت نفس عميق وهي تُغمض عينيْه، أردف : وهذا بعد من طقوس تفكيرك
ريم جلست بمُقابله : لا تتمصخر! بس أحاول اقولك بطريقة لطيفة ما تزعجك؟
ريَان : يعني الموضوع يزعجني؟
ريم : أسألك سؤال
ريَان : أسألي
ريم : لو عرفت شي أنقهرت منه وش تسوي؟
ريَان بكذِب أراد أن يستدرجها بالقوْل : عادِي، أنقهر ساعة وأرضى
ريم : يعني منت من النوع اللي يعصَب ويجلس أيام وهو معصَب
ريَان : أنا؟؟؟ أبدًا ماني من هالنوع
ريم : طيب . . . يعني هو موضوع صغير بس صار كبير . . تذكر لما خليتك تكلَم يوسف عشان تتأكد من المرض وكِذا؟
ريَان : إيه؟
ريم تنحنحت : أنا أكذب . . . ـ بنبرةٍ طفولية وهي تحلف ـ بس والله العظيم والله يا ريَان إنه قصدي مو الكذب، بس كنت أبيك تعطيني وجه شويَ
ريَان كان من الممكن أن يغضب ولكن أمام نبرتها وهي تشرح جعلته ينظرُ إليها بجمُود.
ريم : يعني كانت حياتنا باردة مررة فقلت وش أسوي؟ مافيه إلا شي يخليك تفكر فيني! وماجاء في بالي غير هالفكرة وصديقتي جرَبتها يعني . . جربتها مع زوجها وتقولي إنه مرة تغيَر وحمستني . . وبس جرَبتها . . بس والله العظيم إنه الهدف كان هو الخير .. ولا أنا ما أكذب! وماني راعية كذب . . يعني هو الإنسان طبيعي ماراح يصدق في كل حياته، لازم يكذب أحيانًا كذبة بيضا عشان يمشَي حياته . . وهذي تعتبر كذبة بيضا ما ضرتَك ولا ضرتني . . بالعكس خلتك دايم تدلعني
ريَان : أدلَعك؟
ريم بربكة : يعني مو تدلعني بالصيغة المتعارف عليه، أقصد صرت شويَ حنون، حتى أهلك لاحظوه وقاموا يسألوني . . والله العظيم إنه امك سألتني
ريَان مسك نفسه عن الإبتسامة أمام حلفها المتكرر، ريم بضيق : وحتى صديقتي نفسها قالت لاتقولين له وتفضحين نفسك، خليها تمشي عليه عشان مايظن فيك ظن سوء، بس أنا قلت لا! ريَان عاقل ويعرف إنه أحيانًا نتصرف حسب النوايا
ريَان بحدَة : تتبلين على نفسك؟ مجنونة أنتِ ولا صاحية؟ بكرا تمرضين وساعتها ماينفعك كلام صديقتك!!
ريم : والله العظيم يا ريـ
ريان يُقاطعها : خلاااص لا تحلفين
ريم : أدري إني غلطت وأنا آسفة وأدري إني . .
ريان يُقاطعها مرةً اخرى : سكري الموضوع
ريم وقفت لتجلس على الطاولة القريبة منه : زعلان؟ . . والله العظيم يا ريَان إني أحلم نعيش بسلام وكِذا حياة وردية وحلوة . .
ريان قفزت على شفتيْه ضحكة قصيرة، جعلت ريم تبتسم.
بتنهيدة : وإحنا مو عايشين بسلام وحياة وردية على قولتك؟
ريم : يعني الحمدلله محنا سيئين لكن ما بيننا توافق لا في الإهتمام ولا الأفكار ولا شي . . يعني بتكون الحياة حلوة لو أهتميت بإهتماماتي وأنا أهتميت بإهتماماتك، أنا حتى لمَا أسألك وش الأكلة اللي تحبها تقولي مافيه شي محدد! يعني ماتخليني أعرف عنك شي بس أنزل المطبخ تقولي أفنان ريَان يحب سلطة الزبادي . . طيب قولي أحب سلطة الزبادي خلني أسويها لك
ريان بإبتسامة : وش دخل ذي في ذيَ ؟
ريم : إلا لها دخل، يعني أنت حاط حواجز بيننا، تحسسني إني زميلك بالشغل ماتشاركني أيَ إهتمام
ريَان : لأن فعلا ماعندي إهتمامات معيَنة
ريم بقهر : بس أفنان تعرف إهتماماتك من السمَا
ريَان : طيب وش تبين تعرفين ؟
ريم لانت ملامحها بإبتسامة : قولي كل شي عشان لا قالوا ريَان كِذا وكِذا، ما أجلس مفهية مدري وش السالفة وأطلع آخر من يعلم بمعلومة عنك كأني ماني زوجتك
،
عبدالمجيد يمدَ له كأس الماء : سمَ
فارس يأخذه ويشربُ ربعه بعينٍ تذبلُ شيئًا فشيئًا، وضع رأسه على الأريكَة وأغمض عيناه، لينام بسكينة الطِفل إن أُغمي عليه من التعب، وقف عبدالمجيد وجلب له ـ فِراش ـ غطاه جيدًا وأغلق الأنوار حتى لا ينزعج من شيء.
خرج لسلطان الجالس بسيكنته الخاصَة : بترجع للرياض الليلة ولا بكرا؟
سلطان : بعد شويَ بروح المطار
عبدالمجيد : توصل بالسلامة
سلطان : تنهَد : الله يسلمك، شلونه؟
عبدالمجيد : ماهو بخير أبد بس توَ نام . . .
سلطان بضيق : ما كان لازم يموت قدام ولده! بس قدَر الله وماشاء فعل، مهما كان مجرم بس الجريمة فعلاً إنه يموت بهالصورة!!
عبدالمجيد : إن شاء ربي رحمه وإن شاء غفر له، أمره بإيد الله مانقدر نقول شي ثاني
سلطان : جيبه معك الرياض لا تتركه هنا، أصلاً ماعاد له بيت هناك بعد! لو ينفع نخليه يشتغل بأي وظيفة أتوسَط له فيها . . أنت وش رايك؟
عبدالمجيد : يبي له فترة طويلة عشان يتقبل موت أبوه
سلطان : طيب أنت قوله أيَ شي يبيه أنا مستعد أسويه له، ترى الفراغ مو زين له! بيوْسوس فيه وبيخليه ينهبل من التفكير!
عبدالمجيد : بستشيرك بشي، خلنا نكلم عبدالرحمن يخلي بنته تجي له
سلطان رفع حاجبيْه بإستغراب : نعم! ليه؟
عبدالمجيد : يعني . .
سلطان يُقاطعه : تراه زواج على ورق ومحد راضي فيه
عبدالمجيد : لا غلطان! فارس راضي فيها وهي راضية بعد
سلطان بدهشة : متى أمداه يرضى هي وياه؟ . . وش ذا الحُب الرخيص اللي من يومين حبوا بعض!!
عبدالمجيد تنهَد : سلطان ماهو وقت تمصخرك!! جد يحبون بعض ولا تسألني كيف . . يمكن هي الوحيدة اللي بتقدر تطلعه من جو هالكآبة
سلطان : مستحيل يوافق عبدالرحمن عقب اللي صار! بيحفظ بناته بعيونه ولا راح يخلي أحد يقرَب لهم
عبدالمجيد : سلطان! أنا وياك لا أتفقنا بنقدر نقنعه ونبيَن له! وبعدين فارس ماهو سيء! بالعكس رجَال والنعم فيه وماله علاقة بإسم أبوه
سلطان : يعني وش قصدِك؟ تبيهم يكملون حياتهم مثل ايَ زوجين!
عبدالمجيد : إيه
سلطان ضحك من أفكار عبدالمجيد : أنت عارف كيف الزواج تمَ؟ مستحيل يكملون مع بعض
عبدالمجيد : مو توَك تقول مستعد أسوِي له أيَ شي؟
سلطان : بس عاد ماهو على حساب بنات بو سعود
عبدالمجيد : يعني بتترك مهمة الإقناع عليَ؟
سلطان تنهَد : وش أقوله؟ أقوله معليش يا عبدالرحمن خلَ بنتك تروح له؟ كيف بيثق أصلاً ؟
عبدالمجيد : لمَا نرجع الرياض على خير إن شاء الله بيكون فارس قدام عيونه وبيثق فيه وبيتطمن على بنته
سلطان مسح وجهه بكفيَه : طيب، بس يرجعون الرياض راح أكلمه ولو إني عارف وش بتكون ردة فعله
عبدالمجيد : كلامي مع كلامك بيفيد، أنت جرَب وش بتخسر؟
سلطان وقف : طيب اللي تشوفه . . أنا ماشي تآمرني على شي
عبدالمجيد : توصل بالسلامة
سلطان : ألله يسلمك . . . . وهو يسيرُ بإتجاه الباب إلتفت عليه . . ما سألتك كيف جتِك فكرة آسلي؟
عبدالمجيد بإبتسامة : أفكار سلطان العيد الله يرحمه
سلطان رفع حاجبيْه بإندهاش : صار لنا سنتين مدري 3 سنوات نقول فيه واحد إسمه آسلي وراح يجي يوم يقابله رائد وحالتنا حالة آخر شي يطلع واحد منَا!!
عبدالمجيد : لو بتفكر بكل الأشياء اللي صارت بتكتشف إنك ماتدري عن تفاصيلها
سلطان تنهَد : خل يجي سعد ويجيب أمل معه عشان أفرغ اللي بقى في داخلي
عبدالمجيد : لا سعد خلَه عليَ وأمل بتُحاكم حالها من حالهم
سلطان : و وليد؟
عبدالمجيد : لا عاد هِنا لا يلعب فيك الشيطان، وليد ما سوَا أيَ شي خارج القانون
سلطان : أجل خلني أبشرك الشيطان على قولتك وش يقولي، ودَي أشوفه بعد وأطلع الحرَة الخاصة فيه
عبدالمجيد بجدية : سلطان! جد أترك وليد عنك، لأنه هو تصرف مثل أيَ شخص راح يكون بمكانه . . لا تدخل المشاكل العائلية بموضوعه
سلطان نظر إلى ساعته التي تُشير إلى ـ هبوط المغرب على سماء الرياض ـ : وأنت مصدَق إني بروح له ميونخ، بس في خاطري طبعًا . . . يالله سلام . . . خرج ونزل بالسلالم وهو يكتب في الواتس آب لـ " جنتِي " ( الساعة 9 طيارتي يعني بوصل تقريبًا 3 الفجر )
لم تمَر دقيقة إلا وأضاء هاتفه بإتصالها، أجابها بصوتٍ مبتهج : يا هلا
حصَة : هلابِك، بشرني عنك؟
سلطان يُشير إلى التاكسي بالوقوف : بخير الحمدلله وأموري تمام، أنتِ شلونِك؟
حصَة : الحمدلله بصحة وعافية، خلصت شغلك كله؟
سلطان : إيه الحمدلله، بلغي السوَاق عشان يجيني المطار
حصَة : أبشر . . ما قلت لك ؟
سلطان : وشو ؟
حصَة : عايشة أسلمت
سلطان : ماشاء الله، متى ؟
حصة : أمس وأحزر من اللي أنطقها الشهادة؟
سلطان : أنتِ؟ ولا العنود جايتك
حصَة : الجوهرة، هي اللي معطتها الكتب أصلاً . . لو تشوف فرحتها
سلطان بإستغراب : الجوهرة بالرياض؟؟؟
حصَة : لا، كلمناها بالجوال . . ـ بنبرةٍ تستدرجه ـ . . إذا ودَك مرة تقدر تجيبها للرياض
سلطان : هذي اللي قالت يا سلطان ماعاد بفتح الموضوع معك
حصَة : يخي وش أسوي، بس أسمع صوتك أحس لساني يركض يبي يقول الجوهرة بأيَ سالفة حتى لو أنه مافيه سالفة
سلطان غرق بضحكتِه : مالِك حل
حصَة إبتسمت : بس آخر سؤال، كلمتها من جيت باريس ولا لأ ؟ يالله جبت لك سالفة إتصل عليها وقولها عن عايشة! ومنها تتطمن عليها بدون ما تجرح كبرياء سموَك!!
سلطان بلع ريقه متنهدًا : كلمتها، وتطمنت عليها
حصَة : جد؟
سلطان : إيه والله اليوم الظهر كلمتها
حصة : وشلونها؟
سلطان بضحكة : يعني ماتدرين؟
حصة : لازم أعرف الحال من ناحيْتك
سلطان : أبد الله يسلمك تقول إنها بخير الحمدلله
حصَة : وش رايك تروح لمطار الملك فهد؟
سلطان : الطيارة بمزاجي، أقولهم نزلوني بالدمام ؟
حصَة بخبث : يعني أنت تبي الدمام؟ وعذرك الطيارة؟
سلطان : لا أنا أجاوبك على سؤالك . .
حصَة : طيب تعال خلني أشوفك وترتاح وأقرأ عليك كود الشياطين تهجد وتقولي . . ـ تقلد نبرته ـ . . والله يا حصة عندي مشوار للشرقية
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله . . لا تخافين بجي الشرقية
حصَة غرقت بضحكتِها : والله إني دارية
سلطان : طبيعي بجي . . بشوف أبوها بعد
حصَة : رجعها يا سلطان
سلطان بإستفزاز : عدَتها بتنتهي إن شاء الله و . .
تُقاطعه حصة بإنفعال : قل آمين . .
سلطان بضحكة : حصة بسألك سؤال جد
حصة : وشو مع إنك ما تستاهل
سلطان : الجوهرة بأيَ شهر؟
حصة ضربت صدرها بيدها : عسى السما ما تطيح علينا! مرتك يا سلطان . . تعرف وش يعني مرتك؟ مفروض عارف هي في أيَ يوم حتى؟
سلطان تنهد : تبيني أذكرك إني ماعرفت بحملها إلا متأخر وش يدريني متى حملت ؟
حصة : إيه صح . . بس ولو كان مفروض تسأل . . هي بالشهر الثالث
سلطان : باقي لها 6 شهور ؟
حصة : إيه 6 شهور إن شاء الله . . يعني على صيف 2013 بتولد بإذن الله . . . الله يسهَل عليها
سلطان : بس يولدون بالسابع؟
حصَة : سلطان معلوماتك الطبية زيرو . . فيه ناس حتى تولد بالثامن . . يعني ماهو شرط يا السابع يا التاسع . . تدري إنه فيه حريم يوصلون لبداية العاشر
سلطان : أدري بس أبي أعرف متى يكون وقت ولادتها
حصَة : يارب يارب يارب إنها تولد بالرياض
سلطان : أنا أفكر وين وأنتِ وين، أنا بس ما أبي يكون عندِي دوْرة برا أو مسافر
حصة بحدَة : طبعًا، أهم شي عندك شغلك . . ما أقول الا مالت عليك وعلى اللي متحمس! قلت يسأل متى ولادتها يعني مهتم! أثاريك تبي تنسَق عشان ماتكون مسافر
،
سحبها لصدره بقوَة، وقفت على أطرافِ أصابعها وهي تستنشقُه بلهفة، قبَل رأسها وهي تُخفضه باكيَة، بهمس : لا تبكين!
غادة أبتعدت حتى تنظرُ إليه بنظراتٍ يُضيئها الإشتياق : الحمدلله الحمدلله . . كنت راح أموت لو صار لك شي
عبدالعزيز : بسم الله عليك . . قبَل جبينها وهو يُطيلها بذكرى ـ والدتِه و والدِه و هديل ـ . . خلينا نطلع من هنا
غادة مسحت ملامحها من آثار البكاء التي تغزُوها، مسكت يدِه لتخرج من الفندق وهُم يسيران على الرصيف.
كنت أشعرُ ولوهلة أنني فقدتُ عائلتي المتمثلة بِك، أنت ليس وحدِك يا عزيز! أصبحت تقفُ بهيبة أبي وعناق أمي وضحكة هديل، إن فقدتُك! فقدتُ عائلتي مرةً أخرى وهذا مالاطاقة ليْ به، يكفيني فقدُ واحِد لا أريد للتجربة أن تتكرر! أُريدك أنت، وأن أعيش على شُرفة صوتِك وأنسى كل ما مرَ خلال هذه السنـة، أحتاجُك يا ـ أخوي ـ ولا أملكُ أيَ سدًا يمنعُ حاجتي لك، أصبحت كل شيء في حياتي، وأخافُك! والله أخافُ أن تستيقظ عيني في يومٍ ما ولا أراك، وأخافُ من هذه الوحدَة أن تُطيل بعتمتها، أرجُوك بدَد الظلام بعينيْك و أجعلنا / نعيش. فقط نعيش.
غادة : وين كنت باليومين اللي فاتوا؟ وش صار لك؟
عبدالعزيز : شغل، لكن أنتهى
غادة بتوتر عميق : وناصر معاك
عبدالعزيز إلتفت عليها وبنبرةٍ تحملُ معنى أعمق : إن شاء الله أنه معايْ
غادة : وينه؟
عبدالعزيز : راح يجي . . مخنوق من باريس و لا عاد لي نفس أمشي بشوارعها! راح نطلع من هنا لأيَ مكان غير الرياض
غادة شدَت على كفَه وهي تُسانده : المكان اللي بتروح له راح أروح له معاك
عبدالعزيز بوجَعٍ يُرجف قلبه : بس يجي ناصر راح أقوله، راح نبني حياتنا بعيد عن باريس والرياض وكل مكان فيه أحد يعرفنا، راح نبدأ من جديد
غادة التي فهمته جيدًا : وش منَه موجوع؟
عبدالعزيز صمَت وأكمل معها السيْر، وقفت غادة لتُجبره على الوقوف : قولي!
عبدالعزيز : موجوع من كل شي حولي، أبي أبعد بأقرب فرصة من باريس
غادة : و رتيل؟
عبدالعزيز أتاهُ السؤال بغتةً ليصمت.
غادة : قالوا لـك؟
عبدالعزيز : وصلني الخبر
غادة : رحت شفتها؟
عبدالعزيز : إيه كنت عندها
غادة : شلونها؟
عبدالعزيز : بخير إن شاء الله بتقوم بالسلامة بسرعة
غادة : ماراح تجلس عندها
عبدالعزيز تنهَد : غادة لا تشغلين نفسك بأموري . . خل يجي ناصر بس وارتاح
غادة : بس . .
يُقاطعها : قلت لك لا تشغلين نفسك فيني . . أشار لتاكسي بالوقوف ليركبان ويتجهان نحو شقتهما . .
إلتفت عليها عبدالعزيز : أخذي كل أغراضِك، ماراح أجلس الليلة هِنا
غادة : خلنا نروح المستشفى
عبدالعزيز : لا يا غادة . .
غادة : عبدالعزيز ما يصير . . خلنا نروح
عبدالعزيز : ليه كل هالحدَة عشانها؟ وش سوَت لك؟
غادة : ما سوَت ليْ شي بس مكسور قلبي عليها، وهي زوجتك أصلاً يعني مفروض أنت أكثر واحد توقف بصفَها الحين
عبدالعزيز تنهَد : رتـ . . أقصد غادة
غادة إبتسمت : إيوا رتيل . . عبدالعزيز روح للمستشفى
عبدالعزيز بضيق : ما نمت وواصلة معي ونفسيتي بالحضيض طبيعي بخربط، واللي يرحم والديك لا تضغطين عليَ
غادة : هذا طلب مني؟ ترَد لي طلب؟
عبدالعزيز صمت لثوانِ طويلة حتى نطق : توني كنت عندها، الله يخليك يا غادة
غادة : بسألك سؤال وجاوبني بصراحة
عبدالعزيز : عارف وش بتسألين عشان كِذا لا
غادة : وش بسأل ؟
عبدالعزيز : أثير ولا رتيل؟
غادة أبتسمت بإندهاش : لأني مصدومة منك كيف تزوجت مرتين بسنة وحدة؟ الأولى رتيل وبعدها أثير! طبيعي بسأل ليه؟
عبدالعزيز : راح أقولك كل شي بوقته
غادة : بس أنا أبي أسمع الحين، قلبي يقولي إنه قلبك مافيه الا شخص واحد وهو رتيل بس ليه أثير؟
عبدالعزيز : ومتى أكتشفتِ هالشي؟ بهالسرعة قدرتي تحللين الموضوع؟
غادة : أنا إحساسي يقول كِذا لأن عُمرك ما قلت أبي أثير! حتى كنت دايم تنزعج لمَا نذكرها عشانِك
عبدالعزيز إتسعت محاجره : تتذكرين؟
غادة عقدت حاجبيْها : إيه أتذكر
عبدالعزيز بدهشة : تتذكرين كل شي ؟
غادة بلعت ريقها برجفة : وش فيك عبدالعزيز؟ أتذكر بعض الأشياء اللي فاتت . .
عبدالعزيز تنهَد : يعني تتذكرين وش صار قبل الحادث؟
غادة : كانت ليلة عرسي . .
عبدالعزيز : إيه صح . .
وصلا إلى العمارة التي تضمَ شقتهم، نزل لينظر إلى الجسد الذي يُعطيه ظهره، بصوتٍ حاد : ناصـــر
إلتفت عليه بعد أن طال إنتظاره له، عبدالعزيز تقدَم إليه : وين كنت؟ تعبت وأنا أدوَرك؟
ناصِر : رحت أدوَر وليد . .
عبدالعزيز بغضب : طيب ليه ما قلت ليْ؟ توقعتك تحللت من النار وأنت جالس تدوَر وليد!!! وأصلاً هو ماهو فيه!!
ناصِر بضيق نظر إلى غادة الواقفة بجمُودٍ خلف أخيها، أكمل : المهم أسمعني تروح تجيب جوازك وتحضَر شنطتك وبنطلع الليلة من باريس!!
ناصر : وين بنروح ؟
عبدالعزيز بعصبية : أيَ زفت! المهم ما نجلس هنا، نروح للندن أقرب شي وبعدها نفكر بأيَ مكان ثاني . . طيب؟
ناصر : طيب . .
↚
عبدالعزيز : روح الحين لشقتِك وجيب أغراضك وبنتظرك هنا
ناصر تنهَد : طيب . . . دخل عبدالعزيز إلى العمارة وضلَت غادة واقفة، أطالت بنظراتِها وأطال هو بتأملها.
أعرفُ هذه النظراتِ جيدًا! وأعرفُ سرَها، لم تتغيَر يا ناصر، مازلت الرجل الأسمَر المبعثِر لكل خليَة إتزان تحفَني! مازلت الرجلُ الذي اطل من النافذة كل يوم لأراه، والذي يجذبُني إليه كالمغناطيس، مازلت الرجُل الذي أحبه ومازلت أُحبه لأن فطرتِي / هي حُبه. عُدنا!
دخلت دون أن تنطق شيئًا، وقف عبدالعزيز في منتصف الدرج ينتظرها، مشت معه ناحية الشقَة، حاول أن يفتحها ولكن لاحظ أنها مُقفلة والمفتاح بها، ثوانٍ قليلة حتى تقدَمت أثير وفتحته وهي التي تنتظره من الصباح، تجمدَت عيناها برؤية غادة، أبتعدت عدَة خطوات للخلف برهبة من الذي تراه، إرتعش جسدها بأكملها وعيناها مازالت تتسعُ أكثر وأكثر بوجودِ غادة.
من رهبتها أستثار الخوف معدتها حتى شعرت بالغثيان، إتجهت نحو المغاسل لتتقيء صدمتها من الحياة التي تجيءُ بغادة.
إلتفتت على عبدالعزيز : خافت؟ ماكانت تدري عنَي صح؟
عبدالعزيز تنهَد : أدخلي أجلسي وأنا أروح أشوفها . . . إتجه إليها . . أثير
تمضمضت وأخذت المنشفة تمسحُ وجهها الذي شحَب، وبرجفة تقطعُ صوتها : هذي غادة!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه : إيه، قبل فترة عرفت بوجودها وشفتها
أثير بلعت ريقها بصعوبة : يعني حيَة؟
عبدالعزيز بإنفعال : وش فيك؟ أقولك حيَة وتسأليني عقبها!!
أثير : قلبي وقف حسبت إني أتوَهم ولا شي
عبدالعزيز مسح على وجهها : لا تتوهمين ولا شي
أثير : وين كنت طيب كل هالفترة؟
عبدالعزيز : شغل مقدرت أطلع منه، حتى غادة نفسها توني اليوم مرَيتها
أثير تذكرت أمرُ رتيل لتلفظ : أًصلاً انا أبغاك بموضوع
عبدالعزيز : وشو ؟
أثير : ست الحسن والدلال عارف وش سوَت فيني؟
عبدالعزيز تنهَد : أثير واللي يرحم والديك نفسيتي واصلة للحضيض ماني متحمَل أيَ شي
أثير : لا لازم تعرف، مزوَرة تحليلي الطبي ولا تسألني كيف لأني أنا مدري وش نوع الجنون اللي في مخها! ومخليتني لأيام أصدَق إني مريضة وقلبي يعاني! وآخر شي أروح المستشفى وتقولي الدكتور كل شي فيك سليم و أنه فيه وحدة كلمتنا وشرحنا لها وطبعًا مافيه وحدة بالشقة غيرها
عبدالعزيز بعدم تصديق : هي سوَت كِذا؟
أثير : أقسم لك بالله إنه هذا اللي صار، ولو تبي روح للمستشفى وكلم دكتورتي وبتعرف بنفسك إنها أتصلت وغيَرت التحليل
عبدالعزيز : طيب
أثير بإنفعال : وش طيب؟ أنا ماراح أجلس أنتظرها تطبَق جنونها عليَ وعليك، عبدالعزيز يا أنا يا هيَ
عبدالعزيز بحدَة : أثيـــر، قلت طيب يعني أنهي الموضوع . . تركها وإتجه للصالة.
أثير تمتمت : طيب وراك وراك لين تطلقها!!
غادة : كيفها الحين؟
عبدالعزيز : بخير لا تشغلين بالك،
غادة : ماراح تروح لرتيل؟
عبدالعزيز : وش قلت يا غادة؟
غادة بضيق : لأني أبي أتطمن عليها بعد، هي ما قصرت طول ما كنت معها
عبدالعزيز : غادة! يا روحي لا تزيدينها عليَ
غادة : ماني قادرة أفهمك وأفهم تصرفاتِك . . بحدَة أردفت . . لو القرار بإيدي ولو كنت مكانك ما كنت تركتها إلى الآن!! . . روح يا عبدالعزيز ما يصير كِذا
عبدالعزيز : مصدوم منك يا غادة على وقوفك الحادَ معها؟ طيب وانا وش سويت؟ رحت لها وأهلها الحين عندها.
دخلت أثير لتُقاطع حديثهم، تنحنحت كثيرًا حتى نطقت : مساء الخير غادة
غادة إبتسمت : مساء النور . . شلونِك الحين؟ عساك أحسن؟
أثير صمتت بعد أن سمعت صوتها، تحاول أن تستوعبْه لثوانٍ طويلة : بخير
،
إبتسم عبدالرحمن حتى رفعها عن مستوى الأرض بخفَة : يا رُوحي!
عبير بضيق : أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك أشتقت لك . . . كررتها كثيرًا حتى قاطعتها ضحكةُ والدها.
تقدَمت ضي على صوتِ ضحكاته، ببهجة : ما بغيت!!
أنزل عبير ليتقدم ناحية ضي وعانقها وهو يُغرقها بقبلاتِه، همس في إذنها : وحشتيني
" أشتقتُك، توحشتك، وحشتني " و كل مصطلحات الحنين لن تكفي لشرح وتوضيح مقدار شوْقِي لعناقِك و رائحتِك، في كل مرةٍ اتأكد بأن لا حياة أستطيع أنظر إليها وعيناك لا تُشاركني النظر، لا أستطيع العيْش بهناء وأنتَ بعيدٌ وتحملُ في قلبك هناءي! إني على الرُغم من كل شيْء يحصل ويحدثُ في حياتِنا إلا أنه سبب رئيسي يجعلني أقول دائِمًا " الحمدلله علِيك وش كثر أحبك! "
عبير : شفت رتيل؟
عبدالرحمن : توني كنت عندها، هي بخير الحمدلله . . بس تطلع بالسلامة راح نرجع على طول الرياض
عبير : طيب وش سويتوا؟ وش صار معكم؟
عبدالرحمن : كل أمورنا بخير الحمدلله، حققنا اليوم نجاح كبير لله الفضل والمنَة
ضيَ : الحمدلله، يعني أنتهى كل هذا؟
عبدالرحمن : إيه الحمدلله أنتهى كل شي هنا في باريس
عبير أرادت أن تسحبُ منه خبر عن فارس ولكن لم تستطع ان تسأل بطريقة غير مباشرة، جلست على طرف السرير : غادة طلعت قبل شويَ قالوا إنه عبدالعزيز جاء
عبدالرحمن : إيه هو سبقنا وجاكم . .
ضيَ : كلكم بخير؟
عبدالرحمن : كلنا الحمدلله
ضيَ إبتسمت : الحمدلله . . طيب خلنا نروح لرتيل ونشوفها
عبير : إيه خلنا نروح
عبدالرحمن : بس برتاح ساعتين على الأقل وبعدها بنروح كلها إن شاء الله . .
ضيَ : نوم العوافي
عبدالرحمن : الله يعافيك
عبير بتوتر جلست : وش صار مع رائد؟
عبدالرحمن : مات
عبير شهقت : وشو!!!
عبدالرحمن نظر إليها : مات الله يغفر له . . وش فيك تفاجئتي؟
عبير : آآآ . . لا بس أنصدمت شويَ . . كيف مات؟
عبدالرحمن : تعرَض لطلق نار، الله يصبَر ولده بس
عبير بللت شفتيْها بلسانِها من الربكة : ولده كان موجود هناك؟
عبدالرحمن : إيه، أكيد صعبة عليه يموت أبوه قدامه!!! . . الله لا يفجعنا بأحد ويرجَعنا الرياض سالمين
عبير همست وبدأت أفكارها تدور حول فارس : آمين . . .
،
بعد ـ شهريْن ـ
في الرياض تحديدًا، ( منزل عبدالله القايد )
تقف على أطرافِ أصابعها وهي تقرأ بضحكَة الأوراق التي كتبها فيصل : وهذي بعد . . كما لو أنكِ جئتِ حتى تبثَين بيْ الحياة. . هالله الله!
فيصل المستلقي على الأريكة وينظرُ إليها بتركيز : وش بقى ما قريتيه ؟
هيفاء : طيَحت قلبي يومها، وقمت أصيح ورحت كلمت أبوي قلت السالفة فيها إنَ بس زين ما طلعت مثل ما انا فاهمتها
فيصل وقف ليهجم عليها بضحكة وهو يأخذ منها الأوراق، عانقها من الخلف وهو يهمسُ بإذنها : ما أحب أحد يقرأ شي كتبته
هيفاء إتسعت إبتسامتها : خلاص راحت عليك! كل الأوراق قريتها وفتحت كل الكتب . .
فيصل كان سينطق شيئًا لولا حضور ريف التي تكتفت : ماما تقول أنزلوا على الغدا
هيفاء تنحنحت وهي تحكَ رقبتها من المنظر الذي دخلت عليه ريف، نزلت ومن خلفها فيصل الذي حمل بين يديْه ريف وأغلقها بقُبلاته : ثاني مرَة دقي الباب بعدها أدخلي
ريف : دقَيته بس ما سمعتوني
هيفاء إلتفتت عليها بحرجٍ كبير : فيصل خلاص
فيصل عض شفتِه حتى يُمسك ضحكته ويُنزلها، أقترب من والدتِه وقبَل رأسها، نظر إلى الطاولة المُجهَزة بأكلٍ يُغريه تمامًا : يسلم لي هالإيدين
والدته : عساه عافية . .
هيفاء جلسَت بمُقابله، أخذت نفس عميق من السعادة التي تُحيطها بوجودِ فيصل.
ظننتُ بك أول ما قرأتِ الأوراق سوءً ولكن أدركتُ تمامًا أننا أحيانًا نتصرفُ بطريقةٍ بشعة ولكن غايتنا منها / ضحكَة وفرحة، أنا ممتنة للأيام التي تجمعني معك تحت سقف واحِد وممتنة لطعم الحُب الذي تذوقتَه مِنك، وللضحكة التي بادلتني بها، أنا ممتنة لأولِ لحظة قبلتني بها وجعلتني أشعرُ بأن حياةً قضمت قلبي وليست شفاهِك، أنتَ أجملُ شيءٍ حصل بحياتي وأحلمُ بطفلٍ ينمو بين أحشائي يحملُ دماءِك، أحلمُ باللحظة التي أسمعُ بها أنني حامل، وأثق أنه سيجيء هذا اليوْم، سيجيء وأنتَ حبيبي.
،
" عبُود قام يمشي، يسلم لي قلبه "
نطقها وهو يُلاعبه، رفع عينه لوالدته : شايفة قام يمشي
والدته بإبتسامة : الله يحفظه ويخليه . .
أبو منصور : عبدالله . . . هرول عبدالله الصغير إليه حتى سقط بحُضنه، رفعه وأغرقه بقبلاته : يا زينه يا ناس
والدته : يوسف ما أتصل عليك؟
منصور : أكيد وصل حايل . . إن شاء الله ما يرجع الا معها
والدته : والله خايفة تصمم على رآيها
منصور : وبيصمَم يوسف بعد على رآيه، طول أمس أنا من جهة وعلي من جهة وحشَينا راسه عشان يروح
والدته : والله مهرة وش حليلها بس رآسها يابس! ذا عيبها
منصور إبتسم : ما تنلام بعد . . . إن شاء الله إنه نجلا ما تطوَل عشان ما تخرَب مزاجي
: هذي نجلا جتَ قبل لا يخرب مزاجك
منصور رفع عينه : ساعة أنتظرك . . المُشكلة عزيمة أمها مفروض مهتمة اكثر مني
نجلاء : شايفة خالتي ولدك وش كثر متحلطم؟
أم منصور : منصور زوَدتها
منصور وهو يقترب منها، قرص خدها : نمزح مع أم عبدالله . . ضحكت نجلاء وهي تحمل بين يديْها عبدالله الصغير : مع السلامة . . . ركبت السيارة . . . يالله منصور تذكَر اليوم وشو ؟ ولا والله بزعل
منصور ضحك وهو يلتفت عليها : يوم ميلادك مير إني ما أعترف فيه أنا آسف
نجلاء بضيق : طيب قول كل عام وأنتِ بخير لو جبر خاطر
منصور بإبتسامة : كل عام وأنتِ بخير وسعادة و فرحة و صحة وعافية و . . وش بعد تبين ؟
نجلاء إبتسمت عيناها التي تُضيء بالدمع : وكل عام وأنا أحبك . .
منصور : وكل عام وأنتِ تحبيني
نجلاء ضربت كتفه : قول وأنا أحبك؟ رومانسيتِك تحت الصفر
منصور سحبها حتى يُقبَل رأسها : أنا رومانسيتي أفعال . . حرَك سيارتِه وعينا عبدالله على الطريق والأضواء التي تُثير إنجذابه.
وأيضًا أُحبك، مرَت سنـة ونصف على زواجنـا ومازلت أشعرُ بحماسة الحُب وشغفه وكأنها أول ليلة معك، أنت النصيبُ الصالح الذي كُنا ندعو إليه وأنا قسمتُك، ممتنـة للحياة التي تجعلني أتمسكُ بك دائِمًا وأبدًا، ممتنة لعبدالله الذي وثَق حُبنا بميلادِه، وفي كل سنَة أكبرُ بها أشعرُ بأن حُبك مازال صبيًا في داخلي، لا يشيخ شيئًا عيناك تحفَه يا منصور.
،
" الصِدف أحيانًا تخلق السعادة لكن نفس الصِدف أحيانًا تكون سبب تعاسـة "
أغلقت صفحة ـ نواف ـ بتويتر وهي تقرأ آخر تغريدة له قبل شهر، وهي تتنهَد، من فرط خيالها أن تتوقع بإمكانها من الزواج من شخص لا يعرف عنها شيء، أقبلي يا أفنان بالوقع، هذا الوقع! كيف سيجيء ويتزوجني هكذا؟ منطقيًا هذا لا يحدُث، ولكن أردتُ لو صدفَة تخلقُ سعادتي، لو شيئًا يحدُث يجعله يطرق باب منزلنا، لم أشعرُ أنني أحبه بهذه الشدَة في وقتٍ سابق ولكن هو أول شيءٍ أفتح صفحته قبل أنام وعندما أستيقظ، أصبح جُزءٍ من يومي، تمنيَتُ أن يتحقق لي ولو كان خيالاً أؤمن به حتى يجيء حقيقة، ولكن لا حُب يأتِ بهذه الطريقة ولا حياة تُبنى بأساسٍ خيالي.
رفعت عينها للجوهرة التي دخلت عليها : وش فيك جالسة بالظلمة؟
أفنان تنهدَت : نسيت لا أشغَل النور
الجوهرة إبتسمت : جايبة لك خبر يعني ممكن حلو وممكن لا . . على حسب
أفنان : وشو ؟
الجوهرة : أمي قالت لي أقولك لأنها تقول محد يعرف يتفاهم مع أفنان غيرك
أفنان وقفت بربكة : إيه وشو قولي؟ خرعتيني
الجوهرة : فيه ناس أتصلوا وأطلبوك لولدهم
أفنان : مين؟
الجوهرة : ما تعرفينهم، شفتي خوال زوج هيفاء . . منهم
أفنان بضيق : طيب وش إسمه؟
الجوهرة : إسمه نايف، يشتغل بنفس المكان اللي فيه فيصل زوج هيفا . . ويعني الرجَال كويس ويقولون أخلاقه حلوة وأمي تقول إذا وافقت أفنان بلغت أبوك
أفنان جلست بخيبة لا تدري لِمَ أتاها أمل أن تسمع إسم ـ نواف ـ بآخر لحظة.
الجوهرة : وش فِيك ضقتِ؟ استخيري وشوفي! أما إذا تفكرين بنواف فأنتِ مجنونة
أفنان : ما أفكر فيه
الجوهرة : لا تكذبين!!! أفنان صدقيني بتتعبين إذا بتفكرين بشخص شفتيه بالصدفة . .
أفنان ضاقت محاجرها : طيب خلاص أرَد على امي بعدين
الجوهرة : أنتِ عارفة بقرارة نفسك إنه مافيه زواجات كِذا! شافِك يومين وقال بخطبها، يعني هي تصير بس مو دايم! وحتى أنتِ ماتعرفين عنه شي . . يمكن متزوج يمكن عنده عيال بعد . . . ويمكن اللي في داخلك مُجرد إعجاب وبينتهي . . . . أستخيري وشوفي
طلَ ريَان عليهما : أنتِ هنا وأنا أدوَرك
الجوهرة إلتفتت : ليه ؟
ريَان : سلطان تحت
الجوهرة إرتجفت أطرافها وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : جد ؟
ريَان : إيه . . بالمجلس مع أبوي
الجوهرة : طيب بنزل له
إتجه ريَان لغرفتِه وأول ما فتح الباب رأى باقة ورد بوجهه، إبتسم : ريم؟
أبعدت ريم باقة الورد من أمام وجهها : بمُناسبة حصولك على ترقية بالشغل
ريَان : عندي حساسية من الورد
ريم بإحباط : جد عاد ؟
ريَان بضحكة أخذها : تسلمين
ريم إبتسمت : الله يسلمك . . مسكت يدِه لتذهب به إلى الغرفة الأخرى، وبمًنتصف الطاولة كيكة ناعِمة بلونِ الفانيلا.
ريم : تعبت وأنا أنتظرك بغيت أصلي ركعتين عشان تحنَ وتجي الغرفة
ريَان بإبتسامة : شكرًا
ريم : عفوًا . . طيب قول كلمة ثانية غير تسلمين و شكرًا
ريَان إلتفت عليها وبدأ الإحراج يتضح عليه : آآآآ. . شكرًا بعد
ريم غرقت بضحكتها : خلاص راضية فيها . . .
لو أنني بقيتُ على احلامي لمَا تقدمتُ لحظَة، كان لزامًا عليَ أن أُجهض أحلام الصِبا الورديَة وأتعايش مع واقعي، كان لِزامًا أن أتقبل ريَان بسلبياته، التي أصبحت بنظري الآن نوع من الإختلاف لا أكثر، تعلَمت كيف أخلقُ من هذا الواقع حلمًا ورديًا طويل الأمَد، حتى نظراتِك أصبحت بالنسبة لي شيءٌ مقدَس، أشعرُ دائِمًا أن نظراتِك معي تختلف، وهذا يُشعرني بأنني لستُ عاديَة بحياتِك، بالنسبـة لك يا ريَان / أنا أُحبك.
،
بدأت قدمِه بالإهتزاز وهو ينتظرُ حضورها إليْه، طال إنتظاره ويخشى أن لا تخرج إليْه، رُغم أنه لم يسمع صوْتها منذُ تلك الليلة ولا يدري ما تغيَر بها، حتى ملامحها أشتاقُها بشدَة.
قاطعت أفكارِه بدخولها، رفع عينه إليها تابعًا وقوفِه، طال الهدوء بينهما وهو يتأملها بلهفة الشوْق بعد أن غابت عن عينيْه لمدَة طويلة.
مُهرة : مساء الخير
حاولت أن تتجاوزه وتجلس ولكن ذراعِه قاطعت سيْرها، بشدَة سحبها إليه وعانقها، لم يستطع أن يُقاوم حضورها بعد كل هذا الغياب.
كيف أستطعتِ أن أعيش كل هذه الفترة دون صوتِك؟ و عيناكِ؟ أشتقتُ إليْك، وبلغت من شوْقي الصبَابَـة، لِمَ نبتعد من أجل هذا الكبرياء؟ كل خطوة وكل إنفصال بالحُب سببه الكبرياء الذي لو نروَضه قليلاً لقَدِرنا على العيْش بسلام.
مُهرة إرتجفت واترفعت حرارة الحُمرة بجسدِها من عناقه، همست : يوسف
أبتعد عنها لينظر إليْها : كيف تضيَعين نفسك كِذا ؟
مُهرة بضيق : يوسف الله يخليك لا توجعني
يوسف : جايَ عشان آخذك
مُهرة : تكلمنا بهالموضوع
يوسف : إيه تكلمنا! لكن لمَا يكون سبب الطلاق مقنع أبشري بوقتها لكن عشان أخوك اللي مات الله يرحمه ولا يدري عنك طبعًا لا
مُهرة أمتلأت عينيْها بالدموع : يوسف أرجوك!!
يوسف : أنتِ اللي أرجوك! . . ما يصير تهدمين كل شي عشان سبب واحد؟ وفيه مليون سبب عشان نكمَل
مُهرة ببكاء : حط نفسك مكاني، تخيَل كيف بناظر أهلك؟ والله مالي وجه
يُوسف بإنفعال : وش دخلك فيهم؟ أصلاً حتى هم قبل لا أجيك يكلموني ويقولون خلَك مصمَم عليها . . والله العظيم إنه أمي تنتظرك وتبيك
مُهرة أخفضت رأسها، أردف : مالي خاطر عندِك ؟
مُهرة بإندفاع : إلا طبعا
يوسف إبتسم : طيب؟
مُهرة : أحس أفكاري تشتت، مو قادرة أفكَر صح
يوسف : أنا أفكر عنك وأقولك جيبي أغراضِك وخلينا نمشي عشان نوصل الرياض بدري
مُهرة : يوسف
يوسف : لا يوسف ولا غيره . . بنتظرك
مُهرة : بس . .
يوسف : قلت بنتظرك
مُهرة عضَت شفتِها السفليَة بتوتر : والله أخاف من الحياة اللي بتجيني
يوسف اقترب ليُقبَل جبينها : أنا معاك . . خرج لينتظرها بالسيارة دون أن يترك لها مجال للنقاش والتفكير.
تنهدَت مُهرة تعلم أن والدتها لن تقف هذه المرَة بوجهها، خرجت لتجدها : جاء يوسف
والدتها : أدري
مُهرة بلعت ريقها : بروح معاه
والدتها : ماعاد لي شغل بحياتتس
مُهرة بضيق جلست على ركبتيْها عند أقدامها : يمه تكفين، وش أسوي أنا بدون رضاك؟
والدتها : إذا تبين رضايَ ماتركضين وراه
مُهرة : هو زوجي .. تكفين يمه طلبتك
والدتها بضيق : بكرا تتهاوشين معه وتقولين صادزة يمَه
مُهرة : لا ماني متهاوشة معه ولا قايلة صادقة يمَه، يوسف مستحيل يأذيني بشي . . تكفين
والدتها : روحي وشو له تنتظرين؟
مُهرة : ماني رايحة بدون لا ترضين عليَ . . . قبَلت ظاهر كفَها ورفعت عينيْها إليْه . . . هاا؟؟
والدتها تنهدَت بقلة حيلة : طيب روحي
مُهرة إبتسمت ووقفت لتُقبَل رأسها : يالله عساك ترضين عليه . . .
ركضت للأعلى ليأتِ صوت والدتها : شويَ شوي لا تطيحين
هذه المرَة يا يوسف أرجُو أن يكون الغياب الفائت آخرُ بُعدٍ بيننا، أنا التي كنت الطرف الظالم في هذه العلاقة ولكنني كُنت أشتاقُك في كل لحظة، ولكن كل شيء أمامي يجعلني أفكَر بأن لا بدايَة جديدة بيننا، تصوَر كل شيء يُخبرني، عندما مرَ أكثرُ من شهريْن ولم أسمع بها صوتِك أدركت أنك لا تُفكر أبدًا بأن تُعيدني لحياتِك، شعرت بالخيبة رُغم أنني أنا سببها، ولكن كنت أريد إصرارًا منك بعد أن تحدَثت مع منصور، أردتُ فعلاً أن أستيقظ على عينيْك، لا يهُم! الذي يهمني حالاً أنك بالأسفل تنتظرني.
،
في ميُونِخ، يسمعُ لمريضِه الذي يُعاني من فرط كآبـة، وفي كل كلمةٍ ينطقها يستذكرُ غادة التي كانت تُخبره بمثل هذا الحُزن وبنبرة هذا الوجَع، لم أنجح ولم أفلح أبدًا بأيَ علاقة بحياتي، مازلت موجُوع! حاولت أن أتمسَك بكل فرصةٍ أتت إليَ ولكن لم أستطع أبدًا، أنا الذي بعد الله أُساعد غيري أعجزُ عن مساعدة نفسي، أحلمُ بأن أكوَن عائلة ولكن هذه العائلة لا تُريدني، حاولت مرَة تقليديًا وحاولت ثانيةً بصورةِ حُبٍ أردته وبكلا الحالتين فشلتْ، لا نصيب لي ولا حظَ بالحُب! والآن؟ أُكمل حياتي برتابَـة، أستيقظ لأنظم مواعيدي، أحضرُ دورات وأُعطي دروس وأداوم بالعيادة، وماذا أيضًا؟ لا شيء سوى الوحدَة التي تحفَني، الوحدَة التي مهما حاولت أن أنسلخ عنها لا أقدر، هي تنمُو بدل جلِدي ومن يقدر أن ينزع هذا الجِلد؟ لا أحَد! وحيدٌ جدًا و لا أظنُ أنني أستحق هذا الكمَ من الوجَع.
،
في حلقةِ قُرآن بالمعهد، كان يحفظُ الجزء المطلوبِ منه، " ومن يعمل من الصالِحات من ذكَرٍ أو أنثى وهو مُؤمن فأولئك يدخلون الجنَة ولا يُظلمَون نقيرًا " أكمل حفظ نصف القرآن وتبقى النصف الآخر.
حلاوة حفظ القرآن لن يستشعرها سوى حافظِ الكتاب، يستشعرُ بكل المواقف في حياتِه أن هُناك آيات سكينة تُتلى في قلبِه وهُناك آيات تُذكره عند الإقدام على ذَنبٍ ما وهُناك آيات تُرتَل جمال الجنَة عندما يتعبُ من طاعته، أحاول أن أنسى الجوهرة! لا أقول أنها لا تجيئني وتخترق عقلي، مازالت بسطوةِ حضورها ولكن بدأت أنزعُ إنجذابي إليْها، أشعرُ أنني بحاجة لأعوامٍ طويلة حتى أتخلَص من حُبها، اقتربتُ من عبدالمحسن، سيُسامحني قريبًا! أنا متأكد أنه سيسامحني حين أخبره أنني ختمتُ القرآن، كنت دائِمًا أظن أن صاحب المعصية لا بُد أن تكون نهايته مروَعة وكأننا لا نملكُ ربٌ رحيم، أكتشفتُ أن صاحب المعصية له حق الإختيار إما الجنة أو النار، لا أحد يُجازى بشيء لا يُريده، جميعنا نُجازى بما نُريد، حتى لو أنكرنا ذلك! بالنهاية أنا عصيتُ الله إذن أنا راضٍ بالعقاب، لكن الحمدلله على ـ التوبة ـ ، الحمدلله على هذا الدِين الذي جعل ذنبي صغيرًا أمام رحمتِه وعظمته.
،
أغلق هاتفِه بعد أن تحدَث مع والدِه الذي مازال منذُ شهريْن يسأله نفس السؤال عن غادة " كيف لقيتها؟ " ويشرحُ له ذات الموضوع في كل مرَة.
في جُزء من الرياض جميلاً، ركن سيارته ليلتفت عليها : هذا المسجد
غادة إبتسمت : اللي بنيته ليْ؟
ناصِر : إيه . . كنت متحمس أجي الرياض عشان أوريك إياه بس الله يهدي عبدالعزيز كأن الرياض ذبحته على كُرهه لها
غادة : المُهم شفته الحين، وبعدين عزوز رضى على الرياض لا تنسى
ناصِر : وش عقبه؟ عقب ما راح صوتي وأنا أقنعه . . .
غادة إلتفتت بكامل جسدِه إليْه : جد ناصر، أنا محظوظة فيك . . يعني عقب كل اللي صار أنت هنا وقدامي
ناصِر : أنا اللي محظوظ فيك، . . ـ بضحكة من فرحته ـ أحس إني بحلم! لو تدرين كم مرَة بكيت وقلت كيف أعيش بدونها؟ حياتي مالها قيمة أبدًا بدونك
غادة : الله لا يحرمني منك ويخليك ليْ
ناصِر : اللهم آمين يارب
غادة : تدرين وش جايَ على بالي؟
ناصِر : وشو ؟
غادة : إنه أحلامنا اللي كتبناها! ما تحس إنها تحققت؟ يعني ماتحققت بالوقت اللي أنتظرناه فيه لكنها بالنهاية تحققت
ناصِر : خلَيه يجي البطل ومستعد أخليه يربيني
غادة غرفت بضحكتها وهي تضع يدها على بطنها : يوه مطوَلين، أحسب 8 شهور بالتمام
ناصِر : أنتظره سنة وسنتين واللي يبي . .
غادة : بتكمل فرحتي لو تصالح عبدالعزيز مع رتيل
ناصر : أخوك راسه مصدَي! ما يعرف يتعامل مع الأنثى
غادة تنهدَت : حرام عليك!! هو بس مايعرف يعبَر صح
ناصِر بإبتسامة : وش رايك نطبَ عليه الحين ؟
غادة : قلت بتمشَيني بالرياض ! بعدها نطبَ عليه
ناصِر بضحكة : أوديك قصر المصمك؟
غادة : تتطنَز؟
ناصر : وش فيه! حاله من حال برج إيفل! ولا هذاك على رآسه ريشة، هذا تراثنا مفروض تعتَزين فيه
غادة : ومين قال إني ماني معتَزة فيه؟ بالعكس بس يعني ودَني مكان فيه حياة
ناصر : مافيه غير الأسواق . .
غادة : طيَب خلنا نروح لأيَ سوق بديت أجوع
ناصِر حرَك سيارتِه، وعينيَ غادة تنظرُ للمسجد نظرةً أخيرة.
كيف أشكرُ الله عليك بما يليق؟ تبني لي مسجدًا؟ هذا أكبرُ طموحٍ لمْ أكن تصِل يدي إليه! مرَت سنين على معرفتي بِك ورُغم أن السعادة لم تكن تمَر هذه السنين ولكن يكفيني آخر شهريْن، أنا أسعدُ إنسانة على هذه الأرض في هذه اللحظة، مرَت أيامًا كنت أبكِيك وأنا أجهلُك، كنت أقول أن جُزءً مني فقدتـُه، ولكن لم أستطع أن أتذكَر إسمك وهيئتك، ولكن قلبك كنتُ أعرفه وهو من أشكِي له قوْلي " أشتقت "، ومرَت أيامُ أكثر حُزنًا وَ وجعًا حين حاولت أن أتذكَرك ولم أستطع، حين شعرتُ بأنني شخصيَتيْن، وأنني مُشتتة ضائعة، ولكن مرَت أيضًا، والآن أمرُ بمرحلةٍ أنا لا أعرفُك وفقط، أنا أعشقك كوداعة الخيرَة من الله في قلبي. وأنت الخِيرة التي أردتُها.
،
دخل إلى الغرفَة وأفكاره تتوتَر أكثرُ وأكثَر، نظر إلى ضي التي بدأ تعبُها يشتَد في شهورها الأخيرة : مو قلت لك لا تصعدين فوق وأجلسي بالغرفة اللي تحت؟
ضيَ : كنت بغيَر ملابسي . . بس صاير فيني خمول وأنام بأي مكان
عبدالرحمن جلس : جاني عبدالمجيد
ضيَ : إيه؟
عبدالرحمن : هو صار له شهر ويعيد عليَ نفس الحكي بس مدري! خايف أقول لا وأظلمهم وخايف أقول إيه ويظلمها
ضي : مافهمت! قصدِك فارس و عبير؟
عبدالرحمن : إيه من فيه غيرهم، فارس تعبان حيل رحت شفته وأنكسر قلبي عليه، ماعاد في حياة بوجهه ويقولي عبدالمجيد لا يآكل ولا شي! حتى يوم قاله أمش نروح لأمك رفض! متوَحد مع نفسه، بس ما أبغى أضغط على عبير! ومستبعد إنه بفترة قصيرة قدرت ترتاح له مع أنَه لما أتصلت عليها يوم كانت عند رائد قالت لي إنه يعاملها زين . .
ضيَ : تبي شوري؟
عبدالرحمن : أكيد
ضيَ : خلها تروح له، حتى عبير بنتك تحتاجه . . وبعدين أنت بنفسك تقول إنه فارس شخص غير وبعيد كل البعد عن شخصية أبوه، لا توقف بوجههم! وبعدين عبير كبرَت ماعادت بنت صغيرة!!
عبدالرحمن : بس ..
ضيَ تُقاطعه : أنا عارفة مصدر خوفك، لكن هي بتكون قدام عيونك! مابينك وبين بيته إلا شارعين، وعبير قوية ما ينخاف عليها! لو ماتبيه بتقولها بوجهك ماأبيه لكن حتى هي تستحي تجيك وتسألك عن أخباره . .
عبدالرحمن تنهَد ليقف : بروح أشوفها
ضيَ : عبدالرحمن لا توقف بوجههم
عبدالرحمن : طيب . . . صعد لغُرفتها، طرق الباب وفتحه ليجد بوجهه رتيل التي مُتزيَنة وكأنها ستذهب لحفلةٍ ما : على وين ؟
رتيل بضحكة : وش رايك فيني ؟ جميلة ولا ؟
عبدالرحمن إبتسم : جميلة ونص
رتيل : بصراحة ماني رايحة مكان، بس أجرَب مكياج عبير . . .
عبير المستلقية على السرير نظرت إلى والدها وأستعدلت بجلستها : تعرف بنتِك تضرب فيوزاتها كل فترة
رتيل : والله يبه مخي محتاج يتنكس ويتنكس ويتنكس وأتنكس معه
والدها ضحك : وش سر هالسعادة عساها دوم ؟
رتيل عقدت حاجبيْها : شفت يبه لما تسألني كِذا أتذكر الأشياء السودا في حياتي
والدها : تدرين إنه عبدالعزيز جاء الرياض؟
رتيل تغيَرت ملامحها المبتهجة : جا؟
والدها : إيه بس طبعًا ما قالي بنفسه، شايل بقلبه عليَ مرة ..
رتيل : طيب . . أنا بروح لغرفتي . .
عبدالرحمن إقترب من عبير : جايَك بموضوع وأبيك تفكرين فيه
عبير تربَعت فوق سريرها : يخص؟
عبدالرحمن : تبين الطلاق؟
عبير أندهشت من السؤال وبقيْت متجمدَة، لم يخرجُ من شفتيْها نصف جواب.
عبدالرحمن : يعني لا، طيب فارس تعبَان ومافيه أحد ممكن يكلمه غيرك، وإذا منتِ راضية من بكرا أخليه يطلقك، أنا أنتظرت كل هالفترة عشان ظروفه، لكن بعد تهمني بنتي، أنتِ انجبرتي على هالزواج لكن ماراح تنجبرين بعد بإستمراريته
عبير أخفضت رأسها والدموع تتدافع في محاجرها، نطقت بصعوبة : ماني مجبورة
عبدالرحمن : يعني مرتاحة له؟
عبير هزَت رأسها بالإيجاب دون أن تنظر لوالدها، بخفُوت : شلونه الحين؟
عبدالرحمن : قومي شوفيه بنفسك . .
عبير رفعت عينيها بدهشَة : جد ؟
عبدالرحمن : إيه والله . . قومي ألبسي وخلينا نروح له . . . اقترب وقبَل رأسها . . تمَر الدقيقة تلو الدقيقة حتى خرج والدها وأرتدت بصورة سريعة ولبست عباءتها، أخذت نفس عميق وهي التي أشتاقت بشدَة إليْه.
مرَ الوقتُ سريعًا بالطريق، أشار لها والدها بمكان فارس : من هِنا . . . ودخل هو الآخر إلى المجلس عند عبدالمجيد
عبير نزعت نقابها وفتحت باب الغرفة بهدُوء، أختنقت عينيْها بالدموع عندما رأته، كان نائِمًا وملامحه لم تعَد هي ذاتُها التي تعرفها، ذقنه المهمَل و نحولِه، أكل هذا يفعلُ به موتِ والده؟
اقتربت منه لتنظر إلى ـ رواية ـ عند رأسه، أخذتها لتفتح الصفحة الأولى وبخطَ يدِه قرأت إهداءهُ لها حتى سقطت دمعة في وسط الورقة، فتح عينيْه التي كانت غافيَة مؤقتًا : عبير؟؟ . . شعَر وكأنه يتخيَلها.
عبير جلست بجانبه وهي تضع يدَها فوق كفَه، بضياء الدمع بعينيْها : يا روحها . .
فارس أستعدَل بجلسته ليُقابلها : مين جابك ؟
عبير : أبويْ . .
فارس صُدم من رضَا والدها وهو الذي شعر طوالِ الأيام الماضية أنهُ لن يراها أبدًا : أبوك!!
عبير : هو اللي قالي أجيك . . . . شلونك ؟
فارس بذبُولِ نظراتِه : بخير
عبير : ليه كل هذا؟ . . . نحفان مرة و عيونك تعبانة
فارس بضيق مازال غير مصدَق، قفزت دمعة إلى عينيْه : أنا أتخيَلك ولا أنتِ صدق قدامي
عبير أجهشت بالبكاء وهي تُخفض رأسها : لا تقول كِذا!!!
فارس : كيف رضى أبوك ؟
عبير : رضَا وبس . . . أهم شي أنتْ
فارس بلع ريقه بصعوبة، وضع يدِه على خدَها حتى يُصدَق ما يراه : منتِ حلم؟ . . تعرفين إني أنتظرتك كثييير
عبير : مقدرت أتكلم وأقول لأحد . . . ماكان راح أحد يظن فيني ظن حسَن حتى أبوي، لكن هو اللي جا ليْ! . . وسألني إذا أبي الطلاق، بس قلت له لا . . . فارس لا تسوي في نفسك كِذا
فارس نزلت دمعَة على خدَه : مات قدامي يا عبير! ناديته وما ردَ عليَ!! فقدت أبويَ
عبير : الله يرحمه ويغفر له . . هذا قضاء وقدر . . إذا ما مات اليوم بيموت بكرا، كل شخص ويومه مكتوب ماتقدر تسوي شي
فارس بتعَب يشتَد حُزنه و وجعه، دمُوعه كانت قاسية جدًا على قلب عبير التي لم تعتاد النظر إلى دموع الرجالِ كثيرًا : فقدته . . أحس روحي بتطلع
عبير : بسم الله عليك . . بسم الله عليك من هالوجَع . . . قوم صلَ ركعتين يمكن يهدآ بالك . . . حاسَة فيك والله، تخيَل حتى عمي مقرن محد قالي إنه توفى إلا من كَم يوم، حسَيت بوقتها إن روحي بتطلع لمَا سمعت، كان أكثر شخص قريب مني، بس كلهم كانوا جمبي . . وأنا جمبك الحين
فارس بتشكِيك : أبوك رضى ؟
عبير ببكاء تقطَع صوتك : والله رضَى والله يا فارس
فارس أجهشت عيناه بالدمَع، ماذا يحدُث؟ هل عبِير هي الحسنَة التي أخرجُ بها من وفاة والدِي؟ يارب إجعلها حسَنةٌ دائِمة، يارب إني أموت من الوجَع على أبِي ولا تجلعني أذُوق وجعها، يارب يارب ساعدني حتى أصبر على فراقه.
عبير : يالله فارس قوم . . صلَ
فارس قبَل جبينها وعيناه لا تتوقفَ من البُكاء، هذا الحلم الذي كان ينتظرُه منذُ زمَن وتوقع إستحالته ولكن لا شيء يستحيل على الله : إن شاء الله . . . إتجه ناحية الحمام ليتوضأ.
عبير سحبت منديلاً حتى تمسح دمُوعها، أخطأت كثيرًا، أدركتُ خطأي ولكنني لم أواصل به، الله يعلم إنني حاولتُ وأجتهدت أن أبتعد عنه، لم أتواصل معه ولم أتقدَم خطوة إليْه، منعته عن نفسِي وحققه الله ليْ بالحلال، أفهمُ تمامًا كيف تجيء جُملة ـ من ترك شيئًا لله عوَضه ـ بلسمًا على قلبي، منذُ اللحظة التي تركتُ به هذا الطريق والله يرحمني بفارس، لو أنني واصلتُ بهذا الطريق؟ وتحدَث مع فارس دائِمًا بالخفاء؟ لو أنني لم أمتنع عنه ماذا حصَل؟ رُبما كارِثة ورُبما مصيبة ورُبما حتى حزنٌ طويل، ولكن حُزني ببعده أتى الآن فرَحْ، يالله! كيف للأشياء التي تكون بالحلال جميلة أكثر، للمرةِ الأولى أنظرُ إليه وأنا لاأشعرُ بالخوْف من ذنبٍ ومعصيَة، يالله عليك يا فارس " وش كثر أحبك ؟ ".
،
عائشَة ركضت إلى حصَة : والله ماما
حصَة : يمه يمه أعوذ بالله وش ذا الخرابيط، اليوم بشغَل قرآن في الدور الثالث وإذا فيه بسم الله بيطلعون إن شاء الله
عائشة : أنا ماراح ينام فوق . . أنا يقول حق أنتِ
حصَة : طيب نامي تحت محد ماسكِك . . خلني أشوف سلطان وش سوَى؟ يارب يصلح قلبه بس . . . حاولت أن تتصل عليه ولكن أتاها مُغلق.
في جهةٍ اخرى كان جالسٌ أمامها لوحدهما، منذُ دخلت وهو يشتت نظراته لتجيء في بطنها، كان يُريد أن ينظر ويُطيل النظر ويكتشفُ تغيَرات جسدِها.
الجوهرة تنحنحت : إيه وش الموضوع ؟
سلطان : ممكن تلبسين عبايتك وتجين معي ؟
الجوهرة إبتسمت رُغمًا عنها : كِذا تعتذر؟
سلطان وقف : أنتظرك
الجوهرة : ماراح أروح معاك يا سلطان . .
سلطان تنهَد : يعني ؟
الجُوهرة بسخرية : جيت عشان تبيَن لي كيف إني مستعبدة عندِك ومتى مابغيت أروح معك أروح ومتى ما بغيت جلست؟
سلطان : طبعًا لا، جيت عشان آخذك
الجوهرة وقفت بصعُوبة وهي تواجه بعض التعب في هذه الأيام من الحمَل : وش مطلوب مني؟ أنا إنسانة لي كرامة دامك أهنتني مرَة بتهيني مليُون مرَة . . .
سلطان بعصبية : نسيتي وش الأسباب؟ تبيني أعدد لك إياهم ؟
الجوهرة بغضب تصرخ بوجهه : وأنا ما فكرت وش أسبابي؟
سلطان يقترب منها ويُشير إليها بالسبابة : صوتِك لا يعلى!! لا أقطع لك لسانِك
الجوهرة جلست وهي تتكتف والدمعة تقترب من النزول : ماني رايحة معاك! مو طلقتني؟ خلاص ماعاد بيني وبينك شيَ
سلطان : هذا آخر كلامك عندِك ؟
الجوهرة : أنت حتى ما أعتذرت لي عشان أفكر بالموضوع ؟
سلطان : ليه أعتذر لك؟ ماشاء الله أنتِ رايتك بيضا! آخر من يعلم بموضوع حملك و لا قدَرتي إني زوجك ولا شي
الجُوهرة بإستهزاء : على أساس إنك أنت مقدَر إني زوجتك، أنواع الذل بعيونِك وساكتة أقول معليه يمكن أنا فهمي غلط لكن حتى لسانك ما سلمت منه
سلطان بسخرية بمثل نبرتها : والله عاد إذا بتحاسبيني على عيوني مشكلة . . بكرا تحاسبيني ليه أتنفس!
الجوهرة تذكرت ذلك الموقف الذي حبست به أنفاسها من أجل كلماتها التي قالتها : بالله؟
سلطان : أنتِ أعتذري لي طيَب، قولي يا سلطان أنا آسفة ما علمتك بالحمَل بدري . .
الجوهرة وقفت لتقترب منه وهي تحتَد بنبرتها : عشان تسقط الحجَة مني، أنا آسفة يا سلطان ما علَمتك بالحمل .. يالله وش سويت شي ثاني؟ ما سويت شي بس أنت سوَيت
سلطان ينظرُ إليها وهي تقتربُ إليه بقوَة لم يعتادها منه، أخذ نفس عميق : آسف
الجوهرة بشعور الإنتصار : على ؟
سلطان لا يتحمَل أن تتلاعب به الجوهرة : لا والله؟ تبيني اطلع جنوني عليك
الجوهرة إبتسمت : طيب أنا ما أعرف على وش الآسف؟ قولي آسف على الشي الفلاني والفلاني والفلاني
سلطان بغضب سحبها من ذراعها : فاهمة غلط يا روحي . .
الجوهرة رفعت حاجبها : أنا حامل! ياليت لو تحسَن أسلوبك شويَ لو مو عشاني عشان اللي في بطني
سلطان ترك ذراعها مُجبرًا ولأولِ مرةٍ يُجبر على فعل أشياءٍ كهذه. : روحي جيبي أغراضك
الجوهرة تستلذُ بتعذيبه : أنا ما بعد رضيت
سلطان بحدَة : الجوهرة!!!
الجوهرة : يعني بالغصب بتوديني؟ طيب وش يضمني إني بربي ولدي ببيئة صحية؟ ماهو بيئة أم وأبو يتهاوشون ليل نهار
سلطان : وش البيئة الصحية اللي تطلبينها حضرتك ؟
الجوهرة : ما أطلب شي، أبي حقوقي بس
سلطان بدأ الغضب يشتدَ بملامحه : إن شاء الله إني بيتي بيكون بيئة صحية يا مدام
الجوهرة تحبس ضحكته خلف إبتسامةٍ ضيَقة : صفَي قلبك ناحيتي، ليه دايم تحسسني كأني مآكلة حلالك؟
سلطان : أنتِ جالسة تستهبلين وتطلعين ألف عذر وعذر!!! يالله صبرك ورحمتك
الجوهرة : تذكر لمَا . .
سلطان يقاطعها بغضب كبير جعلها ترتجف : الجوووهرة!!!
الجوهرة بهدوء وهي تُشتت نظراتها : لا تصرخ عليَ، إذا توترت بتوتَر اللي في بطني وأنت بكيفك
سلطان مسح وجهه : طيب .. طيب يا بنت عبدالمحسن
الجوهرة إبتسمت : ليه معصَب؟ لهدرجة الإعتذار يخليك كِذا؟ ولا أنا ما أستاهل كلمة آسف؟
سلطان يضغطُ على نفسه : تستاهلين وبعد تستاهلين كفَ
الجوهرة حاولت أن تقف على أطراف أصابعها حتى تواجهه بالطول، إلتصق قدمها بقدمِه : تمَد إيدك عليَ ؟
سلطان عضَ شفتِه السفلية وبإكراه : لا
الجوهرة بإستفزاز : طيب بفكَر وأردَ لك خبر، بستخير يمكن حياتي معك . .
سلطان بغضب : حسبي الله ونعم والوكيل في العدو، شوفي أعصابي تلفت ولا تخلينها تتلف أكثر!!
الجوهرة : بسأل أبوي
سلطان : وش رايك بعد نسأل الجيران ؟
الجوهرة تنهدت : هذا أبوي
سلطان : لو أبوك ماهو موافق ما خلاني اشوفك . . ممكن تتنازلين حضرتك عشان عندنا أيام وردية بالرياض
الجُوهرة : تهددني حتى وأنت جايَ تآخذني؟ يارب أعن عبدك
سلطان : ماهددتك! قدامنا أيام وردية إن شاء الله
الجوهرة : طبعًا وردية بقاموسك وسودا بقاموسي
سلطَان : أقول تحرَكي روحي جيبي أغراضك وأنتظرك بالسيارة
الجوهرة : ماني متحركة
سلطان بإبتسامة وبدأت ملامحه تلين : أعدَ لمَا الثلاثة لو ما رحتي تحمَلي وش بيصير . . . واحد . . . إثنين . . . ثلـ
الجوهرة ضربت قدمها بالأرض ومشَت، مهما حاولت أن تُظهر قوتها إلا أنها تخاف منه، سلطان بضحكة : مجنونة!!
،
إقترب من الخادمة : نادي رتيل . .
الخادمة : اوكي
عبدالعزيز : بابا موجود ؟
الخادمة : فيه يروح ويَا ماما عبير . .
عبدالعزيز : محد موجود ؟
الخادمة : لأا
عبدالعزيز : وضيَ ؟
الخادمة : فيه يروح مستشفى
عبدالعزيز : طيب أجلسي أنا أدخل، . . . دخل منزلهم بعد أن تأكد من خلوه، صعد للأعلى وفتح الغرفة ولا أحد بها، تأكد أنها غرفة عبير، إقترب من الغرفة الأخرى التي أجزم أنها لرتيل، فتح الباب بهدوء وكأنه لصَ يحترفُ الدخول بهذه الطريقة، طلَ يمينه ويساره ولم يراها، شعَر بحركة خلف السرير، إتجه للناحية الأخرى ليجدها مستلقية على الأرض وسيقانها مثبته على طرف السرير ومُغمضة عيناها ويبدُو أنها تفكَر بجَد وجُهد.
عبدالعزيز عاد للخلف خطوتيْن، ليأخذ الزهر غير الطبيعي الذي على تسريحتها، إقترب منها وأنحنى ليضعه أمام وجهها، فتحت عينيها لتصرخ برُعبٍ شديد جعل عبدالعزيز أمام منظرها يغرق بضحكاته العاليَة : إسم الله عليك
رتيل بإنفعال لم تعد تدري ما تفعل، أخذت كل الأغراض التي أمامها وبدأت ترميها عليْه : حسبي الله . . وقَفت قلبي . . يممممه
عبدالعزيز يتأملها وهي مُتزيَنة بكامل زينتها : كنتِ زايرة أحد ؟
رتيل : كيف دخلت غرفتي؟
عبدالعزيز : محد في البيت وقلت بدخل
رتيل : إلا ضيَ موجودة
عبدالعزيز تنهَد : حتى صاحبة البيت ماتعرفين عنها! تقول الشغالة بالمستشفى . .
رتيل تكتفت لتنتبه إلى قميصها المفتوح، بغضب أخذت الكتاب ورمتهُ عليه.
عبدالعزيز بضحكة : أنا وش دخلني طيَب؟ يا أم أصفر عطينا وجه شويَ . . وش سر الأصفر معك؟ ذوقك مضروب ولا وش السالفة؟
رتيل بدأت الحُمرة ترتفع إلى وجهها وهي تُعطيه ظهرها، إلتفتت عليه بجمُودِ ملامحها : وش دخلك ؟
عبدالعزيز : تستحين تقولين لي أنا أحب الأصفر؟ تراه لون عادي!
رتيل :ها ها ها ؟ طيب وش المطلوب؟
عبدالعزيز إتسعت إبتسامته : مرَيت من عندكم وقلت أسوي الواجب وأشوفك
رتيل تشعُر وكأنها متعرية أمامه من نظراته، وبحدَة : إرفع عيونك عنَي
عبدالعزيز ينظرُ إلى عينيْها : عفوًا؟ أرفعها عن أيَ جهة بالتحديد؟
رتيل : قليل حيَا . . زين أطلع من غرفتي وروح لأبوي مالي كلام معك . .
عبدالعزيز : أصلاً كلامي كله معك . .
رتيل بضيق : جد عبدالعزيز أطلع، لا تضايقني . . إذا طلقت أثير ذيك الساعة تعال، ماتجمعني معها لو أيش!
عبدالعزيز : أثير ماراح أطلقها
رتيل بغضب : أجل روح تهنَى معها واتركني
عبدالعزيز : الشرع حلل 4
رتيل : إذا الشرع حللك أربع ترى الشرع محللَي الطلاق
عبدالعزيز تنهَد : رتيل . .
رتيل تُقاطعه : ماابغى أتناقش في هالموضوع، غايب صار لك فترة طويلة والحين ترجع عشان تقولي ماراح أطلَق أثير! أجل ليه جايَ!! والله ثم والله ما أقبل بشي هي تشاركني فيه . .
عبدالعزيز : يعني هذا كلامك؟
رتيل : أنا حلف . .
عبدالعزيز : طيب
رتيل بدأ الدمعُ يقفزُ إلى محاجرها : ماراح تطلَقها ؟
عبدالعزيز : أنا ما تزوجتها عشان أطلَقها . . هي زوجتي مثل ما أنتِ زوجتي
رتيل بصراخ : أطلع برااا . . ما ابغى أشوفك وأرسلي ورقة طلاقي بعد
عبدالعزيز : على فكرة هي زعلانة ومارضت تجي معي الرياض
رتيل بإنفعال : أبركها من ساعة! أصلا لا جت الرياض بتحترق من وجودها
عبدالعزيز تنهَد : رتيل . . أنا أبيك
رتيل : وانا ما أبيك
عبدالعزيز : حطي عينك بعيني وقوليها
رتيل إقتربت منه ونظرت إليه : نظام أفلام أبيض وأسود وإني مقدر أقولها بوجهك، لا ياحبيبي أنا أقولها في الوجه
عبدالعزيز : أستغفر الله! وش فيك حشرتيني بصراخِك!!
رتيل : ليه جيت ؟
عبدالعزيز : أشتقت لك
رتيل : والله ؟
عبدالعزيز : بالفرنسية ما يقولون إشتقت لك، يقولون فقدت نفسِي . . وأنا بقولها لك بالفرنسية فقدت نفسي والله
رتيل بضيق بدأت تلينُ ملامحها التي أنشدَت بالغضب : وأثير ؟
عبدالعزيز : أثير زوجتي
رتيل بعصبية : الله يآخذها قل آمين . . أجل يا أنا يا هي . . أختار يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : أنتِ وأثير
رتيل : إختار ماراح أرضى لو وش ما صار! ماني أنا اللي تشاركني فيك وحدة
عبدالعزيز : قلت لك أنا ما تزوجتها عشان أطلقها، تزوجتها لأني أبيها زوجتي، ممكن تسرَعت لكن بالنهاية خلاص موضوع تم ماراح أظلمها وأطلقها بدون سبب
رتيل بدأ يخرجُ لسانها الأنثوي شديد الغيرة : يا ماشاء الله ماتبي تظلمها! بسم الله على قلبك يالعادل ياللي تخاف الله في حريمك . .
عبدالعزيز غرق بضحكتِه على إنفعلاتها : إذا أثير ماجتني وطلبت الطلاق مستحيل أطلقها، إذا أنتِ فاهمة إني تزوجتها عشان أوجعك فأنتِ غلطانة، ماهو أنا اللي أستغل أحد ولا هو أنا اللي اتزوَج عشان أطلَق! في ذاك الوقت كانت هي الوحيدة اللي أحس إني اشوف أهلي فيها، وكنت أبي أتقرف منها
رتيل : يعني تزوجتها عشان أهلك قبل يعرفونها؟
عبدالعزيز : إيه و أعزَها
رتيل : قلبك فندق ماشاء الله
عبدالعزيز إبتسم : قلبي تعرفه صاحبته
رتيل رُغمًا عنها إبتسمت، رفعت حاجبها : لا تحرجني طيَب!! عشان أعرف أفكر،
عبدالعزيز بضحكة يستفزها : ماراح تقولين لي علاقتك بالأصفر؟
رتيل ضربته على صدرِه : سُبحان الله ماتشوفني الا فيه . . . ماأحب الأصفر وصرت أكرهه الحين
عبدالعزيز : يالله أنتظر إختيارك سموَك
رتيل : ماراح أرضى، أنقهر يوم ويومين لين أنساك ولا أنقهر عُمر كامل عشانها
عبدالعزيز : تقوين تنسيني؟
رتيل : ماني أول وحدة ولا آخر وحدة، مليون حمارة زيي تحبَ وأنفصلت عن اللي تحبه
عبدالعزيز : حاشاك!
رتيل : إلا أنا حمارة يوم حبَيتك، لأنك ما بادلتني بأيَ نوع من الحُب
عبدالعزيز بغضب إقترب منها : جاحدة! أقسم بالله إنك جاحدة
رتيل إبتسمت من غضبه : دام هي ماهي راضية بجيَتك للرياض وش تبي؟ بس تبي تقهرني . . أنا أعرفها سوسة
عبدالعزيز : لا تغلطين عليها ولا تذكرينها بسوء! وأنتِ بعد مو مقصرة بالتحليل
رتيل شتت نظراتها بعد أن زاد حرجها : قهرتني ولو يرجع الزمن لورى بسوي نفس التصرف لأنها قهرتني
عبدالعزيز بعصبية : ألعبي بكل شي لكن لا تقربين من شي يتعلق بحياة أو موت، لو صدَقت وقلبها وقف من التأثير النفسي اللي تحسَه! وش برود الأعصاب اللي عليك؟
رتيل : تخاف عليها ؟
عبدالعزيز : لا حول ولا قوة الا بالله . . .
رتيل : يارب إني حمارة وكلبة . . المُشكلة لو رجع الزمن لورى بعد بحبَك بكامل خبالي، وأنت بتحبني بكامل إهاناتك
عبدالعزيز بإبتسامة : ماعاش من يهينك، أقص إيد اللي يهينك
رتيل : أنا بسبَ نفسي لين أحس حرَتي بردَت
عبدالعزيز بجديَة : رتيل . . أكلمك جدَ، خلينا ننسى اللي صار
رتيل : ترضى أروح يشاركك أحد فيني ؟
عبدالعزيز : أنتِ مجنونة ولا صاحية؟ لا تقارنين بين شيئين أصلاً الشرع محرَمهم وأنا أمشي على الشرع
رتيل بعصبية : مقطَعك الدين! . . .
عبدالعزيز تنهَد لينظر لهاتفه الذي أضاء برسالةٍ جديدة : الطيب عند ذكره، هذي أثير
رتيل : روح ردَ عليها برَا
عبدالعزيز : مسج ماهو مكالمة . . . قرأ " أبي أكلمك بموضوع ضروري " . . إتصل عليها وبعناد جلس على سريرها.
رتيل بلامُبالاة أخذت مناديل المكياج لتمسح مكياجها التي وضعتهُ من غير سبب.
أثير : وينك ؟
عبدالعزيز : وش بغيتي ؟
أثير : أنا فكرت وماوصلت الا لحاجة وحدة، إختار بيني وبينها!
عبدالعزيز : وشو ؟
أثير : ماراح أرضى فيها أبَد
عبدالعزيز : أثير . . تناقشنا بهالموضوع في باريس
أثير : طيب وأنا الحين أخيَرك
عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان هبالِك!!
رتيل إلتفتت تنظرُ عليه ونظرات الحقد تشَع منها.
أردَف : حطي عقلك في راسك منتِ بزر عشان تفكرين بهالطريقة
رتيل : يعني أنا بزر ؟
عبدالعزيز نظر إليها وأشار لها بالصمت، أثير : أنت عندها ؟
عبدالعزيز : إيه
أثير : طيب طلقني
عبدالعزيز : ماراح أطلقك عشان سبب سخيف زي هذا! لا صار فيه سبب صدقيني بننفصل ولمَا أحس أنه الخيرة بالإنفصال لكن عشان أسباب تافهة مثل هذي طبعًا لا
أثير : أنا ماراح أعيش بالرياض، تقدر تعيش بباريس معاي؟
عبدالعزيز : طبعًا بتجين الرياض
أثير : لا ماهو طبعًا، عبدالعزيز أفهمني ماعاد يهمني رتيل وغيره، أنا مقدر أتكيَف مع بيئتك بالرياض، أبي أعيش هنا وأبيك تكون عندِي ولي لوحدِي مو مع وحدة عايشة بالرياض وتجيها كل فترة أو حتى يمكن عايش عندها
عبدالعزيز تنهَد : أثير . . لو سمحتِ لا تحطين أسباب من مزاجك عشان ننفصل
أثير : أنا ما أحط أسباب، أنا جد أبي أعيش بالبيئة اللي تربَيت فيها، ما أبي أجي الرياض ولا أبغى زواجي يكون بهالطريقة! أنت تحبني؟
عبدالعزيز تفاجئ من السؤال : وش هالسؤال البايخ؟
أثير بضيق : شفت! حتى أبسط سؤال مقدرت تجاوب عليه . . لأني أصلاً ما أعني لك شي، خذيتني عشان ذكرى أهلك ولا أنا غلطانة ؟
عبدالعزيز : مين قالك هالحكي؟
أثير : طول الفترة اللي فاتت، كنت أفكر بدون ضغوط وأكتشفت إني فعلاً ما أعني لك شي
عبدالعزيز تنهَد : نتناقش في هالموضوع بعدين
أثير : أنا أبي جوابك الحين
عبدالعزيز نظر لرتيل الصامتَة الهادئة، و فكَر بأثير : مقدر
أثير : تبيها هي؟ . . طيب طلقني وكل واحد يشوف حياته بعيد عن الثاني
عبدالعزيز : على الأقل أستخيري، لا تخليني أندم ولا تندمين معايَ
رتيل بحلطمة : تندمون بعد!! يارب أرزقني صبر أيوب
أثير : عبدالعزيز هذا آخر حكي معك! دامِك أخترتها تهنَى فيها وأشبع منها، وأنا أمحيني من حياتِك . . . أغلقتهُ بوجهه دون أن تسمع ردَه بعد أن أعطتهُ قرارها.
رتيل : وش قالت لك ؟
عبدالعزيز : يا قُو حوبتك
رتيل : تبي الطلاق؟
عبدالعزيز : إيه . . ماشاء الله دُعاءك ضارب
رتيل إبتسمت : الله يرزق العبد على نيته
عبدالعزيز ضحك رُغم أنه لم يُريد الضحك : الله والنية اللي تعرفينها . . . بكرا الله بيحاسبني على هالطلاق! شرعًا مايجوز الطلاق بدون سبب . . وهي ما تستاهل!
رتيل بضيق : وأنا يعني أستاهل؟
عبدالعزيز : وش فيها لو الواحد تزوَج ثنتين ؟
رتيل : تقدر تعدل بيننا ؟
عبدالعزيز : إيه
رتيل : لا ما تقدر! مو يقولك لا ضرر ولا ضرار! طيب زواجك منها في ضرر لي
عبدالعزيز : تفسرين المواضيع على كيفك!!
رتيل : أختار يا عبدالعزيز . .
عبدالعزيز إقترب منها ليُحاصرها بذراعيْه وظهرها مستنَد على التسريحة : كم مرَة لازم أقولك إنه قلبي ماله إختيار معك؟ و كم مرَة لازم أقُولك إنه الحياة سببها أنتِ؟
مانشيت 19/6/2014
( ترقية عبدالعزيز بن سلطان العيد في جهاز أمن الرياض )
تمت بحمد الله وفضله.