📌 روايات متفرقة

رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1 بقلم سنان انطون

رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1 بقلم سنان انطون

رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1

رواية وحدها شجرة الرمان الفصل الاول 1

كانت تنام عارية على دكة مرمر في مكان مكشوف بلا جدران أو سقف. لم يكن هناك أحد حولنا ولا شيء على مد البصر سوى الرمل الذي ينتهي عند الأفق الذي كانت تسرع نحوه، وتختفي فيه، غيوم احتشدت بها السماء، تناوبت على حجب أشعة الشمس. كنتُ عارياً وحافياً ومندهشاً من كل شيء. أحسستُ بالرمل تحت قدميّ وبريح باردة بعض الشيء. اقتربتُ ببطء من الدكة لأتأكد من أنّها هي. متى ولماذا عادت من الغربة بعد كل هذه السنين؟ كان شعرها الأسود الطويل مكوّماً إلى جانب رأسها وقد غطت بعض خصلاته خدها الأيمن، كأنه يحرس وجهها الذي لم تغيّره السنين . الحاجبان مشذبان بعناية والجفنان مسبلان ينتهيان برمشيها الكثيفين.
كان أنفها ساهراً على شفتيها المليئتين وكانتا مصبوغتين بلون ورديّ كأنها مازالت على قيد الحياة أو أنها ماتت للتو. كانت الحلمتان منتفضتين فوق النهدين الكمثريين ولم يكن هناك أثر للعملية، كانت
يداها مشبوكتين فوق سرّتها والأظافر طويلة مصبوغة بلون شفتيها الوردي. عانتها حليقة وأظافر قدميها مصبوغة بالورديّ هي الأخرى. تساءلتُ في سرّي هل هي نائمة أم ميتة؟

خفت من أن المسها
. تفرّستُ في وجهها وهمستُ باسمها: ريم. فابتسمتُ دون أن تفتح عينيها في البداية، ثم فتحتهما وابتسم السواد في بؤبؤيهما أيضاً. لم أفهم ما كان يحدث. سألتها بصوت عال :
ريم شتسوّين هنا؟
-
كنتُ على وشك أن أحتضنها وأقبلها،
لكنها حذرتني :
لا تبوسني غسلني اول حته نكون سويه بعدين
؟ بس" ، بَعْدِج طيبة.
ليش أغسلج؟
غسلني حتى نكون سوية.
اشتاقيتلك هواية .
بس إنتي مو ميتة .
غسّلني حبيبي.
غسلني حتى نصير سويّة
- إيش؟ ماكو شي هنا؟
غسلني حبيبي.
بدأ المطر يتساقط.
أغمضتْ عينيها.
مسحث قطرة عن أنفها
بسبابتي. كانت بشرتها ساخنة مما يعني بأنها حيّة، بدأت أمسد شعرها.
سأغسلها بالمطر! ابتسمتُ كأنها سمعتُ ما فكرتُ به.
مسحث قطرة أخرى استقرّت فوق حاجبها الأيسر. خيّل إلى بالي
اني سمعت صوت سيارة تقترب.
التفت فرايت همفي بسرعه
جنونية وتخلّف وراءها ذيلاً من الرمل المتطاير . استدارت فجأة وبعنف نحو اليمين وتوقفت على بعد أمتار منّا. فُتحت أبوابها.
خرج أربعة أو خمسة رجال ملثمين يرتدون الخاكي ويحملون رشاشات وركضوا باتجاهنا. حاولتُ أن أحميها بيدي اليمنى،
لكن أحدهم كان قد وصل إلي وسدّد ضربة قوية بأخمص رشاشته إلى وجهي وأسقطني أرضاً ثم ركلني في بطني وخصري وظهري
4

عدّة مرات. أخذ واحد آخر يجرّني من ذراعي بعيداً عن الدكة. لم يقل أيّ منهم شيئاً. كنتُ أصرخ وأشتمهم لكنّني لم أسمع صراخي . أجبراني على أن اركع على ركبتي وقيّدا معصم بسلك تم وضع أحدهما سكيناً على عنقي بينما عصّب الآخر عينيّ
تداخلت ضحكاتهم مع صرخات ريم وحشرجاتها التي سمعتها بوضوح. حاولتُ الإفلات منهما لكنهما كانا يمسكان بي بإحكام. صرختُ ثانية لكنّني لم أسمع صراخي. كنت أسمع صراخ ريم ضحكات الرجال وآهاتهم وصوت زخات المطر. أحسستُ بألم
حاد وبالسكين الباردة تخترق عنقي. سال الدم الحار على صدري وظهري. سقط رأسي على الأرض وتدحرج على الرمل ككرة. سمعتُ وقع خطى تقترب. نزع أحدهم العصابة عن عينيّ ووضعها في جيبه وابتعد بعد أن بصق عليّ. رايت جسدي إلى يسار الدكّة راكعاً وسط بركة من الدم . كان الثلاثة الأخرون يعودون إلى الهمفي وإثنان منهم يسحلان ريم من ذراعيها. حاولتُ أن تدير رأسها إلى الوراء نحوي لكن أحدهم صفعها. صرختُ باسمها لكنّني لم اسمع صوتي. وضعوها في المقعد الخلفي وأغلقوا
الأبواب. سمعتُ صوت المحرك. ابتعدت الهمفي بسرعة واختفت في الأفق. وظل المطر يزجّ على الدكة الخالية. استيقظتُ لاهثاً ومبللا بالعرق. مسحت جبهتي ووجهي . نفس الكابوس يتكرر منذ أسابيع مع بعض التغييرات الطفيفة. أحياناً أرى رأسها المقطوع على الدلّة وأسمع صوتها يقول: غسّلني حبيبي. لكن هذه أول مرّة يكون فيها مطر . أعرف مصدره الآن، فقد تسلل من الخارج هذه الليلة. سمعت صوت تساقطه
على زجاج النافذة بجانب سريري. نظرتُ إلى ساعتي وكانت الثالثة والنصف صباحاً. لم أنم أكثر من ثلاث ساعات بعد يوم طويل ومرهق. ممزّق بين الأرق وبين هذا الكابوس الدي لم أحاول تفسيره أو افهم دلالاته. لكنّه يلح عليّ. لعلّه الموت يضحك عليّ ويقول لي: ظننتُ أنّك تستطيع أن تهرب منّي أيها
لا يكتفي الموت مني في اليقظة ويصرّ على أن يلاحقني حتى في منامي . ألا يكفيه أنني أكدّ طول النهار معتنياً بضيوفه الأبديين بتحضيرهم للنوم في أحضانه؟ هل يعاقبني لأنني ظننتُ بأنّني كنتُ قادراً على الهرب من براثنه؟ لو كان أبي حياً لسخر منّي ومن أفكاري وما كان سيسميه دلعاً لا يليق بالرجال. ألم يمض هو عقوداً طويلة في مهنته يوماً بعد يوم دون أن يشتكي مرّة من الموت؟ ولكن الموت في تلك السنين كان مُقلا وخفراً بالمقارنة مع موت هذه الأيام، الذي أدمن علينا حتى كأنّ هوساً قد أصابه.
لكن قد يكون البشر -والرجال بالذات طبعاً- هم الذين أدمنوه حين تسنّى لهم أن ينادموه بلا رقيب ليل نهار؟ أكاد أسمع الموت يقول: أنا أنا، لم أتغيّر أبداً. لستُ إلا ساعي بريد .
إذا كان الموت ساعي بريد فأنا واحد من الذين يتسلّمون رسائله كل يوم. أنا من يخرجها برفق من ظروفها الممزقة المدماة. وأنا الذي يغسلها ويزيل عنها طوابع الموت، ويجقّفها يعطرها متمتماً بما لا يؤمن به تماماً، ثم يلقها بعناية بالأبيض كي تصل بسلام إلى قارئها الأخير : القبر. لكن الرسائل تتراكم كل يوم يا أبي أضعاف ما كان يمر
عليك حتى في أسبوع كامل يمر عليّ في يوم أو إثنين. هل كنتَ ستقول إنها إرادة الله وإنه القدر لو كنت حيّاً؟
ليتك كنت هنا كي أترك الوالدة معك وأهرب بدون أن يلاحقني شعور بالذنب. أنت كنت مسلّحاً، لا بل مدجّجاً، بالإيمان الذي كان يحمي قلبك ويجعله قلعة منيعة على قمة جبل. أما أنا، فقلبي بيت مهجور،
شبابيكه مكسورة وأبوابه مخلوعة، تعبث به الأشباح وتتنزه فيه
الريح.
بحثت عن الوسادة الثانية التي تعرّدتُ أن أضعها فوق رأسي منذ صغري كي لا اسمع أي صوت. كانت قد سقطت على الأرض بجانب السرير بالقرب من نعليّ. حملتها ودفنتُ رأسي تحتها وحاولتُ أن أسترجع حصّتي من الليل. لكنّ صورة ريم وهي تُشحب من شعرها ظلت تعاودني. ما الذي تفعله هي في هذا السيناريو؟ هل هي الأمل الكاذب أم الذنب؟ أم أنها الماضي الذي سيُقطع رأسه هو الآخر بعد أن مات الحاضر؟
أو قد تكون النساء اللواتي قرأت عن أخبار اغتصابهن وقتلهن ويحرّم على شرعاً أن أغسلهن؟
لم تكن ريم تلعب أي دور رئيسي في كوابيسي حتى قبل أسبوعين . تُرى أين هي الآن؟ آخر ما سمعته عنها قبل سنين كان أنّها في أمستردام. ربما أبحث عنها في الغوغل من جديد في مقهى الإنترنت بعد العمل غداً. سأجرّب تهجئة مختلفة لحروف اسمها بالإنكليزية علّني أجد . لكن هل لي أن أنام ساعة أو ساعتين؟

وقفت بجانب امي عند عتبة الباب الخشبي الكبير، كانت يدها اليمنى تقبض على يدي بقوة كعادتها، وكأني سأهرب أو أطير بعيداً عنها. أما اليسرى فكانت تحمل الكُفَرُطاس ، الذى كانت قد وضعت فيه حصة أبي من طعام الغداء. ثلاث قدور نحاسية فوق بعضها البعض في هيكل معدني كأنها عمارة . كان القدر العلوي مليئاً بالرز والأوسط بمرق البامياء وقطعتي لحم صغيرتين. أما السفلي فكانت عادة تضع فيه قليلاً من الفواكه، ويومها كانت قد وضعت عنقوداً صغيراً من العنب الأبيض من نوع (ديس العنز) الذي كان يحبه أبي. أما معصم يدها اليسرى فتدلى منه كيس من النايلون وضعت فيه رغيف خبز ساخن . وضعت قدمها اليسرى على عتبة الباب وأطلقت سراح يدي مؤقتاً
لكي تطرق بيمينها أربع طرقات قوية على , الباب الخشبي الذي انفتح ببطء على مصراعيه بتأثيرها. تظاهرت أمي بأنها لم تر الرجل المتقرفص على بعد خطوات من الباب متكئاً على الجدار. كان شاباً يرتدي ملابس سوداء وقد دفن رأسه بين يديه وبدا وكأنّه
يئنَ. تصاعد دخان السيجارة من يده اليسرى. كانت تلك أول مرة أرى فيها رجلاً بالغاً يبكي. حتى تلك اللحظة كنتُ أظن أنّ البكاء من اختصاص النساء والأطفال وحدهم.
سألتُ امي بصوت خافت وأنا أنظر إلي عينيها القهوائيتين :
- يمه ليش يبجي هذا الرجّال؟
فوضعت سبابتها على فمها لتسكتني وهمست: عيب."
أمسكت بيدي من جديد. ملتُ إلى اليسار بعض الشيء كي أشبع
فضولي وأرى ما يحدث في الداخل. كانت تلك أول مرة تصطحبني فيها أمي إلى محل عمل ابي الذي كان عادة يأخذ اللَّفَرطاس معه في الصباح لكنه نسيه ذلك اليوم عند خروجه .كان الممر الضيق يفضي إلى غرفة واسعة بسقف عال وقد وقف ثلاثة أو اربعة رجال عند مدخلها. كانت ظهورهم تحجب المشهد. هل كانوا يراقبون أبي وهو يعمل؟ كان الشارع هادئاً
وبالرغم من طول الممر خيل إليّ أنني سمعتُ صوت مياه تدلق باستمرار يرافقها صوت أبي وهو يتمتم عبارات لم أفهمها يتخللها اسم (الله) .

طرقتْ أمي الباب المفتوح بقوة وعزم أكبر هذه المرة ثم نادت (حمّودي) ،
لكن لم يلتفت أحد من الرجال الواقفين . تنحى الرجل الذي كان يقف إلى أقصى اليسار ليبرز وجه حمّودي الذي كان يعاون أبي في عمله. أسرع يعرج نحو الباب. كان أطول من عمره، أسود الشعر والعينين برموش كثيفة كأنها فرشاة رسم. كان
يرتدي سروالاً رياضيا أزرق وفانيلة بيضاء بدت عليها بقع من البلل في أكثر من موضع، بعد تبادل تحية سريعة أعطته أمي السفُرُطاس وكيس الخبز قائلة
هاك حمّودي. هذا الغدا مال أبو أموري نساه بالبيت.
شكرها وأسرع عائداً إلى الداخل بعد أن أغلق الباب وراءه . أمسكتُ بيدي ثانية واستدرنا كي نقفل عائدين نحو البيت. التفتُ إلى الخلف لألقي نظرة على الرجل المتقرفص. كان رأسه ما يزال بين يديه . وبختني أمي ثانية وأمرتني بأن أنظر إلى الأمام كي لا أتعثّر وأسقط
لم أكن في ذلك السن افقه طبيعة مهنة ابي اوتفاصيلها. كل ما كنتُ أعرفه هو أنه (مغسلجي). لكن هذه الكلمة كانت غامضة بالنسبة لى ولا تعدو كونها مجموعة اصوات تشبه المهن والحرف الأخرى التي تنتهي أغلبها بـ (جي) خفتُ يومها بعض الشيء
وسألتُ أمي:
بابا يأذي الناس؟
لا إبني. بالعكس. ليش هيجي تكول؟
مو هذا الرجال هناك جان كاعد يبجي؟
إي، بس مو من ورا ابوك . هذا مقهور.
ليش مقهور؟ شيسوون جوة؟
قالت لي إنّ أبي كان يغسل أجساد الموتى وإنه عمل شريف ويصيب من يقوم به أجر عظيم.
سألتها ونحن نعود إلى البيت
لماذا يغسل أبي أجساد الموتى؟ هل هي وسخة؟ فقالت لا، لكنها يجب أن تُشَر من النجاسة، عندما سألتها أين يذهب الموتى . قالت : يم الله .
قالت إن أبي يعتني بهم قبل أن يتم دفنهم.
سألتها كيف يذهبون إلى الله إذا كانوا يُدفنون في التراب، فقالت إن الروح تصعد إلى السماء لكن الجسد يبقى في الأرض التي جاء منها. كلكم لآدم وادم من تراب . نظرتُ إلى , السماء. كانت هناك خمس غيوم تتكئ على بعضها البعض وتساءلت: ترى أي منها ستحمل روح الميت، وإلى أين ستأخذها؟

المرة الوحيدة التي بكى فيها ابي كانت عندما اسمع بخبر موت أخي، أمير، الذي كان يكبرني بخمس سنوات، والذي تحوّل من يومها من الدكتور إلى (الشهيد) ، احتلت صورته (بالأبيض والأسود) المؤطرة قلب الجدار في غرفة المعيشة فوق التلفزيون ومساحة أكبر من قلب أبي الذي كان أموري أصلاً يحتكر الكثير منه. فأمير كان ابناً مثالياً طالما افتخر به أبي. دائم التفوق . حصل على
الأوّل في صفوفه بمعدل 95 % في امتحانات
البكالوريا ودخل الكلية الطبيّة * كي يصير جراحا ويحقق حلمه بفتح عيادة ويحمل العبء عن أبي ويحيله على التقاعد، كما كان يقول له، بالرغم من أن أبي كان يردّد بأنه سيواصل مهنته حتى يموت .
كان يصرّ على مساعدة أبي في عمله حتى أثناء إجازاته القصيرة في سنينّ الحرب مع إيران قبل أن يقتل في معارك الفاو .كنتُ في غرفتي في الطابق الثاني أقرأ عندما سمعت صوت سيارة تقف أمام البيت وأبواب تغلق ثم، بعد ثوان من ذلك، رنين الجرس الجديد الذي كان أمير قد اشتراه وركبه بنفسه عندما خرب الجرس القديم وتلاتُ أنا في تصليحه. أزحتُ الستارة فرأيت
سيارة أجرة وفوقها تابوت لف بعلم. سقط قلبي في هاوية ثم اخترقه كرمح، وهو يسقط، عويل امي وانا اسرع نحو الدرج حافياً. كنتُ أرى في كثير من الأحيان تابوتاً ملفوفاً بالعلم فوق سيارة أجرة تسير في الشارع وأفكر لثوان باحتمال الا ؛ يعود أموري إلى البيت على قدميه بل جاثماً فوق سيّارة، لكنّني كنت أطرد الفكرة من رأسي بسرعة. عندما وصلتُ إلى باب البيت كانت أمي قد خرجت بالدشداشة دون أن ترتدي عباءتها ووقفت بجانب سيارة الأجرة تلطم وهي تنظر إلى التابوت وتصرخ : ايبووو اموري ... أموري ... راح اموري ... راح وليدي . "
«الله يرحمه والبقية بحياتك،
هو كل ما قاله العسكري الذي وقف يراقب المشهد بجانب الباب ثم طلب منّي أن أوقع على وثيقة استلام الوفاة. وقعت، دون ان أنظر أو أقرأ، نسختين بقلم جاف ناولني إياه هو ثم أعاده إلى جيب بزّته العسكرية وأعطاني نسخة طويتها وضعتها في جيب قميصي. بدأ الجيران بالخروج بعد سماعهم هلهولة أمي وتحلّق بعضهم حول سيارة الأجرة وهرعت نساء الشارع ليعزّين أمي ويخفّفن عنها ويشاركنها البكاء. كان سائق سيارة الأجرة الأصلع قد أتمّ فك الحبال التي كانت
تربط التابوت فوق الهيكل الحديدي ووضعها في صندوق السياره وأغلقه ووقف ينتظر. اتجهت نحو امى لأعانقها لكنها كانت بحالة هستيرية ومحاطة بالنسوة اللواتي بدان باللطم، فكّرت بوقع الخبر
على أبي وقلبه الضعيف. بدأ السائق بزحزحة التابوت وكأنّه يعطيني إشارة بضرورة إنزاله. بدأنا، السائق وأنا وبعض الفتية من الجيران، بإنزال التابوت لإدخاله إلى البيت. سمعتُ صوتا يقول
دروحوا على أبو أموري بالمحل كولوله. فصرخ بألاّ يذهب أحد وإنّي أنا الذي سأخبره بنفسي بعد أن نزل التابوت. أنزلنا واشترى درّاجة 26 وكنّا نتسابق دائماً ويدعني أغلبه في النهاية. أموري الذي حفظ سرّي ووافق أن ينوب عن أبي لإقناع مدير المدرسة الثانوية
بالسماح لي بالعالتابوت ووضعناه في غرفة المعيشة.
هطلت دمعة صامتة على خدي وأنا أسرع إلى المحل لأنقل لأبي خبر موت أموري. أموري الذي كان يلعب كرة القدم معي في الشارع. أموري الذي علّمني كيف أصنع طائرة ورقية باستخدام قطع من سعف النخيل ذات صيف والذي تسلّق نخلة الجيران لينزلها منها حين علقت بالسعف. أموري الذي نمتُ وإياه نفس في
الغرفة لعشرين سنة والذي كان يشخر أحياناً لكنّه كان يتهمني بتلفيق تهمة الشخير. أموري الذي (كبسني) وأنا أمارس العادة السرية في الحمام ذات يوم لآنني نسيتُ أن أقفل الباب واعتذر وابتسم ثم أغلقه بسرعة. ثم قال لي بعدها إنّها رغبة طبيعية لكن يجب ألا أدعها تتحكم بكل وقتي وألا أسرف في ممارستها. أموري الذي أعطاني دراجته الـ 24 الزرقاء عندما طالت قامتهودة إلى الدوام بعد ازدياد غياباتي. اموري الذي حاول بصدق أن يتفهم انزعاتي الفنية واختياري النحت كموضوع دراسة ومهنة وكان يحترم الفن مع أنه، في آخر الأمر، لم يكن يحتل المراتب العليا في سلم قيمه. اموري الدي كان يريدني أن أكون مهندساً أو طبيباً مثله ولم يستطع أن يخفي خيبة أمله حينما
حصلت على معدل 80% في امتحانات البكالوريا، والذي كان يكفي لدخول أكاديمية الفنون الجميلة. لكنّه لم يكن بمستوى
طموحه لأخيه الصغير وما كان ليدخلني كلية الهندسة لا في بغداد أو المحافظات حتى لو كنتُ قد وضعتها على رأس اختياراتي. أموري الذي كان يدافع عنّي في البيت ويقف معي شارحا وجهة نظري إزاء انتقادات أبي وأمي ويقول لهما إنّني موهوب ويجب أن أختار طريقي بنفسي وأن أتحمّل تبعات قراراتي. أموري الذي زار المعرض الذي أقمناه في السنة الثانية في الأكاديمية خلال واحدة من إجازاته كي يشجّعني وطلب مني أن أشرح فكرة عملي له وأبدى إعجابه واستمع بصدق. أموري الذي كان يمزح معي ظاناً
بأنّه يشجعني لكنه كان يزعجني عندما كان يقول إن تماثيلي ستملأ ساحات بغداد الدكتور أموري الوسيم والخجول، خصوصاً مع البنات، لكنه نجح في إيقاع وسن، ابنة الجيران، في غرامه بصمته ووقاره منذ سنين وسارعت أمي لتخطبها له قبيل تخرجه. ومَنْ
ذات الشعر الأسود الطويل والسيقان الجميلة التي كانت تدرس الهندسة المعمارية في الجامعة التكنولوجية والتي كنتُ أشعر بالذنب عندما لا أفلح في إبعاد صورتها أكثر من مرة عن أحلامي ورغباتي الجنسية. أموري الذي كنتُ أغار منه كثيراً لأنه المدلّل
المفضل المتفرّق والمثال الذي أخفق في الاقتراب منه. شعرتُ بالذنب لأنني لم أستطع منع نفسي، حتى في هذه اللحظة، من التفكير بكل أنانية : ترُى هل كان موتي في هذه الحرب، التي لا يبدو أنها ستنتهي، سيترك رُبع الفجيعة والحزن اللذان سيخلفهما
غياب أموري؟ مسحت دموعي ووبخت نفسي على هذه النرجسية . كان باب المغيل مفتوحاً. عبرتُ الممر وطالعتني إلى اليسار (كل نفس ذائقة الموت) بالخط الديواني الجميل معلقة فوق الباب على الحائط الأبيض المصفرّ الذي فعلت فيه الرطوبة فعلها وسلخت قشوره في أكثر من موضع. كان أبي يجلس في الزاوية اليسرى في الغرفة الجانبية على الكرسي الخشبي . يستمع إلى الراديو كعادته في فسحة من الوقت ينتظر فيها ما سيقذفه
الموت نحوه بحسب مزاجه . الموت الذي كان أثره حاضراً في كل شبر من ذلك المكان بروائحه وذكرياته وتفاصيله . حتى لكانه كان صاحب المكان وكأنّ أبي محض موظف يعمل لحسابه، كما كنت أفكر أحياناً، وليس لحساب الله كما كان هو يظن. كان الموت، الدائم الحضور في محل عمل ابي وفي أيامه، على وشك أن يعلن حضوره من جديد لكن بقسوة وضراوة سيترك
بهما وشماً على قلبه وما تبقى من سنينه. كانت دقة الغسل خالية ويابسة وكانت مسبحة أبى الكهرب بيده اليمنى تطقطق. كان حمودي قد خرج لشراء شيء ما وكان أبي لوحده. استقبلتني نظراته بعد أن سمع وقع خطواتي .
الله يساعدك يابه
- هلا. ها ابني،
خير انشالله؟
فَعَجَب هنا؟
لم تكن قدماي قد وطأتا أرض المحل منذ أكثر من سنة.
حاولتُ أن أبتعد عن الموت وتصدّعت علاقتي بأبي. استشعر هو شيئاً ما في نبرة صوتي ومن الوجوم الذي غطى محيّاي، فبان القلق في صوته
شكو؟ أمك بيهه شي؟
لا يابه
شنو لعد؟
اقتربتُ منه وانحنيتُ لأعانقه وهو جالس في كرسيه. فسألني :
شنو لعد؟ أموري صارله شي
كانت الأخبار في ، اليومين الماضيين قد تحدثت عن معارك دامية في الفاو، حيث كانت وحدة أموري قد نُقِلت قبل شهرين القاطع الشمالي، وعن خسائر جسيمة تكبّدها الجيش. ترد الثوان طويلة كأني أريد أن أؤجل الخبر الجلل. ثم قلتُ له وأنا أعانقه وأقبله على خده الأيسر دون أن أتمكن من حبس دموعي :
(البقيّة بحياتك يابه، همّه جابوه للبيت ) .
وضع ذراعيه حولي وردّد بصوت متهدّج: الا حول ولا قوّة إلا بالله. لاحول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله. له وحده البقاء.) ثم أجهش كطفل صغير ، عانقته بقوة أكبر وشعرتُ بأننا تبادلنا أدوار الإبن والأب لدقائق. بللت دموعه الحارة خدي. أحسستُ بأنّه يريد الوقوف فخففتُ ذراعيّ ووقف هو ومسح دموعه اليمنى أن تفلت المسبحة منها. أطفا الراديو بظاهر يده
وارتدى سترته وأقفلنا باب المحل وعدنا سوية إلى البيت دون أن
نقول شيئاً في الطريق.
لم أر أبي يبكي بعدها أمامي أبداً لكن الانكسار الذي لمحته يتغلغل في عينيه وفي صوته ذلك اليوم كان يطفو بين الحين والاخر على وجهه. وبالذات كلما نظر إلى صورة أموري المعلقة على الحائط كأنّه يحاوره بصمت. ذات النظرة التي لمحتها على وجه أبي حين كان التراب يهال على قبر أموري والبدفّان يردد : «إنا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك بروحه ولقه منك رضوانا
وسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة سواك . إيماناً بك وتصديقاً ببعثك، هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً.
بعد انقضاء مجلس الفاتحة ظلّت اللافتة السوداء لأشهر على جدار بيت في بداية شارعنا: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) الشهيد البطل الدكتور أمير كاظم حسن، استشهد في معركة تحرير الفاو بتاريخ 17/4/1988 لم يكن أبي ثرثاراً أو ضحوكاً لكن رحيل أموري زاد من صمته وإطراقه وأصبح أكثر مزاجية وتقلباً. وكانت أمّي هي التي تتلقى موجات غضبه بدمدمة أو شكوى تهمسها لنفسها عندما يصرخ هو (كافي، أو نصي التلفزيون.) التلفزيون الذي كان سلوتها الوحيدة . لم أكن أمضي الكثير من الوقت في البيت أساساً قبل موت أموري، لكنّ اصطداماتي بأبي ازدادت بعد ذلك وكنتُ أحاول أن أتفاداه لأتفاداها. قال لي أكثر من مرة وأنا أعود ليلاً إنّني أتعامل مع البيت كأنّه فندق. ،
• سنتين ونصف من موت أموري، عام 1990 حين وافق صدّام على كل شروط الإيرانيين وتخلّى عن مطالبه التي شنّ الحرب بسببها بعد احتلال الكويت كي يضمن الجبهة الشرقية، ويسحب الجيش منها إلى الكويت، ضرب أبي كفّاً بكف وصرخ: لعد خاطر شنو حاربنا ثمن سنين ولويش راح أموري: ، أما أمي
فكانت تكتفي بوضع راحتيها على وجهها وتنتحب كلما تذكرته. وكانت أختي تواسيها وتعانقها فتغرقان في حزن بعضهما البعض كنت، ككل الأطفال، شديد الفضول وألح على أبي بالسؤال
عن تفاصيل عمله، لكنّه كان يكتفي بالقول إنّه سيقول لي كل شيء وإني سأرافقه إلى عمله عندما أكبر ويحين الوقت بعد وكت. .. ركّز على دراستك هسّه. كان كل هذا الغموض الذي يكتنف مهنته والمحل يزيد من رغبتي في معرفة ما يدور داخله، كان أموري قد بدأ الذهاب إلى المحل عندما كان في الخامسة عشرة
ليعاونه وبدأ بالغسل في الثامنة عشرة، لكن أبي لم يكن يسمح لي بالدخول إلى محله أثناء عمله وكان يحب ان يظل الشغل في محل الشغل والبيت للعائلة ، عندما كنتُ أسأل أموري عن تفاصيل العمل لم يكن يستفيض في إجاباته وكان يقول لي إنّها ليست لعبة وإن هذه أمور تخص الكبار وانا ما زلتُ طفلاً. ذات يوم في عطلة الصيف التي أعقبت امتحانات الصف الثالث المتوسط قال لي أبي إنّ بأمكاني أن أرافقه إلى العمل
لأراقب وأتعلم أصول المهنة وقواعدها. فرحتُ يومها كثيراً. شعرتُ بشيء من الرهبة وأنا أقف خلف أبي أمام عتبة المحل. حوّل الصفرطاس الذي كان يحمله من يده اليمنى إلى اليسرى
وأدخل يده اليمنى في جيب بنطلونه ليبحث عن المفتاح. كانت السماء صافية بلا غيوم. لفت انتباهي عدم وجود قطعة تشير إلى المكان أو تدل عليه وعندما سألتُ ابي عن ذلك قال لي الآحاجة القطعة لأنه ليس دكاناً أو محلاً تجارياً. وأضاف وهو يضع المفتاح في القفل ويديره إنّ الكل يعرف اين المغيسل، فهو الوحيد للشيعة في بغداد، والأغلبية الساحقة موجودة فى النجف. قالها بفخر وأضاف إن الكاظمية كلها تعرفه. كان المكان أصغر بعض الشيء
مما تخيلته منذ وقوفي أمام بابه مع أمي قبل ذلك بسنين طويلة . فاحت رائحة السدر والكافور وأحسستُ برطوبة الهواء تتسلل إلى جلدي. سدّ ابي الباب وراءنا وتقدّمني إلى الداخل. أول ما وقعت
عليه عيناي بعد أن قطعنا الممر ودخلنا الغرفة الرئيسية كانت دكة المرمر التي يُغسل عليها الموتى والتي يرتفع طرفها الشمالي قليلاً، حيث يوضع الرأس، كي يسيل الماء وكيلا يتجمّع. كان عمر
المكان أكثر من ستة عقود، عملتُ فيه أجيال من عائلتنا وعمل فيه جدي الذي مات قبل أن أولد. كانت الجدران والسقف مطلية بلون أبيض مائل إلى الصفرة، لكن الزمن والرطوبة كانا قد جعلا بعض
المواضع، خصوصاً في السقف، تتقشّر وتبدو كأوراق خريفيه على وشك السقوط. توسطت السقف مروحة بدات تدور بعد أن كبس أبي الزر على الجدار . نظرتُ إلى اليمين فرأيتُ التوابيت التي يؤتى بها من الوقف وقد صفّت في الزاوية. وفوقها بمسافة، نافذة متوسطة الحجم أعلى الجدار تسمح الأشعة الشمس بإضاءة المكان. كانت حزمة ضوء مائلة قد تسللت وتركت بقعة على الأرض فالتمع الكاشي المشجّر الذي رصفت به الأرضيّة.
النافذة لم تكن بمستوى الناظر وكانت تترك الزوايا معتمة بعض الشيء لكنها تسمح برؤية يكسرة من السماء. كانت المروحة السقفية القديمة في منتصف السقف ترسم، في ساعات معينة واعتماداً على الزاوية وأشعة الشمس، أجنحة ترفرف على الحائط المقابل ، تحت النافذة كان هناك باب يؤدي إلى حديقة صغيرة فيها شجرة الرقان التي كان أبي يحبها كثيراً وبجانبه مصطبة يجلس عليها أحياناً أقرباء الميت وهم ينتظرون ويراقبون. في الجهة الشمالية، على من الدكة، كان هناك حوض ابيض كبير بعد مترين
تعلوه حنفية ماء نحاسيّة اللون اصطفت تحتها طاسات نحاسية وسرّاحية ودلاء وأجانات معدنية، كان أبي يرفض رفضا قاطعاً استخدام البلاستيك الذي أصبح شائعاً. إلى أسفل يسار الحوض كانت هناك حنفيّة أخرى وأمامها تخت خشبي صغير مثل الذي كنا
نستخدمه في الحمام للجلوس اثتاء الاستحمام الى يمين الحوض كان هناك دولاب كبير بأبواب زجاجية عرفت فيما بعد أنّه كان يحوي أكياس السدر والكافور والقنحة والأكفان والليّف والقطن الصابون. كانت الدكة مستطيلة والأرض حولها محاطة بحفرة هي ساقية
صغيرة مبطنة بالكاشي الأبيض تتحول إلى مجرى صغير يأخذ الماء إلى الحديقة الصغيرة التي تجاور المكان لا إلى البالوعة، كي لا يختلط ماء الغسل بمياه المجاري الآسنة. من الزاوية اليسرى يتفرّع
ممر قصير يؤدى إلى الحمام وإلى مخزن صغير، على الجدار الغربي لوحة بإطار خشبي سميك خط عليها ( وكل نفس ذائقة الموت ) بالخط الديواني وتحتها باب خشبي يفضي إلى غرفة
صغيرة مجاورة كان أبي يجلس فيها معظم الوقت. يتوسط الغرفة كرسيان خشبيان قديمان بينهما طاولة صغيرة، لم يكن فيها إلا شباك واحد علقت بجانبه صورة للإماء علي عليه السلام . دخل أبي وعلّق سترته في المخزن ثم عاد ودلف إلى الغرفة وجلس على الكرسي الخشبي وأدار الراديو الصغير الذي كان على
الطاولة واستقرّ على محطته المفضلة. تبعته فأشار إليّ بأن أستريح. جلتُ بنظري في المكان ثانية. لا أدري لماذا تخيلتُ آنا ستباشر العمل حالاً. قال لي إنّ عليّ في البداية أن أراقب ما يقوم به وما يقوله هو وحمّودي لأسابيع كي أتعلم. ويمكن فيما بعد أن أبدأ بمعاونته وبمناولة ما قد يطلبه مني. ولن أغسل إلا بعد أن أتقن العمل وأستوعب معانيه. هززت رأسي بطاعة . بعد نصف ساعة وصل حمّودي الذي كان يعاون أبي منذ صغره وسأله إن كان هناك ما يمكن أن يفعله، فطلب منه أبي أن يكنس المكان ويفحص الدواليب ليتأكّد من توفّر كل المواد وإن كانت هناك نواقص
وحاجة لشراء المزيد من أي شيء. قال لي أبي أن أذهب مع حمّودي ففعلت. راقبته وهو يكنس الأرض حول الدئة وفي الزوايا ولم تكن هناك حاجة للكنس. بعد أن أعاد المكنسة إلى المخزن، بدا متحمّساً وهو يشرح لي عن الأشياء وأماكنها. ارتسمت السعادة على وجهه وهو يستعرض معرفته بكل زاوية من
زوايا المكان وبأسرار المهنة. لم يكن هو الوحيد في عائلته الذي يمتهنها. فامه كانت مغسلجية للنساء، تشرف على مغيسل للنساء في ظهر محلنا بابه الأمامي في الشارع الموازي. كان حمّودي أكبر مني بخمس سنوات. مات ابوه عندما كان في الثالثة من عمره وتزوّجت أمه من رجل ثان بعد سنتين، لكنّه تأسر في حرب إيران حيث كان من ضمن قواطع الجيش الشعبي واعتبر مفقوداً لأنه لم يعد بعد نهاية الحرب .ولم يتزوّجها أحد بعد ذلك إذ كان الناس
يقولون إن كل من يتزوجها سيموت . طلبت أم حمودي من أبي أن يعمل ابنها معه ووافق. كان حمّودي قد ترك الدراسة بعد الصف الرابع الثانوي ليساعد أمه وكان قد أعفي من الخدمة العسكرية
العرج الذي في رجله اليمنى والذي أصيب به بعد أن
صدمته سيارة مسرعة وهو على دراجته في أحد شوارع الكاظمية. أعطاني حمودي جولة سريعة أطلعني فيها على كل الدواليب وأشار إلى السدر والكافور والقطن والأكفان وبقية المواد. ثم
ذهبنا إلى المخزن حيث توضع المناشف وكرتونات الأكفان وكميّات احتياطية من السدر والكافور والصابون وفرن صغير بعين واحدة لعمل الشاي وتسخين الطعام. عدنا إلى الغرفة المجاورة وجاء حمّودي بكرسي ثالث ، من الحديقة ووضعه في الغرفة. طلب أبي منه أن يعد لنا الشاي. جلست أنا على الكرسي أتصفح جرائد من اليوم السابق ، كانت على الطاولة. عاد حمّودي بصينيّة الشاي ووضعها على الطاولة. فاح عطر الهيل. كان أبي يسمع لصوت زهور حسين القادم من الراديو ومن الماضي. تداخلت أصوات ملاعقنا الصغيرة وهي تحرّك الشاي في الأقداح الصغيرة وتسرع في ذوبان السكر فيها. ارتشفنا الشاي ووضعنا الأقداح على الطاولة واحداً بعد الآخر. أخذ حمّودي صفحة الأخبار الرياضية من جريدة الثورة وخيم هدوء نسبي أنهاء بعد نصف ساعة صوت ضجيج أعقبته طرقات قويّة
على الباب. هب حمودي نحو الممر الذي يؤدي إلى الباب وسمعتُ صوته يفتح. سأل صوت ذكوريّ عمّا إذا كان هذا هو المغيسل فقال له حمودي بلي، وطلب منه أن يتفضل. قال له الصوت إنّهم سيذهبون إلى السيارة لجلب الميت. أسكت أبي الراديو الذي كان يبث أغنية قديمة ووقف وأخذ يسير نحو الباب . وضعتُ الجريدة على الطاولة ونظرتُ إلى أبي لكنّه بدا غير آبه لوجودي. بعد خمس دقائق عاد حمودي وتبعه رجلان يحملان
شرشفاً أبيض كبيراً بدا أن الميت كان ملفوفاً به. أشار لهما حمودي بأن يضعاه على الدكة ففعلا. كان الناس يجيئون بالموتى بعد استصدار شهادة الوفاة من
الطب العدلي والتي كان أبي حريصاً على قراءتها قبل الشروع بعمله . كان الرجل الأوّل بعمر أبي، في بدايات الخمسينيات، وقد بدأ الشيب يلوح على شعره الأسود وطرفي شاربه . بدا على بياض عينيه البنيتين احمرار من بكاء أو تعب. كان الثاني يشبهه في الملامح ولون الشعر ولكنّه كان أصغر، بشارب ولحية خفيفة. كانا
يرتديان السواد. سأل الرجل الأول أبي عن الأجر فاجاب : إكرامية، علّي تكدرون عليه وكلفة الكفن، بس بعدين. وسأل: منو المرحوم؟،
فقال الرجل إنّه الأخ الثالث وقد توفي بالجلطة .
لا حول ولا قوة إلا بالله. الله يرحمه والبقاء في حياتكم
فأجاب الكبير :ويرحم والديك
لم يقل الصغير شيئاً. طلب منهما أبي أن يجلسا على
المصطبة أو أن يقفا إن أحبّا وأعلن أن الغسل والتكفين سيستغرقان حوالي ثلاثة أرباع الساعة. لم يقل الرجل شيئاً وظل واقفاً بجنب أخيه على بعد ثلاثة أمتار من الدكة . إنّكات أنا على الحائط من الجهة المقابلة بقرب غرفة الجلوس . اقترب أبي من يمين الدكة وأزاح الشرشف عن الجثة فبرز وجه ممتقع وعينان مسبلتان لرجل بدا في نهايات الخمسينيات شعرتُ بضيق في صدري وبخوف. كانت هذه أول مرة أرى فيها
إنساناً ميتاً عن كثب. مات جدي عندما كنت في الخامسة لكنهم يسمحوا لي بأن أري وجهه أو جثته. هذا هو ما يفعله الموت اذاً. كان أشيب الشعر والشارب، الذي كان ناعماً بعكس ذقنه التي بدا أنها لم تحلق لأيام. اقترب حمّودي من الجهة اليسرى للدلّة
ورفع أبي الجزء العلوي من الجثة ليسحب حمودي الشرشف من تحتها وكذا الشيء ذاته مع الجزء السفلي وأعطى الشرشف للأخ الأكبر الذي ظل واقفاً. كان على جسد الرجل فانيلة بيضاء وبنطلون رمادي وكانت القدمان حانيتين. وكانت قبضتا يديه منكمشتين بعض الشيء، أمسك أبي باليمني ليفتحها بلين وفعل
حمودي الشيء ذاته باليسرى. جرداء من ثيابه حتى لم يبق إلا السروال الداخلي الأبيض الذي غطاه أبي بقطعة قماش بيضاء ناوله إيّاها حمّودي. ثم أزال السروال الداخلي مع إبقاء القماشة فوق
الميت من السرّة وحتى أعلى الفخذين. نزعه عن قدميه وناوله الحمّودي الذي طوى الملابس ووضعها في كيس وسأل الأخ الواقف إن كان يريدها نأخذها. كان أبي يعطي الملابس التي لا يريدها الأقارب للفقراء. ذهب أبي نحو الحوض ونزع نعليه وتناول صدرية بيضاء، من المشمّع، كانت معلقة على مسمار إلى يساره وارتداها فغطت صدره وجسمه حتى ركبتيه، وربط الشريط خلف ظهره وأخذ قطعة الصابون المكعبة، ثم شمّر عن ساعديه وفتح حنفية الماء وأخذ يُصوبن يديه وذراعيه حتّى المرفقين ثم اغسلهما بالماء وكرر ذلك مرتين اخريين. وبينما كان يجفف يديه
وذراعيه بمنشفة وضع حمودي أحد الطشوت تحت الحنفية الثانية وأدارها فنزل الماء بقوة. أخرج كيسين من الدولاب وضع أ احدهما على طاولة الدولاب وأخذ الثاني ونثر بعضاً مما فيه في الماء الذي أخذ يتجمع في الطشت. فاحت رائحة السدر التي كنت أشمها
على أبي عند عودته إلى البيت. اقترب ابي من الدكة من جهتها اليمنى وقال بصوت خفيض :
«بسم الله الرحمن الرحيم. يارب عفوك عفوك. هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه وفرّقت بينهما، نعفوك عفوك » وبدأ
يمسح بطن الميت برفق براحته لكي يتأكد من خروج كل شيء . وضع حمودي تختاً على مقربة من الدكة لكي يكون الطشت الذي سيضعه عليه في متناول يد أبي. ووضع الطشت الذي امتلأ بالماء تم وضع قليلاً من السدر فيه . وضع طاسة معدنة فيه سمعتُ
صوت ارتطامها بسطح الماء. أخذ أبي الطاسة وملأها بالماء ثم أشار إلى حمّودي الذي وضع قليلاً من السدر المطحون على رأس الميت وبدأ يغسل شعر الرجل ويفرك رأسه برغوته، بعد أن غسل الرأس ساعده حمّودي في قلب الرجل على جانبه وهو يقول
اعفوك عفوك) وبدأ يغسل الجانب الأيمن، بدأ بالرأس ثم غسل الجانب الأيمن من وجهه، ثم رقبته وكتفه وذراعه وكفه، ثم صدره وبطنه. وكان يواصل صب الماء ويمرر يده على جسد
الميت ويردّد «عفوك عفوك، عندما وصل إلى أسفل بطنه، غسل عورته دون أن يزيل الخرقة التي فوقها. ثم باشر بالفخذ ونزل حتى وصل إلى أصابع قدمه اليمنى. كان أبي يغسل براحته المفتوحة بنعومة. بعدها أعادا الميت على ظهره ودار أبي إلى الجانب الآخر وقلباه إلى الجانب المعاكس لغسل الجانب الأيسر.
كرر أبي العملية بنفس الدقة من الرأس وحتى وصل إلى أخمص قدمه اليسرى. كان حمودي قد ملئأعاد طشت آخر ووقف ينتظر أن يفرغ الأول كي يضعه محله. اتجه أبي إلى الحوض وغسل يديه وذراعيه حتى المرفقين بعد أن أنتهي من غسل الميت للمرة
الأولى. تبللت الأرض حول الدرّة لكن معظم الماء المدلوق كان يتجمّع في الحفرة ويسيل نحو الحديقة الصغيرة. أخرج حمّودي كيس الكانور من الدولاب وفرك بأصابعه مكعبين ثم أضاف المسحوق إلى طشت كان قد ملأه بالماء. مسح ابي مرة اخرى برفق بطن الميت ثم بدأ يغسل الجانب الأيمن من رأسه بالماء
المخلوط بالكافور. وكرّر رحلته حتى أخمص قدمه اليمنى ثم انتقل إلى الجانب الأيسر من الرأس. غسل أبي يديه ثانية حتى المرفقين بعد أن انتهي من الغسلة الثانية، الغسلة الثالثة والأخيرة لم يسبقها مسح البطن وكانت بالماء وحده بلا سدر أو كافور. كان أبي يخفض عينيه وهو يغسل حتى يبدو أحياناً وكأنّه هو الآخر
نائم، لكن يديه كانتا تفركان بنشاط وبقوّة، ولكن دون قسوة. اتجه أبي بهدوء بعدها إلى الحنفيه السفلى وغسل يديه إلى المنكبين ورجليه إلى الركبتين ثلاث مرّات ثم جفف نفسه بمنشفة ناوله إياها حمّودي. ثم أخذ منشفة بيضاء من الدولاب وجفّف بها
جسد الرجل بعناية وتلقّفها حمّودي بعد أن انتهى ليأخذها إلى المخزن أخذ أبي علبة الكافور وقاس مقداراً بملعقة صغيرة ووضع المسحوق في إناء ثم اقترب من الدكة ومسح المساجد السبعة :
جبين الرجل وطرف الأنف والخدين والذقن، ثم باطن يديه، ثم ركبتيه وإبهامي الرجلين. غسّل ابي يديه ورجليه مرة أخرى وكذلك فعل حمّودي بعده . أخذ أبي بعض القطن من الدولاب وملأ منخري الرجل ثم وضع بعضا منه بين فخذيه وقلبه ووضع القطن بين إليتيه. علمتُ فيما بعد أنّه يفعل هذا كي لا يخرج الدم
من الميت. أخذ أبي نفساً عميقاً. جاء حمودي بقطعة قماش ومقص ناولهما لأبي الذي قص منها قطعة طويلة وأعاد المقص وما تبقي من القطعة إلى حمّودي. شدّ فخذي الرجل إلى بعضهما البعض ولف القطعة حولهما مرّتين. ناوله حمّودي ما تبقى من القماش , فلفه حول راس الميّت وعممه من فوق وربط القطعة
تحت حنكه. ثم جاء . حمّودي بقطع الكفن الثلاث وناول أبي أولاها ففرشها فوق جسد الميت وغطاء من السرّة إلى الركبتين ونثر عليها بعض الكافور. ثم ناوله حمّودي قطعة ثانية أكبر، فرشها وغطى بها من المنكبين إلى ما فوق القدمين. تعاونا على لفها حول جسده من تحت. القطعة الثالثة كانت الأكبر وغطت
جسد الميت بأكمله حتّى بقيت فضلة منها من الجهتين وكانت هناك أدعية مكتوبة بالأسود على حافتيها. أخرج حمّودي ثلاثة شرائط من القماش وناول ابي واحداً منها، فأخذه ولفه حول أسفل الساقين وعقده. ثم تعاونا على رفع جسد الميت من كتفيه ومرر أبي الشريط الثاني بيده اليمنى من تحت ظهره فأمسك حمّودي بطرفه الثاني، ثم أعادا الميت وعقد أبي الشريط وكذلك فعل بالشريط الثالث الذي ربط به حافة الكفن من جهة الرأس. سحب أبي نفساً عميقاً وقال بصوت عال وهو ينظر إلى الجثة المكوّنة :
( لا حول ولا قوة إلا بالله). بدا الميّت كالطفل المقسط ولكن بلا حراك أو بكاء. كان أبي يتمتم الأدعية أثناء الغسل لكنّه نادراً ما كان يقول شيئاً لحمّودي. كانا قد عملا معاً لسنين طويلة وكانا يتفاهمان بالنظرات والإيماءات ويعملان على إيقاع شبه ثابت .
طلب حمّودي من أحد الرجلين أن يساعده في جلب التابوت بالقرب من الدة واتّجه إلى الزاوية اليمنى حيث كان هناك عدد منها ساعده الأخ الأصغر في حمل التابوت وجلباه ووضعاه بالقرب من الدلّة. وقف أبي عند رأس الميت ليحمله من كتفيه برفق، وقابله حمودي من الجهة الأخرى واستعد لحمل الميّت من
تحت ركبتيه، قال أبي يا الله، وكانت تلك الإشارة لكي يحملاه . وضعاه في التابوت برفق. تم ذهب حمودي إلى الحديقة الصغيرة وجلب منها جريدة من النخل أعطاها لأبي الذي كسرها إلى قطعتين ووضع واحدة منها إلى يمين الميت على طول الذراع بين
عظم الترقوة واليد، والأخرى إلى يساره في نفس المكان، كي ترفع عن الميت عذاب القبر، كما قال لي فيما بعد. كان احيانا يضع غصن سدر أو رمّان بدلاً من السعف، غطّى أبي التابوت وقال للرجلين الله يرحمه. وكانت هذه العبارة إشارة إلى نهاية طقوس الغسل، دفع الأخ الأكبر ثمن الأكفان والأكراميّة وشكر
أبي. بعدها بدأ الأخوان يستعدّان لحمل التابوت وساعدهما
قال لي أبي أن أفتح الباب لهم ففعلت وأغلقته وراءهم.
عندما عدتُ إلى الداخل كان يرتّب الطشوت والأجانات ويصفّها. لكنّه ابقى واحدة منها قرب الدكّة. عندما عاد حمّودي بعد عشر دقائق ملأها بالماء الساخن وأخرج قليلاً من السدر وأخذ يغسل الدلّة ويفركها بآسفنجة. ذهب أبي إلى الغرفة المجاورة وجلس على كرسيه، ثم سمعت صوت مسبحته تطقطق قبل أن تغمر
صوتها أغنية من الراديو الذي فتحه. بدت الاغنيه كأنها قادمة من عالم بعيد لم يغرق بعد كليّاً في الموت كما غرقت هذه الغرفة الساعة أو أقل. تعجّبت من قدرة أبي على العودة إلى إيقاع الحياة العادية بسهولة بعد كل مرّة يغسل فيها، أو بعد كل يوم يقضيه هنا
كأن شيئاً لم يكن. كأنه ينتقل من غرفة إلى أخرى ويترك الموت وراءه، وكأنّ الموت خرج مع التابوت وذهب إلى المقبرة وعادت الحياة إلى المكان . أمّا أنا فكنت أشعر بحضور الموت في المكان كله حتّى بعد أن رحلت الجثة وخيّل لي بأن الموت كان يلاحقني
إلى البيت. استحوذت علي حقيقة أن كل ما يشتريه لنا أبي كان بفضل الموت وحتى ما نأكله كان الموت هو الذي يشتريه لنا. عندما عدنا إلى البيت مساء ذلك اليوم سألتني أمي عن يومي الأوّل مع ابي فقلتُ لها: «زين . فرحث وقالت: عفُيّة بالسبع!
لكن وجه الرجل الميّت ظلّ يتفرّس في تلك الليلة لكن بلا عينين، بمحجريه الخاويين فقط. لم أقل لها أو لأبي شيئاً عن الكابوس الذي ظل يعاودني ذلك الصيف في فترات متفرقة. كان وجه ذلك الرجل يغيب أحياناً لتحل محله وجوه موتى آخرين، محاجرهم خاوية أيضاً، لكنّه كان دائماً يعود ويظل صامتاً يتفرّس دون أن يغمض عينيه، وجه بلا جسد. عندما تناولنا العشاء ليلتها بقيت أراقب أبي وأصابع يديه وهي تقطع الخبز وتضع الطعام في فمه. كان من الصعب أن اصدق بأنها ذات الأصابع التي فركت جسداً ميتا قبل ساعات
تغيرت وجوه الموتى وقاماتهم وعلاماتهم الفارقة، لكن إيقاع الغسل كان ثابتاً لا يتغير، ولا تتغيّر تفاصيله إلا في حالات نادرة . قبيل نهاية ذلك الصيف جيء برجل مات محترقا في حادثة في مصنع للكيمياويّات وكان جسده مغطى بحروق شديدة التهمت بشرته وغيّرت لونها في كل موضع. لم يتحمّل أقربائه المنظر
فانتظروا في الخارج، أزال أبي الملابس عن جسده بصعوبة واكتفى ، بصب الماء عليه ووضع القطن وتكفينه دون أن يستعمل السدر أو الكافور ودون أن يفرك أي بقعة منه. تقيّأتُ يومها وتوعكتُ لأيّام لم أذهب فيها مع أبي الذي لم يقلقه الأمر وقال
الي: (لا تخاف، راح تتعوّد على هالأشياء. ) ولم أعد للعمل مع ابي حتى الصيف التالي
(شدتكتب)،
سألني أبي مستغرباً عندما رآني ادوّن بعض الملاحظات في دفتر صغير كنت قد حملته معي. فقلت له إنّني أدون ملاحظات عن تفاصيل الغسل، " كي لا أنساها، ضحك وقال: (شنو رايح عالمدرسة؟ لا تخاف ماكو امتحانات) قال لي إنّه أتقن صنعته بالممارسة دون أن يكتب حرفاً واحداً وكذلك فعل
حمودي ومن عمل معه قبله. لكنّه كان صبوراً معي في الإجابة على أسئلتي الكثيرة وأعتقد أنه فرح يومها لأنني كنت جادّاً في رغبتي أن أعرف كل شيء عن تفاصيل وطقوس المهنة التي كان يريدني أن أرثها. كنت أريد أن أنال رضاه وأن يعرف بأنّني أريد أن أساعده مثل اموري وأني قادر على مواجهة الموت كرجل. اما هو فكان دفتره أو دفاتره كلها في رأسه، كتبتها السنين الطويلة. كنتُ قد سألته مرّة وأنا طفل لماذا نغسل الميت، كما سألت أني، فقال لي يومها لأنّ كل ميّت سيلتقي بالملائكة وأهل الآخرة
والله سبحانه وتعالى ويجب أن يكون طاهراً نقياً. وسألته في ذلك الصيف مرّة ثانية فأجاب بذات الجواب لكنه أضاف إنّها لا يجوز أن يظهر فساد الجسد وان تتغير رائحته ويجب أن يكون مستوراً
تعليقات