رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5 بقلم تميمه نبيل
رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5 هى رواية من اجمل الروايات الرومانسية السعودية رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5
رواية بعينيك وعد الفصل الخامس 5
( كرمة !! .............. )
شهقت عاليا و هي تنتفض مكانها ما أن سمعت الصوت الرجولي العميق من خلفها ... فاستدارت بسرعة و هي تضع يدها على صدرها اللاهث ....
لتنظر بهلع اليه ... الى حاتم ..
حيث كان يقف بباب غرفة الجلوس ينظر اليها بنظرةٍ غريبة ... فابتلعت ريقها بصدمةٍ تجلت على ملامحها بوضوح و عيناه تأسرانها فتمنعانها حتى من النطق ...
اقترب منها ببطىء شديد .. فارتجف النفس الخارج من بين شفتيها المنفرجتين و هي تتراجع عنه خطوة !
تسمر حاتم مكانه و عيناه تتسعان قليلا ... ثم لم يلبث أن همس بصوتٍ أجش
( ياللهي !! ........... )
كان وجهها مرتعبا ..... لا معنى لتعبيراتها سوى الإرتعاب .....
كان ضوء الصباح الشاحب قد أحاط بجسدها المهلك .. بينما نثر شعرها همجيا حول وجهها و كتفيها ... هي بكل روعتها البدائية حين تمتزج بالملوكية الفطرية ...
لكن جمالها الآن لم يكن هو من خطف قلبه ... بل رعبها الواضح !! ....
باتت ملامح وجهه مخيفة في خوفها عليها ....
كانا يقفان على مسافةٍ من بعضهما .. و كل منهما يعاني خوفه الخاص .....
ثم لم يلبث أن اندفع اليها غير قادرا على التعامل مع ذلك الشعور القاتم بداخله بأنه السبب في ذلك الرعب المرتسم على وجهها ...
وقف على بعد خطوةٍ منها ... بينما رفعت وجهها اليه , متسعة العينين .... تلهث بوضوح ....
اشتعلت عيناه بنار الصدمة و هما تلاحقان شفتيها المنتفختين بقوة اثر قبلاته المجنونة ليلة أمس .... بل لم تكن قبلات .... كانت هجوما على كل حواسها فقد معه كل سيطرته و ما عرف عنه من اتزان ....
زفرت أنفاسه نارا حارقة لفحت وجهها الشاحب المرتفع اليه .... بينما همس بصوتٍ أجش و كأنه يخاطب نفسه
( لقد آذيتك !! ............ )
مد يده الضخمة ... و التي كانت ترتجف !! ... ليمر بأصابعه على شفتيها المتورمتين ببطىء و صدمة ....
و كانت أنفاسها المرتعشة الملامسة ليده تزيد من قوة احساسه بالجنون و الكره الذاتي لنفسه ...
للحظات طويلة عجز عن الكلام .... غير مصدقا لنفسه ... غير مصدقا للمرحلة التي وصل اليها ... معها ....
هل وصل الى حد أذيتها !! ... فعلا !! ......
همس بصوتٍ أجش مبحوح .... مرتعب
( كرمة !! ............. )
كانت حدقتاها تهتزان بوضوح .... بينما هي غير قادرة على خلع عينيها عن عينيه .... و كأنه يربطهما به برباطٍ سحري لا فكاك منه ...
كانت أصابعه لا تزال تجري على شفتيها ببطىء الى أن تابع بصوتٍ متقطع مصدوم
( كرمة ..... لم أقصد ايلامك !! ...... أرجوكِ لا تنظري الي بتلك الطريقة .... )
ابتلعت ريقها بوضوح ... فانحدرت اصابعه تتلمس عضلات عنقها المتشنجة ليتأكد مما تشعر به .....
حينها تأوه بصوتٍ أجش ليقول بصوتٍ خافت ...
( كرمة ...... كرمة اسمعيني ...... )
صمت قليلا غير قادرا على التبرير .... فأخفض رأسه قليلا و هو يرفع يده ليتخلل مقدمة شعره بأصابعه بيأس ....
ثم رفع رأسه بقوة وهو يقول بصوتٍ قوي ... مسيطر .. خافت
( كرمة ...... هل أستطيع أن اضمك لصدري ؟!!! ... لا تخافي مني حبيبتي ...... )
صمت قليلا ينظر الى عينيها الواسعتين على شكلتين لوزتين حلوتين .... فتابع بصوتٍ خافت أكثر الحاحا وهو يقترب منها أكثر
( أرجوكِ حبيبتي ..... اقتربي مني ... تعالي الى صدري .... )
حينها أفاقت كرمة قليلا من صدمتها و هي ترمش بعينيها ... لتأخذ نفسا مرتجفا , ثم اقتربت منه الخطوة الفاصلة بتردد ووقفت بالقرب من صدره ....
مخفضة رأسها .... ترتجف قليلا , بينما تهدل شعرها حول وجهها فأخفاه عنه ...
فمد يده ببطىء ليضغط بها ظهرها برفق ... حتى ألصقها بصدره دون جهد , فأراحت وجنتها عليه تلقائيا و هي تغمض عينيها بتعب .....
ظلا على تلك الحالة طويلا و كأنه يحاول أن يبدد خوفها ... لم يتخيل يوما أن يصل به الى الحال الذي يحاول معه تهدئتها من خوفها منه ....
ظل يداعب ظهرها برقة .... و ما أن شعر بأنها سكنت قليلا على صدره , تجرأ على رفع كلتها ذراعيه ليضمها بين ذراعيه بقوة .... قوة مختلفة هذه المرة ... قوة حماية و أمان ...
فتنهدت بصوت مسموع و هي ترفع يدها لتلامس صدره ... تستشعر قلبه الذي يضخ حياة بقوة ...
كانت مؤخرا تقوم بتلك الحركة كثيرا ... لا يشعرها بالإطمئنان سوى ملامسة قلبه المندفع ....
بينما كان هو يغرق وجهه في شعرها و حلاوته ..... محاولا أخذ بعضا من نعومته .... لربما افادته في محاولة تفسير ما حدث بينهما ليلة أمس ...
رفع رأسه أخيرا بعد فترة طويلة .... لينظر الى قمة رأسها المحني على صدره .... فقال بصوتٍ خافت أجش
( تعالي ........ )
أبعدها عنه .... وهو يرفع رأسها بحزم رقيق , ... لن يسمح لها بالإبتعاد ... لن يسمح لها بالتباعد ...
ليلة أمس , على الرغم من جموحها .... على الرغم من الخوف الظاهر حاليا على وجهها المسكين ..
الا أنه للمرة الأولى يشعر بها منصهرة معه بتلك الصورة الغريبة ... و كأنها تحتاجه ... تحتاج العاطفة التي يمنحها لها .... لا بل شعر أكثر و كأن هذا لم يعد يكفيها .... بدت بين ذراعيه تحتاج لأكثر و هذا جعل منه مجنونا جنونا اضافيا مع التصادم الذي حدث بينهما ...
لا يزال يتألم ... لازالت رجولته تتأوه بصمت من موضوع امكانية حملها دون أن تعلمه ...
لكنه الآن أجبر نفسه بالقوة على أن ينحي ألمه جانبا كي بدد ذلك الخوف الدخيل بينهما ...
هل ينقصهما المزيد من الحواجز !!! .... تبا !!
ترك ذقنها ليمسك بكلتا يديها و يسحبها معه الى أن جلس على الأريكة و جذبها لتجلس بقربه ... كانت تبدو كتلميذة مذنبة و هي مخفضة رأسها و شعرها من حوله تنظر الى حجرها حيث يديهما متشابكتين ...
اقترب منها أكثر فبات لا شيء يفصل بينهما ... حينها أخفض رأسه ليبعد شعرها عن وجهها بشفتيه الحنونتين و هو يهمس بصوتٍ أجش بالقرب من أذنها
( الا تريدين حتى النظر الي ؟!! ....... )
رفعت وجهها اليه بتردد .... فصدمت قلبه ! ...
كان وجهها الجميل .. شاحب .. متوتر ... بينما شفتيها الحمراوين المتورمتين هما نبض الحياة في تلك الملامح الباهتة القلقة ...
فهمس مجددا بصوتٍ خشن
( هل تكرهيني بسبب ليلة أمس ؟!! ........ )
رمشت كرمة بعينيها مجددا و هي تنظر اليه .. تحاول منذ برهة الكلام وهو لا يعطيها الفرصة ...
تريد الصراخ ... تريد البكاء .... تريد نبذ الماضي الذي لا يتخلى عنها ...
لم تستطع النطق و هي تهز رأسها نفيا ببطىء ....
شعر ببعض الراحة وهو يرى نفيها الصامت .... لكنه لم يكتفي بذلك بل ترك يديها ليحيط ظهرها بذراعه وهو يضمها الي صدره هامسا بخفوت
( اذن لماذا هذا الخوف الي يظهر على ملامحك حبيبتي ؟!! ....... )
طالت عينيها الخائفتين رغما عنها الى هاتفها الملقى على الأريكة بجواره في الجهة الأخرى ..... فتغضنت عيناها أكثر و هي تزفر نفسا حادا ... قلقا .....
لكنها استجمعت كل قواها غصبا و هي تهمس بصوتٍ بدا عصبيا ... على الرغم من رقته
( ما ..... ما الذي جعلك .... ما الذي ايقظك مبكرا ؟؟ ........ )
عبس قليلا و هو يراها تبني الجدار حول افكارها كي لا يقرأها .....
لقد ذكرته بفيلم يعرفه حق المعرفة .... لأطفالٍ خارقين يخترقون التفكير و ينفذون اليه و في نفس الوقت يبنون جدارا لمنع الآخرين من قراءة افكارهم ...
و هي بالفعل تبدو لعينيه كطفلةٍ نابغة خارقة ... تحاول جاهدة بناء جدار عازل كي تمنعه من النفاذ الى تفكيرها ...
الا أنه رد بخفوت خشن
( بداخلي جهاز انذار ..... يضيء ما أن تغادريني , في صحوي ... و في نومي .... )
رفعت عينيها القلقتين كقطةٍ حذرةٍ اليه ... ثم لم تلبث أن فرغت ذعرها في ضحكةٍ خافتة متوترة .. و هي تقول برقةٍ خافتة
( ألم أقل لكِ أنك رومانسي للغاية !! ...... )
رد عليها بجدية عابسا
( لم تكن تلك رومانسية ..... بل حقيقة ..... )
تحولت ضحكتها الى ابتسامة جميلة و هي تنظر الى ملامحه العابسة .... حسنا أنه خانق , قليلا .... لكنه لطيف ....
عقدت حاجبيها قليلا و هي تفكر بأن ليلة أمس كانت أبعد ما يكون عن اللطف !! ....
كان حاتب يراقب تعاقب الإنفعالات على وجهها الواضح ... بينما بداخله بركان الغضب و القلق يتحرك بعدم ثبات ...
يحاول معاملتها بحذر خوفا من أن تنتفض و تتخذ خطوة متهورة لأنه آلمها أو أزعجها ....
للمرة الثانية يدرك أن ما حدث بينهما كان له صدى في ذاكرته مما مضى ... حين كانت تأتي الى العمل على مرآى من العاملين و منه شخصيا ... ببشرةٍ صافية نالها ما نالها على يد الهمجي الذي كانت متزوجة منه ...
فهل هو أفضل حالا منه الآن !! ....
زفر نفسا أجشا وهو يسأل نفسه بيأس
" الى متى ستظل تقارن نفسك به يا حاتم!! ... متنازلا كل مرةٍ عن جزء من كرامتك و أنت تفعل !! "
كان اصبعه يطوف على شفتيها الممتلئتين و كأنه يرغب بقوى سحرية أن يضيع احمرارهما .... على الرغم من أن هذا الإحمرار كان يثير حبه أكثر .... و يخبره بوضوح عن مدى شغفهما المتنامي بالتدريج .. من جهتها هي على الأقل ...
فمن جهته هو فهو شغوفا بها كقطعة بطيخ باردة في صيف حار !!
انه حتى أصبح يتكلم مثلها !! ......
مد يده ليرفع ذقنها اليه ناظرا لعمق عينيها وهو يقول بقوة غير قادرا على التحمل الخوف من مغبة خوفها
( كرمة !! ...... لم أقصد ايلامك ..... آنا آسف حبيبتي ...لا تخافي مني .. )
صمت قليلا وهو ينظر اليها بعينين تشتعلان تهديدا .... تهديدا بالثقة وهو يهتف بخفوت مشددا على ذقنها
( إياكِ و الخوف مني ...... إياكِ ..... )
عادت نظراتها الى الهاتف الملقى بجواره بصمت .... و كأنها مذعورة من أن يرن مجددا .....
فرفعت عينيها اليه و هالها أن ترى مدى العذاب مختلطا بالتهديد في عينيه ... فهمست بعد لحظة
( أنت لم تؤذني ليلة أمس ..... أنا .......أنا ..... )
صمتت قليلا و هي تنظر الى ملامحه بوعي غريب ... فحثها حاتم وهو يهمس بصوتٍ أجش
( تابعي ...... إياكِ أن تتوقفي الآن ...... )
عبست قليلا و هي تقول بغيظ مفاجىء
( توقف عن التهديد ..... ماهذا ؟!! .. ارهاب فكري !! ..... أعطني فرصة لأركز ..... )
ازداد عبوسه بشدة .... بينما أخذت نفسا آخر أكثر سيطرة و هي تبعد عينيها بالقوة عن هاتفها ...
لتعاود النظر الى عينيه .. قائلة بخفوت واضح
( أنت لم تؤذني ...... أنا كنت في حاجة ماسة لتلك العاطفة التي أغرقتني بها .... أنت لن تتخيل ما شعرت به ليلة أمس .... إحباط سخيف غير مسبب , ..... )
أطرقت بوجهها قليلا أمام عينيه المظلمتين ... ثم تابعت بصوت هامس
( لا ليس سخيفا ...... كدت أموت و أنا أمام الطبيبة ليلة أمس ..... كدت أن أموت حين ثبت أنني مضطرة للإنتظار شهر آخر ... و آخر ... و من يدري ....... )
ابتلعت ريقها بينما كان صدره الهائج يضرب بقوةٍ دون أن يسمح لها بالإفلات .... فعضت على شفتيها قليلا و هي تتابع بهمس
( الحقيقة أنني أنا من آذيتك ..... و بشدة ..... )
هزت رأسها نفيا قليلا .و صوتها يختنق . فتراقصت بعض الخصلات على جانبي وجهها ...
فشدد من ضمها اليه أكثر ... و أكثر ....
فتشبثت بصدره و هي تغمض عينيها لتهمس بخفوت مختنق
( ليلة أمس شعرت ......شعرت بالكمال ... و كأن الكثير كان ينقصني .... ليكتمل فجأة بذلك الطوفان .... )
صمتت و هي تشعر بخجل رهيب و كأنها فتاة بريئة .... فلم تستطع رفع رأسها و مواجهته , الا أن هدير انفاسه وهو يقول بصوتٍ أجش
( كرمة ....... ياللهي .... انظري الي , ارفعي وجهك ..... )
هزت رأسها نفيا في صدره و هي تقول بصوت مختنق
( لا أستطيع ........... )
عقد حاجبيه و عينيه تلمعان بقوة ... ثم قال بخشونة
( لكن أنا أستطيع ........)
أبعدها عنه بالقوة , فأخفضت وجهها المشتعل .... لم تصدق أن بإمكانها الإعتراف بسيطرته عليها بمثل تلك السهولة و الجرأة !! ...
الا أن حاتم لم يسمح لها بالإختباء مجددا وهو يرفع ذقنها رغما عنها بينما هي تتهرب منه معترضة و هي تقول
( لا يا حاتم .... لن أرفع وجههي .... )
قال بصيغة الأمر بينما نبرات صوته تتوهج
( بل ستفعلين ........ انظري الى و أعيدي ما قلته للتو .... )
قالت بعناد و هي تزم شفتيها
( مستحيل ................ )
الا أنه شدد على ذقنها ليقول بقوة و صدره يتسع و يتسع
( بلى ....... أتظنين أن أتركك بعد ما قلته للتو !!! ..... )
التزمت العناد و هي تتلوى منه متهربة من عينيه و يديه ... تحاول ىإخفاء وجهها في كتفه ... حينها لم يجد بدا من النهوض فجأة ... ثم دون سابق إنذار , سحبها من يديها حتى وقفت على قدميها ... ثم رفعها بين ذراعيه حتى باتت ساقيها تلوحان في الهواء .. و عينيها على مستوى عينيه ...
ترى النار المتأججة في عينيه ... وهو يعتصر خصرها الهش بين ذراعيه القويتين .. فتعلقت بعنقه و هي تقول ما بين الخوف و محاولة الظهور بمظهر العابس الحازم
( انزلني يا حاتم ......... )
قال من بين أسنانه و عينيه تلفحانها
( ليس قبل أن تعيدي ما قلتِ ..........و عينك بعيني , دون أن تخفضيهما .... )
عبست و هي تنظر اليه قليلا .. ثم قالت بدلال أنثوي خافت
( توقف عن صفة التملك تلك ..... قلتها و سمعتها ..... الا تخجل !! ...... )
اشتدت صرامة ملامحه ... و تأجج النيران بعينيه وهو يقول بجدية
( الخجل بيننا .... بات صفة لا تخضع للمنطق .... انت بداخلي كرمة , هل اخجل من جزءٍ مني؟!! )
ابتسمت برقة و عمق و هي تتطلع اليه ... فرفعت يديها تتلمس ملامح وجهه بتركيز .. و كانها ترسم له صورة في ذاكرتها ....
هذا الرجل هو زوجها !!....... الدرس اليومي الذي تلقنه لنفسها
لكن بعد مرور الايام بينهما ... لم يعد الدرس فرضا .... بل متعة .......
عبس حاتم قليلا و هو يشعر بالغيرة من ابتعادها عنه مجددا فقال آمرا متناسيا طلبه حاليا
( بماذا تفكرين ؟؟ ..... ما الذي شغلك عني مجددا ؟؟ .....)
ظلت تتلمس وجهه قليلا و هي تميل بوجهها .. تؤرجح قدميها ببطىء و رقة ... و تعمدت اطالة الصمت بخبث بينما هو يحترق و حرارته تشع عبر جسدها .... ثم قالت أخيرا
( أتعرف عليك ............ )
اتسعت عيناه قليلا وهو يدرس مدى اهمية كلمتها المختصرة ... ثم لم يلبث أن ازداد عبوسه و كأنه يدرك لأول مرة ... فقال بشك
( أنت تتمتعين بذلك ...... أليس كذلك ؟!! ..... )
رفعت اليه عينين بريئتين و هي تقول برقة
( أتمتع بماذا ؟!! ........... )
اجابها حاتم دون مواربة
( تتمتعين بتلك السيطرة التي تفرضينها علي ...... تتمتعين بعذابي !! ..... )
حينها أشرق وجهها بابتسامة حقيقية .... بدت خلابة في جمالها و هي تقول برقة
( و اي مرأةٍ في هذا الكون لا تتمتع بتلك السيطرة التي تفرضها على رجل !! ......... )
ضاقت عيناها قليلا و هي تهمس بتفكير
( لا ...... ليس اي رجل , .....بل زوجها ...... تلك السيطرة تشعرها بالأنوثة و .... الوهن ... )
عقد حاجبيه بإرتياب و هو يقول بخفوت بينما صدره يسحقها بشدة انفعالاته المتزايدة في توهجها ....
( حقا يا كرمة !!! ...... الا تخنقك مشاعري !! ..... و تلك السيطرة التي تحدثتِ عنها ؟ .... )
كانت تراقبه .... تتأمل ملامحه و ترسم حدودها بعينيها .... ثم همست برقة
( نعم تخنقني ...... لم أعتدها من قبل .... )
عبس حاتم أكثر و هو يشعر بالألم ... الا أنها تابعت بصوتٍ أكثر رقة
(لطالما كنت متحملة مسؤلية نفسي ...... كنت أشعر أنني مخلوق مزدوج , نصفه رجل و الآخر امرأة ..... )
عادت لتصمت و ضاعت الإبتسامة عن وجهها الذي لونه حزن شاحب و هي تتابع همسا
( الرجل بداخلي كان متعبا للغاية .... و المرأة كانت مهانة و أنوثتها منكسرة ...... )
صمتت قليلا و هي تغلق شفتيها كي لا تنطق بالمزيد ..... و هي ترى ملامح حاتم تتخذ وجع الرجولة من ماض لم يتواجد به ...
حينها أنزلها ببطىء على الأرض دون أن يحررها .....
شعرت بالقلق من احتمال غضبه مجددا .... فأطرقت بوجهها بندم , الا أنه قال بخفوت و يداه على خصرها ترفضان تراجعها
( تابعي ...... أنا أسمعك ...... )
فغرت شفتيها قليلا ... لا تصدق أنه يعطيها الفرصة للكلام عن ارهاقها و تعبها في حياتها مع غيره ...
لكنها فجأة شعرت بأنها لا تريد ذلك .... بل تريد قول ما هو مختلف ,
فهمست بخفوت
( أما الآن ...... الآن ...... سيطرتك قتلت الرجل بداخلي ... و أحيت الأنثى ..... تمنحها الوهن الذي يذيب مفاصلها و بنفس الوقت تمنحها القوة كي تعلو و تعلو ..... حتى باتت مدللة!!! ...... )
سمعته يأخذ نفسا أجشا .... فرفعت وجهها اليه تتمتع بتلك العاصفة المرتسمة على ملامحه الوسيمة قبل أن تقول بخفوت متابعة
( لذا اعذرني ان كنت أتمتع بالأمر ...... فأنت السبب .... )
زفر حاتم نفسا قويا ... و هو يهمس بصوتٍ أجش في نهايته
( آآآه يا مدللة !!! ........ ماذا أفعل بكِ !! ...... )
أفترت شفتيها عن ابتسامة رقيقة مشعة و هي تهمس بدلال
( زد من دلالي .......... و عانقني كل صباح .... )
اظلمت عيناه قبل ان يخفض وجهه دون كلام لينفذ طلب مدللته و طفلته العبقرية ....
و بداخله سؤال موجع لم يخرج الى شفتيه
" وقلبك يا مدللة ؟؟ !! ........ "
اما كرمة فقد تقبلت العناق برقةٍ و هي تنعم بدفئه الذي بدد رعبا استيقظت عليه ... و بينما هي ترفع ذراعيها لتحيط بهما عنقه , كانت قد نسيت مؤقتا هاتفها الملقى على الأريكة و كأنه كان وهما .... رسمه الماضي !! .....
.................................................. .................................................. ...................
بعد فترة طويلة و اثناء وجود حاتم في الحمام .... ذهبت الى غرفة الجلوس و قدماها الحافيتان تسيران بصمت و كأنها تمس الأرض بحذر ....
وقفت أمام الأريكة تنظر الى هاتفها !! ... لقد مرت ساعتين ... أو ثلاث ... و لم تسمع رنينه مجددا !!
هل كانت تحلم ؟!! .... هل كانت تتوهم !!! .... ربما حالتها النفسية اثر خيبة أملها ليلة أمس أثرت على نفسها و جعلتها تخلط الواقع بالحلم ؟؟ ...
انحنت لتلتقط هاتفها بارتجاف و الذي كانت قد نسيته تماما اثناء وجودها مع حاتم ....
فتحت سجل الأرقام المتصلة و هي تدعو الله من كل قلبها ان يكون آخر من اتصل بها هو حاتم ليلة أمس ...
اغمضت عينيها و ترجت ...
ثم لم تلبث ان فتحتهما .... و سرعان ما انتفض قلبها حين ابصرت رقما غريبا وقت الشروق!! ....
عادت لتغمض عينيها بيأس و هي تزفر ألما .......
ماذا تفعل الآن ؟! ......
فتحت عينيها و هي تفكر بأمل واهي ...
" ربما تكون قد أخطئت الصوت ... نعم ... ربما يكون شخص ما يعاكسها ...و قد اختلطت عليها الأصوات فظنته ......... "
عقدت حاجبيها و هي تهمس بقوة
( من تخدعين يا كرمة ؟!! ...... هل تخطئين صوتا أحببته لمدة عشر سنوات ؟!! )
سقطت جالسة على الأريكة بتعب و عيناها تنحنيان بألم و هي تهمس مجددا
( لماذا يا محمد ؟!! ..... لماذا الآن و قد بدأت أجد السعادة أخيرا ؟!! ..... لماذا تفسد عليّ ما طلبته لنفسك ؟!! ..... )
غامت عيناها بغلالة من دموعٍ لن تستطع توجيهها ....
شهقت بنفسٍ صارم و هي تحاول بجدية التفكير في حل للأمر ....
ستتصل بالرقم ..... ستتصل و تتأكد أولا أنه هو .... ثم تتصرف .....
كان اصبعها يلامس الرقم بشرود دون اتخاذ القرار
ربما استطاعت اقناعه باللطف أن يبتعد ....
لحظة و رفعت رأسها بقوة و هي تقول بشدة
؛( ماذا تفعلين بنفسك يا كرمة ؟!!! ....... توقفي .......توقفي عن جر نفسك للماضي بارادتك ..... )
نهضت من مكانها و هي تسمع صوت حاتم ينادي عليها ....
فاتجهت الى غرفتها ووقفت باطار الباب .... تنظر اليه بصمت و هي تراه يقف أمام المرآة يجفف شعره المبلل ... بينما يقول بهدوء صارم و هو يشعر بوجودها دون أن يحتاج لرفع وجهه
( اياكِ أن تكوني قد تناولتِ افطارك ....... )
استندت بكتفها الى اطار الباب و هي تكتف ذراعيها ناظرة اليه بابتسامة رقيقة ... بينما هاتفها في حضنها ... فقالت بخفوت رقيق
( تهديد آخر !! ....... و ماذا لو فعلت ؟!! .... هل ستمسك بحلقي كي تخرج ما ابتلعته !! )
انهى تجفيف شعره ليرفع وجهه الوسيم اليها ... بينما كان شعره الندى فوضويا بجموح ....
فنظر اليها بنظراتٍ لا تعرف الشبع منها ابدا ... يتأملها بنفس الطريقة التي تتأمل بها كعكة شوكولا ......
ثم قال ببساطة
( الأمر أبسط من ذلك ....... و أقل تعذيبا , فكل ما هنالك هو أنكِ ستحرمين نفسك من المخبوزات الساخنة و التي كنت أنوي الخروج حاليا لإحضارها لكِ ..... )
برقت عينا كرمة و هي تستقيم قليلا لتقول بشك
( حقا !! ....... من أين ستحضرها في هذه الساعة ؟!! ..... )
قال بهدوء و هو يخرج بدلته الرياضية ...
( هناك مخبز اعتدت أن أحضر منه كعكات محلاة كلما خرجت للجري ....... )
عبست قليلا و هي تقول
( هل ستخرج للجري ؟!! ...... لم أعرف أنك معتاد على ذلك , لم تفعلها قبلا !!..... )
قال حاتم
( لم أفعلها منذ أن تزوجتك حبيبتي ...... و لاحظت أن بطني بدأت في الظهور قليلا و كل هذا بسببك .... )
عبست كرمة أكثر و هي تقول بحدة
( و هل منعتك ؟!!! ........... ثم ما ذنبي في بروز بطنك ؟؟!! ..... ينقص أن تخبرني برومانسيتك المعتادة أنني حين آكل , تكتسب أنت السعرات بدلا مني !!!! ..... )
نظر اليها بهدوء وهو يقول بجدية
( انها ليست رومانسية ..... إنها حقيقة .... )
مطت كرمة شفتيها و هي تنظر اليه ... بينما كانت روحها الأنثوية تعلو و تزدهر أكثر بداخلها ...
ثم لم تلبث أن قالت بعناد
( اذن سأرافقك ......... دقيقة واحدة و سأكون جاهزة )
اسرعت الى دولابها تنوي اخراج بدلتها الرياضية التي تبدو فيها كزجاجة مياه غازية شديدة الإنحنائات ...
الا أن صوته كان هادئا من خلفها وهو يقول
( لا ......... )
توقفت مكانها ثم استدارت اليه عاقدة حاجبيها و هي تقول بحيرة
( لا ماذا ؟!!! ...... أنا لم أضع شيئا في فمي منذ أمس , لذا أستحقها ....... )
أخذ وقته في تمشيط شعره و استخدام عطره الذي دوخها .... ثم استدار اليها ليقترب منها بهدوء و عيناه على عينيها المزعوجتين ....
الى أن وصل اليها ووضع يديه على خصرها وهو يقول بجدية كانت تحمل من حنان صوته
( لن أسمح لزوجتى بأن تجري علنا أمام الشعب المنتظر رؤيتها بتلك الحلة المستديرة من حولها ...... الا تدرين مدى اغرائك و أنتِ تفعلين !! ..... )
اتسعت عينا كرمة بغضب ... و بدأ تنفسها يتسارع قليلا .... ووجهها يحمر غيظا و هي تحاول السيطرة على حنقها ...
بينما كان حاتم متسليا تماما كتسليتها و عبثها في اثارة و استفزاز سيطرته على نفسه ...
يعرف جيدا أنها لا تحب أن يأمرها أحد أو أن يفرض عليها ارادته .....
قالت كرمة بقوة و غضب
( من أين لك أن تعرف أنني مغرية و أنت لم تراني أجري من قبل ؟!! ... انه عذر واهي كي لا أرافقك ... )
ابتسم وهو يقربها منه اكثر ليقول بصوت خافت أجش
( بلى رأيتك ....... فأنا أجلس خلفك في غرفة الجلوس و انتى تجرين على جهاز الركض يوميا كل مساء ... و متعتي الخاصة تجعلني ارفض خروجك للركض علنا رفضا باتا ... و لا مجال لمناقشة الأمر .... )
احمر وجهها بشدة و ارتبكت كما أراد تماما ... الا أنها عبست أكثر و هي تستدير عنه هاتفة بغضب
( تبا لك يا حاتم .... و أنا التي أظن أنك كنت تركز في فيلم كل ليلة ..... ابتعد عني ..... )
الا أنه لم يتخلى عنها وهو يضم ظهرها الى صدره ... ليقبل عنقها برقة فهتفت بحنق اقل حدة
( ابتعد عني يا حاتم لقد أحرجتني للغاية ..... ثم ليكن بمعلومك , أنت لن تقضي أي أمسيات معي أبدا مستقبلا ......)
لكنه كان يضمها اليه بحنان وهو يقول برقة
( هل تخجلين مني ؟!! ..... أنت جزء مني ألم أخبرك ذلك قبلا !! ...)
صمت قليلا وهو يقبل شعرها بحنو قبل أن يقول بجدية خافتة
( ثم أنني أريد أن أفكر وحدي قليلا ... و حين أعود سيكون لنا حديثا طويلا ...)
شحب وجهها فجأة .... و رمشت بعينيها و هي تقول بتردد
( الا زلت غاضبا مني ؟!! ...... يبدو أنني لن أتوقف عن هذا السؤال يوما ! .... )
جذبها الى صدره فأطرقت بوجهها .. بينما أحاطت ذراعاه حول خصرها ... ليهمس بالقرب من أذنها
( و سبق أن أخبرتك ان مشاعري تجاهك لن تتأثر بغضبي منكِ مهما بلغ حجمه ..... )
همست بقنوط دون ان ترفع رأسها
( اذن لازلت غاضبا ............. )
ظل صامتا دون ان يرد عليها فانتفض قلبها بين ضلوعها ... و هي تشعر بان السعادة الحديثة التي تحياها باتت مهددة فجأة من عدة جهات ..... او ربما .... هي جهة واحدة .... الماضي ....
اجابها حاتم بعد عدة لحظات
( و هل يضايقك أن أكون غاضبا ؟؟ ........ )
همست باختناق بعد فترة بائسةٍ طويلة
( هل تسأل يا حاتم ؟! ........ لا أريدك غاضبا , اريد أن ...... )
صمتت قليلا ... فقال يحثها بهدوء
( ماذا ..... ماذا تريدين ؟؟ ....... قولي حبيبتي و سيكون لك ما تريدين ...... )
همست كرمة بخفوت
( اريد أن أمنحك بعضا من السعادة التي منحتها لي ....... )
حينها أدارها حاتم اليه برفق يحتوى على بعض الحزم ... فاسبلت جفنيها أمام نظراته المتفحصة ...
ثم قال بجدية
( هل أمنحك السعادة يا كرمة ؟!! ..... هل أنتِ حقا سعيدة ؟!! .... )
قالت بقوة و هي تنظر اليه متشجعة
( كم مرة يجب أن أخبرك فيها أنني سعيدة ..... جدا ..... جدا .... )
قال حاتم بهدوء قاطع و عيناه تخترقان عينيها
( بدون حب ؟!! ............. )
تسمر وجهها بملامحه فجأة و شحب لونها و قد أخذها على غفلةٍ ... ففغرت شفتيها مترددة ... تنوي أن تخبره بأنها تحبه .... يجب أن تخبره بأنها تحبه حتى و ان كانت تكذب ...
فهذا ليس عيبا أو حراما ....... الكذب على الزوج في تلك الحالة ليس عيبا .....
حاولت النطق .... و هي ترسل اشارات النطق من عقلها الى لسانها كي تتكلم .... حينها قال حاتم بصرامة
( لا تحاولي أكثر ....... )
فغرت شفتيها أكثر و اتسعت عيناها و هي تهمس بذهول
( ماذا ؟!! .............. )
أعاد حاتم بصرامة
( لا تحاولي الكذب ... فلن تستطيعي , و بالأخص معي أنا ........ )
هزت كرمة رأسها نفيا و هي تقول بإختناق
( أنا .... لم ........... )
قال حاتم بجدية قاطعة
( من بين الأشياء الرومانسية التي تهتمين بعدها .... هو أنني أستطيع قراءة أفكارك بكل وضوح ... و أنكِ من المستحيل أن تكذبي أمامي ....... و أنتِ الآن تحاولين جاهدة النطق بحبي كي ترضيني ... )
زفرت نفسا مرتجفا و هي تهمس بحزن بالغ
( حاااااتم ............ )
الا انه لم يتراجع .... بل قال بخشونة
( الا أستحق منكِ الإنتظار الى أن تشعرين بها حقيقة ثم تنطقينها ؟!!! ...... )
ظلت تنظر اليه طويلا بملامح مترجية واهنة .... قبل أن تهمس برقة معذبة
( أنت تستحق كل ما هو أفضل ....... لكنك ليلة امس طالبتني ..... طلبت أن ...... )
قاطعها بقوةٍ وهو يهزها قليلا
( أعرف جيدا ما طالبتك به ...... أردت قلبك .... أردت حبك .... صرخت بكِ أحبيني يا كرمة ... و أغرقتك بين أمواج عشقي بكِ ....... لكنني لم أطلب منك ادعائها كذبا لمجرد أنني أستحق الأفضل !..... )
لم تجد كرمة ما تجيب به ... لماذا رفض و جرحها بهذا الشكل ؟!
كانت تحتاج لأن تقولها .... كي تقنع نفسها بالسعادة و هي فعلا سعيدة .... فقط كان ينقصها أن تتسلح بتلك الكلمة ... أخفضت عينيها قليلا و هي تنظر الى هاتفها الذي نسيته في حضنها ....
بينما تركها حاتم ببطىء و على مضض وهو يقول بهدوء خافت
( أنا سأخرج الآن ............ )
لم ترد كرمة على الفور ... بل ظلت مطرقة برأسها , لكن و ما أن وصل لباب الغرفة و عيناه عليها لا تريدان مغادرتها و هي تقف وحيدة حزينة ... قالت بخفوت واجم
( أريد الذهاب معك .......... )
ابتسم قليلا بعطف ... و هو ينظر اليها كطفلته المدللة ... بينما كان قلبه ينبض بوحشية و ألم رغبة في انتزاع الحب الذي يريد من قلبها ولو رغما عنها ....
فقال بخفوت
( لا .............ابقي هنا و انتظريني , ماذا أحضر لكِ معي بخلاف المخبوزات ...... )
زمت شفتيها و مالت عيناها الحزينتين ..... و همست بخفوت يحده الألم
( لا أريد شيئا ... ....... )
أومأ حاتم برأسه قليلا وهو يقاوم رغبته في البقاء معها .... لكنه أخذ نفسا قويا و استعد ليغادر ... و قبل أن يخرج نادته كرمة للمرة الثانية
( حاتم !! ............... )
عاد ليلتفت اليها بصمت .... فهمست بحزن ووجع
( هناك مخبوزات محلاة بالسكر ..... بخلاف المحشوة بالجبن .... هل هي موجودة لدى المخبز؟؟ )
ابتسم ببطىء .... و عيناه تتشربناها رشفة رشفة .... في حزنها و في فرحها .. و في جوعها حبيبته ... قطعة من قلبه ....
فقال بخفوت
( و حتى لو لم تكن موجودة لديه ....... تتواجد لكِ يا مدللة .... )
.................................................. .................................................. ......................
نظر اليها من بعد ..... و كانت هي ترنو اليه بعينيها بصمت ....
أحيانا يتسائل عن تلك العلاقة التي باتت تجمعهما .... هل يريدها حقا ؟!! .... أم هو لا يستطيع الإستغناء عنها ؟!!
كان يحاول جاهدا قولبتها في اطار طفلته الأولى ... كرمة ....
حاول مرة بعد مرة .... لكنه فشل فشلا ذريعا ..... فقلبه لا يزال ينبض هاتفا باسمها ... و عينيه لا تريان سوى عينيها .... عيني كرمة ....
كلما نظر الى عيني علياء شعر بالغضب يفور في أعماقه .... فعينيها هما من تخبرانه أنها ليست كرمة ....
لا فارق التعليم أو الثقافة .. أو حتى الأناقة هي من شكلت الفرق بالنسبة له ...
فقط عينيها .......
تلك العينين البسيطتين في نظرتهما ... تختلفان كل الإختلاف عن عيني كرمة الجامحتين ......
لكن عيني علياء على الرغم من بساطتهما الا أنهما تملكان عمقا يكاد يعري روحه ... و يفضحه ...
خاصة حين تطيل النظر اليه دون تعبير .... و كأنها تأخذ وقتها كاملا في قراءة أفكاره بكل وضوح ....
قال محمد بخشونة
( توقفي عن النظر الي و مراقبتي بهذه الصورة ........ )
أخفضت علياء وجهها بسرعة ما أن سمعت الأمر القاسي منه و هي تقول بخفوت
( حاضر ............ )
لكن ليس قبل أن يرى لمحة الألم في وجهها قبل أن تخفضه ... فانسابت خصلة من شعرها الناعم الحريري على وجهها بحزن ...
شعرها أيضا بعيد كل البعد عن شعر كرمة المموج الساحر .... فشعرها منسابا كالحرير المفرود .. لا يخضع لأي ربطاتٍ طويلا .... حتى بات يشعر بالملل من شدة انسيابه دون روح أو حركة ....
بخلاف شعر كرمة الذي كان يتراقص بأمواجه مع كل حركة تتحركها ....
عاد لينظر اليها .... ربما لا يحب شكل شعرها ...لكنه بات لايستطيع التخلي عن ملامسة نعومته كلما شرد بعيدا ... بينما هي تجلس عند قدميه دائما ... و كأنه الحياة بالنسبة لها .....
قالت علياء بخفوت
( هل أحضر لك الشاي ؟............ )
نظر اليها بصمت طويلا ثم قال بخفوت شديد القسوة
( أحيانا تسألين أسئلة في منتهى الغباء !! ...... و ما حاجتي اليه عندك ؟!! ..... )
عادت لتطرق بوجهها و هي تضع كأسه في الصينية مع ابريق الشاي الصغير ثم تقترب منه ... الى أن انحنت أرضا على ركبتيها و هي تضع الصينية على الطاولة الصغيرة أمامه ... و اخذت وقتها في وضع السكر أولا بشرود ....
همست أخيرا دون أن ترفع وجهها
( محمد ...... أنا سأذهب للمبيت لدى جدتي اليوم , .... و ربما أمكث لديها عدة أيام .... )
نظر اليها بسرعةٍ و عيناه تشعان فجأة ببريق غضب باتت تعرفه جيدا كلما حاولت الخروج عن سيطرته ...
و بالفعل قال بلهجةٍ تنذر بالشر
( هل هذا قرار ؟!! ....... أم أنني ببساطة بت لا أملأ عينك كي تطلبي الإذن قبلا !! ... )
ارتبكت قليلا و أخفضت عينيها .... ثم قالت بخفوت
( أنا أطلب اذنك الآن ........... )
ظل محمد صامتا قليلا وهو ينظر اليها شاعرا بالغيظ منها و من شعرها المنسدل .... شعور حارق ينتشر في اصابعه يحثه على جذب خصلاته و التمتع بنعومتها ... و أيلام صاحبتها , علها تبث بها بعض الروح عوضا عن تلك الملامح الميتة الباهتة .....
رفعت علياء عينيها اليه بصمت .... و كأنها تريد ان تزيد من غيظه بمرآى عينيها اللتين تقرآنه و في نفس الوقت تخبرانه بأنهما ليست عينا كرمة ....
فقال مباشرة ... و بلهجة أكثر قسوة مما أراد
( ردي هو " لا " .... و لا أريد المزيد من الجدال , فلا تحاولي اثارة استفزازي الآن ..... )
مالت بوجهها تنظر اليه بملامحها الباردة ..... قبل ان تقول بخفوت
( انا لا أجادلك في اي من الأمور التي تخصني .... لكن جدتي بمفردها الآن و تحتاج رعاية ... )
نظر اليها بعينين لا تلينان .... ثم قال بصوتٍ قاطع
( يمكنك مساعدتها طوال فترة عملي ..... المبيت ليس ضروريا )
ظلت تنظر اليه بتلك النظرات التي يمقتها قبل ان تقول بخفوت
( اثناء عملك اذهب الى عمتي والدتك ..... لانظف لها البيت و احضر الطعام .... )
نظر اليها و قال باندفاع
( و من طلب منكِ أن تفعلي ؟!! ..... هل تتباهين بعرض مساعداتك ثم تتذمرين الآن ؟!! )
قالت بخفوت و بلا تعبير
( انا لا أتذمر ........ )
قال محمد بصوت قاطع جعلها تنتفض قليلا
( لا تذهبي الى امي و اذهبي الى جدتك لقضاء طلباتها ..... لكن المبيت هناك مرفوض تماما .... )
حينها نطقت سؤالها بكل وضوح
( لماذا ؟! ............ )
اتسعت عيناه قليلا و برقت عيناه خطرا ... و قال بهدوء يسبق العاصفة
( الازلتِ تجادلين ؟!! .......... )
ارتجفت قليلا ... الا انها لم تتراجع و هي تقول بخفوت رافعة رأسها اليه و هي جاثية أرضا عند ركبتيه
( لا أجادل ... أنا فقط أريد أن أعرف السبب الذي يجعلك ترفض مبيتي خارج البيت , على الرغم من انني أحيانا أشعر أنك تريد اخراجي من بيتك و حياتك كلها ...... )
زاد بريق الغضب في عينيه فانتفض هادرا بقوة
( اذن دخلت الى رأسي .... و استنتجتِ حقيقة مشاعري وفقا لعقلك المحدود... و بناءا عليه تتخذين القرار و كأن لا رجل لكِ !!! ..... ماذا بكِ اليوم ؟!!! .... هل جننتٍ ؟؟؟ ....... )
انطبقت شفتيها و هدر نفسها بصوتٍ مكبوت ..... و هي تنظر الى ثورة غضبه التي تعرفها جيدا .... لكنها لم تخف و لم تتراجع و هي ترفع وجهها اليه و هي تقول بقهر
( لا لم أجن يا محمد ..... منذ بداية زواجنا و أنا أعلم أنك لا تريدني أنا .... لا تريدني سوى بديلة لامرأة اخرى ..... و بالرغم من ذلك قبلت ... قبلت بأخذ الدور الذي حددته لي .... ووضعت نفسي به بالقوة ... )
اتسعت عينا محمد أكثر وهو يسمع هجومها الحاد لأول مرة على الرغم من ان صوتها لم يكد يعلو عن الهمس المقهور
لكنها تابعت بقوة
( كنت أتحمل اسمها بيننا ... و أنت تناديني به متأوها ... و أهديء من ألمي و أتعلل بأن فترة انفصالكما لازالت أقصر من العشرة الطويلة بينكما ..... لذلك أغمض عيني و أتظاهر بأنني هي ..... فقط لأرضيك و أمحو بعضا من وجعك ...... )
كانت عينا محمد تتسعان وهو يراها للمرة الأولى تنبذ استسلامها الصامت لتنفجر على هذا النحو , لكن و قبل أن ينفجر بها كانت هي قد سبقته هاتفة بحدة
( أستطيع أن أتحمل لأجل شيء واحد فقط ...... وهو اخلاصك لي , كنت متأكدة أنك ستكون مخلصا لي , لذا يجب عليا في المقابل أن أشاركها حبك لها .... لا .... عفوا ... لا مجال للمشاركة ... فأنا خارج الصورة أصلا ..... و من أنا لأقارن بتلك السيدة الأنيقة المتعلمة و المثقفة ..... حتى و لم تكن .... هي حبيبتك الوحيدة في كل أحوالها ...... كنت مقتنعة و راضية رغم ألمي .......بل موتي كل ليلة .... )
صمتت تلتقط نفسا لاهثا موجعا للحظة ... ثم صرخت
( كل هذا لقاء اخلاصك لي يا محمد ...... لكن حين أكتشف أنك لا تزال تهاتفها و تسمع صوتها ليلا .... فأنا لن أقبل ....... لا أستطيع تحمل الخيانة ...... لقد سمعت بنفسي فجرا ... فلا تكذب .... )
و كأنها قد أطلقت شرارات مارد غاضب مسجونا بداخل مصباح ضيق مغبر .....
فانتفض من مكانه صارخا بعنف
( اخرسي ............ أخرسي أيتها ال ...... )
و كان رافعا يده ينوى ضربها .... لكنه لم يجد الفرصة , فبنهوضه المفاجىء تسبب في اطاحة الطاولة الصغيرة أمامه و انقلاب ابريق الشاي الساخن على جسدها ......
صرخت علياء بصوتٍ عالٍ أفزع محمد بقوة .... ثم قفزت واقفة و هي تنفض السائل الساخن عن جلبابها البيتي البسيط قبل ان تجري الى الحمام لتوصد بابه خلفها ....
وصل محمد بعدها بخطوة ... و اخذ يطرق الباب صارخا
( علياء ..... افتحي الباب ..... افتحي الباب دعيني اطمئن عليكِ ..... )
لكنها لم تفتح الباب ... و لم تفتح الماء البارد ليهدىء من حروق جسدها .... بل جلست ارضا و هي تبكي بقوةٍ للمرة الأولى منذ زواجها بمحمد .....
صوته الهامس باسم "كارماااا "
كان خارجا كتنهيدة بصوتٍ أجش من قلب يحترق شوقا .....
أخذت تشهق بصوتٍ عالٍ بينما ضربات محمد تزداد بقوة مع تعالي صوت شهقاتها و هو يصرخ
( ياللهي علياء افتحي الباب و دعيني ارى ماذا اصابك ....... )
و حين ظلت على بكائها .. اخذ يضرب الباب المتهالك بكتفه مجرد ضربتين ... فتهالك القفل الصدىء ليفتح و يندفع للداخل بقوة ...
لكنه تسمر حين وجدها على حالها جالسة أرضا تبكي بقوةٍ و هي تدفن رأسها بين ركبتيها اللتين رفتهما الى صدرها و هي تحمي نفسها من ألمٍ يفترسها ببطىء
فاندفع اليها وهو يجثو بجوارها ليبعد وجهها عن ركبتيها بالقوة و هو يصرخ
( ايتها الغبية ........ توقفي عن تلك الهيستيريا و اريني وجهك ..... )
اخذ يتفحص وجهها المحمر اثر البكاء و الذي لم يناله السائل السخن .... الا ان بخارا كان لا يزال يتصاعد خفيفا من ثوبها المبتل .... فرفع ذراعيها ليخلع عنها ثوبها بالقوة رغم ممانعتها ....
و حين رأى الإحمرار ينتشر على جسدها في بقعٍ قاتمة منتشرة على خصرها و بطنها .... شتم عاليا ...
فانقبضت و هي ترتجف مبتعدة عنه.... الا أنه في الواقع كان يشتم نفسه وهو يشعر بغضبٍ حاد يفترسه من كونه أصبح السبب في جعلها ضحية تستحق عطفه .....
حملها بين ذراعيه بقوة ... وأوقفها في المغطس ليفتح الماء البارد على جسدها المحترق ... لكنها لم تشعر بحرارة الحروق ... و لا برودة الماء ... كل ما كانت تشعر به هو قهر قلبها الذي لم عتد مثله من قبل ...
كانت تعتقد انها امرأة بسيطة ... تقبل بالموجود ...
و حين تقدم لها الرجل الوحيد نظرا لظروفها الصعبة و عدم قدرتها ماديا على تجهيز نفسها كأي عروس قبلت به مباشرة .... على الرغم من كونه متزوج .....
لكنها لاقت بنفسها قبولا فوريا ما ان نظرت اليه ...... و مع مرور الأيام بينهما نبع بداخلها احساس لم تظن ان مثيلاتها قادراتٍ على الشعور بمثله ....... الحب ..
لقد عشقت زوجها بكل جوارحها ..... حتى انها تكاد تعشق المرأة التي يحبها كل هذا الحب , و تتسائل عن سبب سحرها .....
أغمضت عينيها و شهقت بالبكاء أكثر بينما هزها هو صارخا
( توقفي عن البكاء ..... لم يحدث لكِ سوءا .... )
و كان هذا كفيلا بأن يزيد من شهقاتها أكثر و أكثر ... حينها توقف محمد مكانه و هو ينظر اليها على تلك الحال .... تبكي بعنف أثار رجفة بداخله رغما عنه ...
تلك العينين المختلفتين عن عيني كرمة .... تمردتا على سكونهما المقيت و انفجرتا بفيضانٍ أقوى من آلام الإحتراق ... ما أن سمعت صوته يهمس باسم طفلته ... حبيبته ... كرمة ....
عقد حاجبيه قليلا ... وهو يتحدى نفسه أن ينكر ذلك الشعور الذي شعر بها ما أن سمع صوتها الدافى ء ينساب الى أذنه مع اول أشعة الشروق .....
اتتجرأ الآن على أن تبكي لأنه سمع صوت كرمة ؟!! ..... فقط سمعه !!!
الا تدري النار التي تكويه كل ليلةٍ وهو يتخيل كرمته بين ذراعي رجل آخر ......
أفاق من شروده البائس على مرآى علياء و هي تلتقط منشفة كبيرة لتلف بها نفسها ... بعد أن هدأت تماما أثناء شروده الذي ظهر على وجه بوضوح .... فكأنما كان له مفعول السحر في ايقاف هستيريتها المفاجئة .....
همست أخيرا و كأنها عادت الى قوقعتها الهادئة
( أنا بخير الآن ....... آسفة لانني أثرت غضبك ... )
نظر اليها بذهول غاضب و هي تتخطاه على ارض الحمام الباردة .. حافية تقطر منها الماء كقطرات مطرٍ أغرقت فتاة تخلف حبيبها عن موعده ....
لحقها بسرعةٍ ما أن دخلت الى غرفة النوم .... فوقفت تنظر في أرجائها قليلا بصمت ,., ثم لم تلبث أن أغمضت عينيها بألم و كأن صورةٍ ما أثارت غثيانها .....
امسكت قبضته بذراعها يديرها اليه بقوةٍ .... فأخفضت رأسها بصمت و هي تتمسك بمنشتها بشكلٍ أثار حزنا ما في قلبه .... فعاد للغضب عليها مجددا بسبب دور الضحية ... الذي لا يجيد التعامل معه حين يعرف أنه صحيحا .... و ليس ادعاءا ....
نظر اليها بقساوةٍ قليلا قبل أن يقول بصرامة
( حين تزوجتك ..... كات لي شروط , وافقتِ عليها كلها ..... )
أومأت براسها دون أن ترد ..... و دون أن ترفع رأسها اليه .... فتابع بجفاء
( و كان أولا الا تتدخلي بحياتي الخاصة .......الا تملي اي فروض عليها .. اليس كذلك ؟ .....)
لم تهز رأسها موافقة هذه المرة .... و ظلت صامتة مطرقة برأسها عن عمد .... فاشتعل غضبه بجنون و هو يهدر في وجهها
( اليس كذلك !!!...... أجيبيني ...... )
قالت بصوتٍ باهت مرتجف قليلا دون أن ترفع رأسها ....
( و هل تعتبر الخيانة ضمن الأمور المحظور التعرض لها ؟!! ........)
لم تكمل الحرف الأخير الا و كانت يده قد صفعت وجنتها ....
ليس عنف الصفعة هو ما جعلها تغمض عينيها .... فقد كانت خفيفة لم تترك أثرا .... لكنها تركته واضحا على نفسها المكسورة ..... فصمتت و هي مغمضة العينين بملامح فاترة ....
بينما صرخ محمد هادرا في وجهها
( المرأة التي تتهم زوجها بالخيانة .... لا تستحق سوى الضرب .... )
لم ترد و لم تفتح عينيها .... فزفر بحنق و وهو يتراجع عنها خطوة , الا انها قالت أخيرا
( و مكالمتك لها ليلا و هي امرأة متزوجة ؟!! ....... ما اسمه ؟!! ...... )
عاد ليرفع يده عاليا وهو يصرخ بجنون
( اخرسي ............ )
فازداد انطباق عينيها و هي تنكمش على نفسها قليلا .... الا أن يده بقت معلقة في الهواء , غير قادرة على اتباع امره و النزول على وجهها ....
الى ان تركها تسقط لجانبه .... فقال بهدوء بعد فترة طويلة
( سماعي لصوتها خيانة ؟!! ...... و قبولك برجلٍ متزوج , ماذا كان ؟!! ..... الم يكن خيانة لأسرة و دمارا لها ؟ ...... تلك كانت وجهة نظرها بالمناسبة .... من تدعين انني اخونك معها .... هي ترى خيانتنا لها امرا واقعا .... و ليس مجرد سماعٍ لصوتها ..... )
تجرأت على فتح عينيها الهادئتين بلا تعبير سوى الدموع المنسابة منهما .... و قالت بخفوت
( الزواج ليس خيانة ..... انه شرع , و أنا لست مرفهة لدرجة التدلل في القبول او رفض رجل لأنه متزوج ..... الزواج نفسه كان رفاهية لي ...... )
صمت محمد فجأة و هو ينظر الى ألمها ربما للمرة الاولى .... و هي ترفع وجهها الشاحب الفاتر اليه ... تنساب عليه دموعها بصمت ... و هي منحنية الكتفين تتشبث بمنشفتها ....
الا انه قال بصوتٍ خافت مشدود
( اذن الزواج ليس خيانة ؟!! ....... و ذلك هو رأيي ..... فماذا لو تزوجت عليكِ اذن ؟.... )
شحبت ملامحها فجأة ..... اكثر و اكثر ... و فغرت شفتيها قليلا ... بينما ارتسمت الصدمة على محياها بأقسى صورها .....
فابتسم بقسوة .... وهو يقول بهدوء
( لماذا صدمت؟!! ...... قبلتِ بي متزوجا ؟!! ..... ما الفرق ؟!! ..... )
أسبلت جفنيها بألم و هي لا تجد ما تقوله .... و ساد الصمت المشحون بينهما , بينما زالت ابتسامة محمد القاسية وهو يراقب وجهها المحنى الشاحب ....
فقالت علياء بخفوت بعد فترة طويلة و كأن شيء لم يكن
( هل أستطيع المبيت عند جدتي عدة أيام لرعايتها ؟........ أرجوك .... )
قتمت ملامحه أكثر و أزدادت صلابتها .... فقال بصوتٍ قاسٍ
( هل تتحدين أوامري لإختبار صبري يا علياء ؟! ........... أنا لا أحب ايذائك .... )
رفعت عينيها فجأة .. و زال بعض من فتورهما و هي تهمس بألم
( حقا ؟؟ ......... الا تحب ايذائي حقا يا محمد ؟؟ ...... )
عقد حاجبيه بشدةٍ وهو يقول بغضب
( هل فعلت ما يجعلني ساديا في نظرك من قبل ؟!! ......... )
رمشت علياء بعينيها قليلا ... و هي تفكر بوجع
الا يعلم أن كل ما يفعله يؤلمها ؟!! .... يعذبها ... ببطىء و تلذذ .... لكن دون حتى ان يراها أو أن يهتم ....
ليته كان يتلذذ بألمها , على الأقل لشعرت أنه يراها ..... لكنه لا يشعر بوجودها اطلاقا ....
حين ساد صمتها .... شعر برغبةٍ بداخله تتحرك تجاهها ...
رغبة قوية في امتلاك استسلامها ..... هذا هو ما يحركه تجاهها بشدة ....
فهي تستلم له دون شروط .... تغمض عينيها و تهمس باسمه .... تتنهد بخفوت لم يعلو يوما ....
و كان استسلامها اليائس الصامت يثير جوعه لها .... على الرغم من البرود المحيط بحياتهما في المجمل ....
اقترب منها قليلا ... لينحني بوجهه اليها و يستنشق رائحة البخور على عنقها ... ليهمس بصوتٍ أجش
( هل تريدين الذهاب يا علياء ؟!!! ...... هل تريدين العودة لجدتك ؟!! ...... قولي .... )
أغمضت عينيها بيأس و هي تشعر بنفسها تستسلم له بقوةٍ من عمق قلبها المستسلم لحبه .....
فهزت رأسها نفيا بسرعة و هي تهمس
( لا ...... لا ...... لا أريد الابتعاد عنك ...... )
حينها هاجمها بقوةٍ وهو يحملها و يعتصرها على صدره .... ساحقا انفاسها ..متمتعا بكل ذرةٍ من استسلامها الصامت الراضي ... البعيد كل البعد عن جموح كرمة ...
مما يجعل من علياء مخدرا مؤقت لمشاعره المهتاجة باستمرار ...
محاولا بها ان ينسى صوت كرمته ... و هو ينهل من كل حنايا جسدها المنتظر دون شروط .....
.................................................. .................................................. .....................
رفع وجهه عنها ببطىء وهو يتنفس بوهجٍ دافىء على بشرتها الشفافة المرتجفة ....
رمشت بعينيها و هي تبلل شفتيها المشتاقتين ....
بينما عيناه الداكنتان بشدة .. تطالعان أقل حركةٍ منها و هو يتأرجح و هي على حجره .... كانت أرق و أجمل قبلاتٍ ذاقها بعمره كله ....
حلاوة رقتها أذابت مرار الماضي .... و بددت مخاوف المستقبل ...
كان هو أول من تمكن من الكلام ... وهو يؤرجحها برقة , فقال بخفوت
( هل هدأتِ الآن ؟!! ........ )
ارتبكت كفتاة خجولة سخيفة ... و أخفضت وجهها المرتسم بملامح عشقٍ مضطرب غير ثابت ....
فقالت بخفوت و هي تستكين على صدره ... كطفلةٍ تحتاج الحنان الذي حرمت منه طوال عمرها
( أتظن أن بضعة قبلات يمكنها أن تزيل غضبي !! ....... )
قال سيف وهو يؤرجحها ...
( لم أقل أنها أزالت غضبك ..... بل سألت إن كانت قد هدأتك ..... )
زمت وعد شفتيها بغضب و هي تتنفس بصوت مسموع قليلا .... فقال سيف بهدوء
( على ما يبدو أنها لم تفعل ..... واضح أنني فقدت أسلوبي .... كنت أكثر مهارة فيما سبق .... )
استقامت فجأة و عيناها تبرقان بشر لتنظر الى وجهه الثابت الملامح ... فقالت بلهجة غريبة
( هل كانت لك مهارة سابقا ؟!!! ........)
عقد حاجبيه بينما عيناه تلمعان بتسلية وهو يقول
( كم تعتقدين عمري ؟!! ............)
اتسعت عيناها أكثر و هي تقول بغيظ
( ما معنى ذلك ؟!! ....... هل كانت لك علاقاتٍ قبلي ؟!! ....)
رفع احدى حاجبيه و هو يقول بخبث
( أتعتبرين نفسك علاقة يا وعد ؟! ..... كم أنتِ مسكينة و محدودة العقل !!..... )
زمت شفتيها بغضب و هي ترى التسلية في عينيه واضحة دون أن يبتسم ... فقالت من بين أسنانها
( لا تراوغ يا سيف ...... هل كانت لك علاقاتٍ قلب زواجنا ؟!! .... )
الا أنه ظل على حالة اللوع وهو يقول باهتمام
( ماذا تظنين ؟!! ............ هل كانت لي ؟!! ....... )
تأففت وعد بصوتٍ عالي و هي تشيح بوجهها عنه تحاول الابتعاد ... الا أنه لم يسمح لها وهو يؤرجح الكرسي أكثر بينما ذراعه تلتف حلو خصرها كقيد حديدي يمنعها من الهرب ....
سكنت وعد مكانها بتمرد بعد أن باءت محاولاتها بالفشل ..... فقالت بخفوت غاضب
( أريد النهوض يا سيف .......... )
رد عليها بصلابة دون أن يحررها
( ليس قبل أن تجاوبي على سؤالك ........ )
زمت شفتيها بعنادٍ أكثر و هي تشعر بالندم على تطرقها الى هذه الأمور التي تجعل منها مجنونة .. تماما كالحال الذي تلبثها أثناء وجودهما عند المحامي مما جعلها تستحق منه صفعة لما نطقت به ....
أخفضت نظرها الى يده المرتاحة على فخذها و هي تتذكر صفعة تلك اليد لوجهها ....
كلما تذكرت الأمر حقدت عليه ....... ليس لأنه صفعها ... لكن لأنه تمكن من جعلها تفقد سيطرتها على نفسها و تنحدر الى المستوى الذي نطقت به ما نطقته .....
تشعر أحيانا لأنه يجرها الى فقدان السيطرة على النفس بطرقٍ لم تعرفها قبله .... و كأنه يحولها شيئا فشيء الى امرأة تافهة لم تكنها يوما ....
قالت وعد برفض
( لا رغبة لي في الرد ..... و لست مهتمة أصلا ..... فليكن لك ما يكون .... ففي النهاية ها أنت تترجاني أنا لأبقى معك ... و ليست أي مما كن مجرد محطات استراحة في حياتك ..... )
عقد حاجبيه قليلا .... دون أن تختلف ملامحه , لكن نظرة باردة ظللت عينيه وهو يقول
( أنتِ مغرورة أكثر مما يسمح لك به وضعك ...... أتعلمين ذلك ؟!! ...... )
نظرت اليه بطرف عينيها لتقول بفتور
( لأننى ذكرت الواقع ؟!! ........ انها الحقيقة يا سيف , انت تترجاني لأبقى ..... و الترجي لا يكون فقط بالبكاء و التلوي ارضا ..... بل أحيانا يكون بالغباء و التعنت ... و الخطف مثلا .... كل ذلك يخبرني أنك تصبح رجلا غير متزنا في وجودي ...... )
الآن ارتفع حاجبيه بدهشة حقيقية وهو يتأمل وجهها الأبيّ .... ثم لم يلبث أن ضحك ذهولا ضحكة قصيرة وهو يهز رأسه استسلاما قائلا
( أحيانا ابقى مع نفسي لأتسائل بحيرةٍ حقيقية عن السبب الذي جعلني أحبك !! ..... )
أظلمت عيناها و هي تنظر اليه بتصلب ... الا أنه لم يعبأ بنظرتهما القاسية .... بل تابع بهدوء يتأملها شاردا ...
( أنتِ قاسية كالجليد .. باردة مثله ...مصلحتك قبل أي شيء آخر ... لا تأبهين بمن تحبين .... و لا بمن يحبك .... تعتبرين الحب ضعفا يجذبك للخلف .. تحاولين الإنتقام لكل ما حدث لكِ سابقا دون أن تدرين .... )
صمت قليلا دون أن يهتم بملامح الغضب الشرس الظاهرة على وجهها ... لتسرح عيناه على ذلك الوجه ... شعرها ... عنقها ..... جسدها .... ليتابع بصوتٍ أكثر خفوتا قليلا
( نحيفة للغاية ...... دون وجنتين تقريبا ....... بشرتك شديدة البياض , لا تقبل الإسمرار .... مجرد بعض التورد بمعجزةٍ ما حين يحدث و تخجلين في ظروفٍ نادرة ..... )
ارتفع حاجباها و هي تهتف بغيظ
( توقف عن إهانتى يا سيف .... لا يحق لك ..... ثم أنني لست دون وجنتين !!! ..... )
عاد حاجبيه ليرتفعان وهو يفيق من شروده بها ليقول بحيرة
( هل هذه هي الإهانة الوحيدة التي آلمتكِ ؟!! ...... الم يوجعك ما سبقها ؟!! ...... )
شدت على شفتيها و هي ترفض أن يتسلى على حسابها لتقول بغيظ
على الرغم من الألم القوى الذي طعنها حين بينها كإنسانة لا تهتم سوى بمصلحتها ... و غير مهتمة بمن يهتمون لأمرها ......
( توقف يا سيف ........ لن أسمح لك أكثر .... )
الا أنه تابع متأملا بهدوء الى أن استقرت عيناه أخيرا على عينيها
( و عيناكِ !! .......... )
التمعت عيناها بأكثر قسوةٍ و هي تضع يدها في خصرها غير قادرة على ادعاء البرود هذه المرة و هي تقول بشر
( ما بالهما عيناي أيضا ؟!! ..... الا ينالان اعجاب جنابك ؟!!! ...... )
لا تزال تتذكر لقب " عيني الجثة " .....
الذي كان الأطفال يلقبونها به في الدار ....
لكن سيف ... هو الوحيد الذي شعرت معه أن عينيها تضمان أسرارا .... أسرار يعرفها ,و تجهلها هي ....
ستتألم حقا لو ذكر عينيها بسوء الآن .....
أخذ سيف وقته في التفكير وهو ينظر الى عمق عينيها طويلا الى أن ارتبكت و أسبلت جفنيها رغم عنها ... فقال بخفوت
( لا ...... الا عينيكِ , .....إنهما حبيبتاي ..... سمائي الممطرة .... الشاحبة بعد المطر .... الداكنة وقت العواصف .... المظلمة في ليلها .....والعميقة في العواطف حين أضمك بين ذراعيّ.. .. )
ارتفع حاجباها استخفافا و هي تلوي شفتيها بسخريةٍ كاذبة ..... بينما قلبها كان يخفق بجنون كاد أن يصم أذنيها ....
الا أنها لم تستطع نفسها من بلع غصةٍ بحلقها حركت عضلات حلقها بصعوبة ....
قال سيف متابعا بصوت هادىء
( كما أن أحدهما تغمز وحدها كلما شردتِ .... مما يربكني فأنسى ما كنت أقوله ..... هل هذا مرض أم أنه عيب في عضلة الجفن ؟!! ........ أيا كان ... فهو خلاااااااب )
زفرت وعد ببطىء و تذمر .....
بينما تابع سيف وهو يمد يده ليتخلل خصلاتِ شعرها بقوةٍ مرجعا وجهها للخلف قليلا ... حتى نظرت اليه بصمت ...
( لا ...... الا عينيكِ وعد........... احجبيهما عني لو أردتِ الفرار حقا ... و ابطلي فنون سحرهما .... )
عادت وعد لتبتلع رقيها بصعوبةٍ أشد .... حتى بدا اختناقا .... ثم قالت بخفوت ما أن وجدت صوتها
( أنت شاعر اليوم ....... هل هي حالة مراهقة متأخرة ؟!! ..... )
لم يرد عليها و لم ينفجر بها ..... فتسائلت أين مجنون الأمس الذي كاد أن يتحول الى مجرم على يديها ....
ثم جاوب أخيرا بمنتهى الهدوء وهو يداعب شعرها و يمشطه بأصابعه
( بل هي حالة حيرة و تساؤل ..... عن ذلك الحب الذي يربطني بعاهة ..... )
اتسعت عينيها و هي تهتف بغضب حقيقي
( توقف يا سيف ........... )
الا أن سيف تابع بهدوء أكبر دون أن يهتم لغضبها
( لكن لو أردتِ انصافا ..... فما قلته لكِ الآن , لم أقله لكل من عرفتهن من قبلك .... أنتِ الوحيدة التي يمكنني أن أكون معها شاعرا ..... و أي شيء آخر اريد أن أكونه ..... راضية ؟!! ......)
عقدت حاجبيها و لمعت عينيها و هي تتنفس بسرعة و صعوبة لتعاود السؤال مجددا قبل أن تتمكن من منع نفسها نابذة الغرور الذي تملكها للحظات
( هل كانت لك علاقاتٍ قبلي ؟!! .......... )
رفع حاجبيه وهو يقول ببراءة
( هذا ما لا تعرفينه أبدا يا وعد ..... و إن كانت بعض الأسئلة غاية في الغباء حين تبدو أجوبتها غاية في الوضوح ..... )
ابتلعت ريقها بألم ..... و شعرت و كأنه ركلها في معدتها ....
صورته مع أمرأة أخرى بين أحضانه وهما ....... كانت من أشد الصور ألما لها ....
الا أنها رفضت أن تظهر له ذلك فقالت بخفوت لم يخفي نبرة الألم تماما ...
( أنا أريد أن أهاتف ملك من فضلك ..... هل يمكنني ذلك أم أنه من قائمة الممنوعات ؟! .... )
ظل يتأملها طويلا بصمت ..... دون أن يتخلى عن تمشيط شعرها بخصلاته الطويلة
ثم قال بهدوء
( ليس قبل أن تخبريني ..... الازلتِ غاضبة من وجودها لدى أمي ؟؟ ........ )
اشاحت وعد بوجهها .... لكن ليس قبل ان يرى القسوة ممتزجة بالالم وقد ارتسمت على ملامحها ....
ظلت صامتة قليلا .... بينما يده كانت تستشعر ارتفاع و انخفاض أضلعها بغضب ....
ثم قالت أخيرا بصوتٍ قاس النبرة رغم خفوته
( لقد رفضتني والدتك مرتين ....... مرة حين تركتني في الدار أنا و ملك ... و هذه لا أستطيع أن ألومها عليها .... فأكاد أن أقسم أنني لو كنت مكانها لتصرفت بالمثل .... و المرة الثانية حين رفضت زواجك بي و كأنني وباء حل على بيتكم الغالي ......
قبل سفري ... اعتقدت انني تصافيت معها .... و تصالحت مع هذا الماضي ....
لكن ما أن عرفت بأنها سعيدة بوجود ملك عندها ., حتى عاد الى الغضب في فورة سماع الخبر ...
الآن أصبحت ملك محبوبة و تحتاج لرعاية ؟!! .....
ليتها أخذتها من الدار و تركتني .... فأنا كنت سأخرج مع والدي في كل الأحوال ....
أما ملك .......... )
صمت وعد و هي ترفع وجهها لأعلى قليلا ... و راقب سيف بحاجبين منعقدين بوجع ... عنقها الطويل الممتد أمامه وهو يتشنج لتبتلع غصة مسننة .....
تنهدت بتعب و هي تقول بخفوت
( لقد بقيت ملك ...... و حتى الآن لا أعلم أي أهوال رأتها بدوني ..... بعد أن تركتها بكل حقارة .... )
ابتسم سيف قليلا بألم قوي .... منذ قليلا كان غضبها حادا لأن أسرته لم تتقبلها و تقبلت ملك .... أما الآن , فتكاد أن تذوي أمامه بسبب عقدتها القديمة في تركها لملك وحدها ...
على الرغم من أنها لم تكن سوى مجرد طفلة ! ........
لم يستطع الرد لعدة لحظات .... غادره القول و لم يجد سوى أن يتأملها طويلا ....
و بعد فترة ..... مد يده ليتناول كفها .... ففردها مفتوحة فوق كفه .....
أخفضت وعد وجهها لتنظر الى يدها المفتوحة على كفه بصمت ......
ثم رفع سيف اصبع يده الأخرى و أخذ يمرره على راحتها ... و كأنه يقرأ لها الكف وهو يتكلم بخفوت شارحا مسألة رياضية معقدة بإصبعه
( اذن دعينا نرى ......أنا أحبك لسبب غير معلوم حتى الآن .... و أنتِ تحبينني بمعجزةٍ فتت بعضا من جليد قلبك .... لكن .... و ضعي خط تحت " لكن " .... والدك دمر بيتنا ..... ووالدتي آذتك أنت و ملك ..... و أنا جرحتك بكل صورةٍ ممكنة ... و أنتِ رددتِ لي الجرح مرة بعد مرة بأكثر الصورة ايلامٍ لرجولة زوج ...... بعد أن نلتِ من والدتي من قبل في ضربةٍ قاضية ........ )
صمت قليلا وهو ينظر الى راحتها المفرودة بتفكير ... و كأنه يدرس المعضلة التي خطها بإصبعه ...
ثم قال بخفوت مفكرا
( أممممممممم .... معك حق , انها مشكلة معقدة فعلا .... و لا أرى منها أي مخرج ..... )
قالت وعد بخفوت حزين
( نعم .............. )
قال سيف وهو يقرأ كفها بتمعن أكبر ....
( أراها مقفلة كلعبة "دومينو " .................. )
قالت وعد بجفاء
( لقد نسيت عملي ..... أنت ترفض القبول بمتطلباته ....... )
رفع حاجبيه وهو يومىء برأسه متفهما ليقول بوداعة
( عفوا ..... سهو كبير مني , .... اذن لو أضفنا للمسألة عملك المبجل .... بما أنك أصبحتِ سيدة أعمال تنحني لها الهامات و على رأسها نظارة شمسية طراز*** بسعر ...... )
قاطعته وعد بغضب
( لا تهزأ بي ............. )
فقال سيف بهدوء
( عفوا مجددا ....... سامحيني ..... أنا أحاول فقط دراسة الأمر بمنظور يحتوى على نظارتك الغالية ... و التي تفوق ثمن نظارة البصر .... التي اشتريتها بمالي ...... )
قالت من بين أسنانها
( لم تكن بمالك ...... لقد استحققتها بعملي ..... تماما كالحذاء ...... )
رفع سيف وجهه ليقول بهدوء
( صحيح ....... أين هما الآن ؟!! ...... النظارة و الحذاء ......... )
ردت بجفاء ممتعض
( الحذاء في البيت ...... و النظارة معي , كانت في جيب بنطالي الجينز حين خطفتني بكل عاطفية .... )
رفع سيف وجهه لينظر الى عينيها العاصفتين
أصدر سيف آة متفهمة ... ليقول بهدوء بعدها
( اذن ..... هلا ساعدتني في ايجاد حل لتلك المعضلة ؟!! ...... أم أن كل وظيفتك تقتصر على التأرجح ؟!! .... )
حاولت النهوض الا أنه ترك يدها ليتمسك بخصرها كي لا تنهض ... فقالت بجمود
( لا حلول عندي ...... و هذا ما أخبرتك به .... الأمر أصعب من قدراتنا ..... )
قال سيف ببساطة
( تكلمي عن نفسك رجاءا ...... فأنتِ لا تعرفين كل قدراتي بعد .... )
نظرت اليه بارتياب .... فالتوى فمه بابتسامة عابثة وهو يقول رافعا احدى حاجبيه
( حسنا ...... عرفتِ أهمها ......... )
احمر وجهها قليلا بينما مطت شفتيها بإمتعاض لتقول ببرود
( حس الفكاهة لديك منعدم ....... من فضلك لا تحاول مجددا ..... أنا صاحبة مرض ,اشفق على حالي و اعفني من فكاهاتك ...... )
قال سيف ببساطة
( عاهة ........ أجزم أنكِ عاهة ..... )
حينها فقزت من على ركبتيه و هي تستغل أنه أرخى ذراعيه عنها ..... ثم تراجعت عدة خطوات ناظرة اليه بجموح و هي تنفض شعرها بغضب ...
بينما لم يتحرك هو من مكانه .... وهو جالسا في كرسيه يتأمل جمالها الصباحي الشاحب .... و هي تبدو ككتلة فوضوية من العنفوان و الجمال ....
لم يلحظ أن توقف أن أرجحة الكرسي وهو ينظر اليها متأملا تلك اللوحة الخلابة ....
حينها ذاب القليل من غضبها و هي تخضع لتأمله الصامت ..... فأطرقت بوجهها قليلا ....
و هي تستدير بارتباك ..... ترجع شعرها خلف أذنها برقة ... تتحرك أمامه كراقصات البالية على الأرض العارية ....
تعلم أنه يحاوطها بعينيه الغير مبتسمتين ..... المحاصرتين و المفترستين .....
ارتبكت و تعثرت في طرف البساط ... فاحمر وجهها ... لكنها اتجهت الى صندوق الماكينة ...بجانب الرواق
فانحنت تجثو بجانبه و هي تتفحص نوعها و امكانياتها .... ثم لم تلبث ان قالت بخفوت دون ان ترفع وجهها لسيف
( انها غالية الثمن ..... و نوعها ممتاز ......... )
ساد صمت طويل ثم قال سيف بخفوت و دون تعبير
( جيد ......... أتمنى ان تكوني قد سعدتِ بها )
فغرت شفتيها قليلا ثم قالت بهدوء
( الخياطة تحتاج لاشياء كثيرة ..... ماذا يمكنني ان افعل بماكينة خياطة وحدها في هذا المكان المهجور دون أدوات ؟!....... )
قال سيف بهدوء وهو لا يزال في مقعده دون ان يتحرك
( انظري بجانب الصندوق ....... اعتقد ان هناك حقيبة بلاستيكية موجودة .... )
عقدت حاجبيها و هي تنظر بجانب الصندوق و بالفعل وجدت حقيبة .... بها عدة أمتر من حرير مطوى بعناية ... أحدهم لونه ذهبي شاحب .... و الآخر رمادي متدرج .....
ثم وجدت بكرات خيط عديدة و مقص و أقلام .... بخلاف ورق الخياطة الشفاف .....
ارتفع حاجبي وعد بذهول و هي تنظر الى كل تلك الأشياء و التي لم تأخذ حيزا يذكر من المكان و مع ذلك كانت كاملة ..... فغرت شفتيها و هي تنظر اليها
بينما قال سيف من خلفها دون ان تدرك بأنه قد قام من كرسيه و أصبح واقفا من ورائها يشرف عليها
( هل ينقصك شيئا آخر ؟؟ ........... )
انتفضت وعد و هي ترفع وجهها اليه ..... فرأت ملامحه الجامدة و التي تظللها لمحة حزن !! ... أم أنها تخدع نفسها !! ....
قالت وعد بخفوت
( كيف استطعت ان تحضر كل هذا ؟؟!!! .......... )
رد سيف ببساطة وهو يهز كتفيه واضعا يديه في جيبي بنطاله
( بالهاتف ............. )
تنفست وعد نفسا مرتجفا .... و هي تنظر الى أشيائها الخاصة .... ثم قالت بشرود
( القماش جميل ........ هل اخترته بنفسك ؟؟! ....... )
لم يرد سيف على الفور ... فعادت لترفع عينيها اليه ... حينها قال بخفوت أجش
( اخترت القماش الرمادي ...... بلغت أحدهم بأنني أريد رماديا متدرجا .... من الشاحب و حتى العاصف ... حتى بالداكن العميق ....... )
كان صوته هو العميق بدرجة أثارت الرجفة في جسدها .....
فاتسعت عيناها أكثر ... حتى بدتا تامتي الاستدارة ....
فأخذ سيف وقته يسبح بلونهما القمري ..... قبل أن يتنحنح ليقول بخشونة
( سأذهب لأتفقد المكان خارجا ....... الهاتف بجوار سريري , ان احببت الاطمئنان على ملك .... و )
صمت قليلا وهو ينظر الي الاشياء في يدها و هي جاثية ارضا
( و العبي بهداياك الجديدة .... كي تشغلي وقتك حتى موعد الزيارة .... )
وقبل ان تستسلم لغضبها من عبارة " العبي بهداياكِ " .......
الجمتها الصدمة و هي تتذكر .... فقفزت على قدميها و هي تتشبث بذراعه لتقول محركة رأسها نفيا بقوة
( لاااااا لا لا لاااااااا ...... لن أذهب لزيارة هذا الثنائي العجيب مجددا ..... انسى الأمر يا سيف أو اذهب بمفردك ..... )
تصلبت ملامحه وهو يقول بلهجة خشنة
( فلتتحلي باكتساب بعضا من كرات الدم الحمراء .... لقد ساعداك في غبائك بعد ان تركت المفتاح في البيت ... و اكرماكِ حتى نمتِ على اريكتهما كطفل رضيع ...... الا تخجلين من نفسك !! )
ثم نظر اليها بقرف بينما اتسعت عيناها ذهولا .... وهي تراه يخرج و يتركها مكانها !!! .......
رفعت احدى حاجبيها و هي تتخيل ذلك الثنائي المريب ... فانتفض جسدها بقشعريرة و هي تشعر بروحيهما موجودة في المكان ...
تأففت وعد بحنق .... و هي تنظر حولها واضعة يديها في خصرها ....
ثم لم تلبث نظراتها أن توقفت على الحقيبة ذات الأقمشة و الأدوات ..... و رغما عنها شعرت بالإثارة تدب بداخلها طلبا للهرب في هوايتها القديمة ....
برقت عيناها قليلا و هي تنظر الى الحرير الرمادي المتدرج .... انه يشبه قماشا خاطت منه فستانا ورديا متدرجا لكرمة .... ترى هل ارتدته ؟!! .... و ما هو مصيره الآن ؟!! ....
شعرت برغبةٍ كبرى في أن تنال واحدا مثله .....
و خلال لحظات ..... كانت قد فرشت القماش على الطاولة و هي تثبت عليه الورق الشفاف الذي يحتوى على خريطته .... لم يستغرق رسمها سوى بضعة دقائق .....
و بينما كانت تستعد للقص .... وضعت سماعة الهاتف في أذنها و هي تطلب رقم ملك .....
لكن الرنين تواصل دون أن تجيب .... فعقدت حاجبيها و هي تتسائل ان كانت ملك قد فقدت هاتفها !! .... في لم تكلمها منذ فترة ! ....
حينها اضطرت وعد الى الإتصال ببيت سيف على مضض ....
استمر الرنين عدة لحظات قبل أن تسمع صوت عمتها ..... فتصلب جسدها تلقائيا و هي تستقيم عن الطاولة ...
ثم ردت ببرود
( صباح الخير يا عمتى ....... أنا وعد ..... )
ساد صمت مشحون بينهما قبل أن تجيبها منيرة بتردد
(آآه ... أهلا يا وعد .... صباح الخير..... كيف حالكما أنتِ و سيف ؟ ..... الن تعودا ؟!! .... )
زمت وعد شفتيها بغضب قبل أن تقول بلهجة حادة قليلا
( هذا يعود لمزاج ابنك يا عمتي ..... فهو يحتجزني رغما عني ..... )
سمعت صوت نفس منيرة المرتبك .... و شعرت بتوترها بوضوح , فقالت بصلابة
( هل يمكنني أن أكلم ملك من فضلك ؟؟ ........ )
ردت منيرة بخفوت
( انها نائمة يا وعد ...... انها قلقة لتغيير المكان , تستيقظ طوال الليل ... لذلك تذهب في سباتٍ عميق أثناء النهار ...... هل تريدين أن أوقظها ؟؟ ...... )
زمت وعد شفتيها و هي تقول من بين أسنانها
( لا يا عمتى شكرا لك ..... اتركيها نائمة , و شكرا لعنايتك بها ..... شيئا كنا نفتقده أنا و هي منذ سنوات طويلة .... رائع أن " نشعر " به أخيرا .... أراكِ لاحقا لو أراد ابنك ...... )
ثم أغلقت الهاتف و هي تسمع صوت شهقة منيرة .... قبل أن ترد عليها مصدومة بكلمة سلام !! ...
استندت وعد بكفيها الى حافة الطاولة و هي تتنفس بسرعة ....
ما قلة الذوق تلك ؟!!! ..... لماذا لا تستطيع السيطرة على نفسها و لسانها ؟!!! .... تبا لتربيتها ؟!!
لكن لماذا تلوم نفسها ؟ .... فهي بالفعل قليلة التربية ان لم تكون عديمتها .... لماذا تهتم ؟!!
هل وجد من يربيها و اعترضت ؟!!! ......
زفرت بقوة و هي تبعد شعرها عن وجهها بغضب مفكرة
" لا يا وعد ..... لطالما كنت تتفاخرين بتهذيبك ... و أنكِ أنتِ من اكتسبته بنفسك .... لماذا الآن في حضور سيف و أسرته .... دائما تبدين كالشوكة الحادة !!! ...... "
شعرت بتأنيب ضمير رهيب .... و فكرت أن تتصل مجددا لتعتذر لها .... لكنها عادت و امتنعت ....
فأطرقت بوجهها بندم ..... لا تريد أن تكون بتلك القسوة .... لماذا لا تستطيع أن تكون مثل ملك ....
ملك الجميلة .... ظروفها متشابهة بل أقسى .... و مع ذلك متسامحة , حالمة , بريئة .....
رفعت وجهها و هي تزفر بقوة ...... ثم تنهدت و هي تهمس
( ما كل هذا الضغط يا ربي !! ..... أشعر و كأن قوتان متناقضتان تجذبانني الى طريقين متعاكسين ....... أحدهما يشبهني و الآخر لا ...... أحدهما به آدميتي ... و الآخر انسانيتي ..... )
أغمضت عينيها و هي تأخذ نفسا عميقا ....ليتردد في أذنها صوت سيف وهو يحل خارطة حياتهما على راحة يدها !!! .... فابتسمت رغما عنها ..... على مضضٍ منها ....
زفرت مجددا و هي تطلب رقم كرمة .... التي سرعان ما ردت عليها بلهفة
( وعد ...... كيف حالك ؟ ..... و كيف حال زواجك ؟ ..... هل اصطلحتما ؟...... هل انتى في المفنى ؟؟ بدأت أشك أن زوجك غريب الأطوار )
مطت وعد شفتيها و هي تبدأ في قص القماش قائلة بهدوء
( هل بدأ الشك عندك الآن فقط !!!! ........ اليس من العائلة الكريمة ! .... لابد أن يكون غريب الأطوار ....)
صمتت قليلا ثم قالت بخفوت
( اشتقت اليك يا كرمة .........)
تأوهت كرمة و هي تقول بحزن
( و أنا أيضا ..... جدا , لو تعلمين كم أحتاجك !! ......)
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بشك
( لماذا ؟!! ...... لا تخبريني أن زوجك الثاني ثبت أنه من نفس العينة !!! .... )
قالت كرمة بقوة و تنبيه
( وعد ....... انتقي ألفاظك قليلا من فضلك ......)
عادت وعد لتط شفتيها و هي تهز رأسها يأسا من كرمة التي تحمل جزءا من سذاجة ملك ...
ثم قالت بهدوء
( اذن ما هي مشكلتك ؟!! ...... ربما حللتها لكِ ..... بما أنني ناجحة جدا في حياتي اللهم لا حسد .... )
صمتت كرمة قليلا ... ثم لم تلبث أن قالت بصوتٍ فاتر
( متى ستعودين ؟!! .......... )
قالت وعد من بين أسنانها
( هل تعتقدين أنني لو كنت أملك أدنى فكرة .... لبقيت هنا معك على الهاتف بينما العرض لم يتبقى له سوى ثلاث أيام !! ...... )
ردت كرمة بهدوء
( اطمئني يا وعد ..... كل شيء جاهز ,.... يعمل معنا حاليا عددا كبيرا من العاملات ... و صديقك عليّ ... و السيد يوسف ..... و أنا أشرف بنفسي على كل شيء .... و انضمت لي فريدة .... )
كانت ملامح وعد تتعاقب من الابتسامة ما أن سمعت اسم علي ,..... ثم التوجس ما أن سمعت اسم يوسف الذي كاد أن يروح ضحية جنون سيف .... ثم الإرتياب و هي تسمع اسم فريدة !!
رفعت وعد وجهها لتقول بحيرة
( من هي تلك فريدة ؟!! ........... )
ردت كرمة بود
( انها قريبة حاتم ..... تعرفت عليها حديثا , باتت ترافقني لكل مكان .... انها شعلة اناقة و طاقة ... كما أنها خدومة جدا ..... و راقية لأبعد الحدود .... أما طفلتها ... لديها طفلة يا وعد سبحن الله ...جمالها يخطف القلوب .... )
لم تسمع وعد معظم الحوار و هي تتوقف عن القص لتستقيم بوجه واجم ... لتقول ما أن انتهت كرمة بصوت غريب
( هل أصبح لديكِ صديقة جديدة ؟!! ........ )
ضحكت كرمة قليلا و هي تقول باستهزاء
( هل تغارين علي يا وعد ؟!! ........ اطمئني , قلبي يتسع لإثنتين )
لم تنفي كرمة صداقتها لتلك الفريدة من نوعها ..... فوجمت ملامح وعد أكثر , ثم قالت بفتور
( قريبة زوجك .... لابد و انها تناسب مستواك الجديد اكثر مني ..... )
ساد صمت متوتر قبل ان تقول كرمة بخفوت
( ماذا بكِ يا وعد ؟!! ...... لماذا تتكلمين بهذا الشكل ؟ ..... انسيت انكِ اصبحت تمتلكين عملك الخاص و على اولى درجات النجاح !! ..... )
قالت وعد بجمود
( لكنني سأظل دائما صديقة الدار ..... و هذا أمر تودين نسيانه ,أو حذفه ربما .... )
صمتت قليلا ثم لم تلبث أن هتفت بتحدي طفولي
( و بالمناسبة ..... أنا أيضا أصبحت أمتلك صديقة جديدة .... جارتي و تسكن في البيت المجاور لي ..... علاقتنا أصبحت قوية جدا .... لذا لا تأبهي ..... )
قالت كرمة بشك
( لديك صديقة ؟!!! ....... حقا !!! ...... )
ردت وعد بتهور
( نعم ....... انها أكثر من رائعة و متزنة و راقية ....... )
ثم أغمضت عينيها و هي تهمس لنفسها بغيظ " سامحني يا رب على تلك الكذبة .... "
قالت كرمة بهدوء و ثقة
( ما اسمها تلك الصديقة ؟ ............... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تعصر تفكيرها لتتذكر اسم تلك الجارة غريبة الأطوار ... فلم تفلح ... فقالت مندفعة
( طفلتها رائعة ..... اسمها نوارة ....... )
عاد الصمت مجددا ثم لم تلبث كرمة أن ضحكت بخفوت .... ثم قالت بعدها بهدوء
( أنتِ لستِ في حالتك الطبيعية أبدا يا وعد ....... و الا لما اتهمتني بهذا الإتهام ....)
زفرت وعد بقوة ... و هي تخفض رأسها
لماذا تبدو كل جملة منها قاتلة .... بينما سمعت من سيف و أمه و شقيقتيه ... ووالدها أكثر بكثير .... و لم يتهمهم أحد بشيء ....
حين ظلت صامتة ... ردت كرمة بخفوت
( أتتذكرين ذلك الوعد الغير معلن الذي اتخذناه ما أن كبرنا قليلا ؟؟..... الا نتعمق كثيرا في أسرارنا على الرغم من أخوتنا ...... و حين تجاوزنا هذا الوعد ذات يوم كدنا أن نخسر تلك الصداقة الطويلة ....لأن كل منا تحمل نفسا متعبة .... مشرحة .... لا تملك نصحا للأخرى . )
وقفت وعد مكانها تستمع في صمت ..... الى أن قالت بخفوت
( نعم ...... أتذكر ذلك الوعد الغير معلن ....... )
قالت كرمة بعدها بهدوء
( أتمنى لو نكسره الآن ....... لأنني بالفعل في حاجة لكِ ...... فريدة الجميلة واضحة النفس و المشاعر ,لن تستطيع فهم ما مررنا به ..... )
رفعت وعد يدها الى جبهتها بصمت .... بينما قالت كرمة بصوت مرتجف
( حياتي كلها تسير على وتر مشدود ..... اخاف على الرضا الذي اعيشه حاليا و الذي يطال مرتبة السعادة شيئا فشيء ....... )
ابتلعت وعد غصة مسننة و هي تبلل شفتيها ثم همست بيأس
( أنا آسفة يا كرمة ...... أنا آسفة ..... لا أعلم ما بي , حتى عمتي لم تسلم مني و نالها من لساني نصيب لا بأس به ..... انهم يستحوذون على ملك أيضا .... و ذلك أشعرني بالإختناق ....
لقد ظننت أنني ما أن أبدأ في تحقيق حلمي حتى أبدأ في لم شملي مع ملك ..... و الإتمام بعلاقتنا و السماع عن حياتها ...... لكنهم يستحوذون عليها .... و ها أنت تستحوذ عليك صديقة جديدة .... اين حياتي اذن !! ... )
قالت كرمة بهدوء
( هل تبحثين عن عذر للبقاء مع سيف يا وعد ؟!! ...... لست بحاجة للبحث .... يمكنك البقاء ..... لا تبرري لنفسك أكثر ....... )
مدت وعد يدها تتلمس القماش الحريري بصمت ..... ثم لم تلبث ان قالت بخفوت
( على ما يبدو يا كرمة انني لن اتمكن من حضور العرض ...... اهتمي انتِ به كأنه عملك الخاص .. ملك لن تستطيع وحدها ...... )
ردت كرمة بخفوت
( لا تقلقي ........ اخبرتك ان كل شيء جاهز , و مع ذلك أنا واثقة أن سيف لن يمنعك عنه .... لن يفعل ذلك بكِ ..... أنا متأكدة ...... )
ردت وعد بخفوت شارد
( و أنا أيضا أريد أن أتأكد ......... ربما حينها سأتمكن من أخذ القرار دون ندم .... )
.................................................. .................................................. ......................
في الخامسة مساءا ....
وقف سيف بجوار وعد أمام باب بيت جاريهما ......
كانت وعد تلهث غضبا و غيظا بينما ملامح وجهه متصلبة و هو يحمل قالب حلوى ضخم ... لا تعلم من اين ابتاعه اساسا .....
دفعها قليلا في كتفها وهو يقول بصرامة
( ابتسمي و فكي فمك قليلا بالله عليكِ ...... لا نريد فضائح ... )
لكزته في معدته بمرفقها و هي تقول بحنق
( لا تمد يدك علي ......... )
رفع قالب الحلوى قليلا وهو يمنعه من السقوط ... ثم قال من بين اسنانه
( والله لو وقع القالب لجعلتك تجثين و تلمين قطعه .... و تأكلينها )
نظرت اليه بطرف عينيها و هي تقول بنبرة شريرة
( كان يجب أن أعلم أن شاعرية الصباح سببها لفحة شمس ضربت رأسك ... ثم اختفت و عدت لطبعك )
نظر اليها بقساوة وهو يقول بغضب حقيقي
( من يمكنه أن يكون شاعري مع امرأة مثلك تعمدت استفزازي على مدى اربع ساعات كاملة بشتى الوسائل )
نعم لقد استفزته بأقصى قدراتها على السماجة .... على أمل أن يمل منها و لا يجبرها على الذهاب ...
لدرجة أنه في النهاية حملها على كتفه بالقوة ليدخلها للغرفة كي تبدل ملابسها و هي تتشبث بيديها في إطار الباب .....
الى أن أقسم صارخا إن لم تمتثل لأوامره فسيأخذها كما هي .....
قالت وعد بقسوة
( اسلوب همجي ........ أقسم أن أرد لك كل ما تفعله يا سيف ..... )
قال وهو يدفعها في كتفها بقوة
( اقفلي فمك .......... )
حاولت لكزه في معدته مجددا الا أن قبضة يده أمسكت بمرفقها بكل قوته ثم ضغط عليه حتى شهقت ألما وهو يقول من بين أسنانه
(هل أكسره ؟!! ...... حقا هل أكسره ؟!! .... لأنني استنفذت كل صبري اليوم .... )
فتح الباب فجأة على هذا المنظر ....
و جارهما يقف فاتحا ذراعيه وهو يقول مرحبا بقوة جهورية
( يا ألف أهلا .... يا ألف ...........!!!! )
صمت قليلا وهو يرفع حاجبا مرتابا .... ناظرا الي سيف الذي كان رافعا قالب حلوى بيده لأعلى كي لا يسقط و يبدو عليه الحنق جليا ... بينما يد الأخرى تمسك بمرفق زوجته .... و التي كان الشرر مرتسما بوضوح على وجهها ....
ليتابع بعدها بصوتٍ اكثر خفوتا
( أهلا و سهلا .......... )
جذبت وعد مرفقها من ذراع سيف و هي تعدل من قميصها لترسم ابتسامة متزنة غصبا , بينما اخفض سيف القالب وهو يهدىء من انفعاله .... ليصافح جاره ...
بينما نادى ذلك الجار بصوت جهوري مما جعل وعد تنتفض في مكانها
( حنييييييييييييييييييييييي يين .... لقد وصل جيراننا )
حنين ... تلك هي , فلتحاول ان تحفظه كي لا تنساه مجددا .....
جائت حنين من خلفه و هي تحمل الطفلة الصغيرة التي كانت تأكل من رمال الشاطىء ..... و قد بدت فوضى شعرها اللامع من الجمال بحيث شاركت عينيها الخضراوين فتنتهما ....
كانت حنين ترتدي فستانا اسبانيا ملون ... و قد جمعت شعرها في ذيل حصان طويل .. و ارتدت حلقا مبهرجا ... فبدت كتلة من الجاذبية و البهجة ... خاصة مع ابتسامتها المشرقة ...
الا انها ما ان وصلت حتى قالت بتذمر
( لماذا لا يزالان عند الباب يا جاسر ..... الن تتعلم اصول الضيافة ابدا ؟!! ... تفضلا ... )
ابتسم جاسر لسيف وهو يرفع حاجبه المتآمر و كأن ضبطهما بالجرم المشهود وهما يتشاجران امام باب البيت ...
دخلت وعد تتقدم الرجلين ببطىء و عيناها تطوفان سريعا في المكان ....
حيث كان هذا المكان يبدو مثل خارجه .... ملون و مشكل بأعمالٍ يدوية ... ما بين الأنوثة و الطفولية ...
كان بيتا دافئا يتحدى البرد .... مهما كان الصقيع خارجا ....
شعرت وعد بشيء يؤلمها فجأة .... دون ان تعرف له سببا ......
حين جلس اربعتهم ... حافظت وعد بعناد على مسافةٍ بينها و بين سيف الذي رمقها شزرا .... بينما قال جاسر ببساطة لزوجته التي كانت تحضر صينية اكواب العصير
(تعالي هنا يا زيتونة .......... )
جذبها اليه ليجلسها على ذراع مقعده .... و ذراعه تحيط بخصرها , بينما تمسكت حنين بكفه و هي تبتسم له بحب .... و كأن بينهما سر ما .....
قالت وعد من بين اسنانها لسيف
" زيتونة !!! ...... اقسم انني سأصاب بالغثيان من تلك الميوعة ..... "
همس سيف بقسوة
" كفى فضائح و مرري اليوم على خير ........ "
قال جاسر فجأة وهو يلاعب أصابع حنين
( اذن يا سيف ......... لقد تعارفنا طبعا , و اعرف عملك .... فهل تعمل زوجتك ؟؟ ..... )
تكلم سيف ووعد في وقتٍ واحد
فقالت وعد "نعم "... و قال سيف" لا"
نظرا الى بعضهما شزرا .... بينما ارتفع حاجبي جاسر و حنين و هما ينظران اليهما بتوجس
لكن وعد تطوعت و هي ترفع ذقنها لتقول بعلياء
( لدي معرض لتصميم و تفصيل الأزياء ........ )
صدرت عن سيف ضحكة خافتة ... و ما ان نظرت اليه حتى تظاهر بأنه يسعل ....
ثم لم يلبث ان قال بهدوء
( نعم ...... انها تساعدني في مصاريف البيت ..... )
ضحك جاسر عاليا وهو يضم خصر حني الى صدره ليقول بلا حياء
( اقسم انني احببت هذين الاثنين أكثر من زوجي اثيران أبني عمك يا زيتونة ....... )
برقت عينا حنين و هي تقول بقسوة
( توقف يا جاسر ...... لا تهينهما مجددا .... ثم الا ترى أن هذين المسكينين يعانيان من المشاكل ما يكفيهما كي يتحملا مزاحك الثقيل ....... )
امتقع وجه وعد من تلك الشفقة الصريحة دون مواراة ... فنظرت الى سيف غضبا ....
بينما قالت حنين متفادية احراج الموقف
( أنا أيضا أمتلك عملي الخاص .... لدي دار لحضانة الأطفال .....)
نظرت وعد حولها بقصد ... ثم قالت مازحة
( و أين هم الأطفال ؟!! ...... هل تخفينهم في قبو البيت ؟!! ..... ههههههه )
ساد صمت يسمع له المسمار لو سقط أرضا .... بينما شعر سيف بإحراج واضح وهو يقول
( اعذري زوجتي ...... فهي أحيانا تكون ظريفة الى حد ال ....... )
قالت وعد آمرة بقوة
( كفى ............ )
ضحك جاسر وهو يقول
( أنت أيضا لديك " كفى " ؟!! ...... انا لدي أمر توقف مستمر....... )
احمر وجه حنين للغاية و هي تقول هامسة
( جاسر احترم نفسك و توقف ..... أنا جادة هذه المرة ...... )
رفع وجهه اليها و ابتسم ..... فاحمرت أكثر و ابتسمت , لتقول بخفوت
( أنا جادة ......... )
شردت ابتسامة جاسر وهو ينظر الى ملامحها طويلا .... لا يصدق أن تلك المرأة الجميلة كادت أن تضيع من بين يديه ذات يوم ......
و أثناء تبادلهما النظر .... كان كلا من وعد و سيف ينظران اليهما بوجهٍ ممتقع شارد ...
نظرت حنين الى وعد وهي تقول برقة متداركة خجلها و احمرار وجهها
( هلا اتيتِ معي للمطبخ لتساعدينني ..... و اتركيهما لمزاحهما الميؤوس منه ..... )
نظرت وعد الى سيف بصمت ... بينما بادلها النظر بوجوم , ثم نهضت سريعا و هي تملس تنورتها التي أظهرت نحافة قوامها الشبيه بقوام عارضات الأزياء .....
و ما أن ابتعدتا .... حتى نظر جاسر الى سيف و قال بهدوء
( أتعلم !!! ............. )
الا أن صوت حنين قاطعه بقوة من بعيد
( جاسر .... راقب نوارة جيدا ..... لا تدعها تأكل ورق النبتة .... )
هدر جاسر
( من عيوني زيتونتي .............. )
ثم نظر الى سيف متابعا كلامه
( أتعلم !! ..... أنت تذكرني بصديق لي .. سبحن الله , كان جلفا مثلك تماما في التعامل مع زوجته في بداية زواجهما ...... كان يظن نفسه محقا في كل خطوة و عقاب ... مما جعله احمق العام الأول ..... هيييييح اسمه عمر ..... لكنه الآن تحول الى الزوج المثالي الأول .... من البيت للعمل و من العمل للبيت .... زوجته تمكنت من ربط قيده للأبد ..... لكن الحق يقال لطالما كان ابن أناس محترمين ...... )
كان سيف ينظر اليه وهو يميل بشفتيه ... بينما عقله يفكر
" ربما وعد محقة !! ...... و أنهما غريبا الأطوار بالفعل !! "
دخلت وعد الى المطبخ خلف حنين .... تتأمل أجزاءه جيدا .... كان محببا للنفس و دافىء ....
اقتربت من الثلاجة و هي تعقد حاجبيها بذهول و هي تجد وريقات صفراء ملتصقة عليها بملاحظات مريبة ... ما بين المزاح و العشق .... لكن هذا ليس الغريب في الأمر ....
الأغرب أن تلك الملاحظات كانت مغلفة بالبلاستيك !!!
التقطت وعد واحدة مرسوم عليها وجه دب بدائي .. بعين واحدة .... و مكتوب عليها
" لنا حساب معا ... فيما بعد ... "
و علامة جمجمة و عظمتين !!! ....
كانت وعد تنظر اليها بذهول ... و ما أن رأتها حنين حتى ضحكت عاليا و هي تقول
( انها احدى ابداعات زوجي !!! ...... صحيح أنه ضخم و مجرم قليلا , الا أن قلبه كقلب طفل ... )
قالت وعد بذهول
( لماذا هي مغلفة بالبلاستيك ؟!! ............ )
ردت حنين مبتسمة ببساطة و حب يتألق من عينيها الزيتونيتين
( لاحظت أن الحبر يبهت لونه مع مرور الأشهر .... خاصة مع بخار الأواني و الطعام ... لذا لم أجازف بفقدانها .... فغلفتها كالبطاقات بالبلاستيك .... )
كانت وعد تنظر اليها بعينين مذهولتين ... متسعتين .. و هي فاغرة شفتيها ....
و هي تهمس لنفسها
" ياللهي !! ..... انها تغلف ملاحظات زوجها بالبلاستيك كي لا تبهت !!! ...... انها مجنونة !!! .... و أنا سأصاب بالشلل حالا !!!! "
تنهدت باستياء و هي تنظر حولها مجددا الى أن رأت كرسي متحرك في أحد الزوايا ....
فقالت بغيظ تلقائيا
( من منكما مشلول ؟!! .......... )
ارتفع حاجبي حنين بدهشة ... بينما رفعت وعد يدها الى جبهتها و هي تقول متداركة خطأها
( لم أقصد ..... قصدت ...... لمن ... من ..... )
ضحكت حنين و هي تقول بمودة
( لا بأس ......... أعرف قصدك .... زوجي تعرض لحادث منذ عامين وهو ما ترك اثرا للعرج قليلا في ساقه ....... وهو مصمم على الاحتفاظ به .... )
صمتت قليلا و هي تنظر للكرسي بحب مبتسمة .... ثم قالت بهدوء
( لقد اعتاد أن يجري به و أنا على قدميه ..... و بعد أن أنجبنا نوارة .. أصبحت أجلس أنا على ساق و هي على الأخرى )
رفعت عينيها الى وعد التي ارتسمت الصدمة على ملامح وجهها و هي تستمع الى صوت حنين الهامس الشجي ....
و تتسائل في نفسها ......
" هل يمكن أن يوجد هذا التكامل في هذا الكون بالفعل ؟!! ..... "
قالت حنين و هي تحضر اطباق الطعام ...
( كل مشكلة لها حلها ... ثقي بي .... المهم ان يكون الحب بينكما صادقا .....)
نظرت اليها وعد بصمت ... ثم لم تلبث ان قالت و هي ترفع وجهها الشاحب
( هناك قضية خلع في المحكمة تنتظر النظر بها ...... و أنا هنا رغم عني .... لو كان الامر بيدي لرحلت ..)
ظلت حنين صامتة دون ان ترد ..... ثم لم تلبث ان نظرت الى يد وعد بالفعل و كانها تبحث عن القيد
ثم قالت بهدوء
( اذا لماذا انت هنا ؟!!.........)
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بحيرة
( الم تسمعينني ؟!! ....... انا هنا رغم عني ..... )
رفعت حنين وجهها اخيرا و هي تقول بثقة
( لدي في غرفتي .... قيد حديدي حكومي , قيدني به زوجي ذات يوم في السرير .... )
اتسعت عينا وعد بذهول و احمر وجهها بشدة .. بينما قالت حنين ببساطة
( ليس لأغراض دنيئة ..... لا داعي لأن يحمر وجهك ....... لقد قيدني كي لا اهرب منه حرفيا )
ازداد ذهول وعد اكثر .... بينما قالت حنين برقة
( يومها ظننت أنني اتمنى له الموت ..... و انظري الي اليوم , اكاد افقد عقلي حين يتأخر ساعة اضافية بعد الحادث الأخير ..... )
ابتلعت وعد غصة مسننة في حلقها بينما تابعت حنين برقة اكبر
( مغزى كلامي .... هو انكِ لستِ مقيدة .... هذا ما توهمين به نفسك .... يمكنك الرحيل من هنا وقت تشائين , انت لست عاجزة لتلك الدرجة كي تنتظري وسيلة مواصلات من زوجك ترجعك الى المدينة ..... فجدي عذرا آخر غير الخطف ....... )
فغرت وعد شفتيها قليلا .... بينما غمزت لها حنين و هي تبتسم بجمال ... ثم تعود لتحضير الأطباق ...
بينما وقفت وعد مكانها .... تشعر برغبة غبية في البكاء ... لكنها لم تجد الدموع !! ...
.................................................. .................................................. .................
( حين تريد استعادة زوجتك ..... عليكِ أن تكون ما ليس أنت حقيقة .... أياك و التصرف بطبيعية , لأنه لو كان طبعك مناسبا .... لما كنتما في هذا الوضع الآن ...... لذا عليك التصرف بعكس شخصك تماما ...
لا مانع من أن تحني رأسك قليلا .....و تتجمل و تتلطف ... و تدعي الخنوع .... الى أن تضمنها في قبضة يدك ...... )
نظر سيف واجما الى جاسر وهو يشرح له اجراءات كيفية استعادة الزوجة .....
ثم لم يلبث أن عقد حاجبيه بشدة وهو يرى شيئا يتحرك في الأرض ... ثم اتسعت عيناه و هو يرى دجاجة .... تمشي في المكان مجبرة الجناح !!!!!!!!
حيث كان جناحها ملفوفا برباط أبيض يجعله ثابت .....
لم يستطع سيف منع نفسه من القول بهذول
( ما هذا ؟!!! ............ )
نظر جاسر المضجع في مكانه الى الدجاجة ... ثم لم يلبث أن لوح بيده وهو يقول ببساطة
( انها دجاجة أصيب جناحها ..... لذا جبرته حنين و ربطته , و أنزلتها الى البيت كي لا تزيد اصابتها .... لا تشغل بالك بها ..... ماذا كنا نقول ؟!! ..... )
رفع سيف احدى حاجبيه وهو يقول بقلق
( الا يجب أن تبعد طفلتك عنها ؟!!! ......... )
رد جاسر ببساطة ....
( لا ... انها صديقة نوارة .... الحقيقة ربما يجب أن أبعد الدجاجة كي لا تكسر نوارة جناحها المصاب .... )
نهض من مكانه ليبعد الدجاجة عن متناول يد الصغيرة ... ثم لم يلبث أن عاد وهو يقول
( أين كنا ؟!! ..... نعم .... اذن لاستعادة زوجتك .... اكذب .... صدقا أكلمك ... اكذب حتى تنالها .... )
تنهد سيف بقوة ووجوم .... وهو يشعر بالقلق على وعد في هذا المكان ..... و يود لو يقوم للبحث عنها .... قبل أن يكسروا لها جناحا .....
.................................................. .................................................. ..................
بعد أن أغلق جاسر الباب خلفهما ... التفت الى حنين بعينين غريبتين ....
بينما كانت هي تميل برأسها و هي تدلك عنقها أمام عينيه النهمتين ....
فتسمر مكانه وهو يراها مغمضة العينين تدلك عنقها بانسياب .... كانسياب ذيل حصانها على احدى كتفيها ...
بينما خلعت حذائها ... ثم تبعته بالآخر و هي تهمس دون أن تفتح عينيها
( لقد تعبت اليوم .......... )
اقترب منها جاسر و في عينيه نظرة عشق ممتزجة بخوف و ألم ...... و ما أن وصل اليها حتى فتحت عينيها و ابتسمت برقة و هي تقول بخبث
( لقد نامت نوارة.......... )
ابتسم جاسر قليلا وهو يضم خصرها بكفيه ..... بينما قالت متابعة بصوت كله اغراء طفولي
( و غادر الجيران ....... )
ضمها أكثر اليه ... و تعبير غريب يطوف على وجهه ..... فارتفعت على أصابع قدميها لتحيط عنقه بذراعيها و هي تهمس برقة
( و أنا أحبك .......... )
اشتعلت عيناه بجنون وهو يلتهمها بنظراته ..... التي كانت بعيدة عن المرح .. فقالت حنين و هي تداعب صدره
( كم من الإغراء سأحتاج ..... كي تحملني الى غرفتنا .... و ليس أي مكان آخر كما هي العادة ....)
قال جاسر بخفوت أجش
( ارقصي معي أولا .........)
عبست بشدة و تصلبت و هي تهتف
( قلت لك ألف مرة يا جاسر لن أرقص رقصا شرقيا ..... أولا لأنني لا أمتلك الإمكانيات و التضاريس المطلوبة .... ثانيا لأنني أراه تقليلا من شأن المرأة ...... )
عبس جاسر قليلا و هو يقول بنبرة تهديد
( هذا ليس كلامك ..... كلام من هذا ؟!!!! .....)
ردت بمنتهى الوضوح
( صبا ..................)
ضحك عاليا وهو يضمها أكثر الى صدره ثم قال
( والله أحيانا أتناسى كرهي للمذكور الثور ابن عمك ..... و أشفق عليه من تلك الفتاة التي أتت لتهاجمني دفاعا عنكِ ذات يوم ...... )
ضحكت وعد مقهقهة عاليا و هي تتعلق بعنقه و كأنها تتأرجح على عمود انارة ......
ثم قالت محاولة الجدية
( لكنني أقتنع بكلامها كل يوم أكثر ......... )
رفع حاجبه وهو ينظر اليها فعادت لتضحك و هي تعرف نفسها لا تستطيع مقاومة جنونه و عنجهيته ... و همجيته طويلا .....
فاكتفت بالنظر اليه بحب .... ثم قالت برقة
( لن أرقص لك يا جاسر ..... أنا أخجل .... )
قال بعبث
( هذه أكبر كذبة في التاريخ ....... )
ردت حنين حازمة
( توقف ........ )
انحنى وجهه ليقبل عنقها الناعم من تحت ذيل حصانها وهو يقول بخفوت
( هل تخجلين من التلميح الى انكِ لا تعرفين الخجل معي ؟!! ...... )
ردت حنين متذمرة
( الاجابة الصحيحة هي .... أنك غير محترم على فكرة )
ضحك بصوتٍ أجش ليقول مذكرا
( متذبذب ........... )
ردت بوجهٍ محمر خجلا ضاحكة
( آآآه الذبذبات ...... كنت قد نسيتها .....)
رفع يدها ليضعها على قلبه وهو يقول بخفوت
( اشعري بها ...... ذبذبات قلبي .... تقول زيتونة ... نونة .... نونة .... نونة .... )
ارجعت رأسها للخلف و هي تضحك عاليا بجنون , بينما قال مبتسما
( لو ايقظتِ نوارة بصوت ضحكاتك ,,, فسأقتلك ..... و القي بجثتك لسمك البحر .... )
ابتعد عنها قليلا .... فعبست تقول
( لن أرقص لك .............. )
قال جاسر بحنان
( يا متهورة .... يا متعجلة ..... قلت معي .... و ليس لي ..... )
ابتعد عنها ليذهب الى مسجل الاسطوانات ثم لم يلبث أن قام بتشغيل أغنية قديمة ....
حينها همست حنين برقة
( انها اغنية شرقية ياجاسر ........ لن ينفع ذلك .... )
اقترب منها مبتسما , ليضمها اليه وهو يتمايل بها ليهمس بصوتٍ اجش
( هشششششششش ...... )
أغمضت عينيها و هي تدفن وجهها في عنقه .... و تتمايل معه لتسمع الأغنية
عجبا لغزالٍ قتالٍ عجبا ....
كم بالأفكار و بقلوبٍ لعب ....
يخطو بدلالٍ فيثير الشهب .....
عجبا لغزالٍ قتالٍ عجبا ......
قالت حنين بخفوت و هي تمايل معه
( ماذا بك ؟!! ....... أنت مختلف ... )
صمت قليلا وهو يتمايل معها ... ثم لم يلبث أن قال بخفوت حزين
( حين كنت أنصح جارنا ...... شعرت للحظة و كأن وجودك بحياتي أمرا مسلما به ..... )
همست برقةٍ مبتسمة
( وجودي في حياتك هو بالفعل أمرا مسلما به .......... )
ابتلع شيئا قاسيا في حلقه .... وهو يهز رأسه قائلا بخفوت
( لا ...... انت لست شيئا مسلما به ..... احيانا اصحو من نومي وانا اتصبب عرقا بعد كابوس قاتل أراه و قد عاد بي الوقت لسنواتٍ طويلة .... و أنا أجدك متزوجة من غيري .... )
رفعت وجهها و هي تمس شفتيه بيدها لتهمس عوضا عنه
( هششششش ..... أتتذكر حين بكيت مرة بعنف و هيستيرية في بداية زواجنا الثاني !! ..... أتتذكر بماذا أجبتك حين سألتي السبب ؟!! ...... )
أومأ برأسه مختنقا .... ليقول بخشونة
( قلتِ أنكِ تكرهينني .... و ترغبين في ايذائي .... تريدين ان تذيقيني من كل المرارة التي تحملتها قديما .... بداخلك نقمة لا تستطيعين السيطرة عليها ......و أنك تريدين الانتقام لكل دمعة ذرفتها بسببي ... لكل تجبري على حياتك .....)
أومأت حنين مبتسمة و هي تقول
( و أنت سألتني بحزن .... و ما الجديد في ذلك ؟!! .....)
ابتسم جاسر بألم وهو يتابع الحوار قائلا
( أنتِ أجبت .... الجديد أنني أتسلل الى حياتك بببطىء خبيث .. أجعلك ترغبين في كل ما أقدمه لك .... أجعلك ترغبين في النسيان و المتابعة .......)
أومأت حنين برأسها و هي لا تدرك أن دمعتين انسابتا على وجنتيها بصمت على الرغم من ابتسامتها المشرقة .... لتهمس بعدها ....
( أنت نجحت ..... و جعلت من وجودي أمرا مسلما به .... تخللت حياتي بالقوة فرفضتك ... لكنك تسللت و سيطرت على كل طاقة الغضب بداخلي .... ليستقر وجهك مكانها ..... أتظن أن من ينجح في ذلك , من الممكن أن ينتزع من داخلي لأي سبب كان !!! .....)
التوى فك جاسر وهو يقول بهمس أجش
( أحيانا تنتابني الشكوك ..... حين أرى مدى روعتك و طيبة قلبك ... و أتسائل ماذا فعلت أنا لأستحق امرأة مثلك ........)
ابتسمت و هي تمسح دموعها لتقول بسعادة
( تظاهرت بغير طبعك .......)
عبس جاسر وهو يقول
( هل سمعتني ؟!!! ..........)
أومأت مبتسمة و هي تقول بصدق
( لو تعرف كم أثرت بي تلك الحقيقة يا مجنون ..... أنت بالفعل تكبدت كل ما يخالف طبعك و نشأتك و تظاهرت بكل تحضر لا تملكه .... لتحظى بي ...... أي محظوظة أنا !!! .....)
ابتلع جاسر غصة في حلقه وهو يقول بصتٍ أجش
( حنين ..........)
ردت برقة و هي تبكي بضحكة رقيقة
( همممممم .........)
قال بخشونة
( هل أحمر شفتيك مهم لديك ؟!! .........)
ابتسمت أكثر و هي تهز رأسها نفيا لتقول هامسة
( لا .... لكن شفتي مهمتين .... هلا حافظت عليهما قدر الإمكان ؟!!! .....)
همس بصوتٍ أجش محتنق و النار تحترق في عينيه
( آسف ...... لا أستطيع أن أعدك بذلك )
.................................................. .................................................. ......................
( اخلعي ملابسك ........... )
لم تصدق شيراز ما سمعته للتو .... هل نطقها بالفعل ؟!! ......
رفعت يدها تتحسس صدرها المرتجف و هي تراقب عضلات صدره القوية السمراء بفعل الشمس ....
وهو يتخلى عن قميصه و يرميه أرضا ....
فهمست بصوتٍ مرتجف
( ما .... ماذا ..... ماذا قلت للتو ؟!! ....... )
نظر اليها بعينين ليستا عينيه اللتين وقعتا في حبها .... ووقعت هي في حبهما ...
بل عينين شيطانيتين غريبتين .... وهو يقول بصوتٍ لا يحمل أي نبرةٍ للآدمية
( هل تحبين سماعها أكثر من مرة ؟!! ....... هل تحبين الأمر بتلك الصورة ؟!! .... )
صمت قليلا ثم قال بنبرةٍ أكثر ازدراء
( حسنا اذن ..... مستعد لتلبية رغباتك لنحصل معا على المتعة المنشودة ..... اخلعي ملابسك ببطىء أمامي ... )
فغرت شفتيها وهي تتراجع على الجدار و كأنها حربائة زاحفة .....
بينما كان فمها الأحمر فاغرا بذهول ..... و هي تهز رأسها نفيا قليلا ....
فقال بهدوء مزدري
( هل تحبينها اكثر اذلالا ؟!! ....... )
رفعت يدها الى فمها و هي تشعر بالدوار قليلا ..... الا أنها تمكنت من الهمس بقسوة
( توقف عن ذلك ....... لماذا تفعل بي ما تفعله ؟ .......... )
رفع حاجبه وهو يقول مقتربا منها بخطواتٍ فهد اسود ... براق العينين
( أنا لم أفعل شيئا بعد يا شيراز ..... لا يزال الليل طويلا بيننا ...... )
وصل اليها اخيرا و اقترب منها لدرجة ان لامس جسده صدرها فأبعدت وجهها عنه و لوته الى الجدار قدر الإمكان .... فهتفت من بين شفتيها المنطبقتين و المرتجفتين
( ابتعد عني يا وليد ...... ابتعد قبل ان تفعل ما قد تندم عليه فيما بعد ..... )
ارجع رأسه للخلف و ضحك عاليا بعنف ... مما جعلها تغمض عينيها بقوة اأكبر و ترتجف بشدة من هول صوته ضحكاته المرعبة .....
ثم لم يلبث أن قال من بين تلك الضحكات
( ياللهي ..... انتِ تتصرفين كعذراء مثالية ...... صدقيني لو أردت ما كنت لأسند هذا الدور لمن هي أفضل منك ...... )
صمت قليلا وهو يرفع يده ليمر بها على منحنياتها ببطىء جعلها ترتعش و تشهق بصوتٍ عالي
بينما قال هو بخفوت ثلجي
( حتى ارتعاشك حقيقيا .... بالله عليكِ أخبريني من أين لكِ بمثل تلك المهارة و القدرة على التمثيل ؟!! ..... )
هتفت شيراز دون أن تنظر اليه
( ارتعاشي تقززا و ليس خوفا ..... لذا اطمئن أنا لست عذراء مرتعبة .... لكن ما ستقوم به سيجعلك تكره نفسك فيما بعد .....)
أظلمت عيناه وهو يقول بصوتٍ غريب
( حقا !! ...... اذن دعيني أنا أحكم على ذلك بنفسي فيما بعد ....)
و دون سابق انذار مد كلتا يديه ليطبق بهما على مقدمة فستانها و فأجة شعرت بقوة هائلة تجذب عنقها قبل أن تسمع صوت تمزق حاد في الصمت المحيط بهما لتراه يشق صدر فستانها الخفيف بيديه من عنقه و حتى بطنها .....
صرخت شيراز بقوة و هي تضم جانبي الفستان الى صدرها ... تحاول أن تخبىء نفسها عن عينيه الشيطانيتين ..... الا أنه لم يسمح بذلك لأكثر من لحظتين قبل أن يمسك بيديها و يبعدهما بالقوة قبل أن يبعد المتبقي من قماش فستانها عن جسدها بعنف بينما هي تتلوى ... و تصرخ ... الى أن أنهى مهمته بأكثر طريقة مهينة استطاعها ... فحملها من خصرها بذراعٍ واحدة ليلقيها على السرير بقوة ...
شهقت شيراز و قد بدأت تبكي بذعر و هي تندفع محاولة الفرار الى الجانب الآخر من السرير ....
الا أنه كان قد وصل اليها و أعادها من كاحليها بقوةٍ بينما هي تحاول جاهدة التلوي و المقاومة دون جدوى ...
و ما أن تمكن من رميها مجددا على السرير عشوائيا حتى التف حولها يمنع حركتها بينما عي تتقوس بكل قوتها محاولة الإفلات لكن دون أمل .... خاصة و أنه أمسك بذراعيها يكبلهما بقبضته فوق رأسها ... فأصبحت عاجزة تماما تحت سيطرة جسده .... و يده التي عاثت فسادا في كل ما تطاله ....
أخذت شيراز تشهق مرة بعد مرة محاولة الاستسلام كآخر نوع من السيطرة على النفس و هي تهمس لنفسها بجنون و هلع
" ماذا بكِ ؟!! .... ليست أول مرة ؟!! ..... استسلمي بالجزء المتبقي من كرامتك ..... استسلمي ... "
لكنها لم تعي أنها كانت قد بدأت تصرخ .... تحاول الإستسلام و امتاعه قدر خبرتها ... لكن لسانها كان يصرخ دون ارادة منها .... على الرغم من أنها لم تصرخ من قبل .... اطلاقا ... في أي من زيجاتها ...
و لا حتى مع مشرف الدار الذي كان يحتجزها في أحد الأركان كل ليلة .....
لم تعرف معنى الصراخ الا الآن ......
شدد وليد على معصميها وهو يصرخ عاليا فوق صراخها
( اخرسي ......... اخرسي ...... توقفي عن هذا الإداء المزيف .... يمكنك تقديم عرضا أفضل اللعنة عليك..... )
الا أنها لم تستطع .... و مع ذلك بداخلها كانت تحاول القيام بتدريباتها الخاصة على التحمل ... و التي كانت تساعدها في تحمل ما كانت تعانيه على يد زوجها الثاني ....
لكنها أيضا فشلت ... فصرخ بها وليد بغضب
( لا تصلبي جسدك و الا ضربتك ...... أنا لا يمكنني السيطرة على غضبي الآن ..... )
هتفت و هي تشهق باكية
( أنا أحاول ....... احاول و لا أستطيع .......... )
فجأة قبضت يده على ذقنها ترفعه لأعلى بقوةٍ آلمتها و جعلتها تصرخ ألما بينما مال عليها و هو يهدر بعنف أمام
( من تخدعين ؟!! ..... من تخدعين بتمثيلك الردىء هذا !!! ..... هل أنتِ مرتعبة حقا ؟!! .... زوجة رابح السابقة قادرة على الاحساس بالذل أو اي شعور آدمي ؟!! .... أتظنين انني لا اعلم سمعته المشبوهة ؟!! .... و طريقة اختياره لزيجاته السرية ...... و سببها ...... فكيف تتجرأي الآن على ادعاء الخوف و الشعور بالمهانة ؟!! ...... )
شعرت و كأنها القيت في الجحيم بمعرفته لسمعة رابح ...... فشهقت باكية بعنف ....
حينها هزها بقوة و قد جن جنونه
( توقفي عن ذلك العبث ؟!! ...... هل تلعبين دور الضحية الآن ؟!! ...... و ماذا عنه ؟!! ..... كيف كنتِ بين ذراعيه !!!! .....)
تعالى صوت شهقاتها بعنف .... حتى بات جسدها الصغير ينتفض أسفل جسده , لكنه لم يرحمها وهو يصرخ بها مجددا
( انطقي ..... لن أتركك قبل أن تصفي كيف كنت بين ذراعيه ......)
صرخت شيراز عاليا دون أن تفتح جفنيها المطبقين
( كان ساديا لدرجة مجنونة ..... و كان مقرفا و قذرا .... و كنت أرضيه .... كنت أكثر امرأة استطاعت أن ترضيه.... حتى أنه توسل لي الا أتركه ....... )
شعرت بجسد وليد يثقل عليها .... يكاد يدفنها .... و غضبه يصلها عبر لهيب أنفاسه الملامسة لبشرتها المرتعشة و قد تعالى نحيبها بعنف ....
لكنها تمكنت من الصراخ مجددا .....
( أحاول أن العودة لما كنته لكنني لا أستطيع ..... لا أستطييييييع .....أرجوك أرحمني .... أرجوك .....سأنحنى الى قدمك لأقبلها .... لكن اتركني الآن ....... لا أستطيع بتلك الصورة .......)
ظل صدره يهدر بقوة و جنون فوق جسدها المرتعش .... بينما نحيبها تحول الى مواء القطط في الأزقة و هي مغمضة عينيها بشدة ....
حينها ألقى نفسه من فوقها و هو يهدر بجنون
( تبا لك ...... تبا لك و لخداعك ... و دناءة أصلك ..... أي قذارة تلك !!! .... أنت تثيرين اشمئزازي .....)
انتفضت شيراز و كأنها و جدت الخلاص أخيرا ... فالتفت بالغطاء الملقى على السرير ... لتقفز هي الأخرى .... لكن ساقيها لم تسعفانها على الجري سريعا ... فانحدرت أرضا ترتجف بقوة ...
الا أنها زحفت على ركبتيها و كفيها الى أن وصلت لزاوية الغرفة تحت النافذة ... فضمت ركبتيها الى صدرها و هي تشهق و تنتحب بقوة ... بينما كان وليد جالسا على حافة الفراش بجسده الضخم وهو يلهث غضبا و نارا .....
و صوت مواء القطط الذي تصدره يكاد يفقده كل ذرة من انسانيته ... هذا ان كان قد تبقى منها شيئا .....
استطاعت شيراز أخيرا النطق بهذيان من بين نحيبها المخيف
( أنا غيرت رأيي .... أنا تراجعت في قراري .... طلقني أرجوك ..... لا أريد أي شيء ... و يمكنني بيع سيارتي و اعطائك ثمنها ..... كتعويض .... لكن حررني أرجوك .... لم أعد أستطيع ..... لقد فقدت مهارتي ....... فقدت قدرتي على التحمل و الإرضاء .... )
قام وليد من مكانه مندفعا فبدا كالطود المهول وهو يصرخ بجنون
( اخرسي ....... اخرسي ........ حقيرة )
رفعت شيراز كفيها لتغطي بهما اذنيها و هي تدفن وجهها بين ركبتيها ليتعالى موائها اكثر و اكثر .....
و لم تسمع صوت حفيف ملابسه ..... لكنها سمعت صوته هادرا بوضوح
( لقد عقدنا صفقة ..... و ستنفذينها ..... و تقدمين افضل ما عندك ..... سأتركك الليلة .... لكن ليس كل ليلة )
خرج وصفق الباب خلفه ..... بينما اخذت تموء دون ارادة منها و كأنها انفصلت عن كونها انسانة ... و تحولت الى كائم مهزوم يصر صوت عويل غريب .... حتى دون القدرة على البكاء بطبيعية ....
بينما كان وليد واقفا خارج الباب .... مستندا اليه بظهره .... مرجعا رأسه للخلف وهو مغمضا عينيه .... يتنفس بصعوبةٍ كادت ان تمزق صدره الذي يرتفع و ينخفض بسرعة جنونية ... تتوائم مع صوت موائها
.................................................. .................................................. ......................
بعد يومين ..
نظرت وعد الى نفسها في المرآة ..... و ابتسمت بقلق ... و شوق
الليلة ... ستغريه ....
منذ أن عادا من زيارة جيرانهما .... وهو يتعمد الإبتعاد عنها .... جسديا فقط ....
بينما كان يحاول قد الإمكان أن يكون مراعيا لها و هذبا ...
تكاد تقسم أن تلك الزيارة أثرت به كما أثرت بها .....
و مع ذلك لا يقترب منها مطلقا .... حتى أنه ينام في غرفته دون أن يدعوها لتشاركه .....
بينما الشوق يحترق بها .... كم اشتاقت للمساته و قبلاته ....
لدرجة انها اجلت التفكير في معرضها في الغد ......
الليلة ستحظى به ... و لتترك الماضي و المستقبل لوقتهما ....
منذ ساعة فقط انهت تفصيل الفستان الرمادي .....
و ها هي تقف امام المرآة منذ اكثر من عشر دقائق .... لتقيم نفسها ....
فقد جمعت جانبي شعرها بمشبكين بسيطين خلف اذنيها ..... بينما انساب الباقي بكلاسيكية على ظهرها
اما لون الفستان فكان مذهلا مع عينيها ....
ابتسمت قليلا و هي تتخيل انطباعه وهو يراها في الفستان المربوط خلف عنقها بشريطين رفيعين .... ليحدد جسدها بكل اناقة .... تاركا شقا طويلا من كاحلها و حتى منتصف فخذها ....
قرصت وجنتيها قليلا حين لاحظت تزايد شحوبها ...
" ربما يجب ان تأخذ قرصا من دوائها ... فضربات قلبها غير ثابتة ... "
سمعت صوت الباب فانتفضت مكانها و هي تنظر الى باب غرفتها برهبة ....
ثم لم تلبث ان خرجت جريا و الفستان يتطاير خلف ساقيها ...
الى أن رفع سيف رأسه و تسمر مكانه وهو يرى كل ذلك الجمال القمري في ليلةٍ قاتمة ....
وقفت وعد مكانها حافية القدمين تلهث قليلا و هي تحاول الابتسام .... بينما سيف كان واقفا مكانه وهو ينظر اليها مذهولا .... ثم قال بصوتٍ اجش ...
( وعد !! .......... )
اخذت نفسا مرتجفا و هي تبتسم لتقول بهدوء
( ما رأيك في نتيجة هديتك ؟!! ........ )
ثم استدارت حول نفسها و هي ترفع شعرها بذراعها لتريه الفستان و تصميمه .... الا ان آخر همه كان تصميم الفستان
فقال بصوت أجش
( لم أتخيل أنكِ موهوبة لتلك الدرجة !! ...... كنت أعلم .... لكن ليس لتلك الدرجة ... و خلال يومين فقط !! ... )
اشرق وجهها بابتسامة كبيرة و هي تتلقى مديحه .... فقالت بحرج لذيذ
( انه في الواقع بسيط التصميم ...... لذا لا تنخدع به ...... )
ظل ينظر اليها متأملا طويلا بصمت .... ثم قال أخيرا بصوتٍ أجش
( بل أنتِ مبدعة ........ )
أطرقت بوجهها خجلا .... ثم قالت بخفوت
( لم أشكرك على هديتك حتى الآن ............ )
لقد حضرت الى تلك الجملة .... و كانت تنوي الذهاب اليه لتقبله بقوة .... فينصهر معها ....
الا أنه قال بخفوت شديد
( ليس عليكِ أن تشكرينني ...... لقد كان دينا في عنقي .... )
شعرت و كأن أحدهم قد سكب دلوا من الماء البارد فوق رأسها .... فأطرقت بوجهها و هي تفقد كل حماسها في لحظةٍ واحدة ....
حينها شعر سيف بشيء ما أوجع صدره و كأنها نوبة برد شديدة في أضلعه ..... فقال بخفوت و كأنه يكلم انسانة غريبة
( هل تناولتِ طعامك ؟؟ ......... )
زمت وعد شفتيها و هي تحدق للبساط بضيق ... هل هذا هو أقصى ما تفتق ذهنه عنه لينطق به بعد يومين من الخياطة و ساعتين من التزين ...
الا أنها قالت بفتور واهي
( لا ..... كنت أنتظرك ........لقد حضرت طعاما بسيطا ... . )
رفعت وجهها تنظر اليه , ثم قالت
( أين تذهب كل يوم و تتركني ؟!! ....... )
قال سيف وهو يتحرك ليضع مفاتيحه ...
( أعاون جاسر جارنا في اصلاح سيارته ........ )
ارتفح حاجبها ببطىء شديد .... قبل أن تقول بصوت لا تعبير له
( كم هذا رائع !!! ...... لم أكن أعرف أن تصليح السيارات هو هوايتك المفضلة في العطلات ... )
رفع سيف وجهه اليها ليقول بصوت خافت
( نجن ..... لسنا في عطلة ........ )
نظرت اليه بصمت طويلا .... ثم قالت ببرود
( آه عفوا ...... نحن في بيت الطاعة ... اعذرني لقد نسيت )
أطرق بوجهه قليلا و بملامح غامضة وهو يدس يديه في حافة حزام بنطاله الجلدي ....
و بقى على هذا الحال طويلا و هي تنظر اليه بطرف عينيها .... تود لو تسأله عما يؤلمه الى تلك الدرجة ...
لكن شيئا ما يمنعها من التواصل معه .... شيء ما يخنق كل كلمة طيبة تحاول بثها اليه ....
رفع سيف وجهه اليها اخيرا .... ينظر اليها طويلا و على شفتيه طيف ابتسامة قبل ان يقول بخفوت
( لما لا نتناول الطعام ...... انا حقا متعب )
انحنت عيناها يأسا ... لم يكن هناك ايا من الاغراء او الشوق اللذين حضرت لهما طويلا .....
مجرد محادثة باهتة .... مهذبة بشكل مقيت ....
الا انها قالت بكتفين محنيين
( حسنا ........ سأحضر الطعام ..... )
ثم استدارت امامه .... بعد ان كانت قد تركت شعرها كله على احدى كتفيها .....
فتراى لعينيه المشتاقتين ظهرها المكشوف بأناقةٍ في فستان لم يكن ليسمح لها بارتدائه خارج جدران البيت
فتنفس نفسا خشنا وهو يراها تزداد جمالا كل يوم ... بشكل متسارع لامع ... كنجمةٍ خلقت للشهرة ....
بعد ان جلسا الى الطاولة ..... نظر اليها طويلا بصمت دون ان يمس طعامه .... و ما ان رفعت اليه عينين متسائلتين ..... حتى قال بهدوء
( هل يمكنك الأكل بيدٍ واحدة ؟؟ ........ )
ارتبكت نبضاتها قليلا .... قبل ان تقول بخفوت و هي تبتلع ارتباكها ...
( لماذا ؟!! ............... )
قال بخفوت وهو ينظر الى عينيها فاردا يده على سطح المائدة بينهما
( لأنني أريد الإمساك بيدك و أنا أنظر اليكِ .......)
ارتجفت بشدة ..... و انتفض قلبها , الا أنها أومأت برأسها متفهمة .... متفهمة جدا ....
فناولته يدها المرسوم عليها خارطة حياتهما معا .... بماضيها و حاضرها و مستقبلها ......
و ما أن أمسك بها حتى اطبق عليها ببطىء و عينيه في عينيها .....
استمر الصمت بينهما طويلا كئيبا ..... و هما يبتلعان الطعام بغصةٍ حارقة ... دون أن يترك أحدهما يد الآخر ...
و ما أن انتهت تلك الوجبة المؤلمة ..... و رفعت الأطباق ..... حتى استدارت لتجده خلفها مباشرة ينظر اليها بعاطفةٍ لا يمكنها أن تخطئها أبدا ........
فشهقت بصمت .... و اتسعت عينيها و هي تنتظر منه تقدما .... حركة مندفعة .... اي شيء يبعث الروح لقلبها المحتضر ... و الغير ثابت .....
الا أنه مد يديه ليمسك بجانبي وجهها يرفعه اليه .... و ظل ينظر اليها طويلا بنظرةٍ لم تفهمها الآن ....
ثم انحنى ليطبع شفتيه فوق جبهتها بضغطٍ قوي ..... كاد أن يكون وشما ساحرا ....
فأغمضت عينيها .... و بقى على هذا الحال ... دقيقة ... ثم دقيقتين كاملتين وهو مغمض عينيه و هي كذلك ...
الى ان ابتعد عنها قليلا وهو يهمس بصوتٍ أجش
( شكرا للعشاء ...... لقد كنتِ خلابة اليوم .... بشكل ........... )
صمت وهو لا يجد الكلمة المناسبة ...... فابتسم ابتسامة أوجعت قلبها بشدة ......
قبل أن يتركها و يبتعد عنها و عينيه عليها .... ثم استدار و غادر دون أي كلمة اضافية !! .....
.................................................. .................................................. ....................
الليلة التالية ....
جلست وعد بتقاطع على مقعد كبير في غرفتها .... تتطلع من نافذة الغرفة الى السماء الرمادية .... وهي تضم ركبتيها الى صدرها ........
الليلة هي ليلة المعرض .....
لم تقفز فرحا منذ الصباح لأن المعرض سيتم اخيرا.... و لم تنفجر غضبا لأنها لن تحضره .....
فقط وجوم غريب احتل قلبها .... جعلها تسقط في هوة لا معنى لها .....
لآخر لحظة ... لم تظن أن يمنعها عن حلمها بمثل تلك القسوة .... و لم تتخيل أن يرفضها ليلة أمس بمثل تلك المهانة ......
أظلمت عيناها انعكاسا للون السماء الرمادية ....
و فجأة سمعت صوت باب غرفتها يفتح دون استئذان ..... و قدميه تقتربان منها ببطىء ...
لكنها لم تجد الرغبة في النظر اليه أو رؤية وجهه ..... و حين استمرت في النظر من النافذة .....
قال بهدوء
( وعد .........)
لم ترد عليه في المرة الأولى .... و حين ناداها مرة أخرى قالت ببرود
( ابتعد من هنا ......... لا أريد أن أراك )
صمت قليلا قبل أن يقول بخفوت
( للأسف أنتِ مضطرة لأن ترينني .......... انظري الي )
حاولت المقاومة قليلا ... الا انها فشلت فأدارت وجهها الحزين اليه بصمت ... لكنها تسمرت مكانها و هي تنظر اليه ....
لدرجة أنها شهقت قليلا من شدة وسامته !!
كان أخاذا بدرجة تسرق عقل و قلب أي أمرأة تراه ......
كان يرتدي حلة سوداء غالية فخمة .... و كأنها فصلت خصيصا له .... بدا بها و كأنه ... أميرا متوجا ....
همست وعد بصوتٍ واهي مذهول
( هل أنت خارج ؟!!! ......... )
شعر بالعطف عليها بدرجة جعلته يكاد أن يهجم عليها و يعتصرها بقوةٍ الى أن تصرخ ألما ....
لكنه قال بهدوء
( نعم أنا خارج ........ فهلا رافقتني من فضلك ... )
و قبل ان تستوعب ما يقوله ... كان قد رفع ما يحمله خلف ظهره و يفرده أمامها ....
شهقت وعد بقوة و هي تنزل قدميها أرضا و ترفع يديها الى فمها المصدوم .....
ثم همست من خلف كفيها
( فستاني !!! ................... )
ابتسم سيف وهو يقول بهدوء و عيناه تحملان انفعالا قويا برؤية ذهولها المسكين ....
( هل هذا هو ؟!! ................. )
أومأت وعد بصمت .... و بعينين مذهولتين كانت تتأمل الفستان الأسود الذي خاطته بنفسها منذ فترة بغرض حضور حفل الإفتتتاح ....
كان يجمع ما بين الكلاسيكية و العصرية .... حيث تصل بطانته الى حافة ركبتيها ... بينما انسدل طبقة من الشيفون الأسود فوقها بتهدل حتى كاحليها ....
و أكمامه أيضا كانت من الشيفون ..... ....
كانت تتنفس بصعوبة و صوتٍ مرتفع ..... بينما قال سيف بنبرةٍ لم تعتدها من قبل ...نبرة حنان خالص
( كل شيء جاهز و في انتظارك ...... عشر دقائق و الا سأذهب بدونك ... )
رفعت وعد عينيها اليه و هي تلهث قليلا ... ثم همست تتأكد
( حقا يا سيف !!! .......... )
ظل سيف ينظر اليها طويلا .... قبل أن يقول بهدوء
( عشر دقائق يا وعد ................ )
.................................................. .................................................. .....................
سمع صوت كعبي حذائيها من خلفه .... فانتفض جسده وهو يستدير ببطىء ....
حينها عقد حاجبيه ألما .....
وهو يرى أمامه أجمل امرأة رآها في حياته .... و هي تخطو تجاهه ......
و قد ارتدت من تحت الفستان الهفهاف جوارب سوداء شفافة .... لتنغطي ساقيها الطويلتين .... فبدت كأجمل عارضة ازياء ... خاصة مع شعرها الطويل الذي جمعته في ذيل حصان طويل منخفض خلف عنقها .....
اما عيناها ...... فكانتا خلف نظارتها ذات الإطار الأسود !!!! .... مما زادها غموضا و جمالا مع أحمر الشفاه القاتم المتناقض مع تلك النظارة !!!!
همست وعد أخيرا بقلبٍ يهذي و ابتسامة مرتجفة
( أنا جاهزة ................. )
انعقد حاجباه أكثر وهو يشعر بقلبه يموت ألف مرة وهو يهمس بداخله بوجعٍ ينبض
" لكنني لست بجاهزٍ بعد .... ياوعدي .... "
لكنه همس بصوتٍ مختنق
( هل أخبرتك الليلة أنكِ .... فائقة الجمال ؟!! ..... , و كأنكِ نجمة تسطع في سماءٍ داكنة ..... )
ارتجفت ابتسامتها و هي تضحك بتعثر .... بينما أحرقت دموعٍ حبيسة مقلتيها ... فقالت بخفوت مختنق بائس من شدة سعادتها
( و أنت أيضا لا بأس بك .......... )
↚
بعد فترة طويلة من خروج حاتم .. ذاك اليوم ... كان التوتر يخنق كرمة و هي تتنقل من غرفتها الى غرفة الجلوس و منها لغرفتها ... مجددا .... تتسائل عما سينتهي به تفكيره !!
زفرت كرمة بقوة و هي تمسك بهاتفها تنظر اليه بين الحين و الآخر ....
مرة تنوى الاتصال بالرقم الغريب .. تريد فقط من انه كان محمد بالفعل ...
و مرة تنوى الاتصال بحاتم تسأله لماذا تأخر .... و تترجاه ان يعود سريعا ....
لكن في الحالتين كانت اصابعها تتخاذل كل مرة ......
لذا حين يأست من تبديد قلقها .. اتجهت الى الغرفة الأقرب الى قلبها ....
طرقت كرمة باب الغرفة بهدوء و هي تنادي برقة ....
( هل استيقظت يا محمد ؟!!.........)
فاجابها بعفوية
( ادخلي يا كمرة ..... انا احضر حقيبتي )
شعرت كرمة بغصة شوق و هي تتأكد من أنه بالفعل ذاهب لأمه .... ففتحت الباب ببطىء و عيناها تلتقطان الحقيبة الرياضية المفتوحة على السرير ... و رأت الأغراض الشخصية تتطاير لتحط بها و كأنها سلة للكرة الطائرة ...
دخلت كرمة الغرفة و هي تنظر اليه مبتسمة بحزن ... تراه يعبث في دولابه بحثا عن ملابسه , فقالت بخفوت
( هل تحتاج الى مساعدة ؟؟ .......)
رد عليها ببساطة دون ان ينظر اليها
( يمكنك طي الملابس التي اقذفها في الحقيبة ..... )
ابتسمت كرمة و دخلت لتطوي كل قطعة على حدة .... و قلبها يشعر بالإفتقاد له قبل حتى أن يغادر ....
التفتت قليلا اليه ... تشعر ان وجود محمد بالنسبة لها كان اكبر اهمية من مجرد كونه صبي محبوب و يشعرها بالصداقة احيانا و بالأمومة العزيزة احيانا اخرى
محمد هو حجر التوازن لها في حياتها الجديدة هنا في هذا البيت ....
هل يعقل أن تشعر بالقلق من ذهابه الى أمه و تركها هنا وحيدة !! ..... مع والده المفترس عاطفيا ....
هزت رأسها قليلا مبتسمة ... بينما عادت الى طي قطع الملابس و هي تنظر الى كلا منها بتقييم ... ثم تنظر الى محمد و هي تقول باهتمام عابسة قليلا
( هل انت متأكد من أنك تريد هذا القميص يا محمد ؟؟!! ............من اختاره لك من الأساس ؟!! ... )
استدار محمد ينظر الى القميص في يدها فقال مكشرا
( أي قميص يثير بداخلك الشعور بالحيرة تفكير من اختاره لحظة اختياره ..... فاعلمي أنه من اختيار حاتم )
نقلت كرمة عينيها من محمد الى القميص المخطط بالازرق و الابيض ... و هي مجعدة انفها ...
ثم قالت بصدق
( والله معك كل الحق يا محمد ..... اي قميصٍ هذا ؟!! .... لا ينقصك و أنت ترتديه سوى الجريدة تحت ذراع و البطيخة تحت الذراع الآخر ..... ماذا يظنك والدك ؟!! .... كاتب في الأرشيف ؟!! ..... )
نظر محمد الى القميص في يدها و هو يحمل عدة من القمصان القطنية الرياضية بين يديه ....
و قال بغيظ ...
( منذ أن انفصل عن أمي وهو يصر على معاملتي و كأنني أصغر سنا مما كنته و هما متزوجان ...... )
أخفضت كرمة القميص و هي تنظر الى محمد متأملة طويلا ... ثم جلست على حافة السرير و هي تسأله بهدوء خافت
( هل يزعجك كثيرا موضوع طلاقهما ؟!! ......... )
لم يرد محمد لفترة .... ثم لم يلبث ان هز كتفه وهو يقول بلا مبالاة
( اعتقد أن هذا أفضل كما قال حاتم لي تمهيدا للموضوع ....... )
سكت قليلا بينما كانت كرمة متفهمة تماما ... احساسه حينها مهما بدى متفهما ظاهريا .. بينما تابع محمد بهدوء
( لقد أخبرني حينها أنه أحيانا يكون من الأفضل لزوجين أن ينفصلا كي حين تختلف بهما الطرق .... فيكون الانفصال هو الحل الأمثل ليحافظا على الحب بينهما ....... )
شحب وجه كرمة فجأة .... و هي تقريبا تكاد تسمع صوت حاتم ينطق بهذا الكلام بالفعل ... و قد وجد هذا الكلام صداه بداخلها ... مما جعل ملامحها تمتقع قليلا .... هل هذه هي الحقيقة ؟!! ....
أن يكون الإنفصال حلا للحفاظ على الحب ؟!! ....
ارتبكت و هي تطرق برأسها هامسة لنفسها ..
" الكلام منمق و جميل .... لكن لو تم تطبيقه و التصديق عليه ستكون كارثة ..... أنا أريد أن أخلع حبا بداخلي ... لا الحفاظ عليه ..... لا أستطيع ..... اخلاصي لحاتم يمزق روحي كل يوم و كل ليلة ... "
قال محمد مقاطعا سيل أفكارها المرتبكة ...
( لقد أخبرني حاتم أنه سيظل يحب أمي دائما ...... و لن تتغير مكانتها لديه اطلاقا ... )
و كأن أحدهم سكب فوقها دلوا من الماء البارد ..... فبهتت ملامحها أكثر و هي تضم القميص بين قبضتيها المحكمتين أكثر .... لتقول بخفوت
( حقا !! ...... هذا ..... رائع ... )
لم يبدو على محمد أنه قد أدرك الخطأ العفوي الذي وقع به ... فتابع مجددا ...
( الحقيقة أن خلافهما في النهاية قد زاد كثيرا .... حتى أنني كنت أشعر بالملل و الرغبة في الهروب من البيت .... )
نظر اليها و رفع حاجبه وهو يقول بلهجة ذات مغزى
( لكن بصراحة .... كان حاتم دائما يحاول التحكم بصوته , لم أره يصرخ الا معك أنتِ .... )
اتسعت عينا كرمة و فغرت فمها و هي تقول بصوت باهت لا حياة به
( حقا !! ....... )
رد محمد ببساطة
( نعم ..... أنتما لا تتوقفان عن الشجار و الصراخ كديوك المصارعة ..... حتى تلك المسابقة تم تحريمها دوليا بينما أنتما لا تزالان تصرخان .... بت لا أستطيع النوم من صوتيكما .... )
هز رأسه بيأس وهو يتجه لإحضار المزيد من أغراضه وهو يقول بخفوت
( لماذا يتزوج اي اثنين طالما أن بينهما كل هذا القدر من الخلاف !! ...... حتى أمي تتشاجر مع زوجها طوال الوقت و تصرخ دائما ..... و أنا أعتقد في هذه الحالة أنهما على وشكِ الإنفصال ايضا ..... أي أننا لم نحقق أي هدفٍ يرجى من حكمة حاتم الذهبية ...... )
هنا شهقت كرمة دون صوت .... ففغرت شفتيها أكثر و هي تنظر الى محمد الذي لا يدرك أثناء تحركه هنا و هناك بأنه كان يلقي البنزين على النار في كل ما ينطق به ....
شعرت كرمة فجأة أن حياتها مع حاتم مهددة بقوى أكبر دون أن تنتبه لها من قبل !!
فسألت محمد محاولة السيطرة على ثبات صوتها قدر الإمكان ....
( هل تظن أن والدتك على وشك ال ....... الطلاق !! ......)
رد محمد وهو يضع المزيد من أدواته في الحقيبة
( أنا شخصيا لن أندهش لو حدث ..... بت أعلم ان الإحتمال الأكبر في الزواج هو الطلاق .... )
ابتلعت كرمة ريقها و هي تضم القميص أكثر الى صدرها بشرود دون أن تعي ...
لم تسأل نفسها يوما عن طبيعة مشاعر حاتم تجاه زوجته السابقة .... و لم تهتم اطلاقا لسؤاله .....
و لم يخطر ببالها كذلك من قبل احتمالية أن تنفصل عن زوجها الحالي ....
فلو هذا حدث .........
كل ضمير في هذا العالم سيرجح عودتها لحاتم من أجل مصلحة محمد !! ......
فقالت كرمة بخفوت و هي تتطلع الى وجه محمد الجانبي و هو منحنيا ليرتب أشياءه في حقيبته الخاصة ...
( و لو حدث هذا لا قدر الله ..... هل ستتمنى أن تعود والدتك الى والدك .... و تجتمعون سويا ؟!! ....)
نظر محمد اليها بدهشة و كان هذا أول انطباع حيوي يصاب به منذ أن بدآ حوارهما ... فقال بدهشة
( كيف ؟!! ......... و أنتِ موجودة ..... هل نسيتِ أنك زوجة أبي الآن ؟!! ....... )
أطرقت كرمة بوجهها و هي تقول بشرود
( نعم ...... معك حق ...... كيف و أنا موجودة !! ....... )
ترك محمد أغراضه وهو ينظر اليها بتأمل .... ثم جلس بجوارها على حافة السرير ... و مما أثار دهشة كرمة ... أنه مد يده ليلتقط احدى يديها الممسكتين بالقميص المسكين من عنقه حتى اختنق و قفد كيه الأنيق ....
نظرت كرمة بصمت الى يدها في يد محمد التي قاربتها حجما ... فضغطت عليها بشدة و ابتسمت .... ليقول محمد بخفوت بعدها
( لا أريد تركك بمفردك مع حاتم !! ...... خاصة و أن أمينة تذهب الى مدينتها كلما ذهبت أنا لأمي .... اي أنه سينتهز الفرصة و يتنمر عليك بمناسبة و بدون مناسبة .... )
عبست كرمة قليلا على الرغم من انها لم تفقد ابتسامتها .. لكنها قالت بخفوت و ثقة
( حاتم لم يفعل ذلك من قبل ....... أنت تظلمه , .... لقد ساعدني كثيرا و كان بجواري طوال الوقت )
شدد على قبضتها و هو ينظر الى كفيهما قليلا ثم قال بصدق
( هل تودين أن أبقى ؟؟ ...... يمكنني الإعتذار لأمي هذه المرة حتى تستقر أوضاعك هنا .... )
اتسعت عينا كرمة و هي تسمع منه تلك التضحية ..... ففغرت شفتيها و هي تهمس بذهول
( محمد !! ............ أنه ألطف شيء قلته لي ........ )
سرعان ما تخلت عن الحواجز و هي تضمه الى صدرها بقوةٍ لتغمض عينيها على شعره الجميل و تقول
( كم أتمنى لو وافقت على عرضك و طلبت منك البقاء ....... لكن كرم أخلاقك يجبرني على أن أعاملك بالمثل و الا أحرمك من أمك ...... أنا أكثر انسانة من الممكن أن تتفهم اشتياقها اليك ..... )
رد محمد بعد فترة وهو يربت على كتفها تلقائيا و كأنه اعتاد المساندة رغم حداثة سنه
( أحيانا لا أشعر بأنها تشتاق الي الى تلك الدرجة ........... )
اتسعت عينا كرمة و هي تبعده عنها قليلا لتمسك بكتفيه و تنظر اليه قائلة بدهشة
( لماذا تقول هذا يا محمد ؟!! ............ )
هز كتفه وهو يقول بعدم اقتناع ...
( لا أعرف .... فقط لا أشعر بها مشتاقة لي كل هذا القدر ....... )
تنهدت كرمة بتعاطف ثم قالت بهدوء
( الأم عادة لا تظهر عليها المشاعر بمثل هذا الوضوح .... انها تظهر فقط على من حرمت من نعمة الأمومة .... )
نظرت الى عيني محمد مليا ثم قالت مبتسمة متشجعة
( يبدو أن حالتي قد أثرت عليك ..... اذهب و استمتع بوقتك مع أمك و ان شاء الله لن يكون هناك أي انفصال مجددا ...... )
لم يسمعها محمد و هي تعد بكل حسم و صلابة بداخلها
" سوف أتأكد من ذلك ....... "
قال محمد بلهجة تآمر
( أستطيع أن أقنع أمينة بالبقاء معكِ هنا ...... كي لا ينفرد بكِ حاتم ... )
تجمدت كرمة مكانها و هي ترفع حاجبا شريرا لتقول من بين أسنانها ...
( لو بقت أمينة معنا هنا ... فستقرأ في الصحف خبر مقتلي على يد حاتم بدافع من مدبرة المنزل .... )
قال محمد متملقا
( هيا يا كمرة ..... ليس الى تلك الدرجة !! ..... انها تحبك صدقيني ..... )
قالت كرمة بتشكك
( تحبني من اي جهة بالضبط ؟!! ..... جهة الذهاب بلا عودة ربما .... )
قال محمد وهو يربت على كفها برفق
( حسنا ..... اتعدينني الا تتهوري و تتركي البيت تحت اي ظرف الى ان اعود ؟؟ ....... حتى لو استنفذ كل حبيبات الصبر لديك ِ .....)
حينها اتسعت ابتسامة كرمة تدريجيا ... حتى شملت وجهها كله و هي تقول بخفوت ضامة قبضتها على صدرها بوعد و شرف
( لن أمنحه الفرصة ....... أعدك ..... )
فمنحها تحية الكشافة و هو يتقبل منها الوعد ... بينما عادت لتجذبه اليها و هي تقول مجددا
( سأشتاق اليك ..... جدا .......)
سمعا حينها صوتا رجوليا متذمرا من عند الباب يقول بخشونة
( حسنا فهمنا انكِ ستشتاقين اليه ...... هلا تركته ينهي ترتيب اغراضه من فضلك !! .... )
ابتعد محمد عن كرمة و هو ينظر الى حاتم الذي كان يقف عابسا عند الباب ...
بينما ارتبكت كرمة قليلا و هي تنظر اليه بدقة .... محاولة قراءة أفكاره و عما وصل اليه في أثناء جريه المنفرد ....
كان ينظر اليها بعينين تتألقان ... و كأنه يحتويها كلها , و كان غاضبا نوعا ما .....
عبست هي الأخرى فقامت من مكانها لتقول متجاهلة حاتم تماما
( حسنا يا محمد .... سأتركك كي لا أعطلك أكثر .... و سأذهب لتناول افطاري ..... )
ثم خرجت متجاوزة حاتم الذي نظر اليها من فوق كتفه بصمت .... لكنها تجاهلت نظرته كذلك و ابتعدت تحت انظاره التي كانت تعرف جيدا أنها تلاحقها بعنف .....
تجولت كرمة في البيت سريعا .... الى أن وجدت العلبة الملفوفة ....
حينها انتابتها روح شريرة مغتاظة منه , فنظرت اليها بانتصار و سارعت اليها تفض الورق الذي يغلفها ...
و فتحت العلبة .....
شعرت به خلفها يتحرك بخطواتٍ خفيفةٍ كخطواتِ نمر متحفز ...
فاستدارت تنظر اليه نظرة عابرة , قبل ان تلتقط واحدة من الكعكات المحلاة بالسكر .....
ثم اتجهت بتباطؤ الى غرفتها و في يدها الأخرى المجلة التي وجدتها تحت العلبة ......
و ما ان دخلت حتى ارهفت سمعها محاولة الوصول الى مؤشر غضبه الآن و معرفة الى اين وصل ؟؟ ....
لكنها سارعت و جلست بلا مبالاة على كرسي غرفة النوم و هي تضع ساقا فوق الأخرى حين سمعته يقترب من الغرفة ليدخل بعدها مباشرة ... ثم يغلق الباب خلفه ....
وقف أمامها كمارد ضخم وهو مكتفا ذراعيه .... بينما هي تقضم كعكتها بكل تلذذ .. متصفحة المجلة ...
ساد صمت طويل .... بينما هو لا يزال في مكانه , الى أن شعرت بالتوتر و القلق ...
لم تستطع منع نفسها من النظر اليه ... فصدمتها طلته الضخمة وهو يقف عابسا بملامح حادة ...
مكتفا ذراعيه , بينما قميصه القطني مبلل كحال خصلات شعره ....
ارتبكت قليلا من الهالة الرجولية المحيطة به .... و ملامح التملك العاصفة الظاهرة على وجهه ...
فشعرت بأنها قد استفزته أكثر من اللازم ... الا أنها سرعان ما نبذت ذلك القلق بقوةٍ و هي تنهر نفسها عن القلق و الخوف لمجرد أنها تناولت فطورها بدونه ...
و ماذا عنه !! .... لقد اصر على الخروج بمفرده ... للتفكير .... و كأنه سيفكر كيف سيعاقبها ؟!!
شعرت بالغيظ من اسلوبه هذا ...... لذا حاولت استفزازه الآن ....
قال حاتم فجأة بصوتٍ قاطع
( نعم أنتِ محقة فيما تفكرين به ...... لقد تماديتِ ........ كثيرا ... )
فغرت شفتيها قليلا و هي تنظر اليه .... لكنها عادت لتزم شفتيها و هي ترفع ذقنها لتقول بعناد
( لأنني تناولت كعكة !! ...... ربما يجب عليك اذن أن تحيط الثلاجة بسلك شائك ... و تقوم بكهربة الأطعمة ..... )
ثم دون كلمة أخرى فتحت فمها لتقضط قطعة أكبر و تمضغها أمام عينيه الغاضبتين ....
فقال بصوت خافت خطير
( هلا تعطفتِ و اخبرتني سبب هذا المزاج الشرس !! ....... على ما أذكر هو انني قد تركتك في حالٍ أفضل قبل خروجي ..... )
كانت تتعمد لعق السكر من على شفتيها ببرود أمامه .... ثم قالت بعد فترة متمهلة
( أنا في أفضل حال ...... أنت فقط من تقف أمامي بمزاج دبٍ شرس لمجرد أنني اتناول كعكة يتيمة ....)
قال حاتم بصوتٍ مشدود
( لقد اتفقنا أن نتناول طعامنا سويا .......)
نهضت كرمة من مكانها و هي تقول بقوة
( لا .... لم نتفق , بل كان قرارا منك ..... و انا امتثلت له , لذا يمكنني تغييره في أي وقتٍ أريد ....)
استدارت عنه و هي تقول بلهجة ٍ ذات مغزى
( خاصة حين تستثنيني من باقي نشاطاتك .........)
قال بصوتٍ هادىء لكنه قاصف
( أخبرتك السبب ..........)
عادت لتلتفت اليه و هي تنظر اليه شزرا ..... ثم قالت بعنف
( آآآه عن كوني مغرية و سحري لا يقاوم أثناء جريي !!! ....... اعذرني لست مقتنعة , حاول أن تجد عرا أفضل ......)
عبس بشدة هذه المرة و هو ينظر اليها بغضب و كأنها اصيبت بمسٍ من الجنون .... فقال بصوت هادىء خطير
( ماذا بكِ يا كرمة ؟!! ........ الا تملكين الشجاعة لإخباري بما يغضبك حقا .... بدلا من التعلل بأعذارٍ تظهرك بمظهر من سقطت على رأسه قالب طوب .....)
عبست بشدة و هي تزفر بغضب ..... ثم ابتعدت عنه و هي تقول بحدة مبالغ فيها
( سأذهب لأعد الإفطار لمحمد ..... أما أنت فيمكنك اعداد افطارك وحدك كما ستتناوله تماما ... )
لكن و قبل ان تتجاوزه للمرة الثانية ... كان قد اتعقل خصرها ليرفعها اليه وهو يقول من بين أسنانه
( ماذا بكِ ؟؟ ......... )
هتفت كرمة و هي تلوح بساقيها هاتفة بغضب
( انزلني يا حاتم ..... توقف عن تلك العادة في حملي كلما اردت استنطاقي ....أنا لست طفلة صغيرة سترهبها بحجمك ..)
قال حاتم بقوةٍ و كأنه يحمل دمية لا تزن شيئا
( احساس الطفلة ستجربيه لاحقا حين اضربك على مؤخرتك لو تماديتِ في عنادك .....)
هتفت بغضب و هي تلوح ساقيها اكثر كي تسقط من بين ذراعيه
( توقف يا حاتم و أنزلني حالا ..... أنا لا أسمح لك بمخاطبتي بتك الطريقة .....)
قال حاتم بهدوء و قد بدت التسلية تظهر عليه قليلا
( حسنا امامك عشرة ثواني لتنطقي قبل ان انتقل للمرحلة الثانية في استجوابك .... )
زمت كرمة شفتيها بعناد .... فقال حاتم بهدوء وهو ينظر الى وجهها
( واحد ..... اثنان ....... ثلاثة ...... اربع....... )
برقت عينا كرمة بتحدي و غضب قبل ان تعض على المتبقي من كعكتها المحلاة .... و دون سابق انذار
انحنت الى الأمام لتمسح فمها المغطى بالسكر في كم قميصه الرياضي .....
اتسعت عينا حاتم قليلا و ارتفع حاجباه وهو ينظر الى فمها ذو السكر المنطبع على كم قميصه .. فقال بدهشة خافتة
( أنتِ فعلا غاضبة !!! .......)
ثم لم يلبث أن قال بصوتٍ حاد
( و مع ذلك .... حركتك المتهورة تلك تسببت في القضاء على الخمس ثوانٍ المتبقية )
ثم انزلها على قدميها و سحبها من يدها خلف حتى جلس على الكرسي فوقعت على ركبتيه , حينها صرخت عاليا بذعرو غضب مجنون
( اياك يا حاتم ....... ايااااااااك ....... )
قال حاتم و قد عادت اليه روح التسلية وهو يقضي على مقاومتها الواهية بسهولة
( ماذا بكِ اذن ........ و قبل ان تكبي اعلمي انكِ بين يدي ..... )
سكنت كرمة مكانها قليلا و هي تزفر بقوة و قنوط ..... حينها شعرت بيد حاتم تداعب شعرها برقة و يتخلله باصابعه .... ليقول بخفوت رقيق
( يبدو انني لن افهمك ابدا يا كرمتي يا عنقود العنب ......... )
كلامه الخافت عاد ليتلاعب بها و يدغدغ أعصابها .... فأغمضت عينيها قليلا ... قبل أن تتنهد برقة
ثم قالت أخيرا
( أنت تستثنيني من بعض أجزاء من حياتك .... على الرغم من أنك لا تسمح لي بالمثل )
ارتفع حاجبي حاتم قليلا ,, فأنهضها ليجلسها على ركبتيه وهو ينظر الى وجهها المحمر الطازج ... و شفتيها المتكورتين الشهيتين ....و شعرها المجنون الرائع الجمال ...
حتى صدرها اللاهث جعل منها طفلة متمردة شهية .... و هي لحسن الحظ زوجته .....
تنهد وهو يشعر بنشوى الكلمة مجددا ... و التي لن يملها أبدا ...
فقال بخفوت و كأنه يحايلها بالفعل
( متى استثنيتك ؟!! ...... كل هذا من اجل الجري صباحا لبعض الوقت ؟!!! ....)
زمت شفتيها بعناد و هي تهز رأسها نفيا بقوة ... ثم قالت بحدة
( لا ليس ذلك ...... أنت خرجت لتقرر أمرا ما ... ما هو ؟!!! .... معاقبتي ؟!!... هل لازلت غاضبا مني ؟!!! ... و ماذا عن زوجتك .... انت لم تكلمنى عنها مطلقا .... لم تكلمني عن مشاعرك تجاهها ابدا ..... و محمد ... )
قاطعها حاتم بقوةٍ وهو يقول مذهولا
( هوووو هووووو .... انتظري لحظة ..... أولا ... بالنسبةِ لمشاعري تجاهها فهذا أمر لا يقبل السؤال و لا الجدل .... أنا أعشقها ... و لن أتخلى عن حبها مطلقا ....)
شعرت كرمة بصدمةٍ كبرى و كأنها لطمتها بعنف ... ففغرت شفتيها بذهول قبل أن تهمس بصوتٍ غريب
( اذن لماذا ؟!! ...... كيف .... ماذا عني اذن !! ......)
زفر حاتم بقوةٍ و غضب وهو يقول من بين أسنانه
( كما تخيلت تماما ...... أنتِ تقصدين والدة محمد , او زوجتي السابقة .... لكنك كالعادة تتجاهلين أهم الصفات أثناء الحديث .... مما يجعلك تقذفين قوالب حجرا من فمك عوضا عن الكلمات ...)
ارتبكت كرمة بشدة أمام هذا الهجوم .... بينما مشاعره التي نطق بها لا تزال تداعب اذنها و هي تعلم الان انها المقصودة بها .....
رفع ذقنها اليه يمنعها عن المزيد من التفكير القاتم وهو يقول ناظرا الى عينيها ....
( كرمة ...... اسمعيني جيدا , والدة محمد ستظل دائما لها مكانة خاصة بقلبي ... لأنها أم ابني الوحيد .... لكن العشق شيء آخر .....العشق هو لكِ انتِ وحدك ..... هذا شيء خارج عن ارادتي و حساباتي ... )
فكرت كرمة في كلامه مليا و هي تطرق برأسها ..... و رغما عنها شرد تفكيرها بفكرة واحدة
" هل سيتقبل منها نفس ما قاله ؟!! ..... أن يكون محمد ذو مكانةٍ خاصة ... لن تستطيع ان تمحوها بسهولة ... و مع ذلك , هذا لم يمنع ان ينفصلا ...... "
أظلمت عيناها قليلا أمام عينيه .... فأدرك أنها عادت للماضي من جديد ....
كم أنتِ قاسية ايتها المدللة !! ....
لقد كاد ان يرقص طربا ما ان استشعر بادرة غيرة في كلماتها ..... لكنها عادت و بمنتهى القسوة , أغلقت الأبواب في وجهه
هدر قليلا بصوتٍ جهوري
( كرمة ............. )
انتفضت مكانها و رفعت يدها الى صدرها و هي تهمس بصدمة
( ماذا ؟!! ......... افزعتني .......)
زم شفتيه بغضب ... و انقبضت اصابعه و كانه يتمنى لو اقتلع عقلها .. و قام بمسح من عليه ليعيد تحميله من جديد وفق هواه .....
لكنه قال بصوتٍ مشتد النبرات
( اذن بما انكِ أثبتِ حماقة لا تضاهى ...... اسمحي لي أن أريكِ ثمرة تفكيري لمدة ساعة واحدة خرجت من بين براثنك .... )
ثم نهض و انهضها معه .... و دون كلمة جذبها خلفه ليخرجا من الغرفة ... فقالت بحيرة
( الى اين يا حاتم ؟؟!! .......... )
الا انه لم يجبها ..... بل ساقها خلفه كفرسةٍ روضة تسرع الخطا لحاقا به ... الى ان فتح باب غرفة ضيوف غير مستغلة اطلاقا .....
ثم جذبها خلفه الى داخل الغرفة .... ووقف ينظر اليها مبتسما , ابتسامة جميلة غضنت زاويتي عينيه
ثم همس بخفوت وهو يحيط خصرها بذراعيه
( لقد اخترته وردي ........ )
كانت كرمة في حالة حيرة من كل شيء .... غير مستوعبة لما يقوله ,,, فسألته بخفوت
(ماذا ؟!! ....... أنا لا افهمك !! ........ )
أشار بعينيه الى أرض الغرفة وهو يقول مبتسما ......
( دلو الطلاء ...... اخترته وردي , دون الحاجة للسؤال ..... فأنا أريدها فتاة ...... )
ففغرت كرمة شفتيها و هي تنظر الى حيث أشار لترى دلوا مغلقا من الطلاء الوردي الفاتح ....
حينها شهقت بصمت و هي ترفع يدها لوجنتها بينما همست بذهول
( حاتم !! ...... ظننتك لن تقبل الكلام معي في الأمر مجددا ...... )
جذبها اليه بقوةٍ حتى كاد أن يصهر عظامها وهو يقول بنفسٍ هادر ساخن
( هل أنتِ مجنونة !! ...... هل تخيلتِ في أحلامك المريضة ... انني من الممكن أن أتخلى عن صورتك و أنتِ تحملين طفلة مني ......)
صمت قليلا وهو يمد يده ليلامس بطنها المسطحة .... بينما عيناه شردتا بحركة أصابعه عليها ....
رمشت كرمة بدمعتين حبيستين قبل أن تهمس باختناق
( لكنني لست حاملا .......... )
رفع وجهه اليها لينظر اليها نظرة انصهرت لها عظامها .... ثم قال بخفوت و ثقة
( ستكونين ............خاصة و انني انوى استغلال ذهاب محمد الى زالدته ... و استهلاك كل لحظة في خلوتنا النادرة الحدوث .... )
احمر وجه كرمة بشدة ..... بينما ضحكت من بين دموعها التى انسابت على وجنتيها و هي تتنفس باختناق ...
ثم لم تلبث أن هتفت و هي تغطي وجهها لتبكي بقوة
( ياللهي !!! ......... ياللهي لا أصدق أن حلمي من الممكن أن يتحقق!! ....)
ضمها اليه بقوةٍ وهو يقبل كل ذرةٍ بوجهها .... حتى ذابت به و هي تتعلق بعنقه ....
تتقبل منه و تمنحه ......
قبلاتٍ مستعرة ...... كانت اقوى منهما معا ...... وهو ينهل من عنقها و ملامح وجهها بشغف , بينما هي برقتها تتلمس بشرته بشفتيها بنعومة كانت تثير جنونه اكثر .....
انتفضا فجأة مبتعدين عن بعضهما ... على صوت طرقة عالية ... و صوت امينة الذي بدا كقاصفة لهب بين انغام اللحن الذي كانا يعزفاه حاليا ... و هي تقول بغضب
( هل تدركان انكما تركتما الباب مفتوحا !! ....... و ان هناك صبي صغير يمر في البيت بين الحين و الآخر !!)
رفعت كرمة يدها الى شفتيها المرتجفتين و هي تضحك بذهول و جنون .... بينما شتم حاتم بصوتٍ لم يسمعه سواها وهو لا يزال يتنفس بصعوبة .....
بينما تابعت امينة بازدراء
( قلة ادب !و انحطاط ........... )
ثم غادرت بعد ان تركت بصمتها الاخيرة في صوت شفتيها المحتقر .....
و حين نظر حاتم الى كرمة بغضب رفعت يديها استسلاما و هي تقول ببراءة
( معها حق ....... بصراحة...... انحطاطك اصبح لا يمكن السكوت عليه ........ )
جرت من بين يديه الغاضبتين و هي تضحك .... ثم استدارت تنظر اليه من بين ضحكاتها و هي تقول بعبث
( يا منحط ...............)
ثم سارعت لتجري منه , الا انه تمكن من امساكها بسهولةٍ ليهمس من خلفها ملامسا عنقها
( طعم السكر في قبلاتك جنوووووون ..... قرار , تعمم الكعكات المحلاة كل يوم .... و خاصة ليلا )
ثم لم يلبث أن ضم خصرها اليه حتى التصق ظهرها الى صدره وهو يهمس بشوقٍ جارف
( متى يأتي الليل !!!! ........لقد طال اليوم .... . )
ضحكت كرمة عاليا و هي ترجع رأسها للخلف فارتطمت بانفه بقوة ........
شهقت و هي تسمع تأوهه فاستدارت اليه و هي تنظر اليه بهلع هاتفة
( حاتم ........ هل انت بخير ؟!! ........ )
دلك انفه بقوةٍ بينما احمرت عيناه ..... لكنه قال من بين اسنانه
( تبا للسكر ..... يجعلك مجنونة و ذات طاقاتٍ خطيرة ....... )
عادت لتضحك و هي تقول بخبث
( اذن ربما ستفيدنا تلك الطاقات لاحقا ............ )
حاول الإمساك بها مجددا الا أنها هربت منه و هي تضحك بقوةٍ ... فارتطمت بأمينة اثناء خروجها ... و التي هتفت بصرامة
( قليلي الأدب ...... ماذا تركتما للمراهقين !! .....)
صرخت كرمة و هي تضحك متابعة جريها
( قولي له هو ......... هو المنحط الأكبر .......)
بينما استطاع حاتم تجاوز أمينة ليلحق بكرمة جريا الى أن وصل لها و رفعها من خصرها بذراعٍ واحد و هي تضحك بهستيرية ....
سمعا رنين الباب فجأة .... فأنزلها لاهثا قليلا وهو يقول بيأس
( انها والدة محمد .......... يبدو أننا لن نجد الفرصة في المحاولة ابدا .... ربما علينا أن نعيد دلو الطلاء و نسترد ثمنه .....)
جذبته كرمة من مقدمة قميصه القطني لتقول لاهثة مهددة
( لو اقتربت من دلوي الوردي ..... ستجد قمصانك كلها غارقة به ........ و أنا أعني ما أقول )
ثم ابتعدت عنه تختال أمامه بخطواتها برقة ...بينما صفر هامسا من بين شفتيه ليقول بخفوت
( وحش وحش ..........)
التفتت اليه لتقول بصرامة
( كفى انحطاطا ..........يا أبا الأولاد ....)
تسمر مكانه وهو ينظر اليها بعينين تتألقان ...... يسأل نفسه هامسا
" أي حظ سعيد جمعني بكِ !! ......"
.................................................. .................................................. ..................
أغلقت كرمة حاسبها ليلا و هي تضغط عينيها بإرهاق .....
لقد أمضت فترة طويلة في العمل على رسالتها ...... حتى نست الوقت تماما , فرفعت وجهها بسرعة تنظر الى حاتم الذي لم تسمع له صوتا منذ فترة طويلة .... بعد أن اصر على البقاء معها الى أن تنهى دراسة اليوم ....
فغرت كرمة شفتيها قليلا و هي تراه ممددا على الأريكة و ذراعه تحت رأسه و قد راح في سبات عميق ....
لا تعلم لماذا أثر بها منظره المرهق و هو ينتظرها الى أن تنتهي ... بينما يرفض الذهاب للنوم بمفرده ....
رفعت يدها لتستند بذقنها الى كفها و هي تتأمل جسده الرجولي القوي .....
ماذا به يجعلها تشعر و كأنه طفلها المعلق بساقها ..... على الرغم من كل تحكماته الخانقة ....
عادت لتتنهد بصمت .... ثم حانت منها التفاتة الى هاتفها الموضوع على سطح المكتب بجوارها ....
لم يرن منذ فجر اليوم ......
طوال الوقت و هي تنظر اليه بصمت و كأنها ........ و كأنها تنتظر ان تسمع رنينه
جزء خفي بداخلها جعلها تشعر بحنق رهيب
ماذا كان يريد بذلك الاتصال ؟!! ..... لو اراد حقا مكالمتها لأعاد الإتصال .....
لقد عيشها في رعبٍ جعلها تفقد القدرة على التنفس .... ثم اختفى فجأة ....
أطرقت بوجهها قليلا و هي تتذكر الموقف المريب الذي وضعت نفسها به صباحا .....
حين كانا يتناولان فطورهما .... فنظرت اليه بصمت و قالت بخفوت و دون مقدمات
( حاتم ...... سأغير رقم هاتفي ..... )
حينها رفع وجهه اليها بدهشة ... لم تلبث ان تحولت الى لمحة غضب وهو يقول بخفوت
( لماذا ؟!! ...... هل يعاكسك أحد ...... هاتي هاتفك دعيني أراه )
شعرت حينها أنها على وشكِ الإصابة بانهيار عصبي ... فسارعت للقول
( لا ...... لا ..... الأمر ليس ذا أهمية ...... )
قال حاتم بصلابة
( لو شخص ما يقصدك شخصيا فسيحصل على رقمك كل مرة بنتهى السهولة ..... هاتي هاتفك يا كرمة و أنا سأتصرف .... )
حينها قالت بصوتٍ مشتدٍ قليلا
( لا شيء من هذا القبيل يا حاتم ...... انسى الأمر ارجوك )
رمقها حاتم وقتها بنظرةٍ غريبة .... فسارعت بدفن وجهها في الطبق و هي تدعو الله ان ينسى الأمر ...
و بالفعل نساه و كان طبيعيا تماما طوال اليوم ....
لدرجة انه ظل مستيقظا معها الى ان تنتهى .... و الى ان غلبه النوم اخيرا ......
الحقيقة انها تشعر بارهاق ذهني و عصبي يفوق الوصف .... و كل ما تتمناه حاليا هو الذهاب الى السرير مباشرة .....
شيعت هاتفها بنظرةٍ مضطربة اخيرة .... قبل ان تنهض في اتجاه حاتم .....
انحنت لتجثو على ركبتيها امامه و هي تتأمل وسامته الخاطفة للقلب .... و هي تهمس لنفسها
( هذا الرجل الوسيم ...... هو زوجي .... زوجي أنا ....... )
مدت يدها تتلمس ملامحه بصمت و كأنها تدرسها .... أو ترسمها ..... و كأنها تتعرف عليه كما قالت له قبلا ....
و ما أن تاهت أصابعها في شعره حتى همست بخفوت مرهق
( حاتم .......... حاتم ...... )
ابتسمت قليلا و هي تعرف جيدا نواياه ما أن يستيقظ ..... لكنها فعلا متعبة ...لذا همست من باب الضمير بصوتٍ لا يسمع تقريبا
" حاتم ......... حاتم "
لم يرد و لم يبدو عليه أنه من عالم الأحياء أصلا .....
فتنهدت بنظرة حزن مزيفة و هي تهمس ببراءة
" هل نمت ؟!! ...... والله لقد كسرت بخاطري ....... ....... "
رمشت بعينيها بوداعة و قامت من مكانها و هي تكاد تجري الى السرير ....
الا أن قبضة احكمت على معصمها جذبتها لتقع على صدره بقوةٍ ... و هي تصرخ عاليا
و ما أن تمكنت من رفع وجهها الغاضب الى وجهه المقابل لوجهها .... حتى هتفت بحدة
( الن تتوقف عن تلك الحركات ابدا !!! ..... تبالك افزعتني )
الا ان حاتم قال و عيناه تبرقان بشيطنة
( اذن .... فقد كسرت بخاطرك !!! ........ اذن تعالي لأرممه لك يا مدللة .... )
و قبل ان تهتف بأنها متعبة .... كان هو قد دار بها ليسجنها بمهارةٍ حتى علا وجهه وهو يشرف عليها بجموح قائلا بصوتٍ مشتعل
( على من يا حلوة !! ........ نحن من اخترعنا تلك الحركات و درسناها في الكتب .... )
همست بدلال ناعم
( حاتم ............ )
فقال بصوتٍ يحترق
( اسم هذا أم بقايا السكر على شفتيك ؟!!! ....... )
.................................................. .................................................. .................
ليلة المعرض ...
وقف مكانه مستندا بظهره الى سيارته في الظلام ينتظر خروجها اليه ....
كان في حالةٍ من الشرود و التفكير العميق منذ يومين .... و لم يهاتفها خلالهما سوى اليوم صباحا ... حتى أنه لم يخاطبها شخصيا ... بل ترك لها رسالة مع السيدة منيرة ...
ان تستعد مساءا ليقلها الى صالة العرض .....
على الأرجح أنها غاضبة منه الآن .... و ربما تعتقد أنه قد تخلى عنها و نسيها ...
آخر مرة رآها .... كانت متشبثة به كطفلة صغيرة , تخشى أن يذهب و يتركها ...... عيناها كانتا تستجديان بقاءه ,.....
لكن كبريائها منعها من أن تترجاه لفظا .,........
أطرق بوجهه ينظر الى سلسلة مفاتيحه ذات الدمية الخشبية الصغيرة ... و التي اخذ يؤرجحها حول إصبعه بشرود ......
لو امتنعت عن الذهاب معه الآن فلن يلومها ...... فلقد تعمد تجنبها خلال يومين و تحديدا منذ أن غادر القصر تاركا المزيد من الأوحال خلفه .... و أخته أول من تغرق بها دون ارادة او حتى الرغبة في المقاومة ...
لذا كان من الضغط بحيث لم يستطع مواجهة ...... عيني ملك الصغيرة الى اليوم ......
أفاق من شروده على رؤية باب البيت يفتح ..... فأصبح كهالة من الضوء الذهبي وسط الظلام السائد ....
رفع وجهه ينظر بصمت ..... الى أن رآها تخرج منه ببطىء ....
توقف اصبعه عن اللعب بالدمية الخشبية .... و تسمر مكانه بملامح واجمة ... و زفرة ....
زفرة خائنة كانت مصطحبة بهمسة لم تخرج من بين شفتيه ...
" ياللهي !! .......... "
كانت تسير في اتجاهه مطرقة الرأس ..... و أقل ما يقال عنها أنها كانت تمثل كل جمال الشباب و الأنوثة معا ....
بفستانها الشيفون الوردي الشاحب ..... و المنقط بالأسود
كان أنثويا بسيطا ..... مربوطا عند الخصر بشريط أسود بينما يلامس ركبتيها و يتطاير من حولهما .....
اما شعرها !!! ..... شعرها كان امواج مسافرة على كتفها جمعت اشعة الشمس و مناجم الذهب في نهرٍ اهوج وصل الى خصرها و تعداه .....
اين تلك الضفيرة التي كانت تحجز جماله الفياض عن العالم !! .....
لقد ولى زمنها .... و تحررت موجاته من قيدها ......
كانت تقترب بأناقة ., تدس خصلات جانب وجهها الى خلف أذنها و كأنها واعية لوجوده ...
ساقاها تتقاطعان برشاقة تشبه راقصة البالية في الصندوق الذي اهداه لها .....
الى أن رفعت وجهها اليه اخيرا و كأنها قد قررت مسامحته .... فالتقت نظراتهما و توقفت على بعد خطوتين منه بصمت ... عيناها متعلقتان بعينيه .... بينما كان هو اول من قال بصوتٍ رجولي اجش قليلا
( ملك ............. )
رمشت بعينيها مرتين ... و تشابكت أصابعها على قماش فستانها و هي تسمع نبرته العميقة ... و كأنه أخبرها بوضوح عن رأيه في شكلها دون الحاجة الى النطق سوى باسمها فقط ......
كانت شفتيها متكورتين قليلا ... و كأنهما تعاتبانه ... بينما العتاب في عينيها أكثر وضوحا ... فابتسم قليلا رغم عنه ....
مجرد مرآها يبعث به الرغبة في الإبتسام .... و قتل كل من يمس هالة البراءة تلك بسوء .....
فأمال وجهه بيأس وهو يفكر بداخله هامسا
" من اين خرجتِ ايتها الصغيرة ؟!! ...... كنت مرتاحا قبل ظهورك في حياتي ..... على الأقل كنت أتظاهر بالراحة !! "
قال رائف بخفوت
( الا أستحق حتى رد السلام ؟!! .......... )
ارتبكت قليلا و عادت لتدس خصلتها خلف أذنها رغم أنها لا تزال في موضعها لم تتحرك .... فهمست ببراءة
( أنت لم تسلم علي !!! ........... )
رفع حاجبيه وهو يتظاهر بالدهشة قائلا
( يالهذا التقصير !!! ........ اعتقدت أنني سلمت عليكِ ,.... ربما كان شكلك هو من سبب لي الإرتباك اذن ... )
اتسعت عيناها و عادت لتعيد الخصلة المسكينة خلف أذنها من جديد و هي تسأل بارتباك و توتر
( شكلي !!!! .......... )
عبس رائف فجأة و هو يقف مذهولا من نفسه ...
" ماذا يفعل ؟!!! ..... أنه يقف هنا و يغازلها مازحا !!!!! ... بالله عليه ماذا يحاول أن يفعل !!! "
تنحنح أخيرا وهو يقول بصوتٍ أجش صادق لا يحمل أثرا للمزاح محاولا قدر الإمكان أن يكون حياديا
( أنتِ جميلة جدا الليلة يا ملك ....... سيحسدني كل الرجال الليلة ... )
" تبا لذلك !!! ........ تعقل يا رجل !! .... أنت تعدل من كلامك فتنحدر أكثر !! ....."
احمر وجهها بشدة حتى كاد ان يظهر لعينيه واضحا على الرغم من الضوء المعتم من حولهما ....
الا أنها همست بخفوت دون أن تنظر اليه
( انت مجامل ...... لكن شكرا لك ..... )
قال ببساطة
( مجامل !! ...... ألم تنظري الى مرآة قبل خروجك ؟! ..... )
عادت لترفع وجهها اليه بصمت ..... حينها قال بصوتٍ خافت أجش
( اصعدي للسيارة ...... لربما تمكنت من مصالحتك و تبديد نظرة العتاب تلك ...... )
عادت لترتبك اكثر و ترمش بعينيها الكبيرتين و هي تهمس بتوتر و خجل
( لم ..... انا لم ..... لم احاول معاتبتك ....... )
عاد ليبتسم قليلا قبل ان يقول بخفوت .....
( يكفي أن تنظري الي فقط يا ملك ....... )
هزت رأسها نفيا بسرعة و هي تقول بارتباك رهيب
( لم أقصد .... لا ليس هذا ما ....... )
الا أنه تحرك ليرحمها من شدة الإرتباك ....ففتح باب السيارة من خلفه و قال بخفوت لطيف
( ادخلي آنستي من فضلك ...... فقد تأخرتِ على حفلك .... )
أغمض عينيه فجأة ... و أدرك أي خطأ قد وقع به .... ففتح عينيه وهو يمسك بالباب لينظر اليها .... فرآها تخفض وجهها بصمت ... و شفتيها انفرجتا بحزن ... بينما انسدل جفناها تخفي عنه ما بهما من ألم
الا أنه لن يسمح لها .... ليس الليلة .... فقال بصوتٍ هادىء
( هل ستتركينني واقفا هكذا ؟! ............. )
انتفضت و هي تدرك قلة ذوقها ... فسارعت الى التقدم لتدخل الى السيارة ... الا أنها تعثرت بكعبها العالي و كادت ان تسقط ارضا ...
لكن يده امتدت من اللامكان فأمسكت بمرفقها بقوةٍ وهو يرفعها ليه , حتى انها استندت الى صدره قليلا و تهدل شعرها على وجهها ...
تكلم رائف بصوتٍ مختنق قليلا .. أجش بصورة مربكة
( هل أنتِ بخير ؟!! ....... )
اومأت برأسها بسرعة و هي تسارع لدفعه في صدره قليلا حتى استقامت واقفة و هي تضحك بعصبية
( لقد أصبحت خرقاء جدا ...... و من المفترض أنني سأعرض بعضا من تصميمات وعد الليلة !!... )
لم يرد عليها وهو ينظر اليها بجمود ... بينما قال بعد لحظة بخفوت أجش
( ادخلي ............ )
دخلت ملك الي السيارة فأغلق الباب خلفها بحرص و هو ينظر اليها بصمت من خلف الزجاج .... فبدت له مراهقة و هي محنية الرأس ... تتلاعب بطرف فستانها و هي ترتبه ليغطي ركبتيها ....
تنهد بقوةٍ وهو يأخذ نفسا عميقا من نسيم الليل عله يبرد القليل مما يشعر به من غضب .. و ألم .... و تعاطف معها ...
هذا لو كان مخادعا و أصر على تسميته بالتعاطف !! ....
دار رائف حول السيارة بصمت وهو مطرق الرأس يفكر في لحظة فارقة أنه الآن لن يستطيع خداع نفسه أكثر ... فمنذ اللحظة التي نطق بها بتهديده لكريم ... بأنه سيتزوجها !!!!! .....
و شعور غريب يتلبسه .... طاقة غضب فتحت بداخله قادرة على تدمير وهو يشعر بملكية حصرية ... لم يشعر بها قبل اعلان تهديده .....
لا يعلم من أين انبعث ذلك التهديد !! .... و تجاوز اللفظ حروفه ... فبات واقعا يفرض نفسه .....
ملك تخصه !!!!
رفع وجهه وهو يدور حول السيارة , ليعاود النظر الى ملك من الزجاج الأمامي للسيارة بنظرات غريبة ... و كانت هي قد رفعت وجهها لتنظر اليه بصمت .....
بينهما زجاج فاصل .... و مع ذلك شعر كلاهما أنهما مقترنان في تلك اللحظةِ بقوةٍ لا يمكن كسرها لأي من يحاول .......
جلس رائف مكانه بصمت دون أن ينظر اليها مجددا .... على الرغم من شعوره بها و هي تنظر اليه بوجهها ... فتحرك بالسيارة بصمت .....
كانت قوى غريبة تتحرك بداخله .... بينهما بمعنى اصح .... فهو يدرك أنها لم تتوقف لحظة عن النظر اليه و كأنها تنتظر منه أن يتكلم
قوى تفجرت في الوقت الخاطىء تماما ..... ليس لها سبيل أو نهاية ........
ساد بينهما الصمت المشحون طويلا ....الى أن قال رائف بخفوت أجش
( أنتِ غاضبة مني يا ملك ...... اليس كذلك ؟!! ...... )
نظرت اليه بدهشة .... قبل أن تهمس بسرعة و هي تهز رأسها نفيا
( لا ...... لا طبعا ...... لماذا أغضب منك سيد رائف ؟! ...... )
ابتسم باستياء وهو يقول بخشونة
( ها قد عدت الى سيد رائف مجددا !! ...... اذن أنا محق )
ردت ملك بصوت فاتر و كأنها تماثله عمرا بل حتى و كأنها تهزأ منه قليلا
( اعذرني ...... كلمة عمي أصعب من ان أحاول نطقها ....اشعر بالغباء من مجرد المحاولة .... . )
لم يجد سوى أن يضحك بقوة و كأنه كان يحتاج اليها كي تبدد بعضا من الكبت الذي يشعر به ....
رمشت عينا ملك ثم اتسعتا ببراءة ... و هي تسمع ضحكته القوية لأول مرة ....
ثم قال بعدها بصوتٍ أجش خافت قليلا .... مبتسم
( اذن فليكن رائف ........... )
ارتبكت ملك اكثر .... فالتفت اليها مبتسما قليلا , ثم لم يلبث ان عاد بنظره الى الطريق و هو يتنهد دون ان تعرف لذلك سببا .... بينما قال بجدية خافتة بعد عدة لحظات
( وعدتك بأن أكون الى جوارك و اختفيت الفترة السابقة ...... لكِ كل الحق أن تكوني غاضبة مني )
ليست غاضبة .... بل كانت حزينة بشكلٍ لم تستطع تفسيره ابدا ....
لقد مر عليها اليومان و كأنهما عامان .....
عامان ما بين مرارة للماضي لا تتذكرها تماما ... و بين خيانة طعنت روحها في الحاضر
لم تتخيل ان يذبحها شادي بتلك الصورة .... و بين كل ذلك كانت تنتظر اتصالا من الغريب ..... تتوق لسماع صوته وهو يخبرها بأنه هنا ..... يسألها عن حالها .....
نظرات السيدة منيرة كانت تشيعها بصمت يائس حزين في كل خطوة .... بينما بدت ورد و كأنها تحاول جاهدة التعاطف معها دون ان تستطيع حقا ...
ان كانت هي نفسها لا تملك التعاطف لنفسها .......
همست ملك بخفوت حزين و هي تنظر امامها
( لم يكد يمر سوى يومان ..... و ها انت قد حضرت )
نظر اليها بطرفِ عينيه ثم قال بصوته الأجش
( كيف كان حالك خلال هاذين اليومين ؟؟ ........ )
نظرت اليه بطرف عينيها ... فالتقط نظرة الاتهام في عينيها , لكنها سرعان ما أطرقت بوجهها عنه كي تكذب ما رأته عيناه .... لكنه كان قد رآهما و انتهى الأمر ....
فاعاد نظره للطريق بغضب .... لو تعلم كم كلفه الأمر من تفكير مضني خلال هذين اليومين ......
قالت ملك بخفوت شديد استدعى كل حواسه كي يتمكن من سماع نبرتها المهزومة
( هل من جديد ؟؟ ......... )
عاد لينظر اليها بسرعة ... فرأى توسلا بعينيها , جعله يوشك على ان يحيد عن الطريق ليهرب بها بعيدا ...
الى مكان لا يصله غيره فقط ... حيث يتمكن من حمايتها
" ياللهي ... أي عاطفة أبوية غريزية تثيرها به تلك الفتاة ... ممتزجة بشعور جديد من التملك لم يعرف الا بعد أن جهر علنا بأنه سيتزوجها ... و قد كان مجرد تهديد كي يستحث رجولة الحقير الذي غرر بها بدناءة و الآن يتنكر لها ....
فورة من السخونة اجتاحت جسده كلما عبر ذلك التهديد على ذاكرته
فزفر رائف بغضب ... دون أن يعاود الالتفاف اليها .... حينها قالت ملك بخوف
( هناك ما هو أسوأ ..... اليس كذلك ؟!! ....... )
زم شفتيه و تجنب الرد .... وهو يتذكر المحادثة السرية و التي دارت بينه و بين أعز أصدقائه ... جلال ...
ولولا أنه يثق به ثقته بنفسه و كونه أيضا محاميا .... لما أخرج السر لمخلوق قط ....
نظر جلال الى الملف الذي أخذه رائف من اكرم بصمت بعد أن قرأه جيدا ... و منه الى المحضر المحرر تجاه ملك بقسم الشرطة .....
ثم رفع رأسه الى رائف ليقول بعد صمت طويل
( آخر ما كنت اتخيله .... هو الا يكون كريم هو ابن أكرم القاضي بحق !! ... )
كان رائف يجلس أمامه وهو يسند فكه الى قبضته بصمت و بوجهٍ قاتم واجم .... ثم قال أخيرا بخفوت
( جلال ..... لولا ثقتي بك و حاجتي اليك لما تفوهت بكلمة ....أرجوك ... أنا ..... )
قاطعه جلال بهدوء
( رائف .... هل ستعرفني اليوم ؟!! ....... )
رد رائف بخفوت و هو غير قادرا على تمالك نفسه
( اعذرني يا جلال ..... الأمر خطير كما ترى .... و أنا حقا أحتاج لاستشارة احدهم .... )
عاد جلال لينظر الى الملف ... و المحضر المحرر ....
ثم رفع عينيه الى رائف ليقول بهدوء قاطع
( ما مدى أهمية تلك الفتاة بالنسبة لك يا رائف ؟!! ....... )
كان سؤالا مباغتا ... اربك كيانه , فاجفل لعدة لحظات و اختلت نظراته .... قبل ان يتمالك نفسه وهو يقول بصوت مضطرب قليلا
( إنها ..... مجرد فتاة صغيرة السن .... في مقتبل حياتها , و تعرضت لتلك الفاجعة .... صحيح أنها غريبة عني تماما , لكن ...... ضميري يأبى أن أتركها و أغمض عيني و أنا أعلم الحقيقة ..... الأمر ليس أكبر من هذا بأي صورة من الصور .... فلو كنت تتخيل أنني ولو للحظة قد ...... )
قاطعه جلال بصوت هادىء اكثر حزما ووعيا
( رائف ...... لم اسألك لأطلب منك تبريرا كي تشرح لي كل ذلك , فهو واضح وضوح الشمس ... و لم يطرأ ببالي أي معنى مختلف .... )
صمت قليلا و هو ينظر الى الأوراق أمامه .... ثم قال دون أن يرفع عينيه بلهجةٍ ذات مغزى
( حتى الآن ........ )
عقد رائف حاجبيه و أجفل بشدة أكبر من المرة الأولى .... و بان ارتباكه واضحا ..... فقال بقوة
( جلال أنت لا تفهم ......)
قاطعه جلال و هو يقول
( سبب سؤالي الوحيد ..... هو أن أعرف تحديدا أي جبهة ستختار ؟!! ....... لأن الطرق ستفترق بك و عليك الإختيار ..... )
عقد رائف حاجبيه وهو ينظر الى جلال ... يفهم ما يقوله جيدا و مع ذلك يرفض الاعتراف ... فتابع جلال قائلا وهو يرفع المحضر قائلا
( هل تعرف معنى هذه الورقة ؟!! ...... ثم هذا الملف ؟!! ......... هل استطعت الوصول للرسالة التى ارسلها اكرم اليك ؟؟ ...... انهم يرفضون الاعتراف بوجودها اصلا .... من الواضح انه المعلومات المجمعة عن تلك الفتاة صحيحة تماما .... لقد عانت من هلاوس في طفولتها , حيث فقدت النطق لفترة بعد خروج اختها ... و بعدها بدأت تصاب بالهلاوس و بدأ علاجها ........ و هذا هو ما سيلجأ اليه ...... )
صمت قليلا ثم تابع مشددا على كل كلمة
( أن كريم .... لم ... يتواجد ... بحياة ملك من الاساس ... و أن كل ذلك من وحي خيالها ..... )
كانت يد رائف مستريحة على فمه وهو يسمع جيدا .... بينما عيناه تظلمان بما استنتجه سابقا ...
ثم قال بخفوت و بصوتٍ لم يتعرف عليه ...
( و ما هو موقفها في تلك الحالة ؟؟ .......)
رد جلال دون أي مواربة
( سيء جدا يا رائف .... كلامها لن يمت للمنطق بصفة .... خاصة أنها لا تملك أي دليل على تلك الزيجة .... و أي محكمة سترفض دعواها باثبات الزواج ...)
مال رائف الى الأمام فجأة وهو يقول بوحشية
( اسمعني جيدا يا جلال .... قضيتنا تختلف عن كل القضايا المماثلة , انها لا تريد اثبات نسب جنين ... لا تريد ميراث .. لا تريد أي شيء ... كل ما تريده هو طلاق رسمي كي يثبت زواجها ... و بعدها ستبتعد عنه تماما ..... فليعتبرها نزوة أمام المجتمع و لن يضره هذا شيء ... فقط يطلقها رسميا ...)
رفع جلال حاجبيه وهو ينظر الى رائف بصمت ... ثم قال بخفوت
( واضح أنهما لن يعترفا بذلك ..... و بالتالي لن يمنحها طلاق .... أقصى ما نستطيعه هو أن نقنعه وديا من باب الضمير أن يلقي عليها يمين الطلاق كي حررها بينه و بينها ...... لكن لو رفض ....)
تنهد وهو يصمت لتتلاعب أصابعه بطرف الورقة ... ثم قال
( حينها ستظل معلقة به ........ ولو رفعت الدعوى , لن تستفيد سوى أن تتدمر سمعتها علنا .... و سمعة عائلتها .... و تظهر امام الجميع كمجرد فتاة اصابت بالهوس تجاه ابن صاحب البيت الذي كانت تحضر له باقات الورود ...... )
كان وجه رائف يتحول الى اللون الداكن مع تدافع دماء الغضب تحت بشرته ... بينما عقله يرفص استيعاب عبارة جلية
" ستبقى معلقة به للأبد ...... الا لو توسلاه من باب الضمير ان يلقي عليها يمين الطلاق من باب الرحمة "
ضرب رائف على سطح المكتب بقوةٍ فجأة وهو يهدر بغضب
( لن يحدث ...... لن يعلقها به بتلك الطريقة الدنيئة .... لن اسمح بذلك ........ و لن نتوسله , سيطلقها رغم عنه ..... )
مد جلال يديه علامة الاستسلام وهو يقول بهدوء
( ماذا بامكانها ان تفعل ؟؟ ........... سوى !!! ...... )
عقد رائف حاجبيه وهو يلهث من شدة الغضب .... لكنه همس بهدير مخيف
( سوى ماذا ؟!! ......... )
تمهل جلال وهو يشعر بالقلق ... ليقول بخفوت
( سوى ان تكون من النوع المحارب الذي لن يترك حقه ..... حينها ستحاول الوقوف امام سلطان اكرم القاضي بمفردها و تثبت انها بكامل قواها العقلية .... و ذلك بتقديم اتهام بحقيقة كريم ليس ابن عائلة القاضي و انه زميلها بالفعل في الدار و ذلك سيحسن من صورتها ... لو تم اثباته ...... )
رفع وجهه الى وجه رائف الذي شحب قليلا .... بينما تابع جلال بوضوح
( حينها .... سيتم البحث في الأمر , ولو فشل أكرم في تداركه .... فستكون تهمة كبيرة تحمل العديد من الجرائم تحتها ..... من تزوير و خلافه .... و لن يكون وحده المتضرر , بل طبعا اختك السيدة ميساء ..... )
ازداد شحوب رائف أكثر و بوضوح أكبر .... حينها قال جلال بقوة
( لهذا سألتك منذ البداية ..... أي جبهة تختار ؟؟ ..... عائلتك أم ....... ضميرك ....)
1
كان رائف يقود السيارة دون ان يدرك بان سرعته زادت تلقائيا و الجنون يتولاه مجددا ....
يومان وهو يدور حول نفسه كالمجنون دون ان يملك القدرة على مواجهتها ولو حتى صوتا فقط ....
همست ملك بجواره و هي ترى المشاعر العنيفة متعاقبة على وجهه
( هل الأمر بهذا السوء ؟!! ........ )
لاحظت ان مفاصل اصابعه قد ازداد بياضها على المقود ... و اصراره على النظر اليها ....
كان كفيلا بأن تعرف درجة سوء الأمر ...الى أن قال في النهاية بصوت قاطع
( إنه يرفض ان يحررك يا ملك ...... و يرفض الاعتراف بك .... و خطوة المحضر المحرر ضدك كانت الخطوة الأولى ...... )
فغرت شفتيها قليلا ... ثم اعتدلت تنظر أمامها بصمت .... و استمر صمتها طويلا , فقال رائف بقلق وهو يلتفت اليها
( ملك !! ......... هل أنتِ بخير ؟؟ ...تكلمي .... لا تصمتي هكذا ....)
ظلت صامتة لفترة مجددا قبل أن تقول بصوت خافت
( سيد رائف ....... أنا لست مهووسة أو مهلوسة .... لست كما يدعون .....)
تنهد بعمق وهو يقول
( على الأقل أنتِ هادئة ..... انا اعرف ذلك حق المعرفة , لقد كنت شاهدا على الحكاية منذ بدايتها يا ملك ....)
هزت رأسها قليلا و هي تطرق بوجهها ... قبل ان تقول بصوتٍ واهي
( لكن من سيصدقني ؟!! ............ لقد بحثوا بمنتهى المهارة في طفولتي ..لقد انتهى الأمر اذن ... .)
نظر اليها بغضب .... فاعتصرت قبضة قوية قلبه وهو ينظر الى وجهها الباهت دون حياة و كأنها استسلمت للأمر الواقع .....
أي شخص بمكانه ... كان ليسعد بمثل هذا الإستسلام ..... الا أنه لم يشعر الا بنارا تزداد بداخله اشتعالا ....
لكنه تمكن من ابتلاع ريقه بتشنج وهو يقول بصوتٍ صلب أجش
( هناك حل واحد يا ملك ...... أن تشعلي النار يا صغيرة , كما سبق و أخبرتك .... لكن هذه المرة علنا ... يمكنك أن تقدمي اتهاما بأنه ليس ابن عائلة القاضي ..... )
اتسعت عيناها فجأة و هي تلتفت اليه تتأكد من أنه يتحدث بجدية ... و حين رأت وجهه .... علمت أنه جاد كل الجد ..... فاتسعت عيناها اكثر ... و فغرت شفتيها .... و همست قبل ان تستطيع ان تمنع نفسها
( و انت ؟؟ ....... هل ستكون بجواري لو فعلت ؟؟ !!! ....... )
ابتسم قليلا دون مرح .....ثم قال بصوتٍ اجش
( السؤال الصحيح هو ..... هل ستكون بصفي لو فعلت ؟؟ ....... )
لعقت ملك شفتيها و هي تومىء برأسها ... و تهمس بذهول
( نعم ...... هذا هو السؤال ..... هل ستكون بصفي ... أنا ؟؟؟ ...... )
نظر اليها مجددا ... فاخترق عمق عينيها , قبل ان يقول بصوت غريب
( شاهد واحد ... لن يضرك اختفاؤه من صفك , طالما بدا التحقيق بالامر ..... لذا وجودي او عدمه لن يشكل فارقا ضخما ...... )
هتفت ملك فجأة بقوة اجفلته
( هل ستكون بجواري لو فعلت يا رائف .؟؟ ........ ضد عائلتك .... ضد اختك .... )
شعر و كأنها تنفذ الى داخله بكل اصرار .... مصممة الحصول على جوابٍ شافٍ .... و مر وقت مشحون قبل ان يقول بخفوت ..... مستسلم ...
( سأكون الى جوارك يا ملك .......... )
فغرت شفتيها بذهول و هي تنظر اليه ... و كأنما تراه للمرة الأولى ... فاستندت الى ظهر معقدها دون أن تحاول التظاهر بعدم النظر اليه ... بل ابقت وجهها عليه و كأنها منومة مغناطيسيا ....
فقال بعد عدة لحظات بخشونة
( توقفي عن النظر الي بتلك الطريقة ......)
همست بصدق مسلوبة الإرادة
( لا أستطيع ...... لا أستطيع ........ )
حينها همس بصوتٍ أجش خشن
( تبا يا ملك انظري أمامك ......... الطريق لا يزال طويلا .....)
لكنها لم تنظر امامها ... بل ابقت عينيها عليه و هي تضيق بين حاجبيها , لتهمس باختناق بعد فترة طويلة
( الآن تأكدت أنه ليس من دمك ...... )
عبس رائف بشدة .... و زفر بعمق , قبل أن يقول بصوتٍ قاسٍ قليلا
( اياك و البكاء يا ملك ..... و الا والله فسوف أعيدك من حيث أحضرتك ....)
اغمضت عينيها و هي تهتف و كأن صدرها يتألم
( أريد الصراخ ....... أحتاج الى الصراخ يا رائف ..... )
عاد اسمه مجردا من بين شفتيها ليكويه كيا ... خاصة و هو صادر مقترنا بكل تلك الحرقة ....
قال بقوةٍ يعدها وهو يقبض أكثر على مقود السيارة
( ليس الآن يا ملك ..... ليس الآن ... اصبري قليلا و عندما يحين الوقت ... سآمرك بالصراخ عاليا ... حتى تستنزفين كل جروحك .....بكل بما تحمله من دنس ...... )
أخذت تتنفس ببطىء محاولة السيطرة على الإختناق المسيطر عليها ..... تبذل مجهودا جبار لتتعامل مع كل ذلك الظلم الذي يحيط بها ....
وصلا اخيرا الى صالة المعرض ..... فأوقف السيارة ...و ظل ممسكا بالمقود قليلا ناظرا أمامه لعدة لحظات و كأنه يحاول السيطرة على نفسه .... ثم التفت اليها , ينظر لها و هي مطرقة الرأس .... لا تزال تتنفس ببطىء و رتابة كي تهدأ من الصدمات المتوالية ....
فقال أخيرا بصوتٍ أجش
( هل أنتِ بخير ؟!!! ........... )
أومأت برأسها دون ان ترد .... و دون أن تنظر اليه , الا أن وجهها كان شاحبا بشدة , و شفتيها ترتجفان ...
فقال فجأة بصوتٍ أجش خافت
( لا أريدك أن تعرضي تلك الملابس ...... لستِ سلعة ليتأمل الناس ألمها و هم يتضاحكون ... )
تنفست نفسا مرتجفا و هي تنظر اليه طويلا .... عيناها تترغرغان بالدموع رغما عنها .....
فهمست بعد فترة طويلة .....
( يجب أن أعرض أزياء وعد ..... كان طلبها الوحيد أن يكون وجههي هو العلامة المميزة لتصميماتها ....
صمتت قليلا و هي تنظر الي استياء وجهه ..... ثم همست بصوت واهن شارد
( كلما صدمتني بتفكيرك بي و بكل ما يؤلمني ..... كلما شعرت ببعض القوة كي أتحمل هذه الأيام ...... )
شحب وجهه قليلا ... و هو يتسائل عن حقيقة عمرها .... عن حقيقة ما اصابها في طفولتها ...
هل من الممكن ان تكون تلك الشابة القوية امامه ... هي نفسها , الطفلة التي كانت تعاني الهلاوس !!!
هي نفسها الشابة الساذجة التي انساقت خلف صديقها و حب طفولتها بعينين معصوبتين !!!....
حينها همس بجفاء و صدق
( اي امرأة انتِ يا ملك ؟!! ......... )
ابتسمت قليلا و وجهه يتشوش امامها من غلالة الدموع امام حدقتيها .... فقالت باختناق
( لم اعد صغيرة اذن !! ........ )
ظل ينظر اليها طويلا بتعبير غريب ... ثم قال اخيرا بصوت اجش خافت
( اقوى صغيرة عرفتها ...... و اضعف امرأة احتاجت الي يوما ..... )
" امرأة ...... تخصني "
نظر امامه بصمت و بملامح باهتة ..... قال بلا تعبير
( هيا ...... انزلي ........ )
.................................................. .................................................. ...................
أوقف سيف سيارته امام صالة المعرض كذلك .... ثم التفت اليها متأملا و نظرت اليه كذلك مبتسمة ابتسامة لم يعرفها منها مسبقا ....
ابتسامة تختلف عن كل ضحكاتها له .....
ابتسامة قلق .. و توتر .... و سعادة غريبة .... تنبع من عمق عينيها الرماديتين ....
همست وعد مبادرة بابتسامة مشرقة و هي ترفع يديها باستسلام متوتر قلق
( اذن ....... ها نحن هنا !!......أخيرا .... )
ابتسم سيف وهو يومىء برأسه ببطىء قائلا بخفوت
( نعم يا وعد ......ها نحن هنا ...... أخيرا نهاية المطاف ..... )
نظرت الى بوابة صالة المعرض .... و همست بشرود سعيد متوتر
( بل البداية ........... )
ساد صمت طويل و هو ينظر اليها .. و هي مستديرة الى نافذتها تنظر الى المتوافدين بقلق و تألق في نفس الوقت ....
فعاد سيف ليومىء برأسه وهو يقول بخفوت اكبر
( اذن فلتكن البداية ......... )
و حين اردا اقتناص نظرة أخرى من عينيها الحبيبتين ... قال بخفوت
( هل أخبرتك أنكِ جميلة بشكلٍ خلاب الليلة ؟!! ....... )
استدارت اليه بسرعة و على وجهها اوسع و اكبر ابتسامة اظهرت أسنانها كلها و هي تقول من كل قلبها
( نعم أخبرتني ........... )
التوت ابتسامته بحب و هو يقول برقة تذيب العظام
( آآه عذرا ..... نسيت أنني قلتها مسبقا ...... )
عقدت حاجبيها دون ان تفقد ابتسامتها ... فقالت بغيظ لذيذ
( ألن تكررها ؟!! .............. )
هز رأسه نفيا ببطىء و هو ينظر الى عينيها المشرقتين من تحت نظارتها ....فعبست و هي تكشر له ...
حينها قال بصوتٍ عميق نفذ الى اوردتها
( هل أستطيع تقبيلك ؟؟ ............ )
احمر وجهها فجأة و اتسعت عيناها و هي تسمع طلبه المهذب البسيط و المشروع .... فقالت بشك
( لم اعتد منك هذا التهذيب يا سيف !! ..... لقد بدأت أقلق عليك بالفعل !! .... )
لم يرد عليها ... و بدى شديد الجدية وهو يقول آمرا بهدوء
( اقتربي يا وعد .... و اغلقي فمك , أو دعيني أنا أقوم بالمهمة ....... )
ارتجفت قليلا و نبض قلبها بجنون .... فنظرت بطرف عينيها من النوافذ و همست بتمنع أنثوي مدلل غريب عليها
( الناس يا سيف !! ............ )
رد عليها دون تراجع ودون مرح ....
( لقد أوقفت السيارة بعيدا في الظلام ............ )
عبست و هي تقول متمردة
( اذن كنت محضرا لذلك من البداية ......... )
نزع حزامه .... ثم حزامها وهو يقول بصوتٍ محترق نفذ صبره
( اقتربي ....... )
حينها تركت نفسها له و هي تغمض عينيه متأوة في قبلةٍ بدت كوشم سيفي الطابع ..... محملا باسمه الذي دمغها منذ مولدها .....
مال سيف بوجهه وهو يقبلها بينما مد يده ليرفع نظارتها قليلا .... دون أن ينزعها ...... و كأنها شريكتهما في الجريمة .....
استمرت بينهما لحظاتٍ بدت اكثر رقيا من كل ما خبراه معا سابقا ... و حين استطاعت التنفس اخيرا همست وهي مغمضة العينين ذاهبة الروح
( هل شكرتك لأنك تنازلت و أحضرتني ؟؟ ............ )
التوت وجنتاه قليلا .... وهو ينظر الى وجهها المرفوع اليه في الظلام .... ثم قال بخفوت هامسا برقة
( رأيتها بعينيكِ .... فلا تشغلي بالك ..... )
فتحت عينيها و ابتسمت له بجمال ...... فترك نظارتها لتسقط على انفها مجددا و صدره يعصف من قوة جاذبيتها ......
لكنها أومأت برأسها و همست صادقة بصوتٍ حالم ...و بابتسامةٍ عاشقة
( شكرا .......... )
انها ال " شكرا خاصتها ... التي طالما كانت باهتة و فاترة ..... ها هي الآن تخرج كآهات العاشقين من بين شفتيها ......
ابتلع غصة في حلقه قبل أن يقول بصوتٍ أجش
( هيا كي لا تتأخري ...........)
ظلت تنظر اليه طويلا مبتسمة دون أن تتحرك من مكانها .... و حين نظر اليها متسائلا ... مدت يدها لتخرج منديله الأبيض من جيب سترته و مدته اليه و هي رافعة احدى حاجبيها قائلة بخبث
( امسح شفتيك أولا يا حضرة المحترم ........ )
عبس سيف و ارتبكت ملامحه أمام عينيها الضاحكتين ..... بينما سارعت يده لتمسح شفتيه بالفعل من الأحمر القاني الذي لونهما ....
بينما استدارت وعد و يدها على مقبض الباب و هي تقول
( آمل أن يكون لديهم أحمر شفاة من نفس اللون في الداخل ...... )
و قبل ان يجيبها مغتاظا ..... كانت قد استدارت اليه مجددا لتتعلق بعنقه فجأة و هي تكاد تقفز على ركبتيه ... لتطبع شفتيها على وجنته هامسة باشتعال
( وسامتك الليلة .... ستسرق أعين كل أنثى في المكان ....... فاحترس مني .... )
ابتعدت عنه ضاحكة لتفتح الباب .... و هي تقول مازحة بعبث
( امسح وجنتك كذلك يا حضرة المحترم ..... ثم الحقني و اجلس بين المدعوين ....)
خرجت من السيارة و أغلقت الباب خلفها لتنطلق جريا و القماش الشيفون الهفهاف يسترسل حول ساقيها الطويلتين
بينما كان هو يجلس متسمرا مكانه .... مسحورا .... بالجنية التي خلقت الليلة !!.....
.................................................. .................................................. ...................
دخلت وعد ترتجف محاولة التوازن على كعبي حذائيها بتردد الى غرفة تبديل ملابس العارضات ....
كانت قد فقدت ابتسامتها سريعا ... و اقشعر بدنها من ذلك التحضير المهيب الذي لم تعلم عنه شيئا ....
كانت صالة العرض غير التي اتفقوا عليها ... بل أخرى أرقى و أكبر .....
بينما المدعوين في الخارج عددهم أكبر بكثير مما تخيلت ... و تبدو الأناقة عليهم بوضوح , رجالا و نساءا
فغرت شفتيها بصدمة و هي تنظر حولها ...
كان المكان كخلية عمل .... الفتيات ترتدين تصميماتها .... كلها تصميماتها ...
رمشت بعينيها و هي ترى الفساتين التي لم تفصلها بيدها ... فعقدت حاجبيها مذهولة ... نعم انها هي
و كأنها ترى دفتر رسمها كله مجسدا أمامها بأعجوبةٍ ما ..... بينما هي نفذت الجزء الأقل منه ....
لم يكن أحد قد انتبه لدخولها بعد .... فرأت كرمة و هي تصرخ غضبا بأن الفستان الزمردي لم يظهر بعد ... اين العارضة المسؤولة عنه ....
و حينها .... رأت ملك و هي تخرج من خانة التبديل و هي ترفع القماش الحريري بين يديها و هي مطرقة الوجه لتقول بخفوت و بصوت ذو نبرةٍ حزينة ساحرة ...
( إنها أنا ....... لقد ارتديته ....... )
تأوهت كرمة و هي تسرع اليها لتضمها قليلا دون أن تفسد زينتها و هي تقول بتوتر
( اعذريني حبيبتي .... القلق يكاد يقتلني , أشعر بالمسؤولية أمام وعد ..... )
رفعت وعد يديها تغطي بهما شفتيها و هي ترى ... الفتاة " راوية " منكبة على الأرض تعدل من ذيل أحد الفساتين التي ترتديها احدى العارضات ... وهو بالتأكيد فستانا آخرا ليس من تنفيذها ... و لكنه من تصميمها ... ...
اخفضت وعد يديها من فمها لتكتف ذراعيها حول خصرها و هي تشعر بنفسها ترتجف بشدة ... بينما عيناها تغرقان بدموعٍ سخيفة .... و ابتسامة رقيقة تشق شفتيها و هي تراقب تلك الخلية الضخمة ......
كانت على وشك الاصابة بالدوار .... لكن كرمة رفعت وجهها فجأة فأبصرتها .... فشهقت عاليا و هي تصرخ
( وعد !!! ...... ياللهي لقد حضرتِ )
فارتفع وجه ملك منتفضة و هي ترى وعد واقفة بالفعل في آخر الغرفة .. ...
فهمست باعياء
( وعد !!! ............ )
لكن أحدا لم يسمعها .... بينما اندفعت كرمة الى وعد لتعانقها بقوةٍ و هي تقول بصوت هادر منتصر
( كنت أعلم أنه سيحضرك ...... كنت متأكدة ..... )
ابتعدت وعد عنها قليلا و هي تقول مرتجفة
( ألم تعلمي قبلا ؟!! ........ كنت اظنك انتِ من سلمه فستاني !! ..... )
هزت كرمة رأسها نفيا بسرعةٍ و هي تقول بصوتٍ عالٍ يعلو فوق صوت كلام العارضات ....
( لا لست أنا .......... أنت بالمناسبة تبدين مذهلة !!! ...... )
لكنها عبست قليلا و هي تدقق النظر بوعد قبل أن تقول بخفوت
( ماذا كنتما تفعلان تحديدا اثناء قدومكما ؟!! ....... )
عبست وعد و هي ترفع يدها لتتلمس شفتيها ... ثم سرعان ما احمر وجهها بشدة و وغضت وجنتها بيدها و هي تهمس من بين اسنانها بذعر
( ياللهي!! ..... هل دخلت الى المكان بهذا الشكل ؟!! ..... )
سرعان ما ضحكت كرمة عاليا و هي تغطي فمها بيدها كي لا تثير فضيحة .... بينما قالت باختناق ضاحك
( اذهبي الى الحمام آخر الغرفة و اغسلي وجهك .... لدينا هنا فريق تجميل جاهز ... ألم تري الصغيرة ملك كيف تحولت !! ..... )
رفعت وعد وجهها الى ملك التى كانت لا تزال واقفة مكانها بعيدا .. دون ان تسارع اليها لتعانقها على الاقل
كان وجهها مختلفا بالفعل .... لوحة كاملة من الالوان تلونه , حتى بدت مذهلة .... ساحرة .....
لكن لم يكن ذلك هو الإختلاف الذي لاحظته وعد .... شيئا ما بها كان يحد نظراتها ... يجعل وجهها ممتقعا من تحت غلالة الألوان ... و هي تقف بعيدا ... ممسكة بطرفي الفستان .... فاغرة شفتيها بما يشبه ....
الأسى !!! ......
تحركت وعد تجاهها .... و عيناها على عيني ملك ..... و بداخلها قلقٍ ما بدأ يفترسها ....
وصلت اليها اخيرا فوقفت على بعد خطوة و هي تقول بخفوت محاولة الإبتسام .....
( مرحبا يا ملك ...... لماذا لا ترحبين بي ؟!! ........ )
رأتها و هي تحاول جاهدة الكلام .... الى ان قالت بخفوت دون ان تبتسم
( اشتقت اليك يا وعد ....... حقا ....... )
اقتربت وعد منها اكثر ..... وضمتها بقوة و هي تقول بحرارة
( لقد عدت يا ملك ........ و لن ابتعد عنك مجددا .... زمن الفراق قد انتهى أخيرا ... )
الا أن ملك لم تكن هي نفسها المتقبلة للعودة دائما .... فربتت على ذراع وعد لتبعدها قليلا و هي تنظر الي عينيها القلقتين و تقول بصوتٍ خافت غريب
( وعد ......... هناك ما أريد أن اخبركِ به , قبل أي أحد ...... )
عقدت وعد حاجبيها بخوف حقيقي ثم قالت بتوتر
( هل اساء احد اليك في بيت سيف ؟!! ......... ماذا حدث أخبريني ... )
هزت ملك رأسها بسرعةٍ و يأس و هي تقول بلهفة
( اطلاقا يا وعد ...... اسمعيني ارجوك ..... انا ......... )
تعالى هتاف عالٍ من احدهم وهو يصرخ من عند الباب
( سيبدأ العرض ....... اجهزن في طابور رجاءا ........ )
بدأت العارضات في الجري ليقفن خلف بعضهن ..... بينما قالت ملك بصوتٍ يكاد يكون باكيا دون اي اثر للدموع
( انا اول عارضة ....... يجب ان اخرج )
امسكتها وعد من ذراعها عابسة و هي تقول بقلق
( ليس قبل ان تخبريني بما تريدين ..... تكلمي ....... )
الا ان الهتاف تعالى مجددا ... فنزعت ملك ذراعها و هي تجري لاول مكان بالصف ....
ثم خرجت ما ان أشير اليها .... بينما بقت وعد مكانها تشعر بانقباض غريب .....
.................................................. .................................................. .....................
جلس مكانه بين عدد كبير من الحضور الراقي ... عيناه على الممر الطويل قبل العرض ....
لكن أحدا لم يلفت انتباهه ..... كيف وعدة صور هي فقط من أسرت عينيه .....
جلس في مقعده وهو يميل على ركبتيه ... محدقا بخلفية الممر و قد تغطت بصورٍ ضخمة .... اكبر من الحجم الطبيعي ..... تظهر الصغيرة في عدة اوضاع مختلفة ....
ترتدي العديد من الفساتين المذهلة .... بينما وجهها كان بريئا خاليا من اي زينة ..... و شعرها بجنون امواجه ملتف حول قدها النحيف .....
زفر نفسا ملتهبا كالجحيم وهو يرى الصور أمامه و كأن وجهها المكبر عشرات المرات كان ينظر اليه من كل اتجاه .... بينما همس فجأة دون أن يشعر
" أي حورية أنتِ !! ......... "
سمع صوت رجولي بجانبه يقول بخفوت
( عفوا !! ........ )
التفت رائف ليجد سيف الدين فؤاد رضوان بنفسه جالسا بجواره بهيبةٍ ووقار مكتفا ذراعيه ..
يعرفه من حفل زفافه الذي دعي اليه ذات يوم ... و كانت المرة الأولى التي يرى بها الحورية الصغيرة ....
فاجفل قليلا لذكراها و هي تجري لتصطدم به .... و هي تضحك بقوة ... و موجات شعرها تطير من خلفها ...
تنحنح رائف بقلق ليقول بخفوت وهو يبتلع غصة الذكرى البريئة التي كانت ....
( عذرا .... لا شيء ...... )
اطفئت الأنوار فجأة .... و صدحت موسيقى عالية و صوت يتكلم و يعلن عن البدء ... بينما بقت صورها الخلفية مضيئة لتشعل صدره اكثر ......
ابتلع ريقه بصمت بعد ان كان يظن للهدير بداخله نهاية .....لكنه عاد فجأة ليشعر بصدمة جديدة و هو يراها تدخل كأول عارضة ...
فغر شفتيه قليلا وهو يراها تتهادى برقة .في فستان فيروزي من الحرير الباهي ... انساب حول جسدها فمنحها أنوثة بشكل جديد
مطرقة بوجهها و كأنها تخجل من مواجهة هذا الجمع .. بينما وجهها كامل الزينة كان ملونا كلوحة فنية خلابة ... تناقضها ملامحها البريئة في الصور الضخمة من خلفها ....
شعرها الطويل ازداد تماوجه في لفاتٍ كموج نهرٍ هادى منسابٍ الى خصرها ...
كانت عيناه تتأملان جمالها الذي ظهر خلابا ... فهمس رغم عنه
( سبحن الله !! ......)
حينها نظر اليه سيف مقطبا بريبة .... و ظل يراقبه قليلا خوفا من ان يكون رجلا ذو نظراتٍ دنيئة يخص بها ملك ....
لكنه لم يستطع ان يتبين شيئا من ملامحه المظلمة ...
اما رائف فقد كان ينظر اليها و كأنه يعيش عالما غير العالم ... دون أن يبدو شيئا على ملامحه الوقورة ...
بينما كانت الهمسات تعلو و تتحدث عن الفستان و عن عارضة الفستان !! ...و جمال عارضة الفستان !!
شعر حينها بحالة من الضيق تسيطر عليه أكبر مما توقع ..... ود حينها لو اندفع من كرسيه العقيم ليجذبها من ذراعها قسرا و يبعدها عن الاعين المتلصصة ....
و ما أن وصلت ملك الى نهاية الممر قريبا منه ... وصلت الي مضخات من الهواء البارد فطارت موجات شعرها قليلا خلفها حتى بدت كستارٍ ذهبي و هي ترفع وجهها اليه مباشرة ...
و ما ان التقت اعينهما حتى برقت عيناه بشدة ... فتعثرت خطوة .... و تسمرت مكانها ....
شعر بها تتشنج و تتوتر ... و عيناها تبحثان عن عينيه بهلع ... كطفلٍ تائه يبحث عن والده بين الزحام ...
حينها نهض من مكانه دون تفكير .... و أومأ لها برأسه ..... وهو يبتسم لها كي تتابع ....
فابتسمت بارتجاف و دون ان تدري لوحت له بحركةٍ خفية دون أن ترفع يدها .... ففعل مثلها تلقائيا وهو يومىء لها مجددا ....
ثم اضطرت الى الاستدارة و الإبتعاد تحت أنظاره المشتعلة .....
فجلس مكانه بقنوط وهو يتبعها بنظراته ... حينها قال سيف بارتياب
( عفوا ....... هل تعرف ملك ؟؟ ...... )
نظر اليه رائف بصمت وهو يراقب ملامحه المتربصة ... فقال بخفوت
( نعم ..... كانت تحمل لنا باقة ورد كل يوم .... لخالي على وجه الخصوص , و قد ...... )
صمت قليلا وهو ينظر الى الممر ... ليتابع بشرود
( احبها ...... )
عاد ليصمت .... ثم قال بصوتٍ أكثر خفوتا
( و منذ وقتها و هما أصدقاء .......... )
أومأ سيف برأسه وهو يتابعه ... ثم قال بخفوت
( أظنني رأيتك من قبل ...... لكن لست تحديدا .... )
قاطعه رائف مانعا المزيد من سيل الاستجواب
( لقد حضرت حفل زفافك من السيدة وعد ...... )
ثم مد يده وهو يقول بتهذيب
( رائف القاضي .......... )
صافحه سيف بسرعة وقد ارتاحت ملامحه قليلا ليقول متباسطا
( آآه مرحبا ..... من عائلة القاضي , هذا شرف كبير .....)
شعر رائف بخزي قاتم يملأه ....لو يعلم هذا الرجل الذي يبدو عليه الاحترام ... ان اسم عائلة القاضي الذي يشعره بالشرف .... هو نفسه السبب في ضياع شرف صغيرة عائلته
نظر رائف أمامه بصمت و العارضات تتوالين دون أن يبصرهن .....
و صوت بداخله يقول بشدة و غضب
" سأعيد لها شرفها ......... و هذا وعد "
همس رائف متجنبا الحوار في اتجاه معين
( لا بد أنك فخور بزوجتك سيد سيف .........)
نظر اليه سيف بصمت وكأنه أجفل مما قاله رائف للتو و نظر الى العارضات بصمت ....
الفساتين كانت رائعة .... بل حقيقة كانت أكثر من رائعة .... لا يصدق أن وعد نفذت وحدها ما يقارب نصف عددهم .....
أي مجهودٍ جبار هذا !! .....
استمر العرض و التصفيق يتلو كل فستان .... بينما عرضت ملك اثنين آخرين .....
و انتظر رائف ان يراها مجددا ..... و فعلا صدحت موسيقى زفاف قوية رنانة ....
و سرعان ما رآها تخرج من اليمين بفستان زفاف رائع .... جعل الحضور يشهق اعجابا ... بها و بالفستان الذي لن يناسب غيرها مطلقا .....
لكن و مع خروجها نودي اسم المصممة ... وعد العمري ...
فخرجت وعد امام عيني سيف المسحورتين من جهة اليسار لتسرع الى ملك و ما ان التقيتا حتى امسكت بيدها و هي تنظر اليها نظرة جديدة تماما ... و كانها نظرة ام تنظر الي ابنتها في حفل زفافها بالفعل ....
و ابتسمت لها مشجعة و هي تتلألأ جمالا بفستانها الأسود و نظارتها السوداء بتناقضهما مع فستان ملك الابيض البراق ...
حينها اختنق تنفس ملك و هي ترى ابتسامة وعد الجديدة لها .... بدت لها وعد و كانها قد ولدت من جديد
بينما هي كانت تخط آخر حروف قصتها .... فاغروقت عينيها بالدموع و هي تطرق برأسها تسير بجوار وعد الممسكة بيدها وسط تصفيق الحضور .....
الى أن وصلا لنهاية الممر ... فرفعت ملك رأسها تنظر الى رائف مجددا .... و ابتسم لها مرة أخرى ..
لكن هذه المرة لم يستطع أن يخدعها .... وهو يبتسم لها ابتسامة مزيفة ... اختفى خلفها اقرار بوضعها الحالي
و ما أن رأت ابتسامته .... حتى انهارت حواجز عينيها ..... فانسابت دموع عينيها بصمت , مسيلة زينة عينيها السوداء مما لطخ وجهها في خطوطٍ مؤلمة .....
كان العالم من حولها يصفق .... بينما هي و رائف كانا في عالمٍ وحدهما .....
حتى أن أحدا لم يعلق على دموعها و ربما لم يلحظها أحد .... فقد تركزت الأضواء كلها على وعد التي كانت تبتسم ما بين الضحك و الوقار ... و هي متشبثة بيد ملك دون أن تتركها ....
صعد مقدم العرض الى جوار وعد .... و معه مكبر الصوت و بعد ان هنأها اعطاه لها كي تقول كلمة مختصرة ....
فنظرت وعد الى مكبر الصوت في يدها مذهولة ... و هي تضحك قليلا ... فشاركها بعض المدعوين الضحك , بينما كان سيف ينظر اليها مبتسما فاغرا فمه قليلا ... و كأنه يراقب الشخص الأجمل لعينه ... و الأقرب لقلبه ...
كانت مرتبكة .... مذهولة .... و هي البطلة امام هذا الجمع ...و الجميع يبتسمون اعجابا ... بل و يصفقون أيضا ...
ابتلعت وعد ريقها .... ثم رفعت المكبر أمام فمها لتهمس بارتباك و هي لا زال تبتسم ثم تضحك مرة بعد مرة
( أنا ....... أممممم .... مساء الخير ....... )
رد عليها بعض الحضور ضاحكين .... فاتسعت ابتسامتها و همست ما بين الإشراق و الذهول لتقول بصوت رقيق بدا مكبرا للغاية فارتج به المكان .... و ارتج به قلب سيف وهو ينظر اليها مبهورا
( أنا في غاية السعادة ... بتشريف كل منكم لعرضي المتواضع ...... )
ابتلعت ريقها قليلا و هي تطرق برأسها .... فانسابت خصلة حالكة السواد على وجهها ... فأبعدتها الى خلف اذنها ... ثم رفعت وجهها بأجمل ابتسامة تصل من الأذن الى الأخرى و هي تقول بعفوية
( لقد جعلتهم هذا اليوم من أجمل و أروع أيام حياتي على الأطلاق ..... بعد أن كان فقط أهمها ...)
صمتت و هي تشهق باكية ضاحكة فجأة .... رافعة يدها الى فمها .... بينما كانت عينا سيف تتسعان و فمه مفتوح قليلا ... لا يصدق أن زوجته الجليدية هي نفسها تلك الطفلة التي لا تستطيع تجميع جملتين معا ...
و ها هي تضحك و تبكي في آنٍ واحد ... حتى انها رفعت نظارتها الى اعلى رأسها و هي تمسح وجنتيها بيدها ... بينما تعالى تصفيق عالٍ كتشجيعٍ لها ... مع هتاف البعض كي لا تتخاذل ...
فأخذت نفسا مرتجفا و رفعت وجهها لتنظر حولها .... دون أن تركز عينيها على سيف الذي كان حاله غريبا ...
ما بين الزهو و الألم .... العشق و النزف سرا .....
انها تبدو كوردة تتفتح أمام عينيه .... أو كفراشةٍ تخرج من شرنقتها .....
انها تحلق بعيدا .... و كم هي تليق بالتحليق عاليا في تلك اللحظة .....
و حين شعر بأنه لن يحتمل أكثر ... و أن القبضة التي تعتصر صدره تكاد تخنقه ...
نهض من مكانه ببطىء وهو يقول لرائف بخفوت كي يسمح له بالمرور ...
فنظر اليه رائف مجفلا ... نازعا عينيه عن ملك بالقوة ... فنهض واقفا هو الآخر .... بينما قال سيف بصوتٍ مختنق
( بعد اذنك ..... أنا راحل .....)
سمح له رائف بالمرور ... بينما رد عليه بصوتٍ مشتد و عينيه على ملك
( تفضل .... أنا باقٍ ........... )
كانت وعد تقول بارتجاف الكلمات القليلة التي استطاعتها .... لكنها صمتت فجأة حين لاحظت مقعد سيف الخالي !!!
ففغرت شفتيها القانيتين قليلا و هي تنظر الى كل المقاعد دون ان تجده .... لقد رحل !! ...
زفرت نفسا مرتجفا تردد صداه في مكبر الصوت .... فنظرت اليه قليلا بملامح واجمة ... و أعين الجميع عليها .... قبل أن تقول بصوت خافت ... ثابت ....
( أود فقط ان أشكر كل من ساعدني ..... صديقتي الوحيدة كرمة .... أختى ملك , ... تلك الجميلة صاحبة الوجه الدعائي ..... السيد يوسف الشهاوي .... و رجالى .... علي و راوية .... انهما بذرة فريقي ... حين لم يكن هناك سوى ثلاثتنا فقط ..... )
ابتسمت راوية و هي تنظر الى علي بصمت ... بينما كان هو ينظر الى وعد و قد طاله سحرها في تلك الليلة فبدا عاشقا أكثر من ذي قبل ....
بينما كان يوسف واقفا ينظر اليها بصمت .... و ملامح وجهه حزينة مدركة ... بأن هذه الجميلة , لن تكون له مطلقا .....
فتابعت وعد بعد لحظة صمت و هي مطرقة بوجهها
( و ...... شكر خاص جدا من قلبي ... لابن عمتى ... و زوجي ..... و حبيبي ....له الفضل في وقوفي هنا بعد الله .... فلولاه لما تمكنت من الوقوف على قدمي ...... )
رفعت وجهها و هي تنظر الى المقعد الخالي لتقرب المكبر من شفتيها و تهمس
( كل حبي و شكري لك يا زوجي و حبيبي ........... )
تعالى التصفيق من كل جانب بينما سحبت ملك يدها فجأة و هي تبصر عينين تعرفهما جيدا ....
تراقبانها من ركنٍ مظلم .... فشهقت بصمت و هي ترفع يدها الى صدرها .....
انهما العينين الجائعتين .... و الذائبتين بعشقها .... تبرقان بنظرة بدت لها مرعبة في تلك اللحظة
فاستدارت لترفع فستان الزفاف و اسرعت الخطا على طول الممر ....
نظرت اليها وعد بصدمة ...بينما تعالى التصفيق مجددا ... ثم عاد مقدم العرض معلنا عن نهايته و التوجه الى مائدة مفتوحة كانت معدة على اكمل وجه .....
نهض رائف من مكانه مندفعا خلف ملك و هو يعلم ان هناك شيء خاطى .... و بالفعل تمكن من الوصول الى المدخل الذي خرجت منه , و ما ان لمحها و هي تجري بفستان الزفاف ... حتى اسرع في عدوه الى أن امسك بذراعها ليديرها اليه بقوةٍ .... فهاله منظر وجهها الشاحب و الملطخ بزينتها السوداء
وهتف بقوةٍ قاطعة زلزلت كيانها
( ماذا حدث يا ملك !! ....... ماذا بكِ ؟؟ ....... )
هتفت ملك و هي ترتعد بعينين حمراوين متسعتين
( انه هنا ...... لقد رأيته ........ انه يراقبني ..... )
عقد رائف حاجبيه ليقول بحيرة ....
( من هو ؟!! ....... من يراقبك ؟!! .......... )
هتفت و هي تتشبث بكفه دون خجل
( شادي .... كريم ...... انه هنا ... لقد رأيته ..... )
عبس رائف بشدة ... ثم قال بخفوت وهو يقربها منه قليلا ...و قد هاله ارتجاف جسدها البشع
( لا يمكن أن يكون هو يا ملك ..... انه لن يجازف بالقدوم الليلة ..... سيعمل على تجنبك تماما هذه الفترة )
صرخت ملك بقوةٍ و هي ترفع يدها المضمومة الى صدرها
( لقد رأيته يا رائف .... رأيت عينيه ..... كانت بهما نظرة مخيفة .... )
رفع رائف رأسه عنها و أخذ ينظر خلفها و جانبهما بحاجبين منعقدين ..... و حين لم يجد له أثرا قال بخفوت وهو يربت على كفها
( حسنا لا تخافي ..... حتى لو كان هو , فلن يستطيع أن يمسك بسوء )
صرخت ملك بحالة غريبة من الهلع
( أنت لم ترى عينيه ..... انه مجنون , انها نفس النظرة التي كانت بعينيه قبل ان يقيدني و يتسبب في قتل جنيني )
سمعا فجاة صوت شهقة عاليةٍ ... تكاد ان تكون صرخة شقت المكان .... فاستدار كل من ملك و رائف وهما ينظران الى وعد التى وقفت على بعدٍ منهما ... متسعة العينين الى حد الذهول و هي تغطي فمها بيديها ....
و نظرة عينيها اخبرتهما انها بالفعل قد عادتا الى وصفهما القديم .... "عيني الجثة " ....
↚
ظلت مكانها طويلا بعد أن ترك الغرفة و خرج .....
جالسة بنفس الزاوية تحت النافذة ... تلتف بغطاء السرير.... متمسكة به و كأنها تتشبث بحياتها ....
عيناها فارغتان .... متقرحتان من شدة البكاء لفترة طويلة الى أن نضبت دموعها تماما .... فبقت على حالها رافعة وجهها ... تنظر الى السماء المعتمة الظاهرة من النافذة أعلى رأسها ......
رأسها الصغير كان يضرب الجدار من خلفها بإيقاع رتيب مستمر .... لم تأبه للصداع المنتشر حول عينيها ... بل لم تشعر به أصلا .... و هي تطرق الجدار مرة بعد مرة دون أن تكل أو تتعب ....
" ماذا حدث لها ؟!! .....لقد تعطلت!!
لقد أصبحت كآلةٍ معطلة ..... حاولت تشغيلها أكثر من مرة دون أن تفلح ...
من أين نبعت تلك الهيستريا التي أصابتها ما ان شن هجومه عليها !! ......
كانت واثقة أنها ستسحره بقدراتها .... فهو رجل في النهاية و رغباته ستتمكن من قتل غضبه يوما بعد يوم ... الى أن يترجاها في النهاية بل يتوسل لها كي لا تتركه ..... كما فعل رابح من قبل تماما ....
كان ذلك هو السلاح الوحيد الذي تملكه ...... انها المؤهلات الوحيدة بيدها و التي كان بعضا منها بداخلها بالفطرة و البعض الآخر اكتسبته منذ طفولتها رغم عنها .....
ما الذي سيجعله يتمسك بها الآن ؟! ......
لا شيء ....
ان كانت قد فقدت القدرة الوحيدة التي كانت تمتلكها .... فبماذا اذن تستطيع أن تجعله ينسى ...
ما هو المخدر الذي يمكنها استخدامه كي تجعله يغفر ... و يسحر بها .......
كان الليل قد أرخى ستائره .... و بقت بعض النجمات الشاحبة من بعيد ... تضيء سماءا ليست صافية تماما ... تماما كروحها .....
بينما هي تنظر اليها بعينيها الفارغتين .... لا تعلم كيف تتصرف .... و ماذا ستكون خطوتها التالية ....
انتفضت فجأة مكانها حين سمعت صوت باب الغرفة يفتح ....
فأدارت وجهها بهلع الى الباب وهو يفتح ..... و يظهر من شقه المضيء جسد وليد الضخم المعروف لديها ...
و حينها أكتشفت أنها كانت تقبع في الظلام الدامس دون أن تلاحظ .....
ابتلعت ريقها بصدمة و هي تراه يقف مكانه عدة لحظات بهيئته المظلمة دون أن تتبين ملامحه ....
ثم لم يلبث أن دخل ببطىء الى الغرفة .....
كانت تتنفس بسرعة و اختناق ..... و هي تحاول جاهدة أن تمنع صوت أنفاسها من الخروج ...
و كأنها مختبئة في زاويتها المظلمة عله يخرج و يتركها لحالها الليلة .....
لكن على ما يبدو أنه قرر أنه قد منحها وقتا كافيا ليعاود هجومه مجددا ......
فغرت شفتيها المرتجفتين قليلا و هي تراه يتقدم الى ناحيتها ..... فتراجعت تلتصق بالحائط أكثر ... و بدت كطفلة مرتعبة في الظلام ....
لكنه اتجه فجأة الى المصباح الجانبي بجوار السرير ... فأشعل الضوء الشاحب الباهت ...
رمشت شيراز عدة مرات بعينيها المتقرحتين على الرغم من خفوت الضوء .... و رفعت وجهها اليه , فصدمتها رؤية ملامح وجهه ...
كانت ملامح صلبة ...مخيفة .....
وهو ينظر اليها دون أي ذرة للرأفة ....
كانت تحاول جاهدة ابعاد عينيها عن عينيه المخيفتين ... لكنها لم تستطع و كأن بهما قوة سمرت عينيها ....
فبدت متوسلة و مرتعبة ... تترجاه بصمت ...
ثم تحرك تجاهها ببطىء نمر فترس .... و ما أن لامست قدمه فخذها و هي جالسة أرضا حتى أنحنى ليجلس القرفصاء أمامها .....
شعرت شيراز بأنها فقدت كل قدرة على التنفس ... لذا شهقت بصمت و هي غير قادرة على رفع عينيها عن عضلات صدره الضخمة السمراء المواجة لها ....
بينما ذراعاه القويتان مرتاحتين على ركبتيه .....
كل ما به كان ينبض قوة و شبابا رجولي مهلك .... كانت تراه من قبل ساحرا .... فهي لم تعرف مثله سابقا ...
لكن الآن أصبحت تلك المقومات تشكل لها تهديدا .....
لم تدرك أن ارتجافها تحول الى انتفاضاتٍ ... و هي تضم ركبتيها الى صدرها أكثر .... حتى بدت ككرةٍ صغيرة الحجم مرتعبة .....
حينها تكلم اخيرا بصوتٍ مزدري .... خافت ... زاد من قوة ارتعاشها
( انتِ تجيدين الدور تماما ...... أتدركين ذلك ؟!! ....... )
هزت رأسها نفيا بارتجاف .... بحركةٍ بدت ضئيلة و غير مسيطرٍ عليها .... و همست بصوتٍ ميت ذاهب النبرات
( أنا لا أمثل دورا ....... ......... )
سقطت دمعة من عينها بسرعةٍ دون ان تستطيع منعها .... فابتلعت تلك الغصة التي توشك على ان تخنقها و هي تضم الخطاء اكثر الى صدرها ... و تتراجع اكثر الى الجدار ....
ثم همست أخيرا بصوتٍ بدى غير صوتها .... و كأن أخرى هي من تتكلم
( دعني اذهب ....... ارجوك ..... لن تستفيد مني شيئا .... )
بعبارةٍ واحدة .... ناقضت كل الرعب بداخلها من ان ينبذها لعدم قدرتها على امتاعه .....
بدت و كأن بداخلها شخصين ....
احداهما لا تزال تحمل له مشاعر مبهورة .... لم تعرفها مع رجلٍ قبله ....
و أخرى مرتعبة .... تريد الفرار منه ....غير قادرة حتى على السماح له بلمسها ....
ضحك ضحكة أثارت الرعشة أكثر في أوصالها .... لكنها لم ترفع عينيها الى عينيه ... بل ظلت تنظر الى عنقه فقط بعينيها الكبيرتين المتورمتين ....
فقال بصوتٍ هادىء يحمل تحت سطح هدوءه الكثير ....
( هل كان هذا هو المدخل لكل من ليالي زفافك ؟!! ...... أراهن أن كل منهم قد تدله رغبة وهو يسمع منكِ تلك النبرة المتوسلة ....... )
حينها رفعت وجهها المتورم اليه ببطىئ شديد ... و التقت عيناها بعينيه ...
و دون ان تدري همست بصوتٍ ميت خافت ... و كأنها منومة مغناطيسيا امام عينيه
( واحد فقط ........ كنت أتوسل اليه بخفوت ....... )
التوت عضلة بفكه .... بينما بدت عيناه مرعبتان اكثر .... بدرجةٍ مفزعة .... لكن ملامحه بقت صلبة مزدرية ... فقال أخيرا
( و ماذا كان يفعل حينها ؟؟ ............ )
ظلت تنظر الى عينيه بصمت طويلا .... قبل أن تقول أخيرا بخفوت و هي لا تحمل روحا
( لم يتوقف يوما ......... و كلما توسلت زدت من رغبته بي .... حتى توقفت عن التوسل أخيرا .... )
ضحك قليلا .... و هو يميل برأسه ....
كان صدره بدأ يسرع في حركة تنفسه .... بينما انقبضت كفاه بتوتر ....
بينما ظلت عيناها مسمرتين على عينيه المتوحشتين اللتين فقدتا كل أثرٍ للسخرية ... و بدا وجهه مثالا للسواد و الكره النابعين من داخله ....
و همسة واحدة منه جعلتها تجفل قليلا
( قذرة ............. )
كان تنفسها قد تسارع هي الاخرى قليلا ... لكنها لم تنهار قبل أن تقول بصوتٍ مرتجف بائس
( القذرهو من يطلب السماع بعنجهية .... ثم يظهر ضعفه المثير للشفقة بعدها ..... )
حينها لم يتمالك نفسه فرفع يده و هوى بصفعةٍ على وجهها ....فأغمضت عينيها دون ان ترفع يدها الى وجنتها ...
بل شددت قليلا على ضم ركبتيها الى صدرها و هي تتجنب النظر اليه ... تمنع نفسها من البكاء بالقوة
لكنه أمسك بذقنها بقوةٍ رفع وجهها اليه بعنفٍ أكبر من قوة صفعته ... وهو يقول بصوت بدا مهتزا من شدة الغضب البادي في عينيه الناريتين
( أنذرتك بمراقبة ألفاظك ...... و لا تتخيلي للحظة بأنني سأتحلى بالشهامة الكافية كي أعاملك كامرأة محترمة .... فانت خسرتِ هذا الحق بنفسك ...... لذا لا تحاولي اختبار رجولتي بتلك النقطة ..... فهي شبه منعدمة فيما يخصك ........ )
كانت تنظر اليه من بين انفاسها المتسارعة .... و دون ان تتمكن من منع لسانها همست و هي تنظر الى عمق عينيه
( قذر ....... ككل من عرفتهم .... بل اشد قذارة ..... )
اتسعت عيناه للحظة .... قبل ان يعقد حاجبيه و يهدر من بين آتون انفاسه وهو يشدد على فكها بقوةٍ كادت ان تهشمه
( ايتها ال ....... و تجرؤين على التطاول بالألفاظ بدلا من شعورك بالخزي و العار !!!! ....... )
..... اخرسي قبل ان اصيبك بحق )
مال وجهها قليلا بينما احمرت وجنتها قليلا و باتت وردية و كأنها وجنة فتاة خجولة بريئة ... و ما ابعد الواقع عن الظاهر ....
لكنها لم تلبث ان نفضت شعرها و هي تعاود النظر اليه .. فقالت بشراسة خافتة بدأت تعود اليها قليلا ...
( هذا ما تتمناه ...... أليس كذلك !! ..... أن تشعرني بالخزي و الدناءة !! ...... )
و ما ان تمكنت من استثارة عينيه و اسرها ... حتى مالت بوجهها و بصقت باتجاهه بكل قوة ... ثم همست من بين اسنانها
( اذن ستنتظر هباءا .....هذا رأيي بك ........ يا أدنى من حيوان ....... )
لم تعلم أنها رمت نفسها بتلك الحركة في دوامة جنون عصفت به فأغرقتها و هو يندفع ليقف على قدميه فجأة ,,,
ثم انحنى ليقبض على معصميها ليوقفها بحركة واحدة .... و مجددا ضربها حتى دارت حول نفسها ...
ترنحت قليلا .. الا أنها عادت لتلتفت اليه و هي تبعد شعرها عن وجهها الملتهب ... لتنظر اليه بنيران عينيها الخضراوين ... قبل أن تندفع و تهتف من بين اسنانها بلفظ سباب لا ينطق الا في الطبقات الدنيا ... خاصة و انه نال من والدته .....
عادت عيناه لتتسعان قبل ان يندفع نحوها مجددا وهو يهدر و قد فقد السيطرة تماما على جنون غضبه
( اقسم أن انظف لسانك القذر هذا ........ )
ثم ضربها لتتراجع للخلف حتى ارتطمت بالدولاب من خلفها ثم سقطت أرضا ... الا أنها لم تنتظره هذه المرة ... بل اندفعت واقفة و هي تصرخ من بين شهقات تنفسها الهائج
( قبل أن تفعل .... دعني اذن أنقل لك المزيد من رأيي بك ايها ال **** )
فغر فمه قليلا و هو ينظر الى وهي تقف أمامه مشعثة الشعر ... براقة العينين بجنون مفاجى ... بينما طولها كله لا يتعدى كتفه .... حتى انها تبدو في السادسة عشر من عمرها لا أكثر .... و مع ذلك كان لسانها يخرج أقذع الألفاظ .... و لم تتوقف و هي تصرخ بجنون
( أنا تربية طرقات و دور رعاية ...... الأسوأ منها ..... و ما سمعته ليس سوى قطرة مما سينالك مني .... )
هجم عليها و هو يمسك بشعرها في قبضته وهو يهدر بجنون ....
( اخرسي .......... )
لكنها استمرت في السباب و نعته بكل ما يمكنها و هي تقاوم غير آبهة لشعرها في قبضته .... بينما قدمها تركل ساقه بكل قوتها و هي تصرخ و تصرخ و تصرخ ......
و كأنه قبض فجأة على مشردة ..... من ساكني الطرقات ....
حينها لم يتمالك نفسه من الصراخ مجددا مذهولا وهو يهزها بعنف
( اخرسي يا شيراز ........ اخرسي ....... )
لكنها لم تستطع ..... بل ظلت تقاومه و تصرخ بلسانها البذيء .... الى أن صفعها بقوةٍ أكبر من الصفعات الواهية التي سبقت تلك .....
حينها ترنحت في قبضته قليلا و رمشت بعينيها عدة مرات كي تستعيد قدرتها على الرؤية ....
حتى أنها امسكت بذراعه ذات اليد القابضة على شعرها .... و هي تسند نفسها كي لا تسقط ....
بدى الكون يدور من حولها قليلا ...... فهمست من بين رؤيتها المشوشة
( عديم الرجولة .......... ككلكم ...... و انا التي ظننتك ...... مختلفا ..... )
نطقت كلمتها الأخيرة و هي تتهاوى قليلا ... الا انه سارع بلف ذراعه حول خصرها و رفعها الي صدره ... قبل أن يتجه بها الى السرير .... و ألقاها عليه بفظاظة ثم وقف ينظر اليها وهو يتنفس بسرعة بينما كل ذرة به تشتعل سخونة و غضبا .... كان يهدر من أعماقه و حتى خارجه ....
وصل الى حالٍ من الغضب جعله يفقد آخر ذرات رجولته كلها في بضعة ساعات قليلة ....
بينما كانت شيراز مستلقية و هي ترمش بعينيها .... حدقتاها تهتزان بعدم تركيز و هي ترفع يديها الى جانبي جبهتها .... تلمسهما بترنح و هي تلف رأسها يمينا و يسارا قليلا .....
بدت غير واعية لوجود وليد ..... بينما هو بدى في حالٍ مختلف قليلا وهو يطالها بنظراته و قد انحصر الغطاء عنها .... فبدت أصغر سنا بحجمها الضئيل و شعرها المشعث ....
كان بها شيء يجذب الجانب الخفي الغير متحضر من أي رجل يراها ..... ربما مظهرها الطفولي الهمجي قليلا ..... لا يعلم .... لكن ما يعلمه هو أنه انجذاب مريض الهوى قليلا ....
دون حتى أن تفعل شيئا ......
ابتلع ريقه قليلا وهو يشعر برغبة لحظية اشتعلت بداخله مجددا ... تختلط بغضبه و جنونه ......
فزفر نفسا مرتجفا و هو يختبر في نفسه شيئا لم يألفه من قبل ..... وإن كان قد شعر ببعض بوادره في بداية تعارفهما .... لينمو برقي تحت أشعة الشمس و بقرب البحر .....
لكن الآن .... غابت الشمس ... و انحسرت أمواج البراءة .....
فانكشفت له رغبة عنيفة بداخله ..... رغبة مجردة , لا يمنعها غضبه و احتقاره .... و شعر في تلك اللحظة و كأنه .... و كأنه تعرى أمام مرآة داكنة .... غريبة على ناظريه .....
انحنى اليها قليلا ويده تمسك بحافة الغطاء عند خصرها ..... و أصابعه تنقبض عليها قليلا .... بينما عيناه تطوفان بها على غير هدى و هي تبدو في حالةٍ غريبة من الضياع و الدوار ......
حينها تمكنت من النظر اليه بعينيها الضائعتين ... فهمست بتركيز متداعي
( لا تظن نفسك .... أكثر نظافة مني ...... أو حتى من أي ممن تزوجت منهم ...... كلنا في نفس المستنقع و أنا التي ظننت ....!! ..... أنا التي ظننت ....... )
ضاع صوتها قليلا و هي تسبل جفنيها بتعب ..... الا أنها انتفضت ما أن شعرت بذراعين تلتفان حولها لترفعانها الى صدرٍ قوي .... فتحت عينيها و حاولت مقاومته .... الا انها لم تفلح في زحزحته ولو لخطوة ....
بينما همس صوته الأجش في أذنها بنبرةٍ مخيفة في خفوتها
( أنا لست ...... لقيطا ......... )
مدت يديها الى كتفيه تحاول ابعاده .... الا أنها كانت كمن يزحزح جدارا ..... بينما شعرت بشفتيه تلامسانها بنفسٍ خافت يحترق بسخونة تعرفها جيدا
فصرخت بنشيج غاضب .. و دمعة ساخنة
( هذا ليس فضلا منك .............. توقف عن النطق بتلك الكلمة ايها الحقير )
حاولت المقاومة بكل ما تبقى لها من قوة .... لكنها اكتشفت أنها لم تعد تمتلك ذرة منها ....
فلم تجد سوى أن تهتف باعياء وهو يميل بها الى أن استلقت على السرير
( لا ...... ابتعد ........لا أريد .... )
حينها همست شفتاه الجائعتان بالقرب من اذنها ... يحاول نيل ما قد يمكنه من التوقف
( لمن قلتها قبلا ؟!! ........... )
صدر منها أنين و هي تحاول الإبتعاد عنه دون جدوى .... فهتفت بتعب و قهر
( لا أحد ....... لم يحدث أن طلبتها من احد ....... )
فتحت عينيها و نظرت الي عينيه بنيرانٍ خضراء قاربت على الإنطفاء ثم همست مشددة على كل حرف و هي تئن بتعب
( أنت الأول ....... ابتعد عني .......... )
لكنه كان قد وصل الى قمة شعوره بها ... فأمسك بذقنها وهو يمر بشفتيه على فكها قائلا بصوتٍ محتقر لكنه يشتعل
( لقد تركتك فترة كافية حتى تخلصتِ من كل تظاهرك بالجنون .... و ها أنتِ بدأتِ بدورٍ جديد .. لكنه لن يوقفني الآن شيراز ...... )
صدر عنها أنين آخر و هي تحاول مقاومته بقوى واهنة مضحكة و هي تحرك رأسها يمينا و يسارا ... قبل أن تهمس بأسى و نشيج
( اسمي بشرى .............. )
صدرت عنه ضحكة قميئة ... تردد صداها داخل تجويف اذنها ., فأغمضت عينيها عن رؤية ملامح وجهه في تلك اللحظة .... لكنه قال بخفوت و هو يتذوق طفولتها بارادةٍ مسلوبة
( فليكن بشرى ..... لو سيجعلك ذلك اكثر تقبلا للأمر ...... )
همست أخيرا بأنينٍ يائس حاد النبرات و كانه وتر مشدود
( ارجوك ........... لا تفعل .... لا اريد ان تكون بهذا الشكل ..... ليس هكذا ارجوك .... لم اعد املك الطاقة لمقاومتك ...... )
شعرت بجسده يتشنج قليلا .... فنظت انه سينسحب بالفعل , لكنه سرعان ما استعاد قوةٍ مظلمة الاحساس وهو يهمس في اذنها مباشرة بكلمةٍ خطها ذات يوم على بطاقة باقة ورد
( آسف .......... )
و كانت تلك هي الكلمة الوحيدة بينهما قبل ان يتمكن من سحق كل اعتراض لها ..... بقوةٍ همجية قليلا ...
كانت اقل بكثير ... و لا تقارن بهمجية من عرفتهم قبله .....
لكن لأنها صادرة عنه هو ........ فقد جعلت منه حيوانا ....
يلتهم منها ما يستطيعه .... و براكين غضبه تزيد الأمر سوءا ......
حينها عرفت ان المزيد من المقاومة سيقصمها شطرين ..... فأسبلت جفنيها ..... و نشجت بصوتٍ خافت ضاع بين هدير انفاسه و قبلاته .... بينما هي تحاول جاهدة الذهاب الى مكانٍ بعيد بعقلها ......
و كأنه كان يدرك ما تفكر به ..... فامسك بفكها بين قبضته بقوةٍ حتى فتحت عينيها و نظرت اليه من خلف دموعٍ خضراء متجمدة ... حينها همس بصوتٍ أجش ما بين عاطفة و غضب
( أنتِ بخيلة جدا معي ..... على الرغم من أنني كنت أكرم من كل أزواجك السابقين .... لكنك تصرين على منحي الفتات ...... )
فغرت شفتيها قليلا و كأنها تنوى النطق بشيء ... لكنها لم تلبث أن أغلقتهما قليلا و همست بعد لحظةٍ بصوتٍ ميت
( خذ ما تريده ....... لقد تعبت ...... هذا أفضل عقاب لك .... و حين تنظر الى نفسك في المرآة بعد أن تنتهي مني .... ستتذكر كلماتي ..... )
التوت شفتيه قليلا فيما يشبه ابتسامة ساخرة ... الا أنها كانت فاقدة روح السخرية الحقيقية ....
و قبل أن يتراجع ... هبط بوجهه اليها ..... و قرر نيل العقاب , بعد ان انتصرت عليه غرائزه ........
و صوت بكائها الناعم يطوف بأذنه دون هوادةٍ .. فيشعل من رغبته بسادية لم يعرفها قبلا .....
بعد فترةٍ طويلة مجهدة .... رمى نفسه بعيدا عنها وهو يلهث بتعب ... بينما اهتز السرير بها و هي مستلقية مكانها كجثة هامدة ...
فأغمضت عينيها لتنساب من تحت جفنيها آخر دموعها .....
كانت تسمع أصواتا مكبوتة حادة له وهو يرتدي ملابسه ..... فلم تقوى على النظر اليه و تمنت من قلبها أن يغادر .... كفاها من تلك الليلة التي لم تتخيلها في أسوأ كوابيسها ...
أي حمقاء كانت حين وثقت أن هناك شيئا ما يسمى حبا .... قد يغفر لها يوما ....
انتفضت فجأة حين شعرت بقبضته القوية تمسك بكفها و ترفعها ... ففتحت عينين مذعورتين و هي تشهق بخفوت لتضم اليها الغضاء ....
و كانت حركتها الصغيرة وصوت شهقتها قد وصلتا الى عينيه القاتمتي السواد .. واذنيه ....
فتشنجت عضلاته قليلا .....
أو ربما أنها توهمت ذلك و هي تنظر الى يده الأخرى التي ارتفعت لتدس شيئا باصبعها بقوة مكبوتة ...
رمشت بعينيها قليلا حين دفع يدها بعيدا ... فرفعت كفها بجهد أمام وجهها تنظر الى حلقةٍ ذهبية بسيطة جديدة ... التفت حول اصبعها ......
ثم رفعت عينيها الناعستين اليه بتساؤل .... فرأت وجهه المشوش خلف غيامات الارهاق و قد بدا غريبا و كأنه شخص ثالث .... ليس من احبته ... و ليس الهمجي الذي قضى على مقاومتها خلال الساعات الماضية ....
بل شخص ثالث بتعبير متباعد .... يحمل الكثير ..... وهو يقول بصوتٍ أجوف قاسي
( لا تخلعيها من اصبعك ......... )
حاولت الرد .... و هي تبحث في قاموسها عن احدى مصطلحاتها اللاذعة .... لكن لسانها ثقل , كما ثقل جفناها ..... و تساقطت يدها الى جوارها ببطىء ....
حاولت ان تفتح عينيها عدة مرات .... لكن التعب كان قد نال منها و من كل ذرةٍ بروحها .... فهمست مستسلمة
( حسنا .............. )
و كان هذا آخر ما أدركته من عالم الواقع ... قبل أن تغيب في سباتٍ عميق , أغرقها بعيدا عن العالم المر الذي تحياه مؤقتا .....
ظل وليد ينظر اليها قليلا بتعبير غير مفسر .... قبل أن يبتعد عنها مسرعا ..........
و قف تحت الماء البارد لفترةٍ طويلة مطرق الرأس .... مستندا بكفيه الى الجدار الرطب .......
كان جسده يبدو كحجرٍ ضخمٍ يشتعل .... و لم يفلح الماء في تهدئته ....... بدا و كأنه قد خرج للتو من فيلم ردىء .....
كيف استطاع الاستسلام الى نوبة غضبه و احتقاره حتى وصل الى القاع بتلك الصورة ...
خرج من تحت الماء أخيرا .... فلف خصره بمنشفة دون أن يزعج نفسه بتجفيف جسده .....
استند الى المغسلة عدة لحظات قبل ان يرفع وجهه الى المرآة أمامه ..... و التقى بعينيه ....
حينها تذكر صوتها و هي تهمس بضعف
" خذ ما تريده ....... لقد تعبت ...... هذا أفضل عقاب لك .... و حين تنظر الى نفسك في المرآة بعد أن تنتهي مني .... ستتذكر كلماتي ....."
كيف استطاع أخذها عنوة بتلك الطريقة !! ....
صحيح أنه لم يخطط لحرمان نفسه منها .... بل كان عازما على نيل كل ما يستطيعه من تلك الزيجة الخاسرة ....
الا أنه لم يتخيل كذلك أن تصر على مقاومته للنهاية ..... فيأخذها رغم عنها !! .....
همس من بين شفتيه بصوتٍ غريب
( تبا لكِ ........ و كأنك دخلتِ الى هنا و أثرتِ فوضى من الدناءة من حولك .... )
عاد لينظر الى عينيه الحمراوين الهمجيتين ... و فكه الملتوى بقسوة ...... و همس بجنون
( لماذا أحضرتها الى هنا ؟!! ......... أي سلطانٍ تمتلكه تلك الفتاة الضئيلة المشردة على رجالها ؟!! ... )
صمت قليلا و هو يتنفس هسيسا مسمما .... ثم همس بهياج وهو يضيق عينيه
( تبا لكِ ....... و لماذا أهتم !! ...... أنتِ بعتِ و أنا اشتريت ....... لست الأول و لن أكون ال ....... )
لم يستطع اكمال عبارته .... بل شعر أن نارا سوداء انتشرت بداخله منعته من نطق الكلمة الأخيرة ....
فبدا ذلك له ضربا من الجنون ......
بعد ما كان بينهما الليلة .... وهو يعيش حالة من هادرة من تخيل كل لحظةٍ لها مع رجالٍ غيره .... و كان هذا من المفترض ان يكون كفيلا لان يجعله ينفر منها و يلفظها من بيته ...
الا ان هذا لم يحدث ..... بل جعله الجنون الذي يشعر به غير قادرا على تخيل ان يكون هناك من يمتلكها بعده ....
رجولته تزأر حاليا من حالٍ وصل اليه .......
ضحك بقتامة بغيضة
الأخير و ليس الأول في حياة امرأة منحها اسمه !! ......
شعر بأنه حاليا على وشكِ ارتكاب جريمة .... و ان من الافضل له ان يغادر البيت قبل ان يتهور ...
عاد الى الغرفة ينوى ارتداء ملابسه .... و الخروج قبل حلول النهار ......
لكن الضوء الشاحب كان قد بدأ ينتشر في الغرفة بالفعل ..... ممتزجا مع ضوء المصباح الذي كان لا يزال موقدا بجوارها ....
وقف وليد يتأملها قليلا ....
صغيرة جدا في منتصف السرير الواسع .... و قد انتشر شعرها الزغبي من حول وجهها و كأنه هالة ذهبية تامة الاستدارة ..... فبدت كشمس صغيرة مرسومة على احدى كتب الأطفال ....
لم يشوه تلك الهالة من البراءة الزائفة سوى آثار صفعاته لها و التي بدأت في الظهور على وجهها .....
عقد حاجبيه قليلا ....
لم ينوى ضربها ...... على الرغم من كل غضبه و احتقاره لها , الا أنه لم يكن ينوى ضربها ....
الفرق بين حجم جسديهما مهول ..... لذا لم يتخيل أن يضربها .......
لكن كلما اندفع لسانها الشبيه بلسان الأفاعي فقد السيطرة على أعصابه ......
انقبضت كفاه الى جانبه .... و هو غير مستوعب أن هاتين القبضتين اللتين حملتا الحديد من قبل قد مارسا هذه العدوانية تجاه امرأة بتلك الصورة العنيفة !! .....
وجد نفسه يجلس على الكرسي المقابل للسرير يتأملها بصمت ......
كيف استطاع الرغبة في التقدم للزواج من فتاة لم يعرفها قبلا ..... و في النهاية يتحول الى أكبر مهزلة في التاريخ !!
أفلتت منه ضحكة شبيهة بضحكة مارد شيطاني ....
كيف كان بمثل هذا الغباء !! .... لقد بدت كفتاة طبيعية للغاية !!!
عرفها لاشهر طويلة .... لم يبدر منها أي مما قد يثير الشبهة ...
لقد لحق بها الى بيتها عرف محل سكنها .... كل ما يحيط بها كان بسيطا و غير مبهرجا ....
حتى ملابسها الجريئة التي كانت تثير جنونه .... ظنها مجرد عادة لفتاة اعتادت الوحدة دون رقيب بعد فقدانها لأبويها ....
لسانها السليط كان يظنه وسيلة دفاع اتخذتها ضد أي متهجم عليها ....
رفع يده الى فكه و هو يتذكر ارتعاشها و خوفها كلما اقترب منها في البداية .... كيف تمكنت من تمثيل الدور بمثل هذا الإتقان ؟!!!! .... تبا .... لقد ظن أن مأساة حدثت لها ..... و كان مستعدا لأن يداويها بنفسه !
همس بصوت خافت أجوف
( ياللغباء ! ............. لقد خرجت من بين يديها كرجلٍ ساذج لم يعرف في الدنيا شيئا ...)
تحركت قليلا و كأن همسه ضايقها .... لكنها عادت لتستكين في نومها متأوهة قليلا ... حتى أن حاجبيها انعقدا و كأنها تتألم .....
زفر نفسا مختنقا .... لقد كان كالحيوان معها !!......
أظلمت عيناه قليلا و هو يتذكر عبارتها المأساوية عن رابح ... زوجها الأخير .....
عن كونه ساديا و مقرفا ..... و على الرغم من ذلك , كانت ترضيه !! .... هل هذا هو سبب ارتعاشها ؟!! ...
أنها تحملت الكثير من الألم من قبل !!
زم شفتيه وهو يشتم نفسه بجنون .... ها هو قد بدأ في منحها أعذارٍ و تبريرات .... أي شيء يصلح من منظرها !!
تنهد تنهيدة كالجحيم ثم أرجع ظهره للخلف وهو يسأل نفس السؤال .... لماذا أدخلها لحياته !! .....
و حصل على نفس الإجابة في كل مرة ...... لم يكن ليستطيع تركها تخرج هكذا ..... ببساطة !! ....
.................................................. .................................................. ......................
فتحت عينيها بضعف و هي تشعر بكل عظمةٍ في جسدها تؤلمها ..... فتأوهت بضعف ....
رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تعاودها ذكرى ليلة أمس .... من بدايتها و حتى النهاية البائسة ......
رفعت يدها بشك و هي تتأمل الحلقة الذهبية في اصبعها .....
فتأوهت بشرى بصوتٍ غريب .... يبدو كصوت حيوان صغير يتألم من مصيدة ناشبةٍ في جسده .....
و ظلت تنظر الى السقف طويلا بلا أي تعبير أو شعور ..... كانت متبلدة تماما .....
لقد افسد كل شيء ......
لكن هل تلومه ؟!!.........
نهضت ببطىء حتى استوت جالسة و هي تنظر الى السرير المشعث بفظاعة ....
فهمست بخفوت ضائع
( هذا جزائك حين صدقتِ في لحظةٍ ما ان هناك وهم ما ...يسمى ...... الحب .... )
اطرقت برأسها بوجهٍ شاحب ..... باهت دون حياة . و هي تدلك ذراعيها اللتين تحملان علاماتٍ زرقاء ... فتأوهت قليلا .....
لكم تشعر بأنها استيقظت مختلفة الآن !!! .....
لقد بدد كل احلامها الغبية خلال ليلة واحدة ... اكتشفت االان انها لم تكن تبحث معه عن المتعة ....
اكتشفت ان شبابه و رجولته الجسدية لم يجذباها ابدا ..... بل كانت تبحث معه عن من يربت على اوجاعها ...
و ها هي افاقت على صفعاتٍ بديلا عن تلك التربيتات التي انتظرتها .....
نهضت من مكانها تتعثر و تكاد تسقط تعبا .... و اضطرت الى الامساك بحافة السرير الى ان توازنت ....
ثم تحركت ببطىء خلال الغرفة ...... و هي تنظر حولها بعينيها المتورمتين .....
لكنها اصطدمت فجأة برؤية فتاة تشبهها الى حدٍ ما في المرآة المقابلة لها .....
شهقت بشرى بصوت خافت و هي تنظر الى صورتها .... ثم اقتربت تميل اليها محدقة ... و هي تعقد حاجبيها ثم همست
( ياللهي !! ....... ما كل هذا !! ....... )
رفعت يدها تتلمس وجهها الذي بدا ملونا بألوان الطيف .... ما بين كدماتٍ حمراء و زرقاء و أرجوانية .....
فغرت شفتيها و هي تقول بصدمة
( يالها من ليلة زفاف !! ............ )
استدارت حول نفسها تتابع تأملها للغرفة الأنيقة البسيطة ككل البيت .... ثم اتجهت ببطىء الى الدولاب ....
ففتحته تتأمل ما به قليلا .... قبل أن تلتقط فستانا أخضر فاتح قطني ..... بدا مريحا بقدر ما احتاجت في تلك اللحظة .....
أدخلته في رأسها لتشد حوافه عليها .... و بدا واسعا قليلا ... لكنه كان مريحا و ناعما ....
مدت أصابعها و تخللت بها خصلات شعرها .... ثم أخذت نفسا و هي تنوي الخروج الى المزيد من أقدارها ...
من الواضح من سكون البيت أنه قد خرج .... فحمدت الله على ذلك ....
فهي لم تعد قادرة على السيطرة على لسانها أمامه .... و هو أوضح لها بكل جدية عدم نيته في السماح لذلك بالإستمرار ....
كانت تنوي الاتجاه الى الحمام بحثا عنه ..... الا أن الصداع الذي تملكها جعلها ترفع يدها الى وجنتها النابضة بألم .... فبحثت عن المطبخ عوضا
الى أن أبصرته .... فاتجهت اليه مباشرة , ..... فتحت المبرد و هي تنظر اليه بتدقيق ..... فلم تجد ثلجا ...
حينها همست بخفوت
( أي غباء هذا !! ...... لا توجد مكعبات ثلج !! ..... أوووف )
لكنها وجدت أكياس الخضراوات المجمدة سريعة التحضير .... فأمسكت بأحدها بغضب و هي لا تجد بديلا لها ...
ثم رفعتها و ضغطتها الى أعلى وجنتها ... فأغمضت عينيها متأوهة براحة ....
لكن حركة من خلفها جعلتها تشهق عاليا و تستدير و الخضراوات المجمدة تسقط من يدها .....
اتسعت عيناها و هي تجده واقفا في باب المطبخ ... ينظر اليها و كأنه مصدوما مما كانت تفعله ,.....
ارتبكت بشدة و ....... خجل !! ....
كادت أن تنفجر ضاحكة بهيستيريا و هي تشعر بالخجل ربما للمرة الأولى ....
لكن طيف ليلة أمس مر سريعا بمخيلتها مما جعل وجهها يتورد قليلا .....
" ماذا يفعل هنا ؟!! ....... ظنته خرج !! ..... "
ابتلعت ريقها و هي تبتعد و تتراجع ببطىء الى أن استندت بكفيها الى السطح الرخامي خلفها ....
كان عاري الصدر .... ضخم الجثة .... تماما كما تعرفه من على الشاطىء ....
حاولت تمالك نفسها سريعا ... و هي ترمش بعينيها قبل أن تقول بفتور
( ظننتك خرجت ............ )
لم يرد عليها على الفور ... بل ظل ينظر اليها و كأنه كان ينتظر منها شيئا مختلفا .... ماذا ؟!!
مزيدا من الهيستيريا ربما !! ...
اذن سيكون مخطئا .... لقد تدربت على أيدي افضل المعلمين ... و جنونها ليلة أمس لم يكن سوى جنون الصدمة الألى ليس الا .......
طافت عيناه على وجهها الملون ...... بتعبير لم تفهم إن كان ندما أو لا مبالاة .... فملامحه كانت متصلبة تماما .....
انحنت بشرى و هي تلتقط أنفاسها المرتجفة خفية ... لتلتقط كيس الخضراوات و تعيده مكانه ... ثم أغلقت باب البراد بهدوء و هي تتابع حين يئست من رده ....
( بيتك لطيف ........... )
اتسعت عيناه قليلا ... و كان هذا هو البادرة الآدمية الوحيدة التي أظهرها منذ أن رأته صباحا .....
حينها ابتسمت ابتسامة صغيرة ... فاترة ... ميتة ... و هي تقترب منه حافية القدمين على ارض المطبخ .... الى ان وصلت اليه تحت انظاره الحادة الثاقبة ....
و كونها حافية القدمين جعل من قامة رأسها لا تتعدى صدره ... فرفعت عيناها الخضراوان المتورمتين الفارغتين و اخفض هو عينيه البنيتين اليها بصمت .... و سمعت صوتا خفيفا لأنفاسه الخشنة ....
مما زادها رضى ...
رضى غلف الألم بغلافٍ جليدي و دفنه عميقا كما صممت منذ لحظة خروجها من غرفته ....
فقالت بصوتٍ ناعم أنثوي ... يفتقد الإغراء الذي كان يوما .... و هي ترفع احدى حاجبيها
( ماذا ؟؟!! ...... هل فقدت صوتك بعد الليلة المجهدة ؟!! ....... )
عادت ملامحه لتشتد خطوطها .... و أظلمت عيناه .... و ظل ينظر اليها طويلا , حتى كادت ان تفقد تظاهرها بالتماسك .... فقال اخيرا بصوتٍ صلب بارد
( هل هذا انفصام في الشخصية ؟!! .. أم أنكِ ببساطة خلعتِ عباءة الدور الذي كنت تمثلينه ليلة أمس ؟! .... )
ابتسمت أكثر قليلا و بفراغ أعمق ... و هي تبتلع كل غصة و أخرى , تماما كمن يبتلع شفرة حلاقة مسننة .... نفس الألم ...
ثم رفعت يدها لتلامس بها عضلات صدره بخفة .... تمر بأصابعها في دوائر ... حتى شعرت بعضلاته تتشنج تحت يدها .... فالتوت ابتسامتها و هي ترفع اليه نظراتها الخضراء المشعة ...
ابتلع ريقه بصعوبة و هو يرى جيدا .. خبرة لم يلحظها من قبل .... خبرة ممتزجة بفطرة غريبة ...
و بدا منظرها العشوائي ... و أشعة الشمس تلمع من خلفها على شعرها الذهبي ... حافزا له كي ينهل من فوضويتها و طفولتها مجددا .....
ثم ابتعدت عنه فجأة فشعر بخطوط جليدية في مناطق لمساتها الحارة .....
نظر اليها و هي تبتعد بخطواتٍ خرقاء .... الى الثلاجة مجددا لتفتح بابها السفلي بحثا .... الى أن وجدت زجاجة مياه .... فرفعتها الى فمها و أخذت تنهل منها ببطىء متمهلة .... غير متعجلة على الرد ....
بينما قطرة ماء باردة تساقطت على عنقها المتراجع للخلف .... حتى وصلت الى حافة ثوبها القطني فبللته برقة ....
كانت كل حركة تقوم بها مدروسة بعناية .... و كان يدرك ذلك جيدا , و مع ذلك التهبت نظراته ....
شعر بأنه يريد أن يضمها الى صدره .... يتحسسها برفق مجددا .... برفق ..... لا بعنف .....
و ما أن انتهت دون عجلة .... رفعت يدها لتمسح فمها بظاهر يدها و هي تقول بفتور مفاجىء
( لن يتكرر هذا ............ )
رمش بعينيه و هو غير مستوعب لقصدها .... فاستدارت اليه و هي تتابع بعينيها الخضراوين الكبيرتين بخفوت
( هيستيريا الأمس لن تتكرر ..... سأحاول أن أكون أكثر ...... تعاونا )
سمعته وهو يسحب نفسا أجشا خشنا ..... بينما أظلمت عيناه بشدة .... و انطبق فكاه ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ متقزز قبل أن يستطيع منع نفسه
( الا تملكين ذرة كرامة ؟!! ........ أنتِ تثيرين الإشمئزاز ...... )
كانت تنظر اليه بوجهها الجامد ... دون تعبير ... و طالت نظرتها اليه و كأنها تتأمل سؤاله بعينيها ...
ثم قالت أخيرا بعد فترة طويلة ... بصوتٍ أجوف
( هل نظرت الى نفسك في المرآة اليوم ؟!! ...........)
التهبت عيناه فجأة بصراعٍ قوي .... و سؤالها الخافت بدا و كأنه لطمة أدارت وجهه .... فقال بصوتٍ متشنج
( هل تحاولين التحلي بدور الضحية ؟!! ........ جدي دورا آخر من أدوارك يا شيراز ... فدور الضحية تحديدا لا يلائمك .....)
ظلت تنظر اليه طويلا و هي تميل برأسها قليلا ... قبل أن تقول بخفوت هادىء
( لكنه يناسبك تماما ........ حاول أن تقنع نفسك بهذا الدور حين تنظر الى نفسك في المرآة مجددا ....)
اتسعت عيناه .... و هو يشعر بأنها ترد اليه كل صفعة بمهارة دون أن تلمسه .... لكن الغضب كان أقوى من ان يسمح له بأن يكون منصفا ... فاقترب منها على أرض المطبخ ... و عيناه الغاضبتان عليها ....
ارتجفت قليلا .... الا أنها رفضت الاستسلام للخوف منه .. فقد مرت بما هو أسوأ آلاف المرات ..
فبقت مكانها .... على أرض حلبة النزال .... لكن المعركة كانت غير متكافئة ....
وقف على بعد خطوة منها ليقول بصوتٍ خطير
( اسلوبك لا يعجبني ......... احذريني ...)
تعمدت رفع وجهها اليه .... ثم رفعت يدها تتلمس آثار صفعاته قبل أن تقول ببهدوء خافت
( بالتأكيد ...... لا أريد أثارة غضبك كليلة أمس .... أعدك ... لن يتكرر هذا ...)
صرخ وليد فجأة
( توقفي عن اسلوبك هذا ....... لن تنالي به شيئا .....)
ارتجف كيانها من صرخته المتوحشة ... الا أنها تماسكت و بقت هادئة ظاهريا , بينما هي تشعر بالتضعضع في كيانها كله ..... فقالت ببرود
( لا أرجوك ......أنا لا أريد أن أخسر ربحي من تلك الصفقة ...... فأنا سأبذل بها الكثير من المجهود ...... )
التمعت عيناه قسوة و تلجم لسانه قليلا ... الا أنه لم يلبث أن قال بخفوت مكررا
( لقيطة ............ )
تراجع وجهها قليلا .... الا انها تماسكت بكل قوتها ثم قالت بنفس الفتور
( تلك الكلمة تجرحني ..... لا تكررها .......)
رفع حاجبيه مندهشا لأدبها المفاجيء بعد ما سمعه منها ليلة أمس ... لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك عاليا أمام وجهها المتجمد الباهت و هي تراقبه ببلادة الى أن انتهى من ضحكاته ...
و ما أن انتهى حتى نظر اليها مليا بعينين قاسيتين ... قبل أن يقول ببساطة ...
( لماذا تنكرين الواقع ؟! ..... لا ازال اتذكر حتى الآن تلك القصص المثيرة للشفقة التي نسجتها في حكايا طويلة متضافرة ...... )
صمت قليلا وهو يدور حولها ببطىء ... ناظرا اليها بسخرية و استهانة بينما بقت هي واقفة مكانها بتضاؤل ... بينما ملامحها ثابتة كتمثال حجري .... فيما تابع هو بصوتٍ خافت اثار في نفسها قشعريرة
( عن والديك الرائعين ..... والدك تحديدا الذي كنتِ تعدين له القهوة , و ماذا عن شقيقتيكِ المتزوجتين بعيدا ...... و خالك .... )
صمت قليلا وهو يضرب جبهته بيده ضاحكا دون مرح ... بل كانت ضحكة مقيتة ... وهو يقول متعجبا بشراسة
( خالك !! .............. )
ثم لم تلبث الضحكة ان ماتت تماما .... و حلت محلها ملامح مرعبة بالتدريج ...
فانقض عليها فجأة ليمسك بأعلى ذراعيها بقوةٍ ضارية .... يدفعها للخلف حتى ارتطمت بالثلاجة فاتسعت عيناها بذعر قليلا و هي ترى انفجار غضبه مجددا ... و تساءلت ...
كم من مرة في اليوم سيتوجب عليها احتمال ثورة عنفه .....
كان وجهه مخيفا .... و عيناه مرعبتين وهو ينظر الى وجهها بتفكير غريب ... ثم همس بصوت خطير مهدد
( من كان ؟!! ..... ذلك الذي ادعيتِ أنه خالك !! ..... من كان ؟!! ...... )
رمشت بعينيها مرة .... فكانت تلك الحركة سببا في احتقان وجهه اكثر ... لكنها لم تمنحه اكثر من لحظة و هي تطرق بوجهها امامه .... لتقول بفتور بعد ان تداعت حياتها التي رسمتها بفرشاة ملونة على صفحة بيضاء في عطلة سعيدة ....
( كان ...... زوجي ...... زوجي الثاني ...... )
اتسعت عيناه ذهولا من البساطة التي نطقت بها كلماتها ... فلهث نفسا اجشا له صوت يشبه الزئير وهو يهز رأسه بعدم تصديق .....
لكنه قبض على ذقنها يرفع وجهها لاعلى ... ينظر الي عينيها الفارغتين المتسعتين ....
و همس بجنون بينما انتفخت أوداجه بعروقٍ حمراء
( زوجك !! ........ ذلك الذي كنتِ تتوسلين اليه و تبكين !! ....... )
كان يلهث بنفسٍ هادر ... و هو يشعر بكرامته المهدورة تراق على يديها مجددا .. لكنه قال بصوتٍ صادم
( هل لحقتِ به ؟!! ....... هل كنتِ تعلمين بوجوده ؟!! ..... )
هزت رأسها نفيا ببطىء بينما انسابت دمعة ساخنة على وجنتها ..... و همست بخفوت على الرغم من قبضته التي كادت ان تهشم فكها
( لم اعلم بوجوده ...... كانت مجرد صدفة .... لقد كانت زوجته و اولاده معه ..... )
هدر وهو يهز فكها بقوة
( ربما كنتِ تريدين افساد زواجه مجددا ........... )
صمت للحظة وهو يخفض رأسه اليها ليقول بصوتٍ مقيت
( لماذا كنتِ تبكين في وجوده ؟!! ....... بماذا كنتِ تترجينه ؟؟...... )
اغمضت عينيها امام طاقات غضبه و كرهه ... فانسابت دمعتان اخرتين من تحت جفنيها المسبلين ....
لكنها قالت بفتور
( ترجيته ان يعيدني كزوجة له ....... باي طريقة يريدها .... باي شكل ... دون اي حقوق .... )
سمعت صوت هدير انفاسه ... قبل ان يصرخ امام وجهها
( لماذا ؟!! ...... هل كانت تعانين فترة نقص زبائن لهذه الدرجة المثيرة للشفقة ؟!! ...... )
ابتلعت الشفرة المسننة في حلقها و هي تنال منه كل اهانة و اخرى .... ثم قالت بخفوت دون ان تفتح عينيها
( لأنني كنت احبه .......... )
ساد صمت طويل ..... و انتظرت ان تطير رأسها اثر احدى ضرباته .... لكنه قال بصوتٍ غريب
( اتظنين انني قد اصدق ذلك ؟؟!! ...... رخيصة مثلك تعرف معنى الحب ؟!! .... )
فتحت عيناها الخضراوان تنظر اليه بصمت .... الى شكله المجنون ووسامته التي تحولت الى شراسة ....
فقالت بخفوت
( عرفته معك .......... )
تراجع رأسه للخلف قليلا .... لكن ملامحه لم تلين .. و عيناه لم تهدآ ... بينما تابعت هامسة
( لكن حبه كان يختلف عن حبك ...... كان الأمان و الحنان ....... أما حبك فكان مجرد سراب .... )
هدرت عيناه بنيرانٍ لافحة وهو يصرخ دافعا اياها الى الثلاجة لترتطم بها مجددا ...
( و هذا الذي حبه كان أمانا ...... لماذا ألقاكِ كمنديل مليء بالقذارة ؟!! ...... بعد أن شبع من جسدك الي يماثل جسد ابنته ...... )
فغرت شفتيها المرتجفتين .... و هي تميل بوجهها غير قادرة على النظر اليه .... ثم همست باختناق
( كانت له أولوياته ....... )
ضحك عاليا بشراسة .... وهو ينظر اليها بازدراء .. لكنه لم يلبث أن قبض على ذراعها وهو يقول بلهجة الأمر
( هل عاشرك ؟..........)
عقدت حاجبيها و ارتبكت من مدى فظاعة الكلمة ... فابتلعت ريقها و همست بتوتر و اختناق
( كنا متزوجين لذا ..........)
شدد على ذراعها أكثر وهو يهدر قائلا
( في تلك العطلة اللعينة ........ هل فعل ؟!! .......هل عا..)
الا انه لم يتابع الكلمة ..... فقدت مدت يدها و صفعته بكل قوتها قبل ان تستطيع ان تمنع نفسها
فغر شفتيه للحظة .... فها هي قد اعادت نفس بداية اول لقاء لهما .... و سرعان ما هدر وهو يرفع يده عاليا ...
ففغرت شفتيها و تعلقت عيناها بقبضته المرتفعة لفترة طويلة ...لم تدري أن دمعة أخرى انسابت على وجنتها و هي تتطلع الى يده منتظرة ......
بينما التوى فكه بشدةٍ وهو ينظر الى وجهها الصغير بقسوة .... قبل أن يخفض يده و يدفعها عنه و هو يهمس لنفسه بتقزز
( حقيرة ........... )
ساد صمت طويل ...فاستدار بعيدا عنها بجسد متشنج و رأس مطرق .... قبل أن تقول بخفوت
( أختك جميلة ........ )
اندفعت رأسه اليها ينظر اليها بغضب ذاهل... لا يعلم لماذا نطقت بتلك المجاملة الآن تحديدا بعد أن نعتها بالحقارة ... .... فتابعت و هي ترفع ذقنها قليلا
( محظوظة ........ بأن لديها أخ مثلك ..... من المؤكد أنك أجدت حمايتها ... )
اتسعت عيناه أكثر .... و أشتعلتا بجنون ... فعاد اليها مندفعا وهو يقول بصوت ذاهل
( ماذا تقصدين ؟!! .......... )
عقدت حاجبيها قليلا ... و هي تقول بخفوت متوتر و هي ترفع يدها لتمسح تلك الدمعة المنزلقة على وجنتها
( لم أقصد شيء ....... قصدت ما قلته فقط ...... )
الا أنه عاد ليقبض على ذراعها بقوةٍ وهو يهدر قائلا
( بلى قصدت ....... ماذا تعرفين عن لجين ؟!....... )
اتسعت عيناها و هتفت بخوف من شدة غضبه الذي كاد أن يفتك بها
( ماذا يمكنني أن أعرف عنها ؟!! ...... أنا لم أقابلها الا الأمس ...... )
صرخ وهو يهزها بقوةٍ ....
( لماذا تعمدتِ ذكرها الآن ؟!! ....... انطقي ..... )
صرخت هي الأخرى بهلع و هي تنتفض مكانها
( لأنك نعتني بالحقيرة ..... و لقيطة ..... و ادعيت أنني أقيم علاقة محرمة .... لمجرد أنني ..... )
صمتت قليلا و هي تلهث ناظرة لأبعد من كتفه .... ثم تابعت هامسة بشرود و اعياء معترفة
( لأنني لقيطة ............ )
رفعت عينيها الحمراوين اليه و قالت بخفوت و هي تنظر اليه بأسى
( و كان يمكن لأختك أن تكون مكاني ........ )
فتح فمه قليلا وهو ينظر اليها بصدمة .... بينما كان صدره يندفع بسرعةٍ غريبة .. ووجه يكاد يكون بلون الدم ...
رفع اصبعه أمام عينيها .... و هوا يحاول النطق , ثم قال أخيرا لاهثا بصوتٍ خطير
( لا دخل لكِ بها ....... أفهمتِ ...... لا تنطقي حتى اسمها على لسانك مطلقا ... )
ارتجفت شفتيها و همست بفراغ
( هل سأدنسه لو نطقته ؟............ )
صرخ بغضب
( نعم ...... نعم ......... مجرد نطقك له سيدنسه ...... )
اخذت نفسا مرتجفا .... و هي تحاول ان تتماسك ... تحاول و تحاول .... ثم لم تلبث ان صرخت فجأة و هي تضرب صدره
( توقف عن اهانتى ......... )
امسك بمعصميها بقوةٍ ليدفعها عنه فسقطت ارضا بعنف .... حينها تأوهت بشدةٍ من صلابة الأرض الباردة ...
لكنها لم تهتم ... فقد كان الألم بداخلها أفظع ....
حينها انحنت على نفسها و هي تبكي بصوتٍ خافت ....
بينما هو بدا غير قادرا على مراقبتها أكثر ... فاندفع عابرا من فوقها ... وهو يهدر غضبا بجنون
( صباحية مباركة يا عروس .......... )
كان يدور حول نفسه غير مسيطرا على ما بداخله ....
دوامة متداخلة .... تطوف سريعا
حبه الغبي لها ... ثقته السريعة بها .... رقتها و برائتها الزائفة و رغبته الحمقاء في دفن نفسه بتلك البراءة المعرضة للخطر ...
ثم الصدمة التي ضربت ثقته فجأة .....
ثلاث أزواج !! ....
ضرب أقرب حائط له بقوة .....
وهو يهمس بجنون هادر
" ثلاث أزواج قبله !! ... "
كل منهم دفع لها ثمن ما ناله منها ......
من بينهم مختل نفسيا من الواضح أنه كان ساديا معها ....
و آخر ... عرف الآن أنها كانت تحبه !!
ذلك الذي ذهب اليه مدافعا عنها ... مهددا له من أن يمسها بسوء !!!
عاد ليضرب الجدار مجددا بكل قوته ....
من المؤكد أنه ضحك منه حتى أوجعته معدته .... كم كان غبيا مثيرا للشفقة ...
أخته .... أخته .....
رفع وجهه مجددا بملامح غير مفسرة ..... مجرد نطقها لاسم لجين كاد أن يطيح بالمتبقي من صوابه ....
نظر في اتجاه المطبخ ....
كانت لا تزال ظاهرة له و هي على نفس الوضع .... متكورة ارضا ... و كتفاها تهتزان ببكاء صامت ...
و كأن تعب الليلة الماضية قد حل عليها أخيرا ....
رفع يده ليغرز اصابعه في شعره , يكاد ان يقتلعه من جذوره .... بينما بدت عيناه حمراوان بلون الدم وهو ينظر اليها ....
مجيئه بها الى هنا كان اكبر خطأ ارتكبه في حياته ..... و عليه ان يدفع ثمنه كل لحظة قبل ان يقرر اطلاق سراحها ....
اسرع الى غرفته كي يبدل ملابسه كيفما اتفق ... وهو ينوى الخروج من هذا البيت في اسرع وقت قبل أن يؤذيها اكثر ....
و ما ان خرج من غرفته مستعدا للخروج ... حتى وجدها خارجة كذلك من باب المطبخ ... مطرقة الرأس ...
تمسح وجهها بظاهر يدها و كأنها إكتفت ... فما ان شعرت به حتى رفعت وجهها تنظر اليه بنظراتٍ واهية ...
ثم همست قبل أن تستطيع منع نفسها بصوتٍ مرتجف قليلا
( الى أين أنت ذاهب ؟! ........... )
ظل ينظر اليها طويلا .... قبل أن يقول بصوتٍ جليدي قاسي
( لا شأن لكِ .... حدودك اهتمامك هنا تقتصر على جدران هذا البيت .... و بالتحديد غرفة النوم لا أكثر ... )
عاد وجهها الغبي ليحمر قليلا .... قبل أن يشحب تماما و هي تتطلع اليه بصمت , قبل أن تومىء برأسها لتقول بصوتها الفاتر
( حسنا ............... )
كان رضاها المستسلم الذي تتخذه بقصد يثير جنونه بشدة ..... فهو يعلم جيدا اي قطة شرسة هي ... و أنا ما أن تخرج مخالبها حتى تتحول الى قطة أزقة بلسان ملوث .... فأي لعبةٍ تنتوي !!
كان ينظر اليها بغضب ...و في داخله رغبةٍ خائنة من التمتع بحلاوتها مجددا ...
لكنه كان متأكدا ان كل مرةٍ سيفعل .... سيخسر جزءا من نفسه ..........
استدار كي يخرج ... لكنها نادته بسرعةٍ و بصوتٍ ضعيف من خلفه
( وليد .............. )
توقف مكانه قبل ان ينظر اليها .... دون أي تعبير يمنحها بعض الرقة .... فقالت بخفوت
( هل ستعود الليلة ؟؟ .......... )
ابتسم بشراسةٍ مقيتة وهو يقول متأملا ....
( اشتقتِ الي بهذه السرعة ؟!! ...... لا داعي للتظاهر .... فقط كوني موجودة و هذا يكفي )
استدار قليلا ... الا انه عاد و التفت اليها قائلا بجمود
( حتى اعود ........ يمكنك التفكير مليا بوضعك ..... لو شعرتِ بالرغبة في الإنسحاب ........)
رفعت وجهها اليه بملامح باهتة .... منتظرة قراره .... الا انه قال ببرود مشيرا الى الباب
( يمكنك الخروج ........... و ستحصلين على ما وعدتك به ........ )
فغرت شفتيها قليلا .... و هي تشعر بان قلبها يهوى بين قدميها .... و هذا يدل على ان هذا القلب لا يزال يحمل بداخله شيئا ما .. مدمغ باسم وليد ....
فقالت بصوتٍ مهتز
( ظننتك رفضت انسحابي ليلة ..... ليلة امس !! ....... هل غيرت رأيك ؟!! ....... )
التوت ابتسامته بقسوةٍ وهو يقول بصوتٍ مزدري
( لقد نلت ما اردت بالفعل ...... لا انكر انني ساكون ممتنا بتكرار التجربة .... لكنني ارفض دور الاغتصاب المثير للشفقة الذي تعمدتِ رسمه ليلة امس ....... قد يفلح مع بعض مرضى النفس .... الا انه لا يعجبني .... لذا لو اردتِ البقاء هنا , عليك نبذ هذا الدور تماما ..... و معرفة امكانياتك و حدودك ...... و طبيعة وجودك هنا ...... مفهوم ؟ .... )
لم ترد عليه .... لكن نظرة عينيها شعر بهما و كأنهما لكمة قوية في معدته .... فاستدار هذه المرة مبتعدا وهو يعلم بانه سيعود و لن يجدها ..... خاصة و أنها ستحصل على ما وعدها دون جهد ....
صفق الباب بعنف وهو يقول ضاحكا بوجع
( كل ما ربحته يوما ..... مقابل ليلةٍ واحدة ! ..... يالها من صفقة !! ..... )
ابتعد سريعا بصدرٍ يلهث غضبا ... مدركا أنه كتب نهاية تلك المهزلة .... و سيترك لها مهمة التوقيع عليها ......
كانت لجين تنظر من شق الباب و هي ترى وليد مندفعا ... و على ملامحه عواصف و براكين ....
الى ان خرج من البيت ..... بينما كان قلبها هي الأخرى يعصف قلقا ...
لكنها سمعت صوتا من خلفها يقول بلهجةٍ آمرة يحمل نبرةٍ صارمة ترهقها
( لماذا تقفين عندك بهذا الشكل يا لجين ؟! ................ )
اغمضت لجين عينيها عدة لحظات ... قبل ان تغلق الباب و تستدير ببطىء قائلة بهدوء
( صباح الخير يا خالتي ........ كنت انتظر نزول وليد ..... لكنه كان يبدو غاضبا .. مستاءا ... لا كعريس في صباح ليلة زفافه ....... )
نظرت الي خالتها سمية ....
كالعادة تطيل النظر اليها كل مرة .... ملامح قاسية حادة قليلا ... لكنها تضم خلفها قلبا مراعيا و قلقا مستمرا ...
لقد اتى بها وليد كي تسكن هنا معها ... و ابتعد هو ..... منذ أن .....
تنهدت بألم و هي تترك وشاحها ليسقط عن شعرها الناعم و الذي انسدل على جانبي وجهها برقة تناسب رقة ملامحها ... بينما اطرقت بوجهها و هي تقول بخفوت
( اردت رؤية العروس الجديدة ...... تبدو حلوة و صغيرة للغاية .... و هي بجوار ضخامة وليد يشكلان ثنائيا جميلا ..... للغاية .... )
زفرت سمية بقوةٍ وهي تقول
( كفي عن احلامك العاطفية تلك يا لجين .... هل تخدعينني ام تظنين انني لم اسمع صراخهما ليلة امس كاملا ... )
ابتعدت و هي تضع كوبين من القهوة المرة على الطاولة قبل ان تقول بصوتٍ رافض
( من اين اتى بها ؟!! ........ زيجة مريبة و لا تناسبه .... )
سحبت لجين الوشاح عن رأسها فانسدل شعرها البني الطويل من تحته على كتفها و هي تقول بجدية
( انها اختياره يا خالتي ...... لذا لا يحق لنها الإعتراض ... كما أنها تبدو .... لطيفة و مسكينة )
أطرقت بوجهها قليلا ... ثم اتجهت الى الكرسي المجاور لكرسي خالتها ... فجلست بجوارها ببطى و امسكت بكوب قهوتها بين كفيها الرقيقتين تنظر الى الدخان الخفيف المتصاعد منه ...
قبل ان تقول بحذر
( هل استطعت تمييز شيئا مما كانا يصرخان به يا خالتي ؟...... )
رفعت سمية وجهها الحاد القسمات اليها و هي تقول بصرامة
( هل سأتلصص على ليلة زفاف اخيك و زوجته يا لجين ؟!! ....... )
زمت لجين شفتيها بكبت ... ثم تنهدت و هي تعيد عينيها الى سطح القهوة الداكنة ... ثم قالت دون ان ترفع عينيها
( لقد كان سعيدا ذات يوم حين اخبرني بان هناك فتاة يريد ان يعرفني بها ...... لكن وجهه بالامس بعد فترة غياب طويلة .... لم يكن نفس الوجه المشرق الذي تكلم عنها برقة ....)
زمت سمية شفتيها مجددا و هي تنظر من النافذة لتقول بصوتٍ جامد
( فتاة تعرف عليها في عطلة ..... ماذا ننتظر من زيجة كهذه ؟ .... نحن حتى لم نعرف لها والد او عم او خال ......)
نظرت اليها لجين طويلا .... قبل أن تقول بخفوت
( ربما كانت وحيدة .... و لا أقارب لها ....)
تأففت سمية و هي تقول بغضب
( و لماذا يتزوج من فتاة ليس لها كبير ؟!! ...... أخاك متهور منذ صغره .... دائما ما يتهور و يندم بعدها )
تركت لجين كوب قهوتها .... لتقوم ببطء و هي تشعر بجدران هذا البيت تخنقها ....
فقالت بهدوء بعد فترة طويلة
( اعتقد أنني يجب أن اعد لها بعض من طعام العروس و أحمله لها ....... )
رفعت سمية رأسها قائلة بصلابة
( لجين ....... لا تعاندي , لقد شدد وليد الا نصعد لها ...... )
زفرت لجين بقوةٍ و هي تقول بألم
( هل هي سجينته ؟!! ...... أنا لم أعد أفهمه مطلقا ..... هل يحاسبها على ما حدث لي ؟!! ..... )
هتفت سمية بصرامة
( توقفي عن ذكر ذلك مجددا يا لجين ...... لقد انهينا الأمر و تعبنا الى أن نسي وليد ما حدث .... )
رفعت لجين عينيها الى عيني سمية الصارمتين ...بملامحٍ متألمة حزينة حزنا دفين .. ثم همست بصوتٍ غريب
( نعم ..... هذا هو المهم ..... أننا تمكنا من جعل وليد ينسى ..... بينما أنا ..... ربما كان الموت لي افضل )
تحركت الى الداخل تريد ان تبتعد و هي تتجاهل نداء سمية الصارم من خلفها
... علها تجد المساحة كي تشعر بأنها انسانة مجددا ... لا مجرد مدعاة للخزي .....
.................................................. .................................................. ....................
( و ...... شكر خاص جدا من قلبي ... لابن عمتى ... و زوجي ..... و حبيبي ....له الفضل في وقوفي هنا بعد الله .... فلولاه لما تمكنت من الوقوف على قدمي ...... )
توقف مكانه متسمرا ..... وهو يرفع وجهه قليلا عاقدا حاجبيه ... بينما يشعر بقلبه ينتفض بطريقةٍ غريبة .. و هو يسمع نبرات صوتها الشجي تتردد في مكبر الصوت ...
ليتكرر صداها من حوله في موجاتٍ حالمة .... شرسة ..... تخبره أن أوهامه تسيطر عليه .....
لم يتقدم خطوة أخرى .... و لم يستدير حتى ليعود و يتأكد إن كانت فعلا قد نطقت بما سمعه للتو .....
ظل مكانه ينعم بتلك النغمة القصيرة التي سمعها للتو .... من زوجته !!
ما أروعها كلمة .... فاقت كل كلمات الغزل
زوجته .... تلك النجمة الساطعة التي تتألق في بداية ممرٍ طويل و الأعين كلها مسلطة عليها ....
جعلته فخورا بها .... و كأنها كانت وردة صغيرة مغلقة ... ثم تفتحت بين يديه ....
و ها هي تزدهر بحبه أمام العالم كله .... و الصدى يتردد في صدره .....
حين سمع التصفيق أدرك أن النغمة الرقيقة انتهت ....
فأخذ نفسا عميقا و ساقه تتقدم خطوة لمتابعة خروجه ... بينما الأخرى تتلكأ ....
ظل مكانه يقاوم خطوته برجاء قلبه .... بينما عقله يأمره بالذهاب و تركها الى أن تأتي اليه ....
و لم تمر لحظتين حتى همس بصوتٍ أجش غاضب
( تبا لكل المنطق ..... إنها زوجتي .... )
ثم استدار عائدا يسارع الشوق اليها ... و كأنه تركها منذ سنوات ...
و مرآى وجهها و هي تضحك له في السيارة يغرق قلبه .... و ملمس شفتيها على شفتيه ووجنته تملآنه نشوة لا تزال تاركة آثارها بقوة حارقة .....
لكنه ما أن وصل الى مكان العرض حتى لمح طيفها و هي تبتعد مسرعة لتختفي خلف ستارٍ جانبي و كأنها تلحق أحدا ...
وقف سيف مكانه بإحباط وهو ينظر في اثرها بين الجموع التي بدأت تتدافع من حوله ... فزفر بحنق ...
انها زوجته !! ..... زوجته هو ..... و ها هي تعاود الإبتعاد بسرعة البرق ....
همس بخفوت
" هذا ما كنت أخشاه ....... "
.................................................. .................................................. ....................
( أنت لم ترى عينيه ..... انه مجنون , انها نفس النظرة التي كانت بعينيه قبل ان يقيدني و يتسبب في قتل جنيني )
سمعا فجاة صوت شهقة عاليةٍ ... تكاد ان تكون صرخة شقت المكان .... فاستدار كل من ملك و رائف وهما ينظران الى وعد التى وقفت على بعدٍ منهما ... متسعة العينين الى حد الذهول و هي تغطي فمها بيديها ....
و نظرة في عينيها اخبرتهما انها بالفعل قد عادتا الى وصفهما القديم .... "عيني الجثة " ....
تراجعت ملك قليلا بوجهٍ مخيف بعد أن انسابت زينة عينيها السوداء على وجنتيها و تشعبت .... الى ان ارتطمت بصدر رائف من خلفها و الذي رفع يديه تلقائيا ليمس كتفيها ....
ساد صمت غريب بين ثلاثتهم .... بينما بدت وعد بمنظر شاحب .. مرتعب ... و مع ذلك غير مستوعب ...
و حين تمكنت من النطق أخيرا ... قالت بصوت متشنج , به انكار للواقع
( أي جنين هذا ..... الذي ..... تتحدثين عنه ؟!!! ...... )
شعر رائف بملك ترتجف بشدةٍ بين يديه ... فشدد من قبضتيه على كتفيها تلقائيا دون أن يدرك ... بينما انعقد حاجباه و هو يدرك ما تشعر به في تلك اللحظة .....
فغرت وعد شفتيها و هي تدرك أن الصمت كان أوضح اجابة لسؤالها ... فطرقت وجنتها بقوةٍ و هي تهتف بذعر
( انطقي يا ملك ...... أي جنين هذا الذي تحدثتِ عنه للتو !! ..... هل كنتِ تهذين ؟أما أنا كنت أتوهم ؟!! )
قال رائف بصوت خافت صارم
( اخفضي صوتك من فضلك ......... هناك ما يجب أن تعرفيه قبلا .... )
انتقلت عينا وعد بذهول و عدم فهم اليه ...و كأنها تشاهد مسرحية هزلية .. تبعث الرعب في أوصالها ....
فصرخت بجنون ......
( من أنت أصلا ؟!! ........ هل أنتما مجنونين ؟!! ....... ماذا كنتما تقولان منذ دقيقة واحدة ؟!! .... )
تكلمت ملك أخيرا بصوتٍ خافت صلب على الرغم من ارتجافها
( لقد تزوجت أثناء سفرك يا وعد ...... و كنت أحمل طفلا لكن حدث أن ....... ضاع الحمل )
خفت صوتها و ارتجف في العبارة الأخيرة فصمتت تتأمل الذعر البشع على ملامح وعد .... التي كانت تنظر اليها بذهول ...
و ساد صمت متشنج بينهما .... بينما وعد تهز رأسها قليلا تحاول استيعاب ما سمعته للتو ....
و ما ان وجدت صوتها حتى هتفت بجنون
( تزوجتِ ؟!! ......تزوجتِ من ؟!! و كيف ؟!! ...... هكذا بمفردك ؟!! .....اين هو زوجك هذا ؟!! .. )
ارتجفت شفتي ملك بشدةٍ امام عيني وعد مما زاد من جنون شكها ... فهتفت بجنون و ارتياب بينما القلق ينشب مخالبه في صدرها بعنف ....
( انطقي ..... اين زوجك هذا ؟!! ... لقد عدت منذ فترة لا بأس بها , لماذا لم يأتي لرؤيتي حتى الآن؟!! .... )
اخفضت ملك وجهها بضعف و خذلان ...... لكنها همست بصوتٍ ميت
( لقد ....... تركته ..للأبد ........ )
ازداد ذهول وعد و شحوبها و هي ترفع يدها الى صدرها الخافق بعنف ... و هي تهز رأسها بعدم تصديق ...
ثم سرعان ما عقدت حاجبيها بشدة و هي تتأمل ملك بدقةٍ قاتلة .... و الإدراك يكذب الأمل الواهن ...
فقالت بصوتٍ مرتجف .... يكاد أن يكون متوسلا
( زواج رسمي ...... اليس كذلك ؟! ........ مأذون و شهود و ..... اليس كذلك ؟)
أغمضت ملك عينيها بأسى ...... بينما فغرت وعد شفتيها و هي تدرك الإجابة قبل ان تقول ملك بصوتها الميت النبرات
( عرفي .............. )
ظلت وعد تلهث قليلا و هي تتلقى الكلمة التي ضربتها في مقتل .... ثم لم تلبث أن قالت بصوت خافت يسبق العاصفة ... متوقعة ما هو ظاهر للأعمى ....
(و الآن يرفض الإعتراف به ببساطة ...... اليس كذلك ؟! ..... )
لم ترد ملك .. و لم ترفع وجهها ... بل ظلت مطرقة الرأس بملامحها الباهتة ... فهتفت وعد بصوتٍ خافت يهذي
( ياللمصيبة !!! ........ ياللمصيبة !!! ..... )
تدخل رائف يقول بصوتٍ خافت ليقول بينما صدره يغلي بنار الغضب المتأججة تجاه الحقير و الذي كان السبب في كل هذا ...
( سيدة وعد لو فقط تمكنتِ من سماعها حتى النهاية ........ )
رفعت وعد وجهها منتفضة و هي تقول بعينين تقدحان شررا
( أسمعها ؟!!! ..... نعم أنا أريد أن اسمعها ..... لكن على ما يبدو أن لا شيء لديها لتنطق به بعد تلك المصيبة التي طعنتني بها ....... )
هزت رأسها قليلا و هي ترفع يدها الى جبهتها ... تتمنى أن يكون ذلك كابوسا لتصحو منه سريعا ...
ثم لم تلبث أن صرخت بهياج
( لماذا ؟!!! ......... لماذا فعلتِ ذلك بالله عليك ؟!! ....... كنت أنوي أن أزوجك كأميرة .... بعد أن بدأت الدنيا تبتسم لي أخيرا ..... لماذاااااا؟!! .... )
رفعت ملك وجهها الباهت الى وعد و قالت بخفوت
( أنتِ فعلتها من قبل ....... و لم أحاسبك ...... لكل منا حياتها ...... )
شهقت وعد بقوة ... ثم صرخت بجنون
( اياكِ و أن تقارني نفسك بي بعد فعلتك السوداء ..... أنا تزوجت زواجا لا شائبة به , .... و على الرغم من ذلك مجرد الفارق بيني و بينه جعلني أخفي الأمر عنكِ كي لا أسبب لكِ الحرج .....
ألم تجدي سوى زواجي لتقلديه تقليدا رخيصا !!......
زواجي الذي عانيت منه أياما و أشهرا و أنا أعامل كخادمة !! ...... هل هو عناد غبي منكِ لتكرري التجربة مع الفارق الشنيع بين الزيجتين !! .......ألم تتعلمي شيئا من زواجي البائس كي تترفعي بنفسك عن مثله ؟!! )
كان واقفا متسمرا مكانه خلفها يسمعها و هي تنطق بسمومها الطائشة يمينا و يسارا ....
بدا متسمرا مكانه و هو غير مصدقا لأن ذلك الفم الذي يرمي بأسهمه المسممة .. هو ذاته الذي نطق بحبه للتو على الملأ !!
وقف سيف خلفها على بعد مسافة جعلته يسمعها بوضوح و هي تبين رأيها الصريح في زواجهما .....
بينما تابعت وعد هتافها بقهر .....
( لماذا ؟!!! ......... لقد أردتك أن تكوني أفضل حالا مني .... فاتخذت أنتِ حتى طريقا أسوأ و أبخستِ من ثمنك ...... تبا لكِ )
رفعت ملك وجهها فجأة و هي تنظر الى وعد و كأنها تنظر الى مخلوق غريب .... و فجأة صرخت بعنف
( ليس لكِ الحق في محاكمتي ......... أبدا ..... أنتِ بالذات ليس لكِ الحق , لذا سواء تزوجت أو حتى ارتكبت خطيئة , فلا تشغلي بالك بحياتي .... اهتمي انتِ بحياتك بمنتهى الأنانية كما تفعلين دائما .... فهذا ما تجيدينه ....... )
فغرت وعد شفتيها غير مصدقة لهجوم ملك المفاجىء ..... و كأن شيطان قد تلبسها و هي تصرخ بعينين ناريتين ليستا عينيها الطيبتين أبدا ....
لكن وعد لم تتمالك نفسها و هي تندفع اليها ... رافعة يدها صارخة
( و تجرؤين على اهانتي بعد ما فعلتِه !! ........... )
حينها ترك رائف كتفي ملك في لحظةٍ ليندفع أمامها بقوةٍ .. ثم التقط معصم وعد المرفوع في الهواء و قبض عليه قائلا بصرامة مخيفة
( توقفِ لحظة سيدتي ..... عند هذه النقطة لن أسمح لكِ بضربها ...... )
تسمرت وعد مكانها و هي ترى معصمها مقيدا في قبضته ... بينما كانت ملك تختبىء خلفه و هي تتشبث بذراعه ... تنظر اليها بنظرة رفض لم ترها في عينيها سابقا .... حينها قالت وعد بعدم فهم
(كيف تتدخل بيني و بين أختي ؟!! ....... من أنت ؟!! ........... )
رد رائف بصوتٍ قاطع
( مما رأيته ...... يمكنك القول بأنني المسؤول عنها .... لذا وجههي حديثك لي .... )
شحب وجه وعد و هي تنظر الى صرامته و ملامحه القاطعة ... بينما اندفع صوت جهوري من خلفها يقول بجنون
( أنت ...... أترك يد زوجتي حالا ....... )
جذبها سيف بجنون ما أن ترك رائف معصمها .... و أبعدها خلفه بينما قبض على قميصه هادرا
( كيف تجرؤ على أن تمس زوجتي !! ........ )
قبض رائف على كفي سيف الممسكتين بقميصه بقوةٍ ليبعدهما بعنف قبل أن يسحب نفسا خشنا ... ثم لم يلبث أن قال متراجعا بصوتٍ خشن
( آسف ........... لكني لم اكن لأسمح لها بضرب ملك , أنا من أتيت بها الى هنا .... و أنا من سأعود بها )
ارتبك سيف قليلا وهو لا يزال يدور في دوامة الصدمات المتتالية ما بين ما اكتشفه عن مصيبة الصغيرة ملك ... و بين ما نطقت به وعد للتو .... و منظرها الهمجي و هي تحاول ضرب ملك ...
التفت رائف قليلا الى ملك المتشبثة بظهره وقال بخفوت
( تعالي يا ملك ...... سنرحل من هنا , .... اخلعي فستان الزفاف هذا أولا و بدلي ملابسك .... )
الا أنها اندفعت من خلفه فجأة و كانت عيناها لا تزالان على وعد لتقول من بين اسنانها و قد فاض بها الكيل
( الآن تريدين ضربي !! ...... لانني شوهت الصورة المثالية التي تحاولين رسمها .... لأنني خذلتك امام اسرة زوجك المحترمة ..... بينما كل ما انا به بسببك .....)
هتفت وعد بذهول و هي تندفع اليها بينما امسكها سيف من خصرها قبل ان تتهور و تؤذي ملك الصغيرة ...
( بسببي أنا ؟!! ..... لماذا .... هل تلقين علي اللوم لانك جعلت نفسك العوبة في يد فتى طائش يرفض الاعتراف بك الآن !!! ..... كيف تجرؤين ؟!! .... )
هجمت عليها ملك و هي تصرخ و قد بدأت تنتحب بقوة .. بينما رائف يمسك بها هي الأخرى و هي تبدو في حالٍ غريبٍ عليها
( انهم يدعون انني مهووسة بسببك ...... يدعون انني اهذي و اتوهم ..... انا لست مجنونة ... و لم اكن يوما ..... لقد استغلوا ما حدث لي بعد ان تركتني ..... لقد تحملت وحدي حياة طويلة بعد ان رحلت مع والدك .... و لم المك يوما ....... و الآن يدعون انني كنت طفلة مهووسة و اعاني خللا ..... انا لم اكن اعاني اي خلل ... و لست مهووسة ..... لقد كان صديقي ... كان اقرب الناس لي ... كان الوحيد الذي تمسك بي .... و ظنته سيظل كذلك .... انه زوجي ..... اقسم بالله انه زوجي .... )
كانت تحاول الاندفاع الى وعد بقوةِ و هي تبكي و تنتحب و كأنها تهذي ....
الا ان رائف كان ممسكا بها بشدة يمنع هجومها على وعد .... وعد التى همست و هي تهز رأسها بغباء
( لست افهم حرفا واحدا مما تقولينه ....... )
نظرت الى وجه سيف الذي كان يضمها بشدةٍ الى صدره و هزت رأسها بعدم تركيز و هي تقول
( لست افهم منها شيء ....... اي هوس و مرض ؟!! ......)
كان سيف ينظر اليها بملامح جامدة وهو يضمها اليه بقوةٍ و قد شحب وجهها بشدة ... تحاول فهم اي شيء دون جدوى ....
انهارت ملك بشدة على صدر رائف و هي تغطي وجهها بكفيها تنفجر ببكاءٍ عنيف ....
بينما تشنج هو للحظة ينظر الي رأسها المحنى ذو الخمار ... ثم لم يلبث أن ضرب الحائط بكل التقاليد حين رفع ذراعيه يضمها اليه برفق و هو يقول بخفوت
( لكن أنا أفهم ............. )
سمعته ملك و كأن صوته الرجولي العميق قد تخلل الى موجات انهيارها ...
و كأنه ضوء طفيف اخترق ظلامها
فرفعت وجهها المغرق بزينتها السوداء .... و قالت بصوت مرتجف
( أريد أن أخرج من هنا يا رائف ..... أرجوك ابعدني عن هذا المكان .....أرجوك ... كان علي أن اسمع كلامك و لا آتي )
توهجت عيناه للحظة دون أن تتركها ذراعاه .... لكنه قال بخفوت وهو ينظر الى فستان الزفاف الذي ترتديه
( الن تبدلي فستانك أولا ؟!! .......... )
نظرت الى فستانها بصمت .... ثم قالت بنبرةٍ ماساوية
( أريد الخروج حالا ...... أشعر بالإختناق في هذا المكان ..... )
انخفضت ذراعاه من حولها ... الا أن كفه الضخمة أحاطت بيدها بقوةٍ ... ثم استدار الى وعد و سيف قائلا بصوتٍ حازم
( سأعتني بها ........ )
جرها خلفه خطوتين ... الا أن وعد صرخت فجأة
( قف مكانك ..... الي أين تأخذ أختى ؟ .......... )
أمسك سيف بذراع رائف وهو يمر به ليقول بقوة
( ملك ستظل مع أمي و شقيقتي ............ لن أسمح بغريب أن يأخذها من أهلها ... )
الا أن ملك رفعت وجهها الجامد و قد نفذت دموعها لتقول بصوتٍ باهت يحمل صيغة القرار المنتهى
( رائف ليس غريبا ....... أنا اخترت الذهاب معه , و أنا لست قاصر .... لكن شكرا لك على كل شيء )
اظلم وجه سيف بحرج بعد أن تمردت ملك على أمره ... و لم يكن ليستطيع أن يمنعها بالقوة و هو لا يملك عليها أي حق أو سلطة .....
قال رائف بخفوت
( اعذرني ...... وعدت أن أحميها , و هذه هي رغبتها )
و دون كلمة أخرى جرها خلفه و هي ممسكة بكفه ...دون أن تنظر مرة واحدة للخلف ...
و كانت هذه المرة هي المبادرة بترك وعد .... دون أحساس بالندم ....
شهقت وعد بقوةٍ و هي تهتف متشبثة بقميص سيف
( امنعها يا سيف ..... افعل شيئا .....امنعها بالقوة ....... )
نظر الى وجهها الشاحب بجمود و ملامح غامضة قبل أن يقول بصلابة
( لا أملك منعها ....... )
صرخت وعد بقوةٍ و هي تضرب صدره بقبضتيها
( ما تلك السلبية !!.... تحرك .... افعل شيئا ....... مارس احدى سلطاتك الهمجية التي كنت تمارسها نحوى ... أنت أكثر شخص متقلب رأيته بحياتي ...... أختى خرجت مع رجل غريب و أنت تتركها مدعيا التحضر ...... تحرك ..... )
قبضت يداه على معصميها بقوةٍ يمنعها عن ضرب صدره .... وهو يهدر بصرامةٍ قاطعة
( توقفي يا وعد ........ توقفي ..... ملك ليست قاصر ... و لا أستطيع جرها من شعرها علنا لو لم ترغب في العودة معك أو معي ...... )
كانت وعد تنظر اليه بعينين متسعتين ذاهلتين ... غاضبتين ... دامعتين ... بينما كان صدرها يلهث بشدة و هي لا تزال متشبثة بمقدمة قميصه .... لتهمس بإختناق
( كانت تحمل طفلا !! ..هل سمعت ذلك ؟!! ..... ملك الصغيرة تحمل طفلا في أحشائها .... من رجل يرفض الإعتراف بها .... هل سمعت ؟!! ..... هل سمعت ذلك مثلي أم أنني كنت أعيش مجرد كابوس ؟!! ... )
رفع يده الى وجهها بعد فترة نظر الى عينيها القتيلتين ... قبل أن يهمس بخفوت
( سمعت حبيبتي .......... )
شهقت نفسا مخنوقا و هي تهز رأسها بعدم استيعاب .... ثم همست بهذيان
( و أنا ..... أين كنت حين حدث كل هذا ؟!! .....أين كنت ؟!! ....... )
شدد سيف على وجهها بقبضتيه قبل أن يقول بصوتٍ قاسٍ قليلا
( لن يجدي الكلام الآن يا وعد ...... تعالي الى البيت .... لنفكر كيف نحل تلك الكارثة .... )
نظرت اليه بعينين تبرقان فجأة ... ثم نزعت يديه بعنف عن وجهها و هي تصرخ
( كنت معك ...... لطالما كنت معك ....... كنت مشغولة بمعضلة زواجي بك .... بينما انت بكل عنجهية لا هم لك الا اخضاعي ... مرة في العمل و بعدها ببيت عائلتك .... ثم خطفي ..... اشهر تلي اشهر و انا ادور في دوامة سيف الدين فؤاد رضوان .... احاول ابعادك مرة .. بينما رفضك اخرى ... ثم ارضائك مرة ..... الى ان حاولت الهرب منك في الأخير مرارا ..... و لم أفلح في كل تلك السبل .....
بدلا من الإهتمام بأختى التي فقدتها قديما ..... كنت مشغولة بدوامتك المجنونة ..... )
صمتت تلهث امام عينيه الصلبتين ... و كأنهما تدعونها الى المتابعة ... و الا تصمت ....
فتابعت بالفعل و هي تضرب صدره هاتفة بقهر
( هل أنت راضٍ الآن ؟!! ....... هل حصلت على مبتغاك من ابنة عبد الحميد العمري ؟!! .... هل نلت حق والدتك أخيرا ؟!! ....... )
ساد صمت طويل بينهما ..... و هي تشهق بقوةٍ و كأنها تحاول التنفس ... فقال سيف بصوتٍ غريب غير مقروء
( هل انتهيت ؟!! ............. )
رفعت وجهها الشاحب اليه .... لتقول بصوت ميت مذبوح النبرات
( مهما أنكرت ...... و مهما كان حبك لي , أدرك أن بداخلك سعادة لا تقدر على دفنها ...... لقد نلت انتقامك بحق هذه المرة ...... دون أن تريق بيديك قطرة من دم المسكينة ملك .... دون أن تلوث أصابعك .... يكفي فقط أن أبعدتني عنها الى أن ضاعت مجددا ....... مهما أنكرت ... )
قاطعها بصوتٍ هادىء كشفرةٍ باردة بينما عيناه كانتا تخطان حروف النهاية
( لن أنكر ............ معك حق ..... لقد انتهت القصة ....... )
و دون كلمة واحدة اخرى .... ابعد معصميها عنه .. ليتراجع عنها خطوة قبل ان يقول بصوتٍ ثقيل جامد ....
( لقد تعبت يا وعد ........ لأول مرة أدرك أنني تعبت منكِ بحق ..... )
اطرق برأسه قليلا بينما هي تنظر اليه يائسة ..... تفصل بينهما مسافة مترين , و كأنهما ضما الصحاري و السهول ... ليقف كل منهما على حافة جبل مواجها للآخر ....
الى ان قال سيف في النهاية و كأنه يكلم نفسه
( انتهت القصة ................ )
ثم استدار ببطىء ليبتعد عنها ......
تنظر الى ظهره المفرود بخيلاء .... و كأنه اطول و اضخم من كل من هم حوله .....
لا تصدق انه يبتعد ... و هذه المرة سيكون البعاد الأخير .....
همست بإختناق تنادي الهواء الخالي من وجوده
( سيف !! .......... )
لكنه كان قد رحل ...... للأبد .......
حينها انهارت لما فقدت القدرة على الوقوف على قدميها .... فسقطت على ركبتيها ... تضم نفسها و شعور غريب بالبرد يجتاحها .... تنظر حولها بحدقتيها ... لا تصدق أن حلمها البراق انتهى ككابوس مرعب بضياع أختها و ........ حبيبها ....
↚
لا يهمه اي شيء الآن سوى انه ممس بها الآن بين قبضته القوية .... تركض خلفه لتلاحق خطواته ...
و كأنه يريد التحليق و الإبتعاد بها الى العالم الآخر ... الذي ترتسم خطوطه كل يومٍ أكثر أمام عينيه ....
شعر بيدها الصغيرة تجذب يده قليلا و تشده ليقف ... بضعف شديد , الا أنه توقف على الفور و بقلبه خيبة من أن تطلب العودة لأختها بعد ان فكرت في الأمر ....
استدار ينظر اليها .... و كم كانت صورة عشوائية من الجمال و المأساة
بفستان الزفاف الأبيض ... و الخمار المتطاير .... بينما شعرها مشعث برقةٍ من تحته ... ووجهها مغطى بأصباغ الزينة و كأنها أبت أن تلوث برائتها فانسابت على وجنتيها ....
قال بخفوت
( ماذا تريدين يا ملك ؟!! ....... أتريدين العودة ؟! ..... )
شعر بالراحة حين رآها تهز رأسها نفيا ببطىء .... لكن بإصرار ... و كأنها سلمته أمرها بالفعل ...
لكنها قالت بصوتٍ خافت هامس يتذبذب
( انه هنا ....... أشعر به يلحقني ....... أنا خائفة ....... )
ظل ينظر اليها و عيناه على عينيها بنظرةٍ قويةٍ غريبة .... بينما صفير الليل يطوف من حولهما بعد أن ابتعدا عن الصخب قليلا ...
لكنه حين تكلم قال بصوتٍ ثابت
( لا تخافي ........ اتفقنا ؟!! ..... لا .. تخافي ....... )
رفعت يدها الحرة الي صدرها و هي تنظر جانبه قليلا ... ثم همست
( بل أنا خائفة جدا ...... أنت لا تعرف ما يمكنه فعله ..... لقد وثقت به مرتين ... و في المرتين نهايتهما كانت ......... )
ارتجفت بشدةٍ دون ان تكمل و انتهى ارتجافها بانتفاضة عنيفة ....و هي تشرد بعيدا ... حينها جذب رائف يدها اليه قليلا .. فساقها اليه خطوة وهو يقول
( أعرف مرة منهما ... حين ...... أجهض الطفل ...... اما الثانية , فهل تقصدين عقد الزواج ؟! ..... )
كانت حدقتاها تدوران و كأنها تنتظران ظهوره في الليل كمصاص الدماء .......
لكنها هزت رأسها قليلا قبل أن ترفع عينين متوسلتين الى رائف لتقول بإختناق ما أخفته طويلا
( كان من المفترض أن يكون عقد قران فقط ............ )
عقد حاجبيه قليلا ...... وهو يسأل بصوتٍ مهتز قليلا
( لا أفهم ...... ماذا تعنين ؟!! ......... )
اقتربت منه أكثر وصوتها يخفت أكثر و كأنها تهمس سرا بعينيها الواسعتين المترجيتين
( كان المفترض أن ....... أن ننتظر الى أن يوافق والده .... لكنه ......... لكنه .... لقد كانت مرة واحدة .... لا أستطيع أن أنسى تفاصيلها حتى الآن ...... )
فغر شفتيه قليلا ...... وحاجبيه ينعقدان أكثر و اكثر بينما عيناه تتوحشان الى أن قال بصدمة لا تنتهي مما حدث لها و لا زال يحدث
( هل ........ لا ....... لا ...... لا تخبريني أنه ........ )
ترك يدها فجأة ليقبض على وجنتيها بكلتا يديه يرفع وجهها اليه لتقابل عيناه الماردتين وهو يسأل مباشرة بصوتٍ يرتجف
( هل اغتصبك ؟!! .......... )
لم ترد ..... حدقتاها المهتزتان و شفتيها المرتجفتين أخبراه بالجواب .... لكنها همست بعدها بفتور غريب
( أريد أن اقتله ....... الرغبة في قتله تتزايد بداخلي يوما بعد يوم ..ماذا أفعل يا رائف ؟!! .. )
كان اسمه الذي خرج من بين شفتيها المرتجفتين بنغمةٍ ترج صدره رجا ... هو الشيء الوحيد الذي جعله يستفيق من هول الصدمة الجديدة و هو يترك وجهها لتسقط ذراعاه الى جانبه وهو يرفع وجهه عاليا الى الفضاء الأسود من حوله ... مغمضا عينيه بينما ملامح وجهه بدت مخيفة و هو يهتف بصوتٍ خافت محاولا التقاط نفسا باردا يهدىء من النار المشتعلة بداخله ...
( ياللهي !!! ............... )
كان يقف مغمض العينين ..... يتنفس بصوتٍ أجش , بينما جسده الرجولي يرتجف من هول الغضب و المحاولة الواهية للسيطرة على انفعاله حاليا ....
بينما قبضتاه كانتا منقبضتين بشدة ... حتى ابيضت مفاصل اصابعه ....
كان يبدو كمنظر رجلٍ ينوى ارتكاب جريمة .....
و كانت ملك تراقبه بعينين منحنيتين .... و بداخل قلبها الميت ... نقطة وحيدة حية تنبض ... لا لشيء سوى لتشعر بالشفقة عليه !!!!!
اليس هذا غريبا ؟!! ..... بل ضربا من الجنون ؟!!!
جزء كبير من خوفها تحول الى شفقة على هذا الرجل الغريب !! .... بدلا من ان تهتم بحالها المأسوي ... الا انها تقف هنا لتعطف عليه هو من شيء ...... لا تستطيع تحديده تماما .....
فهمست باختناق
( أنا .......آسفة ............ )
فتح عيناه و ارتجفت من هولِ النظرة بهما ..... فقال بصرامةٍ مخيفة
( لماذا تعتذرين ؟!! ............. )
فغرت شفتيها المرتجفتين .... و شعرت بنسيم الليل يطوف حولها فيطير خمارها .. و يتخخل جسدها مرسلا خيط من الصقيع بداخلها .....
فلفت ذراعيها حول جسدها النحيف ...... و همست بخوف
( لا ........ لا أعرف ....... )
استدار اليها بكليته .... ينظر لها باندفاع ليقول بعدها بصوتٍ رجولي مخيف على الرغم من ارتجافه ...
( ربما لأنك أخبرتني للتو بأنك تعرضت لإغتصاب ...... و ها أنا أقف عاجزا لا أدري ما أفعل ؟ !!! ...)
تشوشت الرؤية امام عينيها المبللتين بالدموع ....و هي عاجزة عن النطق .... الالم بداخلها كان كالذبح دون الموت .....همست أخيرا بصوت مختنق
( لا استطيع ادعاء أنني كنت ضحية كأي فتاة مغتصبة ........ لقد قبلت بزواجه و استحققت كل ما حدث لي لذا ليس لي حق الشكوى ........ لكن الرغبة في قتله بداخلي تتزايد ...و تخنقني .. )
صمتت قليلا و هي تبتلع غصة في حلقها ... بينما التوى فكه بصعوبةٍ و جنون
ثم همست مجددا
( أبقى وحدي طويلا ...... لأتفنن و أتخيل طرقا مختلفة في قتله و تعذيبه قبلها ....... )
يستطيع فهمها جيدا ..... ان كان هو حاليا بدا يرسم في خياله صورة دمه المدنس على يداه ....
فساد صمت قاتم بينهما ..... و كل منهما يعيش جنونه المؤلم ....
سمعا صوت نفير سيارةٍ فجأة .شق صمت الليل .. فشهقت ملك و هي تقفز لترتمي على صدره و دون وعي منه رفع يديه الى ظهرها ....
كانت السيارة قد مرت مسرعة ..... الا انه اغمض عينيه و يداه تشعران بنبض قلبها الذي يرف متخللا جسدها و صولا الى ظهرها تحت كفيه ......
انخفضت ببطىء مبتعدة عنه ..... و هي ترفع وجهها اليه .. بينما ترك يداه تسقطان عنها لينظر اليها بنظرةٍ صرعتها ..... و استمر الصمت بينهما طويلا قبل أن تهمس بخفوت
( إنه هنا .......... أستطيع الشعور بوجوده ..... )
رفعت يدها الى الصدرها اللاهث و هي تهمس
( إنه هنا ............. )
ساد صمت قصير بينهما ... بينما نظر رائف نظرة حولهما ... قبل أن ينظر الى عينيها و يقول بغموض
( أنتِ تتوهمين ....... إنه ليس هنا ....... لا تخافي ... )
كلمة تتوهمين ضربتها في مقتل .... فهزت رأسها نفيا و عيناها تغرورقان بالدموع ....و همست باختناق
( لست أتوهم ............. أنه خطير ... صدقني ... )
ظل صامتا قليلا .... وهو ينظر اليها نظرة غريبة .... فهمست بذعر
( أنت لا تصدقني يا رائف ؟!! ..... ما أخبرتك به للتو .... هل تظنها مجرد قصة أتوهمها كذلك ؟!! )
لم يرد عليها مما زاد من ألمها .... فضمت شفتيها بألم لتهمس بعدها بإختناق
( ربما كنت أتوهم ذلك أيضا ....... لم أعد واثقة من شيء .... )
أطرقت برأسها بألم .... حينها دس رائف يده في جيب بنطاله , و أخرج سلسلة مفاتيحه ... و قال بصوتٍ صلب لا يحمل اي مشاعر
( خذي ....... أنتِ تعرفين أين أوقفت السيارة ..... اذهبي اليها و اجلسي بها , سأذهب لاحضر شيئا ثم أعود اليك ...... )
رفعت وجهها المذعور اليه و هي تهتف دون أن تاخذ منه المفتاح
( لا تتركني بمفردي في الظلام أرجوك ...... سأتي معك ... )
قال رائف بصلابةٍ أشد .... و صوتٍ لا يقبل الجدل
( ربما لو رآك زوج أختك مجددا لافتعل فضيحة و أصر على أخذك بالقوة ..... انتظريني في السيارة )
قالت ملك بارتجاف
( لن يستطيع , لا يملك الجق لذلك ...... أرجوك لا تتركني .... لم أعد أملك القوة على مقاومته ... )
اقترب منها رائف ليمسك بكتفيها حتى رفعت و جهها اليه ... فقال بصوتٍ صلب
( هل تثقين بي ؟؟.............. )
أومأت برأسها تلقائيا دون أن ترد ..... فقال ناظرا الى عينيها
( اذن اذهبي الى السيارة و لا تخافي ....... أنا هنا ...... )
لم ترد و هي تنظر اليه مستجدية .... لكنه أمسك بكفها و فتحه ... ليضع به سلسلة المفاتيح و اطبق أصابعها عليها جيدا وهو يقول آمرا
( هيا اذهبي .......... )
ظلت تنظر اليه بصمت .... الا أنه أغلق قلبه بقوةٍ دون ان يستسلم لرجاء عينيها الطفلتين ....
سارت ملك تتجاوزه و هي ترفع حافتي الفستان بيديها ... تسير متعثرة و هي ترفع رأسها كل خطوةٍ لتنظر هنا و هناك خوفا .....
بينما وقف رائف مكانه ينظر اليها و كأنه ينظر الى طفلته تسير وحدها بين غابةٍ موحشة ..... و ذئابٍ ضالة ...
وصلت ملك الى السيارة .... و هي ترتجف بشدة , تكاد تقسم انه خلفها .... مدت يدها تلامس زجاج النافذة و هي ترتجف قليلا و يدها على سلسلة المفاتيح .. تبحث عن زر الفتح بأصابع مرتجفة ...
لكن همسة بصوتٍ أجش من خلفها جعلتها تتسمر مكانها بذعر
( مليكة ........ )
لهثت نفسا مرتجفا .... و أغمضت عينيها محاولة التماسك و الثبات ....
" حسنا اهدئي ...... انه شادي .... مهما كان ما ارتكبه , فهذا هو اقصى ما يستطيعه ... لا يملك شيئا اكبر ليؤذيك به ..... اهدئي و تماسكي ..... "
لم تكن قد رأته منذ هجومه الأخير عليها .... تقييده لها ... و اجهاض جنينها بالقوة , ثم محاولة اعتدائه عليها ....
لقد تحملت منه كثيرا من قبل .... و كانت تعرف أن به مس من الجنون .... و كانت من الغباء بحيث ارتضت بأن تقبله بكل اختلاله ...
لكن منذ آخر حادثة بينهما .... و هي تتلوى بين ذراعيه مستجدية بينما يقتل جنينهما بدمٍ بارد ...
جعلها هذا ترتعب منه و تدرك أنه مجرم ... و قد يفعل أي شيء في سبيل نيل رغباته ...
لقد أفزعها اجهاضه لها أكثر من اغتصابه ....
كانت من الممكن أن تمنحه اي تبرير لفقدانه السيطرة بناء على رغبته بها ....
لكن اهنتهاكها عن طريق الإجهاض ... كان شيئا آخر ... جعله في نظرها سفاحا ... ترتعب ما أن تسمع صوته ... تشعر بالغثيان ما أن ترى عينيه ...
تكلم مجددا من خلفها حين وجدها متسمرة مكانها مستندة الى باب السيارة ... غير قادرة على الإستدارة اليه
فقال بصوتٍ خافت أثار الرجفة في أوصالها
( الا ترغبين حتي في النظر اليّ ؟!! ....... إنه أنا .... حبيبك و زوجك ....... )
شعرت بغثيان شديد .. و رعب متزايد .... بينما همست في داخلها دون أن تفتح عينيها
" أين أنت يا رائف ؟!! .....أرجوك تعال .... أرجوك ..... "
تكلم كريم مجددا بخفوت ملح .... متوسل
( انظري الي فقط .... و ستغفري كل خطايايا .... انظري الى عيني و ستعرفين الجواب بنفسك , ... أقسم أنني ما فعلت ما فعلته الا خوفا من أن افقدك مجددا ..... أنا لست ملكا لنفسي ..... )
ابتلعت مرارة الكره التي ما عرفتها الا على يديه ... مقترنة بحبه الذي كان ....
قال مجددا وهي تسمع صوت خطواته وهو يقترب منها على الأسفلت القاسي ...
( وجودك في حياتي كان أهم من ألف طفل ..... و كان الإختيار بينه و بينك ..... )
هزت رأسها نفيا بصورة غير ملحوظة ... على الرغم من ارتجافها , و كأنها تقول
" لا ..... كان الإختيار بينه و بين هويتك ..... التي بعت نفسك من أجلها "
رفعت وجهها قليلا و هي تستنشق المزيد من هواء الليل البارد كي تقاوم الغثيان و الدوار ...
لكنها تشنجت أكثر و هي تشعر به خلفها تماما .. ثم توقف ... حينها نبض قلبها بعنف ... و توترت عضالاتها استعدادا للدفاع عن نفسها ما أن يحاول لمسها ...
الا أنه لم يحاول حتى هذه اللحظة و قال بخفوت و صوت يرتجف من فرض انفعاله برؤيتها بعد ايامٍ طويلة
( حين رأيتك بفستان الزفاف .... شعرت بصدري يتضخم و صورتك تملأ عيني بوهجٍ ساطع .... تخيلتك و أنت تمشين نحوي ....و أنا أنتظرك .... بعد كل تلك السنوات .... أخيرا )
نشجت بنفسٍ رافض ... دائخ .... و غضبٍ مكبوت ,
بينما تابع بخفوتٍ لاهث
( ارجعي لي مليكتي .... ارجعي لي و أقسم أن أقضي المتبقي من عمري في اسعادك و جعلك تنسين كل ما فات ..... )
سحبت ملك نفسا مرتجفا آخر و هي تهمس لنفسها بذات السؤال
" أين أنت يا رائف ؟!! .......... "
و فجأة شعرت بأصابعه فوق كتفيها وهو يهمس بشفتيه اللتين انخفضتا لتلامسان الفاصل بين عنقها و كتفها
( أنت الجمال نفسه ..... التفتي الي , لقد اشتقت اليك ِ بدرجةٍ جعلتني مجنونا ...... مجنونا يا مليكة .... )
حينها اندفع الادرنالين في عروقها فانتفضت صارخة بجنون و هي تستدير اليه كموجةٍ حريرية عنيفة
( ابتعد عني ...... اياك و أن تلمسني مجددا ..... أنت تقرفني ... )
اشتعلت عيناه بنظرته التي تعرفها و تخافها .... الا أنه أطبق بكفيه على خصرها بمخالبٍ شرسة وهو يتقدم بها الى أن ارتطمت بباب السيارة وهو يقول بنبرةٍ مهووسة
( تكونين مخبولة تماما ... لو تخيلتي للحظةٍ أنني قد أتركك ...... أنتِ ملكي منذ سنواتٍ طويلة و أنتِ ملكي )
أبعدت وجهها بقوةٍ أقصى اليمين و هي تتخبط محاولا التحرر من شفتيه اللتين كانتا تجولان على عنقها بلزوجةٍ قبل أن يرفع رأسه ليقول
( تعالي معي ...... هيا .... )
أمسك بذراعها و هو يكبل الأخرى محاولا اقتيادها الى سيارته ... الا أنها كانت تتلوى و تقاوم بساقيها صارخة
( أبتعد عني ...... سأصرخ ...... )
الا أنه كان خلفها يدفعها الى الأمام وهو يهمس بنعومةٍ
( لن يسمعك أحد هنا ...... لم يكن يجدر بحارسك أن يوقف سيارته في مكانٍ بعيدٍ كهذا .... )
اخذت ترفسه بقدمها في ساقه دون جدوى ... بينما كانت شفتيه تلامسان صدغها وهو يهمس دافعا ايها
( اهدئي يا ملك ..... لم أعتدك فرسا غير مروضة .... )
لكن فجأة شعرت بثقله يجذبها معه .... حين انتزعته قوةٍ هائلة مما جعله يشدها معه ... الا أن ذراعي رائف تلقتها قبل أن تسقط معه أرضا ... ليوقفها على قدميها و يبعدها خلفه .... صرخت ملك بقوةٍ
( أين كنت ؟؟؟ ........ )
لهث رائف بعينين تقدحان شررا وهو يقف متحفزا ناظرا الى كريم الذي وقع أرضا مثيرا الغبار من حوله
( كنت أنتظره ........... )
تشبثت ملك بظهره و هي تهتف برعبٍ مرتجفة
( أبعدني من هنا قبل أن ينهض ,....... أرجوك ..... إنه مجنون و قد يفعل أي شيء ....)
الا أن رائف وقف مكانه بقوةٍ نبضت سخونتها خلال كفي ملك و هو ينظر الى كريم الذي قفز واقفا بعينين مجنونتين .... ثم قال بهدوء
( ابتعدي يا ملك ........... )
الا أن ملك نشبت أظافرها في ظهره و هي تهتف بذعر ...
( لن أتركك ...... هيا لنغادر أرجوك ..... )
الا أن رائف هدر بصرامة
( ابتعدى يا ملك ........... )
زلزلتها صيحته فابتعدت تلقائيا و هي تنظر اليهما بخوف ... بينما كان كريم يقترب من رائف ببطء و هو يهز رأسه ضاحكا ضحكةٍ مهتزة
( آآه الحارس الشهم ..... الذي تولى على عاتقه أمر رعاية زوجتي ...... )
رفع عينيه الى عيني رائف الصلبتين بنيرانٍ باردة ..... ثم قال بصوتٍ كالفحيح
( لقد ضحيت بالكثير من أجلها يا خالي ..... لذا لن تمنعني قوة على الأرض من أخذها .... )
قال رائف بصوتٍ قاطع كالسيف
( على جثتي ............ )
حينها قال كريم بصوتٍ عالٍ بعد أن فقد قدرته على السيطرة على نفسه
( كما تشاء .......... )
ثم اندفع هاجما على رائف الذي ابتعد عنه في اللحظة الأخيرة .... مترافقا مع صرخة ملك ..
و ما أن تجاوزه حتى رفسه في ساقه .. و ما أن شهق كريم ألما حتى عاجله رائف بضربةٍ من ركبته بين ساقيه ....
حينها تأوه كريم بشدة و احمر وجهه بفظاعةٍ و هو يسقط على ركبتيه أرضا ....
بينما سارع رائف الى خلع حزام بنطاله الجلدي ... و قبل أن يتمكن كريم من النهوض كان رائف قد انحنى اليه .... ضاغطا بركبته على صدر كريم بشدةٍ جعلت عينيه تجحظان ألما ....
ممسكا برسغيه و ربطهما معا بحزامه ثم قال بقوةٍ
( ملك ....... هناك حبل في مؤخرة السيارة .... أحضريه حالا .... )
كانت ملك تنظر اليه فاغرة شفتيها بذهول و هي غير قادرة على استيعاب ما يقوم به فهدر بقوةٍ
( الآن يا ملك .................... )
لم تستطع ملك الا أن تجر ساقيها و هي تحضر الحبل متعثرة في حواف فستان الزفاف .. و ما أن ناولته لرائف حتى سارع الى ربط ساقي كريم معا ....
فغرت ملك شفتيها و كانها تشاهد فيلما غريبا ... ثم هتفت بذهول و هي ترى رائف يسحب كريم الذي كان يتلوى بجنون ... الى أن ألقاه على مقعد السيارة الخلفي .... ليصفق الباب بعنفٍ وهو يلهث
( ماذا ستفعل به يا رائف ؟!!! ....... )
ابتسم رائف بوحشية وهو يلهث قليلا ... ثم قال ببساطة
( سأحقق لكِ أمنيتك ........ سنقتله و نتخلص منه .... )
اتسع فم ملك المفتوح .... و اتسعت عيناها بذهول ... بينما دار رائف حول السيارة وهو يقول آمرا
( اركبي ............. )
ظلت تنظر اليه بذهول وهو يفتح لها الباب الأمامي منتظرا .... و ما أن رآها متسمرة مكانها حتى قال بهدوء
( هل تثقين بي ؟؟ ....... )
عادت لتوميء برأسها تلقائيا .... فقال بلهجةٍ آمرة لا تقبل الجدل
( اذن اركبي .......... )
جلست ملك في المقعد الأمامي و هي تلملم حواف فستان الزفاف .. الى أن أدخلته .. فأغلق رائف الباب خلفها .... ليدور حول مقدمة السيارة و سرعان ما انطلق بها ....
كانت عينا ملك تنظران الى الطريق الممتد المظلم أمامها ... و كأنها منفصلة عن الواقع ...
بينما كريم ملقى على المقعد خلفها و هو يصرخ بجنون ... شاتما و لاعنا ... مهددا بأقذع الألفاظ ...
كان صوت صراخه يبعث رجفة طفيفةٍ في جسدها
فأرجعت رأسها لتنظر اليه بجمود .... فالتقت أعينهما و برقت عيناه جنونا وهو يصرخ
( لن أحررك يا مليكة ..... أقسم بالله لن تتحرري مني ..... )
حينها قال رائف بصوتٍ آمر
( انظري أمامك يا ملك ............ )
فأطاعت أمره مباشرة و هي تعود بعينيها الى الطريق الممتد أمامهما .... بداخلها رضا سادي و هي تشعر بتلويه خلفها .... ضاربا ظهر مقعدها بركبتيه ....
فتمنت ان يطول الطريق .... كي تشعر بالمزيد من تلويه .... مقيدا بحزامٍ جلدي و حبل ....
شاهدت رائف ينعطف بالسيارة الى مكانٍ مهجور .... خارج الطريق السريع ....
و ما أن أوقف السيارة حتى نظر اليها و نظرت اليه بصمت في الظلام و كأن بينهما تواصل غريب .... فقالت في النهاية و هي ترتجف بشدة
( هل ستقتله حقا ؟!! .......رائف لا تتهور أرجوك لقد كنت أهذي ... لا تستمع لكلامي .... )
ظل ينظر الي عينيها طويلا قبل أن يقول بهدوء مشيع بصراخ كريم المجنون
( انزلي ........... )
نزلت ملك تنوي منعه من ارتكاب جريمة .... لم تكن قد وصلت بعد الى الحد الذي يجعلها مجرمة ..
صحيح أنها تخيلت طرق عديدة لموته ... الا أنها كانت مجرد تخيلات لتهدىء من مرارة انتهاكها ...
فتح رائف الباب الخلفي .. ثم سحب كريم من ساقيه الى أن رماه ارضا ...
تأوه كريم صارخا و هو يتلوى في قيده كثورٍ مذبوح ....
( سأقتلك ...... سأقتلك ....... )
الا أن رائف كان يدور حوله و هو ينظر اليه ... ثم قال بهدوء شق صمت الليل المهيب
( اذن يا حبيب خالك ... سنفعل ذلك بالطريق السهل .... و إما الصعب ... أيهما تختار ... )
صمت للحظة وهو ينظر الى تلويه الشرس ... ثم لم يلبث أن قال آمرا بصوتٍ مزلزل
( طلقها ........... )
نظرت ملك فاغرة الفم الى رائف الذي عرفته هادئا وقورا و قد تحول الي شخصٍ آخر وقت الحاجة ...
بينما صرخ كريم بجنون
( لن يحدث ..... حتى لو قطعت من لحمي ... لن يحدث .... )
حينها أومأ رائف برأسه بهدوء ... قبل أن يرفع قدمه ويرفسه في جانبه بقوةٍ ... مما جعل كريم يشهق بقوةٍ و عيناه تتسعان أكثر ...
ثم أعاد رائف بهدوء
( طلقها ................ )
صرخ كريم وهو يتلوى يمينا و يسارا
( لن افعل ..... انها زوجتي .... لا يحق لك ...... )
رفسه رائف مرة اخرى بشكلٍ اقوى ... مما جعله يصرخ عاليا , بينما صرخت ملك ايضا و هي ترفع يديها الى فمها ....
بينما قال رائف بهدوء
( هذه من اجل ايهامك لها بأن زواجكما كان رسميا ........ )
ثم ضربه مجددا فصرخ كريم اعلى .... و صرخت ملك مرة اخرى , و رائف يقول بصوتٍ مشتد
( وهذه من أجل اجهاضك للجنين الذي كانت تحمله ....... )
كان كريم يلهث بعذاب بينما صرخت ملك و هي ترفع يديها الى اذنيها و هي تتشنج و تبكي
( كفى يا رائف ......... كفى .... )
الا أن رائف لم يسمعها .... بل قال بصوتٍ جليدي أكثر
( و هذه ........ لإغتصابك لها ...... )
ثم ضربه ضربةٍ أقوى من سابقتها .... فصرخ كريم بألم ... و صرخت ملك هي الأخرى بجزع
( كفي يا رائف أرجوك ..... لم أعد أتحمل ...... )
الا أن رائف قال آمرا
( طلقها ............. )
لكن كريم بصق تعبا و ألما ..... و أخذ يلهث من شدة الألم , ثم قال بصوتٍ مختنق
( لن يحدث ...... لقد ضحيت بابني من أجلها )
هزت ملك رأسها يأسا و هي تغمض عينيها بوجع ....
انه يعيش في حالة نكران عجيب للواقع ... و لا يزال يظن انه قتل جنينهما في سبيل الاحتفاظ بها ...
دون ان تفتح عينيها سمعت صوت ضربة مجددا مترافقة مع شهقته ...
حينها لم تستطع ان تمنع نفسها من الصراخ بشدة
( كفى ارجووووك ..... لم اعد اريد الطلاق ... كفى )
الا ان رائف هدر بقوةٍ
( اخرسي يا ملك ........... )
ثم التفت الى كريم قائلا بصوتٍ آمر
( طلقها ............ )
لهث كريم بعنف وهو يهمس بشراسة
( لا ........ سأتركها معلقة الى أن تعود الي .... لقد دمغتها باسمي .... وشمت جسدها باسمي )
رفعت ملك يديها لتغطي بهما أذنيها بقوةٍ و هي تشعر بالخزي ممتزجا بالرعب ...
ثم صرخ كريم بألم حين ضربه رائف مجددا بقوةٍ أكبر وهو يبصق عليه .....
و بعد عدة لحظات من التأوه تمكن كريم من الهمس بلهاث مختنق
( حتى لو نطقتها ....... لن تقع , فقد نطقتها تحت تأثير الألم ..... أيها الجبااااان )
ارتجفت شفتي ملك بشدة ... و أطبقت عينيها برعب .....
كريم معه حق .... أي كلمة طلاق سينطقها الآن لن تقع ... فهو تحت تأثير الضرب و التعذيب ..
انتظرت سماع صوت مزيدا من الضربات ....
الا أنها لم تسمع ... فتجرأت على فتح عينيها المهتزتان ... لتجد رائف يتجه الي السيارة .. و يفتح الجارور الأمامي ليحضر منه شيئا ...
فشهقت برعب و هي تفكر فيما ينتويه ؟! ....
هل سيحضر سلاحا ؟!!
هل سيمزقه قطعا صغيرة واحدة تلو الأخرى الى أن يطلقها ... فرفعت يدها الى صدرها المرتعب دون أن تجرؤ على النطق بكلمة ...
الا أنها رأته يعود حاملا في يده مظروفا كبيرا ....
ثم جثا القرفصاء بجوار كريم المسجا أرضا ... ثم قال مبتسما دون مرح
( اذن الطلاق لن يقع لأنك مرغم عليه .... اليس كذلك ؟!.... اذن لما لا أرمي الكرة بملعبك .... و أترك لك الخيار ..... )
صمت قليلا وهو يلوح له بالمظروف قائلا بهدوء
( أتعلم ما هذا ؟!! ....... انه مظروف سري للغاية .... هل يمكنك تخمين ما به ؟!! ..... )
نسى كريم ألمه مؤقتا وهو يطالع المظروف الملوح فوق رأسه بشك .... فلهث بشكٍ قائلا
( ماذا يمكن أن يكون ؟! ........... )
ابتسم رائف بشراسة وهو يقول بتأني ....
( تحليل dna ..... من بضعة شعرات من فرشاة شعرك ..... هل يمكنك أن تتوقع ما هي النتيجة المذكرة به ؟!! ....... )
اتسعت عينا كريم بذعر وهو ينظر الى المظروف الملوح و كأنه سيف مسلط على عنقه ....
بينما تابع رائف ببساطة قائلا
( لذا يا حبيب خالك ..... فالخيار الآن لك , ..... إما أن تطلقها بملء ارادتك .... و إما أن تكون تلك الوثيقة الصغيرة موجهة غدا صباحا لكل الجهات المعنية ...... )
شحب وجه كريم حتى حاكى وجوه الموتى .... بينما اتسعت عيناه بمنظر مثير للشفقة ...
ثم همس بصوتٍ واهي ضائع ..
( لن تجرؤ ...... أختك ستتهم بالنصب و الإحتيال ....... )
ضحك رائف ضحكة خشنة ... جوفاء , ثم قال بخفوت
( حين يريد الرجل امرأة ..... بشدة .... فمن يختار , .... هي أم أخته ؟!! ..... )
فغرت ملك شفتيها بشهقةٍ صامتة ... و هي لا تصدق ما سمعته للتو .....
هل أصيب رائف بالجنون تماما ؟!!
بينما ازداد شحوب كريم بعنف ... و همس بضياع
( اخرس ..... إنها زوجتي ....... انها زوجتي ....... )
ابتسم رائف بشراسةٍ أكبر ... لعله يحمل ذرة من الرجولة تجعله يتألم لكل كلمة ينطقها
عقابا له على تجاوزه السافر تجاه ميساء ....
لطالما كان ينظر بعين الخطر الى لمساته لها .... نظراته ..... استغلاله المستمر لإنهيارها ...
و كان يكذب نفسه ..... لكن بعد ما حدث لملك أدرك أي قذر مختل النفس هو ....
ثم تكلم أخيرا فقال بهدوء جليدي
( بخلاف أن ميساء لن يمسها سوء ..... فهي لم توقع ورقة واحدة تخص الأمر ..... أي أن لا دليل مادي ضدها ...... لقد استفسرت جيدا ... لذا يمكنك القول بأنني و اسرتي في أمان .... بينما أنت ووالدك الغالي ... ستخوضان أهوالا ما أن أفتح عليكما النيران ...... )
صمت رائف قليلا ... وهو ينظر الىى رعبه .... ثم نظر الى ساعة معصمه ليقول هادئا
( أمامك خمس دقائق لتقرر بها مصيرك ............. )
ظل رائف على وضعه ... ينظر الى ساعة معصمه ... بينما التوت رأس كريم لينظر الى ملك مستجديا
بينما كانت هي تبادله النظر بعينين مغطاتين بغلالةٍ من دموع باردة .... جليدية ... و هي تنتظر لتسمع قراره ...
قد يكون سماع قراره بالنسبة لها حاليا أهم عندها من سماع كلمة الطلاق .....
فحينها ستتأكد .... من مدى اختلاله في قتل جنينهما بدمٍ بارد ....
قال كريم هاتفا .... مترجيا
( مليكة ...... ارجوكِ ....... )
ظلت صامتة بشفتين ترتجفان قليلا ... قبل ان تقول بجمود ميت خافت
( القرار ليس بيدي .... كما ان المظروف ايضا ليس بيدي انا ....... لا مفر من الاختيار هذه المرة يا كريم )
اخذ رائف دفة الحوار منها فقال بصرامةٍ
( بقى لك ثلاث دقائق ........... )
ظل كريم ينظر الي ملك مترجيا ..... بينما قال بيأس
( ابي لن يسمح بما تفعله ........... )
لوى رائف شفتيه بسخرية قاسية , ثم قال بهدوء
( دع والدك العزيز لي ....... انا كفيل بمواجهته ...... بعد ان اكون قد وضعته خلف القضبان , فلقد آذى اختي كثيرا ..... و انا ممتن جدا لهذه الفرصة كي انال منه ..... )
تأكد كريم ان رائف صادقا ..... و ان لديه مئات المبررات كي ينال منهما معا ....
و حين انقضت الخمس دقائق ... رفع رائف يده الاخرى ليقبض على ذقن كريم وهو يقول بصوتٍ خافت لكن مخيف وهو ينظر اليه
( طلقها ............. و حينها قد افكر في تركك لحالك القذر .... )
ساد صمت طويل ... و كريم ينازع كحيوانٍ شرس في لحظاته الأخيرة ....
بينما هدر رائف بقوةٍ عنيفة
( طلقهااااااا ............ )
حينها فغر كريم شفتيه فنظرت ملك الى شفتيه منتظرة قراره ..... و اطلاق سراحها ....
فهمس باختناق
( انتِ طا ......... طالق ......... )
اغمضت ملك عينيها بشدة .... بينما خرج نفسا مرتجفا من بين شفتيها الزرقاوين المرتعشتين
يخالجها شعور قوي بتدني الذات ... لهذه الدرجة كانت رخيصة الثمن مرة بعد مرة !!
بينما يغلف ذلك الشعور ... موجةٍ عاتية من الراحة و التحرر أخيرا ....
دفع رائف وجه كريم بقوةٍ ... ثم نهض واقفا وهو يرمقه بإزدراء ... قبل أن يقول من بين أسنانه
( قذر ........... )
توجه الى ملك التي كانت تقف في العراء وسط الليل .... الهواء يطير فستانها و خمارها ... بينما هي رافعة رأسها مغمضة عينيها تستنشق بعض الهواء بارتجاف ...
قال رائف بخفوت
( هل أنت ِ بخير ؟!! ........ )
هزت رأسها ايجابا .... بينما كان شكلها أبعد ما يكون عن الخير ... فقال رائف بخفوت أكبر و حنان اختفى في اللحظات السابقة
( لقد انتهى الأمر يا ملك .......... يمكنك الصراخ الآن ... )
ازداد ارتجافها و هي تنتحب بصمت ... دون أي صوت .... فقال بصلابة حانية
( ألم أعدك بذلك ؟!! ........ يمكنك الصراخ قدر ما تشائين .... )
ازداد نحيبها الصامت و هي مطبقة جفنيها .... بينما انحنت للأمام و هي تنتفض شاهقة ببكاء مرير ... تلف خصرها بذراعيها ... و سرعان ما تحول النحيب الصامت الى شهقات بكاء واضحة .... ثم تحولت الى عويلٍِ عالي الصوت .... أخذ يتعالى و يتعالى ... الى أن تحول الى صراخٍ هادر شق سكون الليل و هي تنحني على نفسها أكثر .....
حينها اقترب منها رائف .. و بحركةٍ مندفعة , جذبها بين ذراعيه بقوةٍ كادت ان تطبعها على صدره .... بينما ارتفعت يده من تحت خمارها و هي تملس شعرها المنهار من ربطته ...
و يده الأخرى تضمها اليه ضاعطة ظهرها بحنانٍ قوي ... شديد البأس
وهو يريح ذقنه اعلى خمارها .... فأغمض عينيه هامسا
( لقد انتهى الأمر .............. )
استمر صراخها عاليا فوق نبضات قلبه الثائرة ..... طويلا , بينما صراخ كريم من خلفهما يهدر بعنف
( اتركها ........ اتركها ....... )
الا ان ملك لم تسمعه هذه المرة ...... و كأن صوته قد تلاشى من وجودها للأبد ......
فأخذت وقتها في الصراخ ... الى أن تهدمت قواها في النهاية و انهارت على صدر رائف كغريقٍ انهار على بر الأمان أخيرا ... بعد أمواجٍ عاتية ... ضربته مرارا ...
ما أن سكن صراخها و تحول الى شهقاتٍ باكيةٍ خافتة .... حتى أبعدها عنه قليلا وهو ينظر الى عينيها المتورمتين ... قبل أن يقول بصلابةٍ و عيناه تحملانِ انفعال لم تستطع احتماله ..
( هيا بنا لنرحل عن هذا المكان ..... )
عاد ليجذبها من يده خلفه الى أن أجلسها في السيارة .... ثم أغلق الباب خلفها بعد أن انحنى على عقبيه ليلملم حواف الفستان بنفسه....
عاد الى كريم ... ووقف بحذائه بجوار رأسه قبل أن ينحني ... ليخلع الحزام الجلدي عن يديه و يرميه بعيدا على أقصى قوته ....
ثم استقام واقفا ليقول بصوتٍ مشمئز
( سأتركك لتحل وثاق قدميك ...... ربما في تلك اللحظات خلال فعلك لهذا , تتمكن من حل وثاق روحك ....... لتصبح ما يقترب من آدمي .....)
تركه و ابتعد الى السيارة بينما كريم يصرخ من خلفه
( ابي لم يمرر لك ما فعلته ...... لم ينتهى الأمر بعد ..... أقسم أن أمزقك ما أن تقع بيدي ....)
الا أن رائف رماه بنظرةٍ ساخرةٍ ملتوية ...
قبل ان يدخل سيارته و ينطلق بها تاركا كريم يحارب بعذاب مع قيوده .....
بعد مسافةٍ طويلة .... كان ينظر خلالها الى ملك بين لحظةٍ و اخرى .....
قالت ملك بخفوت دون ان تنظر اليه ....
( كيف استطعت اجراء التحليل بمثل تلك السرعة ؟!!...... )
نظر اليها طويلا , قبل ان يبتسم ابتسامة قاسية .... قبل ان يقول ببساطة
( لم افعل ........ )
ثم تناول المظروف عن الرف الامامي للسيارة .. لينظر اليه طويلا قبل ان يقول بهدوء
( انه اقراري الضريبي ............ )
فغرت ملك شفتيها بذهول و هي تراه يرمي المظروف على المقعد الخلفي بإهمال ..... قبل أن يعاود القيادة بهدوء ....
بينما ظلت ملك تنظر اليه مفتوحة الفم و العينين ... لا تصدق أنه حصل على يمين الطلاق بمظروف يحوي الإقرار الضريبي ....
و ما أن شعر بصدمتها ... نظر اليها مبتسما ليقول ببساطة
( منتهى الذكاء .......... اليس كذلك ؟!! ...... )
لم تستطع الرد على الفور ..... ثم لم تلبث ان قالت بخفوت
( أنا منبهرة ............ )
عاد رائف لينظر الى الطريق أمامه مبتسما .... على الرغم من أن روحه أبعد ما يكون عن الإبتسام ...
فمجرد كلمةٍ بسيطة ... قليلة الأحرف , لن تجعلها تنسى ما حدث لها ....
لقد تدمرت تماما ..... وهو يدرك ذلك .....
و ذلك يملأ نفسه بغيامةٍ داكنة .... و كأنها من لحمه ... و دمه ......
كان الصمت هو رفيق رحلتهما للمتبقي من الطريق ..... الى أن وصل الى مكانه البعيد و الأحب على قلبه ... فأوقف السيارة في جنح الظلام ثم بقى ناظرا أمامه لفترةٍ طويلة .... قبل أن يلتفت اليها قائلا بخفوت
( لقد وصلنا ............ )
نظرت ملك الى البيت الصغير الذي وقف أمامه .... بينما قال رائف بتردد
( ملك ..... لو أردتِ العودة الى أختك ..... ما عليكِ سوى الطلب ..... )
نظرت اليه طويلا قبل أن تقول بصوتٍ مرهق باهت
( لتضربني ؟!! ...... و تسمعني المزيد من قصائد الإحتقار التي أشعر بها دون الحاجة الى سماعها ؟!! ..... اليوم تحديدا ... لم أشعر بأنني كنت قبلا أبعد ما يكون عن وعد ....... لا أرغب في مساعدتها .... أو بمعنى أصح لا أستطيع تحمل تلك المساعدة ..... لقد أتت متأخرة جدا ......)
قال رائف بحذر ....
( لقد كنتِ قاسية معها قليلا الليلة .......... )
رفعت ملك عينيها الضائعتين اليه قبل أن تهمس بإجهاد
( يحق لي أن أكون قاسية قليلا الليلة .......... اليس كذلك ؟!! ..... )
صمت قليلا , قبل أن يقول بصدقٍ لم يستطع مداراته
( نعم يا صغيرة ........ يحق لكِ أن تكوني قاسية الليلة ....... )
صمت للحظة قبل ان يقول بهدوء
؛( هيا انزلي ............... )
نزلت ملك و هي ترفع حواف فستانها بينما كانت تنظر الى البيت .... بينما سارع شخص ما يرتدي جلباب صعيدي نحوهما وهو يقول بذهول غير مستوعبا المنظر أمامه ...
( مبارك ..... مبارك يا سيد رائف ...... لو كنت أخبرتنا لكنا جهزنا البيت لك و لعروسك ..... )
اتسعت عينا ملك بذهول و هي تنظر مستجدية الى رائف الذي وقف ينظر اليها بنظرةٍ غريبة ...
قبل أن يقول بهدوء
( ادخل أنت يا سيد ............ سأتولى الأمر أنا ..... )
أومأ الرجل برأسه وهو ينظر الى رائف و الذي كان يقتاد ملك الى البيت بينما ملامح الذهول الغبي لا تزال ظاهرة على وجهها .....
ثم قال بذهول
( حتى يوم عرسه لا يسمح لأحدٍ بدخول المكان لتنظيفه !!! ...... )
دخل رائف خلف ملك ثم اغلق الباب خلفهما و اشعل الأضواء
فاستدارت ملك نحوه بسرعةٍ جعلت فستانها يدور من حولها بموجةٍ سحبت أنفاسه
لكنها بدت غافلة و هي تنطق بذهولٍ هامسة
( لقد ....... ظننا ...... أنا ..... و أنت ........ )
أومأ رائف برأسه دون أن يرد .... وهو يرمقها بنفس النظرة , قبل أن يقول بخفوت
( أعرف ما ظنه ............ )
ارتبكت ملك ... و ارتجفت و هي تسارع الى خفض رأسها بذهول ... لقد ظنها الرجل عروسا ... بينما هي حصلت على الطلاق للتو ........
لقد ظنها عروس ...... رائف !! .......
ظلت صامتة قبل أن ترفع رأسها قليلا ... محاولة السيطرة على مشاعرها المرتبكة .... ثم قالت بخفوت مسكين
( هل ....... سأبقى هنا ....... معك ؟!! ....... )
لمعت عيناه بدرجةٍ جعلتها تنتفض داخليا و هي تنظر اليه مذهولة ... و كأنها منومة مغناطيسيا بفعل عينيه ... لكنها أيقنت أنها تتوهم حين سمعته يقول بهدوء خافت
( لا بالطبع ...... سأرحل حالا ......... )
شعرت بالخوف فجأة من ان يتركها هنا بمفردها .... بعد ان تباجحت و رفضت العودة الى وعد ....
لكنها قاومت الشعور بالخوف و هي تنظر اليه قائلة بخفوت
( ماذا لو .....؟!! ........ )
رد رائف ببساطة دون الحاجة الى متابعة سؤالها المرتجف
( لو كان هناك احتمال واحد بالمئة في امكانية وصوله الى هنا ..... لما أحضرتك ..... )
أومأت ملك برأسها بصمت .... بينما قال رائف بخفوت
( هناك طعامٍ كافٍ في الثلاجة ..... و ملابس قطنية مريحة ....كما أن التلفاز يعمل و معد بكل القنوات ... )
لم تتمكن ملك من منع نفسها من الضحك بخفةٍ و ألم و هي تهمس متوجعة بسخريةٍ مريرة
( تلفاز ؟!! ........... )
اظلم وجهه قليلا وهو يقول بصرامة ...
( ستشاهدين فيلما كارتونيا يا ملك ...... و هذا أمر ...... )
ابتسمت قليلا و هي تنظر الي عينيه طويلا بحزن .... قبل أن تقول برقة
( انت دائما تراني طفلة ....... على الرغم من انني ابعد ما يكون عن ذلك ..... )
قال رائف بثقةٍ و صرامة
( ستظلين دائما طفلة ....... حتى لو صرتِ جدة ..... )
عادت لتبتسم بسخرية مريرة و هي تقول بصدمة
( جدة !! ....... يلزمني الزواج اولا كي اكون جدة ...... و هذا ابعد ما يكون عني .... )
اشتعلت عينا رائف بغضبٍ رافض .... لكنه امتنع عن الرد عليها , بينما قال بصوتٍ خافت متصلب
( يجب أن أغادر الآن ...... هل ستكونين بخير ؟!! ....... )
اومأت ملك برأسها ببطىء و الشعور بالخوف يعاودها .... فقال رائف مترددا
( حسنا اذن ...... )
صمت قليلا قبل أن يقول فجأة عابسا دون تفكير
( هل ستتمكنين من خلع هذا الشيء بمفردك ؟!! ........ )
اتسعت عينا ملك ..... و احمر وجهها بشدة , بينما لعن رائف غبائه وهو يقول مسرعا و بصوتٍ متحشرج
( يجب أن أغادر حالا ........... )
ثم اندفع في اتجاه الباب دون حتى كلمة سلام ..... الا ان ملك نادته قبل ان يخرج بصوت خافت
( رائف .......... )
توقف مكانه يتنفس بسرعةٍ قليلا .... قبل ان يقول بخشونة دون ان ينظر اليها
( نعم يا صغيرة !! ........ )
ظلت ملك تنظر الى ظهره طويلا .... قبل أن تقول بخفوت حذر
( حين كنت ...... تضربه ...... صرخت بي .... و قلت " اخرسي يا ملك " ..... هل .... كنت تقصد ذلك ؟!! )
التفت اليها عاقدا حاجبيه بحيرة فعلمت أنها أربكته ..... بينما قال عابسا
( هل قلت ذلك ؟!! ........ لا أتذكر ..... )
أومأت رأسها اجابة على سؤاله .... الا أن عينا رائف رقتا فجأة و قال بخفوت
( لم أقصد ذلك ........ لا تخافي يا صغيرة , كنت في حالٍ مريعة ...... )
شيء ما تسلل دافئا الى صدرها متخللا جبال الجليد بداخله ... الا أنها قالت فجأة بشجاعة
( الم تقصد كل ما نطقت به حينها ؟!! ....... )
حينها علمت أنها أربكته بشكلٍ أعنف .... و هو يدرك تماما أي عبارة تقصد .... و ظهر ارتباكه في عينيه ....
لكنه رد بصرامة
( أراكِ صباحا ...... صغيرتي ..... )
ثم خرج مسرعا .... صافقا الباب خلفه بعنف .... بينما ظلت ملك واقفة تنظر الى الباب المغلق ....
و لا زال السؤال يتردد بداخلها دون جواب .....
كان الحارس جالسا مكانه .... يدخن أرجيلته ... لكنه انتفض معتدلا وهو يرى رائف يخرج مندفعا ... مكفهر الوجه .... الى أن قاد سيارته و انطلق بها بسرعةٍ عنيفة ....
بينما ظل الرجل ينظر في اثر السيارة المختفية قبل أن يقلب كفا على كف وهو يقول متحسرا
( لا حول و لا قوة الا بالله ... رجل طول و عرض ..... لم يكن يظهر عليه علامات الفشل من قبل !! .... )
.................................................. .................................................. ......................
كانت عيناه تبحثان عنها بين الجموع ..... و بداخله غضب من تركها له كل هذا الوقت بمفرده ....
منذ أن أحضرت له طبقا من المائدة المفتوحة .... "أكلت معظمه أثناء الطريق ! "
و هي تبتعد عنه كالفراشة .... من يراها يظنها تمارس عملها الشخصي ... لم يكن يعلم أن لديها موهبة خاصة في الاعداد لحفلات و العروض .... بدءا من الأساسيات ... و حتى اصغر التفاصيل كالطعام .....
لكن طبعا الطعام لم يكن أصغر التفاصيل بالنسبة الى كرمة ..... بل هو أعظمها ....
فكلمها وجدها بالصدفة عن بعد .... و جد شيئا ما بيدها تدعي تذوقه .....
كم كان منظرها و هي تتلذذ بكل صنف جيد يدفىء قلبه .... الا أنه في نفس الوقت يصيبه بالغضب لأنه يعلم جيدا أنها لن تتناول العشاء معه بتلك الطريقة ...
كان قد حضر تحضيرا خاصة لليلة .... فالليلة هي أول ليلة سيقضيانها بمفردهما ....
خاصة و أن أمينة غادرت اليوم صباحا .... بعد أن لوت كاحلها في نفس اليوم الذي غادر به محمد الى أمه...
فأصرت كرمة بكل سماجةٍ بأن تبقى معهما الى أن تتمكن من الوقوف على كاحلها مجددا ....
و كان نتيجة ذلك حروبا طاحنة بين كلتيهما ... كل يوم .... صباحا و مساءا ....
حتى أنه كان كلما اقترب منها ليلا في الظلم ... تهمس بعينين براقتين في الظلام
" هشششش .... بهدوء , أنا متأكدة أنها تسمعنا ...... "
لكن اليلة ... ستكون ليلة كالمفرقعات النارية .... لن يكون هناك غيرهما في البيت ..... و يشك انها قد تخرج منها سليمة .... و هذا جيد بالنسبة له , فقد تضطر لأخذ أجازة من المصرف و الجامعة ... و تنتظره في البيت الى أن يأتي اليها فيبثها أشواقه ...
أخيرا لمحها من بعد .... كانت واقفة كملكة راقية ....
لطالما أبرهته طلتها الرزينة الملوكية التي تخفي بداخلها جموحا يعرفه حق المعرفة ... عمليا و عاطفيا ....
فهل هناك من هو أكثر منه حظا في هذه الدنيا ؟!!! ..... لقد تزوج حبيبته المستحيلة ,, و يتنعم كل لحظة ٍ بالمزيد مما يكتشفه عنها ......
الليلة تبدو ذات جمال خاص ... بفستانٍ منسدلٍ على قوامها المهلك المكتنز ... بينما شعرها المنحدر بموجاته كان يسبي كل من ينظر الى بريقه ...
همس بخشونة مختنقة
( تبا لذلك ....... ماذا افعل كي أخفيها عن الأعين ...... هذا فوق احتمالي .... )
رآها تسير حول نفسها قبل أن ترفع الهاتف في يدها الى أذنها .... و سرعان ما علت وجهها ملامح عاطفية رقيقة .... قبل أن تبتسم بسعادة مبهجة ,.... لكل من يراها .... الا هو ....
كانت هناك نارا تحرق أحشاؤه كلما رآها مؤخرا تتكلم في هاتفها ....
منذ طلبها المرتجف منه أن تغير رقمها و هو يشعر بقلق يفترسه ... و لطالما كان احساسه صادقا ...
خاصة فيما يتعلق بكرمة ....
كثيرا ما كانت تترك الهاتف خلفها في كل مكان .... و كأنها تتحداه بإحدى ألعابها الأنثوية التي تتعمد اختبار صبره ...
فكان يقف طويلا بجوار الهاتف الملقى بإهمال ... و أصابعه تتآكله كي يلقي نظرة عليه ....
تحديدا رجوعا الى تاريخ ذلك اليوم الذي سألته فيه تغيير الرقم ... وهو يحفظ التاريخ عن ظهر قلب ....
ابتسم بوجع وهو يهمس
" كم انا محظوظ ...... بحبيبتي ذات طعم السكر ... و التي أتحرق بنارها كل يومٍ و ليلة ... "
كان يبتلع ريقه بتشنج و هو يراها تتمشى قليلا ... و ذيل فستانها المحدود يحف الأرض خلفها ...بينما ابتسامتها الى من تحدثه تكاد تقتله ...
ترى هل تبتسم نفس الإبتسامة حين يهاتفها ؟!! ....
أنهت كرمة مكالمتها أخيرا بعد أن كانت قد أحرقت أعصابه و حتى النهاية ....
فرفعت وجهها اليه مباشرة .... و أشرقت ابتسامتها بهزل .....
عض باطن خده وهو يهدر بداخله
" لا أريد نظرة الهزل تلك على الرغم من عشقي الميؤس بها ...... بل أريد نظرة أعرفها جيدة ... و لم تنظرها يوما الي .... )
اقتربت كرمة في اتجاهه و هي ترفع حافة فستانها الرائع .... بينما الإبتسامة تمنحها بريقا و طفولية و بهجة ...
الى أن وصلت اليه فانحنت اليه تقبل وجنته .... الا أنه أبعد وجهه , فعبست بمرح و هي تجلس أمامه قائلة بخبث
( يبدو أن صغيري غاضب من ماما ...... )
عبس حاتم بشدةٍ وهو يقول بشدة
( توقفي يا كرمة عن مزاحك ذلك ..... قد يسمعنا أحد ..... )
ادعت الحزن ببراءة و هي تقول بصدمة زائفة
( الم يعد يعجبك مزاحي الآن ؟!! ........ )
زفر حاتم بوهجٍ دافىء قبل أن يقول متراجعا
( أخبرتك من قبل ...... ليس أمام الناس ..... )
نظرت حولها ببراءة ... قبل ان تعود اليه بابتسامة جميلة و هي تقول بخبث
( لا أرى أحد يسمعنا ........... )
عاد ليزفر بحنق وهو ينظر أمامه قبل أن تقول كرمة باهتمام و هي تمد يدها لتلتقط شيئا من طبقه لتقضم من قضمة بتلذذ
( لماذا لم تأكل ؟!! ...... الم تعجبك نوعية الطعام !! ...... )
نظر اليها عباسا وهو يقول بخشونة
( ربما لو لم تقضي عليه كله ... لكنت استطعت أن أبدي رأيي ...... )
عبست كرمة و هي تقول بغيظ
( أنت بمزاجٍ سيء جدا الليلة ...... أنت لا تعاتبني على الطعام الا لو كان هناك شيئا ما يغضبك ..... )
زفر حاتم وهو ينظر اليها طويلا .... قبل أن يقول بهدوء
( مع من كنتِ تتحدثين في الهاتف في مثل هذا الوقت ؟!! ....... )
مدت كرمة يدها تلتقط قطعة مخبوزات اخرى و هي تضعها في فمها بنهم قائلة بتلذذ
( كنت اكلم محمد ........... )
تابعت اكلها ... دون ان تدرج ان ملامح وجهه تتصلب في ردة فعل باتت تلقائية ....
ترى هل تعلم انها اصبحت السبب في اجفاله المستمر كلما نطق اسم ابنه مقترنا بها !! ...
نظر حاتم الى ساعة معصمه وهو يقول بخشونة
( هل محمد مستيقظ حتى هذه الساعة ؟!! ..... كل ما افعله وهو معي , تهدمه والدته و زوجها خلال يومين )
نظرت اليه كرمة بجدية و هي تقول
( حاتم ترفق بالولد قليلا ..... انه لم يعد طفلا .... و لا ضررمن ان يسهر مع امه قليلا ..... )
نظر اليها حاتم بغضب وهو يقول
( انه وضع سيستمر طويلا ..... لذا فان ادائه يتأثر في الملعب اليوم التالي ..... وهو على وشك دخول البطولة ..... )
نظرت اليه كرمة بصمت و جدية قبل ان تقول بحدة
( اي بطولةٍ تلك التي تهتم بها ؟!! ...... محمد رغم تفوقه دراسيا و رياضيا , الا انه يعاني كبتا عميقا ... كان عليك ان تلاحظه قبل ان تهتم بالبطولة الخارقة التي تتحدث عنها ..... )
نظر اليها حاتم ليقول بكبت و غيظ
( كرمة ارجوكِ لا تعلمينني كيفية التعامل مع ابني ..... انا اب منذ اثني عشر عاما ... لذا بالتأكيد انا اكثر خبرة منكِ .... )
ساد صمت طويل بينهما .... بينما لم يظهر على كرمة انها سمعت شيئا مما قاله ... فنظرت امامها تراقب الحفل بملامح هادئة .... لكنها مدت يدها تعيد المخبوزة التي كانت في يدها في الطبق برقة ...
و ما كادت ان تسحب يدها حتى اطبق حاتم كفه هلى يدها يأسرها فوق المائدة وهو يقول بصرامة
( كرمة ! ............. )
لكنها قالت مبتسمة برقة و هي تحاول أن تجذب يدها
( اريد الذهاب لحجرة السيدات يا حاتم ....... )
الا أنه شدد على يدها بغضب أكثر وهو يقول بشدة
( لن تذهبي يا كرمة .......... هل هكذا سيكون الوضع بيننا ؟!! .... أتحسس و التمس الحذر قبل النطق بأي كلمة !! ...... كرمة أنااتحدث معك كما اتحدث مع نفسي ... دون أي فوارق .... )
نظرت اليه نظرة سمرته مكانه و هي تقول بهدوء
( لم أشعر بأنك كنت تتحدث مع نفسك .... فعلى حسب ما أتذكر أنك تمتلك خبرة اثني عشر عاما ... بينما أنا لا ..... )
تنهد حاتم بقوةٍ وهو يرفع يده الى جبهته دون أن يترك يدها ....
و بعد فترةٍ رفع وجهه اليها ليقول بهدوء
( هلا عذرتني ؟!! ....... الا تسامحين طفلك المتمسك بثوبك !! .....)
ظلت على ملامحها الصارمة قليلا ... قبل أن تفقد قدرتها على المقاومة و تضحك برقة تهز رأسها بيأس لتقول برقة
( تبدو سخيفا للغاية..... انها لطيفة مني لكن منك تبدو في غاية الحماقة ..... )
ارتفع حاجبه بخبث وهو يقول بعبث
( أتنكرين أنني أتمسك بثوبك الى أن ينخلع في يدي باستمرار !! ...... )
احمر وجه كرمة بشدة و هي تنظر حولها خوفا من ان يكون احد قد سمعهما ..... ثم لم تلبث أن أرجعت وجهها لتطرق به بعد ان اصبح بلون الطماطم ... فقال حاتم مازحا مسحورا
( أنتِ تحمرين خجلا !!! .......... )
قالت و هي تتشاغل بترتيب المحرمات امامها
( و هل هذا عجيب أمام وقاحتك العلنية ؟!! ........ )
قال حاتم بجدية
( ان لم تغادر على الفور ... فستعرفين معنى الوقاحة العلنية .... )
ارتبكت أكثر ... و أحمر وجهها بشدة .... فقال مكررا بصوتٍ خافت آمر
( هيا لنغادر يا كرمة ..... أنها أول ليلة نقضيها بمفردنا سويا ....... و انا أنوي استغلال كل لحظةٍ منها )
احمر وجه كرمة بشدةٍ اكبر لكن مشاعر الشوق اجتاحتها اليه كما يحتاج اليها .... فقالت بخفوت دون ان ترفع عينيها اليه
( سأذهب لأخبر وعد بمغادرتنا ........ )
.................................................. .................................................. ......................
كان حاتم يقود بكبت و شعور رهيب بالغيظ ... بينما كانت كرمة تنظر خلفها الى وعد التي كانت جالسة على المقعد الخلفي بوجهٍ بائس شاحب .... بعد ان نضب دموعها كلها ....
فمنذ أن دخلت كرمة و قبلت المكان بحثا عنها لتجدها جالسة على ركبتيها أرضا و هي تضم ذراعيها و تبكي بشدة في ركن منعزل ....
فضمتها كرمة بهلع دون أن تدري سببا لتلك المأساة التي تعيشها في ليلة كهذه .... خاصة و أن سيف رحل و تركها بمفردها .... و كذلك ملك اختفت !!
حينها استدعت حاتم ليساعدها في ايقاف وعد و قاداها الى سيارته بعد أن أصرت كرمة على أن تبيت معهما بعد ان تركها الجميع في مثل تلك الحالة .....
أعادت كرمة نظرها الى حاتم معتذرة دون كلام .... بينما لم يستطع الابتسام حتى وهو يشعر بغيظ لا يستطيع مداراته ...
وصلا الى البيت في النهاية فقادتها كرمة الى غرفة الضيوف
و حملت اليها احدى مناماتها القطنية و ساعدتها على ارتدائها ....
جلست وعد على السرير تضم ركبتيها الى صدرها بتعب و هي تهمس بصوتٍ ميت
( لقد ضاع كل شيء يا كرمة ..... كل ما حلمت به ضاع في لحظة )
جلست كرمة الى جوارها تمسد ركبتها بحزم و هي تقول بلهجة الأمر
( الآن ستقصين علي كل شيء ...... دون أن تغفلي عن أي تفصيل )
تكلمت وعد بخفوت بينما عينا كرمة تتسعان مع كل كلمةٍ حتى شهقت عدة مرات و هي تضرب صدرها بيدها ... و ما أن انتهت وعد من الكلام ... حتى شهقت كرمة هاتفة
( ياللمصيبة !!! ..... ملك !!! ..... ملك !!! .... متى ؟! ... و أين ؟! ... و كيف ؟!! ..... )
رفعت وعد الى جبهتها و شهقت بالبكاء فجأة و هي تهمس بيأس
( أنا السبب ..... أنا التي تخليت عنها , .... كنت أظن أنها اعتادت البقاء بمفردها و الإعتناء بنفسها جيدا على مدى سنوات طويلة ..... لذا فكرت بواقعية ,., ففكرت أن أنشعل بجمع ما يؤمن لها مستقبلها كي لا تعيش المزيد من الشقاء مثلي ...... لم أكن أعلم أنها لا تزال في حاجة الى رقيبٍ تعتمد عليه كي لا تنزلق بلك الصورة المؤسفة ........ )
كانت عينا كرمة تدمعان بشدة .... بينما تشعر باختناق كاد أن يزهق أنفاسها ....
ففي لحظة واحدة عادت اليها كل ذكريات الطفولة المضنية .... تخبرها بقسوةٍ أن حياة كل منهما لم تكن بمثل تلك السهولة .... بل و أن بعض منهن ضل بها الطريق تماما كملك .... و يعلم الله من أيضا ؟!! ...
شعرت كرمة بأنها غير قادرة على النطق حتى بمواساة بسيطة ..... كان الألم بداخلها أفظع ....
فهمست باختناق و هي تربت على ركبة وعد التي دفنت وجهها بينهما بنحيبٍ خافت ...
( لن نتحدث بشيء الآن ..... فقط نامي و غدا سنتحدث بعد أن تكونين قد هدأتِ كي نرى حلا لتلك الكارثة )
دخلت كرمة غرفتها و اغلقت الباب بهدوء ... ثم توقفت و هي ترى حاتم مستلقي في السرير .. عاري الصدر و ملامح الرجولة كلها تنبض منه ...
فقالت بفتور
( الم تنم بعد ؟! .......... )
لم يرد عليها على الفور ... بل طالعتها ملامحه الصلبة قليلا وهو يقول بهدوء حازم
( كنت أنتظرك .......... )
اتجهت كرمة الى دولابها هي تقول دون أي مشاعر
( ما كان عليكِ الإنتظار .... فربما رغبت البقاء مع وعد كي أخفف عنها )
لم يرد حاتم على الفور .... بل ظل يراقبها بهدوء جامد وهو يراها تفتح سحاب فستانها بصعوبةٍ دون أن تبادر بطلب مساعدته كالعادة .....
فانزلق الفستان ساقطا على الأرض عند قدميها و هي توليه ظهرها بعد اهتمام .....
ثم التقطتت أول قميص نوم طالته يدها لتدسه فوق رأسها باهمال ....
كان عادة ما أن يراها قد بدأت في خلع ملابسها حتى يندفع اليها ... يغرقها في اشواقه قبل حتى أن تلتقط أنفاسها ....
لكن اليلة شيئا ما بها جعله يتراجع بحذر .... فقد شعر أنها بعيدة عنه مئات الأميال ....
اتجهت الى جانبها من السرير بصمت و هي تتعمد تجنب النظر اليه ..... الى أن استلقت بجواره , توليه ظهرها ... و هي تنحني على نفسها بصمت ....
بقى حاتم مكانه صامتا متصلبا قليلا قبل أن بقول بخفوت
( ألن تتناولي عشائك ؟! ....... لقد حضرت أن أطلب عشاءا فخم لكلينا الليلة ..... )
همست كرمة بصوت خافت دون أن تستدير اليه
( أنا آسفة يا حاتم لست جائعة حقا ...... لكن تستطيع أن الأكل , لا تقيد نفسك بي .....)
لم يرد عليها و كأنه لم يسمعها من الأساس .... بل زم شفتيه بجمود , ثم قال بعد فترة ٍ طويلة
( الن تخبريني بما حدث لصديقتك ؟! ......... )
ظلت كرمة صامتة لبرهة ... قبل أن تقول بفتور
( إنه شيء حساس و خاص جدا يا حاتم ..... لا أستطيع اخبارك , الأمر لا يعود الي .....)
همس حاتم بجنون في داخله
" تبا ...... لقد عادت لترفع الحواجز بينهما مجددا ..... "
كان آخر همه أن يعرف ما أصاب صديقتها ... الا من باب المواساة ليس أكثر ....
لم يكن يوما فضوليا بطبعه ...
لكن المشكلة لا تكمن في وعد .... بل تكمن في زوجته التي تغدق عليه من حنانها و جموحها العاطفي طالما هي سعيدة راضية .... لكن ما أن تواجهها مشكلة حتى تعود الى رفع الجدران بينهما بكل صرامة ...
سمح لها ببعض الوقت كي تهدأ .....
ثم انحنى على جانبه برفق ... حتى صار ملاصقا لظهرها .... فشعر بها تتشنج , الا أنه لم يسمح لها بأن تبتعد بعواطفها ... فمد يده و هو يمس جسدها على طوله برفق ... مارا على كل منحنياته ... حتى شعر بصدره يتضخم بقوةٍ و سخونة ....
أطبق شفتيه على عنقها بعد أن أبعد شعرها برفق ..... ثم همس بسخونة
( استديري يا كرمة ...... أريد أن أقبلك ..... )
ظلت متشنجة قليلا .. الا أنها نفذت أمره في النهاية مستسلمة فانحنى اليها مبتسما بحنان قبل ان يلتهم ثغرها بشوقٍ مضني ..
لكن مرت اللحظات بينهما صامتة .. لا يقطعها سوى صوت أنفاسه المرتجفة ....
رفع حاتم وجهه المتوهج أخيرا وهو يلهث بعاطفة جامحة قائلا بصوتٍ مشتعل
( ماذا بكِ يا كرمة ؟!! ........... )
ابتلعت كرمة ريقها قبل أن ترفع يدها لتمسح شفتيها بظاهر كفها ... بحركةٍ ضربته في صدره بقوةٍ قبل أن تهمس بلهجة اعتذار
( أنا آسفة يا حاتم ..... وجود وعد في غرفة قريبة يوترني ... )
استند الى مرفقه وهو ينظر اليها مليا .... قبل أن يقول بهدوء
( لطالما كان بيتنا كاستراحةٍ عامة لعابري السبيل ...... فما الذي اختلف الآن ؟!! .... )
ظلت كرمة صامتة قليلا قبل أن تقول بخفوت
( أنا آسفة ..... حالتها تؤلمني ... صدري يضيق جدا فلا أستطيع أن أتجاوب معك ..... )
قال حاتم بشدة
( توقفي عن الإعتذار ...... أنا لا أريد سوى أن أعرف ما بك ؟!! ..... )
همست كرمة بلهجة تبرير حادة
( أنا حزينة من أجل صديقتي ليس الا ...... أرجوك تفهم شعوري )
رد حاتم بصوتٍ قاسي
( كل امنيتي ان افهم شعورك يا كرمة ......... تصبحين على خير )
استدار يوليها صدره .... فنبض قلبها بلوعة و هي تناديه ...
" أرجوك تعال .... ضمني الى صدرك , أنا أحتاجك "
لم ستسطع منع نفسها من البكاء بصوتٍ خافت و هي تشعر بانقباض في صدرها بعنف ...
حينها اندفع حاتم اليها و هو يتأكد مما يسمعه .... ثم ضمها بقوةٍ الى صدره حتى كاد أن يحطم أضلعها قائلا بقلق
( ماذا بكِ حبيبتي ؟!! ........ أخبريني ماذا بكِ ؟؟ ..... لا تبتعدي عني .... )
همست كرمة من بين دموعها بصوتٍ مختنق
( تذكرت أيام دار الرعاية ...... لقد كانت صعبة جدا )
تأوه حاتم بقوةٍ وهو يضمها اليه بعنف أكبر هامسا بخشونة
( ما الذي يجعلك تتذكرين تلك الأيام... حبيبتي ؟!! ....... انظري الى حالك الآن , انظري الى ما حققتهِ من نجاح .... )
اختنق صوت كرمة ببكاء صامت و هي تقول بضعف
( كانت ايام صعبة جدا ..... لقد نالنا منها ضرب و اهانة و جوع ..... على الرغم من انني كنت افضل حالا من الكثيرات .... لانني كنت ملتزمة و اخضع للاوامر دائما ..... لكن بالرغم من ذلك نالني الكثير من الاذى ... )
عاد ليضمها وهو يقبل شعرها بشرهٍ لا يطلب سوى سحب المها منها اليه ....
الا ان كرمة تابعت بختناق
( كان من الممكن ان اضيع في تلك الحياة ..... )
قال حاتم ببأس وهو يضغط يده على قلبها
( لكنك لم تفعلي ..... لقد نجحت و اخترت الطريق الصحيح ...... )
هتفت كرمة بقوة
( لم يكن ذلك براعة مني ....... لا يعود الفضل الي في اختيار طريقي ..... لو كنت بمفردي لضعت بسهولة ..... لم أكن لأنجح .... لولا ..... )
تشنج جسد حاتم بشدة .. و خاصة حين صمتت مرتجفة , فقال بصوتٍ جامد لا حياة به
( لولا من يا كرمة ؟!! .......... )
حين بقت صامتة هدر بقوة
( لولا من يا كرمة ؟!! ............. )
استدارت اليه على صدرها تنظر اليه بعينين غريبتين .... ليستا خائفتين من الجنون البادي على وجهه ....
بل قالت بصوتٍ غريب و هي تنظر الى عمق عينيه
( أنا أحبك يا حاتم .......... )
تجمد مكانه و فغر شفتيه قليلا وهو ينظر اليها ذاهلا بحاجبين منعقدين .... ثم قال بخشونة مختنقة
( ماذا قلتِ للتو ؟!!! ......... )
ابتلعت ريقها و هي تهز رأسها قليلا ... لتهمس باكية بيأس
( أنا أحبك ........ )
ارتجفت شفتيها بعنف و هي ترفع اصابعها لتلامس شفتيه الفاغرتين .... ثم همست مجددا باختناق
( أنا أحبك يا حاتم ....... لم أشأ أن يحدث هذا .... ارجوك ضمني الى صدرك , لا اشعر بأنني في حالٍ قادر على النطق بكلمةٍ اخرى )
ضمها حاتم اليه بقوةٍ وهو لا يزال مذهولا .... و صدره يضرب وجنتها بقوةٍ ...
لكنه همس دون وعي و شفتيه على جبهتها تدمغانها
( نامي الآن ........ غدا نتكلم )
+
حين استيقظت كرمة من نومها .... تمطت بشعورٍ غريب هي تحس بان انسانةٍ اخرى تملكتها , ....
مشاعر غريبة جدا تكتنفها ....
فادارت وجهها تنظر الى حاتم الذي كان لا يزال يضمها الى صدره بشدة و كأنه يخشى ان تهرب منه خلال ساعات الليل .....
فابتسمت بوهجٍ غريب و هي تتأمل ملامحه التي بدت متعبة ....
مدت يدها تتلمس ملامح وجهه .... عيناه ... وجنتيه .... لتتوقفان قليلا على شفتيه .....
ثم ارتفعت الى شعره الجميل تلاعبه دون ان تمل منه ابدا و ابتسامتها تتسع اكثر .....
انخفضت يدها تتلمس صدره القوي وهي تميل بوجهها حتى ضغطت بشفتيها على شفتيه بقوةٍ يمينا و يسارا ... الى ان ارتخت ذراعاه من حولها .... و بدا يتجاوب معها اثناء نومه ...
حينها رفعت وجهها فتذمر متأوها خلال نومه .... لكنها استغلت الفرصة لتقفز هاربة من بين ذراعيه ....
بقت واقفة تتأمله قليلا .... قبل أن تجري الى دولابها ... لتختار احدى مناماتها الطفولية ... تنوى الذهاب الى وعد .... و ابتسامة رقيقة على شفتيها
دخلت كرمة الى غرفة وعد و هي تهمس برقة
( وعد ...... هل انتِ مستيقظة ؟!! ....... )
ساد صمت قليل .... قبل ان تقول وعد بصوتٍ ميت
( أنا لم أنم يا كرمة ............ )
سارعت اليها كرمة و هي تسحبها من ذراعيها بقوةٍ حتى اجلستها .... ثم نظرت الى وجهها الشاحب بالهالات الزرقاء تحت عينيها المتورمتين ... و شفتيها اللتين تماثلانهما زرقة ...
لكن كرمة لم تستسلم و هي تقول برقةٍ حازمة
( هل تريدين العودة ليومٍ من ايام الماضي ؟!! ...... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بعدم فهم
( ماذا ؟!! ............. )
وقفت كرمة و هي تجذب كفها لتقول بهدوء خبيث
( تعالي معي ........... )
جرتها كرمة خلفها ... لكن ما ان تجاوزت وعد مائدة الطعام بعدة خطوات حتى ارجعتها كرمة و هي تشير بعينيها بخبث الى المائدة قائلة
( يبدو انكِ نسيتِ يا سيدة وعد ....... تفضلي هنا .... تحت .... )
مدت يدها تبعد احدى الكراسي .... ثم مدت يدها تشير الى وعد كي تنزل تحت المائدة ...
فتأوهت وعد و هي تهتف
( ياللهي يا كرمة ........ الا زلتِ تتذكرين ؟!! ...... )
قالت كرمة بسعادة طفولية ....
( لم أنسى يوما بيتنا الخاص الذي كنا نبنيه تحت مائدة الطعام في الدار ... كي نتحدث بحرية بعيدا عن المشرفات .... خاصة في غير أوقات الطعام ...... )
جثت وعد على ركبتيها و كفيها و هي تحبو أرضا الى ان دخلت تحت المائدة .... ثم لم تلبث أن صرخت بدهشة
( حلوى جلاتينية !!!! ...... ما كل هذه الألوان و الأنواع ؟!! ..... )
ضحكت كرمة و هي تتبعها لتجثو على ركبتيها و كفيها الى أن جلست أمامها تحت المائدة ....
ثم قالت و هي تنظر الى الأطباق التي ضمت كل الألوان من الحلوى الجلاتينية ....
( بيتي أصبح لا يخلو منها ....... و كأنني أعوض شوقي لها في طفولتنا )
مدت يدها تلتقط واحدة و دستها في فمها و هي تقول بخفة
( اتذكرين يا وعد حين كانت تأتي هذه الحلوى مع هدايا الدار من زائرين الدار ؟!! ..... كانت المشرفات تاخذ الهدايا بينما يتركن لنا هذه الحلوى .... فكنا نتصارع عليها .... )
دست وعد واحدة صفراء في فمها و هي تقول مبتسمة برقة
( كنت أنا أكثر من تضرب و تصارع الى أن آخذ ما يكفيني و يكفيكِ منها ...... )
ضحكت كرمة و هي تقول
( ثم نجلس تحت مائدة الطعام لنأكلها هربا منهم ...... و بعدها أبدو أنا الطيبة الملتزمة ... بينما تنالين أنتِ معظم الضرب و العقاب ..... )
ضحكت وعد رغما عنها و هي ترفع يدها الى عينيها المجهدتين ....
ثم قالت بشرود و هي تتذكر .....
( لطالما كنتِ المفضلة لدى المشرفات ......... )
عبست كرمة و هي تقول بغيظ
( لكن على الرغم من ذلك .... مهما بلغ التزامي , لم يمنع ذلك العقاب و الضرب عني تماما ... )
فتحت وعد عينيها على اقصى اتساعهما و هي تقول
( هل تذكرين اليوم الذي ضربتِ به ظلما .... فبقيت تبكين تحت المائدة الى أن أمرتك أنا بالقوة أن تكسرين القوانين .... فطالما أنكِ ضربتِ ظلما , لذا افعلي ما تستحقين به الضرب بأمانة ...... )
شهقت كرمة و هي تقول بصدمة
( ياللهي !! ....... كيف نسيت ذلك اليوم ؟!! .... لقد اجبرتني على الهرب من الدار من الصباح و حتى الظهيرة .... و ظللنا نجري في اشارات المرور و نتسول من السيارات الى ان جمعنا ما يكفينا لشراء الحلوى ..... )
ضحكت وعد بشدة حتى دمعت عيناها و هي تقول
( و حين عدنا مساءا ..... علقتنا الأستاذة نوال في الحائط و ضربتنا بالحزام )
أخذت كرمة تضحك بشدة و هي تقول لاهثة من شدة الضحك
( و كانت تصرخ بهلع حتى أشفقت عليها بصدق ... " حتى أنتِ يا كرمة !! ..... حتى أنتِ يا كرمة !! " )
ظلت وعد تضحك بعنف حتى رفعت يدها الى صدرها المتألم و هي تقول من بين ضحكاتها الدامعة
( لقد أوشكت على الإصابة بنوبة قلبية .......... )
اخذت كرمة تضحك بشدة .... ثم قالت و هي تسعل قليلا بعد ان هدأت
( أتعتقدين أنها لازالت على قيد الحياة ؟!! ........ )
صمتت وعد تسعل قليلا هي الأخرى ... ثم قالت بخفوت
( أتمنى لا ...... و أن تكون قد ماتت دون أن تجد من يناولها كوبا من الماء .... )
هتفت كرمة بصدمة
( حرام عليكِ يا وعد ....... لم اعهدكِ قاسية الى هذا الحد ........ )
قالت وعد بخفوت و هي تدس واحدة أخرى في فمها
( لقد كنا مجرد أطفالا يا كرمة ......... )
صمتت كرمة و هي تنظر اليه قليلا قبل أن تترك ما بيدها و مدت نفسها لتعانق وعد بشدة .... فعانقتها وعد بقوةٍ و هي تقول باختناق
( أنا أحتاج اليك بشدة يا كرمة ...... لا تتركيني ..... لقد رحل عني الجميع ..... )
همست كرمة و هي تربت على شعرها
( لن أتركك أبدا ....... مهما بلغت حماقاتك ........ )
استيقظ حاتم من نومه .... و امتدت يده تلقائيا ليبحث عن كرمة بجواره ما أن استشعر برود مكانها على صدره ....
فعلم أنها ليست موجودة دون حتى أن يفتح عينيه ....
استقام حاتم جالسا وهو يبعد شعره بأصابه للخلف .... مديرا رأسه بحثا عنها في ارجاء الغرفة بتلهف غريب
و سرعان ما عادت اليه ذكرى اعترافها المهيب ليلة أمس في لحظةٍ واحدة .....
قفز من السرير و خرج مندفعا و كل كيانه يصرخ بصرامة ...
" بينهما حوار لم ينتهي بعد ........ "
أخذ ينظر في كل أرجاء البيت .... فزفر غاضبا وهو يدرك أنها من المؤكد في غرفة وعد .....
لذا لن يستطيع الدخول اليها الآن .....
زفر حاتم بنفسٍ محترق .... من صدرٍ مشتعل ....
ثم اتجه بقنوط الى مائدة الطعام يسحب كرسيا وهو ينوى الجلوس هنا الى أن تخرج .... فهي لن تتهرب منه مطلقا .... ليس بعد اعترافها ...
لكن ما أن أبعد الكرسي قليلا لجلس ..... حتى سمع صراخا عاليا من تحت الطاولة و أطرافٍ كالقطط تخبط في ساقيه ....
فقفز واقفا وهو يرفع يده الى صدره هاتفا بعنف
( ما اللذي !! ............ )
لكن زوجين من الاعين الواسعة نظرت اليه ببراءة طفولية ممتزجة بالغضب ... بينما هتفت كرمة بحدة
( الا استطيع الحصول على بعض المساحة من الخصوصية التي أحتاجها أنا و صديقتي يا حاتم ؟!! )
كان ينظر اليهما مذهولا غاضبا ..... ثم لم يلبث ان اعاد الكرسي مكانه بعد ان قال بقنوط
( آسف ..... تصرفا بحرية ......... )
ابتعد غاضبا وهو يشتم بداخله .... الا ان صوت كرمة من خلفه كاد ان يفجر المتبقي من طاقات غضبه و هي تهتف بلهجة الأمر
( ثم حاول ارتداء شيئا من فضلك لتغطي صدرك .......... لقد احمر وجه وعد )
تمتم شاتما ... ثم قال من بين اسنانه غاضبا
( كله الا احمرار وجه المبجلة وعد ............ تبا لذلك ... لا ينقصني سوى أن أقيم كشك لحجز التذاكر أمام باب البيت ...... )
↚
( هل أنتِ مصممة على المغادرة ؟!! ..... كنتِ قد أعدتيني لأيامِ من زمنٍ فات ... )
خرج صوت كرمة حزينا جميلا .... مترافقا مع ابتسامتها الخلابة ...
فابتسمت وعد و هي تمسح طرف عينيها من دمعةٍ خائنة ... لا تزال تتسلل حارقة كالأسيد من مقائيها ...
ثم قالت بخفوت ساخر
( لم تكن اياما سعيدة تماما ........ )
امالت كرمة رأسها و هي تقول مبتسمة
( اتعلمين ..... للعجب اشعر الآن فقط أنها كانت جميلة للغاية ..... بعد أن ارتاح بنا الزمان ... فذهبت ذكرى الألم و تبقت الذكريات الطريفة ..... )
شردت كرمة قليلا و هي تنظر بعيدا متابعة بحزن
( تلك هي المشكلة ....... حين نرتاح ... ننسى الألم الذي كان , و تبقى فقط الذكريات الجميلة .... و هذه الذكريات تشعرنا بأننا كنا نمتلك السعادة يوما .... فقط لو حاولنا أكثر قليلا .... )
عقدت وعد حاجبيها قليلا ... و هي تسمع صوت كرمة الغريب ....
فاقتربت منها خطوة .... لتهمس بصوت خافت
( كلامك لا يعجبني ...... هل لازلنا نتكلم عن أيام طفولتنا أم أنكِ تطرقتِ لشيء آخر ؟!! ..... )
رمشت كرمة بعينيها عدة مرات قبل أن تهمس مجفلة و عيناها تراقبان باب الغرفة خوفا من دخول حاتم على الرغم من استحالة ذلك ... لكن وجوده بات يشكل لها رعبا من أن تقول أيا مما قد يغضبه ...
( انسي ما قلته و اهتمي بما تمرين به ...... كل ما يهم الآن هو ملك و مشكلتها ..... )
مدت وعد يدها تمسك بذراع كرمة و قالت منعقدة الحاجبين
( هل أمورك بخير مع حاتم ؟!! ....... )
فغرت كرمة شفتيها قليلا و هي تنظر الى عيني وعد ... ثم أسرعت بالإيماء و هي تقول
( نعم .... نعم بخير , لا تشغلي بالك بي .... )
عبست وعد بشدة و هي تقول بصوت خافت كي لا يعلو خارج جدران الغرفة فيسمعه حاتم
( كرمة اياك و افساد الأمور بينكما ......... انه زوج لن تعوضيه ولو بعد مئة عام ... )
مطت كرمة شفتيها وهي تقول بخفوت
( انظري من يتكلم !!! ..........)
قالت وعد بشدة همسا من بين أسنانها
( الم تجدي من هي أكثر خيبة في الحياة كي تتخذين منها قدوة ؟!! ..... بالله حافظي على زوجك هذه المرة , لن نجد لكِ زوجا جديدا كل مرة !! ...... )
صمتت قليلا و هي تنظر الى كرمة بعدم اقتناع .. ثم قالت بوجوم
( لا أعلم ما الذي يمنحه الصبر عليكِ ؟!! ....... )
مطت كرمة شفتيها و هي تقول بامتعاض
( نفس السؤال أسأله لنفسي فيما يخصك أنتِ و سيف !! ......... )
صمتت قليلا ثم قالت بخفوت حزين
( وعد ...... أتظنين أن العيب بنا نحن ؟!! ...... هل نعاني خللا ما ؟!! ...... )
أمالت وعد وجهها و هي تتأمل كرمة جيدا .... ثم قالت بفتور
( نظرا لطبيعة نشأتنا ..... أجدنا بطلات .... لذا يتوجب عليهم أن يتفهموا ..... )
عضت كرمة على شفتها قليلا ... ثم سقطت جالسة على السرير بقنوط
( ماذا لو لم يتفهموا ؟!! ............ ما العمل حينها ؟!! ..... )
كانت وعد تنظر الى كرمة بقلق ... كلامها غريب و شكلها أغرب .... لقد أخذتها المشاكل بعيدا , و اطمئنت الى أن كرمة قد تزوجت ... فسلمت بأنها سعيدة و مستقرة .... و تناست تماما حبها لمحمد ....
لكن هي على الأخص تعرف مدى حب كرمة لمحمد ..... و مع ذلك اختارت تجنب ذكر الموضوع فيما بينهما ....
تركت وعد الحقيبة التي تحمل فستانها الليلي تسقط ارضا .... ثم ارتمت بجوار كرمة و هي تقول بحزم
( ما الأمر ؟!! ........ و لا تهيني ذكائي قائلة بأن كل شيء بخير ......... )
رفعت كرمة وجهها الى وعد و قالت بجدية
( وعد .... هل هذا وقت يسمح لكي تهتمي بمشاكلي النفسية التافهة !! ..... دعكِ مني و لنهتم بملك حاليا ... )
أظلمت عينا وعد و تنفست بصعوبة .... فكل نفسٍ تسحبه كان يبدو كالسكين المشدود بوتر ... ينحر في قلبها ....
اخذت نفسا مؤلما آخر .... ثم قالت بصوتٍ لا حياة به
( ملك ....... ملك ....... ماذا سأفعل ؟!! ..... و كيف سأتصرف ؟!! ...... أنا نفسي لا اعلم ..... لقد قتلتني ...... )
أطرقت بوجهها و رفعت يدها الى صدرها ..... أنه يؤلمها بشدة .... و الأقراص مع سيف ......
رفعت عينين مبللتين بزجاجٍ مغطى بقطراتِ مطر ندية و هي تفكر ....
" بأنها لن تجلب الدواء من نفسها أبدا ..... أبدا ..... فلا شيء يستحق بعد الآن .... "
تحشرج صوتها قليلا و هي تقول بخشونة
( دعي ملك الآن ..... فأنا أشعر باقترابي درجة من الموت كلما تذكرت ما فعلته ...... و أخبريني ... )
حاولت تجلية صوتها ... ثم قالت بخفوت
( اذن ....... مشاكلك النفسية التافهة ...... كنت أعرف أن الخلل يبدأ و ينتهي عندك ...... ما هي تلك المشكلة العويصة في حياتكما ؟! .... )
أخذت كرمة نفسا مرتجفا ... و هي تنظر امامها .... تبتسم بارتجاف لتعود ابتسامتها لتختفي بسرعة بقلق ... ثم قالت أخيرا بخفوت
( أكتشفت أنني ........ أنني أحب حاتم ..... )
ظلت وعد تنظر اليها و كأنها لم تسمع الاعتراف الذي نطقت به كرمة للتو .... بل اكتست ملامحها بالبلادة منتظرة متابعة كرمة وصولا الى لب المشكلة ....
و حين اكتشفت ... انه لا تكملة ..... رفعت حاجبها ببطىء لتقول بوجوم
( تحبين زوجك ؟!! ...... انه انحلال غير مغفور .... كيف استطعت ارتكاب تلك الجريمة الشنيعة ؟!! .... )
نهضت وعد من مكانها و هي تقول هاتفة بحدة
( صحيح انني طلبت منكِ تجنب الحديث عن ملك .... لكن لم اتخيل ان تكون مشاكلك بمثل تلك التفاهة مقارنة بنا ...... اراكِ فيما بعد يا عاشقة ..... انا راحلة , و حين يصفو بالي ... سأفكر لكِ في حل كي نتستر على فضيحة حبك لزوجك ...... )
قفزت كرمة و هي تكمم فم وعد لتقول همسا بحدة من بين اسنانها
( ششششششش ..... اخفضي صوتك , تبا لكِ ...... قد يسمعك حاتم ..... )
رفعت وعد حاجبها بارتياب و هي تنظر الى الباب المغلق .... ثم قالت من تحت كف كرمة بتوتر
( هل هو معتاد على التصنت عليكِ من خلف الأبواب ؟!! ..... ربما مشكلتك اكبر قليلا مما ظننت !! )
رفعت كرمة يدها عن فم وعد ببطىء و هي تهمس مراقبة الاجواء .. ووعد تتبع نظارتها بتوجس
( انه لا يتنصت ابدا ...... لكن لو سمع اسمه بالصدفة و هو يمر .. قد يقتحم الغرفة مطالبا بمعرفة كل ما قلته و كل ما اشعر به ........ )
زفرت كرمة بحدة و هي تقول بغيظ و هي تعود لترتمي جالسة على حافة السرير
( انه متملك لدرجة خانقة ....... و أنا ........ )
زفرت مجددا و هي ترفع يدها لتبعد شعرها عن وجهها و هي تقول بيأس و قنوط ...
( و أنا أحاول التعافي ...... لكن المشكلة انني لست مريضة كي أتعافى ..... )
جلست وعد بجوارها و هي تقول باهتمام
( لماذا لا تشرحين لي مما تعانين ... بدلا من محاولاتي الواهية في فك شفرة كلامك .... )
قالت كرمة بخفوت
( انه يتخلل كل ذرة من حياتي .... يحدد ما آكل .. و ما ألبس .... يسألني عن كل دقيقة أقضيها بغيابه ..... و كأنه يخشى لو أغفل النظر عني للحظة فسوف أتبخر و أتلاشى ....... )
رفعت وعد حاجبها و هي تقول بتعجب
( هل يحدد لكِ مواعيد دخول الحمام كذلك ؟!! ............ )
هزت كرمة رأسها و هي تقول بصدق
( لا أستبعد أن تكون تلك هي خطوته المقبلة ............. )
نظرت الى وعد و هي تقول بيأس
( تخيلي أنه يمنعني من الذهاب الى المطبخ ليلا لو شعرت بالجوع ...... إما ذلك أو أن يأكل معي حتى لو لم يكن جائعا ... حينها اشعر بالخجل و أعود معه الى الغرفة ....... )
عقدت وعد حاجبيها بشدة ... ثم قالت بخفوت
( لا حول و لا قوة الا بالله ..... لا أسوأ من جدي الا جدتي ..... لقد رزقك الله بزوجين كل منهما يسلك طريقا على الطرف الأخر من العالم عكس الآخر ..... )
لوحت كرمة بذراعيها و هي تهتف
( نعم ذلك هو ما أشعر به ........ إنه على النقيض تماما من محمد .... و كأنه يحاول ان يعوضني كل كل يوم قضيته قبل ان اعرفه ...... احيانا .....)
صمتت قليلا و هي تتنهد مبتسمة .. لتتابع شاردة بعبث و دلال
( أحيانا أشعر بكل ذرة من أنوثتي تتوهج لذلك .... و اتعمد ملاعبته و استفزاز عواطفه كي يزيد ..... لكن أحيانا أخرى ....... )
اختفى العبث من صوتها .... و حل تعبير حزين شاحب قليلا على ملامحها و هي تتابع بخفوت
(لكن أحيانا أخرى ....... أشعر بأنني أريد بعض المساحة لنفسي ..... كي احلل مشاعري .... و أحاول تفسير اشتياقي ل ....... )
صمتت و هي تطرق بوجهها .... مشبكة كفيها في حجرها .... حينها عقدت وعد حاجبيها بشدة و هي تهتف
( هل تشتاقين لمحمد ؟!!!!!!! ........ )
انتفضت كرمة و هي تهمس برعب
( هشششششششش ......... اخرسي , انه هنا .... في مكان ما ..... )
نظرت وعد بتوتر الى أرجاء سقف الغرفة ... و قد بدأت تشعر بالجنون في هذا البيت ....
لكنها اعادت وجهها الى كرمة و قالت بحدة هامسة
( انطقي ........ هل تشتاقين لمحمد ؟!!!!! ........ )
نظرت كرمة الى عيني وعد بصمت ..... قبل أن توميء برأسها و هي تشعر بالذنب لمجرد هز راسها ....
فغرت وعد شفتيها و هي تهمس بذهول
( ياللهي يا كرمة !! ...... الازلتِ تحبينه ؟!! ........ )
أبعدت كرمة عينيها عن عيني وعد و هي تقول بابتسامة يائسة
( ليلة أمس ...... أعترفت لحاتم أنني أحبه ..... لاول مرة ........ و حتى الآن لازلت أنتظر مصيري .... أخشى أن يتخلل ما بين جلدي و عروقي نتيجة لإعترافي ....... )
همست وعد عاقدة حاجبيها
( اذن !!!!.................)
تنهدت كرمة و هي تقول بخفوت
( لقد كلمني محمد منذ عدة أيام ....... لم يقل شيئا .... فقط نطق اسمي ....... )
هتفت وعد بهياج و هي تقفز من مكانها
( الوغد ..... الدنيء ....... الحقير .......ماذا يريد منكِ بعد أن أصبحت على ذمة رجل آخر ... الا يكفيه السنوات التي ضيعها وهو يستغل كل لحظة كي يذلك !!! .. )
قفزت كرمة برعب من مكانها و هي تهجم على وعد لتكمم فمها مجددا ... و تقبض على مؤخرة رأسها بيدها الأخرى ... ثم همست برعب و غضب من بين أسنانها
( لو علا صوتك مرة أخرى فسأقطع لكِ لسانك ........ و لو سمعك حاتم فسأقضي المتبقي من عمري في تعذيبك بصورٍ لن تتخيلينها من قبل ...... )
أومأت وعد برأسها دون أن تجد الفرصة كي تتنفس حتى .....
نزعت كرمة يدها بالقوة عن فم وعد ..... التي أخذت نفسها و هي تنظر الى كرمة بنظرة تهديد خطيرة قبل أن تقول بحدة خافتة
( طبعا أهدرتِ كرامته .... و صببتِ عليه كل لعناتك .... اليس كذلك ؟؟ ..... )
ظلت كرمة صامتة ... مطرقة الرأس ... تنظر الى قبضتيها , فرفعت وعد حاجها و هي تعيد مهددة أكثر
( اليس كذلك ؟!! ........ كرمة !!! ..... )
رفعت كرمة عينين محملتين بالذنب ... ثم همست بخفوت
( لم اجد الفرصة ..... ذعرت و أغلقت الخط ........ )
صمتت قليلا ثم همست متابعة بخفوت
( شعرت بالنقمة عليه لأنه عاد لحياتي فأربكها من جديد .... شعرت بالنقمة لأنني ..... لأنني ... في لحظة خائنة .... أردت أن أسأله عن حاله ... اطمئن عليه ..... شعرت بأنني مشتاقة اليه ...... )
تنهدت وعد و هي تقول بيأس
( ياللهي يا كرمة !! ........ هل تدركين ما تقولين ؟! .......... )
رفعت كرمة وجهها بقوةٍ لتقول
( كنت مذعورة من شعوري .... مذعورة و مرتعبة , الى أن تكلمت ذات يوم مع محمد ابن حاتم ..... يومها أخبرني بمنتهى البساطة أن والدته ستظل ذات مكانة غالية بقلب حاتم ....... لن تتغير هذه المكانة قط .....
أنا نفسي أرى و أسمع حاتم يهاتفها و يطمئن عليها ...... و ذلك لأنهما انفصلا بتحضر .... و بقت مكانة كل منهما لدى الآخر .... حينها وقفت أمام نفسي قليلا .... و تسائلت ... لماذا لا يحق لي المثل .... لماذا لا يحق لي الإعتراف بأن ..... بأن محمد سيظل دائما يحتل مكانة بقلبي ؟!!.... لماذا لا يحق لي الإنفصال عنه بنفس التحضر الذي انفصل به حاتم عن طليقته ؟!!..... ما أعانيه الآن ظلم ... ظلم أن أضطر الى انتزاعه و بتره من حياتي بمشرط جراح .... بينما أنا أعيش في بيئة لا تأبه بذلك الإنتزاع القسري المؤلم ..... )
صمتت كرمة أخيرا تلهث قليلا بعد أن رمت دفاعها كله .... و على الرغم من ذلك كانت ملامحها خائفة .. غير واثقة .... فقالت وعد مكتفة ذراعيها بهدوء
( هل انتهيت ؟!!! ................ )
أومأت كرمة برأسها بتردد ... فقالت وعد بقوة و هي تفك ذراعيها لتلوح بهما
( لأنه رجل يا كرمة ...... لأن زوجك رجل .... يحق له ما لا يحق لك ...... يمكنه الإعتراف بأن طليقته ستزال تحتل مكانة بقلبه ..... أما أنتِ فلا يحق لكِ ذلك ..... لا يمكنك التفكير بغير زوجك و الا ستكون خيانة ..... خيانة و قلة أدب ... و انحراف ..... )
تأوهت كرمة و هي تقول بخفوت معذب
( ارجوكِ لا تزيدي من احساسي بالعذاب ............. )
همست وعد بحدة مهاجمة
( بل يجب عليكِ ان تشعري بذلك .... الى ان تتمكني من تطهير نفسك منه تماما ... و تجتزيه من عقلك و تفكيرك ...... )
هتفت كرمة بيأس و عذاب
( لكن هذا مستحيل يا وعد ..... مستحيييييل ....انه جزء من حياتي .... انه بداية حياتي .... كيف اقتلعه كهذا بطرقعة اصبع ؟!! ....... )
رفعت وعد اصبعها الى فمها و هي تهمس حدة
( هشششششش ...... حاتم سيسمعك .... )
شهقت كرمة برعب و هي تكتم فمها بيدها بالقوة ..... لكن وعد ظلت تنظر اليها عاقدة حاجبيها قبل ان تذهب الى هاتفها الملقى على طاولة الزينة .... ثم مدته لها و هي تقول بصرامة
( حسنا ...... تريدين الانفصال المتحضر ؟!! .... خذي .... هاتفيه ... و اطمئني عليه .... و اسمعي صوته الحبيب و ابتسمي لنبرته ..... انتِ امرأة ناضجة ... ماذا يمنعك ؟!! .... )
ظلت كرمة تنظر الى الهاتف الممتد امام وجهها و كأنه أفعى سامة ..... ثم هزت رأسها نفيا ببطىء و صعوبة و هي تهمس بذعر
( لا استطيع ...... لا استطيع ....... لا يمكنني ذلك .... )
رفعت وعد حاجبيها و هي تقول بجدية
( لماذا ؟!! ...... الستِ تطلبين نفس حقوق حاتم ؟!! ..... خذي اذن ....... )
ظلت كرمة تنظر الى الهاتف باختناق ... و هي تهز رأسها بحركةٍ غير مرئية .... ثم همست اخيرا
( يجب ان يوافق حاتم ..... لا اريد فعل شيئا لا يرضاه .....)
اتسعت عينا وعد و هي تقول ببرود
( و تريدين موافقة حاتم أيضا ؟!! ..... أتعرفين ما هي مشكلتك يا كرمة منذ صغرك ؟؟ ..... أنها النقيض من مشكلتي تماما .... دائما كنتِ تريدين كل شيء .... تطمحين لنيل كل شيء ..)
صمتت وعد و هي تعيد هاتف كرمة مكانه ...ثم جلست بجوارها و هي تقول بقنوط
( بينما أنا كنت دائما أركز على شيء واحد ....... أضع حياتي في كفة .. وهدف واحد بكفة ..... لأنسى الباقي دونه ....... كأنني حصان عيناه محجبتان و موجهتان على طريق واحد لا غير ....)
همست كرمة بخفوت
( أنا لست بمثل هذا السوء و الأنانية ..........)
نظرت اليها وعد بطرف عينيها ... ثم همست بصعوبة
( بل أنا من هي التي بمثل هذا السوء و الأنانية ....... على الأقل أنت تريدين ارضاء نفسك و ضميرك و قلبك و من حولك و أحلامك ..... لكن أنا ...... دائما كنت أؤجل الإهتمام بكل شيء في سبيل تحقيق شيء واحد فقط ...... فلو تزوجت سيف نسيت ملك .... و لو أردت تحقيق حلمي نسيت سيف ..... و في النهاية اكتشفت .... أن الأكثر نسيانا في حياتي كانت ملك .....)
مدت كرمة ذراعها لتحيط بها كتفي وعد و تضمها اليها ... الى أن أراحت جبهتها على جبين وعد و قالت باختناق
( الم أحذرك أن مشكلتي تافهة بالمقارنة بمشاكلك .........)
رفعت وعد وجهها و هي تحاول التقاط أنفاسها قبل أن تقول بصرامة
( ليست تافهة ...... لقد كنت شاهدة على كل وجعٍ مررت به يا كرمة ..... فإياكِ و نسيان الألم الآن بعد أن ذقت طعم السعادة ...... فتكون النتيجة أن تتسرب من بين يديك ....... )
رفعت وعد وجهها الى كرمة و قالت بجدية
( ما تطلبينه مستحيل يا كرمة ..... مستحيل و خاطيء و يعد خيانة ..... فلا تنساقي لها ..... )
ارتجفت شفتي كرمة بشدة ..... و قالت بجدية
( أنا أحب حاتم ......... بدأت أشعر بالرعب من فقدان سعادتي معه ..... لكن ...... أشعر بذنب يحرق روحي .... و كأنني استخدمت محمد كدرجة سلم .... صعدت عليها ... ثم انطلقت للأفضل .. و المصيبة أنني أحبتته .... أي أنني تخليت عنه بمنتهى القذارة .... على الرغم من انني كنت أحبه يوما أكثر من نفسي .... )
قالت وعد بشدة
( كنتِ ...... الكلمة المهمة هي "كنتِ تحبينه " .... أنت الآن تحبين زوجك ... و علميا يستحيل أن يتسع قلبك لرجلين ... الا لو كنتِ تعانين من خلل ما في تكوينك العقلي ..... لا تسمحي له ان يدمر حياتك يا كرمة ......
لقد منحتهِ كل الفرص التي يحتاجها ... وهو ضيعها واحدة تلو الأخرى ..... )
أطرقت كرمة بوجهها .... قبل أن تنهض وعد و هي تقول بخفوت
( يجب أن أذهب الآن قبل أن يطردني زوجك ...... أخشى أن يكون ماكثا عند باب الغرفة منتظرا أن يزيحني بمجرفة كي يتحدث معك ........ )
تأوهت كرمة و هي تقول برجاء
( لا تتركيني معه الآن يا وعد ....... سيفترسني .... )
ضحكت وعد بأعجوبة على الرغم من الدموع التي تحرق حدقتيها ..... ثم قالت بخبث
(ربما هذا هو ما تحتاجينه كي تنسي أوهامك المعتوهة ........ )
نهضت كرمة من مكانها و قالت بخفوت
( وعد ..... لم نتكلم فيما يخص ملك ...)
قالت وعد تقاطعها بخفوت
( ليس الآن يا كرمة ..... ليست لي القدرة على ذلك .... ليس قبل أن تعود و أفهم منها ...... )
استدارت تتجه الى الباب فقالت كرمة بخفوت
( سأرافقك .......... كي أمنعه من دحرجتك على السلالم ...... أنه أحيانا يفقد تحضره )
لم يعلم منذ متى وهو يجلس على درجات السلم أمام باب البيت مطرق الرأس .......
يمسك بكرة محمد ليضربها على الأرض بين كفيه .... شاردا عن كل ما حوله ....
منذ أن أستيقظ وهو يحيى لحظات تبدو كأرجحة بين النيران و الجليد ..... لا ليس منذ أن استيقظ .... بل منذ أن نامت على صدره بعد اعترافها المترافق مع دموعها .... و كأنه يعذبها .....
شيء ما كان يؤلمه بنفس قدر السعادة المتوهجة التي يشعر بها ..... شيء ما غير صحيح تماما ... يجعل من اعترافها ليس بالكمال الذي انتظره يوما ..... انتظره في أحلامه البعيدة .....
فتح باب البيت خلفه فجأة و خرجت كل من وعد و كرمة ... الا أنهما شهقتا بصمت وهما تكادان تتعثران به وهو يجلس مكانه منتظرا .....
نظرت كرمة الى وعد تتنهد بصبر و يأس .... بينما همست وعد بخفوت
( لك الله ...... عذرتك والله ..... )
تكلمت كرمة أخيرا و قالت بهدوء
( ماذا تفعل هنا يا حاتم ؟!! ....... لماذا تجلس بهذا الشكل ؟!! .... )
نهض حاتم من مكانه و هو يرمي الكرة قبل أن يقف أمامها يرمقهما مضيقا عينيه و كأنه يحاول استنتاج ما كانا يتحدثان به ......
ثم قال أخيرا بهدوء
( كنت أنتظرك ....... فبيننا حديث لم ينتهي )
زمت كرمة شفتيها .... و هي تشير بعينيها الى وعد التي تقف بجوارها عله يشعر بالخجل , الا أنه واجه عينيها بكل قوة وهو متأكد أنها نقلت الأخبار كلها لوعد قبله .....
تنحنحت وعد و هي تقول بخفوت
( سأرحل أنا ...... و شكرا لكما على استضافتكما لي ....... )
قال حاتم بهدوء
( سأقلك الى حيث تشائين ............ )
قالت وعد بسرعة
( لا شكرا لك ......... و نترك كرمة بمفردها !!! .... ابقى معها ... )
ابتسم حاتم وهو ينظر الى عيني كرمة ليقول بهدوء و ثقة
( من قال أننا سنتركها ؟!! ...... سنأخذها معنا بالطبع ....... لا يمكنني الإبتعاد عنها ولو للحظة ..... )
رفعت كل من كرمة ووعد وجهيهما وهما تتنهدان معا ....
قبل أن تقول وعد بهدوء
( من فضلك ابق هنا ..... أنا أحتاج لأن أمشي بمفردي قليلا .... أرجوك ..... )
أومأ حاتم برأسه .... قبل أن تلتفت وعد الى كرمة كي تعانقها بشدة و همست في أذنها
( اثبتي على حبك ........ )
ابتسمت كرمة رغما عنها لتلك التوصية .... و هي تنظر الى عيني حاتم المحدقتين بها بقوة من خلف كتفي وعد .... تعرف انه يريد سماع ما همست به وعد لها .....
لكنها لن تريحه ..... تهوى التلاعب به ..... تعشق استفزاز تملكه .... و يأسرها تمالكه لنفسه بقوةٍ حد الألم كل مرة .....
بعد ان خرجت وعد ..... تلكأت كرمة مكانها قبل أن تستدير الى حاتم الواقف خلفها منتظرا ....
بينما شبكت أصابعها بتوتر كتلميذة مرتبكة .....
فاقترب حاتم خطوة وهو يحاصرها بعينيه النافذتين فلا تستطيع الهرب منهما ....ثم قال بصوت أجش خشن
( وحدنا أخيرا ............ )
عبست كرمة رغم احمرار وجهها و قالت متذمرة
( كان يمكنك الإلحاح على وعد أن تبقى بجدية أكبر ..... من المؤكد أنها شعرت برغبتك في رحيلها )
اقترب حاتم خطوة أخرى وهو يقول دون خجل
( تعرفين أنها تريد الرحيل ولو ألحننا لشهرين متتاليين ........ حاولي ايجاد حجة أخرى )
عضت على شفتها تمنع ابتسامتها المرتجفة و هي تنظر الى العشب الأخضر تحت أقدامها .... بينما كان حاتم يلتهمها بحنان بنظراته المحاصرة لها و المنهمرة عليها ....
كان يقترب منها دون توقف ... بينما عينيها تطالعان خطواته و قلبها يرتجف بعنف .... وجهها أحمر و شفتيها لا تتوقف عن الإبتسام المرتبك ... دون أن تجرؤ على رفع عينيها الى عينيه ....
وصل حاتم اليها اخيرا الى أن وقف أمامها ثم قال بصوت خشن مكررا بتأوه أجش خافت ....
( وحدنا أخيرا يا كرمتي ........... )
افلتت منها ضحكة صغيرة .... قبل أن توميء برأسها هامسة بخجل كاد أن يسلبه روحه
( نعم ............. )
قال حاتم و عيناه تدوران حولها
( ألا تخبئين لي أحدا تحت الكراسي أو الموائد ؟!!! ........... )
رفعت اصبعين و هي تهمس بخجل
( لا أحد غيرنا هذه المرة ....... وعد شرف ..... )
اقترب حاتم منها أكثر حتى لامسها بجسده ... فسرت الحرارة بداخلها مؤلمة ... رائعة .... فوضع يديه على خصرها يثبتها قبل أن تحاول الهرب ..... ثم انحنى بوجهه ليهمس في أذنها مباشرة بنفسه اللاهب
( بيننا حديث لم ينتهي بعد ....... فأين توقفنا ؟!! ..... آآآه نعم ... كنتِ تقولين أنك ........ )
صمت تاركا لها الفرصة لتعيد اعترافها الذي كاد أن يذهب بأنفاسه و حياته .... الا أنها كانت في حالة خجل و توتر غبية و كأنها في الرابعة عشر من عمرها .... فهمست بإختناق
( ربما كنت تحلم !! .............. )
رفع وجهه عابسا وهو يقول بنبرة خطر
( أحلم ؟!! ...... أنتِ لن ينفع معك الذوق ...... )
و قبل أن تسأله عما يقصد .... كان قد تركها لينحني اليها و يرفعها على كتفه .... و هو ينوي التوجه بها الى داخل اليت بينما كانت تشهق هلعا و هي تجد الدنيا قد انقلبت بها فجأة .... فهتفت و هي تلوح بساقيها ...
( أنزلني يا حاتم ...... أنزلني نحن خارج البيت , قد يرانا أحد ...... )
قال حاتم ببساطة وهو يصعد الدرجات القليلة التي تسبق باب البيت
( ثوانٍ و نكون داخل البيت ..... داخل غرفتنا .... و حينها سأستجوبك بمزاجٍ متفرغ .... )
شهقت صمتا و هي تخيل طبيعة استجوابه .... و عرفت أنها ستنطق بكل الغباء الممكن حينها ... هتفت بقوة
( لا لا ..... أنا آسفة .... أنزلني أرجوك و سنتفاهم ..... )
توقف قليلا ... قدمه على درجة سلم .... و أخرى تتراجع لتنزل أرضا .... لكنه لم يستسلم بل قال بصرامة
( هل ستعترفين ؟!! .......... )
هتفت كرمة و هي تضرب ظهره بقبضتها غاضبة
( تبا لك يا حاتم ....... هل هو استنطاق رسمي ؟!! ...... لقد ضيعت كل أثر للرومانسية .... أنزلني ... لقد أصبت بالدوار ..... )
أنزلها ببطىء حتى أوقفها على الدرجات القليلة .... فدار بها العالم مجددا .... حينها رفعت يدها الى جبهتها و هي تترنح .... الا أن حاتم جلس على أول الدرجات ... و جذبها اليه برفق حتى أجلسها بحجره قائلا بخفوت
( تعالي ....... اجلسي ....... )
نزع يدها من جبهتها برفق وهو يقول برقة
( هل أنت بخير ؟؟ ...... )
رفعت وجهها الغاضب المحمر اليه .... ففتنه توهجها و فوضى شعرها المموج .... الا انها هتفت بحنق
( لا احب اسلوب الإجبار ذلك ....... )
عقد حاجبيه ببراءة وهو يقول
( اي اجبار ؟!! ...... كنت سأساعدك لتنامي ... و الى ان تفعلي كنا سنتكلم قليلا ..... )
مطت شفتيها و هي تقول بامتعاض
( نعم متخيلة نوع المساعدة المستخدمة و المجهود المبذول ........ )
قال حاتم بلهجة هادئة تنضح بروح التهديد
( كرمة ........... هل ستبدأين الكلام أم ........ )
زفرت كرمة بحنق و هي تبعد وجهها عنه .... تتأمل السماء المشرقة من بعيد .... و اصوات العصافير لها نغم مختلف اليوم على اذنيها .... فابتسمت قليلا و هي تعيش الجو الحالم .... بينما كانت اصابع حاتم تمشط شعرها و تتخلل خصلاته .....
فأخذت نفسا عميقا و همست دون ان تنظر اليه
( ماذا تريد أن تسمع ؟! ....... أنني .... احب.... احبك ؟؟!..... )
اعادت وجهها تنظر اليه .... بوجنتين حمراوين و عينين خلابتين تهربان من عينيه ... و ابتسامة قتلته و هي تقول برقة
( انت تعرف انني احبك .......... الم تخبرك ضحكاتي ؟!! ...... )
عقد حاتم حاجبيه وهو يقول بخفوت اجش على الرغم من صدره الذي كان يهدر بعنف من بساطة اعترافها الذي كان ذو حلاوة تشبه مذاق الشهد ...
( ليس بالضرورة ..............)
تشجعت و رفعت عينيها الي عينيه و هالها الانطباع الجارف بهما و الذي كاد أن يغرقها ... فهمست مشدوهة من عمقهما
( بلى ........ في كل مرة اضحكتني بها , كنت اشعر انك تحفر حرفا من حروف اسمك بقلبي ...... )
صمت حاتم ينظر اليها بشك ...... فقالت بخفوت
( الا تصدقني ؟!!...... الهذه الدرجة كنت اسيء معاملتك ؟!! ..... )
ظل صامتا قليلا وهو يتلاعب بشعرها مفكرا .... ليلامس فكها بظاهر أصابعه .... و يمررها على عنقه ... ثم همس بصوت خافت
( لا يمكنك أن تكوني سيئة أبدا .......حلاوتك تتغلب على مذاق السكر و تجعل منكِ عسلا صافي ..... )
ابتسمت باشراق و هي تسمع منه غزلا يناسب شابة مراهقة .... تتوق لسماع كلماتٍ محلاة ككلماته ... و ياللعجب !! انها تشعر فعلا بأنها تراجعت في العمر لتصبح في اولى سنوات المراهقة .... فقالت برقة
( انت تجعلني اشعر بأنني أصغر في العمر ...... لا العكس ......)
ابتسم قليلا بشرود وهو يقول
( وهو المطلوب .............. )
قالت كرمة بقلق و هي تلامس فكه الصلب .....
( لماذا لا تبدو سعيدا ؟!! ..... أو ..... مقتنعا ؟!!! ........ )
نظر الي عينيها مفكرا .... لا يعرف كيف يجيبها .... كيف يشرح لها ....
المرأة التي تمنى حبها أكثر من أي شيء آخر في هذه الدنيا .... تجلس الآن على ركبتيه ... و تخبره بأنها تحبه ... ببساطة و ابتسامة مشرقة ..... و كأنه الخبر الأكثر بساطة في التاريخ .....
و كأنها تلقت لعبة جميلة تسعدها و تفرح قلبها ......
لكنه رآها من قبل في حالة حبها ..... بل عشقها ......
كانت ملامحها تنضح بحزن عاشق .... يتخلل كل ذرة من ملامحها .... و يفيض من عينيها ... و هي تنظر الى حبيبها و كأنه البطل الوحيد في هذا العالم .... مهما آذاها أو ابتعد .... كانت ترمقه في شرودها بنظراتِ عشقٍ ميؤوس منه .... و هي لم تنظر اليه يوما بمثل هذه النظرات .... و لا حتى في اعترافها السعيد الآن .....
اختلاف ما بين مشاعرها .... يجعله غير واثقا ان كان حبها له الآن هو الصادق ...... فهي شديدة البساطة و الصفاء ...... بينما كانت مع طليقها ........ عاشقة بيأسٍ معقد .....
بهتت ابتسامة كرمة أمام شرود حاتم الطويل ..... فقالت بخفوت
( ربما لست ماهرة في الكلام .........هل يمكنك نسيان ما قلته لو كان قد ضايقك ؟؟ ..... )
عبس بشدة وهو يخرج من شروده على طلبها البائس الحزين .... فقال بعد عدة لحظات بخشونة
( أتطلبين مني نسيان نجمة في السماء لمستها بأصابعي ؟!! ........ )
فغرت شفتيها قليلا ..... قبل أن تنفجر ضحكا من بساطة تعبيراته التي تجعله عاشقا مسرحيا ... بينما ملامحه الوقورة الصلبة تناقض ما ينطق به .....
حينها انحنت الى صدره .... ترتاح اليه .... و هي تغمض عينيها ... و تحيطه بذراعيها .....
قد يكون خانقا .... محاصرا لها ...... لكن حدث أن أحبته كطفلها الصغير ...... ربما كانت امومتها المتعطشة تجعل منها أما له .... مثل محمد تماما .....
بهما شيء فطري يثير غرائز امومتها تجاههما .... و كأنهما نسختين متطابقتين مع اختلاف الأحجام .....
قال حاتم اخيرا وهو يضمها اليه بقوة ........
( اذن سيدتي ........ كيف تحبين قضاء وقتك الآن ؟!! ...... )
رفعت وجهها اليه ..... و توقفت نبضاتها و هي تقرأ نواياه بوضوح .....فاتسعت ابتسامتها و هي تقول بعفوية
( نحن وحدنا أخيرا !!! .......... هل يمكنني ان انفذ اقصى احلامي جنونا معك ؟!! ..... )
ارتبك حاتم للحظة ... و شعرت به يجفل ... و اصابعه تتشنج فوقها برد فعل فوري ....
فابتسمت له ابتسامة ساحرة .... مما جعل احمرارا طفيفا يعلو وجهه وهو يشرد بتخيلاتٍ استطاعت رؤيتها ببساطة ...... بينما تمكن من القول اخيرا ما ان وجد صوته
( كنت اشعر أنكِ ستجدين نفسك .... ما ان تتوفر لك المساحة المطلوبة و الخصوصية الكافية ...... )
أومأت كرمة برأسها و هي تقول ببراءة
( أكيييييد ........... )
ثم قفزت واقفة من على ركبتيه .... لتنحني و تلتقط كرة محمد ...... ثم ترميها لحاتم بقوة فتلقاها مباشرة وهو ينظر اليها بصدمة و هي تتراجع بظهرها ضاحكة بعبث
( هيا قم ايها الكسول ....... اريد أن ألعب ...... لا اريد ان اشعر بأن شيئا ينقصني في غياب محمد ... و تلك هي مهمتك ....... )
كان لا يزال جالسا مكانه على درجات السلم .... وهو يراها ترفع شعرها في عقدةٍ عشوائية .....
ثم تنحني للأمام منتظرة و هي تضحك بعبث .....
لا يزال اسم ابنه يجفله .... و العجيب انها دائما ما تنطقه فيما يحتمل ...... المعنيين .....
تنفس نفسا مؤلما متحشرجا ..... لكنه نهض من مكانه غاضبا ....يضرب الكرة في الارض عدة مرات قبل ان يقول بصرامة مهددا
( تلعبين يا كرمة ؟!!!!!!! ........... )
ارتفع حاجبيها ببراءة ... و هي تهتف من بعيد
( هل لديك اقتراح آخر ؟!!! ............ )
زفر نفسا ساخنا وهو ينحني و يضع الكرة ارضا ..... قبل ان يقول بخشونة
( سأقوم بتأجيل قائمة اقترحاتي لوقتٍ لاحق ..... بعد ان اقضي على كل قواكِ المتلاعبة ..... )
و خلال لدقائق كانت كرمة تجري معه ضاحكة كالمجنونة .... و هي تحاول المناورة لأخذ الكرة دون جدوى .....
دائما كانت تجد ظهره كحاجز سد ... مهما واجهته ... و تتعرقل ساقها بين قدميه ....
لم تفلح في اخذ الكرة ولو لمرة واحدة .... بينما كان هو يمررها بين قدميه بمهارة .... و ذراعه تلتقط خصرها كل مرة ليرفعها عن الأرض كأنها دمية صغيرة و كانت حينها تهتف بغضب على الرغم من ضحكها
( انزلني يا حاتم ...... ممنوع إمساك اللاعبين بهذا الشكل ...... أنت تغش ..... )
و كان ينزلها دون ان يترك لها الكرة وهو يقول لاهثا
( أنا أمتلك الملعب ... و لاعبي الفرقة المنافسة .... لذا من حقي اصدار قوانيني الخاصة .... )
ثم انحنى اليها وهمس في اذنها
( و ملامستهم كيفما اشاء .......... )
ضحكت كرمة بهيستيريا و هي تدفعه بوجهٍ احمر قاني صارخة و هي تحاول عبثا التقاط الكرة
( توقف ....... أنت لا تلعب بإنصاف ..... أنا أرييييييييد محمد ...... )
توقف فعلا .... توقف مكانه يلهث قليلا بملامح هادئة .... بينما كفيه تستريحان على وركيه ... وهو يهمس لنفسه
" توقف عن ذلك يا حاتم ...... متلاعبة هي دميتك حتى في الألفاظ ... "
حينها استطاعت كرمة التقاط الكرة من بين قدميه مستغلة شروده .... و هي تصرخ مذهولة لا تصدق نفسها ... تلوح بقبضتيها بغباء و انتصار ... الى ان تعثرت بالكرة في غمرة غبائها بالفوز... فسقطت على وجهها ...
اندفع اليها حاتم دون ان يستطيع منع نفسه من الضحك بدرجةٍ أدمعت عيناه بشدة للمرة الأولى ...
وهو يجثو بجانبها ... و يساعدها على النهوض على ركبتيها و هي تحك أنفها الذي حفر خندقا بين الأعشاب ... فقال من بين ضحكاته و سعاله
( هل أنتِ بخير حبيبتي ؟!! ...... دعيني أرى أنفك ...... )
حاول مسح أنفها ... دون أن يستطيع للحظة التوقف عن ضحكاته العالية ... فدفعته و هي تقول بغضب
( توقف عن الضحك يا حاتم ..... تبدو سخيفا ...... )
الا انه لم يستطع على الرغم من محاولاته .... فقال متعثرا بضحكه
( لا اصدق ان هناك من يتعثر بالكرة و يسقط على وجهه !!......خاصة و أن قبضتيك كانتا مضمومتين و تلوحان بانتصار أكيد ........ )
ضربته في صدره و هي تهتف بحنق
( توقف يا حاتم ......... لن العب معك مجددا ..... ابتعد عن طريقي ..... أريد الذهاب الى الحمام ...)
حاول السيطرة على ضحكاته قليلا وهو يقربها منه قائلا
( حسنا ...... حسنا ...... لا تغضبي ..... اقتربي و أريني أنفي الذي اعوج بسببي أنا و ابني ..... لقد بات كأنف أبا الهول ....... لم يعد يصلح لشيء .... )
نهضت و هي تقاوم ذراعيه بشدة ... متأكدة من وضع انفها مكانه و هي تقول بحنق
( احيانا تكون في غاية السخف ....... ابتعد عني ..... )
نهض من مكانه يعترض طريقها وهو يقول بتملق
( كرمتي ...... أيهون عليكِ طفلك !! ..... كرمتي ..... )
رفعت وجهها تنظر اليه بامتعاض و هي تقول
( طفلي ؟!!!............ انظر لحجمك و راعي الفاظك ....... )
حاولت تجاوزه .... الا انه اعتقل خصرها بذراعه وهو يرفعها عن الأرض قائلا بتهديد
( حسنا يبدو أنكِ لن تتراضي بالذوق ........ )
صرخت كرمة
( حسنا ..... حسنا ...... عفوت عنك .... انزلني بالله عليك ..... )
قال حاتم بجدية حاسمة
( لن أنزلك ........... الى أن تتقولي " سامحتك يا حاتم يا حبيبي .... يا سيدي و تاج رأسي ".... )
هتفت كرمة و هي تقول من بين اسنانها
( سامحتك يا حاتم يا حبيبي .... تبا لك ..... انزلني ..... )
انزلها على قدميها ونظر الي عينيها يقول بسعادة
( ليس نفس العفو الذي كنت أتمناه لكن لا بأس ...... يمكنني الإستعاضة عن الباقي بقبلة ..... )
هتفت كرمة ضاحكة و هي تتلوى هاربة من بين ذراعيه
( لو سبقتني الى الحمام .......... )
و دون أن تمنحه فرصة القبول كانت قد انطلقت تركض في اتجاه باب البيت .... فصعدت السلالم و هي تلهث فرحا نادرا ... ثم جرت الى البهو ... و الرواق الى أن دخلت غرفة نومهما و التفتت برأسها خلفها فتأكدت من انه لم يتبعها ..... لكن و ما ان فتحت باب الحمام حتى اعتقل خصرها بذراعه من الداخل فشهقت برعب و هي تهتف ....
( حاتم ........ كيف ....... )
قال هامسا في اذنها دون ان يحرر خصرها
( لقد نسيت الباب الخلفي للمطبخ ....... و انني طبعا اسرع منكِ في الوصول .... )
ضربت جبهتها ضاحكة و هي تغمض عينيها بيأس .... بينما هتفت لاهثة بمرح
( أرجووووك اتركني ......... )
قال لها بصوت أجش وهو يغلق الباب خلفهما
( أتمزحين !!! ......... أخيرا وحدنا قبل أن أجد أحدهم تحت السرير ...... )
و كان صوت ضحكتها هو آخر صرخة قبل أن يوصد الباب .... على حبها الجديد ......
بعد فترة انتقالية طويلة ... من مرحلة المشاركة في البيت ... الى مرحلة التعود على الخصوصية بحرية تامة ......
جرت كرمة من عند الباب الى حاتم و هي تلهث بحيوية قائلة
( حاتم .... لقد وصلت البيتزا ..... لكن لا بقية معي لأدفع إكرامية ...... )
كان حاتم يجفف شعره بمنشفة ..... فنظر اليها قائلا بتوهج بدائي
( ليس معي الآن ..... ربما ...... انتظري لأرى في جيب قميصي ...... )
أخرج ورقة من جيبه وهو يقول
( انها مهترئة قلليلا ....... )
خطفت كرمة منه الورقة بطفولية ..... لكنها وقفت مكانها قليلا ... تنظر الى ورقة العشر جنيهات المهترئة في يدها ..... و قد خطفتها هي الاخرى الى ذكرى بعيدة ..... اولى ذكرى حياتها خارج الدار .....
حين بدأت حياتها بورقة تماثلها تماما ...... أخذتها من يدٍ مشحمة .... لم تكن تحمل غيرها وقتها .....
لم تدرك كرمة ان حاتم كان ينظر اليها و قد سقطت ذراعاه الى جانبيه ..... و دون الحاجة للسؤال ... كان يعلم انها سافرت للماضي .......
في اليوم التالي
خرجت من المصرف مسرعة و هي تنوي اللحاق بالجامعة ..... لقد اصبح يومها غاية في الإرهاق ... و مع ذلك كانت السعادة و الرضا يملاآنها تجاه خط سير حياتها ........
العمل .... الحب .... و الدراسة ......
هل يمكن أن تطلب المزيد ؟!!! .....
( كرمة ............. )
تسمرت مكانها فجأة و هي تسمع هذا الصوت من خلفها ...... فأغمضت عينيها بشدة .... و حاولت التغلب على رعبها ..... من نفسها .........
قالت بصوتٍ قاتم مرتجف
( ماذا تفعل هنا يا محمد ............ )
قال بصوت خشن..... مهدوم
( أحتاجك يا كرمة .............. )
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تلتقط انفاسها .... متشبثة بحقيبتها دون ان تلتفت اليه .......
ثم قالت بصوت غير ثابت
( لقد مرت فترة منذ أن هاتفتني ...... فظننت أنك عدت لضميرك و تركتني لحالي ....... )
الا أنه قال برجاء غريب متهشم
( أحتاجك يا كرمة ....... انا أموت و أحيا ألف مرة في اليوم ........ )
استدارت اليه مندفعة و هي تقول بقسوة
( اسمعني يا محمد .......... )
الا انها تسمرت مكانها و هي تراه بصورةٍ غريبة ...... طويل اللحية .... احمر العينين ..... معذب الملامح على الرغم من الشر الكامن في عمق عينيه ....
فهمست كرمة بذهول تقول
( يالللهي !! ........ ماذا حدث لك يا محمد ...... )
ظل صامتا ينظر اليها طويلا بعذاب ..... قبل ان يقول بصوت يرتجف يحمل بوادر ارتكاب جريمة
( علياء ............ حامل )
.................................................. .................................................. .....................
سارت ملك في الكوخ الصغير الدافىء تتفقده ....و عيناها تجولان من حولها .....
كانت تشعر بأنها منفصلة عن الواقع .... و كأنها خرجت للتو من فيلم مأسوي ......
توقفت أمام مرآة عريضة .... ضخمة ....
فهالها ما رأت ..... كانت أمامها عروس بفستان زفاف مشعث كحال شعرها و خمارها .... بينما وجهها كاد ان يكون ازرقا من شدة الزينة المنسابة عليه كأفلام الرعب .....
لكن نظرتها كانت اشد رعبا من زينتها السائلة ......
كانت نظرة تشبه نظرة الاموات .... فارغة بعد ان نضبت الدموع من عينيها .....
مدت اصابعها تتلمس قماش الفستان الابيض بشرود .....
" ما مدى الصدفة التي تجعل شابة تنال الطلاق و هي في فستان زفاف ...... "
رفعت وجهها تعاود النظر الى نفسها .... لطالما تمنت ارتداء فستان زفاف ابيض واسع .... بكل اشرطته الحريرية ...... ووروده ...... و خمار طويل يغطي وجهها .....
لم تظن ان ترتديه في طلاقها !!.....
نظرت الى عينيها مجددا و همست
( هل أنا حرة حقا ؟!!! ........ هل اعتقتني تلك الكلمة ؟!!! ....... )
رفعت يديها لتضعهما على صدرها مغمضة عينيها و هي تهمس بصوتٍ بدا كالزجاج المشروخ
( كيف سمحت لك؟!! ........ كيف سمحت لك بالنيل من حياتي الى ان بت اتمنى لك الموت في النهاية .... )
فتحت عينيها مجددا .. و هي تراقب ملامحها ....فعقدت حاجبيها و هي تشعر بأن هناك تجاعيد ملأته فجأة !!
اقتربت بوجهها تتفحصه جيدا .... و هي غير واثقة ان كانت تجاعيد فعلا أم أنها مجرد خطوط الزينة المنسابة .... لم تعد واثقة من شيء !! .....
شعرت فجأة بأن عينين بريئتين تنظران اليها من خلفها في المرآة .... فالتقلت عيناها بهما في صورة معلقة على الجدار خلفها ....
وقفت ملك مكانها .... تنظر مبهوتة الى صورة زوجة رائف .......
كانت صورة تشع براءة بعينيها الضاحكتين ..... فتاة ممتلئة حيوية و اشعاعا .... و كانت تنتظرها حياة مديدة ....
انزلت ملك يديها بجوارها و هي لا تعلم لماذا سمرتها الصورة طويلا ......
ربما كانت تشعر بالخجل من اقتحامها لذلك المكان الحميمي و الخاص به و بزوجته ........
استدارت ملك تواجه الصورة بصمت ..... ووقفت أمامها طويلا .....
من الواضح أنه كان يحبها بشدة .... كانت طفلته التى تربت بين يديه على مدى السنوات الطويلة .....
كان يحضر لها الهدايا و الالعاب .... حتى بعد أن تزوجا ......
همست ملك فجأة
( صندوق الموسيقى !!! ............. انه في بيت سيف !! ..... يجب ان استرده .... )
شعرت بالحرج فجأة و هي تنطق بتلك الكلمات امام الصورة .... او بمعنى حقيقي
امام صاحبة الصندوق ...... تلك الهدية الخاصة جدا .... و التي كانت ملكا ل .... ماذا كان اسمها ؟!! ....
هل نسيت اسمها في غمرة ما اصابها !!! ...... هل تأخذ هديتها و تنسى اسمها ؟!!! ......
ابتعدت ملك عن الصورة و هي تشعر بأنها على شفير الجنون .... لقد باتت تكلم المرايا و الصور القديمة لأشخاصٍ رحلوا عن العالم .....
سارت ببطىء و هي تحمل أطراف الفستان .... و صوته يحف في الأرض من خلفها يصدر لحنا حزينا مصاحبا لوحدتها .....
لكم تتمنى وجود رائف بجوارها الآن ..... ليخبرها بأن كل شيء سيكون على ما يرام .....
دخلت ملك بتردد الى غرفة النوم .... تريد أن تخلع هذا الفستان بأي طريقة ., لقد بدأ يخنقها بصورةٍ قاتلة ...
و كأنه أفعى ضخمة تعتصر عظامها .....
اشعلت الضوء و دخلت ..... الا أنها عادت ووقفت أمام نفس العينين !! ..... انه يضع صورها في كل مكان !!
هل هذا أمر صحي !! .....
عقدت حاجبيها و هي تنهر نفسها بشدة ... ثم همست
( لم تكونا سوى صورتين فقط ...... هل تحولتِ الى سوداء النفس ... مريرة الروح لتلك الدرجة !! ... أم أنكِ ببساطة تشعرين بالغيرة !!! ......)
صمتت قليلا مصدومة ..... فاستدارت حول نفسها و هي تحجز التفاف الفستان الضخم ...
فهمست في الفراغ المحيط بها
( قصدت ..... قصدت الغيرة بسبب ما حدث لي ..... و لم أقصد الغيرة عليه ....... )
أغمضت عينيها و هي تهمس بهلع
( أنا أهذي !!! ............لقد تشوهت أكثر مما ظننت ...... )
رفعت رأسها فجأة و هي تشعر بالإختناق .... فاستدارت حول نفسها مجددا و هي تحاول فك سحاب الفستان .... دون جدوى ... لقد كان ضيقا بشدة ... و بعيدا عن متناول يديها ....
أخذت تدور و تدور و هي تحاول فك السحاب الى أن شعرت بالدوار .... فسقطت على ركبتيها وسط كومة تنورة الفستان الحريرية و هي تلهث بغثيان .....
انسابت المزيد من الدموع على وجهها .... فرفعت وجهها عليا و هي تغمض عينيها لتنشج بخفوت ....
يبدو أن لديها مزيدا من الدموع لم تنضب مع الصراخ العالي ..... على صدر رائف .....
كم تحتاج لأن يضمها ...... تشعر به الأب الذي قاربت على نسيانه ... و الأخ الذي لم يوجد ..... و ......
أخذت تنشج و تبكي و هي تهمس
( لا أريد البقاء وحدي .... أرجوووك تعال ..... لا يهمني أي اعتبار آخر .... فقط تعال و كن بجواري .... )
بقت مكانها كوردة مكسورة على ساقها طويلا و هي تنحني بذراعيها على ساقيها المنثنيتين تحتها......
كراقصة باليه في آخر حركة من رقصتها على مسرحٍ مظلم .......
.................................................. .................................................. ......................
دار رائف بالسيارة طويلا ..... لقد قارب الليل على الإنقضاء وهو لا يزال يطوف بسيارته على غير هدى ...
يده تتخلل خصلات شعره وهو يزفر بقوة .... عل هواء الفجر يبرد من ناره ....
لكن لم يحدث ...... شعور غريب بالقسوة يملأه .... منذ معرفته باغتصاب كريم لملك ......
عقله يرسم له صورا تكاد تغشى عينيه ..... و صراخا يكاد يصيبه بالصمم .......
كل ما فعله بكريم ليلة امس لم يشفي غليله ..... لو اراد الحق و القصاص منه لها لكان قتله بدمٍ بارد ....
لكن ورقة واهية ... خادعة .... منحته الحق عليها ...... تبا لذلك ... اين كان عقلها ؟!! .........
حين شعر انه على وشك ارتكاب حادث سير بشع بسبب جنون ما يشعر به .... انحرف بالسيارة لأقرب طريق على البحر ......
ثم خرج ليضرب الهواء وجهه .......
فاستند الى مقدمة السيارة .... مكتفا ذراعيه .... يراقب الأفق الرمادي في خط التقاء البحر بالسماء ......
وجد نفسه يهمس فجأة
( كيف منتحهِ ما لا يخصك من الأساس ؟!! ............ )
أغمض عينيه و أطرق بوجهه بألم وهو يهمس بخشونة
( من أين خرجتِ لي يا صغيرة ؟!! ....... كنت قد اعتدت الهدوء و أطلبه ....... من اين خرجت لتحرقين صدري مرة بعد مرة و أنا أقف عاجزا ........ لا أملك سوى الخيال الذي رسمتهِ بقسوةٍ أمام عيني .....
ليتني كنت أستطيع أعادة xxxxب الساعة ....... لمنعتك بقوةٍ أكبر ........ و لأخفيتك عن أعين البشر .... )
تنهد بقوة و هو يفكر بقنوط
" هل نامت ؟!! ....... هل تمكنت من خلع الفستان الذي حيره و سلب الراحة من عينيه ؟!! ...... "
لم يشأ ان يتركهها ....... كاد ان يخترق كل القوانين و يبقى معها ... ماذا سيضرها اكثر مما اصابها لو فعل ؟!!!
زفر بعنف اكبر وهو يهمس بخشونة
( لقد اصبت بالجنون تماما يا رائف ...... لقد فقدت شعراتك البيضاء وقارها منذ ان دخلت ذات الضفيرة حياتك ......... )
اخذ نفسا عميقا من هواء البحر ....... ثم رقت عيناه قليلا , حتى تغضنت زواياهما .... ليهمس بخفوت
( انها حرة .......... انها حرة ...... و لن أتركها مجددا ..... )
عادت عيناه لتظلمان قليلا ... ثم همس لصوت الامواج المتكسرة
( لكن لماذا لا أشعر بالراحة ؟!! ......... هل كان علي قتله لأتخلص منه نهائيا ؟!...... )
زفر بقوة وهو ينظر الى ساعة معصمه ..... لابد أن يناقش الأمر مع جلال قبل أن يذهب اليها مع اولى دقات النهار .....
صحيح أن جلال معتاد على الإستيقاظ مبكرا ...... لكن هل من الذوق أن يهجم على بيته في مثل هذا الوقت ...
همس رائف بصوتٍ أجش
( فلأنتظر حتى الصباح ....... لا داعي لمثل هذا القلق ...... )
أخذ ينظر الى ساعة معصمه .... لمدة ثلاثين دقيقة ثم استقام واقفا وهو يقول بصرامة ....
( فليتابع نومه بعد أن أخرج من عنده ...... أنا لست متفرغا لأنتظر ...... )
ضغط جلال أعلى أنفه بين عينيه الناعستين ..... ثم قال بصوتٍ لم يستوعب بعد ...
( أعد لي مجددا ماذا فعلت ؟!!! ......هل ضربته حتى القى عليها يمين الطلاق ؟!!! أم أنني سمعت خطأ و لا أزال نائما !!! ....... )
كان رائف يجول أمامه ... يده على فخذه ... و أخرى تكاد تقتلع شعره وهو يقول بحدة
( ركز معي و استيقظ يا جلال ....... لقد قيدته و ضربته الى أن أطلق يمين الطلاق عليها بمحض اختياره ... لقد وقع في الفخ كثور عاجز ..... )
زم جلال شفتيه وهو يطرق بقلمه على سطح مكتبه في بيته ..... و ظل صامتا ... حينها نظر اليه رائف بقلق وهو يقول
( لقد أخبرتني أنه لو القى عليها يمين الطلاق لإنتهى الأمر يا جلال ........ )
ظل جلال صامتا دون أن يرد فصرخ رائف مما جعله ينتفض مكانه
( لماذا أنت صامت الآن ؟!!! ....... الم تنتهي المشكلة الآن ؟!!! .... لا أملك غير ذلك .... )
تنهد جلال قبل أن يقول بهدوء
( لقد تسرعت يا رائف ....... لقد عرضت عليك أن يلقي كريم عليها يمين الطلاق بمحض ارادته حقا .... و ليس بالتهديد و التخييره بينها و بين نسبه ....... )
نظر الي رائف الذي كان القلق يعصف بوجهه فتابع يقول
( يجب أن يكون مقتنعا ..... كي نخاطب ضميره .... هذا لو تبقى منه شيئا .... لكن في تلك الحال هو لا يزال يمتلك ورقة زواج عرفي ..... لو فكرت ملك في يومٍ من الأيام في الزواج ..... لربما تربص بها و أخرج الورقة ... و أتهمها بتهمة تعدد الأزواج .... فمن سيثبت حينها أنه طلقها شفهيا ؟!!! .... )
جلس رائف مرتميا على الكرسي وهو ينظر الى جلال بوجهٍ مظلم ..... ثم قال بصوتٍ خشن باهت
( كان يجب علي أن أجبره على التوقيع على اقرار بطلاقها ....... )
قال جلال بهدوء
( يمكن الطعن في صحته بسهولة ........ مجرد ورقة ليست دليلا قويا في المحاكم ..... )
لم يجد رائف شيئا ليقوله ..... فتنفس بخشونة وهو يرفع يده الى جبهته بتلك الصدمة الجديدة .....
بينما تابع جلال بخفوت .....
( يجب ان يكون اتفاقا موثقا ....رسميا .... كي لا ينتقم منها فيما بعد ..... )
رفع رائف رأسه ليقول بخشونة
( الاتفاق الاكيد سيكون مع اكرم ..... سنهدده بالتحليل .... وحينها يتم عقد جلسة بيننا بعد ان يستسلم ليوقع كريم على اقرار مصور بالطلاق ....... )
رفع جلال رأسه وهو يقول باتزان
( جيد ....... اولا يجب علينا الحصول على تحليل حقيقي ..... و ليس اقرارك الضريبي .... ثانيا .. قد تكون تلك الجلسة المصورة دليل كافٍ .... هذا لو خضع اكرم و انا اشك في استسلامه ببساطة ..... لكن هل هذا هو الحل الأمثل ..... ام الأسهل ؟!! ...... )
عبس رائف بشدة وهو يقول
( ماذا تقصد ؟!! ................ )
قال جلال بصوت هادىء
( لو أردت فعلا مصلحة ملك عليك أن تفكر بها .... كأختك ... أو ابنتك ..... ماذا لو أرادت الزواج يوما ... و تقدم لها شخص محترم له عائلة محترمة ..... ماذا سيكون موقفها ؟!! .... هل ستريه التسجيل المصور لجلسة الإقرار بطلاقها ؟!! .....و طبعا سيعرف المأساة بكل تفاصيلها .... فهل هذا وضع يليق بكرامتها كزوجة مستقبلية ؟!! ..... هل سيرضى بها أحد في مثل تلك الحالة ؟!! .... )
هتف رائف فجأة بقوة
( أنا لا يهمني ............. )
نظر اليه جلال باهتمام وهو يلاعب قلمه .... ثم قال بهدوء واضح
( هذا رأيك أنت ...... لكن هل سيكون نفس الرأي لمن يتقدم لها و لعائلته ؟!!! .... )
أجفل رائف بشدة .... و تراجع في مقعده و قد شعر في تلك اللحظة بمقدار بعده عن صورة حياة ملك .....
شيء غريب انتشر في صدره حين فكر في امكانية زواجها مرة أخرى !!!
شيء قاتم .... تشبث به و نشب مخالبه القاسية .......
فاشتعل في عينيه بلونٍ قاتم .... عميق .... سحيق ...........
قال رائف مندفعا ....دون تفكير
( انها لا تفكر في الزواج مجددا ......... انسى الأمر .... )
قال جلال بلهجة ذات مغزى
( لأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة .. فكر بها كأختك ...... ماذا لو أحبت شابا ذات يوم ؟ ...... كانت لتتمنى أن تكون أمامه مرفوعة الرأس و مصانة الكرامة ...... )
أطرق رائف برأسه ...... ماذا لو أحبت شابا يوما ما !!! .........
التوت زاوية شفتيه في ارتجافة حزينة ....لقد أحبت " رؤى" ذات يوم ..... و كان شريكا في قتل حبها ....
فهل يجرؤ على تكرار هذا الذنب مجددا ؟!!!
قال اخيرا بخفوت
( اذن ....... ماذا ترى ؟!! ........ )
وقف امام باب البيت ... يستند بكفه الى الإطار ..... مطرق الرأس ... مهدود الهمة .....
بينما اندفع سيد من خلفه هاتفا بقوة وهو يحمل طرف جلبابه
( صباحا مباركا يا عريس ....... حمد لله على السلامة ...... )
ظل رائف مطرق الرأس .... لكنه اغمض عينيه بحنق وهو يهمس في نفسه
" هذا ما ينقصني !! ....... عريس !! ...... ابتعد يا سيد لا تكن اول ضحاياي هذا الصباح تحديدا ... "
رفع رائف رأسه أخيرا ثم استدار الى سيد الواقف خلفه مبهورا .... فقال بفتور
( صباح الخير يا سيد ....... هل الوضع آمن ؟!! ..... )
هتف سيد وهو يقول بأمانة
( لا بعوضة تتمكن من المرور دون اذني ....العروس في امان تام ... كما تركتها .... )
زم رائف شفتيه و اغمض عينيه لحظة بغيظ قبل ان يقول بهدوء
( جيد ........... )
استدار وهو يحاول الاستعداد ليضغط الجرس .... الا ان سيد قال من خلفه
( هل نسيت مفتاحك ؟؟!! ........ )
التوى فك رائف وهو يحاول السيطرة على نفسه ... ثم قال دون أن ينظر الى سيد قائلا
( نعم ............. )
قال سيد بفضول
( و ماذا لو كانت العروس نائمة ؟!! .......... )
استدار اليه رائف قائلا بهدوء خطير
( سنعرف هذا ما أن تتنحى جانبا قليلا كي تفتح الباب ..... فهلا ابتعدت رجاءا ..... )
أسرع الرجل مهرولا وهو يقول
( حاضر ..... خذا راحتكما ....... )
بينما كان يضرب كفا بكف وهو يقول
" منظره المعكر يؤكد ظني ..... لا حول و لا قوة الا بالله ..... على الرغم من أنها صغيرة و تعيد الشباب "
أخذ رائف نفسا قويا قبل أن يضغط على الجرس رغما عنه .... و كأنه يضغط على .... قلبه بالقوة !! ....
ظل مستندا الى كفه .... مطرق الرأس ...... طويلا .... قبل أن يسمع صوت خطوات مرتجفة .....
ثم توقفت خلف الباب مباشرة .....
ابتسم رائف بحنان حزين .... إنها خائفة .... و تقف خلف الباب مباشرة ملصقة أذنها به .....
كان عليه أن ينطق اسمه مباشرة كي لا يرعبها أكثر .... الا أنه أخذ وقته وهو يرفع يده ليلامس سطح الباب
جزء منه يريد الدخول اليها مندفعا ليطمئنها .... و جزء أكبر منه يرغب في الرحيل مسرعا ....
حفاظا عليها مما يحمله !!......
تكلم أخيرا بصوت قوي النبرة كي تسمعه ... يحمل دفىء العالم ...
( إنه أنا يا ملك ..... افتحي الباب ... )
لم تمر لحظة قبل أن تفتح الباب بسرعة و التقطت عيناه آخر تنهيدتها ......
تسمر مكانه قليلا وهو ينظر اليها .... الا أنها كانت قد ابتعدت للخلف و هي تهمس براحة
( ارجوك ادخل ............ )
دخل رائف ببطى و عينيه على ظهرها .... الى أن وقف مكانه , فاستدارت اليه مملك ببطىء كالفراشة الشاردة .....
كانت ترتدي منامة بلون السماء يعرفها حق المعرفة ...... تخص " رؤى " .......
شعر بصدره يعتصره الألم ......
شكلها ..... بشعرها الطويل المنساب ... حتى تجاوز خصرها .... و عينيها المتورمتين من بكاء زادته بعد رحيله .... لكن وجهها كان نظيفا من سواد ليلة أمس .... و كأن شيئا ما طهرها من الداخل قبل خارجها ....
تسمرت ملك مكانها و هي تراه يرمقها بصمت .... فارتجفت بشدة و أخفضت وجهها الى المنامة التي ترتديها ...
و شعرت بالرعب من جنون تصرفها الوقح ليلة أمس .... و حين تمكنت من النطق همست بإختناق يكاد لا يسمع
( أنا آسفة جدا ...... لم يكن هناك سوى ملابس .... ملابس ..... و ملابسك ..... و قد أوشك الفستان على أن يخنقني ......... )
رمش بعينيه عدة مرات .....دون أن يرد ... فهمست ملك متوسلة
( أرجوك ...... أنا آسفة ......... سامحني ... كانت وقاحة مني )
تحرك رائف مكانه .... قبل أن يقول بخفوت
( لا شيء يتوجب الإعتذار ......... لا عليكِ صغيرتي )
رمشت ملك بعينيها قليلا .... لقد قال صغيرتي للمرة الثانية خلال عدة ساعات !!.....
لكنها قالت بخفوت مختنق
( بل هو تصرف لا يغتفر ...... أنا آسفة يا رائف ...لكني سأذهب الى البيت لأجلب ملابسي من هناك ... ثم أعود ..... . )
أجفل رائف مما سمعه للتو .... و اندفع داخله طوفان الفرح و غريزة الحماية و هو يسمع عفويتها الغير مقصودة ....
" لقد قررت البقاء هنا ...... للأبد !! "
ابتسم قليلا حتى تغضنت زوايا عينيه .....
لكم هي متعطشة لبعض الحنان !! ...... و كم يريد لو يمنحها كل ما يستطيعه .....
قال أخيرا بخفوت دافىء
( صباح الخير يا ملك ........... )
ظلت ملك صامتة قليلا تنظر اليه .... قبل أن تضم ذراعيها و هي ترد بخفوت
( صباح الخير يا رائف .......... )
من الواضح أنها قررت منادته باسمه مجردا ...... لم يكن يعلم ان اسمه يحمل كل ذلك الرفق و الرأفة .. الا بعد ان سمعه بصوتها هي ..... و كأنها تعنيه بكل حرفٍ بمنتهى الصدق .....
قال بخفوت وهو يراقب عينيها الحمراوين
( كيف حالك ؟؟ ............ )
ابتسمت قليلا و هي تلوح بذراعيها قليلا بإجهاد قبل أن يسقطا دون أن يجدا القدرة ليرتفعا ....
( كما أنا ...... و كما سأكون دائما .......... )
ظلت صامتة قليلا قبل ان تتابع بخفوت
( لكنني حرة الآن ...... و الفضل يعود لك ...... لم يتسنى لي شكرك بعد ...... )
عقد حاجبيه محاولا تقوية قلبه ..... قبل ان يقول بجدية
( ملك ........ تعالي اجلسي .... اريد أن أتكلم معكِ قليلا ........ )
شعرت ملك بالقلق من لهجته المختلفة معها .... فانتفض قلبها و همست بداخلها
" ياللهي لم أعد أحتمل المزيد من الصدمات ....... تعبت من الوجع "
لم تجلس ملك .... بل ظلت واقفة مكانها تنظر اليه بصمت ... منتظرة ثم قالت اخيرا
( لم ينتهي الأمر بعد ...... اليس كذلك ؟!! ....... ماذا حدث ؟؟ ......)
تنهد رائف بصورة زادتها قلقا .... بل رعبا ..... ثم قال اخيرا .....
( هل فكرتِ في الخطوة المقبلة يا ملك ؟؟ ........... )
فغرت ملك شفتيها قليلا .... قبل ان تقول بخفوت
( دون مقدمات أرجوك ........... قل ما عندك ..... )
رفع رائف عينيه الى عينيها .... ثم قال مباشرة
( اسمعيني جيدا يا ملك ....... ما قمنا به حتى الآن جيد ..... لكنه لن يفيدك على المدى البعيد .... كريم لا يزال يمتلك ورقة زواجكما .... و قد يظهرها في أي وقت ليبتزك بها .... و لا أعلم حتى ان كان شرعا يجوز أن يعيدك الى عصمته دون معرفتك في حالتكما تلك ........ )
صمت قليلا يطرق برأسه كي يتهرب من عينيها المراقبتين له .... ثم قال بصوتٍ أكثر خشونة
( نحن الآن نملك ما نقايضهم به ......... يظنون أن التحليل معنا .... لذا يمكننا محاولة تصحيح الأمور الى نصابها الصحيح ....... و اجبارهم على ذلك ..... )
ارتجفت شفتي ملك قليلا ..... قبل أن تقول بخفوت حذر
( ماذا تقصد ...... بتصحيح .... الأمور ؟!!! ...... )
أخذ رائف نفسا آخر أكثر خشونة .... و قوى نفسه وهو يتشجع ليقول
( استرداد حقك يا ملك ..... بزواج رسمي أمام الجميع ........ كي يعود اليك شرفك و كرامتك .... )
ظلت ملك صامتة قليلا .... و كأنها لم تسمع شيئا .....
ثم قالت أخيرا صوت باهت كالشبح
( زواج رسمي ..... ممن تحديدا ؟!!! ........ )
كان رائف على آخر درجات سيطرته على الذات , فلم يستطع تمالك نفسه وهو يهتف بغضب
( ممن سيكون يا ملك ؟!!! ..... من هو الذي تزوجته قبلا ؟!!! ...... )
فغرت ملك شفتيها أكثر اتساعا .... و ظلت تنظر اليه بذهول بينما هو يتجنب النظر اليها ... الى أن صرخت أخيرا بقوة
( تريد ان تعيدني اليه ؟!!!!!!!!!!!!! .......... ستسلمني له ؟!!! ....... ستسلمني له من جديد ؟!!! )
رفع رائف رأسه ليهدر بقوة كي يوقف صراخها
( اهدئي يا ملك ...... دعيني أشرح لكِ ......... )
الا أنها صرخت أعلى برعب
( تشرح لي ماذا ؟!!! ....... أنت لا تعلم ماذا فعل بي ؟!!! ...... لا تعلم ...... )
لم يستطع منعها من الصراخ الا بإمساك كتفيها ليجلسها بالقوة على الأريكة .... و هاله أنها كانت ترتعش بقوة حتى خشى عليها من الإغماء ..... فجثا أمامها ممسكا بكفيها ليقول بصرامة هادرة
( اعلم جيدا ما فعله بك ...... أخبرتني ليلة امس بكل وضوح ...... )
كانت ترتعش بشدة .... و تنظر الى عينيه برعب و ذهول .... قبل أن تهمس بصوتٍ لا يكاد يسمع
( أستطيع إعطائك التفاصيل ............. )
صرخ عاليا و هو ينتفض واقفا
( اخرسي يا ملك ............... )
لكنها قفزت هي الأخرى صارخة و هي تنشج بشدة
( لن اخرس ...... و لن يحدث ذلك ....... لن يحدث ........ اقسم انه لن ...... )
استدار اليها بقوةٍ ليضع يده على فمها ..... و يده الأخرى فوق شعرها ...تثبت ظهرها وتضمها اليه رغما عنه ..... كان يتنفس لاهثا بصعوبة .... بينما كانت هي ترتعش بعنف ..... و دموعها تنساب من عينيها المذهولتين حتى تبلل كفه على فمها ..... فهمس اخيرا بخشونة متحشرجة
( لا تقسمي ........ لأنني أعرف مصلحتك أكثر منكِ ...... )
رفع يده عن وجهها بتردد .... و بصدره نفس يتردد بقربها منه ..... لكنها همست و هي تنظر الى عينيه
( سأقتل نفسي قبل أن يلمسني مجددا ...........)
ظل ينظر الى عينيها ليقول بعد فترة طويلة بصوتٍ خافت قوي .... اخترق أذنها بعنف
( و انا سأقتله قبل أن يفعل ..............)
هتفت بجنون
( كيف ستفعل و أنت تنوي أن تسلمني له مجددا ؟!!! ....... )
هدر رائف بقوة ...
( سأكون معك و لن أتركك للحظة ......... )
هتفت بهذيان ضاحكة من بين دموعها بوقاحة
( هل ستكون بيننا في ليلة الزفاف كذلك ؟!!! ...... )
حينها هدر رائف بقوةٍ سمرتها مكانها ....
( ملك !!!!!!!!! ............ )
ارتعبت من صرخته ... فارتجفت شفتيها بشدة .... قبل ان تخفض رأسها و تنفجر في بكاءٍ مرير .....
و هي تدفن وجهها بين كفيها على صدره ...... حينها تنهد بقوةٍ و ربت على شعرها برفق طويلا ... قبل ان يقول بخفوت
( هل تثقين بي ؟؟ ... )
هتفت بنشيجٍ مختنق على صدره
( لم اعد أعلم بماذا أثق ........... )
عقد حاجبيه بشدة ...... و أعاد بنبرة أقوى
( هل تثقين بي يا ملك ؟!!! .......... أسمعيني اياها حالا ....)
ظلت تبكي طويلا ..... لكنه لم يتركها .... بل اعاد بقوة اكبر
( هل تثقين بي يا ملك ؟؟؟؟ ..........)
هتفت باختناق من على صدره بنشيج حر
( لا تسلمني له مجددا ...... أرجوووووك ......)
قال رائف بصرامة
( لن نعاود الكلام قبل أن أسمعها منكِ .......)
ظلت تبكي قليلا ...... قبل أن تقول باختناق
( أثق بك ....... فقط أخبرني سببا منطقيا واحدا ....)
أبعدها عنه لينظر الي عينيها المتورمتين .... و ذبح منظر نشيجها كالأطفال و صوت بكائها المتوسل ....
ثم قال بخفوت و هو يبتلع غصة في حلقه
( ماذا لو أحببت شابا من عمرك يوما ما ؟!! .... كيف يمكنك الزواج يوما بهذا الوضع ؟!!..... أريد أن أعيد لكِ كرامتك .... )
ظلت تنظر اليه بذهول .... و قد جفت دموعها فجأة .... فمدت يدها تمسح المتبقية منها على وجنتيها .... قبل أن تقول بعدم تصديق واهي
( هل هذا هو السبب ؟!! ..... لو أردت الزواج يوما ؟!! ..... هل تتخيل أنني من الممكن ان ... )
رفع يده ليضعها على شفتيها برفق .... فنظرت الى ملامح وجهه القاتمة .... و أقسمت أن الألم يظللها .....
ثم قال بخفوت
( لا تحكمي الآن ....... لن يمكنك التنبؤ بالقدر )
همست بشدة بعينين صارمتين تدمعان بقسوة
( أنا أقدر الناس للحكم على نفسي ......... صدقني فقط , آن الأوان لتثق أنت بي ...... )
ابتسم ابتسامة ملتوية .... قبل أن يقول بخفوت رقيق
( ليس بعد ...... لكن أعدك أن أحررك ما أن اخلصكِ من هذا الماضي و يصبح ذكرى ..... اتركي لي مصلحتك مؤقتا .... هل اطلب الكثير ؟!! ...... )
عقدت حاجبيها و هي تهمس بقسوة حزينة
( هل تعلم ما تطلبه مني ؟!! .......... )
ابتسم برفق وهو يقول بصوتٍ أجش ... جرح اذنيها من هول نبرته الغريبة .....
( المأساة أنني أعرف ......... و اطلبه بنفسي ......... )
صمت قليلا وهو يرى بكائها الصامت الناعم .... قبل أن يصلب نفسه و يقول بخشونة
( ارتاحي الآن اليوم يا ملك ..... و لا تفكري بشيء ....... لكن غدا سأمر عليكِ كي آخذك الى أختك .... لكنني لن أبتعد ......... )
خرج رائف من البيت , وهو يحاول التقاط انفاسه بصعوبة ..... استند الى سيارته قليلا .... محاولا السيطرة على نفسه ... لكنه فجأة ركل الإطار بقوةٍ وهو يهدر في الفراغ من حوله
( تبا ......... تبا ........... )
بينما كان سيد يرمقه من بعيد بأسى .... يعلم انه يجب ان يتركه في مصيبته في تلك اللحظة دون محاولة الإقتراب منه ..... لكنه اخذ يدعو له من قلبه بتيسير كل عسير ..... فرائف رجل من اطيب و اشرف من عرفهم و تعامل معهم و لقد تحمل العديد من المصائب بحياته .... أولها فقد زوجته الطيبة الصامتة دائما و التي كان يحضرها معه قبل هذه العروس .........
رائف ناداه رائف فجأة بقوة ...... فاندفع اليه مسرعا يقول
( تحت امرك يا سيد رائف ............ )
اخذ رائف نفسا قويا ...... قبل ان يقول بصوت خافت لكن آمر
( راقب المكان جيدا ....... لو حاولت السيدة الخروج .... أخرها قدر استطاعتك و اتصل بي ...... )
قال سيد بسرعة ....
( حاضر يا سيد رائف .......... تحت امرك )
انطلق رائف بسيارته بكل سرعة .... وصوت بكائها كما تركها يمزق صدره بعنف ..... بينما بقى سيد مكانه يقول
( لا حول ولا قوة الا بالله .......... )
.................................................. .................................................. .....................
دخلت ميساء خلف أكرم ما أن دخل البيت صباحا ...... كانت تنتظره بعد أن شربت نصف زجاجة خمر كاملة .... سارت بتمهل خلفه و هي تراه يتوجه الى مكتبه .... ليجمع العديد من اوراقه .....
كان مرهقا .... متعبا ..... لكنه لا يزال يحمل بعضا من الوسامة الفاسدة القديمة ....
مدت يدها تلامس عنقها بارتجاف ...... قبل أن تدخل الى المكتب تختال بفستانها القصير المكشوف ...
رفع أكرم نظره اليها بإهمال ... ثم أعاد نظره لأوراقه وهو يقول ببرود
( لو تنوين افساد يومي فرجاءا ابتعدي ...... أنا مرهق بما فيه الكفاية ...... و لا يزال لدي المزيد من الأعمال ....... )
الا أنها تابعت تقدمها اليه و هي تراقبه بعينين زائغتين ..... قبل أن تقول بخفوت
( هل تنوي الزواج حقا ؟!!! .......... )
زفر بعنف وهو يفك ربطة عنقه ليرميها بعيدا ...... ثم قال بتهديد
( ابتعدي عني يا ميساء ........... )
الا أنها اقتربت منه بميوعة .... لتجلس فوق سطح المكتب و فوق أوراقه ... تراقبها بلا اهتمام ....
بينما زفر منتظرا لأن تقوم .... لكنها كانت تؤرجح ساقا فوق الأخرى .... ثم قالت بصوتٍ منغم
( ليس قبل ان تخبرني ......... )
تأفف بقوة .... ثم لم يلبث أن قال بقوة وهو يرفع رأسه اليها ... لينظر في عينيها قائلا
( نعم يا ميساء ..... سأتزوج ابنة رجل سياسة تعرفينه حق المعرفة ... لدي مصالح معه ...... )
ظلت تؤرجح ساقها ..... دون أن يظهر تأثير على ملامح وجهها ..... ثم قالت بخفوت
( و ماذا عني ؟!! ............ )
نظر اليها طويلا ..... قبل أن يقول بهدوء
( منتهى الكرم مني أن ابقى على وجودك هنا بعد الحال الذي وصلتِ اليه ..... و اكراما للحب الذي كان يوما .... )
أومأت برأسها و هي تقول بخفوت شارد
( منتهى الكرم منك ........ صحيح ...... بعد أن ضيعت شبابي ... و ابني .... و .... )
هدر أكرم و هو يضرب سطح الطاولة بقبضته قائلا بعنف
( لم يكن ابنك وحدك ...... كان ابني أنا أيضا ....... )
رفعت اليه عينين باردتين كالجليد و هي تقول
( لكنك استبدلته ............ بمنتهى السرعة و جمود القلب ..... )
نظر اليها قائلا بقسوة
( و كان عليكِ أن تكوني ممتنة ........لقد أصبح الشاب محط أنظار و أمنية الجميع .... ذكي طموح .... يعرف ما يريد ..... كان يمكنني الزواج و انجاب غيره ببساطة ..... لكنني ..... )
قاطعته تقول ببرود مشتد بقهر
( لكنك اكتفيت به ...... أعجبك ..... لائم كل توقعاتك .... لم تحتاج الى المزيد ..... )
قال بشدة وهو يميل تجاهها
( لو كنت اريد استبدال ابني كما تدعين لأنجبت غيره ..... لكن كريم كان مختلفا .... ملأ بيتنا وهجا و حيوية ... بعد أن سكنه السواد طويلا لدرجة جعلتني أنفر من انجاب المزيد من الأطفال ... و غرقتِ أنتِ في يأسك حتى انزلقت لهذا المستوى البائس .... انظري لنفسك ... لقد اصبحت جسدا جاف ... فاقد الأنوثة و الدماء ...... أنا و كريم نحيا و ننطلق لأعلى .... بينما أنتِ تنحدرين للقاع .... حتى أصبح الجميع يشمئز منكِ .... )
أمسك بطرف أوراقه ليجذبها من تحتها بالقوة .... و اخذ يرتبها ... وهو يقول بصلابة
( لا هدف من الكلام في الماضي ..... أنا سأتزوج .... و هذا قرار لا رجعة به ...... )
ابتعد عنها وهو يخرج من المكتب ...... لكنه تسمر مكانه وهو يرى كريم واقفا أمامه ... مشعث الملابس ...
ممزق القميص ... و الكدمات تملأ جانبيه .و الغبار يغطيه من قدميه و حتى شعره و رموشه ...
يقف مترنحا .... قبل أن يقول بصوت بائس مختنق ...
( أنت السبب ........ لقد أخذها مني ..... أجبرني على طلاقها ....... جعلته ينال مني و لديه الدليل .... لو كنت واقفت من البداية لما حدث كل ذلك ...... )
لم يستطع أن يتابع .... قبل أن يسقط أرضا وهو يتأوه بعنف .... تأوها بدا كالنشيج المكتوم .... المقهور ....
.................................................. .................................................. ......................
سار أكرم كأسد مهتاج أمام كريم المستلقي على سريره عاري الصدر .... مغطى بكدماته الأرجوانية ....
فصرخ عاليا
( كيف تمكن من الحصول على مثل هذا الدليل .... و بمثل تلك البساطة !!! ..... كيف ؟!!!! .... الآن سيذلنا كيفما يريد ........ )
كانت ميساء تجلس على حافة السرير .... تراقب كريم بعينين صامتتين على الكثير ......
ظل يتنفس بسرعة و هياج .... وهو يضرب كل ما يطاله يده .... بينما احمرت عيناه بشر .......
صرخ كريم بألم
( أنا لن اخضع ....... لقد أخذني على حين غفلة ..... لكنني لن أتخلى عنها .... انها زوجتي .... تصرف .... لقد وعدتني ....... لقد نفذت كلامك و ضيعتها من يدي ..... احضرها لي ..... )
همس أكرم من بين أسنانه وهو يندفع اليه ليقبض على كتفيه بقوةٍ جعلته يتأوه بشدة ......
( اخرس ...... اخرس .... كل هذا بسببك أنت ..... ايها الغبي الحقير ... بسبب موجة حنين غبية لأيام القذارة و اللقطاء أمثالك ...... تكاد الآن أن تنسف كل ما بنيته في حياتي ...... )
فتح كريم عينيه بقوة مفاجئة ... ليقول بعنف غريب على الرغم من خفوت صوته ... لكن احمرار عينيه جعلا منه ندا لاكرم .... يكاد أن يكون ابنه بحق ..... يشبهه في جنونه و في شره .....
( ما بنيته منذ أن أتيت انا الى بيتك أنا شريك به ...... ليس كرما منك ... لقد بعت نفسي و كان عليك أن تدفع ..... لذا أنا شريك في كل ما حققناه سويا ..... قبل أن يكون بمجهودي خلال السنوات الأخيرة ... فباسمي مجهول النسب الذي تحتقره الآن .... أنا بعت ... و أنت اشتريت ووضعت الإسم المناسب ..... )
لم يستطع أكرم السيطرة على غضبه أكثر فصفعه بقوة ..... جعلت شفته تتمزق و تدمي ..... فشهقت ميساء خائفة رغما عنها ......
بصق كريم بعض الدم على صدره .... قبل أن يعاود النظر اليه ليقول فجأة بصوت كالأفعى
( إن لم تعيدها الي ....... فانتظر أي شيء من لقيط ... مصيره و زوجته في يد رجلٍ يرغبها ..... فأي شيء آخر يمكن أن أخسره أكثر ..... استخدم نفوذك يا ....... أكرم .... )
ظل أكرم ينظر اليه بعينين تضيقان ... اكثر ... و اكثر ....... قبل ان يستقيم .... و يغادر دون كلمة واحدة ....
نظرت ميساء الى كريم بملامح غريبة .... و قابل نظراتها باخرى أغرب منها قبل ان تنهض.... و تسرع لتخرج مترنحة من الغرفة .....
الا أنها شعرت فجأة بقبضة تمسك ذراعها لتديرها اليه ... قبل أن يغلق الباب .... و يسندها اليه مشرفا عليها بطوله الذي تجاوز طولها كثيرا في السنوات الأخيرة ... و صدره العاري المليء بالكدمات الملونة ....
رفعت ميساء عينيها اليه لتصدمها نظراته قبل أن تقول بارتجاف بارد
( ماذا تريد ؟!! ........ )
ظل ينظر اليها قليلا .... قبل أن يهمس بصوتٍ ناعم .... ناعم جدا ....
( أنا و أنتِ يجب أن تعاون ....... رائف يهدنني أنا و أنت ..... و أكرم بات لا يهتم سوى بزيجته الجديدة ...... أنا لا أريد سوى الحفاظ على اسمي .. و ملك ..... و ليعود كل شيء كما كان ..... فقط ان تعاوننا أنا و انتِ ....... )
صمت قليلا قبل أن يقول بهمس أجش خافت
( أكرم يحقر منك كل يومٍ أكثر من اليوم الذي يسبقه ....... و انتِ لا تستحقين ذلك ...... أنتِ امرأة جميلة ..... جميلة جدا يا ميساء ...... )
انزلقت عيناه على عنقها .... و ما ظهر من فتحة عنق فستانها العميقة ..... فشعرت بجسدها يتلون و يحترق ... فأبعدت وجهها عنه و هي ترتعش بقوة .... بينما تابع بخفوت أكثر
( أنت جميلة جدا ...... تزدادين جمالا كل يوم ....... )
شهقت ميساء بنفس مرتجف ..... لم تعد عمياء ... باتت تعرف ما يقصد فعله جيدا ..... لم تعد عمياء ....
لكن بداخلها كانت ينتشر تلذذ غريب و تشفي في أكرم ..... و هي تسمح لكريم بأن ينظر اليها بتلك الطريقة ... و يلامسها هكذا .....
تشعر بالسعادة و هي تنال من أكرم ..... صمتت قليلا و هي تستعيد كرامتها التي أهدرها أكرم بحقارته ... و تسترد بعضا من أنوثتها الجافة على حد قوله ..... بينما نظرات كريم و لمساته تروي جسدها الجاف و تعيد اليه بعض الخضار ....
مد كريم يده ليلتقط كفها .... ثم وضعها على كدمة زرقاء بجانب صدره ..... ثم همس بارتجاف بجوار عنقها
( انظري ماذا فعل بي أخاك !! ....... لقد سلبني زوجتي .... انتزعها من بين أضلعي .... فتركت مكانها تلك الكدمة ........ )
صمت قليلا و الشر يتطاير من عينيه وهو يمسك بين يديه أخت رائف .... قبل أن تكون أمه التي رفضت وجوده منذ اليوم الأول في هذا البيت ......
اقترب بوجهه منها ببطىء وهو يهمس بصوتٍ شرير أجش
( ميساااااء .......... )
نظرت اليه ..... تراقب انخفاض وجهه .... شبابه و قوته ..... جسده الرجولي الرياضي الفتي على الرغم مما فعله به رائف .... لا يزال ينضح شبابا .....
راقبت شفتيه الشهوانيتين و هما تقتربان منها ...... فابتلعت ريقها و التشفي بأكرم يتراجع ... ليحل محله ... الخوف من عينيه المخيفتين ......
و ما أن كادت شفتاه تلمسان شفتيها حتى انتفضت و داست بيدها على كدمته بقوة أكثر و أكثر ....
فشهق ألما بقوة ........ و انتفض مبتعدا عنها .....حينها تراجعت و هي تمد يدها خلفها لتمسك بمقبض الباب و تفتحه .... ثم تخرج جريا ..... الى غرفتها كي تحتمي بها ......... من سحر شباب الشيطان ....
و من خلفها كانت تسمع صوت تكسير عالي في غرفته حيث تركته ..... و كأنه الجنون قد انتابه .....
.................................................. .................................................. ......................
مكثت وعد مكانها في شقتها الجديدة ..... تلك التي لم تجد الوقت الكافي كي تهنأ فيها مع ملك ......
نظرت بعينين متورمتين من شدة البكاء الى أنحائها .....
كنت تجلس على أريكتها وحيدة .... منذ أن دخلتها و انفجرت بالبكاء ...... و هي لم تتوقف حتى الآن ....
رفعت ركبتيها الى صدرها .... و اسندت كفها الى جبهتها ......
رفعت رأسها فجأة و هي تنتفض على صوت رنين جرس الباب ..... فهتفت بقوة
( ملك ......... )
نهضت من مكانها جريا الى الباب ... ففتحته تهتف مجددا
( ملك ............ )
لكنه كان "علي "......... كان يقف مكانه مطرق الرأس .... و ما أن سمع هتافها حتى رفع وجهه ينظر اليها بابتسامة محبة ..... بوجهه الحبيب الذي لم تره منذ فترة ..... يكاد يذكرها بأنه صديقها اللطيف .... الذي ساعدها ذات يوم في العثور على ملك ........
فهمست من بين بكائها الخافت
( علي .............. )
لتندفع اليه تتعلق بعنقه و تعانقه بقوة ...... أغمض "علي "عينيه متأوها دون صوت .......
يريد أن يضمها اليه في المقابل .... لكنه لم يكن ليستغل الوضع ... فوعد لم تكن في حالٍ سوي أبدا .....
ظل مكانه ثابتا قليلا ..... و حين ظلت ترتجف بكاءا على صدره ... همسة عاشقة أفلتت منه
( آآآه ...........)
رفعت وجهها المبلل اليه و هي تمسح دموعها مبتسمة ... تقول باختناق
( ماذا بك ؟!! ....... هل كانت تلك قدمك التي وقفت عليها ؟!! ........ )
أخفض رأسه ينظر الى قدمها الحافية الصغيرة .... مقارنة بحذائه الضخم كمركب الصيد .....
نعم .... وعد في حالٍ غير سوي تماما ..... لكنه اتخذها حجة وهو يقول موافقا
( نعم ...... لقد دهست أصابعي منكِ لله ...... )
ابتسمت معتذرة و هي تختنق بدموعها ..... ثم قالت
( أنا آسفة ...... هجمت عليك كدب بري .....لكن شعرت فجأة بأنني مشتاقة اليك ...... )
همس بداخله متأوها
" و أنا والله مشتاق اليك أكثر ....... و أنت تزدادين جمالا أكثر و أكثر ... "
قالت وعد تقاطع افكاره و هي تدخل بتثاقل الى البيت
( ادخل يا علي تعال ...... )
الا أنه ظل مكانه ليقول بهدوء
( بل تعالي أنتِ معي ....... العمل ينتظرك ....... )
استدارت اليه ببطىء ..... كانت مكسورة ...كان هذ ما استطاع أن يلاحظه فور أن رآها ....
كانت مكسورة ........ مهدمة ........
و بالفعل قالت بتعب
( العمل آخر ما يشغل بالي حاليا يا علي ...... اعذرني .... لا أستطيع ..... )
قال علي بهدوء
( و ماذا عنا ؟!!! ............ )
عقدت وعد حاجبيها قليلا و هي تقول بحيرة
( أنتم ؟؟ ....... تقصد من ؟!! ...... )
ضحك علىو هو يهز رأسه قليلا غضبا ....... ثم قال بخفوت ساخر
( نعم صحيح ..... من نحن ؟!! ....... )
رفع وجهه اليها يواجهها ليقول بشدة
( نحن مجموعة تم تجميعها بانتقاء مميز ..... و لا اقصد نفسي ..... لكن لديك فريق كان يعمل ليل نهار ... في وجودك و غيابك ..... بينما أنت تحاولين اصلاح زواجك ...... و ليلة أمس خرجت دون حتى كلمة شكر لست اقصد تلك العابرة في مكبر الصوت ..... لكن بعدها .. تشكرين مجهود كل منا .... و الآن لا تريدين العمل !! .... هل كانت مجرد نزوة لكِ يا وعد ؟! ...... )
تأوهت وعد بصمت و هي تحك جبهتها هامسة
( ليس الآن ....... ليس الآن يا علي أرجوك ..... ليست لي القدرة على احتمال المزيد ممن يصبون لعناتهم فوق رأسي ..... )
رفعت وعد وجهها لتقول بهدوء
( علي انظر قليلا الى عيني المتورمتين ...... لقد خسرت زواجي الذي تتحدث عنه .... و ربما أكون خسرت أختي ..... و صحتي ليست على ما يرام ....... )
وضع علي يديه في خصره قائلا
( و ماذا عن كوثر ؟!! ...... خياطة قديرة ... تم العثور عليها بمعجزة ... ترعى طفلا معاقا ذهنيا ... و بالرغم من ذلك كانت تعمل معنا ليل نهار بجدية ...... و ابتسام .... هل تعرفين ابتسام ؟!! ... الفتاة التي تقوم بالتطريز ...... هل تعرفين عنها شيئا ؟!! ..... انها مريضة كلى .... و العمل هو كل أملها في الحياة لتتحمل نفقات علاجها ...... و ماذا عن راوية ؟!! ..... )
عبس قليلا وهو يصمت ... ثم لم يلبث أن تابع مكشرا
( حسنا .... تلك لا تعاني من مشاكل .... انه مشكلة في حد ذاتها .... و نفكر في التخلص منها ..... المهم اننا جميعا نعاني اكثر قد يكون اكثر مما تعانين ...... لكن العمل كان له الاولوية لنا ....... لقد اختفيت لفترة طويلة .... ثم عدت ليلة أمس .... و قد تم طلب تفصيل اثني عشر فستانا من العرض ...... و اليوم صباحا نأتي كي لا نجد احدا ..... لا انت و لا ملك ... و لا حتى السيد الأجنبي الهائم بك ..... )
عبست وعد و هي تقول بصرامة
( عيب يا علي ....... لا تتكلم بهذا الشكل على االسيد يوسف ...... )
مط علي شفتيه ..... وهي لا تعلم أن السيد يوسف يكاد يتنفسها مع الهواء المحيط به ..... بينما هي تأتي ليلة أمس لتهيم حبا بزوجها على العلن ....... ضاربة قلوب المحبين لها ......
همس بخشونة وهو يطرق برأسه
( تبا ............... )
رفعت وعد حاجبيها و هي تقول
( ماذا الآن ؟!!! ..... أشعر و كأنك تريد ضربي بصفعتين يا علي !! ...... )
قال بكل صدق
( بصراحة ....... نعم يا وعد ...... )
اتسعت عيناها بشدة و هتفت
( علي !!! ............. )
لكنه قال بقوة
( كوني على قدر المسؤولية يا وعد ...... انه حلمك .... و لو كان يخصك وحدك لكنت تركتك تفعلين ما تشائين ...... لكن هناك أناس ارتبطت حياتهم بحلمك .... فليس من حقك أن تخذليهم ..... )
سقطت وعد جالسة على الأريكة و هي تدفن رأسها بين كفيها بيأس هاتفة
( ياللهي !! ............ )
شعر بالشفقة عليها قليلا .... لكنه عاد وقوى نفسه قائلا بهدوء
( ليس مطلوبا منك مجهودا عسيرا ..... فقط تعالي ..... اشعريهم بوجودك .... ابتسمي لهم و افتحي الباب بنفسك ..... راقبي سير العمل ..... زمن الخياطة المضنية لكِ قد انتهى يا وعد ..... انت مصممة الآن و صاحبة عمل ...... فقط اشعري بمن يعملون لديك ..... لقد ذقت الشقاء مثلهم من قبل .... فلا تتعالي عليهم الآن ...... )
رفعت وجهها لتهتف بظلم
( أنا أتعالي ؟!! ..... انا ؟!!!! ...... أنت لا تعرف كم أنا بعيدة عن التعالي !!! ...... )
قال علي دون أن يهتز لمظهرها المسكين ... و الذي هز قلبه .....
( اذهبي و قفي تحت الماء البارد بالقوة يا وعد .... و ارتدي ملابسك و تعالي معي ..... نحن ننتظرك .... )
ظلت وعد تنظر اليه بتعب ... و حزن عميق ... جدا .....
ثم نهضت بالقوة و هي تقول بتعب .....
( انتظرني للحظات ........... )
.................................................. .................................................. ......................
نزلت وعد الى ورشتها .......فهالها أن تجد العاملات جميعهن تجلسن أمام الباب ...... تبدو عليهن معالم التوتر و القلق ....
فهتفت بقوة
( ماذا يحدث هنا ؟!!! ....... الا يحمل أي منكم المفتاح !!! ........ )
نهض الجميع ووقف علي خلفها ليقول بهدوء
( نسخ المفتاح مع السيد يوسف .... و السيدة كرمة .... و ملك ...... )
زمت وعد شفتيها و زفرت بقوة ..... قبل أن تفتح الباب لتقول بصرامة .....
( ستكون هناك نسختين اضافيتين يا علي .... معك و مع كوثر ..... و أنت ستتابع فتح المكان كل يوم .... حتى في غير وجودي ...... )
دخلت و فتحت النوافذ قبل أن تقول بقوة
( اريد قائمة بكل التصميمات التي تم طلبها ليلة أمس ..... و لنبدأ على الفور ..... )
استدارت عن النافذة ...... لتنظر اليهم بدقة .... قبل ان تبتسم و تقول بخفوت
( شكرا لليلة أمس يا سيدات ........ اكتشفت انني ربحت كنزا لا يقدر بثمن حين رأيت التصميمات منفذة أمامي ...... فعلا تم انتقاء كل منكن كانتقاء حجر الماس .... ايديكن لا يليق بها الا ان تلف بالحرير ..... )
ابتسمت كل منهن و هي تتطلع الى الأخرى بحرج ...... قبل أن تطلق كوثر زغرودة عالية احتفالا بالمكان ....
بينما كانت وعد تنظر اليهن مبتسمة .... لكن الحزن بداخلها ينزف بقوة .... و هي تضطر للإبتسام ....
تماما كالسيدة كوثر التي تزغرد لها على الرغم من وجود ابن معاق لها ..... ينتظرها بآلامه كل يوم ....
.................................................. .................................................. ......................
في اليوم التالي ....
و أثناء العمل ...... وقفت ملك بباب الورشة ..... تنظر بصمت الى وعد التي كانت تدور بين العاملات ....
تضع نظارتها .... الا أنها لم تتمكن من اخفاء احمرار و تورم عينيها .... بدا وجهها أكثر شحوبا ..... و كأنها ازدادت هزالا في ليلتين .....
استدارت ملك الى رائف خلفها ..... لكنه جمد وجهه و قال بصرامة خافتة
( هيا يا ملك ...... لقد وعدتك الا أتركك ..... )
همست بصوت يكاد لا يتجاوز حركة شفتيها
( أريد البقاء معك ............... )
أظلمت عيناه .... و ذابت ملامحه قليلا ... فهمس لها
( تعلمين أنني أريد ذلك أكثر منكِ .......... )
فغرت شفتيها قليلا ..... فارتبك وهو يبعد عينيه عنها .... ليقول بصوت خشن
( كي تكونين تحت عيني و أتمكن من حمايتك .......... لكنني سأبقى في الجوار منك لحظة بلحظة ... )
همست ملك بقهر
( هل انت مصمم ؟؟...... على كلا القرارين ؟؟ ............. )
اسبل جفنيه ..... و شعرت للحظة انه بدا اكبر من سنه بكثير .... بدا كوالدٍ متعب .... يحمل الهم .....
لكنه رفع اليها عينيه ليقول بخفوت
( أتعدينني بألا تهربي ؟؟؟ .......... و ألا ترتكبي حماقة ....... )
ظلت تنظر اليه بنظراتِ عتابٍ صامتة ..... لكن قبل أن تمنحه الوعد كي تطمئن قلبه .... سمعت صوت وعد يهتف من خلفها
( ملك !!! ........)
استدارت ملك اليها ببطىء ...... تنظر الى وجهها الملهوف بصمت ..... قبل أن تندفع اليها وعد لتجذبها اليها بشدة ...... تضمها الى صدرها بقوة و هي تهتف بشدة
( اياك و الهرب مجددا ....... اياك ....... كل مشكلة و لها حل ..... لكن لا تتركيني مطلقا ) .......
ظل رائف ينظر اليهما قليلا ... قبل أن ينسحب دون صوت .... كي لا تراه ملك و تعاود الإمساك بيده كطفلة صغيرة ترفض رحيله ..... و تشبثها به كان أكبر من احتماله .......
ابتعدت ملك عن وعد قليلا و استدارت خلفها بسرعة ..... لكنه كان قد رحل ...... فخرجت الهمسة الى شفتيها بخوف
( لقد رحل ............ )
عقدت وعد حاجبيها و هي تنظر خلف ملك لتقول بقلق
( من هو ؟!!! ............ )
عادت ملك لتنظر اليها دون كلام ...... فأخذت وعد نفسا قويا و هي تحاول أن تهدىء من انفعالها .... و قالت بحزم
( يجب أن نتكلم ........ أنا مستعدة لسماعك حتى الصباح .... )
استدارت و نادت بقوة
( أنا مضطرة للصعود الى بيتي يا سيدات ...... علي سيتابع العمل اليوم , لدي أمر طارىء )
.................................................. .................................................. ....................
جلست و عد بجوار ملك على السرير .... بعد ان ساعدتها على التحمم و تمشيط شعرها ......
كل منهما تضم ركبتيها الى صدرها كطفلتين تائهتين ..... و كأن الزمن لم يجري بهما أبدا ......
كانت ملامح ملك جامدة .... باهتة .... كتمثال شمعي .......
بينما وعد كانت فاغرة شفتيها بصدمة ..... بل هلع ...... لا تصدق القصة التي حكتها ملك بصوت ميت لا حياة به ..... و كأنها تقص حكاية لا تعنيها .... شاردة في البعيد .....
رفعت وعد يدها لى صدرها لتقول
( صديقك من الدار ؟!!!!! ........ و يفعل بكِ كل ذلك ؟!!!! ..... و يدعي عليك الجنون ....)
نظرت الى ملك بعنف لتهتف بقسوة
( إن كان هذا هو الحب ..... فماذا يكون الإنتقام ؟!!!!! ....... ياللهي ..... أشعر أنني في كابوس )
لم ترد ملك ..... بل ظلت تنظر أمامها بصمت .....
فقالت وعد بخفوت ..... و صدمة
( اذن ماذا سنفعل الآن ؟!!! ....... كيف سنثبت زواجك به ..... أقسم أن أخرب بيته .... و أمزق من لحمه )
لم تخبرها ملك شيئا عن ليلة أمس و يمين الطلاق ..... فهو لن يسعد وعد مطلقا .....
فوعد كرائف يريدان العلن ..... بينما هي لا تريد سوى التمسك بيمين طلاقها و التخفي بقصتها المذلة ......
قالت ملك بخفوت ......
( وعد ...... اريد أن أضع رأسي على حجرك ..... أريد أن أنام ...... )
تأوهت وعد بصمت .... لكنها همست برقة
( تعالي ....... نامي قدر ما تريدين ......... )
وضعت ملك رأسها على ركبتي وعد ..... التي ظلت تمشط لها شعرها بأصابعها ..... الى ان قالت ملك بخفوت
( كنت قاسية معكِ جدا يا وعد ........ لقد اختزنت كل ما حدث لي ..... و فرغته بك ..... )
قالت وعد بألم و هي تمشط لها شعرها
( كنتِ محقة ...........لم أنساكِ أبدا يا ملك ..... لكنني كنت أبحث في طريقٍ آخر .... و نسيت الطريق الأهم ..... )
صمتت قليلا تبتلع غصة في حلقها ...... ثم همست بعزم
( لكن اقسم ان احلها لكِ ........... لو كان هذا آخر ما ساقوم به بحياتي ........ )
حين طال الصمت ..... نظرت وعد الى ملك التي راحت في سباتٍ عميق ..... فبقت مكانها قليلا حتى تاكدت من نومها ...... ثم رفعت رأسها بإحتراس ... لتضع الوسادة تحتها ....
ثم نهضت و هي تشعر بالحاجة للتنفس بشدة و الا ستموت .....
ذهبت وعد الى الشرفة .... تتمسك بحاجزها بقوة .... و هي ترفع وجهها لتأخذ عدة انفاس .....
و كم تمنت لو كان هواء البحر هو ما تتنفسه حاليا ..... يبدو انها قد اعتادت بيتها الصغير عند البحر .....
فلقد كانت مخفية عن العالم و مشاكله ..... لا تنعم سوى بحب سيف .....
حتى في غمرة شجارهما العنيف ... كان العشق يحاوطهما ....... و يعزلهما عن الكون .....
همست وعد مغمضة عينيها
( سيف ........... مر دهر منذ رحيلك ..... لا مجرد ساعات ...... )
فتحت عينيها بعد فترة طويلة ..... شيئا ما طرأ بالها من جهة البحر ...... شيء قد يفيد ملك .......
عقدت وعد حاجبيها بشدة و هي تركز تفكيرها ..... ثم همست بأمل كبير
( نعم ...... لما لا ؟!!! ..... ربما كان الحل لديها ....... )
اخرجت وعد هاتفها من جيب بنطالها و هي تتنفس بسرعة و تحشرج .... تدعو الله الا يخيب مسعاها ...
ثم وضعت الهاتف على اذنها تعض شفتها انتظارا ..... و تهز ساقها بعصبية ....
و سرعان ما اعتدلت و هتفت بقوة
( مرحبا ....... كيف حالك , هل تتذكرينني ؟!! ..... نعم انا بخير ...... و كيف حال الصغيرة ؟؟ ..... )
صمتت قليلا بعد سيل السلام ..... ثم همست بحرج
( انا في حاجة الى مساعدتك جدا ........ اختى واقعة في مصيبة ...... لقد اخبرتني مرة ان زوجة ابن عمك خاضت حروبا من قبل مع كبار البلد .... و لها خبرة كمحامية ...... هل يمكنني استشارتها في شيء على ان يظل الأمر سريا ؟؟ ....... )
سمعت وعد قليلا ... قبل ترفع رأسها متنهدة بأمل .....
( شكرا لكِ ....... شكرا لكِ من كل قلبي ....... لا أصدق أنكِ استجبت لرجائي بهذه السرعة .... لو كنتِ أمامي لكنت اغرقتك قبلا و عناقا ...... متى يمكننا ان نراها ؟؟ ..... )
صمتت لحظة ثم هتفت برضا لا مثيل له
( غدا ؟!!! ...... بهذه السرعة ؟!!!!! .........قبل حتى ان تسأليها ؟؟!! ياللهي .... انت بعشرة رجال يا حنين .... اشكرك .... انا مدينة لك العمر كله ....... نعم .... سأنتظرك العاشرة صباحا لنذهب معا ..... ممتاز ........ )
صمتت قليلا .... ثم قالت قبل ان تغلق
( حنين ..... انتِ بعشرة رجال ..... حقا ........ )
سمعت صوت ضحكة رقيقة قبل ان يتعالى الصوت الانثوي ليقول
( زوجي دائما يقول نفس العبارة ..... حتى انني اخشى ان استيقظ يوما و اقوم بحلاقة ذقني بالإيحاء ..... )
.................................................. .................................................. ..................
جلست وعد تشبك يديها بقوة .... مرتبكة بشدة بعد ان قصت حكاية ملك ....... بما تعرفه ....
حنين تجلس امامها و علامات الصدمة تعلو وجهها ..... بينما خلف المكتب كانت تجلس شابة غاية في الجمال .....
تحيط عنقها بوشاح .... بينما ترتدي عباءة شرقية مطرزة ......
اليوم يوم عطلة .... و لقد حلت على سكان البيت الكبير بكل وقاحة دون موعد مسبق ......
ضربت الشابة فجأة على المكتب بقبضتها و هي تهدر قائلة مما جعل وعد تنتفض برعب من شرودها
( هذه قذارة ....... قذارة الحيتان ... و تجارة الأطفال .... لينتهي الحال بنماذج مشوهة .... لا تحمل انتماءا لأي قيم ..... تعيث فسادا في الأرض ...... )
كانت وعد تومىء برأسها عاقدة حاجبيها محاولة أن تفهم و تستوعب تلك المذكرة التحليلية المنطلقة في وجهها كمدفع رشاش ..... لكنها لم تفهم معظم الكلام .... فقالت حنين و هي تنظر لملامح وعد ...
( الترجمة من فضلك يا صبا ....... أنتِ تقولين كلام يصعب على أمثالنا فهمه ..... )
تنهت صبا بقوة و هي تحاول التقاط أنفاسها ...... ثم قالت و هي ترتجف غضب
( اعذراني ....... لقد أخذني الإحساس بظلم المقهورين قليلا ...... لا أتمالك نفسي حين أسمع هكذا انتهاكا على يد أحد الأباطرة ... مما يظن أنه ملك الأقل شئنا و الأدنى مستوى ..... )
مطت وعد شفتيها بحرج .... على أساس أنها و ملك ممن هم أقل شأنا و ادنى مستوى .......
نظرت اليها حنين و ربتت على صدرها تراضيها في الخفاء ... غامزة لها بالصبر ....
ثم قالت بقوة
( هل معنى كلامك أن نيأس يا صبا ؟!!! ......... )
رفعت صبا عينيها الخضراوين العسليتين كعيني قطة ثائرة مستعدة لنبش من يستفزها
( من ذكر كلمة اليأس ؟!!!!! ...... أقسم أن أخرب بيته و أجعله يدور حول نفسه ألف مرة قبل ن يفكر في الزواج مجددا ........ )
مالت وعد الى المكتب برجاء و هي تقول متوسلة
( اذن ما الحل ؟!!! ......... )
مالت اليها صبا لتقول ببساطة
( الإبتزاز هو الحل .............. )
عقدت وعد حاجبيها لتقول بحيرة
( ماذا نمتلك لنبتزه به .................... )
ابتسمت صبا و هي تتراجع الى ظهر كرسيها قائلة بهدوء
( خصلة شعر ......... أي محامي لديه خبرة في تلك القضايا سيقترح نفس الحل ....و ما أن نمتلك الورق الذي يثبت انعدام نسبه لهذه العائلة .... نقوم بابتزازهم .... . )
قالت وعد بصوتٍ باهت فاقد الأمل ....
( و كيف سيمنحنا خصلة من شعره بطيب خاطر ؟!!! ......... )
ابتسمت صبا برقة و هي تقول
( لا مشكلة اطلاقا ....... لدى زوجي من يقوم بمثل هذه الأمور ......... )
نظرت وعد الى حنين ..... التي ابتسمت لها لتقول بثقة
( اطمئني يا وعد ....... ما دمنا اتينا الى صبا ... فثقي ان الامر محلول ان شاء الله .... فهي اشد رجولة مني ... و تحلق عند نفس الحلاق ..... )
اهتزت ابتسامة وعد و هي تقول بأمل
( يا رب ........ أشعر و كأنني سأموت قبل أن أراها متزوجة منه رسميا ...... )
اظلمت عينا صبا و هي تقول بغلظة
( هل تتمنين زواجها حقا من ذلك القذر ؟!!! .......... )
هتفت وعد بقوة
( كل ما يهمني هو سترها علنا ........ و كل شيء يهون بعد ذلك ...... )
زمت صبا شفتيها و هي تقول
( مجتمع يخدع نفسه بالشكل فقط .... دون النظر الي الى السوس الذي ينخر في عظامه , الجبابرة نحن من صنعناهم .... بالرغبة في التستر على كل مشكلة نقع بها .... )
فغرت وعد شفتيها و هي تقول
( ها ؟!!! ........... )
قالت حنين متدخلة ...
( لا عليك يا وعد .... الترجمة ستنزل في الزيارة المقبلة ...... هيا لنعود قبل موعد عودة جاسر ..... فسيجن جنونه لو علم ........ )
قاطعها صوت رجولي فخم من عند الباب
( لو علم انكِ في زيارة بيت عمك ؟!!!!! ......... اذن ما رأيك أنكِ ستتناولين الغذاء معنا اليوم و لو تجرأ ابن رشيد على المعارضة فليواجهني ...... )
نهضت وعد من مكانها و هي تستدير لتنظر الى رجلٍ وسيم وسامة جميلة .... ذكرتها بسيف .... فرق قلبها للحنين ....
كانت لحيته منمقة و مهذبة .... و في يده سبحة زرقاء فيروزية ....
وقف مكانه وهو يقول بتهذيب متراجعا ...
( عذرا ..... لم أكن أعرف بأن لدينا ضيوف ........ )
ارتبكت وعد و هي تقول بحرج
( أنا موكلة لقضية ...... أنا آسفة جدا ..... سأغادر حالا ..... )
قال عاصم مبتسما دون أن ينظر اليها ..... مكلما صبا من خلف كتفه ....
( هل فتحت فرعا من المحكمة على غرفة الجلوس يا بنت السلطان ؟!!! ........... أخشى أن أبدأ في تفتيش كل من يدخل بيتنا منذ اليوم .... خاصة و أنت تجلسين بأريحية و شعرك مكشوف !!! .... )
ارتبكت وعد أكثر و هي تشعر بأنها تسببت في كارثة ... لكن صبا قالت عاتبة
( توقف يا عاصم ..... لقد أفزعت الفتاة المسكينة ..... انها ليست موكلة .... انها من طرف حنين ... اذن فهي من أصحاب البيت ...... )
قال عاصم مبتسما و هو ينظر أرضا .....
( اعذريني ..... اردت افزاع زوجتي ...... لكنها كالعادة ... لا تخاف سوى من مستوى الكليسترول في طعامي ..... حتى لو وضعت هيكلا عظميا تحت سريرها .... فلن يشغلها سوى التحقيق في هوية مرتكب الجريمة )
مطت صبا شفتيها و الغيرة تتآكلها بشدة دون أن تسمح لها بالظهور و لو لذرة .... بينما ضحكت وعد قليلا بحرج و هي تقول
( فليحفظها الله لك ..... أنا يجب أن أغادر الآن ..... )
قال عاصم بأدب
( لا يصح ...... يجب أن تبقي معنا للغذاء .. و الا ستغضب روعة .... )
قالت وعد بسرعة
( لا ....... لا أستطيع صدقني ...... لقد تركت أختي بمفردها و يجب أن أعود سريعا ..... )
خرجت وعد مسرعة .... تتبعها حنين .... لكن وعد أصرت عليها أن تبقى .... و انصرفت هي على اتفاق بموعد آخر ....
بينما وقفت صبا أمام عاصم في غرفة المكتب .... تتطلع اليه بصمت مكتفة ذراعيها ...
فنظر اليها بخبث و قد طارت من وجهه هالة البراءة .... و حلت مكانها نظراتٍ تأكلها أكلا وهو يقول
( خير يا بنت السلطان ؟!! ....... تريدين قذف سهم طائش من فمك الشهي ..... تكلمي علكِ تفسدين شهيتي و لا اتناول وعاء المحشو بالسمن البلدي من يد امي ..... )
الا ان صبا لم تضحك .... بل ظلت صامتة تنظر اليه بنظرة غريبة ... ثم قالت اخيرا
( جذاب جدا منظرك و انت تغض البصر ببراءة رجولية تأسر القلب .... بينما تمزح و تضحك مع الفتيات من خلف كتفك ...... )
عبس عاصم وهو يقول
( اي فتيات ؟!!! ........ تقصدين صديقة حنين ؟!!! ...... لقد صنفتها كحنين طالما هي صديقتها .. اي لا تتمي لخانة الفتيات ....لكن لو كانت جميلة ........ انتظري لأتحقق منها من النافذة ..... )
و بالفعل اتجه الى النافذة الا ان صبا هتفت بغضب و هي تضرب الارض بقدمها
( توقف يا عاصم ...... هذا ليس مضحكا ........ )
لكنه كان قد اقترب منهامدققا وهو يقول بحذر
( هل أشم رائحة غيرة !!!! ...... ياللهي !!!! ..... هل انقلب العالم و باتت بنت المستشار تشعر بالغيرة كالزوجات الطبيعيات ؟!! ....... )
قالت صبا بوجه مخبر شرطة مخضرم
( هذا ليس مضحكا ...... تماما كما لم تكن مضحكا و أنت تمزح مع الفتيات ..... )
قال عاصم مندهشا وهو يلوح بيديه
( فتيات !!! ...... هل جعلت منها فتيات مرة واحدة ؟!!! ...... المسكينة تكاد تذوي من شدة الهزال , ربما لو مكثت معنا و تناولت اصبعين من محشو أمي لكان وزنها قد زاد قليلا .... )
اتسعت عينا صبا بصدمة و هي تقول بصوتٍ واهي
( هل تحققت من جسدها ؟!!! ............. )
عقد عاصم حاجبيه وهو يقول مبتسما
( حقا ؟!!! ....... هل هي هزيلة بالفعل ؟!!! ....... لقد تطورت مهارتي مع العمر ..... )
فكت صبا ذراعيها و هي تتجاوزه مندفعة .... لكنه قال بهدوء مناديا
( يا بنت السلطان ......... )
توقفت صبا مكانها ... ثم استدارت اليه بوجه ٍ مصدوم الخاطر .....
فقال عاصم مبتسما
( حضري لي الحمام ...... من فضلك ......... )
ظلت تنظر اليه بقسوة .... قبل ان تندفع صاعدة السلم و هي ترفع طرف عبائتها ... فانكشفت له ساقها البيضاء القشدية .... فرفع حاجبه وهو يقول بخفوت
( آه يا بنت السلطان ..... نسبة القشدة تزداد بكِ يوما بعد آخر .... حتى أصبحتِ كاملة الدسم و الحلاوة ... )
.................................................. .................................................. ...................
خرجت صبا من الحمام بعد أن حضرته ... و هي لا تزال غاضبة و متألمة .....
لكنها تسمرت مكانها و فغرت شفتيها بألم مضني ..... و هي ترى عاصم يجلس على حافة السرير عاري الصدر بعد أن تخلى عن قميصه ..... و ضحكاته تملا وجهه فتزيده وسامة .... وهو يحمل نوارة بين ذراعيه بعد ان سرقها من امها ليلاعبها بحماقة .... بينما هي تقهقه بعنف حتى كادت ان تسعل .....
تراجعت صبا مذبوحة القلب الى ان اصطدمت بالحائط و هي تراقب المشهد الأجمل في الحياة .... و الأكثر عذابا على الإطلاق .....
نظر عاصم خلفه قليلا ليراها واقفة ملتصقة بالحائط ... دون أن يتحقق من ملامحها ..... فقال بسعادة
( اتعرفين أن تلك الصغيرة تزداد شبها بك كل يوم أكثر من أمها !!! ..... لقد أخذت خضار عينيك العسليتين و شعرك الذهبي الداكن ...... أتذكر أن أحنين كانت تتوحم عليك .... كانت تجلس أمامك و تحدق بكِ تركيز لفترة طويلة كما طلبت منها أمي ...... و بالفعل جاءت الصغيرة لتشبهك تماما ...... و لنفس السبب كانت تتجنب النظر الى حور ........ )
حين ظلت صبا صامتة .... التفت اليها عاصم .... ليصطدم برؤية وجهها الشاحب المطعون بملامح الألم ....
شعر عاصم بألمها يتسرب عبر عروقه ..... فالتو فكه قليلا .... و أنزل نوارة لتحبو على الأرض .... قبل أن يقول دون أن ينظر الى صبا
( تعالي يا صبا و دلكي لي ظهري رجاءا ..... عضلاتي باتت تؤلمني بشدة )
تركت صبا المنشفة من يدها .... و اقتربت ببطىء من السرير حتى تسلقته و جلست خلفه على ركبتيها و أخذت تدلك له عضلات كتفيه و ظهره ..... بينما أغمض عينيه متأوها براحة ... ليقول
( ماذا أفعل بدون يديك يا بنت السلطان ؟!!! ..............)
قالت صبا من بين شفتيها المتكورتين
( تمزح مع الفتيات الأخريات .......... )
ابتسم دون أن يفتح عينيه ليقول ببساطة
( و ما حاجة الرجل الى الحليب منزوع الدسم وهو يمتلك القشدة بالكيلو ......)
توقفت صبا قليلا و هي تقول بامتعاض
( هل من المفترض أن أشعر بالزهو لغزلك هذا ؟!!!! ..........)
لم يرد عاصم ...... لكنه مد ذراعيه خلف ظهره فجأة ...ليجذبها من خصرها حتى لفها حوله و أسقطها على حجره ..... بينما قال لعينيها الجميلتين
( سأعلمك الزهو بغزلي يا بنت السلطان ......... و لو طالت بنا السنوات .....)
هتفت صبا بقلب يرتجف
( نوارة يا عاصم ....... عيب .......)
الا أن عاصم كان ينهل من شفتيها الشهيتين بقوةٍ مريعة وهو يقول بخشونة
( لقد اعتادت على ذلك من والديها ......... تبا لذلك لا اتدعيني أخطىء القول .... أمها ابنة عمي و لا يصح ما أقوله ......... )
همست صبا بحنان و هي تحيط عنقه مستسلمة لقبلاته
( لقد دخلت تحت السرير في كل الأحوال ........... )
ابتسم من بين قبلاته المجنونة ..... وهو يهمس بخشونة
( جيد ...........)
قالت صبا بصعوبة و هي تحارب جنونه
( لا تكن مجنونا يا عاصم .... قد يسقط السرير فوقها لا سمح الله ......)
همس عاصم بخشونة
( أمي ستعلن حالة الإستعداد القصوى للغذاء خلال نصف ساعة يا بنت السلطان ...... هلا تركت السرير و اهتممت بالمضمون ..... ألم تتعلمي شيئا منطقيا في دراستك يا بنت المستشار ؟!!! ......)
تخللت شعره بأصابعها و هي تهمس بجنون عشقها
( تعلمت أن الحب قانون .... يسري فوق الجميع ..... يا سلطاني .... و عشقي الوحيد ... )
.................................................. .................................................. ......................
نظرت وعد الى هاتفها بصمت في الظلام ..... قلبها يهفو اليه .... و الجوع اليه بداخلها ينشب مخالبه بكل قسوة
الا أنها نذرت نفسها لحل مشكلة ملك .....
أرجعت رأسها للخلف و هي تغمض عينيها ..... لقد كان بينهما خطوة .... خطوة واحدة كانت لتخطوها و تعدو اليه .......لكن بعد أن عرفت بما حدث لملك ..... بات الطريق بينهما طويل .... و هي تشعر بأن كل منهما يحمل جزءا من الذنب
رفعت وعد الهاتف الى أذنها .... و طال الرنين بينهما ..... و قلبها يقصف معه منتظرا سماع صوته
الى أن رد أخيرا بصوته العميق
( وعد ............)
ابتسمت بألم .... مجرد اسمها يعد قصيدة غزل من بين شفتيه
قالت أخيرا بخفوت
( كيف حالك يا سيف ؟؟ ..........)
ساد صمت قليل قبل أن يقول بخفوت
( أنا بخير ....... كيف حال ملك ؟؟؟ ......)
أبتلعت غصة في حلقها .... لم يفتها أنها سألت عن حاله ... بينما سألها عن حال ملك ..... لكنها قالت بخفوت هامس
( إنها بخير ....... انها معي الآن .... )
قال سيف بخفوت
( جيد ..............)
ساد الصمت مجددا قبل ان تلتقط انفاسها لتهمس باختناق
( سيف ...... لقد تنازلت عن دعوى الخلع و انا آسفة جددا على كل ما ارتكبته من حقارة تجاهك ..... لكن الآن بات مستحيلا أن أشعر بالسعادة حتى ....... )
قاطعها سيف قائلا بخفوت
( لا داعي لكل ذلك يا وعد ....... لم يعد له اهمية ...... )
عبست قليلا و هي تهمس بصوتٍ يائس
( حقا ؟!!! ......... كنت أظن أن ......... )
الا أنه عاد ليقاطعها بخفوت اخترق الموجات بينهما كسهم ناري نفذ الى أذنها و أحرق قلبها
( لقد طلقتك اليوم صباحا يا وعد ........... )
↚
( لقد طلقتك اليوم صباحا يا وعد ........... )
للحظات لم تشعر بأطرافها .... و كأنها انفصلت عن جسدها و طفت بعيدة , تراقب نفسها ...... و هي تقف جامدة .... تحاول التقاط اشارة ما تعيدها للحياة .....
ساد صمت غريب بينهما , فقال سيف بخفوت قلق
( وعد ........ هل ...... أنتِ بخير ؟ )
رمشت بعينيها عدة مرات ... و فغرت شفتيها تتنفس ما يضمن لها بعض الحياة مؤقتا ... ثم قالت بصوت غريب على أذنها
( نعم ...... نعم ....... بخير ....... )
كان حوارا مهذبا .... مضحكا بمأساوية ........ فقال سيف بعد عدة لحظات بصوتٍ أكثر خفوتا ,
( هذا ما أردته .......... اليس كذلك ؟.... )
ابتلعت ريقها و هي ترفع رأسها قليلا ... تحاول التنفس بطبيعية ... ثم أسرعت تقول بفتور
( نعم ....... نعم ...... شكرا ...... )
ساد صمت طويل هذه المرة .... بينما هي تتشبث بهاتفها تنظر حولها قليلا و كأنها تبحث عن نفسها .....
ثم قال سيف بصوت جامد خافت
( ربما تأخرت كثيرا ....... و ضيعت من وقتك الكثير بأنانية )
ارتجفت لا تعي شيئا مما يقوله ..... لكن تمكن لسانها من النطق منفصلا عنها
( لا ...... لا ....... أبدا ...... لقد كان بيننا العديد من الايام الجميلة )
صدمتها ضحكته الخافتة الخشنة .... و التي بدت كحشرجةٍ حيوانٍ ضاري يحتضر
( لكن على ما اظن أن الأيام المؤلمة كانت اكثر عددا ....... )
نطقت بخفوت و هي تشعر بتجمد أطرافها
( نعم .... ربما ....... لم أعد واثقة ....... )
قال سيف بخفوت بائس
( لا ....... لا تدعي الشك ينتابك الآن , فأمامك طريق طويل و أنت في بدايته ....... )
ابتلعت ريقها بذهول و هي ترمش بعينيها متسائلة ... هل تهذي ام تعيش كابوسا ؟!! ....
هل فعلا انتهى الامر بهذه البساطة و السرعة ؟!!!...... نعم سرعة ...... و كأنهما تزوجا بالأمس فقط .... و كأن الأشهر لم تمر بينهما طويلة .....
قال سيف يقاطع تفكيرها المهووس بخفوت غريب
( تستحقين فراقا اكثر احتراما ..... لكنني تعبت المواجهة ....... لذا فضلت أن ...... )
انتهى صوته .... انتهت خشونته التي خفتت الى أن انتهى صوته دون أن يتابع ... فساد صمت قليل قبل أن يقول بصوتٍ أكثر خفوتا
( وعد ....... هل تعديني بشيء ؟ ...... )
فغرت شفتيها تلتقط نفسا ... لكنها لم تجده , فقالت بخفوت لا تزال الصدمة بادية عليه
( نعم ...... طبعا ........ اي شيء ....... )
صمت قليلا ..... ثم قال بصوته العميق و الذي بدا كهمس خافت أجش
( عديني أن تكوني بخير دائما ......... )
ظلت صامتة قليلا .... تنظر بعينين متسعتين أمامها بينما صدرها يعلو و يهبط بسرعة مؤلمة حتى رفعت يدها تلمسه بصعوبة علها تهدىء من خفقاته المؤلمة .... ثم تدبرت ضحكة صغيرة جوفاء و قالت بخفوت
( أما قلنا من قبل ... لا وعود ............ )
قال سيف بصوت أجش بدا مختنقا قليلا
( قلتِ للتو بأنكِ ستعدينني بأي شيء ........الا أستحق منكِ ذلك الوعد في النهاية ؟! ... . )
زفرت نفسا مرتجفا كان محتبسا في صدرها الهائج ثم قالت باختناق
( سأبذل قصارى جهدي ............أعدك بذلك )
عاد الصمت ليسود بينهما طويلا ... و كأنهما غريبين لا يجدان وصفا مناسبا يصف ما يحدث .... الى أن قال سيف بصوتٍ له صدى و كأنه تأوه .....
( وعد ............ )
بدأت شفتيها بالإرتعاش ..... و رفعت وجهها لأعلى ترمش بعينيها و هي تحاول التنفس بأعجوبة
الا أنه عاد ليقول بنفس النبرة المترددة عبر الأمواج بينهما
( وعد ........... )
فردت بصوتٍ يرتعش
( نعم ............... )
سمعته يأخذ نفسا أجشا قبل أن يقول بصوت خافت
( سأظل دائما ابن عمتك ..... هذا واقع لن يغيره شيء في العالم , تعلمين ذلك ..... )
امتدت شفتيها المرتعشتين في ابتسامةٍ ملتوية ... الا أنها فشلت فاختفت قبل أن تظهر ...
ثم قالت بصوتٍ مختنق
( نعم ........... تلك هي علاقة ...... لن تنفصم ..... ابدا ..... اطمئن )
ثم اختنق صوتها هي هذه المرة فشهقت شهقة بكاء معتصرة صدرها ... فتأوه سيف وهو يقول بصوت معذب خافت
( وعد ............. )
الا أنها قالت بسرعة و هي تكتم فمها بيدها بينما الدموع تنساب من عينيها بغزارة
( يجب ان اذهب ........... )
و اغلقت الخط مع آخر احرف بكائها و نطقه اليائس باسمها ......
لكنها رمت الهاتف على السرير و نهضت من مكانها تتلمس الاثاث ..... تدور بين انحاء الغرفة و كأنها تبحث عن شيء وهمي ... ثم همست من بين نشيج مذهول
( ماذا بكِ ؟! ........ ماذا بكِ ؟! ...... لقد حضرتِ نفسك لهذا الألم طويلا ..... ماذا بك الآن ؟!! .... )
وقفت مكانها و هي تغمض عينيها محاولة السيطرة على نفسها و ملامحها .... تحاول تقوية نفسها ...
لكن حين شعرت ان ساقيها غير قادرتين على حملها طويلا .... ارتمت على السرير و هي تدفن وجهها بين اغطيته لتفجر كل انهار دموعها بعدد كل حجرٍ بنته في الحائط بينهما على مدى الاشهر الماضية .....
سمعت صوت رنين هاتفها يتواصل ملحا ..... و كانت تعلم علم اليقين انه هو .... لكنها لم تستطع ان تسمع صوته و هي تعلم انه لم يعد لها ..... تلك النبرة العميقة لم تعد لها ..... لم تعد تخص أذنيها
حتى الآن لا تزال غير مصدقة .....
( وعد .......... لماذا تبكين ؟!! ...... )
أغمضت وعد عينيها على صوت ملك الخافت الخائف عند الباب .... لابد أنها أتت على صوت شهقاتها المختنقة ....
صمتت وعد و ابتلعت دموعها بصعوبة خانقة دون أن ترفع وجهها .... فاقتربت ملك لتشعل الضوء ....
و دخلت اليها مترددة .... ثم قالت بخفوت
( وعد ...... ماذا حدث ؟!! ........ )
ظلت وعد صامتة تحاول السيطرة على نفسها ثم قالت اخيرا بصوت مخفي بين الأغطية و الوسائد
( لم يحدث شيء يا ملك ...... فقط اتركيني قليلا ...)
ظلت ملك واقفة مكانها قليلا ..... ثم تحركت في اتجاهها الى أن جلست على حافة السرير بجوار رأس وعد ....
فقالت بصوت يائس
( ملك رجاءا ..... اذهبي الآن ....)
الا أن ملك ظلت جالسة بجوارها .... تنظر اليها بصمت ثم قالت بخفوت
( لا لن أذهب ...... حتى إن لم تستطيعي الكلام )
نظرت ملك الى هاتف وعد الذي ظل يرن بإلحاح ... فمالت تلتقطه لتنظر الى الإسم ... ثم رفعت وجهها الى وعد تقول بخفوت
( إنه سيف ...... الن تردي عليه )
قالت وعد باختناق دون أن ترفع وجهها
( اتركي الهاتف يا ملك .......)
اخفضت ملك الهاتف الى ركبتيها و هي تنظر الى وعد بقنوط .... ثم مدت يدها تتلاعب بشعرها كما كانت تفعل وعد معها ... حينها لم تستطع وعد منع نفسها أكثر بعد ان طال جلوس ملك
فاهتزت كتفيها بنحيبٍ خافت .... دون أن ترفع وجهها ......
تركتها ملك قليلا قبل أن تقول بخفوت
( ماذا فعلتِ به مجددا ثم ندمتِ بعدها ؟؟ .......... )
ابتسمت وعد ساخرة بمرارة من بين دموعها ..... ثم همست بعد فترة طويلة
( لم أفعل أنا شيئا هذه المرة ........ و لن أفعل فيما بعد ......لقد طلقني سيف )
فغرت ملك شفتيها ببطىء ... حتى اتسعت بالكامل ... بينما التمعت عيناها بلون الهلع و هي تهمس دون وعي
( بسبب ما اقترفته أنا ؟!!! ......... )
ظلت وعد مكانها قليلا .... قبل أن تستقيم لتجلس ببطىء متهالك بجوار ملك ... مطرقة برأسها ... شعرها متهدل من حولها كروحها المتهدلة بلا حياة .... أخذت نفسا مرتجفا , قبل أن ترفع يدها لتسمح الدموع عن وجهها بتعب ... ثم نظرت الى ملك بعينين حمراوين .... تتأملها طويلا
رفعت وعد يدها التي لا تزال مبللة بدموعها تتلمس بها وجه ملك الشاحب المصدوم ... ثم همست وعد أخيرا بصوتٍ لا يكاد يسمع
( بل بسبب ما اقترفته أنا ........ أنتِ لا دخل لكِ ...... )
الا أن ملك قالت بارتياع خافت
( لقد أصبح وجودي خزي لأي عائلة كبيرة ..... هل هذا هو السبب ؟؟ ...... )
هزت وعد رأسها نفيا و هي تمد كلا يديها لتمسك بكتفي ملك لتقول بصلابة على الرغم من وجهها المتورم بالدموع ..
( لا تنعتي نفسك بتلك الأوصاف مجددا ..... لن أسمح لكِ ........ )
أرتجفت شفتيها قليلا و هي تتنفس بقوة كي تجلي صدرها المتألم ... ثم قالت بخفوت
( ما بيننا أنا و سيف كان أكثر تعقيدا مما يمكنك استيعابه ...... أنا فقط .....أنا فقط ...... )
مدت ملك كلتا يديها لتحيط بهما وجه وعد و هي تقول بقوة
( تحبيه ....... أنتِ تحبيه ..و تموتين الآن بداخلك . فلماذا تفعلين به و بنفسك ذلك ؟!!.......... )
صمتت قليلا تنظر الي عيني وعد الرماديتين الحمراوين .... فقالت وعد بفتور ميت
( الازلت تؤمنين بما يسمى حبا يا ملك ؟!! ........ )
شعرت ملك و كأن وعد ضربتها بقوة ...... حتى أن ملامحها أجفلت للحظة , ثم انتشر الوجع بداخلها كلونٍ أسود وقع و تشعب في صدرها ملوثا روحها النقية .....
زفرت ملك نفسا نازفا ... لكنها لم تستسلم و هي تقول بصوتٍ متحدي رغم نبرة الألم به
( و أنتِ ؟!! ........ انظري الى عيني و أخبريني أنكِ لا تحبين سيف ....... )
مالت عينا وعد بعيدا عن عيني ملك .... لم تستطع ..... لم تستطع حتى مجرد النظر اليها , لا نطقها !! ....
قالت وعد أخيرا بخفوت مرتجف
( لا داعي لكل هذا الآن ...... لقد افترقت بنا الطرق و انتهى الأمر ..... )
شددت ملك على وجهها بين كفيها و هي تجلس أمامها على ركبتيها لتقول بقوة
( اذهبي اليه يا وعد ..... ليس هناك ما يقيدك .... اذهبي اليه غدا و لو اقتضى الأمر توسلي اليه كي يعيدك .... لكن لا تبقي مكانك هكذا تنزفين حتى الموت ....... )
رفعت وعد عينيها الى عيني ملك .... تنظر بصمت الى قوتها الرقيقة الغريبة على الرغم من كل ما تمر به .....
توقف رنين الهاتف ..... لتصل رسالة صوتها شق السكون القاتم بينهما .....
نظرت وعد الى الهاتف بصمت و ألم .... لكن ملك هي من تناولت الهاتف و فتحت الرسالة لتقرأها بصوت خافت لكن مسموع لدرجة اخترقت كيان وعد
( هل أنتِ بخير ؟؟ ........ أجيبيني )
رفعت ملك وجهها الى وعد و مدت اليها الهاتف تقول بقوة
( ردي عليه ..... طمئنيه ....... اطلبي منه العفو ........ )
ظلت وعد تنظر الى الهاتف طويلا بيأس قبل أن تلتقطه و ترد برسالة أخرى.... فالكتابة أكثر سهولة من أن تنطق أمامه حاليا......
فكتبت سريعا ترد
( أنا بخير ....... لا تقلق )
وصلها الرد بأسرع مما تتخيل
( أريد سماع صوتك ........... )
أرتجفت بشدة .... و التاع قلبها أكثر ... فابتلعت غصة في حلقها باختناق و هي تكتب ترد بأصابعها المرتجفة
( لا أستطيع الآن ....... لا تقلق , هل كنت أستطيع الكتابة لو كان قلبي العليل قد انهار ؟!! ....)
ارسلت الرسالة .... فساد الصمت لفترة طويلة .... و تأخر الرد .... و كانت تعرف أنها تضغط على نقطة ضعفه ..... مرضها ..... لطالما كان هو الآخر ضعيفا تجاهها ....
رمشت بعينيها عدة مرات ..... منتظرة بقلب خافق ... و هي تهمس بداخلها
" أعلم أنني فعلت الكثير ......و آخر مواجهة بيننا كنت شديدة الدناءة ......لكن لا تتركني الآن ....أرجوك "
حين هاتفته منذ قليل .... كانت تخبره بانها تنازلت عن دعوى الخلع ... ناوية ان تطلب منه ان ينتظرها قليلا الى ان تحل مشكلة ملك .....
لم تكن تتخيل انه تعب هكذا و استسلم سريعا ...... ....
لقد جرحته و اهانت رجولته اكثر من مرة ... علنا ... و فيما بينهما ..... لكن .... لكن ....
لكنه يحبها .... الا يغفر ... و يتفهم ؟؟ .........
وصلتها الرسالة فانتفض قلبها و رفعت الهاتف بكلتا يديها الى وجهها تنظر اليه بلهفة و قرأت الرسالة
( أتمنى لكِ كل الخير يا وعد ....... فقط تذكري أن ابن عمتك موجود .... و بيت عمتك مفتوح لكِ و لملك دائما .......)
فغرت وعد شفتيها و هي تقرأ تلك الأحرف المتناثرة أمامها ... و قد بدأت تتباعد و تتمواج بين أمواج غلالة دموع عينيها ...... حتى سلاحها الضعيف لم يعد يؤثر ليأتي به جريا اليها .......
سقطت يدها بالهاتف على حجرها بصدمة ...... لقد انتهى ما بينهما ...... أخيرا ........ و للأبد ......
لكن بعد أن ربطها بعشق ٍ أقسمت الا يضعفها يوما ...... و ها هي نكثت بقسمها .......
رفعت عينين متوسلتين الى ملك تسألها العون .... فجذبتها ملك الى صدرها و هي تلمس شعرها .... تاركة لها الفرصة كي تبكي بألم ... بينما ملك تهمس لها بخفوت
( لدي يقين أنها ليست النهاية ......... اذهبي اليه يا وعد .........)
أغمضت وعد عينيها و هي تضم خصر ملك اليها ..... تشعر بأن الدائرة تتسع من حولها لترميها بين أمواجٍ أكثر علوا من تلك التي كانت تظنها عالية قبل دخول سيف الى حياتها .......
.................................................. .................................................. ....................
ترك سيف هاتفه بجواره و هو ينظر أمامه بوجه قاتم .... فاقد الرغبة في الحياة ......
لقد خرجت وعد من حياته بعد صولات و جولات .......
نظر حوله الى غرفتها ... و هو يجلس على حافة سريرها ........
فنهض من مكانه وهو يشعر بالإختناق .... حتى أنه فك أزرار قميصه الأولى ... و تحرك مجهدا بصعوبة الى الأن استند بكفيه الى طاولة زينتها الصغيرة ... مخفضا رأسه وهو يحاول جاهدا التنفس دون الم
كان طلاقها يبدو و كأنه انتزاع اللحم من جسده .... و امتصاص الدم من وريده
رفع رأسه عاليا لينظر الى المرآة القديمة أمامه قبل أن يصرخ فجأة بوحشية
( تبا ..........)
ثم ضرب المرآة بقبضته فتهشمت بشكل سرطاني ... جعل من وجهه مشوها
بينما تركت قبضته خيطا دمويا بين تعرجات الزجاج المحطم ....
ظل ينظر الى وجهه المحطم المجزء بعينين قاتمتين ..... لا يصدق أنه سيف الدين فؤاد رضوان ذلك الذي تملكه امرأة بتلك الصورة المخزية .....
لم يصدق أن تسرقه لتلك الدرجة .... درجة أن يقبل منها الجرح و النفور و الرغبة في الإبتعاد و التحرر و كأنه لم يساوى لديها أكثر من تذكرة مرور لعالم أرقى و أفضل ....
استدار على عقبيه وهو يراقب غرفتها ربما للمرة الأخيرة ......
فرقت عيناه المظلمتان وهو يتذكرها تخرج من تلك الغرفة الى الرواق .... مرتدية منامتها الوردية الباهتة .... و شعرها المشعث حول وجهها ....
تراقبه بنظراتٍ حذرة كارهة .......
يومها علم ان تلك الفتاة دخلت قلبه دون اذن .... ودون حتى رغبة منه ........
تحرك ببطىء .... غير آبه لكفه المجروحة ...... وهو يتفقد باقي المكان ....
ذلك البيت الذي كان بالنسبة له دائما جحر الكره و الرغبة في الاذى .....
بات الآن محراب يأتي اليه ليتذكرها .... ليبثها حبه .... و يتذكر لحظات عشقهما الذي كان قبل ان تنطقه الألسنة ......
لقد انكسر آخر ما بينهما ليلة المعرض ..... ووضعت كلمة النهاية .....
لذا كان عليه الرحيل بآخر ما يمتلكه من كبرياء ......
لم يتخيل أبدا أن يستطيع فعلها ..... أن يطلقها و دون حتى أن يمتلك الجرأة على النظر الى عينيها .....
لكن وعد علمته الإنسحاب حين لا يكون له مكان بعد الآن ......
ليعود الى مكانه الذي تركه بكل انانية ...... الى بيته ..... شقيقتيه ووالدته .....
و الذي كان يوما ما سندا لهن ..... لدرجةٍ جعلته ينبذ الماضي بكل آلامه كي يركز على حمله الثقيل في الحياة بعد وفاة والده ...... فأصبح لهن الأب قبل الأخ و الإبن
لكن وعد دخلت حياته فأعادته بكل قوة للماضي .... مضيفة حبها الى المزيج البائس .....
حتى غاب عن تلك الحياة الطويلة التي بناها بأصابعه و أظافره ....
ليلة المعرض و بعد أن نال منها الضربة الأخيرة لكرامته و الطاعنة لحبه .......
عاد لبيته مهزوما .... محنى الكتفين و ممزق القلب .......
شعر فجأة حين اندفعت اليه كل من والدته وورد بأنه لم يراهما منذ سنواتٍ طويلة ..... طويلة جدا .....
بينما هو في الواقع لم يتركهما سوى لأيامٍ قلائل .... لكن منذ دخول وعد الى حياته وهو يبتعد و يبتعد ... و ينغمس في دائرة لا فرار منها .....
كان واقفا يضم أمه اليه ...... وهو ينظر الى ورد بصمت شارد .... ينظر الى ملامحها الجامدة .... و عينيها اللتي تشبه عيون النمور و التي كانت متعبة .... و .... يائسة ......
كان شكلها أكبر من سنها .... أول مرة يراوده هذا الشعور وهو ينظر اليها صامتا ....
و تسائل بنفسه ..... كم عمرها كي يزيده بالتأجيل فيما يخص أمر خطبتها يوما بعد يوم ؟!!!!!
هل كان أنانيا الى تلك الدرجة ؟!!!!
أغمض عينيه حينها لحظات ....قبل أن يتسائل بخفوت بداخله
" أين كنت يا سيف ؟!!! ....... أين ابتعدت طويلا عن الحياة الطويلة التي شقيت بها الى أن بنيت ما بنيته !! "
أفاق سيف من أفكاره وهو ينظر مرة أخيرة الى بيت وعد ...... قبل أن تتصلب ملامحه و ينتفخ صدره ... ليوصد الباب خلفه ..... و يوصد قلبه بقوةٍ على هذا الماضي .... ماضيه مع وعد .....
.................................................. .................................................. ...................
طرق سيف الباب .... قبل أن يسمع صوت ورد يأتيه بجمود .....
ففتح الباب و دخل ..... توقف لحظة , ينظر اليها و هي تجلس على سريرها ... متربعة تقرأ بكتاب بينما شعرها مجموع خلف وجهها تشده بكل قوة ... مما زاد وجهها حدة .....
رفعت وجهها اليه و هي تراه واقفا ينظر اليها بشرود .... فقالت بحيرة
( لماذا تقف هكذا ؟!! ......... )
ابتسم قليلا دون مرح وهو يقول بخفوت
( أنظر اليك ....... ممنوع ؟!! ..... )
قالت ورد بفتور و هي ترفع حاجبا غير مرتاح .....
( منذ متى تحب النظر الي ؟!! ......... )
ابتسم أكثر قليلا وهو يقترب منها ببطىء الى أن جلس بجوارها على حافة السرير .... مائلا الى الأمام
يستند بمرفقيه الى ركبتيه .... يشبك أصابعه و ينظر اليهم ........
ظلت ورد تنظر اليه بصمت طويلا .... قبل أن تترك الكتاب بجوارها و تستقيم قليلا قائلة
( خير اللهم اجعله خير ...... فاجئني ..... )
لم ينظر اليها سيف .... بل ظل ينظر الى أصابعه المشبكة طويلا .... ثم قال أخيرا بصوتٍ ميت
( لقد طلقت وعد اليوم ............ )
قفزت متوهجة الوجه فجأة .... عيناها تبرقان و هي لا تصدق ما سمعته للتو ..... لكن النظر الى وجهه كان أكبر تأكيدا على ما اخترق أذنها .... و دون وعي منها اطلقت أكبر زغرودة في حياتها .... بل الوحيدة على الإطلاق ......
انتفض سيف وهو ينظر اليها مذهولا .... غير مصدقا لما يسمعه ..... لا يكاد يصدق أنها أخته ورد التي تزغرد و كأنها عروس سعيدة .....
ضاقت عيناه بمشاعر منتفضة .... قاتمة .... بينما انقبض قلبه بشدة .....
و ما أن استطاع الكلام حتى صرخ هادرا
( ورد !!!! ...... توقفي ....... )
أخذت نفسا قويا و هي تحاول جاهدة السيطرة على فرحتها القوية .... ثم نظرت اليه تواجه عينيه بعينيها المتوهجتين .... فصرخت بسعادة لم تستطع أن تخفيها
( ماذا ؟!! .......... لقد استأصلت الشر من بيتنا أخيرا ......هل تلومني ؟؟!!!. )
ضاقت عيناه اكثر .... و انعقد حاجبيه اكثر و اكثر .....
ثم هدر بقوة و غضب
( الا تملكين بعضا من الشعور يا ورد ؟!! ........)
برقت عيناها بشر قليلا .... و هي تطالع عينيه , قبل ان تقول بهدوء
( الا أمتلك بعض من الشعور ؟!! ....... نعم أمتلك يا سيف ..... أمتلك كرها قديما لذلك الرجل الذي تسبب في مرض والدي و موته ... و سرقتنا .... و في النهاية اجبار أمنا على أن يمتلكها رجل آخر .... )
صمتت قليلا و هي تلهث من شدة الحقد ...... ثم رفعت يدها الى أذنها و هي تقول بصوت مشدود متألم
( أما عن اصابتي فأتنازل عن ذكرها ..... فهي لا تقارن بباقي الضرر الذي تسبب به .... )
نظر أمامه وهو يحاول أن يلغي ذكرى مريرة من عقله ..... ثم قال بصوتٍ ميت
( و ما ذنبها وعد ؟!! ....... لماذا تكرهينها حتى تتشفين بطلاقها لهذه الدرجة ؟!! .......)
صمتت قليلا و هي تراه غريب الشكل .... قاتم العينين .... ولوهلة شعرت بأن الخطوط قد ازدادت حول زاويتي فمه ..... أنه يتألم .... و بشدة .....
تسائلت ورد عن ذلك الحب ..... و تسائلت بجنون لماذا تشعر بشعور غريب ... يختلف عن الكره و الحقد المرير .... شعور يشبه الغيرة .....
تغار بشدة من تلك العلاقة الغريبة بين سيف ووعد ..... التي تكاد تكون سحرا ... رمته وعد من حوله و أسرته بها ......
لقد ضاعت أجمل سنوات عمرها .... و لم تجد مثل تلك العلاقة ......
الا أنها هزت رأسها قليلا من تلك الأفكار المجنونة .... و قالت بخفوت
( لماذا طلقتها اذن ؟!! ..............)
رفع وجهه ينظر اليها بصمت دون جواب ..... فقالت بفتور واثق
( لأنها آذتك ..... ليست مرة ... و لا مرتين ....... و قد حذرناك كلنا من قبل ..... لكنك لم تستمع الينا ...)
قال سيف بصوت خافت
(سعيدة لما أصابني يا ورد ؟!! ........)
اتسعت عيناها فجأة و فغرت شفتيها .... توقفت كل مشاعرها في لحظة واحدة و هي تنظر الى مبلغ ألمه ....
فقالت بصوت باهت
( أنا يا سيف ؟!!! ....... )
أطرقت بوجهها قليلا و هي تتنهد بألم .... قبل أن تعاود النظر اليه بصمت ثم قالت
( ما فائدة الكلام الآن ؟!! ..... ألم تطلقها عن اقتناع ؟!! ..... لماذا تعاود الى القاء اللوم على الجميع اذن ؟!!)
زفر سيف بقوة و هو يرفع يده الى جبهته .... ثم أغمض عينيه وهو يقول بصوتٍ أجوف متألم
( أنا أحبها يا ورد ...........و حبها يؤلمني .... بشدة ... )
سكنت ورد مكانها تماما .... و هبط كتفاها و هي تنظر اليه بصدمة ... فاغرة شفتيها قليلا ... قبل أن تقول بخفوت و رهبة
( ياللهي !!! ........... )
اقتربت منه على ركبتيها الى أن صارت ملاصقة له ... فضمت كتفيه اليها قبل أن تريح رأسه الى كتفها و تمشط شعره قليلا قائلة بصوتٍ جاف
( من تكون تلك التي تخذلك لتلك الدرجة ؟!! ........ )
قال سيف بصوتٍ أجوف غريب
( و أنا أيضا خذلتها من قبل ...... كثيرا ..... )
تنهدت ورد و هي تريح جبهتها الى رأسه قائلة بهدوء
( على الأقل كانت لديك الرغبة لتقييدها بك مهما بلغت كارثية العلاقة بينكما .... لو أحبتك يوما , لتمسكت بك على الرغم مما نالها منك .... مثلما فعلت أنت أكثر من مرة ..... )
رفع رأسه ينظر اليها بعينين مطعونتين ... قبل أن يقول بصوتٍ باهت
( اعترفتِ أخيرا بحبي لها ......... )
ابتسمت ورد ابتسامة شاحبة قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( يكفي أن أنظر الي عينيك الآن يا سيف ..... أنت تتألم لدرجة لم أرك عليها منذ وفاة والدي ..... )
التوى فمه قليلا .... محاولا الابتسام , الا أنه خسر أمام وجعه .... فقال بصوتٍ أجش
( ورد ...... وعدتها أن بيت عمتها سيبقى بيت عائلتها دائما , فهلا قبلتِ بذلك رجاءا ...... لقد انتهى زواجنا ... و لم يعد هناك خوفا من أي شيء ..... )
أظلمت عيناها و هي تزم شفتيها بيأس ...ثم هتفت بقوة
( هذا ما تظنه أنت ........ لا تترك لعلاقتكما أذيالا يا سيف .... كن حادا في بتر الطرف الذي يضعفك ... )
نهض سيف من مكانه بغضب وهو يقول بقوة
( إنها ابنة خالي مهما حدث يا ورد ..... و لن أكون من الرجولة لو أغلقت باب بيتي في وجهها بعد وفاته ... إنها لا تمتلك أحدا ... بخلاف ملك ..... )
نهضت ورد من مكانها و هي تهتف بغضب
( حين طلبت مني رعاية ملك فعلت ذلك مرغمة ...... لأن لا حد لها ... خاصة بعد تفضل السيدة وعد بتركها و السفر بعيدا حتى حدث لها ما حدث .... لكن أن نهتم بوعد مجددا فهذا مستحيل .... انها لم تترك فردا في هذا البيت الا و تسببت في أذيته .... )
صرخ سيف وهو يلوح بذراعيه عاليا بغضب
( ونحن فعلنا المثل يا ورد ..... على الأقل نحن أسرة ... قوتنا أكبر .... لكنها كانت تحاربنا وحيدة ... ضعيفة ...... )
صرخت ورد في المقابل بغضب
( و لماذا كل تلك الحروب طالما أنك منحتها حبك ؟!!! ..... لكنها رفضته ..... رمته و داست عليه ..... )
صرخ سيف بوحشية مجنونة وهو يدور على عقبيه
( ليس صحيحا ....... إنها لم تحب رجلا غيري ........ إنها ...... )
صمت قليلا يلهث بقوة ... وهو ينظر الى ورد بيأس و غضب و عذاب ... ثم تابع بصوت ميت باهت
( إنها لا تريد ما يضعفها مجددا ...... و أنا لم أعد احتمل ما يريق كرامتي أكثر ..... )
تنهد بتعب وهو يقول بصوتٍ خافت
( و ليس هناك ما يوجع الرجل أكثر من زوجة رافضة ..... تكره حبها له في كل لحظة ..... نقطة نهاية السطر ..... )
صمت ينظر الى الأرض بوجهٍ شاحب ثم تابع بخفوت
( انتهى الأمر ....... كان حبا ضعيفا فانتهى .... سريعا ..... )
ضحكت بسخرية مريرة دون صوت و هي تنظر اليه .....
من يحاول أن يقنع المسكين الأحمق ؟!!! ...... الا يرى نفسه ؟!!! ..... يسمع صوته ؟!!! .......
لكنها لم تتكلم .... عله ينهي هذا الموضوع فيرتاح قليلا .... لكن هيهات
رفع سيف رأسه ينظر اليها طويلا ..... ثم قال بخفوت
( ورد ............ )
رفعت حاجبها عاليا ثم قالت بتشكك
( خير ؟!!!!!!!! .......... )
تنهد سيف بتعب قبل أن يقول بصوتٍ خشن مختنق
( لقد أخبرت وعد بخبر طلاقنا منذ قليل ....... لقد .... بدت متعبة جدا ..... و أنتِ تعلمين أن صحتها ليست على ما يرام ...... )
رفعت ورد حاجبيها أكثر و هي تقول بحذر
( و ؟!!!!!!! ............. )
تنهد سيف مرة أخرى حتى أوشكت أزرار قميصه على أن تتطاير دون شك ... لكنه قال بصوتٍ لا رجعة به
( أريدك أن تذهبي اليها صباحا ...... بأي حجة ..... أريد أن أعرف حالها و اطمئن عليها ..... أنا لن استطيع فعل ذلك بنفسي حاليا على الأقل ..... فلو رأيتها ل .........)
فغرت ورد شفتيها و هي تكمل العبارة عنه
( لتراجعت ......... اليس كذلك ؟!!! ...... ياللهي ماذا بها تلك الهزيلة نحيلة الكاحلين ... منحوتة الوجه جاحظة العينين .... ابنة عبد الحميد .... خريجة دور ال ....... )
كانت تلهث بغضب و هي تعدد عيوب وعد الا ان سيف هدر قائلا وهو يرفع سبابته محذرا
( اياك ان تكمليها يا ورد ....... اياك ...... تعرفين علم اليقين على من يقع الذنب .... وليس عبد الحميد وحده .......)
صمتت ورد تضغط على أسنانها بقوة .... بينما كان سيف ينظر اليها بغضب ... و بينهما حرب صامتة
أنهاها بأن قال مشددا على كل حرف
( و تعلمين أيضا ..... أنها جميلة ......... فلا تهيني جمالها أمام رجلٍ أحبها ......)
مطت شفتيها جانبا و هي تضع يدا فوق الأخرى لتقول بلهجةٍ ممطوطة
( يا حبيبي !!! .............)
قال مجددا بقسوة مختنقة رغم فظاظة نبرته
( ورد ..........)
لكنه صمت عن تهديده وهو يعلم انه يحتاج لها في خدمة جليلة .... فقال بصوتٍ متعب
( هلا ذهبتِ اليها يا ورد بأي حجة ....... هذا رجاء خاص مني .... أريد فقط التأكد بأنها بخير ..... )
زفرت ورد بشدة و هي تنظر اليه قائلة بغضب
( أنت تطلب المستحيل يا سيف ........... انظر اليك ... أخى الوحيد و تتعذب بسببها ... فكيف أستطيع الذهاب اليها للإطئنان على جنابها ؟!!! ...... أنا أكرهها .... صدقني ..... )
نظر اليها سيف بصمت طويلا ..... قبل أن يقول بصوتٍ خافت قوي
( أنا سأذهب اليها اذن ..... و لن اضطر للإنتظار حتى الصباح .... سأذهب اليها الآن ..... )
استدار ليخرج من الغرفة ... الا أن ورد هجمت عليه لتتشبث بذراعه و هي تهتف بغضب و قسوة
( انت تتحجج يا سيف ..... تريد فقط أن تراها .... أن تخر تحت سحرها مجددا .... تذكر رغبتها في الإنفصال عنك .... تذكر فضيحة قضية الخلع ..... الا تتحلى ببعض الكرامة ؟!! .... )
وقف سيف مكانه و نظر اليها بصمت .... فقالت بخفوت غريب عليها
( هل آلمتك بكلامي ؟؟............ )
قال سيف بصوت خشن صعب النبرات
( كلكمة في المعدة ......... )
قالت بقوة
( جيد ....... اذن تذكر كذلك سفرها دون اذن منك ....... )
اطرق سيف برأسه وهو يضع يديه في خصره .... يتنفس بصعوبة ... و كأن كل نفسٍ من انفاسه كان يشق صدره مخلفا جرحا غائرا .....
قال بخفوت اجش دون ان ينظر اليها
( هل ستذهبين ؟!!! ............... )
زفرت ورد بقوة و هي تنظر اليه ..... ثم قالت بغضب من بين اسنانها
( سأبحث عن حجةٍ مقيتة مثل صف أسنانها المعوج .......... )
رفع سيف وجهه ينظر اليها بغضب فقاطعته وهي تهتف
( و أقسم بالله لو أخبرتني أن أسنانها كصفي اللؤلؤ فلن أذهب ولو احتضرت مريحة العالم من وجودها ....)
لم ينطق سيف .... بل استدار معطيا ظهره الى ورد .... يغمض عينيه لبرهة ... وهو يهمس بداخله بألم
" ليتني قبلها .......فقط لا تنطقي كلمة الإحتضار تلك مقترنة باسمها .... . "
ظل مغمضا عينيه ... يديه بخصره .... يتنفس بقوة .... ثم قال أخيرا ما أن وجد صوته الخشن المجهد
( جيد ......... اجلسي اذن و اخبريني عما تعرفينه عن ملك و ما حدث لها ........ )
.................................................. .................................................. .....................
( علياء حامل .............)
شعرت كرمة فجأة و كأن الأصوات قد اختفت من حولهما ... فوقفت تنظر اليه بعدم فهم ...
تحاول استيعاب ما نطق به للتو بصوته الأجش البائس كمظهره ... فقالت بعدم فهم و هي ترمش بعينيها
( علياء ....... من ؟!!! ......)
هتف محمد وهو يلوح بذراعيه
( علياء يا كرمة ........زوجتي ......)
ظلت تنظر الى عينيه طويلا و كأنها لا تزال تحاول الفهم ... و كأنها تحولت الى غبية فجأة .... أو كأنها فقدت كل مقومات استيعابها ... فهمست
( ك ..... لماذا ..... أعني ... كيف ؟!! .......)
أسقط ذراعيه حتى ضربتا جزعه القوي بيأس وهو يهز رأسه بحركةٍ غير مفهومة ... بينما كانت ملامحه غريبة عنها تماما
و كأنه شخص غريب لم تعرفه قبلا .... هل هو حقا زوجها ... هل كان زوجها ؟!!!
هل غيرته ذقنه الغير حليقة حتى طالت ؟!! .... أم عيناه الحمراوان هما السبب
شعرت فجأة و كأن أفكارها تهذي في دوائر كي تبعدها عن المعلومة الأساسية
" علياء ..... علياء زوجته .... حامل بعد عشرة سنوات !!! .... "
فغرت فمها الجميل و المنحني بعدم فهم حزين .... تحاول النطق الا أنها لم تجد ما هو مناسب كي تنطق به ...
مالت شفتيها بسخرية مريرة ... قبل أن تهمس بخفوت
( مبارك يا محمد !!!!! .......... مبارك .... )
هتف بقوةٍ و يأس ... هتاف رجل يحتضر كوحش جريح
( كرمة !!!! ............ )
انتفضت و هي تسمع صرخة أنينه .... فرفعت وجهها اليه لتقول بعد اتزان
( ماذا ؟!!!! ........ ماذا تريد مني الآن يا محمد ؟!!! .... هل جئت هي تشفي غليلك بنقل الخبر لي ؟!! ... هل هذا سبب الحاحك في الإتصال بي ؟!!! ..... جيد ... لقد وصلت الرسالة ..... )
شعرت فجأة بأن الهواء يسحب من صدرها ببطىء فشعرت بحاجةٍ الى الجلوس و الا ستسقط بفعل هبوط في دورتها الدموية .....
ترنحت خطوة ... فسارع محمد الى امساك ذراعها ... الا أن ذلك كان كافيا كي تنتفض بقوة و تبعد كفه بقوة و هي تهتف غضبا
( اياك أن تلمسني يا محمد ......... ابتعد عن طريقي و عد الى زوجتك ..... و ابنك ... )
لم تدرك ان الكلمة الأخيرة خرجت من بين شفتيها متكسرةٍ باختناق ... فأسرعت لتطرق بوجهها الشاحب كالأموات و هي تسرع الخطا كي تتجاوزه ... الا أنه كان أسرع منها وهو يقف أمامها .. فرفعت رأسها تقول باختناق
( ابتعد عن طريقي يا محمد ..... أنت تتسبب لي في مشكلة قوية باحتجازك لي بهذا الشكل علنيا ... )
نظر اليها بعينين منحنيتين ووجهٍ مائل .... شاحب .....
ثم قال اخيرا بخفوت
( لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي لا يحق لي فيه أن أكلمك .... انظر اليك ..... أمسك يدك ..... لماذا يا كرمة ؟!! ..... لماذا ؟! ..... لماذا فعلتِ بنا هذا ؟!! .... )
اتسعت عيناها و ظهر الشر بهما و هي تصرخ بقوة
( أنا ؟!!! ....... أنا من فعلت بنا ذلك ؟!!! ...... أنا ....... )
صمتت تخنق باقي كلماتها و هي تشعر بالعالم يزداد قتامة أمام عينيها .... ثم رفعت ذقنها لتنظر اليه بقوةٍ على الرغم من اختناق صدرها و هي تقول حازمة
( ابتعد يا محمد بالله عليك ....... ابتعد عن طريقي ...... )
تحركت خطوة تبتعد عنه ... الا أنه استدار اليها يخاطب ظهرها فقال بقوة
( لن ترينني مجددا يا كرمة ..... لقد جئت كي أودعك ..... )
تسمرت مكانها و عقدت حاجبيها و هي تستشعر شيئا غريبا بنبرته ... فاستدارت اليه و هي تميل بوجهها ... ناظرة اليه بدقة .... تحاول فهم انطباعه للمرة الأولى ...
كان مثال البؤس .... صحيح كما رأته في اول لحظة ... لكن الآن بدأ قلبها يخبرها ان هناك امرٍ خاطىء ...
فقالت بفتور على الرغم من الألم الجارح في صدرها
( تودعني ! ........ تتكلم و كأنك .... راحل الى مكان بعيد ...... )
صمتت قليلا و هي تنظر اليه من بعيد على الرغم من قرب المسافة بينهما .... ثم قالت بصوتٍ أجوف
( هل ستأخذ معك ..... زوجتك ...... و تسافر ؟!! ..... )
جزء منها شعر بالخسارة ... و كأنها صداقة قديمة ستنفصم للأبد.... أقوى الصداقات على الإطلاق ....
تلك التي لم تحمل يوما أي نوع من التفاهم .... لكن حملت حبا حقيقيا ذات يوم ... جعل كلا منهما يضحي و يتنازل الى أن بدأ الحب في التصدع تحت ثقل الحمل المتزايد ......
تنهد محمد بتعب وهو ينظر اليها بعينين رجولتين تبكيان دون دموع ... ثم قال
( بل سأتركها و أرحل ........... )
رمشت كرمة بعينيها مرة ... قبل أن تقول بصوت غريب
( تتركها ؟!! ............ هل ستطلق زوجتك ؟!! ...... لماذا ؟!! ..... ألم تخبرني للتو أن حلم السنين قد تحقق و أنها تحمل بأحشائها طفل منك ؟! .... )
كانت تلك العبارة لتي نطقتها للتو مؤلمة بما يكفي .... شعرت و كأنها تقطع أحشائها هي ......
العجيب في الأمر أنها لم تشعر بالنشوى من احتمال تركه لزوجته ..... فشعور أن تلك الزوجة تحمل طفلا طغى على أي شعور آخر .... مرارة بدأت تتجرعها وصولا الى حلقها ببطىء .....
رمشت بعينيها مجددا و هي تهز رأسها لترفع وجهها الى محمد تنظر اليه طويلا .....
قبل أن تقول بخفوت جامد
( أنا لم أعد أفهم منك شيئا ........... )
أظلمت عينا محمد القاتمتين بحبٍ قديم تدركه بوضوح ..... نظرة عشق تسللت الى نظراته المطعونة ...
فنظرت بعيدا عن تلك العينين .... حينها قال محمد بصوتٍ مجهد
( أيمكنني أن أتكلم معك قليلا قبل ذهابي ....... )
نظرت اليه بقوة و هي تهتف
( مستحيل ......... ابتعد ارجوك يا محمد و عد الى زوجتك ... و حاول أن تسعد مع زوجتك بهذا الخبر ..... الرائع .... )
ابتلعت غصة في حلقها ... و حاولت تجاوزه كي تهرب الى بيتها علها تجد الخصوصية الكافية كي تنفجر بكاءا ....
الا أنه سد طريقها مجددا وهو يقول بقوة
( أرجوك يا كرمة ........... أحتاجك لدقائق .... فقط دقائق ضئيلة .... ربما كانت الأخيرة بيننا .... الا يستحق العمر الطويل بيننا تلك الدقائق ؟!! ....... )
ظلت كرمة تنظر اليه طويلا .... لم يكن يخادع .... بل كان منظره مخيفا .... كرجلٍ يحتضر .....
هل تمشي بببساطة و تغادره للأبد ؟!!..... هل تعطيه ظهرها و تبتعد ؟!! .....
لا تعلم لماذا تذكرت في تلك اللحظة .... يوم أن كانت جالسة على المقعد العام ... تبكي ... و معها حقيبة ملابسها المهترئة .....
يومها خرج أمامها من تحت الأرض كفارس ذو درعٍ حامي ..... و لم يتركها بعدها لمدة عشر سنوات ......
أفلا تمنحه بضع دقتائق ؟!! .....
زمت شفتيها بقوة ..... ثم نظرت في اتجاه المصرف على الجانب المقابل .... لو حدث أن رآها حاتم فستكون كارثة .... بل أن كلمة كارثة ستكون قليلة على ما سيحدث .....
أعادت نظرها الى محمدو هي تفكر
" قرري يا كرمة ...... هل تبتعدي .... ام تمنحيه بضع دقائق ؟!! ..... "
أعادت عينيها الى عيني محمد ..... ثم رفعت ذقنها لتقول بلهجة جامدة
( تعال معي ............. )
رقت عيناه بألم .... وللحظة ظنت ان عيناه قد ابتسمتا ابتسامة غارقةٍ بين امواج حزنٍ قاتم .....
لكنها تجاهلت كل اشاراته و سارت امامه .... الى ان عبرا الطريق الرئيسي .... بعد ان وقف جانبها للحظة و تلقائيا مد يده و كأنه ينوي ان يمسك يدها ليعبر بها الطريق كما كان يفعل من قبل ....
الا انها نظرت لكفه بصمت ... قبل ان ترفع عينيها اليه ... فانزل يده ببطىء وهو يدرك انها المرة الاولى التي يعبر معها الطريق دون ان يكون له الحق في الامساك بيدها ....
فاسرعت كرمة تعبر الطريق قبله جريا .... فتبعها محمد مجهد القلب و القوى ... حتى ان اكثر من سيارة اوشكت على ان تضربه وهو غير مباليا بالموت ....
وصلت كرمة الى سور البحر .... فوقفت تنظر الى أواجه المتلاطمة .... و الهواء يطير شعرها المتمواج ...
بينما وقف محمد خلفها .... ينظر اليها و كأنه يرسم لها صورة أخيرة
لتلك الطفلة التي كبرت على يديه هو .... قبل أن يتسبب في افلاتها فطارت منه للأبد ....
و كأنه كان حارسا يحرسها الى أن تذهب لمكانها الذي يليق بها ..... فأي عدل هذا ؟!! ....
تكلمت كرمة أخيرا ... بصوتٍ قوي النبرات ...
( دقائقك تنفذ يا محمد ........ )
قال محمد بصوتٍ مختنق
( الا تنظرين الي ........ ارجوكِ ...... )
استدارت كرمة اليه ببطء و هي تكتف ذراعيها ناظرة اليهِ بوجهٍ جامد الملامح ....
تنظر اليه و كأنما تراه للمرة الاولى .... و كم اختلف شعورها الان عن تلك التي هتفت الى وعد باسى بانها تريد ان تطمئن عليه و تواظب على السؤال عنه ....
شيء ما بداخلها وقع بشدة ما ان سمعت خبر حمل زوجته ......
لكنها نفضت افكارها و هي تقول بلهجة فاترة ...
( لماذا ستترك زوجتك و هي ....... حامل ؟!! ...... )
اطرق محمد بوجهه ينظر ارضا و انحنت كتفيه ..... قبل ن يقول بصوت اجوف غريب
( لست قادرا على التعامل مع الشك الذي نبع بداخلي ........ )
عقدت كرمة حاجبيها بحيرة .... و هي تقول بعدم فهم
( شك ؟!!! .......... )
سرعان ما بدأ انعقاد حاجبيها يزداد تدريجيا ... ثم ارتفعا بدهشة و الأدراك يحالفها سريعا .... فهتفت بذهول
( الشك ؟!!!!! .......... هل تشك أن زوجتك ت ....... )
صمتت فجأة و هي تنظر حولها ... ثم أعادت نظرها اليها و هي تتابع بذهول من بين أسنانها
( تخونك ؟!!! ............. )
رفع محمد عينيه اللذين يملأهما الخزي و قال بصوت متكسر وهو يرفع ذراعيه قليلا قائلا بصوت باهت
( عشر سنوات يا كرمة !! ...... عشر سنوات فقدت فيهم الأمل ..... و ما أن تزوجتها بأشهر حملت طفلا في أحشائها ..... )
فغرت شفتيها تنظر اليه و كأنها تنظر الى مختل عقليا .... ثم سرعان ما هتفت بقوة و هي تلوح بكفيها
( تبا لك ....... ياللهي ....... )
دارت حول نفسها بغضب ثم هتفت مجددا
( لا اصدق ما اسمعه منك ......... انت لن تتغير ابدا )
هتف محمد من خلفها بعذاب
( ماذا تتوقعين من الرجل غير ذلك ؟!! ........ )
عادت لتستدير اليه بقوة و هي تقول من بين اسنانها
( ان يكون رجلا يا محمد ........... )
أرجع رأسه قليلا و كأنها ضربته للتو .... لكنه كان أضعف من أن يجادل ...
فشراسة رجل يشعر بالخيانة تجعل منه ضعيفا ... متخاذلا .....
صمت قليلا ثم دار بعيدا عنها بظهر محني وهو يقول بعذاب
( لم أعرفها الا من أشهر قليلة يا كرمة . كيف لي أن أصدقها ؟!! .... بعد عشر سنوات من فقد الأمل .... )
ظلت تنظر اليه عدة لحظات عاقدة حاجبيها , بينما كان صدرها يغلي بغضبٍ بدا كبركانٍ ثائر ....
ثم قالت بقسوة و شدة
( و أنا لم اعرفها سوى للحظات ..... و لم تنتابني ولو ذرة شك ...... )
هتف محمد ينظر اليها
( لأنكِ لستِ رجلا يا كرمة ....... لا تعرفين كيف ينتابه الرعب في مثل تلك اللحظة .... )
كانت تنظر اليه صامتة تتأمله ثم قالت اخيرا بصوتٍ باهت
( ينتابه الرعب قبل الفرح .... قبل ان يخر ساجدا شكرا لله بعد كل تلك السنوات ... اي رجولةٍ تلك ؟!! ..... هوس الخيانة لديكم بات مقرفا ...... )
ادارت ظهرها له و هي غير قادرة على النظر اليه .... ثم قالت بجمود قاسي
( لقد دمرت عشرة عشر سنوات طويلة بيننا ..... لا لشيء سوى لاثبات تفوقك .... و انك قادر على تحطيمي ..... لم يكن لديك اي سبب مقنع لتدخل امرأة اخرى لحياتنا .... و الان بعد ان افسدت حياتي معك ... تتجرأ على المجىء الى هنا .. كي تودعني و تخبرني بكل بساطة انك ستتخلى عن ذلك الطفل الذي ضحيت من اجله بحياتنا معا حتى قبل ان تعرف عن احتمالية ذلك ....... )
ظل ينظر اليها طويلا .... لطالما كانت كرمة هي قبلته التى يستريح عندها مهما ابتعد عنها و آذاها ....
يطوف حائرا ... ثم يعود لأحضانها ...
الوحيدة التي لم يكن يخجل من أن يعري روحه و كرامته أمامها .....
و هي الوحيدة التي جاء اليها بسره المخزي ......
قال أخيرا بصوت كئيب
( لن أتخلى عن طفلي أبدا ..... لكن ليس قبل أن أتأكد .... و أنا لا يمكنني التأكد الآن .... )
لفت حول نفسها بجنون كي تواجهه و عيناها شرستان .. هائجتان ....
ثم هتفت بذهول عاقدة حاجبيها
( سترحل الى ان يحين وقت التأكد و اثبات انه طفلك ؟!!! .... ستتخلى عنها و هي في امس الحاجة اليك ثم تعود اليها بعد ان تضع طفلها ؟!! ..... و هل ستقبل بك حينها ؟! .... والله لو كنت مكانها لقذفتك بماءٍ كاوي قبل ان تتجرأ على لمس طفلي ...... )
صمتت تلهث من شدة الغضب ... بينما كان محمد مطرق الرأس ... يلهث هو الآخر دون ان يكون قادرا على المواجهة في حالته تلك ..... فقال بصوتٍ رجولي بائس
( ضعي نفسك مكاني يا كرمة ...... أنا اموت كل لحظة منذ ان سمعت الخبر منها .... اخشى أن أجني عليها و أصيبها بسوء في لحظة تهور ...... )
هزت رأسها بعدم تصديق و هي تنظر اليه بغضب ... ثم قالت بذهول خافت
( لهذه الدرجة أنت ضعيف ؟!! ....... لم أعهدك بهذا الضعف من قبل يا محمد !! .... )
قال دون أن ينظر الى عينيها المصدومتين فيه
( أي رجل مكاني كان ليكون بنفس الضعف يا كرمة ....... )
ظلت تتنفس بسرعة و هي تنظر اليه بغضب .... تريد ضربه بشدة حتى تؤلمه ألما يجعله يفيق من الغيبوبة البائسة التي يعيش بها ....
لكنها تمكنت من تهدئة نفسها قليلا .... قبل أن تقول بفتور
( هل سألت طبيبا عن الأمر ؟!! ..... هل أعدت التحاليل القديمة ؟!! ...... هل حاولت أي شيء على الإطلاق قبل تقرر الرحيل ؟!........... )
نظر اليها بعينين مثقلتين قبل ان يقول بصوتٍ واهي
( لم استطع .......اخشى الذهاب .. و اخشى اراقة المزيد من كرامتي امام الطبيب .... اخشى الاجابة .... و لن تكون تأكيدا قويا مهما قال الطبيب ان الامر بات محتملا ..... )
ضيقت كرمة عينيها و هي تهمس بغضب
( ياللهي !! ...... لو تعرف ما أشعر به الآن !! ...... لو تعلم كم ألومك على كل عشرتنا معا التي ضيعتها في سبيل لحظة كرامة زائفة من تلك التي تتكلم عنها الآن ........ )
صمتت قليلا و هي ترى بوضوح أنها قد آلمته بشدة و كأنها قد نثرت الملح على الجرح ....فأجبرت نفسها على الصمت ... لم تكن بمثل هذه السادية مهما بلغ غبائه و انانيته .....
لذا قالت بفتور و هي تعدل من حقيبتها
( اذهب للطبيب يا محمد ..... ربما يمنحك أملا يجعلك تصمد معها الى ان تتأكد حين يأتي الطفل .... )
قال محمد بعينين تنضحان الما
( و ماذا لو أكد لي الطبيب العكس ؟!!! ...... سأقتلها ...... لن يكون أمامي سوى الذهاب اليها و قتلها ... )
فغرت كرمة شفتيها بذهول و هي تهتف بعدم تصديق
( تقتلها ؟!! ..... هل هي دجاجة ؟!! ..... ماذا حدث لك ؟!! ... هل اصبت بالجنون تماما ؟!! .... )
هتف محمد بيأس و غضب
( لو تأكد لي انها خائنة .... لن استطيع الحياة بكرامة الا بعد ان اشعر بدمها على يدي .... )
هتفت كرمة بغضب ....
( نعم ..... انعم حينها بالحياة بكرامة خلف القضبان .....تبا لكل هذا الغباء و الجنون .... )
زفرت و هي تنظر الى البحر طويلا .... قبل ان تقول اخيرا بنبرةٍ جامدة
( لا تذهب يا محمد ........ لا تذهب للطبيب .... فقط ارحل ... فوجودك معها لم يعد السند و الأمان على أية حال .... )
قال محمد بصوتٍ كئيب
( صدقتِ شكي اذن ...... و خشيت ان اسمع نفس الجواب .... أرئيت يا كرمة أن معي الحق في رحيلي ...)
قالت كرمة بصوتٍ بارد كالجليد
( نعم يا محمد ...... معك الحق في الرحيل ........ اذهب )
اغمض عينيه طويلا على صورتها تعطيه ظهرها .... و شعرها يتطاير نحوه .....
ثم قال اخيرا بصوتٍ يصفر كرياحٍ باردة في مكانٍ مهجور
( قد لا أراكِ بعد الآن يا كرمة ........ لذا ...... أريد أن أخبرك ...... أن ... أنني لن أحب امرأة غيرك أبدا ... و أنا آسف .... لكل لحظة ألم عشتها بسببي .... و ها هو القدر يعيد اليكِ حقك و أتجرع أنا أضعافها الآن ...... )
أغمضت كرمة عينيها على ألمٍ حارق ... رفض دموعا غاضبة ... و اعادها لتنساب على قلبها .....
بينما تابع محمد بخفوت ... لمرةٍ واحدةٍ أخيرة
( وداعا ....... حبيبتي )
سمعت كرمة صوت خطواته تبتعد بسرعةٍ قبل أن يتراجع .....
ففتحت عينيها و هي تشهق آخذة نفسها قويا من هواء البحر .... حتى امتلأ به صدرها ...... لكنه لم يكن كافيا لمداواة الألم ...... لم يكن كافيا ابدا .....
.................................................. .................................................. ......................
تنهدت كرمة بتعب .... لقد اسرفت كثيرا اليوم فيما تفعله .... فلقد ذهبت للجامعة و انتهت من محاضراتها .... ثم خرجت منها الى فريدة ....
فاتفقتا على الخروج ... و ذهبت فريدة لتستعد و تبدل ملابسها ..... بينما بقت كرمة مع الصغيرة تلاعبها بصمت ... دون ان تجد القدرة على الضحك و الغناء ككل مرة .....
فأخذت تلاعب شعرها حتى نامت الصغيرة
فظلت كرمة تنظر اليها طويلا ....مستمرة في ملاعبة شعرها ...الى أن شعرت بفريدة خلفها فالتفتت اليها و هي تقف بقمة أناقتها استعدادا للخروج ....ثم همست بخفوت مبتسمة
( دعيها الآن يا كرمة ...... جليسة الأطفال ستتولى رعايتها أثناء نومها , هيا لنخرج ...... )
عادت كرمة لتنظر الى الصغيرة النائمة مجددا ... ثم أخذت تلامس وجنتها الناعمة بظاهر اصبعها ... قبل أن تقول بخفوت
( ملمسها يشبه ملمس ثمرة الدراق ......... )
ضحكت فريدة بصوت خافت و هي تقول
( احيانا أشعر أنني أريد أكلها بالفعل ....... )
نظرت كرمة الى فريدة و قالت بخفوت قلق
( فريدة ..... أنا دائما أسمي الله بداخلي و أنا ألاعبها ..... )
عقدت فريدة حاجبيها و هي تجلس بجوار كرمة على حافة السرير ثم قالت بخفوت
( ما فائدة اخباري بتلك الملحوظة الآن ؟!! ......... )
نظرت كرمة الى الصغيرة مجددا و قالت بخفوت حزين
( اخشى ان تخافين أن أحسدها .......... )
ارتفع حاجبي فريدة .... ثم قالت بصوت خافت لكن مندهش
( هل أنت حمقاء الى تلك الدرجة ؟!!! ..... حقا ؟!! ..... هل فعلت من قبل ما يجعلك تشكين في احتمال خوفي ولو للحظةٍ منكِ ؟!! ..... )
ظلت كرمة صامتة قليلا ... قبل ان تقول بخفوت
( انه قلب الأم .... و هذا أمر طبيعي ..... أنا فقط أخشى الا يكون لي الحق ذات يوم في حملها بين ذراعي ... )
عبست فريدة بشدة ... ثم قالت
(خذيها حبيبتي و أريحيني قليلا .... إنها أحيانا تكون كبوق سيارة الإسعاف لدرجة أنني أتمنى وضعها مع القطط خارج البت و تركها هناك الى أن تنتهي من وصلتها النغمية المعتادة ....... ماذا بك اليوم يا كرمة ؟!! ....... لماذا هذا الكلام الغريب ؟!! ..... )
قالت كرمة بفتور
( شقيقات زوجي السابق كن يخفن مني ...... يهمسن من خلفي .. يفردن كفوفهن في خمسةِ اصابع خلف ظهري كلما حملت احد اطفالهن ...... )
زمت فريدة شفتيها و هي تقول بغيظ
( و هل الكف المفرودة في خمس أصابع هي من ستحمي الأطفال ؟!! ..... جهل و تخلف ... لماذا تذكرين هذا الماضي الآن يا كرمة ؟!! ..... انسيه و اهتمي بحياتك مع حاتم ..... )
تنهدت كرمة و هي تقول بخفوت
( ماذا لو لم أستطع الإنجاب ؟! ...... أخشى أن يتركني يا فريدة ...... اموت رعبا من أن يتركني حاتم ..... أنا مؤخرا أشعر بأنني أحيا فوق لهيب ذلك الخطر ..... )
عقدت فريدة حاجبيها و هي تقول بقوة
( أولا حاتم عنده ابن ...... أي أنه لن يفتقد الأبوة بتلك الدرجة التي تخيفك , ثانيا و هو الأهم .... أنه يهيم عشقا بكِ .... و لن يتركك أبدا .... )
رفعت كرمة وجهها الى فريدة و هي تقول بأمل
( حقا يا فريدة ؟!! ....... أتظنين ذلك ؟!! ...... )
زمت فريدة شفتيها مجددا و هي تقول
( أنتِ غريبة جدا اليوم !!......... )
همست كرمة و هي تضغط عينيها
( ربما أنا فقط متعبة ...... و الأمور مختلطة لدي .... )
ابتسمت فريدة و هي تقول
( حسنا ..... هيا لنخرج و انا ساقوم بتعديل حالتك الغريبة تلك ...... )
ترددت كرمة قليلا ... ثم همست برجاء
( فريدة ..... أشعر أنني لست بخير تماما .. هل يمكنني الراحة بجوار نغم قليلا ...... )
ربتت فريدة على ركبتها بلطف ... ثم قالت بخفوت مبتسمة
( حسنا لقد أفسدتِ خروجنا .... لكن خذي راحتك ... سأغلق لك الباب .... )
مالت كرمة تستلقي بجوار الصغيرة نغم ... حتى اصبح وجهيهما متواجهين ... فوضعت اصبعها في كفها الصغير المفرود ... حينها أطبقت الصغيرة كفها على اصبع كرمة تلقائيا .....
رفعت كرمة اصبع يدها الأخرى , و ثنته حتى لامست شفتي الصغيرة بمفصل اصبعها ... ففغرت شفتيها و أخذت تمصه بحركة روتينية ...
فغرت كرمة شفتيها هي الأخرى بذهول و هي تشعر بشعور غريب جدا ... دافىء جدا .... محبب لدرجة تأسر قلب .... فاذا كان هذا شعورها لمجرد أن وضعت اصبعها في فمها ... فكيف تكون الرضاعة ... حين تمنح الأم من روحها حبا لطفل صغير ... رقيق ... يعتمد عليها في غذاءه ....
مالت عينيها بحب و رقة رغم الحزن بهما ..... و طال بها النظر الى الصغيرة و هي تتخيل نفسها تحمل فتاة جميلة ... تشبه حاتم ... و محمد ....
ابتسمت كرمة و هي تتخيل محمد اخ اكبر شديد الوسامة ... بينما تتبعه اخته الجميلة في كل مكان ...
شعرت كرمة بنعاس فأغلقت عينيها على ذلك الحلم حتى راحت في سباتٍ عميق .... و الصغيرة لا تزال ترضع بإصبعها ......
.................................................. .................................................. ..................
زفر حاتم بقوة وهو يلجأ الى هاتف فريدة مجددا .... بعد أن يئس من أن ترد كرمة على اتصالاته بها ....
و ما أن ردت عليه و أخبرته أنها تنام في الغرفة مع نغم ....
شعر بغضب شديد ....
الآن تنام في بيت غريب !! ..... انها تتفن في استثارة غضبه بكل الأشكال الممكنة ...
انها تخرج من المصرف كي تذهب للجامعة ... ثم تخرج مع فريدة بشكل يومي .. و إن لم تفعل فتذهب الى وعد بالمعرض ....
ثم تعود اليه في وقت متأخر ..... وهو يحاول جاهدا تفهم حاجتها لتلك الإستقلالية ... يعرف أن الحياة التي تعيشها الآن هي النقيض من حياتها الأولى ... لذا يحاول جاهدا منحها المتع التي كانت محرومة منها من قبل ...
لكنها تزيد في اثارة غضبه بدلالها المتضاعف كل يوم ... و ها هي اليوم تتأخر لا لشيء سوى لتنام في بيت غريب بدلا من أن تأتي الى بيتها و تنام به ....
ألقى الهاتف بقوة وهو يزفر بغضب ....
ونهض من مكانه لينظر من النافذة الى المساء الذي بدأ في اسدال ظلامه .....
ابتسم قليلا باستياء ... حسنا أنه يتحول الى مجنون قليلا .. ربما بسبب اعترافها المفاجىء له بالحب !! ...
لا ... ليس في الواقع ...
قبل هذا بكثير .... اعترافها فقط زاده جنونا .....
لو ترك له حرية الإختيار لأغلق عليها الابواب ... و لازمها ليل نهار حتى يتمكن من التسرب اليها ... و معرفة ما بداخل رأسها المغلق بألف مفتاح ....
زفر بقوة و هو يستدير بغضب ... لا يملك الآن سوى انتظار السيدة حتى تأتي .... فلو ذهب اليها الآن فسيحرجها علنا أمام فريدة ... فهو غاضب و بشدة .... و لن يتمكن من السيطرة على نفسه ...
عاد ليتأفف مجددا ... لا يصدق أنه ينتظرها هنا في البيت الى أن تستيقظ من نومها في بيتٍ آخر
حتى حين طلب من فريدة أن توقظها ... و تأمرها أن تعود للبيت حالا رفضت بصرامة و أمرته هو أن يأتي لو يحب .... فكرمة ستظل نائمة معززة مكرمة ....
مر الوقت بطيئا ... وهو يجلس بخفوت يراقب ساعة الحائط ....
الى أن سمع صوت المفتاح في باب الشقة ....
فأمال وجهه قليلا ... ينتظر دخولها حتى يصب عليها طوفان غضبه الذي تحمله حتى الآن لساعاتٍ طويلة ...
دخلت كرمة البيت مساءا .... منهكة القوى ...
تجر حقيبتها التي كادت أن تلامس الأرض دون اهتمام بغلو ثمنها .....
الآن عرفت سبب تعبها .... دون ذكر ما حدث مع محمد .. و كأنها كارثة من زمن سحيق ....
لكن اضافة الى ذلك ... شعرت بآلامها الشهرية المعتادة ...
لقد انتابتها مرتين هذا الشهر !!! ... من شدة الضغط و التوتر ...
رفعت وجهها لتنظر الى المرآة المعلقة بجوار الباب ... فهالها شحوبه الشديد و زرقة شفتيها ...
لكنها ابتسمت بسخرية حزينة و هي تخاطب نفسها قائلة
( مرتين ؟!! ..... لا احتاج لتأكيد أكبر من ذلك على عدم وجود حمل .....و صلتني الرسالة .. )
جرت نفسها بألم و تعب الى الداخل .... لكنها توقفت على منظر حاتم الجالس في انتظارها ... مكتفا ذراعيه ... مادا ساقيه و مسترخي ظاهريا .... بينما استطاعت من النظر الى عينيه إدراك أنه ليس مسترخيا أبدا ...
لذا زفرت بقوة و بادرت قائلة بصوت مجهد
( حاتم رجاءا ..... اعفني من تحقيقك اليومي ...... )
نهض من مكانه فجأة و كأنما كانت عبارتها الشرارة لتفجير بركان غضبه .... فهدر بها و هي تستدير لتذهب الى غرفتها
( ابقي مكانك ........ )
وقفت كرمة مكانها دون أن تستدير اليه ... و أغمضت عينيها بتعب ... لكنها قالت بفتور
( حسنا ...... المزيد من الصراخ و الصوت العالي ... )
كانت تشعل غضبه أكثر و أكثر .... فهدر مجددا
( انظري الي حين اخاطبك ......... )
زمت شفتيها بغضب , الا انها استدارت اليه ببطىء ... تنظر له بصمت و بلادة تعبير مما اثار حفيظته .. فأخذ نفسا مرتجفا محاولا الكلام بهدوء ثم قال بصوت بارد .... آلمها اكثر من صراخه
( حين خرجت من المصرف .... كانت وجهتك للجامعة .... هذا ما اتفقنا عليه و لم تخبريني انكِ ستخرجين مع فريدة اليوم .... مجددا .... و الأدهى أنكِ لم تخرجي حتى ... بل ذهبتِ للنوم عندها و كأنك تحتاجين مكانٍ لهذا !!!! ..... )
رفعت عينيها لأعلى بصبر ... ثم نظرت اليه تتنهد بتعب و قالت بصوتٍ مجهد
( لم ادرك انني يجب ان اسجل لك حرفيا وجهتي .. حتى لو حدث اي تغيير طفيف في برنامجي اليومي .... )
هدر حاتم صارخا
( و هل نومك في بيوت الناس يعد تغييرا طفيفا ؟!! ..... الم يخطر ببالك ولو للحظة احتمال أن يكونا متضايقين لكن احرجا من اظهار ذلك لكِ ؟!! ....... )
ارتبكت كرمة قليلا ... و توتر لون بشرتها ... لكنها قالت بحرج
( زوجها لم يكن في البيت اصلا ......... )
قال حاتم بعنف
( و ما ادراكِ الا يكون سبب تأخر عودته هو وجودك في البيت كي لا يحرجك ؟!! ..... )
ارتبكت كرمة اكثر .... فأخفضت وجهها و هي بالفعل تدرك انها لم تفكر في هذا الاحتمال .... لقد تصرفت بعفوية ...
رق قلبه قليلا حين لاحظ اربتباكها ... و علم انه احرجها بشدة ...
لكنه عاد و قسى قلبه قليلا ... فلقد تمادت كثيرا , فتابع بصوتٍ أكثر صرامة
( من اليوم يا كرمة لن يكون هناك خروج كل يوم ..... هذا الوضع لا يناسبني و لا يلائم طبعي ... )
رفعت وجهها اليه بصدمة .... و هي تراه متحكما متسلطا للمرة الأولى و ليس ذلك المتملك العاطفي , فقالت بلهجة جامدة
( هل هذا أمر ؟!! ..... و أنا أيضا لا أقبل بهذا التحكم يا حاتم .... لا يلائم سني و لا مركزي )
لم تتغير ملامحه كثيرا ... لكنها تجمدت بوضوح .. و تصلبت نظراته وهو ينظر اليها ...
و فجأة قال بصوت أكثر جمودا
( سنك و مركزك !! ....... مركزك الوحيد الذي اعترف به يا كرمة هو زوجتي ... و أظن أنه عليك البدىء في الاعتراف به بشكل أكثر احتراما ..... )
استدارت عنه و هي تقول بملل
( ها قد عدنا لنفس النبرة ...... يؤسفني أن أخبرك يا حاتم أن لا قوة لدي حاليا كي أجادلك ... لكن خلاصة القول أنني لم أعتد تقديم تقرير بكل تحركاتي ..... )
سارت عدة خطوات تنوي فض هذا الخلاف بالقوة .... الا أن صوته اندفع من خلفها يقول بنبرةٍ صادمة
( لم تعتادي تقديم تقرير !! ....... ليس هذا حقيقيا يا كرمة .... كنتِ تقدمين أكثر من تقرير و اثبات ... )
تسمرت مكانها و اتسعت عيناها قليلا ...
و فغرت شفتيها للحظة .... قبل أن تقول بصوتٍ ميت
( لم أتخيل أن تذكر ذلك يوما يا حاتم .......... )
ثم تركته لتسرع لغرفتها و هي غير قادرة على المزيد من التناطح بتلك الصورة المخزية ....
بينما وقف حاتم مكانه غاضبا منها ... و من نفسه قبلها ....
و مع ذلك لم يشعر بالندم كثيرا .... فمدللته باتت تزيد في دلالها بدرجةٍ غير مقبولة ... تستهلك من طاقته و تركيزه ... و الى متى سيظل يدللها ؟!!
نظر بصمت في اتجاه غرفتهما .... ثم همس بصوتٍ أجش غاضب
( الى أن أن ينقضي آخر نفس بصدري ..... لكن لا ضرر من وضع بعض القوانين منذ اليوم ... )
.................................................. .................................................. ......................
خرجت كرمة من الحمام ... ملتفة بمنشفة كبيرة و هي مطرقة الرأس ....
لكنها توقفت مكانها و هي تراه مستلقيا على السرير ...
واضعا ذراعيه تحت رأسه ينتظرها ... فقالت بقسوة
( لو هذه اشارة الى أنك ستنام هنا .... فأنا اذن من سأنام في غرفة محمد .... )
قال حاتم بصلابة باردة ...
( لن يحدث هذا ..... فلا تحاولي حتى ..... )
قالت كرمة بغضب و استياء
( حسنا .... فليكن السرير لك ...... تمتع به ... )
تحركت في اتجاه الباب و حاولت فتحه ... الا أنها فوجئت به موصدا .. فالتفتت اليه مصدومة و هي تقول بصوت مذهول
( هل أغلقت الباب بالمفتاح ؟!! ....... حالة الهوس لديك تتزايد ... هل تدرك أنك تحتاج لعلاج ؟!! ... )
لم تهتز عضلة في وجه حاتم وهو يقول ببرود
( لو ظننتِ أن اللجوء للإهانة سيساعدك ففكري في طريقة أخرى ...... )
الا أن كرمة هتفت بغضب
( يبدو أنه اسلوبك أنت ........ أم نسيت ما اشجيت به مسامعي منذ لحظات ؟!! ... )
كان حاتم لا يزال مستلقيا .... واضعا ذراعيه تحت رأسه وهو يراقبها ... همجية ... ثائرة ... غاضبة ... و عيناها تبرقان بشررٍ حانق على الرغم من اجهادها الواضح
لا يصدق انه منذ لحظات ... تمكن من التلميح للماضي كي يوقفها عن التمادي في تصرفاتها
لكن عجبه الأساسي ... لم يكن بقدرته هو على النطق بما نطقه في هدوء تام .... بل العجب أنه يراها غاضبة ثائرة .... لكن ليست منكسرة !!!!!
بل على العكس لقد أثارت عبارته حفيظتها فأشعلت بها بعض الحياة لتبدد بها الإرهاق القوي الذي كان مرتسما على وجهها لحظة دخولها البيت
شيء بداخله كان يتوهج كبرعم يتفتح .... بدا غير نادما على التلميح للماضي وهو يراها غاضبة ... لا مهزومة ....
حتى ان شعورا لذيذا بدأ في الرفرفة بالقرب من معدته ....
لكن كل هذا لم يظهر على ملامحه الجامدة وهو ينظر اليها باشتهاءٍ أخفاه جيدا ... الى ان قاطعت أفكاره بقلة تهذيب و فظاظة
( افتح الباب ......... )
ظل صامتا عدة لحظات ... ثم قال ببرود
( تعالي الى هنا ........ )
برقت عيناها بغضب اكثر ... و اشتعل وجهها بدماءٍ حرة فأنعشه هذا و أثار شهيته أكثر و أكثر و هي تصرخ بحنق
( أنت تحلم .........افتح الباب .. )
الا أنه قال ببرود جليدي
( لا بأس من الأحلام ...... تعالي ... )
الا أنها هتفت و هي تضرب الأرض بقدمها
( افتح الباب يا حالا حاتم ....... )
ضحك بصوتٍ أجش ..... فزمت شفتيها بغضب أكبر
" لماذا تخطىء الكلام دائما أثناء غضبها !! .... هذا يجعلها خرقاء و يفقدها موقفها .. "
الا أنها زمت شفتيها كي تمنع نفسها عن ابتسامة حمقاء و هي تقول بصوتٍ متعب فعلا
( افتح الباب حالا يا حاتم ...... أنا أريد النوم بشدة ... )
الا انه رفع حاجبه ليقول ببرود
( هل ستنامين الساعة التاسعة ؟!! .... بعد نومك ثلاث ساعات متصلة في بيوت الناس !!... )
قالت كرمة بحنق و جنون الغيظ
( لا اصدق انك حسبت عدد الساعات !! ..... فهمنا يا سيدي انني ضايقت الناس معي و تصرفت بغباء .... هل انت راضٍ الآن ؟!! ..... افتح الباب ... انا متعبة ... )
قال حاتم بهدوء وهو لا يشعر بالرضا بعد
( يمكنك المجيء و النوم في سريرك من باب التغيير ....... أنا أنتظرك ... )
تأففت بقوة وهي تلوح بذراعيها لتقول بحدة
( حان دوري لأسألك ... بالله عليك هل ستنام أنت الساعة التاسعة ؟!! .... )
قال حاتم ببساطة
( طالما ستنامين ... فأنا سأنام ....... ليس لدي شيء أفضل لأفعله ..... )
تابعت من بين أسنانها بغضب
( أفضل من مراقبتي على ما اعتقد ...... )
صمتت قليلا و هي تنظر الى أعلى بيأس و تعب ... ثم قالت بفتور
( امنحني بعض الوقت لنفسي يا حاتم .... أرجووووووك ... لقد تعبت منك حقا .. )
آلمته عبارتها الأخيرة بشدة .... على الرغم من بساطتها .... لكنه لم يسمح لألمه بالظهور على ملامحه ... بل ظل ينظر اليها طويلا ببرود الى أن قال أخيرا بصوتٍ جامد
( كم من الوقت رأيتك اليوم ؟!!! ..... لو قمنا بتجميع ساعة الإفطار مع بعض الدقائق المتفرقة خلال العمل ... لن يكمل ذلك ثلاث ساعات خلال يومٍ بأكمله !!! .... هل وجودي بغيض لكِ الى هذه الدرجة ؟!! ... )
شعرت بألم في قلبها .... ألم حاد ... لا تشعر به الا حين تؤلمه بدون قصد .....
ربما فعلا لم يكادا يريا بعضهما سوى وقتٍ محدود اليوم ..... لكن ما مرت به مع محمد جعلها منهكة القوى ...
غاضبة ... ثائرة ..... لذلك كانت تحتاج لوقتٍ مع نفسها لتفكر في تقييم شعورها الجديد .... و الذي بدا مختلفا عن كل مشاعرها السابقة ....
كانت مطرقة الوجه ... تشعر بتأنيب الضمير ... جميلة و هي تتشبث بمنشفتها بتعب و قد بدأت تتساقط مظهرة أكثر مما يحتمل رؤيته ... بعد أن تعبت ذراعها من التشبث ....
مالت شفتيها في ابتسامة صغيرة ... متراجعة ... لا تريد الخروج كي تعاقبه على ما تفوه به منذ لحظات بغباء ...
فعقدت حاجبيها بقسوة زائفة ... لكنها قالت بخبث
( بالنسبة لدقائق العمل ..... ألم تكن كافية لك و أنت توشك على فقدان السيطرة على نفسك أكثر من مرة ؟!! .... )
ابتسم رغم عنه وهو يتذكر تلك اللحظات التي مال بها على سطح المكتب حتى استلقت عليه و كاد أن يسحبها معه الى عالم من التهور لم يعرفه قبلها ....
لولا أن استطاعت الفرار منه و تعديل طاقمها الكلاسيكي ... بتهور و ارتباك ... هاتفة أنها لن تدخل الى مكتبه مرة أخرى الى أن يتعلم الإنضباط ...
فقال ببساطة
( أنا عريس .... في شهر العسل ..... و هذا أمر متوقع ....)
زمت كرمة شفتيها و هي تقول بغضب
( شهر العسل انقضى منذ دهور ...... هل ستظل عريسا طوال العمر ؟!! )
قال بهدوء وهو يتمطى بأريحية
( هذا ما أنتويه .... هل لديك مانع ؟!! ..... )
زمت شفتيها و هي تنظر جانبا بنفاذ صبر .... و أوشكت على الصراخ به كي يفتح الباب .. الا أن الألم كان أقوى من قدرتها على المزيد من الهتاف ... فوضعت يدها على بطنها و هي تنحني قليلا .. و ملامحها تتأوه قليلا بصمت ....
عقد حاتم حاجبيه بشدة وهو يرى أنها لا تتلاعب به كالمعتاد ... بل وجهها الشاحب و شفتيها البيضاء كانا الدليل على أن هناك ما يؤلمها ...
فقفز من السرير وهو يتجه اليها الى أن أمسك بذراعها وهو يقول بقلق
( ماذا بكِ يا كرمة ؟!! ..... هل يؤلمك شيئ ما بجسدك ؟! .... )
زفرت كرمة بتعب و هي تهمس متألمة
( هل يمكنني البقاء وحدي قليلا يا حاتم ؟!! ...... الليلة ستكون حالتي غاية في السوء و لا أحبك أن تراني في هذا الوضع ..... )
أدرك ما بها ... فمنذ اسبوعين جائتها نفس الأعراض و عملت على التهرب منه و الإغلاق على نفسها كي لايراها ...و قد سمح لها نظرا لأنها المرة الأولى ... أما الليلة فلن يسمح لها ... فهي زوجته و عليها أن تدرك ذلك ...
و دون كلمة انحنى ليرفعها بين ذراعيه .... و كأنها لا تزن شيئا , فهتفت بغضب على الرغم من تأوهها ألما
( حاتم أرجوك .... اتركني قليلا ..... )
الا أنه لم يستمع اليها ... وهو يتجه بها الى السرير .... و ما أن رفع طرف الغطاء و مددها أسفله حتى رفعت وجهها اليه تقول بغضب
( لن يحدث شيء الليلة .... فلا تتأمل كثيرا ... )
ابتسم لوجهها بحنان ... فارتجفت شفتيها قليلا و أدركت أنها لا تزال تتعلق بعنقه على الرغم من انه وضعها على السرير ....
أخفض وجهه قليلا .. فتتبعت نظراته لتفاجىء بأن منشفتها قد انزاحت بجرأة .... مما جعل وجهها يزداد احمرارا بقوة .... فتركت عنقه بسرعة و اخذت ترفعها و تربطها مجددا و هي تشتمه دون كلمات مفهومة ..
لكنه ضحكت بخفوت ليجلس بجوارها على حافة السرير و أخذ يداعب شعرها وهو يتأملها مليا ....
ثم انحنى الى وجهها ليتبع قسماته بقبلاتٍ بدت كلمسات أوراق الورد ...
ارتعش قلبها بشدة خاصة حين وصل بشفتيه الى شفتيها ... فلامسهما مرة بعد مرة بحنان أرسل الدموع الى عينيها ... ثم همس فوقهما بصوتٍ أجش
( لا تخجلي من ذكر ما ينتابك يا كرمة ..... لا يعد هناك أي مجال للخجل بيننا .... أنتِ أصبحتِ جزء مني ... أحد أضلاعي ..... أتخجل أضلاعي مني ؟!! ..... كم مرة علي افهامك ذلك !!..... )
رفعت عينيها الدامعتين اليه .... ثم رفعت اصابع يدها الحرة لتتلمس شعره برقة .... بينما الأخرى لا تزال متشبثة بالمنشفة اللعينة .....
همست كرمة برقة تذيب الحجر ...
( لست خجلة ...... لكنني أختلف قليلا ... سأكون بأسوأ حالٍ قد تراه .... ظهري و ساقي ينبضان بألم رهيب و أعاني بما يشبه النزيف .... و معدتي تصرخ ألما ... فلا أتوقف عن التأوه طوال الليل .... بخلاف نوباتٍ رائعة خلابة من البكاء الهيستيري ...... هذا ما أخجل منه ..... )
داعب شعرها برفق .... وهو يعود و يخفض وجهه اليها يقبله و كأنه صائم منذ دهرٍ ... حتى أخذت شفتيها ترتعشان بقوة أكبر ... فانسابت دموعها و هي تغمض جفنيها مستسلمة لهذا السيل من الحنان ....
فهمست ترتجف بين ذراعيه ... و قد تركت المنشفة المختنقة أخيرا
( أخشى أن تشعر بالإحباط ....... )
همس من بين قبلاته المجنونة ....
( أنا بالفعل في غاية الإحباط ...... الا تراضيني قليلا كأم طيبة )
ابتسمت تضحك بتأوه على الرغم من دموعها .... و رفعت وجهها اليه , لكن قبل أن تقبله فعليا كانت نوبة ألم قد هاجمتها مجددا فتأوهت و هي تتركه لتنقلب على جانبها ... متكورة جنين متألم ....
عقد حاجبيه بشدة و هو ينظر اليها ... فقال بخفوت
( ابقي هنا ....... سأعود اليك سريعا .... إياك و محاولة الهروب ... )
هتفت بغضب من بين تأوهاتها و من بين أغطية الوسادة
( تبا يا حاتم ...... هل تراني قادرة على حك رأسي حتى .... كي أستطيع الهرب ..... تبا لهوسك ... )
ظل يلامس شعرها قليلا قبل أن يقول
( لن أعاقبك الآن .......... )
هتفت بجنون متألم
( جيد ............. )
تركها و خرج .... لكن ليس قبل أن ينظر اليها وهو يراها تتلوى قليلا ... فعقد حاجبيه من شدة تألمها ...
لكنه خرج ... بينما بقت كرمة مكانها تعتصر معدتها بتأوه .... لا تعلم إن كان جسديا أو أن أكثره نفسيا على الرغم من أنها معتادة هذا الألم منذ سنوات طويلة ....
عاد حاتم بعد فترة ... لكنها لم تنظر اليه ... فاستلقى بجوارها .. يحيط كتفيها بذراعه وهو يقول ...
( هل يمكنك الجلوس قليلا ؟؟ ........ )
قاومت كرمة و بدأت تستقيم بصعوبة و هي تستند الى ذراعه القوية ... فوجدته يحمل كوبا من مشروب ساخن تتصاعد أبخرته الناعمة ... فقال لها بخفوت
( اشربي هذا ..... سريحك ... لكن قبلا ابتلعي هذا القرص .... )
أخذته كرمة و ابتلعته بصمت و عيناها متعلقتين بوجهه .... ثم أخذت الكوب منه , الا أنه لم يتركه .. بل ظل ممسكا به تحت يديها كي لا تريقه على نفسها ...
و ما أن شربت نصفه .... حتى استدار ليضع الكوب .. ثم أخذ شيئا ما ... ليضعه تحت شقي المنشفة عند بطنها ... اتسعت عينا كرمة و هي تشعر بزجاجٍ ساخن على بطنها و هي تنام على جانبها .. بينما حاتم خلفها يحيطها بذراعه... و يضمها الى صدره بقوة ....
فنظرت لأسفل لتجده قد ملأ زجاجةٍ بماء ساخن ووضعها على معدتها المتشنجة ... و كم أراحها ذلك ..
بقت ساكنة قليلا و هي تشعر بشفتيه تلامسان أعلى شعرها برقةٍ كي تنام ....
وقد ساد بينهما صمتٍ دافيء .... لم تشأن أن تبدد راحته و جماله بعد تعب اليوم ..... لكنها قالت بخفوت بعد وقتٍ طويل و هي تستند بظهرها الى صدره براحة ...
( أين كنت منذ خمسة عشر عاما ؟!! ....... كنت أحتاجك و بشدة ..... )
ضحك بخفوت مثير ... الا أن شعورا عمقا انتشر في صدره ... مزيج من السعادة بسؤالها العفوي و حنان و شفقة .... فقال بهدوء مازح
( حسنا بما أني أكبرك بثماني سنوات .. فعلى الأرجح أنني كنت وقتها في بداية دراستي الجامعية .... و لم أكن أعلم أن هناك مراهقة صغيرة تتألم وحدها و في حاجة الى أحضاني و رعايتي ..... لو كنت أعلم لكن بحثت عنكِ حتى وجدتك ......الا يكن هناك من تساعدك لإجتياز هذا الألم ؟!! ... )
ابتسمت كرمة برقة و عيناها تلمعان بحنانٍ دافق ... ثم قالت
( لم يكن هناك من يتسع وقته وقته ليساعدنا حتىولو من باب المعرفة ..... كنا نستنتج وحدنا وفقا لما تمر به من هي أكبر منا ..... )
مد يده يربت على شعرها المتموج الطويل .... ليمر على كتفها المرمري الأبيض الناعم ....
فانحنى بشفتيه حتى قبل ذلك الكتف الغض وهو يهمس فوقه بصوتٍ أجش
( ليتني كنت معك وقتها .......... )
ضحكت و هي تهمس بخفوت
( كنت في الثانية عشر يا حاتم ..... أي أن مساعدتك تلك كانت تصنف وقتها كتصرف دنيء النوايا .... )
ضحك هو الآخر ثم همس بجدية بصوته الأجش الخشن
( كيف يمكنني ان انسيك الماضي ؟!! ..... بالله عليك اخبريني ...... )
ابتسمت كرمة و هي تقول بخفوت
( انت تبلي حسنا الآن ........... )
ضمها اليه اكثر .... فاغمضت عينيها بتعب ... وقالت بشدة و تحفظ
( حين لا تكون شديد التضييق علي ....... )
لم يحررها من بين ذراعيه ... لكنه قال بهدوء جدي
( و مع ذلك .... لن اتراجع عن امري بالنسبة لمسألة الخروج يوميا ..... هذا يكفي .... )
امتعضت بشدة دون ان تدير وجهها اليه ... بينما همست بخفوت
( آآآه بطني ......... )
شدد عليها قليلا ... مما جعلها تبتسم بإنتصار ... الا أنه قال بعد لحظة بنفس الهدوء المستفز
( تأوهي من الآن و حتى الصباح ...... انتهت المناقشة ... و دلالك سيدتي لست غافلا عنه .... )
رمشت كرمة بعينيها و هي تهمس بنعاس و براءة متثائبة
( الن تدللني مجددا سيدي ؟!! ....... و هل هانت عليك جاريتك المحبة !! ... )
عبس قليلا وهو يقول بجدية
( لا تنعتي نفسك بذلك .......... )
ابتسمت و هي تتثائب مجددا ... تتحرك و تندس بصدره أكثر حتى وجدت وضعا أكثر راحة ... فهمست و هي بين عالم اليقظة و النوم
( أحببت قولها الآن ...... أنا حرة ...... )
ابتسم قليلا وهو ينظر الى عينيها اللتين تنغلقان و هي تجاهد و تفتحهما بصعوبة .... من المؤكد أن الدواء قد أظهر نتيجته أخيرا بعد أن تلوت أمعائه تشاركها ألمها ... حتى أن جبينه نضحت ببعض قطرات العرق البارد ...
ثم قالت بخفوت
( مللت الخروج يا حاتم لدرجة النوم ...... من تلك التي تريد الخروج و لديها في البيت أجمل رجل في التاريخ .....)
اتسعت عيناه بصدمة وهو يسمع عبارتها العفوية في وصفه ... و كأنها تتكلم عن شيء منطقي بمنتهى الهدوء !!
هل حقا تراه كأجمل رجل ؟!! ..... لكن لماذا ليست سعيدة ؟!! ....
همس همسا أجشا ثائر العواطف و هو يلامس عنقها بأنفه .. يستنشق عطرها الأخاذ
( كرمة .......... )
الا أنه لم يسمع ردا لها .. فرفع رأسه ليجدها قد نامت أخيرا .... فزفر بإحباط وهو يبعد الزجاجة بعد أن بردت قليلا .. و دثرها جيدا كيلا تبرد ... ثم ظل ينظر اليها طويلا ... الى أن قال بهمسٍ يخجل العشق من عشقه
( التاريخ نقش حروف اسمك مرادف للجمال يا كرمة ..... فمن أكون أنا سوى خادم لجمالك وظيفته دلالك ....)نهضت كرمة في منتصف الليل بعد أن نالت كفايتها من النوم و شبعت ....
رمشت بعينيها و تمطت قليلا و هي تستشعر بشكر زوال الألم العنيف ..... أمالت وجهها تنظر الى حاتم النائم بجوارها ... و قد تراخت ذراعه من حولها ...
ظلت تتأمله طويلا ... ثم نهضت من تحت ذراعه ببطىء و هي تريد الإختلاء بنفسها قليلا بعد أن اطئنت الى نومه العميق ....
تنهدت براحة و سارعت لتنهض بإجهاد كي ترتدي بنطال قصير من الجينز لا يكاد يتجاوز فخذيها .. الا أنه كان يناسب ما ستقوم به .... و كنزة خفيفة صيفية وردية فضفاضة ...و رفعت شعرها بإهمال في كتلة فوضوية متناثرة ....
ثم سارت بخفة على أطراف اصابعها حتى وصلت الى الغرفة الخالية و التي لا تزال تحتوي على دلو الطلاء الوردي ....
مدت يدها تشعل الضوء ببطىء ... ثم وقفت مكانها تنظر في أرجاء الغرفة .....دون تعبير معين ...
ثم تقدمت في اتجاه الدلو ..... و جثت بجواره و فتحته ... ثم تناولت سكين التقليب الموضوعة بجواره على ورقة جرائد قديمة مع باقي الأدوات ....
فأخذت تقلب الطلاء ببطىء و هي تنظر الى موجاته الكثيفة بشرود ....
و خلال دقائق كانت تطلي أحد الجدران بصورة روتينية أخذت تتسارع قليلا و كأنها فنانة بوهيمية ....
سرعتها تزيد و تزيد .... و ذراعها يرتفع و يرتفع .... بينما صدرها يلهث قليلا ....
ثم همست بكبت من بين أسنانها دون تركيز و هي تعمل بهذه السرعة
( زوجته حامل !!! ...... بعد عشرة سنوات !!! ..... بعد أن باع عشرتنا ببساطة .... و هو صاحب العيب لا أنا ..... أنا من تحملت .... و اخفيت الأمر حتى عن نفسي ..... لأفاجأ الآن أن زوجته حامل بمعجزةٍ ما ....
أين عقابه ؟!! ...... اين عقابه ؟!! ..... سرعان ما سيتأكد أنها لم تخنه ... ثم يعيش سعيدا للأبد وهو يحمل الطفل الذي طالما تمناه ..... فأين عقابه ؟!!! .... اين عقابه ؟!!!!!!! .... )
كانت لهجتها تشتد ... و تخرج و كأنها لهيب ساخن ... لافح .....
لم تدرك حتى اليوم أنها كانت تنتظر عقابه و ندمه الى تلك الدرجة !! .... مع كل تمنياتها له بان تطمئن عليه دائما ... الا أنها اكتشفت اليوم فقط أنها كانت تتمنى عقابه و ندمه ..... لقد كسر كبريائها و حطم أنوثتها باختيار امرأة أخرى دون أن يكون له أي سبب مقنع !! ..... لقد أراق كبريائها كامرأة .... و دهسه بحذائه .....
صحيح انه يتألم لفراقها ....لكن ما أن يحمل طفله بين ذراعيه حتى ينتفي أي اعتبار آخر ...... و سيسعد للأبد .... بينما هي من ستعاقب و لن تحمل طفلا ربما ...
أخذت تتسارع حركاتها و هي ترفع ذراعها بالطلاء و هي تهمس بجنون و غضب و عدم فهم
( لماذا أنا لست حامل ؟!!! ...... لماذا أنا لست حامل ؟!!! ..... أنا لا أفهم ..... لماذا أنا لست حامل ؟!!! ......)
رمشت بعينيها و هي تلهث بجنون قائلة
( هل كنت أتخيل ؟!! ..... أكان العيب مني أنا وهو من كان يتحمل و يخفي الأمر عني ؟!!! .... لكن الطبيبة أكدت لي انني بخير !! ..... )
صمتت قليلا وهي تلهث بقوةٍ أكبر و تعمل كالمجنونة ....
كل كلامها الطيب مع وعد عن رغبتها في التواصل معه ... الإطمئنان عليه برقي و تحضر ... كان يخفي خلفه رغبة خفية في رؤية عقابه على اهداره لكرامتها كامرأة .....
أخذ صوتها يعلو قليلا بغيرة عمياء و غريزة ظمئانة ...... و هي تلهث و تعمل كالمجنونة.....
( لماذا أنا لست حامل ؟!!! ..... لماذا ؟!!! ...... أين العدل في ذلك ؟!! ..... )
صرخت فجأة و هي ترمي فرشاة الدهان على أقصى ارتفاع ذراعها الى آخر الغرفة
( لماذا أنا لست حااااامل حتى الآآآآآن ؟!!! ...... )
سقطت تجلس أرضا و هي ترفع ركبتيها الى صدرها ..... ثم ظللت جبهتها بكفيها و جلست تلهث بتعب ...
.................................................. .................................................. .................
انتفض حاتم على صوت صرخة بعيدة ....
ففتح عينيه و استقام جالسا يرهف السمع .... بنظرةٍ واحدة أدرك أن كرمة ليست بجواره ...
بدأ صدره ينبض بقلق وهو ينهض بسرعةٍ بحثا عنها ...
إنه متأكد أنه سمعها تصرخ .... خرج مسرعا من الغرفة و تلقائيا اتجه الى المطبخ ... ملاذها الوحيد في منتصف الليل ...
لكن هاله أن يجد الضوء مطفأ .....
فتحول قلقه رعبا ... و دار في خلده العديد من السيناريوهات .. بدئا من عودة ألمها ... و حتى تسلل أحد المجرمين الى داخل البيت !!
اندفع برعب وهو يقسم أن يقتلها بنفسه لو كانت لا تزال حية ....
و حين لمح الضوء من شق الباب الخاص بالغرفة الخالية ... أسرع اليه ليفتحه على مصرعيه ..
ثم توقف مكانه رافعا يده اللي صدره اللاهث .... و يده الأخرى تستند الى إطار الباب ... وهو يراقبها بجنون حانق ... تجلس أرضا ..... رافعة ركبتيها الى صدرها ... تظلل جبهتها بكفيها .... و .... تبكي بصوتٍ خافت رقيق !!! ...
زفر حاتم بحنقٍ شديد وهو يوشك على الإصابة بنوبةٍ قلبية ..
" تبا ..... لقد تصورها في لحظةٍ سوداء ملقاة أرضا و مذبوحة أو ....... "
أغمض عينيه وهو يهز رأسه قليلا مفكرا
" ماذا بك يا حاتم ؟! .... اهدأ .... على ما يبدو أنها قد أصابتك بعدوى الجنون و صدقت أمينة "
أغمض عينيه وهو يطرق بوجهه قليلا .. محاولا التهدئة من فزعه الذي أيقظه من النوم على صرختها ....
ثم رفع وجهه وفتح عينيه ينظر اليها بفتور ... قبل أن يقول بصوتٍ جامد
( ماذا بكِ يا مجنونة ؟!!! .... قسم بالله لقد اتضح لي أنه لا يفهم الا أمينة .... و قد صدقت نظرتها لك )
انتفضت كرمة مكانها و هي ترفع وجهها المحمر المتورم من البكاء ... لتنظر اليه و قد صدمها وجوده
فلجم لسانها و اتسعت عينيها بذعر ... محاولة تذكر بماذا صرخت ؟!!! .... و هل نطقت اسم محمد ؟!!
لا ينقصها الآن غضب حاتم لكي يصبه عليها ......
لكن بنظرةٍ واحدةٍ من عينيها المنتفختين اليه .... أدركت أنه كان هادىء الملامح ... تعلوها بعض الصرامة ... لكن بالتأكيد ليس العنف ....
لم تستطع كرمة الكلام لعدة لحظات .... بينما تولى حاتم الكلام وهو يستقيم ليدخل الى الغرفة ببطىء و عينيه لا تتحزحان عنها ....
( لماذا تبكين في هذه الساعة ؟!!! ......... وفري على نفسك هذا الدلال الزائف .... لن تأكلي الآن مهما بكيتِ .... )
ظلت كرمة مكانها أرضا .... تنظر اليه بعينيها المتسعتين الحمراوين و هي غير قادرة على الكلام ....
فقال حاتم مجددا بصوتٍ أكثر عاطفة و حنانا ... بينما ظللت شفتيه ابتسامة حنونة حزينة وهو يقف بجوارها يعلوها كالمارد
( لماذا تبكين يا مدللة حاتم ؟!!......... )
ابتلعت غصة في حلقها و هي تحاول النطق .... ثم همست أخيرا و هي تلوح بكفها بإشارة من كفها الرقيق تجاه الحائط المطلى حتى ثلاث أربعه .....
( آآآآآ ... لم تطال يدي نهاية الجدار ...... و أنت لم تحضر ..... سلما ...... ماذا من المفترض بي أن أفعل أنا الآن ؟!!! ..... ها ؟!!! ..... )
ارتفع حاجبي حاتم وهو يقف بجوارها صامتا .. مكتفا ذراعيه فوق صدره القوى العضلات و قد بدا منظره مهددا لها في تلك اللحظة .....
و بقى هكذا طويلا .... قبل أن يقول بصوت هادىء
( كرمة ...... لا اعتقد أنني قد شتمت امرأة في حياتي كلها ..... و بما أن لكِ السبق في هذا المضمار ... اسمحي لي بأن أخبرك أنكِ ...... معتوهة ..... )
مالت عينيها بحزن حقيقي و هي تخفض يدها و ووجهها بألم ..... و بدت كطفلة مسكينة صغيرة ....
فابتسم قبل أن تراه .... لكنه سارع بإخفاء ابتسامته وهو يقول بصرامة
( غدا أحضر لك سلما .... و لم يكن هناك داعيا لكي بوق سيارة الإسعاف الذي أطلقته منذ لحظات ....)
رفعت وجهها اليه وهي تهتف بغضب و قد تبللت عيناها بالدموع مجددا
(لو انتظرنا للغد سيجف النصف الذي طليته .... و سيبدو الحائط مبقعا ..... الا تمتلك عقلا مفكرا ولو للحظة ؟!!! ....)
رفع حاتم وجهه ينظر الى العمل الفني المرتسم على الجدار ... و الذي أقل ما يقال عنه هو انه مبشاعة مشوهة .... فقد طلت بالفرشاة في كل الإتجاهات ....
والله لو كانت تنوي رسم شمس كبيرة لما تمكنت من جعل أشعتها أكثر مهارة من تلك العشوائية التي طلت بها الجدار ....
استعاض حاتم الله في الجدار و الغرفة كلها و عقد العزم على استئجار عمال لطلائها من جديد .... و سيعمل على أن تدفع كرمة ثمن دلو طلاء جديد من راتبها ......
لكنه قال كاذبا كي يراضيها
( معك حق ...... و نحن لا نريد أفساد روعة ما انجزته حتى الآن .....)
صمت قليلا ينظر اليها بحب ... قبل أن يمد يده اليها قائلا بلهجة آمرة
( هاتي يدك .......)
نظرت الى يده المفرودة و الممتدة اليها .... قبل أن ترفع يدها لتضعها بكفه بتردد ... فجذبها بقوةٍ حتى أوقفها على قدميها أمامه دون أن يتخلى عن كفها ... الا أن عينيه نزلتا لتلامسان ساقيها المكتنزتين و المديدتين أمامه
فبرقت نظراته و هو يرى بقع الطلاء الوردية التي تناثرت فوقهما لتزيد من ورديتهما المحببة ....
رفع احدى حاجبيه ليقول بصرامة ...
( من أذن لك أن تلوثي هاتين الساقين ؟!!! ........ )
أطرقت كرمة بوجهها تنظر الي ساقيها ... ثم نظرت اليه مجددا و هي تقول بغضب طفولي
( اليستا ساقي أنا و انا حرة بهما ؟!! .........)
عقد حاجبيه وهو يقول بجدية
( بل ساقي أنا ............)
دار حولها وهو ينظر الي ساقيها باستياء .... الى أن وقف خلفها ... مرت لحظة شعرت بها بالتوجس ...
قبل أن تجده ينحني بسرعة ليدخل رأسه بين ساقيها .... ووجدت نفسها مرفوعة على كتفيه ... و ساقيها ترتاحان على صدره بينما هي تشهق هلعا .. هاتفة
( حاااااتم ..... أنزلني ..... أنزلني ..... سأصاب بالدوار )
الا انه ضحك بخفوت وهو يشعر بمتعة خالصة في حملها ... ثم قال وهو يسير بها الى الجدار المشوه
( لن تنزلي قبل أن تكملي عملك حبيبتي .......... اعتبريني سلمك )
نظرت كرمة الى الجدار و هي تشعر بنفسها ترتجف اثارة و سعادة .... ثم همست مبتسمة على الرغم من تورم عينيها و وجهها
( الفرشاة ملقاة على الأرض ...... أنزلني كي احضرها .... )
اتجه بها الى الفرشاة ... فظنت أنه سينزلها .... الا أنه انحنى القرفصاء وهو يحملها حتى أصبحت في متناول يدها .... و غمستها في الطلاء ... ثم عاد ليرتفع بها بسهولة .....
اتسعت عينا كرمة بذهول من قوته البدنية ... و هي تراه يقوم بهذه الحركة عدة مرات ... و كلما ارتفع بها أسرعت لتطلي الجدار ... بينما قلبها يخفق بقوة ....
و في احدى المرات ... و أثناء طلائها للجدار ... قالت بصوتٍ مبهور
( أنت قوي جدا !!! ........ تختلف عن مديري المكاتب عظيمي البطون ....)
ابتسم حاتم وهو يستمع الى مدحها المبهور ... بينما هو يشعر في نفس الوقت أنها اجمل مخلوقة على وجه الأرض ..... و من حسن حظه أنه يحملها فوق كتفيه ....
قالت كرمة متابعة بنفس الصوت المبهور الشارد و هي تتابع تلوين الحائط
( قوي و جميل ..... و شعرك جميل .....خانق قليلا ... لكن جمالك يعوض عن ذلك .... )
شعر بصدره يتضخم بقوة ... فقال بصوت أجش خشن
( كرمة ..... هل يمكنني أنزالك للحظة ؟؟ .....)
اتسعت عيناها برعب و هي تقول
( هل أنا ثقيلة عليك ؟!! ...... هل تعبت ؟!! .....)
قال حاتم بلهجة دافئة .... بل تحترق في الواقع
( أنت في وزن الريشة حبيبتي ....... سامحني يا الله على الكذبة ....)
عقدت كرمة حاجبيها و هي تضرب كتفيه قائلة بغيظ
(إياك و التعليق على وزني مجددا .........)
ضحك حاتم بقوةٍ ثم قال بعدها
( أريد أن أقبلك فقط سيدتي ........... )
أنزلها دون أن تسمح له و قبل أن تستطيع الكلام كان قد جذبها اليه وهو يرتوي من شوقه الذي لا ينضب لها أبدا .... و هو يهمس من بين شوقه المجنون .... من بين قبلةٍ مجنونةٍ و أخرى ....
( أحبك ....... أحبك ...... أحبك يا كرمة ..... أعشقك بكل جنونك .... و كآبتك .... و دلالك .... و جمالك )
كانت كرمة تائهة بين أمواج عشقه .... تحيا حبه .... تتنفس عشقه المجنون .... الى أن همست بإختناق بين شفتيه
( أريد أن ..... اتنفس ..... حبيبي .... أرجوك .... )
كادت كلمة حبيبي التي خرجت من بين شفتيه أن تذهب عقله ... فتحول الى مجنون يهذي و هي تختنق بين ذراعيه .. الى أن تراجع بها حتى التصقت بالجدار المطلي حديثا .... لكن أيا منهما لم يلحظ ذلك ... أو لم يهتما بالجدار .....
فقد تحولا الى زوج من العاشقين يجمعها الظمأ الى بعضهما ....
أصابعها تعبث بشعره بجنون ... و شفتيها تهمسان بقبلاته المجنونة و تتشكل معها بتناغم متكامل .....
و ما ان حرر شفتيها المنتفختين قليلا حتى يستطيع التنفس بصعوبةٍ و بلهاث ....
حتى كانت تسقط على صدره بتعب و هي تشاركه صعوبة التنفس ....
ابعدها حاتم عن الجدار ليتخلل شعرها باصابعه بقوةٍ حتى فك عقدته المرتخية ... و اخذ يمشطه بأصابعه وهو ينظر الي عينيها المأسورتين به ... عاقد الحاجبين من شدة ما يشعر به في تلك اللحظة ....
عاد ليضمها اليه بقوةٍ ... حتى دار بها ... فتعلقت به و هي تنظر من خلف كتفه الى آثار جسدها الذي انطبع على الطلاء الوردي اللين ....
شردت بتفكيرها اثناء انشغاله بعاطفته بها كطفلٍ متعلق بثوب امه .... بينما كانت هي تفكر في سلاطة لسانها قبل ان يستيقظ مباشرة .... لقد تجرأت على ما رزق به الله غيرها ....
اعمتها غيرتها السوداء .... فنسيت كل ما منحه لها هذا المخلوق الرائع ..... و الذي تحبه .... بقوة ...
رفعت يدها لتمشط شعره برقة و حنان ... حتى امالت وجهه الذي دفنه بتجويف عنقها .... و همست مغمضة عينيها
( احبك يا حاتم ..... و اتمنى ان احمل طفلا منك ..... اتمناه اكثر من اي شيء آخر ليبدد كل حزن الماضي ... و يروي صحراء جسدي المتعطش للأمومة ..... لكن لو لن يكون طفلك .... فلا أريده ... فقد حدث و أحببتك .... أحب ابنك .... لأنه يشبهك ...... أنا آسفة .... أنا آسفة .... سامحني حبيبي .... )
لم تكن تدري ان همسها الخافت قد تخلل أمواج عاطفته الجامحة ... فجعلته يسكن و يهدأ ... ليسمع كل حرف تنطق به ... و الذي هطل كماء المطر على أرضٍ جافة ... فأنبتت بها خضارا زاهيا ... براقا ....
رفع وجهه عنها ... ليتطلع الى عينيها الدامعتين .... لكن دموعها بدت هذه المرة و كأنها تبرق ببريقٍ غريبٍ عليها ....
عقد حاجبيه متأوها وهو يهمس مختنقا
( و تعتذرين ؟!! ...... ألم أقل أنك .... معتوهة ..... حبيبتي المعتوهة .... )
همست كرمة و هي تتعلق به بشدة و كأنه وسيلة نجاتها الوحيدة
( لو ظللت العمر كله اطلب منك السماح .... فلن يكفي ذلك لتبديد كل نكراني لما بين يدي من جمالٍ و حب ... احبك يا حاتم ..... )
تأوه حاتم بصوتٍ عالي وهو يضمها اليه بشدة الى ان رفعها عن الأرض و دار بها .... ثم همس بصوتٍ اجش
( بالله عليك يا كرمة .... هل من الضروري متابعة الطلاء الآن ؟!! ..... احتاجك ... أحتاجك بدرجةٍ موجعة مهلكة ..... )
ابتسمت كرمة و هي تلهث من شدة مشاعرها .... ثم همست برقة و عبث
( البقاء هنا أكثر أمانا يا حاتم ....... احملني أرجوك ... أحب ذلك ..... جدا ......... )
.................................................. .................................................. .....................
للمرة الثانية بذهول !!
صعدت ورد درجات السلم للطابق الأول حيث المعرض و هي لا تزال تشتم و تشتم و تشتم ...
إنها المرة الثانية التي يجبرها سيف على القدوم الى هنا كغنمة منقادة ...
و الأمر الذي لا يصدق أنها في المرتين تأتي بأمرٍ يخص التعيسة وعد ابنة عبد الحميد ....
كانت تحمل معها الصندوق الموسيقي السخيف الذي تركته ملك لديهم في البيت ... و الذي كان لا يفارقها ليل نهار
حتى في ساعات الليل المظلمة ... كانت ملك تفتح غطائه في الظلام و تستمع الى موسيقاه ... بينما ورد تغلي و تزبد تحت الوسادة الى أن انتفضت مرة صارخة بها
" اغلقي هذا الشيء .... لا أستطيع النوم "
كانت ملك نائمة على جانبها و الصندوق مفتوح أمام وجهها على الوسادة ... بينما دمعة صامتة منحدرة على وجنتها ... استطاعت ورد الشعور بها رغم الظلام ...
الا أن ملك حينها همست بكلمة " آسفة " بخفوت و هي تغلق الصندوق و تستدير الى جانبها الآخر
تأففت ورد و هي تشعر بنفس الغضب من نفسها تلك الليلة ...
لكن تعلق ملك بالصندوق كان تعلقا مرضيا ... و كان هذا يثير غضبها بشدة , فقد كانت تكره هذا الدلال الفارغ بكل صوره ....
لكنها وجدته حجة مواتية كي تأتيها به .... كي تطمئن على السيدة ... تبا لذلك ...
صعدت الدرجة قبل الأخيرة ., و كادت أن تدوس الأخيرة , الا أنها داست على الفراغ في غمرة غضبها , مما جعلها تتعثر و تسقط على ركبتها ....
أمسكت ورد حاجز السلم في اللحظة الاخيرة .... لكن هذا لم يمنع من سقوط الصندوق على السلالم أمامها متدحرجا .... بينما تأذت ركبتها قليلا ...
تأوهت بشدة ... الا أن تأوهها صمت و اتسعت عيناها و هي ترى الصندوق الملقى آخر السلم رأسا على عقب ....
فرفعت يدها الى وجنتها و هي تهمس بصدمة
( هل كان هذا صوت شيء كسر ؟!!! ..... أم أنني أتوهم ؟! .... )
سمعت صوتا رخيما يقول من خلفها متسليا
( لو لم يكن ذلك صوت احدى عظامك ..... فأعتقد آسفا أنكِ كسرتِ ما بداخل هذا الصندوق المسكين .... )
ارتفع حاجبيها بشدة مع سماعها لذلك الصوت ... ثم أغمضت عينيها و هي تهمس لنفسها بشيطانية
( لا يمكن أن تكون أنت .....إنه مجرد وهم لتكتمل قتامة هذا الموقف .... )
صدر الصوت الرخيم من خلفها مجددا بنبرةٍ أكثر تسلية
( يؤسفني اخبارك أنني بالفعل كنت الشاهد على سقطتك الأنيقة .....و لي عظيم الشرف .. . )
فتحت ورد عينيها ببطىء دون أن تستدير اليه .... و الا لكانت قتلته بنظرات عينيها الطائشة في تلك اللحظة ,
فقال يوسف مبتسما بعد عدة لحظات
( هل ستظلين جالسة عندك ؟! ....... )
قالت ورد من بين أسنانها التي كادت أن تتحطم من شدة ضغطها عليها
( أنتظر اختفاء وجودك البغيض ........ )
و كادت تجن و هي تسمعه يضحك بكل وقاحة و انعدام ذوق .... ثم قال ببساطة
( يؤسفني اذن أنك ستضطرين للإنتظار طويلا ..... فأنا أستنشق بعض الهواء هنا , و لا نية لدي للذهاب )
استدارت اليه بجنون و هي لا تزال جالسة على درجة السلم مكانها و صرخت
( أنت أكثر الأشخاص لزوجة و سماجة و انعداما للذوق ...... ياللهي انت غاية في ال .... )
صمتت فجأة و هي تعي منظره الذي انتقل في اشارة بطيئة متأخرة الى عقلها الغاضب ....
كان يقف عند اول درجة ... منحنيا يستند بذراعه الى سور السلم وهو يتأملها مبتسما ....
كان قميصه الأبيض مفتوحا حتى منتصف صدره ... مظهرا الكثير من جسده الرياضي البغيض ...
تبا , الا يمتلك جراما واحدا من الشحوم الزائدة !
بينما كان شعره يلمع بشدة ... و كأنه ريش غرابٍ اسود .... نعم إنه يشبه الغراب الأسود بالفعل ...
كانت قد نست نفسها و هي تتأمله بطريقة لم تعهدها بنفسها من قبل .... فلم تكن ممن يستهويهن تأمل الرجال ... مهما بلغت وسامتهم ! ....
رفع يوسف حاجبه وهو يقول ببساطة دون أن يفقد ابتسامته
(و أنتِ قليلة الأدب ........ )
حينها عادت نظراتها لتشتعل و هي تصرخ
( إنها ثالث مرة تشتمني بها ...... احترم نفسك .... )
قال لها ببساطة وهو يستقيم واقفا لينزل تلك الدرجة التي تجلس عليها ... ثم جلس بجوارها أمام عينيها المذهولتين ....
( هل الشتائم تعتبر حكرا لكِ فقط ؟!! .......... )
نظرت الى ساقيه العضليتين القريبتين من ساقيها ... فأبعدتهما الى آخر الجدار بقلق ..و هي تشعر بشمشاعر غريبة عليها... ومستفزة ....
فرفعت وجهها اليه تقول ببرودٍ حانق فظ
( من المفترض أن تكون سيدا مهذبا .......... )
رد عليها ببساطة وهدوء
( لا عزيزتي .... أنا اؤمن بالمساواة بين الرجل و المرأة بكل شيء ..... و مع ذلك , فأنا لم أساويكِ في سلاطة لسانك بعد .... لذا عليكِ أن تكوني ممتنة ..... )
كانت تنظر اليه و هي تتنفس بسرعةٍِ قليلا .... وجوده كان قريبا منها للغاية دون تهذيب أو مراعاة للوضع ... و مع ذلك كانت قوة تدفعها للبقاء دون القفز وقوفا و الابتعادا عنه ...
الا أنها هزت رأسها بقوةٍ و هي تقول بغضب
( لا تذكر لفظ عزيزتي ذلك مجددا ......... لست عزيزتك .... )
قال يوسف باستفزاز ...
( عزيزتي أنا حر بذكر لفظ عزيزتي كلما أردت و أينما أردت .... و أنتِ إن لم يعجبك لفظ عزيزتي يا عزيزتي فلتغادري كي لا تسمعيها .... عزيزتي .... )
زفرت ورد بضيق و هي تهتف بنفاذ صبر
( من ظلمك و خدعك ... و أوهمك بأنك خفيف الظل , طريف القفشات !! ..... )
رفع حاجبه وهو يقول بهدوء و رقي
( الحقيقة أنني نلت هذه الشهادة من عدد لا بأس به من الجنس الآخر .... الحقيقة أيضا أن معظم بنات جنسك يجدنني جذابا خفيف الظل ..... )
رفعت احدى حاجبيها و هي ترمقه بطرف عينيها ... ثم تمتمت بضيق شديد
( أنت اذن من ذلك النوع الساذج الذي يصدق كل كلمة تقال له .... كمعظم ابناء جنسك ... )
ابتسم مجددا وهو يقول
( آآه و ما هو نوع خطيبك اذن ؟! ..... هل يصدق كل كلمة لطيفة تخدعينه بها بفعل معجزةٍ ما , تحسن من شفرة لسانك ؟!! ...... )
انتفضت فجأة و هي تعبس بشدة .... محاولة التذكر علاقته بخطيبها ..... من هو خطيبها اصلا ؟!! ....
بينما تابع يوسف قائلا بهدوء وهو يرمق أصابع كفها
( بالمناسبة .... مبارك الخطبة ولو أنها أتت متأخرة .... كيف كان الفستان البرتقالي الذي يشبه برتقالة ماسخة لم تنضج بعد ..... هل نال اعجاب خطيبك ؟! .... لا عجب في ذلك فإن كان خطيبك من اختيارك , كما كان الفستان الماسخ من اختيارك كذلك فسيعجبه بالتأكيد....... )
كانت تنظر اليه بشبه ذهول و هي عاقدة حاجبيها ... بينما كان هو في غاية الهدوء , يتسامر معها كأنهما صديقين ... ثم قال متظاهرا بالدهشة البريئة
( لكن لماذا لا أرى خاتما باصبعك ؟!! ........ الايستحق الفستان البرتقالي خاتما يليق ببرتقاليته ؟! ... )
كانت البلادة مرتسمة على ملامح وجهها و هي تسمعه بصمت الى أن انتهى تماما ... ثم قالت أخيرا ببرود
( تم تأجيل الخطبة ...... فهلا كففت بعضا من ظرفك لأنني بدأت أصاب بالحساسية ! ..... )
تظاهر بالدهشة مجددا ... ثم قال ببساطة
( خسارة !........ لماذا تم التأجيل ؟! ..... ألم يكن سعيد الحظ متعجلا بما يكفي ؟! .... )
قالت بشدة ضاغطة على الأحرف
( تم التأجيل لأن أخي لم يكن موجودا ...... و أنت تعرف ذلك .... لكن لماذا أرد على أسئلتك من الأساس ؟! .... هل مجيئك بتلك اللحظة كان صدفة ؟! .... أنا لا أصدق كل تلك الصدف .... )
رد يوسف وهو يراقب انفعالها بتأمل
( الحقيقة ليست صدفة .... أنتِ للمرة الثانية تتواجدين عند باب المكان الذي أتواجد به بشكلٍ شبه يومي ... مما يجعلني أسألك نفس السؤال .... هل هذه صدفة ؟! .... أم تتعمدين لقائي ؟! ..... )
عقدت حاجبيها بشدة و هي تتحفز جسديا هاتفة بقوة و غضب
( ماذا ؟! .... من يتعمد لقاء من ؟!!! .... أنت آخر شخص أتمنى رؤيته ... بل مجرد أن ألمحه من بعيد ..... أنت .... أنت .... )
رفع يوسف يده وهو يقول بهدوء مستفز
( اهدئي ..... اهدئي .... حاولي أن تتخلصي من شخصية أخيك المسيطرة على طباعك و التقطي أنفاسك .... ربما لو اخذت بعضا من طبائع والدتك , لتعدل حالك في الحياة قليلا .... )
كانت بالفعل تتنفس بسرعة و غضب بدا و كأنه يخرج كلهيبٍ من عينيها النمرتين .... و ما ان استطاعت النطق اخيرا حتى صرخت بغضب
( كيف تجرؤ ؟!! ....... )
الا أن يوسف تجرأ بالفعل و سألها مباشرة وهو يتأمل ملامح وجهها الحادة ليعود الى عيني النمور الهائجة مجددا وهو يسألها باهتمام
( كم عمرك ؟........... )
اتسعت عيناها و ارتفع حاجباها ... و هي ترمقه بعدم تصديق ... ثم هتفت مجددا
( أنت عديم الذوق فعلا ....... محدود العقل .... )
رفع حاجبيه وهو يقول ببساطة
( أتعانين من رهاب العمر ككل أنثى قابلتها هنا ؟! ......)
تأففت ورد بقوة وهي تعيد خصلة من شعرها خلف أذنها ... الا أنها تذكرت السماعة خلفها , فارتجفت أصابعها و هي تترك تلك الخصلة لتنساب على وجهها و أذنها مجددا ... بينما كان هو يراقبها صامتا ...
ثم قال أخيرا بجدية
( لماذا أتيت اليوم ؟! ..........)
نظرت اليه بسرعة و هي تقول بمنتهى الوضوح
( و ما دخلك ؟! ........ من أنت أصلا كي تستجوبني ؟! .....)
الا ان يوسف قال بجدية أكبر
( حسنا .... لماذا لا تزال وعد هنا ؟! ...... كنت أظن أنها ستذهب مع سيف الى بيتهما بعد ليلة العرض ...)
ارتبكت ورد أمام سؤاله الجاد و نظراته المراقبة باهتمام ..... و تذكرت تصريحه الوقح في المرة السابقة بأنه يريد الزواج من وعد !! .....
فرفعت ذقنها و هي تقول ببرود
( لما لا تسألها ؟! ......... )
الا أنه لم يشعر بالإهانة أو حتى الحرج من الفضول ... بل قال بصوتٍ قاطع
( وعد ليست بحالةٍ تسمح لها بالكلام مؤخرا ..... و هذا ظاهر للجميع , و ها أنا أسألك أنت ... )
في حالٍ آخر كانت لتهاجم صلفه ... و تتجاهل بروده ... ثم تنهض و تتركه , الا أنها في لحظةٍ مجنونة شعرت بالفضول كي ترى ردة فعله على طلاق وعد .... فقالت ببرود و هي تنظر الى عينيه
( لقد طلق سيف وعد ........ )
لم تخدعها عيناها و هي تراقب عيني يوسف تتألقان فجأة و كأنهما زادتا بريقا ... بينما شعرت بجسده بجوارها يتصلب و يتأهب ... ففغر شفتيه قليلا بابتسامة غير مصدقة .. لم تلبث أن تحولت الى ضحكة خافتة .. مذهولة و حيوية ...
ثم قال بصوتٍ خافت مزدهر متوهج
( حقا ؟! ..........كنت قد فقدت الأمل !! )
شعرت بداخلها بنوعٍ من انقباض الصدر و هي تراقب ذلك الإهتمام و البريق الذي لا يمكن اغفاله ...
انقباض يشبه الغيرة .... الغيرة من وعد التي تنال كل هذا الإعجاب من حولها لسببٍ غير منطقي او معلوم ...
قال يوسف أخيرا و قد استعاد اتزانه سريعا ...
( و مادام سيف قد طلق وعد .... لماذا أنتِ هنا اليوم ؟! ..... )
ضاقت عيناها و هي تراقبه ... و مع ذلك لم تصرخ و لم تحتد ... بل قالت ببرود جليدي علها تجمد قلبه
( الا ترى أنك بالفعل تتجاوز حدودك ؟! .... )
استقام جالسا وهو يميل اليها قائلا بجدية
( اسمعي ... لقد حصل ما كنتِ تتمنينه ... و طلق أخاك وعد , فلما لا تجيبين ببساطة ؟! .... )
نظرت اليه بطرف عينيها ... ثم زمت شفتيها و هي تقول مرغمة
( يريد الإطمئنان عليها ..... و لا يريد المجيء بنفسه ..... )
كان يوسف يومىء برأسه وهو يقلب كلامها في عقله ... ثم قال بهدوء
( اذن سيظل يدور بمدارها ... كل يومٍ بحجة ..... )
صمت قليلا وهو ينظر أمامه ... بينما هي تتأمله خلسة .... بداخلها نفور غريب , .... نفور من رغبته بوعد الى تلك الدرجة ....
فقالت أخيرا بفتور و هي تقاوم خروج العبارة المرة كالعلقم و كأنها تبتلع فأرا ميتا
( ستظل ابنة ......خالنا ....... )
نظر اليها يوسف مندهشا ... ثم لم يلبث أن ضحك عاليا وهو يقول
( هل هذه الحجة التي سيتبعها اذن ؟! .. أخاك سيؤذي نفسه أكثر بتلك الطريقة , و أنت تساعدينه في ذلك ..... )
مطت شفتيها و هي تقول بامتعاض
( هل تريد أن تخبرني بأنك تشفق على سيف الآن ؟! ...... )
نظر الى عينيها و قال ببساطة
( و لا لذرة ...... أنا فقط اريد استغلال خوفك على أخيك ..... )
رفعت حاجبيها و هي تقول بفتور
( ما تلك الصراحة ؟!! .......... )
هز كتفيه وهو يقول
( الصراحة هي اقصر الطرق في نيل الإنسان لما يريده ...... أنت تريدين مصلحة أخيك ... و مصلحته تعتمد على ابتعاده عن دائرة وعد .... و ابتعاده سيكون نهائيا دون رجعة بزواجها ... )
صمت قليلا وهو ينظر اليها متابعا بابتسامة
( مني أنا ............. )
بهت وجه ورد ... و ذهبت الوانه .... و هي تتابع ذلك التألق الظاهر بعينيه ... ثم قالت بنفس الفتور
( سيف لن يسمح بذلك ...... لأنه يحبها .... أنت لا تعلم كيف يتصرف حيال ممتلكاته ... حتى لو قرر تحريرها ..... لكنه لن يتركها لغيره .... أبدا ... )
رفع يوسف حاجبه وهو يقول
( حيال ممتلكاته !!! ..... حتى بعد أن طلقها سيعتبرها احدى ممتلكاته المهملة ... يفضل أن يعلوها الغبار على أن تلمسها يد غير يده !!! ...... كم هذا رائع ....)
مال اليها فتراجعت قليلا و هي تشعر بالتوتر لكنه قال غير منتبها لتوترها و ارتباكها
( لكن الأمر سيظل قائما . اليوم ستأتين ... و غدا سيأتي هو ..... لذا لما لا نحاول مساعدة الجميع للأصلح )
نظرت اليه ورد و هي تقول ببرود
( و الأصلح للجميع هو أن تتزوجها ...... اليس كذلك ؟! .....)
ابتسم يوسف وهو يقول بثقة
( من المؤكد سيكون الأصلح لوعد ..... و لي .... و أنت تعلمين بقرار نفسك أنه الأصلح لأخيك )
شعرت ورد بطعم صدىء بحلقها ... لكنها كانت تنظر اليه بصمت , ثم قالت أخيرا ببرود
(؛ و ما هو دوري تحديدا ؟! .......)
فرد كفيه وهو يقول مبتسما
( لا شيء أكثر من نقل سعادة كل منهما للآخر ..... أخبريه أنها سعيدة مرتاحة .... راضية , تغزو العالم بعملها الناجح و لا وقت لديها للتفكير ..... و العكس .... أخبريها أنه بخير أخيرا ....)
ظلت تنظر اليه طويلا قبل أن تقول أخيرا بصوت لا حياة به
( أنت منعدم الضمير حقا !! ........)
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بلهجة ذات مغزى
( متأكد أنك فعلت أفظع من ذلك سابقا في سبيل إبعادها عن حياتكم ......)
رفع ذقنه وهو يراقب توتر ملامحها و كره عينيها ... ثم قال متابعا مباشرة
( أخاك سيكون أول المستفيدين يا ورد .... و أنت ستضمنين أنها لن تعود اليكم مجددا ... هذا بالإضافة الى أنه ليس مطلوبا منكِ شيئا فعليا ..... )
ظلت ورد تنظر اليه بصمت .. بينما كانت ملامحها متبلدة ... و عيناها .... عيناها مرهقتان ببعض الظلال و الخطوط تحتهما ....
تلك الخطوط كانت الشيء الوحيد الذي يخفف من حدة شكل عينيها ... و يجعل منها أكثر هشاشة و انوثة ...
و شعر بداخله بما يشبه الذنب لأنه يقسو عليها بكلِ مرةٍ يراها بها .... لكن ماذا يفعل ؟!! ... هي التي تجبره على ذلك .... فلسانها سليط و روحها قاسية مؤذية ....
لذا حاول حاليا الإبتعاد عن هذا الموضوع و قرر تركه لعقلها كي تتناقش به مع نفسها على مهل ...
فقال مبتسما بلطف وهو يشير بذقنه الى نهاية السلم
( اذن ..... من كان الضحية التي استخدمتها كخدعة في القدوم الى هنا ؟! ....)
نظرت ورد الى الصندوق الملقى على رأسه في نهاية السلم بوجوم ... ثم قالت مكورة شفتيها
( إنه صندوق الموسيقى الخاص بملك .... كانت قد نسيته عندنا ....و هو ذو مكانة خاصة لديها .. )
ارتفع حاجباه بصدمة وهو يقول ببراءة مفتعلة
( ألم تجدي سوى ملك الصغيرة كي تنتقمي منها ؟! ...... )
انتفضت تنظر اليه بسرعة و غضب لتقول
( كان رغما عني .... لقد سقطت على السلم ... و التوى كاحلي ....)
عقد حاجبيه قليلا وهو ينظر الى كاحلها الذي بدأ يتورم بالفعل .... فقال باستياء
( لماذا لم تذكري هذا من قبل ؟! ...... هل يمكنك القيام بمفردك ؟! .... تعالي لأربطه لكِ ... )
لم يبد على ملامحها و كأنها سمعته من الأساس و هي تنظر اليه بازدراء ... ثم قالت ببرود
( نعم ..... لما لا تحملني كذلك ؟! ......... )
قال ببساطة ووضوح
( آسف .... أعتقد أنكِ أثقل من احتمال ظهري ... أنا أقارب الأربعين من العمر و لم أعد في كامل لياقتي .... ربما لو ظهرتِ منذ عشر سنوات لكنت قد حملتك ممتنا ..... )
مطت شفتيها و هي تقول من بين أسنانها
( خفة ظلك نادرة الوجود ....... اتمنى من الله أن يلتوي ظهرك بنفس التواء كاحلي و لا تستطيع حمل نفسك حتى ...... )
عقد حاجبيه وهو يقول بعجب
( ياللهي !! ....... انتِ فعلا شريرة ..... لا أعلم ممن ورثتِ أنتِ و أخيك مثل هذا الشر ؟! .... فأمك تبدو ملائكية الطبع ...... )
مطت شفتيها بسخرية و هي تقول
( لم يحالفك الحظ لرؤية خالي ......... )
حينها أرجع راسه للخلف يضحك بقوةٍ وهو يقول باختناق من شدة ضحكه
( لقد رأيته بالفعل رحمه الله ..... و أنا الذي كنت أتسائل أين رأيتك من قبل !! .... كيف نسيت وجه الشبه بينكما ..... )
عبست بشدة من تلك الإهانة .... لكنها صمتت تراقب ضحكاته العالية و هي تبتلع انجذاب انثوي غبي ينمو بداخلها .... لم يحدث لها من قبل حتى في أولى سنوات مراهقتها ....
في تلك اللحظة كانت وعد تهبط السلم من الطابق الذي يعلوهما مباشرة حيث تقع شقتها مع ملك ...
لكنها توقفت فجأة بمنتصف السلم و هي ترى ورد تجلس بجوار يوسف على أولى الدرجات بينما يوسف يضحك عاليا بمرح ....
التفتت ورد تنظر اليها بارتباك ... بينما توقف يوسف عن الضحك وهو يقول باهتمام و بعينين مشعتين
( صباح الخير يا وعد ..... لقد تأخرتِ اليوم ..... )
عقدت ورد حاجبيها و هي تنظر الى وعد مليا ....
حيث كانت عيناها منتفختان ... حمراوان ... و تحتهما انتفاخاتٍ زرقاء دلت بوضوح على بكاء ليلة طويلة ...
كانت تستند الى حاجز السلم بارهاق ... و شعرها يبدو وكأن مشطا لم يلمسه هذا الصباح ....
عيناها كانتا لا تحيدان عن عيني ورد التي لم تجد الجرأة على النهوض حتى ... لكن وعد قالت بخفوت و لمحة أمل ... تكاد تكون توسل
( هل أرسلك سيف الى هنا ؟! ........ )
رمشت ورد بعينيها عدة مرات و هي تشعر بانقباض بقلبها ... كان منظر وعد هزيلا مرهقا و شفتيها زرقاوين للغاية ... عيناها الرماديتان تتوسلان و تنبضان بالألم ....
لا لم تكن ورد شريرة الى تلك الدرجة التي ذكرها يوسف ... و الا لما كانت لتشعر بهذا الإنقباض الذي تشعر به حاليا ....
لكن ماذا بيدها ؟! ..... حتى لو كانت تكره وعد ... الا أنها لم تكن السبب بطلاقها .... و سيف يريد الإطمئنان عليها من بعيد ....
لذا أخفضت وجهها و هي تقول بفتور خافت
( لا .... لقد جئت .... كي اعطي ملك صندوقا يخصها .... نسيته لدينا ..... )
صمتت قليلا و هي تشعر بدناءة غير مبررة .... ثم قالت متابعة بخفوت اكبر كي تعطي حجتها اهمية اكبر
( و امي تريد الإطمئنان عليها كذلك ..... لقد رحلت ..... فجأة .... )
ساد صمت طويل قاتم .... فرفعت ورد وجهها بتردد ... و هالها رؤية ملامح وعد .... فقد ظهر الم اكبر ... يكاد يكون شعورا بالضطهاد ... حتى انها فغرت شفتيها قليلا تتنفس من بينهما ....
ثم اخفضت وجهها و هي تقول بخفوت
( ملك بالشقة فوق ..... تفضلي ...... و اخبري عمتى ..... أن بإمكانها المجيء و رؤية ملك بأي وقت ...)
ثم قالت بعد لحظة اختفى بها صوتها
( اعذراني .... يجب أن أذهب للمعرض ...... )
مرت بهما و تجاوزتهما ببطىء .... و هي منحنية الكتفين ... متهدلة الشعر و الروح .... تجر ساقيها بصعوبةٍ
و ما أن اختفت عن ناظريهما ... حتى انتفضت ورد تقول بغضب و جنون
( تبا لكما معا انت و سيف .... و أنا قبلكما ..... )
انتفض يوسف في مكانه و الذي كان يراقب اثر وعد بعد اختفائها .... فنظر الي ورد طويلا مقطب الجبين عاقدا حاجبيه بشعور قاتم منقبض .... ثم قال اخيرا بعد فترةٍ طويلة بخشونةٍ خافتة
( تعالي لأساعدك في النهوض ........ )
نهضت وحدها و هي تقول بشراسة
( لا أحتاجك ..... فقط ابتعد عني ..... )
الا أنها ما أن داست على كاحلها المتورم .... حتى أغمضت عينيها بشدةٍ و تأوهت ألما و هي تميل استنادا الى حاجز السلم ....
حينها هتف بجفاء و خشونة
( يالكِ من حجرٍ ناتىء مدبب الزوايا ..... هات يدك لأساعدك ... أو أتركك هنا و اغلق باب المعرض خلفي... )
زفرت بشدة و هي تطبق جفنيها ... متشبثة بكلتا يديها بالحاجز .... ثم قالت اخيرا دون أن تستدير اليه بلهجةٍ فظة و صلف
( أنزل أولا لتحضر الصندوق ......... )
ارتفع حاجبيه وهو ينظر اليها بدهشة ... قبل أن يهز رأسه بيأس ... لكنه امتنع عن الكلام وهو ينزل السلالم كل درجتين معا ... ليحضر الصندوق ... و ما ان وصل اليها مجددا ... حتى مد يده اليها قائلا بجفاء
( هلا تمسكت بذراعي الآن ....... )
رفعت وجهها و فتحت عينيها تنظر الى ذراعه الممتدة .... فشعر بنفس الشعور بالشفقة تجاهها , حينها رق قلبه لها قليلا فابتسم قائلا بلطف أكبر
( من فضلك ...... لن آكلك .... )
نظرت اليه قائلة بجمود و لمحة الألم لا تزال تعلو وجهها
( أنا مدببة الزوايا أيها الجلف الأخنف ! ..... )
اتسعت عيناه قليلا بذهول قبل أن ينفجر ضاحكا مجددا وهو يقول
( هل شفيت أذنك الآن و صار سمعك حادا عند هذا اللقب تحديدا ؟!!! .....)
رغم وقاحته .. الا أنها لم تشعر بالنفور من تلميحه لإصابة أذنها ... فمرحه كان أكبر من وقاحته ...
لكنها أخفضت وجهها تخفي رغبة سخيفة في الضحك و هي ترفع يدها للتتشبث بذراعه دون اذن ...
حينها توقف عن الضحك تدريجيا وهو ينظر الى جفنيها المسبلين .... ثم قال اخيرا بخفوت لطيف وهو يساعدها للصعود درجة درجة
( أحسنتِ ...............)
ظلا يصعدان السلم جنبا الى جنب وهو يتلقى استنادها اليه بلطف .... ممازحا اياها بين الحين و الآخر ليقول
( لو كنتِ رأيتني أيام الشباب .. كنت أستطيع حمل رجلا يفوقك وزنا بحوالي ثلاثة كيلوجرامات اضافية ... )
و كانت ترفع وجهها اليه بامتعاض ... تمط شفتيها , الا أنها كانت تريد الضحك للحظة ... فقط ضحكة واحدة محتجزة خلف شفتيها .... لكنها قالت ببرود خافت
( هل ترى أن هذه هي المشكلة الوحيدة في حملي ؟! .... أن ظهرك لا يتحمل وزني ؟! .... )
رفع حاجبه وهو يقول متظاهرا بالحيرة و البراءة
( لا تخبريني أنكِ تخجلين كباقي النساء ؟! .... ستكون تلك طفرة ... )
مطت شفتيها أكثر و هي تعرج صاعدة ... ثم قالت بوجوم
( ربما الأصلح هو أن تعود من حيث أتيت .... فعقلك غير معرف على قاعدة البيانات الخاصة بنا هنا ... و قد تتسبب لنفسك في الأذى ... من زوجٍ غيور ... أو أخ مجنون ..... )
ضحك بخشونة وهو يقول ببساطة
( لماذا ينتابني شعور بأن الزوج الغيور و الأخ المجنون هما في الواقع نفس الشخص ؟!! ...... )
احمر وجهها بشدة ... لدرجة أنها تعثرت بآخر درجة .... فتأوهت بشدة ... حينها امتدت ذراعه غما عنه تحيط بخصرها ... لكنه سارع لانتزاعها في اللحظة التالية وهو يشعر بالحرج و الإرتباك ....
و ما أن انتظمت أنفاسها قليلا ... حتى قال بخفوت
( أنا آسف ..... لم أقصد ارباكك .... و ايلامك ... )
ارتبكت الآن أكثر فتنفست بسرعةٍ اكبر .... حينها قال بعبوس وهو يخطىء فهم طبيعة اهتزازها
( هل تتألمين لتلك الدرجة ؟!! ..... ربما يجب أن أصطحبك الى المشفى ... قد تعانين من كسر لو كنتِ مصابة بهشاشةٍ في العظام .... حينها اي حركةٍ خاطئة قد تسبب لكِ كسرا )
أغمضت عينيها و هي تمط شفتيها بامتعاض .... لدرجة أن كرهت استنادها اليه ... انه يشعرها بعمرها في كل كلمةٍ ينطق بها ....
همست من بين أسنانها بغيظ
" هشاشة عظام ..... معطوب الظهر ... معدوم حرف العين ... "
عقد يوسف حاجبيه وهو يحني رأسه ليسألها باهتمام
( ماذا قلتِ ؟! ...... )
ابعدت وجهها عنه قليلا و هي تقول بتوتر
( قلت أنا بخير ..... ابتعد قليلا فقط .... )
ابتعد عنها و قد وصلا الى باب شقة ملك ووعد ... لكن و قبل أن يضغط الجرس سارعت تقول فجأة بقوة
( كيف تدعي حبها و أنت لا تبدو حتى متأثرا بمنظرها منذ لحظات .... أنا نفسي شعرت بالإختناق رغم كرهي لها .... )
ظل ينظر الي عينيها الحادتين بهدوء ... قبل أن يقول باتزان دون أن يدعي عدم الفهم
( أولا أنا لم أدعي حبها أمامك على الأقل . لا يزال الوقت مبكرا كي أصل الى تلك الدرجة من الحب التي تجعلني أهتز لدموعها على رجلٍ آخر ... لكنني بكل تأكيد أكثر من راضٍ لأنها ستكون الدموع الأخيرة .... )
رمشت عيني ورد و هي تراقبه بتأمل .... قبل أن تقول بخفوت على الرغم من الإنقباض بصدرها
( منذ رآها سيف للمرة الأولى و قد اختل توازنه و عزم على أن تكون ملكه .... حبه لها كان همجيا ضاربا لكل المنطق ..... )
رفع حاجبيه وهو يقول بلهجةٍ ذات مغزى
( و انظري الى أين آل هذا الحب الهمجي الآن !! ........ إنها مجرد فورة مشاعر شرقية و ما أن تبدد رحيق توهجها الحاد ... حتى بدأت الخلافات و العناد في الطفو الى السطح ... فلماذا التمسك بتلك العلاقة الغير صحية ؟! ....... )
كانت تنظر اليه بملامح جامدة صامتة ... من المفترض أن تشعر بكل الرضا لكلامه ... الا أنها على العكس
كانت تشعر بضيق شديد ... منذ أن رأت منظر وعد البائس ... و أمس حين كان صوت سيف الخشن الخافت يقطر ألما .... و آخر شيء غير مفهوم لها , هو ضيقها من فكرة ارتباط وعد بيوسف هذا ....
و ماذا يهمها ؟! .... منذ متى كانت تشعر بالغيرة لأن أي فتاة حولها ارتبطت برجل وسيم ؟! ..
هل بدأت تختل عقليا في هذا السن بعد أن نضجت كما تعتقد ؟! .......
و كي ينهي جدالهما .. مد يوسف يده و ضغط الجرس ....
بعد عدة دقائق .. كان ثلاثتهم يجلسون على الأريكة ... يوسف و ورد و ملك .... و أمامهم الصندوق مفتوح بينما العروس الصغيرة واقعة بجواره ....
و كانت ورد تنظر بطرف عينيها الى ملك الصامتة المصدومة .. فقالت محاولة تخفيف الأمر و هي تحتضن حقيبتها بين ذراعيها
( إنه يبدو أجمل بدون العروس ...... كانت تافهة جدا .... يمكنك الآن وضع المزيد من الخواتم به ... )
رفع يوسف عينيه للسماء .. ثم قال بخفوت
( أنتِ لا تساعدين بلسانك هذا ...... اكبحيه قليلا .... )
ثم قال لملك التي ظلت صامتة ... بلا أي تعبير حي على وجهها الساكن المتأمل للصندوق
( انظري .... لو وضعنا العروس هنا .... و ثبتناها بشريط لاصق .... هكذا .... )
كان يعمل بإهتمام بعد أن أخرج من جيب قميصه نظارة أنيقة ... بنصف اطار رفيع أسود ....
و ما أن انتهى .. حتى رفع رأسه قائلا بفخر
( آآآه .... انظري الى جمالها ..... )
بدأت العروس تدور مصدرة صوت حشرجة الورق اللاقص للحظتين فقط .. قبل أن تقع مجددا و هي ممسوكة من قدمها بالشريط اللاصق ...
عبس يوسف وهو ينظر اليها تدور نصف دورة .. و تطرق رأسها بجدار الصندوق مرة بعد مرة ...
بينما ضحكت ورد و هي تقول بسماجة
( لماذا تلطم المسكينة ؟! ....... على الأقل أصبح لها دور فلكلوري أكثر ... فرقص الباليه لم يكن واقعيا تماما ... )
رمقها يوسف بطرفِ عينيه غاضبا ... ثم قال بخشونة
( لما لا ترينا بعضا من موهبتك الفذة .. بدلا من لسانك المحتاج لقصه , ففي النهاية أنتِ من رميتِ الصندوق بأقصى ارتفاع ذراعك ...... )
رفعت ملك وجهها المصدوم و هي تنظر الى ورد متحققة مما نطق به يوسف للتو ... فهتفت ورد بقوة وغضب
( أقسم بالله لم أرمه قصدا ...... لقد وقعت على السلم و آذيت كاحلي كما ترين ...... )
نظرت الى يوسف شزرا و هي تقول من بين أسنانها
( كم أنت طفل ساذج !! ........ طبعا , السعادة تتألق بداخلك منذ أن عرفت بطلاق الأميرة ... )
عقد يوسف حاجبيه وهو يقول بخشونة هامسا مشيرا الى ملك بعينيه
( شششش .... ما بالك ؟! .... الا ترين أن أخت الأميرة تجلس بجوارك ؟! .... )
زمت ورد شفتيها و هي تنظر اليه بغضب ... بينما نهضت ملك من مكانها ببطىء و هي تحمل الصندوق بين ذراعيها تحتضنه كطفل صغير ... ثم ابتعدت الى غرفتها دون كلمةٍ إضافية ...
بينما نظر اليها كل من يوسف وورد باحساس بالذنب .... الى أن اختفت فالتفتت ورد الى يوسف تقول بغضب
( هل أنت راضٍ الآن ؟! ....... أوووف , شخص لا يحتمل .... احترم سنوات عمرك قليلا ... )
نظر اليها بجفاء وهو يقول
( يكفي احترامك أنتِ لسنوات عمرك لدرجة تجعلك أقرب للواء شرطة .... متقاعد .... )
زمت شفتيها بغضب و هي تنظر اليه تكاد أن تقتلع عينيه من محجريهما ... لكنه نهض من مكانه ليقول بنبرةٍ آمرة
( هيا لأقلك الى بيتك ......... )
عقدت حاجبيها و هي تهتف
( مستحيل ......... سأعود وحدي ... يكفيني وجودك الى هذا الحد )
نظر اليها من علو رافعا حاجبيه بصمت .... بينما قالت بعد فترة طويلة مندفعة
( مستحيل ...... انسى ..... )
أوقف يوسف سيارته أمام بيتها وهو ينظر اليها مبتسما ليقول ببساطة
( كانت فرصة سعيدة .... مجددا ..... أتمنى المرة القادمة أن أرى خاتم الخطبة باصبعك قبل أن يهرب العريس ...... )
كانت تتنفس بسرعة و هي تنظر اليه ... فقال قبل أن تنفجر
( احذرك قبل أن تندفعي بقذائفك طويلة المدى ..... قد يكون أخاك قريبا من المكان و لو رآكِ بسيارتي فسوف تكون ليلتك منقوشة بلون قميصك .... )
أخفضت ورد عينيها تلقائيا الى قميصها الرمادي و المنقوش بمكعباتٍ سوداء حريرية .... و بالفعل تخيلت منظر وجه سيف لو رآها في سيارة يوسف ...
فأسرعت تمسك بمقبض الباب و هي ترتجف بهلع ... حينها قال يوسف بهدوء مبتسما من خلفها
( جبانة .......... )
التفتت اليه بعينيها النمرتين ... و اندفع ذيل حصانها على كتفها و هي تلتفت اليه تلك الالتفاتة الشرسة ...
حينها ابتسم متسليا وهو يجدها بمعجزةٍ ما .. جذابة جاذبيةٍ خاصة ...
ابتسم أكثر وهو يفكر أن التسلية بها ظريفة ....
لكنه شعر بالخسارة وهو يجدها تتنازل عن الرد قليل التهذيب و هي تندفع خارجة تعرج قليلا ثم تصفق الباب خلفها ....
ابتسم قليلا وهو يشعر بأنه سيفتقد تلك المرأة المسلية ... الى أن يراها مجددا !
.................................................. .................................................. ....................
دخل سيف غرفة ورد دون أن يطرق الباب .... فالتفتت اليه بدهشة و هي تنظر الى هيئته المشعثة ... و ذقنه الغير حليقة ... عيناه المتعطشتان ...
فقالت بخفوت
( إنها المرة الأولى بحياتك و التي تنسى أن تطرق بها الباب قبل أن تدخل !! ...... )
عقد سيف حاجبيه وهو يخفض وجهه لينظر الى كفه الممسكة بمقبض باب غرفتها المفتوح ,
فرفع عينيه اليها يقول بخفوت مماثل مرتبك ... بشكلٍ لم ترى به سيف من قبل
( أنا آسف .... لم ألحظ , رأيتك تدخلين البيت و أنتِ تعرجين .... ف ..... )
تنهدت ورد و هي تخلع ساعة معصمها ... لتستدير عنه و تلقي بها على طاولة الزينة بإهمال قائلة بفتور
( آخر ما يهمك الآن هي قدمي يا سيف ...... أنت تريد السؤال عنها .... )
عبس سيف أكثر وهو يقول منكرا
( بالطبع لا ...... ماذا حدث لقدمك ؟....... )
ضحكت ورد باستهزاء ضعيف ... قبل أن تقول ببرود
( وقعت على السلم ..... لكنه مجرد التواء ....... )
ساد صمت متوتر ... لم تقطعه بكل قساوة قلب , و مرت اللحظات بطيئة و هي تسمع صوت مقبض الباب يصدر صريرا متوترا بين قبضته .... فتنهدت مجددا حين اشفقت عليه فقالت متنازلة قليلا
( أسال يا سيف ...... لن ألومك .... )
ابتلع غصة بحلقه .... و ازداد عبوسه , فقال بخفوت رغما عنه
( كيف هي يا ورد ؟........... )
وقفت مكانها قليلا دون أن تستدير اليه ... تنظر الى وجهها في المرآة بصمت ...
و طال بها الوقت و طال به الحريق .... الى أن قالت أخيرا بفتور
( مثل القرد ......... )
عقد حاجبيه قليلا وهو يقول بشك مكررا
( هل هي ب ..... بخير ؟؟! ...... )
هزت كتفيها و هي تقول ببساطة و صدق دون أن تستدير اليه
( كانت متجهة الى عملها حين رأيتها ... قبل أن أصعد لملك .... )
أخفض سيف وجهه وهو يقبض على مقبض الباب أكثر .... بينما كانت ورد تراقب ملامحه في المرآة ... الى أن قالت أخيرا بخفوت
( تبدو كمن كان يتمنى أن تكون مريضة .... عليلة ...... )
انتفض يرفع وجهه وهو يقابل عينيها في المرآة .... حينها عقد حاجبيه بشدةٍ اكثر قبل أن يهمس بصوتٍ أجش
( لست مختلا كي اتمنى مرضها ........ )
ابتسمت قليلا بحزن ... قبل أن تهمس هي الأخرى
( لكنك تتمنى الشعور بذرةٍ من ولعها بك ..... مرضها بسبب فراقك .... )
ظل سيف ينظر اليها طويلا .... الى أن قال بصوتٍ أجش خافت
( لا أريد سوى أن تكون بخير ..........)
و دون كلمة اخرى كان قد خرج مطرق الرأس ... مغلقا الباب خلفه بهدوء ميت
تاركا ورد واقفة تنظر الى مرآتها بصمت ... و هي تشعر بأنها ما نطقت الا الحقيقة الكاذبة ........
و كم احتقرت نفسها !!.....
.................................................. .................................................. .....................
بقت في الماء الساخن طويلا .... علها تريح من جسدها المتعب ....
أرجعت رأسها للخلف و ارتاحت قليلا ..... و تراجعت الى أن استلقت تحت الماء .....
دائما ما كانت تحب هذه الحركة كلما رغبت في الهرب ....
تنام تحت سطح الماء و تتخيل أنها أصبحت في عالم آخر .... الى أن تختنق تماما ... و ما أن تفعل حتى ....
قفزت شيراز من تحت سطح الماء و هي تشهق بقوة بعد أن نفذ الهواء من رئتيها فانطبقتا بشدة ...
أخذت تلهث قليلا و هي تمسح الماء عن وجهها .... قبل أن تستلقي مجددا و تنظر الى سقف الحمام ...
ثم همست بجمود
( و ماذا بعد ؟!! ........ هل ستهربين أم ستبقين ؟!! ..... بأي من الخيارين نجاتك و بأي منهما عذابك ؟!! .... بت لا أعرف ......)
انها تشعر هذا الصباح أن الحب بداخلها تجاهه تراجع كثيرا .... حتى أنها بدأت تشك في أن ما كانت تشعر به هو حب حقيقي من الأساس !!
إنها تعاني خللا ما .... بعقلها ... و قلبها .... و قرارتها .... و حتى بجسدها ...
باتت لا تستطيع استغلال أي منهم ........
أول مرة تشعر بالخوف .... كل مرة من مرات زواجها التي سبقت كان لديها شبه تأكيد أنه...انها ستنال الأفضل منه
لكن الآن .... ينتابها القلق ... بل الرعب
لم تعد صالحة لأحد .... لقد كبرت و بدأ الوهن ينتابها و لم تعد مغرية لأحد .... تبا له هو السبب ...
منذ أن دخل حياتها و قد عمل على الإخلال بكل موازينها في الحياة ....
انتفضت شيراز حين سمعت صوت جرس الباب ....
فتمسكت بحوض الإستحمام بكلتا يديها و هي تدير رأسها .....
هل عاد سريعا ؟!!! ..... لكن من المؤكد أنه لن يستخدم جرس الباب ...
نهضت ببطىء من حوض الإستحمام ... فلفت نفسها بمنشفة كبيرة و هي تخرج من الحمام بقلق ...
هل باب البيت محكم الغلق ؟!! ...... اكتشفت للتو أنها تجهل كل شيء عن هذا المكان الجديد عليها ...
وصلت الى الباب ... فوضعت يدها عليه و هي تقول بتوتر
( من ؟!! .........)
سمعت صوت رقيق يقول
( أنا لجين ...... اخت وليد .... افتحي يا بشرى ...)
أغمضت شيراز عينيها للحظة و هي لا ترغب في رؤيتها .....
لكنها فتحت الباب ببطىء ... تنظر اليها .... بكل جمالها و رقيها ..... و صوتها الإذاعي الجميل ...
كان وشاحهها ملتف بعشوائية فوق شعرها المتهدل على جانبي وجهها ....
بينما كانت ترتدي بنطالا من الجينز الضيق .الغالي الثمن .. و قميص قطني قصير بلون الليمون الأخضر ... لم يخفي جمال جسدها .....
كانت تبتسم باشراق و هي تحمل صينية طعام كبيرة .... الا أنها ارتبكت قليلا و ارتعشت ابتسامتها حين رأت شيراز لا ترتدي شيئا سوى ....... منشفة !! ....
أخفضت وجهها الأحمر و هي تقول
( يبدو أنني جئت في وقت غير مناسب ..... هل خرجت من الحمام لتوك ؟!! ....)
نظرت شيراز الى نفسها .... لكنها لم تخجل .... فرفعت وجهها الى لجين تقول بفتور
( يبدو هذا ........)
رفعت لجين وجهها الى وجه شيراز .... الا أنها شهقت و هي تقترب منها هاتفة
( ياللهي !! ...... ماهذا ؟!!! ......)
كانت شيراز قد نست تماما وجهها الملون بصفعات وليد ..... لكنها عادت و تذكرتها
فرفعت يدها الى أعلى وجنتها تخفي فقط احداها ..... حينها زمت لجين شفتيها بغضب و هي تقول بصرامة
( افتحي الباب و أدخليني ............)
.................................................. .................................................. ......................
لا يعلم ما الذي أعاده هكذا مبكرا !! ...
كان ينوى البقاء خارج البيت حتى وقت متأخر .... كان يريد أن يمنحها الفرصة كي تمارس جشعها و تهرب بما غنمته ....
لكن لم تكد تمر بضعة ساعات حتى وجد نفسه يعود و بأسرع ما يمكنه ....
أوقف سيارته أمام بيته وهو ينظر اليه بعينين ناريتين .... ووجهٍ قاتم .... عديم الرحمة ... لكنه يخفي خلف تلك الواجهة الصلبة القشرة ... توترا لم يحسب حسابه ....
شيئ ما بداخله كان يرفض أن يتركها تهرب بمثل هذه السهولة ... دون أن يمتص منها آخر ذرة حياة توازي ما سيدفعه لها .....
و ليلة أمس لم تكن سوى مثال ..... كان يريدها ... و بشدة .... على الرغم من أنها لم تكن أجمل النساء .. و اغرائها الذي تتوهمه كان مجرد وهم ...
لكنها كانت تتخلل كيانه وهو يضمها بين ذراعيه ... و كأنها روح شريرة سوداء... تستشري داخل صدره ... تذيقه متعة محرمة ... حرمها هو على نفسه ثم أخل بما حرمه على نفسه .. و تمتع بارتشافه قطرة قطرة ....
دموعها كانت تمنحه راحة غريبة .....
أهي سادية منه ام انه راغب في الانصياع لتمثيلها المتقن .. و ندمها الزائف ؟!! .......
خرج من السيارة ببطىء ... ثم صفق الباب بعنف وهو يرفع رأسه ناظرا الى البيت .... قبل أن يدخل متثاقلا وهو يعلم أنه لن يجدها ...
صعد الطابق الأول عيناه متصلبتان لأعلى ... و يده تقبض على حاجز السلم ....
مر على شقة خالته و سمية .... فخف وقع أقدامه و تمنى الا تفتح لجين الباب ... فهو لا يريد مواجهة أي منهما الآن ....
إن كان غير قادرا على مواجهة نفسه في المرآة .... فهل يستطيع النظر بعيني أخته !! ...
ما ان تجازو شقتهما حتى اسرع الخطا الى شقته .... و عيناه تزدادان قسوة و ظلاما وهو يخرج مفتاحه مندفعا ....
و ما أن دخل .... كان أول ما صدمه هو الصمت الواضح الذي يغمر المكان ...
توقف مكانه عدة لحظات ... و هو يبدو كتمثالٍ هائل الحجم .... رخامي القسمات .... يدرك أن ما توقعه قد حدث ....
اخفض يده التي سقطت الى جانبه وهي تحمل المفتاح ...
ثم اتجه الى المطبخ ... و منه الى الحمام .. فأزاح باب ببطىئ شديد دون أن تهتز ملامحه القاتمة ...
ذهب بعدها الى غرفة النوم ... و أزاح بابها المفتوح جزئيا بنفس البطىء ... بل أشد بطئا .....
و من أول نظرة وجدها خالية .....
دخل بصمت و عيناه مثببتتان على السرير الذي بدا و كأنه كان حلبة مصارعةٍ شرسة .....
التوت عضلة في فكه .... وصور ليلة أمس تتدافع أمامه ....
كانت الغرفة الأخيرة .... و هي ليست بها ..... لقد هربت بالفعل ....
تحرك وليد ببطىء الى أن جلس على حافة السرير .... و مال بذراعيه يستند بهما الى ركبتيه .... مطرقا برأسه ...
شيراز .... كانت أكبر خدعة و لطمة لكبريائه ..... فاغتنما كمجرد نزوة ... دفع لها الكثير كي يسترد جزءا من كرامته .... ثم رحلت .....
رفع رأسه ينظر أمامه بصمت .... يراقب الشمس المتسللة من النافذة التي كانت تجلس أرضا أسفلها ليلة أمس
....
ترى أين ذهبت الآن ؟!! ...... هل ستعود لبيتها ؟!! .... أم ستذهب مرة أخرى الى علوان تترجاه كي يقبل بها ... أوربما تذهب الى زوجها الثاني.... ذلك الذي اعترفت أنها أحبته ... و وقفت أمامه باكية تترجاه بكل خنوع و ذل ..... و مع ذلك رماها هو الآخر ....
شعر بالقرف يملأ نفسه .... منها و من نفسه ....
كيف استطاع أن يرمي نفسه بمثل هذا المستنقع القذر !! ... و لماذا ؟!! ...
و الأهم .... لماذا يجلس الآن شاعرا بأنه خسر شيئا ما ..... شيء يكرهه ... لكنه خسره .....
نظر الى سلسلة مفاتيحه التي تدلت من يده .... و رآى بها مفتاح شقتها ... كان لا يزال معه منذ أن أخذه منها ...
لكنها تستطيع دخولها بكل سهولة .... هذا لو قررت البقاء وحدها .....
كيف ستطلب الطلاق الآن ؟!! .... و من سيقف بجوارها الى أن تناله ..... علوان ... أم زوجها الثاني ... أو الأول الذي لا يعرف عنه شيئا بعد .....
أطرق وجهه بصمت وهو يؤرجح سلسلة مفاتيحه بايقاع روتيني ..... و ابتسم بقسوة دون مرح .. ثم همس بصوت أجش
( ربحتها لتدفع ثمنها غاليا ثم خسرتها أسرع ما تخيلت ....... )
بعد فترة قصيرة حانت منه التفاتة .... فرمشت عيناه لتجد ورقة بيضاء مطوية موضوعة على طاولة الزينة ... لم يرها مباشرة عند دخوله ...
نهض من مكانه ببطىء و عيناه مثبتتان على الورقة .... فأخذها ليفتحها قبل أن يرفع حاجبيه فوق عينيه الناريتين و هو يقرأ رسالة في منتهى البساطة منها
" لقد خرجت للقاء ملك .... الصغيرة ذات الضفيرة ..... لن أتأخر ..... هذا في حال لو عدت قبلي و بصراحة أشك في ذلك .... لو رجعت أنا قبلك سأمزق الورقة كأن شيئا لم يكن .... الى اللقاء "
ظل وليد يقرأ الكلمات العفوية غير مصدقا !! ....
هل هي مجنونة ؟!!... أم غبية لتلك الدرجة التي تجعلها تتعامل بمثل تلك العفوية ؟!! ...
رفع رأسه وهو يهدر بنفسٍ غاضب .... غضب فاق الشعور الميت الذي كان يعيشه منذ لحظات ...
هز رأسه وهو يقبض على سلسلة مفاتيحه بقبضة ... و بالقبضة الأخرى يسحق الورقة بين اصابعه بشدةٍ حتى اهترئت ثم رماها ارضا عند قدمه و داسها بحذائها وهو يندفع خارجا مجددا .....
نزل السلم مجددا ... لكن هذه المرة وجد لجين تفتح الباب ... و تخرج ناظرة اليه و كأنها ضبطته متلبسا أخيرا ...
زفر وليد بغضب على الرغم من أنها لم تنطق بعد ... ثم قال صارما
( ماذا تريدين يا لجين ؟!! ...... أرجوك أنا لست في أفضل حالاتي الآن ..... )
ظلت لجين تنظر اليه قليلا قبل أن تقول بصوت هادىء
( هذا ما أراه بوضوح ..... الى أين أنت ذاهب ؟؟!! ..... لم تكد تدخل بيتك لتخرج !! .....)
نظ الى السلم خلفه للحظة ... ثم قال بصوتٍ متوتر
( هل صعدتِ الى شيراز اليوم ؟!! ..... )
رفعت احدى حاجبيها و هي تقول بلهجةٍ ذات مغزى
( تقصد بشرى ........ نعم تسللت دون علم خالتي و أحضرت بعض الطعام لها .... )
اشتعلت عيناه و برقتا بغضبٍ و كأنه ينتظر لما يغضب له ممتنا ... فقال بعنف
( لقد امرتك بألا تفعلي ...... أتتحدينني من باب الإستفزاز لا لشيء سوى اثارة غضبي !! .... )
كتفت لجين ذراعيها و هي تقول بتحدي رافعة ذقنها
( إنها عروس .... ومن حقها أن أحمل لها الطعام .... طالما أنها بنفس البيت معنا ....ام انك كنت تحضر لخطة تجويعها ؟!! .... )
عبس وليد بشدة وهو يقول حانقا
( البيت مليء بالطعام الذي يمكنها تجهيزه ......... تجويعها لن يفيدني في شيء )
قالت لجين بصوتٍ فاتر ...
( اذن ربما نفيها هو الأكثر فاعلية ....... لماذا جلبتها اذن الى بيتنا طالما انك تريد عزلها عنا ؟!.... )
زفر وليد وهو ينظر الى مدخل البيت ... يريد الاندفاع سريعا و اللحاق بها قبل أن تهرب الى مكانٍ مجهول ...
ثم قال بتوتر و غيظ
( تبا لذلك لجين .... .... لنكمل كلامنا فيما بعد ..... يجب أن أخرج الآن ..... )
حاول التحرك الا أنها تشبثت بذراعه و هي تقول بقوة و شجاعة
( انتظر ......... أريد ان اسألك سؤالا هاما , قبل أن تخرج مجددا .... )
زفر بقوةٍ وهو يتطلع اليها بغضب قائلا
( ماذا بعد يا لجين ؟!! ....... يجب أن أخرج حالا ...... )
قالت لجين بلهجة باردة ... جامدة
( ماذا فعلت كي تستحق كل هذا الضرب ؟! ........ )
تراجع رأس وليد للخلف و أجفلت ملامحه و كأنها ضربته على حين غفلة ..... الا أنه نظر بعيدا وهو يقول بصوتٍ متلجلج قليلا
( لا تتدخلي فيما لا يخصك .......... )
نزع ذراعه من يدها و هو يندفع خارجا , الا أنها تحركت خطوة مستديرة و هي تصرخ من خلفه
( أنت تضر نفسك يا وليد ...... لو تلك هي البداية ... فأنت تقتل نفسك ببطىء .... اتركها لحالها و سيكون هذا أكثر رحمة لكما معا .... )
توقف وليد مكانه لحظة ... دون أن يستدير اليها ... ثم اكمل طريقه مندفعا دون ان يرد عليها ...
.................................................. .................................................. ...................
توقفت شيراز للحظة امام مكان سكن و عمل ملك الجديد ... فرفعت عينيها تنظر اليه ...
ثم دخلت بتردد .... و ازداد ترددها اكثر و هي تقف امام باب المعرض الواسع ...
له واجهة زجاجية تطل على الطريق .... تحمل عدة فساتين راقية ....
أطلت بعينيها من باب المعرض .... فوجدت أقمشة ملونة متوهجة في كل مكان ... و تبدو عدة فتيات ظاهرات من إحدى الغرف و هن تعملن على ماكينات خياطة ...
شعرت شيراز بالتوتر و هي لا تعرف هل تدخل هذا المعرض حيث تعمل ملك ... أم تصعد الي شقتها ؟!! ...
ظلت واقفة مكانها ... تطرق برأسها و هي تشعر بالرهبة ...
من كان يظن أن يأتي اليوم الذي تكون فيه مترددة و متوترة من لقاء ملك !! ...
ملك التي كانت تقلم لها اظافرها و تأتيها بالطعام !! ......
تشعر الآن انها في مقامٍ اكثر دونية ... حتى انها تريد لو استدارت و هربت الآن ....
لكن قبل ان تتخذ القرار و تهرب بالفعل ... كاد ان يصطدم بها شاب صغير وسيم .... يبدو في السابعة عشر لا اكثر ....لكن يفوقها طولا بالكثير
ابتسم معتذرا وهو يقول بحرج .. بينما ارتبكت هي بشدةٍ لتحيط صدرها بذراعيها و هي تتراجع خطوتين
( انا آسف جدا ....... لكنك قصيرة للغاية لدرجة جعلتني أكاد ألا أراكِ ....)
عقدت شيراز حاجبيها و هي تقول متناسية القليل من توترها المعتاد في مثل تلك المواقف
( لست قصيرة الي ذلك الحد الذي يماثل قصر نظرك !!! ..... ثم أنك أنت الطويل كحائط سد لا فائدة منه سوى ارتطام الناس به ! ..... )
تعمد النظر اليها ... حتى أنه اقترب منها خطوة فتشنجت أكثر الا أنه لم يمسها وهو يحاول قياس طول كتفها و الذي وصل تقريبا الى أعلى مرفقه ....
ثم قال ببساطة
( فعلا أنتِ لستِ قصيرة ........ العتب على النظر اذن ..... لقد كدت أتعثر بكِ و أقع على وجههي ... نصيحة مني ... لا تقفين مجددا هكذا أمام أي باب كدرجة سلم غير ملحوظة خاصة مع طولك هذا .... )
عقدت شيراز حاجبيها و هي تقول بغضب
( تبا لذلك .... لن أبقى هناك لأنال المزيد من الإهانات ..... أنا ذاهبة .... )
و اندفعت تغادر بغضب .... الا أنه أسرع ليقف أمامها ... يعرقل سيرها وهو يقول ببشاشة يراضيها
( انتظري ...... انتظري يا آنسة ..... لا تغضبي ...... أنت لستِ قصيرة ... أنتِ طولك مناسب تماما ... )
رفعت وجهها اليه عاقدة حاجبيها بحنق و تردد .... كانت تريد أن تهرب ... لا تعلم لماذا ...
و بنفس الوقت كان "علي" ينظر اليها بتعاطف وهو يرى وجهها الذي تلون بعدة كدمات و كأنها خرجت للتو من أحدى حروب الشوارع التي يعرفها جيدا ....
صحيح أنها تبدو راقية الملبس الا أن عينيها و ملامحها عن قرب تخبره أنها ليست من بيئة رفيعة المستوى تماما ..... و لهذا تعاطف معها ....
حتى أنها ذكرته بالتعيسة ذات الأربعين لسان راوية .... فهي خضراء العينين مثلها , الا ان البائسة راوية أكثر اسمرارا منها ....
قال علي مبتسما برقة
( هل جئت لتفصيل شيئ ما ؟!! ....... )
ظلت تنظر اليه بطرف عينيها ... و هي زامة شفتيها المتكورتين كالأطفال ... لكنها قالت بجمود
( لا ...... لقد جئت لرؤية .... ملك ..... هل تعرفها ؟!! ...... )
رفع رأسه عاليا وهو يبتسم ببشاشةٍ أكبر و كأنه أحضر الذئب من ذيله ..واضعا يده على صدره بفخر ثم قال
( أعرفها ؟!!!! ....الجميلة ذات الضفيرة الساحرة ؟!! ها ها .... ليكن بعلمك آنستي أن الشخص الذي يقف أمامك هذا هو من وجدها من بين ملايين البشر ..... لكنني لا أحب أن أتكلم عن إنجازاتي كثيرا .... )
زمت شفتيها أكثر و هي تنظر اليه بحنق ... ثم قالت و هي تحتد تدريجيا حتى أوشكت أن تفقد القدرة على السيطرة على لسانها
( أنت ثرثار .... ثرثاااار ... ثرثاااااااااار أووووووووف ...... هل هي هنا أم أعد من حيث أتيت ؟!! .... أجب بنعم أم بلا فقط ...... )
اتسعت عيناه بتوجس أمام هجومها الضاري ... في حين أنه لو تظاهر بالإتكاء عليها فقط ..بحجمها هذا لسحقها و جعلها رسما على الحائط .... من أين أكتسبت هذا الجبروت و هي لا تتعدى حجم عقلة الإصبع ؟!! .... الا مراعاة لفارق الأحجام بينهما ؟!! .....
عقد حاجبيه باستياء ... ثم قال معدلا قميصه بنزق
( نعم ..... إنها هنا ... لكن ليس قبل أن ..... )
رفعت إصبعها فوق شفتيها و هي تهمس بعيني قطةٍ شرسة
( هششششششششش ..... اذهب و نادها ..... )
ارتفع حاجبيه بعدم تصديق !! ......ما تلك الهنجهية ؟!! ..... و من أين أتت بها و هي تبدو مضروبة كضرب لص تم ضبطه من الجموع الغفيرة !! ....
الا أنه قال وهو يمط شفتيه
( تحت امرك سيدتي .... هل تأمرين بشيءٍ آخر ؟!! ...... )
لوحت له بكفها بأن يذهب ... فارتفع حاجبه أكثر ... فابتعد خطوة وهو يهز رأسه بتعجب .. ثم لم يلبث أن نظر اليها مجددا بتعجب اكثر .... ليتأكد من أنها شخص حقيقي ... لا مجرد عفريت ...
ثم دخل الى المعرض ... بينما وقفت شيراز مكانها يتوتر .... تفرك كفيها بقوةٍ و توتر ....
عيناها مرهقتان تماما و هي تنظر أمامها .... شفتاها المكتنزتان مائلتان بحزنٍ متموج ... يماثله تماوج شعرها المتهدل بفوضوية حول وجهها ... مما يزيد الإعتقاد بصغر سنها ...
الا من ينظر الى عينيها الخضراوين عن قرب ... ليرى تلك الخطوط الدقيقة التي تزيدها هشاشة و ألما .....
سمعت صوتا أنثويا من خلفها يقول بتهذيب
( عفوا ....... هل تسألين عن ملك ؟!! ..... )
استدارت شيراز لتنظر الى من تكلمها .... فوجدت شابة تقاربها عمرا ...
جميلة ... بعينين رماديتين واسعتين .... شعرها أسود ناعم و طويل ..... أطول مما كان منذ سنواتٍ... تلك السنوات التي تماثل شعرها طولا ....و كان هذا هو الإختلاف الوحيد في مظهرها ...
ففغرت شيراز شفتيها وهي تتأملها بينما كانت عيناها تحملان الكثير ... و هي تهمس بصوتٍ أجوف ذو صدى بعيد
( وعد !! ............ )
عقدت وعد حاجبيها و هي تتأملها بارتياب
( هل تقابلنا من قبل ؟!! ...... )
رمشت شيراز بعينيها و هي تشعر بانفعال قوي ... تكاد تلتهم وعد بعينيها ....
نعم هي ..... هي وعد .... و كأن السنوات لم تمر ...... هي وعد التي كانت تساعدها دائما في أسود و أبشع ما مرت به قديما ...
اهتزت حدقتا شيراز .... و شعرت برغبةٍ عنيفة في البكاء ... و على الرغم من ذلك لم تجد دموعٍ لتبكي بها ...
كانت تبتلع كل غصة و أخرى و هي غير قادرة على النطق .... أو حتى اشاحة عينيها عن وعد ..
عقدت وعد حاجبيها و هي تقترب منها لتقول
( هل أنتِ بخير ؟!!! ....... هل تحتاجين لمساعدة ؟!! ....... )
و ما أن لمحت كدمات وجهها حتى ازداد انعقاد حاجبيها و هي تقول بخفوت
( هل ضربك أحد ؟!! ........ هل تعدي عليكِ أحدهم ؟!! ...... )
أطرقت شيراز بوجهها و هي تضع يدها فوق صدرها محاولة التنفس ... كي تتمكن من النطق ...
ثم لم تلبث أن سعلت قليلا و هي ترفع رأسها .... تبتسم ابتسامة مهتزة للغاية .... ثم تمكنت من القول أخيرا بصوت جامد لا يحمل أي تعبير
( لا .... أنا بخير ..... هل ..... يمكنني رؤية ملك ؟...... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تراقبها بارتياب عن كثب .... ثم قالت ببعض القسوة
( إنها متعبة قليلا ...... هل أنتِ صديقتها ؟!! ...... )
ابتلعت شيراز ريقها و هي تشعر بالدونية تتزايد بداخلها بقوة .... على الرغم من أنها قد تمتلك من المال و الملابس ما يكفيها .... الا أن احساسا بالدونية يخنقها أمام وعد ...نفس الإحساس الذي شعرت به أمام لجين أخت وليد .....
فقالت بارتباك و توتر
( نوعا ما ............... )
عبست وعد بشدة و قد زاد شكها خاصة أن تلك المرأة لا تماثل ملك سنا ... و من عينيها تبدو ذات خبرة و اقتدار على الرغم من كدمات وجهها .. حتى ملابسها الجريئة في وضح النهار كانت أكثر ريبة ... فقالت بصرامة
( نوعا ما ؟!!! ..... عذرا لكنني يجب أن أعرف صلتك بملك قبل أن أسمح لكِ بمقابلتها ..... )
ارتبكت شيراز بقوة .... و رمشت بعينيها ... فقالت بفتور
( لا بأس ....... سأغادر ....... )
استدارت لتبتعد قبل أن ينطلق لسانها بما لا يحمد عقباه .... و هي لا تريد لوعد أن ينالها من شر لسانها ...
الا أن وعد قالت بصوتٍ قاتم
( انتظري لحظة من فضلك ....... لن تغادري من هنا قبل أن أعرف من أنتِ ..... )
استدارت اليها شيراز بغضب و هي تقول بعدوانية
( هل ستحتجزينني لمجرد أن سألت عن أختك ؟!! ..... هل أنتِ مجنونة ؟! .... )
قالت وعد بحدة
( احترمي نفسك ...... أعتقد أنني أصبحت أملك فكرة واضحة عمن أرسلوكِ الى هنا ..... فلتذهبي اليهم و تخبريهم بأنن المحاكم هي وسيلة التواصل الوحيدة بيننا .... و فضيحتكم ستملأ الجرائد .... وأقسم بالله لو حاول اي منكم الإقتراب منها مجددا ... فأنهش لحمه .. و أفقأ مقلتيه بأظافري ..... )
عبست شيراز بشدة و هي تواجه هذا الهجوم الضاري .... لكنها لم تهجم عليها بالمقابل .. و هي قادرة تماما على ذلك ....
شيئا آخر شغل بالها .... فعقدت حاجبيها بشدة و هي تقول بقلق
( هل تأزم أمر زواجها الى تلك الدرجة ؟!! ............ )
حينها هتفت وعد بتوتر و غضب و هي تقف أمامها كي لا تهرب
( من أنتِ ؟!! ............ و ماذا تعرفين عن زواجها ؟!! ..... والله لن ترحلي من هنا قبل أن أعرف )
تنهدت شيراز بقنوط و هي تقول
( لا داعي لمثل تلك الدراما الرخيصة ....... أنا جارتها .... كنت أقطن في نفس الxxxx الذي به غرفتها القديمة .... قبل أن تأتي معكِ الى هنا ...... و أنا أعرف عن زواجها قبل حتى أن تعرفي أنتِ .....)
ارتبكت وعد ..... و شعرت و كأنها صفعتها بأدب و دون قصد ..... فظلت تنظر اليها قليلا ... قبل أن تقول بصوتٍ بارد ... متوتر ....
( تعالي معي ............. )
صعدت معها شيراز الى الشقة العلوية و هي تراقبها ....
و رغما عنها ابتسمت بشرود ذاهل ... مصدوم ..... و نفس الشعور بالدونية البغيضة ...
لطالما كانت وعد قاسية متهورة ..... حادة كحواف الزجاج المكسور .....
لم يهذبها العمر أبدا ...... لكن من هذب اذن ؟!! ......
هل فعلا تلك هي وعد التي تسير أمامها ؟!! .... إنها أنيقة ... و أناقاتها راقية .... تختلف عن أناقتها هي ... الفجة ... و التي لا تعرف غيرها .....
وصلا الى باب الشقة ... فأخرجت وعد المفتاح من جيبها و فتحت الباب .... فدخلت خطوة , ثم استدارت الى شيراز و قالت بلهجة آمرة
( انتظري هنا لحظة .........)
ثم أغلقت الباب في وجه شيراز الواقفة في الخارج ....
اجفلت شيراز بشدة .... و امتقع وجهها .... و هي ترى نفسها تقف امام باب اغلق للتو في وجهها .....
فأطرقت برأسها و هي تشعر بمدى غبائها في القدوم الى هنا بنفسها ....
فملك لم تعد هي نفسها ملك التي كانت تخدمها من قبل .... بل عادت لأسرتها .... أخت ناجحة متألقة ... متزوجة من رجل له وزنه في المجتمع .... و الأهم أنه نظيف الإسم و السمعة ... اسمه يشرف من تقترن به ....
لذا من حقها طبعا أن تغلق الباب في وجهها و تتركها خارجا كي لا تدنس البيت ....
استدارت شيراز قليلا فلاحت أمامها مرآة مذهبة معلقة على جدار الطابق الأنيق أمام المصعد ...
فهالها منظرها ... بدت كمشردة وضيعة .... قذرة ....
ملابسها الجريئة مشعثة قليلا و كأنها ارتدتها دون اهتمام .... شعرها مشعث فوضوي و متهدل حول وجهها المكدوم .... و الذي لم تهتم بخطه بخط واحد من الزينة ...
كانت تبدو أصغر سنا .... لكن أكثر وضاعة ....
و كأن السنوات لم تمر ...
و كأن السنوات لم تمر ....
رفعت يدها الى جبهتها و هي تستدير عن المرآة ....
أكان عليها أن تقابل وعد اليوم تحديدا ؟!! ......
بعد المطحنة الروحية و الجسدية التي مرت بها ليلة أمس !! .......
لم تكد تمر عدة لحظات ... حتى فتح الباب بقوة .... و خرجت ملك مشعثة الشعر و قد بدا طوفانا غير مرتب على غير عادتها ...
فوقفت تنظر اليها بلهفة ... ثم هتفت
( لم أصدق حين أخبرتني وعد أنكِ هنا ....... تعالي ... تفضلي ... )
لكنها عبست حين لاحظت كدمات وجهها ... فهتفت برعب و هي تقترب منها بسرعة
( ماهذا ؟!! ...... من فعل بكِ هذا ؟!! .... )
أطرقت شيراز بوجهها و هي تشعر بالغضب ....هل هناك أحد في البلد كلها لم يلحظ كدمات وجهها ؟!!
و هذا يرجعها لنفس نقطة الغباء ..... أكان عليها أن تخرج اليوم بعد ليلة أمس الكارثية بكل المقاييس ....
حين دققت ملك النظر الى عيني شيراز المرتبكتين .... تراجعت عن سؤالها و قالت بحزم و هي تشدها من يدها
( تعالي معي .......... لندخل )
ترددت شيراز وطالت بعينيها من خلف كتفي ملك تنظر الى وعد بقلق و حرج .... فقد كانت واقفة مكتفة ذراعيها بتحفز و هي مستعدة للهجوم عليها لو بدر عنها اي حركةٍ مثيرةٍ للشك ....
حينها استدارت ملك تنظر الى وعد و قالت بسرعة و لهفة بها طفولة
( لا تقلقي يا وعد .....الا تعلمين من هي ؟!! .... إنها بش ..... )
قاطعتها شيراز تقول بسرعة
( شيراز ..... جارتها قبل أن تنتقل الى هنا ...... )
نظرت ملك الى عيني بشرى المتخاذلتين ... المتعبتين ..... و شعرت بأنها تود لو تخفي نفسها عن العالم كله ...
فظلت صامتة قليلا ... قبل أن تقول بصوتٍ هادىء و هي تنظر الى وجه شيراز المطرق
( نعم انها جارتي ..... هي من أوجدت لي الغرفة التي كنت أقطنها ... و العمل في محل الورد .... لقد ساعدتني كثيرا من قبل .... سأظل ممتنة لها دائما .... )
رفعت شيراز عينيها الى عيني ملك ... و هي تفكر
" كما كنت ممتنة أنا لأختك .... ممتنة لحماية طفولية .... لم تأتي بالكثير من النفع ... الا أنها بقت في نفسي طويلا ...... "
جذبتها ملك لتدخل معها ..... الا أن وعد تمكنت من الإختلاء بها لعدة لحظات و هي تقول بارتياب ناظرة الى شيراز التي جلست على احدى المقاعد البعيدة ... تفرك أصابعها و قد بان عليها التعب ...
( هل أنتِ واثقة منها ؟!! ....... إنها لا تماثلك عمرا ... و مظهرها الجريء غريب علينا !! ..... أنا لا أشعر بالراحة لها .... )
قالت ملك بخفوت تطمئنها
( أعرفها منذ سنوات يا وعد ...... لا تحكمي عليها من مظهرها , لقد تعرضت للكثير من قبل فباتت لا تستطيع تمييز الكثير من الأمور ..... هي فقط تحتاج لمعاملة طيبة .... أنا الوحيدة التي كنت أمنحها تلك المعاملة ..... لا تكوني قاسية لهذه الدرجة ... )
تركتها ملك بينما وقفت وعد تنظر اليهما .... بضيق .... تشعر بأن أسرار ملك لا تنتهي ...
لكن من تلوم غير نفسها .....
نظرت ملك الي شيراز بعد أن جلست بجوارها و قالت بقوة
( من فعل بكِ هذا ؟!! .......أين ذهب الوسيم الذي كان يعد لك الطعام ؟ ... . )
أظلمت عينا شيراز و هي تنظر بعيدا بينما انقبض صدرها بشدة ... ثم تنهدت قائلة بخفوت
( دعكِ مني ..... لقد أتيت كي أعرف ما حدث بزواجك أنتِ .... )
لكن قبل أن ترد ملك ... عادت شيراز لتنظر حيث اختفت وعد ... فتابعت بصوتٍ شارد و بعدم تركيز و شبه ابتسامة واهية
( وعد لم تتغير إطلاقا ....... و كأن السنوات لم تمر ...... )
ابتسمت ملك قليلا بحزن و هي تقول
( لماذا لم تخبريها عن نفسك ؟!! ...... كانت لتسعد برؤيتك .... )
رفعت شيراز يدها بشرود تتلمس وجهها .. و قالت بصوت أجوف خافت خجل
( لقد تغيرت كثيرا ........ لم تعرفني .... )
قالت ملك بخفوت و حزن
( لقد تغيرتِ للأجمل ........... )
أنزلت شيراز يدها و هي تنظر اليها بابتسامة حزينة ... باهتة .... لا حياة بها ...
ثم همست بخفوت
( أنت كاذبة فاشلة يا ملك ...... جدا .....)
رفعت وجهها و هي تحاول مسح تلك الحالة عن وجهها ... فهي تشعر و كأنها تغيب و تنفصل عن واقعها ...
ثم قالت بخفوت متقطع ... غير متزن
( ماذا حدث معكِ أنتِ ؟؟ ..... ........ أردت المجىء اليك .... السؤال عنكِ .... أنا .... أنا أحتاجك جدا يا ملك ....)
ارتعشت شفتيها ... و أغروقت عينيها بغلالة من دموع ساخنة ... فتشوشت الرؤية أمامها ....
لقد أقسمت أن تعود لطبيعتها ... و لذلك خرجت .... لكن رؤية ملك جعلت الدموع تنفر من عينيها ....
و سرعان ما شهقت و هي تخفض وجهها ..... لتبكي باختناق ... محاولة ايقاف شهقاتها دون جدوى ...
انتقلت ملك الى جوارها بسرعة و ضمتها الى صدرها .....
ربما كانت تمر بظروف أصعب من أن تحتمل غيرها .... لكنها أقوى من شيراز ....
شيراز هشة .... مضطربة .... غير قادرة على الإتزان .....
أخذت ملك تربت على كتفيها و هي تقول برفق
( ماذا حدث الآن ؟!! ....... هل عدنا للبكاء مجددا ؟!! .... ظننت أن زمن البكاء قد ولى مع دخول الوسيم الضخم الى حياتك ......)
صمتت قليلا و هي تضم شيراز التي كان ارتعاشها يتزايد .... ثم قالت بخفوت تهمس لها
( أعرف ما قد يرفه عنكِ ...... لم يقلم أحد أظافرك منذ غيابي .... اليس كذلك ؟؟ .... ربما أحضر لك الوسيم ذو العضلات الإفطار .... لكنه لن يتمكن من تقليم أظافرك كما كنت أفعل أنا ...... )
ضحكت شيراز بجنون و هي تشهق باكية .... بينما كانت تضغط عينيها بقبضتها المضمومة كالأطفال ...
لو تعلم ملك أنه كان الأمهر من الجميع في تقليم أظافرها ...... بل اقتلعهم واحدا تلو الآخر .....
أخذت ترتجف و تشهق .... لكنها رفعت رأسها من صدر ملك .... تنظر اليها بوجهٍ أحمر بائس ...
ثم قالت باختناق
( لقد تزوجته ليلة أمس ........ )
ارتفع حاجبي ملك بذهول ... و هتفت غير مصدقة
( تزوجتِ كتلة العضلات ليلة أمس ؟!! ...... بهذه السهولة ؟!! ..... و ماذا حدث اذن ؟!! ... لماذا أنتِ هنا و تبكين ؟!! .....الا تحبينه ؟!!. )
مسحت شيراز وجنتها بظاهر يدها ... و هي تقول باختناق دون ان تتوقف عن البكاء .... تشهق بعنف بين كل كلمةٍ و اخرى ....
( لا أعرف ..... لا أعرف ..... بت لا أعرف شيئا ....... )
اخذت ملك كفها بين يديها و اخذت تفركهما .... بينما صمتت شيراز قليلا ... ثم قالت بصوتٍ ضائع القوى
( ماذا افعل ؟!! ......... ماذا أفعل ؟!! ....... )
رفعت ملك يدها تربت على وجنة شيراز برفق و هي تقول بخفوت
( تنفسي ببطىء ...... انتِ تعانين من صدمةٍ ما ....... خذي نفس ..... )
تعالى رنين الباب فجأة ..... فخرجت وعد من المطبخ لتفتح الباب .....
عقدت حاجبيها و هي ترى أمامها رجلا وسيما لكن شديد الضخامة ..... قوي العضلات ....
ملامحه غاضبة بشكلٍ لا يمكن إغفاله ....
فقالت وعد بعدائية
( نعم !! ...... من أنت؟!! ....... )
ازدادت شراسة وجهه وهو يواجه تلك العدوانية .... فقال بصلف من بين أسنانه ..
( أريد زوجتي ..... أخبروني في الطابق الأسفل أنها هنا ...... )
رفعت وعد ذقنها لتقول ببأس شديد
( عذرا ..... أنت لم تقل بعد من أنت كي أعرف من هي زوجتك .... )
اشتعلت عيناه أكثر .... بينما كان التوتر يتلاعب تحت بشرته المشدودة كالأوتار ....
فقال بهدوء خطير بينما قبضتاه تنقبضان الى جانبيه
( شيراز .... زوجتي هنا .... نادها من فضلك ....)
ظلت وعد واقفة مكانها ترفع ذقنها كي تتمكن من النظر اليه ... بينما قالت بنفس لهجته الخطيرة و عينيها في عينيه
( أنت لم تذكر بعد من أنت ...... و اذا لم تحترم البيت الذي طرقت بابه للتو .... فسيغلق هذا الباب بوجهك ....)
اتسعت عيناه بذهول .... و ازداد انقباض قبضته أكثر حتى ابيضت مفاصل أصابعه ... فلاحظتها وعد و توترت قليلا .... الا أنها لم تسمح لهذا التوتر أن يظهر عليها .....
لكنها لم تنتظر طويلا .... فقد جاء صوت هش من خلفها يقول
( لا داعي لهذا يا وليد ..... ها أنا ذا ..... كنت في زيارة لملك .... أنت تعرفها ....)
أجفلت ملامح وليد قليلا حين سمع صوتها الهش ... ثم رآها تطل من خلف وعد ...
التقت أعينهما في لحظة خاطفة .... فسرى ارتعاش بجسده الضخم المتوتر ....
وهو يراها في وضح النهار ... بوجهها الذي ضربه ليلة امس دون تمييز ... عيناها الخضراوان يمتزج خضارهما باحمرار البكاء .... لكن وجهها كان جافا ... فهل هو أثر بكاء ليلة أمس .... أم أنها بكت مجددا ؟؟....
شعر بحلقه يلتوى وهو يدرك أنها كانت على وشك السقوط بأي لحظة ..... كانت هزيلة شاحبة ... و كأنها فقدت نصف وزنها ليلة أمس ...
أخذ نفسا خشنا قبل أن يقول بلهجة الأمر
( تعالي الى هنا ...........)
تحركت شيراز بخنوع مطرقة الرأس كي تتجاوز وعد ... الا أن وعد قبضت على ذراعها بشراسةٍ فجأة لتبقيها خلفها و هي تقول بغلظة
( انتظري .... برؤية هذا الجلف ,أستطيع استنتاج أنه هو من ضربك بهذا الشكل الهمجي .... و أنا اكثر من قادرة على حمايتك طالما أنكِ ببيتي .....)
ابتسمت شيراز فجأة على الرغم من شحوب وجهها ... و تشقق شفتيها ....
نعم هي وعد .... حتى أنها تشبثت بكفها كطفل صغير و هي تنظر الى كفيهما معا ....
لم يهتم وليد بوقاحة وعد ... بل ضاقت عيناه و هما تراقبان ابتسامة شيراز الحزينة .... و كأنها سافرت الى زمنٍ آخر ....
تكلمت شيراز بخفوت .... و هي تترك كف وعد على مضض
( لا تقلقي ..... انا بخير ...... )
صمتت قليلا ... ثم رفعت عينيها الى عيني وليد .... لتتابع بصوتٍ أجوف له صدى
( انه زوجي .........و يجب أن أذهب معه ..... )
تحركت تتجاوزها ببطىء و برأسٍ منخفضة ...... فقالت وعد بحدة قبل ان تخرج
( نستطيع أن نحميكِ ......... زوجي لن يسمح له بالإقتراب من هنا ... )
اظلمت عينا وليد بشدة .... و قدرته على السيطرة على نفسه تتضائل ... و تهدد بأن يبطش بتلك الوقحة .. لولا ان عيناه لم تبارحا وجه شيراز .... كانت غريبة ... مهتزة .... و غير متوازنة على الرغم من هدوئها الظاهر .....
قالت شيراز بخفوت تكلم وعد
( فليحفظه الله لكِ ...... أنا سعيدة من أجلك ..... أنت تستحقي كل خير .... )
عقدت وعد حاجبيها قليلا .... و هي تشعر بشيء ما غريب ... و كأنها تعرف تلك المرأة .... ملامحها ليست غريبة عليها ... و خاضة عينيها الخضراوين المذعورتين ....
لكن ما شتت انتباهها هو دعائها الخافت ..... تلك الدعوة التي ذكرتها بأن سيف لم يعد لها .... لم يعد من حقها أن تطلبه لتطلب نجدته ......
اظلمت عينا وليد وهو يقول آمرا
( هيا بنا ..... لقد احرجتني و أحرجتِ نفسك بما فيه الكفاية ..... )
خرجت شيراز اليه مطرقة الرأس ... لكن قبل ان يستدير رآى ملك التي كانت تتمسك بالباب بأسى ...
و ما أن تعرف عليها حتى ابتسم قليلا دون مرح ....
حينها رفعت ملك كفها تلقائيا و كأنها تلوح له محيية متجهمة بصمت .... تخبره أنها تتذكره
شعر بداخله بشعور هائل من الاختناق و تلك الصغيرة ترى ما فعله بشيراز ...
و مع هذا تلوح له بائسة دون حتى ان تبتسم .... و كأنها لا تعرف ما هو الحل ........
مد يده ليمسك كف شيراز بتملك .... يجرها خلفه بتملك .... بينما شيعتهما وعد بكلمةٍ اخترقت أسماعه كالقذيفة
( همجي ........ )
أخذ يجرها خلفه الى أن وصلا الى السيارة .... فدفعها بقوةٍ تجاه المقعد الأمامي كي تفتح الباب ...
ثم اندفع يدور حول مقدمة السيارة .... ليجلس و يصفق الباب بعنف ..
جلست شيراز بمقعدها بجواره وهو ينطلق بالسيارة .... مطرقة الرأس ... صامتة تماما ....
بينما كان هو يغلي بغضب .... خاصة وهو ينظر بين حينٍ و آخر الى ساقيها الظاهرتين من الفستان القصير الذي ترتديه ....
فقال بخفوت و شر و كأنه يكلم نفسه دون أن ينظر اليها
( لنا حساب في البيت ........ لا بأس .... )
نظرت اليه فجأة .... و كانت أول مرة ترفع رأسها منذ أن استقلت السيارة بجواره ....
كانت ملامحها متبلدة .... شاحبة ....
لكنها قالت بخفوت فاتر
( أستطيع أستنتاج ذلك .......... )
أدار رأسه اليها بوحشية .... قبل أن يقول من بين أسنانه
( برودك لن يفيدك اليوم يا شيراز ....... و ما فعلته لن أمرره على خير .... )
ارتفع حاجبيها قليلا ... ثم قالت بنفس الفتور
( هل يمكنني السؤال ... عما فعلته بالضبط ليكون بمثل هذه الكارثة ؟!! ..... )
ضرب بقبضته على المقود بقوة وهو يهدر قائلا ..
( خرجتِ دون اذن مني ..... و أنت ترتدين ملابس رخيصة مثلك ...... دون اي اعتبار أن هناك ما تغير في حياتك .... وهو شيء بسيط جدا .... مجرد اسم رجل اصبحت تنتمين له .....)
ظلت تنظر اليه قليلا قبل أن تقول بفتور
( لقد اخذت هذا الفستان من الملابس التي أحضرتها لي .......... )
التمعت عيناه بوحشية وهو يقول بصوتٍ خافت أشد خطورة من علوه
( لا تتلاعبين معي انا بالذات يا شيراز ....... تعلمين جيدا أن تلك الملابس أحضرتها من أجل عيني أنا فقط ........ و يمكنك أخذها بعد انتهاء صفقتنا .... لكن حتى هذا الحين ..... لن تراكي عين سوى عيني ... لكنك تعرفين ذلك جيدا ..... و قررتِ أن تتحديني ..... )
تنهدت شيراز بتعب ..... ثم قالت و هي تنظر من نافذتها ...
( كل ما أعلمه أنني أخذت أول ما وقعت عليه يدي حين أردت النزول ..... لم أفكر في تحديك أبدا ...... و هذا يجعلني أطلب منك المرور على شقتي كي أحضر بعض من ملابسي ...... )
ضحك ضجكة خطيرة ..... أثارت رجفة في أوصالها و هي تنظر اليه بصمت .... ثم قال أخيرا باحتقار
( و كأنك كنتِ مثال الفضيلة قبل أن نتزوج ........ )
صمتت شيراز و لم تجد فائدة من الرد .... فعادت لتنظر من نافذتها بملامح ميتة ....
لكن وليد لم يرحمها وهو يقول من بين أسنانه
( ..... تظنين أنكِ ستحين نفس حياتك المنحلة و أنا العب دور المشاهد... أتمتع بما أناله منكِ ليلا على أن أصمت خلال باقي اليوم .... كباقي أزواجك .... )
زمت شفتيها قليلا ..... و هي تنظر الى وجهه الجانبي المجنون .... ثم قالت بخفوت
( حياتي المنحلة ؟!! ........... )
كان في سؤالها الكفاية .... فالتوى حلقه أكثر ... الا أنه تمكن من الإبتسام بسخريةٍ خشنة دون مرح وهو يقول
( ذكريني أين ربحتك تحديدا .......... )
ظلت تنظر اليه طويلا ... ثم قالت ببرود خافت
( حيث كنت أنت هناك ...............)
نظر اليها بطرف عينيه نظرة جعلتها ترتجف ..... قبل أن يعيد عينيه الى الطريق ...
ثم قال لنفسه بنفس الخفوت
( لا بأس .......... في البيت سنتابع حديثنا ..... )
تنهدت شيراز بصمت و هي تنظر أمامها ..... كانت عيناها واسعتان ... تنظران بلا حياة الى الطريق الطويل أمامهما ....
ثم قالت بخفوت
( افعل ما يحلو لك ........... لقد دفعت لتفعل ذلك )
ضاقت عيناه أكثر على الطريق .... بينما ابيضت مفاصل أصابعه على المقود ..... ثم قال بعد فترة صمت مشحونة طويلة ....
( من الأفضل أن تصمتي الى أن نصل ........ )
صمتت شيراز بالفعل و اسندت رأسها الى زجاج النافذة ..... مغمضة عينيها منتظرة انتهاء عقابه كي تتمكن من النوم ....
فتحت عينيها على صوته الآمر وهو يقول بصلابة
( انزلي ............... )
ذكرها هذا بليلة أمس .... حين نطق بنفس الأمر و هي تلبس فستان زفافها ... طائرة على سحاب الأحلام ...
على الرغم مما أمطرها به من الفاظه البشعة .... لكن بداخل قلبها كانت تحمل أملا .... سرعان ما دهسه بحذائه القديم .....
نزلت بصمت ... فترنحت قليلا .... الا أنها تمكنت من أن تخطو بخفةٍ و هي تسبقه الى البيت دون أن تستدير ....
فتح الباب بصمت فسبقته للداخل دون أن تتكلم .... و اتجهت الى غرفة النوم و هي تنتظر مصيرها من التقريع و ربما أسوأ ......
دخل خلفها ببطىء .... الى ان سمعت صوت باب غرفة النوم يغلق ... فاستدارت اليه ببطى ....
تراه يقف عند الباب ... ينظر االيها بنظراتٍ عديمة الرحمة ....
فرفعت وجهها تنظر اليه منتظرة ..... على الرغم من تعبها الشديد ...
ظل ينظر اليها قليلا بصمت ... قبل ان يقترب منها ببطىء دون ان يرفع عينيه عن عينيها ....
ثم قال اخيرا بخفوت
( خروج من هنا ..... لن اسمح لكِ به بعد اليوم ...... )
قالت شيراز بعد لحظة
( لقد اعطيتني حرية الخروج صباحا ..... فهل هذا فخ لتلحق بي المزيد من الإهانة ؟!! ..... )
كان قد وصل اليها .... فرفعت رأسها عاليا كي تتمكن من النظر اليه ...
رفع وليد اصبعه محذرا للحظة وهو يتأملها عن قرب ..... ثم قال أخيرا يتهجأ كل حرف
( الآن اسمعيني جيدا لأنني لن أكرر كلامي ..... منحتك حرية الخروج للأبد ... أي فصم العقد بيننا ... لكن بما أنكِ هنا الآن ..... مما يعني أنكِ قد قررتِ البقاء .... فهذا يعني أنكِ ستبقين هنا بشروطي أنا .... هل ما أقوله واضحا ؟!!! ....... )
قالت شيراز بصوتٍ فاتر
( هل سيكون سجنا ؟!! ....... ما الداعي منه ؟!! ... )
أومأ برأسه وهو يقول
( يمكنك اعتباره سجنا لو أردتِ ..... و الداعي هو أنني لا أثق بكِ ..... و لن أفعل ابدا .... )
ظلت شيراز تنظر اليه قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( لقد كنت مخلصة لكل زوج من أزواجي السابقين ....... )
أدركت أنها نطقت بشيء خاطىء .... من نظرة عينيه ... و التواء زاوية شفتيه .... على الرغم من ان ملامحه لم تتغير أبدا ... بل ازدادت صلابة .....
ابتعد عنها قليلا ... وهو ينظر اليها بصمت ... ثم قال بصوتٍ متجمد
( فكرتنا عن الثقة تختلف يا شيراز ...... اخلعي فستانك ... )
ارتفع حاجبيها و اتسعت عينيها بشدة و هي تفكر
" مجددا !!!! ...... "
فقالت بخفوت مضطرب
( أنا متعبة ....... هل يمكنني النوم قليلا ؟!! ......... )
التوت شفتيه أكثر .... الا أنه قال بصوتٍ جامد
( اخلعي فستانك يا شيراز ....... الآن ..... )
ارتجفت شفتيها قليلا ...... و نظرت الي عينيه تغوص بهما طويلا ...لكنها اصرت على ان تستجمع كل قواها و الا تدعه يهزمها مجددا كليلة امس .... فلتفعل ما تجيده اذن ... فهذا اكثر كرامة ...
انحنت و هي ترفع حافتي الفستان الى ان خلعته من فوق رأسها .... ثم وقفت تنظر اليه بسكون ....
طافت نظراته بها و طالت .... ببطىء كاد ان يهلكها .... فاحمر وجهها مجددا !! ... حينها لم تستطع متابعة التحدي اكثر ... فاطرقت برأسها و كتفت ذراعيها ببطىء ..
شعرت انها تموت امام عينيه ...... لكنه قال فجأة بصوتٍ صارم
( هاتي الفستان ........... )
رفعت وجهها اليه للحظة بعدم فهم .... لكنها عادت و اخفضته مجددا امام نظراته ... فانحنت لتلتقط الفستان قبل ان تستقيم و ترميه له ,..... دون ان تنظر اليه ....
سرعان ما سمعت صوت تمزقٍ عالي ..... فرفعت وجهها تنظر اليه بذهول و هي تراه ينتقم من الفستان ليمزقه من اعلاه الى اسفله ...
فغرت شيراز شفتيها و هي تراقبه ..... متأكدة انه اصابه مس من الجنون !! ...
رمى وليد الفستان المشقوق بعيدا ثم اعاد عينيه اليها ليقول بصوته القاسي ....
( من هذه اللحظة لن تدعي احدا يرى ذرة منكِ ....... تلك الملابس للبيت فقط .... )
اشتدت ذراعيها من حولها و هي ترتجف قليلا .... ثم قالت بخفوت باهت ....
( ألن أخرج اطلاقا ؟!! ...... حتى .... معك ؟!! ....... )
لم يرد عليها .... بل ظل ينظر اليها .... يدقق النظر بها ...... لكنه لم يرد عليها ..... بل اتجه الى أحد الأدراج .... ليخرج منه شيئا .... ثم عاد اليها ....
رأته بعينين مهتزتين وهو يمسك بشريط من الأقراص .... ليخرج منه قرصا ...
مده اليها وهو يقول
( ابتلعي هذا ............ )
التقطتت القرص منه وهي تنظر اليه ... ثم همست بخنوع
( ماهذا ؟!! ............ )
استدار بعيدا عنها وهو يوليها ظهره ..... ليقول بصوتٍ لا تعبير به ...
( ماذا تظنين ؟! ....... أقراص منع حمل ..... )
شيء ما أصابها في الصميم ..... شيء جعلها تنظر الى القرص المستكين في راحة يدها بصمت .....
كان وليد ينظر اليها في المرآة دون أن يستدير اليها .... و شعر بمخالب شرسة تنهش صدره ....
فعقد حاجبيه بغضب و استياء ....
لماذا من الممكن أن يخالجه شعورا يشبه الشفقة تجاهها .... من المؤكد أنها مرت بهذه الخطوة مرارا من قبل ...
رفعت شيراز وجهها الشاحب اليه .... فالتقت اعينهما في المرآة بصمت ...
حينها قالت بخفوت
( أنا لن أحمل ..... لا تخشى شيئا ...... )
انعقد حاجباه بشدة وهو يستدير اليها و ملامحه يعلوها شيئا ما ...... هل كان بعض القلق أم أنها تتوهم ؟!!
ابتلعت ريقها تبعد عنها تلك الأوهام ..... فقالت و هي تطرق بوجهها
( لقد استخدمت وسيلة أخرى .... في زواجي الثاني .. و جدتتها في الثالث ... لقد كان هذا طلب كل منهما ....... ثم نسيتها ..... )
انتفخ صدره بقوةٍ و انتشر لون قاتم ... بينما هجم عليها فجأة يقبض على ذراعيها يهزها بعنف حتى تطاير القرص من يدها بعيدا ... وهو يهدر عاليا
( توقفي عن الكلام عن رجال آخرين ..... توقفي عن أتكوني بمثل هذا الرخص .... )
أغمضت عينيها بشدةٍ و هي تشعر بالدوار و التهالك ... لكنها تمكنت من الصراخ عاليا و هي مطبقة جفنيها
( لم اكن يوما رخيصة .... كنت متزوجة ...... كنت متزوجة ..... كنت متزو....... )
لم تستطع إكمال عبارتها .... و هي تشعر بالعالم يغيب من حولها و يتداخل بصورةٍ عنيفة ....
فهمست و هي تلهث ...
( وليد ........ أشعر ...... )
الا أنها سقطت بين ذراعيه .... وآخر ما سمعته كان صوته وهو يهتف بقلق ... يلتقطها قبل أن تسقط أرضا
( بشرى ............ )
فتحت شيراز عينيها على صوت رجولي قوي يحثها مناديا باسمها ... و كف قوية تضرب الكدمات على وجنتها فتزيدها ألما .... لكنها كانت في عالم داكن قاتم ....
كانت في زاوية مظلمة من أركان الدار .... و ثور هائج يهاجمها فيدفعها لتلتصق باجدار المقشر المؤلم أكثر ...
يداه تندفعان تحت ثوبها القطني الرخيص .... و هي تحاول جاهدة كي تصرخ و تستنجد بأحدهم ... لكن لا فائدة ....
حنجرتها كانت مصمتة تماما ... و كأنها تحمل صخورا و حصوات أسفل بعضها ... و آخر قابع في صدرها مما يثقلها و يجعلها غير قادرة حتى على الحركة ....
يداه كانتا تعتصرانها بقوةٍ من تحت فستانها .... و أنفاسه تقتلها ببشاعتها .....
و هي تحاول ابعاد وجهها عنه يمينا و يسارا .... بينما يده الأخرى تضرب وجهها ...
صفعاتٍ رتيبة ... تتناقض مع عنف يده الأخرى تحت فستانها
و صوته يهتف بقلق
( بشرى ...... بشرى ..... أفيقي .... )
لكنها لم تكن تريد أن تفيق .... بل الموت أفضل لها من أن تفتح عينيها على رؤية وجهه البشع و أسنانه السوداء ...
هتفت أخيرا بكل قواها
( ابعد يديك القذرتين عني ....... أيها القذر .... ايها القذر .... )
و دون أن تدري رفعت يدها و تمكنت من صفعه بكل قوتها ..... و هي تصرخ باسمه ....
توقفت اليد الي كانت تربت على وجنتها ... و تشنجت العضلات التي تضمها الى صدره ....
و بدأت فجأة تجد قوتها .... و كم شعرت بحالة غريبة من النشوى و هي تجد نفسها قادرة على مصارعته للمرة الأولى ...
لكن قوته كانت أكبر من قوتها .... فقيد معصميها فوق رأسها و أخذ يصرخ بها كي تصمت ...
فلسانها لم يكن يهدأ من نعته بكل ما تخيلته يوما .... و لم تكن قادرة على ذلك حينها .....
صرخة هادرة بها .... و قبضتين تشدان على معصميها بصوةٍ نشرت الألم بشدة عبر ذراعيها
جعلتها تنتفض شاهقة و هي ترمش بعينيها عدة مرات .....
كانت مقيدة ... ذراعيها أعلى رأسها و احدهم يعلوها ... مما جعلها تنتفض اكثر و هي تطلقة صرخة قصيرة ..
الا ان صيحته هدرت بها مجددا
( توقفي يا بشرى ...... إنه أنا .... وليد .... زوجك )
صمتت قليلا و هي ترمش بعينيها عدة مرات ... تلهث بعنف , لدرجةٍ آلمت صدرها , و قد اغرقها العرق البارد ... و بلل قميص نومٍ قطني فضفاض ترتديه ....
نظرت الى ملامحه المتجهمة تعلو وجهها ... لا تبعد عنه سوى سانتيمترات قليلة ....
ابتلعت ريقها و هي تستوعب مكانها أخيرا .... ثم همست بضعف من بين شفتيها البيضاء المتشققة
( لقد استيقظت ..... استيقظت .... لا داعي لتقيدي هكذا .... لن أهرب لأي مكان ....)
خفف قبضتيه على معصميها تدريجيا ... ثم تركهما ببطىء .. فأخذت تدلكهما و هي تغمض عينيها بتعب , بينما قال هو بغضب
( تقصدين أفقت ...... لا استيقظتِ ..... لقد اصبت بالإغماء ........)
لم تتغير ملامحها الباهتة ... و لم تفتح عينيها لتواجهه .... بل قالت بخفوت
( استيقظت ..... أفقت .... لا فرق ... المهم أنني هنا الآن ......)
شعرت به يجس النبض بباطن معصمها .... قبل أن يقول بخشونة
( على ما يبدو أن ضغطك قد انخفض جدا ..........)
لم ترد شيراز .... كانت ملامحها باهتة .... غير مبالية بشيء .....
لكن شيء ما انتفض بداخلها و هي تشعر بيده على وجهها ... تمسح عنه العرق الذي اغرقه .....
ارتعشت قليلا من تلك المعاملة .... الا أنها عادت و نهرت نفسها على الغباء المكرر ....
لن تقع في هذا الفخ مجددا .......
قال وليد بصوتٍ أجش
( الطعام الذي أحضرته لكِ لجين لم تمسي منه شيئا.... متى كانت آخر مرة تناولت فيها طعاما ؟!! .... )
عبست قليلا تحاول التذكر ..... لكنها لم تستطع , و هناك شيء آخر شغل بالها ...
هل راقب الطعام .... و اهتم بملاحظة أنها لم تأكل شيئا ؟! ....
طيف دافىء تخللها فجأة عند تلك النقطة ........
لكنه سرعان ما اختفى حين قال وليد بخشونة
( عما تحدثتما أنتِ و لجين ؟؟ .......... )
فتحت عينيها ببطىء تنظر اليه .... تستحق ما تشعر به حاليا .... لكنها قالت بخفوت دون أن تنزل عينيها عن عينيه ..
( لما لا تسألها هي ؟؟ ......... )
عقد حاجبيه وهو يقول بخشونة
( تحدثتما اذن .............. )
ردت شيراز بخفوت و هي تبعد وجهها جانبا
( يمكنك سؤالها عن ذلك أيضا .......... )
قال وليد بقوة
( لا أريدها أن تختلط بكِ ........... )
أغمضت عينيها للحظة قبل أن تقول بخفوت
( لماذا ؟! ....... هل سأدنسها ؟!! ........ )
قال وليد بصوتٍ أجش متوتر
( اسمعي ما أقوله فقط ..... و لا تجادلي ..... )
قالت بصوتٍ مجهد ... باهت .....
( ايضا عليكِ أن تأمرها هي ...... هي من صعدت الى هنا , أنا لم أدعها ..... )
زفر بقوةٍ ... فازداد انطباق جفنيها .... و أخذت تدلك ذراعها بيدها المرتجفة بشرود ....
فأخذ يتأملها مليا .... قبل أن يقول بصوتٍ أجش مهتز قليلا
( عليكِ ابدال هذا القميص ..... انه مبلل بالعرق جدا و قد تمرضين ..... )
تحسست يداها القماش المبلل .... فتذكرت أنها لم تكن ترتديه منذ دقائق ..... هل ألبسه لها بنفسه ؟؟!!
نظرت اليه , فكأنما سألته السؤال بعينيها .... فالتقت أعينهما للحظةٍ قبل أن ينهض ليقول بصوتٍ آمر
( بدلي ملابسك ثم تعالي لتأكلي ........... )
ثم استدار مبتعدا بسرعة ينوي الخروج .... لكن و قبل أن يخرج التفت اليها قائلا بصوتٍ قاسي
( بشرى .......... من هو فتحي ؟؟ ......)
انتفضت شيراز بقوةٍ و هي تنظر اليه متسعة العينين بذهول .... قبل أن تقول بصوت مهتز قليلا
( من ؟!!! ......... )
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول بهدوء
( فتحي ..... صرختِ باسمه كثيرا ...... )
فغرت شفتيها قليلا ... قبل أن تقول بصوت خافت قلق
( ماذا قلت ؟!! ............. )
ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يقول بخشونة مقلدا اسلوبها
( ربما عليك سؤال نفسك ........... )
ارتبكت بشدة ... و تاهت عيناها تحاول جاهدة تذكر ما نطقت به ..... لكنها فشلت تماما ....
رمشت بعينيها عدة مرات ... فتحي مشرف الدار ... أي أنه ليس أحد أزواجها ... لم تكن تحل له ... بل كانت مجرد طفلة .....
دائما تتبجح بأنها لم تفعل شيئا في الحرام ... كله في الحلال ....
ماعدا فتحي ..... كان حراما بحرام .....
رفعت عينيها الخائفتين تنظر اليه بصمت .... كانت عيناه قاسيتين ... صلبتين ... غير متفهمتين
استجمعت كل قواها و هي تتلمس شعرها قبل أن تقول بخفوت دون أن تواجه عينيه
( لا أعرف أحدا بهذا الاسم .......... )
شفتاها المتكورتان و عيناها المنخفضتان ....و أصابعها المتلاعبة بأصابعها ... خير دليل على كذبها ....
لكنه لم يتكلم .... بل خرج مباشرة ....
بينما تنهدت شيراز بتعب و هي تنزلق في الفراش قليلا ..... مغمضة عينيها .....
هذه الزيجة أصعب من كل سابقاتها ..... انها تمتص كل ذرة حياة متبقية بها .....
فتحت عينيها و هي تستقيم قليلا ....لا تريد أسيرة تلك الحالة طويلا ... الحياة يجب أن تستمر ....
و هي يجب أن تقاوم حتى آخر نفس بها ....
منذ سنوات قررت أنها لن تسمح لشيء في هذه الحياة بأن يهزمها مجددا ... ستتحدى انعدام هويتها ... و ستتحدى عدم امتلاكها اي مؤهلات و ستكون أفضل من اي ممن يحملن تلك المؤهلات العلمية ... و حتى ممن لديهن أسر و عائلات .....
اتجهت الى المرآة .... تنظر لهيئتها البائسة .... و عينيها الضائعتين .....
تتذكر ذلك القسم الذي اقسمته لنفسها .....
همست بخفوت فاتر
( هي مجرد كبوة أمر بها ...... مجرد حالة ركود ...... و سأكون بخير ..... سأكون كما قررت أن أكون )
اتجهت الى الحمام كي تزيل آثار العرق و التوتر عنها .....
ثم خرجت لتفتح الدولاب ..... و تنتقي منه ما ترتديه .... فاختارت قميصا قطنيا يبدو طفوليا ... يصل الى ركبتيها .... و مشطت شعرها المبلل ..... فبدت بحالٍ أفضل قليلا ....
فقط كدمات وجهها هي السيئة الوحيدة بشكلها .... تجاهلت تلك الكدمات فسرعان ما ستزول ....
دخلت الى المطبخ بقدمين حافيتين .... مترددة و هي تنظر الى ظهر وليد و قد خلع قميصه و كأنه لا يجلس في البيت الا عاري الصدر ....
الحقيقة أن رجولته توترها ...... وسامته تربكها ....
حين وقعت في حبه , لم يكن ذلك بسبب شبابه أو وسامته أو عضلاته الضخمة .... بل على العكس هذه الأشياء هي ما كان يجعلها غير مرتاحة ...حيث أنه اقرب الى الكمال .... بينما هي في القاع ....
و حتى الآن لا يزال شبابه و ضخامته يربكانها .... لا يسحران عينيها ....
كان لا يزال يوليها ظهره وهو يضع الطعام الذي احضرته أخته في الفرن الكهربائي ....
تنحنحت قليلا ... فالتفت اليها ينظر اليها من خلف كتفه ... نظرة لا تحمل أي لطف....
ثم أعاد نظره الى ما يفعله ليقول بنفس اللهجة الآمرة
( هل تنتظرين دعوة ؟! ........ إجلسي ..... )
ارتبكت قليلا لكنها داست على الأرض الباردة ..... فصعدت على احد الكراسي العالية .... حتى أن قدميها لم تصلا للأرض ....
التفت اليها وهو يضع أمامها طبقا .... تقريبا رماه على سطح المائدة ... فأصدر صوتا عليا و أوشك على أن يتحطم ....
ثم جلس امامها .... ناظرا اليها و هي تبدو صغيرة ... شعرها المبلل متناثر حول وجهها المنخفض ...
رفعته قليلا تنظر اليه بتوتر .. و ما ان التقت أعينهما حتى عادت لتخفضهما و هي تبعد شعرها خلف أذنها بارتباك واضح ....
قال وليد بصوتٍ قاسي خشن
( كلي .............. )
أمسكت بالمعلقة و هي تنظر الى سطح المائدة الخالي أمامه ... قبل أن تقول بخفوت
( ألن تأكل ؟! ........... )
قال لها بلهجته الخشنة
( اهتمي بنفسك .......... )
تنهدت شيراز بيأس و هي تتلاعب معلقتها في الطبق دون أن تأكل ....ثم بعد لحظات طويلة رفعت وجهها و هي تضع المعلقة جانبا ...
ثم قالت بخفوت
( حسنا ...... أعلم جيدا أنك تكرهني .... تحتقرني ..... و تكره نفسك لأنك أدخلتني الى حياتك ..... لا تصدق أن تمنح اسمك لمن هي بمثل وضاعتي .... و بنفس الوقت لم تكن لتجعلني أفلت بخداعي لك .... )
أرجع ظهره للخلف ينظر اليها بملامح جامدة .... لا تحمل أي شعور ....
فتنهدت شيراز مجددا بتوتر .... ثم تابعت قائلة
( لكن و بما أنك دفعت الكثير ..... الا يمكننا الوصول الى نوع من الحياة المرضية لكلينا ..... على الأقل كي لا يضيع مالك هباءا ..... لو منحتني الفرصة أستطيع أن ....... )
قاطعها قائلا بكل هدوء .... على الرغم من ان نبرته كانت من القوة بحيث ان تشنجت منها
( أولا ......... أولا آخر همي أن تنالي حياة مرضية .... ثانيا لما تخيلتِ أن هذه الحياة ليست مرضية لي ؟!! .... جعلك تعانين هو أكثر ارضاءا لي من كل مواهب اغرائك التي لم أرى أيا منها حتى الآن ..... )
ظلت تنظر اليه طويلا .... جانبا منها كان يحثها على أن تنفجر باكية و تهرب جريا من أمام عينيه القاسيتين
لكن حالة البلادة جعلتها تمكث مكانها .... تنظر اليه بصمت , قبل أن تقول بصوتٍ فاتر
( السادية ليست طبعك ......لن تتمتع بها ... )
ابتسم بتقزز وهو يقول مشمئزا
( تتكلمين عن خبرة !! .......... )
ظلت تنظر اليه دون ان تحيد بعينيها عن عينيه ... ثم قالت بهدوء
( استطيع ان اخبرك بها افضل من اي كتاب قد تقرأه عنها ....... متعة ..... شهوة ..... لكن ليس كل الرجال قادرين على التفنن بها ..... تحتاج الى مختل نفسيا .... )
كان ينظر اليها بنفس الملامح الجامدة ....
كانا هادئين ... يتحدثان بنبرةٍ مهذبة .... تتناقض تماما مع فحوى حديثهما ....
قال اخيرا بصوت بارد جليدي
( اهانك ؟!! ................ )
قالت بخفوت ترد عليه
( كحيوان ............ )
امال وجهه قليلا و استطاعت سماع صوت نفس حاد ..... قبل ان يقول بنفس البرود
( اهكذا كنت تنظرين اليه ؟!! ......... )
التوت شفتيها للحظة خاطفة .... قبل ان تقول بهدوء
( كنت اتحدث عن نفسي ............ )
اظلمت عيناه قليلا ... و تشنجت قبضته ... و ظل ينظر اليها طويلا , قبل ان يقول بنبرة خافتة مشتدة
( أكان يعتمد على الذل أم الألم ؟؟ ......... )
ظلت صامتة قليلا تنظر اليه ..... قبل ان ترفع اصبعيها امامه قائلة ببساطة خافتة
( الاثنين ............ )
تشنج فكه بشدة .... حتى بدا و كأنه غير قادرا على السيطرة على فكه .... و عضلاته .....
حينها اخفضت نظراتها .... و نظرت الى الطبق امامها .... قبل ان يقول وليد بتقزز
( هل تنتظرين ان اشفق عليكِ ؟!! ....... )
رفعت عينين متسعتين اليه .... و على الرغم من صدمتها المؤلمة بتقززه , الا انها قالت بسرعة
( اطلاقا ....... اكثر ما اكرهه بحياتي هو أن أكون مثيرة للشفقة ..... )
ضحك دون أي احساس بالمرح .... و دون أن يبعد عينيه عن عينيها ... ثم قال بصوت محتقر
( الا تعتقدين أنكِ مثيرة للشفقة ؟!!! ........)
تجمدت عيناها .... و تبلدت ملامحها ببرود ثم قالت بصوتٍ غريب به لمحة من القسوة
( لا .... لست مثيرة للشفقة يا وليد .... و لو عاد بي الزمن لقبلت بنفس خياراتي في الحياة ..... مرة واحدة ندمت على تلك الخيارات و ها أنا الآن أعاني من ذلك الندم ...... كان يمكن أن يكون وضعي أكثر خزيا لو لم اقبل بتلك الخيارات ..... )
مال اليها بعنف فوق المائدة وهو يقول بلهجة كره
( هذه حجة كل ما يبيع نفسه برخص تراب الأرض ...... )
مالت اليه هي الأخرى فوق المائدة .... بهدوء ... و هي تسند ذقنها الى كفها ... تنظر اليه ووجهه لا يبتعد الكثير عن وجهها .....
ثم قالت بنفس الهدوء
( هناك بيع دون ثمن أصلا....... لذا أنا أعتبر رابحة بأفضل ما كان متاحا لي ..... )
ارتجفت ملامحه بغضب شديد وعيناه تطوفان بوجهها القريب من وجهه ....
لكنها همست بخفوت
( أنا آسفة لأنني خدعتك ....... لم أخدع أي ممن عرفتهم قبلا , كانو يعرفون حقيقتي و يقبلون بها.... لكن معك , لم استطع ..... بنيت حياة كاملة و انا أعتقد أنني لن اراك مجددا .... لكن الوقت كان قد فات .... و أحببت..... أقصد و تخيلت أنني أحببتك .... لذا لم أستطع التراجع عن كذبي ...... )
ارتجفت شفتيها قليلا .... بينما عيناه تتأملانها بشراسة .... و اصبعها يرسم دوائر وهمية فوق سطح المائدة .... و جانب شعرها الذي بدأ يجف متساقط على وجهها يخفي معظم ملامحها عن عينيه ....
ثم قالت بفتور خافت دون أن تنظر اليه ...
( الا يمكننا فقط أن ........ نركز على أرباحنا سويا دون التطرق لما مضى ..... لقد عاقبتني بما فيه الكفاية حتى الآن ..... )
سمعت صوت ضحكة خافتة خشنة قبل ان يقول بصوتٍ هازيء
( عاقبتك بما فيه الكفاية لليلة واحدة ؟!! ......... يبدو ان زوجك السادي لم يدربكِ جيدا , فأنتِ لا تجيدين التحمل ...... )
كان وجهها مطرقا .... و لم ترد عليه ... و لم ترفع وجنتها عن يدها التى تستند بها الى الطاولة ....
نظر وليد بعينين تشعان نارا الى اصبعها الذي كان لا يزال يرسم الدوائر ... ....
ليجد فجأة قطرة ماء سقطت فوق سطح المائدة ......
عقد حاجبيه وهو يرفع عينيه الى ما ظهر من وجهها ..... فوجد مسار تلك القطرة مرسوما في مجرى رفيع من عينها ......
تراجع بظهره للخلف وهو يشعر بشيء ينهش أحشاءه .....
ثم زفر بقوة وهو يقول بغضب
( كلي و توقفي عن كلامك الرخيص يا شيراز ....... حذرتك من التحدث عن قذاراتك السابقة و انتِ لا تتعلمين ابدا ..... )
لم ترد عليه ..... و لم ترفع وجهها .... فهدر قائلا
( كلي يا شيراز ........... )
ردت بخفوت ميت دون ان تنظر اليه
( لا اريد ............... )
اندفع تجاهها فجأة ليمسك بذقنها بين أصابعه القوية حتى ضغط شفتيها وهو يهدر غاضبا بجنون يفوق آلاف المرات غضبه من عدم أكلها ...
كان يصرخ بها بصوتٍ هادر
( لقد مللت من برودك ..... تعلمي طاعتي خلال الفترة التي سنقضيها هنا سويا ..... )
أخذت تقاوم محاولة أن تنزع يده عن فكه دون جدوى و هي تصرخ
( كفى ...... كفى .......وجههي لا يزال يؤلمني مما فعلته ليلة امس ..... )
كان غضبه من الحديث الذي تناولاه بمنتهى الهدوء منذ لحظات قد وصل به الى حافة البركان ... وهو يتخيل الصور التي رمتها لها ببرودها الذي تتبعه كاسلوب في معاملته ....
مد اصبعه بين شفتيها يفتحهما بالقوة وهو يدس بيده الأخرى بينهما بعض الطعام رغم عنها ....
كان يبدو كمن يسكتها .... لا من يطعمها !! ....
لا تزال عبارة نطقت بها من قبل تطوف بذهنه
" القذرهو من يطلب السماع بعنجهية .... ثم يظهر ضعفه المثير للشفقة بعدها ....."
أخذت شيراز تتلوى و هي تحاول القفز من على الكرسي .. بينما هو يمسك بمؤخرة رأسها و بيده الأخرى يتابع اطعامها بالقوة ...
تساقطت دموعها على وجنتيها و هي تهتف باختناق من بين الطعام المندس بين شفتيها
( كفى ..... كفى ........)
تمكنت من الإفلات منه أخيرا فقفزت على الأرض تجري حتى حوض المطبخ فاستندت اليه بكفيها و هي تبكي بخفوت و غضب مكبوت ....
بينما رمى هو الطعام الذي بيده في الطبق وهو يزفر بجنون ....
صرخت شيراز فجأة
( هذا لن يفلح ..... لن يفلح ..... انت لا تجيد اللعبة .... لعبة تكرهها و بنفس الوقت لا تريد الخروج منها ...)
صدرت عنها شهقة بكاء غاضبة .... الا أنها كبتتها بعنف وهي ترتجف و تغلي ...
و ككل مرة تدرك قبلها أنها ستقوم بتصرف متهور .... كانت قد القطت فجأة كوب زجاجي و رمته بها بكل قوتها صارخة
( هذا لن يفلح ........ )
لم تدرك أنه كان شاردا ... ينظر بتعبير كئيب الى سطح الطاولة ..
فارتطم الكوب بوجهه بشدة و عنف ....ثم سقط في شظايا على الأرض
تأوه وليد بقوة و خشونة وهو يرفع يده الى رأسه التي اصابها الدوار .... فشهقت شيراز وهي ترفع يديها الى فمها بينما اتسعت عيناها بذهول ....
نهض من مكانه وهو ينظر اليها بوحشية .... بينما تراجعت برعب لكن حوض المطبخ منع تراجعها أكثر .. و ما أن وصل اليها حتى داست على كرامتها و هتفت
( أنا آسفة ..... لم أقصد ...... لم أقصد ...... )
لكنه لم يرد .... كانت تظهر عليه علامات الجنون بوضوح .... فعلمت أنه لا هرب من فعلتها ....
مد يده يمسك بشعرها بقوة ... فصرخت بألم و هي تبكي
( آنا آسفة ........ )
و أغمضت عينيها منتظرة المزيد من الضرب ... الا أنه جذبها من شعرها ... وهو يقول بخشونة
( انزلي على ركبتيك ....... انزلي ..... )
فتحت عينيها الباكيتين و هي ترتجف بشدة ... الا أنها نزلت على ركبتيها و كفيها عند قدميه .... ترفع عينيها اليه و هي تشهق بقوة و بصورةٍ بائسة ...
الا أنه هدر بها بقوة
( ماذا تنتظرين ؟!!! ............. )
انتفضت مكانها و هي ترتجف شاهقة ببكاء مثير للشفقة ,. الا أنها هتفت باكية بعدم فهم
( ماذا ..... ماذا أفعل ؟!! ......... هل أقبل قدمك ؟!! .... )
للحظة أجفلت ملامحه وهو ينظر اليها بصدمة.... الا أنه سرعان ما مسح هذا التعبير عن وجهه و هدر بنفسٍ قوي لافح وهو يهتف بها
( اجمعي الزجاج المكسور ....... هيا ..... )
رمشت بعينيها عدة لحظات قبل أن تومىء برأسها بسرعة ... فمالت بجسمها و أخذت تجمع قطع الزجاج من كل مكان .. و من تحت الطاولة .... و لم تأبه لجروح يديها و ركبتيها ....
و ما ان انتهت ... و جمعتهم في حجر قميص نومها القطني .... ثم نظرت اليه بوجهها الأحمر بعد أن كانت قد توقفت عن البكاء ... فقالت بصوتٍ مختنق
( هل أنهض ؟............. )
نظر اليها للحظة .... قبل أن يقول آمرا
( انهضي و ارميهم ........... )
نهضت من مكانها بتعثر ... الا أنها جمعت حواف ثوبها الذي يحمل الزجاج المكسور ... ثم اتجهت به الى سلة المهملات ... و تركت الزجاج يسقط بها ....
استدارت اليه ... كانت أصابعها مجروحة بعدة مناطق ... و كذلك ركبتيها ... بينما كان هناك جرحا واضحا في جبهته ....
كان من الممكن أن تفقأ عينه !!!! ..... كان شعورها بالرعب ليس فقط منه .... بل أيضا مما فعلته !! ...
قالت بصوتٍ متحشرج
( هناك جرح في جبهتك .......... )
الا أنه لم يرد عليها على الفور .... بل اقترب منها ... الى أن وصل اليها فقبض بيده على ذقنها يرفعه اليه بقوة وهو ينظر الى عينيها المتورمتين من البكاء ...
ثم قال بهدوء يتناقض مع صدره المتسارع في أنفاسه ....
( سأعمل جاهدا على تنظيف ألفاظك و أفعالك يا شيراز ..... و سأستمتع بذلك .... ثقي بذلك )
أغمضت عينيها بقوةٍ و هي تهتف باختناق
( هذه أنا .....هذه أنا يا وليد .... لن تستطيع ..... لن تستطيع تغيري الا بكسري ....... )
ظل ينظر اليها قليلا ... قبل أن يدفع ذقنها بعيدا وهو يقول بجمود وهو يلهث قليلا
( سنرى ............ )
صمت قليلا قبل أن يقول ببرود
( الزمي غرفتك منذ الآن و حتى آتي اليكِ ....... لن تخرجي منها اليوم ..... )
هتفت بقوة و هي تضرب الأرض بقدمها و قد بدأت تنهار بأسرع مما توقعت
( أحسن ........... سيكون هذا فضلا منك أن تحرمني من طلتك البهية الى أن ..... )
مد يده ببقوةٍ يقبض على فكها مجددا حتى أغلق شفتيها بين أصابعه وهو يقول بصوتٍ خطير
( ماذا ؟!! ........ هل تقولين شيئا ؟!ّ! ...... )
ظلت عيناها المرهقتان ببعض الشراسة المتبقية بهما ... تنظران اليه .... تتحديان عينيه و بنفس الوقت تهابه و تهاب غضبه الذي باتت تملك عنه فكرة جيدة ....
فقالت أخيرا بخفوت و خنوع
( لا ....... لم أقل شيئا ........ )
كانت عيناه كعيني صقر .... ينتظر أي هفوة من فريسته , فقال أخيرا وهو يترك ذقنها
( اذهبي .......... )
اندست تحت الغطاء لفترة طويلة .... حتى نامت بعمق , كان نوما متعبا ... مليئا بالأشخاص الذين تود لو تقتلعهم من صفحة ذاكرتها ....
كانت تتأوه بين الحين و الآخر .... ثم تشهق مستيقظة .... لكنها كانت تجد الغرفة خالية , فتعود للنوم بتعب ..
لا تعلم كم من الوقت نامت .... لكن آخر مرة استيقظت بها .... كان الظلام قد حل على الغرفة ....
فقط شعاع ضئيل كان منسلا من النافذة جعلها ترى ظلا ضخما يقف في الغرفة .... فشهقت عاليا برعب ...
الا ان صوتا رجوليا قال بخفوت من بعيد ...
( نامي ...... لا تخافي ...... )
أغمضت عينيها و قد هدأ رعبها قليلا ... و ذهب عنها الوعي لعدة لحظات ... لكنها عادت و استيقظت ...
فتحت عينيها و هي تستقيم جالسة ... تنظر بحثا عن الظل الذي خاطبها منذ قليل , لكن الغرفة كانت خالية مجددا ...
نهضت من مكانها ببطىء و هي تشعر بنفسها أفضل حالا بعد أن نامت لوقتٍ غير منتهى ....
فأشعلت الضوء و نظرت الى الساعة و هالها أن تكتشف بأنها قد نامت لمدة اثنتي عشرة ساعة !!....
ألم يدخل وليد الى الغرفة كل هذا الوقت ؟!! .... ..... هل خرج و تركها مجددا ؟! ....
تنهدت بقنوط و هي تجلس على حافة السرير .... ناظرة الى حجزها الإنفرادي بصمت ......
لقد أعطاها حريتها صباحا ..... و هي تخلت عن تلك الحرية بترددها ..... فضاعت الفرصة .....
سمعت صوتا خارج الغرفة جعلها تتشنج قليلا .....
" انه هنا !! ...... "
ظلت تستمع قليلا ..... ثم نهضت بسرعة , فمن المؤكد أنه شعر باستيقاظها و أشعالها للضوء ...
فأسرعت للدولاب تفتحه ..لتتفقد الملابس التي أحضرها لمتعته ....
ابتسمت قليلا بسخرية و هي ترى وفرة من الملابس الداخلية الحريرية ... تفوق الفساتين عددا ....
ارتفع حاجبيها قليلا بدهشة و هي تلاحظ شيئا غريبا ...
لقد اختفت كل الفساتين القصيرة التي كانت موجودة صباحا !! ....
لم يعد هناك سوى ملابس البيت و الملابس الداخلية ! ....
عدد الفساتين كان لا يتعدى الأصابع ... لذا يمكنها ملاحظة اختفائهم بسهولة ....
عقدت حاجبيها و هي تفكر بتلك الطريقة المبتكرة في سجنها .... إنه يبقيها هنا مع الملابس الداخلية و ملابس البيت فقط !!! ...
زفرت بعنف و استياء ...و هي تقول من بين اسنانها
( إنه يبدو كطفل أحمق غبي ..... و يظن أنه ينافس من عرفتهم قبله بحركاته الطفولية تلك !! )
مدت يدها بعنف لتتناول أول قميص نوم وقعت يدها عليه ....
و ما أن انسدل على جسدها ... حتى استدارت تنظز الى نفسها في المرآة ....
عقدت حاجبيها بعدم راحة .... شيء ما خاطىء بشكلها .....
ليست هي شيراز التي اعتادت الإغراء و فنونه ..... بل كانت تبدو كطفلة تلعب دور الكبار و الذي لا يليق بها ...
كانت ترتدي قميص حريري أسود .... قصير للغاية .... لا يترك الكثير للمخيلة ....
شعرها متهدل حول وجهها بعفوية بخصلاته الخفيفة ... وجهها لا يزال مزينا بعدة ألوان لم تبارحه بعد ....
و هناك جروح ظاهرة على ركبتيها .... كطفلة وقعت على السلالم و هي تلعب ! ...
مدت يدها الى حقيبتها التي جائت بها أمس ... فتناولت منها أحمر الشفاه القرمزي .... و مالت لتلون شفتيها علها تحصل على منظر أكثر إرضاءا ....
تشنجت يدها و هي تشعر بالباب يفتح خلفها .... و دون أن تستدير ... وجدت وليد يدخل الى الغرفة , لتتقابل أعينهما في المرآة ....
ابتلعت شيراز ريقها و هي تستقيم .... تنظر اليه طويلا محاولة استنتاج مزاجه .....
قبل أن تستدير اليه ببطىء .... منتظرة أن يتكلم بأي شيء
كانت عيناه غريبتان و هما تتأملانها .... لم تستطع تبين انطباعه أبدا ...
هل هو رفض ؟! ..... نفور ؟!! ...... أم هل هما يبرقان بخطر !! ...
لا تعرف تحديدا .... كل ما تعرفه هو أن قلبها كان يخفق بعنف ....
فأخذت نفسا مهتزا و هي ترفع عينيها الى الجرح في رأسه .... و فجأة قالت بخفوت
( إجتماعنا معا شديد الخطورة .......... )
كانت تشير الى جروحهما المشتركة ..... و ما الغريب ؟!! ... فقد كان أول علاقتهما صفعتين متبادلتين ...
لم تعد تتوهم الآن البريق الذي رأته في عينيه ... قبل أن يقترب منها فوق بساط الغرفة ...
ثم قال بصوتٍ أجش
( الا تمثيل الليلة ؟!! ..... لا هيستيريا أو جنون ؟!! .... )
كانت تريد أن تصرخ به انها لم تكن تمثل ..... لكنها وفرت على نفسها عناء المحاولة ... فقالت بفتور و هي تنظر الى عينيه قبل أن تضع أحمر الشفاه من يدها على طاولة الزينة
( لا تمثيل الليلة ....... )
ظل مكانه صامتا .... ينظر اليها بوجهٍ جامد , و مع ذلك بدا مترددا ... ثم قال أخيرا ببرود
( جيد ........ )
و رأته يخلع قميص قطني كان يرتديه و لم يخفي عضلاته , من فوق رأسه ... ليرميه بعيدا ....
ثم واجهها بهيئته الضخمة و التي تجعلها تجفل دائما .... الفرق في الحجم بينهما كان رهيبا ... يذكرها ب الفرق الذي كان بين حجمها و بين ... فتحي ... مشرف الدار .... حين كانت اقصر و اصغر ...
بينما مع باقي أزواجها فقد كانو أطول منها بالقليل ... لم يتميز أي منهم بالطول الفارع ... لذا كانت تشعر بالتفوق الجسدي .... كانت كالند المساوي لكل منهم ....
قال وليد فجأة يشدها من أفكارها بصوتٍ متكاسل .. كثيف النبرات
( ماذا ؟!! ....... هل تفكرين في الهرب بطريقة ما ؟!! ...... فات الأوان يا شيراز )
و قبل أن تشهق حتى ....كانت قد أصبحت بين ذراعيه , اتسعت عيناها قليلا بذهول و هي تشعر بقدميها ترتفعان عن سطح الأرض ... لكن كان من المستحيل أن تستطيع النطق , ....
فدوامة ساحقة أحاطت بها ..... وهو يقبلها بقوةٍ ...... و كأنه فقد السيطرة على بروده ...
يبدو أنها لم تفقد كل قدراتها تماما ..... و جذبته على الرغم من هيئتها البائسة .....
استطاعت الهمس بخوف من بين هجومه الضاري وهو يدور بها قليلا دون أن يشعر .... فهمست و هي تبعد وجهها بصعوبةٍ فلا يسلم عنقها وفكها من هول رغبته الرجولية الشابة ...
( انتظر ...... انتظر لحظة ..... التقط أنفاسك فقط ...... )
الا انه همس بوحشية ... وهو يحملها الى السرير
( اخرسي ........ )
رماها على السرير بقوة ثم انضم اليها أمام عينيها المتسعتين , و قبل أن يطالها قالت بقلق و هي تريد ان تؤخره قليلا ...
( الا تريد أن آخذ قرص منع الحمل الى أن تتأكد !! ...... )
الا أنه مال عليها يصمت كل محاولاتها القلقة وهو يقول من بين رغبته الهائجة
( اخرسي يا بشرى ........لن آؤذيك الآن مهما حاولتِ ... .. )
أغمضت عينيها بقلق ... لكن جسدها كان متصلبا .. و كأنها تخشى عضلاته الضخمة و قوته الفجة ....
شعرت به يتباطأ قليلا ... ليمس النبض المجنون بعنقها ليقول هامسا في اذنها و كأنه يخاطب فرسا متوترة
( اهدئي ......... انتِ ترهقين نفسك )
وجدت نفسها تهمس بدون و عي و هي تدير رأسها يمينا و يسارا قليلا
( أنت قوي جدا ......... )
ساد الصمت بينهما قليلا .... لا يقطعه سوى نفسه اللاهث ... و نفسها المرتجف , ثم همس وهو يعلوها .... ليميل اليها و يقبل عنقها برفق ...
( لا بأس ...أنت لست خائفة ؟!! ..... )
لم تعلم ان كان هذا سؤالا أم مجرد تقرير واقع ... لكنها اعتبرته سؤالا فهمست بصوتٍ يرتجف قليلا
( لا ... لست خائفة ......... أنا بخير )
عقد حاجبيه من فتورها الخارجي .... و توترها الداخلي ....
لكنه أجل التفكير ... و ابعده في زاوية دفينة ... فسيطرته على نفسه انتهت و كان يريدها ... بشدة ..
هبط بوجهه اليها ... يرتوي من طفولتها الشهية ... مزمجرا برضا أعمى .....
بينما أغمضت شيراز عينيها و هي تهدأ قليلا بعد أن اطمأنت أنه تخلى عن شراسته ...
فاستسلمت ..... محاولة تذكر أنها أحبته يوما ..... عل الحب ينفعها كي تتقبل العلاقة الحميمية التي لم تثر اهتمامها يوما ..... بل نفورها في معظم الأوقات .... إن لم يكن كلها ...
.................................................. .................................................. ..................
وضعت كفها الناعم على الملف بيدها .... و هي تنظر اليه ما بين الرهبة .. و بريق الإنتصار و في نفس الوقت شعور بالتقزز ....
منذ أن حصلت على مرادها و أحضرته معها الى البيت كي لا يضيع تحت أي ظروف ....
نظر عاصم اليها في المرآة مبتسما وهو يغلق قميصه ... حيث كانت لا تزال مستلقية في السرير .. ترفع ركبتيها الى صدرها ... و عليهما استند الملف الذي لا تزال تنظر اليه بنفس النظرة منذ أن حصلت اليه ...
كان لا يستطيع ابعاد نظره عنها ....
ثلاث سنوات مرت على زواجهما و هو لايزال غير قادرا على ابعاد عينيه عنها ... خاصة حين تكون شاردة بهذا البريق في عينيها ...
بريق يشبه شخص استطاع القبض على باعوضة في كفه بعد أن أهلكته تقريصا ...و مصا في دماءه ...
و شكل صبا الآن كم يفكر كيف ستسحق الباعوضة ... هل تسحقها بين قبضتها ؟... أم تحرق أجنحتها ؟! ...
ابتسم مجددا بوله وهو يراقب صورتها في المرآة .... برقتها و شعرها العسلي الطويل المنسدل بنعومة على كتف واحدة .....
وسادته الحريرية التي يستيقظ عليها ... منذ أن منعها من جمعه أثناء نومها ...
يعشق أن يستيقظ على رائحته ... كمن يستيقظ على نسيم الزهور الآتية من نافذة مفتوحة على الحياة ....
قال عاصم أخيرا بنبرة تسلية وهو يضع عطره .. ناظرا اليها في المرآة
(هل اصبح السرير مكان لملفات قضاياك يا أستاذة ..... احذري .... قد أحيطه بسلك شائك لو لزم الأمر )
رفعت رأسها تنظر اليه في المرآة .....
فابتسمت قليلا و هي تراه مثال الهيبة و الوقار ..... يملأ العين و القلب .....
شردت بعينيها عليه .... فالتقط نظرتها بحب ... ثم قال بخفوت
( احذري من نظراتك يا أستاذة ..... فهي تفضحك بغدر ....)
افترت شفتيها عن ابتسامة عذبة أظهرت صفي اللؤلؤ كما يلقب أسنانها .... ثم قالت بدلالٍ ناعم
( توقفت عن الحذر معك يا حبيب الأستاذة .......)
زفر بقوة وهو يتجه الى السرير ... ثم جلس على حافته يوليها ظهره وهو يقول
( تجيدين حقا اختيار الكلمات المناسبة في الأوقات الخاطئة ..... أنا مضطر للخروج الآن )
ابتسمت بجمالٍ أكبر ... و قالت بحب
( في أمان الله حبيبي .........)
توقف عن ارتداء حذاءه وهو يزفر مجددا ... ناظرا الى الحذاء ... ثم أدار وجهه اليها وهو يقول كطفل متذمر
( أفكر في الإتصال بهم و تأجيل عمل اليوم للبقاء معك ......)
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها قليلا قبل أن تقول بحزم
( نفس الحوار ....كل يوم عطلة لي ..... اذهب لعملك يا عاصم فأنا لست متفرغة لك ... سأقضي اليوم في المطبخ مع عمتي لعمل المحشو .....)
عقد حاجبيه وهو يقول بشك
( ستحشين المحشو خلال اليوم بأكمله ؟!!! ....... لما لا تيأسين و تتخلين عن المحاولة كما سأتخلى أنا عن عملي اليوم ....)
ضمت الملف الى صدرها وهي تقول بحزم
( لقد بدأت في الغضب حقا من عنادك .. و أفكر في الغاء يوم العطلة الإضافي طالما أنه يجلب لي المشاكل )
عبس عاصم حاجبيه وهو يقول بغضب
( أنتِ السبب بكلماتك السخيفة الرقيقة ..... لقد أثرت عاطفتي .... بما أنك تحسنين الكلام في العطلات و الأعياد فقط .....)
ارتفع حاجبي صبا و هي تقول بدهشة
( أنا يا عاصم ؟!! ...... أنا أحسن الكلام في العطلات فقط ؟!! ......)
قال ببساطة وهو يرتدي حذاءه
( مادمت تمنعين أي كلمة غزل أمام الناس ...... و بما أننا دائما بين الناس لذا فأنا لا اسمعها منك الا في المناسبات ... )
ابتسمت بمرح وهي تراقبه الحبيب الغالي .... رجل بمعنى الكلمة .... طفل بداخله ....
ثم قالت بنعومة و أنوثة
( أخاف أن يحسدنا أحد يا حبيب الأستاذة ....... )
ضحك قليلا باستياء وهو يقول من بين أسنانه ....
( أنت حقا تتلاعبين بالنار .........)
ابتسمت بحب و هي تملأ عينيها من رؤياه ... بينها و بين نفسها ... و تحت تلك القشرة الحازمة , تحمل قلبها يخاف عليه من أن يخرج و يتركها .....
يخاف عليه من كل أنثى سيراها ..... تخاف عليه من كل ما هو مؤنث .....
لكن القوة التي اكتسبتها من والدها تمنعها من اظهار مثل هذا الضعف الغير منطقي ....
لو تركت نفسها لهواها لسجنته داخل سجن وردي .... مفتاحه معها هي فقط ... و لمنعت عنه عيون عشرات النساء ممن يرمين عليه شباكهن ....
تاهت ابتسامتها قليلا .... و هي تمس الملف بيدها .... تتأمله بصمت ....
استدار اليها عاصم يراقب نظرتها الحزينة الشاردة .... فاعتصر شيء ما قلبه .... لكنه ابتلع تلك الغصة وهو يقول متظاهرا بالسخرية
( لقد بدأت أغير فعلا من ذلك الملف بيدك ...... يبدو أنني أخطأت من البداية في مساعدتك , لقد أصبح رجالي يعملون لديكِ أكثر من عملهم لدي .... بالأمس طلبت من حسين أن يذهب لقضاء مصلحة , الا أنه قال لي ببساطة .... أنه سيفعل فور أن ينتهي من قضاء بعض طلبات الأستاذة !!..... )
رفعت وجهها اليه و هي تبتسم باشراق اضاء حياته كما اراد تماما ... و لو استطلع لمنحها من حياة قلبه كي تظل مشرقة بهذا الشكل .....
قالت صبا بسعادة
( رجالك يقومون بما أطلبه على أكمل وجه ...... إنهم يجعلون من المحاماة مهنة أسهل .... و لا أصدق ذلك العراك الذي افتعلاه مع كريم القاضي !! .... بصراحة لقد قاومهما بجسده الرياضي قليلا , الا أنه لم يصمد طويلا أمامها و هما يبدوان كبابين .... )
ضحك عاصم بشدة وهو يقول هازا رأسه بيأس
( أتخيل منظرهما حين طلبتِ منهما افتعال شجار معه .... فانتفخت أوداجهما فخرا قبل أن تتسع أعينهما ذهولا و أنتِ تتابعين طلبك خصلة شعر من المذكور ..... من المؤكد أنهما يظناكِ مجنونة !! )
ضحكت صبا قليلا و هي تقول برقة
( لكنهما أديا المهمة بنجاح منقطع النظير .... و اهم شيء هو نظافة العملية , فقد بدا شجار عادي جدا و انصرفا بعدها بعد ان فض الناس بينهم ......... هذه التفاصيل هي ما تعجبني ... )
قال عاصم بفخر
( طبعا .... إنهم رجال عاصم رشوان , ....... لكن أخبريني يا استاذة ... هل ما تفعلينه يعد قانونيا ؟!! )
نظرت اليه وهي تقول ببساطة
( بالطبع لا .......... لكن كان يجب أن يكون هذا الملف بيدي و أنا اطلب من القاضي اثبات أن كريم القاضي ليس هو في الواقع من عائلة القاضي ...... )
صمتت قليلا تتنهد و هي تنظر الى الملف للمرة العاشرة و هي تقول بتعجب
( من كان يظن هذا ؟!! ....... لآخر لحظة كان لدي شك في الأمر ...... كريم القاضي ..... ابن اكرم القاضي !! ... ليس في الواقع ابنه , و تم شراءه منذ أن كان صبي في مقتبل عمره !! ...... )
شردت ملامحها و هي تقول بخفوت متابعة
( لقد استبدل به ابنه الذي توفي وهو بنفس العمر ......... )
قال عاصم وهو ينظر اليها
( ماذا يا أستاذة ؟!! ....... هل قلبك الحنون يشعر بالشفقة عليه ؟!! ..... )
رفعت وجهها تنظر اليه و قالت بخفوت
( لا انكر ان شيء ما يعتصر قلبي كلما سمعت عن موت طفل .... و اظل افكر بحال والديه .... لكن اكرم القاضي ؟!! .... لا , انه لا يستحق اي شفقة ..... كان هذا الولد بالنسبة له عبارة عن ضمان لعدة صفقات غير مشروعة .... أنت لا تعرف ما فعلاه بالفتاة المسكينة .... )
رفع رأسه اليها يقول بحنق
( اعرف حبيبتي ...... لكن مالا اعرفه هو ما الداعي لكل هذا اللف الطويل ؟!! ...... لدينا في الحي لو تجرأ أحد الشباب على فعل هذا بفتاة , يمسك به رجال الحي و يقومون بضربه و التعليم عليه بجروحٍ تترك اثرا دائما ... و حلاقة شعر رأسه , ثم يجر الى المأذون هو ووالده الى أن يعقد قرانه عليها ....... )
نظرت اليه بلا تعبير ... أقرب الى اليأس , ثم قالت بهدوء
( و يتم تسليم الفتاة له كي يغتصبها كل ليلة !! ....... أنتم تكافئونه بهذا الشكل ..... )
رفع احدى حاجبيه وهو يقول
( لو ترين بعض مما يحدث له حين يقع بين أيدي الرجال ,,, فلن تقولي مكافأة أبدا .... )
قالت صبا بغضب و هي تستقيم جالسة
( و ماذا عن الفتاة ؟!! ..... الا يفكر بها أحد ؟!! ..... أن تعاقب بخدمته العمر كله بعد ما فعله ... )
قال عاصم بصلابة و خشونة
( هذا نتيجة تصرفها ....... و عليها تحمل نتيجة اختيارها ..... في زمنٍ قديم كان والدها يقتلها ... لذا عليها أن تكون شاكرة أن الجميع تكاتف للحفاظ على سمعتها .... )
هتفت صبا من بين أسنانها
( لمجرد خطأ ارتكبته في مقتبل حياتها .... تظل تتعذب المتبقي من حياتها ؟!! .... )
قال عاصم بصرامة
( بعض الأخطاء لا اصلاح لها الا بالعذاب أو الدم ....... الشرف لا خيار ثالث له ... )
زمت صبا شفتيها و هي تهتف بحدة
( أنتم تتبعون نفس العقاب مع الفتاة المغتصبة ...... هل يمكنك اخباري ما ذنبها هي الأخرى ؟!! ... )
عقد عاصم حاجبيه بشدة وهو يقول
( نحن نحافظ عليها من الفضيحة و ضياع مستقبلها ..... من سيقبل بها فيما بعد ؟! .... )
هتفت صبا بغضب و هي تضرب سطح الملف بيدها قائلة بجنون
( هذا ليس عدلا ......... أنتم تجنون عليهن ..... )
قال عاصم بحنق وهو ينهض من مكانه
( صبا دعينا لا نتجادل .... فنحن دائما لا نتفق .....)
قالت صبا باستياء بالغ
( هذا ما يبدو .............. )
اتجه عاصم الى طاولة الزينة يأخذ ساعة معصمه وهو يقول
( أريد فقط انذارك أن أسرة هذه الفتاة ملك .. لن تطلب سوى زواج كريم القاضي بها رسميا ..... فلا تتوهمي أنهم يريدون معاقبته .... أو أنهم سيهتمون بالقانون في حالتهم الصعبة تلك ..... )
قالت صبا بقسوة
( مكتبي مكتب محاماة ..... و ليس مكتب مأذون .... أنا لن أسلمها له بهذه الطريقة ..... )
استدار عاصم اليها ليقول بهدوء متصلب
( أنت لم تقابلي الفتاة بعد ........ و عليك الإلتزام بما يريدونه .... )
اتجه الى الباب ينوي الخروج .. لكن قبل أن يخرج , استدار اليها .... ينظر اليها و هي تجلس في السرير و ملامحها تعلوها القنوط و الرفض ....
( صبا ....... الفضيحة القانونية التي تخبئينها لأكرم القاضي ستكون كارثة ..... و أنا لن أسمح بأن يمسك مكروه ..... هلا توقفتِ رجاءا عن اللعب مع الكبار ؟!! ...... )
رفعت ذقنها اليه وهي تقول بكبرياء رافض و عينين تشتعلان
( من قال أن أمثاله من الكبار ؟!! ........ الكبار من وجهة نظرك , هم القاع من وجهة نظري أنا ..... لذا الذي سيحسم اختلاف وجهات النظر بيني و بينك .... هو القانون .... )
التوى فكه بشدة ..... قبل أن يقول بجمود
( انتِ تنتهجين بعض الوسائل الغير قانونية خلال سعيك لتطبيق القانون يا استاذة ..... لذا لو فكرتِ قليلا ستجدين أنكِ تنحرفين الى المنطقة الرمادية رغما عنك ....... و بناء عليه , عليك منح البشر نفس الحق في تلك المنطقة .... )
فتحت صبا فمها تنوي الدفاع بغضب الا أنه رفع يده ليقول بصرامة
( صبا ....... اياكِ و التدخل بما قد يضرك , تعلمين أنني سأتدخل أيضا ...... لذا أنبهك من البداية ... )
صمت قليلا وهو ينظر اليها بنفس الصرامة ... قبل أن يرق صوته قليلا وهو يقول
( فكري قبل أي تهور ..... أن هناك من ينتظرك كل ليلة .... و قد يموت لو اصابك مكروه .... )
أسر عينيها الحزينتين بعينيه ..... و للحظات تشاركا نفس التفكير , ... ربما لو كان لديهما طفل لما كانت لتجازف بنفسها هكذا .....
فكر عاصم في هذا التفكير وهو يشعر بأن وجود الطفل كان ليحميها من جنونها و تهورها
و فكرت صبا في هذا التفكير و هي تشعر بأن وجود الطفل كان ليسعد قلبه .... و يضيء حياته بدلا من سعيه خلفها أثناء كل قضية خوفا عليها ....
تكلم أخيرا قائلا بصوتٍ أجش
( استعدي و الحقيني ..... تعرفين أن أمي لا تحب الفطور بدونك ..... )
ابتسم قليلا ... ثم قال بخفوت
( و ابنها لا تهنأ له لقمة الا أن تسبقها واحدة بين شفتي بنت السلطان ...... )
خرج عاصم من الغرفة , مغلقا الباب خلفه .... بينما بقت صبا مكانها تنظر الى الباب المغلق بصمت
لطالما تناقشا في قضاياها .... اعتادت ... بل أدمنت ..أن تقص له كل قضية و هي مستلقية على ذراعه و كأنها تقص له قصة .... تسمع رأيه و تهتم به .... لكن نادرا ما توافقا برأي واحد
حتى الآن لا تزال نفسها ... كيف يمكن لإثنين أن يكونا على هذا القدر من الإختلاف ... و بنفس الوقت استطاعا أن يفهما بعضهما من نظرة .... من ابتسامة ....
الجميع بات يعلق على تفاهمها مازحا .... و كأن بينهما سلكا غير مرئي ... يصل بينهما دون الحاجة للكلام ...
فقط لو تستطيع أن تمنحه جزءا و لو يسيرا من الرضا الذي يمنحه لها .... لو فقط تستطيع أن تحمل طفله ...
نظرت الى الملف بيدها و هي تهمس باختناق
( بأي حق من يريد طفلا .... يقوم بشراءه بتلك البساطة و يتوقع الفرار بفعلته ؟!! ..... )
.................................................. .................................................. ......................
نزلت صبا جريا على السلالم جريا كي لا تتأخر على طعام الفطور ... و هي تشعر بتأنيب الضمير لأنها لم تحضره مع روعة ....
كانت روعة و عاصم يولياها ظهرهما و هما يجلسان الى المائدة ... فلم يلحظا قدومها و روعة تقول بخفوت
( عاصم ..... لم تخبرني برأيك فيما تكلمنا به ليلة أمس ....يريدون الخطبة أن تكون خلال اسبوعين ... )
توقفت صبا مكانها قليلا ... و شعرت بصدرها ينبض بقلق ... و ما أن لمحتها روعة حتى قبضت على معصم عاصم المرتاح امامها على سطح المائدة و هي تقول بخفوت
( سنتحدث فيما بعد ..........)
حينها شعرت صبا بأنها غير قادرة على الحركة ... فقالت روعة و هي تنظر اليها مبتسمة ببشاشة
( تعالي يا حبيبة عمتك ....... لماذا تقفين هناك ..... )
استدار عاصم ينظر الى وجه صبا الشاحب ... فقال بقلق
( ماذا بكِ يا صبا ؟!! ......)
ظلت صامتة قليلا تنظر اليهما بهلع صامت ..... حينها أزاح عاصم الكرسي بقوة و هو ينهض ليسرع اليها فأسندها ليقول بقلق متضاعف
( ماذا بكِ ؟!! ....... هل هناك ما يؤلمك ؟!! ...... )
رفعت وجهها اليه و ابتسمت باهتزاز قليلا ثم قالت بصوتٍ خافت
( أنا بخير ...... بخير ...... أنا بخير )
عقد عاصم حاجبيه بشدة و هو يقول
( لقد ذكرتها ثلاث مرات .... مما ضاعف من قلقي ...... )
أمسكت بمعصمه و هي تبتسم أكثر قائلة بخفوت
( أنا بخير ....... )
ثم تركته و اتجهت لتجلس الى الطاولة .... بينما عقد هو حاجبيه أكثر و هو يلاحظ أنها نطقتها للمرة الرابعة ... و صبا ليس من طبعها أن تعيد الكلمة مرتين !! ....
كانت وعد تتكلم في هاتفها بلهفة ... و هي تروح و تجيء بعصبية .... تتلاعب بشعرها و ترجعه الى خلف رأسها بتوتر ... بينما بعض الأمل ظاهر على وجهها ..
ثم توقفت مكانها و هي تقول بجنون
( لا ... لا .... لااااا ... أنا لا أريد سوى أن يتم عقد القران رسميا .... أرجوكِ لا تقومي بأي إجراء )
وقفت ملك في الرواق الطويل واضعة يدها على الجدار و هي تستمع الى وعد تتكلم ... بينما كانت ملامحها جامدة ... متبلدة ... و عيناها منطفئتا الحياة ....
رأت وعد و هي تعقد حاجبيها و هي تهتف
( رأيها من رأيي بالطبع ..... لقد كان اختيارها منذ البداية .... )
انعقد حاجبي ملك قليلا بينما أظلمت عيناها ألما .... خاصة ووعد تتابع هاتفة بقوة
( طبعا يمكنك سماع ذلك منها ......أرجوك ....أنا لا أريد أفساد هذا الزواج ....لن يكون لها مستقبل لو دخلنا في قضايا من هذا النوع ... انا فقط اريد ان نهددهم الى ان يستسلموا .... )
ظلت تسمع .. قليلا و هي في غاية التوتر .... تقضم اظافرها ... مطرقة برأسها ..... و ساقها تهتز بعصبية ..
على عكس ملك التي كانت تراقبها من بعيد ... ببرود وبلا حياة .... فقط لمحة ألم ظللت عينيها ....
انتهت وعد حوارها قائلة
( نعم ..... نعم ..... لن أفعل ...... حاضر .... شكرا لكِ .... شكرا ...... )
تركت وعد الهاتف من يدها لتلقيه على الأريكة .... ثم رفعت شعرها بكفيها و هي رجع رأسها للخلف ... مغمضة عينيها .. تتنهد بتعب ....
اقتربت ملك منها دون أن ترفع عينيها عن وعد .... ثم قالت أخيرا بصوتٍ خافت فاتر
( مع من كنتِ تتحدثين يا وعد ؟! ........ )
انتفضت وعد و هي تخفض رأسها تنظر الي ملك الواقفة خلفها بوجه شاحب .... فارتبكت قليلا , ثم قالت أخيرا بوجوم
( إنها المحامية التي أستشيرها بخصوص موضوعك ...... )
ظلت ملك تنظر اليها قليلا بصمت ... قبل أن تقول بصوتٍ خافت
( ها قد قلتها ..... موضوعي .... الا ترين أن من حقي المشاركة فيما تتجادلانِ به ؟! .... )
تجمدت وعد مكانها تنظر الى ملك ... و قد ضاقت عيناها قليلا , ثم قالت بهدوء
( أظن أنه لا جدال من الأصل يا ملك ...... نحن نحاول تهديدهم كي يتم عقد القران رسميا ... فهل لكِ رأي مخالف ؟!! ...... )
أطرقت ملك برأسها لعدة لحظات .... فظنت وعد أن الأمر منتهي , لكنها رفعت وجهها فجأة و قالت بهدوء
( اذن من واجبي اخبارك ..... أنني لن اتزوجه مطلقا ..... مطلقا يا وعد .... فأريحي نفسك من عناء المحاولة .... )
اتسعت عيني وعد بذهول و هي تصرخ
( ماذا ؟!......... )
الا أن ملك استدارت وابتعدت عنها و هي تقول
( ما سمعته يا وعد ...... أنا لن أسلم نفسي له من جديد .... و لن أقبل أن تجبروني على ذلك ... )
اندفعت وعد خلفها صارخة
( انتظري هنا ..... أنا أكلمك ..... )
وقفت ملك مكانها مكتفة ذراعيها بصلابة دون أن تستدير اليها .... فتقدمتها وعد لتواجهها ثم هتفت بغضب
( من تعاندين ؟!! .... و لماذا ؟!! ..... ألم يكن هذا هو خيارك ؟!! ..... اليس هذا هو الشخص الذي تحبينه ؟!! )
قالت ملك بقوة قاذفة بالكلمات
( كنت أحبه .... كنت ...... الآن بتت لا أقدر على الإقتراب منه ... أنت لا تعرفين بعد ذرة مما فعله بي ... )
صرخت وعد بجنون
( أعرف ..... أعرف أنه قذر ... حقير .... و كل البشاعة به .... لكنه كان خيارك يا ملك و أنتِ الآن في مصيبة كبيرة بسبب خيارك هذا ...... لذا عليك أن تتحمليه بكل بشاعته ..... لأن لا غيره سيقبل بكِ )
صرخت ملك بجنون هي الأخرى و هي تلوح بذراعيها
( و هل تظنين أنني قد أفكر بالزواج أبدا ؟!!! ...... ثم اهتمي بنفسك رجاءا .... اهتمي بزواجك انتِ ... انتِ حتى الآن لم تذهبي الى سيف ..... تريدين مني طاعتك في الزواج من شخص ببشاعة شادي ... بينما أنتِ تتركين كبريائك الغبية تتحكم بكِ كي تخسرين شخصا مثل سيف !!! .... )
أجفلت وعد قليلا و هي تقول بتوتر
( و هل هذا جزائي يا ملك ؟!! ..... لقد نسيت طلاقي الذي مر عليه أكثر من اسبوع و نسيت نفسي و حياتي كلها ... كي أحاول ايجاد حل لكِ تعويضا عما فعلته معك من قبل ..... فلماذا تعاندين معي ؟!! ... )
صرخت ملك بغضب
( أنا لا أعاندك .... هل تظنين أنني بمثل هذه السطحية ؟!! .... لقد وقعت في اختيار خاطىء , لكن ليس من المنطق أن أكمل حياتي المتبقية كلها .. هذا إن تبقى بها شيء في تحمل عواقب هذا الخيار ..... )
صمتت قليلا ... ثم هتفت متابعة بأنين
( أرجوك اذهبي الى سيف قبل أن تذهب الفرصة منكِ للأبد ........ و اتركيني أنا لمصيري )
اقتربت وعد منها تمسك بذراعيها بقوة و هي تقول بألم
( أعرف أنه اختيار خاطىء ..... لكن أنتِ لا تعرفين عواقب أن تظلين بمثل هذا الوضع .... أسوأ ألف مرة ... سيحاكمك الجميع ... و تصبحين درجة دنيا من المجتمع .... صديقيني أنا أريد مصلحتك ... و لو لم تستطيعي تحمله فيما بعد ... فلتطلبي منه الطلاق .... هذا ان لم يطلقك هو من نفسه .... )
أظلمت عينا ملك و هي تهمس بألم
( أترين أي مقامٍ رخيص تريدن مني القبول به !! ......... )
اسقطت وعد كفيها عن ذراعي ملك بيأس و هي تهمس بإختناق
( كان خيارك يا ملك ...... كان خيارك حبيبتي .... )
همست ملك بصعوبة و اختناق
( أنا اريد البقاء وحدي يا وعد ..... رجاءا .... انزلي الى عملك ..... )
استدارت تجري الى غرفتها ثم صفقت الباب بكل قوتها .... بينما بقت وعد تنظر الى الباب المغلق بيأس و رغم عنها سقطت دمعة من عينيها لم تستطع كبحها .....
.................................................. .................................................. ...................
أغلقت ملك الباب ثم ارتمت على سريرها تبكي بقوةٍ .... شاعرة بظلم أكبر مما تستطيع تحمله
لكنها بنفس الوقت لا تستطيع لوم الا نفسها .....
لم تشعر يوما أنها كانت عالة أو عبىء ثقيل على أحد مثلما تشعر في تلك اللحظة .....
سمعت صوت هاتفها يرن فجأة .... فتصلبت و شهقت شهقة بكاء مختنقة .... ثم نظرت الى شاشة هاتفها فاستطاعت التعرف الى رقمه ....
لقد ظل يهاتفها منذ أن أحضرها الى وعد ..... و هي لا ترد عليه .....
صحيح أنه لا يلح الا باتصال واحد .... ثم يغلق بعدها .... الا أنه كان يواظب على المحاولة كل يوم ...
لم ييأس يوما .... و لم يتوقف عن الإهتمام ....
كان صدرها يؤلمها بمثل هذا الإهتمام المهذب الهادىء .... تريد الصراخ به ان يتوقف
و على الرغم من ذلك كان اتصاله اليومي هو لحظة الرفق بها و التي تنتظر سماعها كل يوم .....
ظلت تنظر الى الهاتف بعينين حمراوين كبيرتين ... و شفتين تبتسمان خلسة .... بحزن
و ما أن انتهى الإتصال حتى أغمضتهما بألم .... و هي تشعر بأن الساعات ستطول قبل أن تسمع رنينه مجددا
الا إنها انتفتضت و فتحت عينيها على أقصى اتساعهما حين سمعت الرنين مرة أخرى !!
كانت المرة الأولى التي يتصل بها مرتين !! ....
و كانت المرة الأولى التي ترد بها عليه ... وضعت الهاتف على اذنها تسمع بصمت فقال بصوته الهادىء الذي افتقدته كثيرا
( هل كان واجبا علي أن أتصل مرتين كي تردي علي ؟!! ........ )
كان نفس صوته ... الا أنه كان يحمل نبرة غريبة .... و كأن بها .... لهفة ... افتقاد يماثل افتقادها ... شوق ...
ارتجفت قليلا من الكلمة الأخيرة ... فأخذت نفسا مرتجفا قبل أن تقول بخفوت
( كان بإمكانك المجيء الى هنا ........)
سمعت صوت تنفس خافت ... لكن طويل .. و حار .... ثم قال بعد فترةٍ بصوت أجش هادىء
( لا صغيرتي ...... لم يكن ذلك بإمكاني .......)
همست ملك بشجاعة و دون مقدمات
( لماذا ؟؟ ...................)
ساد صمت طويل متوتر بينهما .... قبل أن يقول بهدوء
( لأن ...... لأن هذا لن يفلح , بوضعك الحالي ..... خاصة و بعد رجوعك لأختك ......)
ابتلعت ملك ريقها و قالت بخفوت قاسي قليلا
( اذن هل تتصل بي لتطمئن على تلك الحمقاء التي زجت بك يوما بكل هذه المشاكل ..... بعد أن كانت حياتك هادئة .....)
قال رائف بخشونة
( لا تتكلمين بهذا الشكل عن نفسك ......... )
قالت ملك بقوة
( بل سأتكلم بهذا الشكل يا رائف ..... انهم يسعون لتزويجي به مجددا ..... ألن تساعدني ؟!! ...)
ساد الصمت مجددا , الا أنها استطاعت سماع حشرجة أنفاسه بوضوح .... فهتفت بقوة
( الن تساعدني يا رائف ؟!! .............)
قال بصوتٍ خافت
( أنا فعلا أساعدك ...... فقد حافظي على ثقتك بي , لو كنت تملكين بعضا منها )
ردت ملك بصوتٍ مترجي على الرغم من نبرة الصرامة فيه
( اذن متى سأراك ؟! ...........)
انتظرت اجابته و صدرها يخفق بعنف ..... و حين رد أخيرا قال بصوتٍ قوي , خشن ... يبدو كزمجرة أسد غاضب
( يوم الزفاف ..........)
فغرت شفتيها قليلا و اتسعت عيناها و هي تهمس باهتزاز
( أي زفاف ؟! .......)
لم يحتج الى وقتٍ طويل قبل أن يقول بصوت جامد ... كالرخام البارد
( زفافك من كريم ......لن يكون أقل من زفاف كبير ... سيراه العالم كله .... و يعرف الجميع بأنكِ تزوجتِ .... .)
كانت تتنفس بصوتٍ عالي .... و كأنها تركض بسبق طويل لا ينتهي .... و كان هو على الجانب المقابل يستطيع سماع صوت تنفسها مغمضا عينيه .... و كأنه يعمل على تعذيب نفسه كما تتعذب هي ...
الا أنها ما أن تمكنت من النطق حتى قالت بهدوء لاهث
( اذن سأهرب ....... سأهرب منكم جميعا ..... )
فتح عينيه و انتفض هادرا
( اياك يا ملك ...... اياك .......)
الا أنها هتفت بقوة
( أخبرتك مرارا أنني لن أستطيع ......لن أستطيع .... أنتم لا تعلمون .... لا تشعرون بما سيصيبني ...)
هدر قائلا
( أنا أعرف .... و أشعر بك اكثر من نفسك , لذا سأحميك منه و من نفسك لو تطلب الأمر .....)
رمشت بعينيها قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( سأهرب يا رائف ...... اعذرني إن كنت أضعف مما ظننتني ...سامحني لو خذلتك ... )
و دون أن تجد القدرة على سماع صوته أكثر أغلقت الهاتف ... الا أنها سمعت صوته يهتف باسمها غاضبا في النهاية ....
تركت هاتفها و هي تأخذ نفسا مختنقا ... جاهدة كي تتحمل ألم سماع صوته في هذا الوقت تحديدا ...
.................................................. .................................................. ....................
( هل أنت كريم القاضي ؟؟ ...... )
كان يسأل السؤال بصرامة .... على الرغم من معرفته الجواب جيدا ...
زفر كريم بقوةٍ وهو يستدير الى من يخاطبه قبل أن يدخل سيارته ... الكثير من الباشر باتو يحتكون به بطريقة توشك على أن تفقده أعصابه ....
استدار بخيلاء وهو ينظر من يحداثه بصلف .... فرأى رجلا ضخما , طويلا ...صلب الملامح و عيناه تختفيان خلف نظارة سوداء ... يقف أمامه واضعا كفيه بجيبي بنطاله ....
رفع كريم ذقنه وهو يقول بغرور
( من يريده ؟! .......... )
لم تتغير ملامح الرجل .... بل ظل ينظر اليه بنفس الجمود و الصلابة التي تبدو كاحتقار نوعا ما .... الا أنه قال أخيرا بهدوء
( غريب الا تتعرف الى صهرك ......إنها ليست بداية جيدة ..... )
عقد كريم حاجبيه بشدة وهو ينظر الى ملامحه .... نعم يعتقد أنه رآه من قبل , هل هو زوج أخت ملك بالفعل ؟!!
لقد رآه من بعيد في عدة مناسبات في الظلام .... كما كان مختفيا دائما ينتظرها
قاد سيف دفة الكلام و هو يقول بصرامة
( لقد وصلت دعواك الي بيتي ذات يوم .... تلك التي تتهم فيها ملك بأنها مجنونة كاذبة ... و تترصدك ... )
ارتبكت ملامح كريم قليلا ... قبل أن يرفع ذقنه مجددا قائلا باهتزاز
( لا أعلم ما تتحدث عنه ........ )
لم يهتز سيف , بل قال بهدوء
( ما هو الذي لا تعلمه ؟!! .... الدعوى التي ارسلتها أنت ووالدك .... أم ملك زوجتك ؟!! ... حدد من فضلك لأن الخيارين متناقضين ...... )
توتر كريم قليلا وهو يستدير ينوى فتح سيارته و الإبتعاد قائلا
( لا أستطيع البقاء ..... اعذرني )
الا ان سيف كان أسرع منه فقبض على ذراعه بشدةٍ وهو يديره اليه قبل أن يرميه الى سيارته فارتطم ظهره بابها ....
ثم قال بصرامة
( عرفت أنك جبان قبل أن آتي ......... لكن على الأقل كلمني رجلا لرجل ... لا تهرب بهذا الشكل المخزي , راكضا الى أبيك تسأله المشورة قبل أن تنطق بكلمة .... )
سكن كريم ينظر اليه دون أن يحاول تحرير ذراعه من كف سيف ....
هدرسيف بصرامة جعلته ينتفض مكانه
( أنا لست أحمل معي أي وسائل تسجيل .... ان كان هذا ما يرعبك , فهل تريد تفتيشي ؟! ...)
ظل كريم يتنفس بضيق قليلا ... قبل أن يقول بخفوت متردد
( ماذا تريد ؟ .............)
هدر سيف بنفسٍ قوى و هو يدفع ذراع كريم بتقزز ... ثم عدل قميصه قبل أن يقول بصرامة
( لن يمكننا الكلام هنا ....